( 949 الصبر ، والرضا ، وبكاء النبي ، وبكاء الناس )
الرضى أفضل من الصبر ، ويفسر بعضهم الرضى بأنه استواء حالة المصيبة وعدمها .
وبكاء النبي لا ينافي الرضى بحال ، بل فيه القيام بحق الله سبحانه من الصبر والرضى ، وقول الكلام الحق ، والبعد كل البعد عن الكلام السوء عند المصائب ، ورحمة للمخلوق ، وفي بعض الروايات " أنه(1) جيئ به ونفسه تقعقع"(2) فلحقه صلى الله عليه وسلم ما يعانيه هذا الطفل ، فجمع بين حق الله وحق المخلوق ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أشفق الأمة . وكثير من الناس بكاؤهم ليس إلا لفقد ذات الشخص ، أو لمنفعة منه . فالحاصل أن بكاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما يضعف الصبر ولا الرضى . والذين لا يبكون ، ويظنون أنهم أفضل من النبي في هذه الحالة غالطون ، فإن البكاء إذا كان رحمة للميت فهو أفضل من عدمه ، وإلا فليس أفضل . (تقرير)
(950 ـ قوله لا جعل علامة )
فإن الناس ولا بد يحبون أن يعرفوه . ذكروا هذا ها هنا وهو لا ينبغي ، فإنه بدعة(3) . (تقرير)
(951 ـ يا أبتاه إلى جبريل ننعاه .
استدل به بعض أهل العلم على أن القليل من الندب إن كان على سبيل الحقيقة جاز (تقرير) .
(952 ـ النياحة أنواع )
منها تعديد فضائل الميت على وجه التفجع . ومنها الصراخ والصوت بالبكاء . ومنه شق الجيوب ،وجعل الرماد على الرأس أو حشو التراب ، أو التخبيط على الجسد ، ونحو ذلك مما يظهر منه الجزع على المصيبة . (تقرير)
(953 ـ الميت يعذب في قبره بما نيح عليه) (4) .
__________
(1) أي ابن بنت النبي صلى الله عليه وسلم
(2) متفق عليه .
(3) وفي حاشية " الروض المربع" ج1 ص358 : ولم يره بعضهم وقال في المذهب : يكره لبسه خلاف المعتاد .
(4) متفق عليه .(3/199)
المعنى يعرض عليه عمل قريبه ، يتنعم لكون قريبه حياً على الاستقامة ، ويتألم بالسيء منها ويتحسر ، وهذا هو عذابه ، فإن عذاب الأرواح من المعلوم أن له تأثيراً حتى يؤثر في الأجسام والقلوب ، وبهذا تجتمع الأحاديث .
ويقوي هذا " يعذب ببكاء أهله "(1) فالمراد البكاء المتعدي ما يباح شرعاً ، الخارج إلى المحرم ، والعذاب هو ما تقدم لك . (تقرير)
(954 ـ بناء مظلة عند المقبرة للمعزين)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك وفقه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبالإشارة إلى المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 15/11/1215 في 19/2/1377هـ المختصة بطلب بلدية الطائف بناء مظلة عند المقبرة الواقعة جنوبي مسجد ابن عباس رضي الله عنهما ، وما عارضت به رئاسة القضاء ورئيس هيئة الأمر بالمعروف بالطائف ، معللين بقصد اتخاذ المظلة مجلساً لعزاء المصاب بالميت وهو أمر لا ينبغي شرعاً وبأنه شيء لم يكن على عهد السلف ، وربما يكون ذريعة إلى مفاسد أخرى .
وبتأمل ذلك وجدت تلك المعارضة في محلها ، وحينئذ ينبغي منع البلدية من بناء تلك المظلة . والله يحفظكم . في 16/5/1377هـ .
(955 ـ قوله : ولا تعزية بعد ثلاث)
هذا أُخذ واستنبط من النهي عن الإحداد على الميت غير الزوج فوق ثلاث . ونعرف أنه لم يجئ نص يحددها هذا الحد (تقرير)
(956 ـ قوله : لا بكافر )
ثم يعرف من هذا أنه غير محذور أن يتأثر الإنسان بالمصيبة للقريب ولو كافراً ، فلم يمنع الشرع منه ، لأنه أمر طبيعي كالتألم من البرد والحر . (تقرير)
آخر الجزء الثالث
ويليه الجزء الرابع الزكاة والصيام.
__________
(1) روى ابن أبي مليكة قال : توفيت بنت لعثمان بمكة وجئنا لنشهدها واني لجالس بين ابن عمروا بن عباس قال ابن عمر لعمرو بن عثمان : الا تنتهي عن البكاء ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" وذكر بقية الحديث . متفق عليه .(3/200)
فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبدالرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ
الجزء الرابع : الزكاة ـ الصيام
(كتاب الزكاة)
(نصيحتان)
(957) ـ الأولى : في التذكير بفريضة الزكاة ، وبيان الحكمة في ايجابها ، والاضرار والمفاسد المترتبة على منعها )
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ إلى من يبلغه من المسلمين ، وفقني الله وإياهم إلى صراطه المستقيم ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فإني أحمد الله رب العالمين ، وأصلي واسلم على رسول الله وخاتم النبيين ، نصح أمته وقال فيما صح عنه :" الدين النصيحة"(1) وأنزل الله عليه (وذكر فن الذكرى تنفع المؤمنين ) (2)
__________
(1) رواه مسلم وأبو داود والنسائي .
(2) سورة الذاريات ـ آية 55 .(4/1)
ثم إن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة التي تساهل بها بعض الناس وغفلوا عنها ، مشتغلين بتدبير أموالهم عن فريضة من فرائض الدين ،وركن من أركان الإسلام يكفر جاحده ،وتقاتل الطائفة الممتنعة من أدائه ، ولقد ذكر الله في كتابه الزكاة مقرونة بالصلاة فقال (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (1) وقال (وماأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة ) (2) وأمر تعالى رسوله بأخذها حيث يقول (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) (3) وجاء الوعيد الشديد على من بخل بها وقصر فيها ، قال الله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ماكنزتم لأنفسكم فذوقوا ماكنتم تكنزون) (4) وفي الحديث الصحيح : " مامن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد"(5) وفي الصحيح :" من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوق به يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك" .
__________
(1) سورة الحج ـ أية 78 .
(2) سورة البينة آية ـ 5 .
(3) سورة التوبة ـ آية 103 .
(4) سورة التوبة ـ آية 34 .
(5) أخرجه الستة إلا الترمذي ، وفي رواية : " من آتاه الله مالاً إلخ " .(4/2)
ولا يخفى مامن الله به على عباده من نعمة المال ، ولاسيما في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه المصالح والخيرات ،واتسعت فيه أسباب الرزق ، وتضخمت فيه أموال كثير من الناس ،وما الأموال إلا ودائع في أيدي الأغنياء ،وفتنة وامتحان لهم من الله لينظر أيشكرون أم يكفرون . ومن شكرها وقيد النعمة فيها أداء زكاتها، والصدقة على الفقراء والمساكين ، والإنفاق مما استخلفهم الله فيه ، قال تعالى : { أمنوا بالله ورسوله ، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، فالذين أمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبير ) (1)
__________
(1) سورة الحديد أية – 7 .(4/3)
…ومن الحكمة في تشريع الزكاة مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء . فلو قام الأغنياء بهذه الفريضة حق القيام وصرفوا الزكاة مصرفها الشرعي لحصل الفقراء والمساكين ما يكفيهم ، ولا يحتاجون معه إلا غيره . أما إذا منع الأغنياء ما أوجب الله عليهم من فريضة الزكاة فإنه ينشأ من هذا أضرار ومفاسد كثيرة من تعريف العبد نفسه للعذاب العظيم ، وكراهة الله والناس له ، وتسبب لإهلاك المال وانتزع البركة منه ، ففي الحديث " ما خالطت الزكاة مالاً قط إلا أهلكته ،(1) ومن ظلم للفقراء والمساكين وإيصال الضرر إليهم ،ودعوة له إلى ارتكاب شتى الحيل في الحصول على لقمة العيش ، والتعرض للوقوف في المواقف الحرجة ، والإلحاح في السؤال ، بل ربما اضطرتهم فاقتهم وشدة الحاجة إلى السرقة والإقدام على بعض الجرائم ، لما يقاسونه من ألام الفقر والمسكنة التي لو أحس بها الغني يوماً من الدهر لتغيرت نظرته إليهم ، ولعرف عظيم نعمة الله عليه وإذا كان في الزكاة مصلحة للفقراء والمساكين وبهم ضرورة إليها فإن فيها مصلحة لأرباب الأموال ، وبهم ضرورة إلى أدائها من تطهير وتزكية لهم ، وبعد عن البخل المذموم ، وقرب من فعل الكرم والجود ، واستجلاب للبركة والزيادة والنماء ، وحفظ للمال ودفع الشرور . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره " رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحة ، وعن أنس رضي الله عنه قال : أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق ؟ فقال رسو الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقربائك ، و تعرف حق المسكين ، والجار ، والسائل ، رواه أحمد وعن الحسن رضي الله عنه الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ، واستقبلوا
__________
(1) أخرجه البزار عن عائشة .(4/4)
أمواج البلاء بالدعاء والتضرع " رواه أبو داود في المراسيل .
… وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لمن جاء بالزكاة فتارة يقول : " اللهم بارك " وتارة يقول :" اللهم صلى عليه " (1)
…هذا ولقد تولى اله قسمة الزكاة بنفسه وجزأها إلى ثمانية أجزاء .
أما الأشياء التي تجب فيها الزكاة فهي أربعة أصناف : الخارج من الأرض كالحبوب والثمار ، وبهيمة الأنعام ، وعروض التجارة والذهب والفضة . وقد تجب في غيرهن .
…ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه ، فنصاب الحبوب والثمار خمسة أو ست . وأدنى نصاب الغنم أربعون شاة ، وأدنى نصاب الإبل خمس ، وأدنى نصاب البقر ثلاثون ، ونصاب الفضة مائتا درهم ، ونصاب الذهب عشرون مثقالاًَ .
__________
(1) فمن الأول ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى " قال كان أبي من أصحاب الشجرة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صلى الله عليه وسلم على آل فلان ، قال فأتاه أبي بصدقة فقال : اللهم صلي على آلي أبي أوفى " ومن الثاني ما رواه النسائي عن وائل ابن حجر " أن الني صلى الله عليه وسلم بعث ساعياً ، فأتى رجلاً فآتاه فصيلاً مخلولاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بعثنا مصدق الله ورسوله ، وإن فلان أعطاه فصيلاً مخلولاً ، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله . فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء ، فقال أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم بارك فيه وفي إبله .(4/5)
…فإذا ملك الإنسان نصاب الذهب وقره إحدى عشر جنيهاً ونصف أو ملك نصاباً من الفضة وقدره ستة أو خمسة ريالاً عربياً تقريباً ، وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة ربع العشر . وكذلك الأوراق التي كثرت في أيدي الناس وصار التعامل بها أكثر من غيرها فإذا ملك الإنسان منها ما يقابل نصاباً من الفضة وحال عليه الحول فإنه يخرج منها زكاتها ربع عشر . أما العروض وهي ما اشتراها الإنسان للربح فإنها في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها . وإذا كان الإنسان دين على أحد فإنه يزكيه إذا قبضه ، فإن كان الدين على مليء فالأفضل أن يزكيه عند رأس الحول ، وله أن يؤخر زكاه حتى يقضيه .
…ويجب إخراج الزكاة في بلد المال إلا لعذر شرعي .
ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب .
ولا يجوز صرفها لغير أهلها الذين ذكرهم الله بقوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ) (1) .
… والزكاة حق الله فلا تجوز الحاباة بها ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً .
…فاتقوا الله أيها المسلمون وتذكروا ما أوجب الله عليكم من الزكاة وما يقاسيه الفقراء والمساكين من ويلات الفقر والفاقة ، وبادروا إلى إخراج زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم ، خالصة لوجه الله ، ولا من فيها ، ولا أذى ، ولا رياء ، ولا سمعة ، اغتنموا الفرصة قبل فوات الأوان ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون ) (2) .
… جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ونفعنا بهذه الذكرى ، وهدانا جميعاً إلى طريق الحق والخير والفلاح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم .
…في يوم الجمعة 10 رمضان المبارك 1375هـ
__________
(1) التوبة – آية 60 .
(2) سورة البقرة – آية 254 .(4/6)
…( هذه الفتوى قدمها لي عبد الله بن إبراهيم بن جار الله أثابه الله )
( 859- الثانية في الموضوع أيضاً )
…من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف إلى من تبلغه النصيحة من إخواننا المسلمين ، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم ، وجنبينا وإياهم سبل أصحاب الجحيم ، ورفقنا جميعاً للتمسك بشرائع الدين القويم آمين .
…سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
…أما بعد : فالموجب لهذه الكلمة هو النصيحة والشفقة وإقامة الحجة والإعذار من كتمان ما يلزم للناس ، ومن أهم ذلك في هذه الأيام بيان ما يلزم من أحكام الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام ، وثانية الصلاة وقرينتها ، قرنها الله تعالى بالصلاة في نيف وثلاثين موضعاً من كتابه العزيز ؛ لكون هذه الأيام غالباً وقت إخراج الزكاة ، ولمزيتها بمضاعفة الحسنات ، وورد الوعيد الشديد على تركها ، والتغليظ في منعها ، قال تعالى : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم ، بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) (1) وقال تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم . يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) (2) وهذا الوعيد مفسر بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطرقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه ويقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلي هذه الآية : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله – إلى قوله خبير } وقال تعالى : { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم } الآية .…
__________
(1) سورة آل عمران – آية 80.
(2) سورة التوبة – آية 34 .(4/7)
…وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره " (1) والآيات والأحاديث في التغليظ في مانع الزكاة وعقوبته كثيرة معروفة.
والأموال التي تجب فيها الزكاة : ( أحدها ) سائمة بهيمة الأنعام . وهي : الإبل ، والبقر ، والغنم ( الثاني ) : الإخراج من الأرض من الحبوب والثمار وما يلحق بها كالعسل ( الثالث ) الأتمان وهي النقود : من الذهب والفضة ، وما يقوم مقامها من فلوس وأوراق نقدية ، وكذلك حلي الذهب والفضة ، وإذا بلغ نصاباً بنفسه أو بما يضم إليه من جنسه وفي حكمه ، ولم يكن معداً للاستعمال ولا للعارية وأقل نصاب الذهب عشرون مثقالاً ، وبالجنيه السعودي وكذلك الأفرنجي أحد عشر جنيهاً ونصف جنيه تقرياً ، وأقل نصاب الفضة مائتا درهم ، وبالريال العربي ستة وخمسون ريالاً ، وبالفرنسي ثلاثة وعشرون ريالاً تقريباً . و ( الرابع ) : عروض التجارة : وهي كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح والتكسب من جميع سلع التجارة كالمجوهرات ونحوها ، وكذلك السيارات والمكائن وغيرها من المنقولات والثابتات كالعقارات من أراضي وبيوت ونحوها إذا تملكها بفعله بنية التجارة فإنها تعتبر سلعة تجارة ، ويلزمه أن يقومها عند الحول بما تساوي من الثمن لدى أهل الصنف ولا ينظر إلى رأس مالها الذي اشتراها به ، وعليه ، أن يؤدي قيمتها عند الحول إذا بلغت نصاب الذهب والفضة ، لعموم حديث سمرة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي تعده للبيع " رواه أبو داود . كما عليه أن يزكي الديون التي له ي ذمم الناس إذا قبضها
__________
(1) تقدم هذا الحديث ، والحديث الآتي بعده في النصيحة قبله .(4/8)
وإذا استفاد مالاًَ مستقلاً خارجاً عن ربح التجارة كالأجرة والراتب ونحوها فإنه يبتدء له حولاً من حين استفاده ، ويزكيه إذا تم حلوه .
وأما مصرفها فيد بينه الله تعلى بقوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليه ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب ، والغارمين ، وفي سبيل الله ، ابن السبيل ، فرية من الله ، والله عليم حكيم } فلا يجوز صرفها إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس وتكفين الموتى ووقف المصاحف وكتب العلم وغير ذلك من جهة الخير .
…ويجب إخراجها عند تمام الحول فوراً إلا لعذر شرعي .
…ولا يدفعها إلا لمن يغلب على الظن من أهلها لأنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب كما في حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار رواه ابن داود والنسائي . فليتق الله من لا تحل له إن يأخذ منها شيئاً فإنها سحت ومحق لما في يده قبله من المال .
…ولا يجزى إخراجها إلا بنية سواء إخراجها بنفسه أو بوكيله ، وسواء دفعها إلى مستحقها أو إلى نائب ا،لإمام ليفرقها على مستحقيها لحديث : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى " (1) .
…ولا يجوز دفعها إلى أصوله أو إلى فروعه أو زوجته أو إلى أحد ممن تلزمه نفقته ، ولا يحابي بها قريبه ، أو يبقي بها ما له ، ولا يدفع بها مذمة .
وينبغي للإنسان الاستكثار من صدقة التطوع أيضاً في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم ، لحديث أنس : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم الله أي الصدقات أفضل ؟ فقال : صدقة في رمضان " رواه الترمذي ، وقال صلى الله عليه وسلم " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل العظيم " متفق عليه .
__________
(1) متفق عليه .(4/9)
وعن أنس مرفوعاً " إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ، وتدفع ميتة السوء" والآيات والأحاديث في هذا كثيرة معروفة (1) نسأل الله أو يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وأن يشملنا وإياكم بعفوه ومغفرته ورحمته وأن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، ويذلك اعداءه ،ويؤيد إمامه المسلمين ، ويأخذ يناصيته لما فيه الخير والصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم في 10/9/1376هـ
(هذه النصيحة قدمها لي ناصر الخطيب ـ أثابه الله )
(959 ـ كيفية وجوب الزكاة ، وطريقة توزيعها )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رشدي ملحس وفقه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبالإشارة إلى مذكرتكم رقم 1619 وتاريخ 14/8/1376هـ الخاصة باستفتاء أحد زنوج أمريكا المقيم في اليابان الذي اعتنق الدين الإسلامي : عن كيفية أداء الزكاة ،وكيفية توزيعها .
تجدون مرفقاً بهذا جواباً موضحاً فيه : كيفية الوجوب ، وكيفية الأداء والله يحفظكم .
حرر في 23/8/1376هـ
(960 ـ الجواب )
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : أما بعد :
فإنه ورد علينا سؤال من رجل مقيم في اليابان ، يذكر أنه اعتنق دين الإسلام منذ عشرة أشهر ، وأنه لا يوجد في البلدة التي يقيم فيها مسلمين ، ويسأل عن الطريقة الشرعية التي يتمكن معها من أداء فريضة الزكاة .
__________
(1) وعن عمرو بن عوف رفعه " ان صدقة المسلم تزيد في العمر ، وتمنع ميتة السوء ، ويذهب الله بها الكبر والفخر " وعن أبي سعيد : " ان صدقة السر تطفىء غضب الرب ، وان صلة الرحم تزيد في العمر ، وان صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وان قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من البلاء أدناها الهم " أخرجه ابن عساكر .(4/10)
والجواب : لايخفى أن أداء الزكاة هو الركن الثالث من أركان الإسلام ،وله شروط منها تمام الحول ، فإذا تم الحول على المال الزكوي وجب إخراج زكاته والأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف :
الأول ـ بهيمة الأنعام ، وهي : الإبل والبقر ، والغنم .
الثاني : الخارج من الأرض : من حبوب وثمار تكال وتدخر .
والثالث : النقود على اختلاف أنواعها .
والرابع : عروض التجارة .
أما بهيمة الأنام فيجب في " الإبل" إذا كانت سائمة الحول أو أكثره وحال عليها الحول يجب في كل خمس شاة ، ولا شيء فيما دون الخمس ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ـ وهي ما تم لها سنة وفي ستة وثلاثين بنت لبون ـ وهي ما تم لها سنتان ، وفي ستة وأربعين حقة ـ وهي ما تم لها ثلاث سنين . وفي إحدى وستين جذعة ـ وهي ما تم لها أربع سنين . وفي تسعة وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان , فإذا زادت عن مائة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون ، ثم في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقه .
أما " زكاة البقر " فيجب في ثلاثين منها سائمة الحول تبيع أو تبيعة لكل منهما سنة ، ولا شيء فيما دون الثلاثين ، ويجب في أربعين مسنة ، لها سنتان ، ثم في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة .
أما " زكاة الغنم " فلا شيء فيما دون الأربعين ، فإذا بلغت أربعين وحال عليها الحول وكانت سائمة الحول أو أكثره فيجب فيها شاة .
ثم في كل مائة شاة ، ولا شيء في الوقض ـ وهو مابين الفرضين .
أما الخارج من الأرض فإذا بلغ نصاباً وهو خمسة أوسق ـ والوسق ستون صاعاً بالصاع النبوي ـ فيجب فيه عشرة إذا كان يسقى بلا مؤنة ،ونصف عشره إن كان يسقي بمؤنة كالمكائن والدالوب والناعورة ومضخات الماء ونحو ذلك .(4/11)
أما النقود على اختلاف أنواعها ، وكذلك قيم عروض التجارة ـ وهي ماأعد للبيع والشراء والتكسب بزيادة الربح ـ فالواجب في ذلك كله إذا بلغ نصاباً وهو عشرون مثقالاً من الذهب أو مائتا درهم من الفضة ـ وزنتها مائة وأربعون مثقالاً ـ ربع العشر في المائة اثنان ونصف .
أما أهل الزكاة وكيفية أداء هذا السائل زكاته إلى مستحقيها فقد قال الله تعالى :(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) فيجب أداؤها إلى هؤلاء الأصناف الثمانية أو بعضهم ، فإن كان في بلاد المسلمين حقاً إلى بلده .
وحيث أن الصدقة في الحرمين الشريفين مضاعفة فإننا نرى أن يبعث الرجل المذكور بزكاته إلى من يفرقها في الحرمين الشريفين المكي والمدني بأن يعهد بها إلى رئيس المحكمة الشرعية بمكة ليتولى تفريقها على الفقراء بنفسه أو بنائبه . قاله ممليه الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
حرر في 23/8/1376 (ص ـ ف 628 في 24/8/1376)
(961 ـ نتاج السائمة)
وأما أولاد الإبل والغنم فلا زكاة فيها بانفرادها ، بل تحسب مع أمهاتها إذا كانت الأمهات قد بلغت نصاباً ، فإذا كان لرجل تسع من الإبل فأنتجت في آخر الحول سبعة حيران ، فهذه تزكى مع أمهاتها ، ويصير في الجميع ثلاثة نصب . وكذلك إذا كان للرجل مائة من الغنم فأنتجت في آخر الحول إحدى وعشرين يصير في الجميع شاتان .
أملا ذلك محمد بن إبرهيم بن عبد اللطيف (ديوان جلالة الملك الشئون الداخلية)
والحوار يطلق على أبو سنة عند البدو الآن ، وهذا عربي كما في قوله كما ألغيت في الدية الحوار(1) (تقرير)
__________
(1) يعد النسابون إلى تميم بيوت المجد أربعة كبارا
يعدون الرباب وآل سعد وعمرا ثم حنظلة الخيارا
ويسقط بينهما المرئي لغواً كما ألغيت في الدية الحوارا(4/12)
(962 ـ الأوقاف على الجهات العامة لا تجب فيها )
من محمد بن إبرهيم إلى حضرة صاحب السمو الأمير المكرم
سعود بن عبد الله بن جلوى سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصلني كتابكم الكريم رقم 691 ـ 1 وتاريخ 7/6/1377هـ ومابرفقه , وبعد تأمل ما أبداه قاضي مستعجلة الاحساء من أن الأوقاف التي على جهات عامة كالمساجد والربط والمدارس والفقراء ليس فيها زكاة ، ولفتة النظر إلى أن عدم وجوب الزكاة فيها إذا كانت تحت يد وليها يعمرها ويأخذ غلتها ، وأما إذا أجرها بأجرة معلومة متعلقة بذمة المستأجر فغلتها وما يزرعه المستأجر في أرضها ملك له ، فإذا بلغ نصاباً وجبت فيه الزكاة .
بعد تأمل ذلك وجد ماأبداه القاضي المذكور صحيحاً يتعين شرعاً العمل به ، والله يحفظكم .
(ص ـ ف ـ 760 وتاريخ 22/6/1377هـ)
(963 ـ ونحوها الموقوف على الضيف وفي أضاحي ووجوه الخير)
يعلم الناظر إليه بأني أفتيت خريزان بن حمد بن ثلاب بأن ليس عليه في وقف حمد بن ثلاب الكائن في الغيل المسمى بالبديعة زكاة لكونه وقفاً على غير معين ، بل على الضيف وفي أضاحي وفي وجوه الخير ، وأخبرني الثقة حمد بن الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله بأن وقفية البديعة المذكورة أعلاه كما شرح ، وأنها بإملاء العم الشيخ عبد الله وختمه ، حتى لا يخفى ، قاله ممليه الفقير بإملاء العم الشيخ عبد الله وختمه ، حتى لا يخفى ، قاله ممليه الفقير إلى الله محمد بن إبرهيم بن عبد اللطيف ، وكتبه من إملائه محمد بن علي بن عبد اللطيف ،وصلى الله على محمد 13/8/1374هـ) .
(964 ـ الوقف على معين تجب فيه )
من محمد بن إبرهيم إلى المكرم صالح خليل علاف سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وبعد :(4/13)
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن غلة وقف تقدر بنحو مائة ألف ريال سنوياً : هل تجب فيها الزكاة ؟ وهل للناظر أن يستقطع الزكاة من الغلة عندما تستحصل عند رأس كل عام ، ويعطيها الفقراء ، أم لا ؟ .
والجواب : الحمد لله . إن كان هذا الوقف على معينين وبلغت حصة كل منهم نصاباً وجبت فيه الزكاة . والذي يخرجها مالكها أو وكيله بنية الزكاة ، فلا تجزى بدون نية ، لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات" وإن كان الوقف على غير معين كالموقوف على الفقراء والمساجد والمدارس والأربطة ونحو ذلك من أعمال البر فلا زكاة فيه ، لأن من شروط الزكاة تمام الملك .
والله أعلم ، والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف ـ 3798 ـ 1 في 19/12/1377هـ)
(965 ـ اذا ادعى أن المواشي وقف ..)
وأما ما يدعى أنه وقف من المواشي ، وكان المدعي لذلك ثقة مأموناً . فيقبل قوله : أن هذا الشيء وقف . وأما المتهم فلا يقبل قوله إلا بأمر شرعي ، أو يمين . حررت 21 رجب 1364هـ)
(هذه من الفتاوى التي أُرسلت من ديوان جلالة الملك الشئون الداخلية)
(966 ـ الديون التي للشركات وعليها )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم إبراهيم محمد سعيد شمس المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن كيفية زكاة أموال الشركة التي ذكرت أنها تألفت برأس مال معلوم لمزاولة التجارة في حقل مخصوص ،وصار لها ديون عند الناس لا يمكن في الغالب تحصيل الكثير منها . كما أن عليها ديوناً لأناس حسب ما بينها وبينهم من معاملة .. إلخ .
والجواب : أما بالنسبة لما على الشركة من الديون فيجوز لها أن تحسم من أموالها الزكوية بمقدار ما عليها من الديون وتزكي الباقي .
أما بالنسبة للديون التي لها عند الناس فالدين الذي على مليء باذل تزكيه الشركة إذا قبضته عن جميع السنين الماضية .(4/14)
أما الديون المشكوك في تحصيلها كالتي عند أُناس مفلسين أو مماطلين أو جاحدين ونحوهم فلا زكاة فيها حتى تقبض . فإذا قبضت فبعض العلماء يقول : إنها تزكى لجميع السنوات الماضية ، وهذا هو المشهور من المذهب . والقول الثاني : أنها تزكى لعام واحد فقط ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الإمام مالك ، وأفتى به الشيخ عبد الرحمن بن حسن ، وقال :إنه اختيار إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وهذا هو الصواب . والله أعلم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف ـ 2305 ـ 1 في 23/8/1385هـ)
وبكل حال يقوى بأنه يزكى أكثر من سنة في حق المليء خاصة . (تقرير) (1)
(967 ـ الرصيد في البنك المقفل )
" المسألة الثانية " : عن رصيد لكم في بنك مقفل من قبل الحكومة منذ سنتين ، لا يستفاد منه ، ولا يوثق بحصوله ، ويحتمل أن البنك يفلس ويتلف الرصيد : فهل فيه زكا ة ؟
والجواب : لا زكاة في ذلك حتى يقبض ، فإذا قبض زكي للسنين السابقة . وقيل : إنه يزكى لسنة واحدة ، والله أعلم والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 178ـ1 وتاريخ15/1/1389هـ)
(968 ـ الدين لا يمنع زكاة الأموال الظاهرة)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة الدليمية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا منكم في خطابكم رقم 104 وفي 13/11/1381هـ من أنه يوجد لديكم من الفلاحين من عليهم من الديون ما ينقص بها النصاب ، ومع ذلك يكلفون بدفع زكاة ثمارهم ،وتذكرون أن أمر وجوبها عليهم والحال ما ذكر مشكل عليكم ، حيث أن الثمار مال ظاهر والديون خفية .
__________
(1) وانظر حكم زكاة التحاويل على مشترين يدعون الافلاس ـ في زكاة العروض برقم 1352 في 1/9/1380هـ .(4/15)
ونفيدكم أن في المذهب روايتين أقواهما وهي التي عليها العمل أن الدين لا يمنع(1) زكاة الأموال الظاهرة ، وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عماله بأن يستفسروا من أهل الأموال الظاهرة ممن تجب عليهم الزكاة هل عليهم ديون تنقص نصابها ، وكذا لم يرد عن عماله رضي الله عنهم الاستفسار من أهل الزكاة عن ذلك . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
(ص ـ ف ـ 146 وتاريخ 8/2/1382هـ)
(969 ـ هل تجب في النصاب الذي وجبت فيه )
" المسألة الثانية " : إذا وجبت الزكاة على الرجل ، فهل يلزمه إخراجها من نفس النصاب الذي وجبت فيه الزكاة ، أو يجوز إخراجها من أمواله المستجدة ؟
والجواب : لا يلزمه إخراجها من نفس النصاب ، بل يجوز إخراجها منه أو من أي مال ا ستجد لديه ، بل يجوز أن يخرجها ولو من غير م اله ، كما إذا أخذ دراهم من غيره قرضة أو هبة فخرج زكاته منها فلا بأس بذلك .
(ص ـ ف ـ 1354 في 17/6/1387هـ)
(970 ـ لا تسقط الزكاة ولو أعسر بعد وجوبها )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة السمو الملكي
نائب رئيس مجلس الوزراء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
…فبالإشارة إلى الأوراق الواردة بخطاب سموكم رقم 23110 وتاريخ 12/9/82هـ حول الزكاة المطالب بها محمد بن أحمد نائب من أهالي الطوال التابعة لسامطة وقدرها خمسون صاعاً , والتماسه إعفاءه منها للأسباب التي ذكرها .
…وعليه فنفيد سموكم بأن الزكاة حق لله تعالى واجب شرعاً ، ولابد من وفائها بشروطها . فإن كانت ق وجبت على المذكور واستقرت بذمته ثم أعسر بوفائها فتبقى بذمته حتى يجد وفاءها وإن أدعى بأن ليس عليه زكاة أصلاً لكونه لم يزرع أو لنقصان النصاب(2) أو غير ذلك فيقبل قوله ، ما لم يخالف المحسوس أو يكون هناك بينة والسلام .
__________
(1) في الأصل والمسودة : يمنع . والصواب : لا يمنع . بدليل ما يأتي بعده من التعليل .
(2) بالأصل يكون لم يزرع والنقصان النصاب . ولعله تصحيف .(4/16)
( ص – ف – 1419 –1 في 16/10/83هـ )
( باب زكاة بهيمة الأنعام )
( 971- تعليمات هامة لعمال جباية زكاة المواشي )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو
رئيس مجلس الوزراء المعظم …أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنشير إلى خطاب سموكم الكريم رقم 20139 في 20/11/87هـ المرفق به البيانات الخاصة بأسعار المواشي الوارد ة إلى مقام سموكم من أمراء المقاطعات ونعرض لسموكم حفظكم الله أنه بالنظر إلى أن أقيام المواشي تختلف بالخصب والجدب والزمان والمكان ، لذلك لم نتعرض في قرارنا المرفق لوضع مقاديرها وحيث أن عمال الجباية هم الذين يتمكنون من الإطلاع على ذ…لك حيث أنهم يمشون على البادية في محلاتهم ، ويطلعون على أحوالهم وأماكنهم ، فإننا قد ضمنا قرارنا أن تقدير الأقيام يكون على نظر أمراء العوامل وطلبه العلم المرافقين لهم بحسب الظروف التي نوهنا عنها ونقدم لسموكم من طيه نسخة من القرار الذي اتخذناه حول التعليمات التي يجب التقيد بها واعتبارها من قبل الجبات الذين يخرجون لأخذ الزكاة ونأمل من سموكم الأمر بطبعه وتعميه عليه ، والتأكيد بأن يتقيدوا بما فيه من تعليمات يجب التقيد بها ، ليقع أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام على وجه تبرؤ به الذمة إن شاء الله . والله يحفظكم .
( نص القرار )
…الحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وأصحبه ، أما بعد :
…فهذه مهمات من أحكام زكاة المواشي وضعتها ليتمشى عليها عمل جبايتها . فأقول وبالله التوفيق :
يشترط لوجوب الزكاة عدة شروط :
…منها : الحول . فلا تجب الزكاة في شيء من المواشي قبل تمام الحول إلا النتاج فلا يشترط له تمام الحول ، بل حوله حول أصله إذا بلغ أصله نصاباً .
ومنها : تمام الملك . فلا تجب الزكاة في المواشي الموقوفة على غير معين كالفقراء والمساكين والضيف وبقية أعمال البر كالأضحية وغيرها .(4/17)
…ومنها : السوم . وهو الرعي بأن تكون سائمة الحول ، فلو كانت معلوفة نصف الحول فأكثر لم تجب فيها الزكاة .
…ومنها : بلوغ النصاب . وأدناه في " الإبل " خمس ، فيجب فيها شاة نصف الإبل جودة ورداءة . ولا شيء فيها إذا زادت على الخمس حتى تبلغ عشراً فيها شاتان بصفة الإبل جودة ورداءة ولا شيء فيما زاد على العشر سواهن حتى تبلغ خمسة عشر ففيها ثلاث شياه بصفة الإبل جودة ورداءة ، وليس فيما زاد على ذلك سواهن حتى تبلغ عشرين ففيها أربع شياه بصفة الإبل جودة ورداءة وليس فما زاد على العشرين سواهن حتى تبلغ خمسة وعشرين فحينئذ تجب زكاتها من الإبل ، ففي الخمس والعشرين حتى تبلغ خمساً وثلاثين بنت مخاض أنثى وهي التي تم لها سنة ودخلت في السنة الثانية ، ويجزئ عنها ابن لبون ذكر وهو ما تم له سنتان ودخل في السنة الثالثة . وفي ست وثلاثين من الإبل إلى خمس وأربعين بنت لبون أنثى وهي ما تم لها سنتان ودخلت في السنة الثالثة ، وفي ست وأربعين إلى ستين حقة أنثى وتسمى عند البادية " اللقية " وهي التي تم لها ثلاث سنين ودخلت في السنة الرابعة ، وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة وهي التي تم لها أربع سنين ودخلت في السنة الخامسة ، وفي ست وسبعين إلى تسعين بنتاً لبون ثنتان . وفي إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين حقتان ثنتان ، وإذا بلغت الإبل مائة وإحدى وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون ثم تستقر الفريضة ، فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، ففي مائة وثلاثين حقة وبنتاً لبون ثنتان ، وفي مائة وأربعين حقتان ثنتان وبنت لبون ، وهكذا .
… ويجب في ثلاثين من " البقر " تبيع أو تبيعه لكل منها سنة إلى أربعين ، فإذا بلغت أربعين وجب فيها مسنة وهي التي لها سنتان ويجوز إخراج أنثى أعلا من المسنة بدلها ، ولا يجزئ إخراج من عنها أي المسنة ، وفي سنتين تبيعان ،ـ ثم في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة .(4/18)
…ويجب في أربعين من " الغنم " شاة إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت واحد ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه . ثم تستقر الفريضة فيجب في كل مائة شاة ، ففي خمسمائة خمس شياه ، وفي ستمائة ست شياه ، وهكذا .
…وحيث ذكر الشاة في جميع ما تقدم فالمراد بها الأنثى من الضأن والعز والجزئ من الضأن ما تم له ستة أشهر ودخلت في الشهر السابع ، ومن المعز الثنية وهي ما تم لها سنة ودخلت في السنة الثانية . ولا يجزئ الذكر في إخراج زكاة الإبل والغنم إلا في موضعين : أحدها إجزاء ابن لبون وكذا الحق والجذع وعن بنت مخاض . الموضع الثاني : إذا كان النصاب كله ذكوراً .(4/19)
…والخلطة في المواشي تصير المالين كالمال الواحد ، إذا تمت الشروط من الإسلام ونحوه من المختلطتين فأكثر ، وبلغ مجموع ماشيتها نصاباً ومضى على خلطتهما حول كامل وجبت الزكاة فيهما إذا كانت خلطة أو صاف بأن يميز مال كل منهما عن مال صاحبه ، أو خلطة أعيان بأن كانت ماشيتها مشاعاً بينهما . وشروط الخلطة ستة : وهي اتحاد المراح ، والمسرح ، والمشرب ، والمحلب ، والراعي ، والفجل . فإذا كان لشخصين فأكثر خمس من الإبل أو أربعون شاة من الغنم تمت شروط الخلطة الستة وشروط وجوب الزكاة فأن يجزئ إخراج شاة واحدة عن إبلهم الخمس أو غنمهم الأربعين الشاة ولا يجوز لهم التحيل في إسقاط الزكاة بأن يفرقوا الخمس من الإبل أو الأربعين من الغنم قرب وصول العامل إليهم فراراً من الزكاة ، فإن هذا التقسيم لا يقسط عنهم وجوبها . وكذا لا يجوز الجمع بين مفترقين لقصد الزكاة كما لو كان رجلان لكل واحد منهما أربعون شاه وليس بينهما خلطة حتى إذا قرب مجيء العامل خلطاها فكانت ثمانين ، فإنه يجب حينئذ عليهما شاتان ، كل واحد منهما عليه واحدة لزكاة النصاب الذي في يده ، لعدم وجود الخلطة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فأنهما يتراجعان بالسوية " (1) .
… تنبيه : ـ المشروع إخراج الزكاة عليناً ، وأجاز بعض أهل العلم إخراج القيمة إذا كان ذلك أنفع . وحينئذ يجب على جباة الزكاة متى أخذت القيمة الاستقصاء في أخذها ، ومتى تركوا شيئاًَ منها فقد خانوا الله ورسوله وخانوا ولي أمرهم وظلموا أرباب الزكاة وغشوا أرباب الأموال وبقي ذلك في ذممهم . ولا تسقط بمضي الحول ، ولا بذهاب العامل عنهم ، ولا بمسامحة ولي الأمر لو سامح ، نظير ما لو تركوا بعض الصلوات في عدم براءة الذمة ، واستحقاق العقوبة في الدنيا والآخرة .
__________
(1) أخرجه البخاري عن أنس في ( كتاب الصدقات )(4/20)
…فيجب على أمير كل عاملة من العمال وعلى طالب العلم المرافق له وعلى الجيات ونحوهم أن يهتموا لذلك ، وأن يتذكروا موقفهم أمام الله يوم القيامة ، ومحاسبته إياهم على ما تولوا من هذا الركن العظيم من أركان الإسلام . كما يجب عليهم بعدما تعرفون حدود عمالتهم أن يبحثوا ويحققوا عن قيمة الشاة . وعن قيمة بنت مخاض ، وعن قيمة بنت لبون ، وعن قيمة الحقة ، وعن قيمة الجذعة من الإبل فإن قيم المواشي تختلف باختلاف البلدان غالباً . فلها من المقاطعة الشمالية وما يليها ، ولها في شمال تهامة قيمة ، ولها في الحجاز وما يليه من تهامة قيمة ، ولها من تهامة الجنوبية والجهة اليمنية كعسير وما يقاربه قيمة ، ولها في أعلا نجد قيمة ، ولها في أسفله قيمة ، ولها في المقاطعة الشرقية قيمة ، كما أنها تختلف بالخصب والجدب . والوقت التي تعتبر القيمة فيه هو الوقت الذي تؤدي فيه الزكاة . كما يجب عليهم أداء ما قبضوه من الزكاة جميعه ويؤدوه إلى ولي الأمر أو نائبه في ذلك ، ولا يلغوا فيدخلوا في عموم الوعيد في قوله تعالى : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة }(1) . وعموم الأحاديث الواردة في التغليط في الغلول . أملاه الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم الشيخ ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(الختم) (ص ـ م ـ 2510 في 2/12/1378هـ)
(972 ـ قوله : أو وحشية )
هي الوضيحي . فإذا اجتمع عنده نصاب من الوضيحي مسام غير معلوف ومضى عليه حول فإنها تجب فيه الزكاة .
والرواية الأخرى وفاقاً للثلاثة أنه لا زكاة فيها ، وذلك أن اللفظ وإن كان عاماً فإنه يحمل على المعروف في ذلك الوقت ،وهذا هو الصحيح ، مع أن الواقع أنه يكاد أن ينقضي عصور لا يوجد هذا .
(تقرير)
(973 ـ الرحل المغفلة أكثر من ستة أشهر والتي لا تستعمل إلا نحو اليوم واليومين )
__________
(1) سورة آل عمران – آية 61 .(4/21)
وأما الرحل المغفلة أكثر من ستة أشهر ، وكذلك التي لا تستعمل إلا نحو اليوم واليومين من كل شهر من السنة وما يقرب من ذلك فتجب فيها الزكاة . وأما التي ترحل نصف الحول أو أكثر في شديد مديد(1) وغير ذلك فليس فيها زكاة .
(ديوان جلالة الملك ـ الشئون الداخلية) .
(974 ـ أخذ الذهب والفضة عن الجذعة )
وأما الدليل على أخذ الذهب والفضة بدلاً من الجذعة والقيمة في الزكاة عن بهيمة الأنعام . فلا أعلم فيه دليلاً صحيحاً صريحاً من السنة ، ولهذا ذهب الجمهور إلى المنع من دفع القيمة وأنها لا تجزئ ،وجوز ذلك أبو حنيفة رحمه الله ،وإليه ميل البخاري في صحيحه ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ،ولكن يشترط كون ذلك أنفع ،واستدل البخاري وغيره على ذلك بأدلة قوية وإن لم تكن نصاً في المسألة(2) .
(ص ـ ف ـ 509 وتاريخ 10/7/1376هـ)
(975 ـ قوله : واذا كان النصاب كله ذكوراً )
إذا كان كله ذكوراً بحتاً فيجزئ ذكر .
وإذا كان بعضه إناثاً فيغلب الأصل وهو أحوط وأتم .
لكن نعرف أن الإبل التي دون خمسة وعشرين إذا كانت كلها ذكوراً فلا يجزيه أن يخرج ذكراً من الغنم ، لأن الواجب جنس غير الإبل ، ولان الزكاة تجب في عين المال ،ولها تعلق بالذمة . ( تقرير )
(976 ـ زكاة العدايل )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم بدر بن سهل الحربي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) أي : مستمرة ـ نصف الحول أو أكثر ـ في شد الأحمال عليها والمد عليها لنقل الأطعمة والأمتعة والتجارات ـ كما هي الحال في نجد قبل وجود السيارات .
(2) ويأتي قريباً هذا المعنى .(4/22)
فقد وصلنا استفتاؤك ،وفهمنا ما تضمنه من أن لديك عدولة على الطريقة المشهورة عند البادية(1) تنتفع بلبنها وصوفها وركوب الإبل فيها ونحو ذلك ،وتذكر أنك لا تقدر على دفع زكاتها نظراً إلى حاجتك ، وأن صاحبها يقول :أنا ما أدفع زكاتها لأنك قد تصرفت بمنافعها . إلى آخر ما ذكرت .
والجواب : الحمد لله . زكاتها على مالكها ،وليست منافع الماشية من لبن وصوف وركوب ونحو ذلك شيئاً من الزكاة الواجبة فيها ، بل زكاة الماشية ماشية ، كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم . والسلام عليكم .
(ص ـ ف ـ 1689 وتاريخ 6/9/1382هـ)
(977 ـ تفريق الماشية أو خلطها خوفاً من الزكاة لا يجوز ،تعزير من ثبت عنه )
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف إلى حضرة الإمام المفخم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل أعلاه الله في الدارين مقامه . آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
حرس الله ذاتك . وصلني كتابك المكرم المتضمن السؤال عن الحلال(2) المجتمع عند البادية طول(3) فإذا جاء وقت العمال فرقوه لأجل ما يصير عليه زكاة ،وأن هذا شيء ثابت عندكم .وعن قول أناس منهم : هذا وقف ولا عليه زكاة ، وأن الوقف لابد من أمر صحيح شرعي يثبت وقفيته والعمل به على الوجه الشرعي .
والجواب : أما تفريق الرجل ماشيته إذا بلغت نصاباً ، مثل ما إذا كان عنده أربعين من الغنم فقرب وصول العامل يقطع منها قطعة ويجعلها في يد إنسان كأنها فرقة أخرى ليسلم من أخذ الزكاة .
__________
(1) و " العدايل" من أبل أو غنم يمنحها الشخص لأحد أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه سنة أو أقل أو أكثر .
(2) المراد بالحلال هنا : الماشية من ابل أو غنم .
(3) مدة الحول .(4/23)
فهذا لا يجوز ،ولا يسقط عنه فرض الزكاة . ومثله خلط المالين المفترقين ، مثل أن يكون لزيد أربعين من الغنم ، ولعمرو أربعين من الغنم فقرب قدوم العامل يجعلانها فرقة واحدة حذراً من إخراج الواجب وهو شاتان ،ويريدان ألا يخرجا إلا شاة واحدة . فهذا كله من أعظم المحرمات ، لا يسقط ما فرض الله من الزكاة ، وفي الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ولا يجمع بين مفترق ،ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" .
ومن ثبت عنه فعل شيء من هذه الأمور ثبوتاً شرعياً وجب على الإمام تأديبه وتعزيره بعد أخذ الزكاة تامة بما يردع أمثاله ، مثل كون الزكاة تؤخذ منه مثنية ، أو ما يراه الإمام مما يقارب ذلك(1) .
حررت في 21/ رجب 1364هـ .
(ديوان جلالة الملك ـ الشئون الداخلية)
(978 ـ واذا كانت على مياه متباعدة )
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم منصور بن غالب بن لوي سلمه الله آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
كتابكم المكرم وصل ،وتسأل فيه : إذا كان الرجل الواحد إبل كثيرة ولكنها متفرقة فهل تجمع عند الزكاة ، أو تزكى كل قطعة منها على حدة ؟
والجواب : إذا كانت لى ماء واحد أو مياه متقاربة دون مسافة القصر فإنها تجمع في الزكاة وتعتبر إبلاً واحدة , وإذا كان بين المياه التي هي عليها مسافة قصر فأكثر فإن لكل إبل حكمها وحدها . والسلام . ( ص ـ م ـ 4 في 23/6/1371هـ)
(979 ـ الخلطة ليست في النخل ، وإذا كان له أملاك في أماكن متفرقة )
من محمد بن إبرهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(4/24)
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 1922 وتاريخ 27/1/1388هـ بخصوص مارفعه إليكم حمزة الخيبري من ذكره أن عمال خرص الثمار في خيبر يسلكون بعملهم مسلكاً مخالفاً لما عليه العمل في خرص الثمار في المملكة ولما يقتضيه الوجه الشرعي ، حيث أنهم يقومون بخرص النخلة والنخلتين بلغت الثمرة فيهما نصاباً أم لم تبلغ ، وقد أحلنا استدعاءه لفضيلة قاضي خيبر للتحقيق فيما ذكره فأجابنا فضيلته بجوابه المرفق رقم 112 في 27/8/87هـ المتضمن أنما ذكره حمزة هو عين الحقيقة والواقع من عمال خرص الثمار فأحلنا المسألة إلى فضيلة رئيس محكمة حائل لسؤاله الجهة المختصة ببعث العمال لجباية الزكاة هناك عن سبب إفراد أهل خيبر بطريقة مخالفة لما عليه العمل في المملكة : فأجابنا فضيلته بجوابه المشفوع به إجابة مدير مالية حائل بموجب خطابه المرفق رقم 318 وتاريخ 18/2/88هـ المتضمن : أن النخل مثلاً يكون لعدة أشخاص لهذا نخلة ولذاك نخلتان وللثالث ثلاث أو أربع ، وأن العمال يقومون بخرص النخل من غير نظر إلى تعدد أصحابه .(4/25)
ونفيد سموكم أنه يتعين إفهام خراص الثمار أن الخلطة المصيرة المالين أو الأموال كالمال الواحد هي خلطة الأعيان في المواشي . أما الخلطة في غيرها فلا أثر لها على قول الجمهور من أهل العلم . وعلى قول من يقول بتأثير الخلطة في غير المواشي كالحبوب والثمار فالمقصود بها خلطة الأعيان . أما خلطة الأوصاف كهذه النخيل المتميز فيها تملك أصحابها فلكل مال فيها حكمه المستقل به من أن الزكاة لا تجب فيه حتى يستكمل شروط وجوب الزكاة ، ومنها بلوغه النصاب خمسة أوسق ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" أما إذا كان ، للمالك مجموعة أملاك في أماكن متفرقة فإذا كانت من جنس واحد كالنخيل والحبوب بمختلف أنواعها فتضم ثمارها بعضها إلى بعض في تكميل النصاب إذا كانت ثمرة عام واحد . إلا إذا كانت متباعدة بأن كان بين بعضها وبعضها الآخر مسافة قصر فأكثر ، فماكان بهذا البعد فله حكمه المستقل .
وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف ـ 1283 في 7/6/1388هـ)أناأأأأأأأأتبينبيمبين
(980-النقود المعدة لإنشاء مشروع لا تؤثر فيها الخلطة )
…ورد إلى دار الافتاء السؤال التالي من الأخ سع بن علي الغامدي
س : هناك مجموعة كونوا جمعية أسموها (الجمعية التعاونية) وأسهم فيها كل واحد منهم بعشرة ريالات شهرياً ، وهذا المبالغ المجموعة ليست معدة للتجارة ، بل هي مدخرة حتى يجتمع عند الجمعية ما يقوم بإنشاء مشروع يستفاد منه . فما حكم الزكاة في هذه المبالغ ؟
وقد أجاب سماحة المفتي بالجواب التالي :(4/26)
الحمد لله . الخلط لا تؤثر على هذه الأقساط ، ولا ارتباط لبعضها مع بعض لا في تمام الحول ولا في بلوغ النصاب ، وحينئذ ننظر إلى المساهمين ، فإن كان لأحدهم أموال زكوية غير هذه الأقساط . فزكاة الأقساط التي يدفعها للجمعية تابعة لزكاة أمواله في أحكامها . وإن لم يكن له أموال زكوية غير أقساطه في الجمعية فمتى بلغت أقساطه نصاباً وهو ستة وخمسون ريال سعودياً ابتدأ الحول ، فإذا حال عليها الحول وجبت فيه الزكاة بنسبة 2.5 في المائة ، وكل ما دفع للجمعية قسط بعد تمام النصاب عرف تاريخ دفعه ، فإذا حال عليه الحول وجبت زكاته وحده ، فيكون في العشرة ربع ريال. ولا يجوز تأخير الزكاة بعد تمام الحول . أما تقديمها فيجوز لحولين فأقل . وعلى هذا فلو أراد أحدهم أن يدم زكاة بعض الأقسام لمناسبة رمضان أو غيره من المناسبات فله ذلك ؟
…وكذلك لو اتفقوا على ضم بعض الأقسام إلى بعض ودفع زكاتها جميعاً على رأس الحول أو في رمضان سواء منها المتقدم والمتأخر فهذا جائز ، وفيه راحة لهم عن الاشتغال بتدقيق كل قسط ومدته ومقدار زكاته وحده . والله أعلم .
…………………(في الفتاوى المذاعة)
(باب زكاة الحبوب والثمار)
(981 – سئل عن القهوة(1) هل فيها زكاة . ؟
فأجاب : فيها زكاة على الراجح ، وليست كالأباريز ؛ بل هي من الأدم ، وهي مكيل كسائر المكيلات ، وهي حب كسائر الحبوب . …(تقرير)
(982 – واللوز فيه زكاة)
من محمد بن إبراهيم إلى الأخوين المكرمين أحمد بن محسن الثقفي وعلي بن رايع الثقفي كبار ثقيف – ترعة الحجاز – سلمها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد وصلنا خطابكم وفهمنا ما تضمنه من طلبكم توزيع زكاة حبوب اللوز كغيره من الحبوب التي تم توزيعها لديكم ، وقد كتبنا للجهات المسئولة عن ذلك . والله يحفظكم .
…( ص – ف – 923 وتاريخ 22-6 – 1381هـ)
(983 – وفي العنب زكاة ، ويجب خرصه )
__________
(1) …البن المحض . قلت : وللمشايخ فيها فتوى كذلك .(4/27)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
…فقد رفع لنا سعد بن حمد بن جحفل من سكان السلمية أن في الخرج وغيرها مزارعاً للعنب كثيرة ، تبلغ قيمة أثمارها آلاف الريالات ، ويسأل عن زكاتها ، ويطلب لفت نظر المسئولين إلى إرسال من يأخذ زكاتها إن كانت الزكاة واجبة فيها .
ونفيد سموكم : أن الزكاة واجبة في ثمار الأعناب إذ بلغت نصاباً ، لأن ثمرتها إلا جففت صارت مما يكال ويدخر ، وقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، وكان صلى الله عليه وسلم يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم . فقد روى أبو داود والترمذي عن عتاب بن اسيد : "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل" وعنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم" رواه الترمذي وابن ماجه فينبغي منكم حفظكم الله ملاحظة هذا ، وتعميد جهة الاختصاص إلى وجوب بعث عمال يخرصون الأعناب كما يخرصون النخيل . والله يحفظكم .
(ص – ف – 881 تاريخ 30-4-1384هـ)
(984 – وإذا كان العنب لا يزبب وجبت فيمته في شجره)
س: عن مزارع العنب التي تغل غلا كثيرة ويستحصل منها المزارعون أقياماً باهظة أكثر من غلة النخيل ، ولم نسمع أن العمال خرصوها . فهل عليها زكاة أم لا ؟ وإذا كان عليها زكاة : فهل الزكاة تجب من العنب عيناً ، أو نؤخذ قيمة ، لأن العنب في هذه البلدان لا يزبب ؟(4/28)
ج : لاشك أن الزكاة تجب في العنب كما تجب في بقية الثمار إذا بلغت نصاباً وقدره خمسة أوسق ، ستون صاعاً(1) . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النحل وكان صلى الله عليه وسلم يبعث الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم ، فروى أبو داود والترمذي عن عتاب بن اسيد : "أمر رسو الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل" . وعنه : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص كرومهم وثمارهم" رواه الترمذي وابن ماجه .
وأما قول السائل : هل تجب الزكاة من العنب عيناً ، أو تؤخذ قيمة ؛ لأن العنب في هذه البلدان لا يزبب ؟
فجوابه : أن الزكاة تجب في جميع العنب سواء منه القابل للتجفيف وغيره ولا فرق ، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أن الزكاة في نوع دون الآخر . وإنما الخلاف هل تخرج الزكاة من عين العنب أو من ثمنه . ونظراً إلى أن ثمرة مثل هذا العنب لا تتحمل كثرة النقل ولا الانتظار ، ولأن مصلحة الفقراء تتحقق في أخذ الزكاة من قيمته من غير أن يتضرر أرباب العنب ، فلا مانع أن تؤخذ الزكاة من ثمنه ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ، وذكره قولا للإمام مالك وغيره حيث قال في الجزء الخامس والعشرين من مجموع الفتاوى ما نصه : (فصل) والعنب الذي لا يزبب والرطب الذي لا يتمر والزيتون الذي لا يعصر فقال مالك وغيره تخرج الزكاة من ثمنه إذا بلغ خمسة أوسق وإن لم يبلغ ثمنه مائتي درهم . وعلى الخراص أن يتركوا للفلاح الثلث أو الربع كما تقضي به النصوص الشرعية ، وكخرص ثمرة النخيل . وإذا أخذت الزكاة من القيمة فالاعتبار بقيمةالعنب في شجره جملة ، لا باعتبار قيمته في الأسواق ، كما يقضي به العدل والإنصاف ولأنه لا يلزم المزارع تحميله . والله أعلم . وصلى الله على محمد .
(ص – ف – 860 – 1 في 4-4-1385هـ)
(985 – نصاب العنب الذي لا يزبب بالكيلو )
__________
(1) …بالصاع النبوي .(4/29)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي نعجان سلمه الله
السلام عليكحم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك رقم 193 وتاريخ 27-3-1387هـ المتضمن استرشادك عن مقدار نصاب العنب بالكيلوجرام ؛ لأن لجنة الخرص سألوكم عن مقداره .
والجواب : الحمد لله لا يخفي أن الأصل في مثل هذا الكيلا ولكنه رد إلى الوزن لينضبط ، وأن نصاب الزكاة خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعاً ، والصاع النبوي وزن ثمانين ريالا فرانسياً ، والكيلو وزن سبعة وثلاثين ريالا فرنسياً تقريباً . وإذا عرفتهم هذا سهل علكم نسبة الكيلو من الصاع، ومعرفة النصاب الزكوي(1) والله الموفق . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
ص – ف – 3069 – 1 في 4-8-1387هـ)
(986 – الخضروات لا زكاة فيها )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرمين أمير الحصون وناصر بن حيدر سلمهما الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد وصلنا كتابكما الذي تقولان فيه : بما أن بلدنا الحصون من مدة ثلاث سنوات لم يكن فيها دخل من الزكاة ، وذلك بسبب عدم الزراعة وتعطل النخيل بالكلية ، وأخذ الفلاحون بدلاً من ذلك وهي نوع من الخضروات ، وينتج منها ريع كثير ، وفي عام 77هـ يوجد في بلدانا بئر مخضر فيه مكينة ، ويتجاوز ريعة مائة وخمسين ألف ريال فما فوقها ، وفي هذا العام الجاري ست مكائن في كل بئر مكينة أحببنا إشعاركم لإرشادنا : هل تجب فيها الزكاة ، أم لا ؟
والجواب : الحمد لله . قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنصباء الخارج من الأرض من الحبوب والثمار ، بين ما يجب فيها من الزكاة . وأما الخضروات فلا زكاة فيها ؛ لحديث : "ليس في الخضروات صدقة " رواه الدار قطني عن علي ، وعن عائشة نحوه ؛ ولأنها غير مكيلة ، ولا موزونة ، ولا مدخرة ، وهذا الذي نصل عليه علماؤنا ، وعليه العمل . وفق الله الجميع إلى الخير . والسلام عليكم .
__________
(1) …قلت : وتقدم بيان مقدار الصاع النجدي بالريال الفرانسي في (باب الغسل) .(4/30)
(ص-ف-119 وتاريخ 7/2/1378هـ)
(987 – والبندورة والفواكه كذلك )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي رايع رئيس هيئة ثقيف سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد وصلنا خطابكم الذي تسألون عن غلة البندورة(1) هل فيها زكاة ؟
وجواباً على سؤالكم نقول : إن البندورة وأمثالها مما لم تجر العادة بادخاره – كسائر الفواكه والخضروات – لا زكاة فيه ؛ لما روى الدار قطني عن علي مرفوعاً : "ليس في الخضروات صدقة" ولما جاء في الأثرم بسنده عن سفيان بن عبد الله الثقفي أنه كتب إلى عمر وكان عاملا له على الطائف : أن قبله حيطاناً فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكرم أضعافاً ، فكتب يستأذن في العشر ، فكتب إليه عمر رضي الله عنه : أن ليس عليه عشر مال ، هي من المعفاة كلها ، وليس عليها عشر . هذا والسلام .
(ص – ف – 1430 – 1 وتاريخ 29-5-84هـ)
(988 – ولو صبرت )
لا زكاة في البقول والخضر لفقد الانتفاع بها في المال . ولا ير علينا ما يصبر ، فإن بقاءه ليس من طبعه ، والمعالجة تبقى أشياء آخر .
فالمراد بالنسبة إلى ما هو من طبعها(2) أوجود الصلابة فيها وعدم التغير الذي يعتريها كما يعتري الخضر والفواكه .
(تقرير)
(989 – إذا لم تبلغ الحنطة نصابا فهل يضم إليها الشعير والذرة)
"المسألة الثانية " : إذا كان الزرع من الحنطة لم يبلغ نصاباً : فهل يضم إلى الشعير ، أو الذرة . أم لا ؟
والجواب : الذي نص عليه فقهاؤنا رحمهم الله أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر من الحبوب والثمار في تكمل النصاب . أما إذا كانت أنواع من جنس واحد فيضم بعضها إلى بعض . فيضم العدس إلى الحنطة ، لأنه نوع منها . ويضم الست إلى شعير لأنه نوع منه ؛ بخلاف الحنطة والشعير والذرة فلا يضم بعضها إلى بعض ، لأنها أجناس متغايرة .
(ص – ف – 3546 – 1 في 14-11-1388هـ)
(990 – العمال في هذه العصور يضمون الشعير إلى البر)
قوله : لا جنس إلى آخر :
__________
(1) الطماطم .(4/31)
لكن مقاربة الحبوب بعضها لى بعض أكثر من مقاربة الأنعام بعضها إلى بعض في الانصباء وفي مقدار ما يخرج ، والحبوب متفقة في مقدار النصاب والخارج . نعم فيها اختلاف حقائق .
لكن الشعير فيه مقاربة من البر ، ولهذا يروى عن أحمد الشعير والبر جنس واحد .
العمال يعملون على هذا من عصور طويلة ، وهم ولاة عدل وتجديد والظاهر أنه من ذاك الوقت لا يفرقون .
وهنا دليل وهو أنه لا يظهر من عمال النبي الذين يبعثهم لا يحصل تفريق ؛ إلا إن جاء دليل في خرص الحبوب وأن هناك حبوب تخرص . لكن الذي يشبه هذا خرص النخيل من الأعناب التي تجمع مع النخيل ونصابها واحد ومقدارها واحد (تقرير) .
(991 – إذا حصد زرعة وباعه علفا)
" المسألة الرابعة " : إذا حصد المالك زرعه قبل بدو صلاحه وباعه علفاً بدارهم ، فهل يزكى الدارهم مطلقاً ، أو إذا بلغت قيمة نصاب . وهل يزكيها في الحال ، أو إذا حال عليها الحول ؟
والجواب : إذا لم يفعل ذلك فراراً من الزكاة فلا زكاة في الدراهم حتى يحول عليها الحول بعد بلوغها نصاب الفضة ، وحينئذ فيها زكاة أثمان ، لا زكاة خارج من الأرض .
(ص – ف – 3546 - - في 14 – 11 – 1388هـ)
(992 – الثمار التي تأتي على فترات متقطعة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فجواباً على مذكرتكم المرفقة رقم 30 – 10 – 214 وتاريخ 4-6-1377هـ المشفوع بها خطاب مدير مالية القنفذة ، المتعلق بثمار مزارع العرضية التي تأتي على فترات متقطعة ، وترك خرصها بسبب عدم بلوغها النصاب في كل فترة .(4/32)
نفيدكم أن هذه الثمار المذكورة يضم بعضها إلى بعض إذا كانت جنساً واحداً كالذرة مثلاً ، سواء كانت نوعاً واحداً أو أنواعاً من الذرة مثلا ، وتزكى إذا بلغ مجموعها النصاب ، بشرط ألا يكون بين حصول الثمرة الأولى وحصول الثمرة الثانية ستة أشهر فأكثر . أما إذا لم يبلغ مجموعها النصاب أو لم تكن جنساً واحداً بأن كانت الأولى مثلا ذرة والتي بعدها بشهرين ونصف حنطة أو كان بين حصول الثمرة الأولى وحصول الثمرة الثانية اللتين من جنس واحد ستة أشهر فأكثر فلا تضم إحدى الثمرتين إلى الأخرى .
ومن هذا يعرف أن الثمرتين اللتين بين حصولهم شهران ونصف تقريباً تضم إحداهما إلى الأخرى في تكميل النصاب إذا كانتا من جنس واحد . والله يحفظكم .
(ص – ف – 719 وتاريخ 15 – 6- 1377هـ)
(933 – الربعي والصيفي )
الذي نجح(1) في الشتاء والذي نجح في الصيف كالنحطة الربعي والصيفي كله يضم بعضه إلى بعض . وكذلك الدخن ، وكذلك الدثار(2) الذي هو في الصيف ولا يصرم إلا في الشتاء . (تقرير)
(994 – قوله : ولا على ما يأخذه بحصاده )
لكن إذا والاه(3) بالنصف أو غيره فإن اعتبرناه شريكاً وجبت عليه زكاته . وهذا بحث لم ينته بعد هل هو إجارة أو مشاركة . (تقرير)
(995 – مقدار زكاة الحبوب بالصاع)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن مقبول الخديدي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك الذي تسأل فيه عن زكاة الحبوب إذا كانت نشرب عثري(4) أو تسقى بمؤنة ، وما مقدار النصاب الزكوي . إلخ .
__________
(1) أي اشتد .
(2) الدثا : هو ثمر النحل يطلع في الصيف ولا ينضج إلا في الشتاء ، ووجوده بقلة .
(3) والاه : قام بتشويكه وتلقيحه وتعديله ونحو ذلك .
(4) "العثري" هو الذي يزرع على المطر ، وهو في جهة الحجاز بكثرة ، وفي نجد يسمى "البعل" .(4/33)
والجواب : الحمد لله . النصاب الزكوي خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع . فإذا بلغ المحصول الزراعي ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي وجب فيه الزكاة . فإن كان عثرياً وجب فيه العشر ، وإن كان يسقى بمؤنة فنصف العشر . وإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه . وزنة الصاع النبوي ثمانون ريالا فرانسياً . والله أعلم . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص – ف 2844 – وتاريخ 17 – 9 – 1388هـ)
(966 – ما يسقى بالنباعات ، والارتوازات)
س : النباعات التي في القصيم .
جـ: هي جديدة في نجد ، وإلا فهي في المقاطعة الشرقية ، لكنها ضئيلة في الظاهر .
العين لو أنفق عليها ملايين فإنها تستمر ولا يبقى لها كلفة .
والنباعات الظاهر أنها سيح . والأقرب هو ما ذكرت لك قسها على العين المنفق عليها
ملايين . ولا تقل : إنها قد تنضب ، الدوام ليس للمخلوقات أياً كانت . والارتوازات من المؤونة(1) .……………………(تقرير)
(977 – الزكاة على زارع الأرض)
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل الوزارة للشئون المالية
وفقه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد جرى الاطلاع على خطابكم المرفوع إلينا برقم 4126 – 4-2 وتاريخ 6-4-1381هـ حول وجود بعض أشخاص مزارعين يقومون باستئجار بعض البلدان الزراعية من مالكيها ، والبعض منهم يأخذونها بطريق الرهن ، وكل هؤلاء يدفعون لأصحابها أجرة تعادل الثلث من غلة البلاد حسب الاتفاق ، وعندما يحين خرص الثمار يقوم صاحب الأرض بمطالبة المزارع بدفع الزكاة له ، ويمتنع المزارع من دفعها له ، حيث أنها من اختصاصه ، وأن المجر لس له إلا أجرة .
__________
(1) قلت : الفرق بين النباعات والارتوازات أن النباعات تحفر بالحفارات ثم ينبع الماء ولا يحتاج إلى رفع الماء أما اللارتوازات فهي تحتاج بعد الحفر إلى مكائن لرفع الماء من أعماق الأرض .(4/34)
إلى آخر ما ذكر . وتستفتون عن الطريق الشرعية التي يمكن اتباعها في مثل هذه الحالات للتمشي بموجبها .
ونفيدكم أن الزكاة على زارع الأرض سواء كان مالكاً أو مستأجراً أو مرتهناً ، ولا حق لصاحب الأرض فيها مطلقاً ، وليس له علي المزارع إلا أجرة زراعة أرضه . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
(ص – ف – 529 – وتاريخ 6-5-1381هـ)
(988 – وإذا شرط المستأجر على المؤجر أنه ليس عليه زكاة فلا يسقطها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو وزير المالية والاقتصاد الوطني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
أشير إلى خطاب سموكم رقك 1860 تاريخ 27 – 9 – 1386هـ الإلحاقي لخطابكم رقم 1673 المبني على خطابنا رقم 4129 في 14-8-86هـ بشأن مراجعة محمد بن عبد الله بن فجري الخالدي بصدد المالك الموجود في الاحاء الذي طلب منهم دفع زكاته .
وبالنسبة لما ذكره سموكم يتضح أن الزكاة تجب علىمستأجر الملك في جميع الثمرة . أما الأجرة التي تعود للمؤجرين إذا كانت شيئاً معلوماً كعدد أمنان مثلاً فإنها دين في ذمة المتأجر . وشرط المستأجر على المؤجر أنه ليس عليه زكاة لا يسقط الزكاة عنه . هذا والسلام عليكم ورحمة الله .
(ص-م-7076 في 6-11-1386هـ)
(99- إذا كانا شريكين فهل يخرجانها قبل القسمة أو بعدها)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم نغميش بن نايف المرعي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد :
فقد وصلنا كتابك الذي تقول فيه : إذا كان هناك شريكان في زرع الشتاء هل تجب الزكاة بعد حصول الثمرة قبل أن يتقاسما ، أو بعد القسمة كل يزكي ما ملك إن وجب فيه نصاب أو أكثر. وإذا حصلوا الثمرة زكوا ثم اقتسموا بعد الزكاة .
والجواب : الحمد لله . إذا بلغ جميع الزرع نصاباً فتجب الزكاة ببدو صلاح ثمرته .
وأما سؤالك هل يخرجانها قبل القسمة أو بعدها .
فالجواب : يجوز هذا ، وذاك .(4/35)
أما " المسألة الثانية " التي تقول فيها : إذا كان فيه صاحب ملك قليب ومكينة ولم يجد أحداً يزرع له إلا بالنصف وهو صفة معزب هل تجب الزكاة على الجميع قبل القسمة ، أو كل يزكي حقه بعد اقتسام المعزب والفلاح .
فالجواب : الحمد لله . لابد من بلوغ الجميع النصاب ، فإن زكيا قبل القسمة جاز ، وإن أخرت الزكاة إلى ما بعد القسمة جاز أيضاً . والسلام عليكم .
…(ص-ف-480 وتاريخ 22 – 5 – 1378هـ)
(1000 – إذا احترقت الثمرة في الجرين بغير تعد )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة نائبنا في المنطقة الغربية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد جرى الاطلاع على الأوراق المشفوعة بخطابكم رقم 10482 وتاريخ 29-6-1380هـ المتعلقة بقضية الزكاة المطلوبة من محمد عبد الله بن هيضة من سكان العرين ، وما ذكر من أن حريقاً حصل على ثمرته فأتلفها – المشتملة على خطاب فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بأبها رقم 2513 وتاريخ 25 – 5 – 1380هـ المتضمن أن نظر هذه المسألة عائد لمساحة رئيس القضاة . إلى آخر ما ذكره .
ونفيدكم أن إذا ثبت ما ذكره من احتراق ثمرته فتسقط الزكاة فيها إذا لم يفرط وإن كان قد وضعها في الجرين على القول المختار . وتفريطه كتعريضها للحوادث ، وتركها في الجرين مدة تزيد عن الحاجة ونحو ذلك . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
(ص-ف-305 في 8-3-1381هـ)
(1001 – إذا أصابتها جائحة بعد الخرص وكان موسرا)
من محمد ، إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
……………رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :(4/36)
فبالإشارة إلى المعاملة الواردة إلينا من مقام سموكم الكريم رفق خطاب سمو نائبكم رقم 10542 وتاريخ 21-6-1382هـ المتعلقة بقضية أهالي نخيل العرض ، وادعؤهم تلف ثلثي محصولات ثمار نخيلهم بسبب هطول الأمطار عليها بعد خرصها ، المشتملة على خطابي فضيلة رئيس محكمة القنفدة رقم 776-665 في 12-3-81هـ ورقم 1768-1298 في 17-6-1381هـ حول القضية . وبتتبع الأوراق المتعلقة بالمسالة ، وتأمل الخطابين المشار إليهما أعلاه المتضمن أولهما أن القاعدة الشرعية تنص على أن الحبوب والثمار إذا تلفت قبل وضعها في الجرين بغير تعد فإنها تسقط زكاتها عن رب الزرع والثمر ، وإن تلف البعض فبل وضعه في الجرين زكى المالك الباقي إن كان نصاباً وإلا فلا زكاة فيه . كما يتضمن الخطاب الثاني الإشارة إلى قرار خراص النخيل المتضمن أن خرصهم كان قبل هطول الأمطار ثم هطلت الأمطار واستمرت خمسة عرش يوماً وأتلفت ثلثي ثمر النخيل ولم يبق سوى الثلث وقد تمكن اهله من أخذه ، وتقرير أن الزكاة تجب في ثلث الثمرة الباقي إن بلغ نصاباً ، وأما الثلثان التالفة فلا زكاة فيها ، وتعتبر شهادة الخارصين ببينة ظاهرة لدعوى الملاك للجائحة .
وبتأملها نفيد سموكم أنما قررته المحكمة هو ما يقتضيه الوجه الشرعي ، ولا يلتفت إلى ما يقال بأن هؤلاء الذين يدعون الجائحة في ثمارهم موسرون ولديهم محلات تجارية وغير ذلك ، فالحكم في سقوط الزكاة عن الثمرة التالفة قبل أخذها بغير تعد من صاحبها لا تختص به طبقة دون أخرى . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
(ص-ف-1993 وتاريخ 24 – 10 – 1382)
(1002 – لا يعتبر بقعود التأجير ، بل بالخرص)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :(4/37)
فبالإشارة إلى خطاب سموكم لنا برقم 1138 وتاريخ 17-1-80هـ على الأوراق الخاصة بشأن زكاة التمور في القطيف ، وطلب المزارعين هناك أن تستوفي منهم على أساس عقود التأجير للجور الذي يدعون أنه ينالهم من طريق الخرص .
ونحيط سموكم علماً بأنه بعد التأمل والإحاطة بجميع ما جاء في أوراق المعاملة أتضح أنهم لا يجابون إلى هذا الطلب ، بل تخرص عليهم جميع نخيلهم؛ لأن بعث السعاة لخرص ثمار النخيل ونحوها سنة ثابتة ، كما جاءت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : منها الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يوكل ثم يخير يهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق" . ومنها حديث عتاب بن أسيد الذي رواه الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم" وذكر في "المغني" أن الخرص عمل به النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعده والخلفاء وقال به أكثر أهل العلم . انتهى .
ولكن يجب على ولي الأمر أن يحرض الذين يتولون الخرص على عدم الظلم والزيادة ؛ بل يجب أن يترك في الخرص أرب المال الثلث أو الربع لحديث سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الشرع جاء بهذا توسعة على رب المال لأكله هو وأضيافه وجيرانه ، فإن أكل هذا المتروك فذلك ، وإن لم يأكله أو بعضه أخرج زكاته .
إما استيفاء الزكاة على حسب الأجور . فهذا لا يجوز ولا أساس له في الشرع .(4/38)
وأما ما ادعوه من الظلم في الخرص . فالظاهر أن العمال لا يقصدونهم بظلم ، لأن الكل يعرف أن الظلم لا يجوز ، وأن الحكومة لا ترضاه ، مع أن الحكومة لا تنتدب للخرص إلا أناساً معروفون بالخبرة وتوخي العدل وبراءة الذمة . لكن إن ادعى أحد الأفراد وقوع شيء من الغلط في خرص نخله وكان الواقع يؤيد ما ادعاه قبل قوله .
وأما ما ادعوه من أخذ العشر من نخيلهم التي تسقى غرفا . فمعلوم أن الواجب شرعاً في ثمرة النخيل التي تسقى غرفاً نصف العشر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رواه البخاري وغيره : "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وفيما سبقى النضج نصف العشر" . لكن إذا كان العشر يؤخذ نصفه زكاة الباقي لأجل كونها من بيت المال فلا مانع من ذلك. وأما النخيل التي ليست فيها ثمرة فمن المعلوم أنها لا تخرص ، ولا يمكن أن أحداً يخرص شيئاً معدوماً. والله يتولاكم ، والسلام . رئيس القضاة .
(ص – ق-91 في 10-2-1380هـ)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم وزير الدولة للشئون المالية والاقتصاد الوطني سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد جرى الاطلاع على خطابكم المرفق بمعاملة خرص زكاة مزارع "حلي" كما جرى الاطلاع على قرار رئيس محكمة القنفذة برقم 4349-3576 وتاريخ 17/11/79هـ الذي تسألون عما جاء بالمادة الثانية منه – المتضمنة أن الاستقصاء في الخرص مخالف للسنة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" .(4/39)
والجواب : إن ما ذكره صحيح لا إشكال فيه ، والحديث الذي استدل به جار على قواعد الشريعة ومحاسنها ، وذلك لأن الثمار ينوبها أشياء من أكل وهدية وصدقة وغير ذلك مما جرت به العادة في كل زمان ومكان ، فجاءت السنة بالتخفيف عن صاحب السمرة وأن يترك له من ثمرته مقدار ما ذكره . واتباع السنة في هذا وغيره هو المتعين على ولاة الأمر أن يفعلوه بأنفسهم ، وأن يحملوا الرعية عليه . والله يحفظكم .
(ص – ق – 209 وتاريخ 22- 2- 1379هـ)
(1004 – إذا لم يأكل ما تركه الخارص زكاه ، ويأكل أهل الزروع منها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو المالكي نائب رئيس مجلس الوزراء حفظه الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فنشير إلى خطابنا لسموكم برقم 91 وتاريخ 10-2-1380هـ ونحيط سموكم علماً أنه وردنا من وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني خطاب برقم 8613 – 4-3-5 وتاريخ 28-4-1380هـ بشأن زكاة الحبوب والتمور في القطيف ، وذكر أن المزارعين هناك يطالبون بتنزيل الثلث أو الربع من اصل الزكاة المطلوبة منهم ، وذلك بناء على ما جاء في خطابنا لسموكم المنوه عن أعلاه ، والمبلغ من سموكم لإمارة المنطقة الشرقية برقم 3862 وتاريخ 21/2-80هـ والمعطى صورة منه من صورة من خطابنا لوزارة المالية ، وقد جاء في خطاب وكيل وزارة المالية لنا أن العادة المتبعة من القديم أن الخرص يتم على كامل حاصل الثمرة ، يستثنى من ذلك ثمار النخيل التي تؤكل في أول الوقت قبل نضوجها تمراً لأنها لا تخرص عادة ، ورغب منا الإفادة عما يجب اتباعه ، كما وردنا منه أيضاً خطاب تعقيبي برقم 10787 – 4 – 3 – 5 وتاريخ 24/5/1380هـ استفسر فيه عما يلزم بالنسبة لزكاة العيش والشلب(1) بناء على تعقيب مالية المنطقة الشرقية .
وعليه نفيد سموكم بما يلي :
__________
(1) الشلب : الرز ، والعيش : البر – في اصطلاح أهل تلك المنطقة .(4/40)
1- حيث قد استمر العمل من ولاة الأمور من القديم على أن الخرص يتم على كامل حاصل الثمرة ، يستثنى من ذلك ثمار النخيل التي تؤ كل في أول الوقت قبل نضجوها ، فإنه لا مانع من الاستمرار على ذلك العمل ؛ لأنه جار على قول بعض أهل العلم ، وهو أيضاً في المعنى لا يتنافى مع ما قررناه سابقاً ، لأننا ذكرنا أن صاحب المال إذا لم يأكل ما ترك له أو بعضه أخرج زكاته ، وذلك بناء على القول الذي قدمه وصححه صاحب الإنصاف .
وقد سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله عن هذه المسألة . فأجاب بقوله : يؤمر الخارص بأن يدع الثلث أو الربع لأهل النخيل يأكلون ويهدون منه ويتصدقون، وبعض أهل العلم يقول يدع لأهل النخيل قدر حاجتهم ، كل إنسان على قدر حاجته ، فما كان يحتاجه للأكل قبل الجذاذ ويهديه لأقاربه ونحوهم أو يتصدق فلا زكاة فيه ، وما عدا ذلك ففيه الزكاة(1).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما معناه : إن أرجح الأقوال عنده أن يترك لصاحب الثمرة قدر ما يأكله ويخرجه رطباً باجتهاد الخارص . اهـ(2). وبهذا يتضح مستند ما جرى عليه عمل ولاة الأمور .
__________
(1) الجزء الرابع من الدرر السنية ص308 .
(2) انظر الجزء الرابع من الدرر السنية ص308 .(4/41)
2- لم نتعرض في خطابنا المنوه عنه أعلاه لسموكم إلا لثمرة النخل ونحوه وهو العنب . وأما الزروع من الحنطة والشلب والشعير ونحو ذلك فلا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله قبل تمام الحصاد والتصفية ، ولا يحتسب عليهم ذلك عند إخراج الزكاة قال في "المغني" : لا بأس أن يأكلوا منه يعني ما عدى النخل والعنب وما جرت العادة بأكله ولا يحتسب عليهم ، وسئل عما يأكل أرباب الزرع من الفريك قال لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه ، فإذا صفى الحب أخرج زكاة الموجود كله ولم يترك منه شيء ؛ لأنه إنما ترك لهم في الثمرة شيء لكون النفوس تتوق إلى أكلها رطبة والعادة جارية به ، وفي الزرع إنما يؤكل شيء يسير لا وقع له ا.هـ. والله يحفظكم ، والسلام. رئيس القضاة
(ص-ق-565 في 25-6-1380هـ)
(1005 – أخذ الزكاة عينا من الثمار)
برقياً
جلالة الملك . مولاي أدام الله وجودكم ، وصلنا برقية من خادمكم الأخ عبد المحسن بشأن زكاة التمور مضمونها كما يأتي : كتبت لنا هيئة توزيع الزكاة بما يأتي :(4/42)
نبدي لسموكم أننا نرى التوسعة للملاك بأن من شاء يدفع من عين ماله فله ذلك . ومن شاء يدفع عوضه نقداً فله ذلك ، وذلك نظراً للرفق للمستحقين ، ولا سيما في الزكاة هذه السنة تمور وسط ودوني وغير قابل للأكل فيصعب التوزيع على الفقراء مع ما يطلب المقام من مصرف والغلاف والنقل وغير ذلك ، ولكون ذلك معلوم من السنة ، وعليه مذهب الإمام أبي حنيفة ، وهو قول قوي في مذهب الإمام أحمد ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات ونص عليه في "المغني" وصاحب "الشرح الكبير" . فنأمل من موافقتكم على ذلك ، وتعميد لجنة المشتروات بتقدير قيمة معتدلة للتمور من الخلاص وغيره ، وتعميم ذلك . وإنتهى . أمركم مع العلم أن الهيئة الرئيسية تتكون من قاضي المستعجلة في الحساء والشيخ عبد الله المبارك قاضي الظهران السابق ورفقاهم . لذا أرجو أمركم بما ترونه نحو ما ذكروا أدام الله بقاكم ، مولاي . خادمكم سعود بن جلوي
في 9-3-75هـ
(برقية)
فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم اطلعوا على برقية سعود بن جلوي بشأن الزكوات ، وأخبرونا عما يجيز الشرع في ذلك .
(سعود)
(14-3-75هـ)
(برقية)
جلالة الملك المعظم أيده الله .
ج عدد 9144 عطفاً على ما رفعه لجلالتكم الأمير سعود بن جلوي برقم 1611 بشأن الزكاة . قف . سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة المستفيضة أخذ الزكاة عيناً ، فقد درج على ذلك العلماء خلفاً على سلف . ومن جاء عنهم يجوز أخذ القيمة استدلالا ببعض أحاديث فإن ذلك مقيد بقيود غير متوفرة من كل وجه في هذه المسألة .
وايضاً هذا تجويز فقط ، وما درج عليه المسلمون هو شرع وفرض من عند الله بلا ريب . وأيضاً " المغني، والشرح " لم ينصا عليه ؛ بل حكياه رواية عن أحمد وقولا لبعض أهل العلم ، ورداه ، واختارا وقررا خلافه ، واستدلال بالأدلة الجلية ، وأجابا عن القول بالتجويز بما هو مسطور صحيفة 524 إلى صحيفة 528 .(4/43)
وأيضاً لو فتح هذا الباب لأفضى إلى أن يتخذ شريعة لا تخالف ، وآلت الزكاة إلى شبه الجزية، ونسيت ونسخت ومسخت تلك المقادير الشرعية والزكوات النبوية . وكم ضيع بأمثال هذا الرخص من مشروع ، ووقع بجرائها في ممنوع ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ ك خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإبل ، والبقرة من البقر" رواه أبو داود وابن ماجه . انتهى . حفظكم الله .
(ص-ف-143 في 20-3-1375هـ)
(برقية)
فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الرياض
ج143 بشأن ما ذكرتم عن الزكاة فنحن نبرأ إلى الله من مخالفة أمر الشرع ، وقد أمرنا الأخ سعود بن جلوي بتطبيق ما جاء في برقيتكم . (سعود)
(20547 وتاريخ 3-4-1375هـ)
(1006 – لا دليل صحيحا صريحا على أخذ القيمة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الحي بن حسن كمال الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
الجواب على استفتائكم – الحمد لله – أما أخذ القيمة في الزكاة فلا أعلم فيه دليلاً صحيحاً صريحاً من السنة ، ولهذا ذهب الجمهور إلى المنع من دفع القيمة ، وأنها لا تجزي . وجوز ذلك أبو حنيفة رحمه الله ، وإليه ميل البخاري في صحيحه ، وشيخ الإسلام ابن تيمية لكنه يشترط كون ذلك أنفع ، واستدل البخاري وغيره على ذلك بأدلة قوية ولم تكن نصاً في المسألة(1) .
(ص – ف – 59 وتاريخ 24 – 1 – 1377هـ)
(1007 – المسائل التي يجوز أخراج القيمة فيها عند ابن تيمية والبخاري)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو المالكي ورئيس مجل الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
__________
(1) انظر جـ 1 باب زكاة العروض من صحيحه .(4/44)
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا رفق خطاب سموكم رقم وتاريخ المتعلقة بتعديل طريقة خرص الثمار وتوزيع زكاتها على الفقراء ، المشتملة على قرار المجلس الإداري بأبها رقم 38 وتاريخ 27 – 10 – 1381هـ المتضمن ذكر الطريقة الجديدة التي يرى المجلس الأخذ بها مستقبلا ، وترغبون منا إفادتكم بما يظهر لنا من رأي تجاه قرار المجلس المذكور .
وبدراستنا للقرار المشار غليه أعلاه صار لنا عليه ملاحظات شرعية ، وأخرى إدارية . أما الملاحظات الشرعية فتتلخص فيما يأتي :
1- جاء في القرار ما نصه : يخير المكلفون بين دفعها نقوداً وبين دفعها عيناً .
وفيد سموكم أن جعل الخيرة لأرباب الأموال لا أصل له في الشرع ؛ بل الواجب في إخراج زكاة الثمار أن تكون عيناً ، وهو الأصل ، والنصوص في ذلك معروفة مشتهرة . ولا يجوز إخراج القيمة إلا فيما ظهرت فيه المصلحة لحظ من وجبت له ، أو كان في إلزام من وجبت عليه بالعين مشقة ، كأن يبيع ثمر بستانه أو زرعه فيجزؤه إخراج عشر القيمة ؛ لأنه ساوى الفقير بنفسه .(4/45)
ونذكر هنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لتبيين ذلك وتتضح به بعض الصور التي يجوز إخراج القيمة فيها ، جاء في (الاختيارات ص103) ما نصه : ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول(1) عن الحاجة والمصلحة مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه فهنا إخراج الدراهم يجزؤه ولا يكلف أن يشتري تمراً أو حنطة فإنه قد ساوى الفقير بنفسه ، وقد نص أحمد على جواز ذلك . ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل وليس عنده شاة ، فإخراج القيمة كاف ولا يكلف السفر لشراء شاة ، أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم فهذا جائز . اهـ(2) .
2- جاء في القرار تعليل مراعاة الشمول في توزيع الزكاة بأن القصد من صدور أمر جلالة الملك بتوزيع الزكاة على الفقراء هو التوسعة على فقراء الرعية .
والصحيح أن أمر الملك حفظه الله بتوزيع الزكاة على الفقراء هو تنفيذ ما اقتضاه الوجه الشرعي . كما أن تعبير المجلس في القرار بأن الزكاة مبرة ولي الأمر غير مستقيم ، ومن باب تسمية الأشياء بغير أسمائها . إذ هي حق الفقراء على الأغنياء ، كما جاء ذلك في الكتاب والسنة ، ومن ذلك قوله تعالى : (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (3) .
3- جاء في القرار أن الجهة التي تتولى التحقيق في اتهامات هيئات الخرص والتوزيع هي المجلس الإداري ، وأن ما صدر من ذلك المجلس من قرارات في حق من قامت التهمة حوله يينبغي أن تكون نافذة .
__________
(1) كذا بالأصل . والعبارة محرفة ، قال في الفتاوي (ج25 ص79) : ويجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره ، وهذا القول أعدل الأقوال .
(2) وقال في الفتاوي ج25 ص46 : وللناس في إخراج القيم في الزكاة ثلاثة أقوال : أحدها أنه يجزئ بكل حالز والثاني لا يجزئ بحال ، والثالث أنه لا يجزئ إلا عند الحاجة . انظر تكملة البحث هناك وص79 ، 80 من المصدر المذكور .
(3) سورة المعارج آية 25 ، 25 .(4/46)
ونفيد سموكم أن الجهة التي تتولى النظر في هذه الاتهامات لابد وأن تكون جهة علمية كالمحكمة ، أو أن يشكل له هيئة شرعية برئاسة مندوب رئاسة القضاء وعضوية مندوبي هيئة الأمر بالمعروف ووزارة المالية والمجلس الإداري . ولا يكون قرار الهيئة نافذاً حتى ينال تأييد الجهات المختصة.
4- جاء في القرار التوصية بعدم إهمال فقراء المناطق المجدبة . ونفيد جلالتكم أنه ينبغي توزيع زكاة كل قرية على فقرائها ، ومتى بقي فاضل منها وزع على قراء ما جاورها من القرى ، وكلما كانت قرية أقرب إليها كانت أولى بتوزيع الفاضل من زكاتها على فقرائها ، ما لم تكن هناك مسغبة فولي الأمر الاجتهاد في التوزيع حسبما تقتضيه المصلحة العامة .(4/47)
أما الملاحظات الإدارية فقد جاء في القرار عبارتان ظاهرهما التناقض ، وهما : ويعهد إليهم باستيفاء الزكاة الشرعية – والضمير راجع إلى الخراص الذي يختارهم المجلس الإداري – وبعد استحصال الزكوات من قبل المالية بواسطة محاسبة وقابض وخوي الإمارة . ووجه التناقض أن استيفاء الزكاة قد جعل إلى جهتين هما الخراص كما تشير إليه العبارة الأولى . ومندبو المالية القابض والمحاسب وخوي الإمارة كما تدل عليه العبارة الثانية . وهذا لا يمكن ، إذ لا يصح استيفاء الزكاة ممن وجبت عليه مرتين ، فلزم القول بأن سبك الكلام غير واف لوجود هذا التناقض الموهم . هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى فالطريقة التي ذكرها المجلس ورأى الأخذ بها مستقبلا فيها شيء من التعقيد ، وتكليف الدولة بأكثر مما يلزمها من نفقات جباية الزكاة وتوزيعها . والطريقة التي نراها أبسط وأقسط واسلم من التلاعب أن يختار المجلس الإدارية أو من يمارس صلاحياته رجلان(1) موثوق بهما أمانة وخبرة ، ليقوما بخرص الثمار ، وتسجيل ذلك في بيانات يرفعانها إلى جهات الاختصاص مبيناً فيها مقدار الواجب من الزكاة على كل واحد ممن جرى خرص ثمارهم ، ويعهد إلى قاضي كل جهة بتسجيل اسماء الفقراء المستحقين بمساعدة رئيس هيئة الأمر بالمعروف في تلك الجهة . وبعد الجذاذ والحصاد تشكل هيئة من المالية من قابض وحاسب لجباية زكاة كل قرية حسبما هو موضح في بيانات الخراص ، وتوزيعها على فقرائها حسب سجلات القاضي بمشاركة القاضي والأمير ورئيس هيئة الأمر بالمعروف , ومن المستحسن جداً أن تؤخذ توقيعات الفقراء على ما استلمه كل واحد منهم . ومتى وجد فاضل من زكاة أي قرية على مستحقات فقرائها صرف إلى فقراء قرية منها كما مر ذكره . أما استحقاق مشائخ القبائل والجباة والخراص فيصرف لهم من أصل حاصلات الزكوات كالسابق . هذا ما لزم ذكره . ونعيد إلى سموكم كامل الأوراق والله يحفظكم .
رئيس القضاة(4/48)
(ص-ق-1005-1 في 12-7-1382هـ)
(1008 – تخرج من الطيب والمتوسط والردئ)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم وكيل وزارة المالية
والاقتصاد الوطني
الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .وبعد :-
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 16776 – 4-2 في 17/10/1375هـ المرفق به المعاملة الدائرة حول استدعاء عثمان بن محمد ملاء بطلبه قبول الزكاة من حاصل ثمرة كل ملك .
نفيدكم أن قد جرى درس كامل المعاملة ومن بينها إفادة مدير الأملاك والزكوات بالمنطقة الشرقية المتضمنة بأن العادة المتبعة هي استحصال ثمر طيب من عموم المكلفين . الخ .
والقاعدة الشرعية في استحصال الزكوات أن من لديه زكاة ممر يخرج من جميع الأنواع التي عنده من المتوسط ، والطيب ، والردئ وأن أخرجها جميعها من الطيب كان أفضل ، وإن أخرجها جميعها من الوسط أجزأه . ولا يخرجها من الردئ فقط . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
(ص-ف339 في 30-7-1375هـ)
(1009 – زكاة العسل)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة الباحة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
كتب لنا محمد بن عبد الله الصعيدي الزهراني التابع للقرى معروضة المرفق بخصوص زكاة العسل ، وراينا أن يكون الجواب له من طريقكم لإبلاغه بالفتوى هو وغيره .(4/49)
والجواب : المشهور من مذهب الحنابلة أن الزكاة تجب في العسل ، نص عليه الإمام أحمد، وقال أخذ عمر منهم الزكاة . فقيل له : ذلك أنهم يتطوعون به . فقال : لا بل أخذ منهم . وهذا عام في العسل الذي يؤخذ من أرض مملوكة والذي يؤخذ من موات كرؤوس الجبال . ولأنه مكيل مدخر فأشبه التمر . ولحديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها" رواه أبو عبيد والأثرم وابن ماجه . وروى سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي قال قلت : يا رسول الله أن لي نحلا قال : "فأد العثور . قال : قلت : يا رسول الله : إحم لي جبلها فحمي لي جبلها" رواه أحمد وابن ماجه. ولا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ نصاباً . ونصابه كما ذكره الفقهاء مائة وستون رطلا ، وذلك عشرة أفراق على المنصوص ، والفرق ستة عشر رطلا عراقية ، وهو مكيال معروف . والله أعلم .
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف1480-1 في 26-5-1386هـ)
(1010 ـ لا تتكرر زكاة المعشرات مالم تكن للتجارة)
قوله : ومن زكى ما ذكر من المعشرات مرة فلا زكاة فيه بعد ،لأنه ير مرصود للنماء .
لا تتكرر زكاة المعشرات ولو بلغت أحوالاً ، لكن هذا ما لم تكن للتجارة . فإذا زرع للتجارة فإنها تقوم عند الحول ،وأما أنها تزكى زكاة حبوب فلا . (تقرير)
(باب زكاة النقدين)
(1011 الدينار ، والدرهم ،والجنيه )
الدينار مثقال من الذهب ،وزنته بالدراهم درهم وثلاثة أسباع درهم . لكن على أصل الشيخ أن ربع الدينار هو ربع الجنيه كبر هذا أو صغر في سائر موارد ذكر الدينار . والثلاثة الاريل هي ثلاثة دراهم في سائر موارد ذكر الدرهم .
وكلامه ظاهر فيما إذا كان الجنيه مثقالاً أو مثقالين . أما إذا كان مثلاً واحد مثقال وواحد ستة مثاقيل فهذا يتأمل ،وملمحه أن النصوص جاءت بلفظ " دينار" " درهم " لم يعتبر فيها بالوزن .(4/50)
الجنيه الفرنجي مثقالان إلا ربعاً وكأنه ينقص شيئاً قليلا " العصملي " ما حررناه لكنه في ذكر بعض مثقال ونصف (تقرير)
(1012 ـ زكاة مبلغ مودع في البنك )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد المجيبد إسماعيل داغستاني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فقد وصلنا استفتاؤك , وفهمنا ما تضمنه من سؤالك عن زكاة المبلغ المودع لوالدتك في البنك ،ومقداره ثمانية وستون ألف ريال وكسور ثمن نصيبها من النصف المهدوم توسعة للشارع العام من بين والدها المتوفي، وهل يجب فيه الزكاة لأنه معد للبناء ، وما مقدار الواجب فيه ، علماً أنه استلم المبلغ من الحكومة في 29/7/81هـ .
والجواب :ـ الحمد لله . نعم تجب الزكاة فيه بعد مضي حول ،والواجب فيه ربع العشر عن كل عام يمضي عليه . وبالله التوفيق والسلام .
(ص ـ ف 479 في 11/3/هـ)
(1013 ـ أوراق البنكوت )
" الخامسة " سؤالك عن (البنكنوت) هل فيها زكاة ، أم أن الزكاة في الذهب والفضة .
والجواب : اختلف في أوراق البنكنوت : هل هي عروض أو فلوس ، أو أثمان . وحيث أن الغالب عليها /صف الأثمان فهي فرع عنها ، فلا يظهر لي فيها إلا أنها كالأثمان حكماً في الزكاة والربا والصرف ، فتجب فيها الزكاة بشرطها .
(ص ـ ف / ـ ف هـ)
( 1014ـ أحسن المسالك في الأوراق أن تعتبر نقوداً ، وأدلة ذلك )
الأوراق هذه بعض الناس لا يرى فيها الربا في بعض صوره ، كأن يوهب إياها أو تكون أثمان مبيعات فلا ينويها للتجارة ، فيقول هي عروض ليست أموالاً تزكى ، يقول : يوم بعت عقاري بنصف مليون ما نويت التجارة ـ إني أتجر بنصف المليون ـ فيبطلون الزكاة إذا جعلوها عروضاً ، فيسقط حتى المستحقين بهذا .
أحسن المالك في الأوراق هذه أن تكون في كل باب من أبواب الربا تعد نقوداً ، وفي باب الزكاة تعد نقوداً .
فكل ناحية يتوفر فيها حق المستحقين ويسلم من الربا تعتبر نقوداً والأشياء الأخر يعتقدها ما يعتقدها .(4/51)
فالذي يقول : إنها عروض ، أو فلوس . يقول : يلزمك أن تسوغ (1) لابد أنه سيصرفها . فلا أحسن من المسلك أن تسمى نقوداً وأسلم من كل شيء ، ولو طولب بالتأصيل فإنه سيذهب إلى المرجع أن له الحق أن يعطي نقوداً ، وهذا أصل الوضع لو يصير على المحاقة في الشرع فإنه يلزمهم ، وكثير من الناس يجبن عن طلب ذلك أو يتعذر (2) أصلها أن لها رصيداً . والذي يفعل هذا يسلم من هذه الآفات . يقال لو لم تكن نقوداً .
ولا أفتي بهذا (3) إلا بعض الجهال ، فإذا جعلت عروضاً والمال محبوب تركت الزكاة ، إلا إذا سلك المسلك الأول وقال : أجعلها نقوداً .
لاتسأل عن أمور الناس اليوم ، التجارة اليوم أكثرها ليس تجارة مسلمين ؛ بل تجارة نصارى أو أشباه نصارى . إذا أخذ ورق بورق مؤجل هذا الربا(4) (تقرير)
(1015 ـ س : الزري في المشالح )
جـ : يذكرون فيه شيئاًُ من الذهب . وبعضهم يقول ليس ذهباً ولكنه شيء يقرب من الذهب .
وعلى القول بأنه ذهب فالشيء اليسير منه يجوز ، والشيخ جرز مثل تركاش النشاب وأشياء يسيرة تابعة لغيرها. فعلى أصل الشيخ أن الزري يسير تابع ، وكذلك أبوبكر عبدالعزيز .
( تقرير )
( 1016 ـ بحث في البلاتين ، وورع ) :
البلاتين يمكن إلحاقه بالذهب في الأحكام ، جنيه ويفوق المائة . يزيد على الذهب أكثر من المرتين ، وهو أبيض ، إلا أنه أكدر من الفضة ؛ لكن فيه من القوة والصلابة شيء كثير ، وفيه نفاسة فله ميزة ، والظاهر أن ميزتة نفاسته في الجوهرية ، وكأنه ليس كثيراً ، إذ لو كان كثيراً لكان موجوداً بكثرة .
__________
(1) الربا .
(2) يقول ذلك من باب المعاذير .
(3) فيها ـ بأنها عروض أو فلوس .
(4) وانظر فتاوي في الربا برقم 1675 / 1 في 19- 6 ـ 1386هـ و 12681 في 27/ 10 / 1384هـ .(4/52)
ينبغي البحث في أحكامه : من زكاته ، ومسألة الربا فيه ، ومن جواز اللبس ونحو ذلك . وكأن مسألة الربا فيه ، ومن جواز اللبس ونحو ذلك . وكأن مسألة الجمال في اللبس مافيه زيادة جمال ، لكن فيه نفاسة .
عندي منه أسنان ولا استمريت في لبسها ، فترددت في اللبس وعدمه فيما علمت ، والذي صنع لي الأسنان ذكر أنه معدن .
لكن إذا كان هذه نفاسته : هل يلحق بالذهب ، أولاً . فإنه يوجد جواهر أنفس من الذهب ، ولايلزم من ذلك أن تعطي أحكام الذهب . والله أعلم .
( تقرير )
( 1017 ـ قوله كتحلية المراكب )
ومثله الكراسي والمجالس ونحوها بل أولى ……… ( تقرير )
( 1018 ـ يجوز للرجال لبس ساعة اليد ما لم تكن مذهبة ) :
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم الأستاذ عبد الغني الفقيه سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
فقد وصلنا خطابك الذي تقول فيه : أرفع لسماحتكم أنه قد كثر القيل والقال بين بعض الزملاء في مسألة لبس الساعة في اليد ، فقائل بتحريم لبسها لأنه تشبه بالنساء حيث أن موضع الزينة في أيديهن . وقائل بكراهتها للغرض نفسه ، وقائل بإباحة لبسها في اليد وأنها لم تكن في شيء من التشبه ، وأن الناس يلبسونها في أيديهم ، وأنها لت تصنع إلا لهذا الغرض . نرجو التكرم بإفتائنا في هذه المسألة .
والجواب : ـ الحمد لله . لابأس بلبس الساعة اليدوية ، وليست من التشبه في شئ ؛ مالم تكن مذهبه ، لحديث على رضي الله عنه : " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي والمعصفر " رواه مسلم . والسلام عليكم (1) .
( ص ـ ف 572 في 23 – 6 – 1378هـ )
س : ساعة الذهب للمرأة ؟
جـ : - ليست من الحلي ، لكن إن اجتهد وقيل هي من جنس السوار فربما لكونها مكان السوار ، ولعلها إذا ساوت السوار في الزنة لابأس بها .
( تقرير )
__________
(1) وتقدم ما يتعلق بالتشبه بالنساء في ستر العورة في ( باب شروط الصلاة . ) ويأتي أيضاً ما يتعلق بالساعة قريباً(4/53)
( 1019 ـ الخناجر الذهبية ، وأسنان الذهب )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد بن عبد الرحمن التويجري
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
فجواباً على الاستفتاء الموجه منكم بتاريخ 6 ـ 8 ـ 1375هـ المتضمن السؤال عن مايأتي : -
1 – هل يجوز لبس الخناجر الذهبية ؟
2 – هل يجوز أن يركب أحد من الناس أسناناً من الذهب الخالص إضطراراً كان أو زينة ؟
الجواب : الحمد لله . لا يجوز ليس الخناجر الذهبية ، كما لا يجوز تذهيبها هذا التذهيب الموجود من طمسها ونحه ، وكذلك اتخاذ السن من الذهب سواء لضرورة أو غيرها ، إنما يجوز ربط السن والأسنان بالذهب فقط ، هكذا صرح علماؤنا رحمهم الله لم يذكروا فيما يتعلق بالأسنان إلا الربط فقط . ولا ريب أن الأصل في لبس الذكر الذهب هو التحريم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير " هذان حرام على ذكور أمتي (1) جل لإناثهم " (2) صورة من الصور من عموم هذا الحديث فعليه إقامة الدليل ، فإن فعل فذاك ، وإلا فحق قوله الالغاء ، وحضه التجهيل ، هذا مالزم .
( ص ـ ف 445 في 28- 8 – 1375هـ )
(1020 – تلبيس أسنان الرجال بالذهب للتجميل )
وأما " المسألة الثالثة " وهي سؤالكم عن أسنان الذهب للرجال ؟ فجوابها : أن الذهب حرام على الرجال إلا من استثني ، وقد استثنى العلماء من هذا رباط الأسنان بالذهب . وأنف الذهب ، ونحو ذلك بما تدعو إليه الضرورة ، بخلاف ما يقصد به المياهات والفخر والزينة ونحوها كتلبيس الأسنان بالذهب للتجمل ، وقد روى أبو داود وغيره : " أن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من فضة فانتن فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب " وروى عن موسى بن طلحة وأبي رافع وثابت البناني وغيرهم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب .
__________
(1) أخرجه أبو داود والنسائي وللنسائي والترمذي " حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لأناثهم " .(4/54)
( ص ـ ف 1286 في 8 – 10 – 1379هـ )
( 1021 – أسنان الذهب للنساء والرجال ) :
ولا أعرف وجهاً لجواز أسنان الذهب للرجال والنساء ، أو يقلع أسنانه ويبدلها. هذا لا يجوز فيما نعرف . والنساء أخف . (تقرير )
(1022 ـ النظارة ، والساعة ، والسوار ، المذهبة والمفضضة والسترة والبنطلون ) :
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال الأول : هل يجوز للرجال والنساء لبس النظارة والخاتم والسوار والسلسلة والساعة أو غيرها من الذهب أو الفضة أو النحاس أو من الحديد أو غيره ، أم لا ؟
السؤال الثاني : هل يجوز لإنسان أن يعتقد أو يصدق أو يتشاءم أو يتوهم أن يصيبه ضرر كرض أو غيره من الأعداد أو من السنين أو من الشهور أو من الأيام أو من الأوقات أو من قراءة سورة أو آية أو من قراءة ورد أو من قراءة فائدة أو من دخول بيت أو من لبس ثوب أو من غيره ، أم لا ؟
السؤال الثالث : ما هي أسماء الكتب الشرعية الدينية الإسلامية الصحيحة المعتمدة النافعة المفيدة السلهة التي يجوز اقتناؤها والعمل بها في العقائد والعبادات والمعاملات وغيرها (1) ؟
فأجاب سماحة المفتي وفقه الله بما نصفه :
__________
(1) هذه " الفتوى اللاذقية " وهي جواب عن ثلاث مسائل تقدمت الثانية في توحيد الالهية ، وهذه المسألة الأولى ويأتي الجواب عن السؤال الثالث آخر الكتاب . موجهة إلى حضرة صاحب السماحة الشيخ محمد بن ابراهيم من عبد الحفيظ إبراهيم اللاذقي . طبعت عام 1375هـ في مطابع الرياض .(4/55)
الحمد لله . النظارة تارة تكون مفضضة ، وتارة تكون مذهبة ، وتارة تكون مجردة من ذلك ، وتارة تكون مذهبة مفضضة . فالجميع جائز الاستعمال للرجال والنساء ، عدا المذهبة كثيراً فإنها ممنوعة للرجال فقط محرمة ، والدليل ما رواه أحمد في مسنده والنسائي والترمذي وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها " وعن معاوية رضي الله عنه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعاً " إسناده جيد . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وعن علي رضي الله عنه قال : " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القصي والمعصفر " رواه مسلم .
والدليل على إباحة المفضضة ما رواه أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعباً " وفي رواية : " كيف شئتم " وقال الشيخ تقي الدين : لم يدل الدليل على تحريم لبس الفضة فليس فيها نص في التحريم ؛ بخلاف الذهب والحرير(1).
وأما الخاتم ذهباً كان أو فضة أو حديدا أو نحاساً أو رصاصاً فلا يحرم مطلقاً عدا خاتم الذهب فتحريمه على الرجال ظاهر ، وقد حكي الاجماع على ذلك . وأدلة تحريم خاتم الذهب على الرجال معروفة كما تقدم .
أما " خاتم الحديد ، والصفر ، والنحاس " فقد صرح بعض العلماء بكراهيته ، وقد سأل الأثرم أحمد عن خاتم الحديد ما ترى فيه فذكر حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذه حلية أهل النار " . وابن مسعود قال : لبسة أهل النار . وابن عمر قال : ما طهرت كف فيها خاتم حديد . وقال بعض العلماء بإباحة خاتم الحديد ، بدليل ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " التمس ولو خاتماً من حديد " وهذا أصح من الأحاديث المتقدمة الدالة على الكراهة .
__________
(1) انظر جـ 25 ص 63 – 65 من مجموع فتاوي ابن تيمية .(4/56)
وأما " الساعة " فحكمها حكم النظارة ، وتقدم الكلام عليها فارجع إليه وأما "السوار " فإما أن يكون من ذهب أو غيره ، وعلى كل حال هو مباح للنساء مطلقاً. وأما الرجال فغير مباح لهم مطلقاً ، فما كان من ذهب فمنعه لعلتين : إحداهما كونه ذهباً ، والثانية مافيه من التشبه بالنساء . وإن كان من غير ذهب فعلة المنع فيه التشبه بالنساء .
وقد صرح العلماء بأنه يحرم تشبه رجل بأنثى في لباس وغيره وبالعكس . والمرجع فيما هو من خصائص الرجال والنساء في اللباس إلى عرف البلد ، وذكره في التلخيص ؛ لحديث " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال " رواه البخاري . " ولعن أيضاً الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل " إسنادة صحيح رواه أحمد وأبو داود .(4/57)
وأما " لبس السلسلة " التي يلبسها أهل التأنث ، فإن كانت ذهباً أو فضة فقد تقدم الكلام على حكم لبس الرجل الذهب والفضة ، وإن كانت غير ذلك ولبسها تأنيثاً وتشبها بالنساء فحرمته أيضاً بعلة التأنيث ؛ إذا التخنث ومشابهة النساء في أزيائهن وحركاتهم حرام ، فعن أبن عباس قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخنثين من الرجال والمرجلات من النساء " . وفي رواية : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهن من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " رواه البخاري . واللعن يدل على أنه من الكبائر . والحكمة في النهي إخراجه الشيء عن صفته التي وضعه عليها أحكم الحكماء . وعن أي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مابال هذا ؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل يا رسول الله ألا نقتله ؟ فقال : إني نهيت عن قتل المصلين " قال العلماء : المخنث من يشبه النساء في حركاته وكلماته . وقال المنذري : المخنث بفتح النون وكسرها من فيه انخناث وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء ، لا الذي يفعل الفاحشة الكبرى . وقال في " الفتح " قال الطبري : لا يجوز للرجال التشبه بالنساء وبالعكس . قلت : وكذا في الكلام والمشي . فأما هيئة اللباس فمختلف باختلاف عادة كل بلد قرب قوم لايفترق زي نسائهم عن رجالهم في اللبس ؛ لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار . وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن يتعمد ذلك . وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكليف تركه والإدمان على ذلك بالتدرج . فإن لم يفعل وتمادى دخل في الذم ولاسيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به . وأخذه واضح من لفظ "المتشبهين " أ هـ .(4/58)
وعلل بعض العلماء تحريم لبس الحرير على الرجال لما يورثه بملامته للبدن من الأنوثة والتخنث وضد الشهامة والرجولة ؛ فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث ؛ ولهذا لا تجد من يلبسه في الأكثر إلا ويظهر على شمائله من التخنث والتأنث والرخاوة مالايخفى حتى ولو كان من أشهم الناس وأكبرهم لحولية ورجولة فلابد أن ينقصه الحرير منها وإن لم يذهبها مرة . ولهذا كان أصح القولين أنه يحرم على الولي إلباسه الصبي لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنث ، فلبس الحرير يليق بالنساء ، فإن من طبعهن اللين والنعومة والتحلي . قال الله سبحانه : ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (1) ويروي : تمعددوا ، وأخشوشنوا . لأن الرجال من طبعهم الخشونة والشهامة والرجولية ، وهذا الذي ينبغي ويليق به ويتناسب مع أخلاقه . وعن فضالة بن عبيد قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن كثير من الإرفاه ويأمرنا أن نحتفي أحياناً " رواه أبو داود .
وفيما تقدم أعظم دليل على تحريم التخنث ، وأنه من كبير الذنوب ، وفيها أعظم تنفير منه ومن رسائله وأسبابه ، وذلك لعظم ضرره ؛ إذ هو يفقد الإنسان نفسه ومعنويته وأخلاقه ، فهو من أعظم الأمراض ، فلعظم ضرره صرحت الأحاديث بلعن المخنثين والأمر بنفيهم وإبعادهم ، تفادياً من سريان مرضهم . إذ هم خطر على المجتمع الإنساني .
__________
(1) سورة الزخرف آية – 18 .(4/59)
وأما " البرنيطة " فلا يجوز لبسها لأنها من ألبسة الكفار وزيهم الخاص ، ففي لبسها تشبه بهم . والتشبه بالكفار محرم ، والأدلة على ذلك كثيرة منها ما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ومن تشبه بقوم فهو منهم " قال الإمام أحمد : إسناده جيد . قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية : فأقل أحوال هذا الحديث أنه يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبهين بهم ، كما قال سبحانه وتعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )(1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحي ولا تشبهوا بالمجرس " رواه مسلم .
وحديث " خالف هدينا هدي المشركين " . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللحد لنا والشق لغيرنا " رواه أهل السنن ، وروى البخاري في صحيحه أن عمر كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس : " إياكم وزي أهل الشرك " . ويروي أن حذيفة بن اليمان دعي إلى وليمة فرأي شيئاً من زي العجم فخرج وقال : من تشبه بقوم فهو منهم . رواه الخلال . وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده " . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا من تشبه بغيرنا " رواه الترمذي .
__________
(1) سورة المائدة آية - 3 .(4/60)
قال الشيخ تقي الدين : وهذا وإن كان فيه ضعف فهو يصلح للاعتضاد ، وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم لعلة كونه تشبهاً ، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير . فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهاً نظر ، لكن ينهي عنه لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ، ولما فيه من المخالفة ، مع أن قوله : " غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود " دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولافعل ؛ بل بمجرد ترك تغيير ماخلق فينا ، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية .
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر لامور منها : أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس ، فإن اللابس لثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم . ومنها : أن المخالفة في الهدي الظاهر تورث مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف إلى الهدي ، وكل ما كان القلب أتم حياة كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم ، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد . ومنها : أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين والمغضوب عليهم . إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية .
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم . فأما ما كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم . فهذا أصل ينبغي التقطن له . أ هـ(4/61)
وهذه " المسألة " : أي مسألة تحريم تشبه المسلم بالكافر أدلتها ظاهرة جلية ، وقد صنفت المصنفات الكثيرة في خصوص هذه المسألة وفروعها وأدلتها ، وذلك الأسباب والعلل التي منع من أجلها التشبه بهم ؛ ولاشك أن الدين الإسلامي هو الدين الكامل التام الذي جاء بأحسن الأخلاق وأرقى النظم والتعليمات ، فلم يعد حاجة معه إلى غيره . فما قرع الأسماع من لدن ذراً الله البشر دين أكمل منه وللا أتم ـ فكل ما دعا إليه من أخلاق ومعاملات فهي النهاية في الحسن والكمال والعدل ( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً )(1) . ولتمامه وكماله وملاءمته لكل زمان ومكان وعدم حاجة البشر معه إلى غيره نسخت شريعته سائر الشرائع ، فهو الدين الباقي الخالد إلى أوان خراب هذا العالم وانتهاء أمده وقيام الساعة .
إن الأمة التي اعتنقته وعملت بجميع تعاليمه وطبقته تطبيقاً تاماً في أقوالها وأفعالها واعتقاداتها سعدت أكمل سعادة ، ورقت أعلى رتبة في المجد ، ووصلت إلى جميع ما تصبو إليه ، وانتصرت انتصاراً باهراً بلغ حدود المعجزات : أقر التاريخ أنهم مع قلة عددهم وعدتهم ملكوا الدنيا في ربع قرن مع كثرة عدوهم ووفرة مالديه من عدد وعدة وهذا مصداق قوله تعالى : ( ليظهره على الدين كله)(2).
__________
(1) سورة المائدة آية 3 .
(2) سورة التوبة آية – 33 .(4/62)
وبالإطلاع على التاريخ نجد أنه بحسب تمسك الأمة بالدين الإسلامي وتطبيقه يكون انتصارها ، وبحسب إعراضها وتساهلها بالدين يكون ضعفها وانهيارها . فانظر حالة المسلمين في زمن الخلافة والدولة الأموية والعباسية وزمن نور الدين الشهيد وصلاح الدين الأيوبي ، ثم حالة المسلمين بعد ذلك حين ماتساهلوا بالدين وضعف تمسكهم به إلى ما وصلوا إليه من ذل واستعباد وما ظلمهم الله ( ولكن كانوا هم الظالمين )(1) وهذا مصداق قوله تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم )(2) وقوله : ( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )(3) وورد في بعض الآثار : إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة ، وتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله : أدخل الله عليهم ذلا لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم " أخرجه الحاكم والطبرني والبيهقي بإسناد حسن .
__________
(1) سورة الزخرف آية – 76 .
(2) سورة محمد آية - 7
(3) سورة الرعد آية _ 11 .(4/63)
واعلم أن التشبه بالكفار يكون بمجرد عمل مايعملون ، قصد المشابهة ، أولا . قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها معللا ذلك النهي " بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار "(1) . ومعلوم أن المؤمن لايقصد السجود إلا لله ، وأكثر الناس قد لايعلمون أن طلعوعها وغروبها بين قرني شيطان ولا أن الكفار يسجدون لها ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في ذلك حسماً لمادة المشابهة من كل طريق .
ولنذكر بعض أمور ارتكبها بعض المسلمين واستحسنوها واعتادوها وهي من زي الكفار وعاداتهم :
__________
(1) اخرج الامام مالك في الموطأ والنسائي عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فاذا ارتفعت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات " واخرجه البخاري ومسلم بمعناه .(4/64)
فمن ذلك : حلق اللحى ، واعفاء الشارب . ولاشك في قبح ذلك وتحريمه ، وإنما يستحسنه منكوس القلب ، فاسد الفطرة ، قليل المبالاة بأوامر الدين ونواهيه، وهذا من تسويل الشيطان وتحسينه القبيح ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً )(1) . والأدلة كما قلنا قد صرحت بتحريم ذلك بعلة أنه تشبه باليهود والمجوس ، فمن فعل ذلك فقد اختار زي اليهود والمجوس على زي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم . وقد ذكر ابن حزم : أن إعفاء اللحى وقص الشارب فرض ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً : "خالفوا المشركين ، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب " متفق عليه ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ، ولا تشبهوا بالمجوس " وعن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يأخذ من شاربه فليس منا " رواه ابن ماجه .
ومن ذلك أيضاً حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وما يفعله بعض السفلة مما يسمونه " التواليت " فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن القزع ، وقال احلقه كله أو دعه كله " رواه أبو داود . وقال في "شرح الإقناع " : فيدخل في القزع حلق مواضع من جوانب الرأس ، وأن يحلق وسطه ويشرك جوانبه كما تفعله شمامسة النصاري ، وحلق جوانبه وترك وسطه كما يفعله كثير من السفلة ، وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره . وسئل أحمد عن حلق القفا . فقال : هو من فعل المجوس ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وقال : لابأس أن يحلق في الحجامة .
__________
(1) سورة فاطر آية – 8 .(4/65)
ومن ذلك استعمال الآلات التي تحمل الصليب لما فيه من التشبه بالنصارى ، وكذلك الملابس التي رقم عليها الصليب فقد صرحت الأحاديث بالنهي عن ذلك ، فروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لايترك شيئاً في بيته فيه تصليب إلا قضية " قوله " قضبه " القضب القطع والتصليب ما كان على صورة الصليب ، قال في الانصاف بعد ذكر أنه يكره : ويحتمل تحريمه ، وهو ظاهر نقل صالح . قلت : وهو الصواب . أ هـ .
ومن ذلك شد الوسط بما يشبه الزنار أو مايشبه شد الزنار ، لما فيه من التشبه بأهل الكتاب . و " الزنار " خيط غليظ تشده النصارى على أوساطهم .
ومن ذلك اعتياد تعطيل وتغيير الزي في أعيادهم أو زياراتهم أو زيارة محل أعيادهم ، والحال أنك تجد أكثر الناس في أيام أعياد الكفار يفعلون كل ما يفعله الكفار . وقد صرحت الأدلة بالنهي عن ذلك وتحريمه : قال الله سبحانه وتعالى : (والذين لايشهدون الزور )(1) .
قال بعض المفسرين : أي أعياد الكفار . قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ثابت بن الضحاك الذي رواه أبو داود : " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا لا . قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ " وقال بعض السلف : من ذبح بطيخة يوم عيد الكفار فكأنما ذبح خنزيراً . وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية : أما إذا فعل المسلمون معهم في أعيادهم مثل صبغ البيض وتحمير دوابهم بمغرة وتوسيع النفقات فهذا أظهر من أن يحتاج إلى سؤال ، فقد نص طائفة من العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك على كفر من فعل ذلك .
وروي البيهقي بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه قال : لاتعلموا رطانة العجم ، ولاتدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم قال الشيخ : وهذا من باب التنبيه على المنع من أن يفعل كفعلهم . قال : وكذلك لاندعهم يشاركوننا في عيدنا . يعني لاختصاص كل قوم بعيدهم .
__________
(1) سورة الفرقان آية – 72 .(4/66)
ومن المؤسف حقاً مانراه من بعض الشباب من إقبالهم على مطالعة كتبهم ومجلاتهم ، بل شوقهم إلى ذلك ولهفهم إليها بغاية التعطش ، ولاشك أن هذه بادرة شر ، وعنوان نحس ، مؤذن بعاقبة سيئة وخيمة جديرة بوجوب الاهتمام بها ، وحسمها قبل استفحالها . ولو فكر المسئولون في عظم ضررها وخطرها على المجتمع وما تعمل في كيانه من تفكيك عراه وإشاعة الرعب فيه لتحتم منعها سياسة . وكم في هذه المجلات من دس على الأمة ، وتحبيذ الانقلابات الضارة باسم يقظة الشعوب وحريتها . وهذا عدا ما فيها وما اشتملت عليه من إلحاد وزندقة وتشكيك في الدين ، وما في بعضها من صور خليعة .
الشيء الذي اعتقد ويعتقد كل عاقل أنه لا يعود على الأمة منه إلا الشر ، وقد جاء في الحديث (1) أن " النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم " (2) . وذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث )(3) الآية . إن رجلا من قريش كان يأتي بأخبار فارس والروم ويقرأها على الناس ، ويقول هذا خير مما جاء به محمد . وقد صرح العلماء بوجوب إحراق كتب الزندقة والمبتدعة والملاحدة ، فكيف بهذه الكتب التي كلها إلحاد وزندقة وتشكيك في الدين، فما رأيك في حالة هذا الشباب الأعزل الذي لم يتدرع بالسلاح ، ولم يستعد للنضال ، بل ذهنه فارغ وقلبه مقبل عليها غاية الإقبال ، لاشك أنها ستكون سبباً لهلاكه وزيغه .
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
…………………فصادف قلباً خالياً فتمكنا
__________
(1) الذي رواه الامام أحمد في مسنده جـ 3 ص 387 .
(2) وقال : امتهوكون فيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو يباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه الا أن يتبعني " .
(3) سورة لقمان آية – 6 .(4/67)
ولاشك أن من أقبل على تلك الترهات في صغره ومبدأ عمره وصارت هي ديدنه وهجيراه وسميره وألفتها نفسه وشغف بها قلبه أنه يصعب إزاحته عنها وإخراجها من قلبه . ولقد لاحظ الشارع صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : " اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم "(1) فالواجب أن يحمي هذا الشباب كما يحمي المريض ، ويحجر عليه في أفهامهم وعقولهم ، فكما أنه يحجز على الإنسان إذا فسد تصرفه في ماله فالحجر عليه إذا فسد تصرفه في دينه أولى . لأن الدين لاعوض له .
وأما لبس " السترة " والبنطلون " فإن كان ذلك من لباس الكفار وزيهم الخاص فهو ممنوع بعلة التشبه بهم ، وقد تقدم الكلام على ذلك . وإن لم يكن من زيهم الخاص فلا بأس بذلك إذ الأصل في اللباس الإباحة ، إلا ماورد الدليل بالنهي عنه.
(1023 – التختم بالذهب ، ونصيحة فيه ) :
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبدالعزيز ،،،،،، أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
حفظكم الله . حيث قد عمت البلوى بالتختم بالذهب ، وذلك أمر محرم شرعاً ، ولا يسع السكوت عليه ، فقد كتبنا في ذلك نصيحة نرفقها لكم بكتابنا هذا ، مؤملين بعد الاطلاع الأمر بنشرها وتعميمها للناس عسى أن ينفع الله بها . والسلام عليكم ورحمة الله .
( ص ـ م ـ دوسيه 14 – 11 في 23 – 6 – 1375هـ )
( النصيحة )
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من إخواننا المسلمين ، رزقني الله وإياهم القيام بما أوجبه علينا من الدين ، ومن علينا جميعاً بتحليل حلاله وتحريم حرامه طاعة لله ولرسوله سيد المرسلين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد
فقد بلغني بل تحققت أنه يوجد من لعب عليه الشيطان فزين له التختم بالذهب ، وعدم المبالاة بالوعيد الشديد والتغليظ الأكيد فيه .
__________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن سمرة .(4/68)
فتعين علي أن أبين لهم النصوص الشرعية الثابتة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الدالة على غلظ تحريم التختم بالذهب ، براءة للذمة ، ونصيحة للأمة ، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي والمعصفر ، وعن تختم الذهب ، وعن قراءة القرآن في الركوع " رواه مسلم . وعن عبد الله بن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه ، فقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ، فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك فانتفع به . قال : لا والله ، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم : وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها " رواه الترمذي والنسائي ، وقال الترمذي : إنه حديث حسن صحيح . وعن أبي سعيد أنه قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " أنت جئتني وفي يدك جمرة من النار " رواه النسائي . وعن أبي أمامه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريراً ولاذهباً " رواه أحمد ورواته ثقات . وعند عبد الله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ، ومن مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة " رواه أحمد ورواته ثقات ورواه الطبراني .(4/69)
فهذا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعضها نهيه الصريح عن التختم بالذهب المفيد لتحريمه على الذكور ، وفي بعضها الوعيد الشديد الدال على تغليظ تحريمه . فالناصح لنفسه من يعظم نهي الله ورسوله بالمبادرة إلى اجتناب محارمه ، وهذا من أوجب الواجبات ؛ بل هاهنا واجب فوق هذا الواجب وهو قيام المسلمين لله بإنكار هذا المنكر وغيره من سائر المنكرات ، وإن كان هذا الواجب يختلف باختلاف الناس ، فيجب على أرباب العلم والمقدرة والنفوذ أكثر مما يجب على غيرهم من بيان الحق في ذلك ، والمنع من ارتكاب المحارم ، والحيلولة بين من استولت عليهم الشهوات وبين شهواتهم التي حرم الله ورسوله ، وأن يقوم المسلمون لله مثنى وفرادي ويتفكروا فيما ألم بهم مما طغى سيل طوفانه حتى اجترف أصول الغيرة لله من قلوبهم إلا من شاء الله ، وأن يعتصموا بحبل الله جميعاً في بذل الأسباب في الحصول على دواء هذا الداء العضال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، على ماتوجبه الشريعة ، من غير تقصير في ذلك ، ولا تجاوز للحد الشرعي فيما هنالك . وأن يأخذوا على أيديهم سفهائهم من قبل أن يعاقبوا على ترك هذا الفرض العظيم بقسوة القلوب ، وعدم الأكتراث من معضلات المعاصي والذنوب . فإذا قام المسلمون بهذا الواجب منحهم الله في علومهم وأفهامهم ودنياهم ودينهم وآخرتهم ما يحبون . وإن أعرضوا عنه والعياذ بالله فإنهم لا يزالون في نقص في علومهم وأفهامهم ودنياهم ودينهم وسفال وتعثر في شتى مساعيهم .
اللهم أرنا وإخواننا المسلمين الحق حقاً ووفقنا لاتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وأعنا على اجتنابه ، إنك على كل شيء قدير . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
حرر في 21 – 6 _ 1375هـ
(ص / ف 259 في 21 /6 / 75هـ )
( 1024ـ التختم بالفضة ) :
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن ناصر بن حمد سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : -(4/70)
فقد جرى الاطلاع على استفتائك عن لبس الرجل خاتم الذهب ، وما أشرت إليه من أن بعض الجهال يلبسه مع ما فيه من التشبه بالنساء .
والجواب : الحمد لله . إن كان الخاتم من الفضة فقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة . وإن كان من الذهب فقد ثبت في الأحاديث الصريحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم الذهب على الرجال من أمته ، ونهاهم عن استعماله ، وغلظ في ذلك بقوله وفعله ، وإليك بعض الأحاديث الواردة في ذلك :
1 – عن علي رضي الله عنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه ، وذهباً فجعله في شماله ، ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي " رواه أبو داود والنسائي .
2 – وعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة " رواه أحمد والطبراني ورواته ثقات .
3 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه ، وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده . فقيل للرجل بعد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك وانتفع به . فقال : لا ، والله لا آخذه ، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم .
4 – وعن أبي سعيد رضي الله عنه : " أن رجلا قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار " رواه النسائي . وفي معنى ذلك جملة أحاديث تركناها اختصاراً ، وهي تدل على تحريم لبس الرجل خاتم الذهب ، ونحوه كدبلة الخطوبة ، وسلسلة الذهب ، والسوار ،وساعة الذهب ، ونحوها وقد عد ذلك من كبائر الذنوب والعياذ بالله .(4/71)
وأما التشبه بالنساء فهذا محذور آخر ، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال " وفي رواية : " لعن رسول صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمتجلات من النساء " رواه البخاري .
فيا عجباً لمن يؤمن بالله ورسوله ثم يتجرأ على ما حرم عليه تحريماً صريحاً فيرتكبه مخالفة وعدم مبالاة وتقليداً للأعاجم والجهال ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) . والسلام عليكم .
( ص ـ ف 839 في 3 – 4 – 1385هـ )
( 1025 – دبلة الخطوبة : من ذهب ، أو فضة ـ للرجل والمرأة ) :
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الرزاق محبوب صديقي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستقي به عن " دبلة الخطوبة " التي ظهرت في هذه الآونة الآخيرة ، إذا أراد الرجل الزواج من مخطوبته قدم لها دبلة " يعني خاتماً " مكتوب عليها اسمه . كما أنها تقوم بتقديم دبلة له مكتوب عليها اسمها . ويقال : إن هذه الدبلة الذهب ، وتسأل عن حكم ذلك .
والجواب : - الحمد لله . أولاً : لايخفى أن هذا الشيء لم يكن معهوداً لدى الناس في هذه البلدان ، وإنما تسربت هذه العوائد من بعض البلدان المجاورة ، ولا ينبغي الانصياع معهم وتقليدهم التقليد الأعمى بكل ما يأتون به سواء كان غثاً أو سميناً ، مع أن هذا من قسم الغث الذي لا خير فيه ولا نفع يعود على الزوج ولا على الزوجة منه .
ثانياً : إن كانت هذه الدبلة الذي يلبسها الرجل من الفضة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة ، وقد اتخذه صلى الله عليه وسلم لمصلحة شرعية ، وكتب عليه اسمه " محمد رسول الله " فمحمد سطر أسفل ، ورسول اسطر وسط ، والله سطر أعلاه . وأخذ العلماء من هذا أنه يجوز للرجل أتخاذ الخاتم من الفضة .(4/72)
ثالثاً : أما إن كانت الدبلة من الذهب ، فما كان منها في حق النساء فإن الشارع الحكيم أباح للنساء التحلي بما جرت به عادتهن ، لأن المرأة خلقت ضعيفة ناقصة محتاجة إلى جبر نقصها بالتحلي والتبهي والتجمل للزوج ، قال الله تعالى : (أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (1) فيباح لها التحلي بما جرت به عادة نساء زمانها ولو كثر .
وما كان من ذلك في حق الرجال فقد ثبت في الأحاديث الصريحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم الذهب على الرجال من أمته ، ونهاهم عن استعماله ، وغلظ في ذلك بقوله وفعله .
فمما ورد من قوله حديث علي رضي الله عنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي " رواه أبو داود والنسائي ، وفي الباب أحاديث كثيرة تركناها أختصاراً . ومما ورد من فعله حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه ، وقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك وانتفع به ، فقال : لا آخذه وقد طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم .
وبما ذكرنا يظهر حكم لباس " دبلة الخطوبة " والتفصيل فيما إذا كانت من ذهب أو فضة ، والفرق بين دبلة الرجل ، ودبلة المرأة .
والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
مفتي البلاد العربية
( ص ف 1982 – 1 في 22/7/ 1385هـ)
(1026 – تحلي الرجال بالجواهر ) :
ثم التحلي بالجواهر كعقود اللؤلؤ ونحو ذلك تحتاج إلى يسير من الذهب(2)
__________
(1) سورة الزخرفة أية – 18 .
(2) وتقدم ما يتعلق باليسير من الذهب للرجال قريباً .(4/73)
فطائفة من العلماء يسهلون فيه ، وقد أباحه الشيخ إذا كان يسيراً تابعاً ، وآخرون يمنعونه مطلقاً ، ويستدلون بحديث أبي داود " نهى صلى الله عليه وسلم عن مثل الخرر بصيصة " عين الجرادة . فإذا ثبت فيه إما أن يحمل على منفرد ؛ فإنه فرق بين التابع ، والمستقل .
والله أعلم : العلة لاتوجد في غير ذات الذهب من الجواهر (1) ,
تقرير
(1027 – تحلي النساء بالذهب وفتوى الألباني ) :
بعض الناس ذهب إلى المنع من تحلي النساء بالذهب ، وكتب في ذلك ، وهذا خلاف ما في الأحاديث المصرحة بذلك .
والذي كتب في ذلك ناصر الدين الألباني ـ وهو صاحب سنة ونصرة للحق ومصادمة لأهل الباطل ، ولكن له بعض المسائل الشاذة ، من ذلك هذه المسألة وهو عدم إباحته ـ ذكر وجمع آثاراً ولكنها لاتصلح أن تعارض الأحاديث .
( تقرير )
( 1028 ـ تركيبة الذهب للنساء ) :
وصل إلى دار الإفتاء من فاطمة بنت عبد الله صديق بمكة المكرمة سؤال عن استعمال المرأة أزرار الذهب التركيبة : هل يجوز ، أم لا ؟
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي :
__________
(1) وأنظر ما يتعلق بلبس النساء المجوهرات في باب النفقات .(4/74)
يجوز للمرأة من إزرار الذهب التركيبة وغيرها مالا تختص كيفيته بالرجال ، لما روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : " وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريراً فجعله في يمينه ، وأخذ ذهباً فجعلة في شماله ، وقال : إن هذين حرام على ذكور أمتي " زاد ابن ماجه " حل لإناثهم " وهذا الحديث حسن ورجاله معروفون كما نقله عبد الحق عن علي بن المديني ، ولما روى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه والطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أحل الذهب للإناث من أمتي وحرم على ذكورها " . قال الترمذي في الجامع بعد أن رواه وصححه : وفي الباب عن عمر وعلي وعقبة بن عامر وأنس وحذيفة وأم هانئ وعبد الله بن عمر وعمران بن حصين وعبد الله ابن الزبير وجابر وأبي ريحان وابن عمر ووائلة بن الأسقع . أ هـ .
ولهذا رد الرافعي القول بمنع زر الذهب للمرأة ، قال النووي في " المجموع " : ذكر ابن عبدان أنه ليس لهن ـ أي النساء ـ اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما ـ أي من الذهب والفضة ـ قال الرافعي : ولعله تفريع على الوجه الضعيف في لبس المنسوج بهما .
قلت : أي قال الرافعي : الصواب الجزم بالجواز وما سواه باطل . أهـ(4/75)
وقال العلامة محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب في شرح مختصر خليل " : قال في الزاهي : وما اتخذه النساء لشعورهن وأزرار جيوبهن وأقفال ثيابهن وما يجري مجرى لبساهن فجائز : أي من الذهب ، وإذا كان الرجال يستعملون لباساً بكيفية خاصة بهم فلايجوز للنساء استعماله بالكيفية الخاصة بالرجال ؛ لأن النساء نهين عن التشبه بالرجال ، فقد روى أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة ، والمرأة تلبس لبس الرجل " وفي رواية أبي داود " : لبسة " في الموضوعين ، وروى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء " .
والخلاصة ، أن ما تختص (1) كيفيته بالرجال من الأزرار يجوز للمرأة ، ويحرم عليها ما ليس كذلك ، للنهي عن تشبه النساء بالرجال والله الموفق .
( من الفتاوي المذاعة ) .
(1028 – 2 الذهب الغير المعتاد على الرأس ) :
وأما الذي يلبسه النساء على الرأس ويتدلى بسلاسل طوال . فهذا الأقرب فيه عدم الحل ، فليس من التاج ولامن القلائد . ( تقرير ) .
( 1029 – لازكاة في الحلي )
الذي عليه الفتوى سقوط الزكاة فيه ، وإلا فقد جاء حديث أو حديثان (2) يستدل بها على عدم السقوط ، وجاء آثار عن الصحابة بالسقوط ، وهي مئولة عن الموجبين ، وتأويلها فيه شيء من العسر .
ومما يدل على إسقاط الزكاة عن المستعمل سقوط الزكاة في البقر العوامل ، ومن كونها ليست بعرضة تمول ، منصرفة عن النمو ، فصار مثل الاثاث ، وأيضاً اللبس ينقصها .
س : الآن خزنوه ، ولايحدثون أنفسهم بلبسه ؟
__________
(1) كذا بالأصضل ومسودته . ولعله : مالا تختص . كما في أول الجواب ، ومدلول الأحاديث .
(2) وتأتي في الفتوى التي بعد هذه .(4/76)
جـ : الظاهر أنه على الأصل ، ويستصحب الأصل مالم يوجد ما يسقطه(1)
( تقرير )
(1030 – فتوى في الموضوع ) :
ورد إلى دار الإفتاء من أحمد صالح الغامدي سؤال يقول فيه :
ما حكم الشريعة الإسلامية في زكاة الحلي المعد للاستعمال ، وهل في الأرض المعدة للتجارة زكاة ؟
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه .
حلي النساء من الذهب والفضة المتخذ للبس في تزكيته خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً ، والراجح عندنا أنه لازكاة فيه لأمور :
1 – مارواه عافيه بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في الحلي زكاة " . وعافيه بن أيوب نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال فيه : لابأس به . وحديثه المذكور قواه ابن الجوزي في التحقيق ، وفي ذلك رد على دعوى البيهقي أن عافية مجهول ، وأن حديثه هذا باطل .
2 – أن زكاة الحلي لو كانت فرضاً كسائر الصدقات المفروضة لانتشرت فرضيتها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولفعلتها الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولفعلتها الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكان لها ذكر في شيء من كتب صدقاتهم ، وكل ذلك لم يقع ، كما بينه الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " .
__________
(1) قلت وقد عادوا إلى لبسه .(4/77)
3 – ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال : خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة : ابن عمر ، وأنس ، وجابر وأسماء . نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في " الدراية " عن الأثرم . قال الباجي في " المنتقى " شرح الموطأ : هذا أي إسقاط الزكاة في الحلي ـ مذهب ظاهر بين الصحابة ، وأعلم الناس به عائشة رضي الله عنها فإنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومن لا يخفى عليها أمره في ذلك ، وعبد الله بن عمر ؛ فإن أخته حفصة كانت زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحكم حليها لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى عنها حكمه فيها . أ هـ .
وفي " كتاب الأموال " لأبي عبيد : أن زكاة الحلي لم تصح عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود . قلت : في رواية " المدونة " عن ابن مسعود مايوافق قول من تقدم ذكرهم من الصحابة ، ففي المدونة ما نصه : قال ابن وهب وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب وربيعة بن أبي عبد الرحمن وعمرة ويحيى ابن سعيد أنهم قالوا ليس في الحلي زكاة . أ هـ .
وللقول بإسقاط الزكاة في الحلي أدلة أخرى يطول الكلام باستقصائها . وأما من أوجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال فعموم صحيح ما استدل به كحديث " في الرقة ربع العشر " (1) وليس فيما دون خمس أواق صدقة " (2)لايتناول الحلي كما بينه الإمامان أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " وابن قدامة في "المغني " حيث ذكر أن اسم الرقة لا يطلق عند العرب إلا على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس ، وأن لفظ الأواقي لا يطلق عندهم إلا على الدراهم كل أوقية أربعون درهماً .
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس . وفي الحديث الذي رواه أبو داود : " قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم " .
(2) متفق عليه .(4/78)
وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة : كحديث المسكتين ، وحديث عائشة في فتخاتها من الورق ، وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها وحديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " في الحلي زكاة " وحديث أسماء بنت يزيد في أسورة الذهب . كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والنسائي والترمذي والدار قطني والبيهقي وابن حزم أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها، ولاشك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح .
والحاصل أننا لا نرى زكاة الحلي المعد للبس للأدلة الصحيحة : وذلك هو قول مالك والشافعي في القديم وأحمد وأبي عبيد وإسحاق وأبي ثور ومن تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين . وكذلك ما أعد للعارية لا زكاة فيه . وأما الحلي الذي ليس للاستعمال ولا للعارية ففيه الزكاة .
وأما الأرض المعدة للتجارة ، فتجب فيها الزكاة ، وإن تساهل الناس في ذلك؛ لما روى أبو داود في سننه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع " والله أعلم .
( من الفتاوي المذاعة في 3 – 9 – 1388هـ ).
( 1031 ـ والجواب عن حديث المسكتين ) :
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبدالله بن ناصر بن محمد سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن زكاة الحلي ، وما أوردته من حديث المسكتين ... الخ
والجواب : ـ الحمد لله . الحلي له حالتان : " الحالة الأولى " : أن يكون معداً للاستعمال أو للعارية بأن تكون صاحبته تستعمله بنفسها أو تغيره لمن يلبسه عارية بدون مقابل فلا زكاة فيه في هذه الحالة .(4/79)
" الحالة الثانية " : أن يكون معداً للكراء بأن كانت صاحبته تؤجره لمن يلبسه أو يكون لايلبس أصلا ولكنه معد للنفقة كلما احتاج صاحبه باع منه قطعة وأنفق ثمنها وهكذا . أو يكون محرماً كآنية الذهب والفضة ، وخاتم الذهب للرجل ، وسواره ، ونحوها .
ففي هذه الأشياء تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً بنفسه أو بضمه إلى ما عنده مما هو من جنسه أو في حكمه .
وأما الحديث الذي ذكرت فقد تكلم في سنده ، ووضعفه العلماء وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء . وعلى تقدير صحته فهو معارض بغيره من الأحاديث . والله أعلم .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 1275 ـ 1 في 13 – 5 – 1385هـ)
(1032 – والظفار هل فيه زكاة ، والسيوف والخناجر )
(وقاعدة فيما يباح من الذهب والفضة )
" الثانية " سؤالك عن زينة من ذهب وفضة وظفار هل عليها الزكاة ؟ وكذلك الخناجر والسيوف والبنادق والفرود إذا كانت محلاة بذهب هل فيها زكاة ؟
والجواب : إن الظفار ليس مما تجب فيه الزكاة إلا إذا أعد للتجارة فحكمه حكم عروض التجارة في وجوب الزكاة بشرطه .
وأما حلي النساء ذهباً كان أو فضة فإن كان معداً للاستعمال او العارية فلا زكاة فيه على المشهور أو المذهب ، وإن أعد لغير ذلك من تجارة أن كراء أو قنية أو ادخار أو نفقة إذا احتيج إليها أو لم يقصد به شيئاً أو كان زائداً عما جرت العادة باستعماله ففيه الزكاة بشرطه .
وأما السيوف والخناجر والبنادق والفرود فلا يخلو أمر تحليتها بالذهب والفضة من الإباحة أو عدمها . فإن كانت التحلية مباحة وكانت معدة للاستعمال أو العارية فلا زكاة فيها ، وإن كانت غير مباحة أو كانت معدة للتجارة أو الكراء أو القنية أو الادخار أو نحو ذلك ففيه الزكاة بشرطه .(4/80)
ولتمام الفائدة فالمباح للرجال من الفضة خاتم وقبيعة سيف وحلية منطقة وحلية جوشن وخوذة وخف وران وحمائل سيف ونحو ذلك . ومن الذهب قبيعة سيف وما دعت إليه الضرورة كأنف (1) .
وسن ومشبك أسنان . وما كان غير ذلك كتحلية المراكب ولباس الخيل كاللجم وتحلية الدواب والمقلمة والكمران والمشط والمكحلة والميل والمرآة والقنديل فتحرم تحليتها ، وفي حليتها الزكاة إذا بلغت نصاباً ، وتجب إزالتها ، وهذا هو المذهب . وعند القاضي أبي بكر واختاره الشيخ تقي الدين إباحة يسير الذهب مطلقاً .
(ص ـ م 379 في 27 – 2 – 1383هـ)
باب زكاة العروض :
(1033 – لا تجب الزكاة في العروض عند الوارث )
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف عما إذا خلف الميت عروضاً ساحلياً وقهوة أو شيهها هل تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول قبل أن يتصرف فيها الوارث ببيع أم لا ؟
فأجاب : أما إذا خلف الميت عروضاً ساحلياً وقهوة أو شبهها فلا تجب فيها الزكاة ، ولا تجري في حولها مادامت عروضاً عند الوارث . فإن باعها الوارث بنقود مطلقاً أو عروضاً ناوياً بالمستبدل التجارة وجبت فيها الزكاة ، وابتداء الحول من حين الاستبدال .
( وجدتها ملحقة بالدرر جـ2 ص 314)
( 1034 ـ الأرض المعدة للتجارة ، والمقطعة )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأستاذ الفاضل صالح إبراهيم البليهي ............سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد
فقد وصل إلى كتابكم المتضمن السؤال بما نصه : ما قولكم في وجوب الزكاة في الأرض المشتراة المعدة للتجارة إذا حال عليها الحول وهل هناك فرق بينها وبين الأرض التي حصلت إقطاعاً من ملك أو نائبه ، ومن صارت إليه نواها للتجارة . أ هـ .
__________
(1) تنبيه : تحليه باب الكعبة ، والمزاب ، والحجر الأسود بالذهب يأتي في أول المناسك ، وتحلية المصحف تقدم في ( نواقض الوضوء ).(4/81)
الجواب : الحمد لله . الأرض المشتراة المعدة للتجارة هذه عروض تجارة تجب فيها الزكاة في قيمتها إذا حال عليها الحول وبلغت نصاباً .
أما الأرض التي أقطعت وأعدت للتجارة ؛ فإنه لا يكون حكمها حكم عروض التجارة ، بل لا زكاة في قيمتها ، ولا يتم تملكها بمجرد الاقطاع ؛ بل لابد من إحيائها الإحياء الشرعي . والسلام .
( ص ـ ف 683 في 28 – 10 – 1375هـ)
( 1035 ـ أموال شركة الكهرباء ، والعقار ، والسيارات ، ومكائن الماء )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأخ المكرم عبد الله بن محمد السعدون وفقه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
فقد وصلني كتابكم الكريم الذيتسألون فيه : هل تجب الزكاة في أموال الذين يضعونها في شركات كشركة الكهرباء ونحوها . الخ ؟
والجواب : الحمد لله . الأموال الزكوية معروفة عند العلماء وهي الأثمان ، وبهيمة الأنعام ، والخارج من الأرض ، وعروض التجارة ، ونحو ذلك .
وأما العقار والسيارات والآلات الرافعة للماء ونحو ذلك إذا لم ينو شيء منها للتجارة حين تملكها فلا زكاة في قيمتها ، لأنها ليست عروض تجارة ؛ بل هي عروض قنية ؛ إذ عروض التجارة التي تجب فيها الزكاة هي ماملكه بفعله بشراء ونحوه بنية التجارة ( أي بيعه بربح ) فتجب في قيمتها الزكاة ، بشرط بلوغ قيمتها النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها ، ويشترط تمام الحول .
إذا عرف هذا فما سألت عنه من الأموال التي جعلت في شركة الكهرباء ونحوها لاستغلالها بالإيجار فلا زكاة فيها أي في الأعيان التي هي المكائن والمعدات التابعة لها ؛ لأنها ليست من الأموال الزكوية ، ولا من العروض الزكوية ، إذا العروض الزكوية ما أعد للبيع ، كما في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع " رواه أبوداود .
أما النقود التابعة لها فإنها تجب فيها الزكاة ، إذا تمت الشروط : من النصاب، والحول .(4/82)
أما ما يتحصل من الأجور فقد ورد علينا سؤال فيما يشبه ذلك وعندما يتحصل الجواب نطلعك عليه إن شاء الله . والسلام عليكم .
( ص ـ ف 1037 وتاريخ 12 – 9 – 1377هـ )
( 1036 _ ملك بيتا للسكن ثم أعده للايجار )
السؤال الثالث :
رجل يملك بيتاً في الرياض للسكن ، ولما رحل عن الرياض أعده للإيجار تجارة ، وقيمته عشرة آلاف ريال ، ثم حال عليه الحول وأجرته ألف ريال . فهل يجب تقويم البيت للزكاة على الحول ؟ أم تدفع زكاة الأجرة السنوية ؟
والجواب : - لا تجب الزكاة في قيمته ؛ لأنه لم ينو بيعه وشراءه ، ولا تجب في أجرته لأنه لم ينو بها الاتجار بطريق الأجرة إلا بعدما ملكه بمدة ، والأصل عدم وجوبها فيه ، وهذه النية لا تقوي على رفع الأصل . لكن هذا المال الذي قبضه تجب فيه الزكاة بعد تمام الحول من وقت استحقاقه .
(ص ـ ف 3026 – 1 وتاريخ 30 – 7 ـ 87هـ)
( 1037 ـ تقوم العقارات عند الحول ولو هبطت قيمتها )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأخ المكرم عبد العزيز بن عبد المحسن أباتمي .... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصلنا كتابك وفهمنا ما تضمنه من استفهامك عن زكاة النقود المساهم بها في الأراضي ، وأن الأراضي قد هبطت أقيامها هبوطاً ملموساً ، وأنكم لا تعرفون لها قدراً من الأقيام يعتمد عليه إلى آخر ماذكرت .
والجواب : الحمد لله . أن هذه الأراضي المساهم فيها تعتبر عروض تجارة ، تقوم بما تساويه من النقد وقت استحقاق الزكاة عليها وهو تمام حول أصلها . وتخرج الزكاة من قيمتها قدر ما يجب فيها وهو ربع العشر ؛ وذلك لكل سنة ، وفي كل حول تقوم تقويماً جديداً بسعر يومها . وقولك : إنه لايعرف لها قدر من القيمة يعتمد عليه ، غير ظاهر ، لأنه ما من عين من عقار ونحوه إلا ولها قيمتها قلت أو كثرت . ويكفي (1) بغلبة الظن في تقدير ذلك .
__________
(1) لعله : ويكتفي .(4/83)
أما استفهامك عن زكاة التحاويل التي تحملونها من رؤساء شركات الأراضي على ناس مشترين ويدعون الإفلاس هل يلزمكم زكاة هذه التحاويل ، أولا ؟
والجواب : اختلف العلماء في وجوب الزكاة على الدين على غير مليء ، وذكروا في ذلك جملة أقوال أقربها للصواب أن مالا يؤمل رجوعه كالمسروق والمغصوب والمجحود لا زكاة فيه ؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب . وما يؤمل رجوعه كالدين على المفلس أو الغائب المنقطع خبره فيه الزكاة . وإذا قبضه زكاة لسنة واحدة ، والقول بإخراج زكاته لسنة رواية المذهب ، وهو قول مالك وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ميل جدنا إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ قدس الله روحه ـ وقد أفتى به ، وبالله التوفيق .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
( ص ـ ف 1352 وتاريخ 1 – 9 – 1380هـ )
( 1038 – تجزئ زكاة العروض عرضاً إذا كان انفع للفقير )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله مريع سعيد ... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابكم الذي تستفتي به عن جواز دفع الزكاة من العروض كالحب والدقيق والكسوة إذا كانت أنفع للفقير خشية أن ينفق الدراهم إذا سلمت إليه في أشياء لاتنفعه .
والجواب : الحمد لله . الأصح من أقوال العلماء جواز مثل هذا ، وهو اختيار شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية وغيره ، والله أعلم(1) .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 3703 – 1 في 25 – 9 – 1387هـ)
( 1039ـ هل تدفع زكاة الأجرة بعد المؤونة )
س : هل تدفع زكاة الأجرة المقبوضة بعد المؤونة : كبعد ما يأخذ السائق أجرته ، وعلف الدابة ،ونحو ذلك ؟
__________
(1) أنظر جـ 25 ص 82 ، 83 ، 95 ، وتقدم في ( باب زكاة الحبوب والثمار ) بعض ما يتعلق باخراج زكاة العروض عرضاً .(4/84)
جـ : - هذا مبني على " مسألة " : ولازكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب ، والخلاف في : هل تدفع زكاة الزرع بعدما تحسب مؤوناته وكلفه تدجفع إذا برد (1) أولاً ؟ ( تقرير )
( 1040 ـ الدور التي تبني للتأجير ) :
" المسألة السابعة " الدور التي تبني للتأجير بمبلغ ضخم : فهل عليها زكاة ؟ أو تكون الزكاة من ريعها ؟
والجواب : لازكاة عليها ، وإنما الزكاة في ريعها إذا بلغ نصاباً ، وحال عليها الحول ( ص ـ ف 3546 في 14 – 11 – 1388هـ )
(1041 ـ عنده سيارة يتكسب عليا ) :
" المسألة السادسة " : رجل عنده سيارة يترزق الله عليها من بلد إلى بلد ويكتسب من كدها ، فهل تجب فيها الزكاة ، أو في داخلها ؟
والجواب : لازكاة فيها إذا كان لم ينوها من عروض التجارة .
وإنما الزكاة فيما يتحصل من ريعها إذا بلغ نصاباً ، وحال عليه الحول .
( ص ـ ف 3546 – 1 في 14 – 11 – 1388هـ )
(1042 _ سيارات النقل لا زكاة فيها ) :
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الدولة لشئون رئاسة مجلس الوزراء وفقه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : _
فقد وصلتنا برقيتكم رقم 6705 وتاريخ 5 – 4 – 81هـ المشفوعة بصورة من برقية سمو وزير الداخلية برقم 2896 في 3 – 4 – 81هـ بصدد أصحاب سيارات النقل المطالبين بدفع زكاتها .
ونفيدكم بأنه سبق أن صدر منا فتوى بهذا الشأن إلى مدير ميناء حقل حمد الصالح الغرير ، ذكرنا له فيها أن السيارة إذا اشتراها صاحبها بقصد التكسب عليها لازكاة فيها ، ولانزال على فتوانا السابقة ، وبالله التوفيق ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2) .
( ص ـ ف 483 وتاريخ 28 – 4 – 1381هـ )
__________
(1) انتهت جميع كلفة .
(2) الفتوى المشار إليها برقم 87 في 1 – 2 – 77 ، ونصها وبعد : فالجواب على اسئلتكم كما يلي : أولا ظاهر السؤال عن السيارة أنها اشتريت لقصد التكسب عليها وعلى هذا فلا زكاة فيها . أ هـ .(4/85)
(1043 – لا زكاة في عين البواخر ، والفنادق ، والمكائن ، والآلات ، والدور ، والمراكب )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد
فبالإشارة إلى مذكرتكم الاستفسارية رقم 10689 وتاريخ 5 -5 – 1375هـ بخصوص ما رفعه لكم مدير عام مصلحة الدخل والزكاة من أن بعض التجار تخلفوا عن تأدية الزكاة الشرعية بحجة أنهم صرفوا أموالهم في شراء بواخر وفتح مصانع وما إلى ذلك ، وطلبكم الإفادة بما يقتضيه الوجه الشرعي .
نفيدكم أن جميع ماذكر لا زكاة فيه ، سواء أريد للإجارة والكراء أو للاستغلال والقنية ، إلا إذا أريدت للتجارة وأعدت للتقليب بأن يشتريها ليبيعها بربح متى حصل له ، فيكون المال المذكور عروض تجارة يقوم عند آخر الحول ، ويخرج الزكاة من قيمته لحديث " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع " رواه أبو داود وغيره . فاتضح مما ذكر أعلاه أن ما لم يعد للبيع لازكاة فيه من العقار والمكاين ، والآلات ، والدور ، والفنادق ، والمراكب ، وغيرها . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
(ص ـ ف 247 وتاريخ 12- 6 – 1375هـ )
( 1044 – ولا في ورشة نجارة )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم صديق نجوم سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد : -
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أن لديك ورشة نجارة وفيها مكائن ، وإنك تعمل فيها أنت وأخوانك وأولادك ، ونسأل : هل على هذه المكائن زكاة ؟
والجواب : الحمد لله . لا زكاة فيها بحال ، وإنما الزكاة في غلتها إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول . وبالله التوفيق . والسلام عليكم مفتي الديار السعودية .
( ص ـ ف 1350 في 17 – 6 – 1388هـ )
(باب زكاة الفطر )
(1045 ـ لاتدفع زكاة الفطر عن الطلاب من الدور الاجتماعية )(4/86)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم وكيل وزارة العمل والشئون الاجتماعية سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد
بالإشارة إلى كتابكم لنا رقم 40 – 5 في 19 – 4759 – 7 وتاريخ 4 – 6 – 1388هـ ورقم 40 – 5 – 31 – 6203 – 7 وتاريخ 28 – 7 – 88 بخصوص سؤالكم عن حكم دفع زكاة الفطر عن كل طالب وطالبة ممن يدرس في الدور الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية ، وأن هذه الوزارة تقوم بتأمين جميع ما يلزم لهم من الغذاء والكساء والسكن والعلاج والأدوات المدرسية بما في ذلك صرف مكافأة شهرية بمعدل عشرة ريالات لكل طالب وطالبة ، وتعولهم طيلة أيام السنة بما في ذلك شهر رمضان المبارك ، وأنها تقوم بدفع زكاة الفطر لكل فرد منهم منذ تأسيس الدور الاجتماعية في مستهل عام 1376هـ حتى تاريخه .
والجواب : ـ لا يجب دفع زكاة الفطر من الوزارة عمن ذكرتم إذا كان واقع الأمر على ما وصفتم للوجهين الآتيين :
الأول : أن عمل الحكومة وفقها الله على النحو الذي ذكرتم هو من باب الإحسان إليهم ، وقد قال تعالى : ( ما على المحسنين من سبيل )(1) فلا يكون هذا الإحسان سبباً في إيجاب غيره على المحسن .
الثاني : ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من بر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة " هذا لفظ البخاري .
__________
(1) سورة التوبة آية – 91 .(4/87)
وجه الدلالة : أنه صلى الله عليه وسلم فرضها على من كان مسلماً حراً أو عبداً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً ، والفرض يقتضي الوجوب . ومن ذكرتم من الطلاب والطالبات هم ينقسمون إلى قسمين : قسم مكلفون ، وقسم غير مكلفين . فأما المكلفون فإنهم يخرجونها عن أنفسهم إلى الفقراء والمساكين . ومادامت الحكومة تدفع في السنة مائة وعشرين ريالاً لكل فرد ، وهو غني عن إنفاقها بسبب قيام الحكومة بجميع أموره ، فهو في الحقيقة غني في هذا الباب . وليس المقصود بالغني في هذا الباب الغني الذي في باب زكاة الأموال ، فإن الذي تجب عليه هنا هو من فضل عنه يوم العيد وليلته صاع عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية له ولمن تجب عليه نفقته ، وإن فضل بعض صاع أخرجه ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " (1) وله أن يخرجها من بر وشعير أو تمر أو زبيب أو أقط ؛ لقول أبي سعيد الخدري : " كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط " متفق عليه . فإن غربت الشمس ليلة شوال وهم لا يجدون شيئاً سقطت عنهم . وأما غير المكلفين فيخرجها من مالهم من له الولاية الشرعية ، فإذا لم يكن ثم ماله فإنه يخرجها عنهم من تجب نفقتهم عليه شرعاً ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " أدوا الفطر عمن تمونون " (2) والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص / ف 2515 /1 في 26/8/88)
(1046 ـ صاع من بر احوط )
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم .
(2) رواه الشافعي مرسلا ، وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في اسناده علي وهو منقطع وأخرجه من حديث ابن عمر واسناده ضعيف وأخرجه عنه أيضاً الدار قطني ( 1 هـ نيل الأوطار جـ 4 ص 108 ) .(4/88)
إختيار الشيخ وابن القيم وغيرهما أنه يجزئ نصف صاع من البر وجاء في حديث أبي سعيد (1) أنه قدم معاوية حاجاً أو معتمراً(2) .
والأحوط أن لا يخرج إلا صاعاً ، والخلاف إنما هو في البر خاصة .
(تقرير 71هـ)
(1047 ـ التمر بالوزنة ) :
التمر بالوزن وزنتين إلا ربعاً أو إلا ثلثاً كافي ، اليابس اليبس المعتاد ، وهذا على وجه الاحتياط ، وإلا فأقل من إلا ثلث كافي ، وإلا ربع أحوط . أيضاً أنه قد يختلف التمر . ……………………( تقرير)
حديث " صاعاً من طعام أوصاعاً ... "
والأحوط الاقتصار على المذكورات ، فإن لم توجد فبقية أقوات البلد سواها
( تقرير البلوغ 71هـ )
وفي المسألة قول بإجزاء قوت البلد ، سواء كانت الخمسة موجودة وهو قول قوي ، واختيار الشيخ . …………………( تقرير )
باب اخراج الزكاة :
( 1048 ـ نصيحة في وجوب اخراجها ، وأن لا يؤخذ أكثر من الواجب ، ولا يترك منه )
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من إخواننا المسلمين من سكان الهجر وتابعيهم من البوادي وغيرهم من البادية والحاضرة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
فنصيحة لكم وشفقة عليكم وحذراً من إثم الكتمان كتبت إليكم بهذه الكلمات فأقول : قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )(3) وقال تعالى ( فإن تابو وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) (4)وقال تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فأخوانكم في الدين ) .
__________
(1) الذي أخرجه الستة .
(2) فكلمة الناس على المنبر ، فكان فيما كلم به الناس أنه قال : ان مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر فأخذ بذلك الناس ، فقالوا أبو سعيد : أما أنا فلا أزال أخرجه الحديث .
(3) سورة البينة أية – 5 .
(4) سورة التوبة آية – 5 .(4/89)
وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول ا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة .
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى " (1) . وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان " . وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما ناظره من ناظره في قتال مانعي الزكاة : لأقاتلهن من فرق بين الصلاة والزكاة فإنها قرينتها في كتاب الله ، والله لو منعوني عناقاً وفي رواية عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه .
__________
(1) أخرجه الستة .(4/90)
فهذه النصوص تدل على أن أداء الزكاة أحد أركان الإسلام ، وأنها قرينة الصلاة ، وهما جميعاً قرينتا التوحيد ، وأنه يجب قتال من امتنع عن أدائها حتى يؤديها ، ولهذا جاء الوعيد الشديد والتغليظ الأكيد في حق مانعها ، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لايؤدي عنها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . قيل يا رسول الله فالإبل . قال : ولا صاحب إبل لايؤدي حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها فصيلاً واحداً تطاءه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يارسول الله فالبقر والغنم قال ولاصاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاً ولا جلحا ولا عضبا تنطحه بقرونها وتطاءه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" (1).
والأحاديث دلت على أخذ الزكاة من المواشي عيناً ، فتؤخذ من الإبل تارة غنماً ، وتارة أسناناً من الإبل على حسب ماورد ، كما تؤخذ الغنم من الغنم ، والبقر من البقر ، والنقد من النقد ، والبر من البر إلى آخر أنواع الأموال الزكوية.. إلا أن أخذ القيمة جوزه بعض أهل العلم بشرط المصلحة في ذلك ، وبشرط عدم النقص عن القيمة التي تساويها حينئذ .
__________
(1) أخرجه الستة الا الترمذي .(4/91)
إذا عرف هذا فإن كثيراً من العمال الموكول إليهم أخذ الزكاة من أرباب الأموال لا يقومون بالواجب إذا قبضوا منهم القيمة ، فيقبض بعضهم نصف القيمة أو ثلثيها فقط أو قريباً من ذلك ، وهذا لا يبرئ ذمة أرباب الأموال ، ولا يحل لهم ما ترك من قيمة زكاة أموالهم ، بل هي عليهم حرام ، ويبقون غير مؤدين لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام ، ولا يسقط هذا بمفارقه العامل لهم ، ولا يمضي سنة ؛ بل هذا دين في رقاب أرباب الأموال ، ولا يجوز لولاة المسلمين إقرارهم على بقائها في ذممهم ، كما يتعين على ولاة الأمور أن يوصوا من يبعثون في قبض الزكاة بتقوى الله ، واستيعاب جميع القيمة عندما تؤخذ القيمة ، والاستقصاء في ذلك . كما يجب عليهم أن يقوموا حول هذه العبادة العظيمة وسائر فرائض الدين بما يخرجون به من عهدة ما ولاهم الله عليه وهو سائلهم عنه يوم القيامة فإن أهم مقاصد الولاية إقامة دين الله ، وإلزام الخاصة والعامة من المسلمين بالتزام فرائضه ولاسيما التوحيد والصلاة والزكاة ، وأن يعاقبوا المتهاونين بأمر الله ورسوله والمتساهلين بفرائض الدين العقوبة التي تردع العصاة والغواة عن عصيانهم وغيهم ، وأن يوصلوا الزكاة إلى أربابها المستحقين لها ، وهم الأصناف الثمانية المذكورون في قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل )(1) ودفعها إلى غير هؤلاء لا يبرئ الذمة ، ولا يعتبر شرعاً أداء للزكاة .
__________
(1) سورة التوبة آية – 60 .(4/92)
كما أن على العمال مخافة الله وتقواه فيما ائتمنوا عليه بأن لا يأخذوا أكثر من الواجب ولا يتركوا من الواجب شيئاً فيكونوا قد خانوا الله ورسوله وخانوا أولي أمرهم وخانوا أرباب الزكاة من الفقراء والمساكين ونحوهم ، وغشوا أرباب الأموال حيث أرسلوا ليعينوهم على أنفسهم ويطهروهم بقبضها منهم ، كما يجب على أرباب الأموال تقوى الله وخشيته والخوف من أن يموت أحدهم وزكاة الإسلام في ذمته ولا تقضي بعده ؛ بل يلقي الله بها يوم القيامة وهي في ذمته .
والله أسأل أن ينصر دينه ويعلي كلمته ، وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ، إنه على كل شيء قدير . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم(1) .
( من الفتاوي التي وزعت في المساجد ، وقرأت بعد صلاة الجمعة )
(1049 – قوله : وكذا جاهل عرف وعلم )
والقول الآخر أنه لايشترط علمه ، فإن الذي يتكلم فيه الحكم في الظاهر ، فإذا عرف وبين له الدلالة والسند فيكون ظاهراً ، ولا حاجة إلى أن يقول : علمت ولو قال لم أعلم وترك لبطلت إقامة الحاجة على كثير .
فالصواب إلغاء معنى هذه الكلمة كالصلاة سواء وأولى ، والجاهل يعرف وبعد التعريف الحقيقي يكفر ولو ما علم . ( تقرير )
(1050 ـ إذا ادعوا أنهم دفعوها أو أدعوا سقوطها عنهم )
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الداخلية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
__________
(1) قلت وتقدم في ( باب صلاة الاستسقاء ) : الحث على إخراج الزكاة ، وتحريم منعها ، وأنه من أسباب منع القطر ..(4/93)
فقد جرى إطلاعنا على المعاملة المحالة إلينا منكم موجب خطابكم رقم 1508 – 6 وتاريخ 3 – 4 – 88 هـ وعلى ملحقها المشفوع بخطابكم رقم 5539 وتاريخ 16 – 3 – 88 هـ بخصوص امتناع عبد العزيز الدحيم وعبد الله الحصان وسعد بن سبره وناصر بن راشد عن دفعهم الزكاة المطلوبة منهم عن عام 76هـ لفرع مديرية الزكاة والدخل بأبها ، بحجة أن عبد العزيز بن دحيم قد دفعها عنه وكيله في مكة وأن الثلاثة الباقين ليس لديهم مال يزكونه بما طلب منهم وأنه لدى رفض تعللهم طلبوا معاملتهم بما يقتضيه الوجه الشرعي ؛ وتطلبون منا الإفادة هل يقبل منهم هذا التعليل ، أم يلزمون بدفع ما طولبوا بدفعه .
ونفيدكم أن الأصل في المسلم ائتمانه في أمور العبادات بقبول قوله في تأديتها أو دعوى سقوطها ، مالم يعارض هذا الأصل بأصل ينقصه كإن ثبت شرعاً كذبه . والزكاة عبادة من العبادات اللاتي تعبدنا الله بالقيام بها ، فإذا لم يثبت أن هؤلاء الممتنعين عن أداء ما طولوبا به من زكاة أموالهم لعام 86هـ بدعوى الوفاء بها أو سقوط وجوبها لتخلف شرطه أو شروطه كاذبون في دعاواهم فتقبل أقوالهم ، وإلا فيلزمون بدفع ما وجب عليهم . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 1327 في 16 – 6 – 1388هـ )
( 1051 ـ أو أنهم لا يستطيعون تسليمها دفعة واحدة )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد :
فقد اطلعنا على الأوراق الواردة إلينا بخطاب سموكم رقم 3088 وتاريخ 6-2- 1386هـ بخصوص الزكوات المطلوبة من أبناء حسن بن جبر في الاحساء وما أشاروا إليه من كون النخل المطلوب منهم زكاته وقفاً ، وأنهم لايستطيعون دفع المبلغ ، وما نوهت عنه وزارة المالية بأنها تتقاضى الزكوات بموجب ما صدر من دار الإفتاء .
وعليه فنشعر سموكم أن الزكاة بموجب ماصدر من دار الإفتاء .(4/94)
وعليه فنشعر سموكم أن الزكاة حق الله تعالى ، وهي واجبة في الموقوف على معين ـ كالوقف على زيد مثلاً وآل فلان . فإن كان المذكورين يزعمون أن نخلهم لا ثمرة فيه في الأعوام الماضية أو أن زكاته أقل مما طلب منهم فعليهم أن يبينوا ذلك للجهة المختصة ويتفاهموا معهم عن ذلك .
وإن كانوا يزعمون أنهم قد أخرجوا الزكاة حينما لم يأت لها طالب في المدة السابقة فلهم أن يدلوا بهذا لدى المسئولين ويمكن أن يقبل قولهم إذا لم يوجد ما يخالفه .
وإن كانوا لم يخرجوا الزكاة أصلا ويدعون أنهم عاجزون عن تسليمها دفعة واحدة فهي باقية عليهم ، ويمكن تقسيطها عليهم حسب استطاعتهم إذا ثبت إعسارهم ، كديون الآدميين . وإن صار نزاع في شيء مما ذكر فلا مانع من إحالتهم للمحكمة . والله يحفظكم والسلام .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 1128 – 1 في 16- 4 – 1386هـ )
( 1052 ـ إذا حصد الثمرة قبل مجيء عمال الزكاة واختلفوا في مقدارها )
" المسألة الخامسة " : إذا حصد الثمرة قبل مجيء عمال الزكاة واختلفوا في مقدارها فمن القول قوله ؟
والجواب : يقبل قوله في زكاته لحديث " الناس مؤتمنون على زكواتهم " مالم يخالف ماهو مشتهر لدى جيرانه وغيرهم ممن يعرفون مقدار زرعه .
( ص ـ ف 3546 – 1 في 14 -11 – 1388هـ )
(1053 – قوله ـ فيخرجها ولي المال )
وقيل لا يخرجها مخافة مطالبة الصبي بعد بلوغه والمجنون بعد الإفاقة ، ولكن في هذه الحالة يتعين عليه أن يخبره بأنه لم يؤدز زكاته والمشهور أنه يخرجها الولي ، وهذا هو الصحيح إن شاء الله ، وهي وجبت في ماله . ومسألة القيام عليه فيما بعد يمكنه أن يتحرز ولا يهمل (1) ( تقرير )
( 1054 – لا يجزئ اخراج مجلس ادارة شركة الكهرباء للزكاة )
__________
(1) أنظر فتوى في الوصايا تتعلق باخراج زكاة أموال اليتامى من قبل وليهم برقم (198 /1 في 2 – 8 – 84هـ) .(4/95)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية السعودية للكهرباء بالرياض .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد : -
فقد تلقينا الاستفتاء الموجه منكم إلينا بتاريخ 12 – 8 – 1378هـ والذي تطلبون الجواب عليه ، وهذا نصه : بما أن نظام شركة الكهرباء الوطنية بالرياض ينص بأن يخرج من صافي أرباح الشركة ريالين ونصفاً في المائة زكاة سنوية ، وفي هذه الأيام خصمت الشركة هذه الزكاة لعامي 1376و 1377هـ ، وبقي المبلغ الآن في صندوقها ، وقبل أن تعمل الشركة تصرفاً في هذه الزكاة فإن مجلس إدارة الشركة يتقدم لسماحتكم للإفادة عما تقتضيه الشريعة السمحاء حول ذلك للعمل على ما يقرره سماحتكم حفظكم الله ورعاكم . إنتهى نص الاستفتاء .
والجواب : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله . لا ريب في وجوب الزكاة في أرباح شركة الكهرباء ، كما لا ريب أنه لابد في إجزاء إخراجها من نية المالك عند إخراجها أو من يقوم مقامه من وكيله إن كان جائز التصرف أو من يلي ماله إن كان غير جائز التصرف كوالده ووصيه ونحوهما . وحيث كان الأمر كذلك وكان الأمر كما يغلب على الظن وكما يتسامع من بعض أهل السهمان عدم رضاهم بتولي مجلس إدارة الشركة لتفريق الزكاة فإنه لا يجزئ إخراج مجلس إدارة الشركة لها ؛ لعدم الاذن من المساهمين في ذلك ، بل يدفع ربح سهمان المساهمين إليهم كاملا غير محسومة منه الزكاة ، ليتولى أرباب السهمان إخراج تلك الزكاة إلى مستحقيها بأنفسهم إن كانوا جائزي التصرف أو من يلي أموال القاصرين منهم بالنية .(4/96)
وإن طلب ولاة الأمور حسم الزكاة قبل دفع السهمان إلى أربابها ليتولوها هم أجزأت وبرأت بذلك ذمم المساهمين ، ويرجح ذلك كون هذه الزكاة شبيهة بالأموال الظاهرة لاجتماعها معها في العلم بمقدار ذلك المال المزكي وزكاته . وربما أنها لو دفعت السهمان إلى أربابها غير مزكاة أفضي ذلك إلى عدم قيامها بواجب إخراجها بخلا من بعض أو جهلا بالوجوب أو بتفاصيل أحكام إخراج الزكاة من آخرين ، وعلى ولاة الأمور إن تولوها تقوى الله تعالى ، وأن يقوموا فيها وفي سائر الزكوات التي يجبونها من الرعية بتفريقها على الوجه الشرعي ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( ص ـ ف 2553 في 19 - 9 - 1378هـ )
( 1055 ـ س : زكاة مال الوالد إذا أخرجها أولاده المفوضون وكذلك الشريك مع الشركاء) .
جـ ـ هذا يعرف بالقرائن والحال والعادة أنه مفوض في الحال في أوجه تصرفاته وأنه لا يكره . ( تقرير )
( 1055 ـ قوله : ومع عدم لا يجزئ إلا بإعلامه أنها زكاة .
هذا كلامهم هنا ، وفيه شيء من التأمل ( تقرير )
(1056 - م2 أجرة نقل الزكاة على رب المال )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن اليوسف الدويش سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
كتابك لنا المؤرخ في 25 - 6 - 1387هـ وصل ، وتستفتي فيه عن مسألة وهي : هل نقل الزكاة واجب على رب الغلة أو على الجهة المستحقة لها أو على مأمور بيت المال .
والجواب : أجرة نقل الزكاة على رب المال ؛ لأن عليه تسليمها إلى مستحقها فكان عليه مؤنته ، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 3095 - 1 في 5 - 8 - 1387هـ )
( 1057 ـ جواز نقل الزكاة إلى غير بلد المال إذا كان فيه مصلحة )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم مصلح بن فريح سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -(4/97)
فقد وصل إلينا كتابك المؤرخ في 21 – 11 – 1381هـ المتضمن السؤال عن حكم نقل الزكاة إلى بلاد أخرى مسافة قصر فأكثر ، وعن حكم بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض متفاضلاً أو نسيئة .
والجواب : الحمد لله . أما " المسألة الأولى " ففيها قولان للعلماء ، فالمشهور عند متأخري الأصحاب المنع إلا إذا كان البلد الذي فيه المال لا فقراء فيه . والقول الآخر الجواز إذا كان في نقلها مصلحة ، واختاره الشيخ تقي الدين ، قال الشيخ عبد الله بن محمد ابن عبد الوهاب وهو الذي تعمل عليه ، وهي مجزئة على كلا القولين (1) .
أما " المسألة الثانية " فقد صار فيها بحث قبل هذا ، وسيجرى تحرير فتوى عامة فيها ، وعندما تصدر الفتوى نبعث لكم منها صورة إن شاء الله تعالى . والسلام عليكم .
( ص ـ ف 316 وتاريخ 2 – 3 – 1382هـ )
( 1058 – نقل الزكاة إلى الأقارب وإلى الحرمين )
" المسألة الثانية " : عن جواز نقل الزكاة من البلد الذي فيه المال إلى بلد آخر .
__________
(1) وأنظر فتوى في (باب أهل الزكاة ) بتاريخ 4 – 5 – 1374هـ أشار فيها إلى نقل الزكاة ، وأن البلدان تتفاوت : فمنها ما زكواتها كثيرة وفقراؤها قليل ، ومنها ما هو بالعكس .
لوه رحمه الله مع عمه محمد بن عبد اللطيف فتوى في الموضوع ، وفي أهل الزكاة ، ودفعها إلى الأمام ـ موجودة في الدرر ( جـ 2 ص 329 وتاريخ 1353هـ ) .(4/98)
الجواب : هذه المسألة مما اختلف فيه العلماء . فالمشهور من المذهب أن نقل الزكاة لا يجوز إذا كان إلى مسافة قصر فأكثر ـ وهي مسيرة يومين يسير الأحمال ومشي الأقدام . ويجوز فيما دونها لأنها في حكم البلد الواحد ، وسواء نقلها لمصلحة أولا كإعطائها قريبه الفقير أو من هو أشد حاجة أو غير ذلك . قالوا : ويحرم نقلها إلى مسافة قصر مع وجود مستحق لها ولو لرحم وشدة حاجة ، وكان السلف يقولون جيران المال أحق بزكاته ، ولحديث معاذ : " إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرئهم " (1) وظاهره عود الضمير على أهل اليمن ، فنقلها إلى غيرهم مخالف لهذا الحديث ولإنكار عمر على معاذ حين بعث إليه بثلث الصدقة ، ثم يشطرها ، ثم بها ، وأجابه معاذا بأنه لم يبعث إليه شيئاً وهو يجد أحداً يأخذ منه . رواه أبو عبيد . وأختلف القائلون بهذا هل تجزئ الزكاة في هذه الحال ، أم لا . فالمشهور أنها تجزئ مع تحريم النقل أو كراهيته .
والقول الثاني : جواز نقلها لمصلحة شرعية ، وبه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال : وتحديد المنع من نقل الزكاة بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي . وقال في الفروع : وعنه يجوز نقلها إلى غير القصر أيضاً وفقاً لمالك مع رجحان لحاجة ، وكرهه (2) .
(ص ـ ف 283 – 1 في 24 – 1 – 1386هـ )
( 1059 _ العبرة بالزارع إذا توسطت المزارع ) :
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الأخ إبراهيم بن عبد الله الشايقي سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد :
ثم إني أطلعت على مذكرتكم رقم 877 وتاريخ (بدون ) بصدد مطالبة أهل شقراء بزكاة القصور التي بين القرائن وشقراء وزرعوها من أهل القرائن .
__________
(1) متفق عليه .
(2) سقط آخر الفتوى . وتقدم ما يغني عنه .(4/99)
وأفيدكم أن الظاهر في مثل هذا أن الذي يتمشى على أمر الملك وإرادته حفظه الله أن زكاة تلك القصور لفقراء أهل القرائن ، لأن الزراعيين منهم ، فهي زكاة أموالهم لا أموال أهل شقراء . والسلام عليكم .
( ص ـ م 85 وتاريخ 16 -1 – 1376هـ )
(1060 ـ والنظر في النقل وعدمه إلى الامام أو نائبه )
والنظر في ذلك إلى الإمام أو نائبه ، ولا دخل للعامة في أمور الخاصة ، فإذا تكلم العامة في أمور الخاصة فإن في ذلك من الفساد ما لا يخفي .
(تقرير )
( 1061 – نقل الفطرة )
قوله : وفطرته في بلد هو فيه .
والظاهر أنها كزكاة المال ـ والله أعلم ـ يظهر هذا ( تقرير )
(1060 ـ والنظر في النقل وعدمه إلى الامام أو نائبه )
والنظر في ذلك إلى الإمام أو نائبه ، ولا دخل للعامة في أمور الخاصة ، فإذا تكلم العامة في أمور الخاصة فإن في ذلك من الفساد ما لا يخفي . ( تقرير )
( 1061 ـ نقل الفطرة ) :
قوله : وفطرته في بلد هو فيه .
والظاهر أنها كزكاة المال ـ والله أعلم ـ يظهر هذا ( تقرير ) .
(1062 ـ تأديته الفطرة في بلده وهو في أمريكا )
المسألة الثانية : أما سؤالكم عن زكاة الفطر وأنكم لا تجدون في أمريكا أهلا لها . وتسألون عن جواز إخراجها من أهلكم الذين في هذه المملكة .
الجواب : إذا نبهتم أهلكم هنا في إخراج زكاة الفطر عنكم ، وأخرجوها بنيتها فهي مجزئة إن شاء الله . والله الموفق ، والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 1071 – 88 هـ في 13 _ 5 – 1388هـ )
( 1063 – بعث السعادة للأموال الظاهرة وجوب لا ندب ، الخلاف في الباطنة )
قوله : ويجب على الإمام بعث السعاة لقبض زكاة المال الظاهر . وقيل لا يجب بل ذلك مندوب ، والمشهور هو هذا(1) وهذا أولى ، وذلك لأن فيه احتياطاً لحقوق أهل الزكاة من الفقراء ونحوهم .
__________
(1) الذي ذكره الشارح وهو الوجوب .(4/100)
الثاني معاونة أرباب الأموال على أنفسهم ليقوموا بأداء الزكاة على وجهها ، فإن من فوائد ومصالح الولاية وجوب إقامة إمام في المسلمين ـ أعظم مصالح ذلك هو إقامة الدين وحماية حوزته ، فمنه القيام على الرعية بأداء ما فرض الله عليهم ، من ذلك الزكاة ، وهذا لا يتم إلا بهذا ، كما أن عليه إيصالها إلى أربابها ؛ فإنها تحتاج إلى نوع قوة ، كما أنها تحتاج إلى أمانة .
ومفهومه أن زكاة الأموال الباطنة ـ زكاة العروض والنقود ـ لا يجب البحث عنها وليس بمشروع ، ما جاء ما يدل عليه أصلا . وهل للإمام فعل ذلك ، أم لا ؟ فيه الخلاف .
وإذا دفع الإنسان زكاته إلى الإمام أو نائبه أجزأت مطلقاً على المشهور . وفيه قول آخر أنه إذا علم أنه لا يصرفها إلى مصارفها فإنه لا يجوز دفعها إليه ، بل يحفظها ويدفعها .
هذا كله بالنسبة إلى أنه يذهب للساعي من غير طلب . أما إذا بعث السعاة لأخذها فإنها تدفع إليهم ويجزء مطلقاً ، سواء صرفوها إلى مصارفها ، أولا ، لأنه دفعها إلى ما هو أصل المصرف وتبرء الذمة ، وتكون التبعة والمعرة على من خالف وعصى .……………( تقرير )
(1064 – نصح أرباب الأموال الباطنة ، وإذا لم يظهر عليهم آثار اخراجها )
الرياض جلالة الملك المعظم أيده الله
ج 15489 حفظكم الله . أطلعت على برقية قاضي الحوطة بشأن الزكاة . وأرفع لجلالتكم أن ما رفعه من هذا الاقتراح لاشك أنه قصد حسن ؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج لها عمالا وجباتاً كالأموال الظاهرة ؛ لأنها أموال سرية خفية غير ظاهرة .
فينبغي في حق أرباب هذه الأموال النصائح الدقيقة البليغة المكررة لإخراجهم زكات أموالهم الخفية . لكن أرباب الصدقات الضخمة المشهورة الذين لم يظهر عليهم آثار إخراجها وعندهم من رقة الدين ما يسبب سوء الظن بهم في عدم إخراجها فهؤلاء تحتاج مسألتهم إلى نظر ودرس ليعمل فيهم بما تبرؤ به الذمة . تولاكم الله بتوفيقه وأدام لكم النصر وسدد خطاكم .(4/101)
محمد بن إبراهيم ( ص ـ م 1246 وتاريخ 18 – 9 – 1375هـ )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو
نائب رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فنعيد لكم المكاتبة الواردة إلينا منكم برقم 23080 في 29 – 11 – 1382هـ حول الطريقة المقترحة من أمارة القصيم وغيرها لخرص وتوزيع الزكاة .
وحيث رغب سموكم إبداء رأينا حيال هذا الاقتراح نفيدكم أننا نرى بقاء هؤلاء العمال واستمرارهم على عادتهم في خرص وتوزيع الزكاة ؛ للأمور التالية :
1 – كون العمال يبعثون من المركز الرئيسي للحكم أكبر مصلحة وأقوى هيبة .
2 – أن هؤلاء العمال الذين عهدت إليهم هذه المهمة منذ مدة طويلة اشتهروا خلالها بالاستقامة والدين وامتازوا بقوة المعرفة والمهارة لاينبغي تنزيلهم وصرفها عنهم ، لاسيما وأن من نزل تنزيلا شرعياً لايحول عنه إلا بمسوغ .
3 – لو نفذ هذا الاقتراح لحدث بسببه أشياء لا تحمد ؛ لما ينتج عنه من ملابسات الجوار والقرابة والمصاهرة والخدمة والتبعية وما إلى ذلك مما هو مفقود في هؤلاء العمال حيث لا صلة بينهم وبين أي من أهل تلك البلدان والقرى .
4 – أنهم أرباب عوائل ومحاويج واستعدوا لهذا العمل ، وانتظروا إلى ما يصرف لهم عنه ، ولو قدر أنهم لايعطون شيئاً لتعين لمثلهم القيام بما يؤمن معيشتهم من بيت المال ، فكونهم يعطون ذلك بالوظيفة والعمل أتم وأجدى من أن يدفع لهم شيء من غير مباشرة لأعمال الدولة .
5 – إن المبلغ إليه بأن فيه تكليفاً لخزينة الدولة سوف لا يبقى مع تنفيذ هذا الاقتراح للدولة ، بل سينفذ جميعه أون أكثره .
6 – يظهر أن أرتفاع هذا المبلغ إلى هذا الحد كان نتيجة لما حتمته عليهم الحكومة وفقها الله في الاستغناء عن الناس وعدم استضافتهم إبعاداً للتهمة ، وتقوية لهم على القيام بواجبهم على الوجه الأكمل .
هذا ما نراه في هذا الموضوع ، ونسأل الله أن يأخذ بيد الجميع إلى ما فيه الخير والسداد . والله يحفظكم(4/102)
رئيس القضاة
( ص ـ ق 462 – 2 في 23 – 1 – 1383هـ )
(1066 – وتأسيا بالنبي وخلفائه )
من محمد بن ابراهيم إلى صاحب السمو الملكي .
……… رئيس مجلس الوزراء……………الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
أطلعنا على المعاملة الواردة منكم برقم 1035 وتاريخ 8 -4 – 83هـ بشأن اقتراح وزارة المالية والاقتصاد الوطني تشكيل لجنة لتنظيم شئون الزكاة على غرار مقبول ، ورغبة سموكم ضمها إلى السابقة وإكمال ما يلزم على ضوء ما سبق لكم .
نفيدكم أننا لما طلبتم إبداء ما نراه حول الاقتراح المذكور كتبنا لكم برقم 462 – 2 وتاريخ 23 -1 – 83هـ ما هو محض النصيحة وإبراء للذمة ، وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يبعث عماله على الزكاة من نفس المدينة ، فبعث عمر وبعث معاذاً إلى اليمن وبعث أبي بن كعب وسهل بن أبي خثمة وغيرهم ، وعلى هذا درج خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر ومن بعدهم ، وهو عمل أئمة هذه الدولة والدعوة المباركة ، ولنا ولكم فيهم أسوة حسنة . وبالله التوفيق .
والله يحفظكم ، والسلام
رئيس القضاة
( ص ـ ق 1034 – 1 في 1 – 7 – 1383هـ )
(1067 – خرص الأموال على أصحابها )
بعث السعادة لأخذ الزكاة غير الخرص ؛ فإن خرصها شيء ، وبعث عمال الجبايات شيء آخر . والخرص هو على أصحاب الأموال ؛ ليؤدوا الواجب فيها . وقيل : من بيت المال ، والمشهور هو الأول وإن بذلت من بيت المال جاز(1)
(تقرير)
( 1068 ـ وسم ابل الصدقة ، ونعم الجزية ، والحكمة في ذلك )
__________
(1) ويأتي ضمن فتوى في باب أهل الزكاة 22 – 7 – 75هـ .(4/103)
أما " السؤال الثاني " فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسم إبل الصدقة ، وكذلك نعم الجزية ، والدليل ما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس قال : "غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة فرأيت في يده الميسم يسم إبل الصدقة " ولأحمد وابن ماجه " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسم غنماً في آذانها " . وهو زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر : إن في الظهر ناقة عمياء ، قال : أمن نعم الصدقة ، أو من نعم الجزية ؟ قال أسلم : من نعم الجزية ، وقال إن عليها ميسم الجزية . رواه الشافعي . والحكمة في وسمها تمييزها ، وليردها من أخذها ومن التقطها ، وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلا ؛ لأن لا يعود في صدقته . وأما وسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال في " فتح الباري ) : لم أقف على تصريح بما كان مكتوباً على ميسم النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن ابن الصباغ من الشافعية نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب في ميسم الزكاة زكاة أو صدقة وأما وضع الوسم فالغنم في آذانها للحديث المتقدم .
وأما الإبل ففي أفخاذها ؛ لأنه موضع صلب ، فيقل الألم فيه ، ويخف شعره فيظهر أثر الوسم ، وفي صحيح مسلم أن ابن عباس قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً موسوم الوجه فأنكر ذلك فأمر بحمار له فكوي في جاعريته فهو أول من كوى الجاعرتين " . والجاعرتان هما حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر .
وأما " الوسم " فقال أهل اللغة : أثر كية . يقال : يعير موسوم ، وقد وسمه سمة ، والسمة العلامة ، والميسم الشيء الذي يوسم به . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
حرر في 17 – 5 – 1375هـ .
( ص ـ ف 219 وتاريخ 17 – 5 – 1375هـ )
( 1069 – تأخر الساعي عن قبضها فاخرجها المالك ، ثم جاء فطلبها و 15 % عن التأخير )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن ناصر .
ابن مقبل المطوع سلمه الله(4/104)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
كتابك لنا المؤرخ في 24 - 1 - 87هـ وصل ، وقد ذكرت فيه أنه جاءكم مندوب من مالية بيشة فاستلم منكم زكاة العروض للعامين 83 ، 84 ثم إنه تأخر عن المجيء في أعوام 85 ، 86 ، 87هـ فأخرجتم زكاة هذه السنوات ، وبعد إخراج زكاة 87هـ فأخرجتم زكاة هذه السنوات ، وبعد إخراج زكاة 87هـ جاءكم مكتوب من ماليه بيشة يطالبونكم بالزكاة للأعوام السابقة ، مع تكليفكم بدفع 15 في المائة عن التأخر . وتسأل هل يجزئ دفعكم للزكاة ، وهل يستحقون دفع 15 في المائة زيادة على الزكاة المفروضة .
والجواب : إذا كان الأمر كما وصفته فالدفع الذي حصل منكم مبرئ للذمة ، لقوله تعالى ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي ، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم )(1) ولما ثبت في جامع الترمذي وسنن ابن ماجه بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك " .
وأما القدر الذي طلبوه منكم وهو 15 في المائة فلا يجوز لهم أخذه ؛ لأنه أكل مال بالباطل ، وقد حرمه الله تعالى بقوله : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )(2) ولا يصح أخذ هذا المبلغ بناء على أنه جزاء عن تأخير الدفع ، لأن التأخير عن قبضها إنما جاء من قبل الساعي ، ولا يجوز أخذ أحد بجريرة غيره . يكون معلوماً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مفتي الديار السعودية…………
( ص ـ ف 523 - 1 في 17 - 2 - 1388هـ )
( 1070 - ما يؤخذ ضريبة لا يجزئ زكاة )
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد
__________
(1) سورة البقرة آية - 271 .
(2) سورة البقرة آية 188 .(4/105)
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 1713 ـ د وتاريخ 12 – 9 – 1386هـ المرفق به استفتاء الدكتور ( أ ) حسن من الولايات المتحدة عن رجل مسلم يدفع من مجموع دخله العام 20 في المائة كضريبة دخل شهرياً وتسأل هل يلزمه دفع الزكاة مع ذلك وما مقدارها ؟
والجواب : الحمد لله . الزكاة واجبة في الأموال الزكوية ، إذا بلغت نصاباً فأكثر ، وحال عليها الحول . وقدرها من النقدين وقيمة عروض التجارة ربع العشر ، يعني 2.5 في المائة . ولا يجزي إخراجها إلا بنية ، لأنها عبادة يشترط لها النية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى "(1) كما لا يجزئ دفعها إلا لأحد الأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليهم حكيم)(2)
لكن إذا طلبها ولي الأمر باسم الزكاة ، ودفعت إليه بنية الزكاة أجزأت ، إذا كان ولي الأمر مسلماً .
أما ما يدفعه من ضريبة الدخل المشار إليها أعلاه فهذا شيء آخر لايجزئ أن يحتسب من الزكاة .. والله أعلم .
مفتي الديار السعودية
(ص ـ ف 3565 ـ 1 في 26 – 11 – 1386هـ )
( باب أهل الزكاة )
( 1071 ـ صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية لا يجزي )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء …………حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد
فقد جرى الاطلاع على خطاب سموكم برقم 12962 وتاريخ 8 – 6 – 1380هـ وما أفدتمونا به من أن جلالة الملك حفظه الله أمر بتشكيل هيئة من خيار بلدان المندق والباحة لتقرير توزيع الزكوات على الفقراء من غامد وزهران ، وإذا زاد شيء فيصرف للمساجد والأعمال الخيرية .
__________
(1) متفق عليه من حديث عمر .
(2) سو رة التوبة آية – 60(4/106)
ونفيد سموكم أن صرف الزكاة للمساجد والأعمال الخيرية مما لا ينطوي تحت الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى وحصر صرف الزكاة فيها لا يجوز .
ونفيدكم أنه وردنا كتاب من كبار ثقيف ترعة الحجاز يذكرون أن الزكوات المطلوب توزيعها قد تم ما عدى اللوز فلم يوزع ، وعم يلتمسون تويعه أسوة بالحبوب الأخرى ، وذكروا أن أكثر المحصولات من زراعاتهم اللوز .وبما أن الفقهاء قد عدوا اللوز من الثمر الواجبة الزكاة فيها ، قال في ( الكشاف الجزء الثاني ص 184 ) ما نصه : وتجب الزكاة في كل ثمر يكال ويدخر كالتمور واللوز والزبيب والفستق والبندق والسماق أ هـ فيجب توزيع زكاة اللوز كغيره من الحبوب ، وقد ذكرنا لهم ذلك في جوابنا لهم لهم . والله يحفظكم .
( ص ـ ف 985 وتاريخ 1 – 7 – 1380هـ )
( 1072 – ولبناء أسوار البلد )
بناء أسوار البلد مما يحصنها ، وهو مصلحة عامة ، والبلد تفتقر إلى ذلك لدفع شر العدو ؛ لكن لامن الزكاة . وهذا الوقت مفقود فيه بناء الأسوار وهو ضرر كبير تأسياً بالبلاد الأخرى التي لا أسوار فيه ؛ فإنه يعرف الداخل والخارج . وكذلك لو كان سور لكان خروجهم ندرة ، وإذا خرجوا أدركوا . فالحاصل أن في هذا فساداً كبيراً لا من جهة الأخلاق ولا من جهة الأموال ولا من جهة دخول مخدرات وكذا وكذا إلى أشياء كثيرة .………( تقرير )
(1073 ـ ولصندوق البر بمكة )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الله عريف سلمه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
كتابكم المكرم المتضمن الاستفتاء في صرف الزكاة إلى صندوق البر وصلنا وتجد الجواب مرفقاً ونسأل الله التوفيق للجميع .
والسلام عليكم ( ص ـ م في 1 – 9 – 1374هـ) .
الجواب(4/107)
الحمد لله . الذي يظهر في هذه المسألة هو المنع من صرف الزكاة إلى صندوق البر ؛ لأنه لابد في الزكاة من دفع مبرئ للذمة ، وذلك بأن يدفعها صاحبها أو وكيله في دفعها بنية الزكاة إلى مستحقها ، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " (1) أو يدفعها هو أو وكيله في دفعها إلى الامام أو نائبه لتصرف مصارفها الشرعية .
وتولي الإمام اونائبه جباية الزكاة وصرفها مصارفها الشرعية أصل معروف وحق من حقوق الإمام ، ولانائب لعموم المستحقين في قبض الزكاة إلا الإمام أو نائبه ، وقد قال تعالى : [ خذ من أموالهم صدقة ] الآية (2) . ولقول الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه في أهل الردة : والله لومنعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . ولوجوب دفعها على الفور وإيداعها في صندوق البر المذكور قد يفوت الفورية لغير مسوغ شرعي ، لأن صندوق البر معد لأمور هي أعم من أهل الزكاة ، فقد تصرف لغير جهتها . ثم لا يخفى ما في دفع الزكاة إلى صندوق البر من سد أبواب التبرعات الخيرية التي قصدها واضعو هذا الصندوق .
والله الموفق .
أملاه الفقيه إلى عفو الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
( 1074 ـ ودفعها للفقراء غير الوطنيين )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة جيزان .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد أطلعنا على كتابكم رقم 11184 وتاريخ 17 – 1 – 1388هـ المرفق به ما كتبه لكم قاضي ضمد عن الفقراء الذين يستحقون الزكاة ، وأن بعضهم من أهل الوطن وبعضهم من أهل اليمن يسكنون لديهم منذ عشر سنين وأقل وأكثر . ويسأل هل يستحقون من الزكاة كأمثالهم من السعوديين ، أم لا ؟
__________
(1) متفق عليه عن عمر رضي الله عنه .
(2) سورة التوبة آية – 103 .(4/108)
والجواب : الظاهر أن حكمهم حكمهم ، إذا شاركوهم في مسمى الفقر والحاجة . ومما يستدل به لذلك ما ذكره الفقهاء : بأن مساكين الحرم هم من كان ساكناً به أو ورد إليه من حاجة وغيره ممن له أخذ الزكاة لحاجة . إذا عرفوا بالاستقامة في الدين . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 1006 – 1 وتاريخ 27 – 3 – 87هـ )
(1075هـ ـ ولكسير علاجا )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن الحماد العمر سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
بالإشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن مسألة وهي : ما حكم دفع الزكاة لرجل كسير ليدفعها أجرة للطبيب الذي سيعالج كسوره ، علماً بأن ذلك الكسير فقير ، وله أسرة يلزمه نفقتها ، وفي الوقت نفسه تعذره أطباء الحكومة وقالوا لا نتمكن من إجراء عمليات لكسورك المتعددة .
الجواب : إذا كان الأمر كما وصفت فيجوز دفع الزكاة له ، وذلك مايكفيه نفقة وعلاجاً وما يكفي عائلته نفقة ، لقوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الآية (1) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 3536 – 1 في 1 – 8 – 1389هـ )
( 1076 – ولطفل عمره ثلاث سنوات )
" المسألة الثالثة " هل يجوز دفع الزكاة لطفل عمره ثلاث سنوات ونحوها؟
والجواب : إذا كان فقيرا جاز ذلك ، ويقبضها له وليه الشرعي .
( ص ـ ف 1354 وتاريخ 17 -6 – 1388هـ ) (2)
(1077 – فتوى جامعة )
( من يدخل في العاملين عليها يعطي بقدر عمله ، شيخان القبائل إذا كانوا بصفة المؤلفة ، والعرفاء إذا كانوا رؤساء ، ومن يعطي من البراوي والعشور ، وأخذ الزكاة عيناً ، ونقلها ) .
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان العالي الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
__________
(1) سورة التوبة آية - 60
(2) وتأتي رسالة في " البيع " في بيان الخروج من مشكلة الفقر .(4/109)
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 741 وتاريخ 11 – 2 – 75هـ المعطوف على خطاب وزارة المالية للديوان العالي برقم 2705 في 1 – 2 – 75هـ المرفق به قرار قاضي عسير وأميرها ومدير ماليتها ورئيس هيئة الأمر بالمعروف فيها . حول كيفية توزيع الزكوات ، وكذلك خطابكم رقم 748 وتاريخ 13 – 2 – 75هـ المعطوف على برقية قاضي البرك لرئيس مجلس الوزراء برقم 282 في 23 – 1 – 75هـ وخطاب وزارة المالية لسموه عنها برقم 241 في 8 – 1 – 75هـ وطلبكم إبداء مانراه في هذا الموضوع .
ونفيدكم أن الذي نراه موافقاً للوجهة الشرعية في كيفية توزيع الزكوات وجبايتها موضح فيما يلي :
1 – مصاريف الزكاة من أجرة جابي وكاتب وعداد وقسام ونحوهم ممن يعمل في الزكاة وسائر مؤونتها من قيمة أو أن وأجرة حمل إن احتيج إليه ونحو ذلك كل ذلك يكون من نفس الزكاة .
ويلاحظ أنه قد جاء في الفقرة الثالثة من خطاب وزارة المالية المرفوع لرئيس مجلس الوزراء تحديد مايدفع من مصاريف الزكاة بالربع ، وهذا التحديد في غير محله ، ولو حدد لحدد بالثمن ، ولكن لا تحديد فيه ، ولا يدفع لهم إلا بقدر عملهم فقط سواء قل عن الثمن أو زاد عليه .
2 – مئونة حمل الزكاة وإيصالها إلى القابض ومثله أجرة الخراريص كل ذلك على أرباب الأموال وليس على الزكاة ولا على المالية ، إلا أن يرى ولي الأمر ـ وفقه الله ـ دفع أجرة الخراريص عنهم من المالية نظراً لشدة المئونة وتكلفهم من الفلاحة كثيراً ، لاسيما وقد جرت العادة أن الخراريص يعطون أجرتهم من المالية .
3 – شيخان القبائل إذا كانوا يصفة المؤلفة قلوبهم فيعطون من الزكاة بقدر ما يحصل به التأليف فقط ، ومثلهم العرفاء إن كانوا رؤساء ويتصور منهم تأليف قلوبهم صاروا مثل شيخان القبائل وإلا فيعوضون من المالية إذا رآه ولي الأمر .(4/110)
4 – ما كان يصرف من الزكاة من عشور وبراوي فإن كان لما فيهم من صفة الاستحقاق بطريق الحاجة أو لكونهم بصفة المؤلفة قلوبهم فيعطون منها بقدر ما يحصل به المقصود في الموضعين وإلا فيعوضون من المالية إن رأى ولي الأمر ذلك .
5 – جاء في الفقرة الخامسة من خطاب وزارة المالية المشار إليه : أن دفع الزكاة نقداً أو عيناً على أساس تخيير المكلفين . وهذا خطأ ؛ فإن الحكم الشرعي أن لايخرج إلا عين من أعيانها ، فيعطي من التمر تمر ، ومن البربر ، ومن الذرة ذرة ، ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن : " خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبيعر من الإبل ، والبقرة من البقر " رواه أبوداود وابن ماجه .
6 – نقل الزكاة من قرية إلى أخرى إذا كانتا متقاربتين دون مسافة القصر لا بأس به ، ولكن فقراء كل قرية أولى بزكاتها ، إلا أن تكون زكاتهم كثيرة وفقراؤهم قليل فيدفع من كثيرة الزكاة قليلة الفقراء إلى عكسها .
هذا ما ظهر ونسأل الله أن يوفق الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح . والسلام عليكم ( ص ـ ف 54 وتاريخ 25 – 2 – 75هـ )
(1078 ـ من مات وعليه دين قضي من بيت المال ، ودين الغارم لإصلاح ذات البين ، أو لنفسه مع فقره ، والديات على عاقلة أعسرت ، أو لم تكن له عاقلة ، أو جهل قاتله ) .
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
نائب رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فنشير إلى خطاب سموكم الموجه لنا برقم 11477 وتاريخ 4 – 5 – 83هـ على المعاملة المرفقة ، الخاصة بطلب أيتام أحمد بن إبراهيم مساعدتهم بتسديد ما علي والدهم المتوفي من دين ، وقدرة خمسة آلاف ريال ؛ لثبوت إعسارهم شرعاً ، وعدم استطاعتهم تسديده وترغبون وفقكم الله معرفة مالدينا في مثل هذا الموضوع من الناحية الشرعية ، وما هي الجهة الملزمة بتسديد هذا المبلغ وأمثاله بصورة عامة .(4/111)
وعليه نشعركم بأنه بدراسة هذا الموضوع وتأمله اتضح أنه متى ثبت دين على ميت من المسلمين ولم يخلف مايفي دينه فإنه يتعين قضاؤه من بيت المال ، للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالرجل المتوفي عليه الدين فيسأل : هل ترك لدينه فضلا ، فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم ، فلما فتح الله عليه الفتح قال أنا أولى بالمؤمنين من انفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته " قال في " فتح الباري " بشرح صحيح البخاري في كلامه على هذا الحديث : وفي صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه الفتح إشعار بأنه كان يقضيه من مال المصلح . وقيل : بل كان يقضيه من خالص نفسه . ثم نقل عن ابن بطال أنه قال في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فعلى قضاؤه " أي مما يفي الله عليه من الغنائم والصدقات ، وقال : وهكذا يلزم المتولي لأمور المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين ، فإن لم يفعل فالإثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بما عليه من الدين وإلا فبقسطه إنتهى . وقال الشوكاني في " نيل الأوطار " : قد ورد مايدل على أن من مات من المسلمين مديوناً فدينه على من إليه ولاية المسلمين بقضيه عنهم من بيت مالهم ، ثم ذكر أحاديث تدل على ذلك ، وقال بعده : وفي معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالها بعد أن يمتنع عن الصلاة على المديون ، فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مديوناً وقضى عنه ، وذلك مشعر بأن من مات مديوناً استحق أن يقضي عنه دينه من بيت مال المسلمين ، وهو أحد المصارف الثمانية فلا يسقط حقه بالموت . ودعوى من ادعى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك ساقطة ، وقياس الدلالة ينفي هذه الدعوى(4/112)
في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه " أخرجه أحمد وابن ماجه وسعيد بن منصور والبيهقي ، وهم لايقولون : إن ميراث من لاوارث له مختص برسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أخرج الطبراني من حديث سلمان مايدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة ، ولفطه : " من ترك مالا فلورثته ، ومن ترك دينا فعلي وعلى الولاة من بعدي من بيت المال " إنتهى .
ومما تقدم يتضح ماذكرناه من أن من مات من المسلمين وعليه دين لم يخلف له قضاء تعين قضاؤه من بيت المال ، مع ملاحظة أن يكون هذا الدين تحمله لإصلاح ذات البيت أو لنفسه في مباح .
أما الديون التي على الأحياء فمن كان موسوراً الزم بالوفاء ، ومن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة ؛ لقوله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) لكن إذا كان الدين قد تحمله المدين غرامة لإصلاح ذات البين أو علقه لإصلاح نفسه في مباح كنفقته ونفقة عياله استحق أن يدفع له من الزكاة مايفي به ؛ لأنه من الغارمين الذين هم أحد أصناف مصارف الزكاة .
وإن كان الدين الذي على الأحياء دية أو ديان قد حكم بها على العاقلة وأعسر أو لم تكن للجاني عاقلة سلمت من بيت المال .
كما هو المشهور في المذهب . وكذا من ثبت أنه مقتول وجهل قاتله كالميت في زحمة جمعة ونحو ذلك فديته من بيت المال .
أما الدية التي يحكم بها على الجاني نفسه فحكمها حكم الدين على الحي على النحو المذكور أعلاه . والله يحفظكم(1) .
رئيس القضاة
( ص ـ ق 1496 – 1 في 13 – 11 – 83هـ )
( 1079 ـ إذا تحمل ديونا لنفسه فبشرط )
__________
(1) قلت : وتأتي مسائل في الديات في هذا المعنى أن شاء الله تعالى .(4/113)
إذا ابتلي بديون أو اشتدت به الأحوال فادان وتحمل حمالات لسد حالة وتوخي فيما يتحمله الطريق الشرعي الذي لاغنى له إلا أن يتحمله وبشرط أن يصرف ذلك في الطاعة (1) لا في المعاصي فهذا ليس محلا أن يعان . (تقرير )
118 – " حتى يصيب قواماً من عيش " (2) ليس المراد الثروة والغنى .
( تقرير )
118 – 2 – حديث " حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه ويقاس عليه كل من طلب الأخذ من شيء كالأخذ من الوقف ، بخلاف من ادان من أجل أنه شفع على فلان في شقصه ، ويمكن أن يفصل ، فيقال : إذ كان هنا دار سكنه وعياله . ( تقرير )
( 1081 ـ تخصيص بعض الزكاة لحفاظ القرآن إذا كانوا فقراء )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابن كنهل قاضي الوادي ...... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصلنا كتابكم رقم 380 وتاريخ 2 – 12 – 77هـ وفهمنا ما جاء فيه ، ونشكر لكم عنايتكم واجتهادكم ، وقد ذكرتم أنكم تعقدون مجالس للذكر ومدارسة القرآن في دبر كل من صلاة الفجر والعصر والمغرب ، وتستحثون الإخوان بطرفكم على حفظ شيء من القرآن عن ظهر قلب .. الخ .. وطلبكم مساعدة هؤلاء الإخوان بشيء يشجعهم على الاستمرار في مواصلة ذلك .
فعليه نفيدكم بأننا مقدرون لكم هذا العمل المجيد ، ونرجو الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير .
وأما من جهة تخصيص مساعدة للمذكورين فإننا نلفت نظركم إلى المنحة الملكية لمن حفظ القرآن ، وسوف تطبق في حق من لديكم إذا تمكنوا من ذلك ، وكذا فإنه باستمرارهم على ذلك فإننا نعدكم بالمراجعة لهم كفقراء بتخصيص شيء من الزكوات لهم . هذا ونرجو الله أن يسدد خطى الجميع ، والله يحفظكم .
رئيس القضاة
( ص ـ ق 5783 - 2 في 20 – 12 – 1377هـ )
(1082 – وللدعوة إلى الله وكشف الشبه عن الدين )
__________
(1) فهذا يعطي من الزكاة ، بخلاف من كان يعكس ما ذكر من الشروط .
(2) أخرجه مسلم عن قبيصة مرفوعا .(4/114)
وها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة ، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله ولكشف الشبه عن الدين ، وهذا يدخل في الجهاد ، هذا من أعظم سبيل الله .
فإن قام ولاة الأمر بذلك فإنه متعين عليهم ، وهذا من أهم مقاصد الولاية التي من أجلها أمر بالسمع والطاعة لحماية حوزة الدين فإذا أخل بذلك من جهة الولاة فواجب على المسلمين أن يعملوا هذا ، لاسيما في هذه السنين ، فقد كان في نجد في كل سنة يبذلون جهاداً لأجل القتوى به ، فلو كان الناس يجمعون منه الشيء الكثير للدعوة إلى الله وقمع المفسدين بالكلام والنشر فإنه يتعين ، وهؤلاء أهل البدع والفساد يعتنون بذلك .
وهنا مثال : الروافض يجمعون أموالا عظيمة ، ويرسلون إلى البلدان شخصاً أو أشخاصاً للدعوة إلى بدعهم ، من ذلك ما جرى في مصر حتى حصل من ذلك ما حصل من الوصول إلى التدريس في مذهب الرافضة المخذول في الأزهر ، فإن القمي من علماء الرافقة هناك منذ عشر سنوات ، أولاً دعا إلى مسألة تقريب المذاهب فكان في مصر هيئة نحو عشرة أشخاص وسعوا فيما شاء الله ، ثم إنه فشل في المسعى ، ثم سعوا في طريق آخر وهو دفع الأموال إلى من له النفوذ ، فدفعوا أموالاً كثيرة . أفلا يكون أشخاص يتبرعون ويجعلون حياتهم لذلك . وفقد هذا دليل واضح على ضعف الإيمان جداً ؛ فإن البلوي عمت ، والناس نظرهم إلى ما يأخذون ولا نظرهم إلى ما يبذلون وينفقون : ثم بلوى التفكك والتباعد في القلوب الشيء الكثير ، ضعف نظر وضعف إيمان بالجامع . والموجود الآن أنه إذا وجد بين فلان وفلان شيء يسير جعله هو الشيء ، يقول في عرضه ، ويتتتبع عوراته، ولو بعضها كذب ، ويقول ، ويقول ؛ وإلا فالعاقل يترك أشياء لأشياء ؛ بل العقل يدل على أن مثل هذه ينبغي أن ترفض ولا يجعل لها موالاة ولا معادات.
( تقرير )
(1083 – من يعطي من بيت المال لوظيفته ولايكفيه يعطي تمامها من الزكاة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة(4/115)
الملك سعود المعظم أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد :
حفظكم الله : قد بلغني عم جلالتكم الأمير عبدالله بن عبد الرحمن عن البحث الدائر حول الزكاة وتأخرها في يد أربابها بما يسبب تلفها أو فواتها ، وأن الذي ينبغي أن تجمع زكاة كل وطن عند وكيل ثقة أمين لتفرق على الفقراء والمساكين فقط . وهذا من نعمة الله عليكم ؛ فإن أحق أصناف الزكاة الثمانية بها هم الفقراء والمساكين . ولا يخفى جلالتكم أن قسماً من الناس ذوي الثروة .
(1084 ـ دفع الزكاة لأخيه ، ولمن يعوله أخوه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن محمد الجبر سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
فقد وصلنا كتابك ، وفهمنا ماتضمنه .
ونفيدكم أنه يجوز أن يصرف لك من زكاة أخيك ما يكفيك ويكفي من تعوله ، وأنت أولى من غيرك بزكاة أخيك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الزكاة المدفوعة للأقارب صدقة وصلة (1) والسلام عليكم .
( ص ـ ف 951 وتاريخ 2 – 8 – 1381هـ )
( 1085 ـ دفعها لأخته ، وأولادها الفقراء ، وزوجها )
" السؤال الخامس " رجل له أخت لأب فقيرة ، وزوجها وأولاجه فقراء : فهل يجوز دفع الزكاة لأخته وأولادها ؟
والجواب : - بما أن الأخت وأولادها فقراء ، وأن الشخص الذي تجب نفقتهم عليه فقير : فيجوز أن يعطوا من الزكاة كفايتهم سنة لأنهم من الصنف الأول من أصناف أهل الزكاة ، قال تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية (2) ووجود القرابة لا أثر له في هذه الصورة ، لأن القريب الذي لا تدفع له الزكاة هو الذي لو مات في الحال ورثه الدافع ، وهذا مفقود هنا .
( ص – ف 302 – 1 في 30 – 7 – 1387هـ )
( 1086 – من أي شيء يعطي أهل البيت النبوي )
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة المالية
__________
(1) كما في الحديث الذي رواه سلمان بن عامر مرفوعاً " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة "
(2) سورة التوبة آية – 60 .(4/116)
والاقتصاد الوطني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
فقد جرى الاطلاع على خطابكم رقم 2095 وتاريخ 15 – 5 – 84هـ المشفوع بخطاب فضيلة رئيس محاكم جيزان رقم 2068 – 1 وتاريخ 12 – 3 – 84هـ بخصوص ذكره أن فقراء آل البيت لهم الحق في الزكاة أسوة بإخوانهم فقراء المسلمين ، حيث أنه ليس هناك فيئ في الوقت الحاضر .
ونفيدكم أنما ذكره فضيلة رئيس محاكم جيزان منأن فقراء آل البيت يعطون من الزكاة إذا لم يكن هناك فيئ صحيح . وحيث أن غالب وارد المالية الآن مقسم إلى ثلاثة أقسام : ( أحدها ) : ما كان من الجمرك وأشباهه . وهذا من الموارد غير المشروعة . ( الثاني ) ما كان زكاة . وهو مورد مشروع ، إلا أنه لا يحل لهم إلا بعد انقطاع واردات الفيئ أو منعهم منه . ( الثالث ) : ما كان في مقابلة خارج الأرض من معادن وزيوت ونحوها ، فهذا مما أفاء الله به على عباده ، فيتعين إعطاؤهم منه ما يكفي فقراءهم . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 1823 – 1 – وتاريخ 11 – 7 – 84هـ )
( 1087 ـ ثم إذا كان الهاشمي فقيراً ، ولاحصل له من الفيء مايسد حالة ، وسهمه من الفيء إما مفقود أو ممنوع ظلماُ . فقد اختلف الناس في حل الزكاة له ، فمن مانع ، ومن مجيز . وكثير من المفاتي في البلاد التي فيها الهاشميون أفتي بأنها تجوز لهم ضرورة ، وهذا هو اختيار الشيخ (1) ( تقرير )
( 1088 ـ من الهاشمي للهاشمي )
" مسألة أخرى " من الهاشمي . فيه خلاف ، وفيه قول وأظنه اختيار الشيخ أنها تحل (2) . ( تقرير )
( 1089 ـ من الهاشمي للهاشمي )
__________
(1) انظر " الاختبارات ص 104 " .
(2) وفي الاختيارات ص 104 : ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين ، وهو محكي عن طائفة من أهل البيت .(4/117)
صدقة التطوع فيها خلاف أيضاً ؛ فإن فيها جنس تطهير . فمنع قوم ، إلحاقاً بالصدقة الواجبة . ومنهم من أباح ذلك . وهذا القول هو الصحيح . أفيمنع بنو هاشم من جميع الإحسان الا. ومن المعلوم أن السقايات التي بين مكة والمدينة يشاركون الناس فيها ولم نسمع أحداً أنكر عليهم ذلك ، أو قال فيها شيئاً. (تقرير)
( 1090 - قوله ومطلبي )
والقول الآخر وهو أصح عدم تحريم الزكاة عليهم كأخويهم بني عبد شمس ونوفل ، واستحقاقهم من الفيء ليس هو من أجل النسب ؛ بل لأجل المعاضدة والنصرة ؛ فإنهم حين حصرهم بقية قريش لم يدخلوا معهم في الشعب ، ولما جاء أحد بني نوفل يطلب مثل ما أعطى بنو المطلب ، قال صلى الله عليه وسلم : " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا في إسلام "(1) .
فدل على أن هذا لأجل النصرة فقط . فكونهم لأجل النصرة يمنعون من الزكاة تكون من باب العقوبة .
فإن قيل : أفلا يكون بنو هاشم كذلك . قيل :لا . هذا لأجل القرابة . وبنو نوفل كني عبد المطلب وكان جد النبي هو هاشم فاختصوا بالقرابة القربي.
……………………( تقرير )
(1091 ـ إذا تصدق بجميع ماله ) :
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد علي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصلتنا برقيتك ، وفهمنا ماتضمنته من أن إنساناً له مال قليل ، وله عائلة، وليس لهم كفاية ولاكسب ، وهو صحيح ، وتسأل : هل له أن يتصدق بماله كله ، أم لا ؟
والجواب : الحمد لله . إذا كان له كسب يكفي عائلته ، وهو صحيح الجسم والعقل ، فلا بأس بتصدقه بجميع ماله . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
(ص ـ ف 354 وتاريخ 22 -3 - 1381هـ)
كتاب الصيام
__________
(1) أخرج البخاري من حديث جبير بن مطعم " قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خبير وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد " .(4/118)
(1092 – الصوم بالرؤية لا بالحساب )
قوله : برؤية الهلال :
وبعض من العلماء يسوغ الصيام بالحساب ، وهو قول في مذهب الشافعي، وأظنه اختيار ابن سريج . ولكن القول عندهم كغيرهم هو ما دلت عليه الأحاديث وما علم بالسنة الثابتة من أنه لا صيام إلا بالرؤية ؛ ولهذا في الحديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " (1) " فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه "(2) (تقرير)
( 1093 – إذا حال دونه غيم أو قتر فلا صيام )
قوله : وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه وهذا قول ابن عمر... الخ .
أما ابن عمر فمشهور عنه ذلك ، ثم في ثبوته عن الآخرين تأمل . وقد ذكر هؤلاء ابن القيم في " الهدى " وذكر زيادة عليهم نحو عشرة وتكلم في أسانيد ما روي عنهم .
وكلام ابن القيم كلام المؤيد ، لا من حيث أنه مدلول السنة ، بل من حيث بيان عدم شذوذ هذا المذهب عن الأصول ؛ لأن هناك مشنعون على مذهب أحمد .
وابن القيم لا يسري هذا القول ولا الشيخ .
فالصحيح في الدليل أنه لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الصريحة في فنس المسألة ما هو استنباط من أحاديث . ولإمام الدعوة في ذلك ما هو معلوم ، وكذلك لحفيده الشيخ عبد الرحمن ، وكذلك للوالد الشيخ عبد اللطيف أجوبة ورسائل مشتملة على الأدلة الشرعية من السنة التي ما أبقت مقالاً لقائل (3) ( تقرير )
( 1094 – ولو صيم لم يجز عن رمضان )
وصل إلى دار الإفتاء سؤال عمن تبين له بعد ما صام يوم الشك أنه من رمضان هل يجزئه ذلك اليوم ، أم لابد من فضائه ؟
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي :
__________
(1) متفق عليه ،ورواه ابو داود والنسائي عن ابن عمر .
(2) رواه مسلم والامام أحمد
(3) انظر الجزء الرابع من " الدر السنية ص 340 - 361(4/119)
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً ، والصلاة والسلام على أفضل الخلق وأحسنهم منهجاً : أيها الصائمون تقبل الله صيامنا وصيامكم وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته . جواباً على هذا السؤال نقول : لا يجزؤه صيام ذلك اليوم بل يتعين عليه قضاؤه ؛ لما روى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدار قطني من طريق صلة بن زفر قال : " كنا عند عمار بن ياسر في اليوم الذي يشك فيه ، فأتي بشاة مصلية ، فقال : كلوا . فتنحي بعض القوم ، فقال له إني صائم فقال عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وأنس . قال : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري ومالك وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه ، ورأى أكثرهم إن صامه فكان من شهور رمضان أن يقضي يوماً مكانه . أ هـ .
ولاشك في تناول أدلة المنع لما إذا حال دون منظر الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين ؛ كما تناولت غيره فالجميع يصدق عليه أنه يوم شك .
وفي " المغني " لابن قدمة : أن المنع من صومه وعدم إجزائه إذا تبين أنه من رمضان هو رواية عن أحمد . قال الموفق : وهو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرويته وافطروا لرويته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوماً " رواه مسلم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن صوم يوم الشك متفق عليه ، وهذا يوم شك ، والأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك . أ هـ .(4/120)
ولقوة رواية منع صوم يوم الشك مطلقاً من ناحية النصوص جنح الإمامان الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن مجدد الدعوة المحمدية شيخ الإسلام محمد بن الوهاب وابنه الشيخ عبد اللطيف إليه في فتاواهما ، في فتوى الشيخ عبد الرحمن : أن المنع هو اختيار شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن : إستدل الأئمة على تحريم صيامه بحديث عمار ، وهو ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي ، عن صلة بن زفر ، قال : " كنا عند عمار بن ياسر وأتي بشاة مصلية فقال كلوا فتنحي بعض القوم فقال عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " قلت : وهذا عند أهل الحديث في حكم المرفعون ، وقد جاء صريحاً في حديث أبي هريرة الأمر بإكمال عدة شعبان ثلاثين إذغمي الهلال ، وهو عند البخاري في صحيحة .
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرويته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " قال الحافظ : وهذا الحديث لا يقبل التأويل ، وذكر أحاديث كثيرة ، منها ما رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان مالا ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم رمضان لرويته فإن غم عليه أتم ثلاثين يوماً ثم صام " وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته صيام الثلاثين إذا غم الهلال ليلته فهذا وغيره من الأحاديث بين أن الحجة مع من أنكر صيام ذلك اليوم إذا غم الهلال ، وأن السنة إكمال شعبان ثلاثين إذا لم يسر الهلال ، وهو اختيار شيخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. أ هـ .(4/121)
وقال الشيخ عبد اللطيف في فتواه في المسألة : ومع منع صومع من الأحاديث الصحيحة النبوية التي تعددت طرقها ما لا يدفعه دافع ، ولا يقاومه مقاوم ، ولا يعارضه معارض ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . أ هـ (1) وبين الشيخ عبد اللطيف أن رواية " فاقدروا له " تفسرها رواية مسلم من حديث ابن عمر " فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين " وروايات " إكمال العدة ثلاثين " .
قال : فتعين ما قاله الجمهور ؛ لأن المجمل يحمل على المفصل ، والمشتبه على المحكم . وإذا تبين مراده صلى الله عليه وسلم تعين ووجب .
والخلاصة أن صيام يوم الشك ممنوع ، ولا يجزئ عن رمضان إذا تبين أنه منه ، ولا تخفى إذا تبين أنه منه ،ولا تخفى علينا الروايات الأخر فيه ، ولكن وقوفاً مع النصوص اكتفينا برواية المنع ، واخترناها . والله أعلم .
( من الفتاوي المذاعة )
( 1095 – الاتحاد في الصوم والفطر )
قوله : وإذ رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم .
من بأقصى المعمورة ومن بسطها ، فإذا رؤي في الصين لزم أهل الأندلس ، كالعكس ، ولا عبرة باختلاف المطالع . هذا أحد القولين في المسألة . والقول الثاني القول باختلاف المطالع ، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين (2) .
حديث " صوموا لرؤيته "
الخطاب لاشك أن أصله للأمة ؛ لكن ليس نصاً في المسألة أن الواحد إذا رآه في أي بلد لزم جميع البلاد ، ولكن تمسك بظاهر العموم ويمكن لأهل القول الآخر أن يقولوا : سمعاً وطاعة ، نحن ما رأيناه ولسنا في بلد رؤيته .
ويقولون : يتصور أن يراه أهل بلد وأهل بلد أخرى متحقق امتناع الرؤية لأجل تباعد القطرين . الأقاليم هنا ليست الأقاليم التخطيطية التي فيها الأرض مقسمة إلى أربعة عشر خطاً ؛ بل الأقاليم الطبيعية .
__________
(1) أنظر " جـ4 ص 350 الدرر السنية " .
(2) وفي الاختيارات : تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا ، فإن اتفقت لزم الصوم ، والا فلا ، وهو الأصح للشافعية ، وقول في مذهب أحمد(4/122)
( 1096 – والخلاف في هذه المسألة لا يضر )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الأستاذ / رشدي ملحس سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
أعيد لكم خطابكم رقم 21 – 5 – 8 – 838 وتاريخ 12/3/ 77 ومشفوعه ورقة المشروع الذي أعد لإجابة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حول البحث في موضوع مواقيت أهلة رمضان والفطر والحج .
وأفيدكم أن هذه مسألة فروعية ، والحق فيها معروف كالشمس . والفصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرويته وأفطروا لرويته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (1) . الخلاف في تطبيق مدلول هذا الحديث وغيره بتأويل ـ إجتهاداً أو تقليداً ـ مثل نظائره في المسائل الفروعية ، وجنس هذا الاختلاف لابد منه في المسائل الفروعية ، ولا يضر .
إنما الهام هو النظر في الأصول العظام التي الاخلال بها هادم للدين من أساسه ، وذلك : مسائل توحيد الله تعالى بإثبات ما أثبت لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات : إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل . وكذلك توحيد الألوهية ، وتوحيد الربوبية . وكذا توحيد الاتباع ، والحكم بين الناس عند النزاع : بأن لا يحاكم إلا إلى الكتاب والسنة ، ولا يحكم إلا بهما . وهذا هو مضمون الشهادتين اللتين هما أساس الملة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، بأن لايعبد إلا الله ، ولايعبد إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن لايحكم عند النزاع إلا ماجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم . هذا هو الحقيق بأن يهتم به وتعقد المجالس والمجتمعات لتحقيقه وتطبيقه .
لذا لا أرى ولا أوافق على هذا المجتمع الذي هو بخصوص النظر فيما يتعلق بأهله الصوم والفطر ونحوهما . وقد درجت القرون السابقة وجنس الخلاف في ذلك موجود ولم يروه من الضار ، ولا مما يحوج إلى الاجتماع للنظر فيه . والسلام عليكم.
__________
(1) وتقدم تخريج البخاري ومسلم له .(4/123)
( ص ت م 513 – 21 في 21 – 3 – 1377هـ)
( 1097 ـ كيف يصوم من لاتغيب عنهم الشمس الا أربع ساعات ولايختفي الضوء ، أولاتغيب عنهم أبداً )
مما يشبه هذا المسألة (1) مسألة الصيام ، وليست مثل هذه وهو بلد " كندا " لهم سؤال من سنوات ، وورد السؤال على الملك وعرض السؤال للجواب عليه ، فبعضهم قرر أنه يقدر لهم مقدار يوم معتدل ويصومون ،وبعضهم أجاب بغير ذلك.
وبلد " كندا " فيه أقوام ينتسبون إلى الإسلام ، وكونه يوجد منهم ما ينقضه ، أولا(2)
فلما كان السنة التي أقبل صيامهم ، وذلك أنه من طلوع الشمس إلى غروبها عشرين ساعة ، وأما بعد الغروب فأظن أن النور يبقى .
…فالمقصود أنه يبقى نور ، ولكنه ما هو كثير ، نور مابين العشاءين باقي ، ويستمر ولا يزول ، إلا أنه إذا أخذ ما أخذ زاد والشمس غائبة .
…وكتب في حق هؤلاء : أن لهم ليل صحيح ، ونها صحيح . فإذا غربت الشمس فيفطرون ويستمرون على الفطر إلى أن يبدأ يزيد نورهم فهو الفجر ، ويستعملون المكيفات ، وإذا قدر أن شخصاً لايقدر فيفطر ويقضي ، وأفتيت بهذا ـ كغيرهم ممن توجد له ضرورة .
…ويوجد في بعض البلدان من توجد عندهم الشمس أياماً عديدة .
وهذا الذي افتينا به (3) وجدنا فيما بعد بعد أنه أفتى بمثل ما أفتينا من غير اتفاق ، ولا أدري بأي شيء عملت تلك البلاد : هل هي بقولنا بالصيام ، أو بفتوى من لا يلزمهم الصيام .
( تقرير )
( نص السؤال وفتوى علماء مكة )
بسم الله الرحمن الرحيم
في 18 جماد الأولى 1368هـ
حضرة الأساتذدة علماء مكة المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
__________
(1) " مسألة " من لا يغيب عنهم الشفق إلا وقد طلع الفجر ، وتقدمت في شروط الصلاة .
(2) هذا بحث آخر .
(3) وهو القول بالصيام . ولم أجد نص الفتوى ، وفيما ذكر هنا كفاية ـ ان شاء الله .(4/124)
أنا مسلم على قولة أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أصل عرب ، والآن محل إقامتي في شمال كندا ، والحمد لله عندنا جامع ، ومواظبين على فرائض الله وسنة رسوله . والآن أطلب الإفادة عن صيام شهر رمضان المبارك ؛ لأن رمضان القادم علينا تكون الأيام عندنا طويلة إلى حد الغاية ؛ لأنه تشرق علينا الشمس 20 ساعة من 24 في النهار والليل ، والقرآن يقول : ( كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الأسود من الفجر ) (1) . لكن الخيط الأبيض لم يزول ، بل إنه يبقى إلى جهة الشمال ، والشمس تغيب من الشمال وتطلع من الشمال ، وتغيب عنا 4 ساعات لاغير ، ولكن يبقى بهجة الضوء في نصف الليل ـ يعني ضوء قليل . ونطلب الإفادة كيف يكون صيامنا ونحن هنا من أصل عرب لانقل عن المائة والخمسين من رجال ونساء وبنين ، وهذا ما لزم عرفناكم ولكم الشكر سلفاً .
الداعي
نجيب علي الحجار
أما أيام الشتاء في هذه البلاد قصيرة جداً ثمان ساعات نهار لا غير في شمال كندا .
الجواب وبالله التوفيق
__________
(1) سورة البقرة آية ـ 187 .(4/125)
إن على أهل تلك الجهة أن يقدروا حصة الفجر تقديراً ، أخذاً من حديث الدجال " أن أول أيامه كسنة ، فسئل عن الصلاة فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم أقدروا لها قدرها " (1) رواه مسلم في صحيحة ، فقياساً على هذا تقدر حصة الفجر آخر الليل ، وحصة العشاء أول الليل تقديراً ، فتجعل نصف ساعة قبل طلوع الشمس هي حصة الفجر التي يجب الإمساك عندها أي قبل طلوع الشمس بنصف ساعة يحرم الأكل والشرب على الصائم والله أعلم . وقد قال الفقهاء بنحو ذلك في البلاد القطبية التي يكون ليلها ونهارها شهوراً ، قال الفقهاء : أنهم يقدرون أوقات الصلاة والصيام تقديراً والله أعلم . قال ذلك علماء مكة المكرمة .
( في م ـ صورة طبق الأصل )
( 1098 – حكم صوم من لاتطلع عندهم الشمس أيام الشتاء مطلقاً )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأستاذ المكرم جاسر العلي الحريش سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك الذي ذكرت فيه أنك تدرس في المانيا الغربية ، وتسأل عن مسألتين مهمتين من مسائل الصيام ، وقد جرى تأملهما ، والجواب عليهما بما يلي :
" المسألة الأولى " ذكرت أن الشمس لا تطلع عندكم أيام الشتاء مطلقاً ، وأما الصيف فالنهار عندكم تسع ساعات فقط ، وتسأل متى يكون فطركم ؟ ومتى يكون إمساككم ؟
والجواب : الحمد لله أما الإمساك فقد قال الله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)(2)
فما دام الليل باقياً فلا حرج على من أكل أو شرب ، والأصل بقاء الليل ، فإذا تبين الفجر لزم الإمساك مع الاحتياط ببضع دقائق قبل تبين الفجر إحتياطاً للعبادة
__________
(1) " ... قلنا يارسول الله فذاك اليوم الذي كسنة اتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا . اقدروا له " أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في حديث طويل .
(2) سورة البقرة آية – 187 .(4/126)
…وأما الفطر فالأصل بقاء النهار ، فلا يفطر حتى يغلب على الظن غروب الشمس ويعرف ذلك بغشيان الظلام واختفاء أنوار الشمس ، فإذا غلب على ظن الإنسان ذلك باجتهاد أو بخبر ثقة جاز له الفطر .
( ص ف 2909 – 1 وتاريخ 1 – 11 – 1384هـ )
( 1099 – س : والذين يأخذون مدة ما تغيب عنهم )
جـ ـ يجب عليهم الصيام ، وينظرون البلاد التي تليهم . ( تقرير )
( 1100 – إذا اشتبه دخول الشخر وخروجه على من بأمريكا أو غيرها فما يجب عليهم )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد الأحمد الرشيد سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابك الذي ذكرت فيه سفركم إلىأمريكا ، وماتلاقون من مصاعب في كيفية اختيار الطريق الأسلم لصحة دينكم . إلى آخره .
والجواب : الحمد لله . مادام أن سفركم لتلك البلد سائغاً ، ولم يبق إلا السؤال عن مسألة جزئية كحكم الصيام ونحوه ، فنقول : أما موضوع الصيام الذي ذكرتم أنه من المشاكل التي تواجهونها في بدء شهر الصيام ونهايته .
فجوابه : أن مالايتم الواجب إلا به فهو واجب ، فيتعين عليكم الاتصال بالجهات المختصة للتحقق عن دخول شهر رمضان وخروجه لأداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام وأداء صيام شهر رمضان بيقين . والسفارة السعودية لديكم تسهل لكم هذه المهمة . فإذا فعلتم ما تقدرون عليه من ذلك فلم تتحصلوا على خبر يقين ، فقد ذكر الفقهاء حكم ما إذا اشتبهت الأشهر على أسير أو مطمور أو بمفازة ونحوها فإنه يتحرى ويجتهد في معرفة شهر رمضان وجوباً كاستقبال القبلة . فإن وافق الشهر أو بعده أجزأ صيامه ، وإن وافق قبله لم يجزء نص عليه الإمام أحمد ؛ لأنه أتي بالعبادة قبل وقتها فلم يجزه كالصلاة فعلى هذا إن سبقتم رمضان فعليكم قضاؤه ، وإن تأخرتم عنه بيوم أجزاكم إلا أن يوافق يوم العيد فلا يجزى صيامه ، بل ولايحل .(4/127)
وأما أجهزة المواصلات الحديثة . فلا بأس من اعتماد مايذاع فيها إذا كان صادراً من المجالس الشرعية بصفة مجزوم بها من الجهات المعنية بمثل هذا.
( ص ـ ف 1071 ـ في 13 – 5 – 1388هـ )
( 1101 ـ قوله : برؤية عدل )
والعدالة في الدخول ظاهرة فقط . أما العدالة في الخروج فهي ظاهراً وباطناً . والعدالة تختلف باختلاف الأزمان والبلدان كما ذكرها الشيخ ، والمعدوم لايعتبر ؛ فإن الناس مفروضة عليهم الأحكام .
والاحتياط في المواطن التي اعتبروا فيها لفظ : أشهد . إعتبار لفظ الشهادة
( تقرير )
( 1102 – ولا يعطي من رآه شيئا )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي وزير الدولة
لشئون رئاسة مجلس الوزراء …………المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 5817 في 25 – 3 – 1381هـ المعطوف على خطاب الديوان الملكي رقم 4 -28 -1390 في 13 – 3 – 1381هـ بشأن زيلعي زرير وما رفعه إلى جلالة الملك ملتمساًُ المكافأة على رؤية هلال شهر شوال عام 1380هـ لذا نفيد معاليكم بأنه لم تجر العادة بصرف شيء من هذا القبيل . والسلام .
رئيس القضاة
( ص ـ ق 1928 – 3 في 13 – 2 – 1381هـ )
(1103 – اثبات رؤية الهلال عند القاضي )
(برقية )
الرياض جلال الملك المعظم……أيده الله
ج 20457 إطلعت على البرقية المرفوعة لجلالتكم من محمد السديري ، بخصوص إفادة رئيس الهية هناك حمد بن الشيخ أنه حضر لديه مسعود بن فرحان وعيسى بن خالد الرويلي ، وشهدا أنهما رأيا هلال شعبان ليلة الخميس ، وقد وثقهما رئيس الهيئة المذكور .(4/128)
قف . أرى حفظكم الله صدور أمركم الكريم بتسيير الشاهدين المذكورين إلى قاضي الرؤية ليثبت رؤيتهما ؛ لخشية أن يكون الشاهدان المذكوران عنيا بقولهما ليلة الخميس مساء الخميس ؛ لأن كثيراً من الناس يسمى الليلة التي تلي يومه الذي غربت شمسه باسم ذلك اليوم ، ولو فرض أنهما بقيا على ادعاء رؤيتهما ليلة الخميس حقيقة فلا تثبت شهادتهما مالم يشهدا بها عند حاكم ويثبتها ، فلابد من تسييرهما إلى قاضي الرؤية لبحث الأمر من جميع نواحية ، ويرفع الحقيقة لجلالتكم .
مفتي المملكة العربية السعودية
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
ص ـ م 869 في 9 – 8 – 1374هـ
( 1104 – العمل بخبر المذياع ( الراديو ) في دخول رمضان ، وخروجه ـ
إذا لم يكن في البلد ولا قريب منها برقية ، وإذا علم صدق نفسه ولم يقبل خبرة في دخوله أو خروجه .. ) .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:(4/129)
فكل بلد ليس بها برقية ولا قريبة من البلد التي بها برقية إذا لم يبلغهم هلال دخول رمضان أو هلال خروجه إلا عن طريق الراديو نقلاً عن الإذاعة السعودية فإنه يسوغ لهم بل يلزمهم صيام ذلك اليوم ، ويشرع في حقهم قيام تلك الليلة . وكذا حكم خروج رمضان لكن ليس ذلك على الإطلاق ؛ بل الذي يتعين على من سمع الخبر عن الإذاعة السعودية أن يرفع ذلك إلى من إليه مرجع تلك البلد في ثبوت الأهلة من طلبة العلم والأمراء . وحينئذ على من هم المرجع في ذلك النظر في حال ذلك المخبر ، فإذا كان مسلماً عدلا (1) ولو ظاهراً ، وكان من أهل الثقة والتثبت فيما ينقله ويخبر به تعين على طالب العلم أو الأمير الذي هو المرجع العمل بذلك ، والأمر بالصيام والقيام ، وكذا حكم الإفطار سواء كان ذلك المخبر الذي اجتمعت فيه الشروط المنوه عنها رجلا واحداً أو أكثر ، وسواء كان حراً أو عبداً ، أو رجلا أو إمرأة ، وسواء كان بلفظ الشهادة ، أو لا ؛ لأن ذلك من باب الخبر لا من باب الشهادة ، وإنما هو إخبار أن الهلال ثبت عند قاض من قضاة المسلمين معتبر وحكم به وعمل بحكمه ونفذ في أنحاء المملكة . والدليل على أن جنس هذا من باب الخبر لا من باب الشهادة حديث ابن عباس : أن رجلاً أعرابياً أتي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه رأى هلال رمضان فقال " أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . قال : نعم . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي في الناس بأن يصوموا من الغد " وفي رواية : " وأن يقوموا تلك الليلة " رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة . ووجه الدلالة منه أن من سمع نداء بلال بذلك اكتفى به شرعاً في ثبوت الهلا ، وكذا من لم يسمع نداء بلال وأخبره شخص بذلك فإنه يثبت عنده الهلال بمجرد ذلك ، وهلم جراً . ولا يشترط في ثبوته في حقه أن يكون شهد عنده بذلك اثنان ، وهذا بين بحمد الله .(4/130)
ويدل عليه أيضاً في مسألة خروج رمضان حديث أبي عمير بن أنس رضي الله عنهما : " أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا هلال الفطر بالأمس ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا ، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم " .
رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه وإسناده صحيح . فأفطر صلى الله عليه وسلم، وأمر بالإفطار ، ومن المعلوم أن المسلمين بالمدينة أفطروا بذلك ، ومستند إفطار أكثرهم ليس هو سماع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار ، وإنما تبلغه الناس بعضهم من بعض ، واكتفوا بمجرد ذلك من غير احتياج إلى أمر آخر وراء ذلك . والنبي صلوات الله وسلامه عليه مراده من أمر الناس بذلك ليس هو أن يذهب اثنان ممن سمعوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقفان على كل فرد ـ فرد من المسلمين يخبر أنه بذلك .
وأما إن لم يكن المخبر الآخذ ن الراديو مستكمل الشروط التي تقدمت لم يسغ العمل بخبره .
لكن إذا علم صدق نفسه وكان ذلك هلال دخول رمضان فإنه يصوم وحده على ماصرح به الفقهاء رحمهم الله في كتبهم ، إلا أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه يرى الصوم . فهي مسألة خلاف ، وهو مبني على أن الهلال هل هو اسم لما ظهر في السماء ؟ أو اسم لما أشتهر بين الناس ؟ واختار هو رحمه الله الثاني .
وإن كان الهلال الذي لم يقبل خبره عنه هلال الفطر فإنه يتعين عليه الصيام مع الناس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون " (1) .
__________
(1) أخرجه أبوداود والترمذي عن أبي هريرة .(4/131)
وعلم مما تقدم أنه ليس لسامع الإذاعة السعودية عن طريق الراديو أن يعمل في نفسه بذلك ؛ بل يرد الأمر إلى مرجعه كما تقدم ؛ بل هذا حكم من رأى الهلال رؤية عين أن لا يعمل بذلك ؛ بل عليه أن يرد ذلك إلىمرجعه ، فإن ثبت برؤيته هلال فذاك ، وإلا ففيه التفصيل السابق . وإذا كان هذا في رؤية الهلال بالعين فكذلك في مسألة أخذه عن الإذاعة بطريق الراديو .
وأما كون الطريق في التبليغ بعض هذه الآلات المودعة القوى الكهربائية مثل اللاسلكي والإذاعة والراديو فلا يضر ذلك الخبر شيئاً ، ولا يفت في اعتباره ؛ لوجود القرائن الدالة الواضحة القوية على صدور ذلك .
وقد كان من المعلوم الاكتفاء بصوت الآلات النارية كالمدفع ونحوه وقد كان مما يستعمل سابقاً عند ملوك المسلمين إشعال نيران في مواضع خاصة منتظمة بعيد بعضها عن بعض بقدر ما يدرك من في الموضع الثاني ضوء تلك النار التي في الموضع الأول ، ثم الثالث مع الثاني كذلك ، وهكذا إلى آخر موضع ، يعلمون بإشعال تلك النار أموراً هامة بناءً على تعميد واعتماد من يشعل تلك النار ، ومن يراها أن ذلك الأمر الهام قد حصل ، كإخبار بمسير عدو ، وأمر مخوف ، وغير ذلك . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبة .
أملاه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ
حرر في 10 – 1 – 1373هـ
( ص ـ م في 10 – 11 – 1373هـ )
( 1105 – من سمعه من الاذاعة اتصل بالقاضي او من يقوم مقامه اولا )
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم نزال العديم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد
فقد وصل إلينا كتابكم بخصوص دخول شهر رمضان أو خروجه إذا لم يثبت إلا بخبر الإذاعة .(4/132)
والجواب : إذا أذيع خبر ثبوت دخول شهر رمضان أو خروجه من الإذاعة السعودية الرسمية فعلى من سمعه أن يتصل بالقاضي ، فإن كان غائباً فوكيله ، وإلا فالأمير يقوم مقامه في مثل هذا ، وبعد التثبت من صحة ما ذكر يجري إعلانه للناس بصفة رسمية ؛ لكن بعد ثبوت ذلك بخبر عدل ثقة ذي فهم وتمييز لما تذيعه الإذاعة .
وأما الحالات التي لا يوجد فيها مرجع مثل من كان وحده في البرية أو في قرية صغيرة ليس فيها مرجع من قاض أو نائبه أو أمير وسمع خبر الإذاعة فيجوز له إذا تيقن الخبر أن يعمل بما تيقنه من صيام أو فطر . أما ماذكرتم عن سفر القاضي عن البلاد في رمضان إلى مكة فسوف يتحقق عنه ويكتب له باللازم إن شاء الله تعالى والسلام .
( ص ـ ف 1694 – 1 في 29 – 8 – 83هـ وهي مختصرة من الأولى )
(1106 – يجوز للقاضي أو من يقوم مقامه إذا تحقق من خبر الإذاعة السعودية إعلان دخول الشهر أو خروجه ، المحلات التي ليس بها قاضي وفيها أمير أولا أمير ولاقاضي ) .
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد كثرت الاستفتاءات وتكرر السؤال عن حكم الصيام والفطر على خبر الإذاعة ، وأصدرنا بذلك عدة فتاوي ، وبعد هذا بلغنا أن بعض الناس لم يتبلغ عن تلك الفتاوي شيئاً ، فرأينا التعميم للجميع عن حكم هذه المسألة الهامة فنقول :
يجوز للقاضي أو من يقوم مقامه إذا تحقق من خبر الإذاعة السعودية إعلان دخول الشهر أو خروجه رسمياً : أن يقرر ثبوت ذلك شرعاً ويأمر الناس بالعمل بمقتضاه ، سواء سمعه بنفسه من الراديو أو ثبت عنده بخبر ثقة عدل ممن له فهم فيما يذاع وتمييز للإذاعة السعودية من غيرها، ويكتفي بواحد ؛ لأن ذلك من باب الخبر والرواية وليس من باب الشهادة ، فإن لم يكن في البلد قاض ولا من يقوم مقامه فالأمير المنصوب يقوم بذلك بعد استشارته من يثق به من أعيان أهل البلد.(4/133)
وأما المحلات التي لايوجد فيها قاضي ولا أمير ـ كبعض القرى الصغار ومن هم في قصر نائي أو في برية ونحو ذلك ـ فيجوز للإنسان إذا تيقن ماذكر من الإذاعة أن يعمل بموجب ماتيقنه ، ومن صدقه من رفقته وغيرهم ووثق بخبره جاز له أن يعمل بموجب خبره ، ومن لم يصدقه فلايلزمه أن يقبل قوله حتى يتيقن ثبوت ذلك .
أما مع وجود القاضي فلا يجوز لأحد أن يفتات ويطلق الرمي بالرصاص إشعاراً بدخول الشهر بمجرد سماعه الخبر من الإذاعة ، لأن ذلك مما يسبب الفوضى بين الناس ، وقد يخطئ فهم الإنسان ، أو تكون الإذاعة التي سمعها غير الإذاعة السعودية ، أو غير ذلك ، وهذا فيه عدة مفاسد ، مع ما فيه من الافتيات على المسئولين ، فلإشعاركم حرر .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 2030 – 1 وتاريخ 8 – 8 – 1384هـ )
(1107 – إذا استمرت العادة أن لايذاع الا ماهو محقق . ماحكم من سمع الخبر من الاذاعة ولم يأخذ به )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الرحمن المانع سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصل إلى كتابكم تاريخ 25 – 9 – 75هـ المتضمن السؤال عن خبر الراديو في دخول رمضان وخروجه إذا كان في بلد ليس فيه لاسلكي : فهل يجب الصيام بقول إذاعة مكة ؟ وكذلك ما حكم من سمع الإذاعة فأصبح مفطراً ؟ وكذلك ما حكم من لم يبلغه خبر الصيام إلا بعد طلوع الشمس وهو لم يأكل ولم يشرب ؟
الجواب : الحمد لله . لا بأس من اعتماد خبر الراديو إذا استمرت العادة أنه لايذاع إلا ماهو محقق وثابت ؛ لأن القصد فيه الثبوت والتحقق ، فكل خبر يغلب على الظن صدقه لما حف به من القرائن وشواهد الأحوال فإنه يقبل . وكل خبر يغلب على الظن كذبه لما يحف به من القرائن وشواهد الحال فإنه يرد .(4/134)
لكن يشترط في سامع الخبر من الراديو عدالته ويقظته وتحققه عما سمعه ، وعن مصدره ، وعن الإذاعة التي سمعه عنها ؛ لاختلاف المحطات الصادر عنها ذلك الخبر في القبول وعدمه ، وذلك بسبب اختلاف المراجع ؛ إذ منها ما يعتمد على خبره في أمور الدين ، ومنها ما هو بخلاف ذلك .
أما حكم من سمع الخبر من الإذاعة ولم يلتفت إليه بل أصبح مفطراً فهذا يعذر ؛ لخفاء مثل ذلك عليه ، ولعدم استقرار الفتوى في ذلك .
أما الذي لم يبلغه الخبر إلا بعد طلوع الشمس وهو لم يأكل ولم يشرب فإنه يمسك حال وصول الخبر إليه ، ويقضي هذا اليوم والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
حرر في 30 - 10 – 1375هـ
( ص ـ ف 709 في 2 – 11 – 1375هـ )
(1108 – المدفع للامساك ، والافطار . والساعة )
س : - تثوير المدفع إعلاماً بالإمساك والإفطار .
جـ : هذه الأمور المشروع كونها تبعاً للأذان ، وهذا هو السنة (1) أما كونه (2)إعلاماً بوقت الصلاة فهذا ظاهر ( تقرير )
قد يكون الذي يثور المدفع عدل ، وقد يكون ليس كذلك ، فلا يفطر على المدفع ، ولا على الساعة ، يصير الناس فطرهم واحد ، وعلى أصل الشريعة ، فيؤذن المؤذن . ( تقرير أيضاً )
(1109 – البرزان والمزمار تستبدل )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو أمير الحدود الشمالية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وردنا من قاضي محكمة طريف كتاب أشار فيه إلى أنه بعد قدومه إلى طريف وجد هناك أداة تسمى بالبرزان والمزمار تستعمل للتنبيه على الإمساك والإفطار في أيام رمضان ، وطلب إلينا الموافقة على استبدال تلك الأداة بما هو متخذ في سائر مدن المملكة للتنبيه على الإمساك والإفطار .
__________
(1) ان الاعتبار بالأذان .
(2) أي الأذان .(4/135)
وعليه وحيث أنما ارتاه القاضي المذكور هو عين الصواب نرى الأمر على من يلزم باتخاذ مايسمى بالطوب (1) يستعمل بدلا مما هو مستعمل هناك ، توحيداً لما هو يستعمل في بقية المدن الأخرى هذا والسلام عليكم .
( ص ـ ف 483 تاريخ 11 – 3 – 1383هـ )
(1110 – إذا ثبت بشهادة عدلين أفطروا . لا عبرة بكبر الأهلة ، وصغرها ، ولا بضعف المنازل )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد الابراهيم اليحيى المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن قضاء صيام يوم الجمعة الموافق غرة شوال ، وذكرت أن بعض الناس قال : يجب قضاؤه ؛ لأن الهلال لم ير ليلة السبت إلى آخر ما ذكرته .
والجواب : لايجب قضاؤه ذلك اليوم ، بل ولا يجوز ؛ لأنه قد ثبت ثبوتاً شرعياً أنه يوم العيد ، وذلك بشهادة رجلين عدلين عند قاض من قضاة المسلمين ، وعمل الناس بذلك في جميع أقطار المملكة وغيرها ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبودود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه قال : " الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون " .
__________
(1) المدفع .(4/136)
وأما مازعمه بعض الناس من صغر الهلال ، وكونه لم ير ليلة السبت فقد قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم : ( باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره ، وأن الله أمده للرؤية ، فإن غم فليكمل ثلاثين ) وقال أبو وائل شقيق بن سلمة : أتانا كتاب عمر بن الخطاب أن الأهلة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلا نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها ، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين ، فإن شهد شاهدان فصوموا وافطروا "(1) وفي معنى هذا جملة أحاديث تبين أنه لا اعتبار للحساب ولا لضعف منازل القمر ، ولكبر الأهلة وصغرها ، وإنما الاعتبار الشرعي بالرؤية الشرعية .
وإذا عرف هذا فمعلوم أن الناس صاموا رمضان ليلة الخميس بعد ثبوت الرؤية شرعاً بشهادة رجلين عدلين ، ولما صاموا تسعاً وعشرين يوماً وثبتت رؤية هلال شوال شرعاً ليلة الجمعة بشهادة رجلين عدليين لزم الناس الفطر بهذا . فمن تجاوز ما ثبت شرعاً فهو عاص آثم أو صاحب شكوك ووساوس ، وكلاهما قد جانب الصواب . والله الموفق يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 3266 – 1 في 23 – 11 – 1385هـ )
(1111 – نقل كلام العلماء في الأفطار إذا صاموا بشهادة اثنين )
وقال الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف :
__________
(1) رواه أحمد والنسائي .(4/137)
وما جرى من البحث في " مسألة الهلال " راجعت كلام بعض العلماء ، وأحببت نقله لك ، والمذاكرة معك ، فقال في " المغني " : ( فصل ) : وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً ولم يروا هلال شوال أفطروا وجهاً واحداً . إنتهى . وذلك مثله في " الشرح الكبير " وزاد : لأن الشهر لايزيد على ثلاثين ، ولحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب . إنتهى . فأطلقا ولم يقيداه بالغيم ، فظهر عدم الفرق وحديث عبد الرحمن بن زيد الذي أشار إليه الشارع هو قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا " وقال في " الفروع " : (فصل) : ومن صام بشاهدين ثلاثين يوماً ولم يره إذا أحد أفطر . وقيل : لا مع صحوه ، واختاره في المستوعب وأبو محمد الجوزي ؛ لأن عدم الهلال يقين فيقدم على الظن وهو الشهادة . إنتهى . وبعد حكاية صاحب التصحيح ماتقدم في الفروع وذكر الخلاف فيما إذا صامو بشهادة واحد ، وأن عدم الإفطار حينئذ هو أحد الوجهين قال : وظاهر كلامه في " الحاويين " أن على هذا الأصحاب ، فإنه قال فيهما : ومن صام بشهادة اثنين ثلاثين يوماً ولم يسره مع الغيم أفطر ، ومع الصحو يصوم الحادي والثلاثين . هذا هو الصحيح ، وقال أصحابنا : له الفطر بعد إكمال الثلاثين صحواً كان أو غيماً . إنتهى .
فقد ظهر أن قول الأصحاب هو الفطر فيها إذا صاموا بشهادة إثنين ثلاثين يوماً فلم يسر الهلال ، سواء كان صحواً أو غيماً ، خلافاً لأبي محمد الجوزي ، وخلافاً لتصحيح صاحب الحاويين وقدمه في الفروع أيضاً كما تقدم ، وذكر بعده الصيام مع الصحو بصيغة التمريض .(4/138)
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في " مختصر الشرح " : وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين فلم يروه أفطروا ؛ لحديث عبدالرحمن ابن زيد ، وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين : أحدهما لايفطرون لحديث عبدالرحمن . إنتهى . فأطلق ولم يقيده بالغيم . وقال في " المحرر " للمجد : وإذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم يروا الهلال لم يفطروا كالصوم بالغيم ، وقيل يفطرون كالصوم بقول عدلين . إنتهى . فذكر الخلاف في الفطر برؤية الواحد ، ولم يذكر خلافا في الفطر برؤية اثنين ، ولم يفرق بين الصحو والغيم .
وقال في " شرح العمدة " : مسألة : وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً أفطروا ؛ لحديث عبد الرحمن بن زيد . إنتهى . فأطلق ولم يقيده بالغيم .
واستقصاء عبارات الأصحاب في ذلك يصعب ، ولا أعلم لأئمة هذه الدعوة شيئاً يخالف ذلك ؛ بل يظهر موافقتهم في ذلك ، قال الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله : هلال رمضان شهد على رؤيته رجلان من أهل الرس ، شهدا برؤيته ليلة الجمعة وجماعتهما يزكونهما ، ونحن نعمل بشهادتهما عند ظهوره إن شاء الله . إنتهى .
وإن وجدت ما يخالف ذلك عمن ذكرنا أو غيرهم فاذكره ؛ لأن القصد من المذاكرة معرفة الحكم للجميع .
وكلام شيخ الإسلام في هذه المسألة مثل كلام الأصحاب ، إلا أنه أوضح وأجلى وأشمل ، فلاجل وضوحه وشموله إكمال شعبان وإكمال رمضان أسوقه ، قال رحمه الله في " شرح العمدة " : أما إذا صاموا بشهادة اثنين ثم أكملوا العدة ولم يروا الهلال أفطروا ؛ لأنه أكثر مافيه الفطر يمضون شهادة اثنين ، وذلك جائز ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " (1) .
يقتضي ذلك ، ولا يقال قد تبين غلطهما لأن هلال التمام لا يخفى على الجميع ، لأنه لو شهد اثنان أنهما رأياه وهو هلال تمام قبل ، فكذلك إذا تضمنت شهادتهما طلوعه . وأما إذا صاموا لإغمام الهلال .
__________
(1) رواه الامام أحمد .(4/139)
سبيل الاحتياط إذا لم تدع إليه ضرورة . هذا إذا لم يكن له تأثير على منع الحمل بسبب امتناع الحيض مطلقاً ، فإن كان فلابد من إذن الزوج . والسلام عليكم .
مفتى الديار السعودية
( ص ـ ف 3624 – 1 في 21 – 11 - 1388هـ )
( 1114 – إذا علم أنه يقدم غدا )
قوله : وإن علم مسافر أنه يقدم غداً لزمه الصوم .
والقول بالوجوب من المفردات ، وقول الثلاثة أنه لايجب ، وهو الموافق للرواية الأخرى عنه ، وهذا هو الصحيح إن شاء الله ، لأنه لم يزل في بقية العذر ، فإنه مادام هكذا فهو في سفر ، مابقي عليه إلا ساعتان ، وقياساً على المسافر في آخر اليوم . فقول الجمهور هو الصواب إن شاء الله من كونه لايجب (تقرير )
" لغز "
لنا رجل مسافر سفر غير معصية ومع ذلك يلزمه الصوم .
الجواب على هذا اللغز أن يقال : هو المسافر سفر غير معصية الذي غلب على ظنه قدومه وطنه غداً (1) .
1115 – مصابون بالسل ( التدرن الرئوي ) منعهم الأطباء من الصيام وبعضهم يقدر عليه )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد الصالح الحمد وزملاء بمستشفى السداد الطائف
السلام عليكم ورحمة وبركاته ،، وبعد : -
فقد اطلعت على الاستفاء الموجه منكم المتضمن السؤال بما نصه : نحن في المستشفى الكثير منا يطيق الصيام ، والأطباء منعونا من الصيام المقتدر وغير المقتدر ، يقولون : إنه يضر صحتكم ، ولا يمكن علاج وصيام : فهل نصوم وندع قولهم ؟ وهل نحن معذرون ونصبر حتى بأذن الله بالفرج ؟ وأيضاً في المستشفى من عليه شهرين وثلاثة أشهر : فهل يمكن إذا أطعم لكل يوم مسكيناً يكفي عن القضاء ؟ أو لابد من القضاء بعد الخروج من المصح . ا هـ السؤال .
__________
(1) قلت : هذا على القول الأول فقط .(4/140)
والجواب : الحمد لله . الفطر مادمتم مرض في المستشفى ولو أطاق منكم من أطاق الصيام لا بأس به ، لافرق بين من هو في مبدأ المرض وأثنائه أو في أخرياته أو في أول البرء ويخشى عليه منه ، لعموم الآية الكريمة : (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر )(1) مع النظر إلى علة إباحة الفطر المذكور في الآية ، وهو إرادة اليسر وعدم إرادة العسر . وحيث كانت هذه المسألة لها أطراف غيرما ذكر فلابد من كتابة جواب فيما بعد إن شاء الله يأتي على المسألة بأطرافها لأن هذا الجواب إنما هو بحسب سؤالكم .
وأما من عليه أيام من رمضان أو شهر أو أكثر وأفطارها لأجل المرض فليس عليه إذا عوفي وقوي على الصوم أكثر من القضاء إذا لم يؤخره عن عام البرء إلى أن يدخل عليه رمضان ، فإن أخره إلى رمضان فعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم _ مدبر أو نصف صاع من غيره ـ والسلام .
( ص ـ ف 598 وتاريخ 23 – 9 – 1375هـ )
(1116 – أجرى عملية نزع الطحال ، ونصحه الأطباء بعدم الصيام )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله الفايز الفوزان سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
بالإشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن مسألة وهي : أجريت عملية نزع الطحال ووصل الوريد البالي بالكية عام 87هـ ، ثم صمت رمضان في هذا العام الذي أجريت فيه العملية ، وجاء أمراض في الكبد والمعدة وراجعت الطبيب وطلب منك أن لا تصوم ، وراجعت عدة أطباء وقالوا هذا من الصيام بعد العملية ، ونصحوك بأن لا تصوم ، ولكنك صمت ، وفي عام 88هـ بعدما جاء شهر رمضان صمت ولكن الأمراض زادت عليك وصعبت عليك أكبر من الأول ، وراجعت أطباء ونصحوك بأن لاتصوم لأن جسمك ضعيف ولايتحمل الصيام ، وأتممت الصيام مع هذه الأمراض مع الدوخان أيضاً . فإذا كنت لا تتحمل الصيام : فهل يجوز لك الفطر ؟ وإذا جاز فما الواجب عليك بدل الصيام ؟
__________
(1) سورة البقرة آية – 184(4/141)
والجواب : يقول الله تعالى : ( لا يكف الله نفساً إلا وسعها )(1) فإذا كنت لا تطيق الصيام فالواجب عليك بدلا عن كل يوم أن تطعم مسكيناً ، هو مد من البر أو نصف صاع من غيره . والسلام .
( ص ـ ف 1242 – 1 في 21 – 6 – 1389هـ )
(1117 ـ مصاب بقرحة في المعدة ونصحوه بترك الصوم )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة أحد رفيده سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصلنا خطابكم ، وبرفقه معروض المدعو " سعيد بن عبود ابن سالم " وفهمنا ما عرضه في سؤال من أنه مصاب بمرض قرحة المعدة منذ ثمان سنوات ، وأنه لا يزال مستمراً على العلاج ، وأن الأطباء بعد الفحوصات والتقارير وجدوا معه ذلك المرض ونصحوه بعدم الصوم تفادياً من تضاعف المرض واستفحاله ، كما فهمنا من كلامه أنه إذا صام يطرحه المرض ولا يستطيع الاستمرار .
وبعد تأمل ما سلف ذكره فنرى أنه والحال ما ذكر له الفطر ، وعليه القضاء بعد شفائه من ذلك المرض فله أن يطعم عن كل يوم من شهر رمضان والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
( ص – ف - 1 في 11 – 9 -1388 هـ )
(1118 – قرار الأطباء يعتبر إذا كان عن علم وخبرة )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرمين عبد الرحمن بن سويلم ورفقائه سلمهم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابكم من لبنان الذي تسألون فيه عن " أربع مسائل " دينية " وقد جرى تأملها والجواب عليها بما يل ي:
" المسألة الأولى " : إذا قرر الأطباء أن صيام رمضان مما يضاعف بعض الأمراض مثل مرض الصدر أو يؤخر البرأ أو يزيد المرض ونهوا المريض عن الصيام لهذه الأسبا ؟
__________
(1) سورة البقرة آية – 186 .(4/142)
والجواب : المنصوص أن الفطر في مثل هذه الحالة جائز إذا كان الاطباء ثقات غير متهمين ، وتقريرهم عن علم وخبرة . وبعض العلماء يشترط إسلام الطبيب المقرر ، وبعضهم لايشترطه .(1) .
(ص – ف 1712 في 1 – 9 – 1363هـ )
(119 – قرار طبيبين مسلمين )
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم مفرح بن علي شهري وفه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصلني كتابك الذي تذكر فيه أنك مصاب بمرض السل الرئوي من مدة ثلاث سنوات ، فأسأل الله سبحانه وتعالى لك الشفاء والعافية . ونذكر بأنه قد قرر طبيبان مسلمان أنك لا تتحمل الصيام بسبب هذا المرض ، وتسأل هل يجوز لك الفطر في رمضان ؟
والجواب : الحمد لله . حيث قد قرر الطبيبان المسلمان تضررك بالصيام فيسوغ لك الفطر ، وقضاء الصوم بعد برئك إن شاء الله والسلام عليكم . تحرر في 26 – 8 – 1377هـ .
وهذا إذا كان الطبيبان المسلمان من أوثق من لديكم . والله الموفق .
( ص – ف 976 في 28 – 8 – 1377هـ )
(1120 _ قبول خبر الطبيب المسلم العدل . وغير المسلم والمسلم غير العدل إذا خفت القرائن ولم يتمكن من سؤال غيره ، أو كان مشتهراًٍُ ) .
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم فوزان العبد العزيز الحمين سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد :
فقد وصلنا كتابك الذي تذكر فيه أنك مصاب بمرض السل ، وتعالجت منه مدة سنتين ، وألزمك الأطباء بترك الصيام شهري رمضان ، وخوفوك بأنك إذا صمت انتكس عليك المرض ، وكذلك أعطوك تقريراً بترك الصيام خمس سنوات . إلى آخر ما ذكرته وتستفتي عن حكم ترك الصيام هذه المدة .
__________
(1) المسألة الثانية ، في الجمع بين الصلاتين للمريض : " والثالثة " في حكم السجود على الأرض في الصلاة إذ منع منه الطبيب ، وتقدمنا " والرابعة " عمن ترك قضاء رمضان . وتأتي في حكم القضاء .(4/143)
والجواب : - الحمد لله . قال الله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر )(1) .
أي ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام أو يؤذيه أو كان في حال سفر فله أن يفطر ، وعليه قضاء عدة ما أفطره من الأيام ، ولهذا قال الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )(2) ونص العلماء على أنه إذا أخبر طبيب مسلم ثقة بأن الصيام مما يضر بهذا المريض أو يمكن منه العلة أو يبطئ البرء ونحو ذلك فإن ترك الصيام في مثل هذه الحالة جائز شرعاً . فإن كان الطبيب غير مسلم أو مسلماً لكنه غير عدل فلا يقبل وجدت الضرورة وحفت القرائن على صدق غير المسلم ونحوه بأن يحس المريض من نفسه بذلك أو يكون مشتهراً أن هذا المرض مما يتمكن بالصيام ويصعب برؤه فحينئذ يجوز ترك الصيام حتى يعافيه الله ويقوي عليه بدون ضرر .
أما ما مضي من الأشهر فعليك قضاؤها بعد البرء ولا كفارة في تأخيرها ؛ لأن ترك لها لاستمرار المرض معك . والسلام عليكم في 15 – 6 – 1378هـ .
( ص ـ ف 551 – 17 – 6 – 1378هـ )
(1121 ـ وبعد المعالجة بزمن طويل مع احساس الانسان بتمام البرء لايقبل قول غير المسلم )
وردنا سؤال من المريض سلطان المصاب بدرن رئوي ، ومعه شهادة من الطبيب المختص بنصحه بعدم الصيام خمس سنوات متتاليات ، ويسألنا عن الحكم في ذلك؟
والجواب : الحمد لله . قبول قول الطبيب المسلم الثقة في هذه الأمور سائغ ، يجوز تأخير الصيام في المدة المذكورة عملا بقوله .
وأما غير المسلم الثقة فلعله يسوغ قبول قوله في مثل هذه المسألة مدة المعالجة وما بعدها بزمن غير طويل للضرورة وهي عدم وجود الطبيب . المسلم الثقة ، وبخلاف مابعد المعالجة بزمن طويل ، لاسيما مع إحساس الإنسان من نفسه بتمام البرء والنشاط والقوة على الصيام وغلبة ظنه أن الصيام لا يسبب زيادة المرض أو تأخير البرء .
__________
(1) سورة البقرة آية – 185 .
(2) سورة ابقرة – 185 .(4/144)
قاله ممليه الفقير إلى الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف . وصلى الله على محمد وآله وصحبة وسلم . حرر في 7 -2 – 1378هـ .
(ص ـ ف 120 في 7/2/ 1378هـ )
(1122 – س : الذي يذود الجراد والدبا هل له الفطر ؟
جـ : له ذلك إذا كان يلحقه مشقة . ووقعت هذه مراراً في رمضان وإذا سئلت ما أرخص في هذا ؛ لأهمية هذه الفريضة ، ولكون العوام لا يبالون ، وإذا وجد ذلك جاء أناس يتر خصون أكثر ، وهكذا ؛ فيعم الضرر في الدين في الإخلال به . والفتوى تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، وإلا فالرخصة دليلها معلوم(1) (تقرير ) .
(1123 – الصيام والفطر في السفر ) :
أختلف العلماء أيهما أفضل : على أقوال . والراجح أن الفطر أفضل ، لقوله : " أولئك العصاة " للذين لم يقبلوا الرخصة (2) " وليس من البر الصيام في السفر"(3) وحديث حمزة بن عمرو (4) .
وهذا بخلاف صيام يوم عاشوراء نص عليه أحمد أنه لا يكره للمسافر ، وقاس عليه بعض صيام يوم عرفة في حق المسافر .
وبعض استظهر أن يقاس عليه كل صوم يوم ليس بواجب كصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وصيام الإثنين والخميس ونحو ذلك .
(تقرير )
( 1124 ـ اذا اشتد به المرض وصار لايشعر بعض الأحيان )
من محمد بن إبراهيم إلى إلى المكرم عبدالرحمن بن محمد بن علي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : _
__________
(1) وتقدمت في أصول الفقه .
(2) روى مسلم عن جابر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه ، فقيل له قد شق عليهم فدعا بقدح من ماء فشرب ، وبلغه أن أناسا صاموا فقال : أولئك العصاة " .
(3) اخرجه البخاري .
(4) ـمخ قتل " يت رسول الله أجد بي قوة على الصوم في السفر ، فهل علي جناح ، فقال هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا حرج عليه " رواه مسلم .(4/145)
فقد وصل إلينا كتابك وملحقه الذي تستفتي به عن صيام والدتك ، وذكرت أنها مرضت تسع سنوات ، اشتد بها المرض في بعضها حتى صارت لا تشعر ولا تستطيع النطق . وخف عنها المرض في بعضها حتى صارت تشعر وتتكلم ، ولكنها لم تصم رمضان كل هذه السنين ، وأخيراً توفيت في آخر شبعان هذه السنة ، ونسأل : هل عليها قضاء ؟ أو إطعام ؟
والجواب : ـ الحمد لله . أما المدة التي هل لا تشعر فيها فالصيام ساقط عنها . وأما المدة التي خف عنها المرض فيها فإن كانت تستطيع الصيام فيها فيطعم عنها عن كل يوم مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره . وإن كانت لم تقدر على الصيام حتى ماتت فلا شيء عليها لا إطعام ولا غيره . والله أعلم .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 2683 – 1 في 19 – 9 – 1385هـ )
(1125 – تبييت النية )
وجوب تبييت النية لصوم كل يوم واجب ، هو الذي عليه الجمهور . أما أبو حنيفة فلا يرى تبييت النية ومن يقول بقوله ، وهم ينوا ذلك على أن سند الحديثين فيهما مقال ، وفهم من كلام ابن القيم ويفهم من كلام شيخه موافقة أبي حنيفة ، وهذا لأمرين : أولاً : قياساً على ما ثبت في النفل . ثانياً : قصة فرضية صيام يوم عاشوراء والاحتياط في قول الجمهور ظاهر وأحوط . وصيام عاشوراء ندب ، ثم فرض ، ثم ندب . ( تقرير )
باب مايفسد الصوم ويوجب الكفارة )
( 1126 – قوله : أو اكتحل )
لكل مايجعل في العين ليلاثم لايجده في ريقه إذا بصق إلا نهاراً فهذا لايضر ؛ لعدم العلم بأنه لم يصل إليه بالنهار ، فإنه يحتمل أنه لما أكتحل بالليل فلا يعلم أنه انتقل نهاراً ، والأصل صحة الصوم ، وشك في وجود المفسد ، فلا يفسد (تقرير)
1126 م ـ س : الأذن :
ج : إن وصل إلى الحاق ، ولا أعرف هل يصل منها شيء أم لا ، فإن قدر وصلوله فكالعين . ( تقرير )
(1127ـ الأبر لا ينبغي للصائم استعمالها بحال )(4/146)
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف إلى حضرة الإمام المكرم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل بارك الله للمسلمين في حياته ، وعمر بالصالحات أوقاته وساعاته ... آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
وبموجب إبلاغ حضرتك البهية جزيل السلام .. وبعد :
حفظك الله بلغني سؤالكم عن لسان العسكري رجالكم عن الإبرة هل تفطر الصائم فمنع الدكتور من استعمالها . أم لا .
فأحببت سلمك الله أن يكون الجواب كتابة . فهذه المسألة قد سألتموني عنها من نحو ثلاث سنوات ، فأجبتكم أني غير جازم فيها بتفطير ، ولا عدمه ، وإلى الآن حفظك الله وأنا مشكل علي ذلك .
نعم الذي أرى أنه لا ينبغي للصائم استعمالها لحال لمشابهتها للمفطرات من بعض الوجوه ، من سألني عن استعمالها صائماً نهيته عن ذلك ، وقلت أخشى أن تكون من المفطرات . وأنت في حفظ الله ورعايته . والسلام . حرر في 12ن 1358
( الديوان الملكي ـ الشئن الداخلية )
( 1128 – الفتوى على المنع من الابر للصائم مطلقاً )
س : الإبرة ؟
جـ : تجتنب ، إلا من ضرورة للصائم مثلها يحل له الفطر ثم الذي يغلب على الظن أنها تفطر ؛ لأنها تنتهي إلى كل شيء من البدن ، إلا أن انتهاءها إلى الجوف كانتهائها إلى غيره ، والمعنى والقوة التي فيها هو أبلغ مما يصل إلى الجوف ؛ فإن مايصل إلى الجوف يوزع على الأعضاء ، وهذه تصل إلى جميع البدن ؛ بل الآن موجودة الإبرة التي يتغذى بها من اشتد مرضه ولم يحصل إطعامه من الفم ، فهي تلحق بالمطعومات . لكن المشهور عند كثير من العلماء في البالد الأخرى عدم التفطير ، ولكن هم لايؤثق من ناحية أن كل ما وجد شيء أنكروه أولاً ، ثم سوغوه أخيراً . أولاً يجرونه على القواعد الشرعية ، ثم إذا أخذ ما شاء الله فتكلم متكلمون بالجهل صاروا إني ذلك وأباحوه :
1128م ـ س : مايفرق بين إبرة العرق وغيرها ؟
جـ : إبرة العرق أبلغ ، والثانية لها اتصال ونفع .(4/147)
ولو قدر أن إبرة غير العرق ما تصل إلى الجوف ؛ لكنها شبيهة بالغذاء ، فهي تغذي وينفذ الدواء كله لجميع البدن .
إنا تفتي كثيراً بالفطر ، وصار بيننا وبين بعض كلام في ذلك ؛ إلا أنه الآن وقبل الآن يبقى شيء في النفس ، ومع القول بالفطر احتياطاً إلا أن التي في العرق أشد ، ولكن الفتوى هي على المنع (1) . ( تقرير )
(1129 ـ التوتين في العضد ، والابرة في العضل والوريد )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة الأرطاوي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
فقد جرى الاطلاع على الاستفهام المرفوع إلينا منكم بعدد 105 وتاريخ 9 – 8 - 1383هـ حول التوتين في العضد هل يفسد به صوم الصائم حيث أنه يصحل معه ابرة بنسلين ، وكذلك استفهامكم هل هناك فرق بين الإبرة في العضل والإبرة في الوريد . إلى آخر ما ذكرت .
ونفيدكم أن التوتين ـ أي التلقيح ضد الجدري ـ بشكله المعروف لدينا لا نرى فيه ما يؤثر على صوم الصائم ، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الصائم لايفطر بقصد وشرط ونحوهما . والمعروف أنه لايحصل مع التوتين إبر كما ذكرتم .
أما استفهامكم عن الإبر ، وهل هناك فرق بالنسبة لصحة الصيام من عدمه بين استعمالها في الوريد واستعمالها في العضل . فللعلماء في ذلك مقال ، والذي يظهر لنا أن إبرة الوريد تفسد الصوم لتحقق دخول مادتها إلى جوف مستعملها ، وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بفساد صيام من أدخل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان (2) إبرة العضل فإنه لا يظهر لنا جواز استعمال الصائم لها ، والأحوط تركها وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
__________
(1) قلت : ومما يرجع المنع مطلقاً أن كل ابرة دواء فيها نسبة من الماء تقل وتكثر ، والماء مفطر ، فإن الصائم ممنوع من الأكل والشرب . ولا يصح قياسها على ما ذكره ابن تيمية في مدارة الجائفة والمأمومة ، لأن تلك بمساحيق .
(2) وفي المسودة : أما ابرة العضل ... الخ .(4/148)
( ص ـ ف 1905 – 1 في 20 – 9 – 1383هـ )
( 1130 – ردع شاربي الدخان في رمضان )
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير المعارف سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد
لنبعث لكم بالأوراق الخاصة بخصوص عكاشة بن أحمد الجعلي ومحمد جعفر وجيه وأبو الخير رفاعي حيث كانوا يشربون الدخان في نهار رمضان عام 87هـ أمام طلاب مدرسة العقيق في منطقة الباحة ، حيث أحلناها إلى فضيلة رئيس محكمة الباحة للقيام نحوهم بما يلزم شرعاً ، إلا أن فضيلته أعاد الأوراق إلينا منتهية بخطابه المتضمن أن مدير تعليم الباحة ذكر أن الثلاثة لم يعودوا هذا العام إلى الباحة ، وأن عكاشة وأبو الخير يعملان في جهاز الوزارة بالرياض والثالث محمد جعفر فيعمل بالمنطقة الشرقية .
وعليه فيتعين عليكم بارك الله فيكم الغيرة لدين الله ، وإلغاء عقود هؤلاء ، فليس في وجودهم مصلحة بجانب ما انطوت عليه نفوسهم من الخبث والفسق وزرع بذور الشر في نفوس الشباب .
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 3214 – 1 في 6 -7 – 1389هـ )
( 1131 – قوله : أو أمذى
وهذا هو المعدود مذهباً .
لكن الراجح هو القول الثاني وهو اختيار جماعة من الأصحاب واختيار الشيخ أنه لا يفطر بذلك ، وإلحاقه بالمني لا يصح ، وبينهما فروق عديدة . (تقرير )
( 1132 ـ داعبها ولم يباشر جسمها ثم أمنى )
من محمد بن ابراهيم إلى المكرم كامل محمود حبيب
………………………سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -(4/149)
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا منك عن " ثلاث مسائل " : إثنتان منها ليست من اختصاص الإفتاء ، وإنما هي خصومة مردها المحكمة . و" الثالثة " : عن رجل دخل على أهله في نهار رمضان وهو صائم فأخذ يداعبها وأنه لم يلحس جسمها لمسا مباشراً ، ثم أنه أمنى إمناءً تماماً . وتسأل عما يترب عليه ؟ ونفيدكم أن صيامه ذلك اليوم فاسد يلزمه قضاؤه ، ولا كفارة عليه إذ الكفارة مخصوصة بالوطئ . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 20 – 1 في 3 – 1 – 1385هـ )
( 1133 – قوله : أفوكر فأنزل )
ولكن مما ينبغي للصائم أن يعدل عنه إذا صار يعرف أنه يؤثر عليه بمذي أو فوق ذلك وهو المني ، كما ينبغي له أن يجتنب كل ما من شأنه الإفساد . (تقرير)
( 1134 ـ الحجامة ، والفسد ، والرعاف ، وقلع الضرب ، واستدعاء خروج الدم من أي موضع ) .
التفطير بالحجامة هو الصحيح ولا يوجد حديث يقاومه .
والصحيح عند أهل الحديث أن احتجام النبي المذكور في حديث ابن عباس في الحج فقط وذكره مع الصوم أو مجموعاً وهم .
(تقرير )
( 1135 – قوله : ولا يفطر بفصد
الصحيح الفطر بالفصد وإلحاقه بالحجامة بجامع أن كلا منهما خروج منفعة من البدن والفصد يكون في بعض البلاد أحسن من الحجامة وفي بعض البلاد بالعكس . ( تقرير )
( 1136 – قوله : ولا رعاف )
تعمده . أما غير المعتمد فلا يفطر بحال عند جميع العلماء ، كالقي إذا ذرعه .
والصواب أنه إذا عالج أنفه حتى أرعف سواء قصد الرعاف فهذا مفطر بكل حال ، أولا بأن عالج أنفه معالجة يحتاجها فأرعف .
ومثله او استدعى خروج الدم من موضع آخر ، ولو ما هو بشرط (1) والضرس كذلك في حق الصائم إذا تعمده ومن المعلوم أنه يخرج منه دم كثير فيفطر بذلك . ( تقرير ) .
( 1137 ـ ويمنع اخراج الدم للفحص وهو صائم )
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة مدير عام استئصال الملاريا المحترم
__________
(1) أي محجم .(4/150)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابكم رقم 3852 وتاريخ 23 – 8 – 1382هـ المتضمن أن فريق الاستكشاف لمشروع استئصال الملاريا يعتزم السفر إلى الوديان المتاخمة لمكة المكرمة ومنطقة الحج لإجراء فحوص على سكان تلك الوديان وأخذ عينات الدم منهم ، وسوف يكون العمل خلال شهر رمضان ، وأن كثيراً من سكان تلك الوديان يمتنعون عن الموافقة على أخذ عينات الدم منهم ، مدعين أن هذا الإجراء يجرح صيامهم ويفطرهم ، وتطلبون الإفادة عن حكم ذلك .
الجواب : الحمد لله . لا يخفى أن الشارع الحكيم الذي أتي بمصالح العباد الدينية والدنيوية والبدنية نهى الصائم عن إخراج الدم ونحوه من جسده رفقاً به وإبقاء عليه ، لأنه إذا كان الصائم ممنوعاً من إدخال شيء من المغذيات والمقويات إلى جوفة طيلة نهار الصيام ، فكان من الحكمة أن ينهى عن إخراج الدم الذي هو قوة ابن آدم وحياته ؛ لهذا ورد النهي عن الحجامة في غير ماحديث . ويقاس على الحجامة لكل ماكان في معناه من فصد العروق لاستخراج الدم وشقها ونحو ذلك.
وهذا الذي سيفعله فريق الاستكشاف لمشروع استئصال الملاريا من جنس فصد العروق ، فينبغي أن يتوقاه الصائم ، ولو لم يكن إلا سداً للذريعة لئلا يحصل التساهل في أمر الصيام ، لاسيما والناس ليسوا في ضرورة إلى إجراء ما ذكر في نهار الصيام ؛ لأن عندهم الليل ، وعندهم بقية السنة أحد عشر شهراً . والسلام.
( ص ـ ف 1382 – 1 في 4 - 7 – 1383هـ )
( 1138 – إذا أكل ناسيا فهل يجب اخباره ؟
لايلزم تذكيره ؛ لأنه لم يفعل منكراً ، هو معذور . والمسألة فيها قولان ، هذا أولاهما . ومن قال إنه واجب فعليه إقامة الدليل .
( تقرير )(4/151)
(1139 – يقضي ـ احتياطا ـ من أكل ظانا أن الشمس قد غربت فتبين أنها لم تغرب . فقد اختلف العلماء في وجوب القضاء عليه ، فقال الجمهور بوجوبه ، مستدلين بما روى مالك عن عمر : أنه أفطر ثم طلعت الشمس ، فقال : الخطب يسير ، وقد اجتهدنا . وزاد عبد الرزاق في روايته من هذا الوجه : نقضي يوماً وله من طريق حنظلة عن أبيه نحوه ، ورواه سعيد بن منصور ، وفيه فقال : من أفطر منكم فليصم يوماً مكانه . وبما روى هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس . قيل لهشام : أمرؤا بالقضاء ؟ قال : بد من قضاء . رواه البخاري .
وقال آخرون : لا قضاء عليهم ، واستدلوا لذلك بما روى زيد ابن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا بعساس فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنه من الليل ، ثم انكشف السحاب فإذا الشمس طالعة ، قال فجعل الناس يقولون نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانفنا لإئم . وممن قال مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانفنا لإثم . وممن قال بهذا القول مجاهد ، والحسن ، وإسحاق ، وأهل الظاهر ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ، وحكى هذا القول عن عروة . وقال ابن خزيمة على قول هشام : بد من قضاء . إنه لم يسنده ، ولم يتبين لي أن عليهم قضاء .
وقال ابن حجر على قول هشام : لا أدري أقضوا ، أم لا . ظاهر هذه الرواية تعارض التي قبلها وهي قوله : فأمروا بالقضاء . وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه . وقال في " الفروع " : صح عن عمر في هذه الصورة روايتان : إحداهما القضاء والأمر ، والثانية لانقضي ما تجانفنا لإثم . وقال : قد كنا جاهلين . فعلى هذا لا قضاء . أهـ .
والأحوط القضاء . والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(4/152)
( ص ـ ف 560 في 2 – 8 – 1376 هـ )
فصل
(1140 ـ جامع وهو لم يعلم أن ذلك اليوم من رمضان )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبدالله بن عبدالرحمن بن حمد الدوسري المحترم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد :
وصلنا كتابك المتضمن السؤال عن رجل جامع زوجته أول يوم من رمضان ، وهو لم يعلم أن ذلك اليوم من رمضان .
والجواب : الحمد لله . المذهب أن عليه القضاء والكفارة . وفيه قول آخر أن ليس عليه كفارة ، لأنه معذور ، اختاره الشيخ تقي الدين وغيره هو الصواب إن شاء الله تعالى . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 1785 – 1في 8 – 7 – 1384هـ )
(1141 – جامع وادعيا الجهل بالتحريم )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي بيشة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد :
إليكم هذا المعروض المقدم إلينا من عايض بن ... الذي ذكر به قصته مع زوجته التي دخل عليها وواقعها في نهار رمضان . ويزعم أنهما جاهلان عاشا في البادية ، ولم يعلما أن الجماع في نهار رمضان حرام ؛ للاطلاع على ماذكر، والتحقيق فيه . فإن كانا صادقين وأنهما يجهلان تحريمه وإلا بلغوهما بوجوب ما يترتب عليهما من القضاء والكفارة على كل منهما إن كانت الزوجة مطاوعة ، وأكملوا ما يلزم حول ذلك .. والسلام .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 791 – 1 في 14 – 3 – 1387هـ )
( 1142 – الصائم إذا جامع وهو مسافر مفطر أو غير مفطر )
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
مفتي الديار السعودية ……حفظه الله آمين
بعد التحية والاحترام .
سؤال يعرض على فضيلتكم . الله سبحانه وتعالى أباح الفطر على المسافر . وإن كان أهله معه ثم جامع أهله وهو بالسفر نهاراً ، فما يكون عليه الحكم الشرعي ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً ، ونسترحم إفادتنا ننتظر ذلك بفارغ الصبر.
مقدمه
إبراهيم فيزوا(4/153)
الجواب : إذا كان مسافراً سفر قصر وكان ذلك السفر غير سفر معصية فإن له الفطر في نهار رمضان ، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ؛ بل عند طائفة من العلماء أنه لا يجزيه لوصام عن صيام رمضان ، والنصوص من الكتاب والسنة الدالة على فطرة بالسفر المذكور لم تفرق في تعاطية المفطرات بين أكل وشرب وجماع بل له تعاطي الجميع من غير فرق . وحينئذ فهذا المجامع المذكور في السؤال لا يلزمه شيء .
بل هنا مسألة أبلغ من ذلك ، وهي أنه لو صام في السفر ثم جامع في هذا الصيام قد صومه فقط ، ولاكفارة عليه لوطئه المذكور ؛ لأنه محكوم بفطرة من حين عزم على الجماع ، فلم يقع جماعه المذكور في صوم لفطره قلبه بعزمه على الجماع . والله أعلم .
قال الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ .
24 – 12 – 1373هـ ( بخط مدير مكتبه الخاص )
( 1143 – إذا تعذر مشترى العبيد )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد المحمد الحمادي سلمه الله
وصلنا كتابك المرفق بصورة وصية جدك عبد العزيز بن محمد الحمادي الذي أوصي بملكه المسى القليثيه في شعيب سمنان بالزلفي يعتق أربعة عبيد بمن سماهم وأضاحي وغيرها ، وذكرت أنكم جمعتم من ريع الملك واعتقتم عبداً واحداً ، ثم جمعتم ما يقارب مبلغ أربعة آلاف ريال وتعذر عليكم مشترى عبد في الوقت الحاضر .
وتسأل : ماذا تصنعون بالفلوس الموجودة ، وأن الملك الآن لا يربع إلا ربعاًُ ضعيفاً نظراً لقلة المياه.(4/154)
والجواب : ـ الحمد لله . المتعين عليكم تنفيذ كل ما أوصى به جدكم من ربع الملك المذكور . وما دام تعذر عليكم مشترى عبيد في الوقت الحاضر ، ولستم بأمل تحصلون عبيداً تباع ، فالذي نراه أنه عند تعذر مشتى العبيد يصار إلى ما في معناه مما ذكره العلماء رحمهم الله تعالى من أوجه البر والإحسان ، والله تعالى إذا علم من العبد صدق النية والعزم على فعل ما تعين عليه وعجزه عنه أثابه الله على نيته ، وأعاضه عما منعه بأشياء هيئها له . وقد قال تعالى في محكم كتابه : (فلا اقتحم العقبة . وما أدراك ما العقبة . فك رقبة . أو إطعام في يوم ذي مسغبة . يتيماً ذا مقربة . أو مسكيناً ذا متربة ) (1) . فقرن تعالى إطعام اليتيم القريب والمسكين المعدم بفك الرقاب مما يدل على أهمية هذا وعظم ثوابه .
وعليه فأنتم تجمعون قيمة العبد ، ثم تتصدقون بها على أفقر من تجدون من قرابة الموصي . وإن كان فيهم أيتام أو مدينون فهم أولى، ولا يحل أن تعطى لأحد من غير المستحقين . والسلام عليكم ورحمة الله .
( ص ـ ف 889 وتاريخ 5 – 4 – 1384هـ )
(باب مايكره ويستحب في الصوم ، وحكم القضاء )
( 1144 ـ قوله : ويكره ترك بقايا الطعام )
ها هنا مسألة أخرى مما يختص بالصوم : ينبغي له التخليل قبل زمن الصوم ، ولا ينبغي له أن يخلل بعد . وذلك أنه يمكن أن يصل شيء إلى فمه فيبتلعه : فكره لذلك . ( تقرير )
قوله : ويقول ما ورد
هذا الذكر ونحوه لا يقال قبل أن يأكل ثم يأكل ؛ بل يأكل ثم يأتي بالذكر المشروع ( تقرير )
( 1145 ـ قضاء الصوم على الترتيب ولو لسبع سنوات ، قضاء الأيام من كل شهر )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن بهدل بن خسان الشمري .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
__________
(1) سورة البلد آية – 11 – 16 .(4/155)
فبشأن ماذكرت في معروضك المقدم إلينا من السؤال عن حكم ما يلزمك شرعاً حول أشهر الصوم من السنين السبع التي أمضيتها تحت العلاج في مستشفيات الخارج ، وعن ما إذا كان هناك ما يوجب كفارة في ذلك .
وجواباً على ما تقدم ذكره . نفيدك أنه مازال الأمر كما ذكرت من كون المدة التي مضت عليكم ولم تصم خلال السنوات السبع نظراً لعدم تمكن حالتك الصحية من أداء ذلك الركن بحكم بقائك مريضاً في المستشفيات فإن الواجب عليك والحالة هذه هو قضا ما فاتك من اشهر الصوم من السنين السبع على الترتيب أولاً بأول ويستحب قضاء الأيم من كل شهر متتابعة ، فإن لم تستطع جاز لك التفريق بين أيام كل شهر . ولا كفارة عليك في ذلك ، لأنك زمن تركك للصوم خلال السنين السبع معذور كما هو الظاهر من سؤالك هذا . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 1977 – 1 في 2 -8 – 1384هـ )
( 1146 ـ تفريق القضاء لأجل المرض )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم بن محمد طاهر مراد سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد : -
جرى اطلاعنا على الاستفتاء الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أن لديكم سيدة تبلغ من العمر قرابة خمسين عاماً ، وأنها أجرت عملية جراحية في عام 1386هـ وأن الطبيب منعها من الصيام ، وأنها الآن تماثلت للشفاء ، وهي مصابة بداء السكر ، ولا تستطيع قضاء الصوم متتابعاً لأنها تتناول العلاج لداء السكر ثلاث مرات في اليوم . إلى آخر ما ذكرت . وتسأل : هل يجوز لها الصيام مفرقاً ؟
والجواب : لابأس بقضاء الصوم مفرقاً ؛ لكن بشرط ألا يأتي شهر رمضان إلا وقد أتمت قضاء ما عليها من صوم ، ثم إن الصوم يعتبر كما ذكر الأطباء من أسباب تقليل كمية السكر . وبالله التوفيق .. والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 2566 – 1 في 15 – 6 – 1387هـ )
( 1147 – أخر الصيام سنتين )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم حماد بن ناصر المرخان المحترم(4/156)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : _
كتابك المؤرخ في 15 - 8 - 86هـ وصل وتستفتي فيه عن الواجب عليك في أنك لم تتمكن من صيام رمضان عام 74هـ إلى الآن بسبب أنك أصبت بكسور في العمود الفقري وشلل في الرجلين ، وأنك صمت رمضان عام 85هـ
والجواب : أن صيام رمضان عام 84هـ واجب عليك إلى الآن لقوله تعالى (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر ) (1)
ولأن برأك مرجو ، فيجب عليك صيامه متى استطعت للآية السابقة .
أما تأخيرك له في عامي 85 ، 86هـ فإن كنت مستطيعاً لصيامه فيجب عليك أن تطعم عن كل يوم مدبر لمسكين ، لقول ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ، وهو قول مالك وأحمد والشافعي . وإن كنت غير مستطيع فلا شيء عليك ، لقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها )(2) والسلام .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 2871 ـ 1 في 12 ـ 10 ـ 1386هـ هـ )
( 1148 ـ إذا كان لا يستطيع الصيام مطلقاً )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي بن محمد القحطاني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : -
فقد جرى الاطلاع على استفتائك المرفوع إلينا منك بتأريخ 14 - 8 - 1383هـ وفيه تستفتي عن " مسألتين " : أولاهما أن عليك صيام رمضان ست سنوات عن ستة أشهر ، وأن هذا الشهر القادم يعتبر السابع ، وأنك لا تستطيع الصيام وأن الأطباء قرروا أن الصيام يضرك ، وتسأل عن ذلك ،وهو عليك إطعام أو نحوه .
__________
(1) \ سورة البقرة آية ـ 185 .
(2) سورة البقرة آية 286 .(4/157)
وجواب هذه المسألة : أنه متى تحقق لديك أن الصيام يضرك وأخبرك بهذا طبيب ثقة فلا بأس من تأخير صيامك إلى وقت تقدر فيه على صيامه بدون أن يؤثر على صحتك ، ولا يضيرك أن تتراكم عليك أشهر الصيام ؛ لأنك معذور بمرضك عجل الله لك الشفاء منه . ولاشيء عليك من إطعام أو غيره . فإن قدر أن هذا المرض يستمر ، وتحقق لديك من تقرير الأطباء أنه لا يرجى برؤه فأنت تطعم عن كل يوم مسكيناً مدبر أو نصف صاع من غيره بعدد أيام الصيام .
( ص ـ ف 1903 ـ 1 في 20 – 9 – 1383هـ )(1) .
( 1149 – وافق قضاء رمضان أول يوم من رمضان وهو يظنه من شعبان )
إذا صام شخص صيام قضاء رمضان في آخر شعبان ، فوافق أن آخر يوم من أيام القضاء يكون من أيام رمضان ، ولم يعلم هذا الشخص عن رؤية هلال رمضان إلا في الصباح لأنه في قرية بعيدة ، فهل يعتبر هذا اليوم قضاء أو أداء.
والجواب : لا يصح قضاء ، ولا أداء ولا نفلاً . أما كونه لا يصح قضاء ولا نفلا فلأن وقت صيام رمضان وقت مضيق ، والمضيق لا يتسع إلا لما شرع فيه ، قال تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )(2) . والأمر يقتضي الوجوب ، فلا يجوز للمكلف أن يتلبس بصيام سواه .
وأما كونه لا يصح أداء فلأن الصائم لم ينو بصيامه هذا أن يكون من رمضان إلا بعدما أصبح ، فلا يصح اعتبارها ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا صيام لمن لم يبيت النيه من الليل )(3) وبناء على ذلك فيلزمه قضاء هذا اليوم من رمضان هذا العام .
__________
(1) المسألة الثانية انه يخشى أن يخرج منه نزيف وهو في الصلاة وتقدمت .
(2) سورة البقرة آية – 185 .
(3) روى الخمسة وصححه الترمذي عن حفصة رضي الله عنها مرفوعاًٍ " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له "(4/158)
وأما اليوم الذي بقي عليه من رمضان عام 86هـ فيلزمه قضاؤه وإذا كان تأخيره حتى أدركه رمضان عام 87هـ لغير عذر فيجب عليه مع القضاء إطعام مسكين واحد وهو مد من البر . وإذا كان لعذر فلا يجب عليه إلا القضاء لا غير... ,السلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 491 - 1 في 14 - 2 - 1388هـ)
( باب صوم التطوع )
(1150 - التوسعة على العيال في يوم عاشوراء )
قوله : ويسن فيه التوسعة على العيال .
هذا لا أصل له ، ولايصح ، وليس هذا مسنوناً بحال ، وجميع الأحاديث الواردة فيه لا تصح ، فتعظيمه بغير الصيام باطل . وهذه التي زيدت سببها مخالفة الرافضة ؛ فإن الرافضة هو عندهم يوم حزن من أجل أنه اليوم الذي قتل فيه السبط الحسين قتل بكر بلاء وطائفة معه من شباب أهل البيت ، وقصد قوم مخالفة الروافض ومغايظتهم فجعلوه عيداً عندهم ؛ ولهذا يعد العوام في نجد " عيد العمر " وهو من تعظيمه . فلا يجوز أن يحزن فيه كما تفعله الرافضة ، ولا يجوز أن يزاد فيه بالسرور فيكون بدعة أيضاً . وهو ليس بعيد أبداً ،هو يوم فضله الله بصومه فقط . ( تقرير )
( 1151 - إذا رأى هلال ذي الحجة فرد قوله لم يصم )
إذا رأى هلال ذي الحجة فرد قوله أوشهد شهود وليسوا عند الحاكم (1) وما يفعله بعض العوام ويشككون ويدعون صوم يوم عرفة لأجل أنه رؤي ؛ فإنه غلط إهمال هذا اليوم ، فإن هذا هو يوم عرفة فلا تؤثر تلك الرؤية شيئاً " صومكم يوم تصومون " (2) ( تقرير )
( 1152 ـ وإذا كان حاجا فلا يصمه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبدالله محمد عبدلي
……………………سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
كتابك الذي تستفتي فيه عن صيام يوم عرفة وصل .
__________
(1) لم يصم يوم عرفة . ويوم عرفة هو اليوم الذي يعرف فيه الناس .
(2) أخرجه الترمذي .(4/159)
والجواب : إذا كان الإنسان حاجاً وكان بعرفة فإنه لا يصومه ، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " نهى عن صوم يوم عرفة بمعرفة " رواه أبو داود .وإذا كان غير حاج أو كان حاجاً وليس بعرفة بل لم يأت إليها إلا متأخراً كبعد المغرب فلا يدخل في النهي . وقد روى أبوقتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ، وصيام يوم عاشوراً إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ؛ رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان .
والحديث الأول خاص ، والثاني عام ، فيجرج الخاص من العام والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 1134 في 19 – 5 – 1388هـ )
(1153 ـ صيام يوم وفطر يوم )
" الثاني(1) " : الذي يصوم يوماً ويفطر يوماً هل هو على حق ؟
والجواب : ـ صيام يوم وفطر يوم هو أفضل الصيام ، لما روى عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً " الحديث رواه البخاري . لكن إنما يكون ذلك في حق من يداوم عليه . وأما الإنسان إذا كان عاجزاً فإنه يداوم على ما يقدر عليه ، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " (2)( ص ـ ف 729 – 1 في 8 – 3 – 1387هـ ) .
( 1154 – س : الاعتمار في رجب الذي يفعله بعض أهل الأمصار )(3) .
جـ : ـ ماله وجه ؛ لكن ليس هذا غريباً مما عليه أهل الأمصار من المنتسبين إلى الإسلام ، فاشية عندهم الوثنية ، فضلا عن غيرها من أمور الخطأ والبدع . (تقرير )
( 1155 – س : المداومة على صيام رجب وشعبان )
__________
(1) من أسئلة الاخت في الله الستة .
(2) متفق عليه عن عائشة .
(3) من تخصيص العمرة في رجب(4/160)
جـ : ـ لم يكن على عهد السلف . والعبادات لها روح ولها جسد ، فالروح كونها على الوجه المشروع ، وأهل البدع ينظرون الجسد الكبير ولو ما فيه روح ، ومثل هذا يكون بدعة كيفية .
( تقرير آداب المشي إلى الصلاة )
(1156 – س : إذا كان الأصل في النهي التحريم فلم صار في الجمعة للكراهة
جـ : لعله لكونه رخص في الشرع في صيامه وصيام يوم معه ، فلو كان حراماً لما ساغ صومه بالكلية ( تقرير ) .
( 1157 – قوله : والسبت
يكره إفزاد يوم السبت بالصوم . علل بعضهم بأنه عيد اليهود . ولكن الأولى وهو الذي يظهر من اختيار الشيخ ويظهر مما علله به ابن عقيل أنه يوم تتخلى فيه اليهود عن الأعمال ويسبتون فيه ، وإذا صامه المسلم فالصوم يقعد عن الأعمال ، الصوم يترك من أجله عمله الذي كان يعمل ؛ لأن الصيام يسبب العطش والجوع ، فيكون مشابهاً لليهود في ترك العمل هذا اليوم ( تقرير )
( 1158 ـ قوله : والشك
إذا كان صحواً . والتحقيق أنه ولو كان هناك غيم فإنه يوم شك للنهي عنه في الأحاديث الصحيحة الدالة على النهي عن صيام يوم ثلاثين من شعبان .
( تقرير )
( 1159 – ليلة القدر )
بعض أهل العلم قال : إنها مرفوعة . والصحيح والمعروف عدم رفعها ؛ إذا لا دليل عليه . ( تقرير )
( باب الاعتكاف )
( 1160 – فتح المحاكم في رمضان ، كغيره )
من عبد العزيز بن ناصر الشعيبي إلى فضيلة شيخنا محمد بن الشيخ إبراهيم الموقر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -(4/161)
ما يخفي أنه قد نزل بساحة المسلمين شهر كريم وموسم عظيم ، جعلنا الله وإياكم فيه من الفائزين . والناس تكثر خصوماتهم ويشتد فيه النزاع ، وذلك والله أعلم بأسباب الذنوب التي يجر بعضها بعضاً ، والمعاهد تعطل فيه ، والمدجارس التابعة للمعارف تغلق ، ومردة الشياطين تصفد . فعلعل فضيلتكم يتفاهم مع جلالة الملك في إغلاق هذا الباب في هذا الشهر ؛ لأن الخصومات كما لا يخفى تسبب آثاماً وتحدث بغضاء وشحناء وبلغم ونزاع طويل في أيام الصيام ، وربما يصدر من الخصوم أشياء تخل بالصيام . فلعلك أثابك الله تسعى في إغلاق هذا الباب ، وتحضى في ثوابه وانكفاف الناس في هذا الشهر ، جعلك الله من الهداة المهتدين ،والدعاة المرشدين ، وأنت أهل لذلك ، وكلمتك مسموعة ، وأمرك نافذ ، وساع بخير . ولا مانع من استثناء الضروريات ، وأنت ما عقبك حسوفه ، ونحن نسترشد دائماً من علمك ، ونستفيد من فوائدك ، والله يتولى جزاءك في الدنيا والآخرة ويوفق إمام المسلمين لما فيه الخير . هذا ما لزم . والله يحفظكم .
( 26 – 8 – 1375هـ ) .
الجواب : وصل إلى كتابكم المؤرخ 26 – 8 – 1375هـ وعلمت ماذكرتم حول التماسكم السعي في إغلاق باب الجلوس للقضاء في رمضان .
وأفيدكم أنني لا أرى ذلك موافقاً ؛ لأن ذلك تعطيلاً لأمور المسلمين ، والقضاء بهذه المثابة علم صالح ، وجهاد ولايخفاكم ماورد في فضل قضاء حوائج المسلمين نرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
( بخط مدير مكتبة الخاص )
(1161 – صيانة المسجد عن عدل السيول عليه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرمين جماعة مسجد الرشودي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -(4/162)
فقد بلغني أن بعض الناس صرف سيل الشارع إلى خلوة مسجدكم خشية دخول السيل إلى البيوت ، وذلك أيام عيد الأضحى عام 1384هـ محتجاً بأن حرمة الأنفس أعظم من حرمة المسجد ، فتعجبت لذلك واستنكرته ؛ لأن المساجد بيوت الله ، وقد قال تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) (1) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتتنظف " رواه الإمام أحمد . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرضت علي أجور أمتي فرأيت فيها القذاة يخرجها الرجل من المسجد " (2) . ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى : إن المساجد تصان عن كل ما تصان منه العين . والسيل إذا دخل المسجد حمل من أوساخ الأسواق مالا يخفى ، وأضر بعرصه المسجد وجدرانه ، وبالمسلمين الذين يأتون للمسجد للصلاة والقراءة وغيرها .
وعلى هذا فلا يحل لأحد إدخال السيل إلى المسجد لمجرد تفادي دخول شيء من السيل إلى بيته .
أما لو قدر أن دخل السيل إلى البيوت فعلا وخشي سقوطها على من فيها من آدميين وغيرهم قبل خروجهم ولا مخلص من ذلك إلا بعدل السيل إلى المسجد فهذا أشبه حال الضرورة ، ومسألتكم لم تبلغ هذا ولا قريباً منه . والسلام عليكم (3)
__________
(1) سورة النور آية – 36 .
(2) أخرجه مسلم وأحمد في المسند وابن ماجه عن أبي ذر .
(3) انظر وجوب عمارة المساجد واحترامها وتعظيمها ، وتحريم الاستهانة بها وتذيرها والاستخفاف بحقها ( من رسالة في الوقف 191 في 26 – 2 = 1377هـ )
لا يجوز تربية الحمام في الحرم ونثر الحبوب له ( انظر فتوى في صيد الحرم 2673 /1 في 27 – 6 – 1387هـ ) .
منع تأجير دكاكين تحت المسجد على من يستعملها فيما لا يتفق مع كرامة المسجد ( انظر فتوى في الوقف 1188 في 23 – 5 – 1388هـ ) .
عمارة المسجد بما لحرام ( انظر فتوى في الوقف 1187 في 18 – 6 – 1389هـ ) .
او من كافر ( 4126 في 26 – 5 – 1385هـ ) و ( 2417 / 2 في 2 – 4 – 1387هـ ) .(4/163)
( ص ـ ف 875 – 1 في 5 – 4 – 1385هـ )
( 1162 – كتابة " الله محمد " في قبلة المسجد )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز . وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصل إلينا كتابكم رقم 3798 وتاريخ 1 – 8 – 86هـ المرفق بما كتبه لكم رئيس هيئة أملج عن كلمة : ( الله ، محمد ) التي وجدها مكتوبة في محراب مسجد الجامع ، واستنكاره لذلك ، وطلبكم الإفادة عن حكم كتابتها في قبلة المسجد
والجواب : ـ الحمد لله . لايجوز أن يكتب في قبلة المصلين شيء يشغلهم ويشوش عليهم ، لأن المصلي مأمور بالخشوع ، وإذا علق في قبلته نقوش أو تصاوير أو كتابة أي شيء أنشغل باله فيها وألهته عن صلاته ، كما في قصة قرام عائشة وأنبجانية أبي جهم وغيرها .
وأما هذه الكلمة بخصوصها وهي : ( الله . محمد ) فإن كان المراد بكتابتها أبتغاء الأجر بها ومشاهدتها وقراءتها فليس في ذلك أجر البتة ؛ لأنها ليست من الذكر في شيء ؟ ، فضلا عن أن هذا التركيب ليس بتركيب عربي فصيح ؛ بل هو تركيب فاسد ؛ لأنها لا تصلح مبتدأ وخبراً ، ولا يصح أن يجعلا متعاطفين . بل لا يصح شرعاً التعبد بذكر يقتصر فيه على كلمة مفردة كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره (1).
__________
(1) قلت : وقد كثر تعليق لوحات في جدران المنازل مكتوب فيها " الله ، محمد " وشاهدت في بعض البلدان الأخرى ياء النداء مقرونة بكل من الاسمين ..(4/164)
فالمتعين ترك كتابة مثل هذه الكلمات في مساجد المسلمين للسلامة مما وقع في ذهن رئيس الهيئة وغيره ممن يتوهمون أن في اقتران اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى في مثل هذا من العبادات مع العلم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم له في نفوسنا من التعظيم والتقدير المكانة التي تليق بمقامه صلى الله عليه وسلم ما هو معلوم معروف ، وقد قرن الله أسمه في جملة مواضع ، كما في الأذان ، والإقامة ، وخطبتي الجمعة ، وغيرها . وذكر أسمه والصلاة عليه شرط من شروط الصلاة لاتصح بدونه ؛ لكن هذا يتبع فيه ما وردت به النصوص ومافي معناها ، ولا يتعداها إلى ما سواها مما ينتحله الخرافيون ويزعمه المبطلون . والله الموفق والسلام .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 3258 ـ 1 في 18 – 11 – 1386هـ )
( 1163 – إنشاد الأشعار في المساجد )
" نهى أن تنشد الأشعار في المساجد " (1) .
يدل على أن ذلك ممنوع ، لكن جاء ما يظن أنه معارض لهذا من إنشاد حسان وغيره شيئاًُ من شعره في المسجد .
وأجاب عمر لما لاحظه فقال : " كنت أنشد وفيه من هو خير منك " فالجمع أن الأشعار التي تتعلق بالدين والرد على المشركين وتحريض المسلمين على الجهاد تجوز . إنما النهي عن الأشعار التي تشتمل على مالايجوز . وفي المسألة بقية كلام قد يكون في المقام شيء من التفصيل أكثر من هذا (تقرير )
( 1164 ـ السوال في المساجد ، والتفصيل فيه )
__________
(1) من حديث ذكر فيه : " النهي عن الشراء والبيع في المسجد ، وأن تنشد فيه ضالة ، وأن ينشد فيه شعر ، ونهي عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة . أخرجه الامام احمد في المسند والأربعة .(4/165)
وهنا بلوى في المساجد وهم الفقراء الذين هم أهل الرحمة ، ولكن لا يجوز أن تنتهك حرمة المسجد ويشوش على الذاكرين بعد الصلاة ، بعضهم يتكلم بصوت مشوه ، أو صاحب عاهة ، وهذا منكر في الحقيقة وصرح شيخ الإسلام ان السؤال في المساجد لا يجوز إلا للحاجة هذه ليست الحاجةالتي يشير إليها . هؤلاء يقصدون المجتمعات أهون لهم من المشي في الأسواق ، وبعضهم معروف أنهم يجمعون ، وبعضهم جاء من وراء البحار .
وهؤلاء إن قيم عليهم إذا فيهم ضعيف البدن أو العقل أو كبير السن فلا يناسب " ثانياً " : أن المقام معهم مقام تشويش .
فالأحسن أن ينظر لهم نظر يكون برفق وبصورة منتظمة ؛ فإن هؤلاء مساكين في الجملة وفيهم إحسان .
وبعض الأحيان نرق لهم : إما أن نتخيل من صوته أنه ضعيف أو غريب ، وبعض نكفه لأجل أن له لساناً . وإن كان يخجلنا أن يترك ، ولكن إذا تكلمنا وهو سيعطي ما صار شيء . فالترك أحسن لو تركوا ( أي المتصدقين )
وكان في الماضي الذي يوجد في المساجد شيء قليل في شهر وشهرين مرة ويصبر حتى يفرغ الجميع ، وهو فقير محتاج فيتساهل فيه مثل التساهل في كون بعض يصلي مع الإمام في الجنازة وهو شيء جائز ؛ لكنه خلاف السنة ، فصفوف الجنائز كصفوف الجماعة .
فالحاصل أن الموجود الآن ما يجوز ، يجب أن ينكر .
وخص منه مسألة معروفة وهي قصة الحي من العرب الذي جاءوا مجتابي النمار ، ما عليهم قمصان إلا السياح فيها جيوب (1) فجاءوا بحالة يهش لهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " رجل بصاع ........ " حتى جمع كوم في المسجد ففرقه صلى الله عليه وسلم فيهم " فهذا ضرورة أن يتكلم لهم بهذا المجمع الذي جمع الناس للصلاة الضرورة لها حال ، والحاجة لها حال .
__________
(1) النمار كل شملة مخططة من مآزر الأعراب فهي نمرة ، وجمعها نمار ، كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض وهي من الصفات الغالية اراد أنه جاء قوم لابسي ازر مخططة من صوف ( أ هـ النهاية لابن الأثير ) .(4/166)
ومن الحاجة الذي يأتي بكتاب وعليه دين ( أربعون ألف ) فلا بأس به ، ولاسيما إذا كان من المشايخ الذين للايكتبون إلا بتثبت . ( تقرير )
( 1165 اللقاء المواعظ في المساجد ـ للاستجداء )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة
………………رئيس محكمة الأحساء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصل إلينا خطابكم رقم 1049 وتاريخ 21 – 6 – 1380هـ عطفاً علىماورد إليكم من رئيس هيئة الأمر بالمعروف في الأحساء بخصوص الشحاذين الذين يقومون في المساجد بإلقاء كلمات مواعظ وتذكير ، ويتذرعون بذلك لسؤال الناس مما في أيديهم ، مع كونهم لا يحسنون إيراد الأحاديث ، ويغيرون من ألفاظها ، ويلحنون فيها لحناً قبيحاً يحيل المعنى ، والإشارة إلى منعهم مما ذكر ، حتى يستأذن المتأهل منهم ممن له الإذن .
والجواب : أن من كان منهم بهذه الصفة فإنه يمنع من تعاطي ما ذكر في المساجد ، لاسيما والسؤال في المسجد محرم إلا عند الضرورة كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي . قال : وأصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحداً كتخطيه رقاب الناس ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكره من حاله ، ولم يجهر جهراً يضر الناس ـ مثل أن سأل والخطيب يخطب أو هم يستعمون علماً يشغلهم عنه ونحو ذلك ـ جاز . فإذا اجتمعت الشروط التي ذكرها شيخ الإسلام جاز السؤال الذي لم يكن بهذه الصفة .
فأما سؤال بهذه الصفة المذكورة وما اشتملت عليه من تحريف الاحاديث واللحن فيها لحناً يحيل المعنى وإيذاء الناس والتشويش عليهم فلا ينبغي إقرارهم عليه ، وإليكم الأوراق مرفقة بهذا ، والسلام عليكم .
( ص ـ ف 1201 في 7 – 8 – 1380هـ )
( 1166 – دخول النساء المساجد باطفالهن مع التحرز )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فهد بن عجلان
…………………سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وبعد : -(4/167)
وصلنا كتابك الذي تسأل فيه عن دخول النساء المساجد بأطفالهن نفيدكم أنه لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان ، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه " ومن ذلك " حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد " .
لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك . والسلام عليكم (1) .
( ص ـ ف 105 في 16 – 10 – 1374هـ)
( 1167 ـ الدخول بالنعال في الحرم ، والصلاة فيها )
" الثالث " : ماحكم الدخول بالنعال في الحرم والصلاة فيها في الحرم وفي سائر المساجد .
والجواب : يجوز ذلك إذا كانت نظافتها متحققة ، والأصل في ذلك مارواه أبو داود في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعله فوضعها عن يساره، فلما رأي ذلك القو ألقوا نعالهم فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : " ما حملكم على إلقائكم نعالكم " قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قد ذراً ، وقال : إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى فيه نعليه قذراً أو أذي فليمسحه وليصل فيهما " وروى أيضاً عن شداد بن أوس عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم"
__________
(1) وتقدمت فتوى في صلاة الجماعة برقم 1660 في 3 – 9 – 1382هـ قال فيها : وجود الصبيان مع النساء لا يوجب منعهن من صلاة التراويح جماعة .(4/168)
وروي أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً " . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 2673 ـ 1 وتاريخ 27 – 6 – 1387هـ )
( 1168 بعد مسحهما على الأرض )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم جميل طه …… سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أنا أناساً يدخلون المساجد في نعالهم ، ويتخطون رقاب المصلين بها . ونسأل عن حكم ذلك؟
ونفيدك : أن دخول المصلي المسجد بنعلين لا بأس به بعد أن يمسحهما على الأرض عند تبة المسجد ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا وطئ الأذى بخفية فطهورهما التراب " رواه أحمد وأبوداود .
أما تخطي رقاب المصلين فغير جائز ، إلا أن يكون إماماً أو يرى فرجة ليست طريقاً فيتخطى إليها ، لقوله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وقد رأى رجلا يتخطى رقاب الناس : " إجلس فقد آذيت " رواه أحمد ، ولما روى سهل بن معاذ مرفوعاً : " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة أتخذ جسراً إلى جهنم " رواه الترمذي .
أما بعد إنتهاء الصلاة والتهيؤ بالخروج فلا بأس بالتخطي وبالله التوفيق... والسلام عليكم .
مفتي البلاد السعودية
( ص ـ ف 2361 – 1 في 11 – 9 – 1384هـ)
( 1169 – يؤدي والنعال في قدميه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم صالح بن محمد لازوري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، وبعد : -
فقد وصلنا خطابك وفهمنا ماذكرت من السؤال عن مؤذن والنعال في قدميه؛ لأن كثيراً من الأخوان حسبما ذكرت اعتراضوا على بعض المؤذنين لما رآه أذن للمغرب وهو منتعل إلىآخره .(4/169)
وجوابنا أن نقول : لامانع من لبس النعال وقت الأذان ، وحتى في الصلاة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه (1) غير أنه ينبغي على المؤذن والمصلي أن يتأكد قبل دخول المسجد من طهارة نعليه ، وطهارتها كما هو معلوم دلكها بالأرض .
وأما الذين اعترضوا فلا علم لديهم ، ولا يجوز لهم الخوض فيما لا علم لهم به.... هذا والسلام .
مفتي الديار السعودية
( ص ـ ف 799 – 1 في 15 – 3 – 1387هـ)
__________
(1) وتقدمت الأحاديث في ذلك .(4/170)
فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبدالرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ
الجزء الخامس : الحج
(الكعبة والمشاعر)(1)
الكعبة
(1170 - ابدال سقف الكعبة الأعلى بسقف أسمنت، وترميم الجدران أو السقف الأسفل من أطيب كسب، منع تذهيب السقف، أو تفضيضه، أو تمويهه).
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه. وبعد: -
__________
(1) هذه نبذة تاريخية وشرعية تتعلق بالكعبة المشرفة والمشاعر المعظمة قدمتها على الفتاوي الخاصة بأحكام المناسك.(5/1)
فقد جرى الاطلاع على قرار الهيئة العلمية – المزلفة من فضيلة الشيخ عبدالملك بن إبراهيم رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحجاز، وفضيلة الشيخ عبدالله بن جاسر، وفضيلة الشيخ علوي عباس مالكي المدرس بالمسجد الحرام، وفضيلة الشيخ محمد الحركان رئيس المحكمة الكبرى بجدة، بمشاركة محمد بن لادن مدير الإنشاءات الحكومية، ومحمد صالح قزاز، والمعلم حسين عجاج، والمهندسين الفنيين طارق الشراف وطه قرملي – المفيد أنهم بعد كشفهم على بيت الله المعظم، ونظرهم فيه النظر الدقيق في سقفه وحيطانه، وجدوا أن البيت المطهر يشتمل على سقفين بينهما فراغ بمقدار متر واحد تقريبًا، وأنهما مكونان من الأخشاب. وظهر لهم أن أكثر هذه الأخشاب قد تآكلت أعوادها مع الزمن، وأن بجدار البيت المطهر عدة تصدعات وأشطاب وبروز في مواقع مختلفة، مما يدل على وجود خلل في الجدار، وخصوصًا في الجدار الشمالي والجدار الغربي، وظاهر به(1) الترميمات السابقة التي حصلت فيه في أزمان مختلفة، وتبين لهم بإجماع الرأي ضرورة تغيير السقف الأعلى وإزالته وعمل سقف مسلح بدلا منه. أما السقف الأسفل فيبقى على وضعه الحاضر بشرط أن يرمم وتغير الأعواد والأخشاب الخاربة، ويوضع أعواد جديدة بدلا منها عنها. كما رأوا تغيير السقف الأعلى بسقف مسطح تعمل تحته ميدة من المسلح تحيط بالجدر جميعها، وترمم الجدر القديمة الترميم اللازم بالطرق الفنية المتبعة، على أن يبقى السقف الثاني الأسفل على وضعه الحاضر، ويرمم ترميمًا كاملا. وكما رأوا أيضًا ضرورة ترميم الكسوة الرخامية المحيطة بالجدار من الداخل وتثبيتها في أماكنها كما كانت، على أن يلاحظ إجراء الترميمات التي تظهر حين مباشرة العمل بما في ذلك السلالم المؤدية إلى السطوح، وعلى ما ذكر حصل التوقيع منهم. وقد ظهر في ما يلي: -
أولاً: أنه لا بأس بما قررته الهيئة ووقعت عليه بهذا الصدد.
__________
(1) كذا بالأصل ولعله وظاهر الترميمات.(5/2)
ثانياً: يمتنع شرعًا أن تظهر الميدة المذكورة في القرار عن سمت حيطان البيت المطهر الأصلية خشية الزيادة في بيت الله تعالى ما ليس منه.
ثالثاً: تكون عمارة البيت المطهر من أطيب كسب.
رابعاً: يمتنع شرعًا أن يذهب السقف أو يفضض أو يموه بأحد النقدين. والله ولي التوفيق.
قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
(الختم)
(ص – م128 في 19 – 1 – 1377هـ)
(1171 – من دخل البريد أو من كنزها)
لقد رأيت أن ألفت نظر جلالتكم بصورة خاصة أني أرى حفظكم الله أن تكون عمارة سقف الكعبة وترميمها من دخل البريد، لأنه أحل وأطيب من غيره. هذا إن لم ير جلالتكم عمارتها من المال الذي بداخل الكعبة. والله يتولاكم.
(الختم)……(ص – م في 15 – 1 – 1377هـ)
(1172 – ابدال الطار الفضي على الحجر بذهب)
فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم
أدام الله بقاكم الطار الذي على الحجر الأسود قد خرب من طول الزمن، وكنا نرى قضه في هذه السنين، ولكنا لا نرى فيه فائدة للترقيع، وهذه حماية للحجر الأسود، وكما يعرفون أدام الله وجودكم أن أعز شيء في الدنيا هو بيت الله الحرام، وحيث أنه من فضة فأنا رأيت أنه يعوض من ذهب. أولاً لياقة بمقامه وحرمته، وثانيًا الذهب أنفع من الفضة. أحببنا إخباركم قبل الابتداء، لأن قصدنا هو المظهر الطيب والمثابة إن شاء الله(1).
(سعود)
(9393 في 16 – 3 – 1375هـ)
(1173 – وصل قطع الحجر الأسود بشريط ذهبي)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان الملكي الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: -
فقد جرى الاطلاع على الأوراق المرفقة بخطاب الديوان العالي رقم 15 – 1 – 916 وتاريخ 9 – 4 – 76 بخصوص الاقتراح الذي تقدم به محمد طاهر الكردي حول إصلاح قطع الحجر الأسود ووصلها بشريط ذهبي يتمكن الناس من تقبيل الحجر.
__________
(1) لم أجد جواب هذا السؤال ويتبين من الفتوى بعده.(5/3)
وأحيطكم علمًا أنما اقترحه من تعرض الحجر الأسود غير وجيه؛ لأن ذلك مما يسبب كونه ملعبة بحسب الاقتراحات. وهو لم يعلل إلا بعدم التمكن من التقبيل تمامًا. ويمكن الحصول على كل الغرض أو بعضه بجعل أعلى الطوق الفضي أقل وأضعف مما هو عليه الآن.
وأما اقتراحه حول مقام إبراهيم وما يلقى فيه من أوراق وغيرها فنحيطكم علمًا أن المقام تحت البحث بما هو أكبر من هذا مما يندرج فيه هذا الاقتراح. والله يحفظكم.
حرر في 11 – 4 – 1376هـ.
(ص – ف 249 في 15- 4 – 1376هـ)
(1174 – تحلية باب الكعبة والميزاب)
قوله: ويحرم أن يحلى مسجد أو يموه سقف أو حائط بنقد.
حتى هذا الذهب الذي على باب الكعبة حرام ولا يحل، وأصل وضعه من بعض الملوك بعدما مضى عصر الصحابة وملوك العدل في الجملة، بعد ذلك حلي باب الكعبة، وإلا فهو لا يجوز، وكذلك الميزاب.
(تقرير)
(1175 – تعليق لوح من ذهب على الكعبة)
الرياض…جلالة الملك المعظم ……أيده الله
ج 18520 أطلعت على البرقية الواردة من إبراهيم السليمان بشأن إقتراح طاهر الكردي عمل لوح من ذهب يعلق بالكعبة مشتملاً على المواد التي ذكرها(1).
وأرفع لجلالتكم أن هذا اقتراح غير سديد، وأنه مخالف للشرع، وليس من تعظيم الكعبة، فإن تعظيمها إنما هو بما عظمها الله به ورسوله، وليس في تعظيم الله ورسوله لها شيء من جنس هذه الأمور أبدا، ونحمد الله إذ وفق جلالتكم لالتماسكم في ذلك الحكم الشرعي وعدم التفاتكم لما يخالف ذلك من الاقتراحات. سدد الله خطاكم، وأطال عمركم.
محمد بن إبراهيم
(ص – م 742 في 18 – 6 – 1375هـ)
__________
(1) وهي كما في السؤال:
1- تاريخ استيلاء الملك الراحل على الحجاز.
2- بيعة جلالتكم بالملك.
3- ايصال ماء عين العزيزية إلى جده وإلى مكة.(5/4)
(1176 – بيع كسوة الكعبة للتبرك بها لا يجوز والكعبة ذاتها لا يتبرك بها. الحكمة في مسح الركنين، وتقبيل الحجر، والالتزام) (1).
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم
أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: -
فقد تلقيت خطابكم رقم 1538 في 14 – 11 – 1379هـ بصدد ثوب الكعبة المشرفة وأحطت علمًا بما فيه.
ومن المعلوم حفظكم الله أنكم حينما تسألونني عن هذه المسألة – أعني مسألة ثوب الكعبة وأمثالها – إنما تسألونني عن الوجه الشرعي لا عن الرأي. وحينئذ أذكر لجلالتكم ما بلغنا من الآثار السلفية في هذا الصدد.
__________
(1) جاء في المسودة المؤرخة في 17 – 12 – 1379هـ ما نصه: وجه إلى سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم بمكة المكرمة في موسم عام 1379هـ سؤال هذا نصه: ما قولكم في ثوب الكعبة إذا خلع لابداله بغيره ما يفعل بالقديم.
فأجاب: من المعلوم أنكم إذ تسألونني إلخ.(5/5)
قال في كتاب "القرى لقاصد أم القرى": باب ما جاء في تجريد كسوة الكعبة وقسمتها بين الحاج وأهل مكة، وبيان حكم بيعها. عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان ينزع ثياب الكعبة في كل سنة فيقسمها على الحاج فيستظلون بها عن الشمس بمكة. وعن ابن أبي مليكة قال: كانت على الكعبة كسي كثيرة من كسوة أهل الجاهلية من الأنطاع والأكسية والأنماط، وكان ركامًا بعضها فوق بعض، فلما كسيت في الإسلام من بيت المال صار يخفف عنها الشيء بعد الشيء، فقال شيبة بن عثمان: لو طرحت عنها ما عليها من كسي الجاهلية حتى لا يكون مما مسه المشركون شيء لنجاسته، فكتب في ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان، فكتب: أن جردها، وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة. قال: فرأيت شيبة جردها حتى لم يبق عليها شيئًا مما كان عليها وخَلقَ جدرانها كلها وطيبها ثم كساها تلك الكسوة التي بعث بها معاوية إليها، وقسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة وكان ابن عباس حاضرًا في المسجد الحرام وهم يجردونها، قال: فما رأيته أنكر ذلك ولا كرهه. وعن ابن أبي جريج، عن عبدالحميد ابن جبير بن شيبة، قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق فخلقها وطيبها. قلت: وما تلك الثياب. قال: من كان نحو أنطاع وحبر، وكان شيبة يكسو منها حتى رأى على امرأة حائض من كسوتها فدفنها في بيت حتى هلكت – يعني الثياب. وعن عطاء بن يسار: قال: قدمت مكة معتمرًا فجلست إلى ابن عباس في صفة زمزم وشيبة يومئذ يجرد الكعبة، قال عطاء بن يسار: فرأيت جدرها، ورأيت خلوقها وطيبها، ورأيت تلك الثياب قد وضعت بالأرض، ورأيت شيبة يومئذ يقسمها، فأخذت يومئذ كساءً من نسج الأعراب، فلم أر ابن عباس أنكر شيئًا مما صنع شيبة. قال عطاء: وكانت قبل هذا لا تجرد، وإنما يخفف عنها بعض كسوتها. وعن عائشة رضي الله عنها: أن شيبة بن عثمان دخل عليها، فقال: يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع عليها فتكثر فنعمد إلى بئار(5/6)
فنحفرها ونعمقها فندفن فيها ثياب الكعبة لئلا تمسها الحائض والجنب. فقالت له عائشة ما أصبت، وبئس ما صنعت، لا تعد لذلك فإن ثياب الكعبة إذا نزعت عنها لا يضرها من لمسها من حائض أو جنب؛ ولكن بعها فاجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل. أهـ.
فاتضح مما قدمناه حكم ثياب الكعبة بعدما تسلب لابدالها بجديدة كما اتضح أنه ليس أحد من السلف يرغب في القطعة من قطع كسوة الكعبة فيتبرك بها. والذين يتولون قسمتها إذ ذاك يقصدون بها سد حاجة الفقراء المحتاجين إلى الاكتساء بها ونحوه لا يقصدون أن يتبركوا بها، ولا يقع ذلك؛ لأن أهل ذلك الزمن يعرفون أنه من المنكرات. أما زمننا هذا زمن الخرافات وزمن الغلو والتبرك بغير الله الذي هو الواقع الآن في كسوة الكعبة، فنجدهم يبيعون القطعة الصغيرة منها بالثمن الكثير على الحاج الغريب لأجل التبرك بها، وهذا لا يجوز، وتمكينهم من ذلك لا يجوز شرعًا؛ بل هو من معاونتهم على الإثم والعدوان. ومعتقدكم بحمد الله ودينكم ودعوتكم هو التوحيد، ومجانبة الشرك، ووسائله من التبرك وغيره.(5/7)
والكعبة نفسها زادها الله تشريفًا لا يتبرك بها؛ ولهذا لا يقبل منها إلا الحجر الأسود فقط، ولا يمسح منها إلا هو والركن اليماني فقط وهذا المسح والتقبيل المقصود منه طاعة رب العالمين واتباع شرعه؛ ليس المراد أن تنال اليد البركة في استلام هذين الركنين، وقد قال الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبل الحجر الأسود: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"(1). وقد ورد في الحديث: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه"(2).
والتزام الكعبة المعروف ليس في التمسح بحال؛ إنما هو إلصاق الخد والصدر واليدين(3): إشتياقًا تارة، وأسفًا على الفراق تارة، وذلاً لله تعالى وخشية تارة أخرى.
ولو تجرد المقام من محذور تبرك الجهال بتلك الكسوة لساغ لولي أمر المسلمين إعطاؤها آل الشيبي، أو تفريقها على فقراء المسلمين كسوة ونحو ذلك. هذا إذا كان أصلها من بيت المال. أما إن كانت من غير بيت المال فحكمها حكم فواضل الأوقاف. لكن إعطاؤها آل الشيبي أو غيرهم ممن يبيعها البيع المعهود الآن قطعًا على الحاج الغريب فيه المحذور الذي قدمنا، وهو التبرك الذي هو من أنواع الشرك. والسلام عليكم ورحمة الله.
__________
(1) أخرجه النسائي.
(2) "الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، أخرجه الخطيب وابن عساكر عن جابر (الجامع الصغير) وقال ابن تيمية ف التدمرية: أن هذا الحديث لم يعرف إلا عن ابن عباس.
(3) روى عمرو بن شعيب عن أبيه. قال طفت مع عبدالله – يعني أباه – فلما جئنا دير الكعبة قلت: ألا تتعوذ قال نعوذ بالله من النار. ثم مضى حتى استلم الحجر فأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبوداود.(5/8)
(ص م 3838 في 2 – 1 – 1380هـ) (1)
(1177 – توسيع المطاف، وازالة بناية بئر زمزم، والمقامات الثلاثة، وتنحية المنبر، وباب بني شيبة، ودفن الحفرة(2) ومنع تقسيم المطاف)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، وبعد: -
فقد جرى الاطلاع على ما رأته وقررته الهيئة العلمية المؤلفة من فضيلة الشيخ عبدالملك بن إبراهيم رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحجاز، والشيخ عبدالله بن جاسر، والسيد فضيلة الشيخ عباس مالكي، وفضيلة الشيخ محمد الحركان رئيس المحكمة الكبرى بجدة، بمشاركة محمد بن لادن مدير الإنشاءات الحكومية، ومحمد صالح القزاز، والمعلم حسين عجاج، والمهندسين الفنيين طارق الشواف وطه قرملي، حول توسيع المطاف، بعد نظرهم فيه النظر الدقيق، وتأملهم فيما حواليه من إزالة بئر زمزم الحالية، وإقامة بناية أخرى مكانها تحت الأرض، بحيث يصير سقفها مساويًا لأرض المطاف، وبحيث تبقى سقاية الحاج من بئر زمزم على وضعها الحاضر، وإزالة المقامات الثلاثة المحيطة بالمطاف، وضم أرضها إلى أرض المطاف، بحيث تكون سعة المطاف دائرية حول الكعبة المطهرة، في حدود الفضاء الذي يحصل بعد إزالة المقامات الثلاثة وبناية بئر زمزم. وما رأوه من أن كلا من مقام إبراهيم والمنبر وباب بني شيبة يبقى. وإرتياؤهم سد الحفرة الموجودة عن يمين الواقف أمام باب الكعبة المكرمة، وأن من المصلحة عمل حاجز دائري بقسم المطاف إلى قسمين: بحيث يكون القسم القريب من الكعبة المطهرة خاصًا بالرجال: والقسم الآخر خاصًا بالنساء. كل ذلك تأملته.وقد ظهر لي ما يلي:
أولاً: جواز دفن الحفرة التي في المطاف عن يمين الواقف أمام الكعبة المطهرة كما في القرار. وهذا قد اتفق عليه في العام الماضي.
__________
(1) ويأتي استحسانه لتعويض آل الشيبني عنها من بيت المال ما يراه كافيًا لتطيب نفوسهم.
(2) المسماة: حفرة التوبة – أو – جفرة التوبة.(5/9)
ثانياً: جواز توسيع المطاف بإدخال المقامات الثلاثة وإدخال بئر زمزم بالشكل المبقي لأصلها كما في القرار المذكور.
ثالثاً: أما ما ذكر في القرار من بقاء مقام إبراهيم والمنبر وباب بني شيبة بصفتهن في المطاف فهذا غير ظاهر. وفيه من التضييق للمطاف، وإيقاع بعض الجهلة في شيء من الاعتقاد الفاسد بالطواف بالمقام، ومضايقة المصلين للطائفين وعكسه وتمكين الجهال من التمسح به وهم مارون في الطواف كما يمسح الركن اليماني والحجر الأسود ما هو معلوم.
وما عرف من التاريخ الصحيح والآثار لموضع حجر المقام مقام إبراهيم والمواقع التي كان بها والتنقلات التي وقعت له لأسباب عديدة يفيد أن لا محذور في تنحيته من مكانه الذي هو به الآن إلى جانب المطاف بعد التوسيع؛ لضرورة الضيق والازدحام الشديد. وهذا هو رأي كثير من العلماء المعاصرين، ولأن المقصود هو الصلاة خلف حجر المقام في أي مكان كان فيه الحجر من المسجد. وبطريق الأولى تنحية المنبر، وباب بني شيبة عن موضعهما الآن.
رابعاً: وأما ما رأته الهيئة: أن من المصلحة عمل حاجز دائري بقسم المطاف إلى قسمين: بحيث يكون القسم القريب من الكعبة المعظمة خاصًا بالرجال، والقسم الآخر خاصًا بالنساء. فهذا فيما يظهر لا يحصل به المقصود المذكور، مع ما فيه من التضييق للمطاف ولاسيما أيام الموسم ومزيد الازدحام... والله ولي التوفيق.
قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(الختم)
(ص – م 3731 في 21-1-1377هـ)
(مقام إبراهيم)
(1178 – اتفاق العلماء مع سماحته على نقل المقام أولا، واستطلاع الآراء)
من محمد من إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة
الملك سعود بن عبدالعزيز المعظم ……أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: -(5/10)
فقد اطلعت على خطاب جلالتكم رقم 27-214-74 تاريخ 16-1-1381هـ وما بطيه، وذلك القرار المرفوع إلى مقام جلالتكم من علماء مكة المكرمة الشيخ علوي مالكي، والشيخ محمد يحيى أمان، والشيخ محمد أمين كتبي، بشأن مقام إبراهيم المتضمن موافقتهم على تنحيته عن موضعه الحالي ونقله إلى مكان آخر من المسجد حتى يتسع المطاف للطائفين.
ونعرض لأنظار جلالتكم أن هذا هو ما نراه ووافقنا عليه، وفقًا لما تقتضيه الأصول الشرعية.
أما ما استطلع جلالتكم رأيي فيه حول انتداب شخص يسافر إلى البلاد الإسلامية للتشاور مع العلماء الموجودين فيها بشأن ذلك. فهذا لا أراه مناسبًا؛ لأنه إذا سافر شخص وقصدهم في بلدانهم وتتبعهم في محلاتهم فإنه مع أن هذا الإجراء سيكون فيه تمديد وتطويل فإنه سيفتح ثغرة كبيرة ومجالاً واسعًا لإحداث أفكار واتصالات من بعضهم مع بعض قد ينشأ عنها تشويش وتوليد أغراض واحتياجات تربك الأمر وتجعل النتيجة عكسية، بل الذي أراه أن يعقد اجتماع في مكة المكرمة يدعى إليه العلماء المشهورين من تلك الأقطار مع العلماء في نجد والحجاز، ويبحث الموضوع بين الجميع، ثم يتخذ بشأنه القرار اللازم. وهذا أسرع وأنجز وأبعد عن تدخل أهل الأغراض. وإن تأخر الاجتماع إلى وقت الحج القادم حتى يشاهدوا ويعاينوا بأنفسهم الزحمة فهو أحسن. وإن رأيتم جلالتكم تعجيله فالنظر والأمر لله ثم لجلالتكم، تولاكم الله بتوفيقه.
(ص – م 240 في 18-1-1381هـ)
الجواب المستقيم
في جواز نقل مقام إبراهيم
(1179 – رسالة مطولة لسماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم في جواز تأخير مقام إبراهيم)(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل في كتابه الكريم (وما جعل عليكم في الدين من حرج) والصلاة والسلام على خاتم رسله، الذي أتى بالحنيفية السمحة، وعلى آله وصحبه، ومن لسبيلهم نهج، وبعد: -
__________
(1) تنبيه: أكثر التعليقات على هذه الرسالة موجودة بالأصل.(5/11)
فإنه لما كثر الوافدون إلى بيت الله الحرام في عصرنا هذا الذي توفر فيه من وسائل نقلهم ما لم يتوفر قبل، وازدادوا زيادة لم تعهد فيما مضى، أدى ذلك إلى وقوع الطائفين في حرج شديد فيما بين المقام وبين البيت، ولذلك قدمت الرابطة الإسلامية رغبتها إلينا في أن نكتب رسالة في حكم تأخير المقام عن ذلك الموضع إلى موضع في المسجد الحرام قريب منه محاذ له رفعًا للحرج، فاستخرت الله تعالى. وكتبت إجابة لها هذه الرسالة. ورتبتها على ما يلي: -
1- …بيان وضع المقام في عهد النبوة، وأن أول من أخره عنه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
2-…إيراد أدلة القائلين بأن موضع المقام هو موضعه في عهد النبوة، والجواب عنها.
3-…سرد العلل التي علل بها تأخير عمر المقام، وترجيح التعليل برفع الحرج عن الطائفين.
4-…بيان حكم تأخير المقام اليوم عن موضعه إلى موضع في المسجد الحرام قريب منه محاذ له.
والله أسأل أن يكون هذا الجواب خالصًا لوجه الكريم. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
بيان موضع المقام في عهد النبوة، وأن أول من أخره عمر بن الخطاب
ثبت عن السلف الصالح أن مقام إبراهيم عليه السلام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه في سقع البيت وأن أول من أخره عن ذلك الموضع عمر بن الخطاب. وممن ثبت ذلك عنه من أعيانهم المذكورون فيما يلي: -(5/12)
1- أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها عند البيهقي، قال في "سننه": أخبرنا أبوالحسن بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبوبكر أحمد بن كامل(1) حدثنا أبواسماعيل محمد بن اسماعيل السلمي. حدثنا أبوثابت، حدثنا الدراردي(2) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة(3)
__________
(1) أحمد بن كامل امام، قال فيه الخطيب في "تاريخ بغداد": سمعت أبا الحسن ابن زرقوية ذكر أحمد بن كامل فقال: لم تر عيناي مثله. وأثنى عليه الخطيب بأنه من العلماء بالأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر وأيام الناس وتواريخ أصحاب الحديث، ولهذا لم يعتبر قول الدارقطني فيه: أنه كان يعتمد على حفظه فيهم. وفي ذلك يقول الذهبي في "الميزان": لينه الدارقطني. وقال: متساهلا، ومشاه غيره، وعلى مراعاة كلام الدارقطني في أحمد بن كامل فتصحيح الحافظين ابن كثير وابن حجر روايته هذه دليل على أنها ليست مما وهم فيه.
(2) هو عبدالعزيز بن محمد بن أبي عبيد المدني من مشاهير المحدثين، تكلم في حفظه بعض أهل الحديث بما لا يؤثر فيه، لما رواه ابن أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل" ص22 عن أبي بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إليه، قال سمعت مصعب الزبيري يقول: كان مالك يوثق الدراوردي. ولما ذكره الحافظ في مقدمة "فتح الباري" من أنه وثقه يحيى بن معين، وعلى بن المديني، واحتج به مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وروى له البخاري حديثين قرنه فيهما بعبد العزيز بن أبي حازم وغيره. وأورد له أحاديث يسيره في المتابعات بصيغة التعليق، ولهذا كتب الحافظ الذهبي في "الميزان" أول اسمه (صح) اشارة إلى أن العمل على توثيقه، جريًا على اصطلاح الذهبي الذي ذكره الحافظ بن حجر في ذلك في "لسان الميزان".
(3) هكذا روى هذا الحديث أبواسماعيل محمد بن اسماعيل السلمي عن أبي ثابت عن الدراودي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه أبوزرعة عن أبي ثابت عن الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه موقوفًا على عروة. ويجمع بين ذلك بأن كلا منهما حدث بما سمع. وفي رواية السلمي زيادة الثقة وهي واجبة القبول.(5/13)
رضي الله عنها أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أهـ. صحيح الحافظ ابن كثير إسناده في تفسيره في الكلام على آية المقام. وقواه الحافظ في "فتح الباري" في كتاب التفسير في الكلام على تلك الآية، قال (ج8 ص137): أخرج البيهقي عن عائشة مثله أي مثل ما روى عن عطاء وغيره من التصاق المقام بالبيت إلى أن أخره عمر بسند قوي، ولفظه: أن المقام كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر. أهـ كلام الفتح.
ولا يرد على جزم رواية أبي ثابت المذكورة. شك رواية يعقوب بن حميد بن كاسب عند الفاكهي. قال يعقوب: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال عبدالعزيز أراه عن عائشة: أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في سقع البيت. فإن يعقوب بن حميد بن كاسب ليس بشيء، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": قريء على العباس بن محمد الدوري أنه سأل يحيى بن معين عن يعقوب بن كاسب فقال ليس بشيء. وقال أيضًا: سمعت أبي يقول: هو ضعيف الحديث. وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": يعقوب بن حميد بن كاسب ليس بشيء مكي. وقال العقيلي في "الضعفاء": حدثنا زكريا الحلواني قال: رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقايات على ظهور كتبه: وسألته عنه: فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول فدفعنا، ثم أخرجها بعد فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها. أهـ.(5/14)
عروة بن الزبير. قال عبدالرازق في "مصنفه": عن معمر: عن هشام بن عروة: عن أبيه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر بعض خلافته كانوا يصلون صقع البيت حتى صلى عمر خلف المقام". وأصرح من هذه الرواية ما روى عبدالرحمن بن أبي حاتم في "العلل" عن أبي زرعة: عن أبي ثابت. عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه: "أن المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه" وتقدم هذا الحديث رواه أبواسماعيل محمد بن اسماعيل السلمي. عن أبي ثابت، عن الدارودري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. والروايتان ثابتتان، فدل ذلك على أن عروة روى هذا الحديث عن خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فكان يحدث به عنها تارة، ويتكلم به تارة أخرى من غير أن يسنده إليها. فروى عنه بالوجهين.
عطاء وغيره من أصحاب ابن جريح عند عبدالرازق، قال في "مصنفه": عن ابن جريح. قال سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون أن عمر أول من رفع المقام فوضعه موضعه الآن، وإنما كان في قبل الكعبة. صحح الحافظ ابن حجر العسقلاني إسناده في "فتح الباري ج8 ص137" قال في كلامه على المقام في "كتاب التفسير": كان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر إلى المكان الذي هو فيه الآن، أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه" بسند صحيح عن عطاء وغيره.أهـ.(5/15)
ومعنى قول ابن جريج: "يزعمون". يقولون. من باب استعمال الزعم في القول المحقق، نظير ما رواه البخاري في صحيحه في (باب إذا حرم طعامًا) وقوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) (1) قال البخاري: حدثنا الحسن ابن محمد، حدثنا الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا" الحديث. وذكر الحافظ في شرح قول الراوي: زعم عطاء: أن أهل الحجاز يطلقون الزعم بمعنى القول، وقرر الحافظ هو والنووي أن ذلك الاستعمال كثير. قال النووي في شرح قول ضمام ابن ثعلبة: "يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك" قال: قوله: "زعم" و "تزعم" مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه دليل على أن "زعم" ليس مخصوصًا بالكذب والقول المشكوك فيه؛ بل يكون أيضًا في القو المحقق والصدق الذي لاشك فيه، وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زعم جبريل كذا". وقد أكثر سيبويه وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله: زعم الخليل، زعم أبوالخطاب، يريد بذلك القول المحقق، وقد نقل ذلك جماعات من أهل اللغة وغيرهم، ونقله أبوعمرو الزاهد في "شرح الفصيح" عن شيخه أبي العباس ثعلب، عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين. أهـ. وقال الحافظ في "الفتح" في كتاب العلم في شرح قول ضمام بن ثعلبة المتقدم: إن الزعم يطلق على القول المحقق أيضًا، كما نقله أبوعمرو الزاهد في "شرح فصيح ثعلب". وأكثر سيبويه من قوله: زعم الخليل. في مقام الاحتجاج. ومما استدل به الحافظ في "فتح الباري" لاستعمال الزعم بمعنى القول المحقق قول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في حديثه في المواقيت: "ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم" يعني
__________
(1) سورة التحريم آية -1.(5/16)
ابن عمر بقوله "يزعمون" الصحابة. قلت: ويشهد لكون "يزعمون" في رواية عبدالرزاق المتقدمة عن ابن جريج عن عطاء وغيره من أصحاب ابن جريج بمعنى القول المحقق رواية عبدالرزاق الأخرى التي ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) (1) فإنه قال: عبدالرزاق، حدثني ابن جريج، عن عطاء وغيره من أصحابنا، قالوا: أول من نقله – أي المقام – عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقول ابن جريج في هذه الرواية: "قالوا" يفسر قوله في الرواية الأولى: "يزعمون"(2).
__________
(1) سورة البقرة آية - 125
(2) لا يرد على ما ذكره من اطلاق الزعم على القول المحقق ما روى أبوداود عن أبي قلابة، قال أبومسعود لأبي عبدالله أو أبوعبدالله لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في "زعموا" قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس مطية الرجل" فإن هذا الحديث منقطع السند، لأن أبا قلابة لم يسمع من حذيفة المكني فيه أبي عبدالله ولا من أبي مسعود رضي الله عنهما كما نقله المنذري في "مختصر سنن أبي داود" عن كتاب "الأطراف" لأبي القاسم الدمشقي. وفي "فتح الباري" للحافظ ابن حجر: أن البخاري أشار إلى تضعيف هذا الحديث بإيراد قول أم هاني في شأن ابن هبيرة: "قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته" في باب ما جاء في زعموا. وأيد الحافظ ما أشار إليه البخاري يقول ضمام بن ثعلبة في حديثه: "يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك".(5/17)
مجاهد عند عبدالرزاق، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) (1) قال عبدالرزاق، عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. صححه الحافظ في "فتح الباري – في كتاب التفسير ج8 ص137" وذكر ابن كثير في تفسيره أنه أصح مما في رواية ابن مردوية عن مجاهد من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله(2) وعبارة ابن كثير بعد ذكر أثر مجاهد هذا: هذا أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضاده بما تقدم .أهـ. يعني ابن كثير بما تقدم الآثار التي أوردها قبل ذلك بأسانيد قوية عن عائشة وعطاء وغيره من أصحاب ابن جريج وسفيان بن عيينه.
بعض مشايخ مالك، ففي "المدونة" في ج2 في قطع شجر الحرم من "كتاب الحج" ما نصه: قال مالك: بلغني أن عمر ابن الخطاب لما ولي وحج ودخل مكة أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم، كان ملصقًا بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وقبل ذلك، وكان قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل، فلما ولي عمر أخرج أخيوطة كانت في خزانة الكعبة قد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت إذ قدموه مخافة السيل، فقاسه عمر، فأخرجه إلى موضعه اليوم، فهذا موضعه الذي كان فيه في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم. أهـ.
__________
(1) سورة البقرة آية - 125
(2) ذكرها ابن كثير في تفسيره قال: قال الحافظ أبوبكر بن مردويه "أخبرنا ابن عمر وهو أحمد بن محمد بن حكيم، أخبرنا محمد بن عبدالوهاب بن أبي تمام، أخبرنا آدم وهو ابن أبي اياس في تفسيره، أخبرنا عن ابراهيم بن المهاجر، عن مجاهد، قال: قال: عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا، قال مجاهد: وكان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن، وسيأتي الكلام على هذه الرواية مبسوطًا.(5/18)
سفيان بن عيينة عند ابن أبي حاتم في تفسيره، قال فلي تفسير قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) حدثنا ابن أبي عمر العدني(1) قال: قال
__________
(1) ابن أبي عمر العدني، هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، من أئمة العلم، قال الترمذي في "جامعه" في (باب لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) بعد ما روى حديثًا عنه: سمعت ابن أبي عمر يقول: اختلفت إلى ابن عيينة ثمان عشرة سنة، وكان الحميدي أكبر مني بسنة، وسمعت ابن أبي عمر يقول: حججت سبعين حجة ماشيا، وروى عبدالرحمن بن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" عن أحمد بن سهل الاسفرائني، قال سمعت أحمد بن حنبل وسئل عمن يكتب؟ فقال أما بمكة فابن أبي عمر، ولهذا لم يمنع المحدثين من الرواية عنه قول أبي حاتم فيه: كان رجلاً صالحًا به غفلة، ورأيت عنده حديثًا موضوعًا حدث به عن ابن عيينة وكان صدوقًا، بل اعتنى المحدثون بالرواية عنه، حتى قال صاحب الزهرة كما في "تهذيب التهذيب": روى عنه مسلم مأتي حديث وستة عشر حديثًا. وروى عنه الترمذي وابن ماجة، وروى النسائي عنه بوسائط، وذكر له البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة في الجمعة متابعة عقب حديث شعيب. عن الزهري، عن عروة، عن أبي حميد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عشية بعد الصلاة فتشهد واثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد" قال البخاري عقب هذا: تابعه العدني عن سفيان في "أما بعد" يقصد البخاري بالعدني محمد بن يحيى هذا، بدليل رواية مسلم ذلك الحديث في صحيحه عن محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني هذا، عن سفيان بن عيينة، عن هشام كذلك. وممن روى عن العدني أبوحاتم الذي صدرت منه تلك الكلمة، روى عنه الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، ورواه عن أبي حاتم ابنه عبدالرحمن في التفسير الذي التزم فيه ايراد الأصح. وبذلك تبين أيضًا أن هذا الحديث ليس بذلك الموضوع الذي شاهده أبوحاتم عند العدني: إذ لو كان كذلك لم يروه ابنه في تفسير التزام فيه الأصح.(5/19)
سفيان(1): كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه. وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا. صحح الحافظ في "فتح الباري" إسناده في "كتاب التفسير ج8 ص137" في شرح باب قول
__________
(1) هو ابن عيينة أحد أئمة الاسلام، أجمعت الأمة على الاحتجاج به وأما ما رواه محمد بن عبدالله بن عمار الموصلي، عن يحيى بن سعيد القطان، قال: أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة، من سمع منه فيها فسماعه لاشيء. فهذا الخبر استبعده الذهبي في "الميزان" قال: أنا استبعده. وأعده غلطًا من ابن عمار: فإن القطان مات في صفر سنة ثمان وتسعين وقت قدوم الحجاج ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان ثم يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به، ثم قال: فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع مع أن يحيى معنت جدا في الرجال، وسفيان ثقة مطلقًا. قال: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع – أي التي اختلط فيها – وأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحد، فإنه توفى قبل قدوم الحجاج بأربعة أشهر. أهـ ما ذكره الذهبي، وأقره عليه الحافظ العراقي في كتبه الثلاثة "شرح ألفية المصطلح" فاستفدنا من ذلك استبعاد الذهبي والعراقي رواية ابن عمار اختلاط ابن عيينة، واعتبارهما أياها على فرض ثبوتها من قبيل تعنت يحيى في الرجال. وقد ناقش الحافظ ابن حجر الذهبي حول استبعاد اختلاط ابن عيينة في التاريخ الذي ذكره ابن عمار بما لا يؤثر في الرواية التي نحن بصدد تقويتها مادام الحافظ قد صرح بصحتها في "فتح الباري ج8 ص137" في باب قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) من كتاب التفسير.(5/20)
الله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وصحح هذا الحديث قبل صاحب "فتح الباري" الإمام عبدالرحمن بن أبي حاتم بإيراده في تفسيره الذي ذكر في أوله أن جماعة من إخوانه طلبوا منه تفسيرًا مختصرًا بأصح الأسانيد وحذف الطرق. ثم قال: فأجبتهم إلى مسألتهم، وبالله التوفيق، وإياه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار إسنادًا، وأشبهها متنًا، فإذا وجدت التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أذكر معه أحدًا من الصحابة ممن أتى بمثل ذلك؛ وإذا وجدته عن الصحابة فإن كانوا متفقين ذكرته عن أعلاهم درجة بأصح الإسناد وسميت موافقيهم بحذف الإسناد، فإن لم أجد عن الصحابة ووجدته عن التابعين عملت فيما أجد عنهم ما ذكرته من المثال في الصحابة، وكذلك أجعل المثال في أتباع التابعين وأتباعهم. أهـ ما ذكره ابن أبي حاتم في مقدمة تفسيره، وهو دليل على صحة هذا الحديث.
الواقدي(1) عند ابن جرير الطبري في تاريخه، قال في حوادث سنة ثمان عشرة: وزعم – أي الواقدي – أن عمر رضي الله عنه حول المقام في هذه السنة في ذي الحجة إلى موضعه اليوم، وكان ملصقًا بالبيت قبل ذلك. أهـ. وذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية والنهاية": أن الواقدي لم ينفرد بهذا، وعبارته ج7 ص93: قال الواقدي(2) وغيره: في هذه السنة – أي سنة ثمان عشرة في ذي الحجة منها حول عمر المقام، وكان ملصقًا بجدار الكعبة، فأخره إلى حيث هو الآن؛ لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفين. ثم قال ابن كثير: قلت: ذكرت أسانيد ذلك في سيرة عمر ولله الحمد والمنة.
__________
(1) الواقدي قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية ج3 ص234": عند زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار. أهـ.
(2) قول ابن كثير في هذه العبارة: قال الواقدي: يفيد أن قول ابن جرير في عبارته: زعم الواقدي، من استعمال الزعم في القول المحقق.(5/21)
مشايخ ابن سعد قال في "الطبقات الكبرى" في ترجمة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: قالوا: وهو الذي أخر المقام إلى موضعه اليوم، وكان ملصقًا بالبيت. أهـ.
هذه جملة من أعيان السلف الذين صرحوا بأن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في سقع البيت، وأن أول من أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد جزم بما صرحوا به غير واحد من أئمة المتأخرين منهم الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" والحافظ ابن كثير في "التفسير" و "البداية والنهاية" والشوكاني في "فتح القدير" قال الحافظ في الفتح ج8 ص137 في باب (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) من كتاب التفسير: كان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت، إلى أن أخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن. أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه" بسند صحيح عن عطاء وغيره، وعن مجاهد أيضًا. وأخرج البيهقي عن عائشة مثله بسند قوي، ولفظه: أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخره عمر، وأخرج ابن مردوية بسند ضعيف عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله، والأول أصح. وقد أخرج أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عيينة قال: كان المقام في سقع البيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحوله عمر، فجاء سيل فذهب به، فرده عمر إليه. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بالبيت أم لا. أهـ.(5/22)
وبهذا ظهر رجوع الحافظ عما كتبه في باب (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) من كتاب الصلاة؛ فإنه كتب ما نصه: قد روى الأزرقي في "أخبار مكة" بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر، فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه، وبنى حوله فاستقر ثم إلى الآن(1). أهـ. وهذا الذي كتبه الحافظ في "كتاب الصلاة" سبق قلم نبه على رجوعه عنه بالصواب الذي ذكره في "كتاب التفسير" وكان يصنع ذلك تارة فيما سبق به القلم، ويصرح تارة بالرجوع عما كتبه أولا. ومما صرح فيه بالرجوع ما يلي:
قوله في ج8 ص16 في الباب الذي بعد (باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح) في الكلام على حديث أبي شريح العدوي في تعظيم حرمة مكة: قال: (قوله: العدوي) كنت جوزت في الكلام على حديث الباب في الحج أنه من حلفاء بني كعب، وذلك لأني رأيته في طريق أخرى الكعبي، نسبة إلى كعب بن ربيعة بن عمرو بن لحي، ثم ظهر لي أنه نسب إلى بني عدي بن عمرو بن لحي وهم أخوة كعب، ويقع هذا في الأنساب كثيرًا.
__________
(1) وبهذا الذي ذكره الحافظ في "كتاب الصلاة" عن الأزرقي عارض قول الكرماني بأن المقام كان عند باب الكعبة في عهد النبوة، وكان هذا قبل ظهور الصواب للحافظ الذي بينه في "كتاب التفسير".(5/23)
قوله في شرح حديث عباد بن تميم، عن عمه، قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مستلقيًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى" في (باب الاستلقاء في ج11 ص68): تقدم بيان الحكم في أبواب المساجد من "كتاب الصلاة" وذكرت هناك قول من زعم أن النهي عن ذلك منسوخ، وأن الجمع أولى، وأن محل النهي حيث تبدو العورة، والجواز حيث لا تبدو، وهو جواب الخطابي ومن تبعه، ونقلت قول من ضعف الحديث الوارد في ذلك وزعم أنه لم يخرج في الصحيح، وأوردت عليه بأنه غفل عما في "كتاب اللباس" من الصحيح. والمراد بذلك صحيح مسلم، وسبق القلم هناك فكتبت صحيح البخاري، وقد أصلحته في أصلي.
قوله في "باب الدعاء على المشركين" ج11 ص162 في الكلام على قول البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، قال حدثنا الأنصاري، حدثنا هشام بن حسان، حدثنا محمد بن سيرين، حدثنا عبيدة، حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا" الحديث قال الحافظ: قوله: حدثنا هشام بن حسان. يرجح قول من قال في الرواية التي مضت في الجهاد من طريق عيسى بن يونس، حدثنا هشام، أنه ابن حسان، وكنت ظننت أنه الدستوائي، ورددت على الأصيلي حيث جزم بأنه ابن حسان، ثم نقل تضعيف هشام بن حسان يروم رد الحديث، فتعقبته هناك، ثم وقفت على هذه الرواية فرجعت عما ظننت ..الخ.(5/24)
ويدل على رجوع الحافظ عما كتبه في "كتاب الصلاة" إلى ما بينه في "كتاب التفسير" تعذر الجمع بين تصحيح الحافظ أسانيد تلك الروايات الأزرقية التي تذكر أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن وهو الذي رده إليه عمر بعدما ذهب به السيل وبين تصحيحه في "كتاب التفسير" أسانيد روايات كون المقام أزق البيت إلى أن أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن الروايات الأزرقية التي أشار إليها ليس فيها شيء صحيح صريح، كما سنبينه فيما بعد أن شاء الله عند الكلام على تلك الروايات، مع ذكر كلام الحافظ فيمن تكلم فيه من رواتها، ليتبين أن ما ذكره في "كتاب الصلاة" في الروايات الأزرقية كما لا يتفق مع ما في "كتاب التفسير" لا يتفق مع كلامه في رواة تلك الروايات الأزرقية في كتبه في "الجرح والتعديل".
وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية والنهاية" ج1 ص162 تحت عنوان (ذكر بناية البيت العتيق) في الكلام على مقام إبراهيم عليه السلام: قد كان هذا الحجر ملصقًا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فأخره عن البيت قليلاً؛ لئلا يشغل المصلون عنده الطائفين بالبيت. وقال في الجزء السابع من التاريخ المذكور "البداية والنهاية" ص13 في الكلام على حوادث سنة ثمان عشرة: قال الواقدي وغيره: وفي هذه السنة في ذي الحجة منها حول عمر المقام، وكان ملصقًا بجدار الكعبة(1) أخره إلى حيث هو الآن؛ لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفين.
__________
(1) اعتمد ابن كثير في الجزم بأن أول من أخر المقام عن البيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على روايات ذكرها في تفسيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعن مشائخ ابن جريج، وعن مجاهد، وسفيان بن عيينة، وهذه الروايات مذكورة فيما تقدم.(5/25)
وقال في "التفسير" في الكلام على قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى): قلت: قد كان هذا المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب، في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل عليه السلام لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة، وأنه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا – والله أعلم – أمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين الذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وهو الذي أنزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده؛ ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وقال أيضًا في تفسير قوله تعالى: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) قد كان – أي المقام – ملتصقًا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكن الطواف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). أهـ ما جمعناه من تاريخ ابن كثير وتفسيره وقال العلامة الشوكاني في "فتح القدير" في تفسير آية (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى): وهو – أي المقام – الذي كان ملصقًا بجدار الكعبة، وأول من نقله عمر بن الخطاب كما أخرجه عبدالرزاق والبيهقي بأسانيد صحيحة، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة. أهـ.
أدلة القائلين بأن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد النبوة، والجواب عنها
إستدل القائلون بأن موضع مقام إبراهيم عليه السلام هذا الذي هو فيه اليوم هو موضعه في عهد النبوة بأمور نذكرها مع الإجابة عنها فيما يلي: -(5/26)
(الأول): ما رواه الحافظ أبوبكر بن مردويه، قال أخبرنا ابن عمر وهو أحمد بن محمد بن حكيم، أخبرنا محمد بن عبدالوهاب ابن أبي تمام، أخبرنا آدم وهو ابن أبي إياس في تفسيره، أخبرنا شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا، قال مجاهد: وكان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن.
والجواب عن هذا ما ذكره الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر العسقلاني في "فتح الباري". قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية الكريمة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) بعد ذكر هذا الأثر الذي رواه ابن مردوية: هذا مرسل عن مجاهد وهو مخالف لما تقدم من رواية عبدالرزاق عن معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وهذا أصح من طريق ابن مردويه، مع اعتضادها بما تقدم(1). أهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" ج8 ص137 في باب (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) من كتاب التفسير: أخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد "أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله" والأول أصح. أهـ.
ووجه ضعف سنده أن فيه شريكًا النخعي، وإبراهيم بن المهاجر وهما ضعيفان.
__________
(1) أي الآثار التي ذكرها ابن كثير في تفسيره قبل ذلك عن عائشة وعطاء وغيره من أصحاب ابن جريج ومجاهد وسفيان بن عيينة، وكلها متضمنة أن أول من آخر المقام عن سقع البيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(5/27)
أما "شريك" فقد روى علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد تضعيفه جدًا. وقال ابن المثنى: ما رأيت يحيى ولا عبدالرحمن حدثا عن شريك شيئًا. وروى محمد بن يحيى القطان، عن أبيه قال: رأيت تخليطًا في أصول شريك، وقال ابن المبارك: ليس حديثه بشيء. وقال الجوزجاني: سي الحفظ مضطرب الحديث مائل. وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: أخطأ شريك في أربعمائة حديث وقال الدارقطني: ليس شريك بالقوي فيما ينفرد به. وقال عبدالجبار ابن محمد: قلت ليحيى بن سعيد: زعموا أن شريكًا إنما خلط بآخره قال مازال مخلطًا. نقل هذا عن هؤلاء الأئمة الحافظ – الذهبي في "ميزان الاعتدال".(5/28)
وأما إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي فقد قال العقيلي في "الضعفاء": حدثنا محمد بن عيسى، قال حدثنا صالح بن أحمد، قال حدثنا علي، قال قلت ليحيى: إن إسرائيل روى عن إبراهيم بن المهاجر ثلاثمائة حديث. قال: إبراهيم بن المهاجر لم يكن بالقوي، حدثنا محمد، حدثنا صالح، عن علي، قال: سئل يحيى بن سعيد عن إبراهيم بن المهاجر وأبي يحيى القتات فضعفهما. حدثنا عبدالله، قال: سألت أبي عن إبراهيم بن المهاجر، فقال: كان كذا وكذا(1) وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": إبراهيم بن المهاجر الكوفي ليس بالقوي. ونقل الحافظ في "تهذيب التهذيب" عن النسائي: أنه صرح أيضًا في الكنى بأنه ليس بالقوي في الحديث، قال الحافظ: وقال ابن حبان في الضعفاء: هو كثير الخطأ. وقال الحاكم: قلت للدارقطني فإبراهيم بن المهاجر؟ قال: ضعفوه، تكلم فيه يحيى بن سعيد وغيره. قلت: بحجة قال: بلى، حدث بأحاديث لا يتابع عليها، وقد غمزه شعبة أيضًا. قال الحافظ: وقال أبوحاتم: ليس بالقوي، هو وحصين وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض، ومحلهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم ولا يحتج به. قال: عبدالرحمن بن أبي حاتم قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم. قال: كانوا قومًا لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابًا ما شئت. أهـ ما في "تهذيب التهذيب".
(الثاني): مما استدل به القائلون بأن موضع مقام إبراهيم عليه السلام اليوم هو موضعه في عهد النبوة ما في "مغازي موسى بن عقبة" في سياق خبر فتح مكة بلفظ: وأخر – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم – المقام إلى مقامه اليوم وكان ملتصقًا بالبيت.
__________
(1) عبارة كان كذا وكذا. يستعملها عبدالله بن الامام أحمد كثيرًا فيما يجيبه به والده، وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين، كما قرره الحافظ الذهبي في "الميزان" قي ترجمة يونس بن أبي اسحاق الهمداني السبيعي.(5/29)
والجواب عن هذا أن هذا المنقول عن مغازي موسى بن عقبة يخالف ما تقدم عن عائشة وعروة شيخ موسى بن عقبة ومشائخ ابن جريج، وهو أن أول من حول المقام إلى مقامه اليوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولذلك لم يلتفت الحافظ ابن كثير الذي نقل هذا عن مغازي موسى بن عقبة إليه؛ بل جزم بخلافه.
(الثالث): مما استدلوا به ما رواه الأزرقي في "تأريخ مكة" قال: حدثني جدي، قال حدثنا عبدالجبار بن الورد، قال سمعت ابن أبي مليكة يقول: موضع المقام هذا الذي هو موضعه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس.
والجواب عنه بأمرين:
"أحدهما": أن راوي هذا عن ابن أبي مليكة عبدالجبار بن الورد، وهو وإن كان ثقة يخالف في بعض حديثه، قال البخاري في "تأريخه الكبير": يخالف في بعض حديثه. واعتمد العقيلي على كلام البخاري هذا فذكره في "الضعفاء" ثم قال: حدثني آدم بن موسى، قال سمعت البخاري قال: عبدالجبار بن الورد المكي يخالف في بعض حديثه. انتهى كلام العقيلي. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" في عبدالجبار بن الورد: صدوق، يتهم.(5/30)
"الثاني": أن ما قاله ابن أبي مليكة على فرض ثبوته عنه لم يأخذه عن الصحابة فيما يرى المحب الطبري صاحب "القرى" بل إنما فهمه من سياق رواية كثير بن المطلب عن أبيه قصة احتمال سيل أم نهشل المقام. ولا يسعنا مادام الأمر كذلك أن تقدم ذلك الفهم على تصريح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن المقام كان ملصقًا بالبيت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه(1). وكلمة "هو موضعه" التي فهم منها ابن أبي مليكة ذلك يفسرها ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح عن ابن عيينة أنه قال: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فحوله عمر إل مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه. الحديث المتقدم. فإن هذا يدل على أن الموضع الذي سأل عنه عمر ليرد المقام إليه الموضع الذي وضعه فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول مرة؛ لا موضعه في عهد النبوة.
(الرابع): مما استدل به القائلون بأن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد النبوة ما رواه الأزرقي في "تأريخ مكة" قال: حدثني جدي، قال حدثنا سليم بن مسلم(2) عن ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر. عن عبدالله بن السائب وكان يصلي بأهل مكة، فقال: أنا أول من صلى خلف المقام حين رد في موضعه هذا، ثم دخل عمر وأنا في الصلاة فصلى خلفي صلاة المغرب. ووجه الاستدلال به أن أقول عبدالله بن السائب (حين رد في موضعه) هذا يفهم منه أن له موضعًا قبل التحويل. فيلزم منه أنه موضعه في عهد النبوة.
__________
(1) روى حديث عائشة المشار إليه هنا البيهقي بسند صحيح كما تقدم.
(2) ضبط الحافظ الذهبي سليم بن مسلم في (المشتبه) بفتح السين وقال: (واه).(5/31)
والجواب عن هذا: أن سياق عبدالرزاق أحسن من سياق سليم ابن مسلم: فقد قال عبدالرزاق في "مصنفه": عن ابن جريج، عن محمد بن عياد بن جعفر وعمر بن عبدالله بن صفوان وغيرهما: أن عمر قدم فنزل في دار ابن سباع، فقال يا أبا عبدالرحمن: صل بالناس المغرب، فصليت وراءه، وكنت أول من صلى وراءه حين وضع، ثم قال: فأحسست عمر وقد صليت ركعة فصلى ورائي ما بقي. أهـ. فكلمة (حين وضع) في رواية عبدالرزاق هذه هي التي غيرها سليم بن مسلم بقوله: (حين رد في موضعه هذا). وسليم بن مسلم غير مأمون على عقيدته ولا على الحديث كما بينه الأئمة. قال العقيلي في "الضعفاء": حدثنا محمد، قال حدثنا عباس، قال سمعت يحيى ذكر سليم بن مسلم المكي، فقال: كان ينزل مكة، وكان جهميًا خبيثْا. وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": سليم ابن مسلم الخشاب متروك الحديث. أهـ. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان": سليم بن مسلم المكي الخشاب الكاتب عن ابن جريج، قال ابن معين: جهمي خبيث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئًا. قال الحافظ وقال أبوحاتم في ترجمة سليم: منكر الحديث، ضعيف الحديث. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بقوي. وقال مرة: متروك. أهـ المراد من كلام الحافظ في "لسان الميزان".
(الخامس): مما استدلوا به ما ذكره الأزرقي في "تأريخ مكة" بعد ما ساق حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في وجه الكعبة حذر الطرقة البيضاء. روى عن جده أنه قال: قال داود: وكان ابن جريج يشير لنا إلى هذا الموضع، ويقول: هذا الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الموضع الذي جعل فيه المقام حين ذهب به سيل أم نهشل إلى أن قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرده إلى موضعه الذي كان فيه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وبعض خلافة عمر رضي الله عنه إلى أن ذهب به السيل.(5/32)
والجواب عن هذا أن ما ذكره الأزرقي عن ابن جريج يخالف ما صح عن مشايخ ابن جريج عطاء وغيره من رواية ابن جريج عنهم، فقد تقدم أن عبدالرزاق روى في "مصنفه" بسند صحيح أنهم قالوا: إن عمر أول من رفع المقام فوضعه موضعه الآن(1).
(السادس): مما استدلوا به ما رواه الأزرقي في "تأريخ مكة" قال: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبدالرحمن، عن ابن جريج، عن كثير بن كثير بن المطلب ابن أبي وداعة السهمي، عن أبيه(2) عن جده، قال: كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر بن الخطاب الردم الأعلى، وكان يقال لهذا الباب باب السيل، قال فكانت السيول ربما دفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة، حتى جاء سيل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال له سيل أم نهشل، وإنما سمي بأم نهشل أنه ذهب بأم نهشل إبنة عبيدة بن أبي أحيحة سعيد ابن العاص فماتت فيه، فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة، فأتى به فربطه إلى أستار الكعبة في وجهها، وكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فأقبل عمر فزعًا فدخل بعمرة في شهر رمضان وقد غبي موضعه وعفاه السيل، فدعا عمر بالناس فقال أنشد الله عبدًا عنده علم في هذا المقام، فقال المطلب(3)
__________
(1) لفظ (المصنف): عبدالرزاق، عن ابن جريج، قال سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون: أن عمر أول من رفع المقام فوضعه موضعه الآن، وإنما كان في قبل الكعبة. أهـ.
(2) كثير بن المطلب قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": مقبول، وحديث ذوي هذه المرتبة يكتب للاعتبار لا للاحتجاج كما في "تدريب الراوي – للسيوطي".
(3) هكذا في رواية كثير عند الأزرقي: أن أباه هو الذي قاس ذلك. وفي رواية مجاهد عند ابن سعد أن الذي قاسه أبورداعة السهمي والد المطلب. وعند ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب أن الذي قاسه رجل من آل عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم. وهذا اضطراب يوجب ترك الروايات المتعلقة بالقياس. والاقتصار فيما جرى في شأن المقام على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أخره أول مرة مراعاة لمصلحة الطائفين، ثم ذهب به السيل فأعاده إلى ذلك الموضع الذي أخره إليه أول مرة: فإن هذا هو الذي تأكدنا ثبوته.(5/33)
بن أبي وداعة السهمي: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك، فقد كنت أخشى عليه، فأخذت قدره من موضعه إلى الركن، ومن موضعه إلى باب الحجر، ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت.
فقال له عمر: فاجلس عندي وأرسل إليها، وأتي بها، فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا، فسأل الناس وشاورهم، فقالوا نعم هذا موضعه، فلما استثبت ذلك عمر رضي الله عنه وحق عنده أمر به فاعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوله، فهو في مكانه هذا إلى اليوم. أهـ.
…والجواب عنه أن المراد بالموضع المذكور في هذا الخبر الموضع الذي وضعه فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول مرة، وهو الذي سأل عنه ليضعه فيه المرة الثانية، بدليل رواية ابن أبي حاتم المتقدمة عن أبيه، عن ابن أبي عمر العدني، عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) الآية: قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه – الخبر المتقدم.(5/34)
(السابع): مما استدلوا به ما رواه الأزرقي في "أخبار مكة" قال: حدثني ابن أبي عمر، قال حدثنا ابن عيينة، عن حبيب بن أبي الأشرس، قال: كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة، فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه، فلما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل من يعلم موضعه، فقال المطلب ابن أبي وداعة أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوفت عليه هذا من الحجر إليه، ومن الركن إليه، ومن وجه الكعبة إليه، فقال: إيت به، فجاء به فوضعه في موضعه هذا، وعمل عمر الردم عند ذلك. قال سفيان: فذلك الذي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن المقام كان عند سقع البيت، فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن، وأما ما يقول الناس إنه كان هناك موضعه فلا. قال سفيان: وقد ذكر عمرو بن دينار نحوًا من حديث ابن أبي الأشرس هذا لا أميز أحدهما عن صاحبه.
والجواب عن هذا: أن ما ذكره ابن أبي الأشرس وذكر عمرو بن دينار نحوه من سؤال عمر عن موضع المقام لا يدل على أن مراد عمر موضع المقام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ بل الذي دلت عليه رواية ابن أبي حاتم المتقدمة عن سفيان بن عيينة أن سؤال عمر رضي الله عنه إنما هو عن الموضع الذي وضعه فيه أول مرة ليضعه فيه المرة الثانية.(5/35)
مع أن أمر حبيب بن أبي الأشرس هين؛ لأنه لا يحتج به. قال البخاري في "التأريخ الصغير": قال: أحمد: متروك. وقال في "الضعفاء الصغير": منكر الحديث. وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": حبيب بن حسان وهو حبيب بن أبي الأشرس كوفي متروك الحديث. قال العقيلي في "الضعفاء": حدثنا محمد بن زكريا، قال حدثنا محمد بن المثنى، قال: ما سمعت يحيى ولا عبدالرحمن حدثا عن سفيان عن حبيب بن حسان بن أبي الأشرس شيئًا. حدثنا محمد بن عيسى، قال حدثنا عباس بن محمد، قال: سمعت يحيى بن معين، قال: حبيب بن أبي الأشرس كوفي، ليس حديثه بشيء، وقال في موضع آخر: حبيب بن حسان ليس بثقة، وكانت له جاريتان نصرانيتان فكان يذهب معهما إلى البيعة. وقال في موضع آخر. حبيب بن حسان بن الأشرس هو حبيب بن هلال، ليس بشيء. حدثنا الخضر بن داود، قال حدثني أحمد بن محمد ابن هانيء، قال سألت أبا عبدالله وذكر حبيب بن حسان فقال: متروك الحديث. حدثني آدم بن موسى، قال سمعت البخاري قال: حبيب بن حسان الكوفي هو حبيب بن أبي الأشرس منكر الحديث. أهـ كلام العقيلي. وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": قريء على العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب بن حسان بن أبي الأشرس وهو حبيب بن هلال روى عنه مروان الفزاري وليس بثقة، وقال: سمعت أبي يقول: حبيب بن حسان موجه صالح البغدادي وليس بقوي, منكر الحديث أحيانًا. أهـ وقال ابن حبان في "كتاب المجروحين" في حبيب بن أبي الأشرس: منكر الحديث جدًا، وكان قد عشق امرأة نصرانية، وقد قيل أنه تنصر وتزوج بها، وأما اختلافه على البيعة من أجلها فصحيح. مكحول سمعت جعفر بن أبان يقول: سئل يحيى بن معين وأنا شاهد عن حبيب بن حسان، فقال: ليس بثقة، كان يذهب مع جاريتين له إلى البيعة. أهـ. وفي "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة حبيب بن أبي الأشرس، قال أبوداود: ليس حديثه بشيء، روى عنه سفيان ولا يصرح به. وقال(5/36)
أبوبكر ابن عباس: لو عرف الناس حبيب بن حسان لضربوا على بابه الختم. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبوأحمد الحاكم. ذاهب الحديث. أهـ.
وأما رواية الأزرقي عن عروة أنه قال: فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن. الخ.
فيعارضها ما روى عبدالرزاق في "مصنفه" عن معمر، عن هشام ابن عروة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر بعض خلافته كانوا يصلون سقع البيت، حتى صلى عمر خلف المقام، وما روى ابن أبي زرعة، عن أبي ثابت، عن عبدالعزيز الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه. أن المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولاشك في أنه إذا وقع التعارض بين رواية أبي الوليد الأزرقي مؤرخ مكة وبين روايتي عبدالرزاق وابن أبي حاتم تقدم رواية عبدالرزاق وابن أبي حاتم على رواية أبي الوليد الأزرقي مؤرخ مكة؛ لأنهما يحملان شهادات أئمة الحديث في زمانهما بالإمامة في الحديث. وأما أبوالوليد الأزرقي مؤرخ مكة. فلم نر شهادة أي معاصر له، ولم يرها قبلنا الفاسي على سعة اطلاعه، ولذلك يقول في "العقد الثمين": لم أر من ترجمة، وإني لأعجب من ذلك. وأما الذين لم يعاصروه فأقدم من رأيناه تعرض له منهم ابن النديم صاحب "الفهرست" قال فيه بعد ذكر نسبه: أحد الأخباريين وأصحاب السير، وله من الكتب "كتاب مكة" وأخبارها وجبالها وأوديتها كتاب كبير. أهـ. وهذا لا يغني شيئًا؛ لأمرين:
"أحدهما": أن الغالب على الأخباريين والسيريين عدم الاعتناء بالروايات، وفي ذلك يقول الحافظ العراقي في "ألفية السيرة":
وليعلم الطالب أن السيرا……تجمع ما صح وما قد أنكرا(5/37)
"الثاني": أن "ابن النديم" قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": هو غير موثوق به، ومصنفه المذكور يعني "الفهرست" ينادي على مصنفه بالاعتزال والزيغ، نسأل الله السلامة، ثم قال الحافظ: لما طلعت كتابه ظهر لي أنه رافضي معتزلي؛ فإنه يسمى أهل السنة الحشوبة، ويسمى الأشاعرة المجبرة، ويسمى كل من لم يكن شيعيًا عاميًا، وذكر في ترجمة الشافعي شيئًا مختلقًا ظاهر الافتراء. أهـ. ومراد الحافظ بذلك الشيء المختلق الظاهر الافتراء قول ابن النديم في "الفهرست" ص294-295: بخطه يعني أبا القاسم الحجازي أيضًا: قرأت، قال ظهر رجل من بني أبي لهب بناحية المغرب، فحمل إلى هارون الرشيد ومعه الشافعي، فقال الرشيد للهبي: سمت بك نفسك إلى هذا. قال: وأي الرجلين كان أعلى ذكرًا وأعظم قدرًا جدي أم جدك، أنت ليس تعرف قصة جدك وما كان من أمره، وأسمعه كل ما كره لأنه استيل. قال فأمر بحبسه، ثم قال للشافعي: ما حملك على الخروج معه، قال: أنا رجل أملقت وخرجت أضرب في البلاد طلبًا للفضل، فصحبته لذلك، فاستوهبه الفضل بن الربيع فوهبه، فأقام بمدينة السلام مدة، فحدثنا محمد ابن شجاع الثلجي قال كان يمر بنا في زي المغنين على حمار وعليه رداءً محشًا وشعره مجعد. ثم وصف ابن النديم الشافعي بشدة التشيع، وذكر حكاية عن آخرين من نوع الإفتراء الذي ذكر أولا.(5/38)
ثم بعد ابن النديم الحافظ عبدالكريم بن محمد السمعاني صاحب كتاب "الأنساب" قال في "الأنساب": الأزرقي هو أبوالوليد محمد بن عبدالله بن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي صاحب كتاب "أخبار مكة" وأحسن في تصنيف ذلك الكتاب غاية الإحسان، روى عن جده ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني وغيرهما، روى عنه أبو محمد إسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعي أهـ. وليس في هذا كبير فائدة من ناحية ترجمة أبي الوليد الأزرقي؛ لأن في إمكان كل من نظر في كتابه "أخبار مكة" أن يتحصل على مشايخه وعلى من روى ذلك الكتاب عنه؛ لأن جميع ذلك موجود في أخبار مكة، ومجرد كلمة روى فلان عن فلان، وروى عنه فلان، وأخرج له فلان: لا يروي الغلة، ولا يشفي العلة، كما بينها الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه: "تهذيب التهذيب".
وأما ثناء السمعاني على كتاب "أخبار مكة" فلا يوصله إلى درجة تقديم ما فيه على ما في مصنفات الإمامين الشهيرين: عبدالرزاق وابن أبي حاتم.(5/39)
ثم بعد ابن السمعاني الإمام النووي قال في الكلام على حجر إسماعيل عليه السلام: قد وصفه الإمام أبوالوليد الأزرق في "تاريخ مكة" فأحسن وأجاد. وقد بحثنا عن قول النووي هذا فوجدناه يعتقد في مؤرخ مكة أنه هو جده الإمام أحمد بن محمد ابن الوليد الأزرقي، بدليل قوله في "المجموع" ج7 ص464 بعد ذكر حدود الحرم: هكذا ذكر هذه الحدود أبوالوليد الأزرقي(1) في كتاب مكة، وأبوالوليد هذا أحد أصحاب الشافعي الآخذين عنه الذين رووا عنه الحديث والفقه. وقد نبه العلامة الفاسي في "العقد الثمين" على وهم الإمام النووي في هذا، قال: وهم النووي في قوله في "شرح المهذب" بعد أن ذكر في حدود الحرم نقلا عن "أبي الوليد الأزرقي" هذا: أنه أخذ عن الشافعي وصحبه وروي عنه، وإنما كان ذلك وهمًا لأمرين. أحدهما أن الذين صنفوا في طبقات الفقهاء الشافعية لم يذكروا في أصحاب الشافعي إلا أحمد بن محمد بن الوليد جد أبي الوليد هذا. والأمر الثاني أو أن أبا الوليد هذا روى عن الإمام الشافعي لأخرج عنه في تاريخه، لما له من الجلالة والعظمة كما أخرج عن جده وابن أبي عمر العدني وإبراهيم بن محمد الشافعي ابن عم الإمام الشافعي. ثم قال الفاسي: والسبب الذي أوقع النووي في هذا الوهم أن أحمد الأزرقي جد أبي الوليد هذا يكنى بأبي الوليد فظنه النووي هو، والله أعلم. وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكلام النووي فإنه ممن يعتمد عليه، وهذا مما لا ريب فيه. أهـ المراد من كلام الفاسي.
__________
(1) وعلى أساس اعتقاد النووي أن مؤرخ مكة هو أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي الامام اعتبر في "تهذيب الأسماء واللغات" وما ذكره الأزرقي من أن موضع المقام الذي هو فيه الآن هو موضعه في الجاهلية وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض خلافة عمر، ورده إليه عمر حين ما ذهب به السيل في خلافته.(5/40)
وأما تأريخ وفاة مؤرخ مكة الأزرقي فقد بيض السمعاني في الأنساب لما بعد المائتين منها، وتعرض لتاريخ وفاته بعده محمد بن عمر بن عزم التونسي، وصاحب كشف الظنون، وصاحب هداية العارفين؛ لكن أخطأوا فيها، وبيان ذلك فيما يلي:
أما محمد بن عمرو بن عزم فيقول في "دستور الأعلام بمعارف الأعلام": الأزرقي إلى جده الأزرق صاحب "تاريخ مكة" محمد ابن عبدالله بن أحمد سنة مائتين وأربع، وجده أحمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمر بن الحارث بن أبي شمر الغساني المكي، روى عن سفيان بن عيينة وداود بن عبدالرحمن العطار، وروى عنه حفيده سنة مائتين واثنى عشر. أهـ. وهذا غير صحيح: لا من ناحية الجد، ولا من ناحية الحفيد. أما الجد فلأنه حدث بواقعة بعد تاريخ مائتين واثنى عشر، ففي الجزء الأول من تاريخ الحفيد ص194 ما نصه: قال أبو الوليد: قال قال جدي: أول من أثقب النفاطات بين الصفا والمروة في ليالي الحج وبين المأزمين – ماء زمي عرفة – أمير المؤمنين إسحاق المعتصم بالله طاهر بن عبدالله ابن طاهر سنة تسع عشرة ومائتين فجرى ذلك إلى اليوم(1) أهـ. وأما الحفيد مؤرخ مكة فقد وجدناه حدث بحادث سنة ثلاث وأربعين ومائتين، ففي الجزء الأول من تاريخه ص171 ما نصه: قال أبوالوليد: أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله بإذالة(2) القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكعبة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين. أهـ.
وأما صاحب "كشف الظنون" فقد قال في الكلام على تواريخ مسكة: الإمام أبوالوليد محمد بن عبدالكريم المتوفي سنة ثلاث وعشرين مائتين. أهـ. وهذا غلط في اسم والد مؤرخ مكة؛ فإن اسمه عبدالله، لا عبدالكريم، وغلط في تأريخ وفاته، لما تقدم في الرد على التونسي.
__________
(1) حرر الحافظ الذهبي أن وفاة جد أبي الوليد كانت سنة أثنتين وعشرين ومائتين كما في "طبقات الشافعية" لابن السبكي.
(2) الاذالة بالذال المعجمة الاسبال.(5/41)
وقد تبع صاحب "كشف الظنون" في الغلط التأريخي إسماعيل في "هداية العارفين". وتنبه الكناني لغلط صاحب "كشف الظنون" في تأريخ وفاة أبي الوليد الأزرق: ذكر عنه في الرسالة المستطرفة أنه أرخ وفاته بسنة ثلاث وعشرين ومائتين، ثم قال: لكن جده – أي جد أبي الوليد – أحمد المذكور ذكر في "التقريب" أنه توفي سنة سبع عشرة، وقيل إثنتين وعشرين ومائتين. فيبعد عليه أن يكون حفيده مؤرخ مكة توفي في السنة المذكورة، أو لا يصح ذلك بالكلية ولم يذكر الكناني من ناحية الأزرقي شيئًا يجدي.
لماذا أخر عمر بن الخطاب المقام
علل تأخير أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المقام بأربعة أشياء، نذكرها مع الكلام عليها:
خشية عمر لما كثر الناس أن يطئوه بأقدامهم، لما رواه الفاكهي كما في "شفاء الغرام" ج1 ص307 قال: حدثنا الزبير ابن أبي بكر، قال حدثنا يحيى بن محمد بن ثوبان، عن سليم، عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير أنه قال: كان المقام في وجه الكعبة، وإنما قام إبراهيم عليه حين ارتفع البيت فأراد أن يشرف على البناء، قال: فلما كثر الناس خشي عمر بن الخطاب أن يطئوه بأقدامهم فأخره إلى موضعه الذي هو به اليوم حذاء موضعه الذي كان قدام الكعبة. أهـ.
وهذا في سنده سليم بن مسلم الراوي عن ابن جريج، وقد تقدم أنه جهمي خبيث متروك الحديث.(5/42)
مما علل تأخير عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقام إبراهيم عليه السلام عن موضعه الأول رده إلى الموضع الذي كان فيه في عهد النبوة. وقد بينا فيما تقدم أن صريح ما يستند إليه هذا التعليل غير صحيح، وغير الصريح يفسره ما تقدم عن سفيان بن عيينة، أنه قال: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه، فإن هذا يدل على أن عمر إنما رده إلى الموضع الذي وضعه فيه أول مرة.
مما علل به تأخير عمر بن الخطاب رضي الله عنه المقام رده إلى موضعه في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، لما في رواية المدونة المتقدمة بلفظ: فلما ولي عمر أخرج أخيوطة كانت في خزانة الكعبة قد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت إذ قدموه مخافة السيل، فقاسه عمر فأخرجه إلى موضعه اليوم، فهذا موضعه الذي كان فيه في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم. أهـ.(5/43)
وهذا تعارضه رواية الفاكهي عن عثمان بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في سياق قصة بناء البيت بلفظ: فلما بلغ – أي إبراهيم عليه السلام – الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه، وأخذ المقام فجعله لاصقًا بالبيت(1). كما يعارضه ما ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ج8 ص137 فلي باب (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) من كتاب التفسير قال: كان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن، أخرجه عبدالرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عصاء وغيره، وعن مجاهد أيضًا. أهـ. فهاتان الروايتان هما المانعتان من قبول ما في رواية المدونة(2).
__________
(1) ذكر هذه الرواية الحافظ بن حجر في "فتح الباري ج6 ص314" ضمن زيادات رواية عثمان بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، على الرواية التي ذكرها البخاري في صحيحه، ولم يتعقبها الحافظ، وشرطه فيما يورده في "فتح الباري" من الزيادات على متن الصحيح التي من هذا النوع أن يكون صحيحًا أو حسنًا، كما بينه في مقدمة فتح الباري ج1 ص3.
(2) لا اعتراض علينا في قبول ما وافق الروايات المثبتة أن أول من أخر المقام عن موضعه الأول عمر بن الخطاب رضي الله عنه من رواية المدونة، عدم قبولنا ما فيها من أن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، فإن ذلك طريقة معروفة عند أئمة العلم.(5/44)
ولا يقال. إن رواية المدونة تتأيد برواية ابن الجوزي في "تأريخ عمر بن الخطاب" في باب ذكر ما خص به في ولايته مما لم يسبق إليه عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كان مقام إبراهيم لاصقًا بالكعبة حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فقال عمر: إني لأعلم ما كان موضعه هنا ولكن قريش خافت عليه من السيل فوضعته هذا الموضع، فلو أني أعلم موضعه الأول لأعدته فيه، فقال رجل من آل عايذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم. أنا والله يا أمير المؤمنين أعلم موضعه الأول، كنت لما حولته قريش أخذت قدر موضعه الأول بحبل وضعت طرفه عند ركن البيت الأول أو الركن أو الباب، ثم عقدت في وسطه عند موضع المقام، فعندي ذلك الحيل، فدعا عمر بالحبل فقدروا به، فلما عرفوا موضعه الأول أعاده عمر فيه، قال عمر. إن الله عز وجل يقول: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى).(5/45)
فإن هذه الرواية يمنع من اعتبارها أن ابن الجوزي لم يذكر سندها إلى عبدالرحمن بن أبي الزناد، وما في عبدالرحمن بن أبي الزناد من المقال، ففي "الجرح والتعديل": حدثنا عبدالرحمن، حدثنا محمد بن إبراهيم، قال سمعت عمرو بن علي، قال: كان عبدالرحمن حدثنا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: قلت لأبي: عبدالرحمن بن أبي الزناد؟ قال: مضطرب الحديث. حدثنا عبدالرحمن قريء على العباس بن محمد النوري، عن يحيى بن معين أنه قال: عبدالرحمن بن أبي الزناد دون الدراوردي لا يحتج بحديثه. حدثنا عبدالرحمن، سئل أبي: عبدالرحمن بن أبي الزناد؟ فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو أحب إلي من عبدالرحمن بن أبي الرجال ومن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم. حدثنا عبدالرحمن، قال: سألت أبا زرعة عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، وورقاء، والمغيرة ابن عبدالرحمن، وشعيب بن أبي حمزة: من أحب إليك ممن يروى عن أبي الزناد؟ قال: كلهم أحب إلي من عبدالرحمن بن أبي الزناد. أهـ. ما في "الجرح والتعديل". وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": عبدالرحمن بن أبي الزناد ضعيف. أهـ. وفي كتاب "المجروحين" لابن حبان في ترجمة عبدالرحمن بن أبي الزناد: أنه كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات، قال: وكان ذلك من سوء حفظه وكثرة خطئه فلا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد. وفي "الميزان": أن من مناكيره حديث "من كان له شعر فليكرمه" وحديث "الهرة من متاع البيت".
ومما يمنع اعتبار رواية ابن أبي الزناد المذكورة ما روى عبدالرزاق، عن معمر، عن حميد، عن مجاهد، قال: كان المقام إلى جنب البيت، وكانوا يخافون عليه عافية السيول، وكانوا يطوفون خلفه، فقال عمر للمطلب بن أبي وداعة السهمي: هل تدري أين كان موضعه الأول. قال: نعم. قدرت ما بينه وبين الحجر الأسود، وما بينه وبين الباب. وما بينه وبين زمزم، وما بينه وبين الركن عند الحجر. قال تأتي بمقداره، فجاء بمقداره فوضعه موضعه الأول. أهـ.(5/46)
فإن في هذه الرواية أن الذي دل عمر بن الخطاب على موضعه الأول سهمي لا مخزومي، وهذا أشهر من رواية ابن الجوزي عن ابن أبي الزناد.
مما علل به تأخير عمر المقام مخافة التشويش على الطائفين قال الواقدي وغيره: وفي هذه السنة – أي سنة ثمانية عشر – في ذي الحجة منها حول عمر منها المقام، وكان ملصقًا بجدار الكعبة، فأخره إلى حيث هو الآن، لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفين. نقله عن الواقدي وغيره الحافظ ابن كثير في الجزء السابع من تاريخه "البداية والنهاية" ص93. ثم قال الحافظ ابن كثير: قلت: قد ذكرت أسانيد ذلك في سيرة عمر ولله الحمد والمنة. أهـ. وإلى هذه العلة مال الحافظان: ابن كثير في التأريخ. وابن حجر في "فتح الباري" في كتاب التفسير، قال ابن كثير في التاريخ المذكور ج1 ص164: قد كان هذا الحجر.. أي مقام إبراهيم عليه السلام – ملصقًا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخره عن البيت قليلاً لئلا يشغل المصلون عنده الطائفين بمبيت. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ج8 ص137: كان عمر رأى أن إبقاءه – أي مقام إبراهيم عليه السلام – يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين، فوضع في مكان يرتفع به الحرج. أهـ.
حكم تأخير المقام اليوم نظراً للحرج(5/47)
أثبتنا فيما تقدم أن مقام إبراهيم عليه السلام كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر الصديق وبعض خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سقع البيت، ثم أخره عمر أول مرة مخافة التشويش على الطائفين، ورده المرة الثانية حين حمله السيل إلى ذلك الموضع الذي وضعه فيه أول مرة. ومادام الأمر كذلك، فلا مانع من تأخير المقام اليوم عن ذلك الموضع إلى موضع آخر في المسجد الحرام يحاذيه ويقرب منه. نظرًا إلى ما ترتب اليوم على استمراره في ذلك الموضع من حرج أشد على الطائفين من مجرد التشويش عليهم الذي حمل ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أن يؤخره عن الموضع الذي كان فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر خلافة عمر. وبتأخيره نظرًا لما ذكرنا نكون مقتدين بعمر بن الخطاب المأمور بالاقتداء به ونرفع الحرج من ناحية أخرى عن الأمة المحمدية التي دلت النصوص القطعية على رفع الحرج عنها، قال الشاطبي في "الموافقات": إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع. كقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (1) وسائر ما يدل على هذا المعنى كقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (2) وقوله: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (3) وقوله تعالى: (ما كان على النبي من حرج في ما فرض الله له) (4) وقوله: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(5) قال الشاطبي: وقد سمي هذا الدين الحنيفية السمحة لما فيه من التسهيل والتيسير، وأطال الشاطبي في ذلك، وذكر أن قصد الشارع من مشروعية الرخص رفع الحرج عن الأمة. وقال السيوطي في "الأكليل": قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) هو أصل القاعدة: المشقة تجلب التيسير. وقال أبوبكر
__________
(1) سورة الحج آية 78.
(2) سورة البقرة – آية 185.
(3) سورة النساء – آية 28.
(4) سورة الأحزاب – آية 38.
(5) سورة الأعراف – آية 157.(5/48)
ابن العربي في "أحكام القرآن" في تفسير الآية الكريمة (وما جعل عليكم في الدين من حرج) قال: كانت الشدائد والعزائم في الأمم فأعطى الله هذه الأمة من المسامحة واللين ما لم يعط أحد قبلها. وقال عبدالرزاق في تفسيره: أخبرنا معمر. عن قتادة في قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) قال من ضيق، وقال: أعطيت هذه الأمة ثلاثًا لم يعطها إلا نبي: كان يقال للنبي اذهب فليس عليك حرج، وقد قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ويقال للنبي. أنت شهيد على قومك، وقال الله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) (1) ويقال للنبي: سل تعط، وقال الله تعالى: (أدعوني أستجب لكم).أهـ.
…وفي كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ما يدل على أن تأخير عمر بن الخطاب المقام عن موضعه الأول إلى موضعه اليوم من قبيل رفع الحرج عن الأمة، ونصه (ج8 ص137): كان عمر رأى أن إبقاءه – أي مقام إبراهيم عليه السلام – في الموضع الأول يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين، فوضع في مكان يرتفع به الحرج. أهـ.
__________
(1) سورة الحج – آية 78.(5/49)
ومثل نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن المقام إلى رفع الحرج نظره إليه أيضًا في شأن المطاف حينما كثر الناس فوسعه وتبعه في ذلك عثمان، ففي "الأحكام السلطانية" للماوردي ما نصه: كان أي المسجد الحرام فناء حول الكعبة للطائفين، ولم يكن له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه جدار يحيط به، فلما استخلف عمر رضي الله عنه وكثر الناس وسع المسجد، واشترى دورًا هدمها وزادها فيه، وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا، ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد ذلك، واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، وكانت المصابيح توضع عليه، وكان عمر رضي الله عنه أول من اتخذ جدارًا للمسجد، فلما استخلف عثمان رضي الله عنه ابتاع منازل فوسع بها المسجد، وأخذ منازل قوم ووضع لهم أثمانها، فضجوا منه عند البيت، فقال إنما جرأكم على حلمي عنكم، فقد فعل بكم عمر رضي الله عنه هذا فأقررتم ورضيتم، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبدالله بن خالد بن أسد فخلى سبيلهم، وبنى للمسجد الأروقة. فكان عثمان رضي الله عنه أول من اتخذ للمسجد الأورقة. أهـ. المراد من كلام الماوردي في الأحكام السلطانية. وهو آخر البحث. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
(الختم)
(وطبعت هذه الفتوى مع نصيحة الإخوان في مكة دار الثقافة للطباعة والزنكوغراف)
نصيحة الاخوان
ببيان بعض ما في نقض المبان لابن حمدان من الخبط والخلط والجهل والبهتان
تأليف
صاحب السماحة مفتي الديار السعودية
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: - فإني لما اطلعت على تعقيب الشيخ سليمان بن حمدان على رسالة الشيخ عبدالرحمن المعلمي في موضوع نقل المقام وجدت في ذلك التعقيب مما لا يليق ما يلي: -(5/50)
تأسيس بحثه على أسس غير متينة: كدعواه أن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام ولم يزل فيه إلى أن جعلته قريش في سقع البيت مخافة السيل، ودعواه اتفاق الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أخر المقام عن سقع البيت يوم الفتح إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل ركعتي الطواف خلف المقام قبل حجة الوداع، وأن من السلف من فسر المقام بالبقعة التي خلف المقام في موضعه اليوم، وبنى على ذلك أنه لو انتقل المقام تعينت الصلاة خلفه في الموضع الأول لا في الموضع الأخير، وأن تقديم الطائفين في آيتي تطهير البيت ليس للأهمية.
مهاجمته الروايات التي لا تؤيد أساسًا من هذه الأسس التي سلكها: تارة بالطعن في رواتها ومصححيها من الأئمة(1). وتارة بحملها على غير محملها، وتارة بدعوى الشذوذ فيها.
ترفيع الأزرقي – أبي الوليد مؤرخ مكة – على إمامي المغازي والسير محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر الواقدي.
دعوى أن كلمة "المفتى الأكير" عند الإطلاق لا تنصرف إلا إلى الله عز وجل، ففي إطلاقها على المخلوق منازعة الرب في الأكبرية.
__________
(1) من هذا القبيل: اتهامه مشايخ ابن جريج عطاء وغيره من سادات التابعين بالكذب، ومالك بن أنس بأن ما رواه في شأن المقام إنما تكلم به على سبيل الظن وقد أخطأ فيه، وتصريحه بأن عبدالرزاق تصرف تصرفًا محرمًا محيلاً للمعنى في بعض نصوص المقام، وبأن النسائي – متساهل. وطعنه في ابن كثير بأنه مقلد للمؤرخين الذين لا يعرفون الصحيح من السقيم، وفي ابن حجر صاحب فتح الباري بأنه مقلد لابن كثير تقليدًا أعمى وغير ذلك. وستأتيك العبارات المتضمنة لذلك إن شاء الله.(5/51)
محاولته تضليل المعلمي وإخراجه عن دين الإسلام بدعاوي لم نجد لها مبررًا في كلام المعلمي، وإلزامات لا تستلزمها عبارات المعلمي ولا يرتضيها. لهذا كله أرشدت الشيخ سليمان بن حمدان إلى أن لا ينشر تعقيبه مادام بهذا الوضع. فلم يكن منه بدل قبول إرشادي إلا أن بادر إلى طبعه وتوزيعه دون أن يغير شيئًا مما ذكرناه.
وبناء على ذلك رأيت من الواجب أن أقو بكتابة رد على تعقيبه مرتب على تسعة فصول: الفصل الأول – فيما طعن في رواته ومصححيه من الروايات، والجواب عنه. الفصل الثاني – فيما حمله من الروايات على غير محمله، والجواب عنه. الفصل الثالث – في فيما ادعى فيه الشذوذ من الروايات، وتزييف دعواه. الفصل الرابع فيما عزاه إلى بعض السلف الصالح في تفسير المقام، والجواب عنه.
الفصل الخامس – في رد دعواه اتفاق الروايات على أن أول من حول المقام عن سقع البيت النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل السادس – في رد كلامه في آيتي تطهير البيت.
الفصل السابع – في الرد على ترفيعه الأزرقي على ابن إسحاق والواقدي.
الفصل الثامن – في ذكر كلامه حول لفظة "المفتي الأكبر" والرد عليه.
الفصل التاسع – في ذكر دعاواه الشنيعة حول المعلمي، والجواب عنها. ولم يحملني على كتابة هذا الرد إلا إحقاق الحق وإبطال الباطل، وهذا أوان الشروع في المقصود. فأقول وبالله التوفيق:
فصل: في ما طعن في رواته
من الروايات، والجواب عنه
سلك صاحب النقض مسلك الطعن فيمن روى أو صحح ما يخالف رأيه في المقام، وقع ذلك منه في عدة روايات نذكرها مع الإجابة عنها.(5/52)
أولها: رواية الإمام الشهير عبدالرزاق عن ابن جريج، قال حدثني عطاء وغيره من أصحابنا، قالوا: أول من نقله – أي المقام – عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال صاحب النقض ص: 114 أنكره – أي هذا الحديث – ابن جريج راويه بقوله: سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون أن عمر أول من رفع المقام، كما جاء مصرحًا به في رواية ابن أبي عروبة من طريق عبدالرزاق نفسه، فاختصر ذلك عبدالرزاق في مصنفه بعد اختلاطه بحذف "يزعمون"، وهو تصرف يحيل المعنى، فلا تجوز رواية ذلك عن ابن جريج. إلا مقرونة بإنكاره، لأن الزعم قول يكون مظنة الكذب). وقال في نفس الصفحة: (فأما قول عطاء ومن وافقه على رأيه فلم يستند فيه إلى دليل؛ بل هو مجرد رأي، والرأي لا يعد علمًا، ولا يدخل في حده، لأن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل. والرأي ليس من ذلك، فلا يصلح أن يكون حجة).
هكذا قال صاحب النقض. ولا يخفى ما في عبارته من التحامل على عطاء وغيره من مشائخ ابن جريج، وعلى عبدالرزاق. والجواب عما ذكره من وجوه:
"أولها": أن قول ابن جريج في الرواية التي ذكرها صاحب النقض: (يزعمون) لا يعني به ابن جريج اتهام عطاء وغيره من مشائخه بالكذب كما توهمه صاحب النقض حاشاه من ذلك، وإنما ذلك من استعمال الزعم في القول المحقق، وهو كثير في الأحاديث. من أمثلته ما روى البخاري في صحيحه في "باب إذا حرم طعامًا، وقوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) قال البخاري: حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زبيب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً" الحديث في سبب نزول الآية المذكورة، وقد ذكر الحافظ في "الفتح" في كلامه على هذا الحديث: أن أهل الحجاز يطلقون الزعم بمعنى القول.(5/53)
ومع هذا فمشائخ ابن جريج من التابعين الذين نقل صاحب النقض في نقضه ص41 عن ابن القيم أن الكذب لم يكن معروفًا فيهم، فلا ندري كيف ينقل ذلك هناك عن ابن القيم، ثم يستجيز هنا أن مشائخ ابن جريج من التابعين كذبوا وتبرأ منهم ابن جريج، لا لشيء سوى أنهم رووا ما يخالف رأيه في المقام. وممن سبق العلامة ابن القيم إلى ما نقله صاحب النقض عنه من تبرئة التابعين من الكذب الإمام عبدالرحمن بن أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل" قال ص9: "أنا محمد بن يحيى، أنا العباس بن الوليد النرسي، نايزيد ابن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة في قوله عز وجل: (والذين اتبعوهم بإحسان) (1): التابعين، فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز أو تدركهم وصمة؛ لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه وإقامة سنته وسبله، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى، إذ كنا لا نجد منهم إلا إمامًا مبرزًا مقدمًا في الفضل والعلم ووعي السنن وإثباتها، ولزوم الطريقة واحتبائها، رحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين؛ إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم، ولا هو في مثل حالهم لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان ولا ثبت ممن قد ذكرنا حالهم وأوصافهم ومعانيهم في مواضع من كتابنا هذا، فاكتفينا بها وبشرحها في الأبواب مستغنية عن إعادة ذكرها مجملة أو مفسرة. في هذا المكان. أهـ.
__________
(1) سورة التوبة – آية 100(5/54)
"الثاني": - أن رواية (قالوا) التي اعتبرها صاحب النقض تصرفًا محرمًا محيلا للمعنى واختصارًا من عبدالرزاق ليست إلا تفسيرًا للرواية الأخرى "يزعمون" وقد اعتمد الحافظ ابن كثير في تفسيره على رواية قالوا، وعزاها إلى عبدالرزاق، فلا وجه لتحريم الرواية بها، كما أنه لا وجه للتشكيك في روايات الإمام الشهير عبدالرزاق، فإن ذلك ليس بسهل عند المحدثين، وفيه يقول الحافظ الذهبي في الميزان في "ترجمة علي بن المديني": لو ترك حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبدالرزاق وعثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن سعد وعفان وأبان العطار وإسرائيل وأزهر السمان وبهز بن أسد وثابت البناني وجرير بن عبدالحميد لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الأثار، واستولت الزنادقة ولخرج الدجالون. أهـ كلام الذهبي.
"الثالث": - أن رواية "يزعمون" التي توهم صاحب النقض أنها ليست في مصنف عبدالرزاق – موجودة في المصنف، ولفظ المصنف هكذا: عبدالرزاق، عن ابن جريج، قال سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون أن عمر أول من رفع المقام فوضعه موضعه الآن، وإنما كان قي قُبُل الكعبة. أهـ.(5/55)
"الرابع": - أن ما ذكره عطاء في شأن المقام ليس من قبيل الرأي؛ بل هو من الأخبار عن الأمور التي لا مجال للرأي فيها(1) ولاشك أن اعتماده فيما ذكره من ذلك على النقل، وقد سمع كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم من أم المؤمنين عائشة(2) التي روي عنها البيهقي بسند صحيح أنها قالت: إن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فمن الجائز أن يكون تلقى ما ذكره عن عائشة مادام أدركها وسمع منها؛ بل لو سلكنا مسلك صاحب النقض في رواية الأزرق عن ابن أبي مليكة حيث زعم أن مضمونها تلقاه ابن أبي ملكية عن ثلاثين صحابيًا الذين أدركهم لقلنا بأن عطاء أخذ ذلك عن مائتين من الصحابة الذين ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تهذيب التهذيب" أنه سمع منهم. وعلى كل حال فكلام صاحب النقض في عطاء لا يؤثر في مكانته المعروفة عن أئمة العلم، فقد روى ابن سعد في "طبقاته" قال: أخبرنا أحمد بن عبدالله بن يونس، قال: أخبرنا أبوشهاب، عن ليث، عن عبدالرحمن، قال: والله ما أرى إيمان أهل الأرض يعدل إيمان أبي بكر، وما أرى إيمان أهل مكة يعدل إيمان عطاء، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال حدثنا سفيان، عن سلمة، قال: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاووس، ومجاهد. قال أخبرنا علي بن عبدالله بن جعفر، قال حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية قال: كان عطاء يتكلم، فإذا سئل عن المسألة كأنما يؤيد. رواه ابن
__________
(1) لأنه خبر عن أمر ماض، والأخبار عن الأمور الماضية لا تصل إلى من لم يشاهدها إلا بأخبار مخبر دون الاستخراج بالعقل والاستنباط بالفكر، كما بينه ابن جرير الطبري في مقدمة تاريخه ج1 ص5.
(2) قال ابن حاتم في "الجرح والتعديل": سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قد سمع عطاء من عائشة. وقال أبي حاتم أيضًأ: سئل أبوزرعة: عطاء سمع من عائشة؟ فقال نعم. أهـ.(5/56)
أبي حاتم في "الجرح والتعديل" بزيادة: يعني أن الله عز وجل يؤيده ويلهمه الصواب. وأكبر من هذا ما رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" عن أبي زرعة، ناقبيصة، ناسفيان، عن عمر بن سعيد، عن أمه، قالت: قدم ابن عمر مكة فسألوه، فقال ابن عمر: تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رياح. وذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" نحو هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
"الرواية الثانية" من الروايات التي تعرض صاحب النقض لرواتها بالطعن رواية "المدونة" و "الطراز" عن مالك، المتضمنة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ولي وحج ودخل مكة أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم، وكان ملصقًا بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وقبل ذلك، وكان قدموه في الجاهلية مخافة السيل فأخرجه إلى موضعه اليوم. كانت هذه الرواية مخالفة لدعوى صاحب النقض أن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد النبوة، فحمله ذلك على أن يقول ص35-36: (هذا الذي قاله – أي مالك – بناءٌ منه على استصحاب الحال الذي كان عليه المقام تحت البيت بوضع أهل الجاهلية، وكأنه لم يبلغه تحويل النبي صلى الله عليه وسلم للمقام من تحت البيت إلى موضعه الذي هو فيه الآن، فظن أنه مازال تحت البيت إلى أن رده عمر رضي الله عنه، ولم يبلغه أيضًا رد عمر للمقام لما حمله السيل على وجهه، فظن أن المقاط الذي أتى به المطلب وقيس به موضعه خيوط قديمة قيس بها موضعه حين حوله تحت البيت. هذا الذي يتعين حمل كلامه عليه) هذا نص نقض المباني. وفيه من نسبة التساهل إلى مالك ما لا يخفى. والذي أوجب صاحب نقض المباني حمل الرواية المذكورة عليه من أنه ظن من مالك لا تعطيه عبارتا "المدونة" و "الطراز" اللتان استند إليهما؛ فإنهما صريحتان في أن ما ذكره مالك من قبيل روايته عن غيره، لا من قبيل ظنه. وإليك عبارتيهما: قال سحنون في "المدونة" ج2 ص211 قال: - أي ان القاسم –. (وقال مالك: بلغني أن عمر بن(5/57)
الخطاب لما ولي وحج ودخل مكة أخر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم، وقد كان ملصقًا بالبيت في عند النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وقبل ذلك، وكان قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل، فلما ولي عمر أخرج أخيوطة كانت في خزانة الكعبة قد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت إذ قدموه مخافة السيل، فقاسه عمر فأخرجه إلى موضعه اليوم، فهذا موضعه الذي كان فيه في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم(1) أهـ.
__________
(1) كذا في هذه الرواية. وهو مخالف لما ثبتت به الرواية وهو أن المقام كان من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن. قال الحافظ "في الفتح": أخرجه عبدالرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء وغيره وعن مجاهد. كما يخالف ما في هذه الرواية رواية عثمان ابن أبي سليمان عند الفاكهي. عن سعيد بن جبير. عن ابن عباس في قصة بناء إبراهيم الخليل البيت بلفظ: (فلما بلغ – أي إبراهيم الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه. وأخذ المقام فجعله لاصقًا بالبيت. وروى الحافظ الكلاعي في "كتاب الاكتفاء" نحو ذلك عن أبي الجهم. ولذلك قدمنا ما في تلك الروايات على ما في رواية المدونة هذه من كون المقام في عهد إبراهيم عليه السلام في الموضع الذي هو فيه اليوم.(5/58)
وقال الفقيه سند بن عنان المالكي في كتابه المترجم "بالطراز": وروى أشهب، عن مالك، قال: سمعت من يقول من أهل العلم: إن إبراهيم عليه السلام أقام المقام وقد كان ملصقًا بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسيلم وأبي بكر رضي الله عنه وقبل ذلك، وإنما ألصق إليه لمكان السيل مخافة أن يذهب به. فلما ولي عمر – أي ابن الخطاب رضي الله عنه – أخرج خيوطًا كانت في خزانة الكعبة – وقد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت في الجاهلية إذ قدموه مخافة السيل، فقاسه عمر وأخوه إلى موضعه إلى اليوم. فقول مالك في رواية "المدونة": (بلغني) وقوله في رواية الطراز: (سمعت من التصاق المقام بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقياس عمر ما بين البيت وما بين المقام بالأخيوطة التي كانت في خزانة الكعبة) كل ذلك مما رواه مالك عن غيره؛ لم يتكلم فيه بالظن، وشأن مالك أرفع من أن يتكلم في أمر وقع قبل أن يخلق بظنه، فإن ذلك محض الكذب الذي لا ينسبه إلى مالك إلا من لا يعرف مكانته.(5/59)
"الرواية الثالثة": من الروايات التي تعرض صاحب النقض لمن رواها وصححها بالطعن رواية ابن أبي حاتم في تفسيره، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر العدني، قال قال سفيان: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه. وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا. أهـ. حاول صاحب النقض ص111 إسقاط الاستدلال بهذا الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم في تفسيره الذي التزم فيه أصح الأحاديث، وصححه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري". وبرر صاحب النقض مخالفته لهما بأمرين مما يرجع إلى السند: أحدهما أن هذا الحديث مما حدث به سفيان ابن عيينة بعد اختلاطه. الثاني: تجويز كون هذا الحديث هو الحديث الموضوع الذي قال أبوحاتم رآه عبد العدني حدث به عن ابن عيينة، وصرح صاحب النقض بأن نسبة هذا الحديث إلى سفيان لا تصح. ولا يخفى ما في كلامه هذا من قلة المبالاة بتصحيح ابن أبي حاتم، وابن حجر العسقلاني، والتحامل على سفيان بن عيينة. والجواب عما ذكر بما يلي: -(5/60)
أما دعوى اختلاط "سفيان بن عيينة": فمستندها ما رواه محمد بن عبدالله بن عمار الموصلي، عن يحيى بن سعيد القطان، قال: أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة، فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء. وهذا المستند استبعده الذهبي في "الميزان" وعده غلطًا من ابن عمار، معللاً ذلك بأن القطان مات في صفر سنة ثمان وتسعين وقت قدوم الحاج ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز. قال: فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان ثم يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به، ثم قال الذهبي: فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع؛ مع أن يحيى متعنت في الرجال جدًا، وسفيان ثقة مطلقًا. قال: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع.. ووافق الذهبي على استبعاد رواية ابن عمار الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" و"طرح التشريب". وصحح رواية ابن عيينة المذكورة الحافظ ابن حجر في تفسيره الذي التزم فيه الأصح.
وأما قول صاحب النقض: (لعل الحديث الموضوع الذي رآه أبوحاتم عند العدني هو هذا) أي حديث المقام، فيرده أنه ليس من المعقول أن يعبر أبوحاتم العدلي برؤية حديث موضوع(1) عنده ثم يرتضي روايته عنه بعد ذلك، ويرويه عنه ابنه في تفسيره الذي اشترط فيه أن لا يورد إلا أصح الأخبار إسنادًا وأشبهها متنًا، وتصحيح الحافظ ابن حجر من أئمة المتأخرين مما يشهد ببطلان هذه الدعوى أيضًا.
__________
(1) فإنه قال فيه: كان رجلاً صالحًا به غفلة، رأيت عنده حديثا موضوعًا حدث به عن ابن عيينة وهو صدوق. انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.(5/61)
وأما نفي صاحب النقض صحة هذا الحديث عن سفيان. فمن غرائبه؛ إذ لازم كلامه أن رواة هذا الحديث تحملوا مسئولية اختلاق هذا الحديث، وجاملهم من صححه من الحافظ(1) ولا ينبغي لصاحب النقض أن يتهم ابن أبي حاتم وأباه أباحتم وابن حجر العسقلاني بهذه التهمة التي لا تليق بمكانتهم.
"الرواية الرابعة" – من الروايات التي تعرض صاحب النقض لرواتها بالطعن – رواية النسائي في سننه، قال النسائي: أخبرنا حاجب ابن سليمان المنيجي، عن ابن أبي رواد، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء: عن أسامة بن زيد، قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فسبح في نواحيها وكبر ولم يصل ثم خرج فصلى خلف المقام ركعتين". حاول صاحب النقض مراعاة لما قرره في نقضه من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل خلف المقام قبل حجة الوداع، حاول الطعن في النسائي بهذه الرواية، فقال ص136: (إن المعروف من مذهب أبي عبدالرحمن النسائي أنه يخرج عن كل من لم يجمع على تركه وإن كان مجروحًا. وادعى صاحب النقض أن رواية النسائي هذا الحديث من قبيل التساهل الذي حمل عليه المذهب المذكور؛ لأن في سنده حاجب بن سليمان وعبدالمجيد بن أبي رواد وكلاهما مطعون فيه. أما حاجب فيقول ص136، 137: قال الحافظ ابن حجر: قال الدارقطني في "العلل": لم يكن له كتاب وإنما كان يحدث من حفظه، وذكر له حديثًا وهم في متنه رواه عن وكيع، عن هشام، عن أبيه. عن عائشة "قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" قال: والصواب عن وكيع بهذا الإسناد "كان يقبل وهو صائم". وقال مسلمة بن قاسم: روى عن عبدالمجيد بن أبي رواد أحاديث منكرة. وأما عبدالمجيد ابن أبي رواد فيقول ص137: قال – أي الحافظ – في "التقريب": صدوق، يخطيء، وكان مرجئًا، أفرط ابن حبان فقال متروك). هذا ما ذكره صاحب النقض من ناحية سند هذا الحديث، والجواب: عنه بما يلي:
__________
(1) قلت: كذا بالأصل. ولعله من الحفاظ، ويدل على ذلك ما بعده.(5/62)
أما ما ذكره عن أبي عبدالرحمن "النسائي" فليس القصد منه ما ظنه من أنه متساهل؛ بل القصد منه كما في "توضيح الأفكار" للصنعاني ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال: إنما أراد بذلك – أي تحرجه عمن لم يجمع على تركه – إجماعًا خاصًا، وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلو عن متشدد، ومتوسط. فمن الأولى، شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه. ومن الثانية يحيى القطان، وعبدالرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبدالرحمن، ومن الثالثة يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ويحيى أشد من أحمد
. ومن الرابعة أبوحاتم والبخاري، وأبوحاتم أشد من البخاري. فقال النسائي: لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه) (1) ثم قال الحافظ ابن حجر: فإذا تقرر ذلك ظهر أن ما يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبوداود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه. أهـ.
__________
(1) ممن نقل هذا الكلام عن الحافظ ابن حجر العسقلاني تلميذه الحافظ السخاوي في "الاعلان بالتوبيخ، لمن ذم التاريخ" وعنده زيادة: "فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه القطان مثلا فإنه لا يترك، لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد، ثم قال السخاوي: (انتهى ما حققه شيخنا).(5/63)
وثناء أهل الحديث على النسائي كثير من ضمنه ما ذكره الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" قال: قال الحاكم: سمعت علي بن عمر الحافظ – يعني الدارقطني – غير مرة يقول: أبوعبدالرحمن – يعني النسائي – مقدم على كل من يذكر بهذا العلم في عصره، هو أعرفهم بالصحيح والسقيم، وأعلمهم بالرجال، قال: وقال الدارقطني: سمعت أباطالب الحافظ يقول: من يصبر على ما يصبر عليه أبوعبدالرحمن – يعني النسائي – كان عنده أحاديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث بها، وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة. وقال الدارقطني: كان أبوبكر الحداد الفقيه كثير الحديث. ولم يحدث عن أحد غير أبي عبدالرحمن النسائي فقط، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى. وقال ابن يونس: كان إمامًا في الحديث ثقة ثبتا حافظًا. وقال الصنعاني في "توضيح الأفكار": قال الذهبي في "النبلاء": هو – أي النسائي أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، وهو جابر في مضمار البخاري وأبي زرعة.
وأما ما نقله صاحب النقض عن الدارقطني حول "حاجب بن سليمان المنبجي" فقد تعقبه الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" في باب الوضوء في الكلام على الحديث الذي تكلم فيه الدارقطني، قال الزيلعي: لقائل أن يقول: هو تفرد ثقة، وتحديثه عن حفظه إن كان أوجب كثرة خطئه بحيث يجب ترك حديثه فلا يكون ثقة، ولكن النسائي وثقه. وإن لم يكن يوجب خروجه عن الثقة فلعله لم يهم. وكان نسبته إلى الوهم بسبب مخالفة الأكثرين له. وقال الزيلعي: حاجب لا يعرف فيه مطعن. وقد حدث عنه النسائي. ووثقه وقال في موضع آخر: لا بأس به. أهـ.(5/64)
وقد عاب العلامة ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود" ج5 ص316 طريقة من يرى الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه وضعف من أجله فيجعل ذلك سببًا لتضعيف حديثه أين وجده. فيضعف من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بصحته. وقال ابن القيم في كلامه على ذلك: هذا باب قد اشتبه كثيرًا على غير النقاد. والصواب ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده من تنقية حديث الرجل وتصحيحه. والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر. وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر كإسماعيل ابن عياش في غير الشاميين، وسفيان بن حسين في غير الزهري، ونظائرهما متعددة. وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحدًا كحديث العلاء بن عبدالرحمن مثلا، عن أبيه عن أبي هريرة، فإن مسلمًا يصحح هذا الإسناد ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان وهو من روايته وعلى شرطه في الظاهر، ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث. وتفرده وحده به. وهذا أيضًا كثير يعرفه من له عناية بعلم النقد ومعرفة العلل. وهذا إمام الحديث البخاري يعلل حديث الرجل بأنه لا يتابع عليه، ويحتج به في صحيحه، ولا تناقض منه في ذلك. أهـ كلام ابن القيم. والغرض منه أنه لا يلزم من وهم الراوي في بعض ما رواه أن يحكم على جميع ما رواه بالوهم، وصاحب النقض قد ذكر مثل ذلك في ص83.(5/65)
وأما قول مسلمة بن قاسم في حاجب: روى أحاديث منكرة. فلا يقتضي ترك روايته؛ لما ذكره السخاوي في "فتح المغيث" من أن كلمة روى فلان أحاديث منكرة لا تقتضي الترك. قال: كيف وقد قال أحمد في محمد بن إبراهيم التيمي: يروي أحاديث منكرة، وهو ممن اتفق عليه الشيخان. أهـ. قلت ولهذا نرى مسلمة بن قاسم الذي قال في حاجب: روى أحاديث منكرة. يقول بعد ذلك: وهو – أي حاجب – صالح يكتب حديثه. وقد حذف صاحب النقض هذه العبارة، واقتصر على ما يعتبره جرحًا في حاجب الذي وثقه الإمام النسائي(1) وأمانة العلم توجب خلاف هذا الصنيع.
__________
(1) وكلام مسلمة بن قاسم في من وثقه النسائي لا يقبل، لأنه كما في الميزان للذهبي ضعيف. قال الذهبي: وقيل: إنه من المشبهه.(5/66)
وأما عبدالمجيد بن أبي رواد. ففي "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر العسقلاني من توثيق الأئمة له ما يغنينا عن التعلق بكلام من طعن فيه، فقد قال الحافظ: قال المروزي عن أحمد: كان مرجئًا قد كتبت عنه. قال المروذي: وكان أبو عبدالله يحدث عن المرجيء إذا لم يكن داعية ولا مخاصمًا. قال: وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن ابن معين: ثقة ليس به بأس. وقال الدوري عن ابن معين: ثقة. وقال إبراهيم بن الجنيد: ذكر يحيى بن معين عبدالمجيد فذكر من نبله وهيبته، وكان صدوقًا، ما كان يرفع رأسه إلى السماء، وكانوا يعظمونه. وقال النسائي: ثقة. وقال في موضع آخر: لا بأس به. وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، حدثنا عنه أحمد ويحيى بن معين. وقال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": قريء على العباس بن محمد الدوري. قال سمعت يحيى بن معين يقول: ابن علية عرض كتب ابن جريج على عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد فأصلحها له، فقلت ليحيى ما كنت أظن أن عبدالمجيد كذا. قال يحيى: كان أعلم الناس بحديث ابن جريج، ولكن لم يكن يبذل نفسه للحديث. وقال ابن أبي حاتم أيضًا: قريء على العباس. قال: سمعت يحيى بن معين وسئل عن عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد فقال: ثقة. وقال: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي. قال: سئل يحيى بن معين وأنا أسمع: عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد. فقال: ثقة ليس به بأس. أهـ. قلت: وقد أكثر عمدة صاحب النقض الأزرقي في "تأريخ مكة" من الرواية عن عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد.(5/67)
"الرواية الخامسة": من الروايات التي طعن صاحب النقض في رواتها رواية البيهقي في سننه، قال: أخبرنا أبوالحسن بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبوبكر أحمد بن كامل، حدثنا أبوإسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبوثابت، حدثنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هذا الحديث صححه ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). وقوى الحافظ ابن حجر إسناده في "فتح الباري" في كتاب التفسير ج8 ص137. ورغم هذا كله زعم صاحب النقض ص136 أن هذا الحديث لم يصح عن عائشة، وعلل ذلك بأمرين: أحدهما أن في إسناد البيهقي أحمد بن كامل وعبدالعزيز ابن محمد الدراوردي، يقول صاحب النقض في أحمد بن كامل: ذكروا أنه كان يعتمد على حفظه فيهم. وكان متساهلاً ربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه. ويقول في الدراوردي: ذكروا أنه كان يحدث من كتاب غيره فيخطيء. الثاني: مما استند إليه في تضعيف هذا الحديث قول ابن أبي حاتم في "كتاب العلل": سمعت أبازرعة لا يرويه – أي حديث المقام المذكور – عن عائشة، إنما يرويه عن هشام، عن أبيه فقط. وجزم في ص118 بأن هذا الحديث إنما هو من كلام عروة.
…والجواب عن ذلك بما يلي:
أما "أحمد بن كامل": فالذي تكلم فيه بما ذكره صاحب النقض الدارقطني؛ لا جميع المحدثين كما توهمه عبارة صاحب النقض، ولم يقبل ذلك من الدارقطني، ولذلك تعقبه الذهبي في كتابه "العبر في خبر من غبر" بقول الحسن بن زرقويه في أحمد بن كامل: لم تر عيناي مثله، وقال الذهبي في "الميزان" في ترجمة أحمد بن كامل: لينه الدارقطني، وقال: كان متساهلاً ومشاه غيره.(5/68)
وأما "عبدالعزيز الدراوردي" فقد قال عبدالرحمن بن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": أخبرنا أبوبكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي، قال سمعت يحيى بن معين يقول: عبدالعزيز الدراوردي صالح ليس به بأس. قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن عبدالعزيز بن محمد يعني الدراوردي؛ ويوسف بن الماجشون، فقال: عبدالعزيز بن محمد محدث، ويوسف شيخ. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي، قال: سمعت معصبًا الزبيري يقول: مالك بن أنس يوثق الدراوردي. أهـ. وقال الحافظ ابن التركماني في "الجوهر النقي" في باب النفر يصيبون الصيد ج1 ص351: الدراوردي احتج به الشيخان وبقية الجماعة. وقال ابن معين: ثقة حجة، وثقة القطان، وأبوحاتم وغيرهما. أهـ. وأما ما ذكره صاحب النقض عن علل ابن أبي حاتم. فلا يؤثر في رواية السلمي الحديث عن أبي ثابت عن الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة؛ لأن كون أبي زرعة لم يسمع هذا الحديث إلا موقوفًا على عروة لا يمنع أن يسمعه السلمي مسندًا إلى عائشة كما وقع، وهو ثقة يجب قبول زيادته.(5/69)
"الرواية السادسة": من الروايات التي تعرض صاحب النقض لرواتها بالطعن الرواية التي أشار إليها ابن كثير بقوله: وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي يمنة الداخل من الباب. قال صاحب النقض ص104: كأنه – أي ابن كثير – يشير بقوله هذا إلى موضع الخلوق من إزار الكعبة. ثم قال صاحب النقض: (وإني لأعجب من قوله – أي ابن كثير: ومكانه معروف اليوم. من أين له معرفة أن ذلك الموضع الذي ذكره مكان المقام في عهد إبراهيم عليه السلام، وما دليله عليه، ولعله أخذ هذا عن بعض المؤرخين الذين ينقلون ما قيل من غير نظر في صحة القول من عدمها كابن جبير في أخبار رحلته) وصرح بعد ذلك بأن ما ذكره ابن كثير تخمين لا دليل عليه. إلى هذا الحد وصل تحامل صاحب النقض على الحافظ ابن كثير، وما ذكره حوله خلاف المعروف عنه من التحري في كتاباته. وقد شهد له الحافظ بالتحقيق والنقد. قال الحافظ الذهبي في المعجم المختص: وهو – أي ابن كثير – فقيه متقن ومحدث محقق ومفسر نقاد. وما ذكره ابن كثير في مكان المقام أنه كان إلى جانب الباب مما يلي يمنة الداخل من الباب رواه الإمام الحافظ سليمان بن سالم المشهور بالكلاعي في "كتاب الاكتفاء في مغازي المصطفى، والثلاثة الخلفاء". روى عن أبي الجهم أنه قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت. وأدخل الحجر في البيت جعل المقام لاصقًا بالبيت عن يمين الداخل. أهـ.(5/70)
وأما موضع الخلوق من إزار الكعبة الذي استجاز صاحب النقض حمل كلام ابن كثير عليه. فقد نقل صاحب النقض في نقضه عن محمد بن سراقة العامري أنه موضع المقام قبل تحويله. قال صاحب النقض ص41 و ص42: ذكر الفقيه محمد بن سراقة العامري في كتاب "دلائل القبلة" في موضع المقام عند الكعبة: ومن الباب – يعني باب البيت إلى مصلى آدم عليه السلام حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه التوبة وهو موضع الخلوق من إزار الكعبة أرجح من تسعة أذرع، وهناك كان موضع مقام إبراهيم عليه السلام وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عنده حين فرغ من طوافه ركعتين وأنزل الله عليه: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) ثم نقله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو فيه الآن، وذلك إلى عشرين ذراعًا من الكعبة؛ لئلا ينقطع الطواف بالمصلين خلفه، أو يترك الناس الصلاة خلفه لأجل الطواف، ثم حمله السيل في أيام عمر وأخرجه من المسجد، فأمر عمر رضي الله عنه برده إلى موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهـ. ففي هذه العبارة وإن لم يمل صاحب النقض إلى ما فيها من جهة موضع المقام دلالة على أن ما ذكره ابن كثير ذكره محمد بن سراقة العامري الذي هو ممن اعتمد عليه صاحب النقض في أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أخر المقام إلى موضعه اليوم – معرضًا عن الروايات الصحيحة المثبتة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من أخره إلى ذلك الموضع.(5/71)
"الرواية السابعة": من الروايات التي تعرض صاحب النقض لرواتها بالطعن رواية عبدالرزاق بلفظ: كان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن. اعتبر صاحب النقض هذه الرواية من كلام الحافظ ابن حجر، فتعقبها بقوله ص103: (هذا قول لا دليل عليه، وإنما قاله – أي ابن حجر – تقليدًا لابن كثير). والذي أوقع صاحب النقض في هذا عدم تدبر عبارة "فتح الباري" إذ لو تدبرها لعلم أن ما ذكره الحافظ رواية لا رأي، ونصه ص137 ج8: كان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن. أخرجه عبدالرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء وغيره، وعن مجاهد أيضًا، وأخرجه البيهقي عن عائشة بسند قوي، ولفظه: أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر. ثم قال الحافظ: قد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عيينة، قال: كان المقام في سقع البيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر، فجاء سيل فذهب به، فرده عمر إليه. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بالبيت أم لا.
ومما تعرض صاحب النقض فيه للحافظ ابن حجر قوله تعقيبًا على ما في "فتح الباري" في بحث المقام بلفظ: (تهيأ له – أي لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه – ذلك – أي تأخير المقام عن موضعه الأول، لأنه الذي أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل المقصورة الموجودة الآن على المقام) قال صاحب النقض تعقيبًا على هذا ص158: (لا صحة لما ذكره ابن حجر في الفتح أن عمر أول من عمل المقصورة الموجودة الآن على المقام) وصرح في ص157 بأن هذا الكلام علو عن التحقيق.(5/72)
أقول: قول الحافظ ابن حجر (وأول من عمل المقصورة الموجودة الآن على المقام) ليس معطوفًا على قوله (لأنه الذي أشار باتخاذه مصلى) كما توهمه صاحب النقض، فإن عطفه عليه يقتضي اعتباره تعليلا ثانيًا لتهييء تأخير المقام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبطلان ذلك واضح لمن له أدنى إلمام بالعلم، فضلا عن الإمام الحافظ ابن حجر؛ ولهذا تعين أن يكون قول الحافظ: (وأول من عمل المقصورة) ابتداء كلام بيض الحافظ لتكملته ولم يتيسر له ذلك ففي سلوك هذا المسلك غنية عن التحامل على إمام مثل الحافظ ابن حجر العسقلاني، وقد أشار المعلمي إلى ما ذكرناه حول هذه العبارة بإيجاز، ولو سلك صاحب النقض هذا المسلك كان أحسن من مسلكه.
فصل: في ما حمله من الروايات على غير محمله
…سلك صاحب النقض هذا المسلك في حديثين، نذكرهما، مع الإجابة عنهما فيما يأتي:(5/73)
"أولهما": حديث البخاري عن عمرو بن دينار، قال: سألنا ابن عمر عن رجل طاف بالبيت للعمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة. تعقب صاحب النقض ص119 قول المعلمي بأن هذا القدوم كان في عمرة يراها عمرة القضية بقوله: (إن صح أن القدوم كان في عمرة القضية حمل على أن صلاته خلف المقام إنما وقعت اتفاقًا قبل مشروعية ذلك). والباعث لصاحب النقض على هذا دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل خلف المقام قبل حجة الوداع، معللاً ذلك في ص63 بأن الصلاة خلفه إنما شرعت بعد تجويله ونزول آيته التي نزلت في حجة الوداع. وما حمل عليه حديث ابن عمر المذكور ودعواه المذكورة جميع ذلك مردود. أما حمل ما في حديث ابن عمر من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين خلف المقام في عمرته على أن ذلك إنما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقًا قبل مشروعية ركعتي الطواف. فيرده تراجم الإمامين البخاري وابن ماجه لهذا الحديث، فقد ترجمه البخاري في كتاب الصلاة من صحيحه (باب قول الله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وترجمه في كتاب الحج: (باب من صلى ركعتين الطواف خلف المقام) وترجمه ابن ماجه في سننه (باب الركعتين بعد الطواف) ثم رواه من طريق وكيع عن محمد بن ثابت العبدي، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فطاف بالبيت ثم صلى ركعتين قال وكيع: يعني عند المقام ثم خرج إلى الصفا". ومع هذا فحمل صاحب النقض صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين خلف المقام على أن ذلك وقع منه اتفاقًا قبل المشروعية ينافي قول صاحب النقض نفسه ص46 (إنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئًا من التشريع إلا بأمر الله؛ لأن الله يقول في كتابه: (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي). ولو تمسك بكلامه هذا(5/74)
كان خيرًا له من حمل الأحاديث على غير محملها.
وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف مقام إبراهيم قبل حجة الوداع فأمر ثبتت به روايات كثيرة:
عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام يعني يوم الفتح" أخرجه أبوداود.
عن عبدالله بن أبي أوفى "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين" أخرجه البخاري وأبوداود والنسائي وابن ماجه، وهذه العمرة التي ذكرها ابن أبي أوفى عمرة القضية كما في "فتح الباري – في المغازي" واستدل الحافظ لذلك بما روى الإسماعيلي في مستخرجه من طريق ابن أبي عمر العدني، عن سفيان، عن إسماعيل بن خالد، سمع ابن أبي أوفى يقول: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية فكنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه".
عن جابر قال: "لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال نعم" أخرجه ابن ماجه وابن أبي حاتم وابن مردويه. ومن طريق ابن مردويه رواه الحافظ ابن كثير في تفسيره، ونقله عنه صاحب النقض ص38، 39.
عن مشائخ ابن سعد في سياق فتح مكة ما لفظه: "وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت على راحلته وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فيقع الصنم لوجهه، وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة. ثم جاء إلى المقام وهو لاصق بالكعبة فصلى خلفه ركعتين" رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى.(5/75)
وأما قول صاحب النقض: بأن تحويل مقام إبراهيم عليه السلام إنما كان في حجة الوداع، وفيها شرعت الصلاة خلفه. فيخالف من ناحية تأريخ التحويل ما في نقضه ص4 عن موسى بن عقبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخر المقام يوم الفتح. ولاشك أن فتح مكة قبل حجة الوداع، كما يخالف من ناحية تأريخ مشروعية الصلاة خلف المقام ما نقله صاحب النقض ص41، 42 عن "شفاء الغرام" ولفظه: وذكر الفقيه محمد بن سراقة العامري في كتابه "دلائل القبلة" في موضع المقام عند الكعبة -: ومن الباب يعني باب البيت إلى مصلى آدم عليه السلام حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه التوبة وهو موضع الخلوق من إزار الكعبة أرجح من تسعة أذرع، وهناك كان موضع مقام إبراهيم عليه السلام، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، وأنزل الله عليه (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) ثم نقله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو فيه الآن، وذلك على عشرين ذراعًا من الكعبة. أهـ. ففي هذه العبارة التي استدل بها صاحب النقض على أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من حول المقام من موضعه الأول إلى موضعه اليوم دليل على أنه صلى خلف المقام ركعتين قبل النقل.
هذا وهدفنا من الاستدلال بهذه العبارة إثبات تناقض صاحب النقض، وإلا فغير خاف علينا مخالفة ما فيها لما ثبت بأسانيد قوية عن عائشة أم المؤمنين وأصحاب ابن جريج وعطاء وغيره ومجاهد وسفيان بن عيينة وبعض مشائخ مالك وابن سعد والواقدي وغيرهم من أن أول من أخر المقام إلى موضعه اليوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم تصح الرواية عن السلف بما يخالف ذلك.(5/76)
"الحديث الثاني": من الحديثين الذين حملهما صاحب النقض على غير محملهما حديث عائشة عند البيهقي المتقدم "أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر رضي الله عنه" ثم زعم صاحب النقض أن هذا الحديث لم يصح إلا من كلام عروة؛ استناداً لما قدمناه الرد عليه من ناحية السند، وحمله على أساس دعواه أنه من كلام عروة على أن مراد عروة يكون المقام عند سقع البيت وضعه عنده بعد أن حمله السيل إلى أن قدم عمر رضي الله عنه من المدينة فرده إلى موضعه. قال: فعلم بهذا أنه لا خلاف بين ما قاله عروة وما رواه غيره في موضع المقام، وأن من نسب إليه خلاف هذا فقد غلط. وهذا الذي حمل عليه حديث البيهقي المذكور على فرض أنه من كلام عروة يمنعه سياق الحديث؛ فإن لفظه هكذا "أن المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه" فقوله "زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر" صريح في خلاف ما زعمه صاحب النقض.
فصل: فيما ادعى فيه الشذوذ من الروايات، والجواب عنه
إدعى صاحب النقض الشذوذ في روايتين من نصوص المقام:(5/77)
"أولاهما": رواية الفاكهي عن عثمان بن أبي سليمان، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس في سياق قصة بناء إبراهيم الخليل عليه السلام البيت بلفظ "فلما بلغ – أي إبراهيم عليه السلام – الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه، وأخذ المقام فجعله لاصقًا بالبيت". إدعى صاحب النقض شذوذ قوله "فجعله لاصقًا بالبيت" وعلل ذلك ص60، 61 (بأن عثمان بن أبي سليمان تفرد بهذه الزيادة عمن كان معه حينما حدثهم سعيد بن جبير وهم كثير من كثير وعبدالرحمن بن أبي حسين وغيرهما، قال: فهذا مما يدل على شذوذها، وذكر أن هذه الزيادة – يعني رواية عثمان المذكورة – ليست في رواية البخاري المعلقة والموقوفة، ولا ذكرها الأزرقي، وإنما ذكرها صاحب الفتح في رواية الفاكهي، وعارض صاحب النقض ص60 رواية عثمان بن أبي سليمان المذكورة بقول الفاسي في "شفاء الغرام": موضع المقام الآن هو موضعه في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام من غير خلاف علم في ذلك) وأضاف صاحب النقض إلى كلامه في هذا الحديث انتقاده على المعلمي ترضيه على عثمان بن أبي سليمان مادام تابعيًا، وذكر أن الترضي عنه يوهم كونه صحابيًا، والجواب عن جميع ما ذكره بما يلي:(5/78)
أما عدم ذكر غير عثمان بن أبي سليمان هذه الزيادة فلا يصيرها شاذة مادامت لم تتناف مع روايات أخر قوية، ولا مع المزيد عليه، وما كان من أنواع الزيادة كذلك يجب قبوله كما بينه أئمة العلم، ومثل له السيوطي في "تدريب الراوي" بزيادة إبراهيم بن موسى في حديث علي أن "العين وكاء اله" زاد إبراهيم بن موسى "فمن نام فليتوضأ". وقد روى أبوالجهم مثل ما روى عثمان بن أبي سليمان ففي "كتاب الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء" للإمام الحافظ أبي الربيع سليمان بن سالم المشهور بالكلاعي أن أبا الجهم قال في روايته لبناء البيت: "لما فرغ إبراهيم بن بناء البيت وأدخل الحجر في البيت جعل المقام لاصقًا بالبيت عن يمين الداخل". ويضاف إلى هذا أن زيادة عثمان بن أبي سليمان من ضمن زيادات فتح الباري على نص البخاري التي اشترط الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمته أن تكون صحيحة أو حسنة قال في "مقدمة فتح الباري" ج1 ص3 بعد ذكر فصول مقدمته: (فإذا تحررت هذه الفصول، وتقررت هذه الأصول، افتتحت شرح الكتاب – يعني البخاري – مستعينًا بالفتاح الوهاب، فأسوق إن شاء الله الباب وحديثه أولا – ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية، ثم استخرج ثانيًا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية: من تتمات، وزيادات، وكشف غامض، وتصريح مدلس بسماع، ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك، منتزعًا كل ذلك من أمهات المساند والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد، بشرط الصحة والحسن فيما أورده من ذلك. أهـ المراد من نص مقدمة "فتح الباري".(5/79)
وأما قول الفاسي في "شفاء الغرام": موضع المقام الآن هو موضعه في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام من غير خلاف علم في ذلك) فمردود بالروايتين المذكورتين عن عثمان بن أبي سليمان وأبي الجهم إن كانت العبارة (من غير خلاف علم) بصيغة الماضي المبني للمجهول من العلم، وإن كانت العبارة ما وجدناه في "مراة الحرمين" بلفظ: (من غير خلاف أعلمه) بصيغة المضارع فالأمر هين، لأن نفي العلم بالشيء لا يستلزم عدمه.
وأما انتقاد صاحب النقض ترضي المعلمي عن عثمان الراوي لهذه الرواية، ودعواه إن ذلك يوهم كونه صحابيًا. فإنما نشأ من اعتقاد تخصيص الترضي بالصحابة، وهو خلاف ما عليه المحققون من أهل العلم، قال النووي في "الأذكار": يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله، ونحو ذلك. وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله: (رضي الله عنه) مخصوص بالصحابة، ويقال في غيرهم رحمه الله فقط. فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه، ودلائله أكثر من أن تنحصر. أهـ. وفي "شرح ألفية العراقي" و "تدريب الراوي" ما نصه: قد روى الخطيب أن الربيع بن سليمان قال له القاريء يومًا: حدثكم الشافعي. ولم يقل: رضي الله عنه. فقال الربيع: ولا حرف حتى يقال رضي الله عنه. أهـ.(5/80)
"الرواية الثانية" من الروايتين اللتين ادعى صاحب النقض فيهما الشذوذ رواية النسائي المتقدمة عن أسامة بن زيد، قال "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فسبح في نواحيها وكبر ولم يصل ثم خرج فصلى خلف المقام ركعتين". كان مما علل به صاحب النقض هذا الحديث دعوى الشذوذ فيه، قال في ص137: (إن رواية النسائي هذه مخالفة لما ثبت في الروايات الصحيحة في موضع صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من البيت، ففي بعضها "أنه صلى في وجه الكعبة" وفي بعضها "أنه صلى في قبل الكعبة" وفي بعضها "أنه صلى عند باب الكعبة" وفي بعضها "أنه صلى مستقبل وجه الكعبة" وفي بعضها "أنه صلى في قبل البيت" وليس في شيء مما وقفت عليه من الروايات التي ذكرت فيها صلاته صلى الله عليه وسلم وبعد خروجه من البيت أنها كانت خلف المقام سوى رواية النسائي هذه، وهذا مما يدل على شذوذها وحصول الوهم فيها وأن المحفوظ ما في أكثر الروايات من أن صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من البيت كانت في وجه الكعبة، ولم تكن خلف المقام).(5/81)
هذا ما ذكره صاحب النقض. وهو غير صحيح كما يعلم من كلام الفاسي في "شفاء الغرام" ج1 ص221 حيث ذكر رواية حديث أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع قبل البيت ركعتين وقال: هذه القبلة" وذكر بجنبها رواية النسائي التي فيها "أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح في نواحي البيت وكبر ولم يصل ثم خرج وصلى خلف المقام ركعتين ثم قال هذه القبلة". ثم لا منافاة بين قول أسامة في الحديث الأول "ركع قبل البيت" وبين قوله في الحديث الثاني "وصلى خلف المقام ركعتين" لأن المقام كان في وجه الكعبة على ما ذكره ابن عقبة في "مغازيه" وغيره، فيكون قوله "صلى خلف المقام" مفسرًا لقوله: "ركع قبل البيت" لينتفي التعارض بين حديثيه، وهذا أولى من حمل قوله على أنه صلى خلف المقام في موضعه اليوم؛ لأنه إذا حمل على ذلك يفهم منه التناقض.
ثم ذكر الفاسي ص221 حديث ابن السائب عند الأزرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح في وجه الكعبة حذو الطرقة البيضاء ثم رفع يديه فقال هذه القبلة. قال الفاسي: إذا كان حديث ابن السائ يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عند الكعبة في يوم فتح مكة وقال هذه القبلة، واقتضى ذلك حديث أسامة، ففي ذلك دليل على اتحاد المصلى الذي ذكره أسامة وابن السائب). أهـ كلام الفاسي. ومفاده أن "خلف المقام" و "قبل البيت" و "وجه الكعبة" كل هذه الألفاظ بمعنى واحد. ومادام الأمر كذلك فأمر باقي الروايات سهل؛ لأن معناها يرجع إلى هذه التي ذكرها الفاسي، وبهذا تبين أن لا تنافي بين رواية النسائي وبين غيرها من الروايات، ولا شذوذ.
فصل
في ذكر ما عزاه إلى بعض السلف في تفسير المقام والجواب عنه(5/82)
قال صاحب النقض ص184: قد ذهب غير واحد من السلف إلى أن المقام المأمور باتخاذه مصلى الذي خلف المقام، ورجح هذا القول إمام المفسرين أبوجعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله، وقال: إنه أولى الأقوال عندنا بالصواب. وبنى صاحب النقض على هذا الذي زعم أنه مذهب غير واحد من السلف، وادعى أن ابن جرير رجحه. بنى عليه أن حكم الصلاة متعلق بالبقعة التي خلف المقام في موضعه اليوم لا بالمقام، بحيث لو نقل عن موضعه إلى موضع آخر تعينت الصلاة في ذلك الموضع الأول.
أقول: لم يذهب أحد من السلف إلى أن المقام هو البقعة التي خلف المقام، ودعوى ترجيح ابن جرير ذلك باطلة؛ فإن ابن جرير استعرض في تفسيره من أقوال السلف في المقام ما يلي:
أولا: أنه الحج كله.
ثانيًا: أنه عرفة – ومزدلفة – والجمار.
ثالثًا: أنه الحرم.
رابعًا: أنه الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناء البيت وضعف عن رفع الحجارة.
خامسًا: أنه المقام المعروف بهذا الإسم الذي هو في المسجد الحرام.(5/83)
هذه الأقوال التي استعرضها ابن جرير في تفسيره ثم قال: (أولى الأقوال بالصواب عندنا ما قاله القائلون: إن مقام إبراهيم هو المقام المعروف بهذا الإسم، الذي هو في المسجد الحرام؛ لما روينا آنفًا عن عمر بن الخطاب(1) ولما حدثنا يوسف بن سليمان، ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: "استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا ثم تقدم إلى المقام فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بيبه وبين البيت فصلى ركعتين" فهذان الخبران ينبئان أن الله تعالى ذكره إنما عنى بمقام إبراهيم الذي أمرنا الله باتخاذه مصلى هو الذي وصفنا، ولو لم يكن على صحة ما اخترنا في تأويل ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان الواجب من القول ما قلنا، وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول، حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك مما يجب التسليم له). هذه عبارة ابن جرير.
ولكن هناك عبارة فيها خلل في النسخ التي وقفنا عليها، وهي التي اغتر بها صاحب النقض، نصها بعد ما تقدم هكذا: (ولاشك أن المعروف في الناس بمقام إبراهيم هو المصلى الذي قال الله تعالى ذكره (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فإن أهل التأويل مختلفون في معناه: فقال بعضهم: هو المدعى إلخ... ولاشك عند كل من نظر في هذه العبارة أن فيها خللا، ولعل صوابها هكذا: ولاشك أن المعروف بهذا الاسم هو إما المصلى الذي قال الله تعالى ذكره: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فإن أهل التأويل مختلفون في معناه. فبهذا يرتبط الكلام معنى ولفظًا.
__________
(1) يعني ابن جرير بذلك ما رواه من طرق عن حميد، عن أنس بن مالك، قال قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو اتخذت من المقام مصلى، فأنزل الله: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى).(5/84)
ويدل على ما ذكرنا قول ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) ما نصه: وأما اختلاف أهل التأويل في مقام إبراهيم فقد ذكرناه في سورة البقرة، وبينا أولى الأقوال بالصواب هناك، وأنه عندنا المقام المعروف به. فتأويل الآية يعني قوله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم) أن أول بيت وضع للناس مباركًا وهدى للعالمين الذي ببكة، فيه علامات بينات من قدرة الله وآثار خليله إبراهيم منهن أثر قدم خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الحجر الذي قام عليه. أهـ. فهذا نص صريح بأن أولى الأقوال بالصواب عند ابن جرير أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه، لا نفس البقعة التي خلف الحجر.
وأما فتوى صاحب النقض بأن حكم الصلاة إنما يتعلق بنفس البقعة لا بالمقام. ففي غاية المخالفة لعمل الصحابة حين نقل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه المقام عن موضعه في عهد النبوة إلى موضعه الذي هو فيه اليوم.
فصل في رد عواه اتفاق الروايات على أن أول من حول المقام النبي صلى الله عليه وسلم(5/85)
قال صاحب النقض ص136: اتفقت الروايات على تحويل النبي صلى الله عليه وسلم للمقام، وأن هذا موضع المقام في زمن النبوة. وفي ص168 (أن تحويل النبي صلى الله عليه وسلم للمقام من تحت البيت إلى مكانه اليوم ثابت بنقل الثقات، وهذا أمر لا يقبل الشك والارتياب عند من أنصف، وقد وضحنا جميع ذلك بشواهده فيما تقدم) وفي ص175 (قد قامت الأدلة المتظاهرة على تحويل النبي صلى الله عليه وسلم للمقام، وعلى أن هذا موضعه في زمن النبوة، ولما نقله السيل منه رده عمر إليه وثبته فيه، ومع تظافر الأدلة على هذا وتعاضدها هل يبقى للشك في هذا مجال ولمن أنكر ذلك إلا العناد والشقاق، وقد توعد تعالى من فعل ذلك بقوله: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) هذا نص نقض المباني. وجميعه مردود:
أما دعوى صاحب النقض أنه أوضح في رسالته اتفاق الروايات على تحويل النبي صلى الله عليه وسلم للمقام بنقل الثقات. فغير صحيحة؛ فإنه لم يذكر مما يصرح بتحويل النبي صلى الله عليه وسلم لمقام إبراهيم عليه السلام غير روايتين:(5/86)
"أحدهما": عن مجاهد عند ابن مردويه وابن أبي داود أنه قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه هذا" وهذه الرواية ضعفها الحافظان ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في "فتح الباري" وبينا أنها مخالفة لما صح عن مجاهد قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) من تفسيره بعد ذكره هذا الأثر عن مجاهد: (هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم عن رواية عبدالرزاق عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد: أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا صح من طريق ابن مردوية مع اعتضاد هذا بما تقدم) يعني ابن كثير بما تقدم ذكره قبل ذلك من الآثار؛ فإنه قال: قال الحافظ أبوبكر أحمد بن علي ابن الحسين البيهقي: أخبرنا أبوالحسين بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبوبكر أحمد بن كامل، حدثنا أبواسماعيل محمد ابن اسماعيل السلمي، حدثنا أبوثابت، حدثنا الدراوردي، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها "أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه" قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح. ثم قال: وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي، أخبرنا ابن أبي عمر العدني، قال قال سفيان يعني ابن عيينة وهو إمام المكيين في زمانه: كان المقام في سقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه. وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله، قال سفيان لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا. قال ابن كثير: فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه) يعني من(5/87)
كون المقام في سقع البيت قبل تحويل عمر إياه في خلافته.أهـ.
وقال ابن حجر في تفسير الآية المذكورة في "فتح الباري" ج8 ص137: أخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله، والأول أصح). يعني بالأول ما رواه عبدالرزاق عن معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ووجه ضعف السند الذي أشار إليه الحافظ: أن فيه ضعيفين: "أحدهما": شريك بن عبدالله وهو كما في "تقريب التهذيب" يخطيء كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء. "الثاني": إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي ضعفه علي بن المديني ويحيى بن سعيد وأحمد ابن حنبل، كما في "الضعفاء" للمقيلي، وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": ليس بالقوي. وقد اطلع صاحب النقض على كلام الحافظين في هذه الرواية ومع ذلك ضرب عنه صفحًا، وصار ينسب مضمونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون مبالاة بضعفها، وأطال في الثناء على مرسلات مجاهد بما لا يجدى مادام شرط ذلك مفقودًا وهو صحة السند إلى مجاهد وعدم قوة المعارض.
"الرواية الثانية": مما يصرح بتحويل النبي صلى الله عليه وسلم لمقام إبراهيم عليه السلام عن موضعه الأول إلى موضعه اليوم مما ذكره صاحب النقض ما في تاريخ ابن كثير "البداية والنهاية" عن موسى بن عقبة "أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أخر المقام إلى مقامه اليوم وكان ملصقًا بالبيت" أهـ.
وهذا يجاب عنها بأنها مع عدم الوقوف على سندها تخالف ما ثبت عن عائشة وعروة شيخ موسى بن عقبة وعطاء وغيره من أصحاب ابن جريج، وهو أن أول من حول المقام عن موضعه الأول إلى الموضع الذي هو فيه اليوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولهذا نرى ابن كثير الذي نقل هذا عن مغازي بن عقبة لم يعتبر؛ بل جزم بما ثبت عن الأعلام المذكورين.(5/88)
وأما دعوى صاحب النقض تظاهر الروايات على أن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد النبوة فمن جنس دعواه الأولى في عدم الصحة؛ فإن الصريح في ما ذكره من ذلك روايتان في "تأريخ مكة" للأزرقي.
1- قوله: حدثني جدي، قال حدثنا عبدالجبار بن الورد، قال سمعت ابن أبي مليكة يقول: موضع المقام هذا الذي هو به اليوم هو موضعه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس.
2- روى أبوالوليد الأزرقي في "تأريخ مكة" عن جده، عن داود بن عبدالرحمن العطار حديثًا طويلا فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة في وجه الكعبة حذو الطرقة البيضاء، ثم روى عن جده أنه قال: قال داود: وكان ابن جريج يشير لنا إلى هذا الموضع، ويقول: هذا الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الموضع الذي جعل فيه المقام حين ذهب به سيل أم نهشل إلى أن قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرده إلى موضعه الذي كان فيه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وبعض خلافة عمر رضي الله عنه إلى أن ذهب به السيل.(5/89)
وهاتان الروايتان فيهما ما فيهما. أما رواية الأزرقي عن ابن أبي مليكة فلأن راويها عبدالجبار بن الورد، يخالف في بعض حديثه كما رواه العقيلي في "كتابه – الضعفاء" عن الإمام البخاري(1)
__________
(1) ومن أغرب ما جاء به صاحب النقض دعواه ص76 أن كلام ابن أبي ملكية هذا تلقاه عن ثلاثين صحابيًا الذين أدركهم قال: (هو – أي ما ذكره ابن أبي مليكة – من العلم المأثور الذي تلقاه ابن أبي ملكية عمن أدركهم من الصحابة. فإنه أدرك ثلاثين منهم، لأن ما ذكره لا يقال من قبل الرأي). وهذا مردود من وجهين: أحدهما: - أن الثلاثين صحابيا الذين أدركهم بن أبي ملكية لم يسمع منهم كلهم إنما سمع من بعض، وفي ذلك يقول العيني في "عمدة القاريء" في الكلام على قول البخاري في (باب خوف المؤمن أن يحيط عمله) قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين صحابيًا كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول أنه على ايمان جبريل وميكائيل. قال العيني ص275 ج:1 أدرك – أي ابن مليكة بالسن جماعة ولم يسمع منهم، كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، وأظن صاحب النقض لو اطلع على قول ابن حبان في كتابه "مشاهير علماء الأمصار" في ابن أبي مليكة: رأى ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لو اطلع على هذا لادعى أن ما ذكرله الأزرقي عن ابن أبي مليكة تلقاه عن أولئك الثمانين صحابيًا. الثاني أن ما ذكره ابن أبي مليكة لم نجده عن صحابي واحد فضلا عن ثلاثين، بل الذي وجدناه عن عائشة وهي من أجل من أدركهم من الصحابة خلاف هذا، فقد ثبت عنها أن أول من أخر المقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويرى المحب الطبري في "القرى": أن كلام ابن أبي مليكة هذا إنما فهمه من سياق قصة المطلب بن أبي وداعة، ومادام الأمر كذلك فلا يقدم على تصريح عائشة.
…(5/90)
. وأما رواية الأزرقي عن ابن جريج فلمخالفتها ما صح عن مشائخ ابن جريج من رواية ابن جريج عنهم، فقد روى عبدالرزاق في مصنفه، عن ابن جريج أنه قال: سمعت عطاء وغيره من أصحابنا يزعمون أن عمر أول من رفع المقام فوضعه موضعه الآن، وإنما كان في قبل الكعبة. ومع هذا ففي هاتين الروايتين مخالفة لدعوى صاحب النقض أن أول من حول المقام إلى الموضع الذي هو فيه اليوم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ظاهرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحول المقام عن الموضع الذي كان فيه في الجاهلية، بل استمر المقام في عهده في ذلك الموضع وفي عهد أبي بكر وبعض خلافة عمر قبل مجيء السيل الذي احتمله وبعد ما ذهب به السيل رده عمر إلى ذلك الموضع. هذا موقفنا من هاتين الروايتين.
وأما ما ليس بصريح من الروايات فيرجع إلى ما روى ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سفيان بن عيينة إمام المكيين في زمانه، قال: "كان المقام في سقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر رضي الله عنه إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه" الحديث.
وأما قول صاحب النقض: (هل يبقى للشك في هذا – أي تحويل النبي صلى الله عليه وسلم للمقام – مجال، ولمن أنكر ذلك إلا العناد والشقاق، وقد توعد تعالى من فعل ذلك بقوله: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) الآية.
فالجواب عنه أن ما ذكره من الروايات في ذلك هو الذي بينا حالته آنفًا، ودعوى كون القول بأن عمر بن الخطاب أول من أخر المقام إلى موضعه اليوم مشاقة للرسول وإتباع غير سبيل المؤمنين باطلة، فإنه لو كان كذلك لما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعطاء وغيره من مشائخ ابن حريج، ومجاهد، وسفيان بن عيينة، وأشياخ ابن سعف.(5/91)
وقد جمع كلامهم الإمام العلامة أبوبكر بن زيد الخزاعي الحنبلي في كتابه: "تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد" قال: روى محمد بن سعد عن أشياخ له أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملتصقًا بالبيت. وروى عبدالرزاق عن عطاء وغيره من أصحاب ابن جريج ومجاهد: أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وروى البيهقي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: أن المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن كثير: وسنده صحيح، وروى ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال: كان المقام في سقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر رضي الله عنه إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب السيل به بعد تحويل عمر رضي الله عنه إياه من موضعه هذا فرده عمر رضي الله عنه إليه. وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا. قال ابن كثير: فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه. وذكر الحافظ أبوبكر بن مردويه بسنده إلى إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله لو صلينا خلف المقام. فأنزل الله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا. قال مجاهد: قد كان عمر رضي الله عنه يرى الرأي فينزل به القرآن. وهذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم من رواية عبدالرزاق عن مجاهد أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن كثير: وهو أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضاده بما تقدم) ومر الخراعي في كلامه إلى أن ذكر أن عمر رضي الله عنه أخره أولا ثم ذهب به السيل ثم أخره فيكون أخره مرتين). أهـ المراد من كلام الخزاعي.(5/92)
وجزم بمضمون هذه الروايات عن أولئك الأئمة: الحافظان ابن كثير في "تفسيره وتأريخه" وابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" وضعفا ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أخر مقام إبراهيم عليه السلام إلى الموضع الذي هو فيه اليوم.
فصل في رد كلامه في آيتي التطهير
ذكر المعلمي في رسالته أن تقديم (الطائفين) في قوله تعالى: (أن طهرا بيتي للطائفين) (1) وفي قوله تعالى: (وطهر بيتي للطائفين) الآيتين الكريمتين(2) يفيد الأهمية بحيث يقدم الطائفون إذا حصل التعارض بينهم وبين العاكفين والمصلين تطوعًا.فتعقب صاحب النقض ذلك في ص12، 13 وذكر أن لانكتة لتقديم (الطائفين) على سواهم في هاتين الآيتين، واستند في تلك الدعوى إلى أمرين: أحدهما ان "الواو" في قوله تعالى: (للطائفين والعاكفين والركع السجود) واو العطف. قال: وهي عند النحاة لمطلق الجمع. وحمى بعض الأصوليين الغجماع على ذلك، ونقله أبوعلي الفارسي إجماع نحاة الكوفة والبصرة عليه. الثاني: أنه قد روى عن بعض السلف تفسير (الطائفين) بمن أتى البيت من غربة، (والعاكفين) بالمقيمين فيه. قال: وقد سوى الله بينهما في قوله تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) (3) هذا ما ذكره. والجواب عنه بما يلي:
__________
(1) سورة البقرة آية 125
(2) سورة الحج آية 16
(3) سورة الحج – آية 25(5/93)
اما حكاية الإجماع على كون "واو العطف" غير مفيدة للترتيب فغير صحيحة. كما بينه ابن هشام والأسنوي، وابن اللحام، وابن كثير، قال ابن هشام في "المغني": وكونها – أي الواو السيرافي: فإن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب. مردود؛ بل قال بإفادتها إياه قطرب، والربعي، والفراء، وثعلب، وأبوعمرو الزاهد، وهشام، والشافعي. أهـ. وقال الإمام الأسنوي في "نهاية السول، على منهاج الأصول للبيضاوي": وقال السيرافي والسهيلي والفارسي: أجمع عليه – أي على عدم إفادة "الواو" للترتيب نحاة البصرة والكوفة. وليس الأمر كما قالوا، فقد ذهب جماعة إلى أنها للترتيب مهم ثعلب وقطرب وهشام وأبوجعفر الدينوري وأبوعمرو الزاهد. وقال: ابن اللحام في "قواعده" في ذكر المذاهب في "الواو": "الثالث" أنها تدل على الترتيب. وممن قال ذلك من أصحابنا عن الإمام أحمد بن أبي موسى في الارشاد. وأبومحمد الحلواني وغيرهما حتى إن الحلواني لم يحك خلافًا عن أصحابنا، إلا أنه قال تقتضي أصولها أنها للجمع، ونقل هذا المذهب صاحب "التتمة" من الشافعية عن بعض أصحابهم، وتابع الماوردي في الوضوء من الحاوي فنقله عن الأخفش وجمهور الشافعية: واختاره الشيخ أبوإسحاق في"التبصرة" نقل هذا المذهب أيضًا قطرب عن طائفة من النحاة منهم ابن درستويه وثعلب وأبوعمر والزاهد وابن جني وابن برهان الربعي. أهـ.(5/94)
وقال ابن كثير من أئمة التفسير في (تفسير آية الوضوء) في بحث دلالة "الواو" على الترتيب: منهم من قال لا نسلم أن "الواو" لا تدل على الترتيب، بل هي دلت عليه كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعض الفقهاء. ثم نقول: وبتقدير تسليم كونها لا تدل على الترتيب اللغوي هي دالة عليه شرعًا فيما من شأنه أن يترتب، والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) (1) ثم قال: "أبدأ بما بدأ الله به" لفظ مسلم. ولفظ النسائي "إبدءوا بما بدأ الله به" وهذا لفظ أمر. وإسناده صحيح، فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به، وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعًا. أهـ كلام ابن كثير. وكلام العلماء في بطلان دعوى الإجماع على أن "الواو" لا تفيد الترتيب كثير.
__________
(1) سورة البقرة – آية 158(5/95)
وأما ما يتعلق بالآية التي نحن بصدد الكلام عليها فقد بين السهيلي وابن القيم نكتة تقديم الطائفين على من سواهم. قال السهيلي في بحث الواو الذي نقله عنه ابن القيم في "بدائع الفوائد ج1 ص65": بدأ أي في الآية الكريمة – بالطائفين للرتبة والقرب من البيت المأمور بتطهيره من أجل الطوافين، وجمعهم جمع السلامة، لأن جمع السلامة أدل على لفظ الفعل الذي هو علة تعلق بها حكم التطهير، ولو كان مكان (الطائفين) الطواف لم يكن في هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما في قوله (للطائفين) ألا ترى انك تقول: تطوفون، كما تقول: طائفون. فاللفظان متشابهان. فإن قيل: فهلا أتى بلفظ الفعل بعينه فيكون أبين، فيقول: وطهر بيتي للذين يطوفون. قيل: إن الحكم يعلل بالفعل لا بذوات الأشخاص، ولفظ الذين ينبيء عن الشخص والذات. ولفظ الطواف يخفي معنى الفعل ولا يبينه. فكان لفظ (الطائفين) أولى بهذا الموطن. ثم يليه في الترتيب القائمين، لأنه في معنى (العاكفين) وهو في معنى قوله: (إلا ما دمت عليه قائمًا) (1) أي مثابرًا ملازمًا، وهو كالطائفين في تعلق حكم التطهير به، ثم يليه بالرتبة لفظ الركع لأن المستقبلين البيت بالركوع لا يختصون بما قرب منه كالطائفين، ولذلك لم يتعلق حكم التطهير بهذا الفعل الذي هو الركوع، وأنه لا يلزم أن يكون في البيت ولا عنده، فلذلك لم يجيء بلفظ جمع السلامة، لأنه لا يحتاج فيه إلى بيان لفظ الفعل كما احتيج فيما قبله.
__________
(1) سورة آل عمران – آية 75(5/96)
وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد ج1 ص81" في كلامه على الآية المذكورة: فإنه ذكر أخص هذه الثلاثة وهو الطواف الذي لا يشرع إلا بالبيت خاصة، ثم انتقل منه إلى الاعتكاف وهو القيام المذكور في الحج، وهو أعم من الطواف، لأنه يكون في كل مسجد، ويختص بالمساجد لا يتعداها، ثم ذكر الصلاة التي تعم سائر بقاع الأرض سوى ما منع منه مانع أو استثنى شرعًا. وإن شئت قلت: ذكر الطواف الذي هو أقرب من العبادات بالبيت: ثم الاعتكاف الذي يكون في سائر المساجد، ثم الصلاة التي تكون في البلد كله، بل في كل بقعة.
يضاف إلى هذا إستدلال من قال من أئمة العلماء بأفضلية التطوع بالطواف على التطوع بالصلاة بهذه الآية كابن عباس وغيره، وقد كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم البدء بالطواف قبل كل شيء كما صرح به شيخ الإسلام ابن تيمية في منسكه قال: النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دخل المسجد ابتدأ بالطواف، ولم يصل قبل ذلك تحية المسجد، بل تحية المسجد الحرام الطواف بالبيت.
وممن سبق شيخ الإسلام ابن تيمية إلى تقرير ذلك عمدة صاحب النقض الأزرقي في "تأريخ مكة" والإمام الشافعي في "الأم". قال الأزرقي في "أخبار مكة" ج2ص91: حدثني جدي – أي أحمد ابن محمد بن الوليد – حدثني مسلم بن خالدج الزنجي. عن ابن جريج. قال: قال عطاء: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو ولم يعرج ولم يبلغنا أنه دخل بيتًا ولا لوى لشيء ولا عرج في حجته هذه وفي عمره كلها حتى دخل المسجد، ولم يصنع شيئًا ولا ركع حتى بدأ بالبيت فطاف به، وهذا أجمع في حجته وعمره كلها. أهـ.(5/97)
وقال الإمام الشافعي في "الأم": (باب ما جاء في تعجيل الطواف بالببيت حين يدخل مكة) أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو ولم يعرج. قال الشافعي لم يبلغنا أنه حين دخل مكة لو لشيء ولا عرج في حجته هذه ولا عمرته كلها حتى دخل المسجد ولا صنع شيئًا حين دخل المسجد لا ركع ولا صنع غير ذلك حتى بدأ بالبيت فطاف، هذا أجمع في حجه وفي عمرته كلها. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج، قال: قال عطاء فيمن قدم معتمرًا فقدم المسجد: لأن يطوف بالبيت فلا يمنع الطواف ولا يصلي تطوعًا حتى يطوف، وإن وجد الناس في المكتوبة فليصل معهم. ولا أحب أن يصلي بعدها شيئًا حتى يطوف بالبيت، وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف. فإن قطع الإمام طوافه فليتم بعد. أخبرنا سعيد بن سالم. عن ابن جريج، قال قلت لعطاء: ألا أركع قبل تلك المكتوبة إن لم أكن ركعت ركعتين. قال: لا. إلا ركعتي الصبح إن لم تكن ركعتهما فاركعهما ثم طف، لأنهما أعظم شأنًا من غيرهما. أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج أنه قال لعطاء: المرأة تقدم نهارًا؟ قال: ما أبالي إن كانت مستورة أن تقدم نهارًا. قال الشافعي: وبما قال عطاء آخذ لموافقته السنة فلا أحب لأحد قدر على الطواف أن يبدأ بشيء قبل الطواف إلا أن يكون نسي المكتوبة فليصلها، أو يقدم في آخر مكتوبة فيخاف فواتها فيبدأ بصلاتها، أو خاف فوت ركعتي الفجر فيبدأ بهما، أو نسي الوتر فليبدأ به ثم يطوف، فإذا جاء وقد منع الناس الطواف ركع ركعتين لدخول المسجد إذا منع الطواف، فإن جاء وقد أقيمت الصلاة بدأ بالصلاة، فإن جاء وقد تقاربت إقامة الصلاة بدأ بالصلاة. والرجال والنساء فيما أحببت من التعجيل حين يقدمون ليلاً سواء. وكذلك هم إذا قدموا نهارًا، إلا إمرأة لها شباب ومنظر فإني أحب لتلك تؤخر الطواف حتى الليل ليستر الليل منها. أهـ نص "الأم". وهو صريح في أن من قدر على الطواف(5/98)
لا يبدأ بشيء قبله، وعند الأزرقي بسنده إلى ابن جريج أنه قال في عطاء: هو يشدد في تأخير الطواف بالبيت جدًا. قال: لا تؤخره إلا لحاجة: إما لوجع، وإما لحصار. قال: فإذا دخلت المسجد فسأعتئذ فطف حين تدخل. قلت له: إني ربما دخلت عشية فأحببت أن أوخره إلى الليل. قال: لا يؤخره إلا أن يمنع إنسان الطواف فيصلي تطوعًا إن بدا له. أهـ.
وأما قول المعلمي (يقدم الطائفون عند التعارض بينهم وبين العاكفين والمصلين تطوعًا) فيشهد له ما ذكره الحافظ ابن كثير في تأريخه "البداية والنهاية" ج7 ص93 عن أئمة هذا الشأن أنهم قالوا: حول عمر المقام وكان ملصقًا بجدار الكعبة فأخره إلى حيث هو الآن؛ لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفين، ثم قال ابن كثير: قلت: قد ذكرت أسانيد ذلك في سيرة عمر: ولله الحمد والمنة.
أما تفسير (الطائفين) بالآيتين من غربة. فقد استبعده القرطبي في تفسيره، وذكر ابن جيرير الطبري في تفسيره أنه ليس بصواب قال: لأن الطائف هو الذي يطوف بالشيء دون غيره، والطاريء من غربة لا يستحق اسم طائف بالبيت إن لم يطف به. أهـ.
(فصل) في ترفيعه الأزرقي على ابن اسحاق والواقدي، والرد عليه(5/99)
قال صاحب النقض في نقضه ص71 و ص72: (إذا كان محمد بن إسحاق بن يسار المرمي بالتشيع والقدر والتدليس إمامًا وحجة في المغازي، ومحمد بن عمر الواقدي الذي هو متروك الرواية لا يحتج به إذا انفرد إنما يستفاد كثير من أمور المغازي من جهته، حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل أمور المغازي وأخبرهم بأحوالهم. وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه. فالإمام أبوالوليد الأزرقي الذي لم يرم ببدعة، ولم يجرح بقادح يوجب الطعن يما يرويه أولى وأحرى بأن يكون حجة فيما دونه من أخبار مكة، وما تعلق بالمشاعر المعظمة) هكذا حاول صاحب النقض ترفيع عمدته الأوزرقي مؤرخ مكة الذي لم يترجمه أحد من أئمة عصره بشيء(1) على إمامي المغازي والسير محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر الواقدي، وذلك غير لائق، فإنهما وإن تكلم فيهما بعض أئمة العلم فهما مشهوران عند أئمة زمانهما ومن بعدهم بالعلم، وقد ذب عنهما من أئمة العلم من تذكر كلامه فيما يلي:
أما "محمد بن إسحاق" فقد قال البخاري في "التأريخ الكبير": قال لي علي بن عبدالله، عن ابن عيينة، قال الزهري: من أراد المغازي فعليه بمولى قيس بن مخرمة هذا – يعني ابن اسحاق – قال ابن عيينة: ولم أر أحدًا يتهم ابن إسحاق، قال في عبيد بن يعيش: سمعت يونس بن بكير يقول: سمعت شعبة يقول: محمد بن إسحاق أمير المحدثين بحفظه، مات سنة إحدى وخمسين ومائة. أهـ.
__________
(1) بذلك صرح الفاسي في "العقد الثمين" في ترجمة الفاكهي باهمال الفضلاء ترجمته.(5/100)
وقال البخاري في "جزء القراءة خلف الإمام": رأيت علي بن عبدالله يحتج بحديث ابن إسحاق. وقال علي. عن ابن عيينة: ما رأيت أحدًا يتهم ابن إسحق. قال البخاري: قال لي إبراهيم بن المنذر: حدثنا عمر بن عثمان: أن الزهري كان يتلقف المغازي من ابن إسحاق المدني فيما يحدثه عن عاصم بن قتادة. قال البخاري: والذي يذكر عن مالك في ابن إسحق لا يكاد يبين، وكان اسماعيل ابن أبي أويس من أتبع من رأينا مالكًا أخرج كتب ابن إسحق عن أبيه في المغازي وغيرها، فانتخبت منها كثيرًا، وقال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي. وإبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثًا في زمانه، ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحق فلربما تكلم الإنسان فيرمي صاحبه بشيء واحد ولا يتهمه في الأمور كلها. وقال إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطأ، وهما ممن يحتج بحديثهما، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما ذكره عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم، تأول بعضهم في الغرض والنفس. ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير. وقال عبيد ابن يعيش: حدثنا يونس بن بكير. قال سمعت شعبة يقول: محمد ابن اسحاق أمير المحدثين لحفظه. وروى عنه الثورين وابن ادريس وحماد بن زيد، ويزيد بن زريع. وابن علية. وعبدالوارق، وابن المبارك، وكذلك احتمله أحمد ويحيى وعامة أهل العلم. وقال لي علي بن عبدالله: نظرت في كتاب ابن إسحق فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين. وقال بعض أهل المدينة: إن الذي يذكر عن هشام بن عروة. قال: كيف يدخل ابن إسحق على امرأتي؟ لو صح عن هشام جاز أن تكتب إليه، فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزًا، فإن النبي صلى(5/101)
الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابًا، وقال: "لا تقرأه حتى نبلغ كذا وكذا" فلما بلغ فتح الكتاب، وأخبرهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وحكم بذلك، وكذلك الخلفاء والأئمة يفضون كتاب بعضهم إلى بعض، وجائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب، وهشام لم يشهد. أهـ. كلام البخاري في "جزء القراءة خلف الإمام".
وممن حذا حذو البخاري في الذب عن ابن إسحق من المتأخرين السهيلي صاحب "الروض الأنف" وابن القيم. قال السهيلي في "الروض الأنف": محمد بن إسحق رحمه الهل ثبت في الحديث عند أكثر العلماء، وأما في المغازي والسير فلا تجهل إمامته فيهما، قال ابن شهاب الزهري: من أراد المغازي فعليه بابن إسحق. ذكره البخاري في "التاريخ" وذكر عن سفيان بن عيينة أنه قال: ما أدركت أحدًا يتهم ابن إسحق في حديثه، وذكر أيضًا عن شعبة بن الحجاج أنه قال: ابن إسحق أمير المؤمنين – يعني في الحديث – وذكر أبويحيى الساجي رحمه الله بإسناد له عن الزهري أنه قال: خرج إلى قريته باذام فخرج غليه طلاب الحديث فقال لهم: أين أنتم من الغلام الأحول، أو قد خلفت فيكم الغلام الأحول – يعني ابن اسحق – وذكر الساجي أيضا قال: كان أصحاب الزهري يلجئون إلى محمد بن اسحق فيما شكوا فيه من حديث الزهري ثقة منهم بحفظه. هذا معنى كلام الساجي نقلته من حفظي لا من كتاب. وذكر عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان أنهم وثقوا ابن اسحق واحتجوا بحديثه. وذكر علي بن عمر الدارقطني في "السنن" حديث القلتين من جمؤع طرقه وما فيه من الاضطراب. ثم قال في حديث جرى قال: وهذا يدل على حفظ محمد بن إسحاق وشدة إتقانه. ثم ذكر السهيلي أن ابن إسحاق أدرك من لم يدركه مالك روى حديثًا كثيرًا عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، ومالك إنما يروى عن رجل عنه، ثم قال: وذكر الخطيب أحمد بن علي ابن ثابت في تاريخه فيما ذكر لي عنه أنه – يعني ابن إسحق – رأى أنس بن مالك وعليه عمامة سوداء(5/102)
والصبيان خلفه يشتدون ويقولون هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يلقى الدجال، وذكر الخطيب أيضًا أنه روى عن سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وذكر أن يحيى بن سعيد الأنصاري شيخ مالك روى عن ابن اسحق، قال: وروى عنه سفيان الثوري والحماد أن: حماد بن سلمة بن دينار، وحماد بن زيد ابن درهم وشعبة. وذكر عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن اسحق. أهـ.(5/103)
وقال الإمام ابن القيم في باب الرد على الجهمية ج7 ص94 من "تهذيب سنن أبي داود": إن ابن اسحق بالموضع الذي جعله الله من العلم والأمانة. قال علي بن المديني: حديثه عندي صحيح. وقال شعبة: ابن إسحق أمير المؤمنين في الحديث. وقال أيضًا: هو هو صدوق. وقال علي بن المديني أيضًأ: لم أجد له سوى حديثين متكريين. وهذا في غاية الثناء والمدح إذ لم يجد له على كثرة ما روى إلا حديثين متكريين، وقال علي أيضًا: سمعت ابن عيينة يقول: ما سمعت أحدًا يتكلم في ابن إسحق إلا في قوله في القدر، ولا ريب أن أهل عصره أعلم به ممن تكلم فيه بعدهم. وقال محمد بن عبدالله ابن الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال الزهري: لا يزال بهذه الحرة علم مادام ذلك الأحول – يريد به ابن إسحق – وقال يعقوب ابن شيبة: سألت يحيى بن معين: كيف ابن إسحق؟ قال: ليس بذلك. قلت: في نفسك من حديثه شيء؟ قال: لا، كان صدوقًا. وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: لو كان في سلطان لأمرت ابن إسحق على المحدثين. وقال ابن عدي: قد فتشت أحاديث ابن إسحق الكبير فلم أجد في حديثه ما يتهيؤ أن نقطع عليه بالضعف. وربما أخطأ أو وهم كما يخطيء غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة. وهو لا بأس به. وقال أحمد بن عبدالله العجلي: ابن اسحق ثقة. وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث ذكرها لابن إسحق في صحيحه. وقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن إسحق، حدثنا سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال: "كنت ألقى من المذي شدة فأكثر الاغتسال منه" الحديث. قال الترمذي: هذا حديث صحيح لا تعرفه إلا من حديث ابن اسحق. فهذا حكم قد تفرد به ابن إسحق في الدنيا وقد صححه الترمذي.(5/104)
ثم قال الإمام ابن القيم: فإن قيل: فقد كذبه، مالك، فقال أبوقلاية الرقائي: حدثني أبوداود سليمان بن داود، قال: قال يحيى بن القطان: أشهد أن محمد بن إسحق كذاب. قلت: وما يدريك؟ قال: قال لي وهب، فقلت لوهب وما يدريك؟ قال: قال في مالك بن أنس. فقلت لمالك: وما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة. قال: قلت لهشام: وما يدريك؟ قال: حدث على امرأتي فاطمة بنت المنذر. ودخلت عليها وهي بنت تسع وما رآها رجل حتى لقيت الله.
قيل: هذه الحكاية وأمثالها هي التي غرت من اتهمه بالكذب. وجوابها من وجوه:
"أحدها": أن سليمان بن داود راويها عن يحيى هو الشاذكوني وقد اتهم بالكذب فلا يجوز القدح في الرحل بمثل رواية الشاذكوني.
"الثاني": أن في الحكاية ما يدل على أنها كذب، فإنه قال: أدخلت فاطمة علي وهي بنت تسع. وفاطمة أكبر من هشام بثلاثة عشرة سنة، ولعلها لم تزف إليه إلا وقد زادت على العشرين، ولما أخذ عنها ابن إسحق كان لها نحو بضع وخمسين سنة.
"الثالث": أن هشامًا إنا نفى رؤيته لها ولم ينف سماعه منها، ومعلوم إنه لا يلزم من انتفاء الرؤية انتفاء السماع. قال الإمام أحمد: لعله سمع منها في المسجد. أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب، فأي شيء في هذا، فقد كانت امرأة كبرت وأسنت، وقال: يعقوب بن شيبة: سألت ابن المديني عن ابن إسحاق، فقال: حديثه عندي صحيح. قلت: فكلام مالك فيه؟ قال: مالك لم يجالسه ولم يعرفه، وأي شيء حدث بالمدينة. قلت: فهشام بن عروة قد تكلم فيه. قال: الذي قال هشام ليس بحجة. لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها؛ فإن حديثه ليتبين فيه الصدق، يروي مرة يقول حدثني أبوالزناد، ومرة يقول ذكر أبوالزناد، ويقول حدثني الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في "سلف وبيع" وهو أروى الناس عن عمرو بن شعيب. انتهى المراد من كلام ابن القيم.(5/105)
وأما "محمد بن عمر الواقدي" فعندنا له – وإن تكلم فيه بعض أهل ا لعلم – من شهادات أئمة الحديث ما لم يوجد منه شيء للأزرقي مؤرخ مكة، قال الخطيب: هو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم: من المغازي والسير، والطبقات، وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، والأحداث التي كانت في وقته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وكتب الفقه، واختلاف الناس في الحديث. وغير ذلك. وقال الحافظ أبوالفتح محمد بن محمد المعروف بابن سيد الناس في "عيون الأثر": وقال محمد بن خلاد: سمعت محمد بن سلام الجمحي يقولك محمد بن عمر الواقدي عالم دهره. وقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمن الناس على أهل الإسلام. وقال الحربي أيضًا: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الإسلام فأما الجاهلية فلم يعمل فيها شيئًا. وقال يعوب بن شيبة: لما انتقل الواقدي من الجانب الغربي إلى ها هنا يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر. وقيل كانت كتبه ستمائة قمطر، وقال محمد بن جرير الطبري: وقال ابن سعد: كان الواقدي يقول: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي، وروى غيره عنه قال: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته هل سمعت أحدًا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل، فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه، ونحو هذا الكلام. وقال ابن منيع: سمعت هارون الفروي يقول: رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة، فقلت: أين تريد؟ قال أريد أن أمضي إلى حنين حتى أرى موضع الواقعة. وقال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول: رأيت الواقدي يومًا جالسًا إلى اسطوانة في مسجد المدينة وهو يدرس، فقال له: أي شيء تدرس؟ فقال: حزبي من المغازي، وروينا عن أبي بكر الخطيب قال: أنا الأزهري قال: أنا محمد بن العباس، قال أنا أبوأيوب، قال(5/106)
سمعت إبراهيم الحربي يقول: وأخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي، ثنا عبدالله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري، ثنا محمد بن أيوب بن المعافى، قال قال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول: قلنا للواقدي هذا الذي تجمع الرجال تقول: ثنا فلان وفلان وجئت بمتن واحد، لو حدثتنا بحديث كل رجل على حدة. قال: يطول. فقلنا لقد رضينا، قال: فغاب عنا جمعة ثم أتانا بغزوة أحد عشرين جلدًا، وفي حديث البرمكي مائة جلد، فقلنا له ردنا إلى الأمر الأول، معنى اللفظين متقارب. وعن يعقوب بن شيبة قال: ومما ذكر لنا أن مالكًا سئل عن قتل الساحرة، فقال: انظروا هل عند الواقدي في هذا شيء، فذاكروه ذلك، فذكر شيئًا عن الضحاك بن عثمان، فذكروا أن مالكًا قنع به، وروى أن مالكًا سئل عن المرأة التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ما فعل بها، فقال ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم قال فلقي الواقدي، قال يا أبا عبدالله: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها، فقال مالك قد سالت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها. وقال أبوبكر الصاغاني: لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه، حدث عن أربعة أئمة: أبوبكر بن أبي شيبة، وأبوعبيد، وأحسبه ذكر أبي خيثمة ورجلاً آخر. وقال عمرو الناقد: قلت للدراوردي: ما تقول في الواقدي؟ قال: لا تسألني عن الواقدي، سل الواقدي عني. وذكر الدراوردي الواقدي فقال: ذلك أمير المؤمنين في الحديث. وسئل أبوعامر العقدي عن الواقدي، فقال: نحن نسأل عن الواقدي، إنما يسأل هو عنا، ما كان يفيدنا الأحاديث والشيوخ بالمدينة إلا الواقدي، وقال الواقدي: لقد كانت الواحي تضيع فأوتي بها من شهرتها بالمدينة. يقال: هذه ألواح ابن واقد. وقال مصعب الزبيري: والله ما رأينا مثله قط. قال مصعب: وحدثنا من سمع عبدالله بن المبارك يقول: كنت أقدم المدينة فما يفيدني ولا يدلني على الشيوخ إلا الواقدي. وقال مجاهد بن موسى: ما كتبت عن(5/107)
أحد أحفظ منه. وسئل عنه مصعب الزبيري، فقال: ثقة مأمون. وكذلك قال المسيبي. وسئل عنه معن بن عيسى فقال: أنا أسأل عنه؟ هو يسأل عني. وسئل عنه أبويحيى الزهري، فقال: ثقة مأمون، وسئل عنه ابن نمير، فقال: أما حديثه عنا فمستو، وأما حديث أهل المدينة فهم أعلم به. وقال يزيد بن هارون: ثقة، وقال عباس العنبري: هو أحب إلى من عبدالرزاق. وقال أبوعبيد القاسم بن سلام: ثقة. وقال إبراهيم: وأما فقه أبي عبيد فمن كتاب محمد بن عمر الواقدي: الاختلاف، والإجماع كان عنده، وقال إبراهيم الحربي: من قال إن مسائل مالك بن أنس وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق، إنه يقول سألت مالكًا وسألت ابن أبي ذئب. وقال إبراهيم بن جابر: حدثني عبدالله ابن أحمد بن حنبل. قال كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد ثلاثة قماطر، قلت له: كان ينظر فيها؟ قال: كان ربما نظر فيها، وكان أكثر نظره في كتب الواقدي.
وأما ما أنكر على الواقدي، فقد تعرض له ابن سيد الناس في "عيون الأثر" قال: سئل إبراهيم الحربي عما أنكره أحمد على الواقدي؟ فقال: إنما أنكر عليه جمعه الأسانيد ومجيئه بالمتن واحدًا. وقال إبراهيم: وليس هذا عيبًا، فقد فعل هذا الزهري، وابن اسحق: قال إبراهيم: لم يزل أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن اسحق إلى محمد بن سعد فيأخذ له جزئين من حديث الواقدي فينظر فيهما، ثم يردهما ويأخذ غيرهما.(5/108)
ثم ذكر ابن سيد الناس كلام من ضعف الواقدي، وكلام من نسبه إلى وضع الحديث وتقليب الأخبار، وأجاب عن ذلك بقوله: قلت: سعة العلم مظنة لكثرة الاغراب، وكثرة الاغراب مظنة التهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت بذلك غرائبه. وقد روينا عن علي بن المديني أنه قال: للواقدي عشرون ألف حديث لم نسمع بها، وعن يحيى بن معين: أغرب الواقدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين ألف حديث، وقد ورينا عنه من تتبعه آثار مواضع الوقائع. وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال سلفهم ما يقتضي انفرادًا بروايات وأخبار لا تدخل تحت الحصر. وكثيرًا ما يطعن في الراوي برواية وقعت له من أنكر تلك الرواية عليه واستغربها منه. ثم يظهر له أو لغيره بمتابعة متابع أو سبب من الأسباب براءته من مقتضى الطعن فيتخلص بذلك من العهدة. وقد روينا عن الإمام لأحمد رحمه الله ورضي الله عنه أنه قال: مازلنا ندافع أمر الواقدي حتى روى عن معمر عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أفعمياوان انتما، فجاء بشيء لا حيلة فيه، والحديث حديث يونس لم يروه غيره. وروينا عن أحمد بن منصور الرمادي قال: قدم علي بن المديني بغداد سنة سبع ومائتين والواقدي يومئذ قاض علينا، وكنت أطوف مع علي على الشيوخ الذي يسمع منهم، فقلت: أتريد أن تسمع من الواقدي، ثم قلت له بعد ذلك: لقد أردت أن أسمع منه. فكتب إلى أحمد بن حنبل: كيف تستحل الرواية عن رجل روى عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة، وهذا حديث يونس تفرد به، قال أحمد بن منصور الرمادي: فقدمت مصر بعد ذلك، فكان ابن أبي مريم يحدثنا به عن نافع بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن نبها، وقد رواه أيضًا يعقوب بن سفيان، عن سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن يزيد كرواية الرمادي، قال الرمادي: فلما فرغ ابن أبي مريم من هذا الحديث ضحكت. فقال مم تضحك؟ فأخبرته بما قال علي. وكتب إليه أحمد فقال لي ابن أبي(5/109)
مريم: إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري، وكان الرمادي يقول: هذا مما ظلم فيه الواقدي. فقد ظهر في هذا الخبر أن يونس لم ينفرد به. وإذ قد تابعه عقيل فلا مانع من أن يتابعه معمر، وحتى لو لم يتابعه عقيل لكان ذلك محتملا، وقد يكون فيما رمى به من تقليب الأخبار ما ينحو هذا النحو. أهـ المراد من كلام صاحب "عيون الأثر".
(فصل) في ذكر كلمة المفتي الأكبر والرد عليها(1)
__________
(1) القصد بهذا البحث رد دعوى ابن حمدان أن اطلاق لفظة "المفتي الأكبر" على المخلوق فيه منازعة للربوبية، لا رغبتي في تلقيبي بهذا اللقب، فإني وإن كان الأمر فيه كما ذكرنا أكرهه.(5/110)
قال صاحب النقض ص188: وأما وصفه لفضيلة المفتي "بالأكبر" كما اعتاده بعض من لا علم عنده وجعله ديدنه في خطاباته لفضيلته، فهذا خطأ واضح، بل زلة كبرى، لأن المفتي الأكبر هو الله جل وعلا؛ لأن الفتوى هي بيان الحكم للسائل، والله سبحانه هو الذي شرع الأحكام وبينها لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد أخبر تعالى عن توليه لمنصب الفتوى في قوله: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) (1) وقال (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) (2). وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة السحر: "أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي"(3) وفتوى أهل العلم إنما هو مجرد التبليغ عنه لما أفتى به، والأخبار بأنه أمر بكذا ونهي عن كذا وأحل كذا وحرم كذا، والمفتي في الحقيقة هو الله عز وجل. وبما أن الوصف "بالأكبر" أفعل تفضيل مطلق يقتضي تفضيل الموصوف بالأكبرية على غيره، وهذا لا يليق إلا بالله، لأن هذا الوصف لا يصدق إلا عليه، ولا ينصرف عند الإطلاق إلا إليه، فإطلاقه على المخلوق تهجم على مقام الربوبية في الفتوى، ومنازعة له في الأكبرية. هذا نص نقض المباني حول كلمة "المفتي الأكبر".
__________
(1) سورة النساء – آية 127.
(2) سورة النساء – آية 176.
(3) وهي مخرج في الصحيحين وغيرهما بألفاظ منها "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم عندي دعا الله ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله أفتاني فيما أستفتيته..الخ.(5/111)
وجوابنا عنه أن تقليب الشخص بلقب "المفتي الأكبر" ليس القصد منه التفضيل المطلق، ولا منازعة الرب في الأكبرية؛ بل القصد منه أنه مرجع غيره من المفتين الذين يعتبر مرجعًا لهم، كما أن تلقيب غير الرسول صلى الله عليه وسلم بلقب "الإمام الأعظم" ليس القصد منه التهجم على منصب الرسول الذي هو الإمام الأعظم، إنما القصد أنه أعظم بالنسبة إلى من هو أعظم منه(1). وقد أطلقت لفظة "المفتي الأعظم" قديمًا على بعض العلماء ففي كتاب "الاعلام بأعلام بيت الله الحرام" للقطب الحنفي إطلاق لقب المفتي الأعظم على أبي السعود، ففي ص26 منه ما نصه: أرسل – أي السلطان سليمان خان – إلى مفتي الإسلام، سلطان العلماء الأعلام، مولانا أبي السعود أفندي، المفتي الأعظم، يستفتيه عن حكم الله في هذه المسألة – أي مسألة تتعلق بإصلاح شيء من الكعبة – وكان هذا الإطلاق في زمن العلماء الأعلام أمثال الهيتمي والشيخ نور الدين علي بن إبراهيم وغيرهما، ولم يسمع أن أحدًا منهم اعتبر التلقيب بذلك اللقب "المفتي الأعظم" منازعة للربوبية، وذلك لمعرفتهم بالمقصود بهذه الكلمة ونظيراتها.
__________
(1) بهذا الاعتبار فرق الفقهاء بين الامام الأعظم وبين غيره في أحكام، منها الصلاة على الغال، ففي "زاد المستنقع" وشرحه: الروض المربع، ما نصه: ولا يسن أن يصلي الامام الأعظم على الغال...الخ.(5/112)
وأما إسناد الإفتاء بصيغة الفعل المقيد إلى الله تعالى في القرآن فلا يستلزم تسمية الله عز وجل باسم المفتي؛ فإن باب الأفعال أوسع من باب الأسماء، كما بينه العلامة ابن القيم في كتبه، قال في "مدارج السالكين" ج3 ص415 في الكلام على الواجد: أطلق الله على نفسه أفعالاً لم يتسم منها باسم الفاعل: كأراد، وشاء، وأحدث. ولم يسم بالمريد، و الشائي، والمحدث. كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه، فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء. وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسمًا وبلغ بأسمائه زيادة على الألف، فسماه الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد، ونحو ذلك. وكذلك باب الإخبار عنه بالإسم أوسع من تسميته به؛ فإنه يخبر عنه بأنه شيء وموجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمى بذلك. ومر ابن القيم في هذا البحث إلى أن قال: وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى. وقال في "سفر الهجرتين" بعد كلام طويل فيما لا يصح إطلاقه على الله عز وجل: من هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقها له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه أسماء مطلقًا فأدخله في أسمائه الحسنى، فاشتق له اسم الماكر، والخادع، والفاتن، والمضل، والكاتب، ونحوها. من قوله: (ويمكر الله) (1) ومن قوله: (وهو خادعهم) (2) ومن قوله: (لنفتنهم فيه) (3) ومن قوله: (يضل من يشاء) (4) وقوله: (كتب الله لأغلبن) (5) وهذا خطأ من وجوه:
"أحدها" أنه سبحانه لم يطلق على نفسه هذه الأسماء، فإطلاقها عليه لا يجوز.
"الثاني" أنه سبحانه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة، فلا يجوز أن ينسب إليه مسمى الإسم عند الإطلاق.
__________
(1) سورة الأنفال – آية 30
(2) سورة النساء – آية 142
(3) سورة الجن – آية 17
(4) سورة فاطر – آية 8
(5) سورة المجادلة – آية 21(5/113)
"الثالث" أن مسمى هذه الأسماء ينقسم إلى ما يمدح عليه المسمى به، وإلى ما يذم، فيحسن في موضع، ويقبح في موضع، فيمتنع إطلاقه عليه تعالى من غير تفصيل.
"الرابع" أن هذه ليست من الأسماء الحسنى التي تسمى بها سبحانه، فلا يجوز أن يسمى بها؛ فإن أسماء الرب سبحانه كلها حسنى، كما قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى) (1) وهي التي يحب سبحانه أن يثني عليه ويحمد ويمجد بها دون غيرها.
"الخامس" أن هذا القائل أو سمي بهذه الأسماء، وقيل هذه مدحتك وثناء عليك. فأنت الماكر الفاتن المخادع المضل اللاعن الفاعل الصانع ونحوها لما كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ويعد هذا مدحة، ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علوًا كبيرا.
"السادس" أن هذا القائل يلزمه أن يجعل من أسمائه اللاعن والجائي والآلي والذاهب والتارك والمقاتل والصادق والمنزل والنازل والمدموم والمدمر وأضعاف أضعاف ذلك، فيشتق له اسمًا من كل فعل أخبر به عن نفسه، وإلا تناقض تناقضًا بينًا، ولا أحد من العقلاء طرد ذلك، فعلم بطلان قوله. والحمد لله رب العالمين. أهـ.
__________
(1) سورة الأعراف – آية 180(5/114)
ويضاف إلى ما ذكرناه في هذا البحث أن المقصود بالإفتاء في الكتاب والسنة الإجابة عن المشكل، كما بينه الراغب في "مفردات القرآن" وابن الأثير في "النهاية" قال الراغب: الفتيا والفتوى: الجواب عما يشكل من الأحكام. ويقال: استفتيته فأفتاني بكذا، قال: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) (1) (فاستفتهم) (2) (أفتوني في رؤياي) (3). وقال ابن الأثير في "النهاية": يقال: أفتاه في المسألة، يفتيه. إذا أجابه، والإسم الفتوى. ومنه الحديث "الإثم ما حاك في صدرك... وإن أفتاك الناس"(4). وأما المفتي في الإصطلاح ففي "منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل" لابن الحاجب ما نصه: أما المفتي فالعالم بأصول الفقه وبالأدلة السمعية التفصيلية واختلاف مراتبها. وقال الشاطبي في "الموافقات" ج4 ص258: المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرق الانحلال. وقال ابن القيم في "اعلام الموقعين": حكم الله ورسوله يظهر على أربعة السنة: لسان الراوي، ولسان المفتي، ولسان الحاكم، ولسان الشاهد. فالراوي يظهر على لسانه لفظ حكم الله ورسوله. والمفتي يظهر على لسانه معناه وما استنبط من لفظه. والحاكم يظهر على لسانه الإخبار بحكم الله وتنفيذه. والشاهد يظهر على لسانه الأخبار بالسبب الذي يثبت حكم الشارع.
فصل – في دعاواه حول المعلمي والجواب عنها
ادعى صاحب النقض على المعلمي دعاوي لا تليق، نذكرها مع الإجابة عنها في ما يلي:
__________
(1) سورة النساء – آية 127
(2) سورة الصافات – آية 249
(3) سورة يوسف – آية 33
(4) وأخرجه الامام أحمد بلفظ "البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن اليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون".(5/115)
1-…دعواه أن قول المعلمي (وأن في معنى التطهير إزالة كل ما يمنع من أداء هذه العبادات أو يعسرها أو يخل بها، كأن يكون في موضع الطواف ما يعوق عنه من حجارة أو شوك أو حفر) ادعى صاحب النقض أن مراد المعلمي بهذه العبارة تطهير البيت من مقام إبراهيم عليه السلام، ورتب على هذه الدعوى لوازم باطلة قبيحة يقول لا مفر للمعلمي منها ولا محيد له عنها هي كما يلي:
1-…أن إبراهيم واسماعيل عليهما السلام لم يفعلا ما أمرهما الله به من تطهير البيت حيث تركا المقام في موضعه الذي هو فيه الآن.
2-…أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطهر البيت التطهير التام يوم الفتح حيث كسر الأًصنام والأوثان وأزالها عن البيت وترك المقام.
3-…إعتبار مقام إبراهيم الذي أمر الله بأن يتخذ منه مصلى في معنى الأصنام، فالمقام بهذا الاعتبار في معنى ما يتطهر منه وهي الأصنام.
4-…أنه لا يجوز أن يتخذ من المقام مصلى، وذلك مناقضة لأمر الله بذلك.
5-…وجوب إخراج المقام من الحرم حيث أن تأخيره عن محله إلى موضع آخر من المسجد لا يتم به تطهير البيت.
وذكر صاحب النقض أن ما ذكره المعلمي من أن إزالة ما يمنع من أداء تلك العبادات في معنى التطهير لا دليل عليه من لغة ولا شرع، ولم يذكره أحد من المفسرين، وهو غير صحيح، وقال: إن الطهارة ضد النجاسة حسية كانت أو معنوية فهما ضدان لا ثالث لهما ولا واسطة بينهما. والجواب على الجميع بما يلي:
أما اتهامه المعلمي بأنه إنما يقصد بتلك العبارة تطهير البيت من مقام إبراهيم. فلم نجد في رسالة المعلمي ما يبرره، ونعيذه بالله من أن يقول ذلك. وأما اللوازم القبيحة التي زعم صاحب النقض أن لا مقر للمعلمي منها ولا محيد عنها، فلا نرى أنها تلزم المعلمي، لا لمجرد حسن الظن به فقط باعتباره عالمًا خدم الأحاديث النبوية وما يتعلق بها، بل لأمرين:(5/116)
"أحدهما": تصريحاته في رسالته بما يبرؤه من تلك اللوازم القبيحة، ففي تطهير ابراهيم واسماعيل عليهما السلام البيت يقول ص3: أقام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت على الطهارة بأوفى معانيها) قال هذا بعد أن ذكر ما جاء عن السلف في تفسير تطهير البيت بالتطهر من الشرك والأوثان والريب وقول الزور والرجس والآفات. وفي تطهير النبي صلى الله عليه وسلم البيت يوم الفتح أشار ص59 إلى قيامه صلى الله عليه وسلم بإزالة الشرك وآثاره عند البيت، وذكر أن ذلك هو الأهم.(5/117)
وفي حقوق مقام إبراهيم عليه السلام يقول ص42، 43: (وللمقام حقوق: الأول القرب من الكعبة، الثاني البقاء في المسجد الذي حولها. الثالث البقاء على سمت الموضع الذي هو عليه) وهذه الحقوق التي أثبتها للمقام لا يتصور أن يثبتها له من يعتبره في معنى الأصنام. وفي اتخاذ مقام إبراهيم مصلى يقول ص36 قال البخاري في صحيحه في أبواب القبلة: (باب قوله تعالى): (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) (1) ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أنه سئل عن رجل طاف بالبيت للعمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة) وقال ص38: (ثبت في حديث عطاء عن أسامة عند النسائي بسند رجاله ثقات" ثم خرج أي النبي صلى الله عليه وسلم – فصل خلف المقام ركعتين وقال هذه القبلة) وذكر في ص61-62 أن حكم الصلاة خلف المقام يتعلق بالمقام لا بالموضع الذي خلفه قال: (إن الحكم المتعلق بالمقام وهو اتخاذه مصلى أي يصلي إليه لو كان يختص بموضع لكان هو موضعه الأصلي الذي انتهى إليه إبراهيم في قيامه عليه لبناء الكعبة وقام عليه فيه بالأذان بالحج، ونزلت الآية (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وهو فيه، وصلى إليه النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا تلا في بعضها الآية وهو فيه. فلما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تأخيره وانتقل الحكم وهو الصلاة إليه معه ثبت قطعًا أن الحكم يتعلق به لا بالموضع، إلا أنه يراعى ما راعوه من بقائه إلى ضيق ما أمامه على الطائفين) أهـ. في هذه العبارة دليل على احتفاظ المعلمي للمقام بحقوقه التي منها اتخاذه مصلى سواء انتقل من موضعه اليوم أو لم ينتقل، واشتراطه لنقله عن موضعه اليوم إلى موضع آخر البقاء على السمت الخاص في المسجد والقرب من الكعبة. هذا لا يمكن الجمع بينه وبين محاولة صاحب النقض إلزام المعلمي اعتبار المقام في
__________
(1) سورة البقرة – آية 125(5/118)
معنى الأصنام.
"الثاني": أن المعلمي لا يرضى هذه اللوازم على فرض أن في كلامه ما يستلزمها. ولازم القول الذي لا يرضاه القائل بعد ظهوره لا تجوز إضافته إليه. كما بينه ابن القيم وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية. قال العلامة ابن القيم في "اعلام الموقعين" ص250 ج3 في بحث ترك الحبل: أما من عداه – أي الشارع – فلا يمنع عليه أن يقول الشيء ويخفى عليه لازمه. ولو علم أن هذا لازمه لما قاله، فلا يجوز أن يقال هذا مذهبه، ويقول ما لم يقله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القواعد النورانية" ص118، 119: لازم قول الإنسان نوعان: أحدهما لازم قوله الحق. فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره. وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب. والثاني لازم قوله الذي ليس بحق. فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين: ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد تلك القول ولا بلزومه. وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب: هل هو مذهب، أم ليس بمذهب. هو أجود من إطلاق أحدهما. فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله وإن كان متناقضًا.
وأما اعتبار إزالة ما يعوق عن الطواف من شجر أو شوك أو حجر أو حفر في معنى التطهير المأمور به، فيدل عليه ما رواه الأزرقي في "أخبار مكة" قال: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء عن عبيد بن عمير الليثي (طهر بيتي) من الآفات والريب. قال ابن جريج الآفات الشرور.أهـ. ولاشك أن الشجر والشوك والحفر في موضع الطوف من الشرور.(5/119)
وأما زعم صاحب النقض أن الطهارة لا تكون إلا في مقابلة نجاسة حسية أو معنوية. فيرده(1) ما رواه الأزرقي في "تأريخ مكة" ج1 ص17 قال: حدثني جدي، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال حدثني علقمة بن أبي علقمة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: طيبوا البيت، فإن ذلك من تطهيره، ولاشك أن التطهير هنا ليس في مقابلة نجاسة لا معنوية ولا حسية، إذ لا وجود لشيء من ذلك عند البيت أيام تحدثت بذلك عائشة رضي الله عنها، بل دعوى وجود شيء من ذلك عند البيت وقت أمر إبراهيم عليه السلام بتطهيره تحتاج إلى دليل صحيح عن المعصوم، ولذلك يقول الحافظ ابن كثير في "تفسيره": يحتاج إثبات هذا – أي كون الأصنام تعبد عند البيت قبل إبراهيم عليه السلام – إلى دليل عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم. أهـ. قلت: ولعله لهذا قال السدي في تفسير (طهرا بيتي) ابنيا بيتي.
الدعوى الثانية: من دعاوي صاحب النقض على المعلمي فسر التطهير في آيتي (طهر بيتي) و (طهرا بيتي) بالتهيئة، وقوله إثر ذلك: التطهير شيء، والتهيئة شيء آخر. فتفسيره التطهير بالتهيئة تأويل مردود، لأنه صرف لمعاني الآيات عما دلت عليه إلى غيره، والبيت وما حوله مهيؤ لمن يعبد الله فيه من عهد إبراهيم عليه السلام، والتهيئة لا تنفي وجود الشرك فيه المأمور بتطهيره منه؛ ولهذا كان أهل الجاهلية يحجون البيت ويطوفون به مهيأ لهم مع شركهم وعبادتهم للأصنام عنده، وهذا يدل على أن التهيئة غير التطهير.
__________
(1) مما يرد القول بأن الطهارة لا تكون إلا في مقابلة نجاسة قول ابن رشد في المقامات ج1 ص42: أصل الطهارة في اللغة النظافة والنزاعة، ولذلك كانت العرب تستعملها في الطاهر دون النجس. ومثل ابن رشد لاستعمالها في الطاهر بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).(5/120)
أقول: تصفحنا رسالة المعلمي من أولها إلى آخرها لنجد فيها موضعًا واحدًا فسر فيه (طهر بيتي) يهييء و (طهرا بيتي) يهيئا فلم أجد شيئًا من ذلك؛ بل الذي وجدناه في ص3 من رسالته مما يتعلق بتفسير التطهير ما يلي:
1-…أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير قالا: من الأوثان والريب وقول الزور والرجس. ذكره ابن كثير وغيره، وقال البغوي: قال ابن جبير وعطاء: طهرا من الأوثان والريب وقول الزور. وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير قال: من الآفات والريب. هذا الذي وجدناه في رسالة المعلمي، وهو الذي ذكر أنه أعم معنى للتطهير. وبعد ذلك قال المعلمي: أقام إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – البيت على الطهارة بأوفى معانيها – يعني بأوفي المعاني ما نقله قبل ذلك عن أئمة التفسير مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعبيد بن عمير.(5/121)
وأما قول المعلمي: (فثبت الأمر بأن يهيأ ما حول البيت تهيئة تمكن الطائفين والعاكفين والمصلين من أداء هذه العبادات بدون خلل ولا حرج) فهذا لا يعني به المعلمي تفسير التطهير في الآيتين الكريمتين بالتهيئة كما توهمه صاحب النقض؛ بل إنما أخذ المعلمي الأمر بالتهيئة كما توهمه صاحب النقض؛ بل إنما أخذ المعلمي الأمر بالتهيئة من تعلق (للطائفين والعاكفين والركع السجود) بـ (طهرا) بدليل قوله إثر ما قدمناه عنه في تفسير التطهير وإقامة إبراهيم وإسماعيل إياه بأوفى المعاني، قال: وقوله: (للطائفين) الآية تدل على أنه – مع أن التطهير مأمور به لحرمة البيت – فهو مأمور به لأجل هذه الفرق – الطائفين، والعاكفين، والقائمين، والركع السجود – لتؤدي هذه العبادات على الوجه المطلوب). ففي هذا الصدد قال: (فثبت الأمر أن المعلمي فسر التطهير بالتهيئة لا يرد عليه قول صاحب النقض: (والتهيئة لا تنفي وجود الشرك فيه المأمور بتطهيره منه) لأن تهيئة إبراهيم الخليل عليه السلام لبيت الله بامر الله لا يمكن أن تجتمع مع الشرك، بل لابد أن تكون كاملة أتم الكمال. بقي أن يقال: إن تفسير التطهير بالتهيئة ليست تفسيرًا لفظيًا للتطهير. والجواب عن هذا أن التزام التفسير اللفظي طريقة المتأخرين. أما المتقدمون فلا يلتزمون التفسير اللفظي كما قرره الإمامان ابن القيم وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في مصنفاتهما، واستسهلا لذلك ما لا يتنافى مع الحق من تفاسير الصوفية المعبر عنها بالإشارات. وإليك نصهما بذلك:(5/122)
قال العلامة ابن القيم في "التبيان في أقسام القرآن" ص79: تفسير الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون. وتفسير على المعنى. وهو الذي يذكره السلف. وتفسير على الإشارة والقياس. وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم. وهذا لا بأس به بأربعة شروط: أن لا يناقض معنى الآية، وأن يكون صحيحًا في نفسه، وأن يكون في اللفظ إشعار به، وأن يكون بينه وبين الآية ارتباط وتلازم. فإذا اجتمعتت هذه الأمور الأربعة كان استنباطًا حسنًا. أهـ. وقال في تفسير قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) (1) ص23: دلت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي، قال البخاري في صحيحه في هذه الآية: لا يجد طعمه إلا من آمن به. وهذا أيضًا من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتذ بقراءته وفهمه وتدبره إلا من شهد أنه كلام الله تكلم به حقًا وأنزله على رسوله، ولا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج بوجه من الوجود. أهـ.
__________
(1) متفق عليه وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه.(5/123)
وقال ابن القيم في "مدارج" السالكين ص416 ج ثاني في الكلام على الإشارات الصوفية: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الصحيح منها ما يدل عليه اللفظ بإشارة من باب قياس الأولى. قلت: مثاله قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) (1) ثم بعد كلام طويل في تفسير الآية قال: فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: تدل الآية بإشارتها على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون لكرامتها على الله فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر، وسمعته يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة"(2): إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب من دخول البيت، فكيف تلج معرفة الله عز وجل ومحبته وحلاوة ذكره والأنس بقربه في قلب ممتليء بكلاب الشهوات وصورها، فهذا من إشارة اللفظ الصحيحة. ومن هذا أن طهارة الثوب الطاهر والبدن إذا كانت شرطًا في صحة الصلاة والاعتداد بها فإذا أخل بها كانت فاسدة، فكيف إذا كان القلب نجسًا ولم يطهره صاحبه فكيف يعتد له بصلاته وإن سقطت المطالبة، وهل طهارة الظاهر إلا تكميل لطهارة الباطن. ومن هذا أن استقبال القبلة في الصلاة شرط لصحتها وهي بيت الرب، فتوجه المصلي إليها ببدنه وقلبه شرط، فكيف تصح صلاة من لم يتوجه بقلبه إلى رب القبلة والبدن، بل وجه بدنه إلى البيت ووجه قلبه إلى غير رب البيت. وأمثال ذلك من الإشارات الصحيحة التي لا تنال إلا بصفاء الباطن وصحة البصيرة وحسن السيرة وحسن التأمل والله أعلم.
__________
(1) سورة الواقعة – آية 79
(2) سورة الواقعة – آية 79(5/124)
وقال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية بعد ذكر نوع من إشارات الصوفية الباطلة قال في "شرح حديث النزول": منها – أي إشارات الصوفية – ما يكون معناه صحيحًا وإن لم يكن هو المراد باللفظ وهو الأكثر في إشارات الصوفية، وبعض ذلك لا يجعل تفسيرًا بل يجعل من باب الاعتبار والقياس، وهذه طريقة صحيحة علمية كما في قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) وقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب" فإذا كان ورقة لا يمسه إلا طاهر البدن، فمعناه لا تهتدي بها إلا القلوب الطاهرة، وإذا كان الملك لا يدخل بيتًا فيه كلب فالمعاني التي تحبها الملائكة لا تدخل قلبًا فيه أخلاق الكلب المذمومة. ولا تنزل الملائكة على هؤلاء. وهذا لبسطه، وضع آخر. أهـ.
قلت: ومن قبيل التفسير الغير اللفظي تفسير السدي (طهرا) في قوله تعالى: (أن طهرا بيتي): بأمنا. رواه عنه الأزرقي في "أخبار مكة" وروى عنه ابن كثير في تفسيره أنه قال في تفسر (طهرا): إبنيا. وكذلك تفسير يمان (طهرا بيتي) بقوله: خلقاه، وبخراه. ذكره عنه القرطبي في تفسيره.(5/125)
"الدعوى الثالثة": من دعاوي صاحب النقض على المعلمي: دعواه أن ما كتبه في بحث المقام إنما هو من قبيل الاحتيال بالباطل، أخذًا من قول المعلمي في أول رسالته (حاولت فيها – أي في الرسالة تنقيح الأدلة ودلالتها على وجه التحقيق) قال صاحب النقض: هذا يدل على أنه – أي المعلمي – لم يجد من الأدلة ما يصح الاستناد عليه في ذلك؛ لأن المحاولة إنما تكون في ما فيه مشقة وصعوبة ولا يتأتى إلا بالاحتيال – هذا معنى كلامه ومقتضاه في اللغة. قال صاحب "النهاية": والمحاولة طلب الشيء بحيلة. وكلا الأمرين اللذين ذكرهما غير جائز شرعًا. هذا نص نقض المباني. وهو مبنى على أن المحاولة لا تستعمل إلا في الاحتيال بالباطل وهو مردود. قال صاحب لسان العرب في مادة "حول" ما نصه حاول الشيء محاولة رامه قال رؤية: (حول حمد وانتجار المؤتجر) فهذا يدل على أن المحاولة لا تستلزم الاحتيال بالباطل كما أدعاه صاحب النقض. وما ذكره عن "النهاية" وهو في النهاية بصيغة التمريض "قيل" وذكر صاحب النهاية قبل ذلك حديثًا يدل على أن المحاولة لا تتلازم مع الاحتيال بالباطل وهو "بك أصاول، وبك أحاول"(1)
__________
(1) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" بهذا اللفظ بسند قوي قال ص32: أخبرنا أبويعلى، حدثنا ابراهيم بن الحجاج السامي حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان – يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء فقلت يا رسول الله إنك تحرك شفتيك بشيء ما كنت تفعل، ما هذا الذي تقول؟ قال "أقول: الهلم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل". أهـ. وعزاه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تخريج الأذكار" إلى النسائي. وعلق عليه الشوكاني في "تحفة الذاكرين" بقوله: قوله: "وبك أحاول" مأخوذ من المحاولة أي بك اتحرك. كما في الحديث الآخر (بك أحول) وقيل: معناه أحتال. وقيل: المحاولة طلب الشيء بحيلة. أهـ. كلام الشوكاني. ويدل على أن لا ملازمة بين المحاولة والاحتيال والحيلة وبين الباطل خلاف ما توهمه صاحب النقض.(5/126)
وهذه الرواية التي ذكرها صاحب النهاية ذكرها أيضًا المرتضي في "تاج العروس" ثم قال: قال الأزهري: معناه – أي لفظ "أحاول" – بك أطالب. ومن قبيل المحاولة التي لم تكن بالطرق الباطلة قول حسان بن ثابت الأنصاري شاعر النبي صلى الله عليه وسلم:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
هذا مع أن كلمة الحيلة نفسها لا تستلزم الباطل كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "إقامة الدليل على إبطال التحليل" ص82 – 83 ج3 من مجموعة الفتاوى الكبرى قال: ليس كل ما يسمى في اللغة حيلة أو يسميه بعض الناس حيلة أو يسمونه آلة مثل الحيلة المحرمة حرامًا. فإن الله سبحانه قال في تنزيله: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) (1) فلو احتال المؤمن المستضعف على التخلص من بين الكفار لكان محمودًا في ذلك. ومر شيخ الإسلام في كلامه إلى أن قال: وحسن التحيل على حصول ما فيه رضي الله ورسوله أو دفع ما يكيد الإسلام وأهله سعي مشكور. قال: والحيلة مشتقة من التحول وهو نوع من الحول: كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود. وكالأكلة والشربة من الأكل والشرب. ومعناها نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي هو التحول من حال إلى حال هذا مقتضاها في اللغة، ثم غلبت بعرف الاستعمال على ما يكون من الطرق الخفية إلى حصول الغرض، وبحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، فإن كان المقصود أمرًا حسنًا كانت حيلة حسنة، وإن كان قبيحًا كانت قبيحة.أهـ. وقال صاحب "المحكم": الحول والحيل والحيلة والحويل والمحالة والاحتيال والتحول والتحيل كل ذلك الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف. أهـ. نقله عن صاحب المحكم الإمام النووي في "تهذيب الأسماء واللغات". وقول صاحب النقض: لم يجد – أي المعلمي – من الأدلة ما يصح الاستناد عليه. خلاف الواقع؛ فإن رسالته مملوءة بالأدلة الثابتة. لا بالحيل
__________
(1) سورة النساء – آية 98(5/127)
الباطلة. والله أعلم، وصل الله على نبينا محمد وصحبه وسلم(1).
(1181 – ترك نقله مؤقتا لقصد استقامة الأحوال)
وهنا كلمة حول المقام:
المقام نعرف ان موضعه ليس معينا ذاتًا من الأرض، بخلاف الكعبة. ما ورد في المقام يفيد أنه ماله موضع معين؛ فإنه مرة صار عند البيت، ومرة كان في مكانه. وهذا صار مرتين أو ثلاثًا. إنما المتعين أن يكون بنسبة من البيت.
واختلف هل هذا موضعه الأول، وجعل عند البيت لعارض؟ وهل واضعه النبي. أو عمر؟.
وهذا الاختلاف يفيد أنه ليس عند العلماء نزاع أنه ليس من حين نزل منه إسماعيل وإبراهيم أن موضعه هذا. أو أنه ما صار فيه تغيير، ما قال هذا أحد؛ بل هو كان فيه تنحية بالاتفاق، والذي رجحه ابن حجر أن الذي نحاه عمر.
وحينئذ إذا عرض عارض جاز تنحيته عن المطاف بلا إشكال، وتنحيته من الموضع الذي هو فيه قرب البيت على جانب المسجد أو قريب من طرف المسجد لئلا يتعثر به الطائفون، ولكون الصلاة خلفه مشروعة، ولا يحصل زحمة لمن يقصد الصلاة عنده، هذه مصلحة، ودرء مفسدة ظاهرة، فإذا اقتضت المصلحة تنحيته فإنه لا مانع من ذلك.
وقد ألف المعلمي رسالة وذكر ما يتعلق بها، وهو أحسن في تعليقه وكتبنا عليها تعليقًا بسيطًا "تقريظ" وتكلم بعض من لا علم عنده بدون علم أن هذا مكانه أو نحو هذا.
وحين صار هذا الشيء وخشي من خوض الجهال ناس يقولون كذا... رؤي من المصلحة أن يترك الآن، ليس أنه أشكل لما سمعنا بعض القول؛ لكن حيث أنه سيشوش أناس، فاستشار الملك ورؤي أن يترك.
وبحث المقام وتنحيته ليس هو عندي فقط؛ بل هذا مقتضى ما ظهر للمشايخ عند أصل البحث في المسألة، بحث كم مرة، هذا الذي رأوه صوابا، للتعليل السابق.
لكن المقصود استقامة الأحوال، وأن يكون الناس على نظر واحد.
__________
(1) طبعت هذه النصيحة في مطابع دار الثقافة بمكة المكرمة – على نفقة دار الافتاء.(5/128)
ولكن بعد هذا التوسيع يكون الضرر منه أشد؛ فإنه إذا كان فيه ستين أو مائة وجاءوا كلهم وحاذوا المقام؛ بل يوجد عليهم خلل في طوافهم فيجعل كأنه يقبل على البيت في خطواتع يخطوها.
(تقرير)
(1182 – اختصار هيكل المقام بعد توقف بعض المشايخ)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم
أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
فنتيجة للاجتمع المنعقد بيننا وبين العلماء لبحث المواضيع المتعلقة بمنى وبكسوة الكعبة المشرفة ومقام إبراهيم، فقد صدر بشأن ذلك القرار المتخذ من الجميع المعروض لأنظار جلالتكم من طي هذا. تولاكم الله بتوفيقه.
(الختم)
(ص – م57 في 2/1/1380هـ)
(القرار)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: فبناء على رغبة إمام المسلمين حفظه الله في بحث عدة موضوعات دينية هامة فقد جرى بحثها واستعراضها وهي:
1- البنايات التي في منى بما فيها الأحواش والبيوت الخربة التي لا تصلح للسكنى.
2- الكسوة العتيقة للكعبة الشريفة، وكيف يكون مصيرها.
3- تنحية مقام إبراهيم عن موضعه الحالي نتيجة الزحام.
وقد ظهر لنا ما يلي:
1-…لا يسوغ بأي حال من الأحوال البناء في منى، وعليه فإنه يجب أن ترفع أيدي أرباب الدور المتهدمة عن تلك الدور، ويعوضوا عن ماله قيمة من أنقاضها، ثم تهدم وتسوى الأرض، كما يجب عدم جميع الأحواش المستقلة التي لا تتبع البيوت وتسويتها بالأرض وإزالة جميع المتحجرات والتأسيسات والمراسيم التي يراد بها التملك.(5/129)
أما الأحواش التابعة للبيوت المبنية فتنقسم إلى قسمين: أحدهما الأحواش الواسعة الزائدة على حاجة البيوت. فهذه يجب هدم الزائد منها عن حاجة البيت. ويبقى ما هو بقدر حاجة البيت فقط. والثاني ما كان أصله بقدر حاجة البيت فقط. فهذا الذي بمقدار حاجة البيت المبني يكون تبعاً له. وإذا أزيلت تلك البيوت كما هو مقتضى الحكم الشرعي أزيلت معه الأحواش التابعة لها.
2-…يشكل هيئة دائمة لمراقبة منى. تتكون من أربعة أشخاص. ويجب أن يكونوا أمناء. أقوياء، حتى تحصل بهم المحافظة التامة، وتربط هذه الهيئة بجهة دينية: إما برئاسة القضاء، أو برئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز.
3-…يتعين على الحكومة توسعة شارع الجمرات بقدر كاف، ويقسم طريقين: أحدهماللذاهبين. والآخر للراجعين، ويجعل بينهما حاجز. ومن ضرورة توسعة هذا الشارع المذكور أن تؤخذ الدور الواقعة في الشارعين القديمين ما بين جمرة الوسطى وجمرة العقبة.
4-…يتعين جعل مظلة من شينكو او نحوه لتقي الحجاج حرارة الشمس تبتدي هذه المظلة من الجمرة الأولى وتنتهي إلى جمرة العقبة.
أما موضوع الكسوة العتيقة للكعبة المشرفة فإنه ليس لآل الشيبي في هذه الكسوة حق من حيث الشرع، لكن حيث كان الولاة المتقدمون قد عودوهم إعطاءهم إياها. وكانوا متشوفين لذلك، ولهم مكانة لدانتهم لهذا البيت المطهر، فينبغي للإمام وفقه الله أن يعوضهم عنها من بيت المال ما يراه كافيًا لتطيب نفوسهم. ولا يدفع الكسوة إليهم، لما يفضي إليه ذلك من بيعها المنتهي إلى حصولها في أيدي الجهلة المتعلقين بها على وجه التبريك والتمسح بها الذي لا تجيزه الشريعة، لكن تحفظ تلك الكسوة في مكان مصون تحت أيدي حفاظ لها أمناء. ولو تلفت بأرضه أو غيرها فإن ذلك لا يضر شرعًا، وأكثر ما فيه أنه فوات جزء من المال. وارتكاب ذلك أسهل من ارتكاب ما يجر العوام والجهال إلى ما هو محظور شرعًا. وفي ذلك حراسة لعقائد الناس.(5/130)
أما تنحية مقام إبراهيم عن موضعه الآن شرقًا ماما ليتسع المطاف. فحيث توقف بعض المشائخ في ذلك. اتفق الرأي من الجميع على اختصار هذا الهيكل الذي على المقام الآن بجعله مترًا في متر فقط، والباقي يبقى توسعة في المطاف، فيكون من المطاف من وجه، وزيادة في مصلى الركعتين من وجه آخر، إذا فقدت الزحمة صارت صلاة الركعتين يه وفيما خلفه من المصلى الأول، وإذا وجدت الزحمة انشغل هذا الزائد بالطائفين وصلى المصلون ركعتي الطواف خلفه. ويحسن أن يوضع مظلة تقي المصلين خلف المقام حر الشمس. وتكون جملونًا من خشب، وينبغي أن يكون شبك المقام ضيقًا جدًا بحيث لا يتمكن الجهال من إدخال الأوراق فيه. وينبغي أيضًا أن ترفع الكسوة التي على حجر المقام ويوضع عليه مكانها زجاج سميك جدًا حتى يراه الناس ويعرفوا أنه حجرن ويلزم إحضار عالمين وقت قيام المهندس وعماله بعملية ما ذكر، حتى يتم تطبيق ما سلف ذكره بحضرتهما وتحت إشرافهما.
اما المنبر فيزال من مكانه، ويعمل من خشب، ويكون متحركًا بعجلات حتى يتمكن من إحضاره في محله وقت الحاجة، وعلى هذا حصل التوقيع:
عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
عبدالله بن جاسر
علوي عباس مالكي
عبدالله بن عمر بن دهيش
محمد بن علي الحركان
حسن بن عبدالله بن حسن
عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم
عبدالعزيز بن ناصر الرشيد
أمين الكتبي
محمد يحيى أمان
(1183 – تغطية الحاجز الحديدي للمقام بسلك نايلون)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان العالي
الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:(5/131)
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا بخطاب الديوان العالي رقم 16/2/2417 وتاريخ 25/9/76هـ الخاصة باقتراح مديرية الأوقاف العامة بمكة بتغطية الحاجز الحديدي لـ "مقام إبراهيم" بالسلك النايلون صيانة له من إلقاء الأوراق التي ترمى فيه(1).
نفيدكم أنه إذا كانت التغطية لمجرد تحصين المقام عما يلقى فيه ولم تكن بصورة كسوة وجمال فهذا لا بأس به إن شاء الله. والله يحفظكم. حرر في 17/10/1376هـ.
(ص ف 841 في 18/10/1376هـ)
(1184 – حدود المسعى بعد العمارة الجديدة)
(برقية): الحوية، جلالة الملك المعظم أيده الله
ج30144: من خصوص قرار الهيئة في حدود المسعى قد أطلعنا عليه فوجدناه صوابًا. وقد أعدنا أوراق القرار المذكور إلى محمد سرور مصحوبة بفتوانا بمقتضى ما جاء فيه: حفظكم الله وتولاكم. ……محمد بن إبراهيم
(ص م 1396 في 23/10/1374هـ)
(مضمون القرار)
تأملت قرار الهيئة المنتدبة من لدن سمو وزير الداخلية، وهم فضيلة الأخ الشيخ عبدالملك بن إبراهيم. وفضيلة الشيخ عبدالله ابن دهيش. وفضيلة الشيخ عاوي مالكي. حول حدود موضع السعي مما يلي الصفا. المتضمن أنه لا بأس بالسعي في بعض دار آل الشيبي والأغوات المهدومتين هذه الأيام توسعة، وذلك البعض الذي يسوغ السعي فيه هو ما دفعه الميل الموجود في دار آل الشيبي إلى المسعى فقط وهو الأقل، دون ما دفعه هذا الميل إلى جهة بطن الوادي مما يلي باب الصفا وهو الأكثر؛ فإنه لا يسوغ السعي فيه. فبعد الوقوف على هذا الموضع في عدة رجال من الثقات رأيت هذا القرار صحيحًا، وأفتيت بمقتضاه، قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص م 1386 في 19/10/1374)
(نص القرار الوارد من الهيئة المشكلة رقم 35 في 23/9/74هـ)
__________
(1) قلت: هذا الاستفتاء قبل إزالة الحاجز المذكور.(5/132)
بناء على الأمر الشفوي المبلغ إلينا بواسطة الشيخ محمد حابس رئيس ديوان سمو وزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل. القاضي أنه يأمر سموه بوقوفنا نحن الموقعين أدناه على "الميل" القائم هناك والبارز حينئذ، وذلك بعدما صدرت إرادة جلالة الملك المعظم بإضافة دار آل الشيبي ومحل الأغوات الواقعين بين موضع السعي من جهة الصفا وبين الشارع العام الملاصق للمسجد الحرام مما يلي باب الصفا. وتقرير ما يلزم شرعًا بشأن "الميل" المذكور. فقد توجهنا فوقفنا على "الميل" المذكور. وصحبنا معنا مهندسًا فنيًا، وجرى البحث فيما يتعلق بتحديد عرض المسعى مما يلي الصفا، فرأينا هذا الميل يقع عن يسار الخارج من باب الصفا القاصد إلى الصفا. وفي مقابل هذا الميل من الجهة الغربية على مسامتته ميل آخر ملتصقًا بدار الأشراف الناعمة فاصل بينها طريق الخارج من باب الصفا في سيره إلى الصفا. وما بين الميل الأول المذكور الذي بركن دار الشيبي المنتزعة ملكيتها حالا والمضافة إلى الصفا وبين الميل الذي بركن دار المناعمة ثمانية أمتار وثلاثون سنتيمًا. هي سبعة عشر ذراعًا، ومن دار المفتاح التي تقع بين الساعي من الصفا إلى الميل الأول الواقع بدار الشيبي تسعة عشر مترًا ونصف متر. ومن الميل الذي بدار الشيبي إلى درج الصفا للحرم الشريف خمسة وعشرين مترًا وثمانين سنتيمًا، كما أن بين الميل الذي يقرب الخاسكية ببطن الوادي والميل الذي يحاذيه بركن المسجد الحرام ستة عشر مترًا ونصف متر، كما أن بين الميل الذي بدار العباس وباب العباس ستة عشر مترًا ونصف متر تقريبًا، هذا التقرير الفني من حيث المساحة.(5/133)
ثانيًأ – قد جرت مراجعة كلام العلماء فيما يتعلق بذلك، قال في صحيح البخاري: (باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة) وقال ابن عمر رضي الله عنه: السعي من دار ابن عباد إلى زقاق بني أبي حسين. قال في "الفتح" صحيفة 394 جلد 3: نزل ابن عمر من الصفا حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرضة. ومن طريق عبيدالله بن ابي يزيد قال: رأيت ابن عمر يسعى من مجلس ابن عباد إلى زقاق ابن أبي حسين. قال سفيان: هو ما بين هذين العلمين. انتهى. والمقصود بهذا والله أعلم سعيه في بطن الوادي. ولم نجد للحنابلة تحديدًا لعرض المسعى وجاء في "المغني" صحيفة 403 جلد 3: أنه يستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا، فيرقى عليه حتى يرى الكعبة، ثم يستقبلها، قال في "الشرح الكبير" صحيفة 405 جلد3: فإن ترك مما بينها شيئًا (أي ما بين الصفا والمروة) ولو ذرعًا لم يجزءه حتى يأتي به. انتهى.(5/134)
هذا كلامهم في الطول. ولم يذكروا تحديد العرض. وقال النووي في "المجموع" شرح المهذب جلد 8 صحيفة 76: "فرع" قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه؛ لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف، قال أبوعلي البندنجي في كتابه "الجامع": موضع السعي بطن الوادي، قال الشافعي في القديم: فإن التوى شيئًا يسيرًا أجزأه. وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز، وكذا قال الدرامي: إن التوى في السعي يسييرًا جاز. وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا. والله أعلم. انتهى. وقال شمس الدين محمد الرملي الشافعي المتوفي سنة 1004 هجرية في "نهاية المحتاج" شرح المنهاج صحيفة 383 جلد 3 ما نصه: ولم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى، وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيرًا لم يضر كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه. انتهى. وفي "حاشية تحفة المحتاج" شرح المنهاج صحيفة 98 جلد 4 ولما ذكر النص الذي ذكره صاحب المجموع عن الإمام الشافعي قال: الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ من السنة، فلا يضر الاءلتواء اليسير لذلك، بخلاف الكثير فإنه يخرج عن تقدير العرض ولو على التقريب.(5/135)
ثالثًأ – قد جرت مراجعة كلام المؤرخين، فذكر أبوالوليد محمد ابن عبدالله الأزرقي في صحيفة 90 في "المجلد الثاني" ما نصه بالحرف: وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبدالمطلب وبينهما عرض السعي خمسة وثلاثون ذراعًا ونصف ذراع، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرين ذراعًا. انتهى. وقال الإمام قطب الدين الحنفي في صحيفة 101 في تاريخه المسمى بـ "الاعلام" لما ذكر قصة تعدي ابن الزمن على اغتصاب البعض من عرض المسعى في سلطنة الملك الأشرف قاينباي المحمودي إلى أن قال: قاضي مكة وعلماؤها أنكروا عليه. وقالوا له في وجهه أن عرض المسعى كان خمسة وثلاثين ذراعًا، وأحضر النقل من تاريخ الفاكيه وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن أساسه فكان سبعة وعشرين ذراعًا. وقال باسلامه في تاريخه "عمارة المسجد الحرام" صحيفة 299: ذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى المسجد إلى العلم الذي بحذائه على دار العباس بن عبدالمطلب وبينهما عرض المسعى(1) ستة وثلاثون ذراعًا ونصف. ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعًا. انتهى.
__________
(1) بالأصل السعي في النقول المتقدمة كلها.(5/136)
رابعًا – جرت مراجعة صكوك دار الشيبي، فوجد من أقدمها صك مسجل بسجل المحكمة الكبرى بمكة بعدد (57) محرم عام 1171 هجرية قال في حدودها: شرقًا الحوش الذي هو وقف الواقب، وغربًا الصفا وفيه الباب، وشاما الدار التي هي وقف خاسكي سلطان، ويمنًا الدار التي هي وقف الأيوبي، قال المسجل: ولم يظهر ما يدل على حدود السعي، كما جرى سؤال أغوات الحرم الشريف المكي عن تاريخ وحدود دارهم التي أضيفت إلى ما هناك، فذكروا أن دارهم في أيديهم من نحو ثمانمائة سنة وليست لها صكوك ولا وثائق. هكذا.
وحيث أن الحال ما ذكر بعاليه، ونظرًا إلى أنه في أوقات الزحمة عندما ينصرف بعض الجهال من أهل البوادي ونحوهم من الصفا قاصدًا المروة يلتوي كثيرًا حتى يسقط في الشارع العام فيخرج من حد الطول من ناحية باب الصفا والعرض معًا ويخالف المقصود من البينية – بين الصفا والمروة. وحيث أن الأصل في السعي عدم وجود بناء وأن البناء حادث قديمًا وحديثًا. وأن مكان السعي تعبدي، وأن الالتواء اليسير لا يضر، لأن التحديد المذكور بعاليه العرض تقريبي، بخلاف الالتواء الكثير كما تقدمت الإشارة إليه في كلامهم فإننا نقرر ما يلي:
(أولاً) لا بأس ببقاء العلم الأخضر موضوع البحث الذي بين دار الشيبي ومحل الأغوات المزالين؛ لأنه أثري، والظاهر أن لوضعه معنى، ولمسامته ومطابقته الميلين ببطن الوادي مكان السعي، ولا بأس من السعي في موضع دار الشيبي لأنها على مسامته بطن الوادي بين الصفا والمروة، على أن لا يتجاوز الساعي حين يسعى من الصفا أو يأتي إليه إلى ما كان بين الميل والمسجد مما يلي الشارع العام، وذلك للاحتياط والتقريب.
(ثانيًا) أننا نرى عرض كل ما ذكرناه بعاليه على أنظار صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم حفظه الله تعالى.
هذا ما تقرر متفقًا عليه بعد بذلنا الوسع، سائلين من الله تعالى السداد والتوفيق.
الهيئة
علوي بن عباس المالكي………عبدالملك بن إبراهيم(5/137)
الشيخ عبدالله بن دهيش
(هذا القرار حصلت عليه من ديوان رئاسة مجلس الوزراء)
(قرار آخر)
(جميع ما ادخلته العمارة الجديدة داخل في مسمى المسعى)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فبناء على أمركم الكريم المبلغ إلينا من الشيخ يوسف ياسين في العام الماضي حول تنبيه الابن عبدالعزيز على وضع الصفا ومراجعة ابن لادن لجلالتكم في ذلك، وحيث قد وعدت جلالتكم بالنظر في موضوع الصفا ففي هذا العام بمكة المكرمة بحثنا ذلك، وتقرر لدى ولدى المشايخ: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ علوي عباس المالكي، والأخ الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن دهيش، والشيخ عبدالله بن جاسر، والشيخ عبدالعزيز ابن رشيد: على أن المحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا، ماعدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا فإننا لم نتحقق أنها من الصفا. أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا. ومن وقف عليه فقد وقف على الصفا كما هو مشاهد، ونرى أن ما كان مسامتًا للجدار القديم الموجود حتى ينتهي إلى صبة الأسمنت التي قد وضع فيها أصياخ الحديد هو منتهى محل الوقوف من اليمين للنازل من الصفا. أما إذا نزل الساعي من الصفا فإن الذي نراه أن جميع ما أدخلته هذه العمارة الجديدة فإنه يشمله اسم المسعى، لأنه داخل في مسمى ما بين الصفا والمروة، ويصدق على من سعى في ذلك أنه سعى بين الصفا والمروة. هذا وعند إزالة هذا الحاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور ك من المشائخ: الأخ الشيخ عبدالملك، والشيخ علوي المالكي، والشيخ عبدالله بن جاسر والشيخ عبدالله بن دهيش، حتى يحصل تطبيق ما قرر هنا، وبالله التوفيق.
(ص م 403 في 3/1/1380هـ)
(1185 – ترك حجارة الصفا والمروة كما كانت وما يكفي العربات في استكمال السعي)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك
وفقه الله(5/138)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد أطلعنا على المعاملتين المحالتين إلينا بخطابكم رقم 15/5/1466 وتاريخ 19/4/1377هـ ورقم 15/5/1617 وتاريخ 19/4/1377هـ حول اقتراح عضو اللجنة التنفيذية لتوسعة المسجد الحرام محمد طاهر الكردي تأليف لجنة من علماء المذاهب الأربعة لبيان مبدأ السعي ومنتهاه في الصفا والمروة، وذلك بأن يكسر صخر الصفا والمروة، ولا يبقى درج مطلقًا، بل يبقى جدار سميك فقط في آخر الصفا. وجدار آخر ينتهي في آخر المروة يبدأ السعي منه وينتهي إليه، معللآً ذلك يتيسير حصول السعي في العربات على استكمال السعي بين الصفا والمروة.
وبعد تأمل الاقتراح المذكور ظهر لنا أنه يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه أولاً. ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك، ولو فتحت أبواب الاقتراحات في المشاعر لأدى ذلك إلى أن تكون في المستقبل مسرحًا للآراء، وميدانًا للاجتهادات، ونافذة يولج منها لتغيير المشاعر وأحكام الحج، فيحصل بذلك فساد كبير. ويكفي في حصول وصول العربات التي تحمل المرضى والعاجزين إلى ما يحصل به الوصول إلى ما يكفي الوصول إليه في استكمال السعي، يكفي في ذلك إعادة أرض المسعى إلى ما كانت عليه قبل هذا العمل الجديد، أو يجمع بين هذه المصلحة ومصلحة انخفاض المسعى، بأن يجعل ما يلي كلا من الصفا والمروة متصاعدًا شيئًا فشيئًا حتى يكون ما يلي كلا منهما على حالته قبل هذا العمل الجديد، ولا مشقة في ذلك، مع المحافظة على ما ينبغي المحافظة عليه من بقاء المشاعر بحالها وعدم التعرض لها بشيء، ولا ينبغي أن يلتفت إلى أماني بعض المستصعبين لبعض أعمال الحج واقتراحاتهم، بل ينبغي أن يعمل حول ذلك البيانات الشرعية بالدلائل القطعية المشتملة على مزيد البحث والترغيب في الطاعة والتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته في المعتقدات والأعمال، وتعظيم شعائر الله ومزيد احترامها، والله يحفظكم في 4/5/1377هـ.(5/139)
(ص – ف 5520 في 8/5/1377هـ) (1)
(مساحة الصفا والمروة، واستبدال الدرج بمزلقان، ونهاية أرض المسعى – في قرار مشايخ) (2)
في يوم الثلاثاء الموافق 10/2/1378هـ اجتمعتت اللجنة المكونة من كل من: الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن جاسر، والشيخ عبدالله بن دهيش، والسيد علوي مالكي، والشيخ محمد الحركان، والشيخ يحيى أمان، بحضور صالح قزاز وعبدالله ابن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن، للنظر في بناء المصعدين المؤديين إلى الصفا(3) ولمعرفة ما إذا كان في ذلك مخالفة للمصعد الشرعي القديم، وذلك بناء على الأمر السامي المبلغ للجنة من وزارة الداخلية برقم 1053 في 28/1/78هـ وجرى الوقوف أولاً على المصعدين المذكورين الذي جرى بناؤهما هناك من قبل مكتب مشروع توسعة المسجد الحرام. وبعد الدراسة والمذاكرة فيما بين اللجنة اتضح أن المصعد الشرقي المواجه للمروة هو مصعد غير شرعي، لأن الراقي عليه لا يستقبل القبلة كما هو السنة، وإذا حصل الصعود من ناحية فلا يتأتى بذلك استيعاب ما بين الصفا والمروة المطلوب شرعًا. وبناء على ذلك فإن اللجنة رأت إزالة ذلك المسعد، والاكتفاء بالمصعد الثاني المبني في موضع المصعد القديم، لأن الراقي عليه يستقبل القبلة كما هو السنة، كما أن المصعد والنزول من ناحيته يحصل به الاستيعاب المطلوب شرعًا. ونظرًا لكون المصعد المذكور يحتاج إلى التوسعة بقدر الإمكان ليتهيأ الوقوف عليه من أكبر عدد ممكن من الساعين فيما بين الصفا والمروة، وليخفف بذلك الضغط خصوصًا في أيام المواسم وكثرة الحجيج، وبالنظر لكون الصفا شرعًا هو الصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس، ولكون الصخرات
__________
(1) وهو توضيح ما طلبه سماحة الشيخ محمد من اعادة أرض المسعى إلى ما كانت عليه قبل هذه العمارة الجديدة، أو جعل ما يلي كلا من الصفا والمروة متصاعدا شيئًا فشيئًا. الخ.
(2) سقط من الأصل: والمروة.
(3) سقط من الأصل: والمروة(5/140)
المذكورة لاتزال موجودة للآن وبادية للعيان، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضًا. فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعًا من توسيع المصعد المذكور بقدر عرض الصفا.
وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتة موضع العقود القديمة، فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر مترًا، وعليه فلا مانع من توسعة المصعد المذكور في حدود العرض المذكور، على أن يكون المصعد متجهًا إلى ناحية الكعبة المشرفة، فيحصل بذلك استقبال القبلة كما هو السنة، وليحصل الاستيعاب المطلوب شرعًا.
وبالنظر لكون الدرج الموجود حاليًا هو 14 درجًا، فقد رأت اللجنة أن تستبدل الستة الدرجات السفلى منها بمزلقان يكون انحداره نسبيًا، حتى يتمكن الساعي من الوصول إلى نهايتها باعتباره من أرض المسعى، وليتحقق بذلك الاستيعاب المطلوب شرعًا، ثم يكون ابتداء الدرج فوق المزلقان المذكور، ويكون من ثم ابتداء المسعى من ناحية الصفا.
ثانيًا: كما وقفت اللجنة أيضًا على المروة، فتبين لها بعد الاطلاع على الخرائط القديمة والحديثة للمسعى، وبعد تطبيق الذرع للمسافة فيما بين الصفا والمروة كما نص على ذلك الإمام الأزرقي والإمام الفاسي في تأريخهما بأن المسافة المذكورة تنتهي عند مراجعة موضع العقد القديم من المروة، وهو الموضع الذي أقيم عليه الجسر في البناية الجديدة، وبذلك يكون المدرج الذي أنشيء أمام الجسر والذي يبلغ عدده ستة عشرة درجة جميعه واقع في أرض المسعى.(5/141)
وقد يجهل كثير من الناس ضرورة الصعود إلى نهاية الست عشرة درجة المذكورة ويعودون من أسفل الدرج كما هو مشاهد من حال كثير من الناس فلا يتم بذلك سعيهم، لذلك رأت اللجنة ضرورة إزالة الدرج المذكورة. وبعد تداول الرأي مع المهندسين والاطلاع على الخريطة القديمة تقرر استبدال الدرج المذكورة بمزلقان يتحدر نسبيًا إبتداء من واجهة الجسر المذكور إلى النقطة التي عينها المهندسون المختصون بمسافة يبلغ طولها 31مترًا، وبذلك يتحتم على الساعين الوصول إلى الحد المطلوب شرعًا وهو مكان العقد القديم الذي وضع في مكانه الجسر الجديد باعتبار المزلقان المذكور من أرض المسعى، ثم تكون الثلاث الدرج التي تحت الجسر هي مبدأ الصعود للمروة، وتكون هذه النقطة هي نهاية السعي من جهة المروة، وعلى ذلك حصل التوقيع.
(هذا القرار وجدته عند فضيلة الشيخ عبدالله بن دهيش أحد أعضاء اللجنة)
(1186 – طريق العربات)
وكذلك تسهيلاً للسعي بين الصفا والمروة على العجزة يمكن عمل خط تمر عليه عربات من داخل المسعى ومعلقة في جدرانه تذهب من طريق وتعود من الطريق الثاني.
(ص – م في 28/7/1117هـ)
وقد استغنيت عن أولها بفتاوي أبسط منها.
(1187 – حدود منى)
من شفير وادي محسر الغربي إلى جمرة العقبة. بعضهم يدخل جمرة العقبة في نفس منى، وبعضهم يقول حد منى إليها نفسها وهي خارجة من الحد إلا أنها لاصقة به. ومتى في العرض كل ما انحدر به السيل إلى متى كله تبع متى، وهو ما بين الجبلين الأيمن والأيسر وجميع التلاع التي فيه. (تقرير)
(الجمرات)
(1188 – توسيع ما حول جمرة العقبة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان العالي
الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 15/5/3175 وتاريخ 11/8/1375هـ المرفق به الأوراق الدائرة حول توسيع ما حول جمرة العقبة.(5/142)
نفيدكم أنه قد جرى الاطلاع على قرار رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة بهذا الخصوص، وترى الموافقة عليه على أساس أن يكون الأخذ من الجبل المذكور الذي تستند عليه جمرة العقبة بطريقة التسهيل فقط – على أن لا يمس الشاخص والحوض وما يليه، ويكون الوصول إلى المرمى من تلك الجهة سهلاً – وتبقى الجهة التي فوق العقبة مرتفعة ارتفاعًا يتناسب مع الموضع المذكور واسم العقبة وحرمة المشعر المذكور، مع العلم أن التسامح في التسهيل المذكور نظرًا للحالة الحاضرة ووجود الزحام الذي ينشأ عنه ما ينشأ من أضرار، ولولا ذلك أبقى كل شيء على ما كان عليه. وإليكم برفقه جميع الأوراق لإجراء اللازم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(ص – ف 947 وتاريخ 1/9/1375هـ)
(1189 – دائرة المرمى لا توسع، ولا يغير الشاخص الزمي من فوقه، التخفيف من الجدار، النهي عن الكتابة عليه)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فبالإشارة إلى خطاب سموكم رقم 1318 – 2 وتاريخ 29/4/1383هـ المرفق بقصاصة جريدة الندوة من عددها 1151 المؤرخ في 23/5/82هـ المنشور فيها اقتراحات الشيخ طاهر الكردي حول جدار جمرة العقبة الخلفي المكتوب عليه: (لا يجوز الرمي من هنا) وما ارتآه من أن الكتابة لا تكفي لتتبيه الناس، واقتراحه أن يوضع ميكرفون يشبه الناس على ما ذكر، كما يقترح أن يزاد في بناء الجدار حتى يحاذي رأس الجمرة، وأن يبنى من الخلف طول نحو أربعة أمتار أو خمسة. وذكرتهم أن اللجنة العامة لمشاريع مناطق الحج رأت في قرارها رقم 14-8 إحالة هذا الاقتراح إلينا لإبداء ما تراه. وهل الرمي من خلف الجمرة غير جائز؟ وإذا كان جائزًا فترغبون إيضاح الطريقة التي يزال بها الجدار الحالي.(5/143)
أولاً: من ناحية جواز رمي جمرة العقبة من فوقها، فهذا جائز شرعًا، بتصريح أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، ولا نعلم أحدًا قال إن رميها من وفقها غير صحيح، وإنما رميها من بطن الوادي هو السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل وأكمل بلاشك. وأما رميها من فوقها فصحيح ومجزي قولا واحدًا، ونحن نسوق هنا عبارات العلماء لاطلاع اللجنة الموقرة وغيرها، بل واطلاع الرأي العام.
أما كلام علماء الحنابلة فقال الموفق في "المغني" صحيفة 427" : وإن رماها – يعني جمرة العقبة – من فوقها جاز، لأن عمر رضي الله عنه جاء والزحام عند الجمرة فرماها من فوقها، والأول أفضل. أهـ. وقال في "الإقناع وشرحه" جزء 2 صحيفة 450: ذكره في "المنتهى وشرحه" و "الغاية" وغيرها من كتب المذهب.
وأما كلام علماء الشافعية فقال الإمام الشافعي في "الأم" جزء ثاني صحيفة 213: ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ومن حيث رماها أجزأه. وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" جزء 9 ص42. وقد أجمعوا على أن من حيث رماها سواء استقبلها أو جعلها يمينه أو عن يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وقف وسطها ورماها، والاختلاف في الأفضل. أهـ.
وأما كلام المالكية فقال فلي"شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، للإمام أبي الحسن جزء أول صحيفة 477 و 478: وللرمي شروط صحة: وهي ثلاثة. وشروط كمال: وهي سبعة. وذكر السابع رميها من بطن الوادي فلو رماها من فوقها أجزاء. وقال في "الفواكه الدواني": على رسالة ابن أبي زيد القيرواني صحيفة 374:: ولا فرق في الإجزاء بين كون الرامي واقفًا أمام البناء أو تحته أو خلفه، لأن القصد إيصال الحصيات إلى أسفل البناء. أهـ.(5/144)
وأما كلام الحنيفية فقال: في "المبسوط" للسرخسي جزء رابع ص66 قال: وإن رمي جمرة العقبة من فوق العفبة أجزأه، وقد بينا أن الأفضل أن يرميها من بطن الوادي، ولكن ما حول ذلك الموضع. كله موضع الرمي، فإذا رماها من فوق العقبة فقد أقام النسك في موضعه فجاز. أهـ. وقال في "فتح القدير" على الهداية جزء ثاني صحيفة 174. ولو رماها من فوق العقبة أجزأ، لأن ما حولها موضع النسك، والأفضل أن يكون من بطن الوادي، لما روينا. قال في شرحه: قوله: ولو رماها من وفق العقبة أجزأه. إلا أنه خلاف الستة، ففعله صلى الله عليه وسلم من أسفلها سنة، لا لأنه متعين، ولذا ثبت رمي خلق كثير في زمن الصحابة من أعلاها كما ذكرناه آنفًا من حديث ابن مسعود، ولم يأمرهم بالإعادة ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس.
ثانيًا: من ناحية بناء الجدار الحالي والكتابة عليه (لا يجوز الرمي من هنا) الموجودة الآن. فهذا غلط محقي لا تعلم له مسوغًا وقد نهينا عن هذا من يتصل بنا في أيام الموسم وغيرها، فيتعين محو الكتابة، وهدم البناء، وتسهيل طريق الرمي للناس من جميع جوانب جمرة العقبة كغيرها من الجمرات.(5/145)
ثالثًا: رغبة سموكم إيضاح الطريقة التي يزال بها الجدار الحالي حيث كان الرمي من فوق الجمرة جائزًا. فذلك راجع إلى نظر المختصين يمثل هذا، إلا أنه يتعين إبقاء الرمي – وهو الحوض – على ما كان عليه فلا يزاد فيه ولا ينقص منه، بل يبقى حسب حالته السابقة كنصف دائرة والشاخص في جانبها الشمالي، فإذا نزل من طول الجدار المذكور وخفف من عرضه تمكن الناس من الرمي من تلك الجهة، أما الشاخص فيبقى على حالته قائمًا ملاصقًا لجدار الجمرة الشمالي، ويجعل لما ارتفع عنه عن جدار الجمرة بترة ملازقة له تخالف لونه وتكون أطول منه بقليل وأعرض منه بقليل، لتحول بين الشاخص وبين من في الجهة الشمالية، تحتى لا يغتر أحد فيرمي ظهر الشاخص من شمال ويظنه هو المرمى. أما جوانب الرمي التي من يمين الشاخص والبترة وعن شمالهما والتي هي زائدة عن محاذاة الشاخص عرضًا فتنزل حتى تحاذي جدار الجمرة الجنوبي ليتمكن الناس من الرمي منها. وينبغي أن يكون إصلاح ما ذكر بحضرة مندوب من قبلنا لإيضاح معنى ما قررناه، وتطبيق ما تضمنته الفتوى. والسلام عليكم.
(ص – ف 1260 في 2/7/1383هـ)
(1190 – إنشاء دور ثان للجمار الثلاث ومظلات حولها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي وزير الحج والأوقاف
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد اطلعنا على خطابكم رقم 1667 – 1 في 11/4/1382هـ حول إنشاء دور ثان للجمار الثلاث، وإقامة مظلات حولها، كما أطلعنا على صورة الخرائط والمواصفات التي وضعت لهذا المشروع.
ونفيدكم أننا لا نرى مانعًا من ذلك بشرط الاتيان على الغرض المقصود، والخلو من أي محذور شرعي. وفق الله الجميع، وجعل هذا العمل نافعًا، والسلام عليكم.
(ص – ف 1060 في 25/6/1382هـ)
(1191 – لا يجوز البناء في منى، ولا تصح الصلاة فيما غصب منه)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبدالعزيز أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:(5/146)
ثم حفظكم الله لقد اطلعت على خطاب الشيخ حمود التويجري لجلالتكم، المؤرخ في 9/11/76هـ المتضمن النصيحة حول البناء في متى.
والحقيقة حفظكم الله أن ما ذكره هو عين الصواب، وكما أن المسجد الحرام لا يجوز لأحد أن يبني فيه منزلا، فهذا المشعر كذلك.
ومن استولى على شيء منه تملكًا وصلى فيه فصلاته غير صحيحة، لأنه صلى في مكان غصب. فالله الله إمام المسلمين في كف هذه الأيدي الغاصبة عن هذا المشعر الذي هو موضع هذه العبادة الخاصة إلى يوم القيامة. واغتصاب شيء منه أعظم من اغتصاب أملاك المسلمين المحترمة المنصوص عليها وعلى غيرها في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا حتى تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم. ألا هل بلغت" رواه أبوداود. وفق الله جلالتكم لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (الختم)
(ص – م 2074 في 3/11/1376هـ)
(ديوان رئاسة مجلس الوزراء)
(1192 – اتفاق العلماء على عدم جواز البناء في منى وهدم الأبنية القديمة والحديثة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد تلقينا خطابكم الكريم المؤرخ في 11/12/78هـ واطلعنا على ما ذكرتموه حول منى، والتماسكم ما لدي في حكم هذه المسألة وأن أجمع الإخوان العلماء وآخذ ما لديهم في ذلك. وأحيط جلالتكم بما يأتي:
1- أنه لاشك أحد في حسن قصد جلالتكم وإرادتكم الخير للمسلمين وما ينفعهم حالا ومستقبلا، وهذا شيء معروف، فجزاكم الله خير الجزاء وزادكم هدى وتوفيقا.(5/147)
2- قد جمعنا من قدرنا عليه من المشائخ الذين حضروا في منى وهم إخوتي: الشيخ عبداللطيف، الشيخ عبدالملك، الشيخ عبدالله ابن حميد، الشيخ عبدالعزيز بن باز، السيد الشيخ علوي مالكي، الشيخ عبدالله بن جاسر، الشيخ عبدالله بن دهيش، الشيخ عبدالله ابن عقيل، وعرضنا المسألة – أعني مسألة منى – على بساط البحث، وقد اجتمع الرأي واتفقت الكلمة من الجميع أن إحداث شيء من النباء في منى أمر لا يصح شرعًا، لأن ذلك يقضي قطعًا على تفويت اشتراك الحجاج من المسلمين فيه، ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا نبني لك بيتًا تستظل به؟ قال: لا. منى مناخ من ساق"(1).
نحن والمشائخ المذورون متفقون على وجوب هدم ما كان بمنى من الأبنية القديمة والحادثة وعدم جواز بقائها، وإن كان عند أحد مستند في بقاء شيء منها فليحضره، وأنتم ولله الحمد رائدكم الحق وما يتمشى مع الأمر الشرعي، نسأل الله أن يتولاكم بتوفيقه. والسلام عليكم ورحمة الله.
(ص – م 367 في 14/12/1378هـ)
(وهذه أيضًا من الديوان(2)
(1193- منع الأوقاف من بناء حوش تابع لها في منى)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 10821 وتاريخ 21/8/85هـ بخصوص طلبكم منا الإذن لكم بالبناء في الحوش التابع للأوقا في منى بجوار مسجد الخيف.
__________
(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم.
(2) وانظر فتوى في "احياء الموات": بأن الحرم وهو ما أدخلته الأميال ومنه المشاعر لا يملك بالاحياء. وليس لأحد اقطاعه (21/12/1374هـ).(5/148)
وتعلمون بارك الله فيكم ان البناء في منى غير جائز شرعًا، وأن تضرر الحجاج الآن وتشكي بعضهم من عدم وجود محلات يقيمون فيها في منى ايام النحر والتشريق ناشيء في الغالب من قيام مبان فيها أقيمت على سبيل الغصب والاعتداء، إذ الإحياء فيها محرم شرعًا، ومخالف لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله "منى مناخ من سبق"(1) لهذا تعتذر من إجابة طلبكم، وتأمل أن نتلقى منكم بصفتكم أحد المسئولين عن الحج ووسائل تيسيره ما يساعد على إزالة هذه المباني المغتصبة، لتكون منى كما أرادها صلى الله عليه وسلم "مناخ من سبق" والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص – ف 3162 – 1 في 16/11/1385هـ)
(1194 – وتملكها والوقف بها غير صحيح)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة.
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 732/5 وتاريخ 26/12/85هـ بخصوص رغبتكم منا إعطاءكم الإذن في البناء داخل حوش الأوقاف في منى. وذكركم أن البناء المراد إقامته داخل حوش الأوقاف، وفي منطقة لا مضايقة منها على الحجاج.
ونفيدكم أننا لا نرى مشروعية البناء في منى مطلقًا، وما ذكرتموه من تملك الأوقاف لهذا الحوش أو تملك غيرها من أي جهة كانت فهو تملك غير صحيح، وما كان أساسه باطلا فمقتضياته وملتزماته باطلة بالطبع. وقد كان الأولى بمعاليكم بصفتك المسئول مباشرة عن الحج وراحة الحجاج أن تغتنم منا فرصة موقفنا هذا من هذه المباني المقامة في منى ظلمًا وعدوانًا لتوحيد جهود يرجى أن يكون لها من النتائج الإيجابية ما يعيد لمنى حرمتها وإشاعتها لعموم الحجاج لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالسبق، كما قال صلى الله عليه وسلم "منى مناخ من سبق" هذا ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص – ف 697 - 1 في 6/3/1386هـ)
(1195 – ولم يصرح لأحد بالبناء)
__________
(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم.(5/149)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 527 – و وتاريخ 1/11/1385هـ بخصوص تعقيبكم على خطابكم الموجه إلينا بعدد 253 – وتاريخ 6/8/1385هـ حول ما ذكرتموه من عزمكم على إنشاء مظلات وغرف للأوقاف داخل الحوش التابع للأوقاف في منى، وتذكرون أن وزارة الدفاع قد صرح لها ببعض الإنشاءات من فلل وخلافها، وقد أجبناكم أننا لا نوافق على البناء في مشاعر الحج مطلقًا، لحرصنا على توفير الراحة لحجاج بيت الله الحرام، ولما فيه من التضييق عليهم، ولمخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: "منى مناخ من سبق"(1) أما القول بأن وزارة الدفاع قد صرح لها بالبناء فلم يصدر منا لها إذن به. ولاشك أنها في الحكم كغيرها. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص – ت 3262 – 1 في 23/11/85هـ)
(1196 – حجز قطعتين لفرق صيانة العين)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد جرى الإطلاع على المعاملة المحالة إلينا رفق خطاب سموكم برقم 16523 وتاريخ 20/9/1378هـ بشأن قطعتي الأرض اللتين ترغب مصلحة عين زبيدة في حجزهما لها في منى لنزول فرق صيانة الماء والعمال والسيارات الوايتات ايام التشريق – المشتملة على قرار الهيئة المشكلة لهذا الغرض. وبتتبع المعاملة، ونأمل قرار الهيئة المتضمن تقريرهم بالاتفاق ان تضم القطعة المذكورة إلى إدارة عين زبيدة للاستنفاع بها في المصلحة الخيرية. إلى آخر ما قرروا.
__________
(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم.(5/150)
نفيدكم أن هذا لا يجوز، وأن منى مشعر حرام يستوي العاكف فيه والباد، قال الله تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلنا للناس سواء العاكف فيه والباد، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "منى مناخ من سبق". ويجب إزالة الأبنية الحديثة التي ظهرت مضايقتها لحجاج بيت الله الحرام وتجلي ضررها عليهم. فكيف بقرار الهيئة المشار إليه. ونفيد سموكم أننا لا نوافق عليه، ولا نقره، لما ذكرنا، ونأمل أن تتخذ الحكومة في شأنها ما يزيل الضرر ويكفل الراحة للحجاج والله يحفظكم.
(ص – في 982 في 27/10/1387هـ)
(1197 - وإنشاء سبيل في منى وغرفة ماتور)
حضرة المكرم القائم بأعمال الرئاسة بالمنطقة الغربية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
نشير إلى خطابكم رقم 1916 في 17/2/82هـ ومشفوعة المعاملة الخاصة بطلب محمد عبدالقادر باشراحيل التصريح له بإنشاء سبيل وغرفة ماتور فوقه (بمنى) لغرض عمل سبيل لله تعالى، وما دار حول ذلك بينه وبين الأمانة..الخ.
ونفيدكم أن إنشاء السبيل وغرفة الماتور بمنى غير جائز، ولا يمكن السماح له بإقامة ذلك في منى، خاصة وأن الحكومة وفقها الله قد عملت على توفير ذلك، وإذا كان يقصد عمل الخير فأعمال البر وطرق الخير كثيرة. ونعيد لكم بطيه كامل الأوراق. والله يحفظكم.
رئيس القضاة
(ص – ق 1609 – 3 في 15/5/1382هـ)
(1198 – دورات المياه وخزانات الماء داخل المظلات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة
السلام علكيم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
__________
(1) سورة الحج – آية 25(5/151)
نشير إلى خطابكم رقم 108 وتاريخ 30/3/85هـ حول دورات المياه وتوفير المياه وضرورة ذلك فلا مانع من إيجاد دورات المياه وخزانات الماء، وتكون داخل المظلات فقط بحيث لا تأخذ شيئًا من الأرض البيضاء المخصصة لنزول الحجاج. أما بناء مطابخ فلا ينبغي. والله يحفظكم.
(ص – م 1982 في 15/5/1385هـ) (1)
(1199 – بناء مظلة لحارس خزان في أعلى الجبل)
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم مدير عام مصلحة عين زبيدة والعزيزية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد وصلنا كتابك رقم 511 في 11/3/81هـ وفهمنا ما تضمنه من استفتائك عن حكم بناء مظلة فوق خزان مياه الشرب لحارس هذه المياه، حيث أن الضرورة تقتضي تعيين حارس للخزان يكون مسئولا عن صيانة الماء وحفظه من التلوث والأيدي، ولا مظلة لهذا الحارس تقيه حرارة الشمس. إلى آخر ما ذكرت.
ونفيدك أنه مادام الخزان في علو الجبل، والمطلوب إقامة مظلة فوق الجدران للحارس المذكور، وليس ذلك في مواقع سكن الحجاج ولا في طرقهم، فنرجو ألا يكون هناك مانع من ذلك، وبالله التوفيق.
والسلام عليكم.
(ص – ف 351 في 22/3/1381هـ)
(1200 – طرق منى ومنعطفاتها تبع لها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أمين العاصمة
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
__________
(1) ويأتي ما يتعلق ببناء المظلات في عرفة والمشاعر قريبًا.(5/152)
فقد اطلعنا على الإعلان المنشور في صحيفة الندوة الصادرة في يوم الأربعاء الموافق 23/10/1381هـ بشأن أراضي وشوارع منى. وهذا نص الإعلان (تلقت أمانة العاصمة نظر العموم أن جميع أراضي وشوارع ومنعطفات منى هي تابعة لها، وسوف تقوم بتوزيعها على المواطنين في الوقت المناسب مجانًا وبدون أي أجرة، وليس لأي شخص حق التصرف في تأجيرها أو خلافه مطلقًا سواء كانوا من قريش أو خلافهم. ولإعلام الجميع بذلك صار نشره). وحيث أن منى مناخ من سبق كما ورد بذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أحببنا الاستفسار عن معنى ما نشرته أمانة العاصمة بهذا الصدد. والسلام عليكم.
(ص – ف 1332 في 29/10/1381هـ)
(1201 – وليس لمن بنى فيها حق الانقاض)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أمين العاصمة
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فنشير إلى خطابك المرفق رقم 6072 – خ وتاريخ 9/10/1384هـ بشأن مباني منطقة منى التي لا توجد بأيدي أهلها مستندات رسمية وقد نزعت منهم لصالح التوسعة في تلك المنطقة، وذكرتم بأنه قد رصد لأصحابها تعويضات لدى الأمانة، وأن تسليمها متوقف على صدور صكوك من كاتب العدل، وترغبون إشعاركم بما نراه.
وعليه نشعركم بما يلي:
أولاً: إن منى مناخ من سبق ولا يحل البناء فيه، فأيدي هؤلاء كأيدي الغاصبين.
ثانيًا: إن هؤلاء ليس معهم حجة تجعل لهم شبهة تقتضي تعويضهم، فأنقاضها حينئذ ليس لها حرمة، لأنها لم توضع على أساس شرعية، ولذا فإنا لا نتمكن من تبليغ كاتب العدل حول ما ذكرتموه بشيء. والله يتولاكم. والسلام عليكم.
رئيس القضاة
(ص – ق 11191 – 1 في 9/11/1384هـ)
(1202 – ومن كان بناؤه باذن في سفح الجبل فيعوض عن الانقاض ويعطى في غير المشاعر وما لا يضيق على الحجاج)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:(5/153)
فقد جرى الإطلاع على ما أبداه فضيلة رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة برقم 457 – 1 وتاريخ 7/3/77هـ حول طلب قبيلة قريش إثبات تملك لما بنوه من البيوت بآخر سوق العرب بسفح جبل بمنى بحجة الإذن لهم بالبناء على هذه الأرض بدلا من الأراضي التي أخذت منهم لتوسعة منى. وامتناع فضيلة رئيس المحكمة الكبرى في ذلك، تعليلاً بما ثبت شرعًا من اختصاصها منازل للحجاج أيام منى لكون الأرض التي عليها تلك الأبنية من منى، لقوله صلى الله عليه وسلم "منى مناخ من سبق"(1) وبنقض رئاسة القضاء بمكة لحكم الشيخ حسن مشاط عضو المحكمة الكبرى، المتضمن الحكم لبعض قريش على وكيل عين زبيدة بما أدعوه بما شمل بعض المشاعر المرفقة صورته. فوجد ما أبداه فضيلة رئيس المحكمة الكبرى صحيحًا.
وحيث ثبت أن بناء المذكورين بإذن فيعوضون عن بنائهم، ويناسب أيضًا إعطاؤهم أراضي ليست في مشعر من المشاعر، ولا في موضع يحصل به التضييق على الحجاج. والله يحفظكم.
(ص – ف 1222 في 2/11/1377هـ)
(1203 – منح امتياز مجزرة بمنى لا يجوز)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان العالي الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 8935 في 1/10/1372هـ المرفق به المعاملة المقدمة من النيابة بصدد الاقتراح المتقدم به عبدالكريم شريف حول طلبه الموافقة على منحه "امتياز مجزرة منى" ليستفيد من الفضلات، على أن يتعهد بحفظ اللحوم ببرادات لتبقى صالحة لتوزيعها على الفقراء. إلى آخر ما شرحه حول الموضوع.
فاتضح عدم جواز موافقته، فإنه يجب ويتحتم إلغاء جميع الامتيازات المتقدم بطلبها حول هذا الموضوع، لعدة محاذير شرعية:
منها: أن مثل هذا لا يصح شرعًا – لو كان ذلك الطلب للامتياز مطلوبًا في مجزرة دنيوية لا تعلق لها بالعبادات الدينية ومناسك الحج.
__________
(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم.(5/154)
ثانيًا: أن في ذلك من مخالفة المقصود الشرعي من نسك النسائك ونحو وذبح القرابين في ذلك الموضع المقدس ما لا يخفى. وهؤلاء وإن أظهروا أو ظن غيرهم إمكان بقاء الأمر الشرعي بحاله فهو غلط واضح، والأمر الشرعي والمقصود الديني من هذه النسائك وأنها لا تجتمع مع اقتراحات هؤلاء أبين من الشمس في رابعة النهار.
وهاهنا عدة طرق كل واحد منها يخفف وطأة الأمور المخرفة، أو نحسم مادتها بالكلية. فإذا طلب بيان ذلك حصل إن شاء الله. والله يحفظكم.
(ص - م5 - 11 - 1382هـ) (1)
(1204 - الأمر السامي لا يراد به قطعًا شيئًا يخالف الشرع)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة مدير أعمال
كتابة عدل مكة المكرمة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على خطابك المرفوع لنا برقم 259 وتاريخ 28/2/1384هـ حول الأبنية في منى، وما وردكم أخيرًا من صورة خطاب سمو أمير منطقة مكة برقم 478 في 24/2/84هـ المعطوف على خطاب سمو وزير الداخلية، والمتضمن أمر صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء برقم 256 وتاريخ 13/1/84هـ.
ونفيدك بأن الأمر السامي لا يراد به قطعًا شيئًا يخالف الشرع المطهر، ومسألة الأبنية في منى سبق أن كتبنا أنها موضوعة بغير حق والله يتولاكم. والسلام.
رئيس القضاة
(ص - ق 1429 - 3 في 15 - 5- 1384هـ)
(1205 - نقض حكم بالتملك في منى)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..وبعد:
__________
(1) ويأتي ما يتعلق بالذبح خارج منى.(5/155)
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا رفق خطاب سموكم برقم 22007 في 25/11/78هـ حول شكوى أحمد خليفة النبهاني من تكليفه بتسليم قطعة الأرض الواقعة ضمن محدوده في منى، المشتملة على الحكم الشرعي الصادر من الشيخ حسن مشاط، وعلى صورة ضبط جلسات المحاكمة. ويتتبع المعاملة، ومرفقاتها ودراستنا الحكم الشرعي الصادر فيها من الشيخ حسن مشاط عضو المحكمة الكبرى بمكة.
نفيد سموكم أن منى مشعر حرام لا يجوز تملك أرضها والاختصاص بها، بل يستوي العاكف فيها والباد. وقال الله تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "منى مناخ من سبق"(2)
وقد سبق أن كتبنا لسموكم حول منى وحكم تملك أراضيها والاختصاص بها، وذكرنا لسموكم أنه يجب إيقاف الأبنية التي ظهر مضايقتها لحجاج بيت الله الحرام. وتجلى ضررها عليهم. ونحن لا نوافق على ما حكم به القاضي المذكور، ولا نقره، ونأمل أن تتخذ الحكومة في شأنها ما يزيل الضرر، ويكفل الراحة للحجاج ويحقق ما عناه الدين الإسلامي الحنيف من استواء العاكف فيه والباد. والله يحفظكم.
(الختم)
(ص – م 266 في 15/2/1379هـ)
(1206 – اقتراح اقامة بوابة لمدخل منى)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة مكة المكرمة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على خطاب سموكم رقم 2139 – 3 وتاريخ 29/4/1383هـ المرفق بما كتبه لكم أمين العاصمة باقتراحه إقامة بوابة لمدخل منى على حدها، ليعرف الحجاج حدودها الشرعية فلا يتعدونها، وما أرتاته اللجنة العامة لمشاريع مناطق الحج من إحالة ما ذكر إلينا لمعرفة وجهة الشريعة في هذا.
__________
(1) سورة الحج – آية 25
(2) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم.(5/156)
وعليه فقد جرى منا تأمل ما ذكر. ولم نجد له مأخذًا شرعيًا، إذ لم يفعله أو يقل به أحد من سلف الأمة وأئمتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فسوف يترتب على وضع البوابة من الازدحام وتراكم الناس وعرقلة سير المرور ما لا يخفى، ولهذا نرى أن يكتفي بما وضع على حدودها من علامات وأنصاب، وإن كانت غير مستوعية فتزاد بما تحصل به الكفاية، ويكتب عليها الكتابة المفهمة بأن هذه حدودها.
أما ما أشار إليه سموكم من مشكلة ضيق منى، وأنها لا تتسع الآن لجميع الحجاج نظرًا لزيادتهم في السنن الأخيرة وكثرة السيارات والخيام وغير ذلك فإن هذه الناخية رهن الدراسة، وهي تستدعي المزيد من التعمق في البحث، وسنوافيكم بالجواب إن شاء الله، والسلام عليكم.
(ص – ف 1292 – 1 وتاريخ 5/7/1383هـ)
(1207 – استنكار خبر إقامة ملعب في مزدلفة)
"برقية"
صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله الرياض
بلغني أنه سيتخذ موضع ملعب بناحية وراء مني في طرف مزدلفة، ومن المعلوم حفظك الله أن هذا حرم ومشعر، ولا يصح للملاعب، فهو لإقامة ذكر الله، والركعة فيه بمائة ألف ركعة. فالواجب منع ذلك وأرجو أن هذا الخبر ليس له صحة، كما أنه وإن سولت لأحد نفسه محاولة ذلك فإن عندكم من تقوى الله تعالى وتعظيم هذه المشاعر المفضلة ما يحصل منه نفي ذلك وعدم السماح به. وبرقيتي هذه زيادة تنبيه ولفت نظر، وإلا ففي غيرتكم وشعوركم بما يجب تجاه هذه المشاعر من الاحترام والصيانة كفاية.
محمد بن إبراهيم
(ص – م 2378 في 25/6/1380هـ)
(1208 – حدود عرفة، ووضع أعلام لها، وتوصيات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة مكة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد(5/157)
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 121 وتاريخ 8/1/88هـ عطفًا على ما وردكم من سمو وزير الداخلية. المتضمن صدور الأمر الملكي بتشكيل لجنة لتحديد حدود عرفة، مكونة من عدد من طلبة العلم وأهالي تلك الجهة الذين يعرفون حدودها، ليقفوا على نفس المحل، ويقوموا بتحديدها، ووضع علامات واضحة عليها.
وعليه فقد اخترنا لذلك لجنة مكونة من كل من: الشيخ عبدالله ابن جاسر، والشيخ سليمان العبيد، والسيد علوي عباس مالكي، والشيخ عبدالعزيز بن فوزان. وكتبنا لهم بذلك برقم 3615 وتاريخ 22/8/88هـ فاعتمدوا ذلك. ومنهم كل من الشريف فائز الحارثي. و الشريف محمد بن فوزان الحارثي، والشريف شاكر ابن هزاع أبوبطين، وكل من: خيشان حامد القرشي وأخيه كريدم من بادية قريش، والشيخ محسن بابصيل، والمهندس فؤاد كامل حوا وهما من قبل وزارة الأوقاف. وقد وقفوا على عرفة ومشوا على حدودها وراجعوا النصوص الشرعية الواردة في هذا وكلام أهل العلم وطبقوه على واقع الأرض على حسب ما فهموه منها، ووضعوا بذلك قرارهم المرفق برقم بدون وتاريخ 17/10/88هـ وبرفقه خارطة وضعوها توضح حدود عرفة من جميع جوانبها، وقد تأملنا ما قرروه ومعنا جملة من الإخوان الذين يعتمد عليهم في مثل هذا. وبدراسة القرار المذكور والخارطة المرفقة له(1) ومراجعة ما أمكن الاطلاع عليه من كلام أهل العلم لم نجد ما يلاحظ عليه.
وعليه فلا مانع من إجازة ما ذكروه والعمل به، فتوضع على الحدود أعلام كبيرة عالية مخالفة لأعلام الحرم من حيث الارتفاع واللون وتصميم البناء لئلا يظن أنها من حدود الحرم، وتكون مرتفعة بحيث لا تحول الخيام والسيارات عن رؤيتها، ويكتب عليها كتابة واضحة بالنيلون وباللغات المشتهرة بأنها حدود عرفة.
__________
(1) لم أجدها برفقه.(5/158)
كما نلفت النظر إلى ما ذكرته اللجنة من ملاحظة شق الطرق وتمهيدها وسفلتتها في جهات عرفة خصوصًا الجهة الشمالية والشرقية بوضع هندسي يربطها بالطرق الرئيسية المؤدية لمزدلفة، وتعمم فيها شبكة المياه الكافية، وذلك لتخفيف الضغط والزحام. والله الموفق. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص – ف 3404 – 1 في 1-11-1388هـ)
(كتاب سماحته للمشايخ)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرات أصحاب الفضيلة المشايخ الكرام: الشيخ عبدالله بن جاسر رئيس هيئة التمييز بمكة، الشيخ سليمان بن عبيد رئيس المحكمة الكبرى بمكة، الشيخ السيد علوي عباس مالكي المدرس بالمسجد الحرام، الشيخ عبدالعزيز بن فوزان عضو هيئة التمييز بمكة المكرمة …المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فموجبه إعلامكم بأن حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أصدر أمرًا ساميًا بتشكيل هيئة مؤلفة من طلبة العلم ومن سكان عرفات ومن وزارة الحج والأوقاف، لوضع أعلامًا ظاهرة للعيان على حدود عرفات، ليتسنى لكافة الحجاج رؤيتها والوقوف داخل عرفات على هدى ارشادها في الحج. وأنيط بحضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة وفقه الله تنفيذ هذا الأمر الجليل.
ولقد رأينا بعد ترو في الأمر أن تمثلوا طلبة العلم في هذه الهيئة، لما لكم من رؤية وخبرة. وهذا أمر لاشك أنكم تدركون أهميته، وأنه يتعين عليكم المشاركة فيه قيامًا بما أوجبه الله من بيان العلم، وحفاظًا على من يجهل حدود عرفات من الحجاج من عدم صحة حجهم. نسأل الله أن يسدد خطاكم ويجعل التوفيق للحق حليفكم والسلام عليكم ورحمة الله.
مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة
(الختم)
(ص – م 3615 في 22/8/1388هـ)
(قرار الهيئة)(5/159)
الحمد لله وحده وبعد: بناء على ما تلقينا من سماحة رئيس القضاة برقم 3615 وتاريخ 22/8/88هـ نحن: عبدالله بن جاسر، وسليمان بن عبيد، والسيد علوي عباس مالكي، وعبدالعزيز بن فوزان، المبني على أمر صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز المعظم بتشكيل هيئة مؤلفة من طلبة العلم ومن سكان عرفات ومن وزارة الحج والأوقاف، لوضع علامات ظاهرة للعيان على حدود عرفات يتسنى لكافة الحجاج رؤيتها، والوقوف داخل عرفات على هدي إرشادها في الحج، وأنه أنيط بحضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة تنفيذ هذا الأمر الجليل، وقد رأى سماحته – وفقه الله – بعد ترو في الأمر أن تمثل طلبة العلم في هذه الهيئة لما لنا من روية وخبرة في ذلك، وأنه يتعين علينا المشاركة فيه قيامًا بما أوجبه الله من بيان العلم، وحفاظًا على من يجهل حدود عرفات من الحجاج خشية من عدم صحة حجهم.
وعليه فقد اعتمدنا الأمر، واجتمعنا في يوم الخميس الموافق 6/10/1388هـ في عرفات، وبصحبتنا كل من الشريف فائز الحارثي، والشريف محمد بن فوزان الحارثي، والشريف شاكر بن هزاع أبوبطين، واثنين من بادية قريش المقيمين بتلك الجهة وهما خيشان بن حامد القرشي وأخوه كريدم، ومندوب وزارة الحج والأوقاف الشيخ محسن بن الشيخ بابصيل والمهندس فؤاد بن كامل حواريا، واستعرضنا النصوص الشرعية في حدود عرفات من مظانها ككتب المناسك والأحكام والتواريخ والمعاجم. ووقفنا على منتهى جميع جهات عرفات شمالاً وغربًا وجنوبًا وشرقًا. فظهر لنا بعد الدراسة لذلك من جميع النواحي أن تحديد موقف عرفات يرجع فيه إلى ما يلي:
أولاً: ما رواه الإمام أحمد في مسنده برجال ثقات عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "وقفت ها هنا وكل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة" وأصل الحديث في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه.(5/160)
ثانيًا: ما رواه الأزرقي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرفة، إلى جبال عرنة إلى الوصيق، إلى ملتقى وصيق بوادي عرنة.
ثالثًا: ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله في (الأم ج2 ص179): عرفة ما جاوز وادي عرفة الذي فيه المسجد – وليس المسجد ولا وادي عرنة من عرفة – إلى الجبال المقابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن، فإذا جاوزت ذلك فليس من عرفة. أهـ.
وهذه الأدلة الثلاثة المتقدمة توضح في مجموعها حدود موقف عرفات من جميع الجهات، وما اطلعنا عليه من كلام العلماء لا يعدو في الغالب أن يكون بيانًا لما تقدم وإيضاحًا له.
وعليه فقد ظهر لنا مما تقدم بعد البحث والتطبيق أن حد موقف عرفة من جهة الشمال الشرقي هو الجبل المشرف على بطن عرنة المسمى بجبل سعد، والذي وصفه صاحب جغرافية شبه الجزيرة العربية حيث قال: وهناك تجد الجبل قد حلق الوادي وقفله أمامك من الشرق بشكل قوس كبير، وعلى طرف القوس من جهة الجنوب طريق الطائف. أهـ. وهذا هو المشاهد من واقع الجبال. وسيأتي مزيد إيضاح له من كلام العلماء رحمهم الله. ويمتد الحد من هذه الجهة مبتدئًا من منتهى الجبل المذكور مما يلي الغرب متجهًا إلى الغرب حتى ينتهي بملتقى وادي وصيق وادي عرنة، وذلك أن وادي وصيق يأتي من ناحية الشرق بالنسبة لجبل سعد متجهًا إلى الغرب ثم ينعطف إلى الجنوب وعندئذ يلتقي بوادي عرنة عندما يقابل منتهى جبل سعد الغربي، فإذا اجتمع وصيق ووادي عرنة صارا واديًا واحدًا يتلاشى معه اسم وصيق ويكون الاسم لوادي عرنة فقط، كما أفاد بذلك أهل المعرفة بتلك الجهة، وتبلغ المساحة من سفح جبل سعد الغربي إلى ملتقى وصيق بوادي عرنة (ألف متر).
ويدل على ذلك ما جاء في أثر ابن عباس المتقدم حيث قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة إلى الوصيق إلى ملتقى وصيق بوادي عرنة.(5/161)
ويؤيد هذا أيضًا أن جميع ما اطلعنا عليه من كلام العلماء رحمهم الله متفق على أن حد موقف عرفات من الجهة الشمالية الشرقية هو جبل سعد المذكور، وحد موقف عرفة من الجهة الغربية وادي عرنة. يبتديء من الجهة الشمالية من ملتقى وادي وصيق بوادي عرنة، وينتهي من جهة الجنوب عندما يحاذي أول سفح الجبل الواقع جنوبي طريق المأزمين وطريق ظب والذي طرفه الشمالي قرية نمرة من الجهة الشرقية غربي الواقف هناك وغربي سفح الجبال التي في منتهى طرفه من جهة الجنوب شرقيه بخط مستقيم. وبين وادي عرنة المذكور وبين الموقف علمان كبيران يقعان شمالي شرقي مسجد إبراهيم، وهما الحد الفاصل بين وادي عرنة وبين عرفة، كما ذكر ذلك تقي الدين الفاسي في كتابه "شفاء الغرام"(1) قال: وكان ثمة ثلاثة أعلام، فسقط أحدها وهو إلى جهة المغمس، وأثره بين، ورأيت عنده حجرًا ملقى مكتوب فيه: أمر الأمير الاصفهلار الكبير مظفر الدين صاحب اربل حسان(2) أمير المؤمنين بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عرفة ووادي عرنة، لا يجوز لحاج بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس. وفيه: كان ذلك بتاريخ شهر شعبان من سنة (605) ورأيت مثل ذلك مكتوبًا في حجر ملقي في أحد العلمين الباقيين، وفي هذين العلمين مكتوب: أمر بعمارة علمي عرفات، وأضاف كاتب ذلك هذا الأمر للمستظهر العباسي. ثم قال: وذلك في شهر سنة أربع وثلاثين وستمائة. أهـ.
وقال في "مواهب الجليل" شرح مختصر خليل: وعرفة متسعة من جميع الجهات. والمحتاج إليه من حدودها ما يلي الحرم، والاختلاف فيه. ولئلا يجاوزه الحاج قبل الغروب: وقد صار ذلك معلومًا بالأعلام التي بنيت، وكانت ثلاثة، فسقط منها واحد وبقي اثنان، مكتوب في أحدها: إنه لا يجوز لحاج بيت الله أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس. أهـ.
__________
(1) ج1 ص302
(2) كذا بالأصل، وفي شفاء الغرام: حسام.(5/162)
وقد يقول قائل: إن ما جاء في حديث جابر الذي في مسلم وغيره "حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة" بفهم منه بأن نمرة من عرفة. ويجاب عن ذلك بأننا لم نر من استشكل هذا من العلماء. وقال صاحب "المنهل العذب" على شرحه لهذا الحديث: أي لما قارب، لأن نمرة قبل عرفة. أهـ. يؤيد ذلك ما جاء في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن خطب وصلى بعرفة ركب حتى أتى الموقف يعني أرض عرفة. كما أوضح ذلك في "المنهل العذب" المورود. شرح سنن أبي داود.
وأيضًا فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أن عرنة تمتد عرضًا إلى أعلام حدود الحرم. الأمر الذي يتضح منه بأن ذلك جميعه خارج عن حدود عرفة.
ثم يأخذ الحد من العلم الجنوبي من العلمين المذكورين بالاتجاه إلى ما بين الجنوب والغرب بخط مستقيم إلى أن يصل إلى المنارة الواقعة شرقي شمال مسجد إبراهيم القديم، وبين العلم الجنوبي المذكور وبين مسجد إبراهيم سبعمائة وأربعة وستون ذراعًا بذارع الحديد، كما ذكر ذلك الفاسي.(5/163)
ثم إن الحد يأخذ متجهًا إلى الجنوب من منتهى مسجد إبراهيم القديم إلى الجهة الجنوبية حتى يصل إلى منتهى عرفة من جهة الجنوب الموضح عنه بعاليه. ومنه يتضح بأن"مسجد إبراهيم" القديم الذي ذرعه مبتدؤه من الناحية الغربية إلى منتهاه من الناحية الشرقية (مائة وستون ذراعًا) كما ذكره الأزرقي في "تأريخ مكة" خارج عن موقف عرفات. وقد قال بعض أهل العلم: إن مقدم المسجد – أعني القديم – في وادي عرنة، ومؤخره في عرفات. وهو قول إمام الحرمين الجويني، والقاضي حسين، والرافعي، وجماعة من الخراسانيين. قالوا: ويتميز ذلك بصخرات كبار فرشت هناك. وقيل إن جميع المسجد من عرفة وأن جداره الغربي لو سقط لسقط على بطن عرنة قال ذلك في "البحر العميق" نقلا عن الطرابلسي وغيره. ولكن الأولى بأخذ قول الجمهور في أن جميع المسجد القديم خارج عن حدود عرفة فلا يصح الوقوف فيه كما أوضحنا ذلك بعاليه، ولأن الأخذ بهذا القول أحوط لهذه العبادة العظيمة الخطرة. أما الزيادة التي أدخلت فيه بعهد حكومتنا الحاضرة وفقها الله فإنها داخلة في موقف عرفات. وإن كانت هذه الزيادة خارجة في رأي العين عن مسامتة العلمين اللذين وضعهما ملك الإربل إلى جهة الغرب قليلاً. لأننا لم نسر من العلماء رحمهم الله من استثنى شيئًا مما كان خارج المسجد القديم من الجهة الشرقية وأدخله في حدود عرفة، بل صرح بعضهم بأن الإنسان إذا خرج من المسجد – أعني القديم – يريد الوقوف فقد دخل عرفة من حين يخرج(1).
__________
(1) قلت: والآن المسجد المذكور يزاد فيه من الجهة الجنوبية.(5/164)
ويدل على هذا الحد ما رواه الإمام أحمد في مسنده برجال ثقات، عن جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وقفت هاهنا وكل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة" وأصل الحديث في صحيح مسلم وقد تقدم. فدل قوله صلى الله عليه وسلم: "وارفعوا عن بطن عرنة" إن وادي عرنة ليس من موقف عرفة، إذ لو كان منه لما أمر بالرفع عنه، والأمر بالرفع يقتضي النهي عن الاتيان، بل لما كان وادي عرنة ملاصقًا لموقف عرفة ومشابهًا له احتاج إلى التنبيه من المرشد الأعظم صلوات الله وسلامه عليه لأمته، كما وأنه لو كان وادي عرنة المذكور موقفًا والنهي عن الوقوف فيه لعلة أخرى لوضحها الشارع صلى الله عليه وسلم. فلم ينقل عنه صلوات الله وسلامه عليه جواز الوقوف بوادي عرنة، ولا عن أحد من أصحابه بعده، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بنمرة إلى أن زالت الشمس، ثم أتى بطن الوادي فخطب الناس خطبته المشهورة، وصلى الظهر والعصر جمعًا، ثم ذهب إلى الصخرات. وقال: "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف" الحديث. ولم يقل هذا إلا بعد ان ذهب من نمرة ومن المسجد معًا الأمر الذي يتضح منه عدم دخول المسجد وما ب عده من الجهة الغربية في مسمى عرفة التي هي مكان الوقوف.(5/165)
وقد صرح بذلك كثير من الأئمة والعلماء الأعلام كأحمد بن حنبل والشافعي حيث قال الشافعي وهو المكي القرشي في "الأم": وعرفة ما جاوز وادي عرنة الذي فيه المسجد، وليس المسجد ولا وادي عرنة من عرفة. وقال النووي في "الإيضاح": واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة ولا المسجد المسمى مسجد إبراهيم ويقال له أيضًا مسجد عرفة، بل هذه المواضع خارجة عن عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة وهذا نص الشافعي. أهـ. وقال في "المجموع": أما مسجد إبراهيم فقد نص الشافعي على أنه ليس من عرفات. وان من وقف به لم يصح وقوفه. وقال القشيري: والمسجد الذي يصلي فيه الإمام اليوم يوم عرفة هو في بطن عرنة، فإذا خرج منه الإنسان يريد الوقوف فقد صار في عرفة من حين يخرج. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ونمرة كانت قرية خارج عن عرفات من جهة اليمين. فيقيمون بها إلى الزوال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي وهو موضع النبي صلى الله عليه وسلم الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطب وهو في حدود عرفة ببطن عرفة. وهناك مسجد يقال له مسجد إبراهيم، وإنما بني في أول دولة بني العباس. أهـ. وقال ابن القيم رحمه الله: نمرة قرية، غربي عرفات، وهي خراب اليوم. نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له. ثم سار حتى أتي بطن الوادي من أرض عرنة فخطب الناس، وموضع خطبته لم يكن من الموقف. فإنه خطب بعرنة وليست من الموقف. فهو صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة. وخطب بعرنة، ووقف بعرفة. أهـ.
وقد يقول قائل: إن ما بين العلمين المذكورين أعلاه واللذين وضعهما ملك الاربل في عام 605 وبين مجرى وادي عرنة في الوقت الحاضرب مسافة لا يقل عرضها عن (مائة متر) وهي مرتفعة عن مجرى عرنة، فكيف لا تكون داخلة في حدود موقف عرفة.(5/166)
فيقال: إن هذين العلمين قد وضعا منذ سبعمائة وثلاثة وثمانين عامًا. ولم يغيرا على مر السنين بل أبدا ممن نقلنا عنهم ذلك أعلاه ومن غيرهم. الأمر الذي يدل على أنهما حد مجرى وادي عرنة حينذاك. وأيضًا فإن سهول عرفة كلها رمال تنتقل. الأمر الذي يتلمح منه أن مجرى وادي عرنة القديم يشمل هذا المرتفع ولا يزول الحكم بالارتفاع بسبب تراكم الأتربة بهبوب الرياح وجريان السيل، وقد يشتد سيل الوادي في بعض الأحيان فيعلو عليه ويزيله. وقد ذكر أهل الخبرة من أهل تلك الجهة أنه عند اشتداد السيل بعلو هذا المرتفع.(5/167)
وتبلغ المساحة لهذا الحد ابتداءً من ملتقى وصيق بوادي عرنة من الجهة الشمالية إلى منتهاه من الجهة الجنوبية الموضح ذلك أعلاه (خمسة آلاف متر). كما وأن المساحة التي بين جبل الرحمة إلى ملتقى وصيق بوادي عرنة تبلغ (ثلاثة آلاف متر). ومن جبل الرحمة إلى مسجد إبراهيم قدر ميل، كما صرح بذلك النووي رحمه الله في "الإيضاح" حيث قال: وبين المسجد والجبل الذي بوسط عرفات. المسمى جبل الرحمة قدر ميل. وجميع تلك الأرض يصح الوقوف فيها. وتبلغ مساحة المسجد من ركنه الشمالي الشرقي إلى ركنه الجنوبي الشرقي (23ذراعًا) كما ذكر ذلك الأزرقي في "تاريخ مكة" كما وأن مساحة ما بين منتهى مسجد إبراهيم من الجهة الشرقية الجنوبية وبين منتهى الحد الجنوبي الغربي (ألف وثلاثمائة متر). وتبلغ المساحة إبتداء من ملتقى الحد الجنوبي بالغربي إلى جبل الرحمة (ثلاثة كيلو متر). ويحد موقف عرفات من الجهة الجنوبية الجبال المقابلة للجبل الشمالي المسمى الآن بجب لسعد والواقعة يمين الذاهب إلى الطائف. ويمتد الحد من الجهة الغربية مبتدئًا من سفح الجبل الغربي من الجبال المذكورة بخط مستقيم جنوبي متجهًا إلى الجبل الواقع جنوبي طريق المأزمين وطريق ضب حتى يلتقي بمجرى وادي عرنة، وبهذا ينتهي الحد من الجهة الجنوبية الغربية وتبلغ مساحته (ألف وخمسمائة متر) وتبلغ مساحته ما بين منتهى سلسلة الجبال المذكورة من جهة الغرب إلى جبل الرحمة (2600م). أما منتهاه من الجهة الجنوبية الشرقية فهو منعطف سلسلة الجبال الجنوبية المذكورة من جهة الشرق والذي اخترق معه في الوقت القري طريق للسيارات الذاهبة إلى الطائف والمقابل لمنتهى جبل سعد من جهته الجنوبية والواقع شرقي المقاهي المعروفة بأم الرضوم. فتكون قرية عرفات وما أدخله الحد المذكور من حوائط ابن عامر داخل جميع ذلك في عرفات.(5/168)
ويدل على هذا الحدما تقدم من قول الشافعي في "الأم" من أن عرفة ما جاوز وادي عرنة الذي فيه المسجد. وليس المسجد ولا وادي عرنة من عرفة إلى الجبال المقابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن. فإذا جاوزنا ذلك فليس من عرفة. وقال في "فتح مسالك الرمز" لعبد الرحمن عيسى الحنفي: وحد عرفة ما بين الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال المقابلة لعرفة مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن. وما جاوز ذلك فليس منها. أهـ. وقال الموفق في "المغني": وحد عرفة من الجبال المشرفة على عرفة إلى الجبال المقابلة له مما يلي حوائط ابن عامر، وهذه عبارة الشرح الكبير، والكافي، والإقناع، والمنتهى، والغاية. وما ذكر من قول الإمام الشافعي وفقهاء الحنابلة يدل على أن حد عرفة من هذه الجهة هي سلسلة الجبال المذكورة المقابلة لجبل سعد.
ويزيد هذا الحد وضوحًا ما قاله الطبري في "القرى" نقلاً عن البلخي: حائط ابن عامر غير عرنة. ويقربه المسجد الذي يجمع فيه الإمام الظهر والعصر. وهو حائط نخل وفيه عين تنسب إلى عبدالله بن عامر بن كريز. قلت: وهي الآن خراب. وقال ياقوت في "معجم البلدان" نقلاً عن البنا: قرية عرفة قرية فيها مزارع وخضر ومباطخ، وبها دور حسنة لأهل مكة ينزاونها يوم عرفة. الموقف منها على صيحة. وقال النووي في "المجموع" و "الإيضاح": قال بعض أصحابنا: لعرفات أربع حدود: الأول ينتهي إلى حافة المشرق. الثاني إلى حافة المشرق. الثاني إلى حافة الجبال التي وراء أرض عرفات. الثالث إلى البساتين التي تلي قرية عرفات. وهذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقفت بأرض عرفات. الرابع ينتهي إلى وادي عرنة.(5/169)
ويشهد بذلك أيضًا مشاهدة العيان فإنه بوقوفنا على هذه الجهة بعرفات وجدنا آثارًا لتلك الحوائط منه الجهة الجنوبية وهو ما كشفته الرياح من آثار المصانع والبرك الكبار والأساسات القوية التي تشير إلى أنه كان فلي الموضع قصور وحوائط وجوابي واسعة تليق بمكانة هذا الرجل ااشهير. والذي قال ابن الأثير عنه: إنه أول من اتخذ الحياظ بعرفة وأجرى فيها العين.
كما أنه بسؤالنا من اتفقنا به من القاطنين بتلك الجهة من زمن قديم وهم قريش عن موضع حوائط ابن عامر أشاروا إلى جنوب بعرفات حيث الآثار المذكورة، ومثل هؤلاء تعتبر إفادتهم دليلاً مستقلاً بذاته لتلقيهم ذلك عن أسلافهم جيلاً بعد جيل.
وأيضًا فإن عرفة محاطة من الشرق والشمال بالجبال الشاهقة، ومن الغرب بوادي عرنة، فلم يبق موضع قابل لأن يكون حوائط وبساتين سوى هذا الموضع.
ويحد موقف عرفات من الجهة الشرقية جبل عرفات المسمى الآن بجبل سعد والواقع شرقي جبل الرحمة والممتد على شكل قوس من جهة الشمال إلى جهة الجنوب كما أوضحنا ذلك بعاليه. وينتهي هذا الحد من الجهة الجنوبية بمنعطف سلسلة الجبال الجنوبية من جهة الشرق. والدليل على ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه المتقدم من: أن حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عونة إلى جبال عرفة إلخ.. وقول الإمام الشافعي المتقدم أيضًا: وعرفة ما جاوز وادي عرنة الذي فيه المسجد، وليس المسجد ولا وادي عرنة من عرفة. إلى الجبال المقابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن الخ.. وتبلغ المساحة لهذا الحد إبتداء من جبل الرحمة إلى ملتقى الحد الجنوبي بجبل سعد بطريق الذاهب إلى الطائف (ألف وسبعمائة متر).(5/170)
وحاصل ما تقدم هو: أن حد موقف عرفة من الجهة الشمالية الشرقية جبل سعد. و من الجهة الغربية الأعلام الواقعة بين الموقف وبين وادي عرنة ومنتهى مسجد إبراهيم القديم من الجهة الشرقية. يبتديء هذا الحد من الجهة الشمالية بملتقى وصيق بوادي عرنة. وينتهي من الجهة الجنوبية عندما تحاذي سفح الجبل الواقع جنوبي طرثق المأزمين وطريق ضب من الجهة الشرقية غربي الواقف هناك وسفح الجبل الغربي من الجبال الشرقية شرقي الواقف هناك بخط مستقيم. ومن الجهة الجنوبية وجوه سلسلة الجبال الجنوبية من جهة الشمال والمخترق معها طريق الطائف الآن(1) وينتهي من الجهة الغربية بوادي عرنة.
هذا وليعلم أن وجوه الجبال المحيطة بعرفات داخلة في الموقف كما ذكر ذلك إمام الحرمين حيث قال: ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفات. وأن قرية عرفات وما أدخله الحد الجنوبي من حوائط ابن عامر داخل في الموقف، ويشهد لهذا ما قاله الماوردي عن الشافعي: حيث وقف الناس من عرفات في جوانبها ونواحيها وجبالها وسهولها وبطاحها وأوديتها.الخ... ويستأنس لهذا بحديث عروة بن مضرس "والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه" الحديث(2) ولما جاء في السنن أن يزيد بن شيبان كان في مكان بعيد من موقف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كونوا على مشاعركم هذه".
__________
(1) قلت: وقد فتح خلف الجبال المذكورة طريق آخر وسفلت للطائف من مكة.
(2) ولفظه: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين أقام الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبل طي أكللت راحلتي واتعبت نفسي. وأني ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج قال صلى الله عليه وسلم. من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى تدفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" أخرجه أصحاب السنن.(5/171)
كما أن وادي عرنة والمرتفع الذي بين العلمين وبين مجرى الوادي حاليًا ومسجد إبراهيم القديم ووادي وصيق جميع ذلك خارج حدود موقف عرفات كما أوضحنا ذلك في مواضعه.
هذا وليعلم بأنه لا فضيلة الوقوف على الجبل الذي يقال له جبل الرحمة، بل كره الإمام مالك رحمه الله الوقوف على جبل الرحمة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يسن صعوده إجماعًا.
هذا ما ظهر لنا من حدود هذا الموقف العظيم الهام بعد الاستقصاء للأدلة وتتبع الآثار والمعالم التي يهتدي بها إلى معرفة الحدود، وبعد سؤال أهل الخبرة والمعرفة من أهل مكة ومن سكان تلك الجهة.
هذا ونوصي بأن يوضع على الحدود التي أوضحناها والتي لم تحدد بعد أعلامًا كبيرة عالية لا يقل ارتفاعها ومتانتها عن أعلام حدود الحرم، ويكتب عليها باللغات المشتهرة بأنها حدود الموقف وأن من وقف خارجًا عنها فلا يصح حجه، وأن يكون بين كل علمين مائتا متر على الحد الأقصى.
كما توصي اللجنة أيضًا بأن يشق في جميع عرفات طرق متعددة. وخاصة الجهة الشمالية والشرقية. بوضع هندسي يربطها بالطرق الرئيسية المؤدية إلى مزدلفة، وتعمم فيها شبكة مياه كافية ليحصل بذلك تخفيف الضغط والازدحام خاصة وقت الانصراف. أهـ.
والله نسأله أن يوفق ولاة الأمر إلى ما فيه صلاح الأمة وهداها إلى الصراط القويم. وأن ينصر دينه ويعلي كلمته. وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه. وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رئيس محكمة التمييز للمنطقة الغربية: عبدالله بن جاسر.
رئيس المحكمة الشرعية الكبرى: سليمان بن عبيد.
المدرس بالمسجد الحرام: علوي عباس مالكي
عضو هيئة التمييز: عبدالعزيز بن فوزان
(هذا القرار وجدته عند فضيلة الشيخ سليمان العبيد عضو الهيئة المذكورة وأحد تلاميذ الشيخ البارزين).
(1209 – بناء المظلات في عرفة ومنى)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة. سلمه الله(5/172)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 253 – د وتاريخ 4/1/85هـ بخصوص ذكركم أن مشاريع هذا العام قد اشتملت على إبدال سقف المظلتين المخصصتين لإيواء الحجاج التافهين بعرفات بأسقف من الأسمنت المسلح بدلا من الأسقف المصنوعة من الجملون التنك والخشب، وعلى إنشاء دور ثان من المظلات على عنابر التائهين بمنى فوق المظلات الحالية. إلى آخر ما ذكرتم. وطلبكم منا الإذن لكم بمباشرة البناء.
ونفيدكم - مع أنه لا يخفى عليكم – أن البناء في المشاعر غير سائغ شرعًا، لما فيه من التضييق على الحجاج، ولا نريد أن نمثل لكم بحال منى، وكيف أن البنايات فيها صارت موضع الشكوى والمضايقات لحجاج بيت الله الحرام.
لهذا فإننا نعتذر من إجابة طلبكم، ونأمل أن نجد منكم بصفتكم أحد المسئولين عن الحج ما يساعد على تنفيذ قوله صلى الله عليه وسلم (منى مناخ من سبق) (1) وكذلك الحال في بقية المشاعر والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص – ف 3161 – 1 وتاريخ 16/11/1385هـ)
(أحكام المناسك)
(1210 – الحج واجب، والعمرة فيها الخلاف)
ومن واجبات الدين على المستطيع وأحد أركان الإسلام حج بيت الله الحرام. قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (2) وقال أبوهريرة رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"(3) الحديث.
__________
(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم.
(2) سورة آل عمران – آية 97
(3) أخرجه مسلم.(5/173)
وعلى الحاج أن يجتنب في حجه الرفث والفسوق والمراء. وأن لا يقصد بحجه رباء ولا سمعة. وأن يطيب نفقته في الحج. وأن لا تكون من كسب حرام، فبذلك يبر حجه. ويتحقق له الثواب الجزيل وهو الجنة كما في الحديث: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"(1) . وهاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن كثيراً ممن يحج لا يهتم منذه الفريضة. فلا يتعلم أحكامها، ولا يسأل أهل العلم عن ذلك. وقد قال الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (2) ولهذا يقع من كثير من هؤلاء الإخلال ببعض الواجبات وفعل بعض المحظورات مما قد يفسد حجه من أصله أو ينقصه التنقيص الذي يأثم به.
(من نصيحة عامة صدرت بتاريخ 14-98-73 هـ ذكرت هذا القدر منها هاهنا)
أما العمرة فالصحيح أنه لا دليل على وجوبها، فإن الآية فيمن شرع فيه فلو نوى قطعه فليس له رفضه، وكذلك العمرة لو نوى رفضها، فإنه لا يخرج من هاتين العبادتين بحال حتى فاسدهما بمضيان فيه. (تقرير)
(1211 – الشرطي هل يجوز له الحج بدون أذن مرجعه)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم فارس بن ناهي العنزي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك بخصوص ذكرك أن لك بالخدمة العسكرية ست سنوات، وأنك كل سنة تحاول الحج فلم يؤذن لك. ونسأل: هل يجوز لك الحج بدون إذن من مرجعك؟
__________
(1) أخرجه الطبراني عن ابن عباس، وعن ابن مسعود مرفوعًا تابعوا بين الحج والعمرة فأنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، ليس لحجة مبرورة ثواب إلا الجنة، وما من مسلم يظل يومه محرما إلا غابت الشمس بذنوبة. أخرجه النسائي والترمذي بلفظه.
(2) سورة النحل – آية 43(5/174)
ونفيدك أنك إذا كنت مستطيعًا للحج فيتعين عليك أداؤه حيث أنه أحد أركان الإسلام، ويخشى على من تركه مستطيعًا أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا. وأما ذكرك أن مرجعك لا يأذن لك بالحج فلا نتصور ذلك، وأنت اعرض كتابنا هذا على مرجعك فإنه حسن. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص – ف 3302 – 1 في 24/11/1385هـ) (1)
(1213 – التحذير من ادخال الصغير في النسك وعدم اخراجه)
النسا يختلفون: أما الصحابة فإنهم يدخلونه في النسك ويخرجونه منه. أما بعض أهل الوقت فهم يدخلونه فيه ولا يخرجونه منه.فأفاتته فضيلة خير من الوقوع في مأثم. فهناك شروط وأشياء تخفى على العوام. (تقرير)
(1214 – شروط الطواف به راكبًا أو محمولاً)
يشترط أن يكون ركوبه وجهة حامله بحيث إذا مشى حامله فإذا البيت عن يساره: إما أن يجلسه على كتفه ورجليه متدلية إلى صدر الحامل، او يفحجه على عنقه الذي هو (العك) أو يسند ظهر الصبي على صدره ويلقفه بيده. وإلا لو جعل وجهه إلى الكعبة بأن طاف (مويرك) فلا يصح أو (مويرك) من الناحية الأخرى أو وجهه خلف، لأن أحد شروط الطواف أن يجعلها عن يساره.
وإذا طاف الولي ناويًا هذا الطواف للصبي(2) وكان صغيرًا دون التمييز فهذا الطواف للصغير. ولو نواه الكبير لنفسه فلا يكون للصغير. أو نواهما جميعًا فلا يكون لا للصغير ولا للكبير. (تقرير)
(1215 – الطواف راكبًا للعذر فقط)
الذي يظهر من كلام الشيخين موافقة كلام الأصحاب أنه لا يصح راكبًا إلا لعذر. وماجاء من طواف النبي راكبًا فإنه لعذر وهو خشية حطمة الناس عليه. وهو أنهم يزدحمون عليه حجة وتعظيمًا وأخذًا للمناسك عنه(3). (تقرير)
قوله: وبعد النفقات الشرعية على الدوام.
__________
(1) هل الحج للميت أفضل، أو الصدقة؟ (أنظر فتوى في الأضحية)
(2) المحمول.
(3) قلت: وياتي هذا المعنى في فتوى بتاريخ 12-12-76هـ(5/175)
ليس المراد إلى أن يموت، بل المراد أنها مادامت هكذا من حالها ودرها عليه لكفاء بكل حال لا في حال عن حال. (تقرير)
(1216 – الخفارة، والرفق، والجنود، والأدلاء)
قوله: بلا خفارة.
هذا عند الأصحاب. وعند غيرهم أنها إذا كانت قليلة فلا تمنع الوجوب. وهذا هو الظاهر، لأن الإنسان يدفع القليل ولا يعده شيئًا. ثم هذا الرفق غير الخفارة. والجند الذين تبعثهم الولاة مع الحجاج غير الخفارة. والذين تدفع لهم الخفارة لا تحل لهم، ولا يجوز الدفع لهم، لكن بالنسبة إلى غرض هذا الحاج كل ما صار واجبًا أو مندوبًا أو لمصلحة فيه راجحة فإن الإنسان يدفع إلى الظلمة ما يتخلص من شرهم، وهولا إثم عليه لأنه دعا إليه الداعي. أما ما يعطاه الأدلاء ومن يبعهثم ولي الأمر مع الحجاج فهؤلاء إذا أعطوا شيئًا جاز لهم أخذه إن لم يعطوا، لأنهم يتحملون المسئولية والذب عن الحجاج.
وهذا فيمن يرسلهم في كلام الشيخ.
والأدلاء لا يلزمهم أن يدلوا.
وإن أعطوا من بيت المال فإنه شيءئ يصلح الدفع لهم منه.
(تقرير)
(ثلاث مسائل)
(1217- والده غني وعاجز عن الحجد فأقام من يحج عنه من ماله)
(1218 – ولد عمه مختل الشعور إلى أن مات)
(1219 – عمته غنية وماتت ولم تحج)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن محمد بن علي القحطاني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
سألت في كتابك المؤرخ في 11/8/1387هـ عن ثلاثة أسئلة:
الأول: كان والدك غنيًا وعاجزًا عن الحج فأقمت من يحج عنه فرضه بإذنه من ماله فحج عنه فهل تصح هذه الحجة عنه؟
الجواب: إذا كان الأمر كما ذكرت فالحجة واقعة عن أبيك إذا كان الشخص الذي حج عنه قد حج عن نفسه. فإذا كان لم يحج عن نفسه فلا تقع هذه الحجة عن والدك، بل يحج عنه من ماله.
الثاني: ولد عمك مختل الشعور، وعاش إلى أن مات على هذه الحال فهل يجب عليه الحج؟(5/176)
الجدواب: لا يجب عليه حج. لقوله صلى الله عليه وسلم، "رفع القلم عن المجنون حتى يفيق" الحديث(1).
الثالث: كانت عمتك هدية بنت علي غنية في حياتها، وماتت ولم تحج. فهل تجب الحجة في مالها؟ أو أنك تتبرع عنها بحجة لها؟
الجواب: يجب أن يحج عنها من مالها. وإن تبرعت عنها جاز لك، والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص – ف 3340 – 1 في 24/8/1387هـ)
(1220 – هل يحج عن المبيت من وطنه. وإذا أوصى بنسك نفل وأطلق)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم توفيق علي يوسف سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ., وبعد:
فقد جرى الاطلاع على استفتائك الموجه إلينا بخصوص سؤالك عن مسألتين: إحداهما سؤالك هل يجوز أن تقوم والدتك بالحج عن والدك. علمًا بأن والدتك أدت فريضة الحج.
والجواب: الحمد لله مادامت والدتك قد أدت فريضة الحج عليها فلا مانع من حجها عن والدك.
الثانية: سؤالك: هل يتعين أن يؤجر بالحج عن الميت من مكان وفاته، أو أنه لا يلزم ذلك؟
والجواب: إذا كانت الحجة فريضة الإسلام فتجب في ماله إن كان قد استطاع في حياته. من حيث وجبت عليه: إي من بلده. فإن كان له وطنان فمن أقرب وطن. قال في "الإنصاف": ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة بلا نزاع. وسواء فرط أو لا، يكون من حيث وجب عليه على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. أهـ.
أما إن أوصى بنسك نفل وأطلق فلم يقل من محل كذا. جاز أن يفعل عنه من ميقاته. ما لم تمنع منه قرينة كجعل مال يمكن الحج به من بلده فيستناب به منه. وبالله التوفيق. والسلام عليكم.
(ص – ف 937 – 1 في 11/2/1385هـ)
(1221 – حج عن والديه تطوعًا وهما على قيد الحياة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبدالله الربيعان المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
__________
(1) اخرجه البخاري وابوداود والترمذي وغيرهم.(5/177)
فقد وصلنا كتابك الذي تستفتي به عن جواز حجك لوالديك تطوعًا وهما على قيد الحياة. مع أنهما قد حجا عن أنفسهما فريضة الإسلام. وتسأل عن ذلك.
والجواب: الحمد لله ماداما قد حجا عن أنفسهما فريضة الإسلام فحجك عنهما تطوعًا جائز وصحيح. وأنت بهذا مأجور، ويصل الثواب إليهما إنشاء الله. وهذا من اهداء القرب، وقد قال الفقهاء في ذلك: وأي قربة فعلها مسلم من دعاء واستغفار أو حج أو قراءة أو غير ذلك وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعه ذلك، قال الإمام أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة في ذلك. والله أعلم. والسلام عليكم.
مفتي البلاد السعودية
(ص – ف 3075 – 1 في 25/11/1384هـ)
(1222 – قضى فريضته: وأراد أن يتنقل عنهوهو قادر)
ج: لعله يصح. وليس فعل السلف. (تقرير)
(1223 – كفيف أصم أبكم وله وكيل. فهل يحجج عنه، ويوصى، ويزوجه)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبدالعزيز بن إبراهيم بن مفرج سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا منك بصدد ابن عمك محمد بن دخيل الخنيزان، وأنه كفيف البصر أصم أبكم، وأن بيك وكالة عليه في اصلاح ماله وحفظه والقيام بشئونه وتسأل: هل يجوز لك أن تكتب له وصية بثلث ماله في أضحية وغيرها، وهل لك أن تثيب من يحج عنه من ماله، وتذكر أنه يرغب الزواج وأنه ملح في ذلك.
ونفيدك أنه ليس لك كتابة وصية له بثلث ماله لا في أضحية ولا في غيرها. أما الحج عنه فإذا لم يحج حجة الإسلام وكان لا يستطيع فهم الإشارات بمناسك الحج لاسيما نيات المناسك فإنه يحجد عنه من ماله. أما زواجه فعليك بالاجتهاد في تزويجه. والسلام عليكم.
(ص – 58/1 في 28/2/1384هـ)
(1224 – نساء من أميركا يدعين الاسلام ويردن الحج بلا محارم)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
وزير الداخلية حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:(5/178)
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 1363/6 وتاريخ 29/3/88هـ ومشفوعاته الأوراق المتعلقة بإسلام المرأة (ليليان كرويا) الأمريكية الجنسية على يد الحاج حسين خروب أحد أئمة المساجد في أمريكا، ورغبتها السماح لها بأداء فر يضة الحج. وتذكرون ان وزارة الخارجية أومأت إلى أن السفارة هناك تتلقى طلبات مماثلة من سيدات يعتنقن الدين الإسلامي ويرغبن الحج وليس لديهم محرم وتطلبون رأينا في ذلك.
ونفيد سموكم: أن دعوى الإسلام لا تكفي؛ بل لابد لاعتبارها من ثبوت شرعي لدى حاكم شرعي. والحاج حسين خروب غير معروف لدينا. هذه ناحية، ومن ناحية أخرى فعلى فرض ثبوت دعوى إسلامها وإسلام غيرها ممن يدعين الإسلام من النساء، فغير خاف عليكم أن الحج مفروض على المسلم المستطيع، لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (1) ومن شروط الاستطاعة بالنسبة للنساء وجود محرم للمرأة في سفرها من بلادها للحج حتى رجوعها. فإذا لم تجد لها محرمًا سقط عنها وجوب الحج عليها. واعتبرت في حكم من لم يستطع إليه سبيلا. لإفادتكم بذلك. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص – ف 1279 – في 7/6/88هـ)
(1225 – السفر بزوجة ابن ابنته)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم قاضي محكمة الارطاوي
سلمه الله
فقد وصلنا خطابكم رقم بدون وتاريخ 18/8/1382هـ وفهمنا ما جاء فيه من السؤال عن جواز سر الرجل بزوجة ابن ابنته.
ونفيدكم أن الرجل محرم لزوجة ابن ابنته. وله السفر بها في غير معصية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص – ف 1584 في 23/8/1382هـ)
(1226 – المحرم في الحج، والخلوة)
من محمد بن إبراهيم لى المكرم مصباح فوزي قيصراوي
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
__________
(1) سورة آل عمران – آية 97(5/179)
وصلنا معروضك، وفهمت ما ذكرت بخصوص سؤالك عما إذا كان يصح بقاء عمتك البالغة من العمر سبعين معك في السكن والحال أنك متزوجة من رجل أجنبي من عمتك، وعما إذا كان يصح أن يصير محرمًا لها عند سفرها إلى الحج والعمرة حسبما ذكرت.
والجوابك هو أن الزوج المذكور ليس محرمًا لعمتك. أما سكناها معكما في البيت فهذا لا مانع منه بشرط أن لا يخلو بها زوجك حال غيابك عن البيت. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص – ف 2584 – 1 في 5/9/1388هـ)
(1227 – تريد الحج ولها ابن عمره 13سنه ومع رجل وعائلته)
الحمد لله وحده. تقدم إلينا عبدالقادر باجنيد المقيم في جدة باستفتاء هذا نصه:
لا يخفاكم أن لي بنت خال شقيق متزوجة، وزوجها مسافر من أربعة أو خمسة شهور، وهي عندي بداري ولم تؤد فريضة الحج، وقصدها تحج صحبة عائلتي، ولم نتمكن من استئذان زوجها لأنه بمصر بالمستشفى. فهل يجوز لي أن أصحبها وعائلتي لأداء الحج وهو فريضة الحج أم لا. أفتونا ولكم الأجر. وللمذكورة ولد عمره 11 أو 13 سنه من آخر، وهو بصحبتها للحج. ويطلب الجواب عليه 30/11/1375هـ
والجواب: الحمد لله. لا بأس أن تحج فريضتها في معيتكم، حيث كان موجودًا في المعية جماعة نساء موثوقات. مضافًا إلى ذلك وجود ابنها البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، فإنه وإن لم تتم فيه شروط المحرمية فإن ذلك منجبر بجماعة النساء الثقات كما وضحت لكم، فإنه يكتفي بمجرد جماعة النساء الثقات عند طائفة من أهل العلم. أملاه الفقير إلى عهفو الهل محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(الختم)
(ص – م 2043 في 2/11/1375هـ)
(1228 – والوقت يختلف – بالنسبة إلى حجها مع النساء المأمونات)
س: إذا كانت مع جماعة نساء مأمونات.
ج : هذا قول لبعض أهل العلم.(5/180)
والأحوال تختلف، فتختلف الأحكام باختلاف الأحوال. فإذا صار الفساد فاشي. فمثل هذه الأزمان لا ينبغي أدنى نظرة إلى هذا القول، حتى النسساء يتخدعن، وتعدم غيرتهن إذا رأين رجلا يداخلها، فلا يبين، ولا يرفعن بأمره، لقلة الدين.
لكن إذا كان قصيرًا فأباحه بعض أهل العلم محتجًا بقصة إمرأة الزبير وذهابها إلى ناحية من نواحي المدينة، فأخذ منه بعض أهل العلم جواز مثل ذلك، وهو كذلك.
وهذا يختلف بالدين والبلد والغيرة، والتصون في النساء يختلف، قد تنتهب المرأة من الطريق، أو تستخرج من بيتها: إما بالحيل، أو بالمواطأة.
(تقرير)
(1229 – س: إذا مات محرمها في الحج؟
ج: إذا وجد محرم بشيء يحتمل فإنه يجلب، وإلا فتسافر ولو، لكن لا تسافر في محل يكون خطرًا على نفسها. (تقرير)
(1230 – وإذا أريد ابعاد امرأة فلابد من محرم، لا يصلح شرطي ولا غيره)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد اطلعنا على خطاب سموكم برقم 824 وتاريخ 13/1/79هـ المعطوف على خطاب وزارة الداخلية حول استفسارها عما يجب اتباعه في حالة صدور حكم على امرأة وليس لها محرم: هل يجوز إبعادها بمصاحبة شرطي؟
والجواب: لا يجوز سفر امرأة مع شرطي ولا غيره ممن ليس محرمًا لها منفردين، بل لابد من محرم، فإن عدم أو امتنع من السفر بها دفع له أجرة من مالها، فإن لم يتكن لها مال دفع له أجرته من بيت المال، فإن امتنع ووجد جماعة نساء مسافرات إلى الجهة التي سيجرى إبعادها لها أو أي جهة أخرى يحصل بها التغريب سافرت معهن بغير محرم حيث أمن عليها من الفساد في الطريق وفي البلد التي ستنفى إليها، وإلا بقيت في بلدها. والله يحفظكم.
(ص – ف 283 – 7/3/1379هـ)
(1231 – إذا أنقذها من الغرق أو قامت بتربيته وهو رضيع، وإذا لم يدخل بها ولده: هل يكون محرمًا لها)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة الدوادمي
سلمه الله(5/181)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 1844 وتاريخ 18/8/88هـ ومشفوعة الاستفتاء المرفوع من عبدالله بن سبيل حول سؤاله عن أربع مسائل:
الأولى: ما تقولون في الأنثى إذا أنقذها رجل من غرق او حريق أو هدم أو نحوه هل يكون بذلك محرمًا لها؟
الجوابك لا يكون بذلك محرمًا له؛ لأن المحرمية لا تكون إلا بنسب او سبب مباح كمصاهرة أو رضاع أو ملك يمين.
الثانية: الطفل الذي تقوم بتربيته وهو رضيع امرأة أجنبية إلا أنه لم يمس لها ثدي هل يكون محرمًا لها؟
الجواب: لا يكون محرمًا لها؛ لما ذكرنا أن المحرمية لا تكون إلا بنسب أو سبب مباح.
الثالثة: رجل له ولد تزوج بالمرأة ثم مات قبل أن يدخل بها هل يعتبر هذا الوالد محرمًالها؟
الجواب: نعم يكون محرماً لها ولو لم يدخل بها ولده مادام قد عقد له عليها(1).
(ص – ف 3209 – 1 في 6/7/1389هـ)
(1232 – اشتراط عدالة المحرم الرضيع)
ولا تشترط عدالة المحرم. وذكر بعضهم اشتراط العدالة في الرضيع، وهو جيد. (تقرير)
(1233 – النيابة الشرعية في الحج)
نعرف أن النائب الشرعي الصحيح: من له رغبة في الحج ولا عنده ما يحج به. أو عنده ولكن يميل إلى أنه يبذل أحد.
أما غيره كما يفعه كثير من الناس فليس بحاج, ولا تصح نيابته، وهذا من المفسدات من حيث النية.
ثم الحج الآن على سبيل الجمعالة فهو داخل في البحث السابق وأولى، من لا يريد إلا الدنيا وليس بكثير. ويتصور في الثاني أكثر. فإذا كان المال قليلاً فهذا بما يبين رغبته.
الحاصل فرق بين من حج ليأخذ، ومن أخذ ليحج. (تقرير)
(1234 – استنابة الشيعي عن السني، والمرأة عن الرجل، والعكس)
من محمد بن إبراهيم إلى عبدالكريم مرهون
السلام عليكم ورحمة الله وبكراته.. وبعد:
__________
(1) والمسألة الرابعة: رجل تصدق لله أن يذبح شاة. فهل يجوز أن يذبح عنها عجلا. وتأتي.(5/182)
فقد كتب إلينا في شأن المتوفاة التي تريد الإحجاج عنها تسأل: هل يجوز أن ترسل عنها رجلا، وعلى فرض الجواز هل هناك مانع من استنابة شيعي جعفري عنها وهي سنية. وهل تنال بالحج عنها أجر حججة كاملة كما لو كانت حية وحجت بنفسها، وما ثواب من حج عنها. كما تسأل في كتابك عن ذبح العقيقة عنها هل يعد صدقة. وعما يفعل بعظم تلك العقيقة؟
الجواب: أما إرسال الرجل للحج عنها بالنيابة فجائز. لما رواه البخاري في (باب من مات وعليه نذر) من صحيحه عن عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما. أنه قال: "أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو كان عليها دين أكنت قاضية قال نعم قال فاقضي الله فهو أحق بالوفاء" وعقد البخاري في (كتاب الحج) من صحيحه بابًا للحج والنذور. والرجل يحج عن المرأة. استدل فيه لحج الرجل عن المرأة بما رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحجد فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها. قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته. قالت نعم فقال: اقضوا الله فإن الله أحق بالقضاء" يقصد البخاري بالاستدلال بهذا الحديث أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "اقضوا" شامل للرجال والنساء. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": لا خلاف في جواز حج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح. أهـ.(5/183)
وأما استنابة الشيعي عن السنية فلا ينبغي؛ لاختلال شرط الاستنابة في النسك في الشيعي، وهو العدالة. قال العلامة ابن حجر الهييثمي في "الفتاوي الكبرى": يجب على الوصي ألا يستأجر أو يجاعل إلا عدلا على المعتمد؛ لأنه منصرف عن الغير، وكل متصرف عن الغير يلزمه الاحتياط، وغير الثقة لا يوثق منه بأن يحج عن الميت وإن شوهد؛ لأن المدار على النية وهي أمر قلبي لا اطلاع لأحد عليها. ومر الهيثمي إلى أن قال: وبه يعلم أنه لا فرق بين من استؤجر أو جوعل لأداء فرض أو تطوع كنفل حج أوصي به؛ لأن ذلك وإن كان تطوعًا في الأصل إلا أنه بالوصية صار واجب الأداء. وما وجب أداؤه لا يخرج عن عهدته بفعل الفاسق؛ لأنه غير أمين، ومشاهدة أفعاله لا تمنع خيانته، لارتباطها بالنية، ولا مطلع لأحد عليها. أهـ.
والتصرف الممنوع في هذا للوصي يمنع لغيره من باب الأولى.
وأما ما تناله المتوفاة من الجر إذا حج عنها. فظاره النصوص الواردة فيمن حج عنه أن لها أجر حجة كاملة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: "حج عن أبيك" وقال للمرأة: "حجي عن أمك": فأخبر أن الحج نفسه هو الذي يقع عن الميت، فيكون له ثوابه. وبهذين النصين رد ابن القيم رحمه الله في "كتاب الروح" زعم من قال: بأن الميت المحجوج عنه لا ينال من الثواب إلا ثواب الإنفاق على من حج عنه.
وأما الذي يقوم بالحج بالنيابة عن المبيت فله أجر الحج إن كان متطوعًا بذلك، قال أبوداود في "مسائل الإمام أحمد" روايته عنه: سمعت أحمد قال له رجل: أريد أن أحج عن أمي اترجو أن يكون لي اجر حجة أيضً. قال: نعم تقضي دينًا كان عليها. أهـ. وهذا هو ظاهر ما رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج عن ميت فللذي حج عنه مثل أجره، ومن فطر صائمًا فله مثل أجره، ومن دعا إلى خير فله مثل فاعله".(5/184)
وأما إن كان الحاج عن الميت مستأجرا ففي "الفتاوي الكبرى" لابن حجر ج2 ص96-97 ما نصه: من استؤجر للحج أو غيره فإن كان الباعث على نحو الحج لأجرة ولولاها لم يحج لم يكن له ثواب. وإلا فله الثواب بقدر باعث الآخرة. وفي اخيتارات شيخ الإسلام ابن تيمية للعلامة البعلي(1) ما نصه: والمستحب أن يأخذ الحاج عن غيره ليحج، لا أن يحج ليأخذ. فمن أحب إبرار الميت برؤية المشاعر يأخذ ليحج، ومثله كل رزق على عمل صالح. ففرق بين من يقصد الدين والدنيا وسيلة. وبين عكسه. فالأشبه أن عكسه ليس له في الآخرة من خلاق. والأعمال التي يختص فاعلها ان يكون من أهل القربة: هل يجوز إيقاعها على غير وجه القربة. فمن قال لا يجوز ذلك لم يجز الاجارة عليها. لأنها بالعوض تقع غير قربة، وإنما الأعمال بانيات، والله لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه ومن جوز الإجارة جوز إيقاعها على غير وجه القربة، وقال: تجوز الإجارة عليها لما فيها من نفع المستأجر. أهـ.
__________
(1) صحيفة 153(5/185)
وأما العق عن البالغ في "البوسيط" ما نصه: ولا يعق عن كبير، وفسر النووي هذه العبارة في المجموع (شرح المهذب ص431 ج8) بقوله: معناه لا يعق عن البالغ غيره. وعلى القول بجواز العقيقة عن الميت فهي تقطع إربًا، وتطبخ بماء وملح، ويوكل منها، ويتصدق. وفي كسر عظامها خلاف. فقد روى عن عائشة أم المؤمنين وجابر بن عبدالله وعطاء أنهم نهوا عن كسر عظام العقيقة. وإليه ذهب الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل. وجاء في ذلك حديث مرسل رواه أبوداود في مراسيله من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: "وابعثوا إلى القابلة منها برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا عظمًا" وذهب الإمام مالك بن أنس وشيخه الزهري إلى أنه لا بأس بكسر عظام العقيقة، لأنه لم يصح في المنع من ذلك شيء، ولا في كراهيته سنة يجب المصير إليها. وقد جرت العادة بكسر عظام اللحم. وفي ذلك مصلحة أكله وتمام الانتفاع به. ولا ملحة تمنع من ذلك، وقد أطال ابن القيم البحث في هذا في "كتاب تحفة الوةود بأحكام المولود" ومال إلى المنع. والله الموفق.
(ص – ف2816 في 16/11/1384هـ)
(1235 – الحج مقدم على الوصايا وعلى الميراث)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم مدير عام الإذاعة والصحافة والنشر الأستاذ عبدالله بالخير سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبراكاته .. وبعد:
فقد وصل إلى كتابكم رقم 5411 وتاريخ 1/11/1375هـ واطلعت على السؤال الموجه للإذاعة السعودية من حافظ أحمد بجدة وصورته: أنا فلسطيني لاجيء من يافا قمت بأداء فريضة الحج العام السابق ووالدي متوفي، فهل يحق لي بأن أقوم بالنيابة عنه بأداء فريضة الحج؟ كما أرجو أن تعرفني ما هي النبية التي أنويها قبل أداء الفريضة، ولكم الشكر. أهـ. وطلبكم الإجابة على ذلك.(5/186)
والجواب: الحمد لله، إن كانت حجة الإسلام قد وجبت على هذا المتوفي قبل وفاته فهي فرض عليه ودين من الديون مقدم على الوصايا وعلى الميراث. فإن خلف من المال بعد مؤن التجهيز وبعد الحقوق المتعلقة بعين التركة من رهن وأرض جناية ما يبلغ الحج من وطنه تعين أن يستناب عنه من وطنه ولم تؤد حجة ابنه الساكن بجدة عنه فريضة الإسلام. وإن كان ما خلف قليلاً بمقدار ما يبلغ من جسدة أو مثل مسافتها أو لم يخلف مالا أصلا أو مات قبل أن تجب عليه فإن حج ابنه المذكور في اسؤال عنه صحيح. والأدلة على صحة النيابة من السنة معلومة معروفة. كما أن التفصيل والتقييد الذي أسلفناه معلوم معروف أدلته وتعليله في كلام أهل العلم.
وأما طلب السائل أن يعرف النية التي ينويها عند إحرامه. فإنه ينوي بقلبه أنها عن والده، ويندب أن يتلفظ باسم والده في مبدأ تلبيته، فيقول: لبيك عن والدي فلان ويسميه باسمه. وصلى الله على نبينا محد وآله وصحبه وسلم. والسلام عليكم. (الختم)
(ص – م 2063 في 5/12/1375هـ)
(باب المواقيت)
(1236 – الجحفة ورابغ. وحفر القناة)
الجحفة الآن خراب بسبب الحمى، لكن الآن رابغ أبعد عن مكة منها بشيء قليل. فالذي يحرم من رابغ متقدم على الميقات بشيء يسير فلم يتجاوز الميقات. وقيل سنوات كانت مصر متصلة بالجزيرة. ولكن حفر الإنجليز حيلة ومكيدة خلطوا بين البحرين الأبيض والأحمر، حفروا الترعة ليتصلوا بذلك من قريب إلى جهة عدن وما حواليه، بل إلى الهند. وهم اتخذوا ذلك مكيدة تمكنوا بها من مكايد كثيرة، وقد حفر في أول هذا القرن. (تقرير)
(1237 – قرن المنازل)
قرن المنازل هو وادي السيل. وما يتوهمه أنسا هناك أنه جبل يقال له قرن فهو غلط، بل الإسم هو للوادي.
ومما يفيد أنه ليس جبلا أنه لو كان هو الجبل لكانت إناخة الناس حوله يحرمون منه ولا تركوا هذا مع اتصال الوراثة عن السلف مع ما هو معروف في اللغة أنه هو هذا الوادي.(5/187)
ثم على الجهة الأخرى في أعلاه هو الذي يسميه أهل الطائف "المحرم" فالمحرم والسيل الواحد. لا ينبغي أن يحرم من خارج الوادي من البيوت التي على حافته. ومن أحرم من ناحيته لا يقال عليه فدية، ولكن الاحتياط من بطن الوادي. (تقرير)
(1238 – الاحرام بأحد النسكين من وادي محرم أحرام من قرن المنازل)
الحمد لله مصليًا مسلمًا على رسول الله.
لا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ووقت لأهل الشام الجحفة، ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل نجد قرنا. ووقت لأهل العراق ذات عرق، فأخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فملهة من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها" ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن" قال ابن عمر: وذكر لي ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم" وعن ابن الزبير أنه سمع جابرا سئل عن المهل فقال أحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم" رواه مسلم.(5/188)
وعن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبوداود والنسائي، وعن ابن عمر قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا، وإنه جور عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرنا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم. قال فحد لهم ذات عرق. رواه البخاري. ولا منافاة بين هذا وبين توقيت عمر رضي الله عنه إياها كما هو معلوم في مواضعه. وعن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق" رواه أحمد وأبوداود والنسائي.
وهذه الأسماء لهذه المواقيت أسماء أعلام على مواضع معلومة معروة مشهورة لدى سكانها أو مجاوريها وغيرهم. إلا أن لسكانها ونحوهم من الإحاطة بها علمًا ودقة المعرفة بأعيانها ما ليس لغيرهم؛ لذلك لم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم المسافات التي بينها وبين الحرم لا بالأميال ونحوها ولا بالمراحل، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يحد واحدًا منها بحد ولم يصفه بصفة وإنما اقتصر على ذكر أسمائها.
إذا عرف هذا فإنه لا خلاف بين أهل العلم فيما اقتضته الأحاديث من أن "قرن المنازل" ويقال: "قرن" بدون إضافة هو ميقات أهل نجد والطائف ونحوهم.
وقد حصل في تعيين قرن المنازل عدة أوهام:
أحدها – وهو أفحشها – قول من قال: إنه جبل مطل على عرفة أملس كأنه بيضة في تدوره.
والثاني – وهم من قال: إنه جبل قرب قرية المغاسل التي يحرم منها جماهير أهل نجد والطائف ومن تبعهم؛ إذ لا جبل هناك بهذا الإسم أصلا. وعلى تقدير وجوده فإنه لا منافاة بينه وبين مانحن بصدده؛ إلا أحد يزعم أن الإحرام منه نفسه بحال، ولا أحد في قديم الزمان ولا حديثه توخي الإحرام من نفس ذلك الجبل المزعوم.
الثالث – وهو مفرع عن الوهم الثاني وهو تسمية ذلك القرن بقرن الثعالب؛ إذ قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى.(5/189)
والوهم الرابع – قول من قال: إنه قرية المغاسل وما قاربها فقط؛ وأن بقية الوادي لا يدخل في مسمى الميقات.
وهذه الأوهام إنما صدرت منه عن عدم الإحاطبة علمًا بالناحية التي فيها هذا الميقات. فجاء بعدهم أقوام أخذوها عنهم لحسن الظن بهم.
ولهذا تجد في كتب المعتنين ببيان تفصيل أودية الجزيرة وجبالها وحزومها وسهولها وغير …ذلك من العلم ما هو أقرب إلى الصواب من كلام كثير من شراح الحديث وكلام الفقهاء من أهل البلاد النائية؛ ولهذا نجد عبارة صاحب "القاموس المحيط" ما لفظه: وميقات أهل نجد وهي بلدة عند الطائف أو اسم الوادي كله. أهـ.
والحق الذي لا مرة فيه أن "قرن المنازل" إسم للوادي جميعه: أسفله، وأعلاه، وأوسطه، ومن جملته القرية المذكورة وما قاربها.
وكنت قبل أن أحج فريضتي عام ثلاث وأربعين أظن قرن المنازل جبلا، ولهذا لما وصلت إلى الميقات ومكثت ساعات للتهيؤ للإحرام سالت حامد أمير تلك القرية إذ ذات عن جبل قرن. قال: ما حوالينا جبل يسمى قرنا، ثم أشار إلى جبل بعيد عن الوادي. وقال: إلا أن يكون ذلك، وقال أيضًا: إن الوادي نفسه يسمى قرنا. قاله لي في هذه الحجة أو في حجة أخرى بعدها، وإلى جنبي رجال من جماعته من أهل تلك القرية ولم يردوا فيما قاله: من أن قرنا هو نفس الوادي، ومن حينئذ استقر لدي ما ذكره من أنه اسم للوادي نفلسه لكونهم سكان هذا الوادي. وقد كنت قديمًا أسمع باسم "المحرم" وأن من أهل الطائف من يحرم منه، ثم بعد اتصل إلى علمي أن محرمًا هو أعلى وادي قرن، فعلمت أنه إنما اتخذ ميقاتًا من أجل أنه نفس ذلك الوادي، وحديث ابن عباس وابن عمر وغيرهما في المواقيت تنص على توقيت النبي صلى الله عليه وسلم قرنا.(5/190)
ثم منذ سنوات وبعد أن سعي في تسهيل طريق كرا وغلب على الظن نجاح ذلك سرت إلى مزيد الاحتياط لهذا الميقات المسمى محرمًا، فعهدت إلى لجنة علمية مؤلفة من عالمين فاضلين لديهما من الملكة العلمية والخبرة الوطنية والثقة والنباهة ما لا يوجد عند كثير من أضرابهما. وهما: الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر رئيس هيئة تمييز الأحكام بالمنطقة الغربية حاليًا، والشيخ محمد بن علي البيز رئيس محكمة الطائف – أن يذهاب إلى وادي محرم المذكور وينظرا أهو أعلى وادي قرن المسمى بالمغاسل والمسمى عند آخرين بالسيل أم لا، فذهبا ونظرا وبذلا وسعهما واستصحبا ولابد في مسيرهما خبراء من أهل تلك الناحية، وتحصل لديهما أنه هو أعلى وادي قرن المنازل وكتبا لنا بذلك كتابة صريحة واضحة بأنه هو أعلى وادي قرن المنازل، وهذان العالمان مكيان طائفيان نجديان لديهما من دقة السبر والاهتمام من هذه العبادة ومراقبتها المكانية والزمانية ما يعرفه كل من خبر حالهما.(5/191)
وبالجملة فإن لدى أهل مدينة الطائف علمائهم وخبرائهم ولاسيما اهل وادي محرم من معرفة ذلك ما ليس لدي غيرهم، وصاحب الدار أعلم بما فيها، وأهل مكة أدرى بشعابها، وقد صرحت كثير من وثائق عقارات أهل وادي محرم الموجودة في سجلات محكمة الطائف بما لا يدع للشك مجالا أن وادي محرم هو وادي قرن. ففي ثنتين وعشرين وثيقة ما معناه: باع فلان من فلان بن فلان العقار الفلاني الكائن في وادي قرن. هكذا مقتصرًا على كلمة قرن. كما أن هناك ثمان وثائق أيضًا مصرح فيها بقرن المنازل نقتصر على المقصود منها اختصارًا. فمنها في 28 جماد الأولى عام 1263 حجة تقتضي برهن عثمان القاري على مساعد بن جابر البستان الكائن بالدار البيضاء بقرن المنازل. ومنها في 8 صفر عام 1166 حجة تقضي بمشترى هليل بن أحمد بن عيسى الخضيري من رداد بن مهينة الخضيري نصيبه من كامل البستان المسمى بستان الشعب والبلاد المسماة أم الجرين والبلاد المسماة البير الكائن جميع ذلك بوادي قرن المنازل بصنيعة الخضرة من نواحي الطائف. ومنها في 20صفر عام 1266 حجة تقضي بمشترى محمد بن رواس هليل بن مسعود القرني ما هو لوصيه من كامل الركيب المسمى ركيب اليماني الكائن بوادي قرن المنازل بالدار البيضاء بصنيعة الصياغين. ومنها في 20 صفر عام 1266 اشترى عثمان قاري من هليل بن سعود القرني ما هو لوصية عوده بن مسعود القرني. وذلك كامل الركيب المسمى ركيب العوجاء الكائن بقرن المنازل بالدار البيضاء من نواحي الطائف. ومنها في 17 ربيع الأول عام 1266 حجة تقضي بهية جيره بنت علي ابن نجلا القرني الاخيضري لأبيها أحمد بن عابد نصيبها من كامل القطعة المسماة بين الغبيثن وبستان بير الجلة الكائن بوادي قرن المنازل بضيعة الخضرة. ومنها في 8 ربيع الآخر عام 1270 حجة تقضي بوقفية كامل البلدتين المشتملتين على عدة ركبان الكائنين في بجباجب ووادي قرن المنازل بالدار البيضاء من نواحي الطائف. ومنها في 24 ذي القعدة(5/192)
عام 1270 حجة تقضي بمشترى ظافر بن غازي الخضيري القرني من عبدالله بن عبدالهل الفقيه كامل نصيبه من الركيب المسمى ركيب يعثب الكائن بوادي قرن المنازل في ضيعة النجاجرة من نواحي الطائف. وفي 13 شوال حجة تقضي باستحقاق سالمة بنت سالم بن أحمد بن مثيبهب القرني ثلث غلال الوقف كامل البلاد المسماة أم الرقيعة والبلاد أم الخضرة والبلاد أم الجناب والبلاد سقم والبلاد أم الشوحطة وأم الصفة وقطعة ابن نجلا والبلاد الطويلة الكائن جميع ذلك في وادي قرن المنازل من نواحي الطائف.
ولست هذه الثلاثون وثيقة المشار… إلى بعضها أو المصرح بمضمون البعض الآخر هي كل ما في سجلات محكمة الطائف الكبرى؛ لأنه لم يتتبع من السجلات لهذا الغرض إلا القليل، ولا تظن أن تلك العقارات هي في أسفل الوادي المسمى بالسيل الذي يحرم منه الحجاج بل كلها أو أكثرها في أعلاه المسمى وادي محرم كالدار البيضاء وقرية المشائخ وغيرهما.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
مفتي الديار السعودية
محمد بن إبراهيم
(ص – م ونشرت هذه الفتوى في الجريدة)
(1239 – ركاب الطائرات والبواخر من أين يحرمون)
س: الذين يصلون جدة ما أحرموا.
ج: هذه مسألة الطائرة إذا مرت ميقاتًا فهو ميقاتها. وإن مروا مع طريق لا يحاذي الميقات فيحمر إذا حاذى الميقات عن يمينه أو عن يساره. ويحتاط فيقدم شيئًا ليس بكثير إحتياطًا، لأنها تمر بسرعة. من ذلك الطائرات الذاهبة من نجد هي كغيرها. والذين يمرون من طريق "سواكل" فهو من جهة جدة بحر. والذي يكون من البحر يحاذي يلملم. وبعض الناس يجوز للذي يحاذي رابغ من جدة، وليس الأولى لقوله "وميقات.." مع "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن". فالذي يفتون به أنهم لا يتجاوزون الميقات إلا محرمين، هو أقرب لدلالة الحديث. (تقرير)
(1240 – ومتى يغتسلوا، ويصلوا الركعتين)(5/193)
"المسألة الثالثة": وهي ما ذكرته عن الاغتسال للإحرام، وصلاة الركعتين إذا ركب الإنسان الطائرة وأراد أن يحرم.
والجواب: أما الاغتسال فإذا كان أسهل له إذ اغتسل من البلد قبيل أن يركب الطائرة فلا بأس، لأن الوقت قريب. وأما الركعتان فيصليهما وهو في نفس الطائرة قبيل أن يحاذي الميقات بحيث يتمكن من التجرد من المخيط وارتداء لباس الإحرام وصلاة الركعتين قبل ان يحاذي الميقات. فإذا حاذى الميقات أهل بنكه، وإن تمكن من الركوع والسجود في الطائرة فذاك وإلا فيوميء إيماء كراكب السفينة(1) .
(1241 – عمرة المكي)
واختيار الشيخ أنه لا عمرة على المكي، والحجة معه، وليس في المسألة إلا إعمار عائشة من التنعيم وهي قضية عين. واعتمار ابن الزبير ومن معه لعله أراد أنها تحية للكعبة بعد تجديد عمارتها وهو اجتهاد منه. وفرق بين شيء يفعل لعارض وبين شيء يجعل سنة لكل حاج، فلا تجعل المرة دليلاً لكل شخص في كل حين. (تقرير)
(1242 – تجاوز الميقات بغير إحرام)
سئل عن متعدي الميقات بغير إحرام وهو غير قاصد الحج والعمرة.
فأجاب: إن كان قاصدًا الحج والعمرة من أصل سفره فهذا إذا تعدى الميقات فعليه دم بلا نزاع؛ للسنة الظاهرة، وإن أمكنه أن يرجع قبل الإحرام رجع وأحرم ولا شيء عليه.
وقوله "ممن أراد الحج والعمرة" يحتج به من يذهب إلى أن مريد تجارة أو زيارة الأرحام لا يلزمه إحرام. والمعروف لزوم ذلك، لزوم كل مريد مكة بحج أو عمرة أو غير ذلك. وهو من خصائص مكة، وهذا أحد القولين أو الثلاثة، وأحمد وأكثر أهل العلم وقول ابن عباس، ويقولون إنه خرج مخرج الغالب فلا يكون قيدًا؛ لأن الغالب قصد مكة لذلك.
(تقرير عام 1378هـ)
(1243 س: الذي يمر بمكة و هو يريد جدة.
__________
(1) واختار شيخ الاسلام تقي الدين، أن يحرم عقب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للاحرام صلاة تخصه. أهـ. (الانصاف).(5/194)
ج: هذا لا يريدها. هذا مرور(1).
(1244 – الذي يروح للطائف ويجيء)
ج: أما الذي ما يحرم فعليه دم، يروح للطائف ويجيء ما أحرم كما يفعله كثير من الناس وهو شيء لا ينبغي(2).
أدخل على العامة كلمة ما أدري من أين جاءتهم. أنه لا يحرم إلا إذا كان أكثر من أربعين. إنما في هذا مسألة المتكرر. وأما هذا التفصيل أربعين فلا أعرف له أصلاً. (تقرير)
لو كان يتردد بين مكة والطئاف حطاب أو يريد فهذا يجوز له التخطي من دون إحرام لمشقة ذلك.
أما لو اتفق له أنه يأتي مكة في الشهر أربع مرات فهذا لا يحل له تجاوز الميقات بغير إحرام. والذين يفتون وهم ليسوا علماء مجتهدين إنما هذا اجتهاد شهواني لا يجوز.
ولا ينبغي أن تكون هكذا مسائل الدين هذا يقول وهذا يقول ويتتبع الناس الرخص يضيع الدين بهذا أو تنتقض عراه؛ بل ينبغي الحيطة لأمر الدين. وأن يكون قولهم واحدًا. وفعلهم واحدًا، ولا يفتى إلا بدليل. (تقرير عام 65)
ومن أحرم داخل الميقات فإنه آثم. وناقص حجه، ولا يبطل، ويفدى. (تقرير)
(1245 – تجاوز يلملم إلى جده)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد عبدالرزاق محمد الصديق سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد جرى إطلاعنا على الاستفتاء الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أنك قدمت من الهند في الباخرة قاصدًا نسك العمرة، وأنك لم تحرم بها إلا في جدة حيث أنك تجاوزت الميقات "يلملم" وتسال هل يجب عليك شيء لقاء تجاوزك الميقات.
__________
(1) قلت: دخول الكافر حرم مكة أو المدينة والاقامة فيهما يأتي بيانه في الجهاد في الفتوى الصادرة برقم 3655/1 في 2/12/1386هـ.
(2) قلت: وقد كان شيخنا رحمه يصيف في الطائف ولا ينزل لمكة إلا محرما إلى أن توفي. وقد كان بعض أهل الطائف ينزلون يصلون الجمعة ويرجعون بدون إحرام. وهذا داخل فيما ذكره.(5/195)
والجواب: الحمد لله. الإحرام بالنسك من الميقات أحد واجباته فمن أراد الحج أو العمرة ثم تجاوز الميقات دون الإحرام بما أراده من نسك فعليه دم شاة، فإن لم يستطع صام عشرة أيام. وبالله التوفيق. والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص – ف 1392 – 1 في 4/5/1386هـ)
(باب الإحرام)
(1247 – المخيط، وما في معناه)
المخيط كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه، بأن يكون على قدر البدن كله، كأن يكون له جيب وأكمام. أو على نصفه كالقميص والصديري والفنيلة، وسواء كان مخيطًا أو منسوجًا بصفة على البدن فلو كان ما فيه خيط فكذلك، أو على تقدير عضو منه كالشراب ودسوس اليدين.
ولو كان إزاره قطعتين أو ثلاث أو رداؤه فهذا ليس مخيطًا، إنما المحظور عليه أن يلبس ما مثله مفصل على البدن أو بعض البدن العبرة أن هذا يقصد للرفاهية.
والجبة مثلها المشلح سواء أدخل يديه أو لا، والنصف مثل السراويل – وهو إسم للمفرد – وقول العامة: سروال. غلط. وجمعه سراويلات ومقدار الرجل مثل الخف. (تقرير)
(1247 – س: حزام البندق
ج: لا يحتزم، إلا إذا كان خوف فتنة وإلا فلا.
(تقرير)
(1248 – س: ساعة اليد هل يجوز للمحرم لبسها.
ج: لا يظهر الجواز. وذكروا أنه لا يجوز عقد خيط على الساق. (تقرير)
(1249 – س: هل يحط مشبك في الرداء؟
ج: لا. هذا أخو الابرة، وذكروا أنه لا يعقد ولا غيره.
(تقرير)
(1250 – س: قولهم: ونيته شرط. هل يقصدون أنه يتلفظ بالنية
ج: لا. وإن قصدوه ففيه ما فيه كما يأتي(1).
__________
(1) وتقدم في أول امناسك في الفتوى الصادرة برقم 2063 في 5/12/75هـ، وأما طلب السائل أن يعرف النية التي ينويها عند احرامه. فإنه ينوي بقلبه أنها عن والده. ويندب أن يتلفظ باسم والده في مبدأ تلبيته.(5/196)
لكن كثير من العامة يحسبون أن الإحرام هو التلبية، أو إذا لبسوا. فهذا يجزي لهم ذلك لأنهم ينوون بهذا. فالعامي إذا لبس الإحرام ولبى فهو كاف منه وهذه نييته؛ بل بمجرد لبسه يكون محرمًا، بدليل أنه لا يجدد شيئًا بعد ذلك. وإذا قلنا: لابد من شيء آخر. ما صح له حج ولا عمرة. (تقرير)
(1251 – الاشتراط)
الاشتراط: يندب في حق من كان به عذر كالمريض والخائف. أما إنسان ليس به مرض ويشترط ذلك فليس بظاهر؛ ولهذا ما جاء في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه. إنما جاء في حديث ضباعة التي هي مريضة. (تقرير)
(1252 – إذا نزلوا بعد العمرة إلى جدة ثم حجوا منها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم
سعود بن عبدالعزيز أيده الله
السلام عليكم ورحمةن الله وبركاته.. وبعد:
حفظك الله، من خصوص عوائلكم وخدامكم وجميع من قدموا إلى مكة المكرمة متمتعين بالعمرة إلى الحج وبعد إحلالهم من العمرة نزلوا إلى جدة وأحرموا بالحج من جدة وخرجوا إلى منى. فهؤلاء ليس عليهم فدي، لأن من شرط وجوب دم التمتع أن لا يسافر المتمتع بين العمرة والحج مسافة قصر فأكثر.
أحببنا إشعاركم بذلك تولاكم الله بتوفيقه. وأدام حياة جلالتكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في 4/12/1373هـ (1).
(1253 – فتوى في الموضوع)
__________
(1) قلت: وقد ذكر ذلك ابن تيمية في "مختصر الفتاوي المصرية ص286" قال: كما بين مكة وجده ومكة وعسفان هذا مسافة قصر. أهـ.
قلت: ونظرا لتقارب العمران بين مكة وجده فإن ما بينهما الآن أقل من مسافة القصر. والفتوى كما تقدم تختلف باختلاف الأحوال. وتقدم أن مسافة 60 كيلو لا يعتبرها سفرًا. والمسافة الآن بين طرفي المعمور منهما أقل من 60كيلو. كما يلاحظ هنا أن قطع المسافة في وقت قصير له تأثير عند ابن تيمية وعند شيخنا أيضًا.(5/197)
الحمد لله وحده. سألتني العنود بنت سعود قائلة: إنني صمت رمضان في جدة، وأحرمت بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة في جدة، وأكملت مناسك الحج. فهل علي من فدية؟
فأفتيتها: بأنه لا فدية عليها هي ومن معها ممن عملوا كعملها.
كما سألتني أيضًا عن بعض التابعين لها ممن أحرم في شهر الحج متمتعًا وسافر إلى جدة بعد إكماله مناسبك العمرة. ثم أحرم بالحج مفردًا في اليوم الثامن من ذي الحجة من جدة.
فأفتيتها بأن المذكورين لا فدية عليهم أيضًا حي قطعوا تمتعهم بالسفر إلى جدة وهي مسافة قصر. قال ذلك الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص – م 2428 في 12/12/1383هـ)
(1254 – قاعدة فيمن يلزمه الفدي ومن لا يلزمه)
سؤال ثانيك من الذي يلزمه الفدا في الحج، ومن الذي ما يلزمه؟
الجواب: الحمد لله. الذي أفرد الحج فهذا ما عليه فدا بحال. والقارن عليه الفدا بكل حال. والتمتع وهو الذي يعتمر في أشهر الحج – وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة – فهذا إن كان من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة ومن حواليها دون مسافة قصر مثل: الشرائع، والزيمة، وجدة، وبحرة، ووادي فاطمة، ونحوهن. فهذا ليس عليه فدا. وحكم المقيم بمكة من غير أهلها حكم أهل مكة. وأما المتمتع الذي ليس من حاضري المسجد الحرام إذا سافر بعد عمرته مسافة قصر وهي مسيرة يومين بسير الإبل ثم رجع إلى مكة محرمًا بالحج فقط وبقي على إحرامه إلى الحج فهذا ليس عليه فدا. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصلى الله على محمد. (الختم)
(ص – م في 1/12/1376هـ)
(1255 – إذا اشترى الفدية من خارج الحرم وهو متمتع وقصده ذبحها عن دم المتعة - ك–ا لو اشتراها من السيل أو بهبة ثم قدم بها مكة وهو متمتع - ف–ذا سائق الهدي من خارج الحرم، فلا يحل إلا بعد الفراغ من أعمال الحج وذبحه في منى.(5/198)
وقد بحث في هذه المسألة بين الإخوان قبل سنوات فتحصل من البحث أنه يشبه القارن. (تقرير)
(1256 – لو كان إنسان وصل مكة لا للحج. ثم بدا له، فيحج فرضه، ويكون مكبًا(1).
(1257 – س: إذا زاد على التلبية المعهودة "لبيك اللهم لبيك لبيك...".
ج: جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لبيك ذا المعارج" ولكن اللفظ الأول هو الأصل. وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن زاد فهو من باب المأذون فيه. ولو اقتصر لكانت كافية شافية في المقام، فهي تلبيته صلى الله عليه وسلم. (تقرير العمدة)
(باب محظورات الاحرام)
(1258 – تداوي المحرم بالابر جائز)
وصل إلى دار الإفتاء من الأخ محمد المعلمي بمكة المكرمة – مكتبة الحرم الشريف – سؤال عن استعمال الإبر المعروفة باسم "الشرنقة" في الحج هل يوجب على الحاج الفدية(2) حيث أنه يخرج منه الدم بسبب ذلك.
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:
__________
(1) يجوز تعاطي حبوب منع الحيض زمن الحج. انظر فتوى في الصيام صادرة برقم 3626/1 في 21/11/88هـ.
(2) بالأصل الضربية.(5/199)
يجوز للمحرم أن يتداوى بالإبرة المذكورة. ولا يوجب عليه خروج الدم بسبب استعمالها شيئًا. لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم" وروى البخاري في (باب الحجامة للمحرم) من صحيحه عن ابن بحينة رضي الله عنه أنه قال: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم بلحي جمل (إسم موضع) في وسط رأسه" قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" في شرح هذا الحديث: استدل بهذا الحديث على جواز القصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي. إن لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر، ولا فدية عليه في شيء من ذلك. أهـ. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه في (باب ما للمحرم أن يفعله) من كتاب (الأم): أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاووس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم" ثم قال الشافعي: فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة، ولا يحلق الشعور، وكذلك يفتح العرق ويبط الجرح ويقطع العضو للدواء ولا شيء عليه في شيء من ذلك، فلو احتاط إذا قطع عضوًا فيه شعر افتدى كان أحب إلي، وليس ذلك عليه بواجب، لأنه لم يقطع الشعر، إنما قطع العضو الذي له أن يقطعه، ويختتن المحرم ويلصق عليه الدواء ولا شيء عليه. أهـ. المراد من كلام الإمام الشافعي في (الأم).
والخلاصة: أن استعمال الشرنقة في الحج جائز، ولا يترتب عليه الفدية. والله أعلم.
(من فتاوى الإذاعة في 20/1/1385هـ)
(1259 – تغطية الأقرع رأسه)
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف عن كشف رأس الأقرع.(5/200)
فأجاب: إن كان إذا كشف رأسه يخشى عليه ضرر مرض أو غيره فيجوز أن يغطيه بشمسية أو غيرها، ويلزمه فدية صيام ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح شاة. هو بالخيار. وإن ترك الكشف حياء من الناس من غير مضرة فليس له رخصة، وإن غطاه فهو عاص آثم.
(الدرر السنية جزء 4 ص399 الطبعة الثانية)
(1260 – قوله: أو استظل في محمل راكبًا أولى فدى
هذا على رواية. والرواية الأخرى وهي اختيار الموفق وجماعة من الأصحاب أن في ذلك الكراهة فقط، وهي أولى وأصح وأقوى إن شاء الله أن لا يكون محرمًا بل مكروهًا وهو الراجح. (تقرير)
(1261 – قوله: ولا يعقد عليه رداء ولا غيره
فإن عقده لم يحل ويفدى.
واختيار الشيخ وهو قول آخر في المذهب أن له أن يعقده مطلقًا. سواء على ما ينكشف أولى، وهو أولى، فإن التنفيذ غير موثوق بخلاف العقد.
ولكن يصير هنا احتياط: إذا كان ممكن التنفيذ ويتعاهده، ويكون خارجًا من الخلاف.
قوله: إلا ... هميانًا.
والهيمان المسمى "الكسر" يشد وسطه فيه النفقة، فهو مباح لأجل الحاجة له في إحرامه، أو يحفظ شيئًا يخشى عليه لو لم يستصحبه. (تقرير)
(1262 – قوله: أو شم طيبا
س: التطيب بالعود الذي يوضع على الجمر.
ج: كذلك. لكن هذا إذا شمه قصدًا.
أما لو ابتلى به فشمه بدون قصد فهو كمن سقط عليه طيب يبادر إلى إزالته. (تقرير)
(1263 – س: الصابون الممسك
ج: هو طيب؛ بل بعضه أحسن من بعض الأطياب المتوسطة.
(تقرير)
(1264 – س: النعناع
ج: ليس من الطيب؛ بل هو أولى من الريحان الفارسي، الريحان الفارسي يشبه اليشموم، وهو وإن كانت رائحته طيبة فليس من الطيب، بخلاف الريحان المعروف فإنه طيب طريًا ويابسًا.
(تقرير)
س: البرتقال.
ج: هذا فاكهة. (تقرير)
(1465 – س: الزعفران في القهوة والهيل والقرنفل(5/201)
ج: الزعفران يجتنب في القهوة وهو طي، والهيل صار يجدتنب عند كثير ممن يحج من أهل نجد؛ إلا أنه في الآخر كأنه اتحد القول أنه ليس طيبًا، ولم نسمع أحدًا يتوقف فيه من حين حجينا إلى الآن، يلحق بالأدم والتوابل، والقرنفل من التوابل أيضًا.
(تقرير)
(1266 – ونقل كلام العلماء فيها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة قاضي
محكمة الأرطاوي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك رقم 138 وتاريخ 2/11/1382هـ هو المرفق بالسؤال عن جواز استعمال الزعفران للمحرم والقهوة ونحوها من المشروبات والمأكولات.
والجواب: الحمد لله، لاشك أن الطيب من محظورات الإحرام. وأن الزعفران من الطيب، فمادام المحرم مأمورًا باجتناب الطيب فهذا يعم جميع أنواع الاستعمال من استعماله في بدنه أو في فراشه أو في ملبس أو مشرب أو مأكل أو غير ذلك، صرح بذلك الفقهاء قال في "الإنصاف": إذا أكل ما فيه طيب يظهر طعمه وريحه فدى، ولو كان مطبوخًا أو مستة النار، بلا نزاع أعلمه. أهـ.
وقال في "الإقناع" ولو ذهبت رائحته وبقي طعمه، لأن الطعم يستلزم الرائحة، ولبقاء المقصود منه، فإن بقي اللون دون الطعم والرائحة فلا بأس بأكله لذهاب المقصود منه. وأما قياسك له على الهيل إذا وضع في القهوة فغير مسلم؛ لأن الهيل والقرنفل ليسا من الطيب بل من التوابل. وأما الزعفران فقد ورد فيه حديث بخصوصه وهو حديث ابن عمر قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم. فقال: لا يلبس القميص ولا العمامة – وفيه – ولا ثوبًا مسه زعفران ولا وؤس" رواه الجماعة، والسلام عليكم.
(ص – ف 1291 – 1 في 5/7/1783هـ)
(1267 – تربية الحمام في الحرم ونثر الحبوب له)
"الثاني": ما حكم تربية الحمام في الحرم، ونثر الحبوب له فيه والوقف عليه، وجعله مصرفًا من مصارف الطعام الذي يجب على الحاج.(5/202)
والجواب: لا يجوز شيء من ذلك. أما عدم جواز تربيته في الحرم ونثر الحبوب له فيه فلما يترتب على ذلك من عدم نظافة الحرم، وقد ثبت في البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطًا أو بزاقًا أو نخامة فحكة" وثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر".
وأما عدم جواز الوقف عليه؛ فلأن الوقف إذا كان على غير مسجد ونحوه فلابد أن يكون مالكًا.
وأما عدم جواز صرف كفارة المحظور إليه؛ فلأنها حق من حقوق المساكين، فقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: "أيؤذيك هوام رأسك. قال: نعم. قال: احلقه وأنسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين".
(ص – ف 1673 – 1 في 27-6-1386هـ)
(1268 – قتل الجراد إذا دخل الحرم)
(برقية) الرياض
صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء المعظم وفقه الله
ج 8055 في 12/6/76هـ الجراد الذي دخل الحرم وحصل منه أضرار يحل قتله في الحرم دفعًا لضرره؛ لأن حكمه حينئذ حكم الصائل. لإحاطتكم. محمد بن إبراهيم
(ص – م 1485 في 13/6/1379هـ)
(1269 – الوطء في الحج بعد التحلل الأول)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم صالح المناع المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن رجل حج بزوجته ثم واقعها بعد التحلل الأول، ثم طافا طواف الإفاضة بعد ذلك. وتسأل: عن ما يجب عليهما؟
والجواب: الحمد لله. الوطيء بعد التحلل لا يفسد الحج، سواء كان مفردًا أو قارنًا، وإنما يفسد الإحرام فقط – بمعنى أنه لا يصح منه طواف الإفاضة حتى يخرج إلى الحل فيحرم ثم يدخل إلى مكة فيطوف طوا الإفاضة في إحرام صحيح ليجمع بين الحل والحرم.(5/203)
وعليه فدية شاة تذبح في الحرم وتطعم المساكين ولا يأكل منها شيئًا، وعلى الزوجة فدية شاة أخرى إن كانت مطاوعة، فإن كانت مكرهة فلا شيء عليها. والسلام.
مفتي البلاد السعودية
(1871 – 1 في 18/7/1384هـ)
(1270 – لا يلزم المرأة اتخاذ عود أو عصابة لرفع جلبابها عن وجهها)
تحفظ النساء بأشياء غير مسنونة كالعود الذي تجعل في مقدم رأسها، أو عمامة تعصب بها رأسها، وكل هذين بدعة.
وقولهم: لا يمس وجهها. هذا لم يقله أحد، وليس منصوصًا.
وحديث "وإحرام المرأة في وجهها" لا يصح. فالصحيح أنه لا بأس إذا مس وجهها، بل هو واجب إذا مر الرجال ولو مس وجهها فلا فدية، ولا حرج، ولا تجعل شيئًا يعديه(1).
والصحيح أنه ليس ممنوعًا تغطية وجهها مطلقًا كما في قول عائشة: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من على رأسها على وجهها، فإذا جاووزونا كشفناه" ولم تذكر فدية. (تقرير)
(باب الفدية) (2)
(1271 – وجوب الدم (الهدي) بطلوع فجر يوم عرفة، وقبله لا يجب.
…فعلى هذا لو صام قبل يوم النحر اعتقادًا أنه لا يجد ثم وجد يوم النحر فالصحيح أن صيامه يجزيه، لأن فعله سائغ له. فالراجح أنه لا يجب عليه دم وقد صام. (تقرير)
(1272 – قوله: وإن أخرها عن أيام متى صامها بعد وعليه دم مطلقاً.
ورواية متوسطة أنه لا شيء عليه إذا أخرها لعذر؛ بل يقضيها. أما لغير عذر ما ذكروا. وقيل لا شيء عليه أبدا. والراجح إن شاء الله أنه إذا أخره لعذر أنه يصوم الثلاثة ولا شيء عليه.
(تقرير)
(فصل)
(1273 – قوله رفض إحرامه أو لا.
…وعند الأصحاب أنه يستمر فيه بعد أن يرفضه، وأنه يجزيه عن حجة الإسلام.
__________
(1) أي يرفعه عن وجهها.
(2) وتقدمت فتوى جامعة فيمن يلزمه الفدي ومن لا يلزمه في "باب الاحرام" بتاريخ 1/12/1376هـ.(5/204)
ولكن إذا رفضه فالظاهر أن أجره يبطل، لأنه أبطل نيته وكمله عابثًا، ولم أحفظ فيه كلامًا قبل الآن. والأولى أنه يحتاط ويحج ثانية لأن حجدته تلك أقل أحوالها أن تكون ناقصة أو باطلة لأن الأعمال بالنيات ولا يكتب للإنسان من العمل إلا ما أتقنه وحفظه بنية صالحة.
(تقرير)
(1274 – قوله: وتقليم وحلاق، لأنه إتلاف.
ولكن الصحيح إن شاء الله أنه لا شيء فيه مع الجهل والنسيان، لأحاديث إسقاط الحرج. وفي هذا الحديث المذكور هنا "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفيه شيء من الضعف ولكنه معضود بالآية، وبحديث ابن عباس "قد فعلت" وقوله: (إلا من أكره) (1). وأما كونه إتلافًا، فإنه يستخلف. وأيضًا هو لا قيمة له ولا يساوي شيئًا. فالصحيح إن شاء الله أنه لا شيء في الحلق والتقليم في الإحرام مع النسيان(2). (تقرير)
(باب صيد الحرم)
س: الحرمل؟
ج: قد يشبه الشجر وقد لا يشبهه. (تقرير)
س: هل ما قطع يستعمل، أو لا؟
ج: يفهم من كلامهم أنه لا ينتفع به. (تقرير)
(1276 – س: إذا كان الشوك في طريق المارة.
ج: فيه بحث إذا كان في طريق مارة وتتأذى منه.
ولعل محل البحث إذا لم يكن في صحراء – أو اتفق أن الفج أو الشعيب كله أشجار جوزه بعض ومنعه بعض. والظاهر الجواز لأنه يتأذى بذلك، ولو لم يقطع بالمنجل بل ترك لراحلة تمر.
ثم إذا قطع فهل فيه جزاء؟ فيه جزاء. (تقرير)
(1276 – التصديق على قرار حدود حرم المدينة)
من محمكد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة
ورئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
__________
(1) سورة النحل – آية 106
(2) وانظر منع المجازر خارج منى في فتوى صادرة برقم 50/1 في 5/1/87هـ.
…وتقدم منع صرف كفارة المحظور على حمام الحرم من رسالة في محظورات الاحرام صادرة برقم 2673/1 في 27/6/87هـ.(5/205)
فترفع لجلالتكم المعاملة المتعلقة بتحديد حدود حرم المدينة المنورة الواردة إلينا من فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالمدينة برقم 2052 وتاريخ 26/2/87هـ مرفقة بقرار اللجنة العلمية المشكلة للنظر في ذلك. وقد اطلعنا على القرار المذكور رقم 662 وتاريخ 18/2/89 فلم نر فيه ما يوجب الملاحظة عليه بشيء، لأن هذه هيئة علمية معتضدة ببعض رجال ثقات لهم تمام العلم بهذا الشأن قد وقفت على نفس الحدود وقررت ما ظهر لها فيه. نؤمل الاطلاع عليه والأمر حوله بما يلزم. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص – ف 2236 – 1 في 17/4/13898هـ)
(نص القرار)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فبناء على الأوامر الصادرة بتحديد حرم المدينة المنورة من رئيس مجلس الوزراء برقم 2953 في 25/2/1378هـ ومن سماحة مفتي الديار السعودية برقم 3317-1 وتاريخ 12/11/1386هـ ومن وزارة الداخلية برقم 1867 وتاريخ 8/3/1378هـ ومن إمارة المدينة برقم 4248 وتاريخ 15/3/1378هـ ومن المحكمة الكبرى بالمدينة برقم 1139 وتاريخ 25/3/78هـ وهذه الأوامر مرفقة بالمعاملة التي بين يدي اللجنة والواردة أخيرًا إلى سماحة المفتي من رئيس المحكمة الكبرى بالمدينة برقم 2052 وتاريخ 26/2/87هـ وتنص هذه الأوامر على تشكيل لجنة علمية لمعرفة مواضع حدود الحرم المدني ووضع علامات عليها. وقد شكلت اللجنة المذكورة من كل من: فضيلة الشيخ محمد الحافظ القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة رئيسًا. وكل من: السيد محمود أحمد، والسيد عبيد مدني، والشيخ عمار بن عبدالله، والشيخ أبوبكر جابر، والأستاذ أسعد طرابزوني أعضاء.(5/206)
وقد اجتمعت اللجنة فور تشكيلها، وقامت بما عهد إليها؛ غير أنه أشكل عليها نقاط وارتأت عرضها على سماحة المفتي الأكبر، وعندما رفعت المعاملة إلى سماحته أمر بأن يكون مع اللجنة مندوب من قبل سماحته ليجتمع باللجنة، ويقفوا جميعًا على حدود الحرم، ويعرفوا مسميات تلك الحدود: ثم يعود المندوب إلى سماحته بما يتحصل عليه من معلومات تطبيقية. إلى آخر ما جاء بخطاب سماحته رقم 1715 في 23/11/80هـ الموجه إلى رئيس مجلس الوزراء. وبناء على ما ذكر فقد وصل إلى المدينة المنورة فضيلة الشيخ عبدالله بن عقيل عضو دار الإفتاء مندوبًا من قبل سماحة المفتي الأكبر، واجتمع باللجنة المشار إليها، وجرى العمل على ما يأتي:
أولاً: جرى دراسة ما جاء في المعاملة من أوامر، وما اشتملت عليه من بيانات، بما فيها الأوراق المتضمنة نقل الأحاديث ولآثار الواردة في حدود حرم المدينة، وكلام العلماء عليها من أهل المذاهب الثلاثة وغيرهم، ماعدا علماء الحنفية فليس في مذهبهم إثبات حرم للمدينة أصلاً، وناقشتها مناقشة دقيقة. فمن مات ورد من الأحاديث في هذا ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لا بتي المدينة" وعن ابي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الضياء بالمدينة ترتع ما ذعرتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتيها حرام" رواهما البخاري، وعن زيد بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة" وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها يريد المدينة" وعن أنس مرفوعًا: "اللهم إني أحرم ما بين جبليها" وعن علي رضي الله عنه مرفوعًا: "المدينة حرم ما بين عين وثور". وعن أبي سعيد مرفوعًا "إني حرمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها". جميع هذه الأحاديث رواها مسلم.(5/207)
وقد تضمنت النصوص الواردة في هذا تحديد الحرم: باللايتين تارة، وبعير وثور تارة، وبالمأزمين تارة، وبالجبلين تارة. وأحاديث اللايتين أكثر من أحاديث الجبلين. والجبلان هما عير وثور. والمأزمان هما الجبلان. فأما عير وثور فخارجان عن الحرم كما هو الأصل في التحديدات. وأما اللايتان فداخلتان في الحرم لما يلي:
أ – قصة بني حارثة حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم ثم التفت فقال بل أنتم فيه" ومنازلهم في سند الحرة الشرقية مما يلي العريض، وحصنهم باقية آثاره حتى الآن. فدل على أن هذه الحرة من الحرم، وهي محاذية لعير وثور، فكأنه صلى الله عليه وسلم لما التفت فرأى عيرًا قال لهم بل أنتم في الحرم.
ب -…قصة سعد بن أبي وقاص حينما أخذ سلب الرجل الذي وجده يقطع الشجر في العقيق. والعقيق ليس حرة، بل هو واد منقطع عن الحرة الغربية وأبعد منها عن المدينة، ولكن القسم الأعلى منه مامت لجبل عير من الشمال والغرب.
ج – حديث تحريم ما بين حرتيها وجمامها. والجماوات الثلاث معروفة، وتقع بعد العقيق وبعد الحرة الغربية كما هو مشاهد.
د – أن الحرة الغربية تبدأ من عند باب العنبرية وتمتد غربًا. والحرة الشرقية تبدأ من نهاية شارع أبي ذر بطريق المطار بنحو مائتي متر، فلو لم تقل بأنهما داخلتان في الحرم لخرجت جملة كثيرة من منازل المدينة عن الحرم، ولا قائل بهذا من أهل العلم الذين أطلعنا على كلامهم.
هـ - ذكر العلماء مسافة الحرم بريدا في بريد، واستدلوا بما ورد في هذا، ولا يمكن تطبيق هذه المسافة إلا إذا أدخلنا الحرتين، لأن الحرتين قريبتان من الحرم، بخلاف الجبلين فبعيدان جدًا بالنسبة إلى قرب اللابتين.(5/208)
وقد أخذت الهيئة المساحة من الجهات الأربع من المسجد إلى "عير" جنوبًا، وعن المسجد إلى "ثور" شمالا، ومن المسجد إلى الحرة الغربية عند محاذاة "عير" غربًا، ومن المسجد إلى الحرة الشرقية عند محاذاة "ثور" شرقًا، فكانت المسافة متقاربة في الجميع، وتبلغ أحد عشر كيلومترًا تقريبًا بعداد السيارة وإن كانت السيارة لا تسير باتجاه واحد بل تأخذ يمينًا ومشالا حسب سهولة الخط، ولكن هذا يعطي فكرة تقريبية للمسافة من الجهات الأربع، وهذه المسافة مقاربة لإثنى عشر ميلاً الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لايتي المدينة، وجعل اثنى عشر ميلاً حول المدينة حمى" وهذا من أدلة من قال بريدا في بريد، لأن البريد أربع فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال. والمسافة التي بين عير وثور من الناحية الشرقية تقدر بمائتي عشر ميلاً، ومثلها المسافة التي بينهما من الناحية الغربية.
ثانيًا: مشت اللجنة على مواضع الحدود لتطبيق ما ناقشوه من النصوص وما فهموه منها وكان ممشاها على ما يلي:
وصلت اللجنة إلى جبل "ثور" ويقع خلف أحد من الشمال الشرقي، طلعت فوقه ووجدته كما وصفه العلماء (جبل صغير بالنسبة إلى جبل أحد، والجبال التي حوله بتدوير، وليس بمستطيل، لونه يقرب إلى الحمرة، خلف أحد من الشمال الشري) وبينه وبين أحد مقدار خمسين مترًا تقريبًا.(5/209)
ثم انتقلت اللجنة إلى "اللابة الشرقية" ووجدت حسرة ذات حجارة سوداء نخرة كأنها أحرقت بالدار، وتنقطع هذه الحسرة في بعض المواضع خصوصاً في جهتها الشمالية، وتمتد في مواضع ولاسيما جهتها الجنوبية، فكأنها حرارة متعددة، وهذه الحسرة تسمى: حسرة واقم. ويفصلها عن "أحد" وادج قناة، وعن "ثور" مسيل وادي الشطاة وسفح "أحد" الشرقي وسفح جبل وغيره، وتشمل منازل بني حارثة وبين ظفر وبني عبد الأشهل وبني معاوية، كما تشمل منطقة العريض وما حولها من المصانع والبساتين وبعاث المسمى الآن بالمبعوث إلى العوالي وقربان ومنازل بني قريظة وبين النضير. ولم يكن الحد في هذه الحسرة واضحاً كوضوحه من جهة الجبلين – عير، وثور – لهذا مشت اللجنة وسط الحرة في موضع متوسط بين عير وثور ووقفت هناك لتتحقق لها المسافة بين الجبلين وتتمكن من أخذ مقاسها.
ثم انتقلت اللجنة إلى طرف "عير" من هذه الناحية – أعني الناحية الجنوبية الشرقية – ووقفت قريبًا من الجبل مما يلي سد بطحان، وعرفت مقياس مسافته لجبل ثور مع متوسط اللابة الشرقية، وتقرر أن تبدأ الحدود من طرف عير الجنوبي الشرقي مدخلة سد بطحان ومذينيب، وتتقاد ببتر متواصلة مع وسط الحرة بعد كل ثلاثة كيلوات بتر كبيرة ملونة يكتب عليها حد الحرم إلى أن تصل جبل ثور من الشمال الشرقي مخرجة جبل وغيره ومدخلة جميع جبل أحد والخزان الذي حوله والمصانع وما حولها من البساتين ومنطقة العريض والعوافي وقربان إلى امتداد سد بطحان حتى يحاذي طرف عير من الشرق.
ثم انتقلت الهيئة إلى طرف "عير" من الناحية الجنوبية الغربية مما يلي ذا الحليفة، لأن عيراً جبل كبير مستطيل، فقربت الهيئة من طرفه، ووقفت على ربوة بسفحه، وتطلعت إلى ما حوله وما يحاذيه من اللابة الغربية والشمالية الغربية.(5/210)
انتقلت اللجنة إلى "الحرة الغربية" وهي أقرب إلى المدينة من الحرة الشرقية، فالغربية تبدأ من عند باب العنبرية كما مر، وهي من جنس الشرقية في كونها تنقطع في مواضع ولاسيما في جهتها الشمالية كما هو مشاهد عند مسجد القبلتين حيث يوجد هناك فضاء واسع فيه المزارع والرمال والسباخ وتتخللها الطرق والعيون والأودية إلى أحد والجرف وما حوله. وتمتد الحرة من الناحية الجنوبية إلى أن تدنو من شرقي عير قريبًا من طرف الحرة الشرقية من ناحية قباء، ويفصل بينها وبين الحرة الشرقية بساتين قباء وقربان والعوالي ووادي مهزور ومذينيب وجفاف وبطحان والرانونة.(5/211)
وقد مضت اللجنة من "عير" إلى "أحد" لتصل منه إلى "ثور" وسلكت في أثناء ممشاها مع الطريق الجديد الموضوع للأجانب ومن لا يريد دخول المدينة ويسمى بالتحويلة. ويبدأ من نهاية البيداء آخر الخط الآتي من جدة قبل أن يصل إلى ذي الحليفة ثم يتجه شمالاً تاركًا المدينة على يمينه، ورأت اللجنة هذا الطريق في أثنائه مسامتا لما بين عير وثور من هذه الناحية. إلا أنه قد تجاوزها من أوله وآخره. فقررت اللجنة أن توضع البدأ(1) من طرف عير الغربي متجهة إلى الغرب ثم إلى الشمال الغربي فتدخل ذا الحليفة والعقيق وسد عروة والجمارات الثلاث وبنايات الجامعة الإسلامية والقصور الملكية والجرف وبئر رومة وما حولها من البساتين إلى أحد، كل هذه داخلة في حدود الحرم، فإذا وصلت على ما سامتها من التحويلة صارت التحويلة هي الحد، فتوضع البتر على جانبها الشرقي، وتستمر البتر مع هذه التحويلة حتى تحاذي ثور خلف أحد من الشمال الشرقي، وحينئذ تأخذ البتر ذات اليمين صوب الجنوب لتلتقي بالبتر التي مر ذكرها في الحرة الشرقية، وتترك التحويلة لأنها تستمر شرقًا حتى تصل شارع المطار. وبهذا تصبح حدود الحرم ثابتة من جميع جهاتها سواء حدد من عير إلى ثور، أو باللايتين، أو بإثنى عشر ميلاً وهي بريد في بريد كما سبق إيضاح ذلك وأخذ مسافته.
ونظرًا لأن هذه أعمال هندسية وتحتاج إلى مهندس فني فينبغي تعميد بلدية المدينة بهذا ليقوم مهندسوها بمسحها مسحًا فنيًا، مع وضع خارطة تفصيلية لحدود
الحرم بناء على تحديد هذه اللجنة، ووضع العلامات اللازمة على ضوء ما ذكرنا، ويكون ذلك بإشراف الشيخ محمد الحافظ.
ولا يفوتني أن نذكر هنا تتميماً للفائدة أن حرم المدينة يخالف حرم مكة في ثلاثة أشياء.
أولاً: أن صيده وقطع شجره لا جزاء فيه بخلاف حرم مكة.
__________
(1) كذا الأصل، ولعله: البتر.(5/212)
ثانيًا: أن من أدخله صيدًا من خارج الحرم جاز له إمساكه وذبحه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عمير ما فعل النغير" وهذا بخلاف حرم مكة.
ثالثًا: جواز قطع ما تدعو حاجة الفلاحين إليه من آلات الحرث والرحل كالمساند وغيرها.
هذا ما جرى دراسته وتحريره بعد كمال التحري وبذل الجهد، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على نبينا محمد وآله وحبه وسلم أجمعين.
هيئة تحديد حدود حرم المدينة المنورة
أبوبكر جابر محمد أحمد محمد الحافظ
أسعد طرابزوني عمار بن عبدالله عبيد مدني
مندوب دار الافتاء/ عبدالله بن عقيل
(1277 – قوله: وهي أفضل من المدينة
الجمهور معهم الأدلة التي هي أصرح في التفضيل، وهي كثيرة. والمدينة فيها فضيلة وهي التي بعد مكة، وبعدها بيت المقدس.
(تقرير)
(1278 – خلط ابن عقيل في الموازنة)
قول ابن عقيل في الفنون: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة، فأما والنبي فيها فلا.
أما جسد المصطفى صلى الله عليه وسلم وكونه أفضل من سائر المخلوقات على المشهور(1) لكن ذكر الحجرة معه هذه العبارة ما هي معروفة عند السلف، وإن كان ابن القيم ذكرها في البدائم ولا تعقبها فهو شيء مرجوح، وكلام الشيخ عبدالرحمن وهو موجود على هوامش بعض شروح الزاد ظاهر.
ونسج منها أهل الغلو، أهل الغلو لا يفهمون مراد ابن عقيل، فإن كثيرًا من الجهال يفضلون الحجرة على الكعبة.
فالكلام على النبي معروف، والكلام على الحجرة معروف، أما جمعهما في كلام واحد فهذا شيء مرجوح. (تقرير)
(باب دخول مكة)
(1279 – قوله: فإذا رأى البيت رفع يديه وقال ما ورد. والظاهر أنه يقول ما يقال في بقية المساجد أيضًا(2)
__________
(1) فهذا ظاهر.
(2) بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك.
قلت: وانظر الفتوى يدفن الحفرة التي بالمطاف، وتوسيعه بإزالة المقامات وتسقيف زمزم وتنحية المقام والمدبر، والمنع من تقسيم المطاف رقم (129 في 19/1/77هـ) وتقدمت في أول كتاب المناسك.
وتقدم أيضاً حكم اشتراط الطهارة في الطواف في (باب نواقض الوضوء).(5/213)
.
(تقرير)
(1280 – تقبيل الحجر الأسود أول ما يبدأ طوافه(1). والسنة أن لا يزاحم عليه. وهو غير مشروع في حق النساء(2) وكذلك الرمل ليس مشروعًا للنساء، والبعد عن البيت مشروع في حقهن وليس مشروعًا قربهن، وذلك لكونهن عورة، وفي التقبيل جنس مزاحمة الرجال، فتوفير ستر عورتها متعين مطلوب، وهذه الأشياء مندوبة. (تقرير)
(1281 – يسن استلام الحجر الأسود في كل مرة من طوافه، ولا يسن له تقبيله في كل طوفة، ما روي ذلك عن النبي، ولا جاء ما يدل عليه، فلا يكون سنة، بخلاف استلام الركنين فإنه مندوب في كل مرة إن لم تكن زحمة. (تقرير)
(1281 م – قوله: فإن شق أشار إليه.
أما اليماني فيحتاج إلى دليل، إن جاء دليل فعلنا وإلا فلا، فإن حصل استلام وإلا فلا يشير. (تقرير)
(1282 – لا يجوز التبرك بما مس الكعبة لا الكسوة ولا الطيب وهو شيء ما عرفه السلف الذين هم أعظم الناس تعظيمًا لشعائر الله. العامة يأتون بطيب يمسحونه على الكعبة ثم يمسحونه. أما طيبها هي فلا يؤخذ. (تقرير) (3)
__________
(1) وتقدم في أول المناسك بيان الحكمة في تقبيل الحجر واستلام الركن. وأن الكعبة نفسها لا يتبرك بها. في فتوى بتاريخ 17/12/79هـ.
(2) إذا كان تم زحام كما يأتي التنبيه عليه قريبًا.
(3) وتقدم في وجدانية الالهية حكم تقبي جدران الكعبة في فتوى برقم (209 في 7/2/76هـ ) وأنه لا يتبرك بها في فتوى برقم (838م في 2/1/80هـ).(5/214)
(1283 – الدعاء الثابت في الطواف "ربنا آتنا في الدنيا حسنة" الخ. هذا مندوب، وثابتة به السنة أنه كان يقوله بين الركنين، وبقية الأدعية ما فيها شيء ثابت فيه. فالحقيقة أن الذكر مشروع في الطواف والسعي وحال رمي الجمار وبعرفة ومزدلفة لاسيما بعد طلوع الفجر، بل ذكر الله مشروع في كل زمان ومكان، إلا أمكنة خاصة. أمكنة خاصة. ومن أفضل ما يقول في الطواف قراءة القرآن. وفي بعض هذه الأدعية أشياء بعضها آثار ولم يجيء فيها نص يتعين أنها ذكر، لم يرد عن النبي ولا عمن يلحق قوله وفعله بالسنة. (تقرير)
(1284 س: كيف يدعو؟
ج: يسمع نفسه إسماعًا. لكن الذي يشوش المطوف بل يروع من يتروع إذا كان إلى جنبه، فضلا عن أن يكون شوش على الذاكرين ذكرهم. هذا باطل. (تقرير)
(1285 – السر في جعل البيت عن اليسار)
والسر في ذلك في كلام بعض الفقهاء قالوا: لأن القلب في الجانب الأيسر، لأنه محل الإيمان بالله، وأما كلام الشيخ(1) فقال: إن الحركة الدورية تعتمد اليسار. وهذا ما هو لازم أنا نعرفه، إن عرفناه فذاك وإلا فهي عبادة على الحكمة والمصلحة (تنزيل من حكيم حميد) فجميع تصرفات الشرع على الحمد والعلم والحكمة. فله كمال الحمد في خلقه، وكمال الحمد في شرعه ودينه.
ولكن أمر آخر وهو كأن اليمين إذا كانت من الجانب الذي لا يدار يصير أنشط، واليمين تدور أكثر مما تدور اليسار، وإذا كانت تطوف فتطوف اليمين أكثر. وفيه شرف هي التي تدور بالبدن. أهل الدواب يجعلون أقوى الدواب هي الطرفاء. واليمين للأخذ والعطاء. هذا أما أفهمه أنه أنشط. وأيضًا اليمين تقوى من الأعمال ما لا تقوى عليه اليسار، فتكون اليمين كأنها متحركة واليسار – لا – نسبيًا. إن قيل: ما تعنينا الحركة الدورية، قيل: اليمين أنشط. (تقرير)
(1286 – النطق بالنية)
__________
(1) يعني شيخ الاسلام.(5/215)
النطق بالنية عند الطواف كالنطق بها عند الصلاة، فهو بدعة، ما فعلها النبي ولا أصحابه ولا السلف، ولا منسوبًا إلى الأئمة الأربعة. نعم فهم من كلام الشافعي ما لا يدل عليه كلامه(1).
(تقرير)
(1287 – الكلام حال الطواف)
كونه يجيء غريب فتشفق أن تأخذ أخباره وأنت في الطواف، هذا لا ينبغي، وإن كان جنس الكلام مباحًا. هذا شغل عن الذكر، والطواف ذكر، فالذي لا بأس به من رد السلام والأمر بقضاء حاجة أو نحو ذلك. أما الذي يفعله بعض الناس يكثرون من فضول الكلام فلا ينبغي وينقص الطواف. (تقرير)
(1288 – الصلاة خلف المقام) (2)
س: صلاة المرأة خلف المقام؟
ج: إذا كان زحمة فتتركه، مثل ترك تقبيل الحجر، والمرأة عورة فتجتنبه. وذكر ابن رشد أنه لا يندب في حق المرأة بالإجماع، ولا أدري عن حكاية الإجماع، وكلام الأصحاب أنها لا تزاحم الرجال، ويفهم منه أن المرأة لها أن تقبل وتستلم إذا كان الطائف نساء أو لا زحمة، ولكن كلام ابن رشد لا أقل من أن يكون قول الجمهور. (تقرير)
(فصل)
ثم بعد صلاة الركعتين يأتي إلى الحجر ويستلمه. وهذه السنة مهجورة الآن، وإتيانه للحجر استلام فقط لا يقبله.
(تقرير)
س: ولو لم يقصد السعي.
ج: النبي فعله حين طاف، لم يذكر شيء إلا إذا كان يقصد السعي.
(تقرير)
(1289 – إذا لم ير البيت وهو على الصفا)
وإذا كان يرى الآن مع شيء من الأبواب فذاك، وإذا لم يره بالذات فيقف موقف استقباله حين كان يرى. (تقرير) (3)
س: رفع اليدين في الصفا والمروة مسنون.
ج: نعم هو الظاهر. (تقرير)
(1290 – الذكر الوارد هنا وغير الوارد)
قوله: وقال وما ورد، ومنه الحمد لله على ما هدانا.
__________
(1) وتقدم في كتاب الصلاة.
(2) وتقدم ما يتعلق بصلاة الركعتين خلف المقام بعد اختصار الهيكل الذي على المقام في فتاوي جواز تنحية المقام في أول المناسك.
(3) وأما حدود المسعى فتقدمت في أول كتاب المناسك تحت عنوان (الكعبة والمشاعر).(5/216)
يفيد أن هناك أشياء واردة منها هذا فلتراجع الكتب المبسوطة كالمغني للموفق والمهذب للنووي وكذلك كتب الحديث من متون أمهات وشروح ليحصل على أعيان الوارد في ذلك، ثم الوارد هو الذي ينبغي، والدعاء بغيرها جائز، إلا أنه لا يجوز الاعتداء. أما الذي ليس فيه اعتداء فباب الرب مفتوح لعباده يسألونه حوائجهم. إلا أنه ينبغي أن تكون له رغبة لصلاح القلب والنية والدعاء لنصرة الدين وأئمة المسلمين.
إذا كان فيه شيء وارد فالوارد أفضل. وتعلم أن أفضل الدعاء الأدعية التي فيها التوحيد، فإنه يجتمع فيها دعاء العبادة ودعاء المسألة.
(تقرير)
(1291 – ما بين الميلين، ومن يندب له السعي شديدًا)
قوله: فإذا بقي بينه وبينه ستة أذرع سعى شديدًا.
هذا هو مبتدأ الوادي – وادي ابراهيم – ويسمى الأبطح، فإنه كطان مجراه أولاً هو المرسوم بين الميلين، لكن نحي لأجل التوسعة، فيسرع أكثر من الطواف سعيًا لا يلحقه مشقة، ويستثنى حامل المعذور، والنساء عورات المطلوب سترهن، وأيضًا من شأنهن الضعف. أما لو كان على بعير أو سيارة أو عربة فإنه لا يسعى شديدًا.
(تقرير)
س: محرم المرأة إذا وصلا الميلين.
ج: لا يبعد عنها فإنه يخشى عليها من الضياع أو من الأطماع. (تقرير)
(1293 – وينبغي له ندبًا أن يستشعر حالة هاجر ليس معها إلا طفلها، فإذا ذكر ذلك الإنسان دعاه إلى خشية ربه، كما أن في الدخول يستشعر دخول النبي مكة ومعه أصحابه في حالة ما دخلوا الأبطح(1).
(تقرير)
(1294 – س: إذا أقيمت الصلاة وهو في السعي.
ج: يصلي، ثم إذا رجع فيبني على ما مضى، لكن يبتدأ الشرط الذي قطع في أثنائه من أوله، ومثله في الطواف، وكذلك الجنازة.
(تقرير)
(1295) قوله: المرأة لا ترقى الصفا والمروة.
__________
(1) في حالة خشوع عظيمة وذل لله واعتراف بمنته.(5/217)
والأحوط على كلام الأصحاب أن ترقى واحدة، والظاهر أن الشيء اليسير الذي يكون فيه مشقة يعفي عنه، ولكن الأحوط هو أن لا يدع شيئًا إذا كان قولا لبعض العلماء، لئلا يبقى شيء من حزازات، فإن العامي قد يترك مسنونًا فيعتقد أن حجه باطل ولا تطيب نفسه.
(تقرير) (1) .
آخر الجزء الخامس
ويليه
الجزء السادس
وهو بقية كتاب الحج(2) والأمر بالمعروف وكتاب الجهاد
__________
(1) وتقدم حد المسعى طولا بعد العمارة الجديدة. وحكم سعي المرأة بين الميلين.
(2) وأوله (باب دخول مكة).(5/218)
فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبدالرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ
الجزء السادس : بقية الحج ـ الأمر بالمعروف- الجهاد
( باب صفة الحج والعمرة )
(1296 ـ قوله : والأفضل من تحت الميزان )
هذا الأفضل في كلام الأصحاب ، وهذا على حسب شيء رووه عن أ؛مد ،ورأوا أنه من المذهب . ولكن يحتاج إلى برهان أن ذلك أفضل ولا أذكر برهاناً على ذلك ، الأحاديث المشار إليها كافية واضحة ما أحرموا إلا من البطحاء .
وحديث ابن عباس " حتى أهل مكة من مكة"(1) والنبي حج قارناً والآخرون وهم أكثر الصحابة ذكروا أنهم ما أهلوا إلا من البطحاء . (تقرير)
(1297 ـ احرام من رجع إلى مسكنه في جده منها لا من مكة )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبد العزيز أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
ثم حفظكم الله من خصوص إحرامكم بالحج لابد أن يكون من جدة ، وكذلك أيدكم الله تفهمون من ينبه على كافة خدامكم واخوياكم بذلك حتى لا يقع منهم ما وقع من بعضهم في العام الماضي من الإحرام بالحج من مكة ، فإن من أحرم بالحج من مكة منهم يلزمه دم ، لأنه فوّت واجباً وهو إحرامه من مكانه وهو منزله الذي سار منه ، وأصل قصده من هذا السير الذهاب إلى الحج . والله يتولى جلالتكم بتوفيقه . ( ص ـ م في 6/12/1375هـ ) .
(1298 ـ تفريق الجماعات في منى وعرفة ومزدلفة لا ينبغي )
قوله : ويصلي مع الإمام استحباباً .
__________
(1) متفق عليه(6/1)
أولاً لأنه جمع أكبر ، لما في الأحاديث " صلاة الرجل .." (1) ثم أيضاً لا يخلو من زيادة فائدة ، فإن المأموم لا يعدم خيراً من الإمام ، فإما أن يستفيد من الإمام أو نائبه .
ثم هذا التفريق الذي كل خبرة(2) وحدها هذا ما ينبغي ، إنما ينبغي أن يصلي أكبر عدد ممكن إذا وجد مكان متسع ، وإن لم يحصل فالتفرق جائز . (تقرير)
(1299 ـ قوله : ويخطب الامام ، أو نائبه )
يخطب الذي استنابه في الحج ، أو نائبه في الصلاة هنا ، أو نائب الحج يستنيب نائباً عنه على حسب الحاجة ، وإ ذا استناب الإمام أو نائبه فليكن عالماً . (تقرير)
(1300 ـ الجمع بعرفة من حين تزول ، القريبون من عرفة يترخصون )
الجمع بعرفة من حين تزول الشمس ، سواء كان في الصيف أو الشتاء ، شديد الحر ، أولا ، ولا يشرع الإبراد في هذا ، لأن فيه السنة المشهورة ، ولأن الناس جاءوا متصدين لأعمال الحج ، والوقوف يجمع أهل مكة وأهل نواحي مكة والبعيدين منها .
لكن القريبين من عرفة لا يترخصون عند الأصحاب . والقول الثاني أن لهم الجمع والقصر ، وهو الصحيح ، وهذا جار على أحد أصلين : إما أن يقال : إن حكم سفر المناسك غير حكم الأسفار الأخر ، أو على أصل آخر وهو اختيار الشيخ أن مسافة القصر لم يثبت فيها تحديد . (تقرير)
(1301 ـ الأفضل في حالة الوقوف )
قوله : أن يقف راكباً .
كونه راكباً أسهل له من الأرض ، الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع وقفوا راكبين على رواحلهم ، فهذا أصل وحدة كاف .
وقد قرر شيخ الإسلام وابن القيم كذلك أن الأفضل الحال التي هي مناسبة للحاج .
__________
(1) تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة . وتقدم في صلاة الجماعة .
(2) وتقدم المراد بالخبرة في باب التيمم .(6/2)
الآن إن كان على سيارة أرفق به وأتم في حقه فهو الأفضل ، و إن كان نزوله في الخيمة أرفق به فنزوله في الخيمة أفضل ، فالحالة التي توفر عليه ما يحتاج له من حضور القلب ومن كمال الدعاء والذكر هي المراد .
أما من حيث المكان فشيء آخر .
ثم ما تقدم أنه يفعل ماهو الأرفق به لا مانع من أن ينتقل من حال إلى حال ، ليس في ذلك منع من شيء من هذه الأمور ولا مرجوحية فيها .
نعم محل النبي صلى الله عليه وسلم يقف فيه ، إلا أن الاستقرار أولى إذا لم يدع داع لمصلحة الموقف .
ثم ينبغي له الانفراد لحديث جابر ، وأن يكون دعاؤه سراً ، لأن الأصل في الدعاء الاسرار وهو أفضل ، ولا جاء فيه الرفع . (تقرير)
(1302 ـ صعود جبل الرحمة وتسهيل الصعود إليه )
قوله : ولا يشرع صعود جبل الرحمة .
الجهال يعظمونه ويصعدونه ، وهذا أكثر مايروج على الخرافيين أهل تعظيم الأحجار والأشجار ونحوها، أهل التوحيد لا يروج عليهم . (تقرير)
(1303 ـ فتوى في الموضوع )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .وبعد :ـ
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 740 ـ 2 ـ ل وتاريخ 9/2/1386هـ بخصوص ذكركم أن لجنة الحج العليا أوصت باستفتائنا عن مشروعية عمل عدة منافذ من الدرج في جبل الرحمة تخفيفاً للزحام الشديد الحاصل فيه يوم عرفة . إلى آخر ما ذكرتم .
ونفيد سموكم أن الصعود إلى الجبل نتيجة اعتقاد خصوصية شرعية بدعة ، إذ لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من سلف الأمة الصالح أنه صعد الجبل يوم عرفة تقرباً ، وقد كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل الجبل عند الصخرات ، وقال صلى الله عليه وسلم :" وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف"(1) .
__________
(1) أخرجه مسلم .(6/3)
ولا يخفى سموكم أن العمل لتسهيل الصعود إليه معناه إقرار هذه البدعة ، وتسهيل أمرها ، والمساعدة على أدائها ، وهذا منكر أيضاً ، إذ الدال على الخير كفاعله ، وعكسه ظا هر . وبالله التوفيق والسلام عليكم . (ص ف 2038/1 في 24/7/1386هـ) .
(1304 ـ الوقوف بعرفة ركن )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي بن عسكر سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك بخصوص ما ذكرته عن أن جماعة من الحجاج وقفوا يوم عرفة أمام مسجد نمرة إلى جهة مزدلفة إلى انتهاء يوم عرفة ، وتذكر أن فيهم من يؤدي فريضة الحج ، وفيهم من يحج بالنيابة عن غيره ، وتسأل عما يلزمهم .
والجواب لا يخفى أن الوقوف بعرفة أحد أركان الحج ، وأن من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" الحج عرفة"(1) ولا شك أنما ذكرته من الموقف التي وقف فيه من سألت عن صحة حجهم ليس من عرفة ، فمن لم يتيسر له منهم أن دخل عرفة بقية يوم عرفة أو ليلة النحر ف يلزمه إعادة حجه إن كان يؤدي فريضة الحج ، أو كان نائباً عن غيره في الحج . أما من تيسر له دخول عرفة بأن ذهب إلى السوق داخلها أو إلى الجبل أو غيره من أراضي عرفة ثم رجع إلى مكانه الذي ذكرت فهذا حجه صحيح ، ويلزمه دم لانصرافه منها قبل الغروب . وبالله التوفيق . والسلام .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 1532 ـ 1 في 4/6/1386هـ)
(1305 ـ لا يسقط بالجهل )
كثير من الحجاج يقفون دون عرفة فلا يصح حجهم ، جاهلين ، أو لا . ولكن الناس ينزلون حيث وجدوا حد منازل الناس ويشتبه على بعضهم الحدود التي على عرفة أو حدود مزدلفة (2) . (تقرير)
(1306 ـ الدفع قبل الغروب )
__________
(1) أخرجه الخمسة .
(2) ويأتي في رسالة تحذير المناسك . وقد نقلت بكاملها في رمي الجمرات .
ويأتي أيضاً في آخر هذا الباب حكم التأخر عن الوقوف بعرفة نهاراً عمداً في واجبات الحج .(6/4)
قد كان بعض الإخوان سهلوا في هذا ، ولكن رجعوا لما اتضحت لهم السنة وقول جماهير أهل العلم ، والبيان .
وقد نزع بحديث عروة من يرى جواز الدفع قبل الغروب ، ولكن هذا غلط واضح ، فإنه ليس نصاً في المسألة ، إنما فيه إطلاق مقيد ، أو عموم مخصوص بالأحاديث الأخر . (تقرير)
(1307 ـ وعليه دم )
تقدم عبد العزيز بن عبد المحسن أبا نمي بسؤال هذا نصه :
نرجو منكم أن ترشدونا عن نفرٍ حجّ هذا الزمان ، وأجبروه رفقاؤه أن يرتحل معهم من عرفة من شأن أن يتقدموا في الطريق قبل الزحام ، وقد خرجوا من حدود عرفة قبل غروب الشمس بخمس دقائق . فماذا يكون عليه في حجه ، وهل بين الجاهل والعارف فرق ، وماذا يكون في حقه وقد وصل إلى نجد . أفتونا مأجورين .
والجواب : الحمد لله . الذين خرجوا من عرفة قبل غروب الشمس يلزم الغني منهم ذبح شاة في مكة تفرق على المساكين هناك . أما الفقير فيلزمه صيام عشرة أيام . ولا فرق بين الجاهل والعارف . وإذا كان قد وصل إلى نجد فيوكل من يثق به في مكة يذبح الشاة ويفرقها على المساكين . والله الموفق . أملاه الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(الختم) ( ص ـ ف 149 ـ 42 ـ 1 في 25/12/1377هـ)
(1308 ـ الانصراف من عرفة للجنود ،وكذلك الدفع من مزدلفة وتركهم المبيت بمنى)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/5)
فجواباً على سؤال سموكم عن حج الجنود الذين يقومون بتنظيم السير في الحج وحفظ الأمن . أُفيد سموكم أنه لا يلزم المذكورين أن يحجوا ، إذ ليس كل من ذهب إلى المشاعر يلزمه الحج . ولو خيروا بعد البيان لهم بأنه لا يلزمهم الحج كانا حسناً . ومن حج منهم حينئذ وانصرف من عرفة قبل الغروب بمقتضى وظيفته فلا إثم عليه في ذلك ، وإنما يلزمه دم فقط ، ومن لم يجد دماً صام عشرة أيام بعد فراغه من الحج ، ومن عاد منهم إلى عرفة في تلك الليلة فلا دم عليه . وإذا اقتضيت المصلحة دفعهم من مزدلفة قبل نصف الليل فلا إثم عليهم في ذلك ، وكذلك إذا دعت المصلحة أيضاً إلى تركهم المبيت بمنى فلا يأثمون كذلك . والله يحفظكم . ( ص ـ م 4336) .
(1309 ـ س : إذا قهرهم راعي السيارة وانصرف بهم ) .
ج ـ عليهم دم ، ويغرمه لهم . (تقرير)
(1310 ـ الدفع من مزدلفة )
بسكينة وركود واطمئنان في سيره وفي هيئته من حيث عدم الانزعاج واضطراب لا حاجة إليه ، وعند الحاجة كشيء يخشى فواته فشيء آخر . ( تقرير )
(1311 ـ تقسيم مزدلفة )
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة أمين العاصمة الأستاذ عبد الله عريف المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
بشأن ما ارتآه الشيخ صالح قطان من تقسيم مزدلفة بالنسبة إلى الحجاج الذين يبيتون بها إلى الفجر والذين ينصرفون بعد نصف الليل .
وقد تأملنا ما ذكره ، فلم نجده وجيهاً من الناحية الشرعية وغيرها ، لأن الناس عند انصرافهم من عرفة يصعب ضبطهم وإيقافهم لسؤالهم عن من يريد أن يبيت بمزدلفة إلى الفجر أو سينصرف منها بعد منتصف الليل .
وأيضاً فقد يطرى للذين سيبيتون إلى الفجر أن ينصرفوا بعد نصف الليل ، وبالعكس . وأيضاً فهذه المناسك لمن سبق إليها ، ولا يحل منع من سبق إلى محل من مزدلفة أن يمنع منه لانتظار أحد لم يأت بعد . لهذا وغيره لا ينبغي أن يعول على رأيه المذكور . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 674 ـ 1 في 4/3/1386هـ)(6/6)
(1312 ـ س : إذا وصل مزدلفة بعد ربع ساعة )
جـ : إن أخر إلى وصول العشاء فهذا حسن .وإن جمع قبل ذلك فله وجه ، فإنه مشروع أن يجمع إذا وصل ، ولكن الأول هو الأقرب لمراعاة السنة . (تقرير)
(1313 ـ قوله : وله الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل ، لكن بعض أهل العلم يأبى ذلك ، ويقول إنه ما جاء إلا في حق الضعيف فلا يكون مسوغاً لبقية الناس أن يدفعوا مثلهم ، وهذا هو الأحوط ، لأن الرخصة ما جاءت إلا في حقهم ، والأصل الاستمرار كما فعل النبي وغير الضعفة . ولا يُزال عن الأصل إلا بمجوز متحقق ،وهذا الذي في الضعفة غير متحقق في غيرهم . وإلى هذا ميل الشيخ وابن القيم . والضعف هو كبر السن ، أو المرض ، والثقل ، ونضو الخلقة . وجاء " أن سودة كانت ثبطة فاستأذنت فأذن لها " .
فمن جوز مسألة في الدفع قبل الرسول فعليه إقامة الدليل ، وإلا فلا . في مثل وقتنا هذا يمكن أن يكون دفع الناس لو يدفعون بعد نصف الليل لا يحصلون الرفق ، وذلك أن الكثير وأهل النشاط يدفعون من آخر الليل في السيارات وتصير الزحمة من آخر الليل كما تصير في النهار وقريب من ذلك ، فهذا يؤكد أن لزوم السنة ، ويحتاط لنسكه . وأيضاً لا ينال أرفقية . ( تقرير)
س : النصف يعتبر بالفجر .
ج : الليل الشرعي من غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر . فالبيتوتة من المغرب إلى الفجر . وجاء في حق الضعفة أنه حين يبقى ثلث الليل ،وجاء أنه بعدما غاب القمر ، وهو غير بعيد من تحديده بثلث الليل . ( تقرير ) .
( 1314 ـ صلاة الصبح بغلس فيها )
أحاديث التغليس أكثر ما تفيد أنه بالغ في التبكير ، فيفيد أن السنة أن يبكر بالنسبة إلى أول وقتها .
وليس هو هذا التسرع الذي يفعله كثير من الناس ، بل هو جهل كبير وعدم معرفة للطاعة ، ربما حجه نفل ويترك الفريضة . والفجر هو البياض المعترض ، فإذا اعترض فيندب أن يعجل ، وهذا لأجل إطالة الدعاء في المشعر . ( تقرير )
(1315 ـ صعود المشعر )(6/7)
صعود المشعر إن قام عليه دليل ، وإ لا فلا ) (1) (تقرير ) (2)
(1316 ـ س : ما حد الحصى الذي لا يجزى الرمي به )
ج ـ ما أعرف . لعل لو حدد ذلك بما يرمي به الرجل والصيد .
ـ مقدار البيضة أو ما يقاربها ـ فيقال رمى به ، وهو يعد كبيراً . ( تقرير )
س : الذي كبر دمن الحاشي ؟
ج ـ لعله يجزي ، لأنه ليس في العادة أنه يرمي به أحد ، ويوجد لها شيء من المسمى ( تقرير )
س : أو دمنة البعير .
جـ : لعل أقرب ما يحدد به الحذف الناكي كالبيضة . ( تقرير )
(1317 ـ خصائص جمرة العقبة )
هذه الجمرة التي ترمى هنا : لها أربع خصائص اختصت بها على سائر الجمرات بالنسبة إلى ماذكره الأصحاب فقط . أما بالنسبة إلى ما هو القول الصحيح فتصير خمساً (الأول) : أنها ترمى يوم النحر . (الثاني) : صباحاً ( الثالث) من أسفلها (الرابع) لا يوقف عندها (الخامس) أنها تستقبل حال الرمي وتكون القبلة عن يسار الرامي ، بخلاف بقية الجمرات فإنها تستقبل .
وشيء آخر اختصت به يصير " سادساً" ـ وهو لم يُعدّ وهو منها حقيقة ـ : أنها إحدى الحل ، فإنه إذا رماها حل . وإن قيل : إن من خصائصها قطع التلبية ، فيمكن أن يُعَدّ . ولو رميت من فوقها أجزأ عند الأصحاب مثل رمي الناس اليوم(3) (تقرير )
(1318 ـ قوله : ولا يرمي بها ثانياً )
تصير مستعملة عند الأصحاب .
وهذا يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه ، لكن بكل حال إذا علم أنهاحصاته أو حصاة غيره رمى بها الأولى أن لا يرمي بها : أولا خروجاً من الخلاف ، وأحوط ، واهتماماً بالعبادة . (تقرير)
__________
(1) أم المشعر (الجبل ) فقد سهل وأقيم عليه المسجد الجديد .
(2) قلت : أما ما يتعلق بحدود منى والبناء فيها وتوسعة الطرق إلى المشاعر فقد تقدم في أول (كتاب المناسك) وكذلك توسيع ما حوله جمرة العقبة ، فليرجع إليه من أراده هناك .
(3) وتقدمت فتوى مبسوطة في ذلك في حكم دائرة المرمى .. برقم 1260/1 في 2/7/1383هـ .(6/8)
(1319 ـ قوله : ويندب أن يستقبل القبلة عند جمرة العقبة . هذا معنى كونه من أسفلها . لكن الصحيح أن الذي يندب أن تستقبل هي في جميع رميها ، وكما في حديث ابن مسعود " جعل البيت عن يساره " (1) (تقرير)
(1320 ـ قوله : ويرمى بعد طلوع الشمس ندباً )
ويجزئ بعد نصف الليل ، إلا أن المسألة هذه فيها خلاف . أما الضعفة فهو ندب في حقهم إن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس ،وإن رموا قبل ذلك جاز ، ولهذا في الحديث "أمرهم أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس"(2) ولو صح لكان الضعفة كغيرهم .
الحاصل إن وقتها المستقر بعد طلوع الشمس ، والضعفة ظاهر ، وغيرهم بالقياس عليهم على قول ، والقول الآخر لا يجزي غيرهم إلا بعد طلوع الشمس(3)
(1321 ـ تقديم ذبح هدي التمتع على يوم النحر لا يجوز ولا يجزي )
سؤالان
الأول : ما وقولكم في تقديم ذبح هدي المتعة قبل يوم النحر : هل في ذلك برهان من السنة صحيح صريح ، أم لا ؟ .
الثاني : ما قولكم في هذه الأفدية التي تفرقها الحكومة على بعض الحجاج ، وما يحصل فيها من التلاعب والكذب وتجرثم الحرام : هل الذي ينبغي استمرارها والحال ما ذكرنا ، أم لا ؟ .
الجواب : عن السؤال الأول : ـ الحمد لله . ليس مع من يجوز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل السنة المعلومة المتفيضة دلت على أن زمن ذبح هدي التمتع والقران هو يوم النحر فما بعده من الأيام التابعة له .
__________
(1) متفق عليه .
(2) أخرجه الخمسة إلا النسائي وفيه انقطاع .
(3) وتقدم(6/9)
نعم جاء في صحيح مسلم من رواية أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث عن حج النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فأمرنا إذا حللنا أننُهدي ويجتمع النفرُ منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث"(1) فزعم بعض الناس أن فيه دلالة على جواز تقديم ذبح دم التمتع على يوم النحر . ولا دلالة صريحة في هذا الحديث على ذلك ،وأكثر ما في الحديث احتماله ذلك ،ولا يعدل عما دلت عليه الأحاديث الصريحة لأمر يحتمل .
ولم يجئ في أحاديث إحلال الصحابة رضي الله عنهم من عمرتهم بمكة زمن حجة الوداع أمره صلى الله عليه وسلم إياهم أن يذبحوا في هذا الحين هدياً ، بل ولا فعله منهم أحد ،كما في حديث جابر الطويل في سياق حج النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه قوله :" فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هديٌ"(2) ا هـ .
ومعناه في حديث ابن عمر ،ومثله في حديث عائشة ،ونظيره في حديث حفصة رضي الله عنهم . فهذه الأحاديث كلها وأمثالها لم يذكر فيها شيء من ذلك ، ولو كان شيء لما أهمل ، إذ هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله .
ودليل آخر على عدم فعل شيء من ذلك ، وهو ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه يوم النحر وكن متمتعات ، فإنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بذبح الهدي حين الإحلال من العمرة بمكة ويخالف ذلك في هدايا أزواجه رضي الله عنهن بذبحها يوم النحر ، بل يظهر من هذا موافقة حديث جابر الذي نحن بصدد الكلام في دلالته لسائر الأحاديث في أن ذبح الهدايا ليس إلا يوم النحر . فتكون الفتوى حينئذ بجواز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر قد اجتمع فيها محذوران .
" أحدهما " : مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) انظر صحيح مسلم جـ 4ص88 .
(2) أخرجه مسلم بطوله ـ جـ4ص41 .(6/10)
" الثاني " تسبيب الثقاق والنزاع . ولا يخفى أن الشريعة المطهرة ترمي إلى اجتماع القلوب واتحاد القول والعمل في مواطن لا تحصى فيؤخذ من ذلك وغيره أنه ينبغي اتحاد عمل الحجاج في أفعال حجهم .وإذا كان الأمر كذلك فليس أولى القولين بأن يؤخذ به ويجتمع عليه إلا القول الذي دلالة السنة عليه أظهر من الشمس في رابعة النهار .
أما " الجواب " عن السؤال الثاني : فحيث كان الحال في الأفدية التي تدفعها الحكومة لبعض الحجاج قد بلغت إلى ما ذكر في السؤال ، بل وإلى ما هو أفظع منه وأبشع بكثير ، ولا سيما ووقوع ذلك في الحرام والإحرام ، فان ترك الحكومة ذلك خير وأولى من الاستمرار عليه ، بل الذي يظهر والحالة ما ذكر تعين العدول عن ذلك .
فنسأل الله أن يوفق الملك للفت النظر لهذه المسألة برفض تفريق تلك الذبائح ، نصحاً منه للرعية ، وقياماً بالواجبات الشرعية ، وإبعاداً عن أسباب المعاصي والمظاهر الردية . والله الموفق ، وهو سبحانه أعلم بالصواب .
أملاه الفقير إلى مولاه محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . 30/11/373 ( هذه من الفتاوى التي طبعت ووزعت )
(1322 ـ فتوى مطولة ـ في : أنه لا يجوز ولا يجزي تقديم دم المتعة قبل يوم النحر ، والجواب عما احتج به من جوزه )
ما قولكم وفقكم الله في تقديم ذبح هدي المتعة على يوم النحر : هل يجزئ ، أم لا ؟ وإذا قال بإجزائه أحد من أهل العلم فما وجه قوله ؟(6/11)
(الجواب) : الحمد لله . لا يجوز ، ولا يجزئ تقديم ذبح دم المتعة قبل يوم النحر . وإن قال به بعض أهل العلم فالحجج الساطعة والبراهين القاطعة مع جماهير أهل العلم ،ولا دليل مع من خالفهم لا من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح . وما ذكروه من الأحاديث ،ونسبتهم ذلك إلى بعض الصحابة ، والقياس الذي زعموه ، وإيهامهم قوة الخلاف في ذلك : كل ذلك سيتبين لك فيما يأتي ـ إن شاء الله ـ أنه أشبه شيء بسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .
وأبدأ بإيراد ما تيسر من الأحاديث الصحيحة المشتملة على أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة المهلين بالقران والمهلين بإفراد الحج ممن لم يسوقوا الهدي بأن يفسخوا الحج إلى العمرة ، فيكونوا بذلك متمتعين بالعمرة إلى الحج :
فروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :" تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس :" من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقتضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر ، وليحل ، ثم ليهل بالحج ،وليهد ، فمن لم يجد هدياً فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " الحديث .
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً ، فلما قدمنا مكة " أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج" .(6/12)
وروى البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال : " أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلّد الهدي فطفنا بالبيت ، وبالصفا والمروة ، وأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، وقال :" من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله . ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، وإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي ، كما قال تعالى: { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } إلآ أمصاركم .
وروى البخاري ومسلم عن جابر قال :" أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة ، فكبر ذلك علينا ، وضاقت به صدورنا، فقال : يا أيها الناس أحلوا فلولا الهديُ معي فعلتُ كما فعلتم .قال : فأحللناحتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج " .
ولهما عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال :" قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال :" بما أهللت ، قال : قلت : أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : سُقت من هدي . قلت : لا . قال :" فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل . فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي" .
ولهما عن عائشة ، قالت : " فلما دخلنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرةً إلا من كان معه الهدي قالت : وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر " .
وروى مسلم عن ابن عباس ، قال : أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم .(6/13)
وله عن أسماء بنت أبي بكر قالت :" خرجنا محرمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي فليحلل ، ولم يكن معي هدي فحللت ، وكان مع الزبير هدي فلم يحل " .
وروى الإمام أحمد عن أنس ، قال : " خرجنا نصرخ بالحج ، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة ، وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ، ولكن سُقت الهدي وقرنت بين الحج والعمرة " . وله عن ابن عمر قال : " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال : من شاء أن يجعلها عمرةً إلا من كا ن معه الهدي . قالوا يارسول الله : أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منياً . قال : نعم . وسطعت المجامر " .
وروى أبو داود عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي : يارسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال :" إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة ، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل ، غلا من كان معه هدي " .
وروى أحمد وابن ماجه عن البراء بن عازب ، قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال . فأحرمنا بالحج ، فلما قدمنا مكة قال . اجعلوا حجكم عمرة . قال . فقال الناس : يارسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة . قال . انظروا ما آركم به فافعلوا ، فردوا عليه القول ، فغضب ، ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان ، فرأت الغضب في وجهه ، فقالت : من أغضبك أغضبه الله ، فقال . ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع " .(6/14)
وروى البزار في مسنده بإسناده صحيح عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة ، فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا ، فهابوا ذلك , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحلوا فلولا أن معي الهدي لأحللت ، فحلوا حتى حلوا إلى النساء" .
وروى أبو داود عن أنس ، قال "بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني بذي الحليفة ـ حتى أصبح ثم ركب ، حتى إذا استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما ، فلما قدم أمر الناس فحلوا ، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج نحر سبع بدنات بيده قياماً " .
وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن قرط ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن أعظم الأيام عند الله عز وجل يوم النحر ، ثم يوم القرّ ، قال ثور . وهو اليوم الثاني . قال . وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست فطفقن يزد قن إليه بأيتهن يبدأ ، قال : فلما وجبت جنوبها قال : فتكلم بكلمة خفية لم أسمعها ، فقلت . ما اقال : قال : من شاء اقتطع " .(6/15)
وروى مسلم من طريق الليث عن أبي الزبير ، عن جابر ، أنه قال :" أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد ، وأقبلت عائشة بعمرة ، حتى إذا كنا بسرف عركت ، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي ، قال . فقلنا . حل ماذا ؟ قال : الحل كله ، فواقعنا النساء ، وتطيبنا بالطيب ، ولبسنا ثيابنا ، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ، ثم أهللنا يوم التروية " الحديث وروى مسلم أيضاً من طريق أبي خيثمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج معنا النساء والولدان ، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يكن معه هدي فليحلل . قال : قلنا . أي الحل ؟ قال . الحل كله ، قال . فأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، ومسنا الطيب ، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج " الحديث .
فهذه بضعة عشر حديثاً مفادها جميعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام حجة الوداع القارن منهم والمفرد ممن لم يسق الهدي أن يفسخ الحج إلى العمرة ، ففعلوا . ولم يرد في واحد منها الأمر بأن يهدوا في هذا الحين حين فسخ الحج .(6/16)
وعلى هذه الأحاديث الثابتة والسنن الشهيرة عول المسلمون منذ عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، لم يثبت أن واحداً من الصحابة ذبح هديه قبل يوم النحر . وما روي عن ابن عباس سيأتي الجواب عنه إن شاء الله . فهؤلاء أحد عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رووا حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، وماأمر به من فسخ الحج إلى العمرة ، وموافقة الصحابة على ذلك ، ورجوعهم إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ري الله عنهم وأرضاهم إلى أن ساقوا بقية حجة النبي صلى الله عليه وسلم أو معظمها لم يرو واحد منهم تلك الزيادة التي توهم منها من توهم جواز تقديم ذبح الهدي وهي قوله في الحديث " وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث " .
فصل
وأما المجوزون لتقديم ذبح الهدي قبل يوم النحر ، فقالوا محتجين على ماذهبوا إليه : روى مسلم في صحيحه ورواه أحمد والطيالسي ، ولفظ مسلم قال : حدثني محمد بن حاتم ، حدثنا محمد بن بكر ، أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ، ويجتمع النفر منا في الهدي ، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم " في هذا الحديث .(6/17)
" الثاني " : ما رواه الحاكم في مستدركه بسند على شرط مسلم عن مجاهد وعطاء ، عن جابر بن عبد الله ، قال :" كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجاً حتى لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا أيام قلائل ، أمرنا بالإحلال . قلنا : أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منياً ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام خطيباً فقال : أبالله تعلمون أيها الناس ، فأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدياً ولحللت كما أحلوا ، فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ومن وجد هدياً فلينحر فكنا ننحر الجزور عن سبعة " قال عطاء ، قال ابن عباس :" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنماً ، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيساً فذبحه عن نفسه ، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أبي خلف فقام تحت يدي ناقته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إصرخ : أيها الناس هل تدرون أي شهر هذا " الحديث .
قال من نقل الحديثين السابقين : ولعل ثالثهما ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ للبخاري ، عن أنس ، قال :" صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فبات بها ، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح ، فلما علا على البيداء لبى بهما جميعاً ، فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا ، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً " وفي السنن الكبرى للبيهقي عن ابن وهب ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن عمرو بن دينار ، أنه قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع ، ووجب عليه الهدي ، والصيام إن لم يجد هدياً .
والجواب عن الحديث الأول الذي رواه أحمد ومسلم والطيالسي فيما زعمه من أورده أن يقال : لا حجة في هذا الحديث على ما ذهبوا إليه من وجوه :(6/18)
" أحدهما " أن يقال : لا منافاة بين مدلوله وبين مدلول سائر الأحاديث التي ذكرناها وغيرها في هذا الباب ، فإن فيهن جميعاً نطقاً أو تضمناً أمر النبي صلى الله عليه وسلم للقارن والمفرد الذين لم يسوقا الهدي بالتحلل ، والأمر بالهدي ، والأمر باشتراك السبعة في البدنة .
نعم في هذا الحديث تنسيق أمرهم بالهدي وأمرهم بأن يشترك السبعة في البدنة على أمرهم إياهم بالفسخ بلا فصل ، متبعاً ذلك بهذه الزيادة وهي قوله :" وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم" ولم تنسق هذه الأمور في بقية الأحاديث هذا التنسيق الذي في هذا الحديث ، ولم تذكر فيهن تلك الزيادة ، بل جاءت الأوامر في تلك الأحاديث مفصولاً بعضها عن بعض بجمل ، فنشأ عن اختلافها هذا الاختلاف سوء فهم من استدل بهذا الحديث على جواز تقديم الذبح على يوم النحر ، ولم يفرق بين زمن الأمر بالشيء وزمن فعل المأمور به فظن أن الإشارة في قوله " وذلك حين أمرهم " إلخ إشارة إلى زمن الذبح ، وإنما هو الإشارة إلى زمن الأمر ، والمراد أن زمن الأمر بالفسخ . وزمن الأمر بالهدي زمن واحد ، أو أنها تأكيد للجملة الأولى .
ثم الأمر لا يفيد الفورية إلا حيث تجرد عن قرينة متصلة أو منفصلة ، وهو هنا لم يتجرد عن القرينة المنفصلة ، بل جاءت السنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن زمن ذبح الهدايا هو يوم النحر ، وذلك : من فعله صلى الله عليه وسلم ، وقوله ، وتقريره . من ذلك ما في المتفق عليه من حديث عائشة ، قالت :" وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر " وهن ما عدا عائشة ممن فسخ الحج إلى العمرة، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم يوم النحر لما نحر ما نحر من هديه " ونحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم " .(6/19)
والذي لا ريب فيه أنه لم يثبت عن واحد من الصحابة أنه أهدى قبل يوم النحر ، وعلى من زعم خلاف ذلك إقامة الدليل ، وهيهات أن يقيم دليلاً صحيحاً على ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ذبح هدي العمرة عند المروة ،وهدي القران بمنى ، وكذلك كان ابن عمر يفعل ، ولم ينحر صلى الله عليه وسلم هديه قط إلا بعد أن حل ، ولم ينحره قبل يوم النحر ، ولا أحد من الصحابة البتة ، ولم ينحره أياً إلا بعد طلوع الشمس ، وبعد الرمي . فهي أربعة أمور مرتبة يوم النحر : أولها الرمي ، ثم النحر ، ثم الحلق ، ثم الطواف . وهكذا رتبها صلى الله عليه وسلم ، ولم يرخص في النحر قبل طلوع الشمس البتة ، ولا ريب أن ذلك مخالف لهديه فحكمه حكم الأضحية إذا ذبحت قبل طلوع الشمس . ا هـ .
" وأيضاً " : إطلاق هذا الإسم وهو " يوم النحر " على اليوم العاشر من أيام ذي الحجة يفيد اختصاصه بذلك اسماً وفعلاً ، وأن لا يشركه في ذلك سواه ، إلا ما قام البرهان عليه كأيام التشريق فإنهن تبع له توسعة لزمن النحر . وإذا قلنا: اليوم العاشر من ذي الحجة يوم النحر .
فهي جملة اسمية معرفة الطرفين ، وهي مفيدة الحصر عند أهل هذا الشأن ، إلا أنه من باب الحصر إلا دعائي ، ولهذا تشركه في ذلك أيام التشريق . ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" الحج عرفة " أي معظمه لا كله ، لأن البرهان الشرعي أدخل فيه أشياء أخرى من الطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك .
وحينئذ يتضح أن لا دلالة في الحديث الذي استدلوا به على جواز تقديم الذبح على يوم النحر .(6/20)
وليُعْلم أن أبا داود الطيالسي لم يشرك مسلماً وأحمد في رواية هذا الحديث ، وأنا أذكر لك ما في " سنن أبي داود الطيالسي" قال رحمه الله : حدثنا أبو داود ، قال حدثنا وهيب بن خالد وساق بسنده إلى جابر بن عبد الله ، قال : " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسعاً لم يحج ، ثم أذن للناس في الحج فتهيأ أُناس كثيرون يريدون الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله ، فقال : إغتسلي واستثقري ، ثم أهلي ، ففعلت . قال : فلما اطمأن صدر ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهر البيداء أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهللنا لا ننوي إلا الحج ، قال جابر : فنظرت من بصري ومن ورائي وعن يميني وعن شمالي من الناس مشاة وركباناً ، فخرجنا لا نعرف إلا الحج ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، فانطلقنا لا نعرف إلا الحج له خرجنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معنا ، والقرآن ينزل عليه ، وهو يعلم تأويله ، وإنما يعمل بما أمر به ، حتى قدمنا مكة ، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر فاستمله ، ثم طاف سبعاً ،ورمل في ذلك ثلاثاً ، ومشى أربعاً ، ثم تلا هذه الآية { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } (1) فصلى ركعتين " قال أُبي : وكان يستحب أن يقرأ فيهما بالتوحيد : { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } ولم يذكر ذلك في حديث جابر .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 125 .(6/21)
ثم رجع إلى حديث جابر ، قال :" ثم أتى الركن فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا ، وقال : نبدأ بما بدأ الله به وقال { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال : فرقى على الصفا حتى بدا له البيت ، فكبر ثلاثاً ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت بيده الخير ،وهو على كل شيء قدير ، ثم يدعو بين ذلك . قال : ثم نزل فمشى حتى أتى بطن المسيل سعا حتى أصعد قدميه في المسيل ، ثم مشى حتى أتى المروة ، فصعد حتى بدا له البيت ، فكبر ثلاثاً ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، هكذا كما فعل ـ يعني على الصفا ـ ثم نزل ، فقال : من لم يكن معه الهدي فليحل وليجعلها عمرة فلو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة فأحلوا . وقدم علي بن أبي طالب من اليمن فرأى الناس قد حلوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء أهللت ، قال : قلت : اللهم أُهل بما أهل به رسولك . قال : فإن معي الهدي فلا تحل . قال : فدخل علي على فاطمة وقد اكتحلت ولبست ثياباً صبيغاً ، فأنكر ذلك ، فقال : من أمرك بهذا . قالت : أمرني أبي . فقال محمد بن علي : فكان علي يحدث بالعراق ، قال : ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرقاً على فاطمة في الذي ذكرت ، فقال : صدقت . أنا أمرتها ، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ، فلما كان يوم النحر نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وسبعين بدنة ، ونحر علي ما غبر ، وكانت مائة بدنة ، فأخذ من كل بدنة قطعة فطبخ فأكل هو وعلي وشربا من المرقة ، وقال سراقة بن مالك بن جعشم : يارسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ، فقال : لا بل للأبد ، دخلت العمرة في الحج وشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه " انتهى الحديث . وهو كما ترى عار عن تلك الزيادة .
" الوجه الثاني " الحكم على هذه الزيادة بالفردية والشذوذ ،وهي قوله : " وذلك حين أمرهم أنيحلوا من حجهم " في هذا الحديث فنقول :(6/22)
روى أحاديث فسخ الحج إلى العمرة في حق القارن والمفرد الذين لم يسوقا الهدي جماعة من الصحابة ينيفون عن العشرة ، وقد تقدمت أسماؤهم وأحاديثهم الدالة على عدم شرعية التقديم لتظاهرها مع كثرتها وصحتها على عدم صحة تلك الزيادة ، ومن جملتهم جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين ، وقد جاءت من طرق متعددة ،ولم يذكر من طريق من طرق واحد من هذه الأحاديث ذكر تلك الزيادة نعم جاءت في طريق واحد من طرق راو واحد من رواة حديث جابر وهو أبو الزبير المكي ، وهي ما رواه أحمد ومسلم من حديث محمد بن بكر البرساني ، حدثني محمد بن حاتم ، حدثنا محمد بن بكر ، أخبرناابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية ، وذلك حين أمرهم أنيحلوا من حجهم ـ في هذا الحديث " .
فمدار هذه الزيادة على محمد بن بكر البرساني ، أفترانا ندع أحاديث أكثر من عشرة من الصحابة رووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون تلك الزيادة ، وندع أيضاً رواية العدول والمشاهير عن جابر ـ مجاهد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين ـ الذين هم أشهر من أبي الزبير المكي وأقوى وأوثق منه لرواية أبي الزبير .
هذا لولم يرو عن أبي الزبير إلا من هذا الطريق المشتمل على تلك الزيادة ، فكيف وقد رواه عن أبي الزبير المكي جماعة أئمة وهم مالك بن أنس والليث بن سعد ومطرف وأبو خيثمة وسفيان بن عيينة في آخرين عارياً من تلك الزيادة ووارداً رواية مجاهد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين ،متفقاً ذلك كله مع أحاديث من أسلفنا أسماءهم وأحاديثهم .(6/23)
أفنترك هذا كله ونأخذ بماانفرد به محمد بن بكر الذي أحسن أحواله أنه صالح الحديث ومخرج له في الصحيحين ، وهذا وأمثاله لا يبلغ به إلى مرتبة أدنى واحد من الثقات الأثبات في هذا الشأن من رواة هذا الحديث عن أبي الزبير ، فضلاً عما فوقه من الثقات ممن هم أكبر وأشهر من هؤلاء عن جابر ، فضلاً عن أحاديث جماعة الصحابة التي أسلفنا ذكرها .
فثبت بذلك فردية هذه الزيادة فردية تمنع الاحتجاج بها ، لا سيما وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج إلى العمرة قضية واحدة لا تعدد فيها حتى يرام الجمع بينها وبين تلك الأحاديث بغير ما ذكرناه .
وهذا يشبه حديث أبي هريرة المرفوع في ذكر الغر المحجلين بالنسبة إلى قوله في الحديث :" فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فإنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي مدرجة من قول أبي هريرة رضي الله عنه نفسه ، واستدل علماء الحديث على ذلك بأن أصل حديث الغرة والتحجيل رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة تسعة نفر من الصحابة رضي الله عنهم لم تذكر هذه الزيادة في رواية واحد منهم ، ورواه عن أبي هريرة غير نعيم المجمر تسعة أنفس لم يذكر واحد منهم هذه الزيادة في حديثه عن أبي هريرة ،وإنما انفرد بها عنهم نعيم المجمر .
" الوجه الثالث " : أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمر أولئك الصحابة بأن يذبحوا حين حلوا من عمرتهم وقبل يوم النحر لسارعوا إلى الذبح كما سارعوا إلى لبس الثياب والطيب ومجامعة النساء ، ولو فعلوا لنقل إلينا ، فإنه مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، فلما لم ينقل علم بذلك بطلانه .
وأما" الحديث الثاني " : وهو ما أخرجه الحاكم ، فليس فيه حجة على جواز التقديم من وجهين :
" أحدهما " أن هذا الحديث لا يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب ، فنه اشتمل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الصحابة رضي الله عنهم بعدة أوامر (أحدها) : فسخ الحج إلى العمرة .(6/24)
(الثاني) : أمره من وجد الهدي منهم أن يهدي . (الثالث) : أمره من لم يجد هدياً بأن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله . ولا يلزم من كونه أمرهم بذلك أن يكون الذبح قبل يوم النحر ، كما لا يلزم من قول جابر في هذا الحديث :" كنا ننحر الجزور عن سبعة " أن يكون ذلك قبل يوم النحر ، كما أنه ليس في قوله : قال عطاء قال ابن عباس :" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنماً " إلى آخره ما يدل على أن ذبح سعد للتيس عن نفسه قبل يوم النحر ، وذلك لعدم التصريح فيه ببيان الوقت والمكان ، وقد جاء فيما رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح ما يبين زمن ذبح سعد لذلك التيس ومكانه ، فقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عكرمة مولى ابن عباس ، زعم أن ابن عباس أخبره ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنماً يوم النحر في أصحابه ، وقال :" اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزي " فأصاب سعد بن أبي وقاص تيساً .
وبهذا انكشفت الشبهة ،واتضح أن لا حجة فيما استدل به على ما زعمه .
" الوجه الثاني " أن الحاكم رحمه الله وإن صححه وعلم عليه بعلامة شرط مسلم فإن عنده من التساهل في التصحيح ما هو معلوم عن أرباب هذا الشأن، وقد صحح في " مستدركه" أحاديث ساقطة ولكن قيل في الاعتذار عنه إن تصنيفه للمستدرك كان في آخر عمره ، والذهبي رحمه الله لم يصحح هذا الحديث في " التلخيص" .
وأما " الحديث الثالث" : وهو ما أخرجاه في الصحيحين ، عن أنس ، قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فبات بها ، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح ، فلما علا على البيداء لبى بهما جميعاً ، فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا ، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً " .(6/25)
(والجواب) : أنه لا يخفى على من له أدنى إلمام بالسنة وأحكام المناسك أن هذه السبع المذكورة هن من المائة التي لم تنحر إلا يوم النحر ، والمشهور والصحيح المعروف ما في الصحيح من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ونحر علي بقيتها . وجاء في أحاديث تفاصيل غير هذا وأُجيب عنها بأجوبة .
قال ابن القيم رحمه الله : والجواب : أنه لا تعارض بين الحديثين ، قال أبو محمد بن حزم : مخرج حديث أنس على أحد وجوه ثلاثة (أحدها) أنه صلى الله عليه وسلم لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس ، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ، ثم زال عن ذلك المكان وأمر علياً فنحر ما بقي .
(الثاني) أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره صلى الله عليه وسلم سبعاً فقط بيده ، وشاهد جابر تمام نحره صلى الله عليه وسلم للباقي ، فأخبر كل منهما بما رأى وشاهد .(الثالث) : أنه صلى الله عليه وسلم نحر بيده منفرداً سبع بدن ، كما قال أنس ، ثم أخذ هو وعلي الحربة معاً فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين ،كما غرفة بن الحارث الكندي : أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ قد أخذ بأعلى الحربة وأمر علياً فأخذ بأسفلها ونحرا بها البدن ، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر ـ والله أعلم . ا هـ .
من" الهدي النبوي"
فظهر بما تقدم أن كل ما ورد من الأحاديث والروايات في تفصيل ما نحر النبي صلى الله عليه وسلم وما نحر علي منها أنه في يوم النحر .(6/26)
وأما ما رواه البيهقي في " السنن" عن ابن عمر أنه قال : من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع ووجب عليه الهدي ، والصيام إن لم يجد هدياً . فإن هذا من قول ابن عمر نفسه لكن له حكم الرفع ، لأن الصحابي إذا قال شيئاً ليس للرأي فيه مسرح ولم يكن ذلك الصحابي يروي عن بني اسرائيل فإنه يكون لما قاله حكم الرفع ، وابن عمر لا يروي أحاديث بني إسرائيل ، وهذا مما لا مسرح للرأي فيه .
وحاصل هذا الخبر ومدلوله : أن من أحرم بالعمرة في أشهر الحج بأن قال : لبيك عمرة ، سواء قال : متمتعاً بها إلى الحج أو لم يقل ، وسواء نوى ذلك أو لم ينوه ، فإنه متمتع بالعمرة إلى الحج ، كما لو نطق بذلك بلسانه ولا فرق ، فإذا حج تلك السنة التي اعتمر في أشهر حجها فعليه دم المتعة ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإنه داخل في معنى قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } (1) وهو أيضاً مدلول أحاديث كثيرة .وفي الحقيقة هذا الخبر أجنبي من الدلالة على جواز تقديم ذبح دم المتعة قبل يوم النحر .
وبما ذكرناه في هذا الفصل يظهر بطلان ما ذهب إليه من جوز تقديم ذبح الهدي قبل يوم النحر ، وأنه غلط محض ـ من حيث الرواية ، والدراية .
فصل
وقد استدل بعض من كتب في ذلك بعبارات نقلوها عن جماعة من أهل العلم ، مستند أولئك الجماعة في ذلك أمران :
" أحدهما " ما جاء في بعض الروايات التي ظنوا صلاحيتها للاحتجاج وليست كذلك كما قدمنا .
و " الثاني " شيء من القياس ضمنت بعض تلك النقول .
والجواب عن ذلك من طريقين : مجمل ،ومفصل .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 196 .(6/27)
أما" المجمل" فقد أجمع العلماء على أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسر القرآن وتدل عليه وتعبر عنه وتبين مجمله ، كما قال تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } (1) وأنه يجب الرد عند التنازع إلى الله ورسوله كما قال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه على الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } (2) والرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه العزيز ، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } (3) وقال تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } (4) والتحاكم إلى الطاغوت يشمل أنواع التحاكم والرد إلى غير الكتاب والسنة .
وقال تعالى : { إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم } (5) الآية . وعن عدي بن حاتم ، قال : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية : { إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } فقلت : يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم . قال : " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه .
قلت : بلى . قال : فتلك عبادتهم " .
__________
(1) سورة النحل ـ آية 44 .
(2) سورة النساء ـ آية 59 .
(3) سورة النساء ـ آية 65 .
(4) سورة النساء ـ آية 60 .
(5) سورة التوبة ـ آية31 .(6/28)
كما أجمعوا على أن الايجاب والتحريم والتشريع ليس إلى أهل العلم ولا إلى الملوك منه شيء ، وإنما هو إلى الله ورسوله فقط ، فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله ، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ، قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } (1) وقال تعالى { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } (2) وقال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا عليّ الكذب } (3) وإن كل رأي أو اجتهاد أو قياس فهو ساقط لاغ عندما يقوم الدليل الشرعي على خلافه .
__________
(1) سورة الشورى ـ آية 21 .
(2) سورة الجاثية ـ آية 18 .
(3) سورة النحل ـ آية 63 .(6/29)
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له : " بم تحكم . قال : بكتاب الله . قال : فإن لم تجد . قال : فبسنة رسول الله . قال : فإن لم تجد ، قال : أجتهد رأيي ، فقال : الحمد لله الذي وفق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله " وقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر . وقال الإمام أحمد : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } (1) أتدري ماالفتنة؟ الفتنة : الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ، وقال الإمام مالك رحمه الله : كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الإمام الشافعي رحمه الله : إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط ،وقال أيضاً : إذا خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم فاعلموا أني مجنون ، أو كما قال رحمه الله ، وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين ، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال وقال أبو عمر بن عبد البر : أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان . وقد طفحت عبارات أئمة الإسلام بهذا المعنى .
والتقليد ليس بعلم إجماعاً ، قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع العلماء على أن المقلد لا يعد من أهل العلم . ا هـ. وإنما قال ذلك رحمه الله لأن العلم هو ما قاله الله ورسوله ، أو قاله الصحابة .وما أحسن قوله من قال :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خلف فيه
__________
(1) سورة النور ـ آية 63 .(6/30)
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين النصوص وبين رأي فقيه
وما أصوب قول من قال :
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حط من النظر
وأما " الجواب المفصل " فإن دعوى من ادعى : أن وقت ذبح دم المتعة والقران ليس على حده لا من أوله ولا من آخره دليل لا من الكتاب ولا من الإجماع . فإن هذه دعوى مردودة ، والطرق بينها وبين الوصول إلى الصواب مسدودة . ونص عبارته ) مع أن هذا القول المشهور بتحديد وقت الذبح بيوم النحر وأيام التشريق بعده لم يستند على نص صريح ثابت لا من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسول الله) ا هـ .
وقد اغتر بقول ابن حزم وقلده التقليد الأعمى ، مع أن ابن حزم لم يدع عدم التحديد للوقت من أوله . ألم يعلم المستدل ـ بـ قال : ابن حزم ، وقال : فلان ، وقال : فلان ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم :" يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام" وهي " أيام أكلٍ وشرب" ، ألم يعلم أن يوم النحر لا يصام بحال ، وأن أيام التشريق لا يصمن إلا عن دم متعة وقران . أفيظن أن الأعمال التي هي أعمال الأعياد وأنس الأعياد وسرور الأعياد وشعائر الأعياد يستوي فعلها في الأعياد وفعلها في غير الأعياد ، ألا يكفي تواطؤ أوجه السنة الثلاثة : قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله ، وتقريره ـ على ما يقتضي تحديد وقت الذبح المذكور من أوله بطلوع الشمس يوم النحر ، ومن آخره بآخر أيام التشريق ، ولعمري إن الواحد منها كاف فكيف يتظافرها جميعاً .(6/31)
أفيقول من زعم أنه لا تحديد لذبح دم المتعة لا من أوله ولا من آخره باستواء من ذبح الهدي في هذه الأيام التي نحر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالنحر فيها وقرر الذابحين فيها على ذبحهم ومن ذبح قبلها أو بعدها ، وأن كل الفريقين عملوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " فإن قال ذلك لزمه التسوية بين ما فرق الله بينه شاء أم أبى ، فإن الله سبحانه فرق بين يوم النحر وما يتبعه من أيام التشريق وبين سائر الأيام . فيوم النحر وأيام التشريق خصصن بخصائص وميزن بمميزات من كونهن أعياد أهل الإسلام ، ومن كونهن أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى ، ونحو ذلك والأيام التي يوقع المجوز الذبح فيهن مؤخرات عليهن أو مقدمات مفقودة تلك المزايا وتلك الصفات .
وليعلم أن دم التمتع والقران ليس من الجبران في شيء ، وإنما هو دم نسك مستقل ،وشعيرة من شعائر الحج ، معتبر من حيث الزمان والمكان ،ومن حيث ترتيب أعمال الحج بعضها مع بعض . فالمكان هو منى الذي هو مكان الرمي والحلق والنحر ،والزمان هو من طلوع الشمس يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ،وترتيب أعمال الحج من فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ يوم النحر برمي الجمرة ، ثم بالنحر ، ثم بالحلق ، ثم بطواف الإفاضة ،مع قوله :" خذوا عني مناسككم" ، وندماء الجبران معلومة في مواضعها ، ومعروف وجه تسميتها جبراناً بما لا يوجد مثله في الإنساك ، فإنه سمي دم جبران لجبره ما وقع من النقص في العبادة . والتمتع بالعمرة إلى الحج لا نقصان فيه بحال ، بل هو أفضل الأنساك ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بالحج مفرداً والقارن بينهما الذين لم يسوقا الهدي بفسخ الحج إلى العمرة ، وتأسف صلى الله عليه وسلم على سوقه الهدي بقوله " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدياً ولحللت معكم " فأي نقص حينئذ في المتعة حتى يكون دمها دم جبران .(6/32)
ومما يوضح ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلوا من لحوم هداياهم ، عملاً بقوله تعالى : { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } (1) ولو كان دم جبران لاختص بالفقراء أو المساكين .
وأما ما نقله من عبارات من جوز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر من النقول ممن نقل عنهم من العلماء .
فالجواب أن يقال : إن تلك النقول مع طولها متعلقة بوجوب الدم والخلاف فيه . ووقت الوجوب شيء، ووقت الذبح شيء آخر .
والذي يتعلق منه بجواز الذبح قبل يوم النحر قليل جداً . وبيان ذلك أنه نقل عن الموفق رحمه الله ثلاثاً نقول : نقلين من " المغني" والثالث من " الكافي " وليس في واحد منها ما يدل على ذهاب الموفق إلى جواز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر بحال ، وأكثر ما فيه أنه ذكر ذلك مذهب الشافعي ، واشار إلى وجه ذلك عند الشافعية .
والنقل الثالث عن الموفق من " كتاب الكافي" وليس فيه أيضاً ما يدل على جواز التقديم . ونقل عن ابن مفلح في " الفروع" ثلاثة نقول ، وعن " الإنصاف" نقلاً واحداً ، وأكثر ذلك أو كله يدور حول وقت وجوب الدم .
ولم ينقل التصريح بجواز التقديم إلا عن أبي الخطاب في " الانتصار" والآجري . وحينئذ نقابل قول هذين الحنبليين المجوزين لذلك بشخصين مثلهما من الأصحاب ،ويبقى معنا الإمام أحمد وبقية الأصحاب . وأما كون ذلك رواية عن الإمام أحمد ،فإن أحمد رحمه الله يكون له في المسألة الواحدة روايتان وثلاث روايات وأربع روايات وخمس روايات ، ولا يدل ذلك على صحة كل رواية .
__________
(1) سورة الحج ـ آية 28 .(6/33)
وكذلك ما نقل عن الشافعية والمالكية فهو نظير ما نقله عن الحنابلة من أن أكثره بل إلا النزر القليل حول وقت وجوب الدم ، فالشافعية والمالكية المنقول عنهم ذلك يقابلون بأقوال أمثالهم من أصحابهم ومن الحنابلة . والشافعي وأبو حنيفة يقابلان بأحمد ومالك . وتبقى لنا الأحاديث الكثيرة الصحيحة الثابتة والصحابة والتابعون وكافة العلماء إلا النزر القليل جداً ، كما يبقى لنا القرآن الكريم المفيد عدم جواز تقديم الذبح ، وذلك في قوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } (1) ووجه دلالة الآية على ذلك ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال :" لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل" قال : فبلغ امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب فجاءت إليه فقالت بلغني أنك قلت كيت وكيت قال : مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله تعالى فقالت : إني لأقرا ما بين لوحيه فما وجدته ، فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أما قرأت { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } قالت : بلى ، قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، قالت : إني لأظن أهلك يفعلونه ، قال : اذهبي فانظري ، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئاً ، فجاءت فقالت : ما رأيت شيئاً ، قال : لو كان كذا لم تجامعنا" .
وليعلم أنه حيث ذكر بعض الشافعيين فيما نقل عنه ما يقتضي أن تقديم الذبح قيام تقديم أشياء ذكرها .
__________
(1) سورة الحشر ـ آية 7 .(6/34)
فيقال : إن " القياس" مردود إذا خالف النص باتفاق الأئمة ، ويمتنع أيضاً القيام فيما انعقد سبب فعله زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفعله ، ومن المعلوم مصادمة هذا القول للنصوص ،وأنه انعقد سببه زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، ولم يثبت عنه ذلك فعلاً منه ولا قولاً ولا تقريراً ، بل الذي ثبت عنه وعن خلفائه الراشدين وأصحابه المرضيين خلاف ذلك ،ومتى صح النقل وكان صريح الدلالة فإن القياس الذي بخلافه من أبطل القياس ، وبطلانه من أساسه ،ولا يمكن أن يختلف قياس صحيح مع نقل ثابت صريح ،وحينئذ ليست المسألة من باب تعارض أصلين بحال ، وتقديم صيام ثلاثة الأيام على يوم النحر الذي هو وقت الذبح وجهه ـ والله أعلم ـ حاجة الصيام إلى طول الوقت بخلاف الذبح فإن زمنه بضع دقائق ، فحكمة الشرع اقتضت تقديم الصيام دون الذبح ، وقد أعطي زمن الذبح من التطويل زمناً كافياً وهو بقية يوم النحر مضموماً إليه أيام التشريق الثلاثة ، ولا يقال : ألا يكتفى في سعة الوقت للصيام أن يصمن في أيام التشريق . قيل : لا ، لأنهن أعياد وأيام أكل وشرب ، كما ثبتت بذلك السنة ، نعم يصمن للضرورة إذا لم يبق للصوم زمن إلا ذلك ، كما في الحديث : " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي" .(6/35)
وأما ما نقله عن ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه " إعلام الموقعين عن رب العالمين" : من أن الفتوى تختلف باختلاف الأزمة والأمكنة والأحوال والعوائد ، فإنه حق ، لكنه يحتاج في تطبيقه إلى رجال لهم ملكة وقدم راسخ في العلم بمدارك الأحكام ، وناقل كلامه نقل عدة أمثلة لهذا الأصل : منها قوله :إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو ،ومنها أن عمر بن الخطاب أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة ، ومنها أن طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم .
فالجواب أن هذه من باب العقوبات الشرعية ، فخفتها وغلظها وإقامتها وترك إقامتها أحياناً هو على حسب المصلحة ، وبعضها أيضاً من (باب درء الحدود بالشبهات) والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ،وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما ، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أكملهما .(6/36)
وهذا لون ، والعبادات الشرعية المحدودة بأوقاتها وأمكنتها لون آخر ، لا يجري فيها ذلك جريانه في العقوبات وما يلحق بها ، فمثلاً الصلوات الخمس منها اثنتان لا يقدمان عن أوقاتهما بحال ، وهما الظهر والمغرب ، ومنها اثنتان لا تؤخران عن أوقاتهما بحال ، وهما العصر والعشاء ،وواحدة لا تقدم عن وقتها ولا تؤخر عنه بحال ، وهي الفجر والإثنتان الأوليان اللتان لا تقدمان على أوقاتهما بحال يجوز تأخيرهما عن أوقاتهما في بعض الأحوال ، والإثنتان اللتان لا تؤخران عن وقتهما بحال يجوز تقديمهما على أوقاتهما في بعض الأ؛وال ، ولو تحقق أول وقت العصر مهاجمة العدو الكفار المسلمين غروب الشمس المهاجمة التي يطول معها قتال المسلمين إياهم ويتمادى إلى غيبوبة الشفق أفيجوز أن تجمع المغرب إلى العصر جمع تقديم لهذا الفادح تعليلاً لوجود القتال ، وكذلك إذا وقع مثل هذا بالنسبة إلى تقديم الفجر مع العشاء أو تأخير العشاء إليها ،ومثل الظهر مع الفجر تقديماً أو تأخيراً ، والفرق بين ما يصح فيه الجمع وبين مالا يصح سواء جمع تقديم أو جمع تأخير مجيء الشريعة المطهرة بالجمع فيما فيه الجمع وعدم مجيئها به في الجانب الآخر ، وتسقط ههنا الآراء وما استند إليها من التعليلات التي الشريعة المحمدية بريئة من اعتبارها كل البراءة . فتقديم العبادة علىوقتها مبطل لها ، وتأخيرها عن أوقاتها لا يكون كذلك في الجملة ، وإنما يكون فاعل ذلك عاصياً .
وابن القيم رحمه الله لم يطلق ، بل قيد اختلاف الفتوى بالنسبة إلى اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد . ولم يجمل ، بل فصل في ذلك بما يزيل اللبس والاشتباه ، فترك إقامة الحد في الغزو ، وترك قطع يد السارق في المجاعة ، وترك إنكار المنكر إذا أفضى إلى ما هو أنكر منه مقيد بهذه الأحوال مخصوص بها وبما يشبهها لا يسري إلى ما عداها بحال .(6/37)
فمسألتنا وهي " مسألة تقديم الهدي ، وأمثالها " ليست من العقوبات ونحوها في شيء ، بل هي من العبادات المحضة ، والعبادات توقيفية من حيث ذاتها ، ومن حيث مواضعها وأوقاتها ،ولو قيد من كتب في ذلك فتواه بحالة الذبح في هذه السنوات التي لا يوصل فيها إلى كمال عين الغرض المقصود لكان ذلك من باب حلول المشاكل التي منها ما يقبل ومنها مايرد ، وحلول المشاكل شيء ، وإطلاق الجواز من غير قيد شيء آخر ، فإن هذه عبادة مؤقتة بتوقيتها الشرعي زماناً ومكاناً ، كما جاء في الأحاديث التي أسلفنا .
تتمة
لقد انطلقت ألسنة كثير من المتعلمين ، وجرت أقلام الأغبياء والعابثين ، وطارت كل ماطار في الآفاق كلمات المتسرعين ، واتخذت الكتابة في أحكام المناسك وغيرها تجربة لأقلام بعض ، وجنوح الآخرين إلى ابراز مقتضى ما في ضمائرهم وأفهامهم ، ومحبة آخرين لبيان الحق وهداية الخلق ، لكنهم مع الأسف ليسوا من أهل هذا الشأن ، ولا ممن يجري جواده في هذا الميدان ، فنتج عن ذلك من القول على الله وعلى رسوله بغير علم وخرق سياج الشريعة مالا يسع أولي الأمر من الولاة والعلماء أن يتركوا لهم الحبل على الغارب ، ولعمري لإن لم يضرب على أيدي هؤلاء بيد من حديد ، وتوقف أقلامهم عن جريانها بالتهديد والتغليظ الأكيد ، لتكونن العقبى التي لا تحمد ، ولتأخذن في تماديها إلى أن تكون المناسك أُلعوبة للاعبين ، ومعبثة للعابثين ،ولتكونن بشائر بين المنافقين ، ومطمعاً لأرباب الشهوات وسلماً لمن في قلوبهم زيغ من أرباب الشبهات ، وفساداً فاشياً في تلك العبادات ، ومصيبة لا يشبهها مصيبة ، ومثار شرور شديدة عصيبة ، وليقومن سوق غث الرخص ، وليبلغن سيل الاختلاف في الدين والتفرق فيه الزبا .
ولربما يقول قائل : أليس كتاب الله العزيز فينا موجوداً ، وحسام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بيننا محدوداً .(6/38)
قيل : نعم . ولكن ماذا تغني السيوف المغمدة ، ولم ينل الكتاب العزيز مغزاه ومقصده .
لقد اسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
والله أعلم ،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
أملاه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم آل الشيخ .
حرر في 20/4/1386هـ ( م . ويذكر مدير مكتبه الخاص أنها قد نشرت )
(1323 ـ مجازر لذبح الهدي خارج منى)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد اطلعنا على الأوراق المرفقة بخطابكم رقم 2553 وتاريخ 12/11/1386هـ المتعلقة بإنشاء وحدات ذبح لتنظيم النحر بمنى أيام الحج على الطريقة التي اقترحتها لجنة الحج العليا ، وما عرضتم عنه عن مساحة منى ،وسؤالكم عن جواز إنشاء وحدات الذبح في مداخل منى خارج حدودها إلى آخره .
لقد اطلعنا على ماذكرتم ، كما اطلعنا على قرار اللجنة العليا وعلى قرار مجلس الوزراء رقم 317 في 11/2/1386هـ وبتأمل الجميع ظهر ما يلي :
(أولاً) : من ناحية الذبح خارج حدود منى ، فهذا لا شك في جوازه ،وقد صرح العلماء بذلك .
أما الأفضلية ، فالأفضل أن يكون ذبح الدماء المتعلقة بالحج بمنى أما ما يتعلق بالعمرة ، فالأفضل ذبحه بمكة . وكلما كان الذبح بمكان أسهل وأنفع للفقراء للانتفاع باللحم وقلة الاضرار الناتجة عنه والإيذاء بفضلاته فهو أولى .(6/39)
غير أن هناك نقطة لا يستهان بها ، وهي أن إقامة هذه المباني خارج منى أمر لا ينبغي ، ولا يسوغ شرعاً، لما يفضي إليه من استبدال الذبح الحقيقي بموضع آخر يتخذ مشعراً بدلاً منه ، وهذا من الأحداث بالمناسك والمشاعر بغير مسوغ شرعي ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " نحرتها هنا ومنى كلها منحر" فمنى هي المشعر الشرعي الذي ينزله الحجاج ، ويقيمون فيها أيام منى ،ويبيتون فيها تلك الليالي ، ويذبحون فيه هديهم ونسكهم ، فلا ينبغي أن يجعل لهم موضع يذبحون فيه هديهم غير المشعر ويلزمون بذلك إلزاماً .
فإن استدل مستدل بجواز الذبح بغير منى .
فالجواب : أن مسألة الجواز شيء ، ومسألة إلزام الناس بالذبح خارج منى شيء آخر . وأخشى أن يكون هذا من التشريع الذي لم يأذن به الله . وأن يتطاول العهد فيظن الناس أنه لا يجوز الذبح إلا بهذا المكا ن . ومن المعلوم أن مقصد اللجنة تفادي الأضرار الناتجة عن الذبح بمنى ، ولا ينكر وجود شيء مما أشارت إليه اللجنة ،غير أن إتقان التنظيم ، ورفع الفضلات أولاً بأول ،والاهتمام بذلك مما يخفف ذلك أو يزيلها بالكلية .
(ثانياً) :
لوحظ في تشكيل اللجنة العليا أنه لا يوجد معهم طالب علم ملم بأحكام المناسك يمثل الجهة الشرعية . ونظراً لأن هذه أمور شرعية وتتعلق بالمناسك ،ويطلع عليها الأجانب من طلبة العلم وغيرهم ، فلا ينبغي أن تخلو مثل هذه اللجنة من عضو شرعي يبين للجنة النواحي الشرعية التي يتطرقها المشروع ، لتكون قراراتهم مدعمة بالأدلة الشرعية سليمة من الأشياء التي تتعارض مع الشرع الحنيف .
والله الموفق . والسلام
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف ـ 50 ـ 1 في 5/1/1387هـ)
(1324 ـ الحكمة في شرعية الهدي ، بعض الحجاج يريد أن تكون المشاعر كمصيف أو منتزه ، ومنهم من يرى ابدال الهدي بنقود للفقراء والمشاريع ، ومنهم ... هذه الذبائح يمكن تحصيل المقصود منها والسلامة من أضرارها بطرق)(6/40)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس تحرير جريدة حراء
الأستاذ / صالح جمال وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصلني كتابكم الذي تسألون فيه عن أسئلة تتعلق بذبائح منى . وقد أملينا عليها الجواب المرفق . والسلام عليكم .
حرر في 30/11/1377هـ . ( ص ـ ف 1297 وتاريخ 30/11/1377هـ)
(جواب صاحب السماحة المفتي الأكبر حول أسئلة حراء . وقد جاء جواب الأسئلة مدمجاً ،وبقراءته يتضح جواب الأسئلة جميعاً)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد :(6/41)
فإن الهدايا شرعت في الحج اقتداء بخليل الله إبراهيم ، حين أمره الله بذبح ولده إسماعيل ، فامتثل ، ثم فداه الله بذبح عظيم فذبحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه من بعده ، ودرج على ذلك المسلمون جميعاً جيلاً بعد جيل ،وقرناً بعد قرن ،وقد كان ذبح القرابين قديماً في الأمم على اختلاف مذاهبها ،وقد قص الله علينا في القرآن العظيم أن قابيل وأخاه هابيل قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر(1) وكان في الأمم السابقة من لا يقتصر على تقريب الحيوان ، بل كانوا يقربون ذبائحهم من البشر كالكنعانيين والفينيقيين وغيرهم ، وكانوا يقربون ذبائحهم لله ويشركون به غيره ، ويذبحونها على غير اسمه ، وكان فيهم من يحرق هذه القرابين بالنار ، فجاء الإسلام بذبح القرابين من الهدايا والضحايا لله وحده ،وعلى اسمه وحده ، وأمر الله بالأكل منها ،وإطعام الفقراء والمساكين ـ قال الله تعالى: { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين } (2) .
__________
(1) واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ـ سورة المائدة ـ آية 26 .
(2) سورة الحج ـ آية 36 ، 37 .(6/42)
إن بعض الناس يريد من المشاعر أن تكون كمصيف أو منتزه منظم ،ويريد أن يحصل عليه في الحج أدنى مشقة أو تعب ،ولا أن يشم رائحة كريهة في المشاعر ، ولا أن ترى عينه شيئاً مما يتنافى مع ترفه وحياته التي يعيشها في بلده . والوصول بالمشاعر إلى هذا الحد متعذر ، وذلك لأن أوقات العبادة في هذه المشاعر محدودة ،وكل من الحجاج مطلوب منه عبادة هي مطلوبة من الآخر في وقت واحد ، فإذا اجتمعوا على أداء هذه العبادة فلا بد وأن يحصل بسبب ذلك زحام وروائح كريهة وغير ذلك رغم ما يبذل من عناية وتنظيم .
فمن الحجاج من يصبر ويحتسب ويتحمل ما يجده من المتاعب والآلام والمضايقات ، وقد يتلذذ به ويطمئن له ، لكون ذلك إنما ناله في سبيل الوصول إلى طاعة ربه الذي أمره بالحج إلى بيته ، لينال رضا الله ومغفرته وجنته ، فيهون عليه ما يعترض له في طريقه من أشواك ، وما يلقاه من نصب ومشقة .
ومن الحجاج من يتأثر ويتضايق مما يصيبه من الآلام والمتاعب والمشقة ،ويظهر عليه الجزع وقلة الصبر ، وذلك ناشئ من ضعف الإيمان ، فإنه لو قوي إيمانه بالله وبما أعده الله للحجاج الصابرين المحتسبين من الأجر والثواب لهان عليه كل ما يجده في هذا السبيل .(6/43)
ومن الحجاج من ليس منهم على الحقيقة ، ولا إرب له في الحج إلا الانتقاد على تشريع الله وعلى الطرق الحكيمة التي أمر الله أن تؤدى عليها هذه العبادات ،ويحاول تغييرها والاجتهاد فيها بحسب ما يملي عليه هواه وشيطانه ، ويريد أن يجعل من الدين نفسه وسيلة إلى تنفيذ مقاصده وأهدافه و غاياته واجتهاداته الخاطئة ، فيتكلم مثلاً في مشروعية الذبح ويقلل من أهميتها ، ويريد أن يبذل الحجاج بدل هذه الذبائح التي شرع الله ذبحها عبادة له وتعظيماً ، وأن يطعم منها القانع والمعتر ،يريد بمجرد رأيه وهواه أن يدفع الحجاج بدلها نقوداً تبذل للفقراء وفي المشاريع الاصلاحية على حد تعبيره ، وهذا شأنه في كثير من التشريع الإسلامي ، يحاول تشريعاً جديداً ، وعملاً لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ،وقد سمعنا شيئاً من ذلك عن كثير من الناس .(6/44)
والدين الإسلامي جاء بالخير والصلاح الدنيوي والأخروي ،وهو صالح لكل زمان ومكان ، ومتى تمسك الناس به واهتدوا بهديه وحكموه في جميع أمورهم ،ولم يجدوا في أنفسهم حرجاً من أحكامه ، وسلموا وانقادوا لذلك ، فقد آمنوا حقاً ، وسلكوا طريق النجاة والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة ،وإذا أعرضوا عنه واستبدلوا به تشريعات جديدة وقوانين وضعية وضعها أعداء الشريعة وخصوم الإسلام ، ودخلت على المسلمين باسم الحضارة والمدنية وجعلوها المرجع لهم عند النزاع والدستور المقدس في جميع شئونهم واعتقدوها أحكم وأكفل لمصالحهم مما شرعه الله ورسوله فليس لهم حينئذ في الإسلام من نصيب و إن سموا أنفسهم مسلمين ، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء وقد قال الله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكمُوك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } (1) وقال تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا . أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً } (2) .
__________
(1) سورة النساء ـ آية 60 .
(2) سورة النساء ـ آية 51 .(6/45)
والذبائح في الحج يمكن تنظيمها وتحصيل مقصود الشارع منها من الأكل وإطعام فقراء الحرم والتوسعة عليهم والسلامة مما قد يحدث بسبب إلقاء لحومها ونتنها من أضرار صحية ومن ذهابها وعدم الانتفاع بها إذا اتبعت الطرق السليمة التي تتمشى مع حكمة الدين ولا تتنافى ومقاصده الشريفة وتشريعه الحكيم ، فمن ذلك : نقل ما يفضل عن هذه اللحوم إلى فقراء الحرم في مكة وضواحيها وتوزيعها عليهم ، فإن في مكة فقراء كثيرين لا يصل إليهم شيء من هذه اللحوم ولا ينتفعون بشيء منها ، ومن ذلك ذبح بعض الحجاج هديه في مكة يوم النحر وأيام التشريق وعدم تخصيص منى بالذبح ، فإن ذلك سائغ ، كما يدل له حديث " كل منى منحر،وكل فجاج مكة طريق ومنحر" رواه أبو داود . والسنة هي ذبح هدي الحج في منى باتفاق العلماء .
وبعمل ما ذكرناه من نقل هذه اللحوم وتوزيعها على فقراء الحرم وذبح بعض الهدايا في أيام النحر في مكة يحصل بعض مقصود الشارع من ذبح هذه الهدايا وهو إطعام فقراء الحرم من لحمها والتوسعة عليهم في ذلك ،ويسلم من إضاعة هذه اللحوم وعدم الانتفاع بها ، ووجود النتن الحاصل بسبب إلقائها كما هو موجود في هذه الأزمان .
أما إذا فضل شيء من لحوم الهدايا والأضاحي في الحج بحيث لم تؤكل ولم تدخر ولم يمكن إطعامها وتوزيعها على الفقراء وحفظت في ثلاجات ونحوها ووزعت على فقراء الحرم فلا بأس بذلك .
وأما بيع الهدايا والضحايا فيجوز بيعها في حق من ملك تلك اللحوم بصدقة عليه بها أو إهداء إليه منها .
أما صاحب الهدي الذي ذبحه قربة إلى الله عز وجل فلا يجوز له بيع شيء من ذلك .
وفي حفظ هذه اللحوم مصلحة ظاهرة ،والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها .
وترك هذه اللحوم مطروحة على الأرض بدون انتفاع بها فيه إضاعة لهذه اللحوم ،وضرر من الناحية ا لصحية مما يتنافى مع حكمة الدين .(6/46)
ولكن يجب أن يكون للحجاج الحرية المطلقة في لحوم هداياهم أكلا وصدقة وادخاراً ، ويذبح في أي موضع أراد الذبح ، وتقوم البلدية بدرس الطريقة الكفيلة بدفع الضرر بسبب ما يلقى من الفرث والدماء والسواقط ، وذلك : إما بدفنه ، أو نقله بسرعة إلى مكان بعيد عن منى .
ولا يؤخذ للحفظ إلا ما فضل عن حاجة الناس ..
أما قيام " شركة وطنية" أو غير وطنية في هذا العمل فلا يجوز شرعاً ، وأعمال الشركات معظمها مبني على أمور مخالفة للشرع ، وستحرص الشركة التي ستقوم بهذا العمل على نجاح شركتها ، وعلى تحقيق أرباحها ، مما يدعوها إلى عدم الاقتصار على مايلقى ، بل ربما حداها حرصها إلى أخذ اللحوم من أيدي الناس بحجة أنها قامت بهذا العمل لحفظ الصحة وللمصلحة العامة ، فلا يجوز السماح لشركة أياً كان نوعها بالدخول في هذه الشئون ، لأنها عبادات محضة ، مع ما يترتب على ذلك من الضرر وسوء العاقبة . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
محمد بن إبراهيم ( ص ـ ف 1279 في 30/11/1377هـ)
(1325 ـ قيام الشركات بجمع لحوم الهدايا والضحايا وبيعها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،وبعد :
فقد جرى الاطلاع على الاقتراح الموجه إلى جلالتكم من خادمكم تركي العطيشان ، المرفق بخطاب مقام رئاسة مجلس الوزراء رقم 385 وتاريخ 8/1/1381هـ حول ملاحظاته على لحوم الفدي والأضاحي في منى وقت الحج ، ورغبتكم الإفادة عما نراه تجاه ما ذكر .(6/47)
ونفيد جلالتكم أن ماأبداه في معروضه المذكور غير وجيه ، إذا المسألة مسألة نسك ومشاعر ، وليست مسألة تجارة ، والأصل في الهدايا والضحايا أن يأكل منها المهدي ويتصدق ببعضها ويهدي البعض الآخر .ولو جعل على شكل شركة لأضرت بالمساكين الفقراء الذين هم من أهم المقاصد التي لأجلها شرع الهدي ، فالشركة تريد أن تجمع لنفسها وتربح ،وتبذل ما في وسعها لتجمع أكبر عدد ممكن من الهدايا والأضاحي لتكسب منه الربح الكثير ، وهذا ينافي الحكمة التي لأجلها شرع هذا النسك ، وقد ينجم عن شركة كهذه أضرار عظيمة : من منع الفقراء ما يستحقون ، وتهاون الناس بهذه الشعيرة ا لعظيمة ،وضعفها في نفوسهم . أما الاعتناء في أمر هذه الذبائح ، وعمل ما من شأنه حفظها من الضياع ، ومنع الأضرار التي تنجم عنها من روائح وأوساخ ، وما يحدث نتيجة لذلك من الأمراض ، وحفظ ما يتبقى من اللحوم وتوزيعه على فقراء الحرم مما لا يتنافى مع الحكمة الشرعية : فهذا حسن لا يترتب عليه ضرر . وفق الله جلالتكم وأرشدكم إلى ما يحقق المصلحة الدينية والدنيوية . والله يحفظكم(1) .
(ص ـ ف 641 وتاريخ 1/6/1381هـ)
(1326 ـ وإذا نحر الهدي فيفرقه على محاويج الحرم ، سواء من أهل الحرم الساكنين فيه ، أو غيرهم من الحجاج ، أو غيرهم . وتفريقه هو الأولى ، فيكون قد أوصله إلى مستحقه مع كمال اليقين ، فإن لم يفرقه فبعد ما يذبحه يُمَكِنُ ساكن الحرم منه . ( تقرير )
(1327 ـ الحلق عبادة وهو أفضل . ووجه كون حلقه عبادة أن شعره محبوب إليه متخذه للجمال ، فإذا جاد بشعره فهذه قربة . (تقرير)
__________
(1) قلت : وتقدم هذا المعنى في الفتوى السابقة . والفتوى بمنع امتياز مجزرة بمنى ـ تقدم .(6/48)
(1328 ـ بعض الذين يتولون القص يدور دوارة على الرأس . هذا ليس شيئاً ، إنما هو على بعض المذاهب أنه ثلاث ، بل على المذهب الراجح عند الشافعية أنه يكفي شعرة واحدة ، ذكره ابن كثير في التفسير . والصواب أنه لابد من الإتيان على جميعه وإن لم يكن على كل شعرة شعرة . (تقرير)
(1329 ـ وفعل ابن عمر أنه إذا حج أو اعتمر قبض لحيته فما فضل أخذه لا يحتج به ، لأنه روى النهي عن قصها ـ انظر الفتوى الصادرة برقم (1119 في 14/5/1388هـ) .
(1330 ـ ترك الحلق والتقصير ناسياً أو جاهلاً وسافر إلى بدله )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن إبراهيم بن رميح سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك المتضمن السؤال عن المسألتين الآتيتين . وقد جرى تأملهما ، والجواب عليهما بما يلي :ـ
أما" المسألة الأولى" وهي ترك الحاج الحلق أو التقصير ناسياً أو جاهلاً وسفره إلى بلده بعد تمام المناسك غير الحلق أو التقصير .
والجواب : أن الحلق أو التقصير نسك لا يتعين أن يفعله في مكة وما حولها ، ولا أن يوالي بينه وبين بقية أعمال الحج ، ولا أن يوقعه في أيام منى . فعلى هذا يحلق أو يقصر متى ذكر إن كان ناسياً ، أو متى علم إن كان جاهلاً في أي محل كان ، ولا شيء عليه إن لم يكن فعل شيئاً من محظورات الإحرام(1) .
(ص ـ ف 14278 في 22/11/1381هـ)
(1331 ـ طاف بعد نصف الليل قبل الرمي )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة العمار سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى اطلاعنا على الاستفتاء الموجه إلينا منكم عن أربع مسائل :
الأولى : إذا كان الحاج بمزدلفة ليلة جمع فأفاض من أراد الإفاضة بعد نصف الليل فطاف قبل الرمي هل في ذلك بأس ؟
__________
(1) وتأتي " المسألة الثانية " والجواب عنها في (باب الهدي والأضحية)(6/49)
والجواب : لا يظهر لنا في ذلك بأس " فما سئل صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال : افعل ولا حرج " (1) .
(ص ـ ف 4264 في 16/11/1387هـ)
(1332 ـ الخطب في الحج )
بعهم يذكر خطبة في اليوم الثامن يبين فيها أحكام الحج ، لكن لم يقم على هذه الخطبة الرابعة دليل . (تقرير)
(1333 ـ اذا كان مريضاً ومسكنه في جدة فكيف يطاف به ؟)
وأما مسكنه في جدة من الحجاج وكان مريضاً . فهذا يطاف به محمولاً ،ويسعى به في سيارة ونحوها أو محمولاً إذا كان لا يستطيع الطواف والسعي ماشياً(2) .
(ص ـ م في 12/12/1376هـ)
(1334 ـ حجت وحاضت قبل طواف الافاضة هل توكل؟)
" المسألة الثانية " : عن امرأة حجت وحاضت قبل طواف الإفاضة ولما أراد رفقتها السفر إلى بلادهم وكلت وليها يطوف عنها طواف الإفاضة ويسعى عنها ففعل ،وسافروا إلى بلدهم : فهل تصح الوكالة في مثل هذا ؟ مع العلم أن هذه الحجة نفل .
والجواب : ظاهر كلام الفقهاء جواز مثل هذا إذا كان الحج نفلاً ،والذي وكلته قد حج تلك السنة وفرغ من أعمال الحج ، ولا سيما عند الحاجة . والله أعلم والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 3795 ـ 1 في 19/12/1388هـ)
(1335 ـ يكفي طواف الافاضة عن طواف القدوم )
قوله ... الإمام واختار الأكثر أن القارن والمفرد إن لم يكونا دخلاها قبل ـ يطوفان للقدوم ثم للزيارة ، وأن المتمتع يطوف للقدوم ثم للزيارة .
__________
(1) متفق عليه والمسألة الثانية في " النشوز" والثالثة اذا غلب الزوج في "النفقات" والرابعة في " كفارة القتل" .
(2) أولها من محمد بن ابراهيم إلا الأخ المكرم محمدبن سعود .(6/50)
لكن نعرف أن نص أحمد هذا قال الموفق في " الم غني " لا نعلم أحداً وافق أبا عبد الله ـ يعني من الأئمة والسلف ـ على هذا القول . فعرفنا ضعف هذا القول ،وإن كا ن اختاره الأكثر .والصحيح ما اختاره الشيخ والموفق وابن رجب للعلة السابقة ، ولأنه لم يقم عليه برهان شرعي ، بل الذي في الأحاديث إنما هو طواف الإفاضة ، فيكون القول الأول مرجوح بمرة ، لا يلتفت إليه . (تقرير)
(1336 ـ اذا حاضت قبله في مكة ومسكنها جدة بقيت في مكة)
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، محمد وآله وصحبه .
" السؤال الأول " : وهو إذا جاء النساء المانع(1) في الحج ومساكنهم في جدة فهل لهم ينصون جدة(2) حتى يخلصون وينزلون منها ويقون حجهم ،أو يلزمهم يقعدون في مكة حتى يخلصون ؟
جوابه : الحمد لله . لا يخرجن إلى جدة حتى يطهرن ويطفن طواف الإفاضة ،وعليهن أيضاً طواف الوداع . لكن يكفيهن طواف الإفاضة إذا نوينه عن الإفاضة والوداع ولم يقمن بعده بل بادرن بالخروج من حين يفرغن من سعي الإفاضة . (ص ـ م صورة)
(1337 ـ الا إذا كان في بقائها مشقة)
وقد ذكرت لكم في جوابي السابق عن المرأة التي أتاها المانع وقد بقي عليها طواف الإفاضة وطواف الوداع أنها تبقى بمكة حتى تطهر .
وأوضح لكم زيادة تفصيل ـ أنه إذا كان عليها مشقة في بقائها بمكة من جهة المسكن أو غيرها فإنها تخرج إلى جدة ،ويسقط عنها الوداع . ولكن تكون في حكم الإحرام فلا يقربها زوجها إذا طهرت ، ومن حين تطهر ترجع إلى مكة لتأتي بطواف الإفاضة . وينبغي أن تحرم من جدة في دخولها بعمرة ، فإذا طافت وسعت لعمرتها وقصرت من شعرها حلت من العمرة ، وحينئذ تطوف طواف الإفاضة(3) قاله ممليه الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ ،وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
__________
(1) المانع في تعبيرهم : الحيض .
(2) يذهبون إلى جدة .
(3) قلت : هذا أيضاً بناءاً على أنها مسافة قصر اذ ذاك .(6/51)
(الختم) ( 11/12/1376هـ)
(1338 ـ رجع إلى أهله قبل طواف الافاضة)
الحمد لله : الرجل الذي حج ورجع إلى أهله قبل أن يطوف طواف الإفاضة ـ وهو الطواف الذي بعد الدخول من عرفة ـ يلزمه أن يرجع لمكة ، فإذا وصل إلى الميقات أحرم بعمرة ، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت لعمرته التي أحرم بها من الميقات ، ثم سعى بين الصفا والمروة ، ثم حلق رأسه لعمرته المذكورة ، وبعد ما يفرغ منها يطوف طواف حجه السابق ، ثم يسعى بين الصفا والمروة ولا شيء عليه غير ذلك ، بل يكون بذلك قد أدى ما عليه من الحجة السابقة . ثم يعرف أنه في هذه المدة لا يقرب امرأته . قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم .
(بخط مدير مكتبه الخاص في 22/1/1374هـ) (الختم)
(1339 ـ حاضت واضطرت أن تسافر مع قافلتها قبل طواف الافاضة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد علي محمد سليمان عزيز خان سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا منك بخصوص ذكرك أن امرأة قدمت مع محرمها للحج ، وأنها أتمت مناسك حجها ما عدا طواف الإفاضة فقد حاضت ، واضطرت إلى أن تسافر مع قافلتها دون أن تقضي طواف الإفاضة . وتسأل ماذا يترتب عليها ؟ .
والجواب : الحمد لله . يحرم عليها ما يحرم على من تحلل التحلل الأول وبقى عليه التحلل الثاني ، فيحرم عليها النكاح ودواعيه وعقده طالما بقي الطواف عليها ،كما أنه يلزمها المجيء إلى مكة فوراً متى قدرت على ذلك في أي وقت يتيسر لها القدوم فيه ، فإذا وصلت قرب ميقات تمر به فتحرم بعمرة، ثم تدخل مكة وتقضي مناسك العمرة ، ثم تطوف طواف الإفاضة وبتمامه يتم حجها ، ولا شيء عليها في مقابلة سفرها دون أدائه ثم رجوعها بعد ذلك لتأديته . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
( ص ـ ف 995 ـ 1 في 17/4/1385هـ)
(1340 ـ سافرت إلى جدة قبل الطواف ووطأها)(6/52)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد اسماعيل الصومالي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصلنا كتابكم المؤرخ 15/2/1377هـ المتضمن الاستفتاء عن المرأة التي أحرمت مع زوجها من جدة ،وأدت مناسك الحج ، إلا أنها عندما نزلت إلى مكة حاضت ، فسافرت إلى جدة قبل طواف الإفاضة والوداع . وبعد أن طهرت واقعها زوجها قبل طواف الإفاضة والوداع . الخ ..
فالجواب : الحمد لله . سفر المرأة المذكورة إلى جدة قبل إتمامها المناسك لا ينبغي ، بل تقيم بمكة حتى تطهر ، ثم تكمل مناسكها ، لحديث :" أحابستنا هي"(1) لكن لا شيء عليها في سفرها إلى وطنها قبل ذلك ، ووطؤها حينئذ لا يحل لبقاء الإفاضة عليها . وتخير بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين . وعليها أن ترجع إلى مكة بعمرة ، فتحرم من جدة ثم تدخل إلى مكة فتطوف وتسعى وتقصر من شعرها . وبعد ذلك تطوف طواف الإفاضة وطواف الوداع . وإن خرجت من مكة عقب فراغها من طواف الإفاضة فوراً فإنه يكفي عن طواف الوداع والسلام .
(ص ـ ف 206 في 29/2/1377هـ)
(1341 ـ لا بد من سعي ثان للتمتع)
القارن فيه خلاف . والصواب الذي عليه الجماهير أنه يجزيه سعي واحد .
أما المتمتع فالمذهب وعند كثير والجمهور أنه لا بد من سعي ثان والقول الآخر أنه يكفيه سعي واحد ويختاره الشيخ وابن القيم . والمسألة فيها أدلة من الجانبين .
والاحتياط وهو الذي علي الفتوى والعمل أنه يسعى ثانياً ، فيه الأحاديث واضحة ،هي في المتبادر أوضح من حجج من قال يكفيه سعي واحد . وأحاديث سعي واحد مجملة تحتمل أن يراد بها القارنين فإن النبي وعدداً من الصحابة كانوا قارنين . فلابد من سعيين هذاك نسك مستقل ، وهذا نسك مستقل ،وصراحة أحاديث هذا الجانب لا يدانيها صراحة أحاديث الجانب الآخر .
__________
(1) عن عائشة أن صفية حاضت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : احابستنا هي " قالوا انها أفاضت " قال : فلا اذا " أخرجه الستة .(6/53)
واختيار الشيخين أنه يجزيه ، ما قالوا : لا يسعى ، قالوا : يجزيه سعيه الذي سعاه في عمرته . وإمام الدعوة ـ الشيخ محمد ـ وأولاده وأحفاده وتلاميذه وتلاميذهم هم على القول بالسعيين ، ودليله ما تقدم : حديث عائشة ،وحديث ابن عباس أصرح من حديث جابر . (تقرير)
(1342 ـ ندبية الطواف كل وقت )
ثم بعد ذلك مندوب الطواف كل وقت . وكان بعض الناس يحاول أنه لا يستحب ،ويقولون : إن النبي ما جاء عنه ولا طواف ، ولكن هذا قول ما يلتفت إليه ـ فكون الطواف عبادة مستقلة يثاب عليها شيء معلوم معروف عند الأئمة الأربعة وعند الأصحاب ـ فهذا قول لا وجه له وباطل ، فيستحب الإكثار من الطواف ولا سيما في حق الآفاقي ، فإن تطوعه بالطواف أفضل من تطوعه بالصلاة . (تقرير) .
(1343 ـ البقاء بمنى نهاراً)
قوله : ويبيت بمنى .
والمشروع أن يكون في منى نهاره ، لأجل رمي الجمرات ، ولأجل إقامة ذكر الله ـ وإن كان غير واجب لا سيما قرب زوال الشمس إلى الغروب ونحو هذا ـ فإنه مندوب . (تقرير)
(الرمي بعد الزوال ، والموالات)
وكونه بعد الزوال ـ شرط ـ فلو رمى قبل الزوال لم يجزه . ولو لم يرتب لم يجزه .
وأما الموالات ـ ولم يصرحوا بها هنا ولا في كثير من كتب الأصحاب لكن يؤخذ من كلامهم عدم وجوبه ، وذلك أنه صرحوا أنه إذا نسي حصاة جعلها من الأولى لأجل الترتيب ، فهذا يدل على أن الموالاة ليست عندهم شرطاً ، إنما الشرط الترتيب . (تقرير )
(1345 ـ تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك(1) لصاحب السماحة مفتي الديار السعودية فضيلة الشيخ محمد بن ابراهيم )
__________
(1) وموضوعه : بيان أن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال بالكتاب والسنة والاجماع ،وأنه لا يجوز الرمي ليلاً ولا يسقط عمن لا يستطيعه ـ وقد طبع هذا الرد مطبعة الحكومة بمكة عام 1376هـ .(6/54)
الحمد لله ، أحمده ، وأستعينه ، وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور نفسي ،ومن سيئات عملي ،واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً .
أما بعد : فإنه لما كان في منتصف ذي الحجة شهر الله الحرام أحد شهور عام خمس وسبعين وثلاثمائة وألف وأنا في بلد الله الحرام مكة المكرمة ، وقع إلى يدي كتاب من الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود ،وبرفقه رسالة ألفها ،وسماها " يسر الإسلام" وبين أشياء من مناسك حج بيت الله الحرام ، ابتدأها بمقدمة تشتمل " أولاً " على مضمون شطر عنوانها الأول ، وهو : يسر هذا الإسلام وتشتمل " ثانياً " على مضمون شطر عنواها الآخر وهو : بيان أشياء من مناسك حج بيت الله الحرام .
وقد ذكر في كتابه إليّ المرفق به هذه الرسالة تأليفه إياها ،وأنه أرسلها إليّ لأنظر ، هذا بعد أن طبع منها الألوف الكثيرة ، وفرقها في نجد والحجاز وكثير من البلاد المجاورة . وهذا من العجيب ، كيف ينشرها هذا النشر الشهير ، ويوزعها هذا التوزيع العميم ،ويكتب إليّ لأخذ رأيي فيها . وكل من اطلع على رسالته من العلماء والطلاب لا يشك ولا يرتاب ، أنه وقع بتأليفها في هوة مردية ، واكتسب بكتابتها سمعة مزرية ، وفاه بجهالة جهلا ، وضلالة في هذا الباب عميا وكنت قد عزمت بعد التوكل على الله أن أكتب ما يبين غلط فمه ، وزلقات قلمه ، ثم بعد التروي ما شاء الله عدلت إلى أن أذكر زلاته لولي أمر المسلمين ، رجاء أن يقوم بما أعطيه من السلطان مقام الرادع لهذا الإنسان ، عما زينته له نفسه من الإقدام على هذا الشأن ، الذي لم يسبقه إليه أحد بما يحمله إلى أن يتوب إلى الله سبحانه ويرجع عما كتبه في هذا الشأن .(6/55)
ثم لم ألبث إلا قليلاً حتى أرسل إلي ولي أمر المسلمين الملك سعود ـ أيده الله بالحق ـ كتاب هذا الرجل إليه مرفقاً به هذه الرسالة ، ويلتمس الملك سعود حفظه الله بيان ما لدي في ذلك ، فبينت له أن رسالته قد اشتملت من الأغلاط على ما لم يسبقه إليه أحد ، وتضمنت من مخالفة صريح السنة ومعاكسة ما درج عليه السلف الصالح وسائر علماء الأئمة مالا يوافق عليه ، وأنها أول أساس يتخذ لنقض أحكام الحج ، ويسلط أرباب الزيغ والإلحاد أن يسلكوا من طرق نبذ الشريعة ما شاءوا أن يسلكوه ، وأن يصلوا من هد بنائها القوي المحكم ما قصدوه ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، وإعلاء كلمة دينه وظهوره .(6/56)
وبعد أن كتبت للملك وفقه الله بالحق بمضمون ذلك مضى عليّ زمن غير طويل ، ثلم لم أشعر إلا وقد قدم هذا الرجل إلى بلد الرياض وتحققت بعد أن بإيعاز من الملك أيده الله بالحق إليه للاتصال بنا وبعلماء الرياض للبحث معه فيما يتعلق بهذا الصدد ،وجلس معنا ومع جماعة العلماء مجلسين أو أكثر ، بينا له فيها شفاهاً غلطاته ، ووضحنا له أنه أبعد النجعة في اختياراته ، وبعد تكرار البيان ومزيد الإيضاح ظهر أنه غلط في رسالته عدة غلطات : ما بين غلطة كبرى فاحخشة ، وما بين أخرى دونها ، وما هو دون ذلك ، فأظهر الندم على ما كتب ، وصرح بالتوبة عما إليه حول هذا الصدد قد ذهب ، فقبلنا توبته ، وعرفنا له رجوعه إلى الحق وأوبته ، ودعونا له بالتوفيق وشكرنا الله تبارك وتعالى على هدايته إلى سواء الطريق ،وقررنا معه أن المقام يفتقر إلى أكبر من ذلك ، وأكثر مما هنالك ، من تأليفه رسالة تتضمن رجوعه مدعمة بالأدلة ،ومركزة على أصول تلحقها بفروع الملة ، فأجابنا إلى ذلك ،ووعد بأنه إذا وصل إلى وطنه " قطر " ونال الراحة بالأوبة من السفر : كتب تلك الرسالة ،وضمنها جميع ما يحتاج إلى البيان من غلطاته وأسبابها ، والتصريح بالرجوع عنها عن بسط بما يكفي ويشفي ، وأنه يكفي حالاً كتابة رجوعه وظهور الحق له اختصاراً ،وكتب كتاباً هذا نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم(6/57)
بما أنه تقرر لدى فضيلة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم وكذلك الشيخ عبد العزيز بن باز وسائر المشائخ الحاضرين بأنه حصل الغلط مني في شأن الرسالة المؤلفة في الحج ، وذلك في موضعين منها : القول بتوسعة الوقت للرمي . ورأوا أنه مقدر بما بين الزوال إلى الغروب . ومنها : سقوط الرمي عمن لا يستطيعه حيث قلت به في الرسالة بدون أن يستنيب . ورأوا أن القول به خطأ مني ، وأنه يجب مع العجز الاستنابة ، فعليه فإني أتوب إلى الله من الخطأ فيما قلت ، وأن القول قولهم ، وأنا تابع وراجع عما قلت ، فيتعين على من لا يستطيع أن يستنيب من يرمي مكانه ،وإني أستغفر الله مما جرى به القلم، أو زل به القدم .
قاله معترفاً به على نفسه
عبد الله بن زيد آل محمود .
وقد ذيلت علىكتابه بمانصه :
بسم الله الرحمن الرحيم
أشرفت علىما كتبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ،وقد سرني ذلك حيث رجع عما في رسالته المتعلقة بالحج من الأخطاء . ولكن لابد من التصريح برجوعه عن القول بجواز الرمي قبل الزوال وكذلك عن القول بجوازه ليلاً . بعبارة واضحة ، كما أنه لابد أن يزيد بقوله (أنا راجع عن جميع مافي رسالتي المطبوعة المتعلقة بالحج من الخطأ) وأن يصرح في هذا الكتاب بأنه سيكتب رسالة في ذلك ، ويوضح أدلة الصواب في المسائل التي رجع عنها ، ولابد من تأليفه الرسالة فعلاً ، وطبعها بعد أن تعرض علينا ، ثم تفريقه إياها على من فرقت عليهم الرسالة السابقة . والقصد من ذلك ـ والله المطلع ـ نجاته وخلاصه هو ومن اتصلت إليه هذه الرسالة من الزلل والوقوع فيما يخالف الأدلة وجماعة العلماء ، وقد التزم بها اشترطناه عليه أعلاه ، وكتب تحته بقلمه ما نصه :ـ(6/58)
الحمد لله . نعم إنني قد التزمت لفضيلة الأستاذ المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم بأن أصنف رسالة تقتضي التصريح بالرجوع عما قلت في الرسالة المؤلفة في شأن الحج من خاصة القول بتوسعة الوقت للرمي ، وأني أُصرح تصريحاً ليس بالتلويح في خاصة الرجوع عن القول بذلك ، وأنه لا يجوز لأية شخص في أن يقلدني في القول بذلك مع تصريحي بالرجوع عنه . وكذلك القول الاستنابة في الرمي ، فقد ترجح لدي قول فضيلة المفتي من القول بوجوبه ، وبين الأدلة المقتضية لذلك ، فمن أجله رجعت عن قولي إلى القول بوجوبه ، لأن رأي الجماعة العلماء أقرب إلى العدل والخير والصواب من رأي وحدي ،وسيحصل تأليف رسالة تقتضي التصريح بكل ذلك ـ إن شاء الله تعالى .
قاله عبد الله بن زيد آل محمود
وبعد أن سافر إلى وطنه ،ومضى ما يزيد على شهر بقينا منتظرين إرساله ما وعد به من تأليفه في الرجوع ، ولم نزل عدة أشهر في الانتظار ، حتى أسفر ليل تلك المواعيد عن خيبة الأمل ، وأن الرجل لم يصدق في الموعود ولا عدل ، وأنه بقي في ظلماء جهله ، وفتنته بما به استدل مما هو أشبه شيء بالسراب بقيعة ، ولما لم ينجح فيه الدليل والبيان ، ولم يقبل مشورة أولئك الإخوان ، وكانت المواعيد منه عرقوبية ، ومساعيه حول هذا الصدد وخيمة وبية ، وكانت فتنة الجهال وأرباب الكسل برسالته عظيمة ، ومفضية إلى أن تبقى البراهين الشرعية ليس لها بين الأمة قيمة ، ومؤدية إلى تضليل الأمة، وفتح باب غث الرخص ، وانتهاز الملاحدة واللادينيين في إفساد الدين الفرص ، ومفضية ولا بد بالجهال إلى التوثب بجهالتهم على الشريعة ،وإبداء ما لديهم من توهمات فضيعة ، رجعت إلى ما كنت قد عزمت عليه أولاً : من كشف شبهاته ، والبرهنة عن غلطاته ، ليستقيم السبيل ، ويؤخذ بواضح الدليل ، ويكون المسلمون إخوة متعاونين على التمسك بالدين ، والسير على وفق ما شرعه لهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .(6/59)
فأقول : أما ما قرره هذا الرج لفي مقدمته من " يسر هذه الشريعة المحمدية " وبعدها كل البعد عن الآصار والأغلال . فأمر لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ، ولا يشك فيه سواهم من علماء الملل الأخرى المنصفين ، ولكن لم يرد به هذا الرجل حقاً ، بل أراد به باطلاً من حيث لا يشعر ،وذلك أنه لا يدليل فيها بوجه على ما ذهب إليه ، كما أنه لا دليل فيها بوجه على صحة الصلاة بل ولا صحة ابتدائها قبل دخول الوقت بلحظة لا في حق المريض ولا في حق غيره ، فلو أن قائلاً قال بصحة هذه الصلاة مستدلاً بهذه القاعدة العظيمة ـوهي يسر الشريعة المحمدية وبعدها عن الآصار والأغلال ـ لكان أقل أحواله أن يعد من أجهل الجاهلين . ونظير ذلك لو ا ستدل بها الصائم الذي آلمه الجوع والعطش على جواز الإفطار لعد من الجاهلين الخاطئين ، ومن أعظم الجناة على شريعة رب العالمين ،وكم نزع أرباب الشهوات بهذا الأصل على ارتكابهم ما ارتكبوه من المعاصي . أفيكونون بذلك معذورين ؟ كلا !
ويسر الشريعة المحمدية : مثل إفطار المسافر في رمضان ، وإفطار المريض الذي يضره الصوم ،ونحو ذلك ، وكقصر المسافر الرباعية إلى ركعتين ، وتيمم المريض بشرطه ، وتيمم عادم الماء ، ونحو ذلك مما هو منصوص عليه أو ملحقاً بالمنصوص عليه لتحقق اجتماعه معه في العلة ، وأمثلة ذلك معروفة .
وما علم حكمه من نص الكتاب أو السنة وما يلحق بذلك كإجماع الأمة ونحو ذلك فلا يجوز مخالفته استدلالاً بنصوص يسر الإسلام وبعده عن الحرج .
وأرباب هذا المسلك لا مناص لهم عن أن ينصبوا راية الخلاف بين النصوص ، ويضربوا بعضها ببعض ، ويسلطوا الجهلة على سلوك هذا السبيل الوبي المهلك ،ويبقوا في أعظم حيرة ،ويستعملوا أنواعاً وألواناً من طرق الدرء في نحور النصوص ،وأن تكون لهم الخيرة من أمرهم ، وليهم النظر فيما يلم بهم من حادثة ،وأن يفزع كل إلى ما يشتهي عند الكارثة .(6/60)
ونظير ذلك ما قرره في هذه المقدمة من ( أن الشريعة بنيت على تحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها) فإنه حق ، وأصل أصيل ،والشأن كل الشأن في التطبيق ، وصدق ذلك عند التحقيق ، فليس كل من استدل بها على رأي رآه يكون مصيباً ، فلا دليل فيه على ما ذهب إليه ، ولا مستأنس له فيه ، فإن كثيراً من المنحرفين عن الصواب لا يزالون يعولون في زعمهم في الانحراف على هذا الشأن ، وهم ليسوا من فرسان هذا الميدان ، وقد أخطأ هذا الرجل في تفريعه على هذه القاعدة بما يعرفه أهل العلم ـ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وهكذا تقريره علة شرعية الحج ، وأنه إقامة ذكر الله . فإن هذا صحيح ومعلوم بالنصوص ، لكن أخطأ هذا الرجل في هذا المقام ، وذلك أنه جعل ذكر الله المعني ها هنا هو الذكر القولي فقط دون الفعلي ،ولم يعرج على ذكر الله الفعلي في أول بحثه أصلاً ، بل لم يكتف بذلك ،حتى صرح بما يقتضي خروج الذكر الفعلي عن ذلك .
ولم يدر المسكين أن الاذكار الفعلية أعظم شأناً وأهم من الأذكار القولية ، ولهذا كانت أركان الحج وواجباته كلها فعلية ولم يكن منها واحد قولياً ،ورمي الجمار من الأذكار التي هي من واجبات الحج .وأما الأذكار القولية التي يؤتي بها حال رمي الجمار وبعده فليس منها ذكر واجب إجماعاً ، أفلا يستحي رجل هذه بضاعته في أحكام الحج من أن يتكلم فيه ، فضلاً عن أن يكتب ، فضلاً عن أن ينشر ، فضلاً عن المبالغة العظيمة في النشر والتعميم ؟ !!(6/61)
ويظهر ـ والله أعلم ـ أنه مع جهله حاول الاستهانة بشأن رمي الجمار ،وهذا هو الذي حمله ـ والله أعلم ـ على سلوك هذا المسلك ، وعلى ذكر ما نسبه عن الحافظ ابن جرير رحمه الله فيما حكاه عن عائشة من أنه إذا ترك الرمي وكبر أجزأه .وأبلغ من ذلك ما حكاه قبل ذلك عن بعض أهل العلم أنه قال : إنما أمر الله بالذكر في أيام التشريق ولم يأمر برمي الجمار لأن الذكر هو روح الدين ، وهو الأمر المهم منه ، وقد شرع الرمي لأجله ، وأنه إنما شرع حفظاً للتكبير . انتهى .
ولهذا قال هذا الرجل بعد أن ذكر أنه حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة من حادي عشر ذي الحجة إلى آخره ، ما نصه : وذكر الله في هذه الأيام هو التكبير في أدبار الصلاة ، والدعاء عند رمي الجمار . فأتى هذا الرجل من الفرية على الله ورسوله مالا يخفى على أهل العلم ، وذلك أنه حصر أمر الله تعالى بذكره في الأيام المعدودات في الذكر القولي ، المفيد أن الله لم يأمر بالرمي في هذه الأيام . وباليت شعري من إمام هذا الرجل في ذلك ،وجعل هذا الرجل عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو امتثال أوامر ربه والتشريع لأمته وتفسيره لهذه الآية الكريمة ما زعمه من أنه الأذكار القولية فقط ،مستشهداً عليه بما رواه البخاري في صحيحه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما :" أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يُكبِرُ على إثرِ كل خصاة ثم يتقدم ثم يسهل " إلى آخل الحديث ،وبحديث أبي داود ، وفيه " أن ابن عمر كان يدعو هنا بالدعاء الذي كان يدعو به في عرفة " والحديثان لا يدلان على أن رمي الجمار لا يدخل في مسمى الذكر بحال .(6/62)
ولعمري إن أعلم الخلق بمعان القرآن الكريم وبأحكام الحج هو من أُنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم : قد فسر هذه الآية الكريمة بما فعله وأمر به من واجب كرمي الجمرات ،ومايتبع ذلك من الأذكار القولية المندوبات ، وفسرها بذلك علماء الإسلام متبعين بذلك تفسير سيد الأنام ، صلى الله عليه وسلم برميه الجمار تلك الأيام ،وأمره أمته بذلك . وقد غر هذا الرجل في اقتصاره على الذكر القولي اقتصار كثير من المفسرين عليه في تفسير هذه الآية ، فظن عدم دخول رمي الجمار في ذلك ، وهم إنما تركوه لوضوحه .
قوله : فهذا المنسك الذي شرع للذكر والدعاء والتكبير قد انقلب إلى لغو وصخب وتزاحم وتلاكم وفساد كبير .
أقول : ليس الأمر كما زعمه ، ولا الشأن ما توهمه ، بل ذلك المنسك الشرعي هو هو لم ينقلب هذا الانقلاب ، وإنما انقلب تصور هذا الرجل ، وغاية ما هنالك أنه يوجد من بعض جهلة الأعراب .
ونحوهم شيء من ذلك ،وبعضه غير مقصود ، وما كان منه على وجه لا يؤذي به المزاحم أحداً من الحجاج لأجل الوصول إلى أداء ما أوجب الله عليه من هذا النسك على وجهه الشرعي فهذا غير مذموم ، لا في رمي الجمرات ، ولا في المواضع الأخر مما يتصور فيه الزحام كالطواف والسعي ، بل هو من المأمور به شرعاً ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
قوله : وصار الناس لا يذهبون إليه ألا وهم متذمرون للمحاربة وقصد المغالبة ، يمد بعضهم بعضاً ، ويؤيد بعضهم بعضاً .
يقال : هذا من المجازفة الظاهرة . ولو قال : وصار بعض الناس لكان أقرب إلى الصدق .(6/63)
قوله : وصار من الصعب الوصول إليها وتحقق وقوع الجمار فيها . وإن أراد الصعوبة التي تحتمل ـ فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة التي تحتمل ـ فهو نظير ما في الجهاد في سبيل الله من الصعوبة ،وما في صيام رمضان في شدة الصيف من الجوع والعطش الذي جنسه يحتمل ولا يرخص بسبب حصوله في الإفطار والمصير إلى القضاء ،وفي مزاولة هذه الصعوبة والصبر على ما يناله من المكاره من الأجر مالا يعلمه إلا الله . وفي ضمن هذا الكلام من التمهيد لما سيصرح به بعد من سقوط وجوب الرمي مطلقاً من أجل الزحام مالا يخفى .
قوله : وكان لهذا الأمر الذي حقق الخطر ، ووسع دائرة الضرر ، عوامل عديدة ساعدة عليه : منها فتح مشارق الأرض ومغاربها بالآلات الحديثة من كل ما سهل السفر وقصر المسافة ، حتى صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة ، وكأن بلدانها على بعدها بيوت متقاربة . إلى آخر كلامه الطويل ، حوالي هذا التدليل والتعليل .
يقال : الحمد لله . لا ينكر أحد حدوث حصول أسباب جديدة مما سهلت الوصول إلى الحج ،ولكن اشتمل كلامه في ذلك على مجازفات لاتخفى ، وعلى القطع والجزم بأشياء لا يجوز الجزم بها بل هذه أشياء أمرها إلى الله ، وربما يظهر من الواقع ما يكذبها .(6/64)
ولا يفوت على الواقف على ما قررته هاهنا ماعم وطم ودهم وأدلهم من ليل الإدبار عن التسمي باسم الدين ، وتهاون الأكثر من المتسمين به بأركانه الأصولية والفروعية . وبتقدير حصول الحجاج إلى كثرة تبلغ ما تصوره هذا الرجل ، فإن الله سبحانه وتعالى يحدث من أنواع التيسير والتسهيل كوناً وقدراً على يد من يشار من عباده ما يقابل تلك الكثرة ، بحيث لا توجد الصعوبة التي أشار إليها هذا الرجل ، كما أن ربنا سبحانه وتعالى قد شرع ويسر مخرجاً من تلك ا لصعوبة سهلاً مناسباً جارياً على أصول ما بعث به تعالى خير بريته محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الدين السهل السمح الذي هو أبعد شيء عن الصعوبة والآصار والأغلال ، كما سيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى .
قوله : وذلك أن الفقهاء قالوا : إن رمي كل يوم من أيام التشريق يدخل بزوال الشمس ويخرج بغروبها ، وأنه لو رمى قبل الزوال أو بالليل لم يجزئه ، ودليلهم في ذلك ما روى البخاري في صحيحه عن جابر قال :" رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس " .(6/65)
يقال نعم : قالوه لهذا الدليل الصحيح الصريح الذي لا معارض له ، وهو ما ساقه هذا الرجل قوله : فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان . يقال : هؤلاء الذين ذهبوا إلى ذلك متيقنين متحققين أنها سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم هم الصحابة والتابعون والأئمة أجمعون عملاً بقوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } (1) فإن هذا الأمر في الآية الكريمة يشمل ما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم أو بفعله أو تقريره ، وعملاً بقوله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } (2) والأيام المعدودات هاهنا هي أيام التشريق . وهذه الآية الكريمة دليل واضح في وجوب رمي الجمار ، لما فيها من الأمر به .
قوله : ولم يفرقوا بين إمكان الفعل وتعذره ، فكان هذا الفهم هو العامل الأكبر في حصول الضرر ، وتوسيع دائرة الخطر ، لأن التقدير بهذا الزمن القصير قد أفى بالناس إلى الحرج والضيق .
يقال : الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام عندما تقوم الأعذار الشرعية في ترك المأمورات العينية ، يخرجون من ذلك المأزق إلى ما وسعه الله من الرخص الشرعية . إما بالعدول إلى الاستنابة فيما يمكن الاستنابة ،وإما إلى الاكتفاء بالفدية فيما فيه فدية ، كما عرف ذلك في أقوال العلماء المستندة إلى الدليل ، ولا حرج ولا ضيق إلا في حق من لم يعرف الطريق ، ولم يشم رائحة الفهم والتحقيق . قوله : حتى إن هذا ليعد من التكاليف الآصارية ، التي تبطله النصوص الدينية ،وما اشتملت عليه من الرحمة والمصلحة والإحسان والحنان .
__________
(1) سورة الحشر ـ آية 7 .
(2) سورة البقرة ـ آية 203 .(6/66)
يقال : لا يعد هذا من الآصار إلا من انغمس في الإلحاد ، وصرح بما يدل أنه عن الدين قد حاد ، أو منافق قد عاث في الأرض والفساد وتستر بالدين وكان في الحقيقة للدين قد كاد ، أو جاهل قد تزيا بزي أهل العلم وهو منهم في غاية الابتعاد ، فعد ذلك من الحرج ، وتصور أن لا مخرج منه إلا بما أدركه فهمه الذي مرج ، وفارق أفهام السلف الصالح الذين أقاموا من الدين العوج ،وعرفوا الخروج من المضايق بما يسر الله وشرعه من فرج ، وذلك أن الناس إذا عملوا بغث رخصته ، حشدوا جميعاً أو أكثرهم أول النهار خشية حر الشمس أو قبل الفجر فحصل ما فر منه من الزحام ، وفات عليه غرضه الذي حوله قد حام ، لتوسيع هذا الرجل لهم المجال ، وتصريحه بما لم يسبق إليه في الاستدلال ، فإنه صرح ـ كما يأتيك في رسالته ـ بما يقتضي أن حديث " فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال أفعل ولا حرج" أن التحديد في أمثال هذا من باب الاستحباب ، وليس له أي حظ من حكم الإيجاب ، أو يفضي ما قرره إلى تأخيره عن يومه إلى الليل ، فيلقون من مكابدة ظلامه كل ويل ، أو إلى أن يستولي عليهم الكسل ، فيفضي بهم إلى ترك العبادة مطلقاً أو تأخيرها التأخير الموقع في الإثم ، وحينئذ يكون هذا الرجل قد فوتهم المأمور ، وأوقعهم في نظير ما فر منه من المحذور ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ولعمري لا شيء أحسن من الاعتصام بالكتاب والسنة ،والدرج على ما جرج عليه صدر هذه الأمة ،الذين هم القدوة والأئمة ، الذين عرفوا من مراد الله ورسوله تاصيلاً وتفصيلاً ما حرمه أرباب الدعاوي الكاذبة ، الذين صرحوا فيما كتبوه بأقلامهم بما يقتضي أنهم من أزجى الناس بضاعة في الشريعة المحمدية ، وحظهم اللخبطة الشقاشق ، والمخرفة والتحامق ،وقد قدمنا أ،ه معلوم بالضرورة أن هذا الدين الإسلامي هو دين الرحمة والمصلحة رخصه وعزائمه .(6/67)
قوله :" والنبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد في أول النهار ، ثم رمى الجمار بقية الأيام فيما بعد الزوال " والكل سنة ، وإنما فعل هذا وهذا توسعة منه على أمته ، وبياناً لامتداد وقته ،كما وسع عليهم في الوقوف بعرفة في المكان والزمان ، فإنه وقف بها بعد الزوال إلى الغروب عند الصخرات ، وقال :" وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " (1) وقال فيما رواه عروة بن مضرس المزني ، أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمزدلفة ، قال : قلت يارسول الله : جئتك من جبل طيء ، أكللت راحلتي ،وأتعبت نفسي ، ولا والله ما تركت من جبل تحب أو يوقف عليه إلا وقفت عليه فهل يجزيني ذلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد صلاتنا هذه ـ يعني بالمزدلفة ـ ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه "(2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث على أن وقت الوقوف يدخل بفجر يوم عرفة ،وجعل الأصحاب الوقوف إلى الغروب من الواجبات التي تجبر بالدم ، والحديث لا يقتضيه . والله أعلم .
__________
(1) أخرج مسلم . وزاد ابن ماجه " وارفعوا عن بطن عرنة"
(2) أخرجه أصحاب السنن .(6/68)
يقال : مراد هذا الرجل بالسنة هاهنا السنة الاصطلاحية المعرفة عند الفقهاء بتعريف المستحب ـوهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ـ كما يعرف مما سبق من كلامه وما سيأتي منه . ومراده أيضاً أنه كما أن رمي جمرة العقبة يوم النحر أول النهار سنة ،فالرمي في أيام التشريق بعد الزوال سنة ، وأنه يجوز في أيام منى الثلاثة رمي الجمار قبل الزوال ، كما رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة في يوم النحر ضحى ، فقاس رمي الجمار أيام التشريق على رمي جمرة العقبة يوم النحر في توسيع وقته ، فيلزمه حينئذ أن يقيس أيام التشريق على يوم النحر في الاقتصار على رمي جمرة العقبة ولا فرق ،وهذا قياس باطل ، لمخالفته فعله صلى الله عليه وسلم وقد قال مسلم في صحيحه : حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم جميعاً ، عن عيسى بن يونس ، قال ابن خشرم : أخبرنا عيسى عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابراً يقول : " رايت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ، ويقول : لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " .
ورميه صلى الله عليه وسلم في كل يوم من أيام التشريق الثلاثة ثلاث الجمرات بعد الزوال كما في حديث جابر الصحيح ،وحديث ابن عباس ،وحديث ابن عمر : يبطل هذا القياس من جهة الوقت ، ومن جهة عدم اقتصاره صلى الله عليه وسلم فيهن على رمي جمرة العقبة ورميه صلى الله عليه وسلم الجمرات أيام التشريق بعد الزوال يدل على الوجوب ، لأنه فعله صلى الله عليه وسلم مشرعاً لمته على وجه الامتثال والتفسير ، فكان حكمه حكم الأمر .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " شرح العمدة " : والفعل إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر ،وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم"(1) انتهى .
__________
(1) متفق عليه .(6/69)
وما احتج به هذا الرجل من قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة :" وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف" على توسيع زمن رمي الجمار أيام التشريق بحيث يجوز ويجزي قبل الزوال فهو باطل ، إذ من المعلوم عند كل أ؛د أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم عدم تعيين الموضع الذي وقف فيه عند الصخرات لوقفة الحج ، ولهذا قال :" عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة" ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم بمنى :" نحرت هاهنا ومنى كلها منحر"(1) قال ذاك بعرفة خشية أن يظن أن لا موقف في عرفة إلا الموضع الذي وقف فيه عند الصخرات ، وقال هذا في منى خشية أن يظن أن لا منحر إلا في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرات أيام التشريق بعد الزوال " رميت هذا الوقت وكل اليوم وقت رمي" فلما قال في الموقف بعرفة والمنحر بمنى ما قال ولم يقل نظيره في وقت رمي الجمار أيام التشريق تبين الفرق بينهما، وأن الرمي أيام التشريق يختص بالوقت الذي رمى فيه ، وأن الموقف بعرفة والمنحر بمنى لا يختص بالمكان الذي وقف فيه والمكان الذي نحر فيه ، وهذا من أوضح الواضحات .
__________
(1) أخرجه مالك .(6/70)
وتوسيع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الوقوف لامستفاد من حديث عروة بن مضرس ليس توسيعاً إطلاقياً ،وإنما هو توسيع محدود الأول والآخر . فمن وقف في غير عرفة فلا حج له ، ومن وقف في غير الزمن المحدود في حديث عروة فلا حج له ، فمكان الوقوف وزمانه محدودان بالسنة النبوية ،وزمن الرمي وعدده ومكانه محدودة بالسنة النبوية كما تقدم في حديث جابر وغيره ،فمن لم يكتف في أي عبادة من عبادات الحج بمقدار التوسيع الذي وسعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقاسها على توسيع زمن أو مكان عبادة أخرى فقد أخطأ ، وقدم بين يدي الله ورسوله ، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله ، فإن العبادات نوعاً وقدراً ووقتاً وكيفية إنما تتلقى من مشكاة النبوة ، والآراء مطرحة والقياس لا قيمة له إذا أشرقت شمس سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
قوله :وجعل الأصحاب الوقوف إلى الغروب من الواجبات التي تجبر بدم ، والحديث لا يقتضيه .
يقال له : ليس هذا قول الأصحاب فقط ، بل هو قول سائر أئمة الدين وعلماء المسلمين إلا من شذ ، بل ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن ذلك من أركان الحج .
ودليل وجوب بقاء الواقف بعرفة إلى غروب الشمس فعله صلى الله عليه وسلم ، مع قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم"(1) .وتقدم قول شيخ الإسلام في شرح العمدة : إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر .
__________
(1) متفق عليه .(6/71)
…ولا يظن أن بين ما قررناه ها هنا وبين حديث عروة بن مضرس شيئاً من التنافي ، بل ما قررناه يوافق حديث عروة ويفسره ؛ وذلك أنه ليس في حديث عروة ما يدل على جوز الدفع من عرفة قبل غروب الشمس أصلاً ؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم : " وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً " يفسره فعله صلى الله عليه وسلم ؛ إنه وقف المسلمين نهاراً إلى غروب الشمس ؛ فدل على أنه واجب ، وعروة لم يصل إلى عرفة إلا ليلاً فقط ؛ لأنه لو كان قد وقف بها نهاراً مع الجمع العظيم ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فهل لي من حج ، وأكثر ما في حديث عروة صحه حج من وقف بعرفة نهاراً ودفع قبل الغروب ، وقد أخذ الفقهاء بذلك فصححوا وقفته وأوجبوا عليه دماً ظ، كما صححوا وقفة من لم يصل إلى عرفة إلا ليلاً ولم يوجبوا عليه دماً ، وكما صححوا هم وغيرهم وقفة من وقف بعرفة نهاراً وبقي إلى غروب الشمس واعتقدوا أنه هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأو وجوبه عملاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله :" خذوا عني مناسككم " وجمعوا بذلك بين سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
…ومما يدل على عدم جواز الدفع من عرفة قبل الغروب عدم إذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة في ذلك مع ما يلقونه في طريقهم من الزحمة وحطمة الناس ، كما رخص لهم في الدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع لذلك . ومنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عروة " فقدتم حجة " أي صح ؛ فإن عروة لم يسأل إلا عن صحة حجة كما تفيده كلمة : فهل لي من حج يا رسول الله ووجوب الدم لا يمنع صحة الحج ؛ فإن من ترك واجباً من واجبات الحج عامداً أو ناسياً فعليه دم وحجه صحيح ، ويشهد لاستعمال النبي صلى الله عليه وسلم التمام بمعنى الصحة ما في النسائي وأبي داود مرفوعاً " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ثم يكبر الله " الحديث .(6/72)
…قوله : ولو كان الأمر كما زعموا أن ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً بنص قطعي الرواية والدلالة وأرد مورد التكليف العام ؛ إ ذ لا يجوز في الشرع تأخير بيان مثل هذا عن وقت حاجته ، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أوقات معلومة .
…يقال : أولا جباً لهذا الرجل : كيف يكون عدم النهي عن فعل العبادة المقيدة بوقتها المأمور بها فيه دليلاً على جواز فعل تلك العبادة قبل وقتها ، وهل هذا إلا شرع دين لم يأذن به الله ؟! أما يدر هذا الرجل أن العبادات مبناها على الأمر ؟! أيخفى عليه حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " (1) فإنه يشمل بعمومه إحداث عبادة لم تعلم من الشرع . ويشمل بعمومه أيضاً فعل عبادة مأمور بها لكن فعلها الفاعل في غير وقتها الذي أمر بها فيه كمسألتنا ، ويشمل بعمومه فعل عبادة قد أمر به افيه لكن عملها في مكان غير المكان الذي عين أن تفعل فيه . ونظير ذلك لو فعلها في وقتها الذي أمر أن تفعل فيه وفي المكان الذي أمر أن تفعل فيه لكن زاد فيه أو نقص . وزعم هذا الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين المنع من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال منعاً واضحاً بنص قطعي الرواية والدلالة وأرد مورد التكليف العام . زعم باطل ؛ فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة في أيام منى الثلاث بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير منزل منزلة الأمر العام عند جميع أئمة الإسلام .
…ويقال " ثانياًَ " قد ثبت النهي عن رمي هذه الجمرات قبل الزوال ، فروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول : لا ترمى الجمرة حتى تزول الشمس . وهذا له حكم الرفع ؛ لا مسرح للرأي فيه.
__________
(1) أخرجه مسلم(6/73)
…ويقال " ثالثاً " لا تفتقر الأحكام الشرعية الفرعية في ثبوتها إلى اشتراط قطعية السند ؛ بل تثبت بالأدلة الظنية ، إنها الذي يحتاج في ثبوته إلى كون دليله قعطياً هي الأصول والعقائد ؛ فإنه لا يثبت أصل شرعي بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه ، كما لا تثبت العقائد بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه .
فجمع هذا الرجل هاهنا بين عدة أنواع من الجهل :" أحدها" : إقدامه على أن الجمرات ترمى في كل وقت لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نهي صريح .
"الثاني" اشتراطه في أدلة الفروع أنها قطعية .
"الثالث" : تصريحه أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيت رمي الجمار الثلاث أيام منى بعد الزوال بأمر عام ، متخيلاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق أنه فعل فقط ،وأنه لا عموم له ، ولهذا اشتراط كون الدليل وارد مورد التكليف العام ، ولهذا أعرض في رسالته عن حديث " خذوا عني مناسككم" إما عمداً وإما نسياناً له ، سبب وقوعه فيما وقع فيه من الغلط .
وأما استدلال هذا الرجل على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال بعدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ،معللاً بأن المنع من الصلاة أوقات النهي هو لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها . فهو من عظيم جهله ، وذلك للفرق الواضح بين رمي الجمرات وبين نوافل الصلاة المطلقة وصلاة الجنازة ونحوها مما لم يوقت له مما يجوز فعله في كل وقت من ليل ونهار ، لكن نهي عنها في أوقات النهي الخمسة لعلة مشابهة الكفار ونحو ذلك .
أما العبادات المؤقتة من صلاة وطواف ورمي جمار فهي مقيدة بتلك الأوقات ، وفعلها بعد دخولها من جملة شروط صحتها ،ومن لم يعرف الفرق بينهما فهو إلى أن يتعلم أحوج منه إلى أن يفتي ويتكلم .(6/74)
قوله : وكما نهى ابن عباس والضعفة الذين معه بأن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، فبدل الناس قولاً غير الذي قيل لهم فكانوا يدفعون ثم يرمون الجمرة وهم أصحاء أقوياء .
مراد هذا الرجل من استدلاله بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب عن أن يرموا قبل طلوع الشمس على جواز الرمي أيام التشريق قبل الزوال : أنه كما استفيد من نهيه عن الرمي قبل طلوع الشمس المنع ، فإنه يستفاد من عدم النهي عنه قبل الزوال أيام التشريق الجواز .
فيقال : أولاً : إنما يستقيم هذا فيما أصله الإباحة ،والعبادات ليست كذلك ، إنما هي توقيفية ، فما شرعه الله ورسوله مطلقاً كان مشروعاً كذلك ،وما شرعه مؤقتاً في زمان أو مكان توقت وتقيد بذلك المكان والزمان ، ولا يحتاج الحكم على فساد العبادات إذا فعلت قبله إلى نهي عن ذلك ، إكتفاء بالتوقيت الشرعي ، والتحديد الشرعي ومسألتنا من هذا الباب .
فإن قيل : لم جاء هذا النهي في حق ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب ولم يجيء نهي الناس عموماً عن الرمي قبل الزوال أيام التشريق .
قيل : إنما جاء ذلك في حق ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب لعدم إمكان أخذهم مناسكهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في رميهم جمرة العقبة يوم النحر ، لعدم حضورهم معه صلى الله عليه وسلم الحين الذي يصلون فيه إلى جمرة العقبة ، فكانوا محتاجين لتوقيت رمي الجمرة لهم بالبيان القولي منه صلى الله عليه وسلم فإنهم مستغنون عن ذلك بحضورهم معه صلى الله عليه وسلم حين رميه تلك الجمرة واقتدائهم به ، وأخذهم عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم ،كما قال صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني مناسككم" وهكذا هم معه صلى الله عليه وسلم في بقية أعمال الحج التي تعمل يوم النحر وبعده من رمي الجمرات أيام التشريق بعد الزوال .(6/75)
فأول وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر لغير الضعفة مبين من النبي صلى الله عليه وسلم ببيانين (أحدهما): القولي الذي علمه ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب . و(الثاني) : فعله صلى الله عليه وسلم برميه تلك الجمرة بعد طلوع الشمس على وجه الامتثال والتفسير المنزل منزلة الأمر . فما قبل طلوع الشمس ليس بوقت لرمي الجمرة في حق غير الضعفة ، كما أن أول وقت رمي الجمرات أيام منى الثلاثة مبين بفعله صلى الله عليه وسلم الذي فعله على وجه الامتثال والتفسير المنزل منزلة الأمر ، ولم يحتج هنا للبيان القولي لكون ابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب وسائر الضعفة حاضرين معه صلى الله عليه وسلم، مكتفين في معرفة وقت الرمي بفعله صلى الله عليه وسلم ، فكما استفيد من تحديد أول وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر بطلوع الشمس أن ما قبله لا يصح فيه الرمي ، فإنه استفيد من تحديده الثاني لأول وقت رمي الجمرات أيام التشريق بالزوال أنه لا يصح الرمي قبله .
ويقال "ثانياً" مقتضى استدلال هذا الرجل ـ بكون الشريعة المحمدية شريعة اليسر البعيدة عن الآصار والأغلال على جواز الرمي أيام منى قبل الزوال ـ تجويز الدفع من مزدلفة ليلاً مطلقاً ، وهو مقتضى استدلاله عليه أيضاً بحديث " فما سئل يومئذ عن شيء قدِّم أو أُخِّر إلا قال : افعل ولا حرج" وإلا فما الفرق؟ ! أفتكون هذه حججاً إذا كانت في جانبه ، وإذا كانت في جانب سواه لغت وسقطت .(6/76)
ويقال أيضاً : السنة فرقت بين الضعفة وغيرهم ، فجوزت الدفع لهم آخر ليلة جمع ،ولم تجوز لواحد منهم الرمي أيام منى قبل الزوال خشية الزحمة ، مما يعلم به أن التوقيت والتحديد لرمي الجمرات تلك الأيام آكد وأبلغ من التحديد والتوقيت للدفع من جمع . أفيكون المجوزون للدفع لغير الضعفة من جمع قبل الوقت الذي دفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدلين قولاً غير الذي قيل لهم مع وجود جنس الرخصة في حق بعض الحجاج ، ولا يكون من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال الذي لم توجد الرخصة فيه لأحد غير مبدلين قولاً غير الذي قيل لهم ؟ ! هذا في غاية البعد عن العدل والإنصاف .
قوله :ومما يدل على جواز الرمي قبل الزوال ما رواه البخاري في صحيحه ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا مسعر عن وبرة ، قال : سألت ابن عمر متى ارم الجمار قال : إذا رمى إمامك فارمه فأعدت عليه المسألة ، فقال :" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا"(1) .
يقال : هذا الرجل لبعده عن هذا الشأن ، وعدم استحقاقه أن يجول في هذا الميدان ، أصبح كعنز السوء تبحث عن حتفها بظلفها ، وذلك أن حديث ابن عمر هذا أحد أدلة المسلمين ، على أن سنة سيد المرسلين ، صلى الله عليه وسلم وهديه الواجب الاتباع هاهنا أن لا ترمى الجمرات الثلاث أيام منى إلا بعد زوال الشمس ، نظير حديث جابر وغيره من الأحاديث الدالة على توقيت رمي الجمار الثلاث بما بعد الزوال ، وهذا هو صريح حديث ابن عمر المذكور الذي استدل به هذا الرجل على خلاف .. له ، وذلك في قوله لما أعاد عليه وبرة السؤال : كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا . فأخبر رضي الله عنه أن هديه وهدي سائر أصحابا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الرمي في أيام منى الثلاثة بعد زوال الشمس . فانخرط هذا الرجل في سلك الذين بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم .
__________
(1) أخرجه البخاري .(6/77)
والذي غره ما في قول ابن عمر لوبرة حين سأله متى أرم ؟ فقال ابن عمر : إذا رمى إمامك فارمه . فمن أين لهذا الرجل أن هذا الإمام الذي أحال ابن عمر وبرة إلى أن يرمي إذا رمى كان يرمي قبل زوال الشمس ، بل نعلم قطعاً أن هذا الإمام لا يرمي إلا بعد زوال الشمس ، وإلا لزم أن ابن عمر يفتي من سأله بالاقتداء بمن يعلم أنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الرمي ، وهذا في غاية البطلان ، ولا سيما وابن عمر قد اشتهر من تعظيم السنة بما يعرفه كل أحد ، ولا سيما أحكام الحج،وقصته مع الحجاج في وقت الوقوف بعرفة وما وضح له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومه .
وابن عمر رضي الله عنهما راعى هاهنا شيئين لم يراعهما هذا الرجل ، بل قام بالدعاية ضدهما ،وذلك أن ابن عمر عظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعظم طاعة أُولي الأمر : فأحال وبرة هذه الإحالة تنبيهاً على طاعة الإمام وعدم مخالفته فيما لا يخالف الحق ،وعظم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" وهذا الرجل لم يبال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين ، وما تمسك به المسلمون من ذلك إلى زمننا هذا ،ولم يبال بأولي الأمر ، بل دعا إلا خلافهم بالدفع من عرفة قبلهم ، والرمي أيام التشريق قبلهم . وتعليل هذا الرجل إحالة وبرة إلى رمي الإمام بعلة سعة الوقت ،واستدلاله على ذلك بأنه لو كان رمي الجمار مؤقتاً بما بعد الزوال لأحاله إليه من أول مرة ، لأن العلم أمانة والكتمان خيانة . تعليل فاسد ،وتقرير ساقط ، ولا يستقيم إلا بعد أن يتحقق أن ذلك الإمام يرمي قبل الزوال وأن ابن عمر عالم بتلك الحال ، ولن يجد هذا الرجل إلى ذلك سبيلاً .(6/78)
والصواب ـ والله أعلم ـ أن وبرة خشي أو ظن تفويت الإمام السنة بتأخير الرمي عن أول وقته ، فأرشده ابن عمر إلى أن لا يخالف إمامه بشيء لا يخرج عن الحق ، لما في موافقته من المصلحة الظاهرة العامة ولما في مخالفته من أسباب التفرق على الإمام ، المسبب مالا يخفى من الشر والفساد ، فلما كرر وبرة السؤال على ابن عمر رأى أن لا مناص من التنصيص عن الوقت ، فقال :" كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا" ولا منافاة بين جواب ابن عمر لوبرة الأول وبين جوابه الثاني . وهذا الذي قررناه هو الحق بلا ريب ، لما فيه من إعطاء النصوص حقها ، والمحافظة على موقف ابن عمر منها ، وطاعة أُولي الأمر بما لا يخالف الحق ـ فلله الحمد والمنة .
وقد دلت السنة على توقيت رمي الجمرات أيام التشريق بما بعد زوال الشمس من وجوه :
"أحدها " ما رواه البخاري في صحيحه ، حدثنا أبو نعيم إلى آخر ما ساقه هذا الرجل إسناداً ومتناً(1) وقد عرفت دلالته على التوقيت .
"الثاني" ما رواه الجماعة عن جابر رضي الله عنه قال :" رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضُحى ،وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس" .
"الثالث" ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ، قال الترمذي : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري ، حدثنا زياد بن عبد الله ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس" .
" الرابع " ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول :" لا تُرمى الجمرة حتى تزول الشمس" وقد تقدم .
__________
(1) وهو قول ابن عمر " ... كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا " .(6/79)
" الخامس" ما رواه أحمد وأبو داود ،عن عائشة رضي الله عنها قالت :" أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق ، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها " .
قوله : وأما قولهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم العيد من أجل أنها تحية منى . فهذا التعليل لا أصل له شرعاً .
يقال : حدى هذا الرجل على اعتراض الفقهاء في هذا التعليل ظنه أن ذلك تعليل لرمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال وهم لم يعللوا بها لذلك ، ولم يخطر ببالهم أن أحداً يجوز رمي جمرات أيام التشريق قبل الزوال بصفة الحث على الأخذ بذلك حتى يعللوا رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى بهذا التعليل ،وإنما عللوا بذلك بداءته صلى الله عليه وسلم برمي جمرة العقبة قبل نزوله وقبل النحر والحلق ، وحينئذ يعلم غلط هذا الرجل على الفقهاء لفظاً ومعنى ، وسوء تصوره ،وأنه من شدة وجله في سلوك هذا الطريق،وفلسه في العلم والتحقيق ، يحسب كل صيحة عليه ، فسعى في إبطال هذا التعليل بما لا يجدي عليه شيئاً عند التحصيل ، فقال : وبطلان هذا التعليل واضح بالدليل . يريد حديث " فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال : افعل ولا حرج" .
فيقال :" أولاً " : أين إبطال ما تقدم من التعليل من هذا الدليل ؟(6/80)
أدل على هذا بمنطوقه ؟ أو بمفهومه ؟ أو غيرهما من أوجه الدلالة؟ ويقال له :" ثانياً" إن لم يكن في هذا الحديث دليل على صحة ذلك التعليل لم يكن فيه ما يبطله ، بل هو على إثباته أدل منه على نفيه . ولا يرد على هذا جوابه صلى الله عليه وسلم عن التقديم والتأخير يومئذ بقوله" افعل ولا حرج" إما لكون ذلك في حق من لم يشعر ، أو مطلقاً ، إذ لا يدل نفي الحرج على استواء التقديم والتأخير ، بل السنة المستقرة أنه يرمي أولاً ، ثم ينحر ثانياً ، ثم يحلق ثالثاً . فأين عمل استقرت به السنة من فعل يعذر صاحبه لأجل الجهل أو أحسن أحواله نفي الحرج عن فاعله ؟ ! شتان ما بينهما .
قوله : وأما قولهم : إنه خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فنقول : حاشا أن نخالف في سنة من سنن الدين ، أو أن نتبع غير سبيل المؤمنين ، فقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه يوم النحر قبل الزوال ، ثم رمى بقية الأيام بعد الزوال ،وفعله في الأول كفعله الآخر ، و (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (1) .(6/81)
يقال : لقد كفانا هذا الرجل مؤونة الرد عليه ، فقف وانظر وتأمل واعتبر وزن بذلك علم هذا الرجل وعقله ، فإنه جعل مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غايرت بين وقت رمي الجمرة يوم النحر وبين رمي جمرات أيام التشريق ، فرمى صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى ، ورمى جمرات أيام التشريق بعد زوال الشمس ، ولا يكون الحاج عاملاً بقوله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } حتى يفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم من رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى ورمي ما عداها بعد الزوال ، والمسوي بينهن برميهن كلهن قبل الزوال هو عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل . والمقام في الحقيقة غني عن أن يقرر فيه مثل هذا التقرير ، ولكن ضرورة خوض هذا الرجل في هذه الأبحاث بغير علم ومباهتته ومكابرته ألجأتنا إلى هذا التقرير .
قوله : فقولنا بجواز الرمي قبل الزوال ليس من المخالفة في شيء بل هو نفس الموافقة .(6/82)
يقال : إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث أيام منى بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب ، وأنت أيها الرجل رميت قبل الزوال ، فما المخالفة غير هذا؟ ! إذا لم يكن هذا مخالفة فلا ندري ما المخالفة . ورمي جمرة العقبة يوم النحر هي وظيفة ذلك اليوم وعبادته،وأحكامها تختص بها ، كما أن رمي الجمرات الثلاث أيام منى هي وظائف تلك الأيام ، وأحكامها تختص بها ، فلا يكون وقت عبادة يوم معين وقتاً لعبادات يوم آخر سواء . والتوقيت توقيفي، فما وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبادة يوم كان وقتاً لها فقط ، فقياس جمرات منى في الوقت على وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر باطل ، كبطلان التيمم حال وجود الماء ، إذ من شرط القياس عدم النص ، فوقت رمي الجمار أيام التشريق منصوص عليه ، وإن أبيت إلا البقاء على مارأيت ، فقس أيام التشريق على يوم النحر ،واقتصر على رمي جمرة العقبة فقط فإن قلت : لا أفعل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات الثلاث ولم يقتصر على جمرة العقبة .
قيل لك : ولا ترم الجمرات قبل زوال الشمس أيام التشريق ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما رماها بعد الزوال ولم يرم قبله .(6/83)
وأما حكم هذا الرجل على من قال باجزاء رمي الجمرات جميعها إذا أُخرت فلم ترم إلا في آخر أيام التشريق مع منعهم رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال ( بالتناقض) فهو من جهله إنما المتناقض من يمنع تقديم العبادة على وقتها تارة ويجوزه تارة أخرى ، والتسوية بين تقديم العبادة على وقتها وتأخيرها عن وقتها لا يستقيم ، إذ تقديمها على وقتها مبطل لها ، وتأخيرها عن وقتها غير مبطل لها ، إنما فيه التحريم والتأثيم إذا لم يكن معذوراً ، هذا في التأخير المحقق . أما تأخيرها إلى وقت هو وقت لجنسها فلا يحكم عليه بحكم التأخير الحقيقي ، فإنه وقت في الجملة ، كما في حديث عاصم بن عدي(1) .
وزعم هذا الرجل عدم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذهب إليه بناءً على أمرين :
(أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة قبل زوال الشمس .
(الثاني) أن الفقهاء جوزوا تأخير رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق .
وقد قدمت لك بطلان دليله وفحش غلطه فيما ذهب إليه ، وأنه أصر على القياس لزمه التناقض والانتكاس . وبما قدمته يعرف أن تجويزه رمي الجمار قبل الزوال مطلقاً في أية ساعة شاء من ليل أو نهار بناءً على الأمرين الذين وضحت بطلانهما . وبسقوط أصليه اللذين بنى عليهما يسقط ما لديه من بنيان ، ويستقر الأمر على أن لا محيد له عما عليه المسلمون من اقتفاء سنة سيد ولد عدنان ، وأن يرجع عما اشتملت عليه رسالته من الغلط والبهتان .
قولهه : وهذا مذهب طاووس وعطاء .
يقال له (أولاً) أنت مطالب بثبوت ذلك عنهما .
__________
(1) الذي أخرجه الخمسة وصححه الترمذي " أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الابل في البيتوتة عن متى يرمون يوم النحر ، ثم يرمون ليومين ثم يرمون يوم النفر " .(6/84)
ويقال له (ثانياً) من طاووس وما طاووس ، ومن عطاء وما عطاء ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشمس في رابعة النهار ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما حين ناظره من ناظره في متعة الحج ،واحتج مناظره عليه بقول أبي بكر وعمر : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال : أبو بكر وعمر ، وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ،والله يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } (1) أتدري ماالفتنة؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك . أفتترك توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقيت سواه ؟ أفتقيس قياساً السنة تأباه ، وكل من أهل العلم لا يرضاه ؟!
قوله : ونقل في " التحفة " عن الرافعي ـ أحد شيخي مذهب الشافعي ـ الجزم بجوازه ، قال : وحققه الأسنوي ،وزعم أنه المعروف مذهباً ،ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر لمتعجل قبل الزوال مطلقاً ، وهي رواية عن الإمام أحمد ساقها في " الفروع" بصيغة الجزم بقوله : ويجوز رمي متعجل قبل الزوال .
يقال : إن صح هذا النقل عن الرافعي وتحقيقه عن الأسنوي فإن سبيله سبيل ما قبله من عدم الصلاحية أن تعارض به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل لا يصح أن يعارض به مذهب أمامهما ، فضلاً عن أن تعارض به السنة ، وهو مردود بقول الشافعي : إذا خالف قولي قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط .
قوله : فقد علم مما تقدم من هذه الأقوال أن للاجتهاد في مثل هذه القضية مجال ، وأن من العلماء من قال بجواز الرمي مطلقاً قبل الزوال ومنهم من جوزه لحاجة الاستعجال .
__________
(1) سورة النور آية 63(6/85)
يقال :( أولاً) غاية ما علم مما لفقه هذا الرجل هاهنا وجود جنس الخلاف في تجويزه مطلقاً ، أو بشرط، وأنه روى عن بعض المانعين منه قول آخر بالجواز .
ويقال :(ثانياً) ليس كل خلاف يعول عليه ، إنما يعول على خلاف له حظ من الاستدلال ، وما أحسن ما قيل :
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر
وهذا الخلاف الذي ذكره هذا الرجل لا حظ له من النظر مطلقاً كما عرف ذلك مما تقدم ولا يعد مثل هذا الخلاف من العلم إنما العلم هو ما يستند إلى كتاب أو سنة أو قول الصحابة ، ولله در القائل:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين النصوص وبين رأي فقيه
والحق عند النزاع أن يرد ذلك إلى الله ورسوله ، كما قال تعالى { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } (1) والحق أيضاً رد ما تشابهت دلالته من النصوص إلى المحكم منها ، ومخالف ذلك موسوم بزيغ القلب ، قال تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } (2) .
قوله : ولا شك أن الضرورة الحاصلة بنحو الزحام ، المفضي بالناس إلى الموت الزؤام ، أشد من حاجة الاستعجال .
__________
(1) سورة النساء آية 59 .
(2) سورة آل عمران ـ آية 7 .(6/86)
يقال : من جوزه للاستعجال كالحنفية ومنعه مع الضرورة الموصوفة بهذه الصفة ولم يوجد منها مخرج شرعي فلا شك في غلطه حيث فرق بين متماثلين ، بل جوزه في حال ومنعه في حال هي أولى بالجواز، وقول الحنفية في هذا الباب غير مسلم ،ودعوى هذا الرجل الضرورة الموصوفة بتلك الصفة مردودة ، والزحام إنما هو في بعض الوقت لا في جميعه ، والشريعة المحمدية السهلة السمحة دلت على مخرج من هذه الضرورة لو ثبتت خير من هذا المخرج الذي زعمه هذا الرجل وتصوره لتمشيه على الأصول الشرعية ،ومخرجه هو إنما بناه على شفا جرف هار ، فإن الأعذار والضرورات لا تجوز تقديم عبادة على وقتها بحال ، فلا يجوز للمريض ولا غيره أن يصلي الظهر ولا أن يحرم بها قبل زوال الشمس ،وهكذا سائر الصلوات وكافة العبادات الموقتة بالأوقات من فرائض ومندوبات ،وجمع العصر إلى الظهر للعذر الشرعي تقديماً والعشاء إلى المغرب كذلك ليس من هذا الباب ، إذ الوقتان في حق المعذور كالوقت الواحد ، فكما لا يسوغ تقديم رمي جمرات التشريق يوم النحر ، فلا يسوغ تقديمها في يومها على وقتها الخاص بها ـ وهو الزوال .
قوله : وقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له ، ولم يأمره بالرجوع في النهار لرمي الجمار ، وقيس عليه كل من كان له عذر من مرض أو تمريض صديق يتعاهده أو من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته ، ويلتحق به على الأولى كل من خاف على نفسه وحرمه من مشقة الزحام ، والسقوط تحت الأقدام ، ومثله خوف الخفرة من تكشفها أو ظهور شيء من عورتها . فهذه الأعذار كلها وما أشبهها تسقط وجوب المباشرة للرمي .(6/87)
يقال : اشتملت هذه الأسطر من التخليط والكذب والجهل والقول على الله بلا علم ما يعرفه من له أدنى إلمام بالشريعة . ورخصة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته شيء معلوم ، وهو يدل على أن المبيت بمنى واجب ، وعلى الرخصة لأهل السقاية ، وقياس أهل العلم أرباب الأعذار المنصوصة في كلامهم على أهل السقاية شيء معلوم معروف .
واستدلال هذا الرجل بقصة العباس على عدم وجوب الرمي باطل ، فإن أكثر ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعود إلى منى لرمي الجمار . ومن المعلوم أن العباس أعلم من هذا الرجل وأضرابه بأحكام الحج ، وهو لم يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ترك المبيت فقط ، أفيكون استئذانه في ترك الرمي وهما واجبان متغايران ؟!
لا يقول هذا إلا من هو من أجهل الناس بالأحكام ، ودلالة الكلام ، ومن المعلوم أنه يمكن العباس الرجوع إلى منى لرمي الجمار بدون أي مشقة ، وإذا كان وجوب رمي الجمار عليه متحققاً ـ كتحقق وجوبه على غيره ـ فإنه لا يسقط عنه ذلك الواجب المتحقق الوجوب إلا برخصة متحققة ،ولا رخصة هنا في ترك الجمار متحققة ولا مزعومة إلا عند هذا الرجل ، وهذا الرجل لا يدري أي المشروعين آكد : المبيت بمنى لياليه ؟! أم رمي الجمرات نهاره ؟! فالمبيت بمنى إنما شرع بل وجب من أجل رمي الجمار .(6/88)
وأذكر هاهنا بعض أدلة وجوب رمي الجمار : فمنها قوله عز وجل : { واذكروا الله في أيام معدودات } (1) فإن هذا أمر ، والأمر يقتضي الوجوب ، ومنها فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله : " خذوا عني مناسككم" ومنها رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة في تأخير بعض الجمرات ، فإن الرخصة لهم تفيد وجوب الرمي ، ومنها رخصة النبي صلى الله عليه وسلم للعباس في ترك المبيت بمنى ، فإنه من أدلة وجوب الرمي ـ كما سبق ، فإن المبيت بمنى شرع من أجل رمي الجمار ، ووجوب الوسيلة دليل على وجوب الغاية . وقياسه على المبيت باطل لعدم مساواة المبيت للرمي ، فإن الرمي آكد من المبيت لكونه من الغايات ، والمبيت من الوسائل ، ولظهور أدلته ، فإنه ثبت بالدليل القولي بالكتاب والسنة ، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخص لرعاة الإبل في ترك البيتوتة بمنى لم يرخص لهم في ترك الرمي ، فبطل الإلحاق .
وبفرض وجود الزحام الشديد المسبب للموت أو دونه من كسر أو مرض فإنه لا يسقط الفرضية ، غاية ما يسقط المباشرة ، وحينئذ تجوز استنابة الخائف على نفسه غيره في رمي الجمرات كما يستنيب المريض والعاجز ، وهذا هو المخرج الشرعي الذي تقدمت الإشارة إليه .
ولا يجوز أن يقال : العلة التي أسقطت وجوب مباشرة الرمي عن المنوب عنه هي بعينها موجودة في حق النائب ، وذلك للتفاوت بالجلد والقوة . وإذا عذر الخائف على نفسه والضعيف والمرأة إما مطلقاً لأجل هذا الزحام المذكور أو لغيره من الأعذار لم يباشر الرمي إلا نصف الحجيج مثلاً أو أقل . كما أن مما يخرج من معرة الزحام توخي الزمن الذي لا يكون فيه ذلك الزحام المذكور أو لا يوجد فيه الزحام أصلاً . وبهذا يعلم أن للحجاج من الضرر عدة مخارج .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 203(6/89)
ثم سأل هذا الرجل سؤالاً ، ليبدي ما لديه حوله من مقال . فقال : وهل يجب عليه أن يستنيب ؟ أم تسقط عنه سقوطاً مطلقاً ؟ فعند الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم أن يستنيب من يرمي عنه كالمعضوب وإن لم يفعل فعليه دم . لكن يرد عليه قاعدة من قواعد الشرع المشهورة وهي أنه لا واجب مع عجز ، ولا حرام مع ضرورة وأنما ترك للعذر وعدم القدرة على الفعل هو بمنزلة الآتي به في عدم الإثم ، لأن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ولقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } (1) وفي الحديث :" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2) فلم يناسب التضييق بذلك مع العذر ، ولهذا تجب الصلاة بحسب الإمكان ، وما عجز عنه من شروطها وواجباتها سقط عنه ، على أن شروط الصلاة وواجباتها آكد من شروط الحج وواجباته ، فإن واجبات الصلاة إذا ترك منها شيئاً عمداً بطلت صلاته ، وواجبات الحج إذا ترك منها شيئاً عمداً لم يبطل حجه .
يقال : ذكر هذا الرجل جواز الاستنابة في الرمي بشرطه عن الحنابلة والشافعية وغيرهم من العلماء ولم يذكر لهم مخالفاً يبين عدم وقوفه على خلاف في ذلك ، وإنما نصب نفسه مخالفاً للعلماء زاعماً ورود قاعدة " لا واجب مع عجز " على ما ذكروه ، وهي لا ترد عليهم بحال ، فإنهم أسقطوا عنه واجب المباشرة تمشياً مع هذه القاعدة الشرعية ولا يلزم من سقوط واجب المباشرة أن لا يجب شيء آخر .
__________
(1) سورة التغابن ـ آية 16 .
(2) رواه مسلم .(6/90)
فإن من العبادات ما يسقط وجوبه للعجز عنه إلى بدل : كواجب القيام في الصلاة ، وكواجب الغسل من الجنابة ،وواجب الوضوء في الصلاة وغير ذلك . ومنها ما يسقط إلى غير بدل كالطهارة في حق عادم الماء والتراب ، وأمثلة ذلك معروفة ، كما أن من العبادات ما تدخله النيابة ، ومنها مالا تدخله النيابة ،ودخول النيابة في العبادة وعدمه هو على حسب خفة العبادة في نفسها وعدمها ، فإن العبادات المالية والمركبة منها ومن البدنية يسوغ فيها من النيابة ما لا يسوغ في العبادات البدنية المحضة ، فالصلاة لكونها عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة بحال . أما الصيام فجوزها أحمد في صوم النذر خاصة لخفته لكونه لم يكن واجباً في أصل الشرع ، ومنعها فيما عداه .
وجوزه آخرون ، وقول أ؛مد : أقعد . والزكاة تدخلها النيابة فيجوز لزيد أن يؤدي من ماله زكاة مال عمرو بإذنه ، فيكون كالوكيل له ، كما يجوز لزيد أن يستنيب خالداً في تفرقة زكاته ، والحج عبادة مركبة من مال وبدن فتدخله النيابة في رمي الجمار ، وليس ذلك التضييق في شيء .
قوله : ورمي الجمال ليس من الشروط ولا من الأركان ،وإنما غاية ما يقال فيه : إنه واجب من الواجبات يؤمر به مع القدرة وليس في تركه مع العجز دم ، لأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار ،وهذا لم يترك مأموراً بالاختيار ولا فعل محظوراً ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر العباس أن يستنيب في الرمي ، ولا أن يجبره بدم ، على أن مبيته مستلزم لترك الرمي ، إذ لم ينقل عنه أنه رجع إلى منى بالنهار لقصد رمي الجمار ، ومثله رعاة الإبل ، فإنه لم يأمرهم باستنابة من يبيت مكانهم لأنه ممكن .
يقال : قول هذا الرجل : غاية ما فيه ـ يعني الرمي ـ أنه واجب .
هذه شنشنة أعرفها من أخزم ، وتقدم في كلامه ما يبدو منه عدم اعتقاده وجوب الرمي ، وبينا هنالك بطلانه .(6/91)
وما صرح به من أن تارك واجب الحج عجزاً لا دم عليه ، معللاً بأن الدم إنما يكون في ترك المأمور وفعل المحظور بالاختيار .
باطل ، وجهل صرف ، وذلك أن قاتل الصيد في الإحرام يجب عليه الجزاء قتله بالاختيار أو بغير الاختيار ، وحالق الرأس تجب عليه الفدية إذا حلقه لعذر كما وقع لكعب بن عجرة ، وفيه نزلت : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } (1) والمحصر يجب عليه ما استيسر من الهدي وهو لم يترك الواجب اختياراً .
وتقدم الجواب عن استدلاله على عدم وجوب الرمي على السقاة بقصة العباس ، وأن قصته من أدلة وجوب الرمي . وعدم نقل رجوع العباس إلى منى بالنهار لرمي الجمار لا يدل على أنه لم يرجع للرمي ، لأنه ليس مما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله ، للاستغناء عنه بالعلم بأصل الوجوب الذي لا يسقط إلا بدليل صريح والمبيت بمكة لا يفوت الرمي ، والمبيت بمنى يفوت على العباس سقايته ، ومجرد رمي الجمار لا يفوت عليه سقايته ، لطول زمن المبيت وقصر زمن الرمي ، ولا مشقة على العباس في مجيئه في اليومين الأولين من أيام منى ، فالجمع بين المبيت بمكة ورمي الجمار بمنى ممكن بدون مشقة .
ولا يوافق هذا الرجل على أن استنابة رعاة الإبل من يبيت عنهم ممكن ، بل ذلك غير ممكن شرعاً ، كما هو معلوم في موضعه .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 196 .(6/92)
قوله :وكما لا تجوز الاستنابة في الوقوف بعرفة ، ولا مزدلفة ،والحلق ، ولا التقصير ، ولا المبيت بمنى ، فهذا منها . يقال : ليس في جواز الاستنابة في هذه المذكورات وعدمها ما يدل على المنع من الاستنابة في رمي الجمرات ، فإنه مستفاد من دليل مستقل ، معضود بالأدلة الدالة على جواز الاستنابة في أصل الحج ، فإن بين واجب رمي الجمرات وغيرها من واجبات الحج فروقاً شرعاً معروفة ، فلا يلزم من منع الاستنابة في بقية واجبات الحج منعها في رمي الجمرات . وبطريق الأولى الأركان ، فإنه لا يلزم من منع الاستنابة فيها منع الاستنابة في الواجبات ، فقياس الواجب على الركن باطل ، إذ من المعلوم الفرق شرعاً بين العاجز عن الركن والعاجز عن الواجب ، كما علم الفرق شرعاً بين تارك ركن الحج عمداً وتارك واجبه ، وقياس واجبات الحج على واجبات الصلاة غلط ظاهر ، لما بينهما من الفرق .
قوله : ومن التناقض العجيب قولهم: إن العذر في المبيت يسقط الدم والإثم ،والعذر في الرمي يسقط الإثم دون الدم . فإن هذا تفريق بين متماثلين لا يقتضيه النص ولا القياس ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن صفية :" أحابستنا هي . قالوا : نعم قال : وهل أفاضت قالوا : نعم قال : فالتنفر إذاً"(1) والوداع معدود من الواجبات ، ولم يوجب في تركه للعذر دماً .
يقال : لا تناقض بحمد الله ، بل هو جار على أصول الشريعة المحمدية البعيدة كل البعد عن التناقض ،والنبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فرخص للرعاة في ترك المبيت ولم يرخص لهم في ترك الرمي ، فثبت الفرق بين المبيت والرمي برخصة النبي صلى الله عليه وسلم للسقاة والرعاة في ترك المبيت وعدم رخصته لهم في ترك رمي الجمرات ، وعلم من ذلك أن تفريق العلماء بينهما تفريق في محله .
__________
(1) أخرجه الستة .(6/93)
وأيضاً من المعلوم أن شرعية المبيت ووجوبه من باب الوسائل ،وشرعية رمي الجمار ووجوبه من باب الغايات ،ويدخل في الوسائل من الرخصة للحاجة مالا يدخل في الغايات ، ولا يسوى بين الوسائل والغايات إلا من هو أجهل الناس .
وأيضاً ورد من الأدلة الشرعية على شرعية الرمي ووجوبه ما لم يرد مثله من المبيت ، وقد تقدم ذلك .
وسقوط الوداع عن الحائض إلى غير بدل لا حجة فيه على سقوط كل واجب بالعذر إلى غير بدل ، فإن الحيض في الحقيقة يمنع فعل تلك العبادة ووجوبها كما يمنع فعل الصلاة ووجوبها ، بخلاف مسألتنا . مع أن الوداع مختلف فيه ، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة ، وأوجبه آخرون واختلفوا في حق من هو . فقيل : في حق الحاج فقط . وقيل : في الخارج من مكة مطلقاً .
قوله : إذا ثبت هذا ، فإن الصحيح الذي ندين به وندعو الناس إليه : هو أن المعذور بمرض أو ضعف حال أو من يخاف على نفسه حطمة الرجال فإنه يسقط عنه الرمي سقوطاً مطلقاً بلا بدل ، كما سقط المبيت عن الرعاة والسكاة ،وكما سقط طواف الوداع عن الحائض وهو معدود من الواجبات . ولا نقول بوجوب الاستنابة في هذه الحالة ، لعدم ما يدل عليها ، ولأن الله سبحانه { لا يكلف نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } (1) .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 268 .(6/94)
يقال : يتبين مما قدمناه بطلان ما قرره هذا الرجل ، وأنه من الثبوت بمكان بعيد ، ودللنا على بطلانه بما ليس عليه من مزيد ، ومن سوء نظره لم يقتصر على نفسه في عجره وبجره ، بل دعا إلى ذلك بما ألف وجمع ، ونشر وطبع ،ولكن يأبى الله ورسوله والمؤمنون ، فلا يسقط رمي الجمار عن المعذور ،وإنما يسقط عنه المباشرة فقط ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقط عن الرعاة ، ولأن الأصل هو الوجوب ، فلا يسقط إلا بدليل شرعي ، ولا دليل ، بل الأمر كما عرفت في رعاة الإبل . وقياسه على المبيت فاسد ، لوجود الفارق كما تقدم . وهذا الرجل يهذي ولا يدري ، بل يجب على المعذور أن يستنيب ، لدليلين شرعيين (أحدهما ) ما ثبت من السنة في جواز النيابة في جميع الحج ، فكما تدخله النيابة في جميعه تدخل في بعضه بشروطه المبينة في كلام أهل العلم (الثاني) ما ورد من النيابة عن الصبيان فيما يعجزون عنه من الرمي والتلبية ، وقد ترجم على ذلك ابن ماجه في سننه فقال (باب الرمي عن الصبيان) :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن أشعث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال :" حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم"(1) وقد مر بك قريباً الجواب عما استدل به من سقوط طواف الوداع عن الحائض من غير بدل ، واكتفيت بذلك عن إعادته ها هنا بما يكفي .
__________
(1) رواه مسلم .(6/95)
قوله : والأمر الثاني أنه يجوز رمي الجمار في أية ساعة شاء من ليل أو نهار ، وكلام الأئمة في تحديد وقته بما بين الزوال إلى الغروب إنما يحسن الإفتاء به والعمل بموجبه في حالة القدرة والسعة ، لا في حال الضيق والمشقة ، فلا يفتي بالإلزام به في مثل هذا الزمان إلا من يحاول حطمة الناس وعدم رحمتهم . والفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فلو كان التقدير بهذا الزمن القصير شرطاً لسقط للعجز عن أدائه ، أو لجاز تقديمه محافظة على فعله ، لأن الجزم بلزومه مستلزم للحكم بسقوطه ، حيث أنه صار في حق أكثر الناس من تكليف ما لا يستطاع .
إذا شئت أن تعصى وإن كنت قادراً فمر الذي لا يستطاع من الأمر
يقال : لا ريب أن هذا شرع دين لم يأذن به الله ، والعلماء به وأهل خشيته لا يجرؤون هذه الجراءة العظيمة ، فينطقون بهذه الجملة الشاملة العميمة ، إنما النطق بمثلها يكون ممن إليه التشريع صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم : " يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار " .
لقد جهل هذا الرجل نفسه . وتحت هذه الجملة من الجهل والقول على الله ورسوله ما لا يعلمه إلا الله ثم العلماء بشرعه ودينه .
وقضية هذا العموم أن من رمى أية ساعة من ليلة النحر أو غيرها من الليالي أو أية ساعة من يوم عرفة أو ما قبلها أو ما بعدها من يوم النحر وأيام التشريق أو ما بعد أيام التشريق أجزأه ، كالعموم الذي تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم في الطواف بالبيت والصلاة عنده :" أية ساعة شاء من ليل أو نهار"(1) .
فإن قيل : لا يلزم من إطلاقه هذا العموم والشمول .
قيل : بلى ، لأن المقام مقام توقيت وعدمه فيكون إطلاقه نافياً للتوقيت مطلقاً .
إذا علم هذا فإن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال : بالكتاب والسنة والإجماع .
__________
(1) أخرجه الخمسة .(6/96)
أما الكتاب ، فقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } (1) .
وأما السنة فرميه صلى الله عليه وسلم بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب ، كما في حديث جابر ، وحديث ابن عمر وحديث ابن عباس ،وحديث عائشة ،وقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " وقد تقدمت .
وأما الإجماع فأمر معلوم ، وقد نص عليه في بعض كتب الخلاف والإجماع . ولا يرد عليه ما ذكره هذا الرجل عن طاووس وعطاء وغيرهما فإن هذا لا يعد خلافاً أبداً ، ولا يعتبر خلافاً عند العلماء ، لأنه لاحظ له من النظر بتاتاً ، بل هو مصادم للنصوص .
وأيضاً كلامه هذا مناقض لما قدمه من نهي النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وأُغيلمة بني عبد المطلب أن يرموا قبل طلوع الشمس مما يدل على أن الرمي موقت محدد .
وزعمه أنه لا يحسن الإفتاء بتحديد وقت رمي الجمار أيام التشريق بما بين زوال الشمس وغروبها في مثل هذا الزمان . إلى آخره .(6/97)
يقال : التوقيتات الشرعية للعبادات لا تتغير الفتوى فيها أبداً وقائل ذلك يلزمه في هذه المقالة ما لو طرد لأتى بالأبطال على أكثر العبادات الشرعية المؤقتة بالأوقات بإخراجها عن وقتها بتقديمها عليه المفوت شرط صحتها وغير ذلك ، وتوقيت الرمي زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو وقته اليوم ووقته إلى يوم القيامة . والمريض الشديد المرض وغيره من أرباب الأعذار لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بدون نية الجمع بشرطه ، كما لا يجوز له إجماعاً تقديمها أو بعضها على وقتها . فما بين زوال الشمس وغروبها هو وقت الرمي مطلقاً ، لما تقدم . فإذا تحقق العذر في ترك مباشرة الرمي انتقل إلى البدل المدلول على صحته بالسنة كما تقدم ، ودل على وجوبه قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } (1) فإن تقوى الله سبحانه ليست مختصة بالمباشرة ـ كما فهمه هذا الرجل مما يقتضي أن الإنسان إذا عذر في ترك المباشرة يبقى غير مأمور بتقوى الله ـ بل هو وإن عذر في المباشرة يبقى عليه من تقوى الله أشياء أخر ، وذلك بأن يصير إلى البدل فيما له بدل ، وبأن يستنيب فيما تدخله النيابة وأن يفدي فيما تجب فيه الفدية . وحينئذ يعرف أنه لا ملازمة بين الرخصة في عدم المباشرة للواجب وبين أن يبقى الإنسان غير مأمور بالتقوى فتقوى الإنسان الصحيح أو المريض القادر على القيام ربه هي أن يصلي الفرض قائماً . وتقوى من لا يقدر على القيام ربه أن يصلي جالساً . وتقوى العاجز عن الصلاة جالساً ربه أن يصلي مضطجعاً .
__________
(1) سورة الحشر ـ آية 16 .(6/98)
قوله : والعاقل إذا رأى ما يفعله الناس عندها يعلم على سبيل اليقين أن فعلهم بعيد عن مقاصد الدين ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يتعبد عباده بالهلكة وأنه لا بد أن يوجد في الشريعة السمحة ما يخرج الناس عن هذه المآزق الخطرة إلى الرحب والسعة ، لأن من قواعد الشرع أنه إذا ضاق الأمر اتسع ، والمشقة تجلب التيسير وأنه يجوز ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما .
يقال : لا يسلم لهذا الرجل ما زعمه من بعد الزحام عن مقاصد الدين ، بل البعيد عن مقاصد الدين هو ما كان من ذلك مقصوداً بذاته لمن يرمون الجمار ، وما كان زائداً عن الزحام من ضرب أو دفع ونحو ذلك . أما ما هو من الزحام من لوازم وضروريات الاجتماع على هذه العبادة والحرص على أدائها ليخرج من العهدة بيقين مما لا يؤذي به أحداً فإن ذلك ينسب إلى الدين ، ولا حرج ولا عار على من زاحم على واجب العبادة ، وفي الزحام على مندوباتها كتقبيل الحجر الأسود ونحوه الخلاف . وبكل حال ففي الشريعة السمحة مما يتخلص به من الزحام الشديد بترك مباشرة الرمي للعذر الشرعي بالعدول إلى الاستنابة الشرعية ، وهذا من الرحب والسعة التي اشتملت عليها الشريعة .
ولكن هذا الرجل يأبى قبول سعة الشريعة التي هي سعتها على الحقيقة مما لا يكون ناقضاً لأصل العبادة ، ويدعو إلى سعة مزعومة مفتراه مزيفة فيها من تفويت شرط صحة العبادة ما يعرفه أهل العلم بدليل الكتاب والسنة والإجماع ، فلو لم يكن على الرخصة ا لشرعية في جواز الاستنابة في الرمي دليل شرعي معين لكانت أولى بالأخذ بها وسلوك سبيلها في التسهيل ودفع المشقة من رخصة قد استوت مع هذه الرخصة في عدم الدليل مثلاً ، إذ رخصته بالتجويز قبل الوقت مع فقدها الدليل مصادمة للدليل ، ورخصة المسلمين بجواز الاستنابة في الرمي مع استنادها إلى الدليل لم تصادم الدليل . فأين هذه من هذه لو كان هذا الرجل يدر السبيل ، ويعول على الدليل ، ويجانب الفلسفة والتخييل .(6/99)
ويخشى على هذا الرجل أن تتناوله هذه الآية الكريمة : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } (1) فيحرم الرجوع والمتاب ، ويصمم على ما أملاه عليه فكره في ذلك الكتاب ، بل يخشى عليه أعظم من ذلك وهو ضلال الجهال في تلك المسائل التي أساء فيها المقال ،كما يخشى عليه ما هو أعظم من ذلكوأطم من فتح باب إلغاء النصوص ، ومساعدة شطار اللصوص ، المعدين لنقض أحكام الشريعة بالخصوص .
وما ذكره : من أن الأمر إذا ضاق اتسع . هو حق ،ولكنه به ما انتفع ، لحصر سعته بما صور وابتدع ، والغى رخص من تقيد بالرخص الشرعية واتبع .
قوله : يبقى أن يقال : إن الناس لا يزالون يحجون على الدوام وفيهم العلماء الأعلام ، وجهابذة الإسلام ،ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال ولا فعله بنفسه . وأجاب عن هذا السؤال الذي أورده قائلاً : إن هذه المقالة شنشنة أهل الجمود المتعصبين على مذهب الآباء والجدود ، فهم دائماً يدفعون الدليل بمثل هذا التعليل ، وقالوا : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } (2) .
__________
(1) سورة النساء ـ آية 115 .
(2) سورة الزخرف ـ آية 23 .(6/100)
يقال : من عناية الله تبارك وتعالى لدينه وشرعه أن يجري على لسان من خالف الحق ما هو من أقوى الحجج عليه . فهذا الرجل اعترف ها هنا بأن العلماء الأعلام وجهابذة الإسلام على الدوام يحجون ولم يعهد عن أحد منهم أنه جوز الرمي قبل الزوال ، ولا فعله بنفسه . فلقد صدق ،وبالحق ها هنا نطق . وهذا مما يأتي على جميع ما مر من مفترياته بالهد والنقض ، وإمامهم في عدم تجويز الرمي قبل الزوال هو سيد الأنام ، صلى الله عليه وسلم ، فلعمري ما فعله ولا جوزه ، وهم كذلك ما فعلوه ولا جوزوا ، فليقم هذا الرجل البرهان على التجويز ،وليرم هؤلاء الأئمة الأعلام بما لديه من السهام ،وإذا فعل حصل الوئام ، وانتفى عنه الملام ، ولكن كلا وهيهات أن تشتمل كنانته من السهام ، ما يصلح لهد حصن الأئمة الأعلام ، وجهابذة الإسلام ، الذين يحجون على الدوام ،ولم يجوزوا لأحد حج معهم من الأنام ، أن يرمي قبل الزوال ، ولم يخالفوا شرع إمام كل إمام ، فضلاً عن أن تصلح لأن يقذف بها هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته الثابتة من فعله التشريعي الخارج مخرج الامتثال والتفسير المقتضى للوجوب ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني مناسككم " .
وقد تصور هذا الرجل أن طاووساً وعطاءً والرافعي والأسنوي يصلون أن يتعارض أقوالهم نصوص الكتاب والسنة والإجماع وغيرهم .
بقي لدى هذا الرجل سهم واحد رمى به أئمة الإسلام والعلماء الأعلام الذين يحجون على الدوام ،ولم يقدموا الرمي قبل الزوال ولم يجيء عنهم تجويزه بحال , وظن أنه لا يبقى لهم باقية ، وأن رميته إياهم به تكون هي القاضية ،وبعد أن وسمهم بالجمود والتعصب على مذهب الآباء والجدود ، وذلك ا لسهم هو قوله تعالى: { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } ولعمري لئن كانوا هكذا ،وإمامهم في مسلكهم ذلك خير الورى ، فعلى الدنيا العفى ، لانتشار الجهل والجفى واقفار أرضها من القول بالحق والوفى .(6/101)
وقد أحس هذا الرجل ها هنا بأنه وقع في أسوأ ورطة فقال : وبالتأمل لما قلناه يعلم أن كلاً منا ليس بأول مطر صاب أرض الفلاة ، ولا هو بأول أذان أُقيمت له الصلاة .
فوجد وحشة الوحدة ، وظلمة فقد الحجة ، فسلى نفسه بذكر من تصور أن قولهم بمثل مقاله ينفي الوحدة . ولعمري ما له في هذا الطريق من رفيق . وهؤلاء الدين اعتمدهم في مسلكه ، لم يشاركوه في سوء صنيعه ومهلكه ، فهم إن صح النقل عنهم إنما هو القول بالجواز ، لا الرد على العلماء ، ولا السعي في أن يجمعوا على خلاف السنة ، والخروج عن طريق أهل الجنة جميع الورى ، ولم يرموا واحداً من الأمة بالجمود ، والتقيد بدين الأباء والجدود ، فضلاً أن يرموا بذلك كافة العلماء . وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة ، وأول بوق آذنٍ برفض السنة أصغى إليه الجفاة . فو الله ما دعا قبله إلى هذه المقالة من إنسان ، ولا جلب بخيله ورجله في زلزلة مناسك الحج ذو إيمان .
قوله : وقد سبق تسمية من قال بجوازه مطلقاً ، وأنه مذهب الطاووس وعطاء ،وجزم به الرافعي ، وحققه الأسنوي ، وهو مذهب الحنفية ،ورواية عن الإمام أحمد في المتعجل .
يقال : إن أراد أن هؤلاء تصلح أقوالهم لمصادمة السنة كفانا مؤونة الرد عليه . وإن أراد المسألة خلافية فالذي عليه أهل العلم قاطبة أن مثل هذا الخلاف لا يعد خلافاً ،ومستندهم من الاصول الشرعية في ذلك مقرر في كتب الأصول وغيرها .(6/102)
قوله : فقول هؤلاء العلماء في توسعة وقته هو مما تقتضيه الضرورة وتوجيه المصلحة في مثل هذه الأزمنة ، على أنه لا يصادم نص الشارع بل يوافقه . ولو لم يرد أنه رمى يوم العيد قبل الزوال ، ولا قال لمن سأله عن التقديم والتأخير :" إفعل ولا حرج" لكان سكوته عن بيانه هو من العفو الدال على جواز فعله ، فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عفوه ، واحمدوه على عافيته { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } (1) { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله ك ان بكم رحيماً } (2) .
يقال :(أولاً) الأوقات التي وقتها الله ورسوله للعبادات ليس لأحد من العلماء تغييرها بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان ، فإن التوقيت من الدين ، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله .
(ثانياً) لا تسلم الضرورة التي زعمها هذا الرجل ، وقد قدمنا في ذلك ما يكفي .
(ثالثاً) إن سلم وجود الضرورة فالمخرج منها بالرخصة الشرعية وهي الاستنابة ، وقد قدمنا دليل جوازها ، وأنها هي الحقيقة بأن تسمى رخصة ، وأن ما رآه هذا الرجل هو من شرع دين لم يأذن به الله .
(رابعاً) أن القول بجواز تقديم رمي أيام التشريق على وقته مصادم للنص ، والنص هو كما تقدم رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال في ثلاثة الأيام جميعها تشريعاً منه للأمة : من حيث المكان ، ومن حيث العدد ، ومن حيث الزمان . ففعله ذلك صلى الله عليه وسلم على وجه الامتثال والتفسير يكون للوجوب من حيث المكان والزمان والعدد لا فرق بينهن في ذلك .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 196 .
(2) سورة النساء ـ آية 29 .(6/103)
(خامساً) يقال : لو أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى في يوم من أيام التشريق الثلاثة قبل الزوال ورمى في اليومين الآخرين بعد الزوال لساغ الاستدلال به على جوازه في اليومين الآخرين ، ولا أظن أحداً من الأمة سبقه إلى هذا الاستدلال ، فهو استدلال ساقط ، ولا نكون ممتثلين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " إلا بأن نغاير بين يوم النحر وأيام التشريق في وقت الرمي وهذه العبادة ـ أعني رمي جمرة العقبة يوم النحر ـ وإن كانت بصورتها مثل رمي أيام التشريق فقد فارقت غيرها في عدة أحكام : منها أنها إذا فعلت مع التقصير أو فعلت مع طواف الإفاضة حصل التحلل الأول ، وإذا فعلت مع الإثنين الآخرين حصل الحل كله ، ولم يثبت شيء من ذلك للجمرات أيام التشريق ، فامتنع قياس رمي أيام التشريق عليها .
هذا لو لم يخصصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوقت ، فكيف وقد خصصها به .
فعسى هذا الرجل أن ينتبه من غفلته ، ويستيقط من رقدته ، ويتوب إلى الله من التهجم على أحكام شرعه ودينه بما ليس من العلم في شيء . والحمد لله على وضوح النهار وجلاء الغبار .(6/104)
(سادساً) لا دليل في قوله صلى الله عليه وسلم يوم النحر لمن سأله عن تقديم الحلق على الرمي ونحو ذلك بقوله :" إ فعل ولا حرج" على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال أصلاً وذلك أن التقديم والتأخير الذي نفى النبي صلى الله عليه وسلم الحرج عن فاعله مختص بأعمال يوم النحر التي هي : الرمي والنحر ، والحلق أو التقصير ، وطواف الإفاضة ، كما هو معلوم لكل أحد يفهم عن الله ورسوله من قوله في الحديث "يومئذٍ" ولو لم ترد هذه الكلمة لما كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم " إفعل ولا حرج" دليل على أن جنس التقديم والتأخير في أيام منى وغيرها بالنسبة إلى الحج غير جائز ، بل يكون ذلك مختصاً بتلك المسألة التي سئل عنها ، وذلك أن كلمة : " إفعل ولا حرج " لا عموم فيها والعموم إنما هو في قول الراوي :" فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج " ولهذا احتاج إلى التقييد المفيد اختصاصه بأعمال ذلك اليوم بقوله :" يومئذ" التي منعت أن يلحق بهذا اليوم سواه . فتبين ها هنا بطلان قياسه على رمي جمرة العقبة يوم النحر وإفلاسه من دلالة حديث " فما سئل يومئذ عن شيء" إلى آخره على مراده ، فبقى سفر اليدين من المستند ، ورجع بخفي حنين فيما قصد .
وكان من أدلة هذا الرجل على جواز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال عدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، كما يفهمه قوله ها هنا : فما سكت عنه فهو عفو . بل صرح به فيما سلف من رسالته .
فيقال : إن صح لك هذا صح لك أن تجوز الرمي بأكثر من سبع حصيات لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك .(6/105)
فإن قلت : لا أفعل ، لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم سبع مع قوله :" خذوا عني مناسككم " قيل لك : لم لا تقتصر على الوقت الذي رمى فيه محتجاً بقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم" فإننا لا نكون آخذين عنه مناسكنا حقاً إلا إذا رمينا بسبع حصات كما رمى ، ورمينا المكان الذي رمى ، وصدر منها ذلك في الزمان الذي رمى فيه ، فإن اعتبار الزمان للعبادة هو أحد التوقيتين ، فإن لهذه العبادة توقيتين : مكاني ، وزماني . وهما أخوان ، فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع الله .
وأيضاً لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي غير الجمرات الثلاث . أفيسوغ لنا أن نستدل بعدم النهي على أن نرمي موضعاً رابعاً . سبحانك هذا بهتان عظيم . وقد قدمت أن الرخص الشرعية لون ، وتقديم العبادات على وقتها لون آخر .
وسيجد قارئ هذا الجواب تكراراً في مواضع حدانا عليه تكرار هذا الرجل فكررنا كما كرر ، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
(1346 ـ ترتيب رمي الجمار)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن علي القحطاني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
كتابك لنا المؤرخ في 26/12/1387هـ وصل وقد ذكرت فيه أنك حججت وأديت مناسك الحج ، إلا أنك في يوم 11/12/1387هـ
رميت الجمار بعد الزوال الكبرى ، ثم الوسطى ، ثم الصغرى ، وبت ليلة 13 ـ 12 ـ ونزلت إلى مكة ولم ترم جمار ذلك اليوم فما الذي يلزمك ؟(6/106)
والجواب : إذا كان الأمر كما ذكرته فالرمي الذي وقع منك في يوم 11 ـ 12 رمي منكس ولا يصح ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى رمياً مرتباً وقال : " خذوا عني مناسككم" والأمر يقضي الوجوب . وأما الرمي في يوم 13 فواجب وقد تركته . وبناء على ذلك فيجب عليك عن الجميع فدية واحدة ، تذبحها في الحرم ،وتوزعها على مساكينه ، فإذا لم تستطع فإنك تصوم عشرة أيام . يكون معلوماً . والسلام عليكم . (1) .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 439 ـ 1 في 8/2/1388هـ)
(1347 ـ وجوب الفدية على من ترك المبيت بمنى)
من محمد بن إ براهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس الحرس الوطني الأمير خالد بن سعود حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم حفظك الله من خصوص اللواء الثاني الذين سأل سموكم عنهم . فهؤلاء يجب على كل فرد منهم فدي ذبيحة ، وليس حكم هذا الفدي حكم ذبائح النسك في الذبح بمنى ، بل يذبح هذا الفدي بمكة ، ويفرق على الفقراء ، سواء من أهل مكة أو من فقراء الحجاج الذين قد ثبت فقرهم من رفقتهم وغيرهم من جميع الحجاج ، ولا يأكل الرجل الذي لحقه هذا الفدي منه شيئاً ، فإن لم يجد الفدي فيصوم عشرة أيام . والسلام عليكم .
(ص ـ م بتاريخ 11/12/1376هـ)
(1348 ـ قوله : ولا مبيت على سقاة ورعاة)
ثم بقية المعذورين هل يلحقون بالسقاة والرعاة ؟
المرجع هو أن غيرهم مثلهم : مثل من كان له في مكة مال يخشى عليه ، أو حرم يخشى عليهم ، أو غير ذلك ، فإن له ترك المبيت . (تقرير)
(1349 ـ الوداع)
عند قوم أنه من خصائص مكة وليس من واجبات الحج ،وعند آخرين أنه من واجبات الحج . وممكن الجمع وهو : أنه من واجبات الحج ، ومن واجبات من أراد الخروج من مكة . وذهب بعض إلى أنه سنة ليس بواجب ،وهو مذهب مالك ، والجمهور على وجوبه . (تقرير)
(1350 ـ إذا سافر من منى )
__________
(1) وانظر جواز تأخير رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق في رسالة " تحذير النسك" .(6/107)
يفهم من قوله : بعد عوده إليها ـ إلى مكة من منى ـ أنه لو طاف طواف الإفاضة وسعى ثم رجع إلى منى أن عليه وداعاً . فهل هذا المفهوم مراد ؟ أو لا ؟ الأحوط كون الإنسان يرجع إلى مكة من منى ، ولا يقول كفاني طواف الزيارة عن الوداع ، إلا على قول صاحب الإقناع ونسبه للشيخ تقي الدين .
(تقرير) (1) .
(1351 اذا طاف للوداع قبل اكمال الرمي )
وأما من مسكنه في جدة وطاف طواف الإفاضة قبل أن يخلص الرجم ونوى في طوافه أن الطواف طواف إفاضة ووداع .
فهذا لا يجزيه عن الوداع ، لأنه لم يكمل أعمال الحج بعد .
ولو كان طوافه للإفاضة المذكور بعد فراغه من الرمي ونواه للإفاضة ،واكتفى به عن الوداع ، ولم يقم بعده بل سافر في الحال . كفاه عن الوداع .
(ص م في 12/12/76هـ ـ تقدم أول هذه الفتوى قريباً )
(1352 ـ هل كان من أراد جدة أن يوادع ؟ أو ما فيه منع ؟
الجواب : الحمد لله جميع من يسافر إلى جدة أو غيرها فعليه الوداع فإنه أحد واجبات الحج . وأما غير الحجاج فالمتكرر دخوله وخروجه إلى جدة كثيراً كالذي يدخل كل يوم أو في اليوم مرتين أو كل يومين مرة أو ما يقرب من ذلك فلم أقف على تصريح لعلمائنا بسقوط الوداع عنهم ، ولعله أن يسهل في هذا من أجل مشقة التكرار ومن أجل أن السيارات قربت المسافة(2) .
(ص م 10 ـ 12 ـ 1376هـ)
(1353 ـ هل يستنيب في طواف الوداع )
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف : إذا لم يطف للوداع . إلخ .
فأجاب : إذا كان حجه فريضة فالظاهر أنه يستنيب في طواف الوداع ، بل إذا عجز طيف به راكباً أو محمولاً ، فإن لم يفعل فعليه دم . (الدرر جـ 4 ـ 405 )
(1354 ـ شراء أهبة السفر والحاجيات)
__________
(1) قلت : وقد جزم بعدم الاجزاء في الفتوى بعدها . وانظر (حاشية الروض المربع ص519 ، 520) .
(2) وهذا بناء على أنها مسافة قصر ـ اذ ذاك وتقدمت الإشارة إلى هذا .(6/108)
شراؤه بعد ما يودع ما هو من أهبة سفره ليس مثل التجارة ، والحوائج الأخر التي ليست تجارة مثل ما يتحف به أقاربه وهي المسماة " الصوغة" فان هذا لا يخل ،ولا يعد تجارة ،هذا لا يسمى اتجاراً ، غير أن المستحب أن يبدأ بذلك (تقرير)
(1355 ـ عذر في سقوط الوداع )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعد بن نافع المطيري سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا بخصوص ذكرك أنك جندي من الجنود ممن حج هذا العام ، وأنك أجبرت على الخروج من مكة بدون وداع . وتسأل : هل يترتب عليك شيء .
والجواب : إذا كان الأمر كما ذكرت ، وأنه لا طاقة لك في مخالفة الأوامر الصادرة عليك بمغادرتك مكة قبل الوداع ، فنرجو أن تكون معذوراً بذلك ، فيسقط عنك وجوب طواف الوداع . والسلام .
مفتي البلاد السعودية (ص ـ ف 1741 ـ 1 في 26/6/1386هـ)
(1356 ـ إذا خرج إلى الطائف بدون وداع )
" المسألة الثالثة" رجل حج وقضى عمرته ، ثم طلع إلى الطائف بلا وداع للبيت ، فمكث في الطائف عشرة أيام ثم رجع إلى مكة بدون إحرام .
الجواب : المنصوص أن من خرج من مكة مسافة قصر فأكثر سواء سافر إلى وطنه أو إلى غير وطنه وترك طواف الوداع فعليه دم ، ولو رجع إلى مكة لأجل الوداع لم يسقط الدم عنه ، وسواء تركه خطئاً أو نسياناً أو تعمداً ، ولا فرق ، لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره . والله أعلم .
(ص ـ ف 3300 ـ 1 في 24/11/1385هـ)
(1357 ـ قوله : و إن أخر طواف الزيارة .. إلخ .
ويظهر أنه لو نواهما جميعاً لم يكف ، بل لابد من تمحيضها للافاضة ، ويصدق عليه أنه آخر عهده بكل حال . ( تقرير )
(1358 ـ سقوطه عن الحائض إذا كان عليها مشقة)
لا يفتي بسقوطه عن الحائض إلا إذا كان ثم مشقة .
ومن له أن يفتى يجد في معرفة الظروف ، ولا يفتى إلا بعد ما يتحقق الظروف تماماً .(6/109)
مع أنه تقدم أن أهل نجد الإقامة عليهم متيسرة أسبوعاً ونحوه بلا مشقة ، فإقامتها الآن مع قيمها لا عسر فيه ولا صعوبة ، فليست بلد غربة ، ولاخوف ، ولا كذا ، إنما فرض المسألة بالنسبة إلى الماضي .
وأما البلاد الأخرى فقد يكون ذلك ،وقد لا يكون . (تقرير) (1) .
(1359 ـ الوقوف بالملتزم )
الأصحاب ذكروا استحبابه هنا ، ولعل مرادهم أن أولى ما يكون عند المفارقة عند وداع البيت يفعل هذا ، وإلا لو فعله قبل في حين من الأحيان كان له محل .
وجاء في فضل هذا الالتزام واستحباب الدعاء فيه أحاديث ، حتى إنه مروي بذلك مسلسل من المسلسلات إلى عطاء ، فيقول الراوي عن ابن عباس : إ ني دعوت ربي دعوة فأعطانيها . إلى الآن .
وأنا(2) دعوت الله عند الملتزم دعوة هامة شاقة(3) فاستجيب لي هذه السنة فأعطيتها . وليست أهميتها طلب دنيا . المقصود مما يتعلق به وأن فيه مسلسلاً (تقرير) (4) .
قوله : ويدعو إلخ .
من آداب الدعاء حمد الله والثناء عليه ، ثم الصلاة على النبي ، ثم سؤال العبد ربه . وإن أخرها وختمها فكذلك (تقرير)
(1360 ـ الطواف أفضل من إتيان الحطيم)
(زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم)
الحطيم من البيت ، ومن يكون فيه فكأنه دخل البيت ، لكن لا يدنو من عبادة الطواف ، والعوام والجهال يزاحمون عليه ، وعند العوام أنه أكبر شيء (تقرير)
(زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم)
(1361 ثم قول الأصحاب : وتستحب زيارة قبر النبي . إلخ . يحمل على أن المراد به المسجد ، إحساناً للظن بالعلماء ، وإلا فالذي تشد الرحال إليه هو المسجد .
__________
(1) وتقدم في باب نواقض الوضوء حكم اشتراط الطهارة للطواف .
(2) سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم .
(3) أي على الداعي ، لكن فيها مصلحة دينية كبرى .
(4) وتقدم بيان الحكمة في الالتزام أول المناسك في الفتوى المؤرخة في 17/12/1379هـ .(6/110)
وشاد الرحال : إما أن يريد المسجد فقط ، أو القبر فقط ، أو هما فإرادة القبر ليست مشروعة ، فالقبور من حيث هي لا تشد لها الرحال .
أما بدون شد رحل فيجوز ،ومرغب فيه .
وأما قصد المسجد فهو مشروع ، لقوله :" صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام "(1) .
وأما الذي يقصدهما فيجوز ، ويدخل القبر تبعاً . وليس هذا استهانة ، بل إن الله سبحانه جعل الصلاة عليه من البعيد تبلغ من أمته(2) بل أبلغ من ذلك أن أعمال أمته تعرض عليه فيسر بالحسن ويستاء بالسيء ، ومن جملة ذلك الصلاة عليه بعد وفاته (3) .
فلا يكون شيء من الغ ضاضة أنه لا يقصد القبر ، ولا يفيد عدم اهتمام أو اعراضاً عمن في القبر ، إنما تروج هذه على الخرافيين الغلاة الذين لم يعرفوا ما بين الرسول .
أما أهل التوحيد المحض فإن اعتقاداتهم وأعمالهم وأقوالهم يميزون بين ما هو حق وما هو زور وكذب وليس من سنته ، أفلا يكون هذا الصنيع كله تبع لما جاء به رسوله . (تقرير)
(1362 ـ اذا صلى في المسجد ، وأراد السلام على الرسول ، وصاحبيه)
الواصل إلى المسجد إذا صلى وأراد السلام عليه صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجرة وسلم عليه كما يسلم عليه صلى الله عليه وسلم في الحياة ـ يعني يكون أمام وجهه مستقبلاً للنبي حال السلام عليه فقط ، يصير وجهه شمال المسجد النبوي .
وكذلك " قبري صاحبيه" فإنهما اختارا الدفن عنده في الحجرة ، وجاءت بذلك آثار وأخبار دالة على ذلك، فلذلك دفنا إلى جنبه ـ صلى الله عليه وسلم . (تقرير)
(1363 ـ الجائز لأهل المدينة)
__________
(1) أخرجه الستة إلا أبا داود .
(2) كما يأتي في الحديث " ماأنتم ومن بالاندلس الا سواء " .
(3) وجاء عن ابن مسعود : اذا صليتم على النبي فاحسنوا الصلاة عليه ، فانكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه .(6/111)
ثم إذا عرفنا هذا نعرف أهل المدينة ما حالهم مع القبر ، حالهم كما فعل من هو من أشهر الصحابة ابن عمر ، لا يرى أنه كلما دخل المسجد ، بل لا يفعل ذلك إلا عند مبارحة المدينة أو القدوم من السفر ، ومن المعلوم أن الصلاة عليه في الصلاة في المسجد يكفي ، كما يكفي من البعيد . ثم فعل ذلك عند دخول المدينة أو مع ادرتها شيء آخر . (تقرير)
(1364 ـ " من حج ولم يزرني فقد جفاني "(1)
هذا الحديث ضعيف ، ولا يصح الاحتجاج به ، ولو يصح فإنه يحمل على حالة ليس فيها شد رحل ، لصراحة وصحة أحاديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"(2) .
ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يأبى هذا لأمته ما جاء عنه واشتهر :" ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء"(3) " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام(4) " لا تجعلوا قبري عيداً"(5) وأحاديث كثيرة ظاهرة أن الذي يحبه لا يأتي إلى قبره لأجل هذا الغرض ، بل هذا حاصل للأمة ولم يحوجوا إلى شد الرحال ليقفوا عند قبره ، فليست عبثاً ، بل مراد معناها ، وأنه يكتفي بذلك .
(تقرير)
(1365 ـ الزيارة بعد ما يفرغ من الحج ، لا قبله )
الزيارة بعدما يفرغ من الحج . ولا يبدأ بها على الحج كما يفعله كثير ، وهذا في الحقيقة من صنيع الخرافيين ومن يلحق بهم ويشابههم ، حتى إن بعض من يحج يرجع من المدينة ويقول : يكفيني عن حج البيت . وهذا غلو في الحجرة لا يأتون للمسجد . (تقرير)
(استشكال وجوابه)
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقال بعضهم : موضوع . وأطال رحمه الله في رده على الأخنائي في مسألة استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم " وفي غيره من كتبه .
(2) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي .
(3) أخرجه سعيد بن منصور في سننه .
(4) أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم .
(5) وأخرج أبو داود بلفظ " لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً ، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني".(6/112)
إن قيل : إذا كانت الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي بالاضعاف المذكورة ، فكيف يقصد إلى المدينة ويزور المسجد النبوي .
فيقال : هذا كسائر الأعمال الصالحة التي في بعضها من الفضيلة الشيء الكثير ولا يقال يكتفي بهذا ، بل هذا نوع وهذا نوع ، وكمال الاتباع أن يتبع صلى الله عليه وسلم ويرغب فيما رغب فيه على وجوهه المتنوعة ، ولهذا في الحديث :" لا تشدُ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"(1) فهذه مساجد الأنبياء ،وفضائلها مستقرة إلى يوم القيامة . أما ما عداها من المساجد ففيها فضلها ، ولكن قد يعرض عارض فتنتقل تلك الفضيلة . (تقرير)
(1376 ـ س : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"(2) .
جـ ـ ليس فيه دليل على أنه يدفن فيه .
ومن معناه أن هذه هي الروضة النبوية ، وأن بها بدأ العلم ، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرع : بيان الكتاب والسنة ، وأخذ الصحابة عنه ذلك . ثم كونه لا يزال كذلك موجودة ، فإن العلم ولا سيما علم الشرع والعمل به روضة من رياض الجنة في الدنيا بالمعنى ، ثم يحصل بحفظه حصول روضة من رياض الجنة حسية .
وقد بين الوالد الجد الشيخ عبد اللطيف هذا المعنى في رده على ابن منصور ، أو في أحد ردوده ، وأظن معناه مأخوذ من كلام شيخ الإسلام . قريب منه في المعنى ما جاء " ومنبري على حوضي"(3) (تقرير)
(1368 ـ س : زيارة النساء لقبر الرسول ، والسلام عليه في القر ؟
جـ : الأصل في الأحاديث عموم النهي ، فعلى القائل الدليل ، ولا دليل . هذا بالنسة إلى الزيارة(4) .
أما السلام فلا يقدر عليه ، لا يتوصل الرجال ولا النساء للسلام عليه في القبر ، لأنه لا يوصل إليه . وقيل بالمنع مطلقاً . (تقرير)
(1369 ـ س : يمنعن من الصلاة في مسجده ؟
__________
(1) متفق عليه .
(2) أخرجه النسائي .
(3) متفق عليه .
(4) قلت : وتقدم مطولاً بحث زيارة النساء لقبره وسائر القبور في كتاب الجنائز فليرجع إليه من أراده هناك .(6/113)
جـ : لا أعلم جنسه(1) لكن من غير استقصاء ، والنساء عورات بكل حالا . والبحث يقدر إذا صرن كذا وكذا(2) فالمنع ظاهر .
عمر رضي الله عنه منع أمهات المؤمنين من الحج ، وفي الحديث : " هذه ثم ظهور الحُصر"(3) وأمهات المؤمنين امتنعن إلا عائشة فإذا صار هذا شأن الحج فما الظن بزيارة المسجد . (تقرير)
(1370 ـ هل للدعاء عند قبره أصل شرعي )
قوله : ثم يستقبل القبلة ، ويجعل الحجرة عن يساره ،ويدعو بما أحب .
يعني يتنحى عن الحجرة إلى جهة المغرب ،ويجعلها عن يساره على ما ذكر الأصحاب ، يصير متنحياً عن القبر .
وبكل حال إذا كان على هذا حجة شرعية فاستحبابه كما ذكر ،وإلا فلا ، إلا أني لا أذكر إنكار كلامهم عن أحد(4) (تقرير)
(1371 ـ س : الزيارة الرجبية ـ زيارة قبر النبي في رجب )
جـ : ما لها أصل . نعم جاء في الحديث أن إحدى عمر النبي في رجب ، ولكن هذا غير ثابت ، وهذا وهم ، الرسول ما اعتمر في رجب قط كما قالت عائشة . نعم رجب ما فيه إلا أنه أحد الأشهر الحرم ، والمشهور أنه نسخ تحريم القتال فيها . (تقرير)
(1372 ـ فتوى في الموضوع )
__________
(1) أي جنس المنع .
(2) أي متبرجات متعطرات .
(3) أخرجه البخاري والنسائي عن عائشة بلفظ : " قلت يارسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال ، أفلا نجاهد . قال : لكن أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور ثم لزوم العصر . قالت : فلا أدع الحج بعد اذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
(4) من أصحاب أحمد أو من أتباع الأئمة الأربعة الذين نصوا على الدماء عند الحجرة ولم يذكروا مستنداً . قال شيخ الإسلام : وذكروا أنه إذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا . وهذا مراعاة منهم أن يفعل الداعي أو الزائر ما نهى عنه من تحري الدعاء عند القبر . أ هـ .(6/114)
وصل إلى دار الإفتاء من الأخ سعد بن عبد الرحمن عتيبي سؤال عن تخصيص بعض أيام شهر رجب " بالزيارة" هل له أصل ؟ وهل هناك نص شرعي بفضل رجب بغير أنه من الأشهر الحرم؟ وهل " المعراج " مؤكد أنه في سبع وعشرين من رجب ؟
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي :
أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له ، لما قرره الإمام أبو شامة في (كتاب البدع والحوادث) وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا ينبغي ، إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع بنوع من العبادة ، أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ، ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه .
وأما تفضيل رجب بشيء زائد على أنه من الأشهر الحرم فلم يصح فيه شيء ، كما بينه أئمة العلم .(6/115)
قال الحافظ أبو عمر بن بدر الموصلي الحنفي في (الم غني عن الحفظ والكتاب ، فيما لم يصح فيه شيء من الأحاديث) : قال عبد الله الأنصاري : ما صح في فضل رجب وفي صيامه ـ أي بالخصوص ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء . وقال الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف" روي عن أبي اسماعيل الهروي أنه قال : لم يصح في فضل رجب غير هذا الحديث ، يريد حديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال :" اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" وتعقب ابن رجب استثناء الهروي هذا الحديث بأن في إسناده ضعفاً . قلت : وذلك لما في " كتاب البدع والحوادث " لأبي شامة ، وهو أن في إسناده زائدة بن أبي الرقاد ، قال البخاري : منكر الحديث . وزيادة بن ميمون ، قال البخاري : تركوه . وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (تبيين صيامه ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث يصلح للحجة . وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو اسماعيل الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح ، وكذلك رويناه عن غيره . ثم أورد الحافظ ما جاء في فضل رجب من الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، وأوفى الكلام على الجميع .
وأما كون " المعراج " ليلة سبع وعشرين من شهر رجب فغير مؤكد ، بل هو باطل كما بينه العلماء ، قال الإمام أبو شامة في (كتاب البدع والحوادث) : ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب , وذلك عن أهل التعديل والتجريح عين الكذب ، قال الإمام أبو إسحاق الحربي : أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول .(6/116)
وقال الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف" قد روى أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ، فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ولدفي أول ليلة منه ، وأنه بعث في السابع والعشرين منه ، ولا يصح شيء من ذلك . وروى بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد : أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب ،وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره . وقال الحافظ بن كثير في تاريخه " البداية والنهاية" أورد ـ أي الحافظ عبد الغني المقدسي ـ حديثاً لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب : أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب : قال : ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب ، وهي " ليلة الرغائب " التي أحدثت فيها الصلاة المشهورة ،ولا أصل لذلك . وقال الحافظ ابن حجر في (تبيين العجب) : ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، قا ل : وذلك كذب ، قال الحربي : كان الإسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول ا هـ .
ونقل العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال في " ليلة الإسراء " لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، و لا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس في ذلك ما يقطع به ، ولا شرع للمسلمين تخصيص تلك الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره . ا هـ والله أعلم .
والخلاصة : أن الإسراء لم يكن في السابع والعشرين من رجب ، ولم يقم دليل على تعيين ليلته ، كما لم يشرع تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بشيء من أعمال البر . والله الموفق (1) .
(من الفتاوى المذاعة في 29/1/85هـ)
(1373 ـ واجب الأدلاء)
من محمد بن إ براهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) اما الاحتفال بليلة الاسءار والمعراج فتقدم في الأعياد في (صلاة العيدين) .(6/117)
فقد جرى الاطلاع على المعاملة الواردة منكم برقم وتاريخ المختصة بما لاحظه مدير الحج بالمدينة بخطابه رقم وتاريخ من أن بعض صبيان الأدلاء في المدينة يلحنون في تلقين الزوار أدعية الزيارة لحناً يخل بالمعنى ،واقتراحه منعهم من ذلك ، إلا من تثبت كفاءته فيوضع له رخصة ، ويراقب عليه ، و تأييد مجلس الشورى لمقترحات مديرية الحج المذكورة . وبتأمل ما ذكر قررنا فيه ما يأتي :
(أولاً) : أن كثيراً من تلك الزيارات والأدعية التي يفعلونها الآن على تلك الصفة المعروفة لم ترد بها السنة ، ولم يفعلها السلف الصالح رضوان الله عليهم . والاقتصار على الأدعية المأثورة هو الذي ينبغي ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها .
وعليه فتبلغ مديرية الحج بهذا لاعتماده ، والتنبيه على موظفيها بموجبه ، لأن كثيراً من الزوا ر الغرباء لا يفهمون حقيقة معنى الزيارة الشرعية ، فلا يتعدى بهم المشروع الوارد في هذا الباب .
(ثانياً) نرى الموافقة على ما كتبه مدير الحج بالمدينة من منع من لا يحسن تلك المهنة حتى تثبت كفاءته وأهليته وإعطائه رخصة بذلك . على آخر ما ذكره .
(ثالثاً) لا تعطى هذه الرخصة لشخص إلا بعد اختباره واجتماع الشروط المطلوبة فيه من معرفته لما يقوله وما يفعله شرعاً ، وسلامة العقيدة ، واستقامة الأخلاق ، وقلة الطمع ، وغير ذلك .
(رابعاً) أن يزودوا بالتعليمات الشرعية ، و الأدعية المأثورة الواردة في هذا الباب ، ويوصوا بالرفق بهؤلاء الغرباء ، وتسهيل أمرهم في كل ما يلزم . وتكون هذه التعليمات علىنظر رئيس المحكمة والدوائر الشرعية بالمدينة .
(خامساً) يوضع مراقبة عليهم أثناء قيامهم بعمل الزيارة ، ويكون المراقبون تحت توجيه وإشراف رئيس الدوائر الشرعية بالمدينة ويمنعون كل من يصدر منه قول أو فعل يخالف المشروع كرفع الصوت وكالدعاء بالأدعية المحرمة والمبتدعة والشركية ونحوها .
والسلام عليكم ( ص ـ ف 1066 في 19/9/1377هـ)(6/118)
(1374 ـ الطواف بالحجرة والتمسح بها ورفع الصوت عندها )
قوله : ويحرم الطواف بها .
الطواف شرك ، لا يطاف إلا ببيت الله ، والطواف يحجرته طواف به ، فهو شرك أكبر .
قوله : ويكره التمسح بالحجرة .
بل يحرم ،وهو من روائح الشرك ووسائله .
قوله :ورفع الصوت عندها .
إن لم يحرم ، فخفض الأصوات تأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره .
وهذا بخلاف ما ابتلي به كثير من الحجاج والآفاقين من رفع الصوت ، بل من البدع ، بل من الشرك الذي يصرخ به هناك ، وهذا من غربة الدين ، ومن وحشة الزمان وأهله ، فإن الزمان وأهله في إيحاش ، والدين في غاية من الغربة ،وإلا فكيف يصنع الصنيع الذي هو مكايدة لما جاء به الرسول عند قبره . المعاصي في البعد أهون منها عنده ، والزعم أنه مما يحبه ويرضاه يتضاعف ذلك .(تقرير)
(1375 ـ حمى الله قبره أن يتخذ وثنا )
فأجاب رب العالمين دعاءه وحماه بالثلاثة الجدران
فلم يتمكن الغلاة من الوصول إلى ذات القبر ، ولكن هؤلاء الذين حرصوا على ذلك تقع منهم الأمور المحرمة من الخضوع ورفع الأصوات ، حتى إن بعضهم يضع يديه على صدره ويطأطأ رأسه ، ويقع منهم ألفاظ الغلو ، لكن الله حمى قبر نبيه أن يوصل إليه بشيء من ذلك ، إنما هو من وراء الجدران .
(تقرير ـ على هذا البيت لابن القيم )
(القدس ، والصخرة)
(الصلاة في مسجد عمر الذي بناه أمام الصخرة مستحبة . لم يصح في فضل الصخرة حديث ، وليس فيها أثر قدم النبي ، وليست عرشاً ، وليس القدس حرماً ) .
الحمد لله ، و الصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه . وبعد :ـ(6/119)
فقد اطلعت في العدد الرابع من " مجلة رابطة العالم الإسلامي" التي تصدر بمكة المكرمة للسنة الثانية ضمن كلمة منقولة من جريدة الصحفي الأردنية تحت عنوان :0الحرم القدس الشريف) على عبارات استنكرناها ، يقول فيها كاتب المقال عن صخرة بيت المقدس (يقدسها المسلمون ، لأنهم يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء ، وروى ابن عباس : صخرة بيت المقدس من صخور الجنة . وعن علي رضي الله عنه : سيد البقاع بيت المقدس وسيدة الصخور صخرة بيت المقدس . وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صليت ليلة أسري بي إلى بيت المقدس على يمين الصخرة" وعلى هذه الصخرة وضع الرسول قدمه عندما عرج إلى السماء . ومن الأقوال المأثورة : أحب الشام إلى الله بيت المقدس ،وأحب جبالها إليه الصخرة . قال كعب : قرأت في " التوراة" أن الله عز وجل يقول للصخرة : أنت عرشي الأدنى ، منك ارتفعت السماء ، ومن تحتك بسطت الأرض ، ومن أحبك أ؛بني ومن أبغضك أبغضني ، ومن مات فيها فكأنما مات في السماء) هذا نص المقالة .
ومحبة منا في نشر الحق علقنا على ما ذكر فيها من الأحاديث الباطلة لتنوير آراء إخواننا قراء " مجلة الرابطة" فنقول :
الصخرة لم يصح في فضلها شيء من الأحاديث ، كما بينه أبو ح فص عمر بن بدر الموصلي الحنفي في (المغني عن الحفظ والكتاب ، فيما لم يصح فيه شيء من الأحاديث) والعلامة ابن القيم( في المنار المنيف) ونكتفي بإيراد عبارة المنار .
قال ابن القيم فيه : كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى ، والقدم الذي فيه كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين الذين يروجونها ليكثر سواد الزائرين .
وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود ، وهي في المكان كيوم السبت في الأزمان ، فأبدل الله بها الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام .(6/120)
ولما أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبني المسجد الأقصى استشار الناس : هل يجعله أمام الصخرة أو خلفها ، فقال له كعب : ياأمير المؤمنين : ابنه خلف الصخرة . فقال : يا ابن الهيودية خالطتك اليهودية ، بل أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون ، فبناه حيث هو اليوم . قال ابن القيم : وقد أكثر الكذابون من الوضع في فضلها . وعلى كلام ابن القيم هذا اعتمد العلامة علي القاري في " الموضوعات" .
وقول كاتب المقال (الحرم القدس الشريف . على هذه الصخرة وضع الرسول قدمه عند العروج إلى السماء) وهو أساس دعوى أن في الصخرة أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم ،وهو غير صحيح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في " زيارة بيت المقدس " : مايذكره فيها ـ أي في الصخرة ـ من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأثر عمامته و غير ذلك فإنه كذب ، وأكذب منه من يظن أنه قدم الرب .
وقال في " اقتضاء الصراط المستقيم " بعد الكلام على الأمكنة التي اعتقد الجهال فيها الاعتقادات الفاسدة : ومن هذا الباب أيضاً مواضع يقال إن فيها أثر النبي صلى الله عليه وسلم أو غ يرها ، ويضاهي به مقام إبراهيم الذي بمكة ، كما يقول الجهال في الصخرة التي ببيت المقدس من أن فيها أثراً من طىء قدم النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وبلغني أن بعض الجهال يزعمون أنها موطىء الرب سبحانه وتعالى ، فيزعمون أن ذلك الأثر موضع القدم ا هـ .(6/121)
قلت : ورد في حديث طويل في قصة الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ثم أتى بي ـ أي جبريل ـ الصخرة فقال : من هاهنا عرج ربك إلى السماء " الحديث . وربما يكون مستند الفرع الأخير الذي ذكره شيخ الإسلام . وهذا ذكره ابن ح بان في ترجمة الدجال الوضاع بكر بن زياد الباهلي . ثم قال : وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع ، فكيف البزل في هذا الشأن . قال الذهبي في " الميزان" : قلت صدق ابن حبان . ووافقهما الحافظ في " لسان الميزان " على وضع العبارة المذكورة .
أما ما ذكرته جريدة الصحفي عن كعب أنه قال : قرأت في " التوراة" أن الله يقول للصخرة أنت عرشي الأدنى إلخ ...
كذب وافتراء على الله ، وقد قال عروة بن الزبير لما سمع ذلك عن كعب الأحبار عند ع بد الملك بن مروان قال عروة : سبحان الله ؟
يقول الله سبحانه : { وسع كرسيه السموات و الأرض } (1) وتكون الصخرة عرشه الأدنى . نقل هذا عن عروة بن الزبير : ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) وابن القيم في (المنار المنيف) وجزماً بتكذيب هذه الإسرائيلية ، وأطال شيخ الإسلام في التحذير من قبول أمثالها .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 255 .(6/122)
وأما موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ففيه رواية تغنينا عن أمثال ما ذكره كا تب المقال المتعقب ، فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية ، فذكر فتح بيت المقدس ، قال : فقال أبو سلمة : فحدثني أبو سنان ، عن عبيد بن آدم ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب : أي ترى أن أصلي ، فقال : إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ، فكانت القدس كلها بين يديك ، فقال عمر رضي الله عنه : ضاهيت اليهودية . لا , ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فتقدم إلى القبلة فصلى ، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه ، وكنس الناس . رواه الإمام أحمد في مسنده . وقال الحافظ ابن كثير في " تاريخه" هذا إسناد جيد ، اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه .
وقال في " تفسيره" فلم يعظم ـ أي عمر ـ الصخرة تعظيماً يصلي وراءها وهي بين يديه ، كما أشار كعب الأحبار ـ وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلة ، ولهذا لما أشار بذلك قال له أمير المؤمنين عمر : ضاهيت اليهودية . ولا أهانها إهانة النصارى الذين جعلوها مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود ، ولكن أماط عنها الأذى ،وكنس عنها الكناسة بردائه . وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" ا هـ . كلام ابن كثير .(6/123)
إن الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم لم يكونوا يعظمون الصخرة ولا يصلون عندها ، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية قال في رسالته في " زيارة بيت المقدس " : كان الأئمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر . وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى في محراب داود . وأما الصخرة فلم يصل عندها رضي الله عنه ، ولا الصحابة ، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها " قبة " بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان ،ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام ، ووقعت بينه وبين ابن الزبير الفتنة ،كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير ، فأراد عبد الله أن يصرف الناس عن ابن الزبير ، فبنى القبة على الصخرة ، وكساها في الشتاء والصيف ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس ، ويشتغلون بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير . وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة ، كما أن يوم السبت كان عيداً في شريعة موسى عليه السلام ، ثم نسخ في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة ، فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحدب بعبادة كما تفعل اليهود والنصارى ،وكذلك الصخرة إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى ا هـ .
وقال شيخ الإسلام ايضاً في " اقتضاء الصراط المستقيم" ثبت أن عبد الله بن عمر كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه وصلى فيه ، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها ، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع .
قال : وكذلك نقل غير واحد عن السلف المعتبرين كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم ، وذلك أن سائر بقاع المسجد لا مزية لبعضها على بعض إلا مابنى عمر رضي الله عنه مصلى المسلمين .(6/124)
وصرح شيخ الإسلام بأن تعظيم الصخرة ، وروايات فضلها ، إنما ظهرت بعد بناء عبد الملك القبة عليها . قال : حتى صار بعضها الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها ، حتى روى بعضهم عن كعب الأحبار عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر : إن قال للصخرة : أنت عرشي الأدنى فقال عروة : يقول الله تبارك وتعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } (1) وأنت تقول إن الصخرة عرشه . وأمثال هذا . أ هـ .
هذا ما أردنا التنبيه عليه حول روايات جريدة الصحفي في الصخرة كما أن تسمية القدس " حرماً " لا وجه له ، فإن الحرم ما حرم الله صيده ونباته ، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجاً عن الأماكن الثلاثة يعني مكة والمدينة ووجا ـ على اختلاف في الأخير (2) .
ونرجو من إخواننا القائمين على هذه المجلة التروي فيما ينشرونه فيها ، ودراسته دراسة علمية صحيحة ، ومشاورة أهل العلم فيما يشكل عليهم قبل نشره .
سائلاً المولى جلت قدرته أن يوفق رابطة العالم الإسلامي لتحقق ما أُسست من أجله وهو نشر الإسلام ، بريئاً من الخرافات والأوهام نقياً صافياً كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . والله الموفق .
محمد بن إبراهيم ( ص ـ م في 12/3/1384هـ)
(صفة العمرة)
(1377 ـ العمرة من الحل ، لا من الحرم)
والاحتياط ولا سيما للفريضة كونه يخرج إلى التنعيم ، من فعل ذلك لم يبق في نفسه شيء إلا من كان عنده نشاط فهم واتضحت له المسألة(3) (تقرير)
(أركان الحج)
(1378 ـ قوله : والوقوف بعرفة إلى الغروب)
بخلاف من وقف بالليل سواء ما أمكنه أو ضل عن الطريق هذا ما عليه دم ، أو صار تأخيره عمداً لكنه خالف السنة والمسلمين في العمل ، ولكن هذا لا يكاد يقصده إلا قليل الرغبة في الدين جداً .
(تقرير)
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 255 .
(2) قلت : وكذلك الحرم الإبراهيمي ، وينظر في حرم الجامعة .
(3) وتقدمت عمرة المكي في (باب المواقيت) ومن أين يحرم بها على القول بها .(6/125)
(باب الفوات والاحصار)
(1379 قوله : ويهدي ويقضي إن لم يكن اشتراط)
وهذا على المذهب وقول كثير ،وإلا فقد تقدم لنا أن هذا الشرط لا ينفع المشترط إلا إذا خشي وجود حادث ، ككون هناك عدو أو مرض يخشى أن يمنعه . أما إذا لم يلم به شيء ولا كذا فإنه لا ينفعه ، فإن ضباعة إنما أرشدها إلى أن تشترط لما كانت وجعة . (تقرير)
(1380 ـ قوله : وإن أخطأ الناس فوقفوا في الثامن أو العاشر أجزأهم )
فإذا صار الخطأ في الثامن وعلموا فإن زمن الوقوف بقي بحاله ، بخلاف ما إذا لم يعلموا إلا في العاشرة وقد وقفوا بعرفة أو أقبلوا عليها فإنه لا يمكنهم إلا هذا . يقول شيخ الإسلام هنا : إن الوقوف مرتين في يومين بدعة . (تقرير)
(1381 ـ قوله : سواء كان في حج ، أو عمرة ، أو كان قارناً ظاهره أنه يلزمه الهدي ، وهذا قول أكثر الأصحاب ، وهو المشهور في المذهب . واختار ابن القيم في " زاد المعاد؟ أن لا هدي عليه . وما ذكر من الهدايا في عمرة الحديبية إنما هي هدايا معهم ، فالذي معه هدي إذا صد عن البيت يذبحه ثم يتحلل ،والذي ليس معه هدي لا يلزمه ، بدليل أن النبي لم يبين هناك الوجوب على من لا هدي معه . (تقرير) .
(1382 قوله : وإن أحصره مرض أو ذهاب نفقة بقي محرماً . لكن اختار الشيخ وابن القيم وآخرون : أن حصر غير العدو كذهاب النفقة والمرض كحصر العدو ، فإن الجامع بينهما هو الاستمرار في الإحرام ، سواء بضياع النفقة أو بالعدو . ( تقرير )
(باب الهدي والأضحية )
(1383 ـ الناس يغالون في التضحية عن الأموات)
أصل التضحية في حق الحي يضحي عن نفسه . وما عليه كثير من الناس التضحية للأموات ويرون أن لا شرعية للحي . هذا أكثر مما ينبغي .
وما تقدم " عن محمد وآل محمد وأمه محمد "(1) هذا هو المعتمد في التضحية عن الأموات . وأيضاً هي قربة من القرب ، ومتقرر عند الجماهير أن إهداء القرب مشروع .
__________
(1) أخرجه مسلم .(6/126)
ولكن هذا فيه مرجوحية من ناحيتين :" الأولى" أنه يضحي عن غيره ولا يضحي عن نفسه . ثم أيضاً الإكثار منها .
المقصود أن الناس كادوا يخرجون عن أصل الشرعية ، فإن هذه التضحية بهذه الكثرة ما كانت في السلف . (تقرير بلوغ)
(1384 ـ حديث " كان يضحي بكبشين أقرنين "(1) )
الأقرن أفضل ، وإن كان(2) غير مأكول ، لكنه كمال في الخلقة ، وربما يكون في الغالب قوة في بدنه وجزالة ." موجوئين"(3) خصيين .
"فحيلين" (4) فحيل قوي في الخلقة ، فإن فحيل كل شيء جيده ، ليس المراد غير خصيين ، لئلا يتنافى مع ما تقدم . (تقرير بلوغ)
(1385 ـ التصحية بالشاة الحامل)
" المسألة الثانية" عن حكم التحية بالشاة الحامل ؟
والجواب : يصح التضحية بالشاة الحامل ، كما يصح بالحائل ، إذا كانت سليمة من العيوب المنصوصة في الأضاحي .
(ص ـ ف 588 ـ 1 في 23/2/1386هـ)
(1386 ـ س : إجزاء الشاة عن الرجل وأهل بيته ولو الأموات .
جـ : حتى لو كانوا ليسوا في بيته بل متفرقين إذا صار يشملهم هذا الإسم ، يرشحه ما تقدم في الحديث" محمد وأمة محمد"(5) الناس مع أبيهم كأهل البيت مع راعيه ، وهو ضحى عن جميع المسلمين أحيائهم وأمواتهم ،وبعضهم قد توفي . (تقرير)
(1387 ـ س : إذا كانوا في بيت واحد مأكلهم ليس واحداً .
ج ـ لا تجزي عن ثلاث حمايل ، أو ثلاثة أشخاص . (تقرير)
(1388 ـ س : إذا كان مأكلهم واحد )
جـ ـ هؤلاء بمنزلة الرفقة في السفر ، فيكونون ملحقين بأهل البيت الواحد . (تقرير)
(1389 ـ الشاة عن الرجل ورحيمه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعيد بن محمد العمري سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
__________
(1) أخرجه البخاري " وضحى في المدينة بكبشين أقرنين أملحين .. "
(2) القرن .
(3) في حديث جابر عن أبي داود .
(4) في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أبو داود أيضا.
(5) أخرجه مسلم ـ وتقدم .(6/127)
كتابك لنا المؤرخ في 10/9/1387هـ وصل وقد ذكرت فيه أنك تسكن أنت وزوجتك ورحيمك وزوجته معاً في دار واحدة ،ومصروفكم وأكلكم وشربكم واحد . وتسأل : هل يلزم كل واحد منكما أنت ورحيمك أن يذبح أضحية باعتباركما من أسرتين ؟ أم يكفي تذبح أضحية واحدة باعتباركما كعائلة واحدة ، مع العلم أن لكل واحد منكما أسرة تذبح أضحية في بلاده ؟
والجواب : يجوز أن تشترك أنت ورحيمك في شاة لأنكما في حكم أهل البيت الواحد ، وهي تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ، لما روى الترمذي وابن ماجه في سننهما ومالك في الموطأ بأسانيدهم أن عبد الله بن عمارة قال : سمعت عطاء بن يسار يقول : سالت أبا أيوب : كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" كان ا لرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى " قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
والسلام عليكم . مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 180 ـ 1 في 15/1/1388هـ)
(1390 ـ ضم غلال أوقاف لشراء أضحية للموقفين)
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم إبراهيم حمد السماعيل المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك المؤرخ 19/4/83هـ المتضمن الاستفتاء عن عدد أوقاف مغارس نخل نوقوفة في أضاحي ، وقد نقصت غلتها الآن ، ولا تريع ما يقابل قيمة أضحية كاملة وتسأل عن جواز ضم غلال هذه الأوقاف بعضها إلى بعض ليشتري بها أضحية تذبح كل سنة على نية الموقفين ، كل على حسب ريع وقفه ؟
والجواب : الحمد لله . لا يظهر لنا وجه صحيح يسوغ جمعها على هذه الصفة . والأولى بقاؤها على ما كانت ، لأن الموصي أوصى بدم كامل ، والتشقيص يفوت عليه مقصوده . والسلام .
(ص ـ ف 1286 ـ 1 في 4/7/1383هـ)
(1391 ـ التشريك في السبع )
وهنا " مسألة التشريك في السبع "(6/128)
لا يشرك فيه . والذين أفتوا به ذكروا أشياء لا تنهض دليلاً ، يذكرون عمومات في كلام الفقهاء ، كقولهم : وأي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك . أين عموم هذا من مسألة خاصة وارد فيها أحاديث " البقرة عن سبعة " " البدنة عن سبعة"(1)
وأيضاً ما جاء عن السلف فعل ذلك : لا في الهدايا ، ولا في الضحايا وأيضاً هو جزء ، والجزء لا يتجزأ ، ومثل ما في أصول الفقه : الضعيف لا يبنى على الضعيف . فالجزء ضعيف سوغته الشريعة ، ولو ضعف لجعل السبع عن إثنين وعن أربعة ، والعبادات توقيفية . لكن الذين أفتوا لأجل الفلاليح يريدون " سرح ، وشحم"(2) ويبون كذا وكذا(3) وفتوانا وفتوى مشايخنا على عدم إجزاء ذلك . (تقرير )
(1392 ـ فتوى في الموضوع)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي بن أحمد الثقفي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا منك بخصوص سؤالك عن " البقرة" هل يجزئ سبعها عن الرجل وأهل بيته؟
والجواب : الحمد لله . روى الترمذي والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فحضر الأحضى فاشتركنا في البقرة سبعة " وبهذا يظهر أن البقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة ، فلا يجزئ سبعها عن الرجل وأهل بيته ، لأنه ليس دماً كاملاً ،وإنما هو جزء دم . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 2172 ـ 1 في 11/8/85 هـ) .
__________
(1) ففي حديث جابر المتفق عليه قال :" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في بدنه " وفي رواية قال : اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كل سبعة منا في بدنه ، فقال رجل لجابر : أيشترك في البقر ما يشترك في الجزور . فقال : ماهي إلا من البدن " أخرجه مسلم .
(2) وهو لا يحصل إلا بكثرة الاشتراك في الإبل .
(3) وكثرة اللحوم والرخص في الثمن .(6/129)
(1393 ـ الدليل يطلب ممن أجازه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد بن علي العمري سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصلنا خطابك الذي يتضمن " سؤاليك" اللذين أولهما قولك : كثيراً ما يجري البحث والنقاش بين بعض طلاب العلم حول سبع البدنة في الأضحية هل هو مجزئ عن الرجل وأهل بيته كما تجزئ الشاة ، أو لا يجزئ إلا عن الرجل دون أهل بيته . وهل لديى من قال بالإجزاء أو عدمه دليل شرعي ؟
والجواب : الحمد لله . سبع البدنة لا يجزئ إلا عن شخص واحد . والدليل إنما يطلب ممن أجازه ، لأنه المدعي إجزاء السبع عن اثنين فصاعداً . ولا فرق في ذلك بين الهدايا والضحايا . ولا يجد مدعي ذلك إلى تحصيل الدليل سبيلاً ، والنسك عبادة محضة ، والعبادات توقيفية .
(ص ـ ف 141 في 14/2/1387هـ)
(1394 ـ البدنة عن سبعة أشخاص ، لا عن سبع شياه )
من محمد بن إبراهم إلى المكرم أحمد غرم الله الفقيه سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على استفتائك المتضمن سؤالك عن البدنة أو البقرة هل هي عن سبع شياه ، أو عن سبعة أشخاص .
والجواب : الحمد لله . البدنة أو البقرة عن سبعة أشخاص ، لقول جابر بن عبد الله :" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحدٍ منهما " رواه مسلم وبالله التوفيق .
والسلام عليكم ( ص ـ ف 880 تاريخ 3/4/1384هـ)
(1395 ـ إذا كانت الوصية لا تكفي لدم كامل)
وأما " المسألة الثالثة" : وهي قولك : إن عندك وصية ضحية نقودها لا تقابل قيمة طرف(1) فوجدة أضحية في بدنة تقابل النقود التي عندك .
والجواب : لا شك أن الأضحية بدم كامل أفضل من التشريك في سبع بدنة أو بقرة ، لكن إذا كانت الوصية لا تكفي لقيمة دم كامل وأردت أن تشترك في سبع بدنة أو بقرة فذلك جائز وجزي ، إذا كانت الأضحية لشخص واحد .
(ص ـ ف 571 ـ 1 في 17/3/1375هـ)
(فتاوي في تعريفات)
__________
(1) شاة .(6/130)
(1396 ـ قوله : ولا العجفاء : الهزيلة التي لا مخ فيها )
والمخ هو ما يكون في العظم المجوف : كعظم الساق ، والعضد ، والفخذ ,و"المخ" هو الدن ، فإنها إذا قويت كان في عظامها دهن ،وإذا هزلت لم تكمل استحالته دهناً بعد ، أو كان دماً أحمر . وإذا لم يكن دماً فيحتاط ، لأنها إذا كانت كذلك فهي رديئة اللحم ، ولا ترغب في الأكل ، ولا في القنية . أما إن كان لا شحم فيها إلا قليلاً وفيها مخ فتجزي ، إلا أن ما كان أسمن فهو أفضل . (تقرير)
(1397 ـ قوله : ولا العرجاء التي لا تطيق مشياً مع صحيحة أما العرج اليسير الذي لا يردها عن ذلك بل فيها غمز فتجزي مع نقص . (تقرير)
(1398 ـ قوله : ولا الجداء : ما شاب ونشف ضرعها )
أما لو ولدت ولا در فيها لبن فلا تجزي ، لما فيها من النقص الظاهر . أما التي عاب شق دون شق فتجزي ، لكن مع الكراهة والنقص . (تقرير)
(1399 ـ الجفاف )
إن كان كله نشف فلا تضحي ، الفقهاء مصرحون بهذا ، فإن هذا نقص عضو من أعضائها . أما إن نشف شق دون شق فهذه تكره وتجزي ، لأجل الشرع ما مات . (تقرير)
(1400 ـ قوله : ولا المريضة )
كالتي بها وعال ، أو أبو رمح ، أو مهيومة ، أو مجدورة ، أو جرباء أو نحو ذلك .
إما إذا كان يسيراً : كيسير الخنان ما يشتد حتى يتلف الشاة ، لكن الغالب عدم الاتلاف . أما إذا وصل إلى حالة يفسد اللحم فهي مريضة والمرض لا فرق بين أن يكون متلفاً أو لا : كالجدري ، فإنه يفسد اللحم ،وإذا كان مرض مثله ما يفسد اللحم فهذه تجزي ، لكن مع النقص . (تقرير)
(1401 ـ قوله : ولا العضباء التي ذهب أكثر أُذنها أو قرنها )
أما لو ذهبت واحدة فإنها لاتجزي ، أو أكثر قرنها فإنها لا تجزي . فالعضب هنا يكون في موضعين في : الأذن ، والقرن (تقرير) .
(1402 قوله : والجماء التي لم يخلق لها قرن )
أما لو انكسرتا أو ذهبت واحدة من أصلها فهذه مجزئة مع الكراهة أو النقص ، هي ناقصة بكل حال .
(تقرير)(6/131)
(1403 ـ قوله : بل البتراء خلقة ، أو مقطوعاً )
تجزئ لكن مع الكراهة . أو النقص في الثانية التي قطع .
(1404 ـ قوله : وخصي غير مجبوب )
فهذا يجزئ ،وقد يكون فضيلة في الاضحية كما تقدم في الكبشين ، فإنها نفع للفحل من الذكور ، فإنها تفسد اللحم ويهزل ،وعدمه قوة للفحل من الحيوانات (تقرير)
(1405 ـ قوله : أقل من النصف )
أو النصف على القول الثاني (تقرير) .
(1406 ـ س : هل المقابلة والمدابرة والشرقاء والخرقاء في الإبل والبقر )
ج ـ نعم لكن هي في الغنم أكثر (تقرير)
(1406 ـ 2 ـ الصفة المشروعة في الذبح والنحر(1) .
(1407 ـ استمرار وقت الذبح إلى الغروب )
ثم الذبح يستمر إلى قبيل غروب الشمس ، فإذا سفك دماً وقد بقي إصبع فهو مجزي . أما قول العامة : الذبح إلى العصر . فلا أصل له . (تقرير)
(1408 ـ قوله : إلى آخر يومين بعده )
وهذا هو المشهور عند كثير .والرواية الأخرى عن أحمد أنها ثلاثة ، وهذا اختيار الشيخ ، وعليه العمل والفتوى ، فتكون أيام النحر أربعة : يوم العيد ، وأيام التشريق كلها . (تقرير)
(1409 ـ قوله : بعد الإمام )
هذا إن كان الإمام تهيأ ، بأن كان له محل مهيئ حول المصلى .
أما إذا كان لا يعلم متى يذبح فالحكم حينئذ غير متصور . (تقرير)
(1410 ـ وإن اكتفى بالجمعة عن العيد والعيد ما صلى ـ فرجع بعضهم أنه يذبح ، وهذا أرجح ، فإنها أدت فرض العيد ، فيدخل فرض الكفاية في فرض العين كنظائره ، فصارت هي صلاة العيد حكماً . وأما حقيقتها فإنها صلاة الجمعة . (تقرير)
(1411 ـ قوله : ولا يعطى جازرها أجرته منها )
ويتصدق عليها منها إن كان أهلاً للصدقة كعادة ما يتصدق به ، لا على وجه ينقص الأجرة . وإذا رأى أن نفسه تخوله أكثر لكونه باشر جاز . أما لو كان أعطاه من أجل أنه عمل فإنه أعطاه هنا عن الأجرة . (تقرير)
قوله : وإن تعيبت ذبحها .
__________
(1) أنظر فتوى في الأطعمة صادرة برقم (962 في 29/8/87هـ)(6/132)
ليس في الحال ، إنما المراد إذا جاء يوم ذبحها وهي معيبة ذبحها (تقرير)
(1412 ـ س : إذا اشترى وصية عنده وضاعت ؟
جـ: إن كان متقدماً بالشراء يشتريها من رمضان أو من شوال وهي وصية ـ من أذن له أن يشتريها من هذه المدة ؟ ! عند بعض الناس أنها ما تشترى إلا يوم العيد ، ولعل اليومين والثلاث قبله ما فيها مشكل مخافة أن لا يوجد شيء بعد . فالحال يختلف : إن كان يخاف من(1) فيتقدم بقدر اجتهاده يومين ثلاثة أربعة ما جرت العادة به غالباً . وبعض الموصين في غير العارض يشتريها والسكين في يده يخاف تتلف . فالوصي يلزمه مثل ما يفعله لنفسه ، فإن تعدى أو فرط ضمن ، وإلا فلا يضمن . (تقرير)
(1413 ـ س : الأضحية التي هي غلة الموقوف تكون أثاثاً ؟ )
ج ـ هو قصد الميت أن يفعل بها ما كان يفعل بها هو في حياته ، تكون أثلاثاً يندب أن يتصدق بثلث ، ويهدي ثلثاً ، وأولياء هذا الواقف يأكلون ثلثاً . (تقرير)
(1414 ـ قوله : وسن أن يأكل من الاضحية )
وبعض أهل الكبر لا يأكل من الضحايا ، بل يذبح له غيره ، لأنه يمتاز عن غيره . فهذا من العتة والكبر :( { فكلوا وأطعموا .. } (2) وهذا أمر . إن كان مفاده الندب ، ولو قال أحد بالوجوب لكان له وجه .
(تقرير)
(1415 ـ إذا أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره )
"السؤال الثاني " الذي يضحي لأمواته ونفسه بريرة منه : فهل يلزم أن لا يكد شعره ولا يقص الأظفار ، أو ما فيه مانع .
الجواب : الذي يريد أن يضحي لنفسه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يذبح تلك الأضحية ، إلا أن يكون حاجاً فيقصر يوم النحر مع الحجاج(3) .
(ص ـ م بخط مدير مكتبه الخاص)
(1416 ـ قوله :ويسن حلقه بعده )
__________
(1) الغلاء ، أو العدم .
(2) سورة الحج ـ آية 28 .
(3) تقدم أول هذه الفتوى في طواف الإفاضة .(6/133)
على هذا القول ـ لكن المضحي إذا عرض له في العشر عمرة فإنه يحق للعمرة ولو أنه سيضحي ، لأن " مسألة النسك" أهم من " مسألة الأضحية" على هذا القول بأنه على التحريم . أما على الكراهة فهذا أظهر . (تقرير)
(1417 ـ س : عند الإحرام في العشر هل يأخذ شيئاً؟ )
ج ـ لا . ما ينبغي . (تقرير)
(فصل ـ في العقيقة)
(1418 ـ العقيقة مستحبة في حق الأب وحده )
" السؤال الثاني " رجل من ذوي اليسار له سبعة من الولد ، عق عن اثنين منهم ، والباقيون لم يعق عنهم . فهل يثاب إذا عق عن باقي أولاده ، ويأثم إن لم يعق؟
والجواب : العقيقة عن الذكر والأنثى مستحبة ، لما رواه عبد الرزاق في " مصنفه" بسنده عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق ـ وكأنه كره الإسم ـ قالوا يارسول الله ينسك أحدنا عن ولده فقال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل : عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة" وهذا الاستحباب من حق الأب فقط ، لأن الخطاب في الحديث موجه إليه ، فلا تستحب في حق المولود من غيره .
(ص ـ ف 3026 ـ 1 في 30/7/1387هـ)
(1419 ـ اشترى عقيقة وعند وصوله إلى بيته وجد فيه ضيوفاً)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عيد بن عودة البلوي سلمه الله
فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا منك بخصوص سؤالك عن سبع مسائل :
" أولها " شخص رزق مولوداً فاشترى عقيقة ، وعند مجيئه بها إلى البيت وجد فيه ضيوفاً فذبحها على أنها تميمة ولده ، وقدمها للضيوف وهم يعتقدون أنها ضيافتهم ، وحياهم عليها دون أن يذكر أنها تميمة . وتسأل : هل تجزي تميمة على هذه الحال ؟
والجواب : ما دام قد اشتراها تميمة، وذبحها على أنها تميمة ، ولم يؤجل ذبحها انتظاراً لضيوف يأتون إليه ، فلا يظهر لنا مانع من إجزائها تميمة . وإذا لم يكن قد أخرج منها شيئاً صدقة فينبغي أن يضمن قدر أوقية لحم يتصدق بها .
(ص ـ ف 1036 ـ 1 في 8/4/1387هـ)(6/134)
(1420 ـ عن الغلام شاتان وتجزى واحدة )
" ثالثاً " عن العقيقة ـ المعروفة عند أهل انجد بالتميمة ـ فهي سنة في حق الأب ، لحديث " كل غلام مرتهن بعقيقته " رواه أحمد وغيره .
والسنة أن يذبح عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، لحديث عائشة رضي الله عنها : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يعق عن الغلام شاتان ، متكافئتان وعن الجارية شاة " رواه الترمذي وصححه .
وإن اقتصر على واحدة فلا بأس ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن " النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً " رواه أبو داود وغيره . والله أعلم . والله يحفظكم(1)
(ص ـ ف 87 في 1/2/1377هـ)
(1421 ـ س : إذا زاد على ثنتين ؟)
جـ : ليس مشروعاً ، ليس خيراً من الرسول ، إنما هذا تبع للاشر والبطر والإسراف .
يريد مثلاً أن يدعو إليها من يأكل ومن يعزون عليه فيهم كثرة فهذا من هذه الناحية لا بأس بالزيادة . وأما كونه يفعله على وجه البطر أو كمال في السنة فلا .
أما إذا كان الداعي لكثرة من سيدخل بيته ويأكل من هذه العقيقة وهي لا تكفيهم . (تقرير)
(1422 ـ س : الشرك في دم العقيقة )
جـ : إذا كان سبعاً لا يشرف فيه ، الضعيف لا يبني على الضعيف وهذا كقول النحويين : المصغر لا يصغر ، ومثل الضعيف يروي عن ضعيف مثله في الحديث ،وكلما زادوا إزداد ضعفاً ، كما لو كانوا ستة (تقرير)
(1423 ـ ثم نعرف أنه لو اجتمع أضحية وعقيقة كفى واحدة صاحب البيت عازم على التضحية على نفسه فيذبح هذه أضحية وتدخل فيها العقيقة .
__________
(1) وفي تقرير له على هذا الباب قال : الواحدة كافية في أصل السنة ، إلا أنها المرتبة الدنيا من المرتبتين جمعاً بين الأخبار .
وانظر فتوى في الحج صادرة برقم 2816 في 16/11/84هـ هل يمد ذبح العقيقة عنها صدقة ، وما يفعل بطعام العقيقة .(6/135)
وفي كلام لبعضهم ما يؤخذ منه أن لابد من الاتحاد : أن تكون الأضحية والعقيقة عن الصغير . وفي كلام آخرين أنه لا يشترط إذا كان الأب سيضحي فالاضحية عن الأب والعقيقة عن الولد . الحاصل أنه إذا ذبح الأضحية عن أُضحية نواها وعن العقيقة كفى ، وهذا مبسوط في " التحفة " المذكورة(1) .
و" مسألة أخرى " وهي مالو رزق أولاداً واتفق اسمهم في يوم مثل التوأم يجزي اثنين عنهما،وكذلك لو كانوا عشرة ، أو بينهما تفاوت في الأيام فيقصد عقيقة عن الجميع ، نظير من دخل المسجد ومن صلى الفريضة بعد الطواف تتداخل المشروعات ، ونظير ذلك غسل الجنابة والجمعة . (تقرير9
(1424 ـ سر التأذين في اذن المولود)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم الطالب محمد إبراهيم الفهد الهذيل سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على استفسارك عن أصل التأذين في أذن المولود والجواب عن ذلك بما يلي : أما الأذان في أذن المولود ، فقد روى أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي رافع ، قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة " .
وأما الجميع بين الأذان والإقامة فقد ورد فيه حديثان :
" أحدهما " ما رواه البيهقي في الشعب بسند فيه ضعف ، عن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد ، وأقام في أذنه اليسرى" .
و " الثاني " ما رواه البيهقي أيضاً في الشعب بسند فيه ضعف عن الحسن بن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى رفعت عنه أم الصبيان " .
__________
(1) تحفة الودود في أحكام المولود" لابن القيم رحمه الله .(6/136)
وعلى هذه الأحاديث الثلاثة اعتمد الإمام ابن القيم في " تحفة الودود في أحكام المولود " وترجمتها ( استحباب التأذين في أذن المولود ،والإقامة في أذنه اليسرى ) ثم أبدى ابن القيم الحكمة في ذلك فقال : سر التأذين ـ والله أعلم ـ أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته . أي الأذان ، المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته ، والشهادة التي هي أول ما يدخل بها في الإسلام ، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا ، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها . وغير مستنكر وصول التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر ، مع ما في ذلك من فائدة أخرى : وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان ، وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها ، فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به .وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان ، كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ، ولغير ذلك من الحكم ا هـ والله ولي التوفيق .
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 3247 ـ 1 في 9/7/1389هـ)
(1470 ـ " ويدمى" .
وبعض الناس يرى أنه يلطح رأسه بدم العقيقة ، وسبب هذا أنه وهم في بعض ألفاظ الحديث(1)
(تقرير)
(1426 ـ تغيير الاسم القبيح والموهم)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن عبد العزيز الأحمد سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك الذي تسأل فيه عن أسماء يتسمى بها بعض الناس مما لم تكن معروفة ولا مألوفة ، وفيها إيهام وإساءة أدب مثل : شر الله ، وأمر الله ، سيد الرحمان ، ونسيم إلاهي ، وحياة محمد ،ونحو ذلك .
__________
(1) من همام ولفظ الحديث " ويسمى " .(6/137)
لقد تأملنا ما ذكر ، ووجدنا أغلب الأسماء التي ذكرتها توهم معاني غير صحيحة ، ولا يجوز إطلاقها على الله تبارك وتعالى ،ولهذا فلا ينبغي التسمي بها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير أسماء أقل إيهاماً من هذه الأسماء المسئول عنها ، وقد نهى الله تعالى عن إطلاق الكلمات التي تحتمل معنى صحيحاً ومعنى محظوراً ، فقال تعالى: { ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } (1) وفي الحديث " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي " (2) .
قال الفقهاء : ويستحب تغيير الإسم القبيح ، وذكر أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم غير عدة أسماء موهمة . وعلى الأب أن يسمي ابنه باسم حسن ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم " رواه أبو داود . والله الموفق والسلام عليكم
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 2587 ـ1 في 5/9/1388هـ)
(1427 ـ تغيير لقب : جعفري)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى اطلاعنا على استفتائكم رقم 2098 ـ 1 ـ خ وتاريخ 8/8/85هـ المشفوع بأوراق جواد جاسم الجريدان بخصوص طلبه إبدال اسمه باسم ناجي عبد الله المسلم ، حيث أنه كان جعفرياً ، ثم اعتنق مذهب أهل السنة . وتطلبون منا رأينا تجاه طلب المذكور .
ونفيد سموكم أنه لا يظهر لنا مانع شرعاً من تغيير اسمه إلى مارغب أن يكون عليه والحال ما ذكره ، فلقد ثبت أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا أسماءهم في الجاهلية إلى اسماء جديدة بعد دخولهم الإسلام ، كما أنه صلى الله عليه وسلم غير بعض أسماء صحابته بعد دخولهم الإسلام .
وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 2610 ـ1 في 14/9/1385هـ9
(1428 ـ انتقل من مذهب الشيعة إلى مذهب السنة وطلب صكا )
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 104 .(6/138)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي المبرز سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبالإشارة إلى خطابكم المرفق رقم 616 وتاريخ 24/4/87هـ ومشفوعه الذي ذكرتم فيه أن المدعو عبد الجواد بن جاسم الجريدان الشهير بالمسلم كان على غير مذهب أهل السنة ، ثم إنه اعتنق مذهب أهل السنة بموجب الصك المرفقة صورته ، وغير اسمه السابق ، وتسمى بالإسم المذكور أعلاه . وبطلب إعطاءه صكاً من المحكمة على إثبات تغيير اسمه . وتطلبون إعطاءكم رأينا حول طلبه .
ونشعركم بأن طلب المذكور إخراج صك بما ذكر لا وجه له والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ف 1758 ـ 3 ـ 1 في 12/5/1387هـ) .
(1429 ـ شوعي)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد جباري سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
بالإشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن مسألة وهي (سميت ابنك شوعي) وطلب إدخاله في معهد صامطة ، ومنع المدير دخوله بناءً على هذا الإسم ، وطلب منكم تغيير اسمه ، وتسأل : هل هذا الإسم فيه محذور؟
والجواب : لا مانع من بقائه على هذا الإسم ، لأنه لا يترتب عليه محذور شرعي ، فقد كتبنا لمدير معهد صامطة عن ذلك بخطابنا رقم 1146 ـ وتاريخ 11/6/89هـ فعليكم بمراجعته من جهة إدخاله .
والسلام .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 1151 في 12/6/1389هـ)
(1430 ـ التفضيل بقبيلة ، أو بلد ، ووظيفة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم مفوض شرطة حقل عبد العزيز قاره سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصلني كتابك الذي تسأل فيه عن التفضيل بين الناس بقبيلة أو بلد أو وظيفة ونحو ذلك . وهذا البحث ليس فيه كبير فائدة والأولى لمثلك الاشتغال بالأمور النافعة التي تعود على الإنسان بمصالح أموره الدينية والدنيوية ففي ذلك كفاية وغنية عن الخوض فيما عداها ، وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين للاشتغال بما يرضيه والسلام عليكم ورحمة الله .(6/139)
(ص ـ ف 1121 في 1/12/1378هـ) (1)
(1431 ـ س : إذا كان معسراً وتأخرت سنة ؟
جـ : إذا وجد ولو تأخرت ، بتبعها تحري الأيام السبعة بعد ذلك ولو شاب المولود ، وهي قربة في حق الأب (تقرير)
(1432 ـ س : إذا ولد ثم مات قبل أن يعق عنه ؟
جـ : يعق عنه بعد موته . هذا متمشي على أن المراد الشفاعة ، ولا يتمشى على أن مناسبتها حلو أخلاقه . إلخ (تقرير)
(1433 ـ قوله : ولا تسن الفرعة ،ولا العتيرة .
وفيما أفهم الآن أنه أقرب إلى التحريم .
قوله : والمراد بـ " لا فرع ولا عتيرة" (2) نفي كونهما سنة أي خلافاً لما يراه بعض الجاهلية من أن ذلك سنة . هذا معنى كلام بعضهم .
لكن النفي يفيد البطلان كـ " لا عدوى ولا طيرة:" (3) أفلا يكون " لا فرع ولا عتيرة " إبطال لذلك؟! .
فالأصل سقوط ذلك ، ولا حاجة إلى تأويل ، بل هو ساقط بالإسقاط النبوي ، سقط سنة وفعلاً .
هذا مع دلالة " من تشبه بقوم فهو منهم"(4) مع دلالة أن الرسول منع من مشابهة الجاهلية .
ثم هذا من باب العبادات ، والعبادات توقيفية ، فلو لم ينفها صلى الله عليه وسلم كانت منتفية ، فإن أمور الجاهلية كلها منتفية لا يحتاج إلى أن ينصص على كل واحد منها .
قوله : ولا يكرهان .
هذا تصريح بعدم الكراهة , وبعض الأصحاب قال بالكراهة . والذي نفهم أنه حرام .وهذا بالنسبة إلى تخصيصهم ذبح أول ولد تلده الناقة ، والذبح في العشر الأول من رجب . أما إن كان ما يفعله الجاهلية لآلهتهم فهو شرك . (تقرير)
(( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ))
__________
(1) وتنظر مسألة التبني في اللقيط ، وما ينبغي أن يدعى به ، واضافته إلى تابعية ملتقطه في الفتاوي المرقمة بـ (1286 في 18/6/86هـ و 874 في 9 ـ 6 ـ 83هـ و 995 في 24/5/1383هـ) .
(2) في الحديث الذي أخرجه الشيخان والامام أحمد .
(3) رواه مسلم .
(4) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود .(6/140)
" الحسبة"(1)
(1434 ـ نصيحة جامعة في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
(وجوب الأمر بالمعروف ، وأنه من فروض الكفايات ، مضار إهماله ، يمن يبدأ الآمر .
المنكرات قسمان :
الأول : لا يختص إنكاره بأحد الثاني يختص بالعلماء .
وجوب إعانة الآمر ، إستعمال أنجح الوسائل
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن إبراهيم إلى إخواننا المسلمين ، جعلنا الله وإياهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . آمين ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين ،والمهم الذي ابتعث الله له الأنبياء والمرسلين ، فلو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، قال الله تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } (2) فنعوذ بالله من اندراس هذا المهم العظيم ، واستيلاء المداهنة على القلوب وذهاب الغيرة الدينية .
__________
(1) يقترن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجهاد في أحكام ، ويفترقان في أحكام ، فلذلك أفردت الجهاد بمسائله ،وقدمت مسائل الأمر بالمعروف اتباعاً لبعض المؤلفين . وبعضهم يجعله في أول " كتاب الجهاد" .
(2) سورة الروم ـ آية 41 .(6/141)
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عنوان الإيمان ،ودليل السعادة والفلاح ، قال الله تعالى { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ،ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } (1) وقال تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (2) وقال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } (3) .
وقال تعالى : { لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } (4) وهذا غاية في التغليظ ، إذ علل استحقاقهم اللعنة باستهانتهم بأمر الله ، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وروى أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم "(5) .
__________
(1) سورة التوبة ـ آية 71 .
(2) سورة آل عمران ـ آية 104 .
(3) سورة آل عمران ـ آية110 .
(4) سورة المائدة ـ آية 78 .
(5) وفي هذا المعنى أحاديث رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم .(6/142)
وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"(1) وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه .
وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها . قال : يارب إن فيهم عبدك فلاناً لم يعصك طرفة عين . قال : فقال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط" وعن جرير مرفوعاً " ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله بعذابه " رواه أحمد وغيره .
وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه مالم يمالئ قراؤها أمراءها ، ومالم يزك صلحاؤها فجارها ، ومالم يهن خيارها أشرارها ، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ، ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسومونهم سوء العذاب ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر " وذكر ابن أبي الدنيا ، عن إبراهيم ابن عمر الصنعاني ، قال : أوحى الله إلى يوشع بن نون : إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم ،وستين ألفاً من شرارهم . قال : يارب هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي ، وكانوا يواكلونهم ، ويشاربونهم .وذكر الإمام أحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً :" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم " " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم" .
__________
(1) أخرجه أبو داود والنسائي .(6/143)
وفي الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ماطفف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزاناً إلا منعهم الله القطر . وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون . ولا ظهر في قوم القتل يقتل بعضهم بعضاً إلا سلط الله عليهم عدوهم . ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف . وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم" .
وفي الصحيح من حديث أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " وفي رواية " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ" وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها : مثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به ، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا : مالك . قال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء . فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم . وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " رواه البخاري .
والأحاديث في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً .
فاتقوا الله عباد الله . وهبوا من رقدتكم ، واستيقظوا من غفلتكم ، وقوموا بأمر ربكم ، ومروا بالمعروف ،وانهوا عن المنكر ،وتناصحوا فيما بينكم ، وتواصوا بالحق ، وتواصوا بالصبر . وكل إنسان مسئول بحبسه ، وعلى قدر طاقته واستطاعته ، ففي الحديث :" ما منكم من أحد إلا وهو على ثغرٍ من ثغور الإسلام ، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله " .(6/144)
وعلى الآمر بالمعروف أن يستعمل أنجع الوسائل لإزالة المنكر وتغييره قال الله تعالى : { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"(1) .
كما أن عليه أن يصبر ويحتسب إذا أوذي في الله أو أسمع ما يكره قال تعالى حاكياً عن لقمان في وصيته لابنه : { يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (2) .
والقائم في هذا الأمر ستكون له العاقبة الطيبة والذكر الجميل قال تعالى : { والعاقبة للمتقين } (3) .
وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بذلك على الغني والفقير ، والقريب والبعيد ،والشريف والوضيع ، ولا يخاف في الله لومة لائم . ففي حديث عائشة رضي الله عنها : " إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد . وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .
وتحرم الشفاعة لأهل الجرائم ، فعن ابن عمر مرفوعاً :" من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره " .
وفي الموطأ :" إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع" وفي الصحيح من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعن الله من آوى محدثاً" .
أعاذنا الله وإياكم من أسباب غضبه وأليم عقابه ، وهدانا وإياكم الصراط المستقيم .وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . ( 18/9/1376هـ) (4)
__________
(1) سورة النحل ـ آية 125 .
(2) سورة لقمان ـ آية 17
(3) سورة الأعراف ـ آية 128 .
(4) ويأتي في "النصائح العامة" أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الواجبات على الوجه الشرعي ، واقامة الحدود والتعازيز على المنهج المرعي في الفتوى الصادرة بتاريخ(14/9/73هـ و 13/3/78هـ)
ويأتي في (باب الغضب) أن انكار المنكر فرض كفاية ، إذا قام به من يكفى فذاك ، والا تعين على جميع من علم به ، ولكن بشرط أن لا يترتب على اتلاف ما ذكر منكر أكبر منه .(6/145)
(1435 ـ المنهج الشرعي لرجال الهيئة)
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، محمد وآله وصحبه وبعد :
فحيث كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم ما فرضه الله على عباده ، وهو من أخص وآكد مراتب الجهاد في سبيل الله الذي لا قوام للدين والدنيا إلا به .
كان من الواجب علينا وعلى ولي أمر المسلمين ، بل وعلى المسلمين أجمعين الاهتمام به غاية الاهتمام ،و إعطاؤه من العناية قولاً وفعلاً وتعاوناً على ذلك ما يسبب استقامة الدين ،والنجاة من غضب رب العالمين ، وقد قال الله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون . ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } (1) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعن من كان قبلكم "(2) .
وهو كغيره من مهمات الدين ،وأصوله العظيمة ، فيحتاج في القيام فيه إلى إخلاص القصد لله تعالى ، وإلى الصبر في ذلك ، وإلى أن يكون على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن لم يكن خالصاً كان شركاً ورياءً . وإن لم يكن بصدق مع الله وبذل لغاية الوسع ونهاية الطاقة وإسخاط جميع الخلق برضاء الله كان كذباً وبهرجاً . وإن لم يكن على وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كان بدعة واعتداء .
__________
(1) سورة آل عمران ـ آية 104 ـ 105 .
(2) وتقدم تخريجه .(6/146)
ويجب على ولاة الأمور ـ أمراء المسلمين وعلمائهم ـ أن لا تأخذهم في هذا السبيل لومة لائم ، وأن يستحضروا موقفهم أمام الله سبحانه وتعالى وسؤاله إياهم عن ما استرعاهم عليه . وأول شيء يسألون عنه من أمور رعيتهم وأهمه وأكبر أمر دينهم ، والأخذ على أيدي سفهائهم بغاية الصرامة في هذا المقام ، بما يحول بينهم وبين معاصي الله تعالى ، مما هو في الحقيقة من الإحسان إليهم . فإنه لا يمكن أن يوجد إحسان إلى شخص أعظم من أن يحال بينه وبين أسباب هلاكه وارتباكه في شباك عدوه حق العداوة ابليس أعاذنا الله وجميع المسلمين منه .
والمقام يفتقر إلى : قوة علمية ،وقوة إرادية ، وقوة تنظيمية ،وقوة تنفيذية .
فبالقوة العلمية يعرف الطريق ليسلك .
وبالقوة الإرادية يسلك الطريق ويستمر في السير .
وبالقوة التنظيمية تحصل قوة السير وكماله .
وبالقوة التنفيذية تحصل الثمرة والنتيجة .
فيتعين اتخاذ منهج شرعي لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونظام يضمن الغاية المقصودة ها هنا .
ومن أهم ذلك تقسيم رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى " ثلاثة أقسام" :
" قسم مراقبون " : أي متجولون في الأسواق والشوارع وأنحاء البلد ، ولا سيما ما يغلب على الظن وجود المعاصي فيه . ويكون ذلك عاماً ليلاً ونهاراً حسب الإمكان . ويشترك فيهم الديانة ،والأمانة ، والعلم ، والرفق حسب الإمكان ،والتثبت . ويضم إليهم جنود بقدر الكفاية . فإذا عثر واحد منهم علىمن يعمل أو يتكلم بالمعاصي فإنهم لا يضربونه ، بل يمكسونه حتى يأتوا به إلى مرجعهم وهو الرئيس العام أو مرجعهم المباشر إن كان ، حتى ينهيه إلى الرئيس العام بتفصيل يقرر في النظام العام .(6/147)
" القسم الثاني" جهة قضاء وهي الرئاسة العامة لرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهي المرجع النهائي في إثبات ما يرفع إليها وعدمه . ووظيفتها إثبات ما رفع إليها وعدمه شرعاً ، وتكتب ما ثبت لديها ، وتبين عقوبته الشرعية جنساً وقدراً . وذلك في جميع عقوبات الجلد والسجن ومادون ذلك ، لا فرق بين الحدود والتعزيزات في ذلك . ثم بعد ذلك تحيله إلى " القسم الثالث" وهو " قسم التنفيذ " ووظيفته هي التنفيذ فقط .
وعلى أقسام رجال الهيئة الثلاثة تقوى الله تعالى ، ومراقبته : بالتثبت ، وأخذ الأمور بوجوهها الشرعية ، وأن لا يقصروا في أمر الله سبحانه وتعالى ،وليحذروا المداهنة والمحابات .
وليعلم أن على " والي الحسبة" وهو رئيس رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القيام بالأمر بما أوجب الله ، و إنكار جميع المنكرات ،وعقوبة فاعلها . ولا يتوقف ذلك على دعوى ومدعي عليه ، فإن ذلك من المنكرات التي يجب على ولي الأمر إنكارها والنهي عنها ،ووالي الحسبة بمنزلة الأمير المطاع ،والمطلوب منه العدل ، مثل الأمير ،والحاكم .
والله ولي التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
(ص ـ م 127 ـ 30 ـ 1 في 10/1/1377هـ )
(1436 ـ رفعه إلى رئيس الحسبة )
ومعنى حديث :" ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"(1) رفعه إلى رئيس الحسبة في تفصيل . فإذا اطلع على أن الناس سيسعون فساداً وهو لا يقدر فيرفع أمرهم . (تقرير الأربعين)
(1437 ـ إذا سمع المنكر في بيت ولم يره )
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب الفضيلة رئيس المحكمة الشرعية الكبرى الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فبالإشارة إلى مذكرتكم رقم 56 ـ 4 في 15/2/1375هـ المرفق بها المعاملة الخاصة بالحكم الصادر من المستعجلة الأولى بخصوص ما سمع في بيت خالد عابد القزاز ، وما ذكره القاضي أن البينة قاصرة . إلخ ..
__________
(1) أخرجه مسلم .(6/148)
أفيدكم أنه بدرس أوراق المعاملة المذكورة ظهر أن البينة موصلة بالنسبة لسماع المنكر في البيت المذكور ،وحيث أن ما ارتكب في البيت المذكور منكراً سواء باشر فعل المنكر أو أقر عليه ، لا سيما أن المنكر سمع في بيت المذكور عدة مرات بصفة تدل على الاستهتار وقلة المبالاة .
فعليه أرى تعزير المذكور ، وردعه عقوبة له وعبرة لأمثاله والسلام . 15/3/1375هـ .
(ص ـ ف 137 في 15/3/1375هـ) .
(1438 ـ نصيحة لأمير بلد بإعانة أهل الحسبة واحسان الظن بأهل العلم والخير )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أمير عنيزة خالد العبد العزيز السليم سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فقد وصل إلينا خطابكم ، وأحطت علماً بما فيه . ولا يخفاك ـ وفقنا الله وإياك ـ أن الشيخ " محمد المطوع " وكذلك النواب الثلاثة أعزاء لدينا ، وأنهم من خواصنا ، لا لقرابة بيننا وبينهم ولا لمادة دنيوية ، ولا لوطن خاص ومجاورة مسكن لمسكن ، إنما هو لله سبحانه وتعالى ، لما لدى الشيخ من العلم ، والتقوى ، وخشية الله وحده ، وموقفه مع كل من في ولاته موقف العدل والإنصاف ، ومحبة الخير لهم خاصة وعامهم .
وأما " النواب الثلاثة " فلما كان لدينا ولدى كل من له اهتمام بأمر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في إصلاح البلاد والعباد ، والجد والاجتهاد عن كل ما يكف عن الردى والفساد .
ومن أخص مناقبهم لدينا مزيد اتصالهم بالشيخ ، فإن العلم مادة النور ، ومادة الحياة ،وكل من كان أقرب من حملته استنار قلبه بالحق أكثر ، واكتسب من الحياة المعنوية الدينية ا لتي هي حياة القلوب أتم من غيره وأكمل .(6/149)
وأنتم بيت مشهور . ومنصب الإمارة يتطلب شخصاً يسلك في العلم وأهل الخير المسلك الذي يكون جمالاً وستراً له في الدنيا والآخرة ،ويعالج نفسه وقلبه دائماً بمحبتهم وحسن الظن بهم ،والبعد كل البعد والابعاد كل الابعاد والحذر والتحذير إلى الغاية عن جميع ما يشين في الدين والسمت والسيرة الجميلة .
أما الأرض التي ذكرتم أن ابن جلالي استولى عليها وباعها ، فإن صبح الحق يسفر ولابد بصدق الصادق وأمانة الأمين ،أو خلاف ذلك . والزكاة ـ الواجب أن لا تؤخر عن وقت وجوبها ، بل تتعين المبادرة إلى جبايتها وإيصالها إلى مستحقيها على الوجه الذي تبرؤ به الذمة ، ويحصل به مقصودها الشرعي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ( ص ـ م في 21/4/1377هـ)
(1439 ـ لا يغالى في ذم شخص لأجل العصبية)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرمين سليمان العلي ... وحمد السليمان ... ورفقائهما سلمهم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :ـ
وصلني كتابكم تاريخ 11/4/74هـ وفهمت ما ذكرتم وتعلمون أن الدين النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وإني أصحكم بتقوى الله ومراقبته في السر والعلانية ، وأن تحرصوا كل الحرص على جمع كلمة المسلمين ، والتأليف بين قلوبهم ،وألا تؤثرنّ عليكم العصبية والبغضاء لإنسان أن تغالوا في ذمة وتبالغوا في سبه .
وإني مع اعقادي أن معكم بعض الصواب إلا أني لا أظن أن كل ما ذكرتم صحيح ، لأني أعرف أن في البلد شقاقاً وخلافاً قديماً .
فعليكم أن تسلكوا سبيل القصد في القول والتشكي من أي إنسان تنقمون عليه بعض أعماله ، وسوف أجتهد وأبذل جهدي وأتثبت لكم وأبحث مع المذكورين حتى أصل إلى ما فيه الخير والصلاح لكم ولها إن شاء الله . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ( ص ـ ف في 74هـ)
(1440 ـ إذا تقرر أن الحسبة معروفين بالعدالة لم يفتح باب الجرح فيهم )(6/150)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم القائم بأعمال رئاسة القضاة بالمنطقة الغربية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على أوراق المكاتبة المشفوعة الواردة إلينا منكم برقم وتاريخ المتعلقة بما رفعه فضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالحجاز حول قضية المتهم بالسكر محمد العزبي ، وما أجراه قاضي المستعجلة الأولى بمكة من تمكينه المتهم من الطعن في شهادة أعضاء الهيئة الذين شاهدوه في حالة السكر ، كما جرى الاطلاع على ما أجاب به قاضي المستعجلة الأولى برقم وتاريخ
وبتأمل الجميع استنكرنا ما صنعه قاضي المستعجلة الأولى ، ووجدناه بناه على خطإ في أصل القضية ، وذلك أن " مسألة الحسبة " ليست من باب الدعوى والإجابة ، ولا يشترط لها شروطها ، بل هي من باب إخبار الشخص بما شاهد ، فهي كالبينة المثبتة ، ولا تفتقر إلى إقامة دعوى ، ولهذا صرح رحمهم الله : بأنه لا تصح ولا تسمع دعوى حسبة بحق الله كعبادة من صلاة وزكاة وحج ونحوها وحد زنا أو شرب مسكر ونحوه . فهذه المسائل وأشباهها لا تسمع الدعوى فيها ، بل لا تصح إقامة الدعوى فيها ، كما أنه لا يستحلف من أنكر شيئاً مما ذكر ، وإنما تسمع البينة بذلك والشهادة به لأن الشاهد بها لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً .
وحيث تقرر أن هذا ليس من باب الدعوى والإجابة ،وتقرر أيضاً أن الأشخاص القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معروفون بالعدالة والأمانة : فاجراء قاضي المستعجلة الأولى وفتحه باب الجرح فيهم إجراء في غير محله ، فينبغي له ـ هداه الله ـ أن ينتبه لمثل هذا . والسلام عليكم .
(ص ـ ف 155 في 9/2/1382هـ) .
حمل ثقيل والعافية لا يعدلها شيء . ونسأل الله أن يهدينا وإياكم ويستر على الجميع .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ( ص ـ م 1898 في 14/11/1375هـ)
(1442 ـ حماية الدعاة وإن حصل منهم مبالغة في الكلام )(6/151)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الأفخم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
سلمك الله ـ وصلى إلى علمي ما حصل على عبد الله بن حمد الجلالي ورفقائه في عنيزة من السجن ، نتيجة أنهم رفعوا اتهامات ضد رئيس بلدية عنيزة ، وأن التحقيق الذي أجرى معهم أظهر أنهم مبالغون فيه رفعوه .
والحقيقة ـ سلمك الله ـ التي أحب أن يفهمها سموكم من كتابتي هذه أنني لا أقصد تخطئتكم فيما اتخذتموه بحق المذكورين مما تقصدون به صلاح الرعية والتأديب الرامي إلى ذلك ، وليس دفاعاً عما ينال أبدان المذكورين .
ولكن الأمر الذي دعاني إلى كتابة خطابي هذا هو أن مركز المذكورين مركز خير ونصح ، وأنهم مشهود لهم بالخير ، وصدق الولاء لولاة أمورهم ،والسمع والطاعة ،ولهم أعداء على ذلك من المغرضين الذين يبغضون الخير وأهله . فالتشديد على أولئك الأخيار الذين حصل ما حصل منهم بدافع الغيرة ومحبة إصلاح مجتمعهم وبلادهم سينشأ عنه إضعاف مركزهم الديني ،وإفساح المجال لأهل الشر بالتطاول وعدم المبالاة بهم وما ينتمون إليه .
ولذا أرى ـ حفظك الله ـ أن يكتفي بسجنهم عشرة أيام . وما أنا إلا مشير وناصح لما سمعت بما حصل ، وأن كبار أهل البلد والمؤيدين للخير وأهله قد تأثروا مما حصل على المذكورين . فأرجوا أن تقبلوا نصيحتي هذه التي قصدت بها المصلحة العامة ،وإعزاز جانب أهل الخير الذي أنتم تهدفون إليه . وأسأل الله سبحانه أن ينصر بكم دينه ،ويجعل التوفيق للخير حليفكم . والسلام عليكم ورحمة الله .
(ص ـ م 2504 في 25/6/1388هـ)
(1443 ـ تعزير معتد على قاضي يأمر بالمعروف )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ صالح بن أحمد الخريصي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ(6/152)
فقد وصلني خطابكم رقم 33 وتاريخ 1/2/1378هـ واطلعت علىما فيه من ذكر الحادث الذي حصل عليكم . وهذه في الحقيقة مصيبة علينا وعلى الدين ، و إني في غاية التكدر ، وإن كان هذا الأمر ـ كما ذكرتم ـ كرامة في حقكم ومنقبة ، ولكن غيرة للموقف الديني العلمي أقلقني ذلك وأضجرني وأرقني ، فلا حول ولا قوة إلا بالله . وأنا من حين وصلني الخبر أبرقت لجلالة الملك ولولي العهد وأسأل الله بأسمائه وصفاته أن ينشط ولاتنا في الحق ،ويقمع بهم أهل الفساد والشر ، إنه على كل شيء قدير .
والسلام عليكم ورحمة الله . ( ص ـ م 275 في 2/2/1378هـ)
(1444 ـ والتنازل عن مثل هذا لا يسقط حق الله )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو أمير منطقة الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنشير إلى خطابكم رقم 7318 ـ 1 في 4/6/83هـ . على الأوراق المرفقة المتعلقة بدعوى عبد العزيز العريني إمام مسجد العبيد بالناصرية من أن حسن بن محمد الحسين قد تعدى عليه بالضرب عندما أمره بالصلاة ،ومشفوعها خطاب رئيس الحرس الملكي الذي أوضح فيه تنازل المدعي عن المدعى عليه والسماح له .
ونفيدكم سلمكم الله أن هذا التنازل يسقط حق المدعي الخاص ، ولكنه لا يسقط حق الله ، وذلك فيما يتعلق بمشادة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
لذا فإننا نرى تعميد المدعي العام بمحاكمته ، وإحالة القضية إلى المحكمة المستعجلة للنظر في القضية ،وتقرير ما يلزم شرعاً والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 1002 ـ 1 في 25/6/1383هـ)
(1445 ـ ومثل هذا أمر كبير وجناية)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز المحترم حرسه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/153)
نرفع لسموكم شكايتنا من تعدي المدعو جربوع وولده محمد من جماعة مسجد العماج الشمالي من قحطان ومعهم نساؤهم على مؤذن مسجدهم مسفر بن أحمد اليماني ،وضربهما للمذكور ،وإحداثهما فيه فعولاً .والحقيقة أن هذا أمر كبير وجناية توجب الاهتمام .
فنأمل سلمك الله القيام في هذه المسالة لله تعالى ،والأمر بحبس الجناة المذكورين النساء في حبس مثلهن والرجال في حبس الرجال والتنكيل بهم مما يردعهم ويردع أمثالهم ممن يروم إهانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . والحقيقة أن هذه الجناية كبيرة جداً ، كيف الآمر بالمعروف يعمل به هكذا : يأتونه في بيته ويسطون عليه ؟ والمسألة ثابتة عندي ، وإ ن ك ان لابد من ردها إلى المحكمة لتقرير ما يجب عليهم ، ولكن ينبغي أن يضربوا في السوق ا بتداءاً مع أخذهم بما يقرر عليهم شرعاً ، لأن هذه مسالة عظيمة . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( ص ـ م 1848 في 17 /11/1375هـ)
(1446 ـ إذا خيف وجود منكرات)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة الزلفى الثانية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إلينا كتابكم رقم 217 وتاريخ 4/7/1385هـ المرفق بما رفعه لكم رئيس هيئة الأمر بالمعروف بالزلفى وبعض الأهالي بالجهة الجنوبية من طلبهم وضع حد للشباب أصحاب الدراجات النارية الذين يخرجون إلى البر في الليل مما يثير التساؤلات حول خروجهم ، وأطلعنا على خطاب رئيس الهيئة والجماعة الموقعين معه ، وتطلبون رأينا فيما تجيبون به .
وبتأمل الجميع نرى أنه إذا ثبت لديكم ما شرحه لكم رئيس الهيئة والذين معه فإن هذا من المنكرات التي يتعين إنكارها ،ولكن أن تكتبوا عن ذلك بالطريقة التي تستحسنونها ،ووضع حد لمثل هذا . وإن ك ان فيه حالات استثنائية فتنبهون عليها . والله الموفق والسلام .(6/154)
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 2676 ـ 1 في 19/9/1385هـ) (1)
(1447 ـ جواز اتلاف آلات اللهو والصور المجسمة )
الحمد لله وحده .وبعد :
فقد تكرر السؤال عن جواز إتلاف آلات اللهو ، كالعود ، والمزمار ، والطبول ، ونحوها ، والإنكار على أهلها . وكذا الصور المجسمة ، وغيرها من المنكرات الظاهرة ، وذكر السائل أن هذه الأشياء قد كثرت في يد الناس ، وانتشرت في الأسواق وغيرها .
فأفتيت بما معناه : أنه يجوز بل يجب إتلاف ما ذكر ،والإنكار ع لى صاحبه ، لحديث :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه "(2) .
وهذا " فرض كفاية " إذا قام به من يكفي فذاك ، وإلا تعين على جميع من علم به . ولكن بشرط أن لا يترتب على إتلاف ما ذكر منكر أكبر منه ، وحينئذ فالمتعين إنكارها بالرفق والحكمة .
وإذا أتلفها فلا ضمان عليه ، لأنها ليست بمال ولا قيمة لها شرعاً ، صرح بذلك الفقهاء ،واستدلوا بحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشق آنية الخمر ، وتحريق مسجد الضرار ، وغير ذلك من النصوص الواردة في ذلك .
مع أن الحكومة أيدها الله تساعد من يسلك هذا المسلك . قاله ممليه الفقير إلى الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
مفتي البلاد السعويد ( ص ـ ف 983 ـ 1 في 15/4/1384هـ)
(1448 ـ يسن تكسير واتلاف أواني الخمور ويجوز بيعها وادخالها بيت المال )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة الشيخ الأخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف بالحجاز سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) وتقدم موضوع القيام بحملات في الأسواق على اللاتي يخرجن إلى الأسواق غير محتشمات ( من رسالة في صلاة الجماعة) برقم (13204/1 في 12/8/87هـ) .
(2) رواه مسلم بهذا اللفظ .(6/155)
فقد جرى الاطلاع على الأوراق المشفوعة بخطابكم رقم 1627 وتاريخ 10/6/1382هـ كما جرى الاطلاع على خطابكم المتضمن استفتاءكم عن أواني الخمور وما أشارت إليه وزارة الداخلية وفي خطابها رقم 4888 في 21/4/1382هـ من قولها : وفي حالة صلاح البراميل يسكب منها مادة السكر وتنظف جيداً وبيعها وادخال قيمتها بيت المال . وتطلبون منا إفتاءكم بما يجب اتباعه حيال ما ذكر .
ونفيدكم بأن تكسير وإتلاف أواني الخمور غير متعين ، وإنما هو مسنون ، لما فيه من الغلظة على أهل الشر ، إذ قد أمر صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها ،كما أمر صلى الله عليه وسلم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الأهلية ، ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم ، فدل على جواز الأمرين : الكسر ،وعدمه حيث أن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر .
وعليه فما دام ولاة الأمر رأوا أن المصلحة العامة تقتضي بيع هذه الأواني وإدخالها بيت المال . فلا بأس بذلك، بشرط أن يكون متولي إراقة تلك المسكرات وإتلافها جهة شرعية . والسلام عليكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ف 1593 في 23/8/1382هـ)
(1449 ـ إذا وجدت المخدرات اتخذت الاجراءات لحفظها ، ثم اتلافها )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة نائبنا بالمنطقة الغربية الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
إشارة إلى المكاتبة الواردة منكم برقم 1019 في 14/6/1380 هـ بشأن المخدرات المضبوطة مع محمد إسحاق كردي ورفيقه ، وطلب إدارة جمرك المدينة توديع ذلك إليها لتتولى إتلافها بحضور الهيئة .
ونفيدكم بأنه لا مانع من توديعه للجمرك بعد إجراء الآتي :
1 ـ إحصاء قطع تلك المخدرات عداً ووزناً ، وينظم المحضر اللازم بذلك ، على أن يشترك في هذه العملية عضو من هيئة الأمر بالمعروف .
2 ـ توديعه بعد ذلك إلى إدارة الجمرك رسمياً .(6/156)
3 ـ ضرورة حضور الهيئة التي تولت إحصاءه وختمه وقت الإتلاف ، للتأكد من سلامة الختم ، وعمل محضر بذلك بطريقة الإتلاف ورفعه إلينا .
4 ـ ونعيد إليكم المعاملة المشار إليها لإحالتها لمحكمة المدينة المنورة لإكمال اللازم حسبما جاء أعلاه .والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 30899 ـ 3 في 26/6/1380هـ)
(1450 ـ تفصيل في الإتلاف)
الآلات في الانكار تكسر كما في قصة الأيتام .
أما في غير بابه فإذا نقضت وصارت لا تصلح جاز .
وإذا كان مجهولاً لم تكسر الآنية ،كما في قصة إكفاء القدور .
(تقرير)
(1451 ـ س : هل تجب الهجرة من بلاد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون .
ج : البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام . تجب الهجرة منها ، وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير ولا غيرت فتجب الهجرة فالكفر بفشو الكفر وظهوره . هذه بلد كفر .
أما إذا كان قد يحكم فيها بعض الأفراد أو وجود كفريات قليلة لا تظهر فهي بلد إسلام . ( تقرير )
ما الذي سلط الأعداء على المسلمين ؟
إذا كان نفس الشيء الذي نقمه الرسول هو المقدم عندهم واستغنوا باسم الإسلام وصلاة ونحو ذلك .
إن في القرآن والسنة والشفاء والبيان .
شيء واضح بينه القرآن ووضحه في عدة مواضع أن المشركين مقرين بالربوبية ، ثم آيات أخر عينت الشيء الذي طلبوه ، فهذا هو الذي أنكره القرآن عليهم من جهة العقيدة .
ولعلك أن تقول : لو قال من حكم القانون : أنا أعتقد أنه باطل . فهذا لا أثر له ، بل هو عزل للشرع ، كما لو قال أحد : أنا أعبد الأوثان ، وأعتقد أنها باطل .
وإذا قدر على الهجرة من بلاد تقام فيها القوانين وجب ذلك (تقرير)
(1352 ـ س : إذا كان أهل بلد يقرون البغاء كا ... هل تكون بلد كفر ؟ أم لا ؟
جـ ـ هذا ليس كفراً ، إلا إذا استحلوه وهو معصية عظيمة كبرى ،ينبغي الهجرة من بلد دون هذا ، ويجب قتالهم حتى ينتهو عن ذلك . (تقرير)
(1453 ـ السكنى مع أناس لا يصلون )(6/157)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم فهد بن صالح قحطاني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن إنسان اضطرته ظروف الحياة إلى الاجتماع بأناس لا يصلون الصلوات الخمس ، وكان يسكن معهم في محلهم ، يأكلون جميعاً ، ويشربون ، ويباتون . وتسأل عن حكمهم ،وحكم من يسكن معهم ؟
والجواب : لا حول ولا قوة إلا بالله ما كنا نظن أن يوجد مثل هؤلاء بين ظهراني المسلمين .والواجب عليهم الرجوع إلى الله والتوبة إليه ، فإن التوبة تجب ما قبله ، وعلى جميع من يعلم بحالهم هذه أن ينصحهم ويكرر مناصحتهم ، فإن لم يمتثلوا قام عليهم غيرة لله تعالى ورفع بأمرهم إلى ولاة الأمر . كما أن على ولاة الأمر القيام عليهم وإلزامهم بالصلاة وغيرها من شعائر الإسلام .
وأما السكن معهم فلا يجوز للإنسان أن يسكن مع مثل هؤلاء ، بل عليه أن يناصحهم ، فإن امتثلوا وإلا فيفارقهم ويلتمس رفقاء غيرهم يعينونه على الطاعة ، فقد قال تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسيك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } (1) .
وفي الحديث " المرؤ على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل"(2) والله المستعان . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 1212 في 18/6/1389هـ) .
(1454 ـ أو مع شخص في غرفة المستشفى لا يصلي )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن فهد بن منيخر العجمي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد اطلعنا على خطابك بخصوص ما ذكرته من أنك تعالج في أحد مستشفيات الأمراض الصدرية في لبنان ، وأنك ساكن في حجرة في المستشفى مع سعودي لا يصلي ويعمل المنكرات . وتسأل : هل يلزمك الخروج من المستشفى نظراً لاجتماعك بهذا الفاسق في هذه الحجرة .
__________
(1) سورة الأنعام ـ آية 68 .
(2) أخرجه أبو داود .(6/158)
والجواب : إن تيسر لك استبداله بغيره ممن هو أحسن منه حالاً فهذا حسن ومتعين ، وإلا فلا بأس عليك بالسكنى معه ما دامت ضرورة علاجك تقتضي مكثك في هذا المستشفى ، وعليك بنصحه ، وإنكار ما يتعاطاه من المعاصي قدر استطاعتك . عافاك الله ووفقك .
والسلام عليكم مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 670 ـ 1 في 4/3/1386هـ)
(1455 ـ س : هل يجوز للمهاجر أن يمكث في بلده أكثر من ثلاث؟
جـ : إذا كان للدعوة إلى الله اغتفرت مفسدة المقام في الوطن ، كالمرأة المسلمة في بلد المشركين لا تفر منهم بدون محرم ، لأن المعنى في الحديث مقامه في مهاجره من أجل محبة الوطن وإيثار الجلوس فيه ، لا لأمر خارجي . (تقرير)
(1456 ـ س : النبي في غزوة الفتح أقام سبعة عشر يوماً؟
جـ : هذا لأجل الجهاد ، وتمهيد قواعد الدين (تقرير)
(1457 ـ يجب على أهل الحسبة الصبر والبصيرة سبب تفشي المنكرات)
ويكون مع أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصيرة وثبات على الحق ،ويعلم أنه سيصيبه شيء ،وإذا لم يعمل ذلك زاد البلاء فيما بعد ، فإن المنكرات ما تفشت إلا بسبب أن أول شيء يوجد يتساهل به ، فيكون الأول قد نسى وصار كعادة وصعب إزالته ، وتأتي الأمور الأخر وهكذا .والفعل له تأثير أعظم من القول وولاة الأمور قد يكون منهم زلل ،وإذا زل أحد فمرجعه إلى الحق ، لتعطل المفاسد ، كما يجب على الجانب الآخر الذين ما عندهم قوة باليد ـ البيان للمنكرات .
المقصود وجوب البيان معلوم مكانته ونفعه .
(تقرير الأطعمة 81هـ . نقل أوله للسبق ) .
الجهاد
(كتاب الجهاد)
(1458 ـ الحث على الجهاد)
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الدولة لشئون الإذاعة والصحافة والنشر سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/159)
فنبعث لكم برفقه صورة من البيان الذي أصدره العلماء في الرياض وهو ما يتعلق بأمر الناس بالجهاد ،وحثهم عليه ، لإذاعته على الناس .وفق الله الجميع لما فيه الخير . والسلام عليكم (1) .
(ص ـ ف 2000 في 22/10/1382هـ .
بسم الله الرحمن الرحيم(2)
الحمد لله نحمده ونستعينه ،ونستغفره ونتوب إليه ،ونعوذ به من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فقد قال الله تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده } (3) .
وقال عز وجل { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } (4) في الآية الأولى من هاتين الآيتين وما ماثلها من الآيات يأمرنا الله سبحانه بالجهاد فيه حق جهاده ، وحق الجهاد الذي أمرنا الله به هو الجهاد الخالص لله ، الموافق لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بفعل الطاعات ، ومن بينها الجهاد بقتال الكفار ، وبترك جميع المحذورات ، إمتثالاً لأمر الله ،وابتغاء لمرضاته .وفي الآية الأخرى يخبر سبحانه أنه يهدي المجاهدين فيه وأنه معهم .
و " الجهاد " في اللغة : مصدر جاهد ، يقال : جاهد يجاهد مجاهدة وجهاداً : إذا بذل وسعه .
__________
(1) ولسماحته مع غيره من المشايخ نصيحة في الحث على الجهاد في (الدرر السنية جـ 7 ص397)
أما يتعلق بنصب الإمام ، وشروطه ، وحكم الخروج عليه ، ونحو ذلك ففي (باب قتال أهل البغي ) حيث نصوا هناك على هذه المسائل .
(2) هذه نصيحة لم ترفق بالخطاب . ويحتمل أن تكون هي أول البيان .
(3) سورة الحج ـ آية 78 .
(4) سورة العنكبوت ـ آية 69 .(6/160)
وفي الشرع : له معنيان : عام ،وخاص . أما " العام " : فهو أن يجتهد المسلم مستعيناً بالله في تحصيل كل ما يقر به إلى الله وفي الابتعاد عن كل ما نهاه الله عنه . وأما " الخاص " فهو قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا .
وللجهاد " أربع مراتب" الأولى : جهاد النفس الثانية : جهاد الشيطان . الثالثة : جهاد أهل الظلم والبدع والمنكرات . الرابعة : جهاد الكفار والمنافقين ، وقد ذكر شمس الدين ابن القيم في (زاد المعاد) هذه المراتب مجملة ،ونحن نثبتها هنا بالتفصيل .
فأما جهاد ا لنفس فهو " أربع مراتب" أيضاً : الأولى : أن يجاهد الإنسان نفسه على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .
وهذا هو العلم الذي افترض الله عل كل إنسان معرفته ، وهو : معرفة الله سبحانه ، ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة .وقد بدأ الله سبحانه وتعالى بالعلم قبل القول والعمل ، فقال تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } (1) .
ولابد لنا أن نعلم الفرق في هذه الآية الكريمة وما ماثلها من الآيات بين العلم بلا إله إلا الله وبين مجرد التلفظ بها ، فالله عز وجل يأمرنا أن نعلم بأنه لا إله إلا الله ، وحينئذ يتبين لنا أن الله افترض على عباده من الجن والإنس أن يعرفوا معنى لا إله إلا الله لكي يستغفروه ويعبدوه على بصيرة ، لكي لا يضلوا كما ضل النصارى وافترض الله على عباده معرفة معنى لا إله إلا الله لكي يعرفوا معنى المعبود ، حتى لا يقعوا في عبادة عبد من عبيد الله أو مخلوق آخر من مخلوقاته ، كما قد وقع من كثير من المنتسبين للإسلام الذين عبدوا الأنبياء والصالحين وغيرهم من (2) .
(1459 ـ الحكم على البلد بالاسلام أو خلافه)
__________
(1) سورة محمد ـ آية 19 .
(2) سقط آخر هذه النصيحة ، ولم أجده بعد البحث التام وسؤال وزارة الاعلام .(6/161)
س : هل يحكم على أهل البلد بأنها بلاد كفر بظهور الشرك فيهم ، أو باطباقهم عليه ، أو بولايتهم .
ج : إذا ظهر الشرك ولم ينكر ويزال حكم عليها بالكفر ،ودعوى الإسلام لا تنفع فمتى وجد الشرك ظاهراً ولم يزال حكم عليها بالكفر .
(تقرير أصول الأحكام 28/3/1368)
(1460 ـ للقتال ثلاث مراتب)
ثم بالنسبة إلى قتال الكفار لذلك " ثلاث مراتب"
صدر الإسلام فيه الكف والصفح عن المشركين .
ثم انتقل إلى حال آخر ، وهو الإذن في قتال من قاتل ، لقوله : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } (1) .
ثم بعد ذلك الأذان والأمر بقتال المشركين ، كما قال : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } (2) وهي آية السيف . وهذا الحديث(3) مثل الآية ، فإنه كما شرع أن يقاتلوا دفعاً عن النفس ، فإنه في الآخر أذن في القتال وأمر حتى يدخلوا في الإسلام . (تقرير)
(1461 ـ قتالهم لأجل كفرهم)
ثم المعروف أن المشركين يقاتلون لأجل شركهم ، لا لأجل عدوانهم من أدلته حديث :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .. " (4) .
ولم يقل : نقاتل من قاتلنا ، ولا من نخشى شره .
{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } (5) .
فدل على أن قتالهم بالوصف : { الذين لا يؤمنون } هذا هو العلة { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } (6) .
يفيد أنهم يقاتلون لأجل شركهم ، فإن الإسم إذا كان بصيغة الوصف دل على اعتبار الوصف كقولك : أعط الفقير درهماً . " قاتلوا من كفر بالله"(7) .
__________
(1) سورة الحج ـ آية 39 .
(2) سورة التوبة ـ آية 5 .
(3) " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا .. "
(4) متفق عليه وأخرجه أصحاب السنن
(5) سورة التوبة ـ آية 29 .
(6) سورة التوبة آية 5 .
(7) وهو حديث سليمان بن بريدة عن أبيه . وقد أخرجه الامام أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه .(6/162)
هذا من البرهان على أن الكفرة يقاتلون لأجل كفرهم . والرسول أفهم الخلق ، فلو كا نوا لا يقاتلون إلا لأجل دفع شرهم لقال : إن قاتلوكم .
والله سبحانه لم يأمره أولاً بالجهاد ، ثم أمر بذلك بعد .
" أغزوا في سبيل الله"(1)
" جاهدوا المشركين بقلوبكم وأيديكم ، وألسنتكم"(2) في هذا الجهاد بأمرين ، أو بثلاثة أمور عندما يكون بإمكانه ، فإن الحديث يدل على أنهم يجاهدون بها كلها إذا أمكن ، وتقدم أن ذلك فرض كفاية.
الحجة والبيان هذه حصة أهل العلم :كشف الشبهات ، والذب بالقلم واللسان عن الدين ، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان :" أهجهم ... "(3) فالهجاء عندما يحتاج إليه ،وبيان الحق عندما يوجد شبهة : كله جهاد .
ولا تجد في كتب أهل الدعوة(4) ما يدل على أنهم يقاتلون لدفع شرهم ، بل لو سألت صاحب فطرة لأنبأك أنهم يقاتلون لكفرهم ، وهذه " مسألة فروعية" وبعض الإخوان يقول : و إن كانت فروعية فالقول بأنهم يقاتلون لأجل صيالهم كأنه يبطل مصارمتهم . (تقرير)
(1462 ـ اتفاق العلماء على وجوب القتال)
ونعرف شيئاً واحداً ، وهو : أن العلماء متفرقون على وجوب قتالهم ،لكن الذي أوجب الله : هل هو لأجل هذا ، أو لا . وكثير لا يدريه .
(1463 ـ الجمع بين القولين في : التعليل بدفع شرهم ، ولأجل كفرهم)
__________
(1) وهو حديث بريده السابق .
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي .
(3) وجبريل معك " اللهم أيده بروح القدس" .
(4) يريد : دعوة الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) وتلاميذه وتلاميذهم .(6/163)
مع أن هذه المسألة لا متعلق لأحد فيها : هم في كل زمان دائبون في ذلك ، فكيف مثل هذه الأزمان ، يتركون إلى متى ؟! وفي الحقيقة هم لا يزال شرهم ، هم إذا جاءت " مسألة الدين" فهم جميعاً على سلبها من المسلمين ، ويريدون أن يمنعوا الدين عن المسلمين ، ويبقوا هكذا : يستعمرونهم في مصالحهم . وقتالهم للمسلمين في الوقت الحاضر ، بالراديوات ،وبالمجلات ،وبالمدارس ،وغير ذلك .
وفي الحقيقة أنه من أعين المتعين قتالهم في الوقت الحاضر لو تيسر ( تقريرات في الموضوع)
(1464 ـ س : الرسالة المنسوبة لشيخ الإسلام : في " قتال الكفار" لأجل دفع شرهم(1) .
جـ ـ هذه جرى فيها بحث في مصر ،وبينا لهم بياناً تاماً في الموضوع ، وأنها عرضت على مشايخ الرياض وأنكروها .
وهذه الرسالة حقيقتها أن بعضها من كلامه ، ومحذوف منها شيء ، ومدخل فيها شيء آخر .
وكلامه في " الصارم المسلول" و " الجواب الصحيح" وغيرهما يخالف هذا وهو أنهم يقاتلون لأجل كفرهم ، مع أن حاصلها يرجع إلى القول الأول بالنسبة إلى الواقع ، فإن الكفار في هذه الأزمان الضرر حاصل منهم ، أو متوقع . فهم يسعون في ضرر الإسلام وأهله : الدول ،والطوائف (تقرير)
(1465 ـ أصناف من يقاتل )
أغلظ الكفار كفراً المرتدون . ثم بعدهم في الغلظ كفر الوثنية عبدة الأوثان . ثم بعد ذلك اليهود والنصارى . ولهذا بينهم من الفروق اشياء عديدة ، ولهذا الوثني لا يقر إلا بالإسلام أو السيف أما أهل الكتاب فيقرون بالشروط المعروفة { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } (2) والشروط على أهل الذمة معروفة .
__________
(1) طبعت في مصر .
(2) سورة التوبة ـ آية 29 .(6/164)
والوثنيون لا يقرون على دينهم على الراجح ،وإلا ففيه خلاف ، فقد ذهب بعض الأئمة إلى جواز أن يقروا بالجزية بالشروط التي تشترط على أهل الكتاب ، ويستدلون بحديث بريدة :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية ـ إلى قوله : وإذا لقيت عدوك من المشركين .. وإذ حاصرت أهل حصنٍ"(1) لكن الجمهور أجابوا بأن الحصون لأهل الكتاب ، فالمراد أهل الكتاب الذين هم من العرب ، أما من سواهم من الوثنيين فغير داخلين في هذا .
ومن تغليظ أحكامهم أن نساءهم لا تتزوج ، ولا تحل ذبائحهم ( تقرير)
(1467 ـ س : قتال مانعي الزكاة هل هو ردة ؟
جـ الصحيح أنه ردة ، لأن الصديق لم يفرق بينهم ولا الصحابة ولا من بعدهم . وفيه قول مرجوع أنه تأديب . (تقرير) (2) .
(1468 ـ إذا لم نقدر على القتال بالسلاح )
قوله : وهو فرض كفاية .
__________
(1) ونقدم بعضه وتخريجه .
(2) ولسماحة الشيخ محمد بن ابراهيم ـ رحمه الله ـ مع غيره من المشايخ رسالة في " الرافة" قالوا فيها : أما " الرافة" فافتينا الامام أن يلزموا بالبيعة على الاسلام ،ويمنعوا من اظهار شعائر دينهم الباطل . إلخ ..(انظر الدرر السنية جـ7 ص387) .
وله مع غيره من المشايخ نصيحة في حكم : مسجد حمزة ،وأبا رشيد ، والقوانين ، ودخول الحاج المصري بالصلح في (الدرر السنية جـ7 ص319 .
وله كذلك مع بعض المشايخ فتوى في " ثلاث مسائل" الأولى في جهاد من بني القصور مما يلي العراق . والثانية" في مسألة الأيال . " والثالث " في أن من العشائر الذين دخلوا في ولاية المسلمين طوائف لم يتعلموا دينهم (انظر الدر جـ7 ص320 ) .
أما الفتاوي في : قتال الخوارج ، وقتال أهل البغي . في (كتاب الحدود ) .(6/165)
لكن مثل هذه الأوقات في وجود الهدن المسوغة لم لا نقاتلهم بالأعمال : بأن نصلح أنفسنا ، فلم لا نقيم الدين في حقنا ، فيكون ترك الكفار ما له ميزة . فهنا شيء نقدر عليه وتركناه ، هذا ترك يسبب ترك الكل ، ترك فرائض في ذلك . لم نترك هذا كله ؟ . ( تقرير) .
(1469 ـ قوله : وذلك أنه ذروة سنام الجهاد )
لكن مسألة الجهاد مثل وقتنا هذا يتعين الذب عن الكيان بالمقالات ،وتفنيد مقالات الفسقة ، فإن هذا واجب . والأصحاب ذكروا هذا في المطولات ، ذكروا أنه يجب أن تكون طائفة تكشف الشبه ، وتبين مسائل الدين الواجبة ،وتذكر أدلة وجوبها ، ليكون على ثقة ويقين فيما يعمله في إسلامه .
فالحاصل أن ما أهمله العلماء في " المختصرات" هنا هو في كتب أهل السنة من السلف ومن يتبعهم . (تقرير) .
(1470 ـ لا يجب الجهاد على النساء)
" هل على النساء جهادٌ؟ قال : نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة"(1)
هذا يفيد أنه ليس عليهن جهاد ، فإنه ليس من شأنهن ، فإن شأنهن البيت ، وتربية الأطفال ،ونحو ذلك(2) وهذا بالنسة إلى الجهاد بالنفس .
أما إذا كانت ذات ثروة ، فعليها في ثروتها كما على الرجال ،وكذلك إذا كانت ذات حجة وبيان فعليها ذلك .
وطلب العلم داخل في (الجهاد) لحديث " من خرج لطلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"(3) .
(تقرير) .
(1471 ـ تفضيل النفقة في الجهاد )
قوله : ثم النفقة فيه .
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجه عن عائشة وعن عائشة قالت : قلت : يارسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد . قال : لكن أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور ، ثم لزوم الحصر . قالت : فلا أدع الحج بعد اذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . للبخاري والنسائي بلفظه .
(2) قلت : وتقدم هذا الموضوع في (الجنائز)
(3) أخرجه الترمذي ، والضياء عن أنس .(6/166)
تقدم لنا أفضل التطوعات : أن آكده الجهاد ، ثم ما ذكره بعده ،وعرفنا هناك أن هذا بالنسبة إليها أنفسها ، وإلا قد يكون بعضها أفضل حال ، وبعضها أفضل في حال أخرى .
ولهذا يقول أحمد : انظر ما كان أصلح لقلبك فافعله .مع أنه لا ينبغي أن يترك الآخر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم : تارة يؤثر الجهاد ، وتارة الحج . فينبغي للعبد أن يفعل هذا تارة ،وهذا تارة ، ويكون الأكثر ما هو الأصلح لقلبك . ولا سيما إذا كانتا متقاربتين في الذات . ولا تنظر إلى خفة ذلك إلى بدنك ، بل ما يقربك إلى الله ويبعدك من سخط الله .
إلا أن ها هنا مسألة ينبغي أن ينبه عليها : أن الإنسان لا يتكلف إلا ما يطيق ، فما لا يطيق بتحول عنه ، والعمل الذي يريحه أفضل . (تقرير)
(1472 ـ ضابط طاعة ولي الأمر )
قوله :أو استنفره الإمام .
بأن دعا بالعموم (نفر عام) فلا يجوز لأحد أن يتخلف ، وقد قال الله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } (1) فإنه يجب فيما هو طاعة لله بذاته ، وفيما لم يعلم أنه بذاته طاعة الله ، ولكن هذه موكولة لهم ، لأنهم يلقون من البال على تلك الأمور مالا يعتني به أفراد الرعية ، إلا في المعاصي فلا سمع لهم ولا طاعة(2) (تقرير)
(1473 ـ الأصوات التي لا تجدي)
{ ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون } (3) ليس ذكر الله هنا هو الاشتغال بالأصوات التي لا تجدي . (تقرير)
(1474 ـ الثبات إذا كانوا مثلي المسلمين ، أو أكثر .. )
__________
(1) سورة النساء ـ آية 59 .
(2) وانظر فتوى ( تحذير المناسك) ص28 منها .وتقدمت في (باب صفة الحج والعمرة)
(3) سورة الأنفال ـ آية 45 .(6/167)
ثم عند ذكر الثبات للعدو والصمود أمامه . نعرف أنه لا يحل للواحد أن ينصرف عن الإثنين . وإذا صار العدو أكثر من مثلي المسلمين جاز لهم الصدود عن وجوه العدو إنسحاباً لا فراراً .وكان المفروض أولاً أن الواحد عن عشرة ، والعشرة عن مائة . ولما كان في المسلمين من الإيمان والامتثال من الخير ، ونسخت بقوله : { خفف الله عنكم } الآية (1).
ثم هذه المسألة كونه لا ينثني إلا عن أكثر من مثليه . تعرف هناك حالة كأن يكونوا ألفاً والعدو ثلاثة آلاف ، ويعلموا أنهم إذا انثنوا لا يتركونهم . فإن هذا هو الاستشهاد . وكذلك لوخشوا أنهم يذهبون إلى نسائهم وبنيهم فلا يجوز الانثناء وإن كانوا أقل من نصفهم . ونبه على هذا الشيخ في الاختيارات(2) فإن هنا دفع وهنا تحصيل نفع . فمسألة الدفع مستثنى من هذا .نعرف هذا ونتطفن له . (تقرير)
(1475 ـ قد يتحول الرباط إلى فرض عين)
قوله : وتمام الرباط أربعون يوماً .
ولكن ليس معنى هذا أنه يخلى الرباط فيفروا ويتركونه ، فإنه قد يتحول إلى فر عين حتى يأتي متطوعين مكانهم . (تقرير)
(1476 ـ قوله : وأقله ساعة .
لأن الساعة مقدار من الزمن معروف يحصل فيه منافع ودفع مضار وليست الساعة هذه التي هي ستون دقيقة ، لكنها تقاربها . وأقرب ما يقرب هذا " من راح في الساعة الأولى"(3) (تقرير)
(1477 ـ ضابط ما يجب من طاعة الوالدين )
" أحيٌ والداك"(4) .
__________
(1) سورة الانفال ـ آية 66 .
(2) ص 311 .
(3) في حديث فضيلة التقدم إلى الجمعة .
(4) قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد " أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه .(6/168)
ثم ما ضابط ما يأمر به الوالدان؟ فإن الوالدين قد يأمران بالمعصية أو بالكفر { وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما } (1) وقصة سعد(2) .
فضابط ما يجب : أن يأمراه بما فيه مصلحة لهما . أما لو أمرا بما لا مصلحة لهما فيه أولهما فيه المضرة فلا يجب . ولكن إذا عصاهما فيسلك معهما ما يحصل اطمئنانهما وتأنيسهما . وإذا لم تكن الطاعة واجبة ، فهناك طاعة مندوبة : إذا طلبا ما ينفعهما وهو مباح . (تقرير)
(1478 ـ النمام يمنع )
قوله : ويمنع المخذل .
وكذلك" النمام" يمنع لا يخرج في الجيش ، فإنه يبذر البذور التي نتائجها التفريق بين المسلمين وعداوة بعضهم لبعض . (تقرير)
الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب ، ويستعملون " الشرنقات" إذا استولوا على واحد من الجزائريين ، ليعلمهم بالذخائر والمكامن ،ومن يأسرونه قد يكون من الأكابر فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا .
وهذه الإبرة تسكره إسكاراً مقيداً ، ثم هو مع هذا كلامه ما يختلط فهو يختص بما يبنيه بما كان حقيقة وصدقاً .
جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون : هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة ، ويقول : أموت أنا وأنا شهيد ـ مع أنهم يعذبونهم بأنواع العذاب .
__________
(1) سورة لقمان آية 15 .
(2) لما حلفت أمه أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ، ولا تأكل ولا تشرب .. فنزل : ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وأن جاهداك على أن تشرك بي ـ إلى قوله ـ معروفاً ) .(6/169)
فقلنا لهم : إذا ك ان كما تذكرون فيجوز ، ومن دليله : " آمنا برب الغلام "(1) وقول بعض أهل العلم : إن السفينة إلخ(2) إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه ،ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا ، فالقاعدة محكمة ،وهو مقتول ولابد . (تقرير)
(1480 ـ الاسترقاق ، وشبه المعترضين عليه)
قوله : ويكونون أرقاء بسبي .
ثم عند ذكر " الرقيق" هنا كلمة ،وهي أن بعض العصريين يعترضون على ثبوت الاسترقاق ، وهو أمر معلوم في الشرع وأحكامه في كتب الحديث والفقه معلومة .
وهذا الاعتراض مبني على " عقيدة ردية" وهو عدم الحكم على المشركين بالشرك والوثنية ، يريدون أن ما أطبق عليه الكثير من الوثنية ليس وثنية ، وهو أن من قال لا إله إلا الله فهو مسلم ، وهذا من النفاق ، والجهل العظيم ، ومرض القلب من جهة الاعتقاد ، فإن قوله :" أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله "(3) في شخص لم ينطق بها ، فإذا نطق بها ولو مع احتمال أنه خوف من بارقة السيف قبل منه ، فإن تبين أنه كما قال فذاك ، وإلا قتل بشرطه فيما بعد .
__________
(1) هذا في حديث صهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" وكان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر ، وفيه فقال الغلام للملك انك لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم تأخذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : بسم الله رب الغلام ففعل فمات فقال الناس آمنا برب الغلام ـ إلى آخر الحديث أخرجه مسلم بطوله .
(2) اذا خيف غرقها بالجميع جاز أن يلقى بعضهم ، واستدلوا بقصة يونس عليه السلام ، وذلك أن السفينة تلعب بها الأمواج من كل جانب وأشرفوا عل الغرق فساهموا على من تقع عليه القرعة يلقى في البحر لتخف بهم السفينة فوقعت القرعة على نبي الله يونس عليه السلام ثلاث مرات وهم يظنون به أن يلقى من بينهم ...
(3) أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه .(6/170)
وهي أيضاً " شبهة افرنجية" دخلت من عمل النصارى مع الرقيق مالا يعمل مثله في الإسلام ، وهم الآن يعملون مع أسود الجلد .. وسواء كان استرقاقهم بغنيمة أو غير ذلك .
ثم الإسلام الذي جعل الرق عليه بهذا السبب هو أيضاً جاء بالإحسان إليه ، وأن لا يساء إليه ، ويستخدم فيما يقدر عليه ، وفي الحديث " إخوانكم خولكم جعلكم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه"(1) .
فالشرع المطهر هو العدل ،وهو الميزان : مثل الطب والطبيب ـ تقريباً ، وإلا حاشا أن يضرب له مثل بالخالق ـ فإنه يقطع ما يحتاج للقطع ويشتق ما يحتاج للشق ومع ذلك هو قائم بالأغذية وما يحتاج إليه ،وذلك أنه بالشق ساع إلى حياته ، فكذلك ما جاء في الشرع من مكروه من قتل وحبس أو قطع كلها عقوبات في محلها .
ولكن هؤلاء الأقذار " الافرنج ونحوهم" ما عرفوا قدر أنفسهم التي هم بها أسوء حالاً من الكلاب والحمير ، وهم في كلماتهم كإبليس اعترض على الشرع والقدر بجهله .
وهذه "المسألة" قد بحث فيها أُناس من الإخوان ، ويريدون جواباً كتابياً ،وهي واضحة مثل الشمس ، إذا لم يعلم مانع من استرقاقه في الظاهر .
نعم هنا ينبغي أن يحتاط عن استرقاق : إما مسلم ،أو بيننا وبينهم هدنة تعصم أموالهم . أما شيء في أيدي أُناس مسترقين في اليمن وتهامة حتى يكون عند الواحد مائة ، وفي المغرب كذلك . (تقرير)
(1481 ـ هل للطائرات سهم)
س : الطائرات ونحوها هل يتصور أن يكون لها سهما .
جـ ـ لا يظهر ذلك ، هي أشبه بالإبل منها بالخيل ، والإبل امتنع القياس فيها . (تقرير)
(الأراض المغنومة)
(1482 ـ عقارات بيت المال في نجد وغيرها موقوفة على المسلمين ، لايجوز التنازل عنها , ولا إسقاطها عمن هي تحت يده وتصرف غلتها في مصارفها الشرعية) .
(بيت مال حرمه)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض وفقه الله
__________
(1) متفق عليه .(6/171)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
إشارة إلى المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 243 وتاريخ 23/2/1377هـ المختصة بقضية عقارات بيت المال بحرمة ، وما وردكم من جلالة الملك بهذا الشأن ـ فقد جرى دراستها والنظر فيها بالوجه الشرعي ، وبعد ذلك قررنا فيها قراراً مستوفي برقم 546 وتاريخ 6/5/1377هـ وها هو إليكم برفق المعاملة لاطلاع سموكم عليه ،ورفعه إلى جلالة الملك المعظم حفظه الله ، والله يحفظكم في 5/5/1377هـ .
(ص ـ ف 547 في 6/5/1377هـ)
" القرار "
الحمد لله حق حمده ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وجنده .وبعد :
فبناء على المعاملة ا لواردة إلينا في دار الإفتاء من إمارة الرياض من إمارة الرياض برقم 243 وتاريخ 23/3/77هـ عطفاً على الأمر الملكي المتضمن طلب البيان والافتاء عن الأملاك التي غنمها المسلمون أثناء قتالهم لأعداء الإسلام ، واستولوا عليها بحكم الغنيمة ، وهو المسمى : " بيت المال " هل يجوز لولي الأمر ـ أعزه الله ـ أن يسقطها ، أو يتنازل عنها لمن هي تحت يده . وبعد السؤال وما يترتب عليه من الجواب ـ أفتيت بما نصه :
الحمد لله . أما ما غنمه المسلمون في مقاتلتهم لأعداء الإسلام : من نخيل ، ومزارع ، وأبيار ، ونحوها ، وهو المعروف ببيت المال في حرمه وغيرها من بلدان نجد وغيرها ، فهذا لا يحل التنازل عنه ، ولا إسقاطه لمن هو تحت يده ،لأنه في حكم الموقوف شرعاً على الفاتحين ومن أتى بعدهم ممن يجاهدون في سبيل الله ويحافظون على كيان الأمة والذب عن الحوزة ،ويجاهدون بأنفسهم وأموالهم ، سواء أكان جهادهم بالسيف والسنان ، أو بالحجة والبيان ، والأدلة على هذا متكاثرة : من كتاب الله تعالى ،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وكلام أئمة العلماء من الحنابلة وغيرهم من أهل المذاهب الأربعة وعلماء الحديث وغيرهم .(6/172)
وها نحن نسوق بعضاً من ذلك ملخصاً على طريق التنبيه ،ونترك بقية الأدلة طلباً للاختصار ، قال الله تعالى: { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير } (1) .
وقال الإمام مجد الدين ابن تيمية في كتاب المنتقى : (باب حكم الأرضين المغنومة } عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أيما أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها . وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم" رواه أحمد ومسلم .
وعن سالم مولى عمر ، قال : قال عمر : أما والذي نفسي بيده لولا أن اترك آخر الناس بياناً ليس لهم من شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها . رواه البخاري .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها . وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه " رواه أحمد وأبو داود .
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في الكلام على شرح هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم :" أيما قرية ... إلخ " فيه التصريح بأن الأرض المفتوحة تكون للغانمين . قال الخطابي : فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم ،وأن خمسها لأهل الخمس ،وأربعة أخماسها للغانمين .وقوله " يقسمونها" أي يقسمون خراجها وقوله :" كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر" فيه تصريح بما وقع منه صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه عارض ذلك عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة نحو وقفها على المسلمين ،وضرب عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم .
__________
(1) سورة الأنفال ـ آية 41 .(6/173)
وروى أبو عبيد في " كتاب الأموال" من طريق أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد ، فشاور في ذلك ، فقال له علي رضي الله عنه : دعه يكون مادة للمسلمين ، فتركه . وأخرج أيضاً من طريق عبد الله بن قيس : أن عمر أراد قسمة الأرض ، فقال له معاذ : إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ، ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسداً ولا يجدون شيئاً ، فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم ، فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض ،وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم .
وذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا تقسم ، بل تكون وقفاً ، يقسم خراجها في مصالح المسلمين : من أرزاق المقاتلة ، وبناء القناطر والمساجد ، وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض . وحكى هذا القول ابن القيم عن جمهور الصحابة ، ورجحه ، وقال : إنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين . قال : ونازع في ذلك بلال وأصحابه ، وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها ، قال عمر : هذا غير المال ، ولكن أحبسه فيما يجري عليكم وعلى المسلمين .
قال بلال وأصحابه : اقسمها بيننا ، فقال عمر : اللهم اكفني بلالاً وذويه ، فما حال الحول ومنهم عين تطرف ، ثم وافق سائر الصحابة عمر .
ثم قال : ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة ، فصار مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة . فإن كان الأصلح قسمة البعض ووقفه البعض فعله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل " الأقسام الثلاثة" فإنه قسم أرض قريضة والنظير، وترك قسمة مكة ،وقسم بعض خيبر ، وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين .
وفي رواية لأحمد : أن الأرض تصير وقفاً بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف الإمام .(6/174)
وله " رواية ثالثة " : أن الإمام يقسمها بين الغانمين كما يقسم المنقول إلا أن يتركوا حقهم منها . قال : وهو مذهب الشافعي ، بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان ، وأن الجميع يسمى فيئاً و غنيمة ، ولكنه يرد عليه أن ظاهر سوق آية الحشر أن الفيء غير الغنيمة وأن له مصرفاً عاماً ، ولذلك قال عمر : إنها عمت الناس بقوله : { والذين جاءوا من بعدهم } (1) ولا يأتي حصة لمن جاء بعدهم إلا إذا بقيت الأرض محبسة للمسلمين ، إذ لو استحقها المباشرون للقتال وقسمت بينهم توارثها ورثة أولئك ، فكانت القرية والبلد تعبر إلى إمرأة واحدة أو صبي صغير .
وذهبت الحنفية إلى أن الإمام مخير بين القسمة بين الغانمين وأن يقرها لأربابها على خراج ، وينتزعها منهم ويقرها مع آخرين .
وقوله عليه السلام :" وعدتم من حيث بدأتم" أي رجعتم إلى الكفر بعد الإسلام .وهذا الحديث من أعلام النبوق ، لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ، ووضعهم الجزية والخراج ، ثم بطلان ذلك : إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه ، ولفظ " المنع" في الحديث يرشد إلى ذلك . وإما بإسلامهم .
ووجه استدلال المصنف بهذا الحديث على ما ترجم الباب به من حكم الأرضين المغنومة أو النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بأن الصحابة يضعون الخراج على الأرض ، ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك ، بل قرره لهم . ا هـ . ملخصاً .
والمراد بقوله : إلى أن يرى الإمام أن المصلحة تقتضي القسمة ، قسمتها بين الغانمين الذين باشروا القتال ـ كما هو معروف .
وقال أبو داود في سننه : (باب إيقاف أرض السواد وأرض العنوة) ثم ذكر حديث أبي هريرة المتقدم وغيره ـ أحاديث تركناها اختصاراً .
وكذلك قرر الإمام ابن رشد المالكي في كتابه " بداية المجتهد ،ونهاية المقتصد " وذكر كلام الائمة الأربعة رحمهم الله .
__________
(1) سورة الحشر ـ آية 10 .(6/175)
وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال" : وأما ما جاء في ترك القسم ، فإن هشيم بن بشير حدثنا ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي ، قال : لما افتتح المسلمون السواد ، قالوا لعمر : اقسمه بيننا ، فإنا افتتحناه عنوة . قال : فأبى ، فهي لمن جاء بعدكم من المسلمين ، وأخاف إن قسمته أن تفاسدوا بينكم في المياه ، فآثر فقراء أهل السواد في أراضيهم ، وضرب على رؤوسهم الجزية ، وعلى أرضهم الطسق " يعني الخراج" ولم يقسم بينهم ، ثم ساق عدة أحاديث في معنى هذا . ثم قال : فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين .
ـ يعني حكم النبي صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر ، وحكم عمر رضي الله عنه في أرض السواد ـ إلى آخر كلامه رحمه الله .
وأما كلام فقهاء الحنابلة في ذلك فهو معروف في كتبهم المطولات والمختصرات ، فقد صرح بمعنى ما ذكر في " المغني " و " المقنع" و " المنتهى" وشروحها ، وغيرها من كتب المذهب تركنا إيراد عبارتهم طلباً للاختصار .
وعلى هذا درج سلفنا الصالح ، وعليه عمل أئمة هذه الدعوة الإسلامية من الولاة والعلماء من لدن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ إلى وقتنا هذا ، مستندين بذلك إلى ما تقدم ذكره من الأدلة الشرعية ،ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، فقد حكموا بوقفها ، والاحتفاظ باسمها الأول (بيت المال) ولم يزل عملهم مستمراً على صرف ريعها في مصرفها الشرعي .(6/176)
إذا تبين هذا فإن على ولي الأمر ـ أعزه الله ـ أن يحافظ عليها من كل معتد ،ويولي على غلاتها رجلاً ثقة يقبضها ويصرفها في مصارفها الشرعية حسبما تقتضيه المصلحة :مثل مساعدة أئمة المساجد الكبار الذين يقومون بالإمامة والخطابة والتدريس والوعظ ولا سيما في القرى التي ليس فيها قضاة لحاجة المساجد إلى أئمة أكفاء ،ومثل رجل معلوم فقره وحاجته ، أو يكون عليه دين فيعطى بحسب حاله ، ونحو ذلك . وإنما يكون عطاء مثل هؤلاء من الريع والغلال . وأما العقارات فهي باقية بحالها ، ومحتفظ لها باسمها .
ولا يكون إعطاؤهم بصورة مستمرة كل سنة مثلاً ، بل يكون بصورة مؤقتة حسب الحاجة والمصلحة ، فيجتهد نائب الإمام عند حصول الثمار كل سنة بحسبها ، وينظر فيمن كان يعطى شيئاً منها فإن ك ان على حالته أعطاه ، وإن تغيرت حالته فالحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً .
قال ذلك ممليه الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف حامداً مصلياً مسلماً على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
في 3/5/1377هـ
(1483 ـ أراض الرياض التي كانت تزرع وتغرس )
أراضي البلاد الخراجية (كالرياض) حين قطعت دوراً هي في الأصل لبيت المال . الولاة إما قصروا ، أو ما جاء في علمهم هذا أو قصر غيرهم في البيان ، فتركوا تلك الأراضي لمن هي بيده فبيعت بتلك الأثمان . ومن هذا يظهر أنه لو احتيج لأرض من الأراضي وأن الولاة اشتدوا ولا عاوضوهم فإن تلك الاراضي لا يحكم عليها بأنها غصب إذ كانت في مصلحة من المصالح التي للمسلمين .
ورقبة الأرض لا تكون مغصوبة ،ويجري فيها الميراث ، والوارث ينزل منزلة من قبله (1) (تقرير)
__________
(1) ويأتي في (باب احياء الموت) إن شاء الله تعالى .
حكم الأرض البيضاء ، وهل تدخل في حكم بيت المال كالتي تزرع وتغرس .(6/177)
أما لو أخذت وأعطيتها زيد وعبيد فهذا شيء آخر من تحت يده أولى ـ ولا سيما في الأرض المعطلة التي لا تزرع ولا تغرس ، فإذا كان محل يجعل لطاعة فيتعين على ولاة الأمور التحلل منهم .
(1484 ـ تعشير أموال أهل الشرك )
(الأموال التي تجبى : أقسام)
قوله :وما أخذ من مال مشرك .
أهل الشرك إذا اتجروا إلينا وكان بيننا وبينهم هدنة فلنا أن نعشر أموالهم ، نأخذ من العشرة ريالاً .
أما أموال المسلمين فلا يجوز أن تعشر ، وجاء الوعيد في عشر المكاس (1) .
المكوس حرام ، ولا تخلط مع الفيء ، ولا مع الزكاة ، ولا مع الفيء الخاص ، بل كل له مصرف ، هذه يتولاها الذي جباها ، والحلال له مستحقون ، والحرام شأنه به الذي جباه . لكن لو توخى بها أشياء فيها نفع خفف عنه ، فإن أسوأ الدنانير دينار يجيء من غير محله ويدفع في غير محله ، يجبي معصية ويبذل معصية .
رحمة الله على الوالد كتب لفيصل رسالة ، قال : إعلم أن الأموال التي تجبى " ثلاثة أقسام" الزكاة ، والفيء ، والمكوس ، فيجب أن يعطى كلاً حكمه . وقوله : المكوس . مراده التي جباها من جباها وعصى بذلك .
المقصود من ذكر كلام الوالد أنه لا يخلط هذا مع هذا ، فالفيء لأناس مخصوصين ، والزكاة لأناس .
فالذي يحتوي عليه بيت مال المسلمين أشياء عديدة ، بل أوسع من ذلك أن الذي يجبيه الولاة أشياء (أحدها) الزكاة (الثاني) ما يدخل مدخلاً شرعياً وليس بزكاة : كالخمس ، وخمسه ، وكأموال الكفار التي تصل إلى المسلمين بغير إيجاف خيل ولا ركاب ، فيصرف في المصالح ،وإذا فضل شيء فهو لعموم المسلمين ، وهو الفيء .
__________
(1) وانظر (الدرر السنية في الأجوبة النجدية جـ5 ص 381 ـ 384 ) .(6/178)
" الثالث" المكوس . فإنها كثيراً ما يأخذها الولاة بغير حق بل بظلم ، ولكنها تعد في جملة ما يدخل على جنس الحكومات الإسلاميين ، فمنها ما هو شرعي . ومنها ما هو ظلم ، ولكن يتعلق به أحكام مع أنه ظلم : منها أنه إذا وضع معصية فإنه يجب أن يعدل فيه ، فيؤخذ على ولد الملك وطالب العلم ، و غير ذلك ويدخل ذلك في " المظالم المشتركة" ومن ذلك أن الأئمة إذا أخذوا شيئاً من هذه الأموال واجب عليهم أن يردوها ، فإذا جهلت أربابها حل لمن أعطيها من الجيش ، فكل مال يجهل صاحبه مصرفه الفيء فالشيء الذي من المكوس إذا تاب الإمام فأراد رده إلى أربابه وأهله لا يعرفون فيجوز أن يعطى لأحد مستحقي الفيء .
لكن هذه المسألة نسب من أجلها أن ابن تيمية يحلل المكوس لما قام به من الدعوة ، وكلامه مقيد موضح في أماكنه(1) .
كما قام دحلان واستجلب أناس من المغرب بيوتات علم جعلوا حول نجد يشنعون على أهل نجد كذا وكذا .
نعم ينوب المسلمين نائبة من خشية جيش أو دفع عدو بمال أو ينبثق شيء وليس في بيت المال شيء فلا باس ، مصالح المسلمين تؤخذ من مصالح المسلمين ، فإذا لم يكن شيء فهذا سائغ . أما سواه فلا (2) .
(تقرير) .
(1485 ـ مصارف الفيء)
قوله : يصرف في مصالح المسلمين .
من بناية المساجد والمدارس ، والربط ، وإصلاح الطرق ، وسد البثوق ، وعمل القناطر ، إلى غير ذلك مما هو ضروري للبلد أو حاجي للبلد . لكن في مثل هذه ينبغي أن يبدأ بالأهم ، ولا يبذل شيئاً زائداً عن القدر الكافي .
لكن عمل كل ما يلزم للبلد لا يمكن حصرها إلا بتتبع : مقابر مواقف للسيارات في نفس البلد مع حوالي البلد . (تقرير )
(1486ـ قوله : ولا يختص بالمقاتلة)
__________
(1) في فتوى " المظالم المشتركة " وغيرها .
(2) وانظر الفتاوي في اموال المجاهلي ونحوهم في (كتاب القضاء) لاختصاص النظر فيها بالقضاة .(6/179)
لا يختص الفيء بالمقاتلة ، بل حقهم فيها مقدم ، الذين يحمون حوزة الدين ، وكذلك تعليم العلم ، وكذلك أئمة المساجد ، والمؤذنين وسائر من يقومون بالمصالح الدينية : هم أحق من غيرهم في ذلك ، إذ مصالح الدين مقدمة على مصالح الوطن . الدين هو الصلاح ، مع ما في الدنيا من الشرور ، واستيلاء الغير من الأئمة الذين إذا استعملوا على أهل الدين حنقهم فوق كل حنق { يسومونكم } من أجل أنهم ذرية الدعاة ، هكذا يفعل المستعمرون إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا . ( تقرير)
(1487 ـ أخذ شيء على الاثمان التي تباع بها العقارات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 25008 ـ 17 ـ 9 المعطوف على خطاب ديوان ولي العهد برقم 1634 في 13/9/72 هـ حول ما رفعه لسموكم رئيس بلدية الرياض عن ما لاحظته البلدية من أن العقارات في مدينة الرياض تباع بدون رخص ، وأن دلالين العقارات لا شيخ لهم .
أما مسألة " شيخ الدلالين" للعقارات فموافق مناسب .
لكن أخذ شيء على الأثمان التي تباع بها العقارات لا يسوغ شرعاً بل هو من الظلم . وما يحتاجه شيخ الدلالين وغيره من مرتب يكون على بيت المال ، لأن من مصرف بيت المال المصالح العامة : من إصلاح الطرقات ، ومجاري المياه ، ونحو ذلك .وبيت المال لله الحمد غني .
أسأل الله تعالى أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، ويوفق إمام المسلمين وولي عهده ومن تحت أيديهم لإقامة الشرع المطهر ،والعمل به في الأخذ والإعطاء ، إنه على كل شيء قدير .والله يحفظكم .
(ص ـ م في 16/10/72هـ)
(1488 ـ وأجور التنظيفات من بيت المال)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ(6/180)
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 25019 ـ 17 ـ 9 المعطوف على خطاب ديوان ولي العهد رقم 2581 ـ 21 ـ 8 ـ 72 حول ما لاحظته بلدية الرياض من أن جميع البلديات في المملكة تتقاضى من ملاك البيوت والدكاكين نسباً معلومة من إيجارات العقارات ،وذلك كأجرة للعمال الذين ينظفون الشوارع ... إلخ ..
وترى البلدية أن يساهم سكان الرياض بقسطهم فيما يختص بتنظيف الأسواق والدكاكين .
وأفيد سموكم أن هذه الإصلاحات من التنظيفات للطرقات وغيرها الذي يقوم بها شرعاً هو بيت المال : لأن مصرفه هي المصالح الشرعية ، ومن جملتها إصلاح الطرقات ومجاري المياه .
ومن العجب اقتراح رئيس البلدية أن يقاس الرياض على الحجاز والإحساء ونحوهما ، بل الذي ينبغي أن يكون العمل الجاري في الريا هو الأسوة ، وأن يعمل بمثله في سائر أنحاء المملكة . أعني أن لا يتعرض لشيء من أموال الناس فيما يعمل في الطرق من إصلاح وتنظيف وغير ذلك ، لكون ذلك هو الأمر الشعري ،وبيت المال لله الحمد غني ،وفيه من القدرة على عمل المصالح من شتى الجهات ما يستغني به عن أن تؤخذ أموال الناس بغير طريق شرعي . والله يحفظكم .
(ص ـ م في 16/10/1372هـ)
(1490 ـ اتفقوا على دفع عشر حاصلات البلد : لمصالح القرية ، وضيوفها ، ثم امتنع بعضهم )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان العالي الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 4 ـ 22 ـ 4506 وتاريخ 10/11/1375هـ المرفق به المعاملة الخاصة بشكوى آل زيدي قبائل بني مغيد من امتناع موسى بن محمد مرعي وأخيه من دفع عشر حاصلاتهم الزراعية التي جرت عوائد القبيلة بتسليمه .(6/181)
أفيدكم أنه قد جرى الاطلاع على قرار قاضي أبها المرفق رقم 1605 في 23/9/1374هـ المتضمن إلزام موسى وأخيه بتسليم عشر حاصلاتهم الزراعية المتفق عليها حسب العادة بين أهل القرى لمصالح القرية وضيفها كالكلف السلطانية وما يلزم البلد مما حصل عليه الاتفاق ، على أن يكون بينهم بالتراضي والسوية .
ونرى أن لا بأس بإلزام القاضي إياهم ذلك . والسلام .
(ص ـ ف 756 في 21/11/1375هـ)
(1491 ـ فتوى في الموضوع)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محائل سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المرفوعة إلينا منكم رفق خطابكم رقم 414 بتاريخ 27/8/1382هـ المتعلقة بطلب عدة أشخاص من نواب بعض القبائل التابعين لقضائكم إلزام الأشخاص الذين لهم أملاك وحقوق مالية في قراهم وهم من قبائل أخر بغرم ما يترتب عليهم ضمن أهل المحلة المقيمين بها على حسب أملاكهم من الكلف التي تعود مصلحتها لأهل المحلة وتدفع الضرر عنهم ، وذكركم أنه جرى منكم تبليغ إمارة جهتكم بأنه لا يسوغ إعفاء الممتنع عن دفع ما يترتب عليه ضمن أهل المحلة من غرم دية يضمن بها أهل المحلة ، أو ضيافة ، أو شيء من الكلف العائدة بالمصلحة أو الدافعة ضرراً إذا كان مقيماً بالمحلة ولو لم يكن من أهلها إذا كان له فيها مال أو عقار أسوة بأهلها ، وذلك على سبيل العدالة والمساواة بأمثاله على حسب الأملاك ، عملاً بالعرف المتبع في تلك الجهات من مدد طويلة ،وأنكم اشترطتم لإقرار هذا انتفاء المفاسدة أو المغايرة للوجهة الشرعية إلى آخر ما ذكرتم . وأخيراً صار منكم التوقف في المسألة لعرضها علينا .(6/182)
ونفيدكم أنه لا يظهر لنا ما يخالف ما ذكرتم من إلزام الممتنع عن دفع ما يترتب عليه ممن له أملاك وأموال وهو مقيم في محله بأن يدفع ما يترتب عليه أسوة بأمثاله مما فيه جلب مصلحة أو دفع مضرة ونفيدكم أن هذه الكلف لا يخلو أمرها : إما أن يكون كلفاً واجبة شرعاً . وهذه لا شك في تحري العدل والمساواة في توزيعها على من وجبت عليه شرعاً إن كانوا في سبب التحمل سواء .وإما أن تكون مظالم مشتركة فيجب فيها كذلك مراعاة العدل والمساواة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته في " المظالم المشتركة" فهؤلاء المكرهون على أداء هذه الأموال عليهم لزوم العدل فيما يطلب منهم ، وليس لبعضهم أن يظلم بعضاً فيما يطلب منهم ، بل عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بغير حق ، كما عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بحق ، فإن هذه الكلف التي أخذت منهم بسبب نفوسهم وأموالهم هي بمنزلة غيرها بالنسبة إليهم ، وإنما يختلف حالها بالنسبة إلى الآخذ ، فقد يكون آخذاً بحق ، وقد يكون آخذاً بباطل ا هـ . وبالله التوفيق .والسلام عليكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ف 619 ـ 1 في 27/3/1383هـ)
(1492 ـ إذا أعطيت الزكوات للفقراء ، فمن أين يعطى أرباب الوظائف)
إذا أعطيت الزكوات للفقراء ، فأرباب الاستحقاق بسبب وظائفهم الدينية من قضاء وإمامة ونحوها والوظائف التي خلاف ذلك فتجرى عليهم مرتباتهم من الأموال التي خلاف الزكاة .
وينبغي أن لا يحرم من الزكاة من يعطى من بيت المال لأجل وظيفة إذا كان ما يأخذه من بيت المال لا يقوم بكفايته وكفاية من يمونه .
(من فتوى في إخراج الزكاة بتاريخ 4/5/74هـ)
(1493 ـ مرتب القضاة ينبغي أن لا ينقص إذا تقاعدوا)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء الأفخم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/183)
إشارة لمذكرة سموكم رقم 18081 في 20/10/78هـ المشفوعة بمعروض الشيخ ... قاضي محكمة حوطة بني تميم سابقاً ، بشأن طلبه تخصيص راتبه الذي كان يستلمه حينما كان بالقاء ،وطلب سموكم الإفادة بما لدينا ورأينا في طلبه .
أعرض لسموكم أنه قد جرى إحالة المذكور للتقاعد ،وسيعامل بمقتضى الأنظمة القائمة . وإن رأى سموكم العطف على المذكور بالأمر بإعطائه راتبه السابق كاملاً فهو مستحق وأهل للعطف ، وما ذكره من حاجته وكثرة عائلته فهو صحيح .
وبهذه المناسبة أعرض لسموكم أن القضاة لهم مكانة بين ذويهم خاصة ومن يعرفهم عامة ، ولهم عادات معروفة من ناحية سعة العيش ،واستقبال الناس ، وضيافتهم ، وكان بعضهم لا يكفيه راتب وظيفته لنفقاته المتنوعة ، فمتى أُحيل إلى التقاعد فإن دخله سيكون ضئيلاً ، وحينئذ يضطر لتغيير مجرى حياته المعيشية .
وإن رأى سموكم التفضل بالأمر بأن تكون إحالة القضاة الشرعيين إلى التقاعد بكامل رواتبهم استثناء من أحكام نظام التقاعد التي تطبق على عموم الموظفين فهو أمر محمود ، وفيه أيضاً تشطيع كامل لطلاب العلم الشريف ، ومدعاة للتنافس على تحصيله .
وعدد القضاة الشرعيين قليل ، ويندر إحالتهم للتقاعد . والقاضي إذا أحيل للتقاعد لم تنقطع صلة الناس به كسائر الموظفين ، بل يبقى يرشد العامة وينصحهم يذكرهم بواجبات دينهم وأحكام عباداتهم وفرق بين من يستفاد منه بعد انتهاء خدماته الوظيفية وبين من لا يستفاد منه ، والأمر لله ثم لكم ، والله يحفظكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 3491 ـ 5 في 26/1/1378هـ)
(1494 ـ جواب على طلب ابداء الملاحظات على نظام الموظفين العام )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي وزير الدولة لشئون رئاسة مجلس الوزراء وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/184)
فبالإشارة إلى التعميم الصادر منكم برقم 17030 وتاريخ 2/8/1380 هـ حول إبداء الملاحظات على نظام الموطفين العام نرفق لكم طيه الملاحظات التي عنت لنا بهذا الشأن ، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والمصلحة . والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 7339 ـ 2 في 24/1/1380أ )
(ومما جاء فيه ـ بعد بيان شمول التشريع لتحديد مقادير العقوبات على المخالفات بالنسبة للموظفين وغيرهم ـ ما يلي ) :
(6) سبق أن جرت منا إليكم عدة مخابرات بشأن طلب استثناء القضاة من بعض أحكام شروط التوظيف ، وكذا مفتشي القضاة ، وكتاب القضاة مكفوفي البصر ، وحصلت الموافقة على أكثر هذه الطلبات . فنرى أن تدرج هذه الاستثناءات ضمن النظام الجديد حتى يكون ذلك أضمن لبقائها .
كما أن هناك ملاحظات أخرى جوهرية وللمشاركة نثبتها كما يلي :
(أ) تعديل المادة (50) الخاصة بالإجازة العادية بحيث تكون حقاً من حقوق الموظفين ، وإذا اقتضت مصلحة العمل عدم قيامه بها فيعطى له راتبها .
(ب) إلغاء قرار مجلس الوزراء الخاص بعدم تمديد الإجازة الإدارية بإجازة مرضية لعدم واقعيته ، ولأنه مادام أن الإجازة مستوفيه للشروط النظامية فلا مانع من ذلك .
(ج) موظفو خارج الهيئة يساوون بموظفي داخل الهيئة في الإجازات العادية المرضية ، إذ لا مبرر للتفاوت الواقع بهما .
(د) من الأفضل منح الوزراء ومن في مرتبتهم حق تحوير أسماء الوظائف إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك.
(هـ) إعادة نظام الوكالات ، حيث أن إلغاءه بشأن تعطيل للأعمال ، خاصة عندما يمنح الموظف إجازة مرضية حيث يجب تأمين عمله .
(و) يحسن إعادة صرف السلفة للموظف المحتاج ، على أن لا تتجاوز ثلاثة رواتب ، تحسن عليه بنسبة الربع شهرياً ، وذلك لسد حاجته الضرورية .(6/185)
(ز) إذا أصيب الموظف بمرض أو جرح وهو على رأس العمل ولا يستطيع معه مزاولة عمله الرسمي ينبغي إعطاؤه راتبه كاملاً لمدة سنة واحدة ، بشرط أن يكون في خلال هذه المدة نائماً بالمستشفى ، وبموجب شهادة من مدير المستشفى ، وطبية تصدر شهرياً ويوضع فيها رقم الغرفة والسرير الخاص به ، وإذا خرج من المستشفى بعد مرور السنة ولا يستطيع مزاولة عمله فيستمر في صرف راتبه بنسبة النصف لمدة ستة شهور من تاريخ خروجه من المستشفى ، وإذا لم يعد بعد ذلك فتصفى حقوقه بموجب نظام التقاعد . أما إذا كان المرض أو الجرح ناشئاً بسبب الوظيفة فيمنح إجازة مرضية لمدة سنة كاملة براتب كامل ، ولمدة سنة أخرى بنصف الراتب ،وإذا لم يعد إلى عمله بعد هذه المدة فيحال إلى التقاعد بموجب النظام .
(ج) إلغاء المرتبة التاسعة ونقل جميع موظفيها إلى المرتبة الثامنة ، كما يحسن عدم إيقاف العلاوة الدورية ا لمستحقة للموظف حتى ولو وصل إلى نهاية مربوط المرتبة ، وذلك بالنسبة لموظفي المرتبة الرابعة فما دون ، على أن تكون العلاوة الدورية للمراتب الثامنة والسابعة كل سنتين خمسين ريالاً ، وللمراتب السادسة والخامسة ثمانون ريالاً ، وللمراتب الرابعة والثالثة والثانية مائة ريال .
(ط) يوضع بدل تنقل لموظفي المراتب السادسة فما دون كما يلي : لموظفي المرتبة السادسة 90 ريالاً ، وموظفي المرتبتين السابعة والثامنة 60 ريالاً ، وتلغى جميع السيارات الخاصة بنقل الموظفين .
(ي) يوضع بدل تنقل لموظفي خارج الهيئة كما يلي : 40 ريالاً للمرتبة الأولى ، ولموظفي المرتبة الثانية والثالثة 30 ريالاً .
(ك) تعديل مراتب خارج الهيئة ، بحيث تبدأ الثالثة من 300 إلى 400 ريالاً ، بعلاوة دورية كل سنتين 25 ريالاً ، والمرتبة الثانية من 400 إلى 500 ريالاً بعلاوة دورية كل سنتين 30 ريالاً ، والمرتبة الأولى من 60 إلى 1000 بعلاوة دورية كل سنتين 50 ريالاً .(6/186)
(ل) من المستحسن وضع لائحة لامتحان المسابقات ، بحيث يحتفظ بموجبها الحق للناجحين بالتعيين في المرتبة التي نجحوا فيها أو بما دونها إذا رغبوا ذلك خلال شهر واحد من إعلان نتيجة المسابقة .
(م) من الأحسن تعديل عطلتي عيد الفطر وعيد الأضحى بحيث تكون عطلة عيد الفطر ثمانية أيام تبدأ من يوم 28 رمضان كما هو المتبع حالياً ، وتنتهي بنهاية اليوم الخامس من شهر شوال .
أما عطلة عيد الأضحى فيحسن أن تبدأ من اليوم الخامس من شهر ذي الحجة ، وتنتهي بنهاية اليوم الخامس عشر . وذلك لإتاحة الفرصة للقاطنين في أطراف المملكة للحج والعودة إلى أعمالهم في الوقت المناسب . والله ولي التوفيق والسلام(1) .
رئيس القضاة .
(باب عقد الذمة وأحكامها )
(1495 ـ الوثنية المحضة لا تقر بحال لا في مشارق الأرض ولا في مغاربها . والمرتدون أغلظ وأغلظ ، واليهود والنصارى يقرون بالجزية ولكن لا في جزيرة العرب " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " (2) وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر بالجزية لإصلاح ما يصلحون منسوخ بما أوصى به عند موته.
(تقرير)
(1496 ـ التشبه بهم في اللباس)
لو شابهونا في اللباس لم يكن محرماً علينا ، بل يلزمون بلباس آخر . أما لباسهم فلا نلبسه ، وزيهم لا نتزيا به (تقرير) .
(1497 ـ الذين نهينا عن التشبه بهم لا ينحصرون اليوم فينبغي أن يكون لنا زي مخالف لزيهم(3) (تقرير عام 68) .
(1498 ـ لبس الكبوس ، وتحريم مشابهة الكفار عموماً )
__________
(1) ويأتي بية الجواب في الحدود ـ إن شاء الله .
(2) أنظر حكم من انتسب إلى التوراة والانجيل ولم يحققهما في (باب المحرمات في النكاح) .
(3) أنظر التشبه والتقليد والتبعية في فتوى في (الدبلة) صادرة برقم 1988/ 1 في 22/7/77 هـ والفتوى اللاذقية أيضاً وهما في (باب زكاة النقدين) وفي شروط الصلاة برقم 2887/1 في 16 .(6/187)
ما قولكم ـ وفقكم الله ـ في لبس الكبوس : محرم هو ، أو مكروه ، أو جائز ، وهل هو تشبه بالنصارى في لباسهم ؟ وما حكم مشابهة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ؟ وما هو التشبه بهم ؟ وهل يختص ذلك بالأمور الدينية ، أو يتناول الأمور العادية أيضاً .
الجواب : الحمد لله . لا ريب في تحريم لبس الكبوس ، لكونه مما اختص به النصارى من الإنكليز والأمريكان ونحوهما . ومشابهة الكفار معلومة التحريم في الجملة : بالكتاب ، والسنة ، والإجماع . ولا يختص ذلك بالأمور الدينية ، بل يشمل الأمور العادية لشمول العلة التي من أجلها حرم التشبه بهم للنوعين جميعاً . ولا ريب أن ضابط التشبه بهم هو فعل ما هو من خصائصهم .
أما تحريم مشابهة الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والأعاجم وسائر أنواع المشركين الكفار الأصليين والكفار المرتدين فهو معلوم بالأدلة : من الكتاب ،والسنة والإجماع .
فمن أدلة " الكتاب العزيز " قوله تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } (1) وقوله تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } (2) وقوله تعالى : { وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون } (3) .
في آيات كثيرة سردها أبو العباس ، شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم ، في مخالفة أصحاب الجحيم " وقرر دلالتها على ذلك في كتابه المذكور أتم تقرير ، ولولا خشية الإطالة لذكرت ذلك أو أكثره أو كثيراً منه هاهنا .
وأنا أشير إلى وجه دلالتها على ذلك ، كما أني سأذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى نبذاً من كلامه في هذا الباب .
__________
(1) سورة آل عمران ـ آية 110 .
(2) سورة الانعام ـ آية 159 .
(3) سورة التوبة ـ آية 69 .(6/188)
وأما الأدلة من " السنة الثابتة" عن النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم مشابهة الكفار والمشركين من اليهود والنصارى وغيرهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لتأخذن كما أخذت الأمم قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع ، حتى لو أن أحداً من أولئك دخل حجر ضب لدخلتموه" قال أبو هريرة : إقرءوا إن شئتم: { كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوةً } الآية(1) قالوا : يارسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب ، قال : فهل الناس إلا هم"(2) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الىية أنه قال : ما أشبه الليلة بالبارحة ، هؤلاء بنوا إسرائيل تشبهنا بهم . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا ؟
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم" قال عبد الرحمن بن عوف : نكون كما أمرنا الله عز وجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنافسون ، ثم تحاسدون ، ثم تدابرون أو تباغضون أو غير ذلك ، ثم تنطلقون إلى مساكين المهاجرين فتحملون رقاب بعضهم على رقاب بعض " وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله سبحانه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " .
__________
(1) يورة التوبة ـ آية 69 .
(2) قال ابن جريج : واخبرني زياد بن بن سعد عن محمد بن زياد بن مهاجر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا والذي نفسي بيده لتأخذن الخ . قال ابن كثير : وهذا الحديث له شاهد في الصحيح . أ هـ من تفسيره .(6/189)
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " وقال :" إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله"(1) والله يامعشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى ألا يقوم به . والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
وسنذكرها فيما بعد إن شاء الله ، وهي أصرح دلالة من هذه الأحاديث المذكورة ها هنا .
فنهى الله ـ جل ثناؤه ـ إيانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات يدل على ذمهم على التفرق والاختلاف ، مما يدل على تحريم التفرق والاختلاف في نفسه ، كما يفيد منع المسلمين من مشابهتهم في ذلك منع تحريم ، كاخباره تعالى في الآية الثانية عن { الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس منهم في شيء مما يفيد تحريمه ، تحريم تشبهنا بهم في ذلك وغيره ، كما قال عمر رضي الله عنه أو غيره : نعم الاخوة لكم بنوا إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة . يريد رضى الله عنه أن المراد من تعيير الله تعالى اليهود والنصارى على تحريفهم وتبديلهم واختلافهم على أنبيائهم تحذيرنا أن نصنع كما صنعوا ، فنستحق من التعيير والذم والعقاب نظير ما استحقوا . وهذا كله يفيد تحريم مشابهة المسلمين للكفار .(6/190)
كذمه تعالى من ذمهم في الآية الثالثة قوله تعالى: { كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوةً ، وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم } والخلاق هو النصيب والحظ . إشارة إلى اتباع الشهوات وهو داء العصاة . وقوله : { وخضتم كالذي خاضوا } : إشارة إلى اتباع الشبهات وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات ، وكثيراً ما يجتمعان . وذم من تشبه بهم بقوله : { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا } تحذيراً لنا من التشبه بهم ، فنستحق ما استحقوه من الذم والعقاب الذي سجله تعالى عليهم بقوله : { أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون } ولهذا أعقب أبو هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم" لتأخذن كما أخذت الأمم قبلكم ذراعاً بذراع" الخ : إقرءوا إن شئتم : { كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة } الآية .
وما في حديث أبي هريرة ، وحديث ابن عباس ، وحديث ابن مسعود ، وحديث ابن عمر ، وحديث أبي سعيد ، وحديث معاوية رضي الله عنهم : من أخذ هذه الأمة مأخذ من قبلها ، ومشابهتها لهم وإتيان ما أتى على هذه الأمم عليهم ، ووقوع التفرق فيهم كما وقع فيمن قبلهم ، ونحو ذلك ، كما أخبر به الرسول من سلوك هذه الأمة مسلك من قبلها من اليهود والنصارى وفارس وغيرهم ،ونظير ما أخبر الله به من قبلنا في سورة " براءة" في إفادته ذمهم ، وتحريم ما فعلوه ، وذم من تشبه بهم من هذه الأمة ، وتحريم التشبه بهم .
وتطابقت دلالة الكتاب والسنة على تحريم مشابهة اليهود والنصارى وسائر أصناف المشركين والكفار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولا يقال : فإذا كان الكتاب والسنة قد دلا على وقوع ذلك فما فائدة الني عنه .(6/191)
قيل : لأن الكتاب والسنة أيضاً قد دلا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، وأنها لا تجتمع على ضلالة ، ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة المنصورة ، وتثبيتها ، وزيادة إيمانها فنسأل الله المجيب أن يجعلنا منها .
وأيضاً لو فرض أن الناس لا يترك أحد منهم هذه المشابهة المنكرة لكان في العلم بها معرفة القبيح والإيمان بذلك ، فإن نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خير وإن لم يعمل به ، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد العمل الذي لم يقترن به علم ، فإن الإنسان إذا عرف المعروف وأنكر المنكر كان خيراً من أن يكون ميت القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً . ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من رأى من كم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم . وفي لفظ : " وليس وراء ذلك من الإيمان " رواه مسلم . وفي لفظ : " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ " وإنكار القلب هو الإيمان بأن هذا منكر ،وكراهته لذلك ، فإذا حصل هذا كله كان في القلب إيمان ، وإذا فقد القلب معرفة هذا المعروف وإنكار هذا المنكر ارتفع هذا الإيمان من القلب .
وقال شيخ الإسلام أيضاً بعد كلام سبق : فإن ها هنا شيئين : " أحدهما " : أن نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين ، لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم ، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه حتى رأى ما اتصف به المغضوب عليهم والضالون من مرض القلب الذي ضرره أشر من ضرر أمراض الأبدان .
و"الثاني" أن نفس ما هم عليه من الهدي والخلق قد يكون مضراً أو منتقصاً ، فينهى عنه أو يؤمر به لما فيه من المنفعة والكمال .(6/192)
وليس شيء من أمورهم إلا وهو إما مضر ، أو ناقص ، لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنصوخة ونحوها مضرة ، وما بأيديهم مما لم ينسخ أصله وهو يقبل الزيادةوالنقص . فمخالفتهم فيه بأن يشرع ما يحصله على وجه الكمال ، ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملاً قط . فإذا المخالفة لهم فيها منفعة وصلاح لنا في كل أمورنا ، حتى ما هم عليه من إتقان أمور دنياهم قد يكون مضراً بآخرتنا أو بما هو أهم منه من أمر دنيانا ، فالمخالفة فيه صلاح لنا .
و"بالجملة" فالكفر بمنزلة مرض القلب أو أشد ، ومتى كان القلب مريضاً لم يصح شيء من الأعضاء صحة مطلقة ، وإنما الصلاح أن لا تشابه مريض القلب في شيء من أموره وإن خفي عليك مرض ذلك العضو ، ولكن يكفيك أن فساد الأصل لابد أن يؤثر في الفرع . ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله ، فإن من في قلبه مرض قد يرتاب في الأمر بنفس المخالفة لعدم استبانته لفائدته أو يتوهم أن هذا من جنس أمر الملوك والرؤساء ا لقاصدين للعلو في الأرض . ولعمري إن النبوة غاية الملك الذي يؤتيه الله من يشار وينزعه ممن يشاء ، ولكن ملك النبوة هو غاية صلاح من أطاع الرسول من العباد في معاشه ومعاده .
وحقيقة الأمر أن جميع أعمال الكافر وأموره لابد فيها من خلل يمنعها أن تتم له منفعة بها ، ولو فرض صلاح شيء من أموره على التمام لا يستحق بذلك ثواب الآخرة ، ولكن كل أموره : إما فاسدة ، وإما ناقصة فالحمد لله على نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم وأم كل خير ، كما يحب ربنا ويرضى . فقد تبين أن نفس مخالفتهم أمر مقصود للشارع في الجملة . انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله .(6/193)
ومن الأحاديث الدالة على تحريم مشابهتهم : حديث ابن عمر رضي الله عنه ، المروي في الصحيحين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" رواه البخاري ومسلم ،وهذا لفظه . وروى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس" .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : والسلف تارة يعللون الكراهة بالتشبه بأهل الكتاب ، وتارة بالتشبه بالأعاجم . وكلا العلتين منصوص في السنة مع أن الصادق صلى الله عليه وسلم قد أخبر بوقوع المشابهة لهؤلاء وهؤلاء ، كما قدمنا بيانه . انتهى .(6/194)
وقال الترمذي : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود بالإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف" وفي الصحيحين عن أبي عثمان النهدي ، قال : كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد : يا عتبة إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك ، فاشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك ، وإياك والتنعم ، وزي أهل الشرك ، ولبوس الحرير ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبوس الحرير وقال : إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه الوسطى " والسبابة وضمهما" وروى أبو بكر الخلال بإسناده ، عن محمد بن سيرين ، أن حذيفة بن اليمان أتى بيتاً فرأى فيه حادثتين ـ فيه أباريق الصفر والرصاص ، فلم يدخله ، وقال : من تشبه بقوم فهو منهم . وفي لفظ آخر : فرأى شيئاً من زي العجم فخرج ، وقال : من تشبه بقوم فهو منهم . وعن جبير بن نفير ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال : إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها " رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام : علل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار ، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا ، أو مما يعتاده الكفار لذلك ، كما أنه في الحديث قال : إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا ، وهي للمؤمنين في الآخرة ، ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبهاً بالكفار . أ هـ .(6/195)
وقال علي بن أبي صالح السواق كنا في وليمة ، فجاء أحمد بن حنبل ، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة فخرج ، فلحقه صاحب الدار فنفظ يده في وجهه ، وقال : زي المجوس ، زي المجوس . وروى(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله ولا يشرك به ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه :" اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" : واعلم أن في كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه كثير ، مثل قوله لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب من المثلات : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } (2) وقوله: { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } (3) وأمثال ذلك . ومنها ما يدل على مقصودنا ،ومنها ما فيه إشارة وتتميم للمقصود . ثم متى كان المقصود بيان أن مخالفتهم في عامة أمورهم أصلح لنا فجميع الآيات دالة على ذلك , وإن كان المقصود أن مخالفتهم واجبة علينا فهذا إنما يدل عليه بعض الآيات دون بعض . أ هـ .
وقال شيخ الإسلام أيضاً : وإذا كانت مخالفتهم سبباً لظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله ، فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة . أ هـ .
__________
(1) بياض بالأصل . والحديث أخرجه أحمد في المسند ، وأبو يعلى في مسنده ، والطبراني في الكبير عن ابن عمر (الجامع الصغير) .
(2) سورة الحشر ـ آية 2 .
(3) سورة يوسف ـ آية 111 .(6/196)
وقال شيخ الإسلام أيضاً : فإن جميع ما يعملونه مما ليس من أعمال المسلمين السابقين : إما كفر ، وإما معصية ، و إما شعار كفر ، أو شعار معصية ، وإما مظنة الكفر والمعصية ،وإما أن يخاف أن يجر إلى المعصية . وما أحسب أحداً ينازع في جميع هذا ، ولئن نازع فيه فلا يمكنه أن ينازع في أن المخالفة فيه أقرب إلى المخالفة في الكفر والمعصية ، وأن حصول هذه المصلحة في الأعمال أقرب من حصولها في المكان .
وقال شيخ الإسلام أيضاً : وهذا بين في أن مفارقة المسلم المشرك في اللباس أمر مطلوب للشارع ، كقوله :" فصل ما بين الحلال والحرام الدفُ والصوت في النكاح"(1) .
وقال شيخ الإسلام ايضاً : قلت : وهذا فيه خلاف : هل يلزمون بالتغيير ، أو الواجب علينا إذا امتنعوا أن نغير نحن ، وأما وجوب أصل المغايرة فما علمت فيه خلافاً .
وقال شيخ الإسلام أيضاً (الوجه الثامن) من الاعتبار : أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة ، حتى إن الرجلين إذ كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم ، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين أو كانا متهاجرين .
وقال شيخ الإسلام أيضاً : وهذا قد توجب الشريعة مخالفتهم فيه ، وقد توجب عليهم مخالفتنا ـ كما في الزي ونحوه . وقد يقتصر على الاستحباب ، كما في : صبغ اللحية ، والصلاة في النعلين ، والجلود . وقد تبلغ إلى الكراهة ، كما في تأخير المغرب والفطور ، بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذاًَ عنهم ، فإن الأصل فيه التحريم ، لما قدمنا . أ هـ .
__________
(1) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم .(6/197)
وقال شيخ الإسلام أيضاً : فقد تبين لك أن من أصل دروس دين الله وشرائعه وظهور الكفر والمعاصي والتشبه بالكافرين ، كما أن من أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم ، ولهذا عظم وقوع البدع في الدين وإن لم يكن فيها تشبه بالكفار ، فكيف إذا جمعت الوصفين . ولهذا جاء في الحديث " ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع عنهم من السنة مثلها"أ هـ . (1) .
وأما" الإجماع" فذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال : إنه من وجوه :
من ذلك أن أمير المؤمنين عمر في الصحابة رضي الله عنهم ثم عامة الأئمة بعده وسائر الفقهاء جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمة من النصارى وغيرهم فيما شرطوه على أنفسهم : أن نوقر المسلمين . على آخر الشروط ، وفيها : وأن لا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم . وفيها أيضاً : وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن نشد الزنانير على أوساطنا . قال شيخ الإسلام رحمه الله : وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم ، وهي مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة ، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها ، وهي أصناف .
__________
(1) وخرج ابن وضاح عن ابن عباس قال : ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا بدعة وأماتوا فيه سنة ، حتى تحيا البدع وتموت السنن . وعن أبي ادريس الخولاني أ،ه كان يقول : ما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع الله بها عنهم سنته . وذكر في الاعتصام ج1 ص144 ـ آثاراً في هذا المعنى أيضاً .(6/198)
" الصنف الأول" ما مقصوده التمييز عن المسلمين في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام ونحوها ، ليتميز المسلم من الكافر ، ولا يشبه أحدهما الآخر في الظاهر . ولم يرض عمر رضي الله عنه والمسلمون بأصل التمييز ، بل بالتمييز في عامة الهدي ـ على تفاصيل معروفة في غ ير هذا الموضع ، وذلك يقتضي إجماع المسلمين على التميز عن الكفار ظاهراً ، وترك التشبه بهم . ولقد كان أمراء الهدى مثل العمرين و غيرهما يبالغون في تحقيق ذلك بما يتم به المقصود .
ثم ذكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله في ذلك ، وتقدمه إلى عماله بذلك، ثم ذكر موقف أبي جعفر المتوكل حول هذا الصدد ومراجعته الإمام أحمد . إلى أن قال :
ومن جملة الشروط ما يعود بإخفاء منكرات دينهم وترك إظهارها ، كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس والنيران والأعياد ونحو ذلك .
ومنها ما يعود بإخفاء شعار دينهم كأصواتهم بكتابهم .
فاتفق عمر رضي الله عنه والمسلمون معه وسائر العلماء بعده ومن وفقه الله تعالى من ولاة الأمور على منعهم من أن يظهروا في دار الإسلام شيئاً مما يختصون به ، مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين ، فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها هم . إلى أن قال :
"الوجه الثاني" من دلائل الإجماع : أن هذه القاعدة قد أمر بها غير واحد من الصحابة والتابعين في أوقات متفرقة ، وقضايا متعددة ، وانتشرت ولم ينكرها منكر . فعن قيس بن أبي حازم ، قال : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على إمرأة من أحمس يقال لها زينب ، فرآها لا تتكلم فقال : مالها لا تتكلم ؟ قالوا : حجت مصمتة .(6/199)
فقال لها : تكلمي ، فإن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية ، فتكلمت ، فقالت : من أنت . قال : إمرؤ من المهاجرين . فقالت : من أي المهاجرين . قال : من قريش . قالت : من أي قريش؟ قال : إنك لسؤول ، وقال :أنا أبو بكر . قالت : ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية . قال : بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم . قالت : وما الأئمة؟ . قال : أما كان لقومكم رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم . قالت : بلى . قال : فهم أولئك على الناس رواه البخاري في صحيحه ، فأخبر أبو بكر أن الصمت المطلق لا يحل ، وعقب ذلك بقوله : هذا من عمل الجاهلية . قاصداً بذلك عيب هذا العمل وذمه ، وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علة ، فدل على أن كونه من عمل الجاهلية وصف يوجب النهي عنه والمنع منه .
إلى أن قال : وقد قدمنا ما رواه البخاري في " صحيحه" عن عمر رضي الله عنه ، أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس : إياكم وزي أهل الشرك . وهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي المشركين .(6/200)
وقال الإمام أحمد في " المسند " حدثنا يزيد ، حدثنا عاصم ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عمر ، أنه قال : ازروا ، وارتدوا ، واتعلوا والبسوا الخفاف والسراويلات والقوا الركب ، وانزوا نزواً ، وعليكم بالمعدية ، وارموا الأغراض ، وذروا التنعم وزي العجم ، وإياكم والحرير ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه ، وقال :" لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا ، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه" وقال أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا عاصم الأحول ، عن أبي عثمان ، قال : جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان : ياعتبة بن فرقد ، إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ، ولبوس الحرير " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير وقال :إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه " وهذا ثابت على شرط الصحيحين وفيه أن عمر رضي الله عنه أمر بالمعدية ، وهي زي بني معد بن عدنان وهم العرب ، فالمعدية نسبة إلى معد ،ونهى عن زي العجم وزي المشركين ، وهذا عام كما لا يخفى ، وقد تقدم هذا مرفوعاً . والله أعلم إلى أن قال رحمه الله :" الوجه الثالث" في تقرير الإجماع ما ذكره عامة علماء الإسلام من المتقدمين والأئمة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار أو مخالفة الأعاجم ، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه ، وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة ، وهذا بعد التأمل والنظر يورث علماً ضرورياً باتفاق الأئمة على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم ، والأمر بمخالفتهم . وأنا أذكر من ذلك نكتا في مذاهب الأئمة المتبوعين اليوم ، مع ما تقدم في أثناء الكلام عن غير واحد من العلماء . فذكر رحمه الله نكتاً في ذلك : من مذهب أبي حنيفة ، ومذهب مالك ، ومذهب الشافعي ، ومذهب أحمد ـ رحمهم الله ـ ذكروا في الشروط على أهل الذمة منعهم من التشبه بالمسلمين في لباسهم وغيره ، مما يتضمن(6/201)
منع المسلمين أيضاً من مشابهتهم في ذلك ، تفريقاً بين علامة المسلمين وعلامة الكفار ، وبالغ طائفة منهم فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعاراً لهم ،وإن كان في الأصل مسنوناً واتفقت الطائفتان على أن النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم . فإذا كان هذا في التشبه بأهل البدع فكيف بالكفار . وكره تسمية الشهور بالعجمية ،والأشخاص بالأسماء الفارسية مثل آذرماه ، وقال للذي دعاه : زي المجوس ،ونقض يده في وجهه .
وهذا كثير في نصوص لا ينحصر . انتهى ببعض اختصار .
وقال شيخ الإسلام ايضاً : ثم إن " الصراط المستقيم" : هو أمور باطنة في القلب : من اعتقادات ، وإرادات ، وغير ذلك . وأمور ظاهرة : من أقوال وأفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضاً عادات : في الطعام ، واللباس ، والنكاح ، والمسكن ،والاجتماع ، والافتراق ، والسفر ، والاقامة ، والركوب ، وغير ذلك . وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ، وقد بعث الله عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين المغضوب عليهم والضالين ، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر ، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور :
"منها" أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقون إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمر محسوس ، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقها ،ويصير طبعه مقتضياً لذلك ، إلا أن يمنعه من ذلك مانع .(6/202)
و"منها" أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال ، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان ، وتحقق ما قطع الله من الموالات بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين . وكل ما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام ـ لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً ، أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة ـ كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم ، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد .
و"منها" أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر ، حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين ، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة .
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم ، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر ، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم . فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له . والله أعلم . أ هـ .
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أيضاً : وهنا نكتة قد نبهت عليها في هذا الكتاب ، وهي أن الأمر بموافقة أقوام أو بمخالفتهم قد يكون لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة . وكذلك نفس قصد مخالفتهم ، أو نفس مخالفتهم مصلحة ، بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة ،وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة .(6/203)
ولهذا نحن ننتفع بنفس موافقتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين المهاجرين والأنصار في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا فيها مصلحة ، لما يورث ذلك من محبتهم وائتلاف قلوبنا بقلوبهم ، وإن كان ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى ، إلى غير ذلك من الفوائد . وكذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها . وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة لأن ذلك الفعل الذي يوافق العبد فيه أو يخالف متضمن للمصحلة والمفسدة ولو لم يفعلوه ، لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف ، فتكون موافقتهم دليلاً على المفسدة ومخالفتهم دليلاً على المصلحة . أ هـ .
(فصل)
ومما قدمناه من الآيات الكريمات والأحاديث وكلام شيخ الإسلام رحمه الله : يتضح تحريم لباس " الكبوس" وأنه لا فرق بين الكبوس الكبير والصغير ، ولا بين ما يتخذه الإنكليز والأمريكان وغيرهم من سائر أنواع الكفار من الهند والأعاجم والوثنيين الأصليين والوثنيين المرتدين وغيرهم ،ولا بين ما يلبسه المدنيون من النصارى وغيرهم وما يلبسه رجال الجيش ، ولا بين من قصده التشبه بهم ومن لم يقصد ذلك ، ولا فرق ايضاً بين الكبوس وغيره مما هو من زيهم المختص بهم كالزنار وغيرهم مما هو من خصائص الكفار ، وأنه لا فرق بين ما يدخل في العبادات كأعيادهم الزمانية والمكانية وغيرها . وما لا يدخل في العبادات كالعادات ، يجامع وجود المشابهة وفقد المخالفة الذي ينتج عنه من الأضرار الدينية والنقص وكونه من أولئك الذين تشبه بهم وانقطاعه من الإلتحاق بأولياء الله وحزبه مطلقاً أو نسبياً ما لا يخفى .
ولولا غربة الإسلام وتغير الأحوال لما احتاجت هذه المسألة إلى أن يكتب فيها .(6/204)
وقد دس الشيطان على بعض العوام حتى تفوه بأنه ليس في لبس الكبوس نص ، وربما تأثر بها فريق ممن لم يشم رائحة العلم ، ولولا فشو الجهل وغلبة الشهوات والشبهات على كثير من الناس لما استحقت أن تذكر ، لظهور بطلانها عند من له أدنى إلمام بما بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم .
ونظير هذا مالو قال قائل : ليس على كفر الإنكليز والأمريكان نص ، لعدم ذكرهم في شيء من نصوص الكتاب والسنة .
ونظيره أيضاً ما لو قال قائل : إن الكبوس من صوف أو جوخ أو قماش من الأقمشة غير الحرير أو غير ذلك وهي محللة اللبس .
ولم يدر هؤلاء أن نصوص الكتاب والسنة إنما تنص غالباً على أمور كلية وأصول جامعة يدخل فيها من الأقسام والأنواع والأفراد ما لا يعلمه إلى رب العباد ، ولا أظن أحداً يسلك هذا المسلك لا المنتسبين إلى العلم ولا العوام ، ولو ساغ هذا لأمكن من شاء دعوى عدم دخوله تحت نصوص الكتاب والسنة لكونه لم يسم في النصوص ولم يخاطب بها عيناً (سبحانك هذا بهتان عظيم) وصلى الله وسلم على محمد(1) .
(ص ـ م 645 في 17/7/1378هـ)
(1499 ـ تشبه المسلمة بالافرنجيات في اللباس)
"الثانية" زوجتك ترتدي ملابس تخالف الشريعة ، كما تأمر ابنتها منك التي تبلغ الآن من العمر سبع سنوات تأمرها بأن تلبس مثلها ، وقد أنكرت عليها وعلى ابنتك لبس هذه الملابس ، وخاصة خارج البيت ، ووافقتها على أن يكون ارتداء هذه الملابس داخل البيت ، لأنها أصرت على ارتدائها هي وابنتها ، وأن شخصاً أخبرك أن ابنتك تخرج في الملابس الإفرنجية .وتسأل : عن الواجب عليك في حالة ما إذا أصرت المرأة على ارتداء هذه الملابس هو وابنتها ؟
__________
(1) وانظر حكم لبس " السترة ، والبنطلون " في الفتوى اللاذقية في (باب زكاة النقدين) .(6/205)
والجواب : الواجب عليك أن تقوم بتأديب زوجتك حسبما تقتضيه المصلحة الشرعية : من زجر ، فهجر ، فضرب غير مبرح . فإذا لم يفد بها ذلك وأنت رجل موسر تستطيع أن تتزوج فخذ زوجة أخرى مع بقاء الأولى في ذمتك لعلها ترتدع ، فإن استمرت على الإصرار فخل سبيلها ، لأن ضررها سيتعدى إلى أولادك .
وأما ما يتعلق بابنتك فلا يجوز لك أن تقرها على ارتداء الملابس التي لا تقرها الشريعة ، ويجب عليك أن تقوم بتأديبها بما يكون رادعاً لها عن ذلك ، إذا لم يترتب على التأديب ضرر أكثر من المصلحة التي يرجى حصولها أو مساوٍ لها . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 2733 ـ 1 في 25/6/1387هـ) (1) .
(1500 ـ الزينات ، والأقواس ، واللغة )
هذه الخرق التي توضع في الأسواق الآن والأقواس كله من التشبه بالمشركين . أما إذا احتيج للكلام معهم فليس من التشبه بهم .
أما إذا عشق كلامهم عشقاً من غير حاجة فهو من التشبه .وكذلك لو ترك المسلمون لغتهم بالكلية واستعملوا لغتهم فهذا أعظم وأعظم .
(تقرير الأربعين)
(فصل فيما ينقض العهد)
(1501 ـ قوله : أو تعدى على مسلم بقتل أو زنى
وكذلك لو تعدى على مسلمة بأن زنى بها . وصرح بعضهم هنا أنه لا يشترط أن يكون زناً ثابتاً بشروطه في حق المسلم ، بل إذا علم ذلك واشتهر كفى في نقض عهده ، وهذا حكم آخر غير الحد صرح به بعضهم ، ولم يكن في كلام الآخرين ما يخالفه ، إلا أن صاحب " المبدع" جعل فيه تأملاً .
ولو لاط بمسلم فإنه ينتقض عهده . (تقرير)
(1502 ـ افتتاح رئيسهم لمركز ومسجد اسلامي)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم بكر أحمد لبني سلمه الله
__________
(1) قلت : وانظر فتوى في اللباس الذي يبدي مفاتن المرأة في شروط الصلاة برقم (127 في 8/6/1382هـ)
وتشبه نساء المسلمين بنساء الافرنج في فرق الرأس وظفره برقم (1089/1 في 16/4/88هـ) في باب السواك.
ولبس النظارة في الفتوى اللاذقية في (زكاة النقدين)(6/206)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد اطلعنا على كتابك الذي تشير فيه إلى دعوة السفير السعودي لايزنهاور ليفتتح المركز والمسجد الإسلامي في واشنطن ، وتريد تنويرك عن الحكم في هذه المسألة .
فنفيدك أن المسجد بني في بلادهم ، وليس عن قهر منّا لهم ، وإنما السلطة لهم في تلك البلاد ، وفتح إيزنهاور للمسجد قد يكون فيه فائدة ـ وهي موافقته الرسمية على بناء هذا المسجد .وإننا لا نرى مانعاً من الشرع تجاه هذا العمل ، فهو وإن كان فيه تكريم للرجل الكافر إلا أنه في مكان لسلطته التامة له . هذا ما نراه . والله أعلم , والله يحفظكم .
( ص ـ ف 479 في 2/3/1380 هـ)
(1503 ـ قوله : وأن يركبوا الأكف بالعرض )
ويظهر من هذا أن ركبة الفحج أحسن . وهي أتم وأولى لأمور:
أولاً : التمكن . ثانياً :كما التصرف فيها .
والآن إذا كان ليس في البلد أهل ذمة فلا بأس ، لأنه لا حاجة إلى الفرق . (تقرير)
(1504 ـ " لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام"(1)
وبطريق الأولى الوثنيون والمرتدون .
وأهل الكتاب لهم حق من أجل ذمتهم . أما ابتداؤهم بالسلام فلا ولا كرامة . أما إذا سلموا فيرد عليهم بمثل ما قالوا . يقال : عليكم ، ونحو ذلك . (تقرير)
(1505 ـ س : المصافحة )
جـ : المصافحة : شيء خاص ، وهو زيادة لطف ، وهو لا ينبغي معهم .
ثم لو كان لعارض ومصلحة وترك مفسدة دينية جاز ،وهو نادر فلا يجعل أصلاً ـ لكن لا يكون لمصلحة دنيوية وأضرار دينية ـ كما في قصة الذي قبل رأس عمر فأمر عمر أن يقبل رأسه .
( تقرير عام68 هـ)
(1506 ـ قوله : وشهادة أعيادهم )
لكن لو كان في شيء من هذا مصلحة لفعل ذلك . فإذا كان إنسان داعية ورأى أن أعيادهم تجمعهم فهذا يصلح . وكذلك عيادة المريض إذا كان سيدعوه إلى الله لعله يسلم ، مثلما صنع النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) متفق عليه عن أبي هريرة .(6/207)
وكثيراً ما تشتبه المصالح الدينية بالأغراض الشخصية ، يزعمون أنها أغراض دينية وهي شخصية . (تقرير) .
(1507 ـ قوله : ومن تعلية بنيان على مسلم إذا كان يعد جاراً له ، ولعل من أولى ما يحد به أربعين داراً ، كما في الوقف على الجيران : يحد بأربعين .
(1508 ـ 2 ـ قوله : لا من مساواته )
إن قلت : لكن يقتضي المساواة ، والله يقول :( { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } (1) { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } (2) { أو من كان ميتاً فأحييناه } (3) هذه دالة على أنهم لا سواء .
قيل : هذا إنما هو أخذ من العموم ، وهو في أمور عادية خارجية ،والذي في الحديث العلو " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه"(4) وهذا ليس بعلو تام ، فيمنع ما اتضح فيه العلو ، والمساواة ليست كذلك ، وهو علو نسبي لا ذاتي . (تقرير)
(1509 ـ 3 ـ قوله : ويمنعون من إظهار خمر )
الأشياء التي يرونها حلالاً في شرعهم لا يجاهرون بها ، لما في ذلك من فشو المعاصي . وأيضاً فيه من الدعاية إلى المعاصي والفتنة في ذلك ما لا يخفى . (تقرير)
(1510 ـ منع الكفار من دخول حرم مكة ، والإقامة فيه ، وفي بقية أراضي الحجاز )
من محمد بن إبراهيم إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 31 ـ 2 ـ 1 ـ 1 ـ 1 ـ 1503 وتاريخ 29/7/86هـ المرفق به صورة من كتاب أحمد إبراهيم النباط ، الموجه إلى مجلة الرابطة ،والذي يستفتي به عن حكم دخول البانيان عبدة البقر والأوثان والمجوس عبدة الشمس والنيران إلى أراضي المملكة والإقامة بها .
لقد اطلعنا على ما ذكره ، وتحرر الجواب بما يلي :ـ
__________
(1) سورة الحشر ـ آية 20 .
(2) سورة فاطر ـ آية 22 .
(3) سورة الانعام ـ آية 122 .
(4) رواه الدار قطني عن عائذ بن عمرو .(6/208)
الذي نص عليه العلماء أن الكفار يمنعون من دخول حرم مكة المكرمة ،ومن الإقامة فيه . وهو ما أدخلته الأميال ، لقوله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } (1) ولأنه محل المناسك والمشاعر المفضلة فوجب أن يمنع منه من لا يؤمن بها ، ومن دخله منهم عزر وأخرج ولو مريضاً أو ميتاً ، وينبش إن دفن به .
أما بقية أراضي الحجاز فيمنعون من الإقامة فيها دون دخولها ، فيسمح لهم بالدخول إذا كان دخولهم لحاجة ومصلحة راجحة ،ولكنهم لا يمكنون من الإقامة فيها . وإن دخلوها فليس لهم دخول المساجد سواء في المدينة أو غيرها ، ما لم يكن هناك مصلحة راجحة ، فإن كان هناك مصلحة راجحة جاز لهم ذلك، كما في قصة نصارى نجران ونزولهم في مسجده صلى الله عليه وسلم وحانت صلاتهم فصلوا في المسجد النبوي ، وذلك عام الوفود .
والأصل في ذلك ما روى أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم :" أخرجوا اليهود من أرض الحجاز" رواه أحمد ، وقال عمر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً " رواه الترمذي ،وقال حسن صحيح .
فإن دخلوا الحجاز لتجارة أو غيرها لم يقيموا في موضع واحد أكثر من ثلاثة أيام ، لأن عمر أذن لمن دخل تاجراً في إقامة ثلاثة أيام والله أعلم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ق 3655 ـ 1 في 2/12/1386هـ)
(1511 ، هل تنقل جثة النصراني إذا مات بالجزيرة)
توفي نصراني في نجد ، وجاء استفتاء عن نقل جثته إلى بلاده فأجاب سماحته ـ وهو واقف في الطريق بهذا اللفظ الجامع الموجز : لا مانع من نقل هذه الجثة الخبيثة النجسة من هذه الأرض الطيبة الطاهرة .
(هذه الفتوى نقلها إليّ شفهياً عبد العزيز بن شبرين مأمور الملفات ـ رحمه الله )
(1512 ـ دخول الكافر والنصراني المسجد النبوي للحاجة)
__________
(1) سورة التوبة ـ آية 28 .(6/209)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس الوعظ والإرشاد للحرس الوطني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم الاسترشادي رقم 136 وتاريخ 23/2/1386هـ بخصوص أن جهاز لاسلكي المدينة يعتريه بعض الخراب ، والمهندس المختص في اصلاح أجهزة لاسلكي الحرس مسيحي . وتسألون : هل يجوز دخوله المدينة لإصلاح هذا الجهاز ؟
نفيدكم أنه لا يظهر لنا مانع من دخول هذا المهندس المسيحي المدينة لإصلاح ذلك الجهاز ثم مغادرته إياها بعد إصلاحه ، لأن حرم المدينة ليس كحرم مكة الذي أنزل الله تعالى فيه : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } (1) .
وقد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة" إلى حكم دخول الكتابي المدينة ، فقال : وهل يمنعون من حرم المدينة ؟ حكي عن أحمد فيه روايتان كما تقدم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد نصارى نجران في مسجده ، وحانت صلاتهم فصلوا فيه ،وذلك عام الوفود بعد نزول قوله تعالى { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عاهمهم هذا } فلم تتناول الآية حرم المدينة ،ولا مسجدها . أ هـ .
ويعني ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله : حكي عن أحمد روايتان كما تقدم قوله قبل ذلك : أما مذهب أحمد ـ رحمه الله ـ فعنده يجوز لهم دخول الحجاز للتجارة ، لأن النصارى كانوا يتجرون في المدينة في زمن عمر رضي الله عنه كما تقدم . وحكى أبو عبد الله بن حمدان عنه رواية : أن حرم المدينة كحرم مكة في امتناع دخوله .(6/210)
ومما تقدم من كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ يظهر رجحان رواية الجواز على رواية المنع ، بل لقد قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معرض كلامه على رواية المنع : الظاهر أنها غلط على الإمام أحمد ، فإنه لم يخف عليه دخولهم للتجارة في زمن عمر رضي الله عنه وبعده وتمكينهم من ذلك ولا شك بوجود الفرق بين حرم المدينة وحرم مكة ، لقد كان اليهود بخيبر وما حولها ولم يكونوا يمنعون من المدينة بعد نزول قوله تعالى : { إنما المشركون نجس } ففي الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام أخذه لأهله" قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ عند ذكر الآية : فلم يجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزولها من الحجاز , وأمر مؤذنه أن يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك .
ومما يقوي القول بجواز دخول هذا المسيحي المدينة اقتضاء المصلحة ذلك ، فقد نص ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه " أحكام أهل الذمة " على جواز دخول الكفار المسجد النبوي فضلاً عن غيره إذا دعت المصلحة الراجحة إليه . فقد قال : أما دخول الكفار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لما كان بالمسلمين حاجة إلى ذلك ،ولأنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم ،ويؤدون إليه الرسائل ،ويحملون منه الأجوبة ،ويسمعون الدعوة ،ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد لكل من قصده من الكفار ، فكانت المصلحة في دخولهم إذ ذاك أعظم من المفسدة التي فيه ت إلى أن قال ـ فإن دعت إلى ذلك مصلحة راجحة جاز دخولهم بلا إذن . أ هـ .
فإذا جاز دخول الكفار المسجد النبوي للمصلحة فغيره من باب الأولى إذا كانت المصلحة تقتضيه ، كما هو الحال في هذا المهندس . وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 1690 ـ 1 في 20/6/1386هـ )
(1513 ـ واستخدامها فيها إذا لم يوجد خبراء مسلمون )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية سلمه الله :(6/211)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 11 ـ حـ وتاريخ 18/1/88هـ بخصوص ذكركم أنكم اطلعتم على فتوى صادرة منا برقم 1690 ـ1 وتاريخ 20/6/1386هـ حول الجواز لدخول الكتابي للمدينة المنورة وتذكرون سموكم أن الوزارة قائمة الآن على تنفيذ مشاريع مياه ومجاري المدينة المنورة ، وهي مضطرة إلى استخدام كبراء كتابيين للمراقبة والإشراف والدراسة ، وأنها ستزود من تدعو الحاجة إلى استخدامهم في المدينة ببطاقة توضح الغرض من دخوله ، ومدة الاضطرار لبقائه ،وترغبون منا تزويدكم بفتوى تستندون عليها في ذلك .
وعليه فمتى تحقق الاضطرار لاستخدام الكتابيين في الإشراف على المشاريع المشار إليها في خطابكم ومراقبتها وإعداد الدراسات اللازمة لها ، بحيث لا تجدون من الخبراء المسلمين من يقوم بهذه الأعمال ، فلا مانع من دخولهم المدينة لذلك الغرض ، ثم مغادرتهم إياها حال انتهاء مهمتهم ،وذلك أن حرم المدينة ليس كحرم مكة الذي أنزل الله تعالى فيه : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد ال حرام بعد عامهم هذا } (1) .
وقد أشار الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه " أحكام أهل الذمة " إلى حكم دخول الكتابي المدينة ، فقال : وهل يمنعون من حرم المدينة؟ حكي عن أحمد فيه روايتان كما تقدم ،وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد نصارى نجران(2)
__________
(1) سورة التوبة ـ آية 28 .
(2) قلت : والتعبير بـ " نصراني " أولى من التعبير بـ " مسيحي" .
كما أن التعبير بمسلم أولى من التعبير بمحمدي ، لئلا يوهم صحة دين النصارى ، وأن الاختلاف إنما هو بالنسبة إلى اسم النبيين : محمد ، والمسيح ،وأن اختلاف الدينين كاختلاف المذاهب .وأن الجميع أخوة ـ كما يدعيه النصارى وخير وصف لدينهم المبدل ما قاله ابن القيم رحمه الله قال : ما بأيدي النصارى باطله أضعاف أضعاف أضعاف حقه ، وحقه منسوخ .(6/212)
في مسجده ، وحانت صلاتهم فصلوا فيه ، وذلك عام الوفود بعد نزول قوله تعالى: { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } فلم تتناول الآية حرم المدينة ولا مسجدها . أ هـ .
ويعني ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله : حكي عن أحمد روايتان كما تقدم قوله قبل ذلك : أما مذهب أحمد ـ رحمه الله ـ فعنده يجوز لهم دخول الحجاز للتجارة ، لأن النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر ـ رضي الله عنه ـ كما تقدم . وحكى أبو عبد الله بن حمدان رواية : أن حرم المدينة كحرم مكة في امتناع دخوله .
ومما تقدم من كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ يظهر رجحان رواية الجواز على رواية المنع ، بل لقد قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معرض كلامه على رواية المنع : الظاهر أنها غلط على الإمام أحمد ، فإنه لم يخف عليه دخولهم للتجارة في زمن عمر رضي الله عنه وبعده وتمكينهم من ذلك .
ولا شك بوجود الفرق بين حرم المدينة وحرم مكة ، فلقد كان اليهود بخيبر وما حولها ولم يكونوا يمنعون من المدينة بعد نزول قوله تعالى { إنما المشركون نجس } وفي الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام أخذه لأهله " .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ عند ذكره الآية : فلم يجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزولها من الحجاز ، وأمر مؤذنه أن يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك .(6/213)
ومما يقوى القول بجواز دخول الكتابي المدينة اقتضاء المصلحة ذلك فقد نص ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "أحكام أهل الذمة" على جواز دخول الكفار المسجد النبوي ، فضلاً عن غيره ، إذا دعت المصلحة الراجحة إليه ، فقد قال : أما دخول الكفار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لما كان بالمسلمين حاجة إلى ذلك ، ولأنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لما كان بالمسلمين حاجة إلى ذلك ، ولأنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤدون إليه الرسائل ،ويحملون منه الأجوبة ،ويستمعون منه الدعوة ،ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد بكل من قصده من الكفار فكانت المصلحة في دخولهم إذ ذاك أعظم من المفسدة التي فيه . إلى أن قال : فأن دعت إلى ذلك مصلحة راجحة جاز دخولهم إذن . أ هـ .
فإذا جاز دخول الكفار المسجد النبوي للمصلحة فغيره من باب الأولى ، إذا كانت المصلحة تقتضيه ، كما هو الحال في مثل هؤلاء الخبراء المسيحيين .
وعليه فما دامت الضرورة لدخولهم المدينة لاستخدامهم بصفات مؤقتة قائمة فلا بأس بذلك.
إلا أننا نحيط سموكم أن مدلول الضرورة قد تساهل به كثير من الناس وأصبحت دعواها ديدنهم، فيتعين عليكم ـ وفقكم الله ـ العناية والرعاية بشرط الدخول ، وهو الاضطرار إليه ،والشعور بمسئوليتكم أمام الله تبارك وتعالى تجاه ذلك ، ثم إذا وجد المقتضي لدخول من تدعو الضرورة إلى دخوله فقد يدخل معه من جنسه من لا ضرورة لدخوله معه ، فلاحظوا ذلك ،وقدروا الاضطرار بقدره والله يسدد خطانا وإياكم .والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 2305 ـ1 في 8/8/1388هـ)
(1515 ـ إذا أعلن اسلامه دخل الحرم بعد سنه )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السعادة سفير جلالة الملك لدى الكويت المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/214)
فقد اطلعت على خطابكم المرفق رقم 21ـ 10 ـ 191 وتاريخ 26/11/1388هـ بصدد الشخص الألماني المسمى حالياً (أحمد عبد الله كابل) الذي تقدم إليكم بطلب السماح له بالحج على اعتبار أنه مسلم ،وأنه أشهر إسلامه في تونس وليبيا بموجب الشهادتين اللتين أشرتم إلى أنه يحملهما . على آخر ما أشرتم إليه في خطابكم حيال المذكور .
ونبدي لكم أن التعليمات بالنسبة إلى معتنقي الإسلام تقضي بأن لا يسمح له بدخول الحرم إلا بعد مرور سنة على إسلامه . فإذا تأكد لديكم أنه مسلم حقاً بمستند شرعي ، وتأكدتم من مضي سنة على إسلامه ، فلا مانع من السماح له بالحج . هذا والسلام عليكم ورحمة الله .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 661 في 10/11/1388هـ)
(1516 ـ قوله : وليس لكافر دخول مسجد ولو أذن له مسلم)
لأن الحق ليس للشخص المسلم ، بل لأن الكافر نجس .
لكن المساجد على " قسمين" الأول : المسجد الحرام ، وهو كل ما أدخلته الأميال . وأما المساجد الأخرى ففيها الخلاف . وقصة إنزال النبي وفد ثقيف ونجران في المسجد النبوي ليسمعوا القرآن والذكر ويروا الطاعة رجاء أن يهتدوا ،وكذلك الأسير .
ولهذا الصحيح إن كان لرجاء أن يسلم أو لمصلحة دينية فيجوز ,والمساجد الأخرى لا تساوي الحرام ، بل بينها فرق كبير . وأما الدخول لا لمصلحة دينية فينبغي أن يمنعوا من المساجد ـ ظاهر كلام الأصحاب هنا . (تقرير)
(1517 ـ س : من يأتي بنصراني يجعله في مكتبه ؟
ج : هذا إما معدم الإيمان ، أو ناقص الإيمان نقص واجب .
أما اتصال الرؤساء برؤساء الكفر فليس الكلام فيهم . (تقرير عام 1376هـ)
(1518 ـ منع النصارى والنصرانيات من العمل )
من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير الزراعة والمياه سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(6/215)
بالإشارة إلى ما كتبناه لمعاليكم رقم 1378ـ 88ط وتاريخ 7/6/88هـ بخصوص ما رفعه لنا فضيلة رئيس محكمة وادي الدواسر عن وجود مسيحي يدعى (زكي الحاج) يعمل في الوحدة الزراعية ،وما ذكرنا لكم عن حكم استخدام مثل هؤلاء المسيحيين .
وقد تلقينا جوابكم رقم 395 وتاريخ 28/6/88هـ بأن الوزارة سوف تنقله إلى جهازكم بالرياض ليعمل في أحد الأقسام الفنية والمختبرات إن كان هناك حاجة ماسة لخدماته ، وإلا فينهى عقده ، وقد بلغنا فضيلة رئيس محكمة وادي الدواسر بذلك بوقته ، فلما تطاول المدة كتب لنا خطابه المرفق برقم 2061 ـ 3 وتاريخ 5/10/88هـ بأن المذكور لا يزال . وفيه ما هو أعظم من ذلك وهو أن زوجته تدرس في مدارس البنات ، وضررها يتضاعف عن ضرره .
لهذا بعثنا لكم خطابه المذكور ، للاطلاع والقيام بما يلزم ، وقد أعطينا فضيلة رئيس مدارس البنات صورة من خطابنا هذا لعمل اللازم بالنسبة لزوجته التي تدرس في مدارس البنات ، وإنا بانتظار ما تجرونه حيال ذلك . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 421 ـ 1 في 28/1/1389هـ)
آخر المجلد السادس
ويليه
المجلد السابع
كتاب البيع(6/216)
فتَاوى ورَسَائل
سَماحة الشيخ
محمَّد بن إبراهيم بن عَبداللطِيف آل الشيخ
مفتي المملكة
ورَئيس القضاة والشؤون الإسلامية
طيَّبَ اللهُ ثراه
جَمع وترتيب وتحقيق
محمد بن عبدالرحمن بن قاسم
وفقه الله
الطبعة الأولى
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
1399 هـ
الجزء السابع : البيع
كتاب البيع
شروطه ـ الرضا
(1519 ـ الاشتراكية)
لا يجوز انتزاع الأرض من اصحابها الشرعيين لسد حاجة الفقراء والمخرج من مشكلة الفقر : تقوى الله تعالى ،والقيام بشرعه علماً وعملاً .ودعوة وتعليماً ، وصدق التوكل على الله تعالى ، وإفراده بالرغبة ،وابتغاء الرزق عنده ، فإنه لا ينال ما عند الله تعالى إلا بطاعته ، وصرف المشرين وغيرهم ما يجب عليهم من حقوق .. وصرف ولاة الأمور ما يتعين عليهم صرفه .. وعظة الفقراء ، وحثهم على الصبر ، وإلزام من يحسن الصنائع وذوي الجلد منهم ، والحيلولة بينهم وبين الإخلاد إلى الكسل . (أ هـ .باختصار من الفتوى الصادرة في حياة الملك عبد العزيز انظر جـ1ص 269 ـ 271) .
(1520 ـ الاكراه على البيع)
يستثنى من ذلك صورة ،وهو ما إذا دعت مصلحة عامة ثم أعطى الثمن وأكثر له فامتنع ، فإنه يؤخذ منه بقيمته للمصلحة العامة وفيه قصة كسرى (1) . (تقرير)
(1521 ـ نزع الملكية لأجل المصلحة العامة )
__________
(1) يريد ما نقله في " الفروع" عن ابن هبيرة قال : رأيت بخط ابن عقيل : حكى عن كسرى أن بعض عماله أراد أن يجري نهراً فكتب إليه : إنه لا يجرى إلا في بيت لعجوز ، فأمر أن يشتري منها ، فضوعف لها فلم تقبل ، فكتب كسرى : أن خذوا بيتها فإن المصالح الكليات تغتفر فيها المفاسد الجزئيات قال ابن عقيل : وجدت هذا صحيحاً ، فإن الله تعالى هو الغاية في العدل ، يبعث المطر والشمس ، فإذا كان الحاكم القادر لم يراع نوادر المضار لعموم المنافع فغيره أولى . أ هـ .(7/1)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنشير إلى خطابكم وكيلكم الموجه لنا برقم 12337 ـ1 وتاريخ 14/10/83هـ على الأوراق المرفقة والتي عادت إلينا أخيراً من فضيلة وكيل رئيس المحكمة الكبرى بالرياض برقم 585 ـ 49991 ـ 1 وتاريخه 30/11/83هـ وهي الخاصة بدعوى إبراهيم بن فوزان ضد ثنيان بن عبد الله الصبيحي بالوكالة عن أخيه بشأن البئر الارتوازية التي حفرها محمد الصبيحي وذكر لدى قاضي ثادق أنه حفرها ابن عمه صبيح بن براك لسقيا البلد ـ يعني بلده ثادق ـ برقم 242 وتاريخ 14/10/89هـ .
ونشعر سموكم بأن الذي نراه أن يسمح لصاحب الارتوازية بالاستمرار في عمله الخيري وهو سقيا أهل البلد ، وتعرف المساحة التي يحتاجها الأرتوازية مع موضع البئر ، وتقوم بقيمة ، وبعد ذلك متى ثبتت ملكية الأرض لأحدهم فتنزع ملكيته للمصلحة العامة من موضع البئر وما تحتاجه من حجرة للماكينة والحارس ونحو ذلك وتسلم له القيمة . وهذا نظير الشوارع العامة التي صاغ فتحها في الأملاك الخاصة وعوض أهلها بالقيمة من أجل المصلحة العامة .
والله يحفظكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 3991 ـ1 في 3/11/1383هـ) (1) .
(1522 ـ التعويض عما أخذته المواسير من أرضهم)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أمير مدينة الرياض الموقر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبالإشارة إلى خطابكم رقم 37 في 19/1/76هـ المرفق به المعاملة الخاصة بمطالبة محمد الحقباني بتقدير ما أخذت المواسير من الأرض الواقعة بقرب نخلهم القرى .
أفيدكم أن الذي نراه ـ حيث أنه قد تسمى عليها ومشهورة في حوزته ومعه عليها وثائق معتبرة عند الأسلاف ـ أن يعوض عن الأرض التي شغلتها المواسير . والله يحفظكم .
(ص ـ ف 39 في 28/1/1376هـ)
(1523 ـ جلد الميتة يصح بيعه )
قوله : بخلاف جلد الميتة .
__________
(1) انظر فتوى مماثلة في الجزوى في (باب الصلح) .(7/2)
والرواية الأخرى عن أحمد التطهير ، وهو الأصح شيخنا الشيخ سعد يقول في نظمه :
والحق يطهر الدباغ للأثر وللحديث خذ به ولا تذر
(تقرير)
(1524 ـ الصور لا يصح بيعها )
الصور هي أحد ما لا يصح بيعه ، سواء المأخوذة بالشمسية هذه ، أو نسج . ولا منفعة فيها إلا مطالعة الصور ، فحرم الله التصوير وإبقاءه ، واستعماله ، فلا يجوز ذلك(1) .
(تقرير)
(1525 ـ قوله : ولا بيع آلة لهو)
الآن اللهو أشياء عديدة كثيرة ، وهناك أشياء ملهيات غير آلات ، وفي الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث.. } (2) وفي الأخرى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم } الآية(3) فكل شيء يصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الملاهي :
المزامير ، والطبول ، والدفوف المصنجة ، وغير ذلك أشياء لا يحصى منها " السينما" فيها علل أخرى غير اللهو ، ولهو السينما يفوق كل لهو ، وهو حرام لهذه العلة المأخوذة من القرآن ، وفي الحديث الوعيد الشديد لمن يستعملون هذه الملاهي وإن كان فيها شيء من الضعف فبعضها يعضد بعضاً . وذكر ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ما ورد في ذلك والتغليظ فيه .والمعازف هي الملاهي في بعض الأحاديث آلاة اللهو . وفيه " تلفزيون" هو أشد فتنة من السينما ، لأنه سيلهي بالصور ، الحقائق يروها ، بل يعرف أنها فلانة بنت فلان ، ويقف أقارب هذا لينظروا فهذا سيلغي الحجاب ، وهو راديو ، وفيه زيادة نظر الصورة على الشاشة ، هذا فيه شرور . هذا سماع الصوت ألهاهم فكيف بالآخر ، فهذا حرام بيعه . وهي أشياء كثيرة منها " حيّة" تمتد إذا أحست بالنار ، كل ما يصد عن ذكر الله والصلاة .
(تقرير)
(1526 ـ س : بيع الراديو )
جـ : هو ذاته لا يحرم . وبالنسبة إلى ما يترتب عليه يحرم .
__________
(1) وتقدم بحث الصور مستوفي في جـ1 ص 178 ـ 195 .
(2) سورة لقمان . آية 6 .
(3) سورة المائدة ـ آية 91 .(7/3)
فإن في الحقيقة الذين يشترونه وضعوا الدعاية للكفار في أنهم الشيء وأنهم وأنهم . وأنكم دون ... (1) .
(تقرير 80هـ)
(1527 ـ قوله : ولا يصح بيع المصحف)
والشارح قوي الجواز هنا ، وعليه العمل ، ولا يلزم أنه يميل إليه ، ولكن ليستوفي ماله من الأدلة ، ويفيد نوع رجحان عنده ، وتنشيطاً لهذا القول .
وهذا هو الراجح صحة بيعه وشرائه ، لكونه ليس كل أحد يستطيع كتابته ، وقد لا يتيسر له ناسخ من ناحية أن الخطأ فيه ليس مثل الخطأ في غيره ، فبيعه سعة وتعميم للنفع به وقرائته .
نعم الذي يعطى فيه ثمن كثير لأجل رغبته في الثمن الكثير فهذا أقل ما فيه أن يكره . والله أعلم .
(تقرير 80هـ)
(1528 ـ بيع دم الذبائح )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعيد أحمد الخطيب سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فقد وصلنا كتابكم الذي تسأل فيه عن جواز إرسال دم الذبائح من الأغنام وغيرها إلى الخارج ، والاستعاضة عن ثمنه بأرزاق وأدوات أخرى .
ونفيدكم أن هذا لا يجوز ، كما لا يجوز بيع الجيف لمن يأكلها(2) فإن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم اليهود حيث أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله(3) .والسلام .
(ص ـ ف 1431 في 24/11/1381هـ)
(1529 ـ قوله : لا السرجين النجس )
أظن مذهب أبي حنيفة ويجوزه كثير بل يزعمون أنه عمل سائر الأمصار في سائر الأقطار .
__________
(1) قلت : ويأتي في (وليمة العرس) جواز اقتنائه بشرط .
(2) بالأصل : لم يأكلها .
(3) لعن الله اليهود يحرمون الشحوم ويكلون أثمانها " أخرجه الحاكم وأبو يعلى ، وأخرج الستة إلا مالكاً عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح بمكة أن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ـ إلى أن قال : قاتل الله اليهود أن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " .(7/4)
لكن كيف يجاب عن " إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه"(1) وهو من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم .
فلعله من أجل قرينة السياق إذا حرم أكل شيء(2) أما شيء ليس شأنه أن يؤكل فهو ليس من هذا الباب فلا يتعلق به ، فسرجين الغنم لا يحل أكله ومع ذلك مصحح بيعه . وعامة الناس لا يزالون يعملون به .
ثم " مسألة استعماله" فيها كلام : من الناس من منعه أن يستعمل في دمل الأشجار لأنها تستمد من الماء والدمال فتكون أجزاء منه في ذلك المأكول ، وبنى على هذا عدم تطهير النجاسات بالاستحالة ، والأصحاب يرون أن رماد النجاسة نجس . والقول الآخر وهو اختيار الشيخ أن الاستحالة تطهر ، كالكلب يقع في ملاحة ، وكالعلقة تكون حيواناً ، والخمرة تستحيل بنفسها تطهر ، ولهذا لا يحرم أثمار أشجار دملت بالنجاسة ، فإنه لا عين ولا أثر ولا رائحة ، تلك العين ذهبت خشبة من الخشب أو غير خشب كالخضروات ،وليس هي بذاتها . الخمرة بنفسها انقلبت خلاً ، فكيف بالدمال الذي استحال وزال وصار من جملة أجزاء الأرض ، ثم استحال في الشجر والأغصان ، ثم لا تزال تتحلل تلك الأجزاء ، إذا كان الكلب تراه بأذنيه ورأسه سقط في ملاحة يكون طاهراً فهذا أولى . (تقرير)
(1530 ـ بيع الكلونيا ، والتطيب بها)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سليم حامد علي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
كتابك لنا المؤرخ في 4/8/87هـ وصل وقد سألت فيه عن حكم بيع الكلونيا التي تحتوي على نسبة من مادة السبيرتو المسكرة ، وكذا حكم التطيب بها .
__________
(1) أخرجه أبو داود بلفظ " وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " .
(2) قلت : وهو نص رواية أبي داود .(7/5)
والجواب : قال تعالى: { ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } (1) وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" . وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم ، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما أسكر كثيره فقليله حرام" .
وروى أبو داود في سننه عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" .
و " الخمر" كل ما خامر العقل وأسكر . و" المفتر" بكسر التاء المخففة ، قال ابن الأثير في " النهاية في غريب الحديث" : المفتر هو الذي إذا شرب أحمى الجسد وصادفه فتور وهو ضعف وانكسار ، يقال : أفتر الرجل ، فهو مفتر . إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه وروى الإمام أحمد في المسند والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها " . والأحاديث بمعنى ما ذكرناه كثيرة .
إذا علم ذلك فالخمر لم يحرم إلا لكونه مسكراً . و" الكلونيا" ما دامت تشتمل على نسبة من السبيرتو وهي المادة المسكرة ،وهي المسكرة أيضاً في الخمر ، إذ لو نزعت منه لما أسكر ، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها .
وأما التطيب بها فلا يجوز ، سداً لذريعة استعمالها في الإسكار ، لأنها إذا كانت في متناول الناس سهل وصولها إلى يد من يريد شربها ، والوسائل لها حكم الغايات في المنع . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
__________
(1) سورة المائدة ـ آية 91 .(7/6)
(ص ـ ف 1088 في 13/5/1388هـ) (1)
(1531 ـ هل تتملك أم الولد )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة كاتب عدل الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فقد وصل إلينا كتابك رقم 1770 وتاريخ 10/9/1388هـ الذي تستفتي به عن حكم بيع جميلة ثابت أم أولاد الملك سعود السابق عقارها ، وذكرت أنها طلبت منكم إفراغ عقار لها باعته ،وأشكل عليكم جواز بيعها مع كونها أم ولد .
والجواب : الحمد لله الظاهر من حالة الملك السابق سعود وغيره من أسرتهم أنهم يجيزون مثل هذا التصرف من أمهات أولادهم ،ولا يعارضون فيه ، فهو شيء متعارف عليه فيما بينهم .
فعليه فلا مانع من إجراء اللازم نحو إفراغ جميلة المذكورة كالمتبع لديكم ، لا سيما وأنكم تذكروا أن هناك معارضاً لها في هذا التصرف . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 3351 ـ1 في 25/10/1388هـ)
(3512 ـ بيع المصنع من المساهمين ، أو من يوكلونه )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم كاتب عدل جدة الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
من قبل الاستيضاح عن من بيع المصنع أرضه ومبانيه العائدة لشركة الدباغة والمصنوعات الجلدية بجدة .
نفيدكم أنه بما أن المصنع مملوك لمساهمي الشركة المذكورة بما فيهم وزارة المالية والاقتصاد الوطني المسهمة بالأسهم أنفسهم أو من يوكلونه في البيع وقبض الثمن . والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 4036 ـ3 ـ ح في 9/11/1383هـ)
(1533 ـ بيت بيد قبيلة ، ويذكر أنه لقبيلة أخرى طردت)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعود بن بليهد سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) قلت : وتقدم في (اجتناب النجاسة) بحث نجاستها .(7/7)
فقد وصلنا كتابك ،وفهمنا ما تضمنه من سؤالك عن حكم شراء بيت مجاور لمسجد في بلدكم " القرائن" لإضافة ضمن توسعة المسجد ، حيث أن البيت يحكى عنه حكاية في بلدكم من أنه كان لقبيلة حصل بينها وبين قبيلة أخرى عداء أدى بالأولى إلى طردها واستيلاء الثانية على هذا البيت ، وتذكر أنه لا يوجد لديكم من يحقق هذه الرواية . إلى آخر ما ذكرت .
ونفيدك أنه لا باس إن شاء الله من شراء البيت لإضافته إلى المسجد توسعة ، فإن تبين له ملاك غير من بيدهم البيت الآن فيرجعون بقيمة البيت عليهم ، وبالله التوفيق . والسلام عليكم .
( ص ـ ف 1426 في 22/11/1388هـ )
(1534 ـ الزوائد عما نزع لمصلحة الشوارع ملك الأفراد )
سمو أمير مدينة الرياض الموقر
نعيد إليكم من طيه الأوراق الواردة إلينا رفق خطابكم رقم 1823 في 4/6/84هـ والمتعلقة بزوائد التنظيم المبيعة على بذر وحمد السليمان العسكر .وفهمنا ما أشرتم إليه بشأن الزوائد من حيث العموم .
ونفيدكم بأنه من المعلوم أن الزوائد التي بشوارع مدينة الرياض هي من ممتلكات أفراد من المواطنين ، وأن قبول تصرف الأمانة بالبيع بدون مستندات تدل على انتزاعها من ملكيتهم ودفع التعويض لهم عنها من الأمانة لا يسوغ شرعاً ، ويخالف التعليمات المتبعة في الدوائر الشرعية ، ولابد من استعمال الأمانة على المستندات اللازمة بهذا لخصوص لتكون أساساً مسوغاً لأخذ إقرار مندوبها بالبيع .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 2003 ـ 3 خ في 14/9/1384هـ)
(1535 ـ وبقية المسكر الذي نزع لصالح الميناء لمالكه)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/8)
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المحالة إلينا رفق خطاب مقام رئاسة مجلس الوزراء برقم 15757 وتاريخ 15/7/1380هـ المتعلقة بمطالبة عيسى بن عبد الله الدوسري بتعويضه عما أخذ من مسكره للفرضة الغربية بالدمام ـ المشتملة على الحكم الصادر من المحكمة الكبرى بالدمام برقم 572ـ2 وتاريخ 26/4/1380هـ بصدد تملكه للمسكر المذكور ،وعلى خطاب سمو أمير المنطقة الغربية الموجه منه إلى رئاسة مجلس الوزراء برقم 1174ـ1 وتاريخ 22/6/80هـ المتضمن الإفادة بأن الفرضة قسمت المسكر قسمين ، وأن المدعي لا يوافق على تعويضه على أرضه إلا عما أخذته الفرضة من أرضه ، وأما الباقي فرغب بقاءه تحت ملكه .
ونفيد جلالتكم أنه ما دام يملك المسكر المذكور بموجب الصك المشار إليه أعلاه ، وقد أخذت الفرضة من أرضه بعضها ، فينبغي إعطاؤه قيمة مثل ما أخذته الفرضة منه .
وما بقي من أرضه وكان فاضلاً عن الفرضة ا لمذكورة فيبقى علىتملكه له حسب رغبته . وبالله التوفيق . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
(ص ـ ف 463 في 18/4/1381هـ)
(1536 ـ التنازل عن الأرض إلى شارع عام يسقط التعويض)
من محمد بن إبراهيم إلى سادة أمين العاصمة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المرفوعة إلينا منكم رفق خطابكم رقم وتاريخ المتعلقة بمطالبة حمد وعبد العزيز السليم عوض ما تنازلاً عن كطريق عام في محلة شعب عامر ، وطلبكم منا الإفادة عما إذا كان حقاً على الأمانة تعويض المذكورين لقاء ما تنازلا عنه ، أم أن تنازلهما من تلقاء نفسها عما يملكانه للاستطراق قد أسقط حقهما في العين والتعويض .
ونفيدكم أنه متى ثبت شرعاً تنازلهما مجاناً عن الأرض التي يملكانها إلى شارع لعموم المسلمين فلا تعويض لهما بحال ، ونعيد إليكم أوراق القضية . والسلام عليكم .
(ص ـ ف 1413 في 19/11/1381هـ)
(1537 إذا كان في البيوت صبرة فمن يتولى إفراغ البيع )(7/9)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة الشيخ محمد بن عودة عضو الرئاسة المنتدب لعنيزة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد اطلعنا علىكتابكم المؤرخ في 23/2/1384هـ المرفق به استرشاد كاتب العدل ببريدة المنتدب لعنيزة رقم 52 وتاريخ 23/2/1384هـ حول صفة كتابة صكوك البيوت التي هدمت لتوسعة الشارع ، نظراً إلى أن معظم البيوت فيها صبرة ، ويسال عن من يتولى إفراغ البيع : هل هو مالك الأنقاض ، أو صاحب الصبرة ؟ ومن يتولى قبض التعويض .. إلخ ؟
الجواب : الحمد لله وحده . لا يخفى أن هذا ليس من باب البيع الحقيقي المتوفرة فيه شروط البيع ، وإنما هو إقتضاء إلزامي اقتضته المصلحة العامة لتوسعة الشارع وتعويض المالك بهذا العوض .
ومع هذا فإذا أمكن أخذ إقرارهما جميعاً فهو أكمل ، وإلا فالمتصرف في البيت بيعاً وتعميراً وسكناً وتأجيراً هو الذي يتولى عقد البيع وقبض الثمن . ولابد من التصريح في صك المبايعة بأن في هذا البيت صبرة لفلان قدرها كذا وكذا قادة فيه وفي عوضه .
ولو جعل لهما حل يصطلحان عليه كأن يشتري بالثمن بيت عوض عن البيت المهدوم وتكون الصبرة قادمة فيه ، أو يعوض صاحب الصبرة بمقدار صبرته بتقديم أهل الخبرة ، أو غير ذلك من الحلول الصحيحة التي لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً ، لحديث : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً "(1) .
فإن تشاجروا وآلت المسألة إلى الخصومة فأمامهم المحكمة والسلام عليكم .
(ص ـ ف 588 في 28/2/1384هـ)
(1538 ـ إذا اختزل لتوسعة الشارع وفيه حكر)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف المحترم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم .(7/10)
فنعيد إليكم المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 2046 ـ 355 وتاريخ 25/3/84هـ المتعلقة بقضية نواف بن علي الحارثي ضد نظار وقف ذوي حميدان حول بيت نواف المذكور المذكور المهدوم جزء منه لتوسعة الشارع ، والمحكرة أرضه من أوقاف ذوي حميدان ، حيث جرى الاطلاع على صك الحكم رقم 17 وتاريخ 17/1/84هـ وصورة ضبطه ، وعلى ملاحظات هيئة التمييز بالمنطقة الغربية عليه برقم 94 وتاريخ 17/3/1383هـ .
وبتأمل الجميع ظهر أن هذا الجزء المختزل لتوسعة الشارع قد تعلق به حق المالك المستحكر ،كما تعلق به حق أصحاب الحكر . فأما أصحاب الحكر فليس لهم إلا حكرهم لا يزاد ولا ينقص .
وأما المالك فهو صاحب الحق له غنمه وعليه غرمه ، ولهذا فلو باع هذا الجزء على إنسان غير البلدية لاستحق جميع الثمن ، ولم يكن عليه سوى أن يشترط على المشتري قسطه من الحكر .
فأما وقد أدخلت تبع الشارع وتعذر الرجوع بالحكر على أحد للسنين المستقبلة فينبغي أن يعرض عليهما الصلح ، فإن لم يتفقا على شيء فيشتري بهذا التعويض أرض أو بيت يكون ملكاً للمستحكر الأول ، ويجعل فيه قسطه من الحكر السابق لذوي حميدان حكمه حكم أصله ، وبهذا يحصل العدل وإيصال كل ذي حق حقه .والسلام .
(ص ـ ف 1465 ـ1 في 2/4/1384هـ)
(1539 ـ اثبات الحكر بوثيقة الافراغ)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بمكة سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/11)
فإجابة على خطابكم المرفق رقم 1169 ـ 11 وتاريخ 17/4/87 على هذه الأوراق الخاصة بطلب أحمد عيسى الطباح تسجيل بيع المأخوذ للمشروع على الحكومة ، وامتناع كاتب العدل من ذلك كما أوضحه بكتابه المرفق رقم 270 في 14/4/87 من أن المالك الأساسي لدار المستدعي هي مكية فخر الدين بموجب الصك رقم 187 ـ 1 في 22/3/1317 ثم إنها باعت ذلك على مشتر آخر منه انتقل إلى أحمد المذكور ،وأنها كانت تملك المحدود القائم بذلك بالحكر على الأرض وقف آل غالب ،وأنه توقف عن إخراج صك بالافراغ لهذا السبب ، وأنكم لا ترون وجهاً لتوقف كاتب العدل عن إخراج صك الافراغ . ومن باب الاحتياط تعميد كاتب العدل بمكة بذكر جملة تشير إلى أن البيت المذكور قائم على الأرض آل غالب الخ .
ونفيدكم أن المتعين في هذا وما يماثله هو أنه إذا وجد بوثيقة العقار المراد بيعه ذكر للحكر يثبت(1) بوثيقة الافراغ كما نوهنا عن ذلك في خطابنا الموجه لكم برقم 2223 ـ 3 ـ 1 في 22/3/1387هـ .
وعلى كاتب العدل إجراء المبايعات التي ترد إليه من ذلك على الصفة المشار إليها بدون حضور وكيل أصحاب الحكر . والله يحفظكم .
(ص ـ ق 669 ـ 3 ـ 1 في 5/5/1387هـ)
رئيس القضاة (الختم)
وجدت صورتها عند فضيلة الشيخ عبد الملك بن دهيش(2) .
(1540 ـ مايزرع عثرياً يفيد الاختصاص ،لا الملك )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة مدير فرع الرئاسة والتفتيش بمكة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
نعيد لكم برفقه المعاملة المرفوعة مع خطابكم رقم 983 في 5/3/87هـ وعطفاً على خطاب فضيلة قاضي محكمة الجموم .
__________
(1) بالأصل بذلك .
(2) وتأتي بقية الفتاوي في الحكر في (كتاب الوقف) إن شاء الله .(7/12)
رقم 61/29/87هـ بشأن مطالبة مزارعي عسفان ووادي الصفو بإخراج حجج استحكام على بلدانهم التي تزرع بالثري ، وتوقفه عن ذلك من أجل ما ذكره من أنهم إنما يرزعونها عثرياً ، والبعض منهم يجعل على ماتحت يده زبراً بسيطة لقصد حبس ماء المطر عليها ، وبعضهم يوجد معهم وثائق عادية ويرغب توجيهه بما يلزم حول هذا .
وعليه نشعركم بأنه والحالة ما ذكر لا يسوغ إعطاءهم حجج استحكام بإثبات الملكية ، لأن الصفة التي أوضحها لا تدل على حصول الأحياء الموجب للتملك ،وقد ظهر من الأوراق أن مطالبتهم بإخراج حجج الاستحكام كان من أجل امتناع وزارة المواصلات عن تعويضهم عما اقتطع لطريق (الجموم ـ خليص ) من الأراضي التي تحت أيديهم حتى يبرزوا صكوكاً بإثبات استحقاقهم . وعليه فإنه متى ثبت لأحد منهم ما يوجب الاختصاص شرعاً لشيء مما مر معه الطريق المشار إليه فلا مانع من اثبات ذلك الاختصاص من أجل تعويضهم . والسلام .
رئيس القضاة ( ص /ق 2162/1 في 1/6/87هـ ) .
(1541 ـ النزول عن الاختصاص بعوض)
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة المواصلات سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فنعيد لكم برفقه خطابكم رقم 14350 وتاريخ 23/9/87هـ على هذه الأوراق الخاصة بطلب مهنا بن سلطان وأخيه صرف التعويض المقدر للجزء المقتطع من أرضهما لصالح طريق (خليص ـ الجموم) المتضمن استفساركم : هل الصك الصادر من محكمة الجموم المرفقة صورته برقم 158 في 24/8/87هـ باختصاص المستدعي وأخيه بالأرض المذكورة يعتبر حجة استحكام تثبت تملك المذكورين للأرض .
ونفيدكم بأن الصك الذي أشرتم إليه يثبت إختصاصاً للمنوه عنهما ، ويستحقان تعويضا ًعن هذا الاختصاص بما يساويه وقد نص العلماء رحمه الله على جواز النزول عن الاختصاص بعوض ، كعوض الخلع ، والنزول عن الوظيفة . والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 3793 ـ 1 في 16/11/1387هـ)
(1542 ـ ويسجل بصفة التنازل لا البيع )(7/13)
حضرة المكرم مدير أعمال كتابة عدل مكة المكرمة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
جواباً لخطابكم المرفق رقم 495 في 14 منه بشأن الأرض التي تنازلت عنها أمانة العاصمة لطالع بن سالم اللخياني بعوض قدره ستمائة وثمانون ريالاً ،وطلب المنزول له أن تسجل المكاتبة بينهما بصفة بيع لا بصورة تنازل .
نفيدكم أنه ما دامت الأرض مواتاً فإنها لا تملك إلا بالاحياء والبيع لا يصح إلا بعد الاحياء ، وإنما يجوز النزول عنها بعوض كما هو منصوص في " شرح المنتهى والاقناع" وغيرهما ، لذلك فإن تسجيل ما أشير إليه يكون بصفة التنازل لا على وجه البيع .
والسلام عليكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 879 ـ 1 في 29/5/1383هـ)
(1543 ـ إذا طلب منه الثمن وذكر أنه اشتراه لشخص)
الجواب الذي أحفظه أن المسألة التي قد بحثت معي فيها صورتها : أن زيداً مثلاً اشترى منه عمرو ملكه ، والحال أن زيداً فقير ، وبعد أن طلب عمرو من زيد الثمن ذكر زيد أنه اشترى الملك المذكور لرجل في الحجاز عن توكيله في ذلك ، ثم إن صاحب الحجاز ماطل ورغب عن المسألة .
وبالنسبة إلى ثبوت أصل الوكالة فإن الشراء يكون للموكل . هذا مقتضىما في " شرح المنتهى" و"المغني ،والشرح الكبير" وأما " الاقناع ، وشرحه" فليس فيهما ما يدل على أن الشراء يكون للوكيل ، بل يظهر بالتأمل موافقتهما لما في " شرح المنتهى" و"المغني" و "الشرح الكبير" .
وأما " مسألة الحلف بالطلاق " وما إذا فعل المحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً وكان حلفه بالطلاق .
فالذي يترجح في ذلك عندنا الرواية الثانية عن أحمد ـ رحمه الله ـ وهي عدم الوقوع ، وصوب ذلك في " الإنصاف " قال في " الفروع" : وهو أظهر ، وهو قول اسحاق ،واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وقال : إن رواتها بقدر رواة التفريق .
وقال إنه أظهر قولي الشافعي . أملاه الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم .
(ص ـ م في 9/7/1373هـ وهي بخط مدير مكتبه الخاص )(7/14)
(1544 ـ التصرف الفضولي)
المذهب منعه . والقول الآخر ـ وهو قول قوي ـ جوازه بشرطه ودليله حديث عروة البارقي(1) (تقرير الوكالة عام 1380هـ) .
س : إذا علم من طريق آخر أنه ما شرى لنفسه .
جـ : لا يكون مثل مسألة إذا أعلمه أنه لزيد ، فإن قوله : اشتريت لزيد كالشرط (تقرير)
س : يسوغ للمشتري لو أعجبته السلعة قبل استئذان زيد أن يأخذها .
جـ : ينبغي أن يجعلها لزيد ، ولا يلزمه ، لأنه ما صار بينه وبينه شيء ، يقرب مما لو نوى التصدق به أو نية عنق هذا العبد ، ولكن ينبغي أن يكون علىنيته الأولى ، لا سيما وهو مبرة لصديقه بهذا الشيء المعجب الرخيص . ( تقرير )
(1545 ـ قوله : ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة . إلخ ...
وفيه قول آخر صحة بيع الرقبة ولكن مشروط فيها ومقدم فيها حق المسلمين ، وهي " مسألة الخراج " وهو رواية عن أحمد ، ورجحه ابن القيم ،وعليه العمل ، حتى كان عند مفاتي نجد قبل الدعوة يوجد لهم فتاوى ببيعها ، ومثل العقار الذي فيه صبرة في بيعه والشفعة سواء .
وأعني بقولي : وعليه الفتوى . هذا الأخير ، يعني قياساً على الأرض الخراجية التي في رواية عن أحمد جواز بيعها ، ويكون البيع ليس للرقبة بل بيع الرغبة ، وهو كذلك في مسألة الشفعة إذا قيل به ، ولأن العلة التي من أجلها نزعت الشفعة ـ لأجل الضرر ـ موجودة هنا ، فإن الخراجية والتي فيها صبرة دخول الشريك نظير دخول الشريك في الأرض الحرة .
(تقرير الشفعة 80هـ والبيع عام 358هـ)
(1546 ـ بقاع المناسك لا يجوز بيعها)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) الذي أخرجه البخاري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع احداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة " .(7/15)
نرفع لجلالتكم برفقه هذه الأوراق المتعلقة بدعوى محمد نور عطار مع عبد الرحمن سراج الدكه الكائنة في جبل يقع بمنى ، واتفاقهما على ما هو موضح بالأوراق ، وصدور أمر جلالتكم حفظكم الله بإحضارهما في المحكمة لإثبات تملكهما ، وبعد ذلك يثبت اتفاقهما في المحكمة ، وقد ذكر فضيلة رئيس المحكمة الكبرى اتفاقهما في خطابه رقم 4141 ـ 1 في 24/10/77هـ المعطوف على خطاب فضيلة القاضي بالمحكمة الشيخ إبراهيم فطاني المتضمن أن المحكمة ممنوعة من سماع الدعاوي في عقار منى ، ومن إخراج صكوك في ذلك ، بموجب ما لديها من تعليمات ، وأن المادة السابعة والثمانين من نظام " تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية" تنص بأنه لا يجوز إخراج حجة استحكام لأبنية منى أصلاً ، وإذا حصلت مرافعة في شيء من ذلك فلا بد من عرض الصك السابق وصورة ضبطه على رئاسة القضاة . أهـ .
وقد رأينا رفع الأوراق لجلالتكم أيدكم الله ، مع إيضاح ما ظهر لنا من الحكم الشرعي في هذه المسألة ، وهو أن أرض منى لا تملك بالأحياء ، بل حكمها حكم المساجد ، قال في " الشرح الكبير " بعد ذكره الخلاف في بيع رباع مكة : وهذا الخلاف في غير مواضع النسك ، أما بقاع المناسك كموضع السعي والرمي فحكمه حكم المساجد بغير خلاف . وقال في " الإقناع وشرحه" والقول بعدم صحة بيع بقاع المناسك أولى من القول بعدم صحة بيع رباع مكة ، إذ هي ـ أي بقاع المناسك ـ كالمساجد ، لعموم نفعها . أ هـ وقال الشيخ محمد الخطيب الشربيني الشافعي في" شرح المنهاج" : ويستثنى من إطلاقه تملك الأرض التي لم تعمر ما تعلق بها حق المسلمين عموماً كالطريق والمقبرة ،وكذا عرفة ومزدلفة ومنى ، وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة . انتهى . والله يحفظكم ويوفقكم . والسلام .(7/16)
رئيس القضاة ( ص ـ ق 1412 ـ 1 في 13/6/1389هـ) (1)
(1547 ـ الحيلة الجائزة في بيع فضل الماء)
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف عمن عنده فضل ماء وإلى جنبه من هو محتاج إليه ، هل يجوز بذل ذلك الفضل بجزء مما يخرج من الزرع الذي بجواره ، أو بدارهم معلومة ، أو آصع معلومة؟
فأجاب : أما فضل الماء فالسنة واضحة في المنع من بيعه ،ووجوب بذله مجاناً .
لكن ذكر العلامة " ابن القيم" رحمه الله إمكان التحيل على المعاوضة عنه بحيلة جائزة قال رحمه الله تعالى: " المثال الثامن والثلاثون " إذا استنبط في ملكه أو أرض استأجرها عين ماء ملكه ، ولم يملك بيعه لمن يسوقه إلى أرضه أو يسقى بها بهائمه ، بل يكون أولى به من كل أحد ،وما فضل منه لزمه بذله لبهائم غيره وزرعه . فالحيلة على جواز المعاوضة أن يبيعه نصف العين أو ثلثها أو يؤجره ذلك ، فيكون الماء بينه وبينه على حسب ذلك ، ويدخل الماء تبعاً لملك العين أو لمنفعتها . ولا تدخل هذه الحيلة تحت النهي عن بيع الماء ، فإنه لم يبعه ، وإنما باع العين ودخل الماء تبعاً ، والشيء قد يستتبع ما لا يجوز أن ينفرد وحده . انتهى .
فلابد فيما ذكره من بيع جزء من البئر مثلاً أو إجارته . وشروط البيع والإجارة غير خافية عليك .
( الدرر السنية جزء 5 ص8) .
(1548 ـ بيع فضل الماء ، وبحث ابن القيم )
قوله : ولا يصح بيع نقع البئر .
__________
(1) وتقدم في أول المناسك حكم البناء فيها ، وبيع الأنقاض . ويأتي حكم عدم تملكها بالاحياء والاقطاع في (باب احياء الموات ) إن شاء الله تعالى .(7/17)
لكن هنا شيء وهو : أن الإنسان عنده البئر في مزرعته أو في عينه وبجواره أناس ليس عندهم ماء وهم فلاحون قد نزحت البئر ولا عنده ماء وعنده حرث أو شجر يخشى عليه ، فإن صاحب هذا الماء يتعين عليه بذل ما يفضل عن حاجته ، ولو فاته دور(1) نقص عشرة آلاف ، ويقول : ما أعطيك دور إلا بألفين وهذا الجار ما يجوز له أن يمتنع بقليل ولا كثير . احتاجت فلاحة جاره وجب عليه التمكين من أخذه من هذا الماء الفاضل عن حاجة صاحب البئر .
لكن هنا شيء نبه عليه ابن القيم وهو : أن يأخذ عن أدواته أجرة تقريباً للأخشاب وما عمله من عمل وسواقيه ومجامع مائه يسوغ أن يأخذ أجرة بسيطة ، وهذا ليس ببيع لنقع البئر ، بل أجرة لأدواته ، فهذا سائغ ، لأنه منهي عن منع فضل الماء ، فلو قدر أنه سيأخذه بماصورة ، ثم هذه الماصورة تنقله لصاحب الحاجة فهذا ليس مستعملاً شيئاً من ملكه غير ماصورة المحتاج مصت الماء ، فهذا لا يؤخذ منه لا قليل ولا كثير .
والمسألة التي نبه عليها ابن القيم له أن يأخذ أجرة بسيطة أجرة المثل ، وربما اليسير يغتفره ، تسميحاً للخواطر .
المقصود أنه لا يتشدد ويمنع عن حراثة جاره ، الماء لا يمنع عنه أما إذا كان ماصورة فلا يحتاج . أما كفاية صاحب الماء فلا يزاحم .
المقصود أنه لا يتشدد ويمنع عن حراثة جاره ، الماء لا يمنع عنه أما إذاكان ماصورة فلا يحتاج . أما كفاية صاحب الماء فلا يزاحم فيها ،وحديث " لا ضرر ولا ضرار"(2) ملكه ألزم ، ولكن هنا شيء آخر وهو الجميل ، ثم يتأكد إذا كان أروى حراثته . (تقرير 1380) .
(النفط والملح)
قوله : وكذا معدن جار : كالنفط والملح .
النفط هو القطران ، ويدخل فيه الغاز ، وتدخل فيه هذه الأزيات الجديدة لو نبعث من نفسها أو لو استنبعها فعمل عملاً حتى حصل ما كان جامداً فيملك . وإن كان ليس بجامد ففيه كلام آخر .
__________
(2) أخرجه أبو داود وغيره .(7/18)
لكن الملح لو لم يكن جاري فإنه مثل ما تقدم ، فإنه ليس مشتركاً إذ هو ينفذ ، بخلاف معادن الملح التي(1) (تقرير)
(1549 ـ قوله لكن لا يجوز دخول الإنسان ملك غيره بغير اذنه )
وفيه قول آخر أنه يجوز ولا حاجة للإذن .
ولعله فيه تفصيل : فإذا كان يدمر عليه شيئاً أو يخشى شر وشحناء فإن ذلك يراعى ، لا ينبغي لإنسان أن يدخل أرض الغير لأجل هذا القول ، وذلك الغير معلوم أنه شديد وشحيح وسيء المعاملة ، وكم قتل إنسان من أجل دخوله في أرض الغير ،والسيول وكم قتل عند هذه الأمور .
والأولى ما تقدم وهو أن له الدخول ولكن يراعي الأحوال ، إن كان سيضر بخضرته أو حراثته أو يخشى شيء فلا يدخل ، ونحو هذا . (تقرير 80هـ)
(1550 ـ بيع الورقة ، والراتب ،والطرشة)
يجرى من كثير من الناس التعامل بالحرام وكسب أموال الناس بالباطل من ذلك بيع الورقة(2) حرام وربا فضل ونسيئه . وأيضاً ما يدري يعطى أم لا ؟ وهل يوفى أو ينقص؟
ومن ذلك بيع الراتب .
ومن ذلك أن يقول للجمال : أنا أبا اشتري طراشك(3) بثلاثين ـ مثلاً ـ على ما هي عليه .
ومن ذلك بيع الدولار حوالة ، بل هو ربا ، فالدولار عندهم يأخذ به الذي يبغى تمر قهوة سكر . إلخ(4) فكل هذه بيوع محرمة .
(من نصيحة شفهية سمعتها منه في مسجده )
(1551 ـ بيع اليانصيب)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) تستخلف , ويأتي في احياء الموات .
(2) كان يكتب له على بيت المال دراهم أو أطعمة فيبيع الورقة قبل استلامه ما كتب له فيها .
(3) الطرشه ما يربحه التاجر في سفرة معينة .
(4) ويأتي في هذا المعنى فتاوي في (الربا والصرف)(7/19)
فقد جرى الاطلاع على أوراق المكاتبة المشفوعة الواردة إلينا من رئاسة مجلس الوزراء رقم 10442 وتاريخ9/5/1380هـ المتعلقة بما رفعه سمو أمير المنطقة الشرقية عن البضائع التي توجد في الأسواق بعنوان (يانصيب) ونفس البضائع تختلف عن بعض ، ولا تكون معروفة لدى البائع والمشتري ، وما جاء في خطاب رئيس محكمة الدمام من أن هذا من بيوع الغرر ،وطلبه منع وتوبيخ من يتجر بهذه الأموال ، سداً للذريعة .
وبتأمل ما ذكر رأينا وجاهة ما قرره رئيس محكمة الدمام ،وقد سبق أن ورد إلينا معاملة من مجلس الوزراء تتعلق بمثل هذا الموضوع ، وكتبنا عليها بما يلزم برقم 1005 وتاريخ 26/10/80) ونرفق لجلالتكم بهذا صورة منه لاتخاذ ما يلزم(1) والله يحفظكم .
(الختم) ( ص ـ ف 333 في 15/3/1381هـ)
(نصيحة)
من محمد بن إبراهيم إلى إخوانه المسلمين
هداني الله وإياهم إلى سواء السبيل ، وسلك بنا مسالك الصالحين وجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
سمعنا بخبر ظهور نوع من القمار لدى بعض الناس وهو اللعبة الميسرية اليانصيبية المسماة (إطرق باب الحط بعناد) وقد ساءنا جداً إقبال بعضهم عليها ،وقد قامت لجنة بتقصي حقائق هذه اللعبة الخبيثة ، وقدمت قراراً بذلك جاء فيه ما نصه :
__________
(1) لم أجد الكتابة المنوه عنها بهذا الرقم ،ووجدت نصيحة مرفقة بهذا الخطاب ، ولعلها هي المقصودة ، أو تتضمن ما ذكره .
وقد صدرت فتوى من دار الافتاء لرئاسة القضاة بهذا المعنى برقم 999 في 25/7/80هـ باسم رشيد البراهيم الذي وضع سيارة في (اليانصيب) .(7/20)
لقد ثبت للجنة أن اللعبة المسماة (إطرق باب الحظ بعناد) هي من ألعاب " اللوتري" أو " اليانصيب" التي تعتمد على قانون الاحتمالات ، حيث يبدأ المشترك بدفع ما مجموعة خمسة عشر دولاراً . والحصول على هذا المبلغ غير مضمون بطبيعة الحال ، حيث أن اللعبة يشترط فيها الاستمرار المتواصل ، ووفاء المشتركين فيها بالتزاماتهم . فإذا انقطع التسلسل عمداً أو صدفة ضاعت على المشتركين مساهماتهم ، وهم في هذه الحالة كثيرون ، إذ أن الكسب الكبير يشترط فيه أيضاً قاعدة كبيرة من المشتركين .
لذا فإن اللعبة قد تدخل فيها عناصر احتيالية ، إذ يمكن لأي مجموعة من الأشخاص البدء بها ، ولأي شخص إيقافها إن أراد أ هـ .
إن هذا الوصف المختصر لهذه اللعبة لا يدع أي شك في أنها ضرب من أنواع الميسر المحرم شرعاً ، والموصوف بأنه من عمل الشيطان ، ليوقع بين عباد الله العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، قال تعالى: { ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون . وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين } (1) .
__________
(1) سورة المائدة ـ آية 90 ـ 92 .(7/21)
فعليكم معشر المسلمين الحذر من هذا وأمثاله مما يحرص أولياء الشيطان على ترويجه بين المسلمين إفساداً لدينهم ولما يكتسبونه ، جرياً وراء مبدئهم الأثيم القائل (الحلال ما حل بأيدي الناس ، والحرام ما حرموه ) فلا يخفى ما لهذه المكاسب الأثيمة الباطلة من العواقب السيئة والنتائج الوخيمة ، إذ ما من مجتمع تنتشر فيه عوامل الكسب الردي الباطل : كأن يكون ذلك عن طريق القمار بمختلف أشكاله وألوانه ، أو عن طريق الربا بضروبه المختلفة ، إلا وتنتفي عنه أسباب البركة والرخاء والسعادة والاستقرار والتعاطف والتآلف ، ليحل محلها القحط والشقاء والقلق والذعر والاضطراب ،وصدق الله العظيم ، فقد ذكر تعالى أن ذلك من عمل الشيطان ، ليوقع بينكم العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة .(7/22)
فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفيما تكتسبونه ،واعلموا أنكم محاسبون عن طرق الحصول عليه أمام الله تبارك وتعالى ، وليقم كل واحد منا فيها على نفسه ، فأعداء الله بالمرصاد ،ومصايد إضلالهم لا تكاد تنقطع ، ولا عجب فقد أخذ وليهم وزعيمهم إبليس لعنه الله العهد على نفسه أن يتخذ من عباد الله نصيباً مفروضاً ، قال الله تعالى: { إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً . لعنة الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً . يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً . أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلا } (1) .وفقني الله وإياكم لصالح الأعمال ، وهدانا إلى صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
(1552 ـ التأمين على الحياة ، و على الأموال)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله بن إبراهيم الرحيمي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك الذي شرحت فيه عن مكاتب " التأمين" على الحياة وغيرها من الأموال وتسأل عن حكم ذلك .
والجواب : الحمد لله التأمين عقد من العقود المستحدثة التي لم تعرف في البلاد الإسلامية إلا في القرن التاسع ، ولا ينطبق على شيء من العقود الشرعية التي ذكرها العلماء وحدوها بحدود مضبوطة ،وجعلوا لها قيوداً وشروطاً معروفة ،ولا يمكن إلحاقه بتلك العقود .
__________
(1) سورة النساء آية 117 ـ 122 .(7/23)
وحقيقته(1) إلتزام التأمين أن تؤدي إلى المستأمن أو نائبه مبلغاً من المال في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر يصيب المستأمن مما هو مبين في العقد ،وذلك مقابل أقساط مالية يدفعها المستأمن للشركة ـ حسبما هو مفهوم من بوالص التأمين ونشرات الشركات ومافيها من شروط .
وبتكرار دراسته تبين أنه معاملة مريبة تشتمل على مغامرة ومخاطرة وربا وأكل لأموال الناس بالباطل ، ولهذا بحثها العلماء ودرسوها من جميع نواحيها ، والتمس بعضهم تجويزها بشروط قد لا تتأتى والذي قرره المحققون هو القول بتحريمه ، لما يشتمل عليه من أشياء تقضي بتحريمه . وممن قرر تحريمه العلامة محمد بن عابدين الحنفي في حاشيته (در المختار) .
ومما لوحظ فيه من الأمور المحذورة أنه يستلزم المغامرة إذا وقعت حادثة وأخذ بها المستأمن جميع المال المشروط قبل استيفاء أقساط التأمين .
ومنه أن يستلزم الربا إذا أخذ المستأمن المال بفوائده بعد تمام المدة .
ومنه الإضرار بالمستأمن إذا انقطع عن مواصلة دفع الأقساط وأراد فسخ التأمين لعجزه .
ومنه ما يترتب من نزاع ومشاكل بين المستأمن وشركات التأمين في صحة وقوع الخطر المؤمن عنه ، وعدم وقوعه ، وهل هو متعمد إيقاعه ، أم لا ؟
ومنه أن الشركة تأخذ التأمين من المستأمن دون أن تقوم له بأي عمل أو تقدم له أي خدمة . فلو كان لها عمل إيجابي تبرهن به على أن لها عيوناً تلاحظ ما يدخل تحت ضمانها لتبعد عنه الخطر لقلنا إن ما تأخذه من المال نظير ما قدمت به من عمل فيكون بمنزلة الأجرة .
وبالجملة فكل من تأمل حالة هذا العقد وجده لا ينطبق على شيء من العقود الشرعية ،ووجده قد اشتمل على أنواع من الغرر والجهالة والربا . فيتعين القول بمنعه . والله أعلم .
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 849 ـ1 في 17/3/1386هـ)
(1553 ـ والعقد فاسد ، ويجب على الشركة إعادة ما قبضته )
__________
(1) كذا بالأصل . ولعله : وحقيقة التأمين التزام الخ ..(7/24)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بجدة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فنشير إلى المعاملة المرفقة الواردة إلينا مع خطاب فضيلة رئيس هيئة التمييز بالمنطقة الغربية رقم 1838 في 26/5/1388هـ ومشفوعها القرارين رقم 611 في 28/3/88 هـ ورقم 922 في 26/5/88هـ الخاصة بقضية بدوي حسين سالم مع شركة التأمين .
ونفيدكم أنه جرى الاطلاع على محتويات هذه المعاملة بما فيها الصك الصادر من فضيلة القاضي بمحكمتكم الشيخ سليمان بن دخيل رقم 845 في 26/12/87هـ المتضمن دعوى بدوي المذكور ضد الشركة المشار إليها بأنها غررت به ، ولعدم معرفته بقواعد الشرع الإسلامي معرفة جذرية فقد اشترك معها في بوليصة تأمين على الحياة ودفع مبلغ سبعة آلاف ومائتين ومثانية وثلاثين دولاراً أمريكياً ، ويعادل إثنين وثلاثين ألفاً وخمسمائة وواحد وسبعين ريالاً سعودياً ، وأنه بعدما علم أن هذا التأمين مخالف للشريعة الإسلامية راجع الشركة يطلب إعادة ما قبضته منه ، فرفضت إلا أن تخصم منه أكثر من نصف المبلغ الذي دفعه ، وأنه يطالبها الآن بتسليم ما دفعه إليها . وأجاب وكيل الشركة المشار إليها بأنه تم الاتفاق بين الشركة والمدعي على عقد تأمين على الحياة استلمت الشركة بموجبه المبلغ المذكور ، وأنها غير مستعدة بإعادته حيث تم التعاقد بين الشركة وبين المدعي .وقد قرر القاضي بعد ذلك أن عقد التأمين المبرم بين الطرفين عقد فاسد حيث كان مبنياً على الغرر والجهالة ، وحكم على الشركة بأن تعيد للمدعي المبلغ الذي استلمته منه.وبإحالة هذا الصك لهيئة التمييز بالمنطقة الغربية لاحظت عليه ما تضمنه قرارها المشفوع رقم 911 في 28/5/1388هـ وقررت إعادته لحاكمه لملاحظة ما نوهت عنه ، فرد عليه ناظر القضية بخطابه الموجه لفضيلة رئيس المحكمة برقم 669 وتاريخ 28/4/88هـ بما يفيد وقوفه عند حكمه . ثم أصدرت الهيئة قرارها الثاني رقم 922 في 26/5/88 المؤيد(7/25)
لمعارضتها ، وأنها ترى عرض هذه القضية علينا لإصدار ما نراه فيها .
وبالاطلاع على نص عقد التأمين المشار إليه المبرم بين الشركة المذكورة وبين المدعي المؤرخ 138هـ وجد يشتمل على أمور فيها غرر وجهالة ومغامرة ومخاطرة مما يكون من قبيل أكل أموال الناس بالباطل ، وقد قال الله تعالى : { ولاتأكلوا أموالكم بالباطل } (1) وروى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وأصحاب السنن الأربعة بأسانيدهم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الحصاة وبيع الغرر " وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر " رواه أحمد في المسند ، والبيهقي والدار قطني في السنن ، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " وقال : رواه أحمد مرفوعاً وموقوفاً ،وكذا الطبراني ، ورجال الموقوف رجال الصحيح .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ج29 ص22 و23) : القاعدة الثانية في العقود : حلالها وحرامها .
والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه ،وأكلهم أموال الناس بالباطل وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات والتبرعات وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 118 .(7/26)
وأكل المال بالباطل في المعاوضة (نوعان) ذكرهما الله في كتابه : هما الربا ، والميسر . فذكر تحريم " الربا" الذي هو ضد الصدقة في آخر سورة البقرة وسورة آل عمران ،والروم ، والمدثر ،وذم اليهود عليه في سورة النساء . وذكر تحريم " الميسر" في (سورة المائدة) ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل ما جمعه الله في كتابه " فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر" كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه . و " الغرر" هو المجهول العاقبة ، فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار ، وذلك أن العبد إذا أبق والفرس والبعير إذا شرد فإن صاحبه إذا باعه فإنما يبيعه مخاطرة فيشتريه المشتري بدون ثمنه بكثير ، فإن حصل له قال البائع قمرتني وأخذت مالي بثمن قليل ، وإن لم يحصل قال المشتري قمرتني وأخذ الثمن مني بلا عوض ، فيفضي إلى مفسدة الميسر التي هي إيقاع العداوة والبغضاء ، مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم ، ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء ، وما نهى عنه صلى الله عليه وسلم : من بيع حبل الحبلة ،والملاقيح ، والمضامين ، ومن بيع السنين ، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه ، وبيع الملامسة ، والمنابذة ، ونحو ذلك كله من نوع الغرر . انتهى كلامه .
كما أن هذا العقد يشبه الميسر الذي هو القمار ، وقد قال تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } (1) ووجه الشبه في ذلك أنه يستلزم المقامرة إذا حصل حادث يأخذ بموجبه المستأمن جميع المال المشروط قبل استيفاء الأقساط المعينة ، وإذا لم يحصل حادث وقع العكس .
__________
(1) سورة المائدة ـ آية 117 .(7/27)
فواقعه أن أحد الطرفين يدفع مالاً يسيراً لينال مالاً كثيراً دون أن يقوم أحد الجانبين بعمل للآخر ، فعنصر المخاطرة موجود في هذا العقد بما يؤول بالضرر على أحد الجانبين.وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"(1) كما أنه يستلزم الربا إذا أخذ المستأمن بعد تمام المدة أكثر مما أعطى ، لأنه أعطى قليلاً وأخذ كثيراً .
وبالجملة فكل من تأمل حال هذا العقد وجده لا ينطبق على شيء من العقود الشرعية ،وقد اشتمل على الغرر والجهالة والربا مما يتعين بموجبه القول بعدم صحته .
ولا عبرة فيما جاء في لائحة المدعي عليه من أن معنى هذا العقد هو التعاون المشترك في الاستثمار بالنسبة لمستقبل الشخص لسنوات قادمة ، إذ لو كان كذلك لوجب أن يخضع كل مؤمن له للربح والخسارة وفق تعاليم الإسلام .
ولا وزن أيضاً لما قيل من أن الطرفين المؤمن له والشركة قد تراضيا ، فأن آكل الربا وموكله متراضيان ، ولاعبي الميسر متراضيان ولكن العبرة بتراضيهما ما دامت معاملتهما قائمة على أساس من العدالة الشرعية التي لا يشوبها غرر ولا تظالم ولا غنم مضمون لأحد الجانبين غير مضمون للآخر .
لجميع ما تقدم فإن حكم الحاكم المشار إليه من أن العقد المنوه عنه عقد فاسد وأن على الشركة أن تعيد للمدعي ما قبضته منه حكم صحيح موافق للأصول الشرعية والاعتراض عليه في غير محله والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 257 ـ 3 ـ 1 في 18/8/1388هـ)
(1554 ـ بيع أسهم الشركات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ورئيس مجلس الوزراء وفقه الله
__________
(1) أخرجه أحمد وابن ماجه وغيرهما .(7/28)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فقد جرى الاطلاع على أوراق المكاتبة الواردة من رئاسة مجلس الوزراء برقم 1520 وتاريخ 23/1/1380 هـ المتعلقة بقضية إبراهيم إسلام مع مدير الشركة العربية للسيارات بخصوص أسهمه في الشركة المذكورة ،كما جرى الاطلاع على ما كتبه رئيس محكمة جدة من استفتائه عن حكم بيع السهام المذكورة .
وبتأمل الجميع والنظر إلى مسألة الشركات نظرة عامة من جميع أطرافها حررنا فيها فتوى برقم 357 وتاريخ 23/3/1381هـ وتجدون صورة منها مرفقة بأوراق المعاملة . والله يحفظكم .
( ص ـ ف 358 في 23/3/1381هـ)
(الفتوى)
الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
فقد ورد إلينا استفتاء عن هذه الشركات المساهمة " كشركة الكهرباء ،والأسمنت ،والغاز " ونحوها مما يشترك فيه المساهمون ثم يرغب بعضهم بيع شيء من سهامهم بمثل قيمتها أو أقل أو أكثر حسب نجاح تلك الشركة وضده ،وذكر المستفتي أن الشركة عبارة عن رؤوس أموال بعضها فقد وبعضها ديون لها وعليها وبعضها قيم ممتلكات وأدوات مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف ، واستثكل السائل القائل بجواز بيع تلك السهام ، لأن المنصوص اشتراط معرفة المتابعين للمبيع ، كما أنه لا يجوز بيع الدين في الذمم ، وذكر أن هذا مما عمت به البلوى .
هذا حاصل السؤال منه ،ومن غيره ـ عن حكم هذه المسألة؟
والجواب : الحمد لله . لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كفيلة ببيان كل ما يحتاجه الناس إليه في معاشهم ومعادهم ، قال تعالى: { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } (1) والكلام على هذا مبني على معرفة حكم عقد هذه الشركة ومساهمة الناس فيها ولا ريب في جواز ذلك ،ولا نعلم أصلاً من أصول الشرع يمنعه وينافيه ، ولا أحد من العلماء نازع فيه .
__________
(1) سورة النحل ـ آية 89 .(7/29)
إذا عرف هذا فإنه إذا كان للإنسان أسهم في أية شركة وأراد بيع أسهمه منها فلا مانع من بيعها . بشرط معرفة الثمن، وأن يكون اصل ما فيه الاشتراك معلوماً ، وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضاً . فإن قيل : إن فيها جهالة ، لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها ؟
فيقال : إن العلم في كل شيء بحسبه ، فلابد أن يطلع المشتري على ما يمكن الإطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة ،ولابد أن يكون هناك معرفة عن حالة الشركة ونجاحها وأرباحها ، وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب ، لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسارتها ، كما تبين ممتلكاتها من عقارات ومكائن وأرصدة كما هو معلوم من الواقع ، فالمعرفة الكلية ممكنة ولا بد ، وتتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة ، ومن القواعد المقررة أن المشقة تجلب التيسير ، وقد صرح الفقهاء ـ رحمهم الله ـ باغتفار الجهالة في مسائل معروفة في أبواب متفرقة مثل جهالة أساس الحيطان ، و غير ذلك .
فإن قيل : إن في هذه الشركات نقوداً ، وبيع النقد بنقد لا يصح إلا بشرطه . فيقال : إن النقود هنا تابعة غير مقصودة ، وإذا كانت بهذه المثابة فليس لها حكم مستقل ، فانتفى محذور الربا ، كما سيأتي في حديث ابن عمر .
فإن قيل : إن للشركة ديوناً في ذمم الغير ، أو أن على تلك السهام المبيعة قسطاً من الديون التي قد تكون على أصل الشركة ، وبيع الدين في الذمم لا يجوز إلا لمن هو عليه بشرطه .(7/30)
فيقال : وهذا أيضاً من الأشياء التابعة التي لا تستقل بحكم بل هي تابعة لغيرها ، والقاعدة أنه يثبت تبعاً ملا يثبت استقلالاً ويدل على ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً :" من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" رواه مسلم وغيره ، فعموم الحديث يتناول مال العبد الموجود والذي له في ذمم الناس ، ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر الآخر :" من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع" متفق عليه .ووجه الدلالة أن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز ، لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها ما لم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد .
ومما يوضح ما ذكر أن هذه الشركة ليس المقصود منها موجوداتها الحالية ، وليست زيادتها أو نقصها بحسب ممتلكاتها وأقيامها الحاضرة ،وإنما المقصود منها أمر وراء ذلك وهو نجاحها ومستقبلها وقوة الأمر في انتاجها والحصول على أرباحها المستمرة غالباً وبما ذكر يتضح وجه القول بجواز بيعها على هذه الصفة .
والله سبحانه أعلم . قال ذلك ممليه الفقير إلى الله تعالى محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف حامد مصلياً على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(1555 ـ ذكر الطول والعرض بالاضافة إلى مجمل المساحة)
من محمد بن إبراهيم إلى صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/31)
فقد سبق أن جرى تعميد فضيلة كاتب عدل بريدة بموجب الخطاب رقم 781 ـ3 في 8/4/88هـ بشأن ضرورة ذكر طول وعرض المساحات للأملاك التي يجري إفراغها لديه مع إيضاح الجهات ، لما في ذلك الاتقان ونفي الجهالة ، إلا أن فضيلة كاتب عدل بريدة رفع خطابه المؤرخ في 23/10/88هـ بشأن ما أشار إليه من أنه أبلغ بلدية بريدة واستمرت مطبقة لذلك مدة من الوقت ، وأخيراً عدلت عن ذكر مساحة الطول والعرض لما يجري انتزاعه ملكيته لصالح التوسعة ،واقتصرت على ذكر المساحة بالأمتار المربعة فقط دون التعرض لذكر الطول والعرض ،كما أشار بأنها بعثت إليه عدة معاملات على هذا المنوال وطلبت منه تسجيل الإفراغ .
وحيث أن هذا يشتمل على شيء من الجهالة حيث لا تتضح مساحة أطوال وعروض المساحات المنزوعة من الأملاك .وكذا أطوال وعروض المساحات المتبقية ، فإنه لا يسوغ لكاتب العدل إغفال مثل هذا ، ويتعين عليه ذكر المساحات المنزوعة بالطول والعرض .
فنرغب من سموكم إكمال ما يلزم نحو تعميد بلدية بريدة والتمشي بموجب ما أشير إليه .والتقيد بذكر مساحات الطول والعرض لما يجري انتزاعه ، وقد أعطينا كلاً من فضيلة رئيس محكمة بريدة صورة من خطابنا هذا ، وفضيلة كاتب عدل بريدة ، للإحاطة والاعتماد . والله يحفظكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 3619 ـ 3 ـ خ في 2/11/88هـ)
(1556 ـ بيع الموصوف في الذمة لابد أن يكون مما يصح السلم فيه . لا يصح أن يبيعه سلعة سيصنعها له . إذا اشترط المشتري أنه إذا تأخر تسليم شيء من المبيع أو اختلف الوارد عن المواصفات فيفر على البائع غرامة ، أو سحب الضمان في حدوث المخالفة من الطرف الثاني بدون الرجوع إليه . إلخ .. )
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/32)
فنعيد لكم برفقه الأوراق الواردة منكم برقم 846 ـ 1 وتاريخ 21/2/1382هـ وهي الخاصة بقضية صالح الراجحي ومنذر شبيب مع نور الدين القدسي ، ونشعركم أنه جرى الاطلاع على خطاب الناظر في القضية الشيخ إبراهيم العمود الموجه لكم منه برقم 277 وتاريخ 21/2/82هـ والذي ذكر فيه أنه توضح له من دراسة أصل الاتفاقية المبرمة بين نور الدين ووزير الدفاع أنها اتفاق على مبايعة مال موصوف في الذمة ،وأنه قد تفرع عن هذه الاتفاقية اتفاق بين منذر شبيب ونور الدين القدسي ، وأخيراً أدخل منذر شبيب معه فيها صالح الراجحي ،وقد تسلم المال لوزارة الدفاع ، واستلم الشركاء الثمن سوى الغرامات والجزاءات التي لم تسلم لهم من قبل وزارة الدفاع . أ هـ كما جرى الاطلاع على صورة الاتفاقية التي أشار إليها فضيلة القاضي وهي التي جرت بين سمو وزير الدفاع وبين القدسي .(7/33)
وبتأملهما اتضح أن العقد غير صحيح ، لأنه بيع موصوف في الذمة لم يقبض ثمنه في مجلس العقد ، والمبيع ليس مما يصلح السلم فيه ، لأن المعاطف وما ذكر معها لم تبع بالذرع وإنما بيعت بموجب الأنموذج المختوم من الوزارة ،وحيث أن هذا العقد في معنى السلم وملحق به فإنه لا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه ،ولا بد أن يكون المبيع مما يصلح السلم فيه . قال في " الإقناع وشرحه " :والنوع الثاني من نوعي البيع بالصفة بيع موصوف غير معين وبصفة تكفي في السلم إن صح السلم فيه بأن انضبطت صفاته ، مثل أن يقول : بعتك عبداً تركياً ، ثم يستقصي صفات السلم فيه . فهذا في معنى السلم وليس سلماً لحلوله فمتى سلم البائع إليه عبداً على غير ما وصف له فرده المستري عليه أو سلم إليه عبداً على ماوصف له فأبدله المشتري لنحو عيب لم يفسد العقد برده ، لأن العقد لم يقع على عينه بخلاف النوع الأول ، ويشترط في هذا النوع قبض المبيع أو قبض ثمنه في مجلس العقد لأنه في معنى السلم .أهـ وقال في " شرح المنتهى" والبيع بالوصف مخصوص بما يصح السلم فيه . ا. هـ .
وقد ذكر أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعداد ما يصح السلم فيه : المذروع من الثياب ، والخيوط . وقال في " الإنصاف " صفحة 699 من الجزء الرابع بعد أن ذكر صحة بيع الموصوف غير المعين على الصحيح من المذهب ـ فعلى المذهب لا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه على الصحيح من المذهب ،وقدمه في " المغني" و " الشرح" و " الرعاية الكبرة" وجزم به في " الوجيز " أهـ.(7/34)
وعلة التحريم الموجبة لعدم صحة هذا العقد أن حقيقته بيع دين بدين ،وقد نقل الإمام أحمد رحمه الله الإجماع علىتحريمه ، وورد في ذلك حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ"(1) أي بيع الدين بالدين . وهذا الحديث قد تكلم في صحته ، ولكن الإجماع وقع على ما دل عليه ، كما نقله الإمام أحمد رحمه الله .
ويضاف إلى ما تقدم أن المقاولة على المعاطف وما ذكر من باب استصناع السلعة ،وقد قال في " الإقناع ، وشرحه " :ولايصح استصناع سلعة بأن يبيعه سلعة يصنعها له ، لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم . ذكره القاضي وأصحابه . أ هـ . وقال في " الإنصاف" فائدة . ذكر القاضي وأصحابه أنه لا يصح استصناع سلعة ، لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم ، واقتصر عليه في " الشرح " أ هـ .
وأيضاً فإن هذا العقد قد اشتمل على شروط توجب الغرر والضرر وأكل المال بالباطل ، فقد اشترط المشتري على البائع أنه إذا تأخر تسليم شيء من المبيع عن المدة المحدودة فتفرض على البائع غرامة قدرها عشرون في المائة من قيمة المتبقى . وإذا اختلف الوارد عن المواصفات فيفرض على البائع غرامة مالية قدرها ثلاثون بالمائة من قيمة كامل الكمية المتخلفة عن المواصفات والعينات .
مع أن الأمر الشرعي فيما لو كان العقد صحيحاً يقضي بأن المتأخر يلزمه تسليمه فقط ، والناقص عن الوصف يبدله بما تنطبق عليه الصفات .
وجاء في " المادة الثانية عشر " من عقد الاتفاقية ما نصه : في حالة حدوث مخالفة من الطرف الثاني تستوجب سحب الضمان للطرف الأول الحق في سحب خطاب الضمان كله أو جزء منه في أي وقت كان دون الرجوع إلى الطرف الثاني ودون مخالفة البنك الضامن ودون الرجوع على الطرف الأول بأية التزامات قانونية ولا الالتجاء لحكم القضاء .
__________
(1) رواه الدار قطني .(7/35)
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرر ،وقال :" لا ضرر ولا ضرار "(1) وقال الله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } (2) .
وحيث الحال ما ذكر فإن هذا العقد لا يصح ، وما بنى عليه فهو تبع له . فيتعين إعادة النظر في القضية على ضوء ما ذكر .والله يحفظكم .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 761 ـ 1 في 25/3/82 أ )
(1557 ـ س : بيع الكيس خمسيت ولا يازنه ؟ )
ج: يمكن أن يسلك طريق في هذا يقال (44) على أنه لا يقل عنها .
الأصل أنهم إذا رأوا الشيء مرغوباً نقصوا منه أشياء ، هذه صفة التجارات والصناعات بالغش الحاصل أن الشراء لابد أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو الجزاف . (تقرير)
(معرفة خارقة)
قوله :ويصح بيع الأعمى وشراؤه
ويكون عند بعض العميان من المعرفة الباهرة ،ويذكر أن شخصاً توفى منذ أزمان يعرف العباة البرقاء(3) ويعرف سواد العباة من سواه ، ومرة عرف أنها عباة فلان الضائعة .
الحاصل أنه يصح بيع وشراؤه ووكالته فيما يعرف بالوصف واللمس والشم والذوق . (تقرير)
(1558 ـ س : الصبرة لو استثنى الجيد ، أو الرديء؟)
جـ : لابد من التعيين ، لو قال : إلا هذه وهذه صح . والحيوان لا يصير معلوماً . أو من الوسط لا يصير معلوماً . (تقرير)
(1559 ـ جهالة الثمن )
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم الشيخ صالح بن إبراهيم الطاسان سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إليّ كتابك برقم 23 وتاريخ 22/3/79هـ المتضمن السؤال عن المرأة المسنة التي باعت قبل وفاتها بنحو شهرين نخلها بألف ريال حالة وخمسين صاعاً في كل سنة مدة حياتها ، وثمرة نخلة غير معينة في كل سنة أيضاً مدة حياتها . إلى آخر ما ذكرتم ؟
__________
(1) أخرجه أحمد وابن ماجه .
(2) سورة البقرة ـ آية 118 .
(3) العباءة البرقاء : هي التي بها خطوط بيض ، وخطوط سود .(7/36)
والجواب : الحمد لله . لا يخفى أن الشارع الحكيم قد حجر على الناس عموم تصرفاتهم إلا ما وافق القواعد الشرعية ، وقال :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1) .
ومتى ثبت ما ذكرتم فإن هذا العقد معلوم الفساد ، لجهالة الثمن ، وجهالة مدة حياة المرأة .وإذا تبين فساد العقد فإن التقابض الذي ذكرتم غير صحيح ، حيث قد نص العلماء على أن المقبوض بعقد فاسد حكمه حكم المغصوب فيرده بزيادته .
وعلى هذا فيعتبر هذا النخل لم يخرج عن ملك المرأة ، فتكون قد ماتت والنخل في ملكها ، ومن ضمن تركتها ، فيجري فيه الميراث ويستحقه ورثتها الشرعيون ، ويكون ما قبضت من المشتري من تمر ودراهم ديناً عليها يوفى من تركتها . والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
والسلام عليكم . (ص ـ ف 761 في 15/6/1379هـ)
(1560 ـ إذا أقر أنه قبض الثمن كاملاً ولم يذكر قدره)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على أوراق المعاملة المشفوعة الواردة إلينا بخطاب سموكم برقم 4592 وتاريخ 16/4/82هـ بخصوص الجبال الواقعة شمال ظهران الجنوب المتنازع عليها بين صالح مشغوف وصالح الدوسري ، كما جرى الاطلاع على قرار الهيئة المنتدبة من رئاسة القضاة ووزارة الداخلية وديوان المظالم المرفوع إلى فضيلة نائبنا في المنطقة الغربية برقم 1133 وتاريخ 6/11/81هـ المتضمن الملاحظة على الصكين الصادرين من محكمة ظهران الجنوب برقم 21 وتاريخ 30/8/74هـ ورقم 7 وتاريخ 4/2/80هـ وعدم أحقية كل من الطرفين لتلك الجبال وإثبات كونها أراضي موات ، وإزالة البئر التي وضعها صالح الدوسري وتخطيطها وبيعها على الأهالي من قبل الجهة المختصة .. إلخ .
وبتأمل قرار الهيئة المذكورة وجدنا فيه أشياء تخلوا من ملاحظة من أهمها ما يلي :
__________
(1) رواه مسلم .(7/37)
(أولاً) :أنهم عمدوا إلى تمييز الصكين الصادرين من محكمة ظهران الجنوب رقم 7 ، 21 وتاريخ 4/2/80هـ ، 30/8/74هـ وإبداء الملاحظات عليها . وهذا شيء في غير محله ، لأن تمييز الأحكام والنظر في الصكوك الشرعية ليس من اختصاص مثل هذه الهيئة .
(ثانياً) أن في ملاحظاتهم على هذين الصكين غلطاً ظاهراً مثال قوله :
لم يذكر في وثيقتي المبايعة ثمن المبيع ، مما جعل ذلك البيع باطلاً ، لجهالة الثمن . أ هـ وقد رجعنا إلى وثيقة البيع المؤرخة في سنة 76هـ بقلم محمد ياسين ، فوجدت تتضمن أن البائع باع بثمن قبضه واستوفاه وأبرأ ذمة المشتري . أ هـ وهذه العبارة تفيد أن الثمن معلوم غير مجهول ، وأنه مقبوض مستوفاً ، سوى أنه لم يذكر قدره في الوثيقة ، وهذا لا يضر ، ولا يؤثر على العقد .
ومثل قولهم : وأن القاضي لم يقف على عين المحكوم به إلخ .. وهذا منهم وهم ظاهر ، لأن صحة الحكم لا تتوقف على وقوف الحاكم على الأراضي المدعى بها . وفيه أشياء غير هذا تحتاج إلى تمحيص .
لهذا نرى إحالة كامل المعاملة إلى فضيلة رئيس محكمة أبها لدراستها وإنهائها على ما يقتضيه الوجه الشرعي .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 522 ـ 1 في 5/4/1383هـ)
(1561 ـ الشراء بالتقسيط في الثمن )
وأما " المسألة الثالثة ، والرابعة " وهما البيع على الموظفين تقسيطاً على رواتبهم ، أو على الفلاحين تقسيطاً على ثمارهم . فلا يخفى أن هؤلاء كغيرهم من الناس ، فإذا اجتمعت الشروط صح البيع ، وإلا فلا . فعليكم مراجعة كلام العلماء في ذلك .والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودي ( ص ـ ف 14396 ـ 1 في 29/11/87هـ)
(1562 ـ إذا قال اشتريت منك وزن هذه الحصاة أو كيل هذا الماعون )
وأما قولك عن المبايعة على شيء مجهول ، وهو أن يقول رجل لآخر : استر مني وزن هذه الحصاة ، أو كيل هذا الماعون ـ بكذا ـ وكيل الماعون ووزن الحصاة مجهول لديهما .(7/38)
فاعلم أن جهالته لديهما إنما هي بالنسبة إلى الصاع المعهود والوزن المعهود ، وإلا فالإناء الحاضر المشاهد يعلم مقدار ما يسعه من البر مثلاً بمشاهدته ،وكذلك الحجر ونحوه تعلم زنته بإقلاله باليد من الأرض فيصح البيع لعدم الجهالة . ( ص ـ ف 206 في 2/4/1376هـ)
(1561 ـ الشراء بالتقسيط في الثمن)
وأما " المسألة الثالثة ، والرابعة" وهما البيع على الموظفين تقسيطاً على رواتبهم ، أو على الفلاحين تقسيطاً على ثمارهم . فلا يخفى أن هؤلاء كغيرهم من الناس ، فإذا اجتمعت الشروط صح البيع ، وإلا فلا ، فعليكم مراجعة كلام العلماء في ذلك . والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية ( ص ـ ف 14369 ـ 1 في 29/11/87هـ)
(1562 ـ إذا قال اشتريت منك وزن هذه الحصاة أو كيل هذا الماعون )
وأما قولك عن المبايعة على شيء مجهول ، وهو أن يقول رجل لآخر : اشتر مني وزن هذه الحصاة ، أو كيل هذا الماعون ـ بكذا ـ وكيل الماعون ووزن الحصاة مجهول لديهما .
فاعلم أن جهالته لديهما إنما هي بالنسبة إلى الصاع المعهود والوزن المعهود ، وإلا فالإناء الحاضر المشاهد يعلم مقدار ما يسمعه من البر مثلاً بمشاهدته ، وكذلك الحجر ونحوه تعلم زنته بإقلاله باليد من الأرض فيصح البيع لعدم الجهالة . ( ص ـ ف 206 في 2/4/1376هـ) .
(1563 ـ امتحان المعايير)
من محمد بن إبراهيم إلى الأخ المكرم محمد بن أحمد بن سعيد سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
من خصوص المعايير أرسلتها البلدية إلينا ، وامتحناها بمباشرة الشيخ عبد اللطيف وعبد الله بن راشد بن كليب ، فوجدنا فيها زيادة قليلة جداً يتسامح فيها ، سببها أن المعايير صبت على دراهم فرانه جدد كلها ، وأيضاً ضربت بعد أن صبت بالبوية والأندراس ، وكثرة الاستعمال تذهب هذه الزيادة اليسيرة ، كما أن الدراهم الفرانه الجدد بعد الاستعمال تستقر على ما هو معروف .(7/39)
إن شاء الله تخبر ولي العهد بذلك،وبأن المقصود إلزام الناس بعد ما ترد بأخذها بالقيمة ، مع أن قيمتها بسيطة ، قيمة الطقم إثنان وعشرون ريال عربي ، بشرط الإعفاء من الرسوم . والطقم متركب من تسع قطع : وزنتين ،وزنة ، نصف وزنة ، ثلث ، وزنة ربع ، سدس ، ثمن ، نصف الثمن ، ربع اليمن .والسلام . في 16/11/1371هـ . ( ص ـ م 472)
(فصل فيما يكره في البيع)
{ وذروا البيع } (1)
خطاب للبائع والمشتري جميعاً ، فلو كان البائع غير مخاطب كالمرأة أو نحوها والمشتري مخاطب فإنه يبطل البيع على القول ببطلانه إذا كانا مخاطبين ، لأن أحد أركان البيع المشتري (تقرير) .
(1564 ـ بيع الحاضر للبادي)
أما إذا قصده البادي فهذا أخل بمسألة عزيمته أن يبيعها بسعر يومها ، فيأثم الحاضر ، والعقد صحيح .
شيخنا الشيخ سعد قد يظهر منه عدم الاطمئان إليها ، لكنه لم يوجه ترجيحاً يرجح به قوله .
التحريم ما فيه كلام ، الكلام في الصحة . (80 هـ تقرير)
(1565 ـ 2 إذا باع ربوياً بدراهم نسيئة على شخص ، ثم أحاله على آخر : هل يجوز أن يعتاض عنها ربوياً ) .
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف عمن باع ربوياً بدراهم نسيئة على شخص ، ثم أحاله على آخر بما له عليه : هل يجوز أن يعتاض عنها ربوياً ـ على كلام الفقهاء .
فأجاب : أما إذا باع ربوياً بدراهم نسيئة على شخص ثم أحاله على آخر بما له عليه فاعتاض عنها ربوياً فإنه لا باس بذلك، لأنه إنما منع من الاعتياض في مسألتنا إنما هو بين المشتري والمحال عليه ، وهو أجنبي من العقد الأول الواقع بين البائع والمشتري . ( الدرجة ص98 )
(1566 ـ العينة)
__________
(1) سورة الجمعة ـ آية 9 .(7/40)
وأما " المسألة الثالثة " وهي إذا باع السلعة على من اشتراها منه بأقل من الثمن الأول ، فهي مسألة " العينة " المحرمة بالسنة ، لكونها ربا . وأما بيعها من غيره فهي المسألة المسماة بالوعدة ، وهي " مسألة التورق" والجمهور يجوزونها ، ومن أهل العلم من يمنعها .
( ص ـ ف 611 في 18/8/1376هـ)
(1576 ـ صورة منها )
" المسألة الرابعة " فيمن باع نصفي جملين مشاعاً على رجل بذمته إلى أجل ، ثم اقتسما الجملين ، وبعد حلول الثمن لم يجد المشتري ما يوفي به عن ذمته إلا الجمل المذكور ، فباعه المشتري على البائع بأقل مما اشتراه بعد أن استعمله ستة أشهر . إلخ ...
والجواب : هذه من صور مسائل العينة ، وهي أن يشتري شيئاً نقداً بدون ما باعه به نسيئة . فأصل هذه المسالة لا تحل ، لورود الأحاديث في النهي عنها ، لكن إذا كان بعد تغير صفة الجمل باستعماله أو نقصه أو اختلاف السعر أو بغير جنس الثمن الذي باعه به وغير ذلك فالمنصوص أن لا باس بذلك .
(ص ـ ف 2265 ـ 1 في 13/11/1383هـ)
(1568 ـ نصيحة في التحذير من العينة)
(ومن قلب الدين على المعسر)
الحمد لله رب العالمين . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين .
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ، إلى من يراه من إخواننا المسلمين ، جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بالمواعظ والنصائح ، ويجتنب أسباب الخزي والندم والفضائح . آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد : فإنه قد بلغني وتحققت أنه يوجد أناس يعاملون بالربا في أشياء يأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، فرأيت من الواجب المتعين على نصيحة إخواني المسلمين في هذا الشأن ، وموعظتهم ليعلم الجاهل ، وينتبه الغافل ، ويرتدع ويتعظ المتهاون والمتغافل لقوله صلى الله عليه وسلم :" الدين النصيحة : ثلاثاً . قيل : لمن يارسول الله ؟ قال : لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " .(7/41)
إذا علم هذا فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله تعالى ، فإنها جماع الأمر كله ، و هي وصية الله للأولين والآخرين ، قال الله تعالى : { ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة " .
وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقية منه . فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غصبه وسخطه وعقابه وقاية تقية منه ذلك وهو فعل طاعة واجتناب معاصيه، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله ، فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير . وقال الحسن رحمه الله : المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم . إنتهى .
فمن أعظم المعاصي والكبائر التي اجتنابها واتقاؤها من تقوى الله تعالى التي أوجب على عباده " الربا " في المبايعات ، قد ورد في الكتاب والسنة في التغليظ فيه والوعيد الشديد ما لم يرد نظيره في غيره من الكبائر ، قال الله تعالى: { ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون . واتقوا النار التي أعدت للكافرين . وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } (1) .
وقال تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } (2) .(7/42)
وقال تعالى: { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون . واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } (1) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا يارسول الله وما هن قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات " وفي صحيح البخاري ، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" رايت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دم فبه رجل قائم وعلى النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فرجع كما كان .
فقلت : ما هذا الذي رأيته في النهر قال : آكل الربا" وفي صحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء " وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ظهر الزنا والربا في قرية إلا أذن الله بخرابها .
وبالجملة فقد دلت النصوص على أن الربا من أعظم الكبائر والمحرمات ، ومن أبلغ أسباب نزع البركات ،وحلول النقمات ، والذلة ومحاربة فاطر الأرض والسموات.(7/43)
فمن أنواعه التي يتعاطاها من قل نصيبه من مخافة الله البيع بـ" العينة" وهي أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه البائع أو شريكه أو وكيله من المشتري بأقل مما باعه به ، وهذا لا يجوز لما روى أحمد وأبو داود ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ولما روى غندر ، عن شعبة ، عن أبي اسحاق السبيعي ، عن إمرأته العالية ، قالت : دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة ، فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاماً من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ، ثم اشتريته منه بستمائة درهم نقداً ، فقالت لها : بئس ما اشتريت وبئس ما شربت أبلغي زيداً أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل إلا أن يتوب .رواه أحمد .
ومن أنواع الربا " قلب الدين على المعسر " وله صور : منها أن يكون للتاجر عند الفلاح المعسر دراهم حالة ثمن مبيع أو غيره فإذا طلبت منه اعتذر بالعسرة ، فيقول له التاجر أكتبها عليك بزاد(1) فيجيبه المعسر إلى ذلك ، فيقلبها بزاد في ذمته . فهذا لا يجوز ولا يصح ، لأنه بيع دين بدين ، وهو ممنوع هند عامة أهل العلم لكونه من أنواع الربا ،وهو " بيع الكالئ بالكالئ" المنهي عنه في الحديث ، فإن معنى " الكالئ بالكالئ" المؤخر بالمؤخر ، ولأنه سلم لم يقبض رأس ماله ، ومن شرط صحة السلم قبض راس ماله في مجلس العقد ، لحديث " من أسف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"(2) وإنما يسمى سلفاً وسلماً لتسليم رأس المال وتقديمه وقبضه في المجلس .
__________
(1) أي طعام : بر أو غيره .
(2) متفق عليه .(7/44)
ولكن من الناس من لا يصرح بقلب الدين مخالفة الإنكار عليه ، فيتوصل إلى غرضه الفاسد بالحيلة المحرمة بإظهار عقد سلم ، فيدفع إلى الفلاح دراهم هي رأس المال السلم في الظاهر ، وبعد ما يقبضها الفلاح يردها إلى التاجر عما في ذمته من الدراهم ، ويسمون هذا " تصحيحاً " وهو باطل غير صحيح ، إذ العبرة في الاشياء بحقائقها . فإن حقيقة هذا العقد هو قلب الدين المحرم .ويوضح هذا أنه لا يدع الفلاح يقوم بالدراهم من المجلس ،وأنه لو يعلم أنه لا يوفيه منها أو أنه يوفيه حقه من دون الكتب عليه ما كتب عليه لعسرته وعدم ملاءته .
وأما إذا كان الفلاح ملياً يرغب كل أحد معاملته فاسلم التاجر إليه دراهم في زاد ،وبعدما قبضها الفلاح منه دفعها إليه وفاء عن الدراهم الحالة التي له عليه من غير شرط ولا مواطئة . فهذا لا بأس به ، لكن الأولى أن لا يقبضها منه إلا بعد ما يذهب بها وتكون عنده نحو يوم أو يومين احتياطاً وبعداً عن الشبهة . والله سبحانه وتعالى أعلم ،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى من يراه من المسلمين وعلى الأخص الأمراء والقضاة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/45)
فإن ما تقدم أعلاه هو نصيحة من الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ، فنرجو من جميع من اطلع عليها من المسلمين العمل بموجبها ، ومخافة الله وتقواه في ذلك ، وعلى جميع المسلمين اجتناب الربا في جميع معاملاتهم . وأن يتوب من كان يتعامل بما حرمه الله من البيع ، وأن يرجع إلى رأس ماله . فكل من عوامل بالربا مراجعة صاحبه ليمتنع عن أخذ الربا منه ، فإن فعل فالحمد لله ، وإلا عليه مراجعة القاضي المنصوب من قبلنا ، وعلى سائر قضاتنا الذين يرفع إليهم أي أمر في الربا أن يحكموا برأس المال لصاحبه ، وأن يبطلوا مازاد على ذلك من الربا في جميع أحكامهم .والأمر من ذمتنا ،ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق ، وأن يمنعنا مما يغضبه ، وبقربنا لما يحبه ويرضاه ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
(30 ربيع الأول سنة 1361هـ)
(من الدرر السنةي جـ 5 ص73 ) .
(1569 ـ مسألة التورق)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم أحمد علي الروضان سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل كتابك الذي تستفتي فيه عما يتعامل به بعض الناس ، وإذا احتاج إلى نقود وذهب إلى التاجر ليستدين منه وباع عليه أكياس سكر وغيرها نسيئة بثمن يزيد على ثمنها نقداً فيأخذ المحتاج السكر ويبيعه بالنقص عما اشتراه به من التاجر ليقضي حاجته .وتسأل هل هذا التعامل حرام ، أو حلال ، وهل يعتبر من الربا في شيء ؟
الجواب : هذه المسألة تسمى " مسألة التورق" . والمشهور من المذهب جوازها . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إذا لم يكن للمشتري حاجة إلى السلعة بل حاجته في الذهب والورق ، فيشتري السلعة ليبيعها بالعين الذي أحتاج إليها ، فإن أعاد السلعة إلى البائع فهو الذي لا يشك في تحريمه . وإن باعها لغيره بيعاً تاماً ولم تعد إلى الأول بحال فقد اختلف السلف في كراهته ، ويسمونه " التورق" وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه ،ويقول : التورق أخو الربا .(7/46)
وإياس بن معاوية يرخص فيه ، وعن الإمام أحمد روايتان .
والمشهور الجواز ، وهو الصواب ، قال في " مطالب أولي النهى" ولو احتاج إنسان لنقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر كمائة وخمسين مثلاً ليتوسع بثمنه فلا بأس بذلك، نص عليه ، وهي " مسألة التورق" وقال في " الاختبارات" قال أبو طالب : قيل للإمام أحمد : إن ربح الرجل في العشرة خمسة يكره ذلك؟ قال : إذا كان أجله إلى سنة أو بقدر الربح فلا بأس . وقال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ يقول : بيع النسيئة إذا كان مقارباً فلا بأس به . وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل ، لأنه يشبه بيع المضطر ، وهذا يعم بيع المرابحة والمساومة . والله أعلم .
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 270 في 12/5/1386هـ)
(1570 ـ فتوى أهل نجد فيها )
التورق يعمل به الناس كثير ،وعليه العمل من حين عرفنا المسألة وهي ما هي ممنوعة عند الناس في نجد . والفرق فيها أن هنا ثالث البائع بألف ونصف مؤجل هذا كأنه باعها على واحد يستهلكها أو يبقيها ، لكنه عارف بأنه سيبيعها . والشيخ يقول : إنه معاونة له على الإثم والعدوان . وكون الإنسان يتركها تورعاً لأجل الخلاف(1) وفي الغالب أن المدايين الذين يستعملونها تزيدهم فلساً إلى فلسهم ، وما غاب حظر ، قليل وإذا هو حال ، وتتراكم عليه الديون ، وجد من أخذ وعدة وعدتين(2) ثلاث إلا خمس فاستوعب عقاراته وبقي مديوناً . أما لو باعها عليه صارت مسألة العينة . (تقرير)
س : إذا اتفقنا على أن العشر ثلاثة عشر ، وهو ليس عنده(3) .
جـ : المسألة خلافية ،والأكثر في كلام الأصحاب المنع ، يتفقون على العشر إحدى عشر . (تقرير)
(1571 ـ الدينه ،والربح الكثير فيها)
__________
(1) فهذا حسن .
(2) الوعدة هي " التورق" و " الدينة" أيضاً .
(3) يعني المال المبيع وتأتي فتوى في الموضوع .(7/47)
" الرابعة" : سؤالك هل يجوز أخذ الدينة(1) من التاجر بقيمة زائدة وبيعها بأقل من ثمن شرائها ؟ وهل يجوز لهذا التاجر شراء هذه البضاعة من المشتري أو من الدلال .
والجواب : لا بأس من بيع البضاعة بثمن زائد عن قيمة ما تساويه حالاً مقابل التأجيل ، وقد صرح بعض العلماء بالنهي عن الربح الكثير ، فلقد روي عن الإمام أحمد كراهة الربح الكثير ، قال جعفر بن محمد : سمعت أبا عبد الله يقول : بيع النسيئة إذا كان مقارباً فلا بأس به . قال البعلي في " الاختيارات " لشيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره رواية جعفر بن محمد : وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل ، لأنه يشبه بيع المضطر .
أما سؤالك : هل يجوز للتاجر شراء هذه البضاعة من المشتري أو من دلاله .
فجوابه : المسألة من صور مسائل العينة ، وهي محرمة بجميع صورها . وعليه فلا يجوز لهذا التاجر الدائن شراء بضاعة مدينه منه ، لأن ذلك ذريعة إلى الربا .
(ص ـ ف 1036 ـ 1 في 8/4/87هـ)
(1572 ـ وإذا وعده في " مسألة التورق" أن تكون العشرة خمسة عشر قبل أن يشتري البضاعة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرمين ناصر بن عبد العزيز الجوفان وحمد العبد الله الشعلان سلمهما الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) وهي التورق . وسميت دينة لأن الثمن يبقى ديناً في ذمة المشتري .(7/48)
جرى الاطلاع على خطابكما المؤرخ في 19/1/1387هـ وقد سألتما فيه عن رجل استدان من آخر ، ولما قبض المستدين البضاعة منه استقرض من التاجر بقدر ثمن البضاعة أو أكثر أو أقل ، ثم بعدئذ أمر المستدين التاجر أن يسلم البضاعة لمحرج يبيعها ، نظراً إلى أنه في بلد نائي عن بلد التاجر ، وكان الدافع أن يستقرض قبل بيع البضاعة هو حاجته العاجلة ، ثم بعد البيع يأخذ التاجر قيمة البضاعة تسديداً للقرض الذي أقرضه المستدين . فما حكم هذا النوع ؟ وإذا سلمها المستدين نفسه للمحرج وأمر المحرج أن يسلم للتاجر قيمة القرض ، وكان الوكيل هو التاجر أقرض المستدين أو لم يقرضه : فما الحكم أيضاً ؟وإذا تماثل رجل مع آخر على أن تكون العشرة خمسة عشر ، علماً أن البضاعة لم تشتر بعد ، ثم اشتراها وباعها على المستدين على ما تماثلا عليه ، فما الحكم ؟ وقد طلبتما أن نذكر لكما شيئاً من صور الربا الممنوعة .
والجواب : الحمد لله وحده . العقود التي ذكرتم من البيع والقرض والوكالة صحيحة ، إلا العقد الأخير فلا يصح .
أما صحة العقود فبناء على الأصل ،ولم تشتمل علىما يمنع صحتها وأما العقد الأخير فعدم صحته لأن التماثل الذي اتفقنا عليه أولاً : إما أن يكون عقداً أو وعداً . فإن كان عقداً فلا يصح ، لأنه عقد على ما لا يملكه البائع ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" لا تبع ماليس عندك"(1) وإن كان وعداً فيكون منعه من باب سد الذرائع فإنه إذا فتح هذا الباب للناس تساهلوا فصاروا يبيعون ما ليس عندهم ، وقد تقرر أن الوسائل لها حكم الغايات في المنع .
(ص ـ ف 2591 ـ 1 في 16/6/1387هـ)
(1573 ـ أخذ منه " وعده"(2) ليوفيه منها)
س : الوعده إذا حلت يقول : أنا سآخذ وعده من أحد ،وسأبيعها وأوفيك على كل حال ، ولا عندي شيء ، أتأخذها أنت؟ .
جـ : هذه كثيراً ما توقع في ربا . وتفاصيلها مرة أخرى . (تقرير)
__________
(1) أخرجه الترمذي .
(2) وهي التورق كما تقدم .(7/49)
(1574 ـ التسعير منه ما هو ظلم ، ومنه ما هو عدل واجب)
(وتسعير أجور العقار)
الحمد لله وحده وبعد :
فقد جرى بيننا وبين بعض إخواننا طلبة العلم بحث في " مسألة التسعير" وحكمه ،ورغب إلي الكتابة ، فاستعنت فيه الله تعالى وأمليت فيها ما يأتي :
الحمد لله وحده .والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد : فغير خاف أن التسعير من المسائل التي اختلف في حكمها العلماء . فذهب جمهورهم إلى منعه مطلقاً ، مستدلين على ذلك بما روى أبو داود وغيره ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يارسول الله سعر لنا فقال : بل ادعو الله . ثم جاء رجل فقال : يارسول الله سعر لنا فقال : بل الله يرفع ويخفض وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة " وبما روى أبو داود والترمذي وصححه ،عن أنس قال :" غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يارسول الله لو سعرت فقال إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة " .(7/50)
وهذا(1) الشافعي ، وهو قول أصحاب الإمام أحمد : كأبي حفص العكبري ، وا لقاضي أبي يعلى ، والشريف أبي جعفر ، وأبي الخطاب ، وابن عقيل ، وغيرهم ، قال في " الشرح الكبير" وليس للإمام أن يسعر على الناس ، بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون ، وهذا مذهب الشافعي ، وكان مالك يقول : يقال لمن يريد أن يبيع أقل مما يبيع الناس : بع كما يبيع الناس ، وإلا فاخرج عنا . احتج بما روى الشافعي وسعيد بن منصور ، عن داود بن صالح ، عن القاسم بن محمد ، عن عمر ، أنه مر بحاطب في سوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب ، فسأله عن سعرهما ، فسعر له مدين بكل درهم فقال له عمر : قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً ، وهم يعتبرون سعرك ، فإما أن ترفع في السعر ، وإما أن تدخل زبيبك فتبيعه كيف شئت . لأن في ذلك إضراراً بالناس إذا زاد ، وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع .
ولنا ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه : " أنه غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يارسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال : إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ، وعن أبي سعيد مثله .
فوجه الدلالة من وجهين :"أحدهما" أنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ، ولو جاز لأجابهم إليه ." الثاني" : أنه علل بكونه مظلمة والظلم حرام إلى آخر ما ذكره .
وأجابوا على منع عمر رضي الله عنه حاطب بن أبي بلتعة ـ أن يبيع زبيبة بأقل من سعر السوق ـ بأن في الأثر أن عمر لما رجع حاسب نفسه ، ثم أتى حاطباً في داره ، فقال : إن الذي قلت لك ليس بمعرفة مني ولا قضاء ، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد ، فحيث شئت فبع ، وكيف شئت فبع .
__________
(1) كذا بالأصل ولعله : مذهب .(7/51)
وقالوا بعد ذلك في توجه المنع : بأن الناس مسلطون على أموالهم فإجبارهم على بيع لا يجب ، أو منعهم مما يباح شرعاً ظلم لهم ، والظلم حرام ، فالتسعير بمثابة الحجر عليهم ، والإمام مأمور برعاية مصلحة من المسلمين ، وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن . وإذا تقابل الأمران وجب تمكن الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم ، وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم"(1) .
وذهب بعضهم إلى جواز التسعير إذا كان للناس سعر غالب فأراد بعضهم أن يبيع بأغلا من ذلك أو بأنقص ، واحتجوا بما رواه مالك في موطئه ، عن يونس بن سيف ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيباً له بالسوق ، فقال له عمر : إما أن تزيد في السعر ، وإما أن ترفع من سوقنا .
قال مالك : لو أن رجلاً أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس لرأيت أن يقال إما لحقت بسعر الناس ، وإما رفعت . وأما أن يقول للناس كلهم يعني لا تبيعوا إلا بسعر كذا فليس ذلك بالصواب .
كما ذهب بعضهم إلى أن للإمام أن يحد لأهل السوق حداً لا يتجاوزونه مع قيامهم بالواجب ، روى أشهب عن مالك : في صاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن بكذا ولحم الإبل بكذا وإلا أخرجوا من السوق . قال : إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به .ولكن لا يأمرهم أن يقوموا من السوق .
واحتجوا على جواز ذلك بأن فيه مصلحة للناس بالمنع من غلاء السعر عليهم ، ولا يجبر الناس على البيع ، وإنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحده ولي الأمر على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمشتري .
__________
(1) سورة النساء آية 29 .(7/52)
وردوا على المانعين منه مطلقاً : أن الاستدلال بقوله صلى الله عليهوسلم :" إن الله هو المسعر القابض الباسط" إلى آخره قضية معينة ،وليست لفظاً عاماً ، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيع مالناس يحتاجون إليه ، بل جاء في حديث أنس التصريح بداعي طلب التسعير وهو ارتفاع السعر في ذلك ،وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الزيادة على ثمن المثل في عتق الحصة من العبد المشترك فقال :" من أعتق شركاً له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد " قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " الطرق الحكمية" : فلم يمكن المالك أن يساوم المعتق بالذي يريد ، فإنه لما وجب عليه أن يملك شريكه المعتق نصيبه الذي لم يعتقه لتكميل الحرية في العبد قدر عوضه بأن يقوم جميع العبد قيمة عدل ،ويعطيه قسطه من القيمة ، فإن حق الشريك في نصف القيمة لا في قيمة النصف عند الجمهور .وصار هذا الحديث أصلاً في أن ما لا يمكن قسمة عينه فإنه يباع ويقسم ثمنه إذا طلب أحد الشركاء ذلك إجماعاً .وصار ذلك أصلاً في أن وجبت عليه المعاوضة أجبر على أن يعاوض بثمن المثل لا بما يزيد عن الثمن . وصار أصلاً في جواز إخراج الشيء عن ملك صاحبه قهراً بثمنه للمصلحة الراجحة كما في الشفعة .وصار أصلاً في وجوب تكميل العتق بالسراية مهما أمكن .
والمقصود أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه يعوض المثل لمصلحة تكميل العتق ولم يمكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم وهم إليها أضر مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره . وهذا الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من تقويم الجميع قيمة المثل هو حقيقة التسعير .(7/53)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في معرض كلامه على التسعير في " الجزء الثامن والعشرين " من فتاواه الكبرى : والمقصود هنا أنه إذا كانت السنة قد مضت في مواضع بأن على المالك أن يبيع ماله بثمن مقدر إما بثمن المثل وإما بالثمن الذي اشتراه به لم يحرم مطلقاً تقدير الثمن . ثم إن ما قدر به النبي صلى الله عليه وسلم في شراء نصيب المعتق هو لأجل تكميل الحرية وذلك حق الله وما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله .
إلى أن قال : وحاجة المسلمين إلى الطعام واللباس وغير ذلك من مصلحة عامة ، وليس الحق فيها لواحد بعينه ، فتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع أولى من تقديره لتكميل الحرية إلى أن قال : وأبعد الأئمة عن إيجاب المعاوضة وتقديرها هو الشافعي ، ومع هذا فإنه يوجب على من اضطر الإنسان إلى طعامه أن يعطيه بثمن المثل .وتنازع أصحابه في جواز التسعير للناس إذا كان بالناس حاجة ،ولهم فيه وجهان . وقال أصحاب أبي حنيفة : لا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس إلا إذا تعلق به حق ضرر العامة ، فإن كان أرباب الطعام يتعدون ويتجاوزون القيمة تعدياً فاحشاً وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير سعر حينئذ بمشورة أهل الرأي والبصيرة ، وإذا تعدى أحد بعدما فعل ذلك أجبره القاضي أ هـ كلامه رحمه الله .(7/54)
والذي يظهر لنا وتطمئن إليه نفوسنا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم : من التسعير ما هو ظلم ،ومنه ماهو عدل جائز فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضون ، أو منعهم ما أباحه الله لهم فهو حرام .وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ،ومنعهم ما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب . فما قدره النبي صلى الله عليه وسلم من الثمن سراية العتق هو لأجل تكميل الحرية وهو حق لله ، وما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله ، فحاجة المسلمين إلى الطعام والشراب واللباس ونحو هذه الأمور مصلحة عامة ليس الحق فيها لواحد بعينه ، فتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع أولى من تقديره لتكميل الحرية .
فالتسعير جائز بشرطين :
" أحدهما " : أن يكون التسعير فيما حاجته عامة لجميع الناس .
"والثاني" : ألا يكون سبب الغلاء قلة العرض أو كثرة الطلب . فمتى تحقق فيه " الشرطان " كان عدلاً وضرباً من ضروب الرعاية العامة للأمر كتسعير اللحوم والأخباز والأدوية ونحو هذه الأمور مما هي مجال للتلاعب بأسعاره أو ظلم الناس في بيعها .
وإن تخلفنا أو أحدهما كان ذلك ظلماً وداخلاً فيما نص عليه حديثا أنس وأبي هريرة المتقدمان ، وهو عين ما نهى عنه عمر بن عبد العزيز عامله على الابله حين حط سعرهم لمنع البحر ، فكتب إليه : خل بينهم وبين ذلك ، فإنما السعر بيد الله .
والخلاصة أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير فعلى ولي الأمر أن يسعر عليهم فيما تحقق فيه الشرطان المتقدمان تسعير عدل لا وكس ولا شطط . فإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه لم يفعل .
بقيت الإشارة إلى حكم التسعير في أجور العقار . وهل هو داخل في حكم الممنوع ، أم الجائز .
تقدم فيما سبق أن التسعير لا يجوز إلا بتحقق شرطين : (أحدهما) أن يكون فيها حاجة عامة لجميع الناس .(7/55)
(الثاني) ألا يكون سبب الغلاء قلة العرض أو كثرة الطلب .
والمساكن المعدة للكراء ليست فيها حاجة عامة لجميع الأمة بل الغالب من الناس يسكنون في مساكن يملكونها ، وإذا كان هناك غلاء في أجرة المساكن المعدة للكراء في مدن المملكة فليست نتيجة اتفاق أصحابها على رفع أجار سكناها ، ولا الامتناع من تأجيرها ، وإنما سببه في الغالب قلة العقار المعد للكراء ، أو الكثرة الكاثرة من طالبي الاستئجار ، أو هما جميعاً . فتسعير أجار العقار بهذا ضرب من الظلم والعدوان ، فضلاً عن أنه يحد من نشاط الحركة العمرانية في البلاد , وذلك لا يتفق مع مصلحة البلاد وما تتطلبه عوامل نموها وتطورها .وبالله التوفيق . قال ذلك وأملاه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف مصلياً علىمحمد وعلى آله وصحبه وسلم(1) .
(ص ـ ف 2851 في 13/7/87هـ)
(1575 ـ التسعير أيضاً )
يحرم التسعير أن يحد للناس حداً لا يبيعون إلا به " إن الله هو المسعر القابض الباسط "
نعم إذاتجاوزوا الحد الشرعي مثل إنسان يتحيل أن بيع بأعلا من الناس والسعر راكد ، أو يتواطأ خمسة على هذا لم يجز أو يبيع بأرخص عند مالك فإنه يمنع .
أما إذا شح الناس من أجل القل . والمدينة الغالب أن أشياها تجي من خارج ، فطلب من طلب من النبي فلم يجب إلى ذلك ، بل بين أن ذلك ظلم . (تقرير)
س : النقنين الذي يرد من الحكومة .
جـ : هذا هو التسعير . لكن بعض البياعين ما يكفيهم ربح المثل . فالذين يراعون هذا بعضهم يراعى المراعاة الشرعية المطلقة ( تقرير) .
(1576 ـ تسعير البضائع التي اشتريت بالعمل الأجنبية التي دفعتها الحكومة إلى التجار )
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية نفع الله المسلمين بعلمه وحفظه وأبقاه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) قلت : وله نصيحة في " الدرر السنية" مع غيره من المشائخ في حكم تسعير العملات (انظر جـ 7 ص 384) .(7/56)
لايخفى على فضيلة الشيخ ـ حفظه الله ـ أن البلاد تمر بأزمة مالية بسبب اختلاف العملة في البلاد الخارجية ،وحاجة البلاد لاستيراد ما يحتاجه الناس من المؤن والكساء ، ومن وسائل النقل كالسيارات وأدواتها ، ومكائن الزراعة وأدواتها ، إلى غير ذلك مما تمس الحاجة إليه . وبالنظر لأن العملة السعودية المتداولة في البلاد لا يمكن شراء الحاجات بها من الخارج ، وبالنظر لأن الحكومة لديها العمل الأجنبية التي يمكن شراء حاجات البلاد وهي التي تمون التجار بها ، ولكن أكثر التجار إن لم يكن كلهم أخذوا يستغلون هذا الموقف حيث يأخذون هذه العملة بسعر معين من الحكومة لشراء ما يحتاجونه ، وعند ورود السلعة يحتسبون قيمتها على أساس سعر العمل الأجنبية في السوق وليس بالسعر التي تسلمه الحكومة لهم ، وبهذا زاد الأمر على المستهلك ، واستفاد التاجر استفادة فاحشة .
وحيث أن هؤلاء التجار لا يستوردون من الخارج إلا ما ترخص به الحكومة لهم أن يستوردوه ، ولا يشترون هذه الأشياء إلا بالنقد الذي تدفعه الحكومة لهم ، مع الملاحظة أن أكثر هؤلاء التجار يحتكرون الأصناف التي يستوردونها باعتبار أنهم يوردون لشركات أجنبية هم الوكلاء الوحيدون لها ، ولا يوجد من ينافسهم على بضاعتهم فهل والحالة هذه يجوز للحكومة أن تسعر البضائع التي ترخص باستيرادها ،وتعطى النقود الأجنبية للتاجر لشرائها ، بحيث تجعل للتاجر ربحاً معقولاً ويستطيع المستهلك أن يستحصل على حاجته بسعر معقول لا غبن فيه .
أما ما يستورده الناس بغير رخصة من الحكومة ولا يأخذون أموالاً من الحكومة لشرائه ، وكذلك الاشياء التي هي من حاصلات البلاد ، فالناس أحرار في بيعها وشرائها .
والذي يستأذن في تسعيره الآن هي البضائع التي رخصت الحكومة باستيرادها ودفعت للمستورد نقداً أجنبياً مشروطة فيه جلب بضائعها بعينها . أفتونا مأجورين ،والله يحفظكم ويتولاكم بتوفيقه .(7/57)
الجواب : الحمد لله . البضائع التي اشتريت بالعمل الأجنبية التي دفعتها الحكومة إلى التجار ليشتروا بها ويبيعوها داخل المملكة تسهيلاً على المسلمين ورفقاً بهم ، من اعتبر فيه رأس المال بحسب دخولها عليه فإنها لا تسعر عليهم . كما لا يسعر عليهم منتوجات أوطانهم ،وكما لا يسعر عليهم في متجراتهم الحرة التي تم شراؤها بأموالهم واختيارهم فهلم بيعها ، ولا تسعير عليهم فيها ، ولا تقدير عليهم في أرباحها .
وأما من اعتبر رأس مالها ما تبلغه بالنسبة إلى عملة الوطن . فهذا خاطئ ، ومخالف لمقصود الملك ـ وفقه الله ـ من الرفق بالمسلمين والتسهيل عليهم . وإذا سعر على هؤلاء واعطوا ربح المثل فقط . فلا أرى بذلك بأساً ، لكون أولئك التجار دخولا على شرط لفظي أو معنوي حقيقته أن يسيروا في ذلك على وفق مراد الملك المنوه عنه آنفاً من التيسير على المسلمين والتسهيل عليهم . والله الموفق .
قاله الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
20/2/1377هـ ( الختم)
(هذه من الفتاوى التي أرسلت إليّ من ديوان رئاسة مجلس الوزراء ضمن البيان رقم 27903 ـ 3)
(1577 ـ التسعير على الجزارين )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم رئيس بلدية الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
إليكم المعاملة الواردة لنا منكم برقم 1979 في 11/8/74هـ المختصة بدعوى الجزارين الذين يبيعون اللحم بسعر زائد عما يبيعه غيرهم .
ونفيدكم أنه يتعين إلزامهم بالبيع مثل ما يبيع غيرهم والسلام عليكم .
( ص ـ م 889 في 18/8/74هـ)
(1578 ـ الاحتكار)
" لا يحتكر إلا خاطئ"(1) .
مفيد المنع من الاحتكار .والاحتكار هو ادخار الأقوات والتربص بها زمن الغلاء(2) قيل : إنه مختص بقوت الآدميين .وقيل : والبهائم .
ومن المعلوم أن أضر ذلك قوت الآدميين .
__________
(1) أخرجه مسلم .
(2) ويأتي .(7/58)
والحديث هذا ـ والله أعلم ـ فيه صلاحية للدلالة على الجميع . ويمكن أن يقال إنه لا يقع الإضرار إلا بقوت الآدميين .
فإذا وجد محتكر أجبره الإمام على البيع ، فإن فعل فذاك ، وإلا يؤخذ منه ويباع له ، وإن كان المقام يحتاج إلى تعزيز فإنه يعزز ، ولا يؤخذ شيء من المال إلا بمقدار التنكيل لا أكثر ، فليس للتشهي ، فإن المسلم حرام المال ، ولا يحل إلا بحقه . (تقرير)
الاحتكار يحرم ، ويتبعه(1) الادام كالقهوة وشبهها مما يؤدم به . وهو أن يعمد إلى السوق فيشتري منه لينتظر به الغلاء ، كونه يجيء ويشتري من سوق الناس وهو تاجر كبير ، فإنهم يتصورون أنه سيستوعب كثيراً ،ويظنون أنه ماشرى إلا لشيء " أولاً" تقل الأقوات . " ثانياً" المضايقة بالثمن في الغلاء .
أما الذي جاءه ويتربص به فليس من الاحتكار .
الشراء الذي لا يؤثر على سعر السوق لا يدخل في الاحتكار كألف كيس ، بل قد يكون من أسباب الرخص جمعه أموالاً والسوق ماشي ، هذا ما يدخل (تقرير ثان)
(1579 ـ الامتياز)
الامتياز لا يصح شرعاً(2)
(1580 ـ هدايا للمشترين )
من محمد بن إبراهيم إلى المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فقد اطلعنا على كتابكم رقم 2034 ـ 5ـ 4 وتاريخ 18/6/80هـ والذي تذكرون فيه أن محمد علي أبو داود وإخوانه يرغبون تقديم هدايا للجمهور على ما يشتريه من محالهم من بضاعة ،ويطلبون السماح لهم بالإعلان عن ذلك في الصحف ، وتسألون : هل يجوز لهم ذلك ؟
__________
(1) يتبع الأقوات .
(2) انظر فتوى تقدمت في الحج في طلب منح امتياز مجزرة منى بتاريخ 5/12/72هـ .(7/59)
ونفيدكم أنه لا يجوز السماح لمثل هذه الأشياء ، ولا يباح استعمالها ، إذ أنها من أكل أموال الناس بالباطل ، فينبغي سد الباب عن أمثال هذه الأعمال ، وعدم التهاون بها ، لأنها تفتح الباب إلى الحرام . فمن الحزم قطع الطريق على كل مموه نهاب يحتال على أموال الناس بشتى الحيل . نسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه والله يحفظكم .
(ص ـ ف 1226 في 11/8/80هـ)
(باب الشروط في البيع)
(1581 ـ قوله : أو خصيا )
خصي العبد ـ وهو رض خصيتيه أو سلهما ـ لا يجوز ، حرام أن يفعل هذا ، لكن أهل الأموال يفعلون هذا لأجل مصلحتهم ، فإذا خصى انقطع تعلقه بالنساء من جميع الأحوال أو في بعضها ، فإنه يوجد من الخصيان من يجامع ، لكنه ليس مثل جماع غير الخصي . (تقرير)
(1582 ـ قوله : أو مسلماً )
وقد يكون هناك عرف ويؤخذ به ، كأن يكون العرف أو العبيد مسلمين ثم يشتري عبداً فيتبين أنه يهودي أو نصراني أو وثني . فهو عيب بالنسبة إلى العرف ، لا إلا الأصل ، إذ الأصل فيهم هو ذلك ، فإن سبب الرق هو الكفر . (تقرير)
(1583 ـ قوله : وإن جمع بين شرطين .. بطل البيع . لحديث :" ولا شرطان في بيع " (1) .
الشيخ وابن القيم يقولان : الشرطان في بيع هو " بيعتان في بيعة(2) ويصح العمل بما ذكره الشيخان من حيث الدليل والقوة . (تقرير)
(1584 ـ ثم هنا مسألة وهي أن يبيع شيئاً من إنسان ويشترط أن تقبل أنها حوالة ما عندي شيء .
فهذه تصح ، ذكرها ابن عطوة ، وذكرها إمام الدعوة وأجازها ولا فيها محذور . (تقرير)
(1585 ـ شروط ليست من مصلحة العقد ولا من مقتضاه)
قرار رقم 158 في 26/11/80 هـ
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :ـ
__________
(1) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
(2) المذكور في حديث أبي هريرة وقد أخرجه الترمذي والنسائي .(7/60)
فقد جرى الاطلاع على المعاملة المرفقة الواردة من سمو وزير الداخلية برقم 1366 وتاريخ 27/10/80هـ الخاصة بدعوى عبد الله بن أحمد القريشي ضد حامد أحمد الدخيل بشأن الحديد الخردة الذي اشتراه حامد من عبد الله ، والمشتملة على الصك الصادر في القضية من مساعد رئيس محكمة الدمام برقم 340 ـ 1 وتاريخ 5 رمضان 1380هـ والذي يتلخص في أن فضيلة القاضي بعد سماع الدعوى والإجابة واطلاعه على الاتفاقية والبيان الذي طلبه من سكة الحديد ظهر له أن كلا الطرفين قد أخل بما عليه ، حيث أن حامد الدخيل لم يقم بتأمين العدد الكافي من العربات ، كما أن عبد الله القريشي قد أخر شحن العربات في بعض الأيام ، ثم حكم على حامد بقبض باقي الحديد بسعره المذكور ـ يعني في الاتفاقية ـ وحكم على القريشي بتسليم الأرضية التي دفعها حامد إلى سكة الحديد لأجل العربات التي أخر شحنهن القريشي ، كما حكم على القريشي بأجور تعطيل الباخرة في الأيام التي أخر فيهن شحن العربات ، إن ثبت وجود الباخرة في ميناء الدمام في تلك الأيام وثبت أن حامداً دفع لأرباب الباخرة أجرة تعطيل ، وحكم أيضاً ببراءة حامد مما يدعيه ا لقريشي من أجرة العمل والأثاث التي استجلبها للشحن وادعى أنه أصابه خسائر بسبب عدم إرسال حامد العربات الكافية . أ هـ .
وبتدقيق هذا الحكم والاطلاع على نص الاتفاقية وملحقها ، اتضح أن القاضي لم يصرح بالحكم بصحة العقد ، إلا أن لازم حكمه يقتضي ذلك .(7/61)
وحيث أن هذا البيع قد اشترط فيه شروط ليست من مصلحة العقد ولا من مقتضاه ، منها ، أن المبيع تسليم ظهر الباخرة . ومنها : أن على البائع إحضار العمال العاديين اللازمين لترتيب وتقطيع وتفكيك الحديد الخردة للبيع إذا دعت الحاجة لذلك . ومنها : أن على البائع أجور الكرينات والونشات الموجودة بمحل الحديد والعمال ـ كما في الملحق ، وقد قال في " الإنصاف" على قوله (وإن جمع بين شرطين لم يصح) : هذا المذهب ، وعليه الأصحاب . أ هـ . وهذا هو الذي اعتمده الأصحاب المتأخرون في كتبهم ،والحجة في ذلك الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي إنه حسن صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " الحديث .
وقال في " حاشية المقنع" والأشهر عن أحمد رحمه الله أنه فسرها بشرطين صحيحين ليسا من مصلحة العقد بأن يشتري حزمة حطب ويشترط على البائع حملها وتكسيرها ، إلا ما كان من مصلحته كالرهن والضمين ، فإن اشتراط مثل ذلك لا يؤثر ، ولا ما كان من مقتضاه ، ولا الشرطين الفاسدين ، إذ الواحد كاف في بطلانه ، وهذا اختيار الشيخين . وفي " المغني ، والشرح" إن كان من مقتضى العقد فلا يؤثر فيه بغير خلاف . أ هـ .
وجاء في أول الاتفاقية أن الثمن جنيهات مصرية . ثم جاء في المادة الرابعة أن المشتري يدفع الثمن ريالات سعودية ، وجاء في المادة الخامسة أنه إذا فتح الاعتماد بالجنيه المصري حساب استثمار بالقطر المصري فيقتطع ثمن الحديد بالريال السعودي على أساس سعر الجنيه المصري الحر بالسوق الحرة يوم الدفع . أ هـ .
وهذا معناه اشتراط صرف الثمن ، ولا يخفى أن ذلك من الشروط الفاسدة المبطلة للعقد عند جمهور العلماء .
وبناء على جميع ما تقدم فإن هذا العقد لا يصح ، وعليه نرى أن نعاد المعاملة إلى حاكمها لملاحظة ما ذكرنا ،وإكمال ما يلزم . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .(7/62)
رئيس القضاة ( ص ـ ق )
(1586 ـ إذا شرط عليه أن تكون الدار المشتراه للسكنى لا للبيع)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محكمة القنفذة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنعيد لكم هذه الأوراق الخاصة بطلب يوسف اليحياوي إجراء مبايعة بالأرض المباعة له من البلدية المرفوعة مع خطابكم رقم 647 ـ 1 في 24/4/88هـ وطلب البلدية الإشارة في صلك المبايعة أن الأرض تكون للانتفاع بالسكنى ، ولا يجوز للمشتري البيع . الخ . وإن كاتب العدل امتنع عن ذكر هذا الشرط في صك المبايعة ، وطلب عرض الموضوع علينا .
ونشعركم بأن امتناع كاتب العدل عن ذكر هذا الشرط في صك المبايعة في محله ، لأنه شرط باطل ، كما قرر الفقهاء ذلك في موضعه من " باب الشروط في البيع" والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 2701 ـ 3 ـ 1 في 28/8/1388هـ)
(1587 ـ الفرق بين الوقف والعتق )
قوله : إلا إذا شرط العتق .
تقدم شرط عثمان على صهيب لما اشترى منه أرضاً وقفها عليه وعلى عقبه ، فما الفرق ؟
لعل الفرق أن العتق له من النفوذ والخصوصية ما ليس للوقف . (تقرير)
(1588 ـ إن جئتك بحقك وإلا فالرهن لك لا يصح البيع . وهذا هو غلق الرهن عندهم .
والقول الآخر أنه يصح ،وفعله أحمد ، وهو اختيار الشيخين ، وقرار دلالة الحديث على صحته . هذا أقرب من الدلالة على البطلان فالظاهر جوازه كما تقدم . (تقرير)
(باب الخيار)
(1589 ـ قوله : ان يشترطاه في صلب العقد )
مفهومه أنه لا يصح قبل العقد إلا ما تقدم في الشروط في البيع فإنه فيه خلافاً قبله أو بعده يليه .
والظاهر أنه مثله ، لأنه شرط ، فيجري الخلاف فيما قبل .
(1590 ـ مدة خيار الشرط )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم الشيخ يوسف بن عبد الله الدغفق سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ(7/63)
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي فيه عن " ثلاث مسائل" " إحداها " مدة خيار الشرط ، وقد تأملنا ما أتيت به من تدليل وتعليل في غير محله ، وقد كان يكفيك أن تأخذ بالقول المفتى به المعمول به في المحاكم الشرعية والمنصوص عليه في كلام العلماء ، لأنك لم تبلغ درجة الاجتهاد .
إذا عرفت هذا فليس في الشرع ما يمنع تمديده مدة الخيار إلى أكثر من ثلاث إذا كان البيع صحيحاً وبعيداً عن الحيل ، وقد توفرت فيه شروطه السبعة ، وانتفت مفسداته ، بل ورد ما يدل على ذلك من عموم قوله صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " وغيره .
(ص ـ ف 984 في 7/1/1379هـ )
(1591 ـ ما يسمى بيع خيار وهو استثمار)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 7/17/2167 وتاريخ 25/5/1377هـ المختصة بالنزاع الواقع بين محمد مدني زكري وبعض شركائه ضد محمد المهدي العطاس في البيوت التي بجيزان ، كما جرى الاطلاع على الصك الصادر من وكيل قاضي صبيا برقم 30 وتاريخ 25/10/77هـ المتضمن إثبات عقد بيع مدني للبيوت المذكورة على المهدي .
وبتأمل أوراق المعاملة والصك المذكور وجدت تتلخص فيما يلي :
1ـ أن مدني زكري باع البيوت المذكورة على المهدي بشرط الخيار منه ستة أشهر بألف وثمانمائة ريال . وهي دون نصف ثمن المثل ،وصار المهدي يؤجرها ويستغل أجرتها من حين صدور عقد البيع سنة 1371هـ .
2 ـ بعد تمام المدة تساكتوا فلم يكلم أحد منهم الآخر في فسخ البيع أو إمضائه بهذا الثمن أو بأكثر منه ، واستمر المهدي على وضع يده على البيوت واستغلالها .(7/64)
3 ـ لما كان في سنة 1374هـ قام المهدي يطلب تسجيل البيع فاعترض بعض شركاء مدني بأنهملم يوكلوه على البيع ، ولم يأذنوا له ولم يرضوا ببيع بيوتهم بهذا الثمن ، وهي تساوي خمسة آلاف بزعمهم ، كما أن مدني نفسه اعترض وادعى بأن عقد البيع عقد صوري كتوثقة بالثمن ، كما هو عادتهم في التوثقات والرهون ونحوها .
4 ـ رفعت المعاملة إلى قاضي صبيا حمد المطلق الغفيلي فاستشكلها وذكر أن هذه من بيع الأمانات واعتقد أن فيه شبهة ،وطلب إحالتها إلى محكمة جيزان لأن البيوت في جيزان ، فامتنع قاضي جيزان من النظر فيها وأرجعها إلى قاضي صبيا .
5 ـ صادف رجوعها حال غياب قاضي صبيا المذكور وكان وكيله أحمد البسام فنظر فيها وأصدر فيها الصك المرفق الذي لا يخلو من عدة ملاحظات . وخلاصته أنه أثبت البيع ، ولم ينزع يد المهدي من البيوت ، لكنه نظر إلى تشكي المدعين بالغبن ونقص الثمن عن ثمن المثل وأمر من يثمنه بواسطة رئيس محكمة جيزان ، فثمن بأربعة آلاف ريال . وارتأى وكيل قاضي صبيا أن البيع لازم بما قومه به الأمناء . هذا خلاصة الصك ـ على ما فيه .
6 ـ تشكى مدني زكري وشركاؤه من ما أصدره وكيل قاضي صبيا ،ورفعت المعاملة إلى وزارة الداخلية وصار إرجاعها إلى قاضي جيزان لابداء نظره فيها ، فقرر فيها قراراً يتلخص بما يقتضي تصحيح البيع ، ثم إنه إرتأى فسخ البيع وإرجاع البيوت إلى البائع وإرجاع الثمن إلى المشتري نظراً لوجود الغبن وغيره ، وقرر أن البيع للمهدي ، لأنه نماء ملكه .
7 ـ بتأمل ما ذكر وجدنا في كل من قرار رئيس محكمة جيزان وصك وكيل قاضي صبيا أشياء تحتاج إلى ملاحظة ،وتتلخص فيما يلي :ـ
أولاً : الملاحظات على صك وكيل قاضي صبيا . فهذه لا نطيل بتتبعها ، لكن حاصلها عدم صحة حكمه من أصله ، لأنه تناقض .(7/65)
فلم يقل بصحة العقد بالثمن المسمى حتى يعرف أن ليس للبائع غيره . ولم يقل ببطلانه حتى يعرف أن الثمن مرجع على صاحبه والبيوت تعود إلى البائع مدني زكري وشركائه ، بل عمد إلى شيء آخر وهو ما قومته به الهيئة أربعة آلاف ريال وجعلها هي الثمن . وألزم الطرفين بموجبها ، وأثبت البيع بدون رضا منهم ولا اتفاق . وهذا عجيب منه ، لأنه إن كان يرى صحة العقد فكيف يلزم المشتري بزيادة ألفين ومائتين على الثمن المسمى بأصل العقد ، وإن كان يرى بطلانه فكيف يحكم ببقائه بيد المشتري . والحاصل أن العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً بحال ، ومتى أراد تصحيحه فلابد من إعادته بشروطه السبعة المعروفة . وأما الزيادة التي أضاف إلى الثمن الأول بموجب تقويم الهيئة فلا تصححه بمجردها . فعرف بهذا أن حكمه الذي بني عليه صكه المذكور غير صحيح من أصله فلا عمل عليه .
ثانياً : ما قرره رئيس محكمة جيزان فهو أقرب إلى الصواب من سابقه ، لكن مع ذلك لاحظنا عليه أنه ذكر في المادة الأولى من قراره تصحيح البيع ، لأن البائع باع عن نفسه وبالوكالة عن شركائه ،واستلم الثمن ،وسلم المبيع للمشتري ، وتصرف كل منهما ولم يلتفت إلى معارضة المدعين بنفي الوكالة ، وبأن البيع صوري بمثابة الرهن للتوثقة بالثمن . ثم أنه خالف ذلك في المادة الثانية حيث قرر فسخ البيع نظراً لاعتراض بعض الشركاء ونظراً لغياب بعضهم ولم تصدر منهم وكالة تخول مدني بيع عقارهم المشترك ،ونظراً لما قرره الأمناء من تثمين البيوت بأربعة آلاف ريال ، مع أن العقد وقع على ألف وثمانمائة وهي أقل من نصف ثمنه ، فصار فيه هذا الغبن الفاحش . إلخ حيثياته . فقرر فسخ البيع ، وإرجاع البيوت على مدني زكري وشركائه .وإرجاع الثمن على المهدي .
ومن تقريره هذا يظهر أنه يرى بطلان العقد من أصله ، لكنه خالف ذلك ، وذكر في آخر قراره أن الأجور للمهدي لأنها نماء ملكه ، والملك في المدة الماضية للمشتري .(7/66)
ثالثاً : بعد تأمل جميع ما ذكر ظهر لنا أن العقد غير صحيح من أصله لأمور :ـ
(أولاً) لعدم ثبوت الوكالة التي تخول لمدني زكري بيع هذا العقار المشترك ، كما ذكر رئيس محكمة جيزان ، وإذا لم تثبت الوكالة فإن العقد باطل من أصله .وقبضه قبض فاسد ،والمقبوض بعقد فاسد حكمه حكم المغصوب ، فلا يملك به ، ولا ينفذ تصرفه فيه ، ويضمنه بنمائه المتصل والمنفصل ، وعليه أجرة مثله مدة بقائه عنده .
(ثانياً) أن من تأمل عقدهما بعين البصيرة وعرف معاملات أهل تلك الجهة وما يتعاطونه من الرهن المغلق الذي نهى عنه النبي صلى الله عليهوسلم بقوله :" لا يغلق الرهن من صاحبه" الحديث وتحيلهم على هذا ببيع الخيار الذي تباع فيه السلعة بأقل من ثمن مثلها عرف أن هذا هو الذي نص عليه الفقهاء في باب الخيار حيث قالوا : لا يصح شرط الخيار في عقد حيلة ليربح في قرض . وهذا هو ربا القرض الذي ورد فيه الحديث " كل قرضٍ جر نفعاً فهو ربا" وفي لفظ " نهى عن قرضٍ جر منفعة " .
فهذه العقود وأمثالها أكبر مقصودهم فيها انتفاع البائع بالثمن وانتفاع المشتري بالمبيع مع التوثيق والاستغلال حتى يرد عليه البائع الثمن ، وهذا شيء ظاهر ، ولهذا لايتمكن من بيعه ولا من التصرف فيه بغير الاستغلال بكل حال .(7/67)
وربما يتوهم بعضهم أن هذا من بيع الخيار الذي نص الفقهاء على جوازه ، وليس كذلك ، فإن حقيقة بيع الخيار الجائز هو أن يقصد الإنسان بيع سلعته ثم يبيعها بما يقارب ثمن مثلها ، ويشترط الخيار مدة معلومة لينظر في خير الأمرين الامضاء أو الرد ، ومثله المشتري فهذا هو بيع الخيار الجائز بشروطه ، ولهذا قالوا : ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع وعوضه المعين فيها بغير إذن الآخر . وقيدوا الإذن بالتصرف بأن يكون الإذن بعد العقد لا قبله ولا معه ، كما قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله في حاشية على " شرح الزند " أن مراده إذا كان الإذن ونيته حادثين من البائع والمشتري بعد العقد ، ولم يريداه ولم ينوياه في العقد . بل دخلا في البيع على أصله الشرعي ثم حدث هذا الإذن بعد ذلك ، وإلا فإن أراداه ونوياه قبل العقد ودخلا في البيع عليه وعلى انتفاع المشتري بغلة المبيع حرم وبطل البيع لأن الذي يقبضه البائع قرضاً ، فكان هذا الخيار المشترط حيلة ليربح في قرض . أ هـ .
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بعد كلام له : ونص على أنه إذا كان المقصود بالاشتراط الخيار أن يستوفي المشتري منافعها ثم يفسخ البائع العقد ويرد الثمن ويسترجع الدار لم يجز ، لأنه بمنزلة أن يدفع إليه المشتري دراهم قرضاً ثم يأخذها منه ومنفعة الدار ربح ، وذكر فيما إذا اشترط الخيار إلى أجل فهو جائز إن لم يكن أراد حيلة ، فمتى أراد أن يقرضه قرضاً ويأخذ العقار أو الشيء فيستغله ويجعل له فيه الخيار ليرجع فقال الأثرم : ليربح فيما أقرضه فهذا حيلة ، فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس . أ هـ نقل ذلك عنه في " مجموع المنقور" .(7/68)
ونقل المنقور أيضاً عن غير واحد من مفاتي نجد تقرير هذه القاعدة وتوضحيها ،وذكر عدة أمثلة مما يفعله بعض العوام في هذه الأزمنة تحيلاً على الربا بصورة بيع الخيار ، سواء كان قرضاً أو ديناً مؤجلاً . كما ذكر مراجعة وقعت بين الشيخ محمد بن اسماعيل وبين تلميذه أحمد بن محمد بن بسام قرر فيها ابن اسماعيل معنى ما ذكرنا ، ومثله جواب الشيخ محمد الخزرجي ،والشيخ ابن ذهلان وكذلك نقل عن الموفق الشارح وصاحب الإنصاف وغيرهم ، وللشيخ ابن عطوة جواب بمعنى ذلك ، وكذلك البلباني وغيرهم من المحققين رحمهم الله تركنا إيراد أجوبتهم هنا للاختصار .
إذا تقرر ما ذكر فينبغي تنبيه رئيس محكمة جيزان على ذلك وأن ينبه القضاة التابعين لمحكمته عليه .
وأما قضية مدني زكري وأحمد المهدي فالمتعين فيها أن ترجع البيوت على مدني زكري وشركائه ، ولهم أُجرتها ايضاً ، ويرجع عليهم محمد المهدي بالثمن الذي سلم لهم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تحرر في 25/6/1377هـ (ص ـ ف 786 في 28/6/1377هـ)
وفي تقرير لشيخنا على قول الأصحاب : ولا في عقد حيلة ليربح في قرض . قال بعد ذكر معنى هذه الفتوى : وإذا كان أحدهما لا يعلم نية الآخر صح في حق من لا يعلم .
وقال أيضاً : أما لو كان قصده خيراً ويخاف أن الألف يتلف ، فيقول : بعني دارك ، أخشى إذا ذهبت بالألف أنك مدين ، ولا قصد حيلة ، ولا مطمع في الدار . فهذا يصح .
المقصود الفرق في الحيلة وعدمها . (تقرير)
(1592 ـ مدعى الفسخ قبل انقضاء مدة الخيار عليه البينة )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ ناصر بن حمد الراشد وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
كتابكم وصل وما برفقه صورة الصك الصادر بين علي عبد الله بن صالح وأخيه محمد بن عبد الله وبين عبد العزيز بن علي بن لحيدان ، ودعوى ابن لحيدان فسخه البيع للحائط وحيطان حبيشي قبل انقضاء مدة الخيار .(7/69)
ونفيدكم أنه بتأمل الصك المشار إليه ظهر لنا أنه إن أقام ابن لحيدان بينة على أنه فسخ البيع في مدة الخيار انفسخ ، وغلا فالقول قول خصمه بيمينه ، ولا يلزم من عدم افتقار الفسخ إلى رضا الآخر وحضوره أن يكون القول قول مدعي الفسخ ، بل لا بد من بينة على دعواه ،وإلا فالقول قول منكره بيمينه ، وذلك أن الأصل ثبوت البيع ، فيلزم استحاب هذا الأصل حتى يثبت زواله ، ومدعي الفسخ في هذه المسألة قبل انقضاء مدة الخيار لم يقم بينة على ما ادعاه . والله يحفظكم .
(1593 ـ قوله : وللمشتري النماء المنفصل والكسب .
الحمل بعضهم عده من النماء ، وبعضهم لم يعده . وهو كذلك ، ومن شرطه أن لا يكون دخل به . وإن كان ولد أمة تبعها على القولين . (تقرير)
1594 ـ إذا كان الخيار للبائع فقط فتصرفه في الثمن المعين ـ وهو الريال اـ يدل على اختيار البيع ، نظير تصرف المشتري كما سبق . وهذا هو الذي أفهمه ، جعلا للبائع بالنسبة إلى الثمن كالمشتري مع المثمن . (تقرير) .
(1595 ـ تلقي الركبان )
مجرد تلقي الركبان قيل بالكراهة ،وقيل بالتحريم ، وهذا هو الأقوى ، للنهي عنه .
ونعرف من هذا لو اشترى إنسان في البرية أو في فناء من أفنية البلد . فلا خيار له ، والبيع صحيح ، لأنه قصر في الاختيار في البيع ، والنهي جاء في التلقي ، ولا جاء لا تشتروا من الجالبين في الطريق .
ثم الخيار الذي يثبت لهذا هو ما إذا غبن غبناً يخرج عن العادة . أما إذا كان مثله يتغابن به فلا . وعند ببعض له الخيار مطلقاً ، وأهل هذا معهم ظاهر الحديث .
حديث " فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار) (1) .
ولعلك أن تقول : الرسول قال إذا أتى سيده السوق فهو بالخيار . والأصحاب قالوا : محصور في ثلاث؟
__________
(1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الجلب فإن تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة بالخيار . إذا ورد السوق " رواه الجماعة إلا البخاري .(7/70)
يجاب عن دلك : أن التغابن بمثل الريال في العشرة يحصل ولو في غير هذه الصورة ، فيكون في هذه الصورة كذلك ، فيكون الحديث وإن كان ظاهره الإطلاق فيقيد بما هو جار متسامح فيه من التغابن اليسير الجاري في الأسواق ، وجاء على الإطلاق جرياً على الغالب في التلقي يكون الغبن الكثير .
وأما غير هؤلاء الثلاثة فليس لهم خيار على المذهب ولو كثر ، إنما جاءه من عجلته ، هو الذي لم يحتط لنفسه ، يقال : أنت تأخذ لنفسك ، ولا رضى صاحب السلعة إلا بعشرين .
هذاالكلام فيمن شأنه أن يغبن فغبن .
أما واحد جائز التصرف فدخل في شيء لا يعلمه . هذا فيه تأمل . (تقرير)
(1596 ـ منع متلقي الجلب )
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على خطابكم رقم 1779 ـ 6 وتاريخ 18/5/84هـ المشفوعة به المكاتبة الواردة إليكم من أمارة منطقة أبها حول تشكي أهالي ظهران الجنوب من الأشخاص الذين يتلقون الركبان خارج البلد لشراء المواشي . كما جرى الاطلاع على قرار المجلس الإداري بأبها برقم 22 وتاريخ 26/2/84هـ المتضمن منع السماسرة من تلقي الركبان خارج البلد . وأن لا تباع المواشي إلا داخل البلد .
وبتأمل ما ذكر وجدنا ما قرره المجلس الإداري بأبها وجيهاً . فيتعين منعهم من تلقي الجلب حتى يدخل السوق ، وقد ورد النهي عن تلقي الركبان في الحديث الصحيح الذي رواه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب ، فإن تلقاه إنسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق " .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف 133 ـ 1 وتاريخ 12/3/1384هـ)
(1597 ـ الربح الكثير على المزارعين مكروه)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة الشيخ جابر الطيب قاضي بيشه حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/71)
فقد وصلتنا برقيتكم بصدد طلب الإفادة عن تعامل بعض التجار مع المزارعين ، وأنهم يرهقونهم بالأرباح .
ونفيدكم أن المسألة مذكورة في كتب أهل العلم ، وأكثر ما قالوا فيها : أن ذلك يكره .قال في " الاختيارات ص122 : قال أبو طالب قيل لأحمد : إن ربح الرجل في العشرة خمسة يكره ذلك ؟ قال : إذا كان أجله إلى سنة أو أقل بقدر الربح فلا بأس به . وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل ، لأنه شبه بيع المضطر . أ هـ .
وقال في " مختصر الفتاوى ص326" : ومن قال لتاجر : أعطني هذه السلعة . فقال التاجر : مشتراها ثلاثون ، وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل . فهي على ثلاثة أنواع :" أحدها " أن يكون مقصوده السلعة لينتفع بها للأكل أو الشرب أو اللبس ونحوه .
" الثاني " أن يكون مقصوده التجارة . فهذان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع ، ولابد من مراعاة الشروط الشرعية ، فإذا كان المشتري مضطراً لم يجز أن يباع إلا بقيمة المثل مثل أن يضطر الإنسان إلى شراء طعام لا يجده إلا عند شخص فعليه أن يبيعه إياه بقيمة المثل ، فإني أبي أن يبيعه غلا بأكثر للمشتري أخذه قهراً بثمن المثل .
فيتبين مما أشرت إليه وما تقدم أن مسألتكم(1) مسألة بيع المضطر التي صرح العلماء بعدم جواز البيع عليه إلا بقيمة المثل . فهؤلاء الزراع ليسوا مضطرين للشراء من هؤلاء التجار الطامعين .
عليه فلا نرى إلا ما رآه العلماء من أن الربح الكثير عليهم مكروه ،وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بجواز تلك المبايعات ، حيث أن الاضطرار لها مفقود ، وتقييد ربح التاجر بالمثل مخصوص بالبيع على المضطر . وبالله التوفيق . والله يحفظكم .
(ص ـ ف 1434 في 18/11/1379هـ)
(1598 ـ الزيادة على الفقير)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم يحيى محبوب المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
__________
(1) سقط هنا كلمة ليست .(7/72)
فقد وصل إلينا كتابك الذي تذكر فيه عن المشكلة التي يعانيها بعض الفقراء إذا أراد يستدين حاجات بيته مما يلزم له ولعائلته ، وفهمنا كل ما ذكرته .
ولا شك أن البيع إلى أجل غير البيع بالنقد ، ولابد من فرق في الثمن بين هذا وهذا .
غير أن لا ينبغي للتجار أن يزيدوا على الفقراء الزيادة الفاحشة التي لم تجربها العاده . قال أبو طالب : قيل للإمام أحمد : إن ربح الرجل في العشرة خمسة يكره ذلك ؟ قال : إذا كان أجله سنة أو أقل بقدر الربح فلا بأس . وقال جعفر بن محمد : سمعت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ يقول : بيع النسيئة إذا كان مقارباً فلا بأس به ، وهذا يقتضي كراهية الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل لأنه يشبه بيع المضطر ، وهذا يعم بيع المرابحة والمساومة . ذكره في " الاختيارات " والله الموفق . والسلام .
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 1467 ـ 1 في 12/6/1385هـ )
(1599 ـ قوله : والغبن محرم )
لأنه من الغش ، هو إبداء غير الحقيقة ، فيحرم تعاطي أسبابه : بأن يتلقى جلباً ، أو يرضى بالنجش ، أو يقول : أعطيت كذا وهو كاذب .
ثم هذا التحريم ليس خاصاً بالثلاث الصور(1) يحرم أنك تبيع ما يساوي سبعة بعشرة ، وهذا كثير في بياعات الناس ، فلا يصح وحرام إذا باع ما يساوي سبعة بإثنى عشر .
ولعل هذا يستثنى منه أحوال الموسم ، لأنه حدوث رغبة ، فليس غبناً ، فهذه الزيادة لا باس بها ، إنما الذي يحرم الذي بالنسبة إلى وقته . (تقرير)
(1600 ـ قوله : وجمع ماء الرحى )
وهذا الآن يستعمل للكهرباء على الأنهار .
ثم إذا نظر فرؤي الثمن هو ثمنها بدون التدليس هل يثبت له ؟ الله أعلم . (تقرير)
(1601 ـ خيار العبي) (2) .
قوله : وهو ما ينقص قيمة المبيع .
__________
(1) وهي :1 ـ تلقي الركبان . 2 ـ زيادة الناجش 3 ـ زيادة المسترسل
(2) وانظر فتوى في الوقف صادرة برقم 381 في 5/8/75هـ .(7/73)
هذا في باب البيع . أما في الأضحية فلا ، فإذا صار ناقة ذبوح بخمسمائة فوجد عيب لا ينقصها بالنسبة إلى الذبح عندما تجلب فهذا ليس عيباً إذا كانت فاطر للذبح . (تقرير)
قوله :كمرضه على جميع حالاته في جميع الحيوانات .
سواء كان مخوفاً أو لا ،وسواء كان فيما يرجع إلى ما ينقص الرعي ، أو اللحم : كالجرب ، والهيام ، وأبو رمح ، والجدري ، وظاهر العبارة ولو كان يسيراً ، فعلى هذا يدخل فيه الرعام (وهو الخنان) وبعضه يشتد حتى يضر . وبعضه يكون خفيفاً . ( تقرير )
1602 ـ وإذا صار العبد لم يجدر فليس بعيب . أما إذا شرط أنه مجدور فله الرد . (تقرير)
(1603 ـ قوله : وسرقته )
إطلاقه أظهر ، فإنه يضر الصغير والكبير . أما الزنا فإنه مرجو زواله . (تقرير)
(1604 ـ قوله : وشربه مسكراً )
فإنه عيب . ومثله (التنن) لكن لا يكون عند قوم يعرفون حقيقته ولا يستخبثونه ، كما إذا كانوا كلهم أو أكثرهم يشربونه . (تقرير)
(1605 ـ قوله : وبوله في الفراش)
ثم الصغر الكلي الذي مثله يبول في الفراش . الظاهر ليس عيباً ، بخلاف ما إذا كان قد ترعرع وكان مثله لا يبولون .والضابط ما عدوه عيباً ، وهم يعدونه عيباً في أبوست . (تقرير)
(1606 ـ قوله : وكونه أعسر )
وإن كان لا يعمل بها أصلاً فهذا أشد . (تقرير)
(1607 ـ قوله : وحرنه)
يبرك إذا مشى ، أو إذا برك لا يقوم . والظاهر أنه إذا كان يمشي وكل عيب .
قوله : ونحوه .
مثل : العض ، والهبد ، والرفس ، والنكارة . (تقرير)
(1608 ـ قعود مهمور)
برقية
الرياض : الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
إذا حدث بالبعير الجذع همار(1) عند المشتري وتلف فهل يكون من ضمان البائع الأول أو من ضمان المشتري . وأهل الخبرة بالإبل يقولون : إن سبب الهمار رضاع الحوار من المجمعة(2) أفتنا مأجوراً .
قاضي الدويد
عثمان المعارك
الدويد الشيخ عثمان المعارك
__________
(1) يشبه الاسهال .
(2) المجمعة : التي يجتمع فيها الحليب عدة أيام .(7/74)
ج37 إذا ثبت شرعاً أن هذا القعود المهمور قد ارتضع من (المجمعة) وشهد أهل الخبرة أن سبب موته بالهمار الناشئ عن الرضاع المذكور فهو من ضمان البائع ، وإلا فمن ضمان المشتري .
محمد بن إبراهيم ( ص ـ ف 130 في 13/3/75هـ)
(1609 ـ قوله : وطول نقل ما في دار مبيعة عرفاً)
والطول والقصر يرجع فيه إلى العرف ، إذ لم يرد في ذلك تحديد من الشرع ، فما عد طويلاً أنيط الحكم به ، وما لا فلا .
ومتعارف بين الناس أن نقل الأمتعة التي هي أمتعة السكان من فرش وأواني ونحو ذلك لا يحتاج إلى مدة طويلة .
فمما يقرب العرف أن الدار المجعولة مستودعاً فيه حديد أو حطب أو نحو ذلك مما يحتاج إلى مدة طويلة . هذا الظاهر في العرف . أو يختلف هذا باختلاف الأحوال ، بعض الأحيان قد يكون ثقيلاً وصاحبها عنده سيارات كبار ورجال قد تنقل في يومين أو ثلاث . (تقرير)
(1610 ـ قوله : وكونها ينزلها الجند )
يعني اعتيد نزول الجند إياها : إما أناس يقيمون بها دائماً ، أو كلما راح ناس جاء ناس ، لأن الغالب أن ما تولوه يكون دائماً تحت سلطتهم : إما أن لا يستطاع ، أو بصعوبة إخراجهم .
وكذلك من في معناهم كمن في دوائرهم إذا كان يمتنع فلا يخرج إلى بمشقة . (تقرير)
(1611 ـ قوله : أو دار فيها جن )
وحثة الدار من أجل توحش من سكنها لأجل سعتها وكثرة منازلها هذا ليس بعيب فيها .
عند مناسبة ذكر دار فيها جن : مذكور في بعض الكتب التي فيها تراجم بعض العلماء عالم يسمى (قاضي الجن) هذا لقبه ، وله قصة أن أهل دار عندهم بئر وكان كلما يأتيهم أحد يأخذ منها يأتيهم الجن ، فشكوا ذلك إلى القاضي ، فوقف عليها ، وقال : لكم الليل ، ولهم النهار . (تقرير)
(1612 ـ قوله : وكفر )(7/75)
لأنه الغالب في الرقيق . ولعل الأولى أن يفرق بين الأزمان والبلدان فالأزمان التي يوجد بها الكفر كثيراً كبلدان الفرس أيام السبايا فليس بعيب . أما البلدان التي يقل فيها وجود الكفار ،وكذلك إذا كان الزمن ليس زمن السبي ـ فلعله يكون عيباً .
لكن من يؤتى بهم يؤتى بهم من بلدان لا يعرفون الدين ولا الصلاة فهذه مثله كافر وإن ادعوا الإسلام . فالذي لا يعرف أمر الدين فيه تفصيل ، لا سيما أن من يشتريه يسأل . (تقرير)
(1613 ـ إذا اشترى دكاناً على طريق نافذ ، ثم تبين أنه سيغلق بعد مدة ، وطلب الارش)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنعيد لكم برفقه هذه الأوراق الواردة مع مذكرتكم رقم 4028 ـ 1 في 11/10/1386هـ الخاصة بدعوى محمد بن إبراهيم الحميضي ضد عوده العبد الله بخصوص الدكان الذي اشتراه الحميضي من عوده في قيصرية الغديفي وتوابعها على طريق نافذ ،وفي هذه الأيام تبين له بأن الطريق سيغلق بعد مضي أربع وثلاثين سنة ، وأن سد الطريق بنقص من قيمة الدكان ،ويطالب بالأرش .
وبناء على ذلك أمر فضيلة القاضي الشيخ عبد الله بن راشد في خطابه المدرج رقم 327 في 12/4/86 هـ بأن يكتب لهيئة النظر بالوقوف على محل النزاع وتقدير قيمة الدكان على الطريق النافذ . ثم تقديره على فرض أنه سد ، ثم تقدير منافع الطريق للمدة التي سيبقى مفتوحاً فيها . ا هـ .
فأجابت الهيئة بأنها قدرت قيمة الدكان حالياً على نافذين بالقيمة التي اشتراها بها الحميضي ،وقدرته حالياً على نافذين بالقيمة التي اشتراها بها الحميضي ، وقدرته حالياً على نافذ واحد ثلاثة أرباع القيمة ، كما قدرت منافع الطريق للدكان ما زال مفتوحاً للمدة المشار إليها بالربع . فأعاد القاضي المعاملة لهم وطلب تقدير أجرة الدكان لمدة السنين المستقبلة المشار إليها ، فاعتذروا عن ذلك .(7/76)
وعليه نشعركم بأن المتعين في مثل هذا هو أن تقدر قيمة الدكان وهو على طريق نافذ باستمرار ، ثم تقدر قيمته وهو على نافذ سد بعد أربع وثلاثين سنة . وبهذا التقدير على هذه الصفة تمكن القاضي من معرفة مقدار الأرش الذي ينزل من الثمن الذي وقع عليه العقد والله يتولاكم .
رئيس القضاة ( ص ق 4430 ـ 3 ـ 1 في 3/12/86هـ)
(1614 ـ قوله : وأن أمسكه فله أرشه )
وما عرفنا من الإمساك بالأرش هو المذهب . وفيه قول أظنه مذهب مالك ومذهب طائفة من أهل العلم.
واختار الشيخ أنه لا أرش مع إمكان رد . فعليه إما أن يرضى به معيباً ، أو يرده عليه . ولعله أقرب ، وفي القوة كما عرفتم . يقول : إما أن تأخذ السلعة ، أو تردها ، وهذا شبه التحكم على .
(تقرير)
(1615 ـ 2 ـ وإن ثبت أنه علم العيب وكتمه فلا أرش مع الرد(1) (أ هـ من فتوى برقم 225 في 16/2/80هـ)
(1616 ـ قوله : كجوز هند )
جوز الهند الظاهر هو النارجين ، ثمر كبار من شجر كبار يكون في وسطه شيء مثل السكر ، ثم هذا الثمر يكون نوعاً من الآنية .
قوله : فكسره .
ظاهره كما تقدم أنه بقدر ما يحتاج إلى اختبارها .
قوله :وإن كان كبيض دجاج رجع بكل الثمن .
وكبطيخة ونحو ذلك إذا كسره فوجده فاسداً ، فإن العقد لا يصح ولا يقال : إن قشر البطيخ تأكله الدواب . هذا طفيف ، إذ المقصود ما في جوفه فقط . (تقرير)
(1617 ـ اليمن في نفي العيب على حسب جوابه)
وأجاب الشيخ محمد بن إبرهيم بن عبد اللطيف : على رواية أن القول قول المشتري بيمينه تكون اليمين على البت .
وأما على الرواية الآخرى التي عليها الفتوى وفاقاً للثلاثة وهي أن القول قول البائع بيمينه فتكون اليمين على حسب جوابه على الصحيح من المذهب (الدرر جزء 5ص42)
(1618 ـ قوله : وإن اختلفنا عند من حدث العيب فقول مشتر مع يمينه .
__________
(1) يعني على المذهب ـ كما تقدم .(7/77)
والرواية الأخرى وهو قول أكثر أهل العلم أن القول قول البائع بيمينه . وهذا القول أرجح ، وبعض القاة يفتى به (الشيخ أبا بطين) (تقرير) (1)
(فصل في قبض البيع)
(1619 ـ شرط القبض قبل البيع) (2)
قوله : وإن اشترى المكيل ونحوه جزافاً صح التصرف فيه قبل قبضه .
أما على القول الثاني وهو قول الجمهور ومقتضى الأدلة فإنه لا يصح التصرف في المبيع قبل قبضه . وشراء الطعام الغالب جزافاً . وظاهر حديث "أنهم يضربون على ذلك حتى يؤوه إلى رحالهم" شامل ما اشترى بكيل ووزن فلا يبيعه حتى يقبضه ، وهو من حجة ابن عباس والشيخ ، وهذا القول هو الراجح في الدليل .
والأصحاب استدلوا على جواز تصرف المشتري قبل القبض بحديث ابن عمر ، وهو غير ظاهر الدلالة ، ولهذا المجد في "المنتقى" حين ذكر الأحاديث المتعلقة بالمنع من بيع الطعام ونحوه لم يذكر حديث ابن عمر في بيع الطعام .والأصحاب منهم من استدل بحديث ابن عمر في بيع الطعام . والأصحاب منهم من استدل بحديث ابن عمر الذي في بيع الصعب(3) وحديث جابر(4) .
فالصحيح المنع في بيعه قبل قبضه . وحديث جابر وقصة ابن عمر في الهبة ، فالهبة تجوز ، بخلاف البيع . (تقرير) .
ونعرف أن القبض من الأمور التي تختلف باختلاف المقبوضات فما جاء فيه التنصيص في الشرع صار القبض فيه إلى مقتضى التنصيص ، ومالا فيرجع فيه إلى المتعارف . (تقرير)
(1620 ـ ثم مسألة الكيل هل هو بالمسح ، أو بالعلاوة ، أو بهزهزة المكيل ونحوه .
__________
(1) وتقدم ما يلزم إذا فسد عقد الشركة في فتوى صادرة برقم (1591/1 في 3/6/1382هـ) .
(2) وانظر فتوى برقم (3490/1 في 23/11/1386هـ)
(3) وقد أخرجه البخاري ولفظه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عمر بكراً كان ابنه راكباً عليه ثم وهبه لابنه قبل قبضه " .
(4) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا بعت الطعام فلا تبعه حتى تستوفيه " رواه مسلم والإمام أحمد .(7/78)
أما الأولان فواضح . وأما هزه فقد ذكره بعضهم .
والكيل قديماً كان المسح ، وهذا هو أعدلها وآمنها ، وبه يستوي الناس في القبض يكون كل يقبض حقه ، بخلاف الكيل بالعلاوة ، وبخلاف الكيل بالهزهزة فإنه يختلف باختلاف الناس في ذلك ، فإن بعضهم أحذق من بعض ، ولذلك يوجد كيالين .
فالكلام المشار إليه حاصله أنه يرجع إلى الأمور العرفية إن كان بدون علاوة فبدون ، وإن كان ... (تقرير) .
(1621 ـ القبض بالمنافستو)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة رئيس محكمة الدمام حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إلينا كتابك رقم 1476وتاريخ 7/8/1380هـ الذي تسأل فيه عما أشكل عليك حول المعاملة المتعلقة بقضية الحديد الذي ورده حمد المعجل على باخرة شركة الملاحة التي تعهدت له بضمان الحديد وتعويضه عما ينقص حتى يصل إلى ميناء الدمام ، ثم باعه حمد في أثناء قدوم الباخرة على محمد وعبد الرحمن البواردي واشترط عليهما أن يحلا محله في مطالبة الشركة فيما إذا حدث بالحديد نقص أو غيره ، وعندما وصلت الباخرة فرغت الحديد في عربات سكة الحديد ، ووقع المخلص التابع للبواردي على الكشوفات بدون عد ولا وزن ، وعند وصول الحديد إلى محطة السكة في الرياض وجد ناقصاً مائتين وعشرين ربطة . إلى آخر ما ذكرتم .
وبتأمل ما سألتم عنه ، وتأمل المعاملة المرفقة ظهر ما يلي :
1 ـ أن التعاقد مع شركة الملاحة بشرط الضمان وتعويضه عما ينقص عقد غير صحيح ، لأن هذا من باب الإجارة ،والأجير المشترك لا يضمن ما تلف من حرزه أو بغير فعله ، ولأن العين في يده أمانة كالمودع فشرط الضمان شرط باطل ، وحينئذ فليس عليه للشركة إلا أجرة المثل .
2 ـ ظاهر الحال أن ابن معجل باع الحديد على البواردي قبل أن يقبضه لا القبض الشرعي ولا بموجب المنافستو عند من يراه كافياً وإذا باعه قبل ذلك فالبيع غير صحيح ، لأنه لا يدخل في ضمانه حتى يقبضه القبض الشرعي لمثله .(7/79)
3 ـ أن القبض بموجب المنافستو بدون عد ولا وزن لا يعتبر قبضاً صحيحاً مبرئاً لذمة من عليه الحق ، وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بأنه يحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع بذلك وهنا لم يحصل القبض المذكور .والسلام .
رئيس القضاة ( ص ـ ق 115 في 10/6/1381هـ)
( 1622 ـ لا يكتفي بالوزن الأول إلا أن كان حاضره)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم عبد الله بن فوزان بن دامغ سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد وصل إليّ كتابكم المتضمن السؤال عن الرجل الذي له تمر على آخر ، وقبض قليلاً منه ، وباع المقبوض وغير المقبوض إلى آخره .
والجواب : أن التمر المشترى في هذا العقد " قسمان" قسم قد قبضه البائع .وقسم وهو الأكثر لم يقبضه البائع . أما القسم الأول وهو الذي قد قبضه فيصح فيه العقد ،وأخذه بالوزن الأول بشرط حضور المشتري على وزنه . وأما القسم الثاني وهو الأكثر فلا يصح بيعه قبل قبضه .
وأما " المسألة الثانية" وهي شراء رجل من رجل مصلحته . إلخ ...
فالجواب : إن كان صاحبها قد قبضها ولم يبق إلا السؤال عن الاكتفاء بالوزن الأول فإنه لا يكتفي بالوزن الأول إلا أن يكون المشتري قد حضر عليه .
( ص ـ ف 252 في 17/4/1376هـ)
(1623 ـ هل يكفي عد الأكياس ونحوها وهي في دكان الدائن )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله العبد الرحمن الحيدر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
وصلنا كتابك الذي تستفتي به عن رجل اشترى أكياس زر وأدخلهن دكانه ، ثم جاءه رجل وتدينهن منه لمدة سنة ،وعدهن له وهن في محلهن ، ثم إن المستدين قام يسوم عليهن وهن في محلهن قبل أن يخرجهن من الدكان : هل يجوز يبيعهن وهن في محلهن ، أو لابد من إخراجهن من محل التاجر قبل ذلك.(7/80)
والجواب : إذا كان بيع الأكياس بالعدد ، فإذا عدهن المستدين واعتبر عددهن بمنزلة الاستلام فقد ذكر الفقهاء أنه يحصل قبض المعدودات بالعد ولو لم يحزها أو يخرجها من محلها .
مع أن الأحوط أن يحوزها المشتري وينقلها من محلها حتى يكون القبض كاملاً لا إشكال فيه ، وذلك خروجاً من الخلاف ، لأن فيه قولاً آخر في المذهب أنه لا يجوز بيع شيء قبل نقله ، واستدلوا بما روى أبو داود :" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عتاب ابن أسيد نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والله أعلم .
مفتي البلاد السعودية ( ص ـ ف 1324ـ 1 في 17/5/1385هـ)
(1624 ـ سعي الدلال )
ثم سعى الدلال على البائع ، لجريان العادة بذلك ، فإنه استنابه في عرضها وجلبها على الزبون ، إلا إن اشترط ، فإن اشترط فعلى من شرط . (تقرير)
(1625 ـ قوله : وما ينقل بنقله )
ثم عند ذكر القبض هنا في حديث ابن عمر " إلى رحالهم " وإلا فبعض رأي أنه إذا نقله من أسفل السوق إلى أعلاه وبالعكس أنه يكون قبضاً .
(1626ـ قوله : وما يتناول بتناوله )
كالجواهر ،والذهب والفضة ، وما ينوب منابها كالأوراق . (تقرير)
(باب الربا ، والصرف)
(1627 ـ نصيحة في التحذير من الربا)
(وبيان بعض أنواعه)
من محمد بن إبراهيم إلى من يبلغه كتابي هذا من إخواننا المسلمين ، وفقنا الله وإياهم لقبول النصائح ،وجنبنا وإياهم أسباب الندم والفضائح . آمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ(7/81)
فالباعث لهذا الكتاب هو نصيحتكم ، والشفقة عليكم ، وتحذيركم مما وقع فيه الكثير من الناس وهو تعاطي المعاملات الربوية والتعامل بها ، وقد حرم الله تبارك وتعالى على عباده ذلك ،وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من السبع الموبقات ، قال الله تعالى في كتابه { العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربى فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } (1) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنون يخنق . رواه ابن أبي حاتم .وقال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربى إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ـ إلى قوله ـ واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } (2) وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاَ مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون . واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } (3) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على التحريم والوعيد الشديد على من فعله .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 275 ، 276
(2) سورة البقرة ـ آية 278 ـ 279 .
(3) سورة آل عمران ـ آية 130 ـ 132 .(7/82)
وقد جاءت السنة الصحيحة بالزجر عنه والتحذير ، وإيضاح ما أجمل منه بالبيان ، والتفسير . فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يارسول الله وما هن قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربى وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
وعن جابر رضي الله عنه قال :" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربى وموكله وكاتبه وشاهديه ،وقال : هم سواء " رواه مسلم . وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فاقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما أراد أن يخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان . فقلت : ما هذا . فقال الذي رأيته في النهر آكل الربى " رواه البخاري في صحيحه .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشتري الثمر حتى تطعم ، وقال : إذا ظهر الزنا والربى في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد .(7/83)
وفي حديث الإسراء :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ليلة أسرى به وإذا بقوم لهم أجواف مثل البيوت فسأل عنهم فقيل هؤلاء أكلة الربى" رواه البيهقي . وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الربى ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربى عرض الرجل المسلم " رواه الحاكم ، وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وروى أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً :" ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال بحلال أو حرام " .رواه البخاري ، ولفظه :" لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أمن الحرام" .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجزٍ " رواه مالك والبخاري وله :" الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح سواءً بسواء فمن زاد أن استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء" .(7/84)
وقال محمد بن نصر المروزي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنبأنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حبان بن عبد الله العدوي وكان ثقة ، فقال : سألت أبامجلز عن الصرف . فقال : كان ابن عباس لا يرى به بأساً زماناً ، ما كان منه يداً بيد ، فلقيه أبو سعيد الخدري فقال له : إلى متى ، ألا تتقي الله حتى توكل الناس الربى ، أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وهو عند زوجته أم سلمة : " إني لأشتهي تمر عجوة فبعث بصاعين فؤتي بصاع عجوة ، فقال من أين لكم هذا ، فأخبروه فقال : ردوه ، التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يداً بيد عيناً بعين مثلاً بمثل من زاد فهو ربا " ثم قال : وكذلك ما يكال أو يوزن أيضاً فقال ابن عباس : جزاك الله خيراً يا أبا سعيد ، ذكرتني أمراً كنت نسيته ، فأستغفر الله وأتوب إليه . قال : فكان ينهى عنه بعد .
فتضمنت هذه النصوص تحريم الربا بجميع أنواعه ، وأنه من الكبائر ، وأن متعاطيه محارب لله ورسوله .
فمن أنواعه بيع الجنس من هذه الأجناس الستة المتقدمة في الأحاديث ونحوها بجنسه نسيئة ، أو غير معلوم المساوات للآخر ، فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ،ويدخل في ذلك بيع الدراهم الفضية بجنسها متفاضلاً أو غائباً مطلقاً ، وبيع الأوراق السعودية بعضها ببعض أو الريالات الفضية متفاضلاً أو غائباً مطلقاً ،وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الحلال والحرام بقوله " مثلاً بمثل يداً بيد سواء بسواء عيناً بعين " وأكد ذلك بقوله :"فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء " .
ومن أنواعه المحرمة بإجماع المسلمين ما يفعله بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ وذلك أنه كان له على آخر دين وحل الأجل قال للذي عليه الحق إما أن تقضي وإلا يبقى عندك بزيادة كذا وكذا .(7/85)
فهذا هو ربا الجاهلية ،وذلك أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجل فإذا حل الأجل قال له إما أن تقضي وإما أن تربي ، فإن وفاه وإلا زاد هذا في الأجل ، وزاد هذا في المال .
ومن ذلك أن يعطي الرجل آخر ألفاً على أن يأخذ منه بعد سنة ألفاً ومائة ، أو على أن يأخذ منه كل سنة مائة والألف في ذمته بحالهكما يفعله كثير من الناس والعاذ بالله ـ وذلك لما تقدم من النصوص ،ولما روي عن عمر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الدينار بالدينارين إن أخاف عليكم الرما" رواه الإمام أحمد . و " الرما " هو الربا .
ومنها " بيع العينة" الوارد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم " رواه أ؛مد وأبو داود وهي : أن يبيع سلعة بنسيئة أو بقيمة تقبض ، ثم يشتريها بثمن أقل مما باعها به ، فإن فعل بطل البيع الثاني ولو كان بعد حلول أجله .
قال الشيخ تقي الدين : إن قصد بالعقد الأول الثاني بطل الأول والثاني بطل الأول والثاني جميعاً .
ومن ذلك ما يقع في البنوك : مثل أن يقترض الرجل من البنك مائة على أن يدفع له مع المائة زيادة ستة ريالات أو أقل أو أكثر .
ومثل أن يأخذ صاحب البنك من الرجل الدراهم ويعطيه ربحاً عن بقائها في ذمته خمسة ريالات أو أقل أو أكير . وهذا من أظهر أنواع الربا ، وعين المحادة لله ورسوله .(7/86)
فالواجب على ولاة الأمور والعلماء وأهل الحسبة وفقهم الله بيان غلظ تحريم ذلك ، وإنكاره ،وحسم مواده ، واجتثائها من أصولها وعقوبة كل من ثبت عنه شيء من ذلك ، وتغليظ العقوبة في حق من يتكرر منه ذلك، كما أن على المرابي أن يتوب إلى الله تعالى ، وله رأس ماله فقط ، لا يظلم ، ولا يظلم كما قال تعالى: { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون } .
اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، سلماً لأوليائك ، حرباً لأعدائك ، نحب بحبك من أحبك ، ونعادي بعداوتك من خالف أمرك .وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم .
(1628 ـ ما يجب ، وما يخاف ـ على البنوك)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :ـ
فقد وصل إلينا كتابكم رقم وتاريخ المرفق به قصاصة ما نشر بجريدة الندوة عدد وتاريخ
بتوقيع الدكتور حمزه ناصر حول الأموال المودعة في البنوك ، واقتراحه بأن تساهم البنوك في جعل قسم من الأرباح في " صندوق بر خاص" يجري منه الإنفاق على الفقراء والمشاريع الخيرية .
وبتأمل ما أشار إليه الدكتور حمزه المذكور وجد غير وجيه ، وليس له مسوغ شرعي ، ولا مأخذ من كلام (1) العلم . والمسائل الشرعية لا يقال فيها بالرأي والاقتراحات المجردة من الدليل .
وأما مراعاة حقوق الفقراء وسد حاجاتهم فقد فرض الله لهم من الزكاة الشرعية في أموال المسلمين ما لو أخرجت على وجهها الشرعي لكفتهم .
__________
(1) أهل .(7/87)
والبنوك تحتاج إلى ملاحظتها في أشياء أهم مما ذكره هذا المقترح : مثل تجنب المعاملات المحرمة ، والحذر من أكل أموال الناس بالباطل ومثل أداء الزكاة لمستحقيها من الأصناف الثمانية الذين بينهم الله تعالى في كتابه بقوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } (1) .
ومن أخوف ما يخاف على البنوك والمتعاملين فيها الوقوع في الربا بأنواعه ، ولا يخفى ما ورد فيه من التغليظ والتوعد بالعقوبات الدنيوية والأخروية ، قال الله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } (2) ثم قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } (3) وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون .واتقوا النار التي أعدت للكافرين . وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } (4) وفي الحديث " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء"(5) وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الربا ثلاث وسبعون باباً أيسرها مثل أنينكح الرجل أمه"(6) وفق الله الجميع لما يرضيه .والسلام عليكم .
__________
(1) سورة التوبة ـ آية 60 .
(2) سورة البقرة ـ آية 275 ـ 276 .
(3) سورة البقرة ـ آية 278 ـ 279 .
(4) سورة آل عمران ـ آية 130 ـ 132 .
(5) رواه مسلم .
(6) رواه ابن ماجه .(7/88)
(ص ـ ف 785 في 2/6/80)
(1629 ـ الاستقراض من البنوك بفائدة " العمولة" )
الحمد لله وحده . وبعد :
فقد سئلت عن حكم " العمولة" التي يتعامل بها بعض البنوك يضع عندهم الرجل الدراهم ويقبض منهم أرباحاً معلومة النسبة في مدة معينة ، أو بالعكس بأن يقرضوا الرجل دراهم ويأخذوا منه أرباحاً نسبية في مدة معينة .
فأفتيت بأن هذا حرام ، ولا يصح شرعاً ، لأنه من الربا المنهى عنه . قال ذلك الفقير إلى الله تعالى محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(ص ـ ف 418 ـ 1 في 10/2/1384هـ)
(1630 ـ قرض البنوك بفائدة)
(فتوى في الموضوع)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله حيدر حوذان سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على الاستفتاء المرفوع إلينا منك بخصوص سؤالك عن " مسألتين" :
"إحداهما " : أن يكون للإنسان أمانة من النقود مودعة لدى البنك مثلاً ، ثم يسحب منها بالتدريج ، وقد يزيد سحبه من البنك على ماله لديه ، فإذا صار مديناً للبنك تقاضى البنك منه عمولة شهرية لقاء بقاء المبلغ في ذمته له . وتسأل عن حكم هذه "العمولة" .
ونفيدك أن هذه " العمولة " حرام ،وهي تشتمل على الربا الصريح المحرم شرعاً في كتاب الله تعالى ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } (1)
وقال تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } (2) وقال ابن مسعود رضي الله عنه :" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه" إذا علموا ذلك(3) ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه :" درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زينة" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .
__________
(1) سورة البقرة ـ آية 276 .
(2) سورة البقرة ـ آية 275 .
(3) أخرجه ابن ماجه .(7/89)
وهذه العمولة تجمع بين " ربا الفضل" و " ربا النسيئة" وذلك أن البنك يسلم لعمليه مبلغاً من المال كألف ريال (1000) مثلاً ، وبعد مدة يستلم البنك المبلغ ومعه زيادته .
قربا الفضل في هذا أن البنك سلم لعميله ألف ريال واستلم منه أكثر مما سلمه .
وربا النسيئة أنه سلم ألفاً في الحال واستلم الألف ومعه زيادته بعد مدة .
يتضح هذا من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنها ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد . فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " رواه أحمد ومسلم ، وما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تبيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء " رواه أحمد والبخاري .
وبما ذكرنا يتضح المقصود .
" المسألة الثانية" تذكر أن بعض الناس يضطر أن يستقرض من البنك مبلغاً من المال مدة ، فيتقاضى البنك لقاء بقائها في ذمة المستقرض عمولة .وتسأل عن هذه المسالة .
وجوابها جواب سابقتها ،ولا فرق بين أن يسمى هذا المبلغ الزائد عن المستقرض " عمولة" أو " فائدة " أو نحو . وبالله التوفيق وصلى الله على محمد .
مفتي البلاد السعودية
(ص ـ ف 1134 ـ 1 في 1/5/1384 هـ)
(1631 ـ وما يعمله بعض الناس ليس بحجة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن حسين حلمي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :(7/90)
فقد وصلنا استفتاؤك ، وفهمنا ما تضمنه من أن بعض الناس يقترضون مبالغ من البنوك بفائض زعموا قدره (9) في المائة . وترغب الإقتراض بهذا الشكل ، وتستفتي عن حكم ذلك .
ونفيدك أن هذا عين الربا المحرم ،ولا يجوز بحال باتفاق علماء المسلمين . وما يعمله بعض الناس ليس بحجة على جوازه وإن كثروا ، مالم تتأيد من كتاب أو سنة إو إجماع . والسلام عليكم
(ص ـ ف 298 ـ في 28/2/1382هـ)
(1632 ـ الروضة الندية)
في الرد من أجاز المعاملات الربوبية) *
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد :
فقد نشرت مجلة الأسبوع التجاري في عدديها 39 ، 42 تحت عنوان (الربا الحلال منه ، والحرام) مقالاً في إباحة النفع المشترط في عقد القرض ، ومطالبة كل من يرى تحريمه بالدليل ،والطعن فيما يدعى كاتب ذلك المقال ـ أحمد محمد محجوب خطيب مسجد ابن محفوظ ـ أنه ليس للفقهاء على التحريم دليل سواه ، وهو حسب استقصائه منحصر فيما يلي ـ مع بيان موقفه منه :
1 ـ حديث (كل قرض جرّ منفعة فهو ربا)
يقول كاتب المقال المشار إليه : قال صاحب المنار : (لايجوز أن يقع ـ أي هذا الحديث ـ تفسيراً للقرآن ، لأنه غير ثابت ، ولا أصل له ، قال ابن حجر :فيه(1)
__________
(1) * قلت : هذه الرسالة نشرتها دار الافتاء عام 1384 مع رسالتين : هما " حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه " وتقدمت في العيدين و" الثانية" في حكم المغالات في مهور النساء . وتأتي في النكاح ـ طبعت في مطابع القصيم بالرياض وأكثر التعليقات عليها موجودة في الأصل المطبوع .
( ) هكذا في مقال أحمد محمد محجوب وأصله (فتوى الربا والمعاملات في الإسلام) للسيد رشيد رضا . والحافظ لم يطعن في الحاطث بن أبي أسامة . وإنما ذكر انه روى هذا الأثر ، ثم قال : وفي اسناده سوار بن مصعب وهو متروك.(7/91)
الحارث ابن أبي أسامة ، وإسناده ساقط . وقال الحافظ الزيلعي في " نص(1) الراية" : ذكره عبد الحق في أحكامه في البيوع ، وأعله بسوار بن مصعب ، وقال : إنه متروك) ثم ذكر كاتب مقال الربا أن هذا الحديث " كل قرض جر منفعة فهو ربا " لم يثبته إلا الغزالي وشيخه ، ولاخبرة لهما بالحديث ـكما ذكره الشوكاني في الرد عليهما .
2 ـ حديث أبي بردة عند البخاري ، قال : " أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال :ألا تجء فأطعمك سويقاً وتمراً وتدخل في بيت ، ثم قال : إنك بأرض الربا فيها فاشٍ ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبنٍ أو شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا " يقول كاتب مقال الربا : هو ـ أي هذا الحديث ـ موقوف ليس له حكم المرفوع ، متروك العمل به باتفاق الأئمة .
3 ـ حديث يونس وخالد بن سيرين ، عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن رجل اقترض من رجل دراهم ، ثم إنه استعار من المقرض دابته ، فقال عبد الله بن مسعود :" ما أصاب من ظهره فهو ربا" .
يقول كاتب مقال الربا : يقصد ـ أي ابن مسعود ـ بقوله "الربا" الزيادة ، ولم يقل : حرام .
4 ـ ماروى ا بن أبي شيبة في " مصنفه" قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن عطا ء ، قال : كانوا ـ أي الصحابة ـ يكرهون كل قرض جر منفعة . يقول كاتب مقال الربا : أجاب صاحب المنار ـ أي عن هذا الأثر ـ بقوله في فتوى" الربا والمعاملات في الإسلام " : إن الصحابة يفرقون بين النفع المستحصل من القرض وبين الربا ، حيث يجعلون الأول مكروهاً وهو النفع المستحصل من القر ، ويجعلون الثاني حراماً وهو الربا . هذا ما ذكره كاتب مقال الربا للفقهاء من أدلة التحريم وموقفه منها .
__________
(1) كذا في مقال أحمد محمد محجوب . وأصله (فتوى الربا والمعاملات في الإسلام) للسيد رشيد رضا ، وهو غلط والصواب (نصب الراية)(7/92)
وادعى مع هذا أن من أئمة العلماء مننازع في اعتبار هذا النوع ربا حراماً ، وهم : ابن رشد ، والبغوي ، والخازن ، والكاساني ، وابن الهمام ، والشاطبي ،وابن القيم ، وابن حجر .
أما ابن رشط ففي مقدماته بعد ذكر أثر ابن عمر " من أسلف سلفاً فلا يشترط" ما نصه : وتفسير ذلك أنه مقيس على الربا المحرم بالقرآن . قال كاتب مقال الربا : فهذا تفسير ابن رشد وهو من أهل هذا الشأن ،ولذا أثبت له حكماً غير المنصوص عليه .
وأما البغوي فيقول بعد ذكر أنواع ربا المبايعة : ومن أقرض شيئاً بشرط أن يرد عليه أفضل منه فهو قرض جر منفعة ،وكل قرض جر منفقة فهو ربا . قال كاتب مقال الربا : فقد أخرجه من الربا المنصوص عليه ، وأنكر كون نفع القرض ربا ، وقال : وكل قرض جر منفعة فهو ربا كما مر ، وأثبت له حكماً آخر وهو خارج عن حكم الآية .
أما الخازن ففي تفسيره في الكلام على آية الربا :" المسألة الرابعة" في القرض ، وهو من أقرض شيئاً يشترط أن يرد عليه أفضل منه فهو قرض جر منفعة وهو ربا . يقول كاتب مقال الربا : قد أدخله ـ أي الخازن ـتحت حكم النفع المعين الجاري مجرى القواعد ، وأثبت له حكماً آخر غير الربا المنصوص عليه .
وأما الكاساني فقد قال في " البدائع" : الزيادة المشروطة تشبه الربا .
قال كاتب مقال الربا : فلا يكون الشبيه بالربا من الربا المنصوص عليه .
وأما ابن الهمام فلقوله في " فتح القدير " اتفق الصحابة علىكراهته . يقول صاحب مقال الربا : وهو ـ أي اتفاقهم على الكراهة ـ دليل على عدم كونه رباً محرماً ، إذ لو كان حراماً لأثبتوه بالأحاديث الصحيحة .(7/93)
وأما الشاطبي فلقوله في " الموافقات" : إن الله عز وجل حرم الربا في القرآن ، وربا الجاهلية الذي نزل فيه(1) { إنما البيع مثل الربا } (2) هو فسخ الدين بالدين ، يقول الطالب : إما أن تقضيني ، وإما أن تربي ، وهو الذي دل عليه قوله تعالى : { فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } (3) .
وأما ابن القيم فلقوله في "إعلام الموقعين" من بعد تقسيم الربا إلى جلي وخفي : الجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم ،والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي ، فتحريم الأول قصداً ، وتحريم الثاني وسيلة ، وما حرم تحريم الوسائل يباح للمصلحة العامة .
وأما ابن حجر فلقوله في " الفتح" بصدد الكلام على الزيادة المشروطة في القرض : والأولى تركه للورع.
وأما الشوكاني فلرده في " نيل الأوطار " تصحيح الغزالي وإمام الحرمين حديث " كل قرض جر منفعة فهو ربا " .
ثم استدل كاتب مقال الربا لما زعمه من إباحة القرض بأمرين :
" أحدهما" أن تسمية النفع المشترط في عقد القرض ربا باطلة ، لأن الربا مختص بالمعاوضات ، والقرض ليس من ذلك في شيء .
" الثاني " مما استدل به كاتب مقال الربا على الإباحة ظواهر نصوص القضاء بالأجود ،كحديث أبي هريرة رضي الله عنه : "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يتقاضاه وقد استلف منه قدر شطر وسق فأعطاه وسقاً ، فقال نصف وسق من عندي" الحديث وما في معناه .
هذا خلاصة مقال الكاتب المذكور الذي اقتطعه حرفياً من فتوى السيد رشيد رضا في " الربا والمعاملات في الإسلام " .
وحيث أنه قد وجه إلينا سؤال حول مقاله المذكور ، فقد أجبنا عنه بهذا الجواب المرتب على : أربعة فصول ، وخاتمة .
__________
(1) كذا في مقال كاتب الربا ، وفتوى الربا والمعاملات في الإسلام للسيد رشيد رضا . ونص " الموافقات" الذي قالوا فيه { إنما البيع مثل الربا وهو الصواب .
(2) سورة البقرة ـ آية 275 .
(3) سورة البقرة ـ آية 279 .(7/94)
(الفصل الأول) : في بيان أدلة تحريم النفع المشترط في عقد القرض .
(الفصل الثاني) في الجواب عما وجهه من النقد إلى ما ذكره من أدلة الفقهاء .
(الفصل الثالث ) في تبرئة عزا إليهم إباحة ربا القرض من ذلك .
(الفصل الرابع) في الجواب عما استدل به للإباحة .
(الخاتمة) في التحذير من التسرع إلى الفتوى . وهذا أوان الشروع في المقصود ، فنقول ، وبالله التوفيق .
فصل
في بيان أدلة تحريم النفع المشترط في القرض
منها ما يلي :
1 ـ عموم نصوص الكتاب والسنة الواردة في النهي عن الربا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى الكبرى جـ1 ص413" في بحث استيفاء النصوص الأحكام الشرعية ، قال في نص النهي عن الربا في القرآن : بتناول كل ما نهى عنه من : ربا النسا ، والفضل والقرض الذي يجر منفعة ، وغير ذلك ، فالنص متناول لهذاكله .
وذكر شيخ الإسلام أن قصر نصوص النهي عن الربا على البعض دون البعض إنما يقع ممن لم يفهم معاني النصوص العامة .
وقال في " إقامة الدليل ، على إبطال التحليل" ضمن الجزء الثالث من " الفتاوى الكبرى" بعدما ذكر أنواع الربا وعد منها ربا القرض قال : فيا سبحان الله العظيم أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن أهل الكتاب بأخذه ولعن آكله ومؤكله وشاهديه وكاتبه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجيء في غ يره إلى أن يستحل جميعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلاً إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزئ بها ؟ أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبياً من الأنبياء فضلاً عن سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بضرب من العبث والهزل الذي لم يقصد ولم يكن له حقيقة وليس فيه مقصود المتعاقدين قط ؟ !!(7/95)