فتاوى الحج
فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
كتاب الحج والعمرة
218- ما معنى قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [ سورة البقرة : آية 197 ] ؟ والآية الثانية : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [ سورة الحج : آية 28 ] ؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/203 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 5/264 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1003 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/82 ) ، كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه ] ؟ أفتونا مأجورين ؟(1/1)
يقول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ . . . } الآية [ سورة البقرة : آية 197 ] يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة الميقات الزماني للحج، وهو شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، فمن أحرم في هذه الفترة فقد أحرم في أشهر الحج، وينعقد إحرامه بالحج بإجماع المسلمين، ويجب عليه أن يتجنب الرفث – وهو الجماع – ودواعيه؛ لأن ذلك محرم على المحرم، والفسوق وهو المعاصي، وإن كانت المعاصي محرمة على المؤمن دائمًا إلا أنها يشتد تحريمها وإثمها في حالة الإحرام، والجدال وهو المخاصمة؛ لأن المخاصمة تفضي إلى أمور محذورة من الأقوال والأفعال، وتوغر الصدر، وتشغل عن طاعة لله سبحانه وتعالى، فلهذا نهى عنها، إذا كان الجدال لأجل إحقاق حق وإبطال باطل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة النحل : آية 125 ] ، ويقول : { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة العنكبوت : آية 46 ] أما إذا كان الجدال لغير بيان الحق ودحض الباطل فإن المسلم منهي عنه في كل أحواله، ولا سيما في حالة الإحرام، هذا ملخص معنى الآية الكريمة .
وأما قوله تعالى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [ سورة الحج : آية 28 ] ، فإنه يبين سبحانه وتعالى الحكمة في مشروعية الحج أي ليحضروا هذه المنافع في الحج، وهي منافع دينية ومنافع دنيوية، ولم يحددها الله سبحانه وتعالى، لأنها كثيرة، وهذا دليل على أن الحج فيه خيرات كثيرة ومنافع عظيمة للمؤمن في دينه ودنياه .(1/2)
أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/203 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 5/264 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1003 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/82 ) ، كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه ] فمعناه أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم من أركان الحج مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/77 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 8/163 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1258 ) ، كلهم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] ، لأن الدعاء من أعظم أنواع العبادة، وليس معنى ذلك أن الوقوف بعرفة هو الحج كله، بل هناك أعمال أخرى للحج أركان وواجبات له وسنن، ولكن هذا من باب بيان أهمية الوقوف بعرفة، وأنه هو الركن الأعظم من أركان الحج، والله أعلم .
219- ما معنى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم . . " من حديث جابر رضي الله عنه ] ؟ وما هي صفة حجة الوداع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟(1/3)
فمعناه وجوب اقتداء الحاج بالنبي صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج بأن يتعلم أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي فعلها في الحج وأقواله، ويقتدي به في ذلك، يعني تعلموا مني أحكام حجكم وعمرتكم فافعلوا مثل ما أفعل، وهذا خطاب لمن كان معه، ولمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فيجب على كل حاج أو معتمر أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء المناسك، من كان معه من الصحابة فإنهم يشاهدونه ويرونه عليه الصلاة والسلام ويتابعونه، ومن يأتي بعده فإنه يعمل بالأحاديث الصحيحة الواردة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمها ويعمل على موجبها، وإن كان لا يستطيع ذلك فإنه يسأل أهل العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه وليبينوا له، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم . . " من حديث جابر رضي الله عنه ] ، فهذا دليل على أن أعمال الحج توقيفية كسائر أنواع العبادة، فإنها توقيفية لا يقدم على شيء منها إلا إذا ثبت في الكتاب والسنة أنه مشروع، وأنه عبادة .
أما صفة حجة الوداع فوصفها يطول، ولكن على القارئ أن يراجع الأحاديث التي وردت في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمها حديث جابر الحديث المشهور الطويل الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها (4) .
220- ما هي علامات الحج المقبول ؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله كل خير ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/198 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والحج المبرور هو الحج الذي تقبله الله سبحانه وتعالى، وعلاماته كثيرة منها :(1/4)
أن يكون نفقة الحج من كسب حلال؛ لأن النفقة عليها مدار عظيم في حياة المسلم، ولا سيما في الحج، بل ورد أن الإنسان إذا حج من مال طيب أنه ينادي مناد : ( زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور ) وعلى من كان حج من مال خبيث فإنه ينادى : ( لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور ) (5)، أو ما هذا معناه .
فمن علامات الحج المبرور أن يكون من نفقة طيبة وكسب حلال، ومن علامات الحج المبرور أن يوفق الإنسان فيه لأداء مناسكه على الوجه المشروع وعلى المطلوب من غير تقصير فيها، وأن يتجنب ما نهاه الله عنه في أعمال الحج، ومن علامات الحج المبرور أن يرجع صاحبه أحسن حالاً في دينه مما كان قبل ذلك، بأن يرجع تائبًا إلى الله سبحانه وتعالى، مستقيمًا على طاعته، ويستمر على هذه الحالة، فيكون الحج منطلقًا له إلى الخير منبهًا له إلى تصحيح مساره في حياته .
221- ما المراد بالحج المبرور ؟ وما الأيام المعلومات ؟ ومال المراد بالرفث والفسوق والجدال ؟
الحج جهاد في سبيل الله، ينفق فيه المال ويتعب فيه البدن، ويترك من أجله الأولاد والبلاد إجابة لداعي الله وتلبية لندائه على لسان خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال الله له : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ سورة الحج : الآيات 27-29 ] .(1/5)
ونحن الآن في أشهر الحج التي جعلها الله ميقاتًا للإحرام به والتلبس بنسكه، قال تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] .
يخبر تعالى أن الحج يقع في أشهر معلومات وهي شوال، وذو القعدة، وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى : { مَّعْلُومَاتٌ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] ، لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما .
وقوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] معناه : من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضًا عليه يجب أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً قبل الإحرام .
فإن الإحرام به يصيره فرضًا عليه لا يجوز له رفضه، وقوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] بيان لآداب المحرم وما يجب عليه أن يتجنبه حال الإحرام بالحج وتصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه . . من ( الرفث ) : وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية .
والفسوق : وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام .
والجدال : وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة، لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله، والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبرورًا .(1/6)
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ، ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] ، وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصًا في أيام الحج، وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيها أكثر من غيرها، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة فيما سواه من المساجد .
222- هناك من يرتكب بعض البدع والشركيات في الحج ؟ هل يؤثر ذلك على حجه ؟(1/7)
الشرك الأكبر يبطل الحج وغيره من الأعمال ويخرج صاحبه من الملة، كالذي يدعو الأموات من الأولياء والصالحين ويستغيث بهم ويذبح لهم، فهذا حجه باطل حتى يتوب إلى الله ويخلص العبادة له، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [ سورة البينة : آية 5 ] ، وقال تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] يعني : خالصين لوجهه ليس فيهما شرك ولا دعوة لغيره، والحاج حينما يلبي يقول : ( لبيك لا شريك لك ) ، فهو يعلن التوحيد، ويتبرأ من الشرك، فيجب عليه أن يحقق القول بالعمل، وأما البدع فإنها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126 ) بنحوه، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/200 ) ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/319، 320 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/97 ) ، كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ] ، وعمل المبتدع مردود عليه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/156 ) ] أي : مردود عليه لا يقبل منه شيء وهو آثم فيه غير مأجور .
223- ما الحكم إذا قضى الإنسان فريضة الحج بالدين فهل تقبل حجته ؟ علمًا بأنه يسدد الدين مباشرة بعد قضائه الفريضة ؟ أفيدونا وفقكم الله .(1/8)
قال الله سبحانه وتعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آية 97 ] ، والسبيل هو الزاد والراحلة، يعني : أن يتوافر له النفقة الكافية في حجه، والنفقة الكافية أيضًا لأولاده ومن يعوله إلى أن يرجع، ولا يجب على من ليس له القدرة المالية حج، ولا يستدين لأجل ذلك؛ لأنه لم يوجب عليه الله سبحانه وتعالى شيئًا وهو مثقل نفسه بالدين ويتكلف لشيء لم يلزمه، والله سبحانه وتعالى يقول : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] ، فليس من الشرع أن يستدين الإنسان ليحج، ولكن مادام أنه فعل هذا واستدان وحج، فإن حجته صحيحة ويجب عليه سداد الدين، والله سبحانه وتعالى يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح .
224- هل يصح الحج لمن عليه دين وكذلك العمرة ؟ وهل تصح العمرة قبل الحج أو الحج أولاً، أفيدونا بذلك مأجورين ؟
أما من عليه دين فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، فإذا كان من عليه دين ليس عنده ما يكفي للحج ولسداد الدين فإنه يقدم سداد الدين ولا يجوز له أن يحج إلا إذا أذن له صاحب الدين بذلك، وفي هذه الحالة لا يجب عليه الحج، لأن الحج إنما يجب على المستطيع وهذا غير مستطيع، أما إذا كان في ماله سعة يتسع للدين وللحج، فلا بأس أن يحج لكن بشرط أن يوثق للدين ما يسدده ويؤمن له من المال ما يسدده، والله تعالى أعلم، ولا مانع من أداء العمرة قبل الحج فيعتمر قبل الحج إما عمرة يتمتع بها إلى الحج في أشهره أو عمرة يؤديها في أي وقت من السنة لا مانع من ذلك أن تكون العمرة قبل الحج .
225- ماذا يجب على إنسان يريد الحج لأول مرة ؟ وبما تنصحونه ؟(1/9)
يجب على الإنسان الذي يريد الحج لأول مرة أن يؤدي الحج على الوجه المشروع، وأن يصحب أناسًا من أهل الخير يعينونه على طاعة الله ويبصرونه بمناسك الحج إذا كان يجهلها، لأن الذي يحج لأول مرة يخفى عليه بعض أعمال الحج أو غالبها، فهو بحاجة إلى من يبين له، فيختار من الرفقة من يكون صالحًا لذلك .
226- إذا ارتدى الحاج ملابس الإحرام ونوى الحج والعمرة ما هي الأعمال التي يجب عليه القيام بها ؟
إذا نوى الدخول في الحج والعمرة معًا من بداية الإحرام أو نوى العمرة أولاً، ثم نوى الحج وأدخله عليهما فإنه يكون بذلك قارنًا بين الحج والعمرة، بمعنى أنه أحرم بنسكين معًا، أو أنه أحرم بنسك العمرة وأدخل عليه نسك الحج، فصار قارنًا، والذي يلزمه من العمل هو أن يبقى على إحرامه، فإذا قدم مكة فإنه يطوف طواف القدوم وهو سنة، ثم إن سعى بعده سعي الحج والعمرة مقدمًا فلا بأس بذلك، ثم يبقى على إحرامه إلى أن يأتي يوم عرفة ويخرج لعرفة ويقف بها ويؤدي مناسك الحج بوقوف عرفة والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وحلق رأسه أو تقصيره، ثم طواف الإفاضة والسعي بعده إذا لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم، ويلزمه ذبح هدي التمتع؛ لأنه جمع بين نسكين .
227- إذا نويت الحج فقط فماذا يجب عليَّ ؟(1/10)
إذا نوى الحج فقط فإنه يعتبر مفردًا ويبقى على إحرامه حتى يؤدي مناسك الحج، لكن المفرد ليس عليه هدي، لأنه لم يجمع بين نسكين، وإنما نوى نسكًا واحدًا فقط، فليس عليه هدي واجب، والأحسن للقارن والمفرد أن يفسخ نية الإفراد ونية القران إلى نية التمتع، فإذا وصل إلى مكة فإنه يُحوَّل إحرامه إلى عمرة بأن يطوف ويسعى، ويقصر من رأسه ويحلل من إحرامه، فإذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن أحرم بالحج وأدى مناسك الحج فيكون أدى العمرة أولاً، ثم بعد ذلك أدى الحج بعدها، ويكون عليه فدية، هذا هو الأفضل والأكمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أحرموا معه ولم يسوقوا الهدي، أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة (6)، فدل ذلك على استحباب فسخ نية الحج إلى العمرة، هذا هو الأفضل والأكمل .
228- ذهبت إلى مكة المكرمة لأول مرة ولم أعمل عمرة ولم يكن عندي علم بأن ذلك حرام أو حلال، وكان ذهابي إلى مكة المكرمة عبارة عن زيارة لأحد أقاربي هناك، الرجاء أفيدوني ماذا أفعل جزاكم الله خيرًا ؟
الحج والعمرة واجبان على المسلم المستطيع في العمر مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو تطوع، وليس على المسلم شيء في دخوله إلى مكة بدون إحرام إذا لم يكن قاصدًا الحج أو العمرة، لكن من لم يسبق له أن حج أو اعتمر وجاء إلى مكة فإنه قد سنحت له الفرصة لأداء نسكه فيجب عليه المبادرة بذلك، وإذا لم يفعل فإنه يأثم ويبقى الواجب في ذمته .
229- توجهت إلى مكة المكرمة بنية أداء العمرة وكان طريقي على ميقات أهل اليمن وحينما أردت الإحرام من الميقات لم أجد ماء أتوضأ أو أغتسل به، فتعديت الميقات وأحرمت من بعده بعد أن وجدت الماء، فهل عليَّ شيء في هذا ؟ وهل يشترط التطهر للإحرام سواء بالوضوء أو بالاغتسال ؟(1/11)
إن التطهر للإحرام لا يشترط، وإنما يُستحب الاغتسال قبل الإحرام لإزالة العرق والأوساخ والروائح الكريهة إذا أمكن، أما إذا لم يمكن أو لم تجد ماء أو حتى لو وجدت ماء فليس هذا بواجب، ولا يجوز لإنسان أن يتجاوز الميقات بدون إحرام بحُجة أنه لم يجد ماء كحالتك التي ذكرت، فإنك أخطأت في هذا؛ فالواجب على من مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات ولا يتجاوزه بدون إحرام، وعدم وجود الماء ليس بعذر كما ذكرنا، وما فعلته بأنك تجاوزت الميقات وأحرمت بعده، فهذا خطأ، وقد تركت واجبًا من واجبات النسك فعليك فدية، فدية جبران، بأن تذبح شاة توزعها على فقراء الحرم، وإحرامك صحيح .
230- يقول السائل : أتمنى في هذه السنة أن أؤدي فريضة الحج إن شاء الله، وحيال هذا الأمر كان لابد أن أقرأ عن فريضة الحج فبخصوص ميقات أهل العراق قرأت في كتاب أنه على الحاج المسافر إلى السعودية بالطائرة يجوز له أن يحرم من مدينة جدة ولما كنت أنوي زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنويت الزيارة أولاً وأيضًا أحرم من ميقات أبيار علي، ولكن لو وصلت إلى جدة يوم الثامن والعشرين من ذي القعدة ولم أتمكن من الزيارة قبل الحج، فبهذا لا يصبح أمامي سوى الإحرام من جدة ومررت على ميقات الحديبية ولبَّيْتُ عندها وأنا متجه من جدة إلى مكة المكرمة فأعود مرة أخرى بشأن الكلام الذي قرأته في هذا الكتاب وهو أنه على من أراد الحج بالطائرة فعليه أن لا يتجاوز الميقات وهو أمام إحدى ثلاث : إما أن يحرم من بيته أو يحرم من المطار ( مطار بلد الحاج ) ، أو يحرم بالطائرة في الميقات أو موازيًا للميقات إن كان الأمر غير صعب .
وسؤالي هل لو أحرمت من الحديبية بعدما وصلت إلى مطار جدة أكون بذلك قد تجاوزت ميقات الإحرام ؟ وماذا عليَّ فعله بعد ذلك ؟ وإذا كان ذلك تجاوزًا للميقات فما هي الكفارة وما هي كيفية القضاء ؟(1/12)
من قدم في الطائرة يريد الحج فإنه يحرم إذا حاذى الميقات الذي يمر به في الجو في طريقه ولا مانع أن يتهيأ للإحرام قبل ركوب الطائرة ويعمل السنن التي تفعل قبل الإحرام من الاغتسال والتنظف والتطيب وإعداد الإنسان نفسه للإحرام، ثم إذا قارب الميقات فإنه يحرم من حذائه أو قبله بقليل احتياطًا ويتلبس بالنسك الذي يريد ولا يؤخر الإحرام إلى مطار جدة كما يتوهمه بعض الناس، فإن جدة ليست ميقاتًا إلا لأهلها ولمن نوى النسك منها، ولم يسبق له نيته قبل وصوله إليها .(1/13)
وبمناسبة ما ذكرت من أنك تريد زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل الحج وتحرم من ميقات أهل المدينة إذا رجعت فهذا عمل جائز، فمن قدم إلى جدة وهو يريد الذهاب إلى المدينة فإنه يحرم من ميقات المدينة إذا رجع منها، ولكنك تذكر أن الزيارة تعذرت في هذا الوقت، وأنك لم يبق أمامك إلا الإحرام للحج، فالواجب في هذه الحالة عليك أن تحرم من المكان الذي عزمت على الذهاب إلى مكة منه، وهو جدة، أما تأخير الإحرام إلى الحديبية فهذا خطأ، لأن الواجب أن تحرم من المكان الذي عزمت على الذهاب إلى مكة منه ولا تؤخره إلى مكان آخر قريب من مكة فبتأخيرك للإحرام إلى الحديبية تكون قد أحرمت بعد الميقات بالنسبة لك، فعليك فدية وهي ذبح شاة توزعها على مساكين الحرم سواءً ذبحتها بنفسك أو وكلت من يذبحها عنك، وإذا كنت لا تستطيع الذبح ماليًّا فإنك تصوم عشرة أيام، لأنك تركت الإحرام من المكان الذي يجب عليك الإحرام منه وأخرته إلى مكان دونه مما يلي مكة، والزيارة التي يشرع السفر لها هي زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لا زيارة قبره، فلا يجوز السفر بنية زيارة القبور لا قبره صلى الله عليه وسلم، ولا قبر غيره، فقولك : " كنت أنوي زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم " قول غير صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/56 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فالزيارة التي يسافر لها إنما تكون لأحد المساجد الثلاثة، أما القبور فإنها لا يسافر لأجل زيارتها لا قبور الأنبياء ولا غيرهم، وإنما تكون زيارة القبور بدون سفر، والقصد منها السلام على الميت والدعاء له والاستغفار له والاعتبار بأحوال الموتى هذا القصد من الزيارة الشرعية للقبور، وهذا حكمها أما أن يسافر لأجل قصد زيارة قبر من القبور سواء كان قبر نبي أو ولي أو غير ذلك،(1/14)
فهذا حرام؛ لأنه من وسائل الشرك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسائل التي تؤدي إلى الشرك وخص السفر لزيارة المساجد الثلاثة، وإذا زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى فيه فإنه يزور قبره تبعًا لذلك .
231- يقول السائل : أنا أعمل بمدينة الرياض منذ ثلاث سنوات وفي موسم الحج السابق سافرت بطريق البر أنا وزوجتي إلى جدة والتي كانت حاملاً في ذلك الوقت، والحمل بالنسبة لها كان أمرًا متعبًا، وكانت النية إذا وصلنا إلى جدة بالسلامة وكانت صحة زوجتي تتحمل مشاق وأتعاب الحج أن ننوي من جدة، وبعد أن وصلنا وسألتها : هل تستطيع أن تؤدي الفريضة ؟ فأجابت بالإيجاب، مع العلم أنني أديت فريضتي بعون الله في وقت سابق، فخرجنا للحج من جدة، وأحرمنا مع أهل جدة، ولم نحرم من ميقات أهل الرياض، مع العلم أننا مكثنا يومين في جدة قبل الحج عند أقاربنا، أفيدونا هل بفعلنا هذا هل ارتكبنا مخالفة بالنسبة للإحرام ؟ وفي حالة ارتكابنا مخالفة فماذا يجب علينا فعله ؟(1/15)
إذا كان هؤلاء كما ذكر أنهم لم يعزموا على الحج، بل هم مترددون فيه، وقد أوقفوا الأمر على معرفة حال المرأة عند وصولها إلى جدة فإن كانت تستطيع الحج حجوا هذا العام، وإن لم تستطع لم يحجوا فإنه يكون ميقاتهم من المكان الذي عزموا على الحج منه، فما دام أنهم لم يعزموا على الحج إلا في جدة فيكون محل إحرامهم في جدة، أما إذا كانوا قدموا من الرياض إلى جدة يريدون الحج هذا العام فحينئذ لا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام، وإنما يحرمون من الميقات إذا مروا به بالسيارة أو مروا به من الجو يحرمون من محاذاته، ولا مانع أن يذهبوا إلى جدة وهم محرمون، ثم ينزلوا إلى مكة، المهم أن لا يتجاوزوا الميقات بدون إحرام إذا كانوا أنشئوا السفر من الرياض بقصد الحج، ويكون في هذه الحالة على كل واحد منهم دم لتجاوزهم الميقات بدون إحرام، والذبح : ذبح شاة تجزي في الأضحية يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم، ومن لم يستطع ذبح هذه الفدية فإنه يصوم عشرة أيام .
232- لقد قدمت إلى مكة المكرمة لأول مرة ولم أحرم من الميقات لأخذ عمرة لعدم قدرتي المادية على شراء الإحرام، فدخلت مكة في ثيابي العادية، وبعد مضي عشرة أيام وأنا في مكة تمكنت من أداء العمرة من مكة، فهل عليَّ شيء في هذا أم لا ؟(1/16)
الواجب على المسلم أن يسأل عندما يحصل له إشكال ولا يعمد إلى رأيه وما يمليه عليه جهله، فلو أنك سألت قبل أن تقدم على هذا الشيء لكان هو الواجب عليك، فالمسلم إذا جاء يريد الحج أو العمرة لا يجوز له أن يتجاوز الميقات بدون إحرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدد هذه المواقيت قال : ( هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/142 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، وأما أنك لا تقدر على شراء ملابس الإحرام، فالإحرام ليس ملابس الإحرام، وإنما هو نية الدخول لنسك، فلو أنك نويت الدخول في النسك ولبيت بالعمرة من الميقات فإنك تكون بذلك أحرمت ولو لم تخلع ملابسك العادية، وإذا كان ليس معك ما تشتري به ملابس الإحرام فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل، فلو أبقيت السراويل عليك وخلعت ما عليك من بقية الثياب وجعلت على أعلا جسدك شيئًا تلفه به لكفى هذا إلى أن تجد ما تشتري به إزارًا ورداءً، أما وقد أخطأت وتجاوزت الميقات بدون إحرام، ثم أحرمت من مكة، فإن إحرامك صحيح أيضًا، إلا أنه ناقص، لأنك تركت واجبًا وهو الإحرام من الميقات فيكون عليك فدية أن تذبح شاة، أو تأخذ سبع بدنة أو سبع بقرة وتوزعه على فقراء الحرم فإن لم تجد فإنك تصوم عشرة أيام، والله أعلم .
233- أنا رجل مقيم في مدينة الرياض ولي أقارب في مدينة جدة وأنوي أداء العمرة مرورًا بأقاربي في جدة لزيارتهم، فهل عليَّ أن أحرم من جدة أم أن أحرم من الميقات وأبقى على إحرامي في جدة حتى لو مكثت بها عدة أيام ؟(1/17)
إذا سافرت تريد العمرة من الرياض، وكان لك أقارب في جدة تريد المرور بهم وزيارتهم، فالواجب عليك أن تحرم من الميقات بأن تحرم من السيل ( قرن المنازل ) ، أو ما يوازيه، ولا بأس أن تمر بأقاربك وأن تزورهم وأنت محرم وتبقى في إحرامك، ثم إذا انتهت زيارة أقاربك فإنك تذهب إلى مكة تؤدي مناسك العمرة، وإن ذهبت إلى مكة من أول وهلة، وأديت العمرة وحللت من إحرامك، ثم ذهبت إلى أقاربك فلا بأس، بل تكون المبادرة بالعمرة أحسن، فالمهم ألا تتعدى الميقات إلا وأنت محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم في هذه المواقيت : ( . . هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة . . ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/142 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .
234- ما هي الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة ؟(1/18)
الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة أنه يجب على الذكر أن يتجنب لبس المخيط حالة إحرامه، ويقتصر على لبس الإزار والرداء، ويخلع جميع أنواع المخيطات عن جسمه، ويحرم على الذكر أيضًا تغطية رأسه بملاصق من عمامة أو غيرها من الملابس التي توضع على الرأس، بل يكون رأسه مكشوفًا طيلة إحرامه، ويحرم على المرأة تغطية وجهها في البرقع أو النقاب، ويحرم عليها تغطية يديها بالقفازين، ويجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب بغير البرقع وبغير النقاب، بل تغطيه بثوبها أو خمارها، وكذلك تغطي كفيها بثيابها لا بالقفازين – وهما الجوارب المنسوجة أو المخيطة على قدر الكفين – ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب في حالة الإحرام، وكذلك يحرم عليهما إزالة الشعر من الرأس أو من جميع أجزاء الجسم في حالة الإحرام، ويحرم عليهما تقليم الأظافر، ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام الصيد لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [ سورة المائدة : آية 95 ] ، فلا يجوز له الاصطياد وهو محرم أو الإعانة على الاصطياد بقول أو فعل، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى الجماع ودواعيه، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى عقد النكاح، كل هذه تحرم على المحرم وهي ما تسمى بمحظورات الإحرام .
235- ما الحكم فيمن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام ناسيًا أو جاهلاً هل يلزمه فدية أم لا ؟
إذا كان هذا المحظور لا إتلاف فيه مثل الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط فهذا إذا فعله ناسيًا أو جاهلاً وذكر إذا كان ناسيًا أو علم إذا كان جاهلاً، فإنه يتجنب المحظور من حينه ولا شيء عليه .
أما ما كان فيه إتلاف كقص الشعر، وتقليم الأظافر، وقتل الصيد، فهذا على قولين لأهل العلم :(1/19)
القول الأول : أنه لا يعذر بالجهل والنسيان، بل يجب عليه به فدية ذلك المحظور، لأنه إتلاف، وإتلاف يستوي فيه عندهم العامد وغير العامد فيها كقتل الخطأ وإتلاف المال يضمنان، ولو كان القاتل والمتلف غير متعمد .
القول الثاني : أنه إذا كان جاهلاً أو ناسيًا فلا حرج عليه في ذلك، أخذ من عموم قوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [ سورة الأحزاب : آية 5 ] ، ومن قوله تعالى في الصيد : { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } [ سورة المائدة : آية 95 ] مفهومه أن غير المتعمد لا شيء عليه، ولعل هذا الرأي هو الصحيح إن شاء الله .
236- رجل قام بعمرة عن والده في شهر شوال، ثم يريد أن يحج مفردًا عن نفسه، فهل عليه هدي ؟ وإذا كان عليه هدي فما الحكم إذا رمى جمرة العقبة وقصر وتحلل قبل ذبح الهدي ؟
إذا كان أدى العمرة في شوال وانتظر الحج حتى أحرم به في عامه فإنه يكون متمتعًا، ويجوز في التمتع أن تكون العمرة عن شخص والحج عن شخص آخر، ويجب أن يهدي المتمتع في حق غير المكي، وإذا رمى الحاج الحجر يوم العيد وحلق رأسه أو قصر ولو لم يذبح هديه فإنه يكون قد تحلل التحلل الأول الذي يبيح له ما حرم عليه بالإحرام إلا الاستمتاع بزوجته حتى يطوف طواف الإفاضة، فذبح الهدي لا دخل له في التحلل .
237- هل يشترط في وجوب دم المتمتع ألا يخرج من مكة بعد العمرة ؟(1/20)
الخروج من مكة إذا كان قريبًا فإنه لا يؤثر على وجوب دم المتمتع إذا كان دون مسافرة قصر، أما إذا كان مسافة قصر فأكثر فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يؤثر على وجوب دم المتمتع إلا إذا رجع إلى بلده، ثم سار من بلده وأحرم بالحج في هذا العام، فهذا لا يعتبر متمتعًا، لأن سفره إلى بلده فصل بين الحج والعمرة في أن تكون العمرة بسفر مستقل والحج بسفر مستقل، فلا يكون عليه هدي في هذه الحالة .
238- لو وكل رجل عنه رجلاً مكيًّا ليحج عنه فهل يجب على هذا الوكيل المكي الإحرام من ميقات أهل اليمن أم يحرم من مكة ؟
الأكمل – وخروجًا من الخلاف – أنه إذا كان الحج فريضة وعجز عن مباشرته بنفسه أن يوكل من يحج عنه من بلده هذا هو الأفضل، وخروجًا من خلاف من أوجب ذلك عليه، وقالوا : إن المنوب عنه يجب عليه الحج من بلده، وكذلك النائب عنه .
239- هل يجوز لمسلم أن يحج أو يعتمر عن والديه وهما على قيد الحياة ؟
في المسألة تفصيل : أما الحج الواجب والعمرة الواجبة كحجة الإسلام وعمرة الإسلام فهذا لا يجوز أن يُناب عن الحي فيهما إلا إذا كان عاجزًا عجزًا لا يستطيع أداء الحج أو العمرة بصفة دائمة، فهذا الحج عنه كالمريض مرضًا مزمنًا لا يستطيع معه الركوب للحج وأداء أعمال الحج، أو الكبير الهرم بدليل الحديث أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن والدها أدركته فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع الثبات على الراحلة، أفأحج عنه ؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( حجي عن أبيك ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/167 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/241-243 ) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ] .
أما حج النافلة فالأمر فيه واسع، فلا بأس أن يفعل عنه الحج وإن كان مستطيعًا عند جماعة من العلماء .(1/21)
240- نويت أداء العمرة لأخي الأكبر حيث إنه متوفى، فأريد أن أعرف هل هذا العمل من الأعمال الدينية التي تصل للميت ؟
نعم، لأن هذا شيء طيب، أداؤك العمرة عن أخيك المتوفى سواء كانت واجبة أو مستحبة، فهذا عمل جليل، ولكن بشرط أن تكون أديت عمرة الإسلام عن نفسك أولاً، والله أعلم .
241- هل يجوز لي أن أؤدي العمرة عن زوجتي وهي على قيد الحياة ؟
النيابة في العمرة أو في الحج عمن هو على قيد الحياة فيها تفصيل، إن كان الحج فريضة أو العمرة فريضة فإنه لا تجوز النيابة فيهما إلا عند عجز المنوب عنه مباشرتهما بنفسه، إما لهرم وكبر، وإما لمرض مزمن لا يستطيع معه القيام بالحج أو العمرة ولا ينتظر منه ذلك، حينئذ يوكل من يؤدي عنه حجة الإسلام وعمرة الإسلام، لأنه تعذر أداؤه لهما، فينيب من يحج عنه أو يعتمر، أما مادام ينتظر منه أن يباشر ذلك بنفسه فإنه لا يجوز له أن يوكل في حجة الإسلام وعمرة الإسلام، أما النافلة في الحج والعمرة حج النافلة أو عمرة النافلة فالأمر فيهما واسع إذا وكل فيهما فلا حرج في ذلك، وإن كان الأولى بل الواجب عند بعض العلماء أن يباشر الحج والعمرة لنفسه إذا كان قادرًا ولو كان ذلك نافلة، والله أعلم .
242- والدي شيخ كبير في السن وكفيف البصر هل يجوز لي أن أحج عنه ؟ أرشدوني وفقكم الله إلى سواء السبيل ؟
إذا كان والدك كبيرًا وهو لا يستطيع الذهاب إلى الحج للكبر فإنه لا بأس أن تحج عنه بشرط أن تكون قد أديت فريضة الإسلام عن نفسك أولاً، أما إذا كان والدك لا يمنعه الكبر من الذهاب إلى الحج بأن كان عنده بقية من القوة يستطيع بها أن يذهب إلى الحج بنفسه فإنه يجب عليه أن يحج بنفسه إذا كانت عنده الاستطاعة المالية أو أنت تريد أن تساعده بالمال للقيام بالحج أو العمرة .(1/22)
243- لي والدة تبلغ من العمر أربعين عامًا ولم تؤد فريضة الحج، وذلك لعدم استطاعتها على القيام من ألم في قدميها منذ طفولتها، هل يجوز لي أن أحج عنها ؟ وهل عليها إثم بتأخيرها الحج إلى هذا الوقت ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
إذا كانت والدتك لا تستطيع القيام لمرض في قدميها من الصغر وهي مقعدة لا تستطيع المشي والقيام، فإن كان يمكن أن تحج معكم ويطاف بها محمولة، ويسعى بها محمولة، وترموا عنها الجمار، وتقف معكم في عرفات وفي مزدلفة ومنى، فإنه يتعين ذلك، أما إذا كانت لا تستطيع أن تحمل في الطريق إلى الحج فحينئذ يعتبر هذا مرضًا مزمنًا فيجوز لها أن توكل من يحج عنها بشرط أن يكون الوكيل قد أدى حجة الإسلام عن نفسه أولاً .
244- والدتي متوفاة، وأنا الآن متوجه لأداء فريضة الحج عنها، فما الحكم ؟ وهل يجوز أن أحج بعد هذه المرة أم لا ؟
لا بأس بذلك بشرط أن تكون قد حججت عن نفسك حجة الإسلام، فإن لم تكن حججت عن نفسك فابدأ بنفسك أولاً، ثم إذا كان في العام القادم أو ما بعده فإنك تحج عنها إن أمكنك ذلك، وذلك من برها والإحسان إليها، وإن أنبت غيرك ممن قد حج عن نفسه وهو تقي ثقة فلا بأس .
245- هل يجوز تغيير النية للمفرد بعد الطواف والسعي ليصبح متمتعًا ؟
لا مانع من ذلك، بل الأحسن أن يتحول من كونه مفردًا إلى كونه متمتعًا، فإذا طاف وسعى يقصر من رأسه ويتحلل ويعتبرها عمرة، ثم يحرم بالحج بعد ذلك ويكون متمتعًا، وهذا يسمى فسخ الحج إلى العمرة، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدما طافوا وسعوا أن يقصروا ويجعلوها عمرة يحرمون بعدها بالحج ليكون متمتعين إلا من كان ساق الهدي، فإنه يبقى على إحرامه (7).
246- هناك بعض الأخطاء التي تقع في الطواف، ما هي هذه الأخطاء ؟
1- كثير من الحجاج يلتزم أدعية خاصة في الطواف يقرؤها من مناسك، وقد يكون مجموعات منهم يتلقونها من قارئ يلقنهم إياها ويرددونها بصوت جماعي، وهذا خطأ من ناحيتين :(1/23)
الأولى : أنه التزام دعاء لم يرد التزامه في هذا الموطن، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء خاص .
الثاني : أن الدعاء الجماعي بدعة وفيه تشويش على الطائفتين، والمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه وبدون رفع صوته .
2- بعض الحجاج يقبل الركن اليماني، وهذا خطأ، لأن الركن اليماني يستلم باليد فقط ولا يقبل، وإنما يقبل الحجر الأسود، فالحجر الأسود يستلم ويقبل إن أمكن أو يشار إليه مع الزحمة إليه، والركن اليماني يستلم ولا يقبل ولا يشار إليه عند الزحمة، وبقية الأركان لا تستلم ولا تقبل .
3- بعض الناس يزاحم لاستلام الحجر الأسود وتقبيله، وهذا غير مشروع، لأن الزحام فيه مشقة شديدة وخطر على الإنسان وعلى غيره، وفي فتنة بمزاحمة الرجال للنساء، والمشروع تقبيل الحجر واستلامه مع الإمكان، وإذا لم يتمكن أشار إليه بدون مزاحمة ومخاطرة وافتتان، والعبادات مبناها على اليسر والسهولة، ولا سيما أن استلام الحجر وتقبيله مستحب مع الإمكان، ومع عدم الإمكان تكفي الإشارة إليها، والمزاحمة قد يكون فيها ارتكاب محرمات فكيف ترتكب محرمًا لتحصيل سنة ؟ ! .
247- هل يجوز الطواف بدون وضوء رغم أنني بدأت الطواف على طهارة وفي أثناء الطواف انتقض وضوئي فلم أستطع التيمم ولا الخروج لإعادة الوضوء ؟ إذا كان لا يصح فماذا أفعل الآن ؟(1/24)
من شروط صحة الطواف الطهارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف، فقال : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/171 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فالطهارة شرط من شروط الطواف، ولا يكفي التيمم كما يقول السائل، بل لابد من الوضوء، لأن الماء متوفر، إلا في حالة العجز عن استعمال الماء لمرض فإنه يتيمم، وإذا بدأ الطواف بطهارة وانتقض أثناء الطواف عليه أن يخرج ويتوضأ ويطوف من جديد، وإذا كان هذا الطواف الذي طافه طواف حج أو عمرة، فعليه أن يرجع إلى مكة ويعيد الطواف وما بعده من سعي وطواف وداع، وعليه أيضًا أن يتجنب جماع زوجته إلى أن يطوف ويسعى، وإن كان قد جامع فإنه يكون عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم .
248- ما حكم من طاف ستة أشواط حول الكعبة والسابع من داخل حجر إسماعيل، ثم سعى سبعة أشواط وتحلل بعد ذلك ؟ فما يجب عليه حتى تكمل حجته أو عمرته ؟
هذا يعتبر لم يكمل السبعة الأشواط، لأن الشوط الذي جاء به من داخل الحجر لم يكن مستوفيًا للكعبة فهو لم يكمل الطواف بالبيت، وإذا لم يتم طوافه لم يصبح سعيه كاملاً، لأن السعي يشترط أن يكون بعد طواف صحيح، فيجب عليه أن يعيد الطواف والسعي .
249- امرأة مريضة سعت بعد طواف القدوم، ولكنها لم تستطع إتمام السعي لمرضها، فما الحكم في هذه الحالة ؟
المريض إذا شرع في السعي أو في الطواف ولم يستطع إكماله فإنه يكمل به محمولاً، بأن يحمل ويطاف به، وإذا لم يتيسر حمله في هذه الحالة وقطع الطواف أو السعي فإنه يستأنف الطواف والسعي من جديد إن صح في جسمه وقوي على الطواف أو السعي بنفسه أو يطاف ويسعى به محمولاً من جديد، ولا يبني على الأشواط السابقة إذا طال الفصل أو انتقض وضوءه في حالة الطواف .(1/25)
250- أنا من إحدى قرى جيزان، وقد ذهبت إلى مكة المكرمة للبحث عن عمل، وفعلاً عملت هناك، واستقررت بها وأخذت أهلي معي، وفي البداية لم تكن والدتي معنا، وقد حضرت إلينا لزيارتنا، وأخذت عمرة ولكنها أثناء العمرة وفي السعي تعثرت في المشي فوقعت على الأرض وأصيبت، فنقلناها إلى المستشفى، ولكنها توفيت على أثر ذلك، وقد أكملت عمرتها تلك نيابة عنها، فهل ما فعلته صحيح أم لا ؟ كذلك حججت عنها وقد أديت جميع أركان الحج وواجباته إلا السعي بعد طواف الإفاضة لم أستطع أداءه لعجزي البدني، فأنا أسير على قدمي الواحدة وبدل الأخرى عصا أتكئ عليها، ولم يكن معي من المال ما يكفي لأستأجر عربة، فماذا عليَّ في ذلك ؟
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال وهو أن والدتك ماتت قبل إكمال مناسك العمرة، فإنها تكون باقية في إحرامها ولا يكمل عنها النسك الذي أحرمت به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي وقصته راحلته ومات في عرفة وهو محرم أمر بدفنه بثيابه ونهى عن تغطية رأسه، ونهى عن أن يمس الطيب، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/75 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، فدل أن المحرم إذا مات في أثناء إحرامه قبل استكمال مناسك الحج والعمرة فإنه يبقى في إحرامه إلى أن يبعث، وأنه لا يكمل عنه النسك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بأن يكملوا عنه بقية النسك .(1/26)
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو أنك حججت عنها بعد وفاتها من باب البر بها والإحسان إليها، فهذا شيء تشكر عليه ونرجو من الله عز وجل أن يتقبله منك، وأما بالنسبة لترك السعي، فهذا غلط، لأنه يجب عليك إتمام المناسك، والسعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإن كنت قد أحرمت مفردًا بالحج أو قارنًا بين الحج والعمرة وسعيت بعد طواف القدوم فإنه ليس عليك سعي آخر بعد طواف الإفاضة، أما إن كنت متمتعًا أو كنت قارنًا أو مفردًا ولم تسع بعد طواف القدوم فإن السعي باق عليك، فيجب عليك أن تذهب وأن تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط بنية سعي الحج، وإذا كان حصل منك مواقعة لزوجتك في هذه المدة فإنك تذبح شاة دم جبران توزعه على فقراء مكة وإذا أردت العودة إلى بلدك فإنك تطوف للوداع .
251- ما هي أقصر مدة للإقامة في منى لمن يريد التعجيل بالسفر ؟
أقصر مدة للإقامة بمنى في أيام الحج هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر؛ يومان بعد العيد، وهذا هو التعجل، والأكمل أن يبقى اليوم الثالث عشر وهذا هو التأخر، قال تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى } [ سورة البقرة : آية 203 ] ، فالتعجل معناه أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس؛ هذا التعجل، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر، والله أعلم .
252- لو كان لي عمل يلزمني حضوره مثلاً في جدة أثناء أيام الحج التي يلزم فيها المبيت بمنى، فهل يجوز لي أن أذهب لقضاء عملي ذلك ثم أعود إلى منى للمبيت فقط ؟ وما هو الوقت الذي يشمله المبيت من الليل ؟(1/27)
نعم يجوز لك أن تذهب إلى قضاء حاجتك في جدة أو غيرها، لأنها تعتبر قريبة في النهار أيام منى، ثم ترجع بالليل وتبيت بمنى، وإن كان البقاء في منى ليلاً ونهارًا في هذه الأيام أفضل، ولكن المتعين والواجب هو المبيت بها، أما النهار فيجوز لك أن تذهب لحاجتك وترجع لتبيت فيها، أما الوقت الكافي من المبيت لمن كان بمنى من أول الليل إلى نصف الليل فإذا بتَّ في منى إلى منتصف الليل، ثم خرجت بعد منتصف الليل منها فلا مانع من ذلك .
253- بعد رجوعي من عرفة قدمت إلى منى، ولكني لم أجد مكانًا بها، ثم ذهبت إلى مزدلفة، فما الحكم ؟
يقول الله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، فإذا حاولت أن تجد مكانًا تنزل فيه بمنى ولم تجد وتعذر عليك هذا، فإنك تنزل في أقرب مكان إليها من مزدلفة أو غيرها متصلاً بمنازل الحجاج، وهذا منتهى استطاعتك ولا شيء عليك – إن شاء الله – لكن ما يفعله بعض الحجاج من التساهل في طلب النزول بمنى والبحث عن مكان ويذهبون وينزلون في شقق في العزيزية أو في مكة من أجل الرفاهية فهذا عمل لا تبرأ به ذممهم .
254- لاحظنا أن بعض الحجاج الذين لا يتمكنون من الصلاة في مسجد نمرة يصلون في أماكنهم ويقوم أحدهم بإلقاء الخطبة والصلاة بهم كما في المسجد، فهل يجوز عقد خطبتين أو أكثر في عرفة ؟
الخطبة في يوم عرفة خطبة واحدة يقوم بها إمام المسلمين أو نائبه في مكان واحد وهو نمرة، وليست مشروعة على كل مجموعة من الحجاج وإنما بقية الحجاج الذين لا يحضرون مع الإمام في مكان الخطبة يصلون الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، جمع تقديم، بدون خطبة وما فعله هؤلاء الذين ذكرهم السائل تعتبر بدعة لا يجوز فعله ويجب تركه والنهي عنه وبالإمكان سماع الخطبة من المسجد بواسطة المذياع .
255- هناك أخطاء تقع من الحجاج في الوقوف بعرفة، ما هي ؟(1/28)
1- بعض الحجاج لا يتأكد من مكان الوقوف ولا ينظر إلى اللوحات الإرشادية المكتوب عليها بيان حدود عرفة فينزل خارج عرفة وهذا إن استمر في مكانه ولم يدخل عرفة أبدًا وقت الوقوف لم يصح حجه، فيجب على الحاج الاهتمام بهذا الأمر والتأكد من حدود عرفة ليكون داخلها وقت الوقوف .
2- يعتقد بعض الحجاج أنه لابد في الوقوف بعرفة من رؤية جبل الرحمة أو الذهاب إليه والصعود عليه، فيكلفون أنفسهم عنتًا ومشقة شديدة، ويتعرضون لأخطار عظيمة من أجل الحصول على ذلك، وهذا كله غير مطلوب منهم، وإنما المطلوب حصولهم في عرفة في أي مكان منها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة ) [ رواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/388 ) بلاغًا، ورواه الإمام أحمد ( 4/82 ) من حديث جبير بن مطعم، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/115 ) من حديث محمد بن المنكدر، وعند مسلم ( 2/893 ) من حديث جابر رضي الله عنه بدون ذكر : " وارفعوا عن بطن عرنة " ] سواء رأوا الجبل أو لم يروه، ومنهم من يستقبل الجبل في الدعاء والمشروع استقبال الكعبة .
3- بعض الحجاج ينصرفون ويخرجون من عرفة قبل غروب الشمس وهذا لا يجوز لهم، لأن وقت الانصراف محدد بغروب الشمس، فمن خرج من عرفة قبله ولم يرجع إليها فقد ترك واجبًا من واجبات الحج ويلزمه به دم مع التوبة إلى الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مازال واقفًا بعرفة حتى غروب الشمس (8) ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/25 ) من حديث جابر بن عبد الله، ورواه مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم " ، من حديث جابر رضي الله عنه ] .
256- أحد أصحابنا ذهب للحج ولكنه عندما ذهب إلى عرفة في اليوم التاسع وجد الزحام شديدًا قبل الوصول إليها فقرر الرجوع إلى عمله، فماذا يجب عليه الآن ؟(1/29)
إذا أحرم الإنسان بالحج أو العمرة وجب عليه المضي فيهما إلى أن يكمل مناسكهما ولا يجوز له رفض الإحرام ولا يعفيه ذلك من إتمام نسكه، قال تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ، وقال تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ } [ سورة البقرة : آية 197 ] الآية – ومعنى فرض : أحرم – فإذا أحرم الإنسان بالنسك صار فرضًا عليه إكماله كما ورد في السؤال، فإنه يعتبر الآن قد فاته الحج فعليه أن يعيد ملابس الإحرام ويتحلل بعمرة، ثم في العام القادم يقضي هذا الحج الذي رفضه ويذبح فدية .
257- حججت هذا العام ولم أتمكن من شدة زحام السيارات من المبيت بمزدلفة وإنما مررت عليها صبيحة اليوم العاشر، فماذا يجب عليَّ ؟
المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج لا يجوز تركه مع الاستطاعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها هو وأصحابه وقال : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم . . " من حديث جابر رضي الله عنه ] ، لكن من كان متجهًا بسيارته إلى مزدلفة يقصد المبيت بها، ثم حبسه سير السيارات ولم يتمكن من الوصول إليها حتى طلع الفجر فهذا ليس عليه شيء، لأنه معذور، والله أعلم .
258- وما الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في مزدلفة ؟(1/30)
المطلوب من الحاج إذا وصل إلى مزدلفة أن يصلي المغرب والعشاء جمعًا، ويبيت فيها فيصلي بها الفجر، ويدعو إلى قبيل طلوع الشمس، ثم ينصرف إلى منى، ويجوز لأهل الأعذار خاصة النساء وكبار السن والأطفال ومن يقوم بتولي شؤونهم الانصراف بعد منتصف الليل، ولكن يحصل من بعض الحجاج أخطاء في هذا النسك، فبعضهم لا يتأكد من حدود مزدلفة ويبيت خارجها، وبعضهم يخرج منها قبل منتصف الليل ولا يبيت فيها، ومن لم يبت بمزدلفة من غير عذر فقد ترك واجبًا من واجبات الحج يلزمه به دم جبران مع التوبة والاستغفار .
259- هل هناك مكان معين للإقامة فيه أو حوله في مزدلفة أم أن أي مكان فيها يصلح أن يقيم فيه الحاج ومتى يتجه إلى منى ؟
مزدلفة كلها موضع للمبيت لا يختص جانب منها عن الجانب الآخر، بل كل عرصاتها مشعر وموضع للمبيت لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( جمع كلها موقف ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/200 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/240-243 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1100 ) بنحوه، كلهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ] ، فالمسلم إذا وصل إلى مزدلفة، فإنه ينزل في أي مكان تيسر له النزول فيه ويصلي بها المغرب والعشاء جمعًا عند وصوله ويذكر الله سبحانه وتعالى ويدعو، أما وقت الدفع من مزدلفة إلى منى فهو قبيل طلوع الشمس إذا أسفر جدًّا، ويجوز للضعفة الدفع من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل من ليلة النحر .
260- هل يجوز التقاط حصيات لرمي الجمرات من حولها مما قد رمى به سابقًا لمن فقد شيئًا من الحصى التي أتى بها لغرض الرمي، أو وقعت من يده ؟ وهل لابد من إصابة رأس الجمرة أو لا مانع حتى لو لم تصب إلا أسفلها ؟
لا مانع من أخذ الحصى مما قرب من الجمرات إلا أنه لا يأخذ من حصى ( حوض الجمرة ) ، أما إذا أخذ من الحصى المتناثر في الطريق إليها أو حولها فلا مانع من ذلك .(1/31)
وأما موضع الرمي فهو الحوض فيشترط أن تسقط الحصاة في حوض الجمرة سواء استقرت فيه بعد ذلك أو تدحرجت وسقطت، أما رمي الشاخص أو العمود فهو غير مشروع، فإذا فعل ذلك ولم تقع الحصاة في الحوض فإنها لا تجزيه فإذا ضرب العمود وطارت ولم تقع في الحوض فإنها لا تجزيه، لأنه ليس المقصود رمي العمود إنما المقصود رمي الحوض والعمود، إنما جعل علامة على الرمي فقط، وليس هو المقصود بالرمي، وإذا لم يتأكد وقوعها في الحوض فإنه يرمي بدلها، لأنه الواجب ولا يسقط إلا بيقين .
261- ما حكم رمي الجمار قرب منتصف الليل هل يجوز أم لا ؟
رمي الجمار الثلاث بَيَّنَه صلى الله عليه وسلم (9) بأنه يبدأ بزوال الشمس فإذا زالت الشمس في اليوم الحادي عشر وما بعده فإنه يكون قد دخل وقت الرمي، وأما الرمي بالليل فمحل إشكال وخلاف وفي الوقت متسع للرمي بالنهار، ولله الحمد، لأنه يبدأ من زوال الشمس إلى غروب الشمس، فهذا وقت واسع يتحين الإنسان الأخف والأرفق به ويرمي به ولا يعرض نسكه للخطر والخلاف، ويجوز أن يؤخر رمي يوم إلى يوم بعده من أيام التشريق ويبدأ به مرتبًا قبل رمي اليوم الحاضر .
262- في صباح اليوم العاشر من ذي الحجة يوم العيد بدأت برمي جمرة العقبة في الصباح، ثم عقبتها برمي بقية الجمرات في الصباح أيضًا فهل فعلي هذا صحيح أم عليَّ شيء في ذلك ؟
يوم العيد ليس فيه رمي إلا جمرة العقبة فقط، أما ما حصل منك من أنك رميت بقية الجمرات في هذا اليوم فهذا خطأ ولا حكم له وجوده كعدمه، وإنما ترمي الجمرات الثلاث الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى في اليوم الحادي عشر وما بعده من أيام التشريق .
263- ما حكم من رمى حصاتين في وقت واحد عند الجمرتين الوسطى أو أي جمرة ؟ وماذا يجب عليه فعله الآن لو حصل منه ذلك ؟(1/32)
الذي يرمي حصاتين جميعًا لا تجزيانه إلا عن واحدة، والواجب أن ترمى الحصيات السبع متتابعة كل واحدة بعد الأخرى، فإذا تبين له أنه أخل في الرمي في وقت الرمي في أيام التشريق فإنه يعيد الرمي مرتبًا على الصفة المشروعة، أما إذا لم يتبين له الخطأ إلا بعد فوات أيام التشريق فإنه حينئذ يكون عليه فدية وهي ذبح شاة في مكة يوزعها على فقراء الحرم .
264- هل يشترط إصابة الجمرات في الرمي ؟
يشترط أن يقع الحصى في المرمى وهو الحوض سواء استقر فيه أو سقط بعد مروره على الحوض والتي لا تقع في الحوض لا تحسب، وكثير من الحجاج يظنون أن الذي يُرمى هو العمود الشاخص فيصوبون إليه حصاهم فيتطاير هنا وهناك ولا يقع في الحوض، وهذا خطأ كبير .
265- قمت بفريضة الحج أثناء الموسم المنصرف ومن جملة المناسك التي قمت بها أنني رميت جمرة العقبة وتحللت التحلل الأول بحلق بعض الشعر وجئت من الغد لأرمي الجمرات الثلاث فتبينت أني رميت من خلف النصب وأصبت ظهرها فأعدت رمي جمرة العقبة يوم الثاني عشر من ذي الحجة، فهل يعتبر عملي هذا صحيحًا أم ماذا يجب عليَّ أن أفعله حتى يكون عملي صحيحًا ؟
أولاً : الواجب في الحلق أو التقصير تعميم الرأس ولا يكفي أن يأخذ بعض الشعرات .
وثانياً : إعادته لرمي جمرة العقبة في اليوم الثاني بأن تبين له بأنه في اليوم الأول رماها في غير محل الرمي، وأن الحصى لم يصل إلى حوض الجمرة، فعمله هذا صحيح وهذا هو المتعين عليه، فمن لم يرم الجمرة في اليوم الأول لعذر من الأعذار أو تبين له أن رميه غير صحيح فعليه إعادته في اليوم الثاني لكن يبدأ أولاً بالرمي الماضي – رمي اليوم الأول – ثم يرمي جمرات اليوم الحاضر .
266- بعد أن أديت فريضة الحج هذا العام وبعدما رميت جمرة العقبة في أول وثاني أيام العيد ذهبت من منى قبل غروب الشمس ووكلت صديقًا لي يرمي الجمرات في اليوم الثالث نظرًا لظروف عملي، فهل عليَّ دم ؟(1/33)
الواجب على الحاج أن يباشر أعمال الحج بنفسه من رمي وغيره إلا إذا احتاج للتوكيل بأن لا يقدر على رمي الجمرات لضعفه أو لمرضه أو امرأة تخشى من الزحام، تخشى من الفتنة، أو الطفل الصغير الذي لا يطيق الرمي بنفسه في هذه الحالة يجوز التوكيل أو إنسان أو مثل ما ذكر السائل ظروف العمل تحول بينه وبين الرمي في وقته فليوكل، لكن ليس معنى هذا أنه يوكل على الرمي أو على بقية الرمي ويسافر، لأن الحج لم ينته والسفر إنما يكون بعد نهاية أعمال الحج التي آخرها طواف الوداع، فهو يوكل لعذر من الأعذار الشرعية من يرمي عنه، فإنه لا ينفر ولا يسافر إلا بعد أن تنتهي أعمال الحج ويطوف بعد ذلك، وفي ختام أعمال الحج يطوف للوداع، أما لو سافر قبل نهاية أعمال الحج فإنه يكون قد سافر قبل جواز السفر له شرعًا، ويكون قد أدى طواف الوداع في غير وقته، فيكون عليه دم، لأن طواف الوداع قبل نهاية أعمال الحج لا تجزي صاحبه فيكون في حكم التارك له، ومن ترك واجبًا من واجبات الحج فإنه يكون عليه دم يذبح شاة في مكة ويوزعها على مساكين الحرم جبرانًا لما ترك من طواف الوداع في وقته، وعليه دم آخر لترك المبيت بمنى، والله أعلم .
267- هناك أخطاء في رمي الجمرات ما هي ؟
رمي الجمرات واجب من واجبات الحج، وذلك بأن يرمي الحاج جمرة العقبة يوم العيد، ويجوز بعد منتصف الليل من ليلة العيد، ويرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق بعد زوال الشمس، لكن يحصل من بعض الحجاج في هذا النسك أخطاء، وبيانها كما يلي :
1ـ فمنهم من يرمي في غير وقت الرمي، بأن يرمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل في ليلة العيد، أو يرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق قبل زوال الشمس، وهذا الرمي لا يجزئ، لأنه في غير وقته المحدد له، فهو كما لو صلى قبل دخول وقت الصلاة المحدد لها .
2ـ ومنهم من يخل بترتيب الجمرات الثلاث، فيبدأ من الوسطى، ثم الكبرى وهي الأخيرة .(1/34)
3ـ ومنهم من يرمي في غير محل الرمي وهو حوض الجمرة، وذلك بأن يرمي الحصى من بُعد فلا تقع في الحوض، أو أن يضرب بها العمود فتطير ولا تقع في الحوض، وهذا رمي لا يجزئ، لأنه لم يقع في الحوض، والسبب في ذلك الجهل أو العجلة أو عدم المبالاة .
4ـ ومنهم من يقدم رمي الأيام الأخيرة مع رمي اليوم الأول من أيام التشريق، ثم يسافر قبل تمام الحج، وبعضهم إذا رمى لليوم الأول يوكل من يرمي عنه البقية ويسافر إلى وطنه، وهذا تلاعب بأعمال الحج وغرور من الشيطان، فهذا الإنسان تحمل المشاق، وبذل الأموال لأداء الحج، فلما بقي عليه القليل من أعماله تلاعب به الشيطان فأخل به وترك عدة واجبات من واجبات الحج، وهي رمي الجمرات الباقية، وترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، وطوافه للوداع في غير وقته، لأن وقته بعد نهاية أيام الحج وأعماله .
فهذا لو لم يحج أصلاً وسلم من التعب وإضاعة المال لكان أحسن، لأن الله تعالى يقول : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ، ومعنى إتمام الحج والعمرة إكمال أعمالهما لمن أحرم بهما على الوجه المشروع، وأن يكون القصد خالصًا لوجه الله تعالى .
5ـ من الحجاج من يفهم خطأ في معنى التعجل الذي قال الله تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } [ سورة البقرة : آية 203 ] ، فيظن أن المراد باليومين يوم العيد ويوم بعده، وهو اليوم الحادي عشر فينصرف في اليوم الحادي عشر ويقول : أنا متعجل، وهذا خطأ سببه الجهل، لأن المراد يومان بعد يوم العيد، هما اليوم الحادي عشر والثاني عشر، من تعجل فيهما فنفر بعد أن يرمي الجمار بعد زوال الشمس من اليوم الثاني عشر وقبل غروب الشمس فلا إثم عليه، ومن تأخر إلى اليوم الثالث عشر فرمى الجمار بعد زوال الشمس فيه، ثم نفر فهذا أفضل وأكمل .(1/35)
268- نساء مستطيعات لرمي الجمار ولكن منعهن زحام فهل يتعين عليهن الرمي بأنفسهن أم يجوز لهن التوكيل ؟
إذا كان فيه زحمة شديدة ولا يستطعن المزاحمة أو يخشى من الفتنة، لأن مزاحمة المرأة للرجال فيها تعرض لفتنة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ففي هذه الحالة توكل من يرمي عنها، وكذا إذا وجد في الرمي زحمة شديدة وكانت المرأة لا تتحمل من ناحية صحتها، أن تتأخر أو تأخر بها وليها إلى وقت آخر وتحين فرصة أخرى يكون الرمي فيها أخف، فهذا أسن وأحوط .
269- تعلمون شدة الزحام عند الجمرات، فهل يجب على النساء رمي الجمار بأنفسهن أم يجوز لهن التوكيل خوفًا من الزحام وتلافيًا للفتنة ؟
يجب على المرأة الحاجة أن ترمي الجمار بنفسها إذا تمكنت من ذلك، أما إذا لم تتمكن من الرمي لمرضها أو كبر سنها أو لشدة الزحام التي لا تطيقها أو تخشى من الفتنة عليها وعلى غيرها في المزاحمة، فلا بأس في هذه الحالات أو تُوكل من يرمي عنها، لكن بالإمكان أن تتحين الأوقات التي ليس فيها زحمة شديدة، ثم ترمي وتتجنب أوقات الزحمة، والله أعلم .
270- هل يجوز التوكيل في رمي جمرة العقبة عمن لا يقدر على تحمل متاعب الزحام حولها ؟
يجوز التوكيل عند العجز لرمي جمرة العقبة وغيرها، ويجوز له عند الرمي أن يوكل من يرمي عنه .
271- إذا أخرت الحلق أو التقصير ناسيًا إلى اليوم الحادي عشر، فقمت بالتقصير، فهل يجوز ذلك أم عليَّ شيء في هذا ؟(1/36)
تأخير الحلق أو التقصير إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر لا حرج فيه – إن شاء الله – وإن كان الأفضل المبادرة، وأن يفعله يوم العيد بعد ذبح الهدي إذا كان عليه هدي، وهو الأفضل، لكن لو أخره فلا مانع من ذلك، لكن لا يتم تحلله من الإحرام إلا بفعل هذه الثلاثة : رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، والسعي بعده لمن عليه سعي، فإن فعل اثنين من هذه الثلاثة تحلل التحلل الأول الذي يبيح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء .
272- ما هو الوقت الأفضل لأداء طواف الإفاضة فيه ؟
الأفضل أن يطوف طواف الإفاضة يوم العيد إذا أمكن، ويجوز تأخيره عن يوم العيد ويجوز أن يطوف في الليل ليلة الحادي عشر أو ما بعدها، كما أنه يجوز لأهل الأعذار ومن في حكمهم أن يطوفوا بعد منتصف الليل من ليلة النحر، فوقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد منتصف ليلة النحر ولا حد لنهايته، والأفضل أن يؤدى في يوم العيد .
273- هل يجوز تأخير طواف الإفاضة في الليل إذا لم أتمكن من أدائه في النهار ؟
نعم يجوز فعل طواف الإفاضة ليلاً ونهارًا في أيام التشريق وبعدها إلا أنه من الأفضل والأحسن أن يأتي به يوم العيد إذا أمكن، وإذا لم يتمكن من ذلك، فالأمر واسع، والحمد لله .
274- هل يجوز للمتمتع تقديم سعي الحج في اليوم الثامن مقدمًا على طواف الإفاضة ؟
المتمتع لا يجوز له أن يقدم السعي على طواف الإفاضة، لأن السعي في حق المتمتع إنما يكون بعد طواف الإفاضة، فتقديمه قبل طواف الإفاضة جاء في غير محله فلا يجزئ .
275- ماذا عن الأخطاء التي تقع في الحلق أو التقصير ؟(1/37)
بعض الحجاج يكتفي بقص شعرات من رأسه وهذا لا يكفي ولا يحصل به أداء النسك؛ لأن المطلوب التقصير من جميع الرأس، لأن التقصير يقوم مقام الحلق، والحلق لجميع الرأس، قال تعالى : { مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ } [ سورة الفتح : آية 27 ] ، والذي يقصر بعض رأسه لا يقال : إنه قصر رأسه، وإنما يقال : قصر بعضه .
276- إذا حلقت شعري بماكينة حلاقة، وقد لا تأخذ الشعر من أصله، فهل أعتبر مقصرًا أو حالقًا ؟
إذا كانت الماكينة تقص الشعر من أعلاه وتبقي منه شيئًا كثيرًا فهذا يعتبر تقصيرًا، أما إذا كانت الماكينة تأخذ الشعر من أسفله ولا تبقي إلا أصوله فهذا يعتبر حلقًا أو قريبًا من الحلق، والأولى أن يحلق بالموسى عملاً بالسنة، والله أعلم .
277- يقول السائل : أدى والدي وخالي حجة الإسلام – بحمد الله – في العام الماضي، وفي اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد رمي جمرة العقبة طلبت منهما أن يحلقا، فكنت أظن أن الحلق سنة عملاً بالحديث الشريف : ( اللهم ارحم المحلقين ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/188 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] ، وكنت مصرًّا على أن يحلقا، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كرر عبارة : ( رحم الله المحلقين ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/188 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] ثلاث مرات، ولكنهما أجاباني بأنهما سوف يحلقان بعد أن يؤديا العمرة، وبعد أداء العمرة كان الوقت ضيقًا فلم يتمكنا من الحلق، وهكذا افترقنا، فعدت إلى مقر عملي وتركتهما يتأهبان للعودة إلى الوطن، علمًا بأن كلاً منهما أخذ شيئًا يسيرًا من شاربه ولحيته، وعند عودتي علمت أن الحلق محظور، يجبر بالدم، ماذا أفعل الآن إذا كانت الإجابة هي أن ذلك يجبر بالدم في شهور الحج ؟ وما هي كيفية التلبية التي يجب أن يتلفظ بها الإنسان ؟(1/38)
أما قضية حلق الشعر لنسك الحج أو العمرة فهو الأفضل كما ذكر السائل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرة واحدة، والله تعالى يقول : { مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ } [ سورة الفتح : آية 27 ] ، فقدم الحلق على التقصير، مما يدل على أن الحلق أفضل، وما ذكره من حال أصحابه الذين أمرهم بالحلق ولم يحلقوا فإن كانوا قصروا فالتقصير يكفي للنسك، وإن كان الحلق أفضل منه، وأما إذا كانوا لم يقصروا ولم يحلقوا فحينئذ يكون قد بقي عليهم نسك من مناسك الحج، فيجب عليهم إذا علموا أن يبادروا بالحلق أو التقصير بنية النسك، وإذا كان حصل منهم جماع لزوجاتهم في هذه الفترة فيكون عليهم فدية ذبح شاة يوزعونها على المساكين في الحرم، وإذا كان القصد بأنهم أخذوا من شواربهم أو من اللحية مع أن الأخذ من اللحية أمر لا يجوز، فإذا كانوا فعلوا هذا بعد رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، فليس عليهم شيء في ذلك إلا الإثم في الأخذ من اللحية، لأن من فعل شيئين من ثلاثة جاز له ما منع منه بالإحرام سوى مقاربة النساء، أما إذا كانوا أخذوا من شواربهم ولحاهم قبل فعل اثنين من الثلاثة فيكون عليهم فدية وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين في الحرم أو صيام ثلاثة أيام .
أما التلبية المشروعة أن يقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، وإن زاد عليها بعض الألفاظ الواردة فلا مانع من ذلك، هذه التلبية المشروعة ويرفع بها صوته .
278- من نسي أن يطوف طواف الوداع ولم يذكر إلا بعد وصوله إلى بلده البعيد عن مكة أو كان جاهلاً ولم يعلم إلا بعد وصوله فماذا عليه أن يفعل في تلك الحالتين ؟(1/39)
إذا ترك طواف الوداع وسافر ولم يفطن إلا بعد وصوله إلى بلده أو بعد بلوغه مسافة القصر ثمانين كيلو مترًا فأكثر، فهذا يتقرر في حقه الفدية ( الدم ) ، وهو ذبح شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة يذبحها في مكة ويوزعها على مساكين الحرم .
279- هل على من يقيم بمكة طواف وداع أو لا ؟
الحاج الذي يقيم في مكة بعد الحج ليس عليه طواف وداع، إنما الوداع عند المغادرة إذا أنهى أعماله وأراد أن يسافر إلى بلده، فإنه يطوف طواف الوداع سواء كان سفره بعد الحج مباشرة، أو تأخر عن الحج فإنه يطوف طواف الوداع، لأنه واجب من واجبات الحج .
280- من يقيم في جدة مثلاً هل يجوز له تأجيل طواف الوداع إلى ما بعد أيام الحج، أي بعد أن يخف الزحام حول البيت وفي هذه الأثناء يتوجه إلى جدة، ثم يعود لتأدية طواف الوداع ؟
إذا فرغ من أعمل الحج فإنه لا يغادر مكة حتى يطوف طواف الوداع، وإذا كان في زحام فإنه ينتظر ويتحين الفرصة، ثم يطوف طواف الوداع ويخرج إلى جدة أو إلى غيرها .
281- وهذا الحكم حتى في العمرة ؟
العمرة ليس لها وداع على الصحيح إنما الوداع من واجبات الحج، أما العمرة إن حصل وتيسر أن طاف عند خروجه فحسن، وإن لم يحصل فإنه غير متعين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بطواف الوداع في حق المعتمرين، وإنما أمر به الحجاج (10).
282- طواف الوداع للحج، من يريد تأدية عمرة بعده هل يكون قبل العمرة أو بعدها قبل السفر أو يصح في الحالتين ؟(1/40)
طواف الوداع يكون آخر شيء عندما يريد مغادرة مكة إذا أنهى أشغاله كلها وأموره، وإذا كان يريد عمرة بعد الحج فإنه يأتي بها، فإذا أراد أن يخرج فإنه عند الركوب يطوف طواف الوداع، أما لو أنه طاف طواف الوداع، ثم راح وجاء بعمرة بعد طواف الوداع فإن تأخر في مكة بعد العمرة فعليه أن يعيده، لأنه لم يكن حينئذ الوداع آخر عهده بالبيت، والحديث ينص على أنه أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت (11) ، وإن سافر بعد العمرة مباشرة، فإن طوافها يكفي عن الوداع، لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها بطواف الوداع لما أدت العمرة من التنعيم بعد الحج .
283- نويت الحج وأحرمت من الميقات ودخلت مكة، ثم البيت الحرام وسعيت ووقفت في عرفة، وبعد عودتي من عرفات مكثت في منى طوال أيام التشريق ورميت الجمار، ولكني أخرت طواف الإفاضة حتى آخر أيام التشريق، ثم طفت طواف الإفاضة وسعيت، ثم طفت للوداع وانصرفت ولم أذبح لا في منى ولا في غيرها، لأنني وكلت عني من يذبح لي أضحية بمنزلي في بلدي، مع العلم بأنني نويت الحج مفردًا، فأرجو إفادتي هل حجي صحيح أم عليَّ إعادته مرة أخرى ؟
المفرد ليس عليه فدية، فإذا كنت نويت الحج مفردًا فإنه حينئذ لا فدية عليك .
284- ذهبت للحج وقيل لي : إن الحاج المفرد لا يذبح وإني إنسان لست بالغني، فنويت الحج مفردًا وبقيت إلى أن رميت الجمرات، فهل هذا الحج صحيح ؟ أم أنها ناقصة ؟ إن كان كذلك فما عليَّ الآن ؟
ما ذكرته من أنك حججت مفردًا وبقيت في إحرامك حتى أديت الحج، فهذا عمل صحيح ولا تجب عليك الفدية، لأن الفدية إنما تجب على المتمتع والقارن، أما المفرد فليس عليه فدية، ولكن إذا لم تكن اعتمرت فإن العمرة باقية في ذمتك تؤديها إن شاء الله في أي وقت تتمكن فيه .(1/41)
285- أنا حججت وأديت فريضة الحج كاملة، ولكن أنا مصري وعدت إلى أرض العراق وعليَّ فداء، هل يجوز ذبح الفداء في العراق أم في مصر، علمًا أنني لم أنزل مصرًا إلا بعد عيد الأضحى المبارك، أفيدونا مأجورين ؟
لا يجوز ذبح الفدية إلا في مكة، لأن مكة هي محل ذبح الهدي لقوله تعالى في الهدي : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ سورة الحج : آية 33 ] ، وقوله تعالى : { وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } [ سورة الفتح : آية 25 ] ، فمحل ذبح الهدي هو الحرم الشريف ويوزع على مساكين الحرم إذا كان دم جبران كفارة لخلل واقع في الحج، وإن كان دم متعة أو قران يذبحه في الحرم ويأكل منه ويتصدق ولا بأس أن يحمل منه إلى بلده، وعليه فالهدي باق في ذمتك ولابد من ذبحه في مكة ويكون قضاء .
286- إذا أحرمت لأداء العمرة لنفسها، ثم بعد الانتهاء منها أرادت أن تؤدي عمرة لأبيها، وأخرى لعمها، فهل يكفي أن تطوف وتسعى فقط لكل واحد منهما وذلك بإحرامها الأول الذي عقدته في الميقات أم لابد من العودة للميقات والإحرام من جديد لكل واحد منهما ؟
أولاً : تكرار العمرة في وقت متقارب فيه ما فيه من التوقف، فإن تكرار العمرة في وقت متقارب أنكره بعض العلماء، ولو أن المسلم إذا أدى العمرة يدعو لوالديه وأقاربه في طوافه وفي سعيه وفي غير ذلك في المسجد الحرام، فهذا يكفي إن شاء الله ونرجو أن يصلهم نفعه وبره، لكن لو فعلت ما ذكرت من تكرار العمرة لوالدها، ثم لعمها وهكذا، فلا بأس بذلك ولو كان خلاف الأولى، لكن لو فعلته لابد من إحرام مستقل لكل عمرة بأن تخرج إلى الحل ( إلى التنعيم أو عرفات أو الجعرانة ) ، وتحرم بالعمرة من هناك ولا تحرم بها من مكة ولا ترجع إلى الميقات .(1/42)
287- منذ سنتين ذهبت للحج وأديت فريضة الحج ولم أنوِ فيها الحج ولم أفدِ – ربما كانت تقصد أنها لم تلبِّ – علمًا أنني لا أعرف ماذا يقول الحاج عندما ينوي الحج، وعندما رجعت للمنزل صمت خمسة أيام، علمًا أن زوجي متوفى وليس لي أي محرم أحج معه، بل ذهبت مع جماعة من المعارف وحججت معهم، أفيدوني هل يصح حجي هذا أم لا ؟ وأيضًا ذهبت للحج في السنة الأخرى وأديت فريضة الحج وكما سبق وقلت ليس لدي محرم ونويت الحج وقلت : إني قارنة ولم أفدِ أيضًا وصمت بعد رجوعي للمنزل خمسة أيام، وبالنسبة للرجم وكلت السائق أن يرجم عني، فهل يصح هذا الحج بهذه الصورة أم يلزمني إعادته ؟(1/43)
أولاً : سفرها للحج في المرتين دون محرم حرام عليها ومعصية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة ) [ رواه الإمام البخاري ( 2/35 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والحج وغيره في هذا سواء لعموم الحديث، والمرأة لا يجب عليها الحج إلا إذا وجدت المحرم، فيشترط لوجوبه على المرأة زيادة على الشروط المعتبرة في حق الرجل وجود المحرم، فإذا كانت تقدر بمالها وبدنها على الحج، ولكنها لا تجد المحرم فإنها تؤخره حتى تجد المحرم، لأن سفرها بدون محرم قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه المرأة قد أخطأت في فعلها، ولكن حجها صحيح في حد ذاته مع الإثم، أما أنها لم تفد في المرة الأولى والمرة الثانية، ففي المرة الثانية وضحت أنها قارنة بين الحج والعمرة، ولكن في المرة الأولى لم توضح هل هي مفردة أو قارنة، وعلى كل حال إذا كانت قارنة أو متمتعة ولم تفد، فإن كانت لا تستطيع الفدية ماديًّا فإنها يجب عليها صيام عشرة أيام لقوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ، فالواجب الصيام بدل فدية التمتع والقران، وقد ذكرت أنها صامت خمسة أيام، فعليها خمسة أيام أخر تصومها لكي تتكامل العشرة .
288- ما الحكم فيمن أخر الحج وذلك للسفر إلى الخارج من أجل النزهة ؟(1/44)
السفر إلى بلاد الكفار من أجل النزهة حرام في حق من حج ومن لم يحج، لما فيه من الخطر على الدين والعقيدة والأخلاق، ومن لم يكن أدى فريضة الحج وهو قادر على ذلك وجب عليه الحج على الفور، ولا يجوز له تأخيره لا من أجل سفر إلى الخارج ولا لغيره، ولكن إذا أجَّله من أجل السفر إلى الخارج لمجرد النزهة فهو آثم زيادة على إثم تأخير الحج عن الفورية خصوصًا إذا كان هذا السفر إلى بلاد الكفار لمجرد النزهة، فإنه يكون قدَّم سفرًا محرمًا على سفر واجب وقدم معصية على طاعة .
289- ما حكم صيام اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ؟
الذي يصادف أيام التشريق من أيام البيض هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، لأن أيام البيض تبدأ من اليوم الثالث عشر من الشهر وتنتهي باليوم الخامس عشر، فلا يجوز صوم اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، لأنه من أيام التشريق، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها عن غير دم متعة أو قران (12) ، والمستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يتعين أن تكون أيام البيض، وإنما جعلها في أيام البيض أفضل إذا لم يصادف نهيًا، كهذه الحالة .
290- نويت الحج هذا العام أنا وزوجتي، وحاولت والدتي الذهاب معنا، ولكني رفضت لأني لا أقدر على مساعدة أمي وزوجتي معًا، هل أنا آثم برفض طلب أمي ؟
ينبغي أن تحج بأمك وتؤجل الحج بزوجتك، لأن البر بوالدتك واجب عليك إلا إذا سمحت لك والدتك بأن تتركها وتحج بزوجتك، فلا بأس بذلك، والله الموفق .
291- بعض العوام يقول : سأحج ولو أني هرم وكبير في السن لعلي أموت حاجًّا فأبعث يوم القيامة ملبيًا، ما رأي فضيلتكم ؟(1/45)
قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آي 97 ] ، فاشترط لوجوب الحج على المسلم أن يكون مستطيعًا وهو القادر بماله وبدنه، فالذي لا يستطيع الحج بماله لا يجب عليه، والذي يستطيعه بماله دون بدنه بسبب عجز مستمر معه، فإنه يوكل من يحج عنه فريضة الإسلام ويقوم بتكالفيه المالية، أما حج النافلة فإذا كان عاجزًا عنه ببدنه أو يشق عليه مشقة شديدة فإنه لا يكلف نفسه، خصوصًا في وقتنا الحاضر، وما يحصل في الحج من زحام شديد وأخطار، ومجالات فعل الخير كثيرة غير الحج مثل المشاريع التي تنفع المسلمين، والله الموفق .
292- الكتيبات والنشرات التي مع الحاج حول الأمور الشرعية بعضها متعارض، لأن الفقهاء يختلفون في المذاهب والاجتهادات، بماذا تنصح الحاج ؟
أنصح الحاج وغيره بأن يعمل بما يوافق الدليل من النشرات والكتيبات، فما قام عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عمل به، وما خالف الدليل لا يعمل به، وأحسن كتاب مختصر في هذا الموضوع – حسب علمنا – هو منسك شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنسك سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، فينبغي للحاج أن يقرأ هذين المنسكين ويستفيد منهما .
293- نصراني نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه ويؤدي الصلاة، ولكن لم تسجل أوراقه رسميًّا أنه مسلم، هل يحج وهو مقتدر على ذلك ؟
نسأل الله لهذا الرجل الذي أسلم أن يثبته الله على الإسلام، وإذا استطاع الحج وجب عليه المبادرة إليه، لأنه ركن من أركان الإسلام، وعليه أن يعمل الإجراءات اللازمة نظاميًّا لأجل أداء الحج، والله الموفق .
394- تتنافس حملات الحج في تقديم تسهيلات وراحة ورفاهية للحاج، ما حكم هذا العمل ؟ وهل الأفضل الحج مع هؤلاء أو الحج بجهود ذاتية مع المشقة ؟(1/46)
لا بأس بالحج مع إحدى الحملات التي تقوم بخدمته وتسهيل إجراءات الحج ومتطلباته، وإذا حج منفردًا بجهوده الذاتية فلا بأس، وخصوصًا إذا كان لا يستطيع التكاليف التي تطلبها الحملة، فالأمر راجع إليه وإلى استعداده، والله الموفق .
295- بعض الخادمات تحج عن طريق حملات الحج بدون محرم، ما حكم هذا الحج ؟ وماذا تقولون لهؤلاء ؟
لا يجوز للمرأة المسلمة خادمة أو غيرها أن تسافر للحج أو غيره بدون محرم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/35 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
واستقدامها بدون محرم لا يجوز لما في ذلك من الخطر على دينها وعرضها والخطر منها على غيرها، وهذه مسألة غفل عنها الكثير من المسلمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
6- أحكام الأضحية والعقيقة
296- هل يجوز طبخ ثلث الأضحية الخاص بالفقير ودعوة المسلمين إليه في أيام العيد ؟
لا بأس بطبخ لحم الأضحية ودعوة المحتاجين إليها، لأن هذا يدخل في مسمى الصدقة، وإن دفع اللحم للفقير يتصرف فيه فلا بأس، بل قد يكون أحسن من أجل أن يتصرف فيه الفقير على حسب مصلحته .
297- الطالب الأعزب الذي ينفق على أسرته ( والده ووالدته وإخوانه ) ، هل يكفي أن يضحوا عنه في بلادهم ؟ وكذلك الطالب المتزوج ولكن أهله ليسوا معه، هل يضحي هنا أم يضحي عن أهله في بلادهم ؟
الأضحية تذبح في بلد المضحي وفي بيته يأكل منها هو وأهل بيته ويهدي منها على جيرانه وأصدقائه ويتصدق منها على الفقراء، وإذا كان أهله في بلد آخر فإن الأضحية تذبح عنه وعنهم في بيته وفي بلده، وإن كان هو في بلد آخر .(1/47)
298- هنا – في أمريكا – أعداد كبيرة من الطلبة المبتعثين وهم على أبواب عيد الأضحى المبارك، ويسألون عن الأضاحي، وخصوصًا أن الضأن في أمريكا تقطع أليتها وهي صغيرة حتى يكون الدهن في ظهورها، فهل يجزئ أن نضحي من هذه الأنواع من الضأن، مع العلم أنه توجد الأبقار، ولكن البعض لا يحب أكل لحمها ؟
لا بأس بذبح الأضحية من الأغنام المذكورة، وإن كانت مقطوعة الألية، لأن قطعها من أجل تطييب لحمها، فهو مثل خصاء الذكور لأجل تطييب لحمها، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بالخصي من الغنم (1) .
299- يقوم بعض الجيران في عيد الأضحى بالذبح وإعطاء الجيران من هذه الذبيحة كهدية، ونعلم فيهم الشرك وعدم الالتزام بالدين، فهل يجوز لنا قبول هذه الذبيحة وأكلها ؟ وما هي شروط الذبيحة على الطريقة الإسلامية ؟
إذا كانوا يُعرفون أنهم مشركون بالله فإن ذبيحتهم لا تجوز إلا إذا كانوا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذبحوا على الطريقة الشرعية، فإن ذبيحة أهل الكتاب حلال، قال تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] ، والمراد بطعامهم هو ذبائحهم، وهذا بإجماع علماء المسلمين، فذبائح أهل الكتاب حلال لنا لهذه الآية الكريمة وللإجماع على ذلك، ولكن إذا توفرت فيها شروط الذكاة الشرعية .
أما المشركون غير أهل الكتاب وسائر الكفار على اختلاف مللهم ومذاهبهم فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين وهي ميتة، لأن الله لم يستثن من ذبائح الكفار إلا ذبيحة أهل الكتاب، وهذا لا اختلاف فيه بين أهل العلم .
أما الطريقة الشرعية للذبح فهي أن تتوفر شروط الذكاة بأن يكون الذبائح مسلمًا أو كتابيًّا يعني أن يكون ذا دين سماوي، وأن يكون عاقلاً تتأتى منه النية والقصد، ولو كان مميزًا، إذا كان يتأتى منه النية وقصد الذكاة سواء كان ذكرًا أو أنثى .(1/48)
كما يشترط أن تكون الآلة صالحة للذبح بأن تقطع بحدها لا بثقلها، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/110 ) من حديث عباية بن رفاعة بن رافع عن خديج عن جده، رضي الله عنهم ] ، وأن لا تكون الآلة سنًّا أو ظفرًا، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه، فكلوا ليس السن والظفر ) ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/110 ) من حديث عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده، رضي الله عنهم ] .
ويشترط أن يكون الذبح في محل الذكاة وهو الحلق من غير الإبل أو اللبة من الإبل، وأن يقطع من الرقبة المريء والحلقوم وأحد الودجين؛ والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والحلقوم وهو مجرى النفس، وأحد الودجين وهما عرقان في جانبي العنق يجري فيهما الدم، فإذا قطع ثلاثة من هذه الأربعة فقد حصلت الذكاة الشرعية على الصحيح ولو قطع الودجين مع الحلقوم والمريء فهذا أكمل وتحصل به الذكاة إجماعًا .
ويشترط أن يذكر اسم الله عليه بأن يقول عند الذبح : باسم الله، وكذلك لا يحل ما ذبح للقبور أو للجن أو الشياطين .
وعليه إذا توفرت شروط الذكاة التي ذكرناها وهي :
1ـ أن يكون الذابح من أهل الذكاة وهو المسلم أو الكتابي الذي يميز ويقصد الذكاة .
2ـ أن تكون الآلة صالحة للذبح .
3ـ أن يذكر اسم الله عليها عند تحريم يده للذبح .
4ـ قطع ما يجب قطعه في الذكاة وهي : المريء، والحلقوم، والودجين، أو ثلاثة من هذه الأربعة .
فهذه الذبيحة حلال، أما إذا اختل شرط من هذه الشروط فإن الذبيحة لا تحل .
300- رزقني الله بثلاث بنات، ثم توفين وهن صغار، ولكن لم أعق عنهن، وقد سمعت أن شفاعة الأطفال مقرونة بالعقيقة، فهل يصح أن أعق عنهن بعد وفاتهن ؟ وهل أجمع العقيقة في ذبيحة واحدة أم لكل واحدة ذبيحة منفردة ؟(1/49)
العقيقة عن المولود سنة مؤكدة، والقول بها قول جمهور أهل العلم، ومشروعيتها في حق الأولاد الأحياء لا إشكال فيها، لأنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما العقيقة عن الأولاد الأموات فلا يظهر لي أنها مشروعة، لأن العقيقة إنما تذبح فدية للمولود وتفاؤلاً بسلامته ولطرد الشيطان عن المولود، كما قرر ذلك العلامة ابن القيم في " تحفة الودود في أحكام المولود " ، وهذه المعاني مفقودة في الأولاد الأموات، وأما ما أشار إليه السائل من أن العقيقة تدخل في الشفاعة ( شفاعة المولود ) لأبيه إذا عق عنه، فهذا المعنى غير صحيح، وقد ضعفه ابن القيم يرحمه الله، وذكر أن السر في العقيقة هو :
أولاً : أن فيها إحياء لسنة إبراهيم عليه السلام حينما فدى إسماعيل .
ثانيًا : أن فيها طردًا للشيطان عن هذا المولود، وأن معنى الحديث : ( كل غلام رهينة بعقيقته ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/105 ) من حديث سمرة رضي الله عنه، وانظر " صحيح الإمام البخاري " ( 6/216، 217 ) من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه ] أنه مرهون فكاكه من الشيطان، فهذا معنى ما قرره ابن القيم (2).
على كل حال إن أراد السائل أن يعق عن بناته الميتات واستحسن هذا الشيء فله ذلك، لكنني أنا يترجح عندي عدم المشروعية .
301- بالنسبة للعقيقة في حق الحي ما هو أفضل وقت لتأديتها ؟
الأفضل يوم سابعه، هذا هو الأفضل المنصوص عليه، فإن تأخرت عن ذلك فلا بأس بذلك ولا حد لآخر وقتها إلا أن بعض أهل العلم يقول : إذا كبر المولود يفوت وقتها، فلا يرى العقيقة عن الكبير، والجمهور على أنه لا مانع من ذلك حتى ولو كبر .(1/50)
302- إذا كنت في بلدي ورزقني الله بمولود أو مولودة ولن أرجع إلى زوجي في البلد الآخر الذي يقيم فيه إلا بعد مرور شهر أو أكثر، فهل يلزمني عمل العقيقة في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أم يجوز لي تأخيرها لحين العودة إلى زوجي وأعملها وأنا عنده ؟
لا مانع من تأخير ذبح العقيقة إلى وقت يكون أنسب وأيسر في حق الوالدين أو أحدهما وإنما ذبحها في اليوم السابع أو الحادي والعشرين إنما يكون فضيلة إذا أمكن ذلك وتيسر، أما إذا لم يتيسر فلا بأس بتأخيرها إلى وقت آخر حسب الإمكان، مع العلم أن ذبح العقيقة يقوم به والد الطفل فهو من حقوق الولد على والده .
303- لي ولد ولم أذبح عنه العقيقة وهو صغير إلا بعد أن بلغ من العمر ثلاثة عشر سنة ولم أذبح عنه أيضًا العقيقة الثانية فقد سمعت من بعض الناس أنهم يقولون : الولد له عقيقتان ؟ أفيدونا أفادكم الله هل هذا صحيح ؟
نعم، الذكر : الأولى أن تذبح عنه شاتان وعن الأنثى شاة واحدة هذا هو الأفضل والأكمل، ولو ذبح واحدة اليوم والثانية ذبحها بعد أيام أو بعد ويم فلا مانع وليس اللازم أن تكون الشاتان مجتمعتين في وقت واحد .
304- ما حكم العقيقة التي تذبح عن الكبير الذي لم يذبحها له والده في الصغر ؟
حكم العقيقة سُنَّة وهي ذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة عن المولودة الأنثى في اليوم السابع من ولادته أو فيما بعده من الأيام وهي سنة في حق والد الطفل شكرًا لله تعالى وتقربًا إليه وفكاكًا له من الشيطان ورجاء سلامة المولود وحلول البركة عليه، يأكل منها ويهدي ويتصدق كالأضحية، وما يجزئ في الأضحية سنًّا ونوعًا وسلامة من العيوب، وإذا لم يفعلها الوالد فقد ترك سنة، وإذا لم يعق عنه والده وعق عن نفسه فلا بأس بذلك فيما أرى، والله أعلم .(1/51)