الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013210
...
الفتوى رقم: 5
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
هل صفات الله تعالى الفعلية توقيفية أم لا؟
السؤال: إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، أمّا بعد:
فشيخنا -حفظكم الله تعالى- نرجو من الله عز وجلّ أن يبارك في عمركم ونسأله تعالى أن تصل رسالتنا هذه إليكم وأنتم في أحسن الأحوال وما ذلك على الله بعزيز.
فإنّه ممّا لا يخفى عليكم -حفظكم الله- شؤم الجهل وقُبحه، وأنّه يفعل في صاحبه ما الله به عليم، وشفاؤه كما قال عليه الصلاة والسلام: «السؤال»(1- أخرجه أبو داود كتاب «الطهارة» باب في المجروح يتيمم: (336)، والدارقطني في «سننه»: (744)، والبيهقي: (1115)، عن جابر رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِنَّمَا شِفَاءُ العَيِّ السُّؤَالُ». وأخرجه أبو داود في «الطهارة»: (337)، وابن ماجه في «الطهارة وسننها»: (615)، والدارقطني: (745)، والدارمي: (777)، والبيهقي: (1114)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن الملقن في «البدر المنير» (615/2): «إسناد رجاله ثقاة»، وقال أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (22/5): «إسناده صحيح»، وحسَّنه الألباني في «تمام المنة»: (ص 131)، وفي «صحيح سنن أبي داود» (336)).
لذا ارتأينا نحن الإخوة من بلعباس أن نسألكم عمّا أشكل علينا:
إنّه قد ورد كلام للإمام ابن الصلاح في كتابه «صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط» قوله -رحمه الله-: «إنّ الأمرَ في إضافة الأفعال إليه سبحانه واسع حتى لا يتوقّف فيها على التوقيف كما يتوقّف عليه في أسمائه وصفاته، ولذلك توسّع الناس قديمًا وحديثًا في ذلك في خطبهم وغيرها» اه.
موضع الإشكال أنّه -حفظكم الله- الصفاتُ نوعان: صفات الذّات وصفات الفعل، وكما يتوقّف في صفات الذات كذلك يتوقّف في صفات الفعل، وعلى هذا فما هو توجيه كلام الإمام ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمراد ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- أنّه يجوز إضافة الأفعال إليه سبحانه إذا كانت صفة كمال وإضافتها إليه من باب الإخبار عنه سبحانه وتعالى فإنّه لا يتوقّف فيها على التوقيف، فما كان على الكمال فتقيّد به، وما كان من باب الإخبار فهو أوسع ممّا يدخل في باب أسمائه على ما أفاده ابن القيم -رحمه الله تعالى- في «البدائع»(2- «بدائع الفوائد» لابن القيم (1/161)) فصفة المريد والصانع والفاعل هي صفات أفعال كمالية لا تدخل في أسمائه بل تقيّد بالكمال إخبارًا عنه بتلك الصفة، ولذلك استعمل ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في بعض المواضع من «المجموع» وصف القديم -وهو المتقدّم على غيره- وإن لم يدخل في أسمائه إلاّ أنه استعمله مخبرًا عنه سبحانه، فباب الإخبار عنه سبحانه وتعالى أوسع من أسمائه وصفاته التوقيفية.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
---
1- أخرجه أبو داود كتاب «الطهارة» باب في المجروح يتيمم: (336)، والدارقطني في «سننه»: (744)، والبيهقي: (1115)، عن جابر رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِنَّمَا شِفَاءُ العَيِّ السُّؤَالُ». وأخرجه أبو داود في «الطهارة»: (337)، وابن ماجه في «الطهارة وسننها»: (615)، والدارقطني: (745)، والدارمي: (777)، والبيهقي: (1114)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن الملقن في «البدر المنير» (615/2): «إسناد رجاله ثقاة»، وقال أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (22/5): «إسناده صحيح»، وحسَّنه الألباني في «تمام المنة»: (ص 131)، وفي «صحيح سنن أبي داود» (336).
?- «بدائع الفوائد» لابن القيم (1/161).(1/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013209
...
الفتوى رقم: 7
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
اسم الخالق
السؤال: هل اسمُ اللهِ «الخالق» من الأسماء الخاصّة؟ وما معنى قوله تعالى: ?الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِِثلُهَا فِي البِلاَدِ? [الفجر: 8]؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاسم «الخالق» مختصٌّ بالله تعالى، ولا يجوز التسمِّي بأسماء اللهِ تعالى المختصّة به، والتي لا تليق إلاّ له سبحانه كالرّحمن والقدوس والخالق، وغيرِها من الأسماء ويلحق بها شاهان شاه، وقاضي القضاة، وما شابههما.
أمّا قوله تعالى: ?الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِِثلُهَا في البلاَد? [الفجر: 8]، أي تلك القبيلة وهي «إِرَمَ» من عاد الأولى ذات البناء الرفيع الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عُمان وحضرموت تلك القبيلة لم يخلق الله مثلهم في قوَّتِهم وشدَّتهم وضخامة أجسامهم.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا(2/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013211
...
الفتوى رقم: 8
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
التوكّل على غير الله
السؤال: من أنواع العبادة «التوكّل» فهل يجوز أن أقول لأحد «توكّلت عليك»؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا يقول: «توكّلت عليك» وإنّما يقول: «وكّلتُك، وتوكّلت على الله»؛.لأنّ التوكّل هو اعتمادُ القلب على الله في جَلْبِ المنافع ودفع المضارِّ مع الثقة بالله وفعل الأسباب، والتوكّل بهذا الاعتبار خاصّ بالله سبحانه قال تعالى: ?وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَلُوا إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِين? [المائدة:23]، وقال تعالى في آية أخرى: ?وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْم إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلوُا إِن كُنتُمْ مُسلِمِين? [يونس:84]، فجعل الله التوكّل عليه في الآيتين شرطًا في الإيمان والإسلام.
أمّا المسائل التي تدخل تحت قدرة العبد فتجوز نيابته فيها عليها كالبيع والشراء ونحوهما لكونها من جملة الأسباب، لكنّه لا يعتمد على وكيله في حصول ما وكّل إليه فيه وإنّما يتوكّل على الله في تحصيل المراد وتيسير أمره أو أمر نائبه. وعليه، فإنّ الوكالةَ تُعَدُّ من جملة الأسباب، والأسباب لا يُعتمد عليها وإنّما يُعتمد على مسبِّب الأسباب وخالق السبب والمسبَّب وهو الله جلّ وعلا.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.(3/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013220
...
الفتوى رقم: 19
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
نصيحة لمن وقع في بعض الشركيات
السؤال: بعضُ الإخوة في فرنسا لهم مشاكل مع أهليهم من ناحية أنّهم يقعون في الشرك ولا يقبلون منهم النصيحة، فما تنصحهم؟ ووقع جرّاء ذلك فتنة عظيمة بين هؤلاء الإخوة وأهليهم.
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالواجبُ اتجاههم أن يحسن دعوتهم إلى الله تعالى ولا يفارقهم بل يصاحبهم في الدنيا بالمعروف على ما نصّت عليه الآية في قوله تعالى: ?وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشِْركَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُنْيَا مَعْرُوفًا? [لقمان: 15]، ويلين في دعوته إليهم وأن يبتعد عن الغِلظة في الدعوة والشدّة المنفِّرة لقوله تعالى: ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعظَةِ الحَسَنَِةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? [النحل: 125]، فإنّ هذا الأسلوبَ الدعوي المنتهج من أهمّ أسباب انتفاع عوام الناس بدعوة الدعاة وبإرشادهم وتوجيهاتهم فقد قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ»(1- أخرجه البخاري كتاب «الجهاد»: (2942) باب غزوة خيبر، ومسلم «كتاب فضائل الصحابة» (6367)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِه وإخوانِه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 26 رجب 1424ه
الموافق ل:20 أوت 2002م
---
1- أخرجه البخاري كتاب «الجهاد»: (2942) باب غزوة خيبر، ومسلم «كتاب فضائل الصحابة» (6367)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.(4/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013213
...
الفتوى رقم: 20
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
كيفية الردِّ على من أنكر قدرة الله على خلق المستحيل
السؤال: عندنا أستاذُ فلسفةٍ في الثانوية من مدينة «عنابة» يسأل التلاميذ: «إذا كان اللهُ قادرًا على كلّ شيء فهل يستطيع أن يخلق إلهًا أقوى منه أو مثله» فكيف نردّ عليه؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاللهُ سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يخلق كلَّ شيء بدون استثناءٍ ممّا يسبقه العدم القابل للخلقة، وهو ما يسمَّى بالممكن الجائز كالعالَم وسائرِ أجزائه، أمّا واجب الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى وصفاتُه الذاتية القائمة به، فهو الموجود الذي لم يَسبِقْ وجودُه عدمٌ، ووجوده من ذاته لذاته لا من سبب خارج ولا لِعِلَّةٍ خارجة، وهو معنى قوله تعالى: ?هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ? [الحديد: 3]، أي ليس قبله شيء ولا بعده شيء، لذلك لا يجوز أن يقال: إنّ الله يخلق ذاتَه؛ لأنّ الخلقَ هو إيجاد الشيء من العدم، والله تعالى لم يسبق وجودَه عدمٌ، كما أنّ الذي يقبل الخلقة مفتقر في وجوده إلى سبب مؤثّر فيه خارج عن ذاته، وما كان يسبقه العدمُ ويقبل الخلقة لا يكون مثل الله سبحانه ولا أقوى منه أبدًا. تعالى الله عمّا يقولون. والأصل عدم التعرّض لمثل هذا، وهذا الرجل الذي يريد أن يثير الفتن سفسطائي مُغالِطٌ يُلقي الشُّبَهَ والشكوكَ ويريد أن يُزَحْزِحَ العقيدةَ السليمة لتلامذته، والواجب الحذر منه ومن الفلسفة اليونانية ومن أصحابها ومريديها.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
(5/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013221
...
الفتوى رقم: 21
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
الدعاءُ بصفاتِ الله تعالى
السؤال: ذَكَرَ سماحةُ الشيخ ابنُ باز: «أنّ دعاءَ الصفة لا يجوز قولاً واحدًا لأهل السُّنَّة» كيف نجمع بين هذا الكلام وحديث النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ»(1- أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة»: (46)، وكذا النسائي: (381/570)، والبزار في «مسنده»: (4/25/3107)، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لفاطمة رضي الله عنها: «مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ؟ أَنْ تُقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيُث وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدًا»، وحسّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/449))؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ الرحمةَ المضافةَ إلى الله تعالى على قسمين:
- إضافة المفعول إلى الفاعل، أو إضافة المخلوق إلى الخالق، فهي رحمةٌ مخلوقة، ومنه قوله تعالى: ?وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا? [فصلت: 50]، وقولُه تعالى: ?وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً? [هود: 9]، ومنه تسميةُ المطرِ رحمة كقوله تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ? [الأعراف: 57]، وفي الحديث: «احْتَجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: فِيَّ الجَبَّارُونَ وَالمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا: إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَإِنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا»(2- أخرجه مسلم في «الجنة»: (2847)، وأحمد (12073)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ»(3- أخرجه أبو داود في «الطب»: (4892) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وضعّفه الألباني في «ضعيف الجامع»: (5422)).
- وأمّا القسمُ الثاني فهو مضافٌ إليه إضافة صفة إلى موصوف، ومثله قوله تعالى: ?إِنّ رَحمةَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ المحسْنِينَ? [الأعراف: 56]، وقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ».
هذا، والدعاء بصفةٍ من صفات الله تعالى المضافة إليه كالرحمة والقوَّة والعزّة والكلام لا يجوز ذلك شرعًا، والمتعبِّد بصفة من صفاته لم يكن متعبّدًا لله عزّ وجلّ الموصوفِ بجميع الصفات؛ لأنّ الصفةَ غيرُ الموصوف، فعزّة الله ليست هي الله عزّ وجلّ، والعبد مأمور بعبادة ربّ العالمين كما قال تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ? [الأنعام: 162]. وإذا كان هذا غير جائز في الصفة المضافة إلى موصوف فإنّ الدعاء بالصفة المخلوقة من باب أولى في التحريم والمنع باعتبار كونه شِرْكًا.
وهنا ينبغي لفت النظر إلى أنّ الصفةَ إن أُتِيَ بها لوحدها في الدعاء أو كانت مضافةً إلى لفظ الجلالة، ويدعو العبدُ بتلك الصفة على أنّها هي الفاعلةُ دون الموصوفِ فلا يجوز، كقول القائل: «يا عزّةَ اللهِ أعزِّيني»، «يا قوَّةَ الله قويني»، «يا رحمة الله ارحميني»، فكانت الصفة هاهنا هي الفاعلة والمؤثِّرة دون الموصوف؛ لأنّ المتعبّد بصفة من صفاته لم يكن متعبّدًا لله تعالى؛ لأنّ الله تعالى موصوفٌ بجميع الصفات كما في حديث: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»، فلا يُفهم منها أنّ الصفة هي الفاعلة دون الموصوف، وإنّما المؤثِّر هو اللهُ تعالى المُتَّصِف بصفات الكمال منها الحياة والقيُّومية وهي من أسمائه سبحانه وتعالى.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
---
1- أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة»: (46)، وكذا النسائي: (381/570)، والبزار في «مسنده»: (4/25/3107)، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لفاطمة رضي الله عنها: «مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ؟ أَنْ تُقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيُث وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدًا»، وحسّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/449).
2- أخرجه مسلم في «الجنة»: (2847)، وأحمد (12073)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
3- أخرجه أبو داود في «الطب»: (4892) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وضعّفه الألباني في «ضعيف الجامع»: (5422).
(6/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013222
...
الفتوى رقم: 22
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
تفسير المَلال، وحكمه على الله
السؤال: ما معنى حديث: «إنّ الله لا يمل حتى تملوا»؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فهذا الحديث أخرجه البخاري في الإيمان: باب أحبُّ الدين إلى الله أَدْوَمُهُ، ومسلم في صلاة المسافرين: باب أمر من نعس في صلاته من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ حَسَنَةَ الهَيْئَةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: هِيَ فُلاَنَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ، وَهِيَ يَا رَسُولَ اللهِ لاَ تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ: «مَهْ، خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ العَمَلِ إِلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ»(1- أخرجه البخاري في الإيمان (43)، ومسلم (1870)، وأبو داود في التطوع (1368)، والنسائي في القبلة (762)، وابن ماجة (4238)، ومالك في الموطأ (258)، وأحمد (24853)، والحميدي في مسنده (191)، والبيهقي (4925)، من حديث عائشة رضي الله عنها).
والمَلاَلُ: هو اسْتِثْقَالُ الشيء ونفورُ النفس عنه بعد محبَّته، وهو يُفضي إلى الترك؛ لأنّ مَن مَلَّ شيئًا تركه وأعرض عنه.
وقد تباينت تفاسيرُ معنى قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّم: «فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» ومردُّها إلى التحقيق في حرف «حتى» في الحديث، فمَنْ حملها على انتهاء الغاية فسّر معناها على وجهين:
الأول: إنَّ الله لا يقطع عنكم فَضْلَهُ حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه.
الثاني: إنَّ الله لا يترك الثواب والجزاء ما لم تملوا من العمل، فكان بهذا الاعتبار معنى «الملال»: الترك لأنّ من مَلَّ شيئًا تركه فكنَّى بالملال عن الترك لأنّه سببه، فسمِّي ذلك من باب تسمية الشيء باسم سببه، ولو ثبت حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإنّ الله لا يَمَلُّ من الثواب حتى تملوا من العمل» لكان تفسيرًا لمعناه، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف كما ذكر الحافظ في الفتح(2- فتح الباري (1/137 - 138))، وقال في موضع آخر: «أخرجه الطبري في تفسير سورة المزمّل، وفي بعض طرقه ما يدلّ على أنّ ذلك مدرج من كلام بعض رواة الحديث»(3- فتح الباري: (3/48)).
هذا، ومنهم من حمل «حتى» بمعنى «الواو» ويكون التقدير: لا يملُّ وتملون، فنفى عنه الملل وأثبته لهم، ومنهم من حملها بمعنى «حين» أي: لا يملُّ الله حين تملون، وقد جعلها بعضهم بمعنى «إنّ» وتقديره: «إن الله لا يملُّ وإن مَلَلْتُم»، وهو ما ذكره البغوي في«شرح السُّنَّة» وقال: «بأنّ الملال على الله لا يجوز»(4- شرح السنة للبغوي: (4/49))، ونقل الحافظ في «الفتح» الاتفاق على أنّ الملال على الله محال.
قلت: إن كانت دلالة الحديث مُثبتة لوصف الملل على الله تعالى فينبغي حمله على وجه يليق بجلاله سبحانه وتعالى من غير أن يتضمّن شيئًا من النَّقص أو العيب الذي يعتري حال الإنسان، ذلك لأنّ الصفات المذمومةَ من البشر لا يقتضي نفيها عن الله تعالى جريًا على قاعدة أهل السنّة والجماعة أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وَصَفَتْهُ به رسلُه إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأنّ الله تعالى لا شبيه له في ذاته ولا صفاتِه ولا أفعالِه، ولا يلزم من تماثل الشيئين في الاسم والصفة أن يتماثلاَ في الحقيقة، فلا يجوز أن يقاس بخلقه؛ لأنّ القياس إنّما يكون للنظِيرَين، والله سبحانه لا نظير له، فقد يحسن منه ما لا يجوز للبشر الاتصاف به كالعظمة والكبرياء، وقد يحسن من خلقه ما ينزّه عنه سبحانه كالعبودية.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
---
1- أخرجه البخاري في الإيمان (43)، ومسلم (1870)، وأبو داود في التطوع (1368)، والنسائي في القبلة (762)، وابن ماجة (4238)، ومالك في الموطأ (258)، وأحمد (24853)، والحميدي في مسنده (191)، والبيهقي (4925)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
?- فتح الباري (1/137 - 138).
3- فتح الباري: (3/48).
4- شرح السنة للبغوي: (4/49).
(7/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013214
...
الفتوى رقم: 157
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
ردّ مقالة الصوفية في تركهم الخوف والرجاء
السؤال: فضيلة الشيخ: هل يعبدُ المسلمُ اللهَ تعالى لأنّه يستحقُّ العبادة، أم يعبده طمعًا في جَنَّته وخوفًا من ناره؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ من حقّ الله سبحانه وتعالى على عباده توحيده وإخلاص العبادة له سبحانه، وهو يأمر عباده أن يدعوه ويعبدوه خوفًا من ناره وعذابه، وطمعًا في جنّته ونعيمه، قال تعالى في سورة الأعراف: ?وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا? [الأعراف: 56]، والخوف والرغبة من أنواع العبادة المقرِّبة إليه سبحانه، إذ الخوف من الله يحمل العبدَ على الابتعاد عن المعاصي والنواهي، والطمع في جنّته يحفّزه على العمل الصالح وكلِّ ما يرضي اللهَ تعالى، لذلك امتدح اللهُ أنبياءَه في سورة الأنبياء بقوله: ?إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ? [الأنبياء: 90]، أي راغبين في جنّته، وخائفين من عذابه، وقد قال الله تعالى في سورة الحج: ?نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ? [الحجر: 49، 50]، وقال تعالى في سورة الأنعام وهو يخاطب رسولَه الكريم: ?قُلْ ِإنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ? [الأنعام: 15].
هذا، والصوفية في معتقدهم خالفوا هذه النصوص الصريحة في دعوتهم إلى أن تكون عبادة الله لا خوف فيها من النّار، ولا طمع فيها في الجنة، بل يجعلون ذلك من الشرك بالله تعالى كما جاء عن بعض المفسرين المتصوّفة، هؤلاء يتركون صريح القرآن والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأُمَّة، ويستشهدون بقول رابعة العدوية: «اللهم إن كنتُ أعبدُكَ طمعًا في جنَّتك فاحرمني منها، وإن كنتُ أعبدُك خوفًا من نارك فاحرقني فيها»، وبقول عبد الغني النابلسي: «من كان يعبد اللهَ خوفًا من ناره فقد عبد النار، ومن عبد الله طلبًا للجنَّة فقد عبد الوثن»، فالله المستعان.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 18 رجب 1424ه
الموافق ل: 12 سبتمبر 2003م
(8/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013215
...
الفتوى رقم: 204
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
دخولُ الأعمال في مُسَمَّى الإيمان
السؤال: ما هو القدر المجزئ من الإيمان الذي يستحقُّ صاحبُه دخول الجنَّة؟ أهو قول واعتقاد فقط؟ وإن كان قولاً واعتقادًا وعملاً فما هو القدر المجزئ من العمل؟ وفَّقكم الله لِما يحبُّه ويرضاه وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فبغضِّ النظر عن حُكم تكفير تارك الصلاة من عدم تكفيره، فإنّ جِنسَ العمل عند أهل السُّنَّة والجماعة هو من حقيقة الإيمان وليس شرطًا فقط، فالإيمان هو: قول، وعمل، واعتقاد، لا يصحُّ إلاّ بها مجتمعة، ولذلك كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يرى عدم تكفير تارك الصلاة مع حكايته الإجماع أنّه لا يجزئ إيمان بلا عمل، والفرق مع الخوارج والمعتزلة الذين يقرِّرون أنّ الإيمان: قول وعمل واعتقاد أنّ الإيمان -عندهم- يزول بزوال العمل مطلقًا بخلاف أهل السُّنة ففيه من الأعمال ما يزول الإيمان بزواله سواء كان تركًا -كترك الشهادتين وجنس العمل اتفاقًا، أو ترك الصلاة على اختلافٍ بين أهل السُّنة أو كان فعلاً كالذبح لغير الله والسجود للصَنَم…- والعمل في هذا القسم شرط في صحّته، وفيه من العمل ما ينقص الإيمان بزواله ولا يزول كليًّا، أي: يبقى معه مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق مثل الذنوب دون الكفر، فالعمل في هذا القسم شرط في كماله.
وعليه، فخلوّ إيمان القلب الواجب من جميع أعمال الجوارح ممتنع وغير متصوَّر، وضمن هذا التقرير يصرِّح ناشر مذهب السلف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: «إنّ جنس الأعمال من لوازم الإيمان، وإنّ إيمانَ القلب التامَّ بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواءً جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءًا من الإيمان»(1- «مجموع الفتاوى»: (7/616)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في:09 ربيع الأول 1426ه
الموافق ل: 18 أفريل 2005م
---
1- «مجموع الفتاوى»: (7/616).
(9/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013216
...
الفتوى رقم: 282
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
في تحقيق تأويل ابن عباس رضي الله عنهما
لصفة «الساق» في الآية: ?يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ?
السؤال: ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد في تفسير آية: ?يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ? [القلم: 42]، بشدَّة الهول والأمر، ألا يُعدُّ هذا من تأويل الصفات؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الآية يختلف تفسيرها عند السلف باختلاف إطلاق لفظة «الساق» من غير إضافتها إلى الله تعالى، أو مع إضافتها إليه سبحانه وتعالى، وبناءً عليه فإنّ لفظة: «الساق» تحتمل معنيين:
- المعنى الأول: فمن فسَّر الآيةَ بمفردها من غير إضافة «الساق» إلى الله تعالى حملها على المعنى اللغوي وهو شدَّة الهول والأمر العظيم، ولا يلزم من هذا التفسير تأويل الصفات، لأنّ الآية ليست بهذا الوجه من آيات الصفات أي: أنّها ليست دالَّة على صفة -عنده- أصلاً لأنّها لم تضف «الساق» إلى الله تعالى، وعلى هذا يحمل تفسير ابن عباس رضي الله عنهما.
- المعنى الثاني: ومن فسَّر الآية على أنّ «الساق» مضافة إلى الله تعالى، وتجريدها عن الإضافة من باب التعظيم واحتجَّ لها بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا»(1- أخرجه البخاري في التفسير (4919)، وفي التوحيد (7439)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، كانت الآية في هذه الحالة من جملة آيات الصفات التي يجب إثباتها من غير تأويلها بشدَّة الهول وعظم الأمر خلافًا للمعطِّلة الذين حَمَلوا الآية على شدَّة الأمر مع نفيهم لصفة «الساق» مطلقًا ولا يثبتونها لا بالقرآن ولا بالسُّنة.
هذا، وعلى التفسير الثاني فلا يقتضي منافاة بين الآية والحديث، لأنّه يوم يكشف ربُّنا عن ساقه حقيقةً من غير تأويلٍ ولا تعطيلٍ ولا تشبيهٍ ولا تمثيلٍ ولا تحريفٍ، فإنّ ذلك اليوم أمر عظيم ويوم شدَّة وهول على المنافقين والكافرين لعجزهم عن السجود لربّ العالمين.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
---
1- أخرجه البخاري في التفسير (4919)، وفي التوحيد (7439)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(10/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013217
...
الفتوى رقم: 206
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
في حصرية الفأل ونوع إعجابه صَلَّى الله عليه وآله وسلم
السؤال: شيخَنا -حفظك الله- هل قولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ: «يعجبني كذا»، هو من باب طبيعته البشرية أم أنّه يدّل على حكم شرعي؟
مثل قوله صلى الله عليه وسَلَّمَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ»، قَالُوا: مَا الفَأْلُ؟ قال: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ» رواه الشيخان(1- أخرجه البخاري في «الطب» (5776)، ومسلم في «السلام»: (5934)، من حديث أنس رضي الله عنه).
- وفي الحديث السابق: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ» هو مُكوَّن من جزأين معرّفين، وهذا يفيد الحصر، فهل نقول إنّ: الفأْل محصور في الكلمة الطيبة أم أنّه يشمل غيرها. - بارك الله فيك-.
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمعنى «يعجبني» أي: يسرّني الفأل لكونه تأميل خير، وتأميل الخير مطلوب، لأنّ الطيرة سوء الظنّ بالله، والفأل حسن الظنّ بالله، والنبي صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم قد أبان عن مقتضى الطبيعة البشرية، وحب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها كما أفصح عن ذلك ابن القيم(2- مفتاح دار السعادة لابن القيم: (3/306)) -رحمه الله- مثل حبه صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم الحلواء والعسل(3- أخرجه البخاري في «الأطعمة»: (5431)، ومسلم في «الطلاق» (3752)، وأبو داود في «شراب العسل»: (3715)، وابن ماجه في «الأطعمة»: (3323)، وأحمد: (25048)، من حديث عائشة رضي الله عنها)، وقال: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ، وذكر: النِّسَاءَ والطِّيبَ»(4- أخرجه النسائي في «عشرة النساء»: (3956)، والحاكم: (2/160)، وابن عدي في «الكامل»: (3/305)، وأحمد: (12627)، والبيهقي: (13836)، من حديث أنس رضي الله عنه. وصحّحه الألباني في «صحيح الجامع»: (3124)، وفي «الروض النضير»: (53)، و«المشكاة»: (2561))، وكان يُحِبُّ حسن الصوت بالقرآن والأذان، وبالجملة كان يحب كلَّ كمالٍ وخيرٍ وما يُفضي إليهما.
هذا، والحصر الذي يُعبِّر عنه الأصوليون بتعريف الجزأين كما في حديث: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْليِمُ»(5- أخرجه أبو داود في «الطهارة»: (61)، والترمذي في «الطهارة»: (3)، وابن ماجه في «الطهارة وسننها»: (228)، وأحمد: (1018)، والدارمي: (712)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، إنّما يقع الحصر في الخبر، ومفهومه أنّه لا يمكن الدخول في الصلاة إلاّ بالتكبير ولا يخرج منها إلاّ بالتسليم وهو مذهب الجمهور خلافًا للأحناف والظاهرية.
والقاعدة: أنّ هذا الأسلوب يفيد حصر ما لم يرد دليل على منعه فيصار -عندئذٍ- إلى الدليل، وظاهر الحديث أنّه يفيد العموم والاستغراق لكلِّ كلمة يكون طريقها الخير، وأنّ الفأل ليس محصورًا في الكلمة الطيبة، بل هو شامل لكلِّ ما ينشرح به الصدر ويُؤْمَل به الخير سواءً كانت كلمةً طيبةً أو اسمًا حسنًا أو شخصًا صالحًا أو مكانًا طيِّبًا مرَّ عليه، فهذه كلُّها داخلة في حسن الظنِّ بالله تعالى، ولهذا كان يعجبه الفأل لأنه من حسن الظنِّ به سبحانه وتعالى.
وممّا يدلّ على عدم حصره في الكلمة الطيبة أنّه لَمّا أقبل سهيل بن عمرو في قصة الحديبية ليتفاوض مع الرسول صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم ورآه مقبلاً، قال صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: «سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»(6- أخرجه البخاري في «الشروط»: (2731)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه)، فكان على نحو ما أمل فحصل بمجيئه الخير.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
---
1- أخرجه البخاري في «الطب» (5776)، ومسلم في «السلام»: (5934)، من حديث أنس رضي الله عنه.
2- مفتاح دار السعادة لابن القيم: (3/306).
3- أخرجه البخاري في «الأطعمة»: (5431)، ومسلم في «الطلاق» (3752)، وأبو داود في «شراب العسل»: (3715)، وابن ماجه في «الأطعمة»: (3323)، وأحمد: (25048)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- أخرجه النسائي في «عشرة النساء»: (3956)، والحاكم: (2/160)، وابن عدي في «الكامل»: (3/305)، وأحمد: (12627)، والبيهقي: (13836)، من حديث أنس رضي الله عنه. وصحّحه الألباني في «صحيح الجامع»: (3124)، وفي «الروض النضير»: (53)، و«المشكاة»: (2561).
5- أخرجه أبو داود في «الطهارة»: (61)، والترمذي في «الطهارة»: (3)، وابن ماجه في «الطهارة وسننها»: (228)، وأحمد: (1018)، والدارمي: (712)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
6- أخرجه البخاري في «الشروط»: (2731)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(11/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013240
...
الفتوى رقم: 31
الصنف: فتاوى منهجية
ضابط إقامة الحجة
السؤال: له علاقة بالعقيدة وبالضبط في مسألة التكفير
بعض الإخوة عندنا يقولون إنّه بمجرد أن يسمع معين بالآية التي تثبت كفر من فعل هذا الفعل فإنّه قد قامت عليه الحجّة فهو كافر مرتد، ذكرنا أنّه لابد من البيان والتوضيح فإن أصرّ فهو كما قلت وإلاّ فلا.
نرجوا –حفظكم الله- توجيها لهذه المسألة مع ذكر كلام علمائنا في ذلك إن أمكن بطبيعة الحال الدليل أولا، وقد استدل لما ذكر بحديث أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع بي من يهودي أو نصراني و لم يؤمن بي كان حقا على الله أن يدخله النّار"(1).
والله نسأل التوفيق لنا ولكم، وسبحانك اللّهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالاستدلال بالحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهودي ولا نصراني ثمّ يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النّار"(2) على من وصف بالإسلام ثمّ تلبس بشيء من مظاهر الشرك، فإنّه استدلال في غاية البطلان ذلك لأنّ المراد بالحديث أنّ العبد لا يكون مسلما في أحكام الدنيا إذا لم يحقق الالتزام الإجمالي بالشريعة التي هي اتباع النبي صلى الله وآله وسلم والانقياد لحكم الله وشرعه، وعليه فالعبد الذي قامت عليه الحجّة الشرعية بالرسالة المحمّدية ولم يلتزم بها فهو كافر معاند في أحكام الدنيا والآخرة، أمّا إذا لم تبلغه الدعوة ولم تقم عليه الحجّة أو وصلته مشوهة فهو كافر جاهل في أحكام الدنيا أمّا في الآخرة فحكمه إلى الله تعالى وهو أعلم به لكونه لم يحقق الالتزام الشرعي بالانقياد إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلى هذا المعنى بما نصه: (والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل) ثمّ اعلم أنّ من وصف بالإسلام ثمّ أتى ببعض مظاهر الشرك أو لم يلتزم ببعض جوانب الشريعة فإنّ ما عليه أهل السنة أن لا تكفير إلاّ بشرط قيام الحجّة عليه لا بمجرد فعله الظاهر، والمعتبر في بلوغ الحجة إمكان العلم وعدم إمكان الجهل إذ لا تكليف إلاّ بمعلوم ولأنّ الأصل في المكلّف عدم العلم حتّى تثبت أنّ الحجة قد بلغته يقينا لا احتمال فيها، ولا تكون إلاّ بالعلم بحال المعيّن على الخصوص وتبين أمره ومدى قيام الحجة عليه، لذلك لا يمكن الاعتبار بمجرّد النظر إلى الحجّة ظهورها من غير التبين من حال المعين، وقد جرى عمل الصحابة في عدم المؤاخذة والعقاب مع تحقق الجهل من المعيّن(3).
أمّا إذا قامت الحجة عليه تامّة فإنّ من أصرّ على فعله بعد التعريف والبيان يكفر، فهذا مستحلّ لذنبه كما بينه ابن تيمية في مناهج السنة(4).
والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما
الجزائر في: 15 ربيع الأول 1418هـ
الموافق لـ: 20 جويلية 1997م.
---
1- سيأتي تخريجه.
2- أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (403)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3- راجع كلام ابن حزم في المحلى: (11/184).
4- منهاج السنة:(5/130).
(12/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013241
...
الفتوى رقم: 210
الصنف: فتاوى منهجية
في حكم جماعة التبليغ ودعوتها
السؤال: ما حكم جماعة الدعوة والتبليغ في البلدان الإسلامية والبلدان الكافرة؟ وجزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فجماعة التبليغ أسست على رؤيا رآها شيخهم محمد إلياس، وزعم أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كلّفه بهذه المهمّة في المنام، وهذه الجماعة تقوم على الأصول الستة، مبنية على كلمة السر وهي: أنّ كلّ شيء يسبب النفرة أو الفرقة أو الاختلاف بين اثنين -ولو كان حقا- فهو مبتور ومقطوع، وملغى من منهج الجماعة.
وهذه الجماعة مباينة للحق، صوفية المنهج والمشرب، لها العديد من الأخطاء، للمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب "القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ" للشيخ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله- وكتاب "الجماعات الإسلامية" تأليف : سليم الهلالي وزياد الربيج .
والله أسأل أن يبصرنا بالحق ويهدينا سبيل الرشاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في:14ربيع الأول1426 هـ
الموافق لـ: 23 أفريل 2005 م
(13/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013242
...
الفتوى رقم: 260
الصنف: فتاوى منهجية
في حكم الفرق الضالة من أهل القبلة
السؤال: هل الفرق الضالة كلها تخلد في النار أم أنّها تعذب ثمّ تدخل الجنّة؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالفرق الضالة إمّا أن يكون ضلالها لا يخرجها من حظيرة الإسلام وتكون من عموم أمّة الهداية، فهؤلاء إن ماتوا على فسقهم فيردون النار ولا يخلدون فيها فيخرجون بشفاعة الشافعين، أو من يخرجه ربّ العالمين، ممّن تكون في قلبه ذرّة من إيمان كما وردت به الأحاديث الصحيحة، ولقوله صلى الله عليه وسلّم: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة"(1). ففرق أهل القبلة الخارجة عن أهل السنة متوعدون بالهلاك والنار، وحكمهم حكم عامة أهل الوعيد إلاّ من كان منهم كافرا في الباطن.
أمّا إذا كان ضلالها أخرجها بعد قيام الحجّة عليها من دائرة الإسلام والارتداد عنه فهؤلاء تُجرى عليها أحكام أهل الكفر وحكمهم حكم المرتدين، ولا يدخلون تحت المشيئة لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)[النساء:48]، وغيرها من الآيات التي نزلت تتوعد الكفار بالخلود في النار.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في:8 جمادى الثانية1426هـ
الموافق لـ: 14 جويلية 2005م
---
1- أخرجه أبو داود في السنة(4599)، وأحمد(17400)، من حديث معاوية رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2641)، وفي السلسلة الصحيحة(204).
(14/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013243
...
الفتوى رقم: 258
الصنف: فتاوى منهجية
في التعامل مع إمام مبتدع
السؤال: في مسجد حينا إمام مبتدع، كيف نتعامل معه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب: أمّا التعامل مع أهل البدعة فيختلف المقام باختلاف حال الضعف وحال القوة، وبين المستتر ببدعته والمظهر لها الداعي إليها، أمّا في حالة الضعف وظهور أهل البدعة فالواجب أن يداريهم ويصبر عليهم، ولا يبدي لهم مواقف قد تشجعهم على الاستبداد وقهر أهل السنة وإبعادهم من المسجد وتطويق نشاطهم، مع القيام بالواجب اتجاه أهل البدع ببيان حالهم والتحذير منهم وإظهار السنة وتعريف المسلمين بها، أمّا إذا كان أهل السنة لهم الشوكة والقوة فينبغي قمع البدع بما يوجبه الشرع من ضوابط بالغلظة والشدة والهجر-إن اقتضى المقام ذلك- حتى يعودوا إلى السداد وهو مقتضى أوامر الشرع ونواهيه، ولمّا كان السالكون لطريقها مؤيدون، فمقتضى تعاليم السيرة النبوية تدفعنا إلى أن نسلك معهم سبيل المداراة من غير مداهنة، مع القيام بواجب البيان والتحذير.
أمّا المستتر ببدعته فنكل سريرته إلى الله تعالى كذا كان يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه المنافقين في زمانه وزمن الصحابة الكرام.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
(15/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013244
...
الفتوى رقم: 257
الصنف: فتاوى منهجية
في كتاب "شرح السنة" للبربهاري ومن يطعن فيه
السؤال: ما هو قولكم في كتاب شرح السنة للبربهاري؟، وما قولكم فيمن يطعن فيه؟،
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالبربهاري هو أبو محمد الحسن بن علي بن خلف شيخ الحنابلة بالعراق في عصره، كان محدثا، حافظا، فقيها، توفي سنة:329ه(1) من مصنفاته "شرح السنة" الذي يقرر فيه منهج أهل السنة والجماعة في النواحي الاعتقادية سواء تعلقت بذات الله وأسمائه وصفاته وبمسائل الإيمان، ولا شك أنّ من يطعن في منهج أهل السنة والجماعة وعقيدتهم ويتحامل عليهم إلاّ إذا كان مطبوعا بعقيدة أهل الأهواء والبدع، لأنّ: "من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"، ولا يصدر هذا إلاّ من جاهل أو معاند حاقد لذلك ينبغي إظهار السنة وتعريف المسلمين بها وقمع البدعة بما يوجبه الشرع من ضوابط وعدم الاشتغال بسفاسف الأمور وأهلها لدنو منزلتهم، وعلى المسلم أن يسعى إلى إدراك المطالب العالية التي تمكنه من العزة الدينية، وتجنب أسباب المذلة المخزية ?ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ? [المنافقون:8].
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
---
1- انظر ترجمته في: شذرات الذهب لابن العماد:(2/319)، ومعجم المؤلفين لكحالة:(3/253).
(16/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013246
...
الفتوى رقم: 263
الصنف: فتاوى منهجية
تعريف موجز بالإباضية ومعتقداتهم
السؤال: نرجو من فضيلتكم توضيح الرؤى حول المذهب الإباضي السائد عندنا في مدينة غرداية.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالإباضية من فرق الخوارج وليسوا من غلاتهم كالأزارقة، ولكنّهم يتّفقون مع الخوارج في أصول عديدة منها: تعطيل الصّفات، والقول بخلق القرآن، وتجويز الخروج على أئمة الجور وغيرها، وتنسب الإباضية إلى مؤسِّسها عبد الله بن إباض التميمي الذي يعتبر نفسه امتدادا للمحكمة الأولى من الخوارج، وكانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية حتّى وصلوا إلى مكّة والمدينة النّبوية، وانتشر مذهبهم في الشّمال الإفريقي بين البربر، وكانت لهم دولة عرفت بالدولة الرستمية وعاصمتها " تاهرت" وحكموا الشّمال الإفريقي قرابة مائة وثلاثين سنة حتّى أزالهم الفاطميون (العبيديون) ولا يزال تواجدهم في وقتنا في كلّ من عُمان وليبيا وتونس والجزائر وبالخصوص في مدينة غرداية وما جاورها وفي واحات الصحراء الغربية وفي زنجبار بتنزانيا .
ومن معتقدات الإباضية بغضّ النّظر عمّا تقدّم:
- إنكارهم لرؤية الله في الآخرة.
- صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنّها هي عين ذاته.
- يؤولون بعض مسائل الآخرة تأويلاً مجازيا كالميزان والصراط وغيرها.
- يعتقدون أنّ أفعال الإنسان خلق من الله، واكتساب من الإنسان، وهم بذلك يقفون موقفا وسطا بين القدرية والجبرية.
- ومرتكب الكبيرة -عندهم- كافر كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملّة، ومع ذلك يقولون بأنّ العاصي مخلّد في النّار ومنه إنكارهم الشفاعة لعصاة الموحدين، وعليه فالناس في نظر الإباضيين على ثلاثة أصناف: مؤمنون أوفياء بإيمانهم، ومشركون واضحون في شركهم، وصنف أعلنوا كلمة التوحيد وأقرّوا بالإسلام لكن لم يلتزموا به سلوكا وعبادة، فهم مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد، وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك، لذلك لا يجوز -عندهم- أن يدعو شخص لآخر بخير الجنة وما يتعلّق بها إلاّ إذا كان مسلما موفيا لدينه مستحقا الولاية بسبب طاعته، أمّا الدّعاء بخير الدنيا فهو جائز لكلّ المسلمين تقاة وعصاة.
هذا، ويتّفق محدثوا الإباضية مع القدامى في أنّ دار مخالفيهم من أهل الإسلام هي دار توحيد إلاّ معسكر السّلطان فإنّه دار بغي، كما أنّهم يعتقدون أنّ أهل القبلة من مخالفيهم كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال وغنيمة أموالهم حلال وما سواه حرام. ومن فروعهم في الصلاة:
- عدم رفع اليدين في تكبيرة الإحرام - والسّدل في الصلاة - وعدم تحريك السبابة في التّشهّد - والسّر في جميع صلواتهم حتّى الجهرية - وسجود لكلّ صلاة ولو لم يسه، وغيرها من مسائل الفروع، وأصل هذه المعتقدات تأثرهم بالمعتزلة في قولهم بخلق القرآن واعتمادهم على القرآن ومسند الربيع بن حبيب وعلى الرّأي والإجماع، ووقوفهم عند بعض النصوص الدينية موقفا حرفيا ويفسّرون نصوص الكتاب والسنة تفسيرا ظاهريا، واستنادهم في كتاباتهم الفقهية إلى آراء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة دون تحامل، ومن أشهر مراجعهم كتاب: " النيل وشفاء العليل " الذي شرحه محمد بن يوسف إطفيش المتوفى سنة (1332ه) جمع فيه المذهب الإباضي وعقائده.
ولا يخفى أنّ الإباضية قد خالفوا عقيدة جماعة الإسلام الذين اجتمعوا على الحقّ ولم يتفرّقوا في الدين فهي أصول الإسلام الذي هو عقيدة بلا فِرَق ولا طرق، وخالفوا منهج أهل السنة والجماعة في قواعدهم وأصولهم في مجال التّلقي والاستدلال، وفي الاتباع وترك الابتداع، والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف في الدين، والتّوسّط بين فرق الغلوّ والتّفريط، والاقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول المقتدى بهم في العلم والعمل والدعوة من الصحابة ومن سار على نهجهم ومجانبة من خالف سبيلهم قال تعالى: ?وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً? [النساء : 115]
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وسلّم تسليما.
الجزائر في: 29 جمادى الثانية 1426هـ
الموافق لـ: 4 أوت 2005م .
(17/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013247
...
الفتوى رقم: 272
الصنف: فتاوى منهجية
في صفة المبتدع
السؤال: متى يوصف الرجل بالمبتدع؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنّ البدعة لا تسري في العادات لأنّها تتبع العرف والعادة وإن كانت تسمى بدعة لغوية فليست بدعة في الدين فهي التي ورد فيها النكير والتحذير وهي التعبد لله بما لم يشرعه ولم يكن عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون لقوله تعالى: ?أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ?[الشورى: 21]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ "(1).
ولا يجوز تبديع كل واحد أو الإسراف في إطلاق لفظة " البدعة" على من خالف بعض المخالفات، فمن ارتكب محرما، أو وقع في معصية يسمى عاصيا وليس كل عاص أو مخطئ مبتدعا، وإنّما كان السلف يصفون بالبدعة من فعل فعلا يتقرب به إلى الله من غير بصيرة وحجة تسند فعله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ "(2) وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"(3) وعليه فإنّ من أحدث شيئا في الدين لا دليل شرعي عليه فهو صاحب بدعة، والواجب اتجاهه إقامة الحجة عليه وإزالة ما تعلق به من شبهات ونصحه حتى يرجع عمّا هو عليه، فإن أبى الرجوع أو لم يقبل النصيحة أصلا فهو مبتدع، فإن كانت بدعته مكفرة فيجادَلُ بالتي هي أحسن من غير قدح فيما هو عليه من اعتقاد لقوله تعالى: ?وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ? [الأنعام: 108] فإن وجد منه الظلم والعناد والاستكبار فالواجب بيان باطله من غير أن يجادله ثمّ وجب هجره. أمّا إذا كانت بدعته مفسقة فإنّ الأصل في المسلم يحرم هجره وإن كان فاسقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ"(4) ما لم يكن في هجره مصلحة ملتمسة تأديبا له للرجوع عن فسقه كمستحضر دواء لداء بدعته، أمّا إذا زاد في معصيته بالهجر والعتو فيها وخاصة إذا كانت شوكة أهل البدع قوية فانحاز إليهم ولا يرجى عودته إلى الحق فإنّه لا يترتب على هجره مصلحة وإنّما المصلحة في ترك هجره.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 21 رجب 1426هـ
الموافق لـ : 26 أوت 2005م
---
1- أخرجه الترمذي (2891)، وابن ماجه في المقدمة(44)، وأحمد (17606)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (936).
2- أخرجه البخاري في الصلح(2697)، ومسلم في الأقضية(4589)، وأبو داود في السنة(4608)، وابن ماجه في المقدمة(14)، وأحمد(26786)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه مسلم في الأقضية (4590)، وأحمد (25870)، والدارقطني في سننه (4593)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- أخرجه البخاري في الأدب (6077)، ومسلم في البر والصلة والآداب (6679)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
(18/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013248
...
الفتوى رقم: 387
الصنف: فتاوى منهجية
في حكم من يصف الدولة المطبقة لشريعة الإسلام بأنها كهنوتية
السؤال: ما هو الحكم الشرعي فيمن يصف الدولة التي تطبق الشريعة الربانية بأنها دولة كهنوتية ويقول: لا حاجة لنا لدولة كهنوتية على الإطلاق ونحن نعرف كيف نستقي من الشريعة ما يلزم أن نستقيه، ونعرف كذلك ما نستقيه من القوانين الوضعية؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أما بعد:
فهذه العبارة تتضمن كفرًا من حيث وصف أهل الإسلام وتشبيههم في تطبيق الشريعة بما هم عليه رجال الدين عند النصارى في تنظيمهم الكهنوتي الذي استعارته الكنيسة في عهودها الأولى من الرومان حيث كان يرأسها أكبرهم سنًّا على أمل عودة المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء يقدسون رهبانهم ورجال كنيستهم ويجعلون لهم السلطة المطلقة في الدين ومنح صكوك الغفران وقد بيَّن الله تعالى كفرهم وانحرافهم عن سواء السبيل بقوله تعالى: ?اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ? [التوبة: 31]، كما ينتقض إيمان من يقبل بعض الشريعة دون البعض الآخر، لأنَّه إعراض عن الدين وعدم قبوله كما شرعه الله تعالى، قال تعالى:? وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ? [الأحقاف: 3].
هذا، ومن تكلم بهذه العبارة الكفرية إمَّا أن يكون معتقدًا ذلك بقلبه فلا ريب في كفره، أمَّا إن لم يكن معتقدًا بقلبه ولم يكره على قولها وإنَّما فعله عن اختيار طمعًا في الدنيا وملذاتها فإنَّه يكفر كفرًا مخرجًا عن الملَّة لظاهر قوله سبحانه وتعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ?[النحل: 107]فسماهم كافرين لتقديمهم الدنيا على الدين، وإمَّا أن تكون هذه العبارة صدرت منه على وجه المزاح واللعب استهزاءا بالدين ففاعله كافر أيضا لقوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [التوبة: 65-66]، أمَّا إن قالها على وجه الإكراه من غير اختيار وقلبه مطمئن بالإيمان فهذا دفعًا للإكراه رخّص له ذلك لقوله تعالى: ?إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ? [النحل: 106]فما عدا هذه الحالة الأخيرة فإنَّ صاحبها يكفر إذا تحققت فيه شروط تكفير المعين كأن يقصد المعين بكلامه المعنى المكفِّر، وقيام الحجة عليه، و انتفت في حقه موانع تكفير المعين كالخطإ والجهل والعجز والإكراه، وعلى القائل التوبة إلى الله تعالى والرجوع إليه والندم على ما صدر منه رجاء أن يعفو الله عنه وعن زلاته إنه عفوُّ غفور.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائرفي: 12 رمضان 1426ه
الموافق ل: 15 أكتوبر2005م
(19/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013249
...
الفتوى رقم: 320
الصنف: فتاوى منهجية
في حكم عموم الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات
السؤال: شيخنا الفاضل إنّي أستاذ في قطاع التربية وفي الأيام المقبلة سيدخل عماله في إضراب من أجل مطالب موضوعية، فما حكم الشرع في الإضراب؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالإضرابات بمختلف أنواعها من أساليب النظم الديمقراطية التي يمارس فيها الشعب مظاهر سيادته المطلقة، وتعد الإضرابات في عرف الديمقراطيين على الأوضاع القيمة ظاهرة صحة، يصحح بها الوضع السياسي أو الاجتماعي أو المهني من السيئ إلى الحسن، أو من الحسن إلى الأحسن، أما المنظور الشرعي للنظم الديمقراطية بمختلف أساليبها فهي معدودة من أحد صور الشرك في التشريع، حيث تقوم هذه النظم بإلغاء سيادة الخالق سبحانه وحقه في التشريع المطلق لتجعله من حقوق المخلوقين، وهذا المنهج سارت عليه العلمانية الحديثة في فصل الدين عن الدولة والحياة، والتي نقلت مصدرية الأحكام والتشريعات إلى الأمة بلا سلطان عليها ولا رقابة والله المستعان.
وهذا بخلاف سلطة الأمة في الإسلام فإن السيادة فيها للشرع، وليس للأمة أن تشرع شيئًا من الدين لم يأذن به الله تعالى، قال سبحانه: ?أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ? [الشورى: 21].
وعليه، فإن الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات وسائر أساليب الديمقراطية هي من عادات الكفار وطرق تعاملهم مع حكوماتهم، وليست من الدين الإسلامي في شيء، وليس من أعمال أهل الإيمان المطالبة بالحقوق ولو كانت مشروعة بسلوك طريق ترك العمل ونشر الفوضى وتأييدها وإثارة الفتن والطعن في أعراض غير المشاركين فيها وغيرها مما ترفضه النصوص الشرعية ويأباه خلق المسلم تربيةً ومنهجًا وسلوكًا، وإنما يتوصل إلى الحقوق المطلوبة بالطرق المشروعة، وذلك بمراجعة المسؤولين وولاة الأمر، فإن تحققت المطالب فذلك من فضل الله سبحانه، وإن كانت الأخرى وجب الصبر والاحتساب والمطالبة من جديد حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين، فقد صحَّ من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ما يؤيد ذلك، حتى يقول فيه: «دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»(1) وزاد أحمد: «وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ»(2) أي: "وإن اعتقدت أنّ لك في الأمر حقًّا، فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة"(3) وفي رواية ابن حبان وأحمد: «وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ»(4)، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال؟: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ»(5).
وأخيرًا، نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما .
الجزائر في: 16 ذي الحجة 1426ه
الموافق لـ: 16 جانفي 2006م
---
1- أخرجه البخاري في الفتن 7056، ومسلم في الإمارة 4877، وأحمد 23347، والبيهقي 16994، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
2- أخرجه أحمد برقم (23405). وصححه الألباني في "ظلال الجنة": (1028)، وروى هذه الزيادة البيهقي في سننه كتاب القسم والنشور من حديث أم أيمن رضي الله عنها (15174)
3- فتح الباري لابن حجر: (13/10).
4- أخرجه ابن حبان (4645)، كتاب السير باب طاعة الأئمة، وابن أبي عاصم في السنة (857)، وصححه الألباني في تخريج السنة (1026). أمّا رواية أحمد (24140) فهي بلفظ: "وإن نهك ظهرك وأخذ مالك" من حديث حذيفة رضي الله عنه.
5- أخرجه البخاري في الفتن (7052)، والترمذي في الفتن (2349)، وأحمد (3713)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(20/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013250
...
الفتوى رقم: 32
الصنف: فتاوى منهجية
في حكم الأناشيد الإسلامية والدعوة بها
السؤال: ما حكم الأناشيد الإسلامية؟ وهل يجوز اتخاذها وسيلة للدعوة؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فتجدر الملاحظة -أولا- إلى أنَّ تقييد الأناشيد المتضمنة للأشعار والأرجاز بكونها "إسلامية" أو "دينية" غير معروف عند خير الناس من القرون المفضلة، ولا من بعدهم، وإنما كانوا يفرقون بين الحسن والقبيح من الشعر والرجز، أو بين المحمود والمذموم، أو بين ما يكره وما يجوز.
أمّا الأناشيد إن كانت عبارة عن أشعار أو أرجاز تُرنَّم لإظهار السرور بها أو قطع المسافات في الأسفار، أو ترويح النفس، وكانت مشتملة على مواعظ وأمثال وحِكَم، وخالية من المعازف وآلات الطرب، باستثناء الدف في العيد والعرس، وكانت سالمة من الفحش والخناء، الذي يثير الشهوة ويدفع إلى الفاحشة، أو يصف محاسن المرأة والخمرة والتشجيع على شربها، أو تضمن الشعر شركًا بالله أو كذبًا على الله ورسوله وأصحابه، فلا مانع منه إن خلا من ذلك ولا محذور فيه، لكن الإكثار منه غير ممدوح بل مرغوب عنه، إذ ليس كل مباح يباح على الإطلاق، وخاصة إذا كان يصرف سامعها عن قراءة القرآن أو عن طلب العلم النافع، أو الدعوة إلى الله تعالى، وقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الشعر والرجز والحُداء، وبوَّب البخاري:" باب ما يجوز من الشعر والرَّجز والحُداء وما يكره منه"(?) وكان البراء بن مالك رضي الله عنه يحدو بالرجال، وكان أنجشة يحدو بالنساء، وكان حسن الصوت، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالقَوَارِيرِ"(2) والحُداء في الغالب إنما يكون بالرجز وقد يكون بغيره من الشعر وهو ضرب من الغناء، وشبيهه غناء الركبان وغناء النصب، وقد نقل ابن عبد البر جواز هذه الأوجه جميعًا بلا خلاف، إن سلم الشعر من الفحش والخناء.
أمّا الأناشيد المسماة إسلامية تقام على وجه ينشد الشعر بالألحان والتنغيم استجلابًا للتطريب في حلق الذكر وغيرها وقد يصاحبه بعض المعازف وآلات الطرب كالدف والطبل والقضبان وغيرها فهذا أشبه بالتغبير الذي ذمّهُ الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة المتقدمين، فقد صحَّ عن الشافعي أنه قال:" خلَّفت بالعراق شيئا يسمى التغبير وضعته الزنادقة، يشغلون به الناس عن القرآن" وصحَّ عن أحمد أنه قال عنه: "بدعة محدثة".
ويكفي أنَّ المذاهب الأربعة اتفقوا على تحريم آلات الطرب تحريمًا كليًّا إلاَّ ما استثناه الدليل وهو الدف في النكاح والعيد، وقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تذم آلة الطرب وتمنعها(3)، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ، صَوْتُ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَصَوْتُ وَيْلٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ"(4)، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمعَازِفَ"(5) وغيرها من الأدلة الشرعية.
هذا، وأما اتخاذ اللهو والغناء وسيلة للدعوة إلى الله فلا يخفى على عاقل عدم مشروعيته، لأنَّ ممارسة العمل الدعوي ومباشرته دون معرفة حكمه، والاستناد إلى دليله الشرعي تَحَكُّم، واتّباع للهوى، وهو مردود على صاحبه، إذ لا يجوز الخروج عن الحكم الشرعي في المناهج والمقاصد والوسائل لقوله تعالى:" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ "[الجاثية: 18]
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:" مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"(6)، فوسائل الدعوة إلى الله ينبغي موافقتها للنصوص الشرعية العامة أو الخاصة، أو قواعد الشرع الكلية، وإذا كان وسيلة الغناء تابعة لمقاصد طائفية أو تخدم أغراضا حزبية أو جهوية، فتمنع بحكم تبعيتها، لأنَّ طرق المناهي والمكروهات تابعة لها،والنهي عن الشيء نهي عمّا لا يتم اجتنابه إلاَّ به، وإذا كانت وسيلة الغناء تمثل شعارًا خاصًّا لجماعة معينة ذات منحى عقائدي تدعو إليه أو طائفي أو حزبي تسير على هديه فإنَّ الوسيلة تمنع لتعلّق وصف منهي بها، فلذلك سيَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة النفخ في البوق للدعوة إلى الصلاة لكونه شعار اليهود، وتخلى عن الضرب بالناقوس لكونه شعار النصارى، وترك إيقاد النار لكونه شعار المجوس.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
الجزائر في: 01 صفر 1427ه
الموافق لـ: 01 مارس 2006م
---
1- صحيح البخاري: (10/627)، في الأدب باب رقم:90.
2- أخرجه أحمد (14020)، والبيهقي (21563)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3205).
3- للشيخ الألباني رسالة نشرت في الرد على ابن حزم ومن تبعه في إباحته لآلات الطرب تحقيقا وتفنيدًا.
4- أخرجه البزار (1/377/395)، وصححه ابن القيم في "مسألة السماع" (318)، وحسنه الألباني في االسلسلة الصحيحة (427).
5- أخرجه البخاري تعليقا (5590)، ووصله ابن حبان (6719)، والطبراني (1/167/1)، والبيهقي (6317)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه. انظر السلسلة الصحيحة للألباني (1/186).
6- أخرجه مسلم في الأقضية (4590)، وأحمد (25870)، والدارقطني في سننه (4593)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(21/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013251
...
الفتوى رقم: 416
الصنف: فتاوى منهجية
في رفع شكوى جماعية لأولي الأمر لإزالة المنكر
السؤال: كيف يتصرف المسلم الغيور على دينه مع أناس يسبون الله ودينه في الطرقات، وهل يجوز الإمضاء على شكوى جماعية يطالب فيها المشتكون السلطات المعنية بالتصدي للتجاوزات التي تحصل من طرف بعض المنحرفين؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فقد أجمعت الأمة على وجوب إنكار المنكر لما فيه من صلاح العباد والبلاد قال تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ?[آل عمران: 110]، وقال تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [التوبة: 71]، لكل بحسب قدرته على تغيير المنكر بالقول أو الفعل، أو بيده ولسانه أو بقلبه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"(1).
وإنكار المنكر بالقلب من الفروض العينية ويكون بكراهة المنكر وحصول الأثر في القلب بسبب ذلك ولا يسقط الإنكار بالقلب عن أحد في كل الأحوال قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وَقَالَ مَرَّةً «أَنْكَرَهَا»-كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا"(2).
أمَّا التغيير باليد واللسان فهو على الكفاية مالم يتغير المنكر إلاَّ بواحد من الجماعة لقدرته على التغيير فتعين عليه وجوبًا مع القدرة، والتغيير باليد يكون من السلطان ونوابه في الولايات العامة، ويجوز استعمال التدرج الإداري والأمني لرفع المنكرات وقمع أهل المعاصي والفجور وتخليص الناس من أضرارهم برفع شكوى جماعية أو منفردة للمصالح المعينة وبالطرق الإدارية المعلومة من غير أن يأخذ هذا المسلك طابع تأليب الناس على ولاة أمورهم، والتشهير بعيوبهم بسببها والتشنيع عليهم، لأنَّ هذا المسار يؤدي بطريق أو بآخر إلى إثارة الرعاع، وإشعال الفتنة، ويوجب الفرقة بين الإخوة، وهذه النتائج غير مرضية شرعا والغاية فيها لا تبرر الوسيلة.
هذا، والتغيير باليد واجب أيضا لمن يتمتع بقدرة على التغيير في الولايات الخاصة كصاحب البيت مع من هم تحت سقفه وولايته، أو من له عليهم سلطة أدبية كالمعلم والمدرس مع تلامذته، ونحوهم وإلاَّ انتقل إلى الإنكار باللسان.
والتغيير ينبغي أن يكون بأسلوب اللين والمجاملة والمداراة والحكمة والموعظة الحسنة كما نصت على ذلك الآيات والأحاديث الشرعية، وهذا إذا كان حال المأمور أو المنهي أنفع له وأبلغ في الزجر، فالناس محتاجون إلى مداراة ورفق والأمر بالمعروف بلا غلظة إلاَّ رجلاً معلناً بالفسق فلا حرمة له كما قال الإمام أحمد، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ? [التوبة: 73] وقال تعالى: ?وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ? [العنكبوت: 46].
هذا، ولا يجب على الواحد مصابرة أكثر من اثنين إلاَّ إذا قدر على ذلك، ولا يسقط عنه واجب الإنكار بالسب والشتم والكلام السيء إذا قوي على رده مع وجوب تحمل الأذى، والصبر لله ربِّ العالمين، قال تعالى: ?يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ?[لقمان: 17].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 9 ربيع الثاني 1427هـ
الموافق لـ: 6 مايو 2006م
---
1- أخرجه مسلم في الإيمان (186)، وأبو داود في الصلاة (1142)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5025)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1334)، وأحمد(11371)، والبيهقي (11847)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
2- أخرجه أبو داود كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، عن العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع (702) وصحيح أبي داود (4345)
(22/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013253
...
الفتوى رقم: 443
الصنف: فتاوى منهجية
نصيحة لمبتدئ في الالتزام
السؤال: مبتدئ في الالتزام بالشرع ومحتاج إلى توجيه يمكنه أن ينتهج به في الحياة، فأرجو من شيخنا النصيحة. وشكرا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فكن ممن يقتفي آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتطبيقها على نفسكِ، وابتغ سبيل السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم في جميع أبواب الدين واتَّبع سبيلهم في التوحيد العلمي والطلبي وفي حقوق التوحيد ومكملاته من أمر ونهي وإلزام وترك، واترك سبل الجدال والمراء والخوض فيما يجلب الآثام ويصد عن تعاليم الشرع ويوقع في محاذيره، قال تعالى: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ? [الأنعام: 153]، وقال -أيضا-: ?وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً? [النساء: 115].
والتزم خشية الله بسلوك طريق العلم النافع، وداوم مراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن، فإنَّ من أخلص القصد لله واستعان عليه أثمر علمه ثمرة خاصة به وهي علامة نفعه متجلية في خشية الله تعالى، فإنَّ رأس الحكمة، وأصل العلم مخافة الله تعالى قال عز وجل: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ? [فاطر: 28]، ولتكن عمارة الظاهر والباطن مليئة بخشية الله، فإنَّ من خشيته المسارعة إلى فعل الخيرات والمسابقة لها، قال تعالى: ?فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ? [البقرة: 148]، وقال عز وجل : ?وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ? [آل عمران: 133] قال سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ *? [المؤمنون: 57-61].
ومن أعظم الخيرات المحافظة على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر، متحملا ذل التعلم لعزة العلم، ذليلا للحق بثبات وتثبت في التلقي والطلب مع لزوم المحجة ودوام السكينة والوقار، وحسن السمت والهدي الصالح، فإنَّ من " ثبت نبت".
والتزم الرفق والصبر، فإنَّ الرِّفق ما كان في شيء إلاَّ زانه، والرفق في القول مما تألف به النفوس العاصية، إذ الكلمة الطيبة تثمر في النفوس الزكية، والكلمة الجافية منفرة، أمَّا الصبر فهو طريق الظفر بالمطلوب، إذ النصر مع الصبر وهو السلاح الفعال لقهر العدو الظاهر والخفي، فإن استطاع قهر نفسه وشيطانه وهواه، بأن يحبس نفسه على مرضاة الله وطاعته أشرق صدره بالحق واستنار قلبه به مصداقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم: "والصّبْرُ ضِيَاءٌ"(1).
وختاما، كن على الحق، وقم بواجباتك في فعل الطاعات وترك المنهيات، و لا تُصْغِ لمثبطي العزائم فقد يجعلون من الحبة قبة، ويصيِّرون التمرة جمرة، ويقلبون الشحمة فحمة، ولا لمن يخيفك بعواقب الأمور من ضعفاء الإيمان واليقين، لأنَّ ما قُدِّرَ لك لابد أن يصيبك: ?قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا? [التوبة: 51]، وفي الحديث: "وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(2).
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 6 ربيع الأول 1419هـ
الموافق ل: 20 جوان 1998م
---
1- أخرجه مسلم في الطهارة (556)، والترمذي في الدعوات (3859)، والنسائي في الزكاة (2449)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (293)، وأحمد (23605)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
2- أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2706)، وأحمد (2857)، والحاكم (6304)، والطبراني في الكبير (11560)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (7957).(23/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013262
...
الفتوى رقم: 3
الصنف: فتاوى الطهارة
إتمام الطهارة بالتيمم
السؤال: مريض إذا أصاب الماء قدمه تضرر هل يتيمم ؟ أم يتوضأ ويسقط العضو؟ أم يجمع بين التيمم والوضوء مع إسقاط العضو؟
إذا كان مرضه هذا مزمنا هل يعتبر فاقدا للعضو فيؤمر بالوضوء مع إسقاط العضو؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا خاف باستعمال الماء على منفعة عضو حدوث مرض أو زيادته أو تأخر برئه إما بالعادة أو بإخبار طبيب خبير، فالواجب ترك غسل ما لا يقدر على غسله و يعدل إلى التيمم، لأن كل ما عجز عنه المكلف سقط عنه بنص الآية ?لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا?[البقرة:286] ، والحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(1) فالنص يدل على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة وقد استدل بهذا النص -من جهة أخرى- على أنّ ما دخل تحت الاستطاعة ففرضه العمل، وعليه فلا يكون مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبا للعفو عن جميعه » لأن الميسور لا يسقط بالمعسور»، و»معظم الشيء يقوم مقام كله»، و »الأقل يتبع الأكثر» في كثير من الأحكام خصوصا فيما يحتاط فيه، و من منطلق هذه القواعد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجنب إذا أصيب بجراحة على رأسه و أكثر أعضائه سليم، فإنه يدع الرأس و يغسل سائر الجسد ويمسح موضع الجراحة عملا بحديث جابر بن عبد الله في الرجل الذي شج فاغتسل فمات فقال صلى الله عليه وسلم : " إنما كان يكفيه أن يتيمم، و يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده "(2). وبما ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه توضأ وكفٌّه معصوبة، فمسح على العصائب وغسل سوى ذلك(3)، ومدَعّماً جواز المسح على الجبيرة بالقياس على المسح على العمامة والخفين تقوية للنص بالقياس(4).
وفي تقديري أن هذا الرأي معتبر لو صح الشطر الثاني منه عند قوله : "و يعصب على جرحه" و هي - عند أهل الاختصاص - زيادة ضعيفة لا تصلح للاحتجاج وإن ورد في المسح عليها أحاديث أخرى لا يصح تقوية الحكم بها لشدة ضعفها، و لم يثبت فيه سوى الشطر الأول منه(5).
وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما فهو فعل صحابي لا حجة فيه، توجب العمل به لمخالفة غيره من الصحابة له فيه، كابن عباس وعمرو بن العاص، رضي الله عنهما، فالواجب عند اختلاف الصحابة فيما بينهم، التخير من أقوالهم بحسب الدليل، قال ابن تيمية : » وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء »(6).
أما الاستدلال بالقياس على المسح على العمامة والخفين كأصل في إثبات العبادات فإنه على رأي من لا يجيز القول به في العبادات ظاهر في عدم الاحتجاج به، وأما من يحتج بالقياس في العبادات ويثبته في كل ما جاز إثباته بالنص، إذ القياس الصحيح دائر مع أوامر الشريعة ونواهيها وجودا وعدماَ، إذ ليس في الشريعة ما يخالف القياس(7). فإن إجراء القياس في هذه المسألة متعذر من عدة جوانب:
الأول: أن القياس فرع تعقُلِ المعنى المعلل به الحكم في الأصل، فيتعذر البناء لعدم تعقل معنى الأصل.
الثاني: أن الأصل المقيس عليه رخصة أي منحة من الله فلا تتعدى فيها موردها إلى غير محلها والقياس مبني على تعدية العلة.
وثالثها: أنه لو سلم هذا القياس بأنه صحيح إلا أنه معارض بتعين الجمع بين الوضوء والتيمم توفيقاَ بين الروايتين جميعا ولا يخفى أن القياس فاسد الاعتبار إذا عارضه نص صحيح أو إجماع موثوق -كما سيأتي-.
هذا، و لا يعطى ما لا يقدر على غسله حكم المعدوم وفق قاعدة التقديرات لأنه يحتاج إليها إذا دلّ دليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو مانعه، و إذا لم تدع الضرورة إليها لا يجوز التقدير حينئذ لأنه خلاف الأصل كذا قرره القرافي في فروقه(8)، ذلك لأن قاعدة إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود ليست من قواعد أصول الخلاف بل تذكر جمعا للنظائر الداخلة تحت هذا الأصل، و لا يخفى عدم ورود دليل يعطي بعض الأعضاء حكم المعدوم في الوضوء، بل في الحديث السابق ما يدل على العدول إلى التيمم عند تعذر استعمال الماء، فضلا عن أن الغاسل لبعض الأعضاء دون الأخرى لا يسمى في عرف الشرع متوضئاً، و لا يصدق عليه أنه أتى بما أمره الله تعالى من الوضوء، لذلك وجب المصير إلى البدل الذي جعله الشرع عوضا عن الوضوء عند تعذر استعمال بعض أعضاء الوضوء، وأن ما دخل تحت استطاعته من المأمور به وجب الإتيان به، أي وجوب استعمال الماء الذي يكفي لبعض الطهارة، ذلك لأنه ليس مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبا للعفو عن جميعه، عملا بقوله تعالى: ?فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ?]التغابن:16] وفي حديث أبي هريرة المتقدم "ما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" إذ فيهما دليل على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة، ووجوب استعمال ما يكفي بعض طهارته مع التيمم للباقي ، وقد وردت بعض ألفاظ روايات حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه"غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم فذكر نحوه ولم يذكر التيمم"، قال أبو داود »وروى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية ، قال فيه : " فتيمم "» قال الشوكاني »ورجح الحاكم إحدى الروايتين، وقال البيهقي يحتمل أن يكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي، وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني»(9)، وأيد النووي هذا الجمع بين الوضوء والتيمم وقال» وهو متعين »(10)، وجاء في المغني» إذا كان به قرح أو مرض مخوف أو أجنب فخشي على نفسه إن أصاب الماء ، غسل الصحيح من جسده وتيمم لما لم يصبه»(11). ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجريح إذا كان محدِثاً حدثاً أصغر يصح أن يتيمم بعد كمال الوضوء، ثم قال» بل هذا هو السنة»(12)، ومثل هذا الجمع ينعكس معنا ه على قاعدة:»الميسور لا يسقط بالمعسور».
هذا واستعمال التيمم لا يقدر بوقت معين، بل هو مشروع وإن طال العهد لحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعاً "إن الصعيد الطيب طهور وإن لم يجد الماء عشر سنين"(13).
والله أعلم و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و على آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان و سلم تسليما.
الجزائر في : 09 شوال 1417 هـ.
الموافق لـ : 16 فيفري 1997 م.
---
1- متفق عليه.أخرجه البخاري (13/251) ومسلم(9/100) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2- أخرجه أبو داود(1/239) وابن ماجة(1/189) والحاكم(1/178) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه
3- سنن البيهقي(1/328)
4- سبل السلام للصنعاني(1/204)
5- انظر تمام المنة للألباني(131) وتخريج شرح السنة للأرناؤوط(2/121).
6- مجموع الفتاوى لابن تيمية(20/14).
7- المصدر السابق(19/289) إعلام الموقعين لابن القيم(2/71).
8- الفروق(2/199-203).
9- نيل الاوطار للشوكاني(1/387).
10- الفتح لابن حجر(1/454).
11- المغني لابن قدامة(1/261).
12- الاختيارات الفقهية لابن تيمية للبعلي(ص21)
13- أخرجه أبو داود(1/235-237) والترمذي(1/212) والنسائي(1/171) وأحمد(5/146) من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه والحديث صححه الترمذي والألباني في الإرواء(1/181).
(24/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013263
...
الفتوى رقم: 33
الصنف: فتاوى الطهارة
الجمع بين حديث الماء طهور وحديث القلتين
السؤال: وجود تعارض بين حديث أبي سعيد "الماء طهور لا ينجسه شيء"(1) وحديث القلتين(2) فكيف يمكن الجمع بينهما ؟.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّه يظهر التعارض بين حديث القلتين وحديث أبي سعيد فيما إذا بلغ الماء مقدار القلتين فصاعداً بناء على مفهوم العدد، فإنّه لا تحُلّه النّجاسة ولا يؤثر الخبث على هذا المقدار، ولا يخرجه عن كونه مطهراً إلاّ إن تغيّر ريحه أو طعمه أو لونه فينجس بالإجماع على ما نقله ابن المنذر وابن الملقّن(3) فالإجماع إذن مخصِّص للحديثين فيما إذا تغيّر أحد أوصافه بالمشاهدة وضرورة الحسّ، قليلاً الماء كان أو كثيراً، والتخصيص بالإجماع لا يُعرف خلاف فيه(4).
أمّا إذا كان الماء دون القلتين فوقعت فيه نجاسة وغيّرت أحد أوصافه خرج عن الطهارة بالإجماع السابق، ومفهوم المخالفة ( دليل الخطاب)(5) من حديث القلّتين فالإجماع ومفهوم المخالفة _عند من يقول بحجيّته_ يخصّصان عموم حديث أبي سعيد " الماء طهور لا ينجسه شيء"(6) أمّا إذا لم يتغير الماء بملاقاة النجاسة فهاهنا يبدو التعارض بين الدليلين في نظر المجتهد لمَظِنَّة حمل الخبث، فإنّ حديث القلّتين يدلّ على عدم طهورية الماء بملاقاة النجاسة، عملاً بما يقتضيه دليل الخطاب، مؤيّدا بخبر الاستيقاظ والولوغ وغيرهما، في حين أنّ حديث أبي سعيد يدلّ بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرد ملاقاتها، ومنشأ الخلاف يرجع إلى مسالة أصولية متمثلة في جواز التخصيص بمفهوم المخالفة للعموم الوارد(7)، فمن أجاز تخصيص العموم بدليل الخطاب عمل به و عضده ببقيّة الأدلة الحديثية المتمثلة في حديث الاستيقاظ(8) وحديث الماء الدائم(9) وحديث ولوغ الكلب والأمر بإراقة الإناء إذا ولغ الكلب فيه(10)، فإنّ هذه الأحاديث تقضي بأنّ قليل النجاسة بنجّس قليل الماء وهي قرائن تقوّي المفهوم السابق.
ومن منع تخصيص العموم بمفهوم المخالفة عمل بحديث أبي سعيد وقوّاه بحديث الأمر بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي في المسجد(11).
وفي تقديري أنّ ما يجب قبل النظر في التخصيص بالمفهوم، النظر في إمكانية الجمع أولاً، ثمّ في حجيّة المفهوم ثانيا؛ أمّا الجمع بين مفهوم حديث القلتين وبين سائر الأحاديث ممكن إذا ما حملنا الخبث المخرج عن الطهورية هو وذلك الموجب لتغيّر أحد أوصاف الماء أوكلّها، فلا يحمل ما كان دون القلّتين على الخبث إذا لم يتغيّر، إذ أنّ هذا الحمل لا يستلزم النجاسة، ولا يخرجه عن صفة كونه مطهّراُ، إلاّ ذلك المقدار الذي وقعت فيه النجاسة قد يحملها دون بقية الماء، أمّا إذا استلزم تغيّر أحد أوصافه أو كلّها فهذا الخبث مخرِج عن الطَهورية، وموجب للنجاسة عملا بالإجماع السالف الذكر، ومن هنا يتحقق التوافق بحمله على الخبث الخاص.
وعلى فرض تعذر الجمع، وجب النظر في حجّية المفهوم، وما عليه جمهور الأصوليين القول بحجية مفاهيم المخالفة ما عدا مفهوم اللقب(12) خلافا لمن أنكره كأبي حنيفة والظاهرية، وبهذا قال أبو بكر القفّال وأبو العباس ابن سُريج والقاضيان أبو حامد المروزي والباقلاّني وأبو الوليد الباجي وغيرهم، وهو اختيار الآمدي(13).
ولا يخفى أنّ إنكار حجّية المفهوم يستوجب عدم جواز تخصيص اللّفظ العام به، فإن سبب الخلاف في ترجيح أحدهما على الآخر يرجع لاعتبار كون المفهوم دليلا خاصّا والخاص يرجّح على العام أو يقدّم العموم عليه، لعدم حجّية المفهوم، أو ضعفها أمام قوة دلالة العموم، وعندي أنّ العموم أقوى، ذلك لأن دلالة العام قطعية على أصل المعنى، مع الاختلاف على دلالته على أفراده، بينما حجّية مفهوم المخالفة محل خلاف بين أهل العلم، فتقديم المتفق عليه أولى من المختلف فيه، وما كان دلالته قطعية أولى مما كانت دلالته ظنية، ولأن اللفظ إذا وضع للعموم فهو على مرتبة واحدة يجب اعتقاده والعمل بمقتضاه، بخلاف مفهوم المخالفة، فإن الظنون المستفادة منه متفاوتة قوة وضعفا، بتفاوت مراتبه، فضلا عن أنّ العموم منطوق مقدّم على المفهوم حال التعارض، فهو أقوى منه دلالة، وعليه فإن المفهوم لا يقوى على معارضة العموم من حيث الحجّية ولا من حيث الترجيح.
ومن جهة أخرى فإنّ من شرط العمل بمفهوم المخالفة –عند القائلين به- أن لا يقع ذكره جوابا لسؤال، فالتخصيص بالذكر في هذه الحالة لا يدل على اختصاصه بالحكم دون المسكوت عنه(14)، غير أنّ الذي يُعكّر عليه عدم ذكر المقدار في السؤال في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وعلى من احتج بالتفريق بين قليل الماء وكثيره فلا يقال بأنّ خبر الاستيقاظ والنهي عن البول في الماء الدائم وخبر الولوغ أدلة تقوِّي مذهب التفريق، لأنّها -بغض النظر عن وقوعها في معارضة عموم حديث أبي سعيد وحديث بول الأعرابي- فلا تدل على المطلوب، وليست واردة لبيان حكم نجاسة الماء بل إنّ علتها لم تدرك فورود الأمر باجتنابها ثبت تعبُّدا لا لأجل النجاسة، وإن سلّمنا بالنجاسة فغاية ما يدل النهي في هذه الأحاديث على الكراهة، ولا تخرج عن كونها مطهِّرة، تقييدا بما تقدم لأن التعبُّد إنّما هو بالظنون الواقعة على الوجه المطابق للشرع، قال ابن رشد: "وأحسن طريقة في الجمع بين الأحاديث، هو أن يحمل حديث أبي هريرة وما في معناه على الكراهة، وحديث أبي سعيد وأنس [أي حديث بئر بُضاعة] على الجواز، لأنّ هذا التأويل يُبقي مفهوم الأحاديث على ظاهرها"(15) والعمل بعموم حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهو مروي عن جمع من الصحابة.
فالحاصل أنّ الماء يبقى طاهرا ومطهِّرا، ولا يخرجه عن الوصفين إلا ما غيّر ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات، وهو أظهر الأقوال وأرجحها.
والله اعلم، وآخر دعوانا أن الحمد الله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
---
1- أخرجه الشافعي (1/20) وأحمد (3/15، 86) وأبو داود(1/55) كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة، والترمذي (1/95رقم96) أبواب الطهارة باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، والنسائي(1/174) كتاب المياه باب ذكر بئر بضاعة، والبيهقي (1/4، 5)، والبغوي (1/60) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو صحيح بطرقه وشواهده، انظر التلخيص الحبير لابن حجر (1/13، 14)، والمجموع للنووي(1/82)، وإرواء الغليل للألباني (1/45) رقم (14).
2- أخرجه الشافعي في مسنده 7، والدارمي في سننه (1/187)، وأبو داود(1/51) كتاب الطهارة باب ما يُنَجِس الماء(رقم:63)، وابن ماجه كتاب الطهارة باب مقدار الماء الذي لا ينجس، والترمذي(1/97) أبواب الطهارة باب ما جاء أنّ الماء لا ينجسه شيء، والنسائي(1/175) كتاب المياه باب التوقيت في الماء، وابن خزيمة في صحيحه (1/49)، والدارقطني في سننه (1/14) والطحاوي في شرح معاني الآثار(1/15)، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه قال :"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال صلى الله عليه وسلم : "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث".
3- نقل النووي في المجموع (1/110) والحافظ عنه في التلخيص (1/15) إتفاق المحدثين على تضعيف الزيادة "إلا ما غلب على ريحه أو لونه أو طعمه "، ولكن وقع الإجماع على مدلولها، انظر: الإجماع لابن المنذر: (19) ، البدر المنير لابن الملقّن: (1/59)، نصب الراية للزيلعي: (1/94)، التلخيص الحبير لابن حجر(1/14 - 16)، قال في البدر المنير(1/59): "فتلخّص أنّ الاستثناء المذكور ضعيف فتعيّن الاحتجاج بالإجماع كما قال الشافعي والبيهقي وغيرهما".
4- إرشاد الفحول للشوكاني: (160) شرح الكوكب المنير للفتوحي: (3/369)، مذكّرة الشنقيطي.
5- قال الفُتوحي:"وإنّما سُمِّيّ بذلك لأنّ دلالته من جنس دلالات الخطاب، أو لأنّ الخطاب دالّ عليه، أو لمخالفته منظوم الخطاب" (شرح الكوكب المنير: 3/489).
6- نيل الأوطار(1/57)، السيل الجرّار للشوكاني (1/55).
7- يجوز تخصيص اللفظ العامّ بالمفهوم مطلقا سواء كان مفهوم موافقة أو مخالفة، عند الجمهور القائلين بالعموم و المفهوم، خلافا للأحناف والظاهرية، قال ابن دقيق العيد:"قد رأيت في بعض مصنّفات المتأخّرين ما يقتضي تقديم العموم". انظر هذه المسألة في: العُدّة لأبي يعلى (1/578)، البرهان للجويني (1/449)، المستصفى للغزالي (2/105)، المحصول للرازي(1/3/13)، روضة الناظر لابن قدامة (2/167)، الإحكام للآمدي (2/153)، شرح تنقيح الفصول للقرافي (215)، شرح الكوكب المنير للفتوحي (3/366)، فواتح الرحموت للأنصاري (1/353)، إرشاد الفحول للشوكاني (160).
قلت ينبغي إخراج تخصيص العموم بمفهوم الموافقة عن محلّ النزاع، لأنّ دلالته قطعية، بخلاف مفهوم المخالفة.
8- أخرجه مالك في الموطّإ (1/43-44)، والشافعي في مسنده (10)، وابن أبي شيبة في مصنّفه (1/98)، والبخاري (1/263)، ومسلم (3/178)، وأبو داود (1/78)، وابن ماجة (1/139)، والترمذي (1/36)، والنسائي (1/7)، والدارقطني (1/49)، والبغوي في شرح السنة (1/406) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا:"إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يداه".
9- أخرجه البخاري: (1/346) بلفظ "لا يُبال في الماء الدائم الذي لا يجري ثمّ يُغسَل فيه"، ومسلم(3/187) ولفظه "ثمّ يُغسل منه"، والترمذي (1/100) ولفظه "ثمّ يُتوضَّأ منه" من حديث أبي هريرة.
10- متّفق عليه: أخرجه مالك في الموطّإ (1/55)، والشافعي في مسنده (7-8) وفي الأم (1/6)، وأحمد في مسنده (2/245، 460)، والحميدي في مسنده (2/428)، والبخاري (1/274)، ومسلم (3/182)، وابن ماجه (1/130)، والنسائي (1/52)، وابن خزيمة في صحيحه (1/51)، والبيهقي في سننه الكبرى (1/240) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة –رضي الله عنه- وهذا الحديث له طرق عديدة كلّها صحيحة (انظر: التلخيص الحبير لابن حجر(1/23، 39)، إرواء الغليل للألباني (1/60)، طريق الرشد لعبد اللطيف (22)).
11- أخرجه الشافعي(1/23)، وأحمد (2/239)، والبخاري(1/322، 323)، ومسلم (3/190)، وأبو داود (1/264)، والترمذي (1/275) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
12- مفهوم اللقب هو "تعليق الحكم بالاسم" ، وحجّيته منتفية عند الجمهور، ولهذا قال الغزالي: "وقد أقرّ ببطلانه كلّ محصّل من القائلين بالمفهوم"، خلافا لمن أجازه، وهو قول بعض الشافعية والحنابلة، كما نُسب القول إلى ابن خويز منداد وابن القصّار من المالكية.(انظر: العدّة لأبي يعلى (2/475)، شرح اللمع للشيرازي (1/441)، المستصفى للغزالي(2/204)، روضة الناظر لابن قدامة (2/224)، الإحكام للآمدي (2/231)، شرح تنقيح الفصول للقرافي (271) ، تقريب الوصول لابن جزي (89)، فواتح الرحموت للأنصاري (1/432)، مفتاح الوصول للتلمساني (566)، إرشاد الفحول للشوكاني (182)).
13- انظر: شرح اللمع للشيرازي (1/428)، الإحكام لابن حزم (7/2)، إحكام الفصول للباجي (514)، البرهان للجويني(1/449)، المستصفى للغزالي(2/204)، روضة الناظر لابن قدامة (2/203)، الإحكام للآمدي (2/214)، مفتاح الوصول للتلمساني (556)، فواتح الرحموت للأنصاري(1/414)، إرشاد الفحول للشوكاني (179).
14- انظر: منتهى السول لابن الحاجب (149)، بيان المختصر للأصفهاني(2/446)، القواعد والفوائد للبعلي (292)، نهاية السول للإسنوي (1/430)، الإبهاج للسبكي وابنه (1/371)، جمع الجوامع لابن السبكي (1/246)، شرح العضد(2/174)، مفتاح الوصول للتلمساني (557)، شرح الكوكب المنير للفتوحي (3/392)، فواتح الرحموت للأنصاري (1/414)، إرشاد الفحول للشوكاني (180)، نشر البنود للعلوي (1/98)، مذكّرة الشنقيطي (241).
15- بداية المجتهد لابن رشد (1/26).
(25/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013266
...
الفتوى رقم: 34
الصنف: فتاوى الطهارة
السن الذي ينقطع فيه دم الحيض وما يترتب عليه من أحكام
السؤال: والدتي تبلغ من العمر 53 سنة ولحد الآن لا يزال يأتيها الدم (دم الحيض) بانتظام وفيما مضى كانت إذا أتاها الدم انقطعت عن الصيام والصلاة حتى تطهر، ولكن في شعبان من السنة الماضية قرأت فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، إجابة عن سؤال طرح له ونص الفتوى موجود لديكم إن شاء الله(1)، وعندما أخبرت والدتي بالفتوى أصبحت تصوم وتصلي وعليها الدم، وقد أخبرتها أنّنا ولله الحمد لم نتبع في ذلك الهوى لكن كان اعتمادا على فتوى لعالم ثقة، علما أنّ الطبيبة أخبرتها مؤخرا أنّ هذا الذي يأتيها هو دم حيض ما دام أنها حين حاضت أول مرة كان سنّها 16 سنة والطبيبة تقول: إنّ انقطاع الحيض عنها سيكون عند بلوغها سن 54 إلى 56 سنة ووالدتي الآن تسأل هل تصلي وتصوم وهي في تلك الحال أم لا؟ وهل تقضي الأيام التي كانت صامتها في رمضان الماضي وعليها الدم ؟.
أفيدونا يرحمكم الله؛ والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وبارك الله فيكم وجزاكم عنّا خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الذي أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- هو رواية عن أحمد نقلها الخرقي عنه، وبها قال إسحاق بن راهويه، وروي هذا عن عائشة موقوفا عليها، وفي هذه المسألة أقوال أخرى مختلفة في تحديد سنّ اليأس، وغالبها يبني المسألة على العرف وعادة النساء بالتتبع والاستقراء، وفي تقديري أنّ أقوى الأقوال من يرى أنّه لا وقت لانقطاع الحيض وبه قال ابن حزم وابن تيمية رحمهما الله وغيرهما، ذلك لأنّ دم الحيض معروف في تكوينه، كثيف كأنّه محترق، له رائحة كريهة وهو أسود محتدم، وقد يتغير إلى الحمرة والصفرة والكدرة، وقد يكون مخاطا وله وقت تعتاده النساء، وهو دم لا يتجلط: أي لا يتجمد في الأوعية الدموية، بخلاف دم الفساد أو الاستحاضة فهو أحمر قاني ليس له رائحة ويتجلط ويأتي مستمرا أو في غير الوقت الذي تعتاده النساء.
وعليه فالمرأة المسنة التي رأت الدم بمثل هذه الأوصاف المذكورة فهو حيض مانع لها من الصلاة والصوم والطواف والوطء، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش:"إذا كان دم الحيض فإنّه أسودُ يُعْرَف"(2) وأمر صلى الله عليه وسلم أن من رأته أن تترك الصلاة، والصيام في الحديث المتفق عليه:"أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم"(3) وفي شأن الحيض يقول عليه الصلاة والسلام :"هذا شيء كتبه الله على بنات آدم"(4) ولم يفصل في مقام الاحتمال بين الشابة والمسنة من بنات آدم، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، كما أنّه لم يرد نص ولا إجماع بأنّه ليس حيضا، فيستصحب الحكم ويبقى ما كان على ما كان.
هذا والمستفتي تابع للمفتي في اجتهاده وفتواه، ولا يترتب على العمل بالفتوى عتاب وقضاء ولا كفارة ولا عقاب، بل هو مأجور للامتثال للأمر الوارد في قوله تعالى : ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ?[النحل:43] وقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنّما شفاء العي السؤال"(5)، اللّهم إلاّ إذا ظهر في المسألة المستفتى فيها خطأ قطعا لكون المفتي خالف نصا لا معارض له أو إجماع أمة، فعلى المفتي أن يخبر المستفتي إن كان قد عمل بالفتوى الأولى، وعليهما أن يعدلا عن العمل بها، وإذا كانت الفتوى الأخرى المعتمدة توجب أحكاما ترتبت هذه الأحكام عليهما.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 5 رجب 1421هـ
الموافق 5 أكتوبر2000 م
---
1- نص فتوى سماحة الوالد، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صلاة المستحاضة:
س- امرأة تبلغ من العمر اثنتين وخمسين سنة يسيل معها دم ثلاثة أيام بقوة والباقي خفيف في الشهر، هل تعتبر ذلك دم حيض وهي فوق خمسين سنة مع العلم بأنّ الدم يأتيها بعد شهر في بعض الأحيان أو شهرين أو ثلاثة؟ فهل تصلي الفريضة والدم يسيل معها؟ كذلك هل تصلي النوافل كالرواتب وصلاة الليل؟
ج- مثل هذه المرأة عليها أن تعتبر هذا الدم الذي حصل لها دما فاسدا لكبر سنها واضطرابه عليها. وقد علم من الواقع وممّا جاء عن عائشة –رضي الله عنها- أنّ المرأة إذا بلغت خمسين عاما انقطع عنها الحيض والحمل أو اضطرب عليها الدم، واضطرابه دليل على أنّه ليس هو دم الحيض، فلها أن تصلي وتصوم، وتعتبر هذا الدم بمثابة دم الاستحاضة لا يمنعها من صلاة ولا صوم، ولا يمنع زوجها من وطئها في أصح قولي العلماء، وعليها أن تتوضأ لكلّ صلاة، وتتحفظ منه بقطن ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة:"توضئي لكل صلاة"رواه البخاري في صحيحه . الشيخ ابن باز
2- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة(286)، والنسائي كتاب الطهارة باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة(217)، من حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها. وصححه الألباني في الإرواء(1/223) رقم(204).
3- متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه البخاري كتاب الحيض باب ترك الحائض الصوم(304)، ومسلم كتاب الإيمان (252).
4- أخرجه البخاري كتاب الحيض باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت(305)، ومسلم كتاب الحج (2976)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
5- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب في المجروح يتيمم(336) من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في تمام المنة (ص131)، وفي صحيح سنن أبي داود(336).
(26/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013268
...
الفتوى رقم: 35
الصنف: فتاوى الطهارة
دخول الحائض المسجد
السؤال: يرجى من الشيخ أبي عبد المعز أن يبين لنا على وجه التحقيق مسألة دخول الحائض المسجد مطلقا أو للحاجة مع التفصيل. وشكرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فلم يرد دليل ثابت وصريح في حق الحائض ما يمنعها من دخول المسجد، والأصل عدم المنع، وقد وردت جملة من المؤيدات لهذا الأصل مقررة للبراءة الأصلية منها: ما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري وغيره:" أنّ وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش"(1) ولا يخفى عدم انفكاك الحيض عن النساء إلا نادرا، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنّه أمرها باعتزال المسجد وقت حيضتها والأصل عدمه، ولا يصح أن يعترض عليه بأنّه واقعة عين وحادثة حال لا عموم لها، لأنّ الذي يضعف صورة تخصيصها بذلك كون القصة مؤكدة للبراءة الأصلية، يؤيدها عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إنّ المسلم لا ينجس»(2) ويقوي هذا الحكم مبيت أهل الاعتكاف في المسجد مع ما قد يصيب المعتكف النائم من احتلام، والمعتكفة من حيض، وهي أحوال غير خفيّة الوقوع في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم ومنتشرة انتشارا يبعد معه عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو المؤيَّد بالوحي.
ويشهد للأصل السابق قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها في حجة الوداع لمّا حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»(3)، ولم يمنعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدخول إلى المسجد والمكث فيه، وإنّما نهاها عن الطواف بالبيت، لأنّ الطواف بالبيت صلاة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إنّ أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة أنّه توضأ ثمّ طاف بالبيت"(4) فهذا يدل على وجوب الطواف على طهارة، بناء على أنّ كلّ أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج محمولة على الوجوب في الأصل. ومعلوم للعاقل أنّ الفعل لا يمكن أن يؤمر به وينهى عنه من وجه واحد لاستحالة اجتماع الضدين، وهو تكليف بما لا يطاق، وإنّما يجوز أن يكون الفعل مأمورا به من وجه ومنهيا عنه من وجه آخر لإمكان اجتماع مصلحة ومفسدة في الفعل الواحد، وبالنظر لوجود الوصف المانع من الطواف نَهَى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لاشتماله على مفسدة، وأمرها بما يفعله الحاج لاشتماله على تحصيل مصلحة، ولا يخفى أنّ جنس فعل المأمور به والمثوبة عليه أعظم من جنس ومثوبة ترك المنهي عنه، وأنّ جنس ترك المأمور به والعقوبة عليه أعظم من جنس العقوبة على فعل المنهي عنه(5)، وإذا تقرر ذلك فإنّ أمره صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها-وهي حائض- أن تفعل ما يفعله الحاج إنّما هو من جنس المأمور به وهو أعظم من جنس ترك المنهي عنه، فلو كان أمره صلى الله عليه وآله وسلم مقتضيا لعدم جواز دخول الحائض المسجد لكان عدولا عن جنس المأمور به إلى المنهي عنه، وهو دونه في الرتبة، فيحتاج -حالتئذ- إلى بيان في الحال وتأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول(6).
ويشهد-أيضا- للأصل المتقدم، إنزاله صلى الله عليه وآله وسلم وفد ثقيف في المسجد قبل إسلامهم، ومكث فيه الوفد أياما عديدة وهو صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى الإسلام، كما استقبل في مسجده نصارى نجران حينما جاءوه لسماع الحق ومعرفة الإسلام، هذا وغيره وإن كان يدلّ على جواز إنزال المشرك في المسجد والمكث فيه لمن كان يرجى إسلامه وهدايته مع ما كانوا فيه من رجس معنوي كما قال تعالى:(إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) [التوبة:28] ولا يبعد أن تتعلق بهم جنابة من غير اغتسال أو نجاسة حسية من بول أو غائط لعدم الاحتراز، فإنّ المسلم والمسلمة أطهر حالا وأعلى مكانا وأولى بدخول المسجد والمكث فيه ولو اقترن بهم وصف الجنابة أو الحيض أو النفاس لكون المسلم طاهرا على كلّ حال لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إنّ المسلم لا ينجس»(7)، ولا يصح أن يُعترض بأنّ حكم المنع خاص بالمسلمين دون المشركين فلا يلحق بهم إلحاقا قياسيا، ذلك لأنّ المعتقد قائم في أنّ الكفار مخاطبون إجماعا بالإيمان -الذي هو الأصل- ومطالبون بالفروع مع تحصيل شرط الإيمان للأوامر الشرعية الموجبة للعمل المتصفة بالعموم لسائر الناس كقوله تعالى: ?ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا?[آل عمران:97] وغيرها والكافر معاقب أخرويا على ترك أصل الإيمان أولا، وما يترتّب عليه من فروع الشريعة ثانيا، لِما أخبر به تعالى عن سائر المشركين في معرض التصديق لهم، تحذيرا من فعلهم: ?ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين و لم نك نطعم المسكين و كنا نخوض مع الخائضين و كنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين?(8) [المدثر:42/47].
هذا، وغاية ما يتمسك به المانعون من دخول الحائض المسجد:
أولا: إلحاقها بالجنب إلحاقا قياسيا إذ الجنب-وهو المقيس عليه- ورد النهي عن قربانه المسجد إلاّ إذا اتخذه طريقا للمرور وذلك في قوله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا?[النساء:43]، ويكون حمل الآية على الإضمار تقديره: "لا تقربوا مواضع الصلاة"، أو كناية عن المساجد حيث أقيمت مقام المصلى أو المسجد، وهذا التفسير -وإن نقل عن بعض السلف كابن مسعود وسعيد بن جبير وعكرمة والزهري وغيرهم- إلاّ أنّه معارض بتفسير آخر يحمل الصلاة على نفسها ويكون معنى الآية: "ولا تقربوا الصلاة جنبا إلا أن تكونوا مسافرين ولم تجدوا ماء فتيمموا" وهذا التفسير منقول عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم ومجاهد والحسن بن مسلم وغيرهم، وبه قال أحمد والمزني.
والتفسير الأول الذي حمل الصلاة على مواضعها أو حمله كنايةً عن المساجد مخالف للأصل، إذ الأصل في اللفظ أن يكون مستقلا ومكتفيا بذاته، لا يتوقف معناه على تقدير، خلافا للإضمار، وإذا دار اللفظ بين الاستقلال والإضمار، فإنّه يحمل على الاستقلال لقلة اضطرابه، والتفسير الثاني مستغنٍ في دلالته عن الإضمار بخلاف الأول فمفتقر إليه، ومعلوم أنّ الألفاظ المقدرة إنما يُصار إليها عند الحاجة وانعدام وجود لفظ مناسب لمعنى اللفظ ضرورة لتصحيح الكلام، وقد استقام المعنى بالتفسير الثاني فلا يُعدل عنه إلى غيره، وقد يُعترض أنّ تأوُّل الآية على أنّ «عابري سبيل» هم المسافرون، ولم يكن في إعادة ذكره في قوله تعالى:(وإن كنتم مرضى أو على سفر) معنى مفهوم، إذ لا فائدة في تكراره وانتفاؤها عبث يجب تنزيه الشارع عنه، ولو أفاد تكراره التأكيد لكان خلاف الأصل، إذ الأصل التأسيس وهو أولى من التأكيد، ذلك لأنّ الأصل في وضع الكلام إنّما هو إفهام السامع ما ليس عنده.
فجوابه أنّ التأسيس مبني على صرف كلمة "الصلاة" عن معناها الحقيقي إلى المعنى المجازي وهو خلاف الأصل، إذ المقرّر في الأصول أنّ النص إذا دار بين الحقيقة الشرعية والمجاز الشرعي، فحمل اللفظ الشرعي على حقيقته أولى من حمله على المجاز، فضلا عن ذلك فإنّه يلزم على القول بأنّ في القرآن مجازا، أن القرآن يجوز نفيه لإجماع القائلين بالمجاز على أنّ كلّ مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقا في نفس الأمر ولا ريب أنّه لا يجوز نفي شيء من القرآن(9)، وبناء على ما تقدم فحمل اللفظ المبني على حقيقته الشرعية المكتفي بذاته على وجه الاستقلال، -وإن أفاد التأكيد- أولى من حمله على المجاز المفتقر في دلالته على الإضمار -وإن أفاد التأسيس- لأصالة الحقيقة الشرعية وهي مقدّمة على الحقيقة العرفية واللغوية فمن باب أولى مع المجاز الشرعي.
ولو حملنا تفسير الآية على تقدير الإضمار فإنّ الحكم يقتصر على الجنب ولا تُلحق به الحائض إلاّ بنوع قياس يظهر قادح الفرق بينهما جليا من ناحية أنّ الجنب غير معذور بجنابته وبيده أن يتطهر، والآية تحثه على الإسراع في التطهر، بخلاف الحائض فمعذورة بحيضتها، فلا تملك أمرها ولا يسعها التطهر من حيضتها إلاّ بعد انقطاع الدم، فحيضتها ليست بيدها، وإنّما هي شيء كتبه الله على بنات آدم، وهذا الفرق الظاهر بين المقيس والمقيس عليه يقدح في القياس فيفسده. وتبقى الآية محصورة في الجنب دون الحائض جمعا بين الأدلة.
ومع ذلك فحمل لفظ "الصلاة" على الحقيقة الشرعية والاستقلال أولى بالتفسير لما يشهد لذلك عموم حديث «المسلم لا ينجس» وما تقدم من أدلة شاهدة على الجواز كمبيت الوليدة السوداء وأهل الاعتكاف وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت:«افعلي ما يفعله الحاج إلا أن تطوفي بالبيت» وفضلا عن ذلك لو سُلّم القياس على الجنب فقد ثبت أنّ أصحاب الصّفّة كانوا يبيتون في المسجد لا مأوى لهم سواه(10) ويؤيد ما ذكرنا ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه بإسناد حسن عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال:"رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا وضوء الصلاة"(11).
ثانيا: وأمّا الاستدلال بحديث جسرة بنت دجاجة قالت: "سمعت عائشة رضي الله عنها تقول:"جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد» ثمّ دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب»(12) فلو صح الحديث لكانت دلالته صريحة على تحريم دخول المسجد للحائض والجنب، ولكنّه ضعيف لا يصلح للاحتجاج به لمجيئه عن طريق جسرة، وحاصل القول فيها أنّ الحجة لا تقوم بحديثها إلاّ بشواهد، و لهذا قال الحافظ في التقريب: "إنها مقبولة"(13) أي مقبولة إذا توبعت وإلا فليّنَة، وفي هذا الحديث لم تتابع، والحديث ضعفه جماعة منهم: الإمام أحمد والبخاري والبيهقي وابن حزم وعبد الحق الإشبيلي وغيرهم.
ثالثا: أمّا حديث أمّ عطية قالت: "أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين"(14) الذي استدل به على منع الحائض من المصلى فتكون ممنوعة من المسجد من باب أولى، ومن جهة أخرى فلو حمل اللفظ على "الصلاة" لأفاد التأكيد الذي يقصد به تقوية لفظ سابق، وهو على خلاف الأصل، لأنّ الأصل في وضع الكلام إنّما هو التأسيس، لذلك كان حمله على "المصلّى" أولى من حمله على "الصلاة" فالصواب أنّه لا دلالة فيه على هدا المعنى، لأنّ المراد بالمصلى في الحديث إنّما هي الصلاة ذاتها بدليل رواية مسلم وغيره وفيه: "فأمّا الحيض فيعتزلن الصلاة". ويقوي هذا المعنى رواية الدارمي: "فأمّا الحيض فإنّهنّ يعتزلن الصف"(15)، فحمله على الصلاة نفسها ليس فيه خلاف بينما إذا ما حملت على لفظ "المصلى" فمختلف فيه، وقد تقرر أنّ المتفق عليه أرجح من المختلف فيه. ومن زاوية أخرى فحمله على التأكيد-وإن كان خلاف الأصل- إلاّ أنّه أولى بالتقديم لوجود قرائن تدلّ عليه، منها: أنّ لفظ الاعتزال الذي هو التنحي والبعد عن الشيء يتعدى بحرف"عن" الدّال على المجاوزة، وهو يدلّ بدلالة الالتزام على ابتداء الغاية، إذ كلّ مجاوزة فلا بدّ لها من ابتداء غاية، فيكون المصلى هو مبدأ الاعتزال وهو الغاية المأمور بها، فدلّ على أنّ الحائض حلّت به ابتداء، علما أنّ المصلى غير محدود بحدّ حتى يمكن أن تخرج منه، ولو سُلّم أنّه محدود حدّا عرفيا لما وسعها أن تَرِده من جديد عند سماع خطبة العيد ودعوة المصلين الذي هو علة خروجها إلى المصلى، فدلّ ذلك على أنّ المراد بالمصلى الصلاة ذاتها.
وعلى تقدير حمل الحديث على اللفظين معا، للزوم أحدهما الآخر باعتزال الحائض المصلى والصلاة بحيث لا يكون أحد اللفظين نافيا للآخر فلا دلالة فيه-أيضا- على منع الحائض من دخول المسجد، ذلك لأنّ صلاة العيد التي كان يؤديها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه إنّما كانت بالفضاء ولم ينتقل عنه بسند مقبول على أنّه أداها في المسجد، وقد جعلت الأرض كلّها مسجدا، والحائض والجنب يباح لهما جميع الأرض بلا خلاف، وهي مسجد فلا يجوز أن يُخَصّ بالمنع من بعض المساجد دون بعض(16).
-أمّا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "ناوليني الخمرة من المسجد" قالت: فقلت: إنّي حائض فقال: « إنّ حيضتك ليست في يدك»(17) وفي رواية مسلم: "تناوليها فإن الحيضة ليست في اليد"(18) وقد اختلف في فقه الحديث وهل الخمرة كانت داخل المسجد أو خارجه؟
فمن أجاز لها دخول المسجد بظاهر لفظ الحديث السابق الذي يفيد أن الخمرة كانت بداخل المسجد، فقد حمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك» على قيام عذرها بحيضتها ولا دخل لها ولا إرادة لها فيها، ويعضد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم لها: «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم» وعليه فلا دلالة على منع الحائض من الدخول فيه، ومن منع منه الحائض استدل برواية النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد قال: «يا عائشة ناوليني الثوب" فقالت: إني لا أصلي، فقال: «ليس في يدك» فناولته(19). وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه: قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد فقال: "يا عائشة ناوليني الثوب" فقالت: إني حائض فقال: «إنّ حيضتك ليست في يدك»(20) فإنّ ظاهر الروايتين يفيد أنّ الخمرة كانت خارج المسجد وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن لها في إدخال يدها فقط دون سائر جسدها ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى.
والحديث تنازعه الفريقان والظاهر أنّه غير صريح في المنع ولا في الإباحة، وينبغي العدول عنه إلى غيره من الأدلة، وإذا لزم الترجيح بينهما لكان حمل قوله: «إن حيضتك ليست في يدك» على معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم» وتفسيره به أولى، لأنّ ما يعضده دليل مقدّم على ما لم يعضده دليل آخر، ومن جهة أخرى فإنّ الاستدلال بالحديث على تخصيص إدخال اليد في المسجد دون سائر الجسد تأباه الصناعة الأصولية وقد تقرر في القواعد أنّ "تحريم الشيء مطلقا يقتضي تحريم كل جزء منه"(21)، لذلك كانت الأدلة المقررة للبراءة الأصلية مثيرة لغلبة الظن وموجبه للعمل.
ومع ذلك فإن كان في ترك الحائض دخول المسجد ما تحقق به مصلحة راجحة من تأليف القلوب عن طريق ردم الخلاف فإنه: "يستحب الخروج من الخلاف"(22) وقد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغيير بناء البيت لما فيه جمع القلوب وتأليفها وصلّى ابن مسعود خلف عثمان رضي الله عنهما بعد إنكاره عليه لإتمام الصلاة في السفر دفعا للخلاف ونبذا للشقاق، أمّا إذا كانت الحاجة أو المصلحة داعية إلى دخول المسجد لطلب العلم الشرعي أو للاستفتاء مثلا كان مأخذ المخالف ضعيفا، وحالتئذ فليس الورع والحيطة الخروج من الخلاف، لأنّ شرطه أن لا يؤدي مراعاته إلى ترك واجب أو إهمال سنة ثابتة أو خرق إجماع، بل الورع في مخالفته لموافقة الشرع فإنّ ذلك أحفظ و أبرأ للدين والذمة.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في:22 محرم 1419هـ
---
1- أخرجه البخاري في الصلاة(439)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه مسلم في الحيض(851)، وأبو داود في الطهارة (230)، والنسائي في الطهارة(268)، وابن ماجه في الطهارة(535)، وأحمد(24169) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
3- أخرجه البخاري في الحيض(305)، ومسلم في الحج(2977)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- أخرجه البخاري في الحج(1641)، ومسلم في الحج(3060)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
5- انظر أفضلية جنس فعل المأمور به على جنس ترك المنهي عنه في "المجموع" لابن تيمية(20/85) وما بعدها، و"الفوائد" لابن القيم(157) وما بعدها.
6- نقل ابن قدامة عدم الخلاف على هذا الأصل، انظر:"روضة الناظر" لابن قدامة:(2/57)، "المسوّدة" لآل تيمية:(181). وأفاد الشيخ الشنقيطي أنّ من أجازه وافق عدم وقوعه("المذكرة":185، "أضواء البيان":1/98،97).
7- تقدم تخريجه.
8- انظر اختلاف العلماء في مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشريعة في"المعتمد" لأبي الحسين:(1/295)، "التبصرة" للشيرازي:(80)، "الإشارة" للباجي:(174)، "المحصول" للفخر الرازي:(1/145)، "الإحكام" للآمدي:(1/110)، "شرح تنقيح الفصول" للقرافي:(163)، "أصول السرخسي":(1/87)، "مجموع الفتاوى" لابن تيمية:(22/7-16)، "زاد المعاد" لابن القيم:(5/698-699)، "فواتح الرحموت" للأنصاري:(1/128)، "شرح الكوكب المنير" للفتوحي:(1/503)، "الأشباه والنظائر" للسيوطي:(253)، "إرشاد الفحول" للشوكاني:(10)، "مذكرة الشنقيطي":(33-34).
9- انظر"منع جواز المجاز" للشنقيطي:(4-5). وأهل السنة يختلفون في وقوع المجاز في القرآن، فمنهم من منع وقوعه مطلقا، ومنهم من أجازه فيما عدا آيات الصفات الواجب حملها على الحقيقة دون المجاز، والظاهر أنّ الخلاف لفظي على ما صرح به ابن قدامة-رحمه الله-.
(انظر المسألة في "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة:(103-109-132) "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي:(1/64)، "روضة الناظر" لابن قدامة:(1/182)، "مجموع الفتاوى" لابن تيمية:(5/200-201)(7/88-90-96-108)، "الصواعق المرسلة" لابن القيم:(2/632)، "شرح الكوكب المنير":(1/191))
10- انظر صحيح البخاري:(11/281)، في الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
11- تمام المنة للألباني ص:(118).
12- أخرجه أبو داود:(1/157-159)، والبيهقي:(2/442-443)، وابن خزيمة:(2/284)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وحديث جسرة بنت دجاجة ذكره الألباني في الإرواء(1/162)، وقال:(ضعيف، في سنده جسر بنت دجاجة، قال البخاري: عندها عجائب ، وقد ضعف الحديث جماعة منهم البيهقي وابن حزم وعبد الحق الإشبيلي، بل قال ابن حزم: "إنّه باطل"، وقد فصلت القول في ذلك في "ضعيف السنن" رقم:32)، وخرجه في الإرواء برقم:193، وضعفه وذكر علل من ضعفه، وذكر أنّه رد في ضعيف سنن أبي داود على من صححه كابن خزيمة وابن القطان والشوكاني، وضعفه أيضا في تمام المنة:ص(118) .
13- تقريب التهذيب لابن حجر:(2/593).
14- متفق عليه: البخاري في العيدين (974)، ومسلم في صلاة العيدين(2091)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
15- أخرجه الدارمي(1662)، من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية، ورجال سنده كلهم ثقات، أمّا عبد العزيز إن كان هو العمى فهو ثقة حافظ، وهشام بن حسان الأزدي فهو ثقة -أيضا-.
16- انظر المحلى لابن حزم(2/182).
17- أخرجه مسلم في الحيض(715)، وأبو داود في الطهارة(261)، والترمذي في الطهارة(134)، والنسائي في الطهارة(271)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وانظر الإرواء(1/212).
18- مسلم في الحيض(716).
19- النسائي في الطهارة(270).
20- مسلم في الحيض(717)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
21- مجموع الفتاوى لابن تيمية(21/85).
22- انظر هذه القاعدة في الأشباه والنظائر للسيوطي(136)، القواعد الفقهية للندوي(336).
(27/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013269
...
الفتوى رقم: 182
الصنف: فتاوى الطهارة
في معنى إطالة الغرة والتحجيل
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته في حديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم إن الأمة سيبعثون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وقال: "إنّه من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". فهل المقصود هنا أن يطيلها العبد في الزمن أم أن يزيد في غسل الأعضاء على المقدار الواجب شرعا (كما هو الأمر عند السيد سابق في كتابه فقه السنة) وهل تنصحوننا بالقراءة له (سيد سابق ) أفتونا مأجورين بارك الله فيكم وفي سعيكم . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالحديث يفيد استحباب زيادة غسل الوجه إلى مقدم الرأس ويسمى إطالة الغرة وغسل ما فوق المرفقين والكعبين ويسمى إطالة التحجيل على نحو ما ورد في مضمون سؤالكم، وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنّه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين، وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ"(1)، وعنه قال: "سمعت خليلي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"(2).
أمّا كتاب فقه السنة للسيد سابق فإن كان مصحوبا في قراءته ومدارسته بكتاب "تمام المنة" للشيخ الألباني-رحمه الله- فحسن لما فيه من تعليقات جيدة ومفيدة على فقه السنة، تخريجا، وتصحيحات، وفقها، وتصويبا.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:21صفر 1426هـ
الموافق لـ:31 مارس 2005م
---
1- أخرجه مسلم في الطهارة (602)، والبيهقي(365).
2- أخرجه مسلم في الطهارة(609)، وأحمد(9075)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(28/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013270
...
الفتوى رقم: 226
الصنف: فتاوى الطهارة
في حكم غسل الجمعة على من لا تجب عليه
السؤال: في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:"غسل الجمعة واجب على كلّ محتلم"(1) هل هذا الغسل هو من أجل صلاة الجمعة أو ليوم الجمعة؟ فإن كان للصلاة فهل هو واجب على النساء وأصحاب الأعذار؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فغسل الجمعة يتعلق بالصلاة والذهاب إلى المسجد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرب بدنة..."(2) الحديث، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"(3)، والحديثان يدخل فيهما كلّ من يصح التقرب منه ذكرا وأنثى حرا وعبدا(4)، والمرأة لها أن تغتسل مرة في الأسبوع والأفضل أن يكون يوم الجمعة لما رواه النسائي مقيدا بلفظ: "على كلّ رجل مسلم في كلّ سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة"(5)، وقد وردت صيغ أخرى مطلقة منها: حيث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لله تعالى على كلّ مسلم حق أن يغتسل في كلّ سبعة أيام يوما"(6)، والحديث شامل للمرأة والعبد والمسافر والمعذور وتقييده بالجمعة للأفضلية، لكن المرأة وأصحاب الأعذار إن أرادوا صلاة الجمعة فيتعلق الغسل بهم وجوبا لا بالحكم التكليفي وهو عدم وجوب الجمعة عليهم-كما تقدم-.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في: 1 جمادى الأولى 1426هـ
الموافق لـ: 8 جوان 2005 م
---
1- أخرجه البخاري في الجمعة(879)، ومسلم في الجمعة(1994)، وأبو داود في الطهارة(341)، والنسائي في الجمعة(1388)، وابن ماجه في إقامة الصلاة(1142)، ومالك (229)، وأحمد(11892)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
2- أخرجه البخاري في الجمعة(881)، باب فضل الجمعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3- أخرجه البخاري في الجمعة(894)، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4- فتح الباري لابن حجر(2/366)
5- أخرجه النسائي في الجمعة(1387)، من حديث جابر رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع(4034).
6- أخرجه البخاري في الجمعة(898)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(29/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013272
...
الفتوى رقم: 304
الصنف: فتاوى الطهارة
في صحة تعداد القيء والرعاف من نواقض الوضوء
السؤال: ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (إذا رعف الرجل أوذرعه القيء أو وجد مذيا فإنه ينصرف فيتوضأ ثم يرجع فيبني على ما مضى إن لم يتكلم)(1)، هل القيء والرعاف من نواقض الوضوء؟ وما هو الحكم المستنبط من قوله رضي الله عنه (فيبني على ما مضى)؟. وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالأصل استصحاب الوضوء حتى يثبت انتقاضه، والحديث الوارد في السؤال ضعيف لا يحتجّ به، أمّا حديث " أنّه قاء فتوضّأ"(2) فغاية ما يدلّ عليه مشروعية الوضوء واستحبابه لمن قاء، لأنّ الأصل في أفعال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم إذا لم تكن لبيان مجمل ووَرَدَتْ قربة فإنّها تحمل على النّدب والزيادة عليه تحتاج إلى دليل، وكذلك القول في الرّعاف أو خروج الدّم أو الحجامة ونحو ذلك وقد بيّنّا في جواب سابق أنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلّون في جراحاتهم ودمائهم(3).
هذا، ويتفرّع عن هذه المسألة أنّ الأحناف يوجبون البناء على من رعف أو قاء في الصلاة، بمعنى أنّ ما أدركه مع الإمام قبل الانصراف يعتدّ به عند الائتمام به من جديد ويبني عليه عملاً بمقتضى حديث عائشة رضي الله عنها الذي لم يعمل به الجمهور لضعفه(4)، لذلك يرون بحتمية الإعادة عليه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 25 رجب 1426ه
الموافق لـ: 30 أوت 2005م
---
1- أخرجه مالك في الطهارة (78)، والبيهقي في الصلاة (3517) قريبا من هذا اللفظ.
2- أخرجه أبو داود(2381)، والترمذي(87) وهو صحيح انظر" الإرواء"(111).
3- أخرجه البخاري معلقا عن الحسن البصري رحمه الله (1/336). ووصله ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في الفتح(1/337) .
4- وقد ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه تحت رقم ( 225).
(30/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013274
...
الفتوى رقم: 36
الصنف: فتاوى الطهارة
في اعتبار الخارج غير المعتاد ناقضا
السؤال: إذا خرج ناقض الوضوء من غير مخرجه المعتاد (من البطن مثلا) فهل يعتبر ناقضا؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالأصل المقرّر في نواقض الوضوء هو اعتبار المخرجين والصفة أي: ما يخرج من السبيلين (القبل والدّبر)، مع مراعاة صفة الخروج، فإنّ ما يخرج منهما على وجه المرض كسلس البول، وفقعات الريح، ونحوهما فلا ينقض وضوء تلك الصلاة، وعليه أن يجدّد الوضوء لكلِّ صلاة إلحاقا قياسيا بالمستحاضة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لها: "تَوَضَئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ"(1).
أمّا إذا خرج من غير سبيله المعتاد كالبول يخرج من السّرّة مثلا، فلا يعدّ ذلك ناقضا للوضوء لعدم خروجه من المخرجين المعتادين، إلاّ على مذهب الحنفية الذين يرون أنّ الناقض للوضوء باعتبار الخارج من أيِّ مكان ويدخل فيه المخرجان، والصحيح الأول.
هذا، واللافت للنظر أنّ من تحوّل سبيله المعتاد إلى سبيل آخر اعتاده ينتقل الحكم إليه كمن يُجعل له كيس يتبرّز فيه من بطنه في عمليّة جراحيّة بدلاً من محلّ دبره، فحكم هذا أنّه يتوضّأ لكلّ صلاة كالمستحاضة لأنّ خروج الغائط منه على وجه المرض.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
الجزائر في: 11 جمادى الثانية 1426ه
الموافق لـ: 17جويلية 2005م.
---
?- أخرجه البخاري في الوضوء (228)، وأبو داود (298)، والترمذي في الطهارة (125)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (667)، وأحمد (26429)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(31/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013275
...
الفتوى رقم: 37
الصنف: فتاوى الطهارة
في حكم التيمم على فاقد مكان آمن للاغتسال
السؤال: إذا كان الشخص لديه الماء الكافي للغسل من الجنابة، ولكن لا يجد المكان المناسب للاغتسال، فهل هذه الحال مبيحة للتيمم؟ وهل يمكنه دخول المسجد، ومس المصحف، وقراءة القرآن، وهو متيمم؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما أمّا بعد:
فإنه يستباح التيمم إذا تعذَّر عليه وجود الماء، أو خشي الضرر من استعماله له، إما لعلة مرض أو جرح أو شدة برد بحيث يعجز عن تسخينه، أو تمكَّن لكن تعذَّر عليه وجود مكان ساخن فأشفق على نفسه إن اغتسل هلك، فيجوز له التيمم، غير أنَّ عدم وجدان مكان آمن يسلم في أن يعرض نفسه للهلاك موكول إلى دين المعني بالأمر في تقدير الضرر والهلاك بعدم وجود المكان، ويدل عليه حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك، فتيممتُ، ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: "وَلا َتَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"[النساء: 29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئا"(1)، وفي رواية: "فغسل مغابنه، وتوضَّأ وضوءه للصلاة، فذكر نحوه ولم يذكر التيمم"(2).
هذا، والتيمم يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا على الصحيح من أقوال أهل العلم، ويسعه فعل ما يفعله المتوضي الطاهر، غير أنه إذا زال عذره وجب عليه الاغتسال، لأنَّ الحدث بقي مطلقًا لم يرتفع كلية، فيتعين -حالتئذ- الارتفاع المؤقت.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
الجزائر في: 5 صفر 1427ه
الموافق لـ: 5 مارس 2006م
---
1- أخرجه أبو داود في الطهارة (334)، وأحمد (18287)، والحاكم (589)، والدارقطني في سننه (693)، والبيهقي (1110)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/568): "وإسناده قوي"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (334)، وانظر "الثمر المستطاب" (1/34).
2- أخرجه أبو داود في الطهارة (335)،. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (335).
(32/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013277
...
الفتوى رقم: 38
الصنف: فتاوى الطهارة
في حكم المسح على خفين من حرير
السؤال: إذا لبس الرجل خفين من حرير لمرض برجليه، فهل يجوز أن يمسح عليهما؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أمّا بعد:
فيجوز أن يمسح على الخفين أو النعلين أو التساخين أو اللفائف مادام اسمه باقيا، والمشي عليه ممكنا، وحكم الحرير للمريض بالحكة جائز للرجال ما دامت العلة قائمة، وهو مرخص له في لبس الحرير وفي المسح عليه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ"(1)، فإذا زال مرضه وعلته، فإنّ حكم تحريم الحرير على الرجال يعود بناء على قاعدة: "إذا زال الخطر عاد الحظر"، وإذا مسح على خفيه من حرير من غير مرض ولا علة فهو آثم لارتكابه النهي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِى حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ"(2) يعني الذهب والحرير، لكن وضوءه يصح لانفكاك جهة الأمر والنهي.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
الجزائر في: 12 صفر 1427ه
الموافق ل: 12 مارس 2006م
---
1- أخرجه أحمد (6004)، والبيهقي (5623)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (8/135)، والألباني في إرواء الغليل (564).
2- أخرجه ابن ماجه في اللباس (3726)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (2274).
(33/1)
الثلاثاء 2 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 17 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1013279
...
الفتوى رقم: 383
الصنف: فتاوى الطهارة
في المراد بالطعام في حديث أم قيس رضي الله عنها
السؤال: جاء في حديث أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ رضي الله عنها أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فِى حِجْرِهِ ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْه(1). ما معنى قولها: "لم يأكل الطعام"؟ وهل يدخل في الطعام التمر الذي يحنك به؟ والعسل الذي يداوى به؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أمّا بعد:
فالمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي ترضعه، والتمر الذي تحنكه، والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، وإن كان التمر والعسل ليسا من باب الاغتذاء لعلة التبرك بريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التحنيك من جهة وعلة المداواة بالعسل من جهة أخرى، لذلك لم يحصل له اغتذاء بغير اللبن، وذهب بعض أهل العلم أنَّ المراد بأنَّه: "لم يأكل الطعام" أي لم يستقل بنفسه بأن يجعل الطعام في فيه، وقيل غير ذلك، والصواب ما تقرر أوَّلاً.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
الجزائر في: 23 صفر 1427ه
الموافق لـ: 23 مارس 2006م
---
1- أخرجه البخاري في الوضوء (223)، ومسلم في الطهارة (691)، وأبو داود في الطهارة (374)، والترمذي في الطهارة (71)، والنسائي في الطهارة (304)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (566)، ومالك في الموطإ (141)، وأحمد (27756)، والحميدي في مسنده (365)، والبيهقي (4319)، من حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنها.
(34/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016614
...
الفتوى رقم: 2
الصنف: فتاوى الصلاة
حكم الصلاة باللباس الأحمر
السؤال: ما حكم الصلاة باللباس الأحمر ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أمّا بعد:
فبخصوص سؤالكم عن لباس الأحمر في الصلاة، فإن المسألة راجعة إلى حكم لباس الأحمر أولا، وما عليه المالكية والشافعية وغيرهم الجواز مطلقا لحديث البراء ابن عازب قال: "كان رسول الله مربوعا، بَعِيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه"(1) ولحديث أبي جحيفة عند البخاري وغيره: "أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء مشمرا صلى إلى العَنزةِ بالناس ركعتين"(2) وعند أبي داود حديث عامر المزني بإسناد فيه اختلاف قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو يخطب على بغلة وعليه برد أحمر "(3).
هذا، وفي المسألة أدلة مانعة من لبس الأحمر، غاية ما فيها إن صحت إفادتها الكراهة دون التحريم، فما بالك وهي غير صالحة للاحتجاج لما في أسانيدها من المقال ؟ فضلا عن معارضتها بالأحاديث الصحيحة الثابتة وما صح منها قابل للتأويل.
وعليه يمكن تعليل النهي عن لبس الأحمر بالتعليلات التالية وكلها لا تخلو من نظر:
- فإذا عللنا المنع بأن الحمرة هي حب الشيطان وزينته، لما وردت -في الباب- أحاديث لو صحت فقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء في غير مرة، فيبعد منه أن يلبس ما حذرنا عن لبسه، ولا يمكن التذرع بعدم تعارض الخاص من القول مع فعله، لأن العلة المذكورة مشعرة بعدم الاختصاص، بل النبي صلى الله عليه وسلم أحق الناس بتجنب ما يلابسه الشيطان، بناء على أن الأصل ما يثبت لأمته فيثبت له ما لم يرد دليل خاص به، ولا خصوص يصاحبه.
- وإذا عللنا النهي بمنع التشبه بالكفار للحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها"(4) فإن النهي يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ المعصفر على ما قرره ابن القيم جمعا بينه وبين ما ثبت في الصحيحين من" أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس حلة حمراء"(5).
وبنفس الكلام يرد على ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من النهي عن المياثر الحمر(6)، فإن غاية ما تدل عليه تحريم الميثرة الحمراء، وليس فيه ما يدل على تحريم ما عداها مع ما ثبت لبسه للحلة الحمراء مرات.
- وإذا عللنا النهي عن لبس الأحمر لأجل التشبه بالنساء لكونه من زينتهن أو من أجل الشهوة وخرم المروءة، فإنّ النهي - كما لا يخفى - غير واقع على ذات الحمرة بل على غيرها، ويعارض ذلك لبسه لها.
- أما ما قرره ابن القيم - جمعا بين الأحاديث من أن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، فإنّ هذا الجمع يفتقر إلى دليل لما علم أن الصحابي وهو من أهل اللغة واللسان قد وصفها بأنها حمراء فينبغي حملها على الأحمر البحت لأنه هو المعنى الحقيقي لها، وحمل مقالة ذلك الصحابي على لغة قومه آكد ولا يصار إلى المعنى غير الحقيقي إلا بدليل صارف على ما هو مقرر في موضعه.
لذلك ينبغي استصحاب الإباحة العقلية المقواة بأفعاله صلى الله عليه وسلم الثابتة المجيزة للبسه لها لا سيما وقد ثبت لبسه لذلك بعد حجة الوداع التي لم يلبث بعدها سوى أيام يسيرة.
وهذا الرأي ذهب إليه جمع من الصحابة والتابعين وبه قال المالكية والشافعية على ما قدمنا وارتضاه الشوكاني. فإن استقر الحكم على هذا، فإن الصلاة باللباس الأحمر صحيحة من غير كراهية،
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- رواه البخاري كتاب المناقب (3551)، ومسلم كتاب الفضائل (6210)، ، والنسائي كتاب الزينة (5249)، وابن حبان كتاب التاريخ باب صفة من صفته صلى الله عليه وسلم وأخباره، وأحمد(18971)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
2- رواه البخاري كتاب الصلاة (376) ومسلم كتاب الصلاة(503)، وأبو داود كتاب الصلاة(520)، من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.
3- أخرجه أبو داود كتاب اللباس باب الرخصة في الحمرة (4073)، من حديث عامر المزني رضي الله عنه. وقال الألباني في صحيح أبي داود (4073): "صحيح" .
4- رواه مسلم كتاب اللباس والزينة (2077)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
5- سبق في حديث البراء بن عازب ، وحديث أبي جحيفة رضي الله عنهما.
6- رواه البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: كتاب اللباس، باب لباس القِسِّي (5500)، والنسائي من حديث علي رضي الله عنه: كتاب الزينة، باب خاتم الذهب(5182).
(35/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016615
...
الفتوى رقم: 40
الصنف: فتاوى الصلاة
التكبير لسجود التلاوة
السؤال: الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلى الأستاذ محمد علي فركوس -حفظه الله- أمّا بعد:
فقد تنازع أهل المسجد في أمر التكبير لسجود التلاوة في صلاة التراويح وقد اختار بعضهم رأي الشيخ الألباني الذي مال إلى رأي أبي حنيفة في عدم مشروعية هذا التكبير لعدم صحة الحديث فيه، فضلا عن آثار الصحابة وقد بالغ بعضهم في مناصرة رأيه إلى القطع بأن هذا العمل إنما هو بدعة ضلالة. فالمرجو منكم الإفادة والتوضيح على ما عاهدناه منكم وجزاكم الله خيرا .
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ حديث ابن عمر(1) الذي يدل على مشروعية التكبير لسجود التلاوة في إسناده العمري عبد الله بن عمر المكبر وهو ضعيف، وقد ضعف إسناده النووي(2) والحافظ(3) ووافقهما الألباني(4)، وأخرجه الحاكم من رواية العمري أيضا لكن وقع عنده مصغرا عبيد الله بن عمر، والمصغر ثقة، ولهذا قال الحاكم على شرط الشيخين غير أنه ليس في روايته لفظ "كبر" قال الحافظ: (وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر بلفظ آخر).
وقد أورد الألباني حفظه الله الأثر القولي لابن مسعود "إذا قرأت سجدة فكبر واسجد، وإذا رفعت رأسك فكبر"(5) وتعقبه بأنّه لم يجد من عزاه لابن مسعود وإنما علقه البيهقي لغيره في سنده الربيع بن صبيح قال الحافظ :( صدوق سيئ الحفظ ) ووجد له أصلا من فعل ابن مسعود إلا أن في سنده أيضا عطاء بن السائب كان اختلط، ولما لم يرد عن الصحابة الذين رووا سجوده صلى الله عليه وسلم للتلاوة ذكر تكبيره للسجود، مال ورجح الشيخ الألباني عدم مشروعية التكبير وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله(6).
وفي تقديري أن أمر التكبير لسجود التلاوة إذا لم يثبت فيه نص وجب المصير إلى النص العام لا إلى الأصل العدمي الذي هو استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل ناقل عنه وهو ما يعرف بالإباحة العقلية أو البراءة الأصلية لوجود الناقل. ويتمثل النص العام في ظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود"(7).
والحديث أخرج نحوه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما ورفع الترمذي هذا عن الخلفاء الأربعة وغيرهم ومن بعدهم من التابعين، وهذا العموم هو عموم الجنس لأفراده وهو يصدق فيه الاسم العام على آحاده، فإن قوله:" يكبر في كل رفع وخفض " يصدق في الفرض والنفل والفذ والجماعة وقد احتج به الجمهور في هذين الموضعين كما يصدق في سجود الصلاة وسجود التلاوة، ومعلوم أصوليا أنّ العام يجري على عمومه ما لم يقم دليل يدل على التخصيص، ولا يقال إنّ هذا العموم مخصص بما ورد من تكبيراته صلى الله عليه وسلم الانتقالية في الصلاة، ومثل هذا لا يصح على القواعد العلمية، لأن دليل الخصوص لا يعارض دليل العموم بل يؤكده في خصوصه ولا ينافيه في عمومه لكونه من جنسه، وإنما يتقيد العموم بالخصوص إذا لم يكن من جنسه ويبقى العموم - عندئذ - بعد التخصيص حجة عند الجمهور.
ومثل هذا العموم معمول به في مواضع من الصلاة كاحتجاج الشافعية بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "صلوا كما رأيتموني أصلي"(8) على أن المأموم يقول : "سمع الله لمن حمده" مع أنه صلى الله عليه وسلم قال : "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد"(9) ولم ينقل الصحابة أن أحدهم قال :"سمع الله لمن حمده"، بل نقل عن بعضهم قوله :"ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه"(10)، وكسجود السهو فقد استدل العلماء بعموم ما رواه مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين"(11) فقد عملوا بالزيادة والنقصان على تفصيل بينهم في الصلاة دون التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا، وينبغي العمل بألفاظ الشرع وعموماتها ولا يجوز صرفها إلى تأويل عار عن الدليل أو تخصيص خال عن الحجة، ولا يلزم من عدم ذكر الصحابة الذين رووا سجوده صلى الله عليه وسلم للتلاوة تكبيرا عدم الوقوع، لاحتمال أنه ترك للعلم به أو للغفلة عنه أو الذهول أو ما إلى ذلك ويؤيد ذلك عموما الحديث السابق، والأحاديث المقطوعة عن بعض السلف كأبي قلابة عبد الله بن زيد والحسن وابن سيرين ومسلم بن يسار فضلا عن إقرار الجمهور له وأئمة الحديث لدليل على أن فيه أصلا محفوظا وأن حالهم كانوا يكبرون للتلاوة، فلو لم يكونوا كذلك لنقل إلينا تركهم له لأنه على خلاف الأصل.
قال ابن تيمية : ( وهذه الأمور التي ذكرناها منتفية في سجود التلاوة والشكر ... إلى قوله : ولا جعل لها تكبير الافتتاح وإنما روي عنه أنه كبر فيها إما للرفع وإما للخفض والحديث في السنن)(12).
ومن هذا المنطلق لا يصح الجزم ببدعية التكبير لسجود التلاوة وأن ذلك خطأ ظاهر يرده ما ذكرنا، وقد قرر شيخ الإسلام في مسألة السنة والبدعة أن البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب أو استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب واستحباب وعلم الأمر بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله وإن تنازع أولوا الأمر في بعض ذلك.
والقول بمشروعية التكبير لسجود التلاوة هو ما أختاره وأرجحه ولا أدعي القطع بصواب ترجيحي فإن مثل هذا القطع مجازفة في القول لا تليق بالبحث العلمي الصحيح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليما.
الجزائر في: 11 رمضان 1417هـ.
الموافق ل: 20 جانفي 1996م.
---
1- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب. انظر الإرواء: (471 -472).
2- قال النووي في المحموع "إسناده ضعيف" (89/5).
3- في التلخيص الحبير
4- تمام المنة (267).
5- انظر تمام المنة(268)
6- تمام المنة (268)
7- أخرجه أحمد (1/638)رقم (3652) والترمذي كتاب أبواب الصلاة (254)، والنسائي كتاب التطبيق (1091). والحديث صححه الألباني في الإرواء: (330)
8- أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر(631)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
9- أخرجه البخاري كتاب الأذان(689) ، ومسلم كتاب الصلاة(948)، وأبو داود كتاب الصلاة (601)، والترمذي كتاب أبواب الصلاة (362) والنسائي كتاب التطبيق(1069)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
10- أخرجه البخاري كتاب الأذان (689)، ومسلم في الصلاة(948) ومالك في الموطأ كتاب القرآن، باب ما جاء في ذكر الله وأحمد (5/449) رقم (18517) وأبو داود في كتاب الصلاة (601)، والنسائي كتاب التطبيق، باب ما يقول المأموم عن رفاعة بن رافع الزرقي. انظر (صفة الصلاة للألباني 138)
11- أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1315) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
12- مجموع الفتاوى (23-102).
(36/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016616
...
الفتوى رقم: 41
الصنف: فتاوى الصلاة
تكرار صلاة الاستخارة
السؤال: هل يشرع تكرار الاستخارة ؟ وهل هو من قبيل الإلحاح في الدعاء ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا تكرير لصلاة الاستخارة وهي مشروعة بلا خلاف، فإذا استخار مضى بعدها إلى ما ينشرح له صدره، وإن كرر الدعاء في نفس صلاة الاستخارة فجائز لما أخرج مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا دعا كرره ثلاثا"(1).
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه مسلم كتاب الجهاد والسير (4750)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(37/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016617
...
الفتوى رقم: 42
الصنف: فتاوى الصلاة
الجهر بالقراءة في صلاة النافلة
السؤال: هل يشرع الجهر بالقراءة في النوافل؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلم يرد في قراءة التطوع ما يمنع الجهر والإسرار في صلاة الليل و النهار، وعليه فيباح الجهر والإسرار للذكور والنساء على حد سواء، غير أنه إذا خشي من الافتتان بصوت المرأة لوجود أجانب غير محارمها فعليها بخفض صوتها فلا ترفعه إلا قدر ما تسمع نفسها لأن أمور المرأة مبنية على الستر، وخفض صوتها أنسب لذلك، ويشهد لذلك عدة نظائر في الشرع منها:
عدم جواز رفع صوتها بالتلبية وفي تكبير يوم العيد فلا ترفع صوتها بأكثر مما تحتاجه لإسماع نفسها إن كانت بحضرة الأجانب و يجوز لها رفع الصوت إذا انفردت أو كانت مع المحارم، و كذلك لا يشرع لها التسبيح إذا سها الإمام أو نسي وإنما تصفق للحديث الذي أخرجه مسلم "التسبيح للرجال و التصفيق للنساء "(1).
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
الجزائر في7 ذي الحجة 1417هـ
الموافق لـ 14 أفريل 1997 م
---
1- رواه البخاري كتاب أبواب العمل في الصلاة باب التصفيق للنساء(1203) ,ومسلم كتاب الصلاة (982)، وأبو داود كتاب الصلاة باب التصفيق في الصلاة(940)، والترمذي كتاب أبواب الصلاة باب ما جاء في أنّ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء(470)، والنسائي كتاب السهو باب التصفيق في الصلاة(1215)، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء(1087) وأحمد(2/514) رقم(7497)والدارمي(1414)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(38/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016618
...
الفتوى رقم: 9
الصنف: فتاوى الصلاة
استعارة المصحف من المسجد
السؤال: الحمد لله و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد:
شاب ليس له مصحف في المنزل، وهو بحاجة ماسة له ولا تتوفر لديه الإمكانيات لكي يشتري مصحفا، ففي هذه الحالة هل بإمكانه استعارة مصحف من المسجد لمدة معينة ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فتجوز إعارة المصحف لمن احتاج إلى القراءة فيه و لم يجد مصحفا غيره، بل ما عليه الفتوى عند الحنابلة وجوب الإعارة ، لأنه على وفق مقصود الواقف، ولأن الحاجة تدعو إلى الانتفاع به ولا ضرر في بذله لتيسيره وكثرة وجوده، والاستعارة إلى البيت لا تزيل وقفيته - كما لا يخفى - إذ ليست الاستعارة في معنى البيع أو الهبة أو الإرث حتى يتقرر المنع بحديث ابن عمر في قوله صلى الله عليه و سلم " لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث "(1)، لأن هذه المذكورات تصرفات تزيل وقفيته وبالتالي الغرض الذي أنشئ من أجله الوقف.
هذا وعلى أمين المسجد المعير أن يتصرف مع المستعير في الحدود و القيود التي تحول دون تعطل منافع الوقف وعلى المستعير رده بعد اكتفاء نفعها لقوله تعالى: ?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا?[النساء:58] و في الحديث " أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"(2) وفي قوله صلى الله عليه وسلم أيضا : " العارية مؤداة "(3) علما بأن للأمين المعير أن يسترد المصحف متى شاء ما لم يسبب ضررا للمستعير؛
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
---
1- رواه البخاري كتاب الوصايا باب الوقف كيف يكتب(2772)، ومسلم كتاب الوصية باب الوقف(4311) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
2- رواه الترمذي كتاب البيوع (1264)، و أبو داودكتاب الإجارة ، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده (3535)، والدارمي كتاب البيوع باب في أداء الأمانة واجتناب الخيانة. والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (424).
3- رواه أبو داود كتاب الإجارة باب في تضمين العارية(3567) ، والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في أنّ العارية مؤداة(1312)، وابن ماجة كتاب الصدقات باب العارية(2489)، وأحمد(5/267) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وانظر الإرواء(5/245).
(39/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016619
...
الفتوى رقم: 43
الصنف: فتاوى الصلاة
استبدال الوقف
السؤال: شاب لديه مصحف في البيت ولكن برواية "ورش" وهو بحاجة لمصحف برواية "حفص" فهل بإمكانه استبدال مصحف بمصحف آخر؟ نرجو التفصيل وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإبدال المصحف بمثله أو بخير منه جائز إذا كان الإبدال للحاجة أو للمصلحة الراجحة وبه قال أحمد وغيره من العلماء وهو مذهب ابن تيمية خلافا لمالك والشافعي، وتشهد للأول النصوص والآثار والقياس الصحيح، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : "يا عائشة لولا أنّ قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر"(1) إذ لولا المعارض الراجح لغيّر النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة، ولذلك يجوز تغيير الوقف من صورة إلى أخرى لأجل المصلحة الراجحة ومن الآثار فعل عمر وعثمان - رضي الله عنهما - إذ بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على غير بنائه الأول وزادا فيه.
وعليه فإذا كان المصحف الموقوف متعطل المنفعة أو مهملا بحيث أن أهل البلد يفضلون رواية "ورش عن نافع" على "حفص عن عاصم" كما هو شأن أهل المغرب أو لكون الموقوف ممزق الأوراق أو حبيس الرفوف غير متماسك أو نحو ذلك فيجوز إبداله بغيره أو بخير منه.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما.
الجزائر في : 7 ذو الحجة 1417 هـ .
الموافق لـ: 14 أفريل 1997 م .
---
1- رواه مسلم كتاب الحج (3308) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(40/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016620
...
الفتوى رقم: 10
الصنف: فتاوى الصلاة
صلاة العيد في المدرسة
السؤال: هل تشرع صلاة العيد بمدرسة بجوار المسجد يصلي فيه الرجال، وأخرى تصلي فيها النساء يفصل بينهما طريق عمومي، مع بقاء المسجد خاليا اعتقادا للأفضل في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيد في المصلى؟ وهل تصح الصلاة مع أن الصفوف يقطعها طريق عمومي؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أمّا بعد:
فالأصل جواز اقتداء المأموم بالإمام ولو كان بينهما حائل إذا علم المقتدي انتقالات إمامه برؤية أو سماع، ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام، وفعل أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان يجمع في دار أبي نافع عن يمين المسجد بصلاة الإمام، ويأتم بالإمام مع سكوت الصحابة على فعله(1) وهذا إنما يحمل على الحاجة والعذر توفيقا بينه وبين الأمر الوارد بوصل الصفوف وسد الفرج في جملة من الأحاديث الثابتة في هذا الموضوع، ومن تلك الأعذار الموجبة لفعل الصحابة امتلاء المسجد واشتداد الزحام، فلا يُصَفُّ ويُصلَّى مع خلو المسجد، لذلك صلى هشام وأبوه عروة في دار عند مسجد قد امتلأ بصلاة الإمام بينهما طريق(2)، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإن امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد فإن اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم، أما إذا صفوا بينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف، ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة، فإنه لا تصح صلاتهم في الأظهر، وكذلك من صلّى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته وليس له أن يقعد في الحانوت وينتظر اتصال الصفوف به، بل عليه أن يذهب إلى المسجد، فيسد الأول فالأول)(3).
قلت: لو لم يكن التزام الصف وسد الفُرج واجبا إلا من عذر لصحت الصلاة وراء الإذاعة المسموعة والمرئية، وهذا خلاف ما عليه الفتوى الشرعية.
أما عن صلاته صلى الله عليه وسلم للعيد إنما كانت في المصلى(4) وهو الصحراء أو الفضاء خارج البلد القريب منه عرفا، ولم يثبت عنه أنه أداها في المسجد، وبناء عليه فالسنة عند الجمهور أن موضع أدائها المصلى لا المسجد إلا من ضرورة أو عذر، ما عدا مكة فالأفضل أداؤها في الحرم المكي لشرف المكان وهذا خلافا للشافعية الذين يرون أنّه إذا كان المسجد ضيقا فالسنة أن تصلى في المصلى وإن كان واسعا فالأفضل الصلاة في المسجد.
ولا يخفاك أن العلماء إنما اختلفوا في الأفضلية في هذين الموضعين دون سواهما، وإيقاع صلاة العيد داخل المدرسة خارج عن الموضعين السابقين إذ لا يطلق -يما أعلم- اسم المصلى بالمعنى العرفي على ساحة المدرسة ولا على فنائها، وعليه فإن الصلاة بهذا الاعتبار تكره لعدم وقوعها على الوجه المطلوب شرعا، بل قد لا تصح للعدول عن المسجد وإخلائه عن المصلين والانتقال بهم إلى المدرستين بجواره فضلا عن انقطاع الصف بالطريق العمومي ولذلك ينبغي أن تؤدى الصلاة في المصلى لفعله صلى الله عليه وسلم إن أمكن، فإن تعذر أدّاها في المسجد وإن ضاقت وخرجت الصفوف عنه فيسد الأول فالأول ولو وصلوا إلى المدرستين أو تجاوزوهما فإنّ الصلاة بهذا الاعتبار صحيحة لا غبار عليها.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما.
---
1- انظر نيل الأوطار للشوكاني، 4/104.
2- مصنف عبد الرزاق، 3/82.
3- مجموع الفتاوى، 23/410.
4- للشيخ الألباني رسالة في سنية العيد في المصلى، فراجعها.
(41/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016621
...
الفتوى رقم: 12
الصنف: فتاوى الصلاة
حديث المسيء صلاته وما تضمن من أحكام
السؤال: لقد تقرر عند جمهور العلماء أن الأمر إذا ورد من الشارع أفاد الوجوب إلا لقرينة صارفة و هذا ما قرروه في بيان الأحكام الشرعية ومنها: الأحكام المتعلقة بالصلاة فكل أمر عندهم صدر بصيغة "افعل" أو "أمر" أو غيرهما من الألفاظ الدالة على الأمر أفادت عندهم الوجوب إلا لصارف، إلا أنهم اختلفوا في الأوامر التي صدرت منه صلى الله عليه و سلم بخصوص الصلاة والتي لم يرد ذكرها في حديث المسيء صلاته فقال بعضهم بعدم وجوب كل ما جاء منه صلى الله عليه و سلم من أمر لم يرد ذكره في حديث المسيء وجعلوا هذا الأخير قرينة صريحة في صرف تلك الأوامر مطلقا، وذهب بعضهم إلى أن حديث المسيء ليس صارفا مطلقا وإنما يكون كذلك على التفصيل التالي وهو ما قرره الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار، قال رحمه الله جوابا على من قالوا إن حديث المسيء صارف للأوامر الأخرى مطلقا: [فنحن لا نوافقه بل نقول إذا جاءت صيغة "أمر" قاضية بوجوب زائد على ما في هذا الحديث فإن كانت متقدمة على تاريخه كان صارفا لها إلى الندب لأن اقتصاره صلى الله عليه وسلم في التعليم على غيرها وتركه لها من أعظم المشعرات بعدم وجوب ما تضمنه لما تقرر من أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، و إن كانت متأخرة عنه فهو غير صالح لصرفها لأن الواجبات الشرعية ما زالت تتجدد وقتا فوقتا وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره أعني الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها في مقام التعليم والسؤال عن جميع الواجبات واللازم باطل فالملزوم مثله، وإن كانت صيغة الأمر الواردة بوجوب زيادة على هذا الحديث غير معلومة التقدم عليه ولا التأخر ولا المقارنة فهذا محل الإشكال ومقام الاحتمال والأصل عدم الوجوب بالبراءة منه حتى يقوم دليل وجوب الانتقال عن الأصل والبراءة ولا شك أن الدليل المفيد للزيادة على حديث المسيء إذا التبس تاريخه محتمل لتقدمه عليه وتأخره فلا ينتهض للاستدلال به على الوجوب وهذا التفصيل لا بد منه وترك مراعاته خارج عن الاعتدال إلى حد الإفراط أو التفريط لأن قصر الواجبات على حديث المسيء فقط وإهدار الأدلة الواردة بعده تخيلا لصلاحيته لصرف كل دليل يرد بعده دالا على الوجوب سد لباب التشريع ورد لما تجدد من واجبات الصلاة ومنع للشارع من إيجاب شيء منها وهو باطل لما عرفت من تجدد الواجبات في الأوقات والقول بوجوب كل ما ورد الأمر به من غير تفصيل يؤدي إلى إيجاب كل أقوال الصلاة وأفعالها التي ثبتت عنه صلى الله عليه و سلم من غير فرق بين أن يكون ثبوتها قبل حديث المسيء أو بعده لأنها بيان للأمر القرآني أعني قوله تعالى: ?وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ? [البقرة: 43] ولقوله صلى الله عليه وسلم :"صلوا كما رأيتموني أصلي "(1) وهو باطل لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه سلم](2) أ.هـ
فما وجه صحة هذا التفصيل الذي ذكره الإمام الشوكاني -رحمه الله- وهل يستقيم قوله أنه إذا جهل تاريخ التقدم أو التأخر لزم الرجوع إلى البراءة لأن الأصل عدم الوجوب أو يقال بل الواجب الرجوع إلى الوجوب لإفادة قوله تعالى ?وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ? [البقرة: 43] ولقوله (صلى الله عليه و سلم): " صلوا كما رأيتموني أصلي "(3) ذلك ولأن ما ورد في خصوص الصلاة من النصوص إنما يكون بيانا لذلك المجمل فيأخذ حكمه.
وما هو التوجيه الصحيح لحديث المسيء صلاته مع النصوص الأخرى الموجبة لبعض الأقوال و الأفعال في الصلاة و التي لم يرد ذكرها فيه ؟
أفيدونا بارك الله فيكم وأمتعكم بنعمه وزادكم فضلا على فضل، نقول لكم أفضل ما يقال لمن يقدم معروفا : "فجزاكم الله خيرا" شاكرين لكم فضلكم علينا وسعيكم في نقل هذا العلم الموروث إلى طلبتكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه و إخوانه إلى يوم الدين، أما بعد؛
ففعلا استدل بحديث أبي هريرة المعروف بحديث (المسيء صلاته) على وجوب كل ما ذكر فيه لكونه مساقا بصيغة الأمر بعد عبارة "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء..."(4) الحديث ، كما يستدل به -من جهة أخرى- على عدم وجوب كل ما لم يذكر فيه لأنه في مقام تعليم حكم في الصلاة فاقتصاره على غيرها مع تركه لها مشعر بعدم الوجوب، فلو ترك ذكر واجب لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة و هو غير جائز إجماعا، وما فصله الإمام الشوكاني في صيغة الأمر القاضية بوجوب زائد على ما في حديث أبي هريرة معتبر عموما، وعندي تفصيل آخر يمكن بيان وجهه على ما يأتي:
إن ما يتضمنه حديث المسيء صلاته من وجوب أو عدمه إذا ما عارضه دليل أقوى منه وجب المصير إلى الأقوى لأن العمل بالأقوى واجب، بغض النظر ما لو كان الدليل متقدما عن الحديث أو متأخرا عنه، كالنية المتفق على وجوبها في الصلاة مع أن الحديث لم يذكرها، ولا يخفى من حيث الزمن - تقدم وجوب النية على حديث المسيء صلاته، ولم يأت الحديث صارفا لحكم وجوب النية إلى الندب مع العلم بالسبق، و من هنا يظهر عدم تحقق المراد من تفصيل الإمام الشوكاني على ما مضى، لأنه - في نظري - دليل النية أقوى في الوجوب من حديث المسيء صلاته لانعقاد الإجماع عليه.
وإن سلمنا أن حديث المسيء صلاته شامل للنية في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة ..."(5) دال عل إيجابها من ناحية أن المعني بالنية ما هو إلا القصد إلى فعل الشيء، فالمسألة غير مطردة في موضع آخر كما في القعود الأخير في الصلاة وهو من الواجب المتفق عليه و لم يذكره حديث أبي هريرة المتأخر عنه ولم يصرفه إلى الندب على ما يرى، وإن كان حديث المسيء صلاته يساوي في القوة صيغة الأمر القاضية بوجوب زائد فما أفاده الإمام الشوكاني إذا علم بتاريخ أحدهما على الآخر تقديما وتأخيرا يظهر وجيها، لأنّ الصيغة المقتضية للوجوب إن كانت متقدمة على خبر المسيء صلاته كان هذا الأخير صارفا لها إلى الندب، لأنه موضع بيان واجب في الصلاة، وترك بعض ما هو واجب تأخير للبيان عن وقت الحاجة وهو غير مستساغ أصوليا على ما تقدم.
وإن كانت الزيادة بعده ومتأخرة عنه فلا يقوى على صرفها إلى الندب فيتقرر وجوبها حكما، لأن إحداث الأوامر في الزمن غير ممتنع عقلا ولا شرعا قال تعالى: ?إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ? [الحج: 14] و في آية ?فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ? [البروج: 16] و في ثالثة ?لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ? [الأنبياء: 23] وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود:"إن الله يحدث في أمره ما يشاء وإن ما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة "(6) ففهم تغيير الأحكام من مباح أو مندوب إلى واجب أو إلى حرام أو بالعكس نسخا في الزمن، أمور داخلة تحت المشيئة وتقتضيه الحكمة الإلهية، فعلم تجدد الواجبات في الأوقات.
وإن كانت الزيادة الواجبة غير معلومة التاريخ، احتمل بقاء الصيغة الآمرة على ظاهرها من الوجوب ويحتمل أيضا أن يكون حديث المسيء صلاته قرينة صارفة لها إلى الندب ولا يفك الإشكال - في نظري -أي: ما اختاره الشوكاني - رحمه الله - من الرجوع إلى أصل عدم الوجوب والبراءة منه حتى يرد دليل يوجب الانتقال عن الأصل وعن البراءة، لأن هذا الأصل معارض بمثله المفيد للوجوب في النص الشرعي عند قوله تعالى: ?وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ? [البقرة: 43] وحديث : "صلوا كما رأيتموني أصلي"(7) فالزيادة المبينة للإجمال الوارد في النصين الآمرين السابقين تقتضي الحكم بالوجوب، ويترتب عليه تعارض الأصلين، ويبقى الإشكال قائما. وعليه، فإن الرأي عندي أن مقام الاحتمال يحتاج إلى مرجح للعمل لإزالة ما عليه من إشكال، والترجيح المعول عليه في مثل هذا المقام إنما يكون باعتبار الحكم، فإن ما مدلوله وجوب مقدم على ما مدلوله ندب، لأن الترجيح عليه أحوط في العمل على ما قرره أهل الأصول، ولذلك فإن الحكم ببقاء الصيغة الآمرة الدالة على الوجوب أقوى وأولى.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما.
الجزائر في : 25 جمادي الثانية1416هـ
الموافق لـ : 18 نوفمبر 1995م.
---
1- أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر(631)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
2- نيل الأوطار(م/2 ص 44-45)
3- أخرجه البخاري كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر(631)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
4- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود(858)، والنسائي كتاب التطبيق باب الرخصة قي ترك الذكر في السجود(1144)، والترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء في وصف الصلاة، وابن ماجة كتاب الطهارة وسننها باب ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى(496)، والدارمي(1379)، من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود(858).
5- أخرجه البخاري كتاب صفة الصلاة باب وجوب القراءة للإمام والمأموم,ومسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ,وأبو داود كتاب الصلاة باب ما جاء في وصف الصلاة,والنسائي كتاب الافتتاح باب فرض التكبيرة الأولى,وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب إتمام الصلاة وأحمد(17913) رقم(9352) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
6- أخرجه أحمد(1/622) رقم(3565)، وأبو داود كتاب الصلاة باب رد السلام في الصلاة والنسائي كتاب السهو باب الكلام في الصلاة,وابن حبان كتاب الصلاة باب ما يكره للمصلي وما لا يكره.من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود(1/243) حسن صحيح .
7- سبق تخريجه.
(42/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016622
...
الفتوى رقم: 44
الصنف: فتاوى الصلاة
كيف فرضت الصلاة؟
السؤال: كيف كانت صلاة النّبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن تفرض أربعاً ؟ وهل هي منسوخة ؟.
هل يمكن قياس صلاة النّبي صلى عليه وسلم بمكة التي سمِّيت عندهم بدار الحرب على ما نحن عليه الآن ؟ مع العلم أنّهم يقولون إنّهم في دار الحرب.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النّبيين وإمام المرسلين محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أمّا بعد:
فإنّ الصلاة المفروضة كانت قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجباً على النّبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمّته حولاً ثمّ نسخ في حق الأمّة وجوبه، ثمّ نسخ الله تعالى ذلك كلّه ليلة الإسراء بخمس صلوات قال الله تعالى:? وَسَبِّح بحَمْدِ رَبِّكَ قبْلَ طُلُوِع الشَّمْسِ وَقبْلَ الغُرُوبِ? [ق:39] هذا ما ذكره العلماء وبه قال أهل التفسير والإشكال الحاصل بين حديث عائشة -رضى الله عنها- في قولها" فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر،فأُقِرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر"(1) وبين حديث ابن عباس قال" فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعتين"(2) يزول بدفع التعارض بأن يُقال بأنّ الصلوات الخمس فُرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلاّ المغرب، ثمّ زِيدت بعد الهجرة إلاّ الصبح على ما رواه ابن خزيمة وابن حبان عن عائشة – رضي الله عنها –
ثم بعد أن استَقَرَ فرض الرباعية خفّف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: ? فلََيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تقصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ? [النساء:101] ويكون المراد من قول عائشة " وأقرت في السفر على فرضها ركعتين " أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف.
وبعد هذا التّبيان فإنّ ما وجب على الّنبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات الخمس ليلة الإسراء إنّما كان بمكة ولم تكن حالتئذ بدار إسلام، وكانت تؤدى ركعتين ركعتين فإن أُريد بإلحاق صلاتهم على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فلم تتميز وقتئذ دار الإسلام عن دار حرب، وإن أُريد بالإلحاق بعد الهجرة وظهور دار الإسلام فإنّ إلحاق صلاتهم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ظاهر البطلان لاستقرار فرض الرباعية ولا يجوز القصر إلاّ من شملهم أمر التخفيف.
والله أعلم و فوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعونا أن الحمد الله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه والتابعين.
الجزائر في : 14 رمضان 1417 هـ
---
1- أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء(350)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين(1603)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها(1604)، والنسائي في كتاب صلاة الخوف(1543)،وأحمد(2333) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(43/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016623
...
الفتوى رقم: 45
الصنف: فتاوى الصلاة
ضابط إقامة الجمعة
السؤال: أربعة أشخاص يعملون حُرّاسا في مؤسسة وطنية يتعذر عليهم الذهاب كلّهم إلى الجمعة وترك المؤسسة علما بأنّ فيها عتاداً ثمينا وأفراناً مشعلة باستمرار. فهل يجوز لهم ترك الجمعة أو التناوب في الذهاب ؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فإنّ كلّ من يشق عليه الذهاب إلى الجمعة لعذر لصيق به فقد رخص الشارع له ترك الجماعة إذا كان العذر قائما سواء كان مدينا معسرا أو خائفا من حبس أو مختفيا من حاكم أو مريضا يخاف زيادة المرض أو تأخيره. والعلماء يلحقون من يقوم بتمريضه على وجه لا يسع الاستغناء عنه. كذلك يدخل في العذر من خاف على نفسه مفسدة أو على أمواله ضياعا أو خشي إتلاف الأمانات التي بحوزته والداخلة في حراسته ويدلّ عليه ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر-قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلّى"(1) وفي رواية لابن ماجه :"من سمع النّداء فلم يجب فلا صلاة له إلاّ من عذر"(2).
غير أنّه إن أمكن تفادي ترك الجمعة على الجميع وجب العمل على التفادي كأن يصلي بعضهم في مسجد قريب تقام الجمعة في وقت الظهر عند الزوال فللبعض الآخر الصلاة بعد أول وقت الظهر وعندئذ يحصل التوفيق، وإن تعذر ذلك وأمكن المحافظة على الأموال وعدم تعرضها للتلف بالواحد وجبت الجمعة على غيره لأنّ المَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالمَعْسُور(3) وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه ويتداول في شأن المعذور. ذلك لأنّ المقدور عليه لايسقط بسقوط المعجوز عنه فعليهم أن يأتوا بما قدروا عليه ويسقط عنهم ما عجزوا عليه إذ القاعدة تقول: إنّ المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف على ما قرره القرافي في فروقه(4).
ومع ذلك كله، فإن وجدوا عملا آخر يتيح لهم إقامة الجمعة وشهود الجماعات فالواجب التحول إليه والالتحاق به محافظة على العبادات والتزام الطاعات.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه.
الجزائر في 12 رجب 1417هـ.
الموافق لـ 23 نوفمبر 1996م
---
1- أخرجه أبو داود أول كتاب الصلاة باب في التشديد في ترك الجماعة(551)، والدارقطني في سننه(1576)، والبيهقي(5249)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال الألباني في الإرواء:(2/336) (ضعيف بهذا اللفظ). وقال في المشكاة:وإسناده ضعيف فيه أبو جناب يحيى ابن أبي حية الكلبي وهو ضعيف مدلس، وقد عنعنه لكن صح الحديث بلفظ آخر –سيأتي في الكتاب-صححه جماعة وقد تكلمت عليه في صحيح أبي داود(560). وضعفه كذلك في تمام المنة ص: ( 327)
2- أخرجه ابن ماجه كتاب المساجد والجماعة باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتاب الصلاة باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة (1/363). والحديث صححه الألباني في الإرواء(2/337) وفي تمام المنة (ص327) وفي صحيح الترغيب والترهيب(1/301) رقم (426).
3- وهذه القاعدة من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" [انظر الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/155].
5- الفروق للقرافي (3/198).
(44/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016624
...
الفتوى رقم: 46
الصنف: فتاوى الصلاة
الصيغة المشروعة في التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في تحية الصلاة
السؤال: هل التحية التي نذكر في الصلاة توقيفية أو توفيقية؟ "السلام على النبي" أو "السلام عليك أيّها النبي"؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فكلا الصيغتين توقيفي غير أنّ صيغة "السلام عليك أيّها النبي" ذكرت بكاف الخطاب في التشهد والنبي صلى الله عليه وسلّم حي بين أظهر الصحابة رضي الله عنهم، والصيغة الأخرى وهي "السلام على النبي" ترك فيها الصحابة الخطاب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم وذكروه بلفظ الغيبة, قال ابن مسعود رضي الله عنه: "وهو بين ظهرانينا, فلمّا قبض قلنا: السلام على النبي"(1).
ولا يخفى أنّ الصحابة لا يعدلون عن توقيف إلاّ بتوقيف آخر، وأمّا أثر عمر بن الخطاب الذي أخرجه مالك رحمه الله(2) فغاية ما يدلّ عليه تأكيد الصيغة بكاف الخطاب وتنفي ما عداه، بينما صيغة ابن مسعود رضي الله عنه مبنية على التأسيس والإثبات، وما تقرر عند علماء الأصول أنّ التأسيس مقدم على التأكيد، والمثبت مقدم على النافي.
والعلم عند الله؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
الجزائر : 8 ذو القعدة 1416هـ
الموافق ل: 28 مارس 1996م.
---
1- أخرجه البخاري كتاب الاستئذان باب الأخذ باليد، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وانظر صفة الصلاة للشيخ الألباني (161)، وإرواء الغليل(2/26) رقم(321).
2- قال ابن عبد البر في الاستذكار:(1/483): "ولمّا علم مالك أنّ التشهد لا يكون إلاّ توقيفا عن النبي صلى الله عليه وسلم اختار تشهد عمر، لأنّه كان يعلّمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمان، وأنّه كان يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين، ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنّه قال ليس كما وصفت".
(45/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016626
...
الفتوى رقم: 47
الصنف: فتاوى الصلاة
أذان الفجر الشرعي
السؤال: إنّ الحمد لله نستعينه ونستغفره والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله
أجيبونا -جزاكم الله خيرا- فيمن يؤذّن متأخرا عن الوقت المحدد في الرزنامة الرسمية بعشر دقائق (10)، وذلك في صلاة الفجر. كم يضيف إليها (20) دقيقة بين الأذان الثاني والإقامة للصلاة ؟ بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم –وفقك الله- أنّ الفجر فجران، فجر صادق وصفته أن ينتشر ممتدا في الأفق الشرقي، والمراد بالأفق هو ما يرى من السماء متصلا بالأرض، والثاني: فجر كاذب وصفته أنّه يرتفع في السماء مثل العمود ولا يكون ممتدا في الأفق، وقد عبّر عنه الحديث بـ "ذنب السّرحان"(1) أي ذيل الذنب.
والفجر الحقيقي الذي تحلّ فيه الصلاة هو الفجر الصادق، أما الفجر الكاذب هو الفجر الأول إنّما يكون بالليل، ومن افتتح الصلاة قبل طلوع الفجر الآخر يجب عليه الإعادة لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام"(2).
والأذان الرسمي الحالي المبني على التوقيت الفلكي لم يراع حقيقة طلوع الفجر الصادق ولا صفته والمفارقة فيه ظاهرة للعيان، وإنّما يدخل الفجر الصادق بعد مضي الأذان الرسمي بحوالي عشر دقائق إلى عشرين دقيقة، بحسب فصول السنة حرصا على أهمّ ركن في الدين وهو الصلاة، وحملا لأفعال المصلين على الصحة والسلامة، وتجاوبا مع ما يمليه الشرع ويأمر به. قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اسْتَجِيْبُوا لِلَّهِ وَللِرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيْكُمْ? [الأنفال 24]، وقال عزَّ وجل:?ومَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا? [الحشر 7]، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات وفي وقتها المحدد لها شرعا قال تعالى ?إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ كِتَاباً مَّوْقُوْتاً? [النساء 103] أي أجلا محددا، وقال سبحانه:?حَافِظُواْ عَلَى الصَّلوَاَت وَالصَّلاَةِ الوُسْطَى? [البقرة 238]، ويصف سبحانه وتعالى المؤمنين وعباد الرحمن بقوله: ?وَالَّذِيْنَ هُمْ عَلَى صَلواتِهِمْ يُحَافِظُوْنَ ? [المؤمنون 9] أي يحافظون على أدائها بالوجه الشرعي وفي الوقت الذي عيَّنه الله تعالى لأداء الصلاة. نسأله تعالى أن يعيننا على أدائها بالوجه الأكمل وأن يجعلنا من المحافظين عليها العاملين بما أمر الله تعالى المنتهيين عمّا نهى عنه المولى عزَّ وجل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في 24 شعبان 1422 ه
الموافق 4 نوفمبر 2001 م.
---
1- أخرجه الحاكم(1/191)،وعنه البيهقي(1/377)، والديلمي(2/244) من حديث جابر رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة(2002).
2- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/52/2)،وعنه الحاكم(1/425)، والبيهقي(1/377 و457 و4 م216) من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة(693).
(46/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016385
...
الفتوى رقم: 73
الصنف: فتاوى الجنائز
الصلاة على الميت في المقبرة
السؤال: ما حكم الصلاة في المقبرة على الميّت؟ وما الجواب على من يستدلون بالجواز بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة السوداء في المقبرة؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالغالب على هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة إيقاعه لها في موضع خارج عن المسجد معدٍّ للصلاة على الجنائز، وهو المعروف بـ"مصلى الجنائز" وقد كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الشرق، ويشهد لذلك جملة من الأحاديث الصحيحة المثبتة لذلك، ولا يخفى أنّ هديه صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، لكن هذه الأفضلية لا تمنع من مشروعية الصلاة على الجنازة داخل المسجد لما رواه مسلم وغيره أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: "والله ما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه إلاّ في جوف المسجد"[وفيه قصة](1). أمّا رواية "من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له"(2) فلا تنافي رواية عائشة رضي الله عنها، لأنّ النفي فيه عن أجر خاص بصلاة الجنازة في المسجد، لا نفي أجر الصلاة عليها مطلقا وعليه، فحديث عائشة رضي الله عنها يفيد جواز صلاة الجنازة في المسجد والأفضل أن تكون خارج المسجد في المصلى-كما تقدم- وممّا يقوي المشروعية صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه في المسجد، وصلاة صهيب على عمر رضي الله عنه في المسجد.
أمّا المقبرة فليست موضعا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاة فيها ولا إليها للأحاديث الناهية عن ذلك، منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرض كلّها مسجد إلاّ المقبرة والحمّام"(3) وحديث أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الصلاة بين القبور"(4) ولحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها"(5)، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"(6). ويتضمن هذا العموم صلاة الجنازة مع أنّه قد ورد التصريح بالنهي عن الصلاة فيها في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:" أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور"(7) هذه الأحاديث يشمل عموم النهي فيها جنس الصلاة سواء كان فرضا، أداء كانت أو قضاء، أو نفلا، مطلقا كان أو مقيدا، كما تعمّ الصلاة على الميت سواء كانت على الجنازة أو في قبره، لكن لمّا ورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:" مات رجل-وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده- فدفنوه بالليل، فلمّا أصبح أعلموه، فقال:" ما منعكم أن تعلموني ؟" قالوا: كان الليل، وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره، فصلى عليه، قال: فأمّنا،وصفّنا خلفه، وأنا فيهم، وكبّر أربعا"(8)، ومثله عن المرأة السوداء التي كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد الثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه(9)، فخصّ من عموم نهيه عن الصلاة في المقبرة صورة الصلاة عن الميّت في قبره بهذه الأدلة وبقي عموم النهي شاملا للصلاة على الجنازة وغيرها، أي بقاء النهي من حيث عمومه متناولا ما عدا صورة التخصيص، وبهذا الجمع التوفيقي بين الأدلة يزول الإشكال وترتفع الشبهة، ويعمل بكلّ دليل في موضعه، تحقيقا لقاعدة الإعمال أولى من الإهمال.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه مسلم في الجنائز رقم(973)، وأبو داود في الجنائز رقم(3189) من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه أبو داود في الجنائز رقم(3191)، وابن ماجة في الجنائز رقم(1517)، والطحاوي في شرح المعاني(1/284)، وابن عدي (2/198)، وعبد الرزاق في المصنف(6579)، وأحمد(2/444و455)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(2351). وقال -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(5/462): " وشذ عنهم جميعا أبو داود في روايته فلفظها:" فلا شيء عليه".
3- أخرجه أبو داود في الصلاة رقم(492)، والترمذي في الصلاة رقم(317)، وابن ماجة في المساجد والجماعة رقم (745)، والدارمي في الصلاة رقم(1441)، والبيهقي في السنن رقم (4454)، وأحمد (12104)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في الإرواء(1/320).
4- أخرجه البزار (441)و(442)و(443)، من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص:(270).
5- أخرجه مسلم في الجنائز رقم(972)، والنسائي في القبلة رقم(760)، وأحمد رقم(17678)، من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه.
6- أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها رقم(780)، والترمذي في الأدب رقم (2877)،وأحمد رقم(8040)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
7- انظر أحكام الجنائز للألباني (270).
8- أخرجه ابن ماجة في الجنائز رقم(1530)، والبيهقي في السنن رقم(7159)، وصححه الألباني في الإرواء(3/183) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
9- أخرجه البخاري في الصلاة(460)، ومسلم في الجنائز (2259)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(47/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016387
...
الفتوى رقم: 74
الصنف: فتاوى الجنائز
بناء المسجد في المقبرة
السؤال: عزم بعض أهالي بلاد القبائل على بناء مسجد في مقبرة قديمة للمسلمين تزال عنها القبور إزالة جماعية بما في ذلك رفاتها بطريق الآلة الجارفة بدعوى أنّ المقبرة تتوسط كلّ القرى المجاورة فينتفي الحرج والمشقة عنها جميعا، علما أنّه توجد قطعة أخرى بقرب تلك المقبرة صالحة لهذا المشروع، فما حكم الشرع فيما هم عازمون عليه، وما نصيحتكم وتوجيهكم لهم؟
سدد الله شيخنا الفاضل وأجزل لكم المثوبة.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم -وفقني الله وإيّاكم- أنّه لا يجتمع في دين الله مسجد وقبر، وقد وردت الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة في النهي عن اتخاذ المساجد على القبور، وتلعن اليهود والنصارى الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد وتحذر ممّا صنعوا، وهذا الحكم ثابت مقرر إلى يوم الدين، فمن هذه الأحاديث الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(1) تقول عائشة رضي الله عنها:(يحذّر مثل الذي صنعوا) وفي رواية جندب بن عبد الله البجلي أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول:"...ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك"(2) ففيه دليل واضح على ذمّ من يفعل فعلهم من هذه الأمّة إذ الاعتبار بالمعنى لا بالاسم، وهذا سدّا لذريعة الشرك وقطعا للسبل المؤدية إلى عبادة من فيها كما حصل مع عبادة الأصنام، إذ لا يخفى أنّ النهي عن ذلك إنّما هو الخوف على الأمّة من الوقوع فيما وقعت فيه اليهود والنصارى وغيرهم من الشرك اللاحق بمن عصى الله تعالى وارتكب النهي واتبع الهوى ولم يع معنى (لا إله إلاّ الله)، ومن الأحاديث أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:"إنّ شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد"(3) والمتمعن في هذه الأحاديث يدرك تحريم هذا الاتخاذ المذكور بجميع معانيه سواء اتخاذ القبور مساجد للسجود عليها أو إليها أو استقبالها بالصلاة والدعاء، وبناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها، وهذا الفعل لا شك أنّه من الكبائر إذ لا يمكن أن يكون اللعن الوارد في النص فضلا عن وصفهم شرار الخلق عند الله تعالى إلاّ في حق من يقترف ذنبا عظيما وإثما كبيرا، وقد أجمع العلماء على النهي عن البناء على القبور وتحريمه ووجوب هدمه، فالطارئ منهما على الآخر يزال، أي الحكم للسابق، فلو طرأ القبر على المسجد أزيل القبر، ويزال المسجد إن كان طارئا على القبر لكونه لم يبن على تقوى من الله ورضوان، ولو وضع وقفا لبطل الوقف ولم تصح الصلاة فيه إن قصد فيها القبور والتبرك بها كما يعتقده معظم العوام وبعض الخواص للعن من فعل ذلك وتحريم الصلاة فيها، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه كما تقرر في أصول الشريعة، إذ لا يخفى أنّ بناء المساجد على القبور ليس مقصودا بذاته وإنّما مقصوده الصلاة فيها فالنهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والمتوسل بها إليه.
أمّا إذا لم يتقصد الصلاة فيها من أجل القبر وإنّما وقع اتفاقا فحكمها الكراهة عند الجمهور خلافا للإمام أحمد الذي يحكم ببطلانها لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ولكونها ذريعة إلى الشرك بالله بتقصد المسجد لأجل القبور ودعائهم والدعاء بهم والدعاء عندهم، ولعلّ هذا القول أحسم لمادة الشرك وأقطع لسبيله باجتناب الصلاة في المسجد بين القبور مطلقا وعلى كلّ حال سواء كان القبر خلفه أو عن يمينه أو عن يساره وأقبح من ذلك ما كان أمامه عملا بمبدإ سد الذرائع وتحريم الوسائل إليها، وترك الشبهات والاحتياط للدين خشية الوقوع في المحذور لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنه:"...فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه"(4) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(5) وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال:"إنّي أحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها"وما ذلك إلاّ أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول:"إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون من الصدقة فألقيها"(6) فرضي الله عن سلفنا الصالح فقد اجتنبوا المعاصي وابتعدوا عن الشبهات واستبرؤوا لدينهم تمام البراءة.
ثمّ اعلم-هداني الله وإيّاكم-أنّ الثابت إجماعا عدم جواز نبش قبور المسلمين وإخراج الموتى منها للانتفاع بالأرض أو البناء عليها حفاظا على كرامة الميّت وحرمته لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"كسر عظم المؤمن ميتا ككسره وهو حيّ"(7) إلاّ إذا وجد مسوّغ مقبول وسبب شرعي يقتضي نبش القبور، وبناء المساجد على القبور ليس سببا مسوغا للقيام بهذا الفعل، والتعليل بتوسط المقبرة كلّ القرى ليس هو الآخر مبررا شرعيا كافيا لما علم من النصوص المتقدمة من عدم اجتماع مسجد وقبر في دين الإسلام، والأسبقية للأول ويهدم الثاني، فضلا عن وجود محلّ لبناء هذا المسجد خارجا عن المقبرة، وعليه يتضح عدم مشروعية ما هم عازمون على الإقدام عليه، والله المستعان.
أمّا النصيحة المقدمة فأكتفي بنقل ما ذكره الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى في الآثار(2/153) بعد ما أورد الآيات القرآنية التي تأمر باتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم والنهي عن مخالفته، قال رحمه الله تعالى:" نسأل كلّ مؤمن بهذه الآيات أن يعمل بنهي النبي صلى اله عليه وسلم عن البناء على القبر، فلا يبني على القبر، ولا يعين بانياً، ويعلن هذا الحديث في الناس، ويذكرهم به، ولا يفتأ يقرع به أسماع الغافلين، ويفتح به أعين الجاهلين ?والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين?[العنكبوت 69]."
وقال رحمه الله في موضع آخر:" فيا أيّها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، المصدقون لحديثه، إيّاكم والبناء على القبور، إيّاكم واتّخاذ المساجد عليها إن كنتم مؤمنين، وعليكم بتبليغ هذا الحديث والتذكير به، والتكرير لذكره يكن لكم أجر المجاهدين في سبيل ربّ العالمين لإحياء سنّة سيّد المرسلين، عليه وعليهم الصلاة أجمعين"
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه البخاري في الصلاة رقم (435)، ومسلم في المساجد رقم(1212)، والنسائي في الجنائز رقم(2046)، وأحمد(218/1)، من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
2- أخرجه مسلم في المساجد رقم(1216)، وأبو عوانة(1/401)، والطبراني في الكبير(1/84/2)، من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
3- أخرجه ابن خزيمة (1/92/2)، وابن حبان رقم(340و341)، وابن أبي شيبة في المصنف(4/440)، وأحمد رقم(4143، 3844)، من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث حسنه الألباني في تحذير الساجد(ص19).
4- أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (50)، ومسلم في «المساقاة» (4094)، وأبو داود في «البيوع» باب في اجتناب الشبهات (3330)، والترمذي في «البيوع» باب: ما جاء في ترك الشبهات (1205)، وابن ماجه في «الفتن» باب الوقوف عند الشبهات (3984)، والدارمي (2436)، وأحمد (17907)، والبيهقي (10537)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
5- أخرجه الترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع» (2518)، والنسائي في «الأشربة» باب: الحث على ترك الشبهات (5711)، وابن حبان (722)، والدارمي (2437)، والحاكم (2169)، والطيالسي (1178)، وأحمد (1729)، وأبو يعلى (2762)، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وصححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (3/169) والألباني في «الإرواء» (1/44) رقم (12)، وفي صحيح الجامع (3373)، والوادعي في «الصحيح المسند» (318).
6- أخرجه البخاري في اللقطة رقم(2432)، ومسلم في الزكاة رقم(2525)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
7- أخرجه أبوداود في الجنائز رقم(3207)، وابن ماجة في الجنائز رقم(1616)، والطحاوي في مشكل الآثار(2/108)، وأحمد(6/58)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في الإرواء(3/214) رقم(763).
(48/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016388
...
الفتوى رقم: 147
الصنف: فتاوى الجنائز
في حكم غسل بعض أجزاء الميت وكفنه والصلاة عليه
السؤال: وجد في قريتنا جسم لإنسان مقطوع الرأس وبعد التعرّف على شخصيته لم يعثروا على بقية جسمه، واختلفوا في غسله وكفنه والصلاة عليه بهذه الصورة.
وما دام الأمر مستعجلا، فيرجى منكم الجواب عن حكم غسل وكفن والصلاة على بعض الميت كأطرافه وأجزائه؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلم يختلف أهل الفقه في أنّ غسل الميّت المسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية لأمره صلى الله عليه وسلم، ومحافظة المسلمين عليه، كما اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنّ الميت المسلم إن وجد أكثر من نصفه غسل وصلّي عليه ودفن، غير أنّهم يختلفون فيما إذا عثر على نصفه أو دون النصف على قولين، والمختار في ذلك مذهب الشافعي وأحمد(1) وابن حزم الظاهري(2) وهو أن تغسل أطرافه وتكفن ويُصلّى عليه وإن كان دون النصف وأقل منه خلافا لأبي حنيفة ومالك. اللّهمّ إلاّ أن يكون شهيدا فلا يُغسل وإن كان جنبا ولا يُصلى عليه(3)
ويدلّ على مشروعية الغسل والتكفين والصلاة فعل الصحابة من ذلك: صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عظام بالشام، وصلاة أبي أيوب الأنصاري على رِجْلٍ(4)، وبما نقله الشافعي قال: بلغنا أنّ طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل، فعرفوها بالخاتم، فغسلوها وصلوا عليها، وكان ذلك بمحضر الصحابة(5) هذا كلّه إن لم يكن قد صلي عليه، فإنّه يغسل ويصلى على ذلك الجزء ويدفن، لأنّ الآثار السابقة وإن كانت دائرة بين الضعف والإرسال إلاّ أنّ الأقرب إلى الصواب هذا القول لأنّه موافق لأصل وجوب الصلاة على المسلم، وإذا جازت الصلاة على الميّت الغائب فإنّه تجوز على جزء منه جريا على الكلّ. أمّا إذا صلى عليه ثمّ وجد جزء منه فأنّه يغسل ويدفن.
غير أنّه إن صلى على بعضه ينوي بالصلاة على كلّه جسده وروحه على ما قرره أهل العلم، وهذا كلّه إن تيقن موته، فإن كان العضو قطع من حي كيد السارق، أو شك في العضو أهو منفصل من حي أو ميّت لم يصل عليه على أرجح الأقوال(6)
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- المجموع للنووي:(5/253-255).
2- المحلى لابن حزم:(5/138).
3- وعدم الصلاة على الشهيد لا ينافي مشروعية الصلاة عليه بدون وجوب، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة رضي الله عنه دون بقية شهداء أحد، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميّت كالمودع للأحياء والأموات[راجع أحكام الجنائز للألباني:45-82].
4- قال الألباني في الإرواء(3/169):"موقوفات ضعيفة".
5- الأم للشافعي:(1/268).
6- المجموع للنووي:(5/254).
(49/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016389
...
الفتوى رقم: 254
الصنف: فتاوى الجنائز
في تجهيز الميت
السؤال: تجهيز الميت هل يكون من ماله الخاص أو من مال أبنائه ؟ وهل نفس الحكم يترتب على الأم ؟ جزاكم الله خيرا ونفعنا بعلمكم والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالمعلوم أنّ الميت لا تقسم تركته إلاّ بعد تجهيزه بماله الخاص وتسديد ديونه وتنفيذ وصاياه، فإن جهّزه أحد أولاده فإن كان ينوي الرجوع عليه بعد ذلك فإنّه يعطى له نصيبه قبل القسمة الإرثية، أمّا إذا تبرع له بما جهّزه به من باب البر والإحسان فجائز ولا يسعه بعد ذلك أن يعود على بقية الورثة بما قدمه له، وهذا الحكم عام سواء لأهل القرابة أو لغيرهم.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:20جمادى الأولى1426هـ
الموافق لـ: 26 جويلية 2005م.
(50/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016390
...
الفتوى رقم: 75
الصنف: فتاوى الجنائز
في حكم الموعظة الليلية في بيت أهل الميت
السؤال: ما حكم من يقوم بالموعظة في الليل عند أهل الميّت مع العلم أنّ هذا الإنسان يفعل هذا الأمر دائما عند كلّ ميّت بنية الموعظة؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنه لا يُعلم في الاجتماع للعزاء أصل مشروع عند السلف، بل كان معدودًَا عندهم من النياحة، فقد صح من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا نَعُدُّ [وفي رواية: نَرَى](1) الاِجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النَّيَاحَةِ"(2) وإذا كان الاجتماع غير مشروع فإنَّ الخطبة أو الوعظ يتبعه في الحكم، إذ الخطبة أو الوعظ مقترن بالاجتماع، ولوازم الشيء منه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 26 ذي القعدة 1426ه
الموافق ل: 28 ديسمبر 2005م
---
1- أخرجه ابن ماجه في الجنائز (1680).
2- أخرجه أحمد (7084)، وصححه النووي في: "شرح المهذب" (5/320)، والألباني في "أحكام الجنائز": (73).
(51/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016391
...
الفتوى رقم: 266
الصنف: فتاوى الجنائز
في حكم تعزية الكافر
السؤال: هل يجوز تعزية الكافر؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فتجوز تعزية الكفار بما نقل عن بعض السّلف أنّه عزّى نصرانياً فقال "عليك بتقوى الله والصّبر" ونقل عن الحسن قال: "إذا عزَّيت الذمِّي فقل: لا يصيبك إلاّ خير" وعن إسحاق أنّه يقول في تعزية المشرك: " أكثر الله مالك وولدك "(1)، ولعلّ ذلك خاص بالذمي والمعاهد والمستأمن دون المحارب، ويدخل ذلك في عموم الأمر ببرهم والعدل فيهم في قوله تعالى: ? لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ?[الممتحنة: 8]
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في: 30 جمادى الثانية 1426هـ
الموافق لـ: 5 أوت 2005م
---
1- انظر أحكام أهل الذمة لابن القيّم : 1/204-205.
(52/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016393
...
الفتوى رقم: 466
الصنف: فتاوى الجنائز
في حكم تغطية الميت بكساء عليه آية الكرسي
السؤال: ما حكم تغطية الميت بكساء مكتوب عليه آية الكرسي وأسماء الله الحسنى علمًا أنه يُنْزع بعد وضعه في القبر ؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ تغطية الميت بغطاء أو إزار مكتوب عليه آية الكرسي أو آيات من القرآن الكريم لا يجوز شرعًا لما يجرُّ هذا الفعل من اعتقاد فاسد بانتفاع الميت بهذا الغطاء المكتوب، الموضوع فوق النعش، المحمول إلى المقبرة، ومثل هذا الاعتقاد بحصول النفع أمر غيبي لا يُبنى على آراء الرجال وأهوائهم بل يستند إلى دليل شرعي يفتقر إليه، ولا يشهد له عمل السلف مع وجود المقتضي له، فضلاً عن أنه لا يخفى على عاقل أنّ تغطية الأحياء أو الأموات بالآيات القرآنية سواء في كسوة أو إزار أو غطاء أو جلباب لا يليق بكلام الله سبحانه وتعالى لما فيه من ابتذال للقرآن الكريم، وامتهان سُوَرِه وآياته، الأمر الذي ينافي التأدّب مع الله تعالى وتعظيم أمره.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
الجزائر في: 14 رمضان 1427ه
الموافق ل: 7 أكتوبر 2006م
(53/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016394
...
الفتوى رقم: 564
الصنف: فتاوى الجنائز
في وصول ثواب العبادات المالية إلى الميت
السؤال: هل يصِلُ ثواب العباداتُ التاليةُ إلى الوالد المتوفى؟
1 - الصدقة.
2 - الصدقة الجارية (لبناء مسجد مثلاً).
3 - تلاوة القرآن.
4 - القربان.
5 - الأضحية.
وهل المسألة خلافية؟ ما ترجيحكم لها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فقد نقل النوويُّ(1- «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/71)) وابنُ كثيرٍ(2- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (330)) إجماعَ العلماءِ على وصول ثواب الدعاء والصدقةِ إلى الميت، ومستند الإجماع النصوص الدالة على مشروعية الدعاء للأحياء والأموات كقوله تعالى: ?وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا? [الحشر: 10]، ومن ذلك مشروعية الدعاء في صلاة الجِنازة والدعاء للميت بعد الدفن، والدعاء عند زيارة القبور.
أمّا وصول الصدقة فبما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَجُلاً قَالَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَلَمْ تُوصِ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَصَدَّقْتُ عَنْهَا»(3- أخرجه البخاري في الجنائز (1322)، مسلم في الزكاة (2326)،، وأبو داود في الوصايا (2881)، والنسائي في الوصايا (6349)، وابن ماجه في الوصايا (2717)، وابن حبان (3353)، ومالك في الموطإ (1451)، وأبو يعلى (4434)، والبيهقي (7204)، من حديث عائشة رضي الله عنها)، وقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّي تُوفِيّتْ وَأَنَا غَائِبٌ فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصدَّقْتُ عَنْهَا بِشَيْءٍ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الذِّي بِالمِخْرَافِ صَدَقَةٌ عَنْهَا»(4- أخرجه البخاري في الوصايا (2605)، وأبو داود في الوصايا (2882)، والترمذي في الزكاة (669)، وابن خزيمة (2501)، وأحمد (3070)، وعبد الرزاق في المصنف (16337)، والبيهقي (12296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما)، وبما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ»(5- أخرجه مسلم في الوصية (4219)، والنسائي في الوصايا (3652)، وابن ماجه في الوصايا (2716)، وأحمد (8677)، وابن خزيمة (2301)، والبيهقي (11842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وفي الجملة فإنّ العبادات المالية: من صدقة بمختلف وجوهها: عينيةٍ أو نقديةٍ أو بتقديم القرابين قابلةٌ للنيابة فيها على الأحياء والأموات، لذلك أقرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاء الدَّيْنِ كما في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وفيه: قضاء أبي قتادة عن الميت الغريم(6- أخرجه البخاري في الحوالات (2168)، والبيهقي (10677)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه)، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بكبش فذبحه فقال: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»(7- أخرجه أبو داود في الضحايا (2810)، والترمذي في الأضاحي (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394))، وفي رواية أحمد: أنه ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ قال في أحدهما: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا»(8- أخرجه أحمد (26587)، والحاكم (3437)، والبيهقي (17444)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه)، وفي الزكاة تحمَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم زكاةَ عمِّه العباس رضي الله عنه(9- أخرجه مسلم في الزكاة (2277)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3760)، وابن حبان (3273)، وأحمد (8085)، والبيهقي (7462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، كما وردت نصوص شرعية أخرى في جواز النيابة في صوم النذر والحجّ والعِتق وغيرِها استثناءً من قوله تعالى: ?وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى? [النجم: 39]، ومن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»(10- أخرجه مسلم في الوصية (4223)، وأبو داود في الوصايا (2880)، والترمذي في الأحكام (1376)، والنسائي في الوصايا (3651)، وابن حبان (3016)، وأحمد (8627)، والبيهقي (12900)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) لأنّ هذه من كَسْبِهِ وعمله وما خلَّفه من آثار صالحة وصدقات جارية لقوله تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ? [يس: 102]، أمّا إهداء ثواب القراءة إلى الميّت فلم يرد في جوازه نصّ، ولم يكن من عادة السلف إهداء الثواب إلى الأموات -وهم أحرص الناس على الثواب-، وقد ذكر ابن كثير أنّ الشافعي -رحمه الله- استنبط من قوله تعالى: ?وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى?: «أنّ قراءة القرآن لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يَنْدُبْ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمّته، ولا حثّهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنصّ ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يُتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء»(11- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (330)).
والجدير بالملاحظة والتنبيه أنّ من الفروق بين الإهداء والنيابة، أنّ المهدي ينوي بنيّته أصالةً، ويهدي ثواب عمله إلى الغير، أمّا النيابة فينوي بنيّة غيره نيابة عنه ليصل إلى الأصيل ثوابه، وعليه فإنّ انقطاع انتفاع الرجل بانقطاع عمله بعد موته الذي هو من كسبه يلزم انقطاع عمل غيره الذي ليس هو من كسبه من بابٍ أولى إلاّ ما استثناه النصّ الشرعي.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في 5 رمضان 1427ه
الموافق لـ 28 سبتمبر 2006م
---
1- «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/71).
2- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (330).
?- أخرجه البخاري في الجنائز (1322)، مسلم في الزكاة (2326)،، وأبو داود في الوصايا (2881)، والنسائي في الوصايا (6349)، وابن ماجه في الوصايا (2717)، وابن حبان (3353)، ومالك في الموطإ (1451)، وأبو يعلى (4434)، والبيهقي (7204)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- أخرجه البخاري في الوصايا (2605)، وأبو داود في الوصايا (2882)، والترمذي في الزكاة (669)، وابن خزيمة (2501)، وأحمد (3070)، وعبد الرزاق في المصنف (16337)، والبيهقي (12296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
5- أخرجه مسلم في الوصية (4219)، والنسائي في الوصايا (3652)، وابن ماجه في الوصايا (2716)، وأحمد (8677)، وابن خزيمة (2301)، والبيهقي (11842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
6- أخرجه البخاري في الحوالات (2168)، والبيهقي (10677)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
?- أخرجه أبو داود في الضحايا (2810)، والترمذي في الأضاحي (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394).
?- أخرجه أحمد (26587)، والحاكم (3437)، والبيهقي (17444)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه.
9- أخرجه مسلم في الزكاة (2277)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3760)، وابن حبان (3273)، وأحمد (8085)، والبيهقي (7462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
10- أخرجه مسلم في الوصية (4223)، وأبو داود في الوصايا (2880)، والترمذي في الأحكام (1376)، والنسائي في الوصايا (3651)، وابن حبان (3016)، وأحمد (8627)، والبيهقي (12900)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
11- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (330).
(54/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016395
...
الفتوى رقم: 641
الصنف: فتاوى الجنائز
في كتابة اسم الميت على قبره
السؤال:
ما حكم وضع حجرين من مادة الإسمنت على القبر، يُكتب على أحدهما اسم المُتوفَّى لتعليم قبره لئلاَّ يشتبه بقبر آخر؟ وبارك الله فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالأصلُ أنه لا يجوز بناءُ القبور وتجصيصُها، والكتابةُ عليها، والقعودُ عليها، لما أخرجه مسلمٌ وغيرُه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ»(1- أخرجه مسلم في «الجنائز»: (2245)، وأبو داود في «الجنائز»: (3226)، والنسائي في «الجنائز»: (2027)، والحاكم: (1396)، من حديث جابر رضي الله عنه)، وفي حديث أبي الهياج الأَسْدِيِّ قال: «قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَن لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً فِي بَيْتٍ إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ»(2- أخرجه مسلم في «الجنائز»: (2243)، وأبو داود في «الجنائز»: (3218)، والترمذي في «الجنائز»: (1049)، والنسائي في «الجنائز»: (2031)، وأحمد: (743)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه).
هذا، وإن كان أهلُ العلم يكرِّهون الكتابةَ على القبر مُطلقًا إلاّ أنهم يستثنون ما تدعو الحاجة إليه كالتعرّف على القبر بأن يُكتفى بكتابة اسم الميّت لا على سبيل الزخرفة، إلحاقًا قياسيًّا على «وَضْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الحَجَرَ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ»(3- أخرجه ابن ماجه في «الجنائز» باب ما جاء في العلامة في القبر: (1561)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1/498): «حسن صحيح»)، وهو من تخصيصِ عمومِ النهي بالقياس وهو جائزٌ عند الجمهور.
غير أنه يُقتصر على أدنى ما يحصل به التعرّف عليه إذا خُشِيَ زوالُه أو نسيانُه سواء بكتابة اسمه فقط أو رقمه العددي من غير الزيادة عليه ببناءٍ أو غيرِه جريًا على قاعدة: «مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ»، وهذا إذا تعذّر تعليمه بحَجَرٍ ونحوِه، كلُّ ذلك سَعْيًا لتحقيق الغاية التي من أجلها وَضَع النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم الحجرَ على قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه وهي قوله: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي»(4- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3206)، والبيهقي: (6843)، من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب رضي الله عنه. والحديث حسنه ابن الملقن في «البدر المنير»: (2/29)، وابن حجر في «تلخيص الحبير»: (5/229)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (7/161)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 25 من ذي الحجة 1427ه
الموافق ل: 14 يناير 2007م
---
1- أخرجه مسلم في «الجنائز»: (2245)، وأبو داود في «الجنائز»: (3226)، والنسائي في «الجنائز»: (2027)، والحاكم: (1396)، من حديث جابر رضي الله عنه.
?- أخرجه مسلم في «الجنائز»: (2243)، وأبو داود في «الجنائز»: (3218)، والترمذي في «الجنائز»: (1049)، والنسائي في «الجنائز»: (2031)، وأحمد: (743)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
3- أخرجه ابن ماجه في «الجنائز» باب ما جاء في العلامة في القبر: (1561)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1/498): «حسن صحيح».
4- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3206)، والبيهقي: (6843)، من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب رضي الله عنه. والحديث حسنه ابن الملقن في «البدر المنير»: (2/29)، وابن حجر في «تلخيص الحبير»: (5/229)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (7/161).
(55/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016396
...
الفتوى رقم: 678
الصنف: فتاوى الجنائز
في حكم نعي الميّت
السؤال:
جرتِ العادةُ عندنا أنه إذا مات شخصٌ يقوم أهلُه بتعليق إعلان فيه إخبار بوفاته ووقت دفنه على أبواب المساجد، والمقاهي وغيرها، فهل هذا من النعي المنهي عنه؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
- فالإخبارُ بموتِ الميِّتِ وإذاعتُهُ على رؤوسِ المنائِرِ أو تعليقُ إعلانات وفاته على أبواب المساجدِ والمقاهي وغيرِها فإنّ هذا يُعَدُّ من نعيِ أهلِ الجاهلية، وقد ثبت عن حذيفةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه أنه قال: «إِذَا مِتُّ فَلاَ تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ»(1- أخرجه الترمذي في «الجنائز»: (986)، وابن ماجه في «الجنائز»: (1476)، وأحمد: (23072)، والبيهقي: (7210)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. والحديث حسنه ابن حجر في «فتح الباري»: (3/452)، والألباني في «أحكام الجنائز»: (44)).
قال ابن حَجَرٍ: «وإنما نهى عمّا كان أهلُ الجاهلية يصنعونه، فكانوا يُرسِلون من يُعلن بخبر موتِ الميت على أبواب الدُّورِ والأسواق…»(2- فتح الباري لابن حجر: (3/452)).
- أمّا إذا كان الإيذانُ بموته والإعلامُ به مجرّدًا عن إذاعةٍ وإعلانٍ فجائزٌ كما ثبت في الصحيحين أنه قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لَمَّا رأى قبرًا دفن ليلاً: «مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ فَقَالُوا: البَارِحَةَ، قَالَ: أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي»(3- أخرجه البخاري في «الجنائز»: (1258)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).
- وقد يكون الإعلان عن وفاته واجبًا إذا لم يكن عنده من يقوم بحقّه من الغُسل والتكفينِ والصلاةِ عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا»(4- أخرجه البخاري في «الجنائز»: (1268)، ومالك في «الموطإ»: (532)، وابن حبان في «صحيحه»: (3103)، وأحمد: (10624)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)؛ ولأنّ حضورَ مَن يتولى تجهيزَه وحملَهُ والصلاةَ عليه لازمٌ ولا يتمُّ إلاّ بالإخبار عن موتِه، و«مَا لاَ يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ» فضلاً عن انتفاعِ الميت بكثرةِ المصلين عليه فهم شفعاؤُهُ.
فالحاصل: أنّ النعيَ ليس ممنوعًا كلُّه، وإنما الممنوعُ ما كان عليه صنيعُ أهلِ الجاهليةِ، ومِنْ صُوَرِهِ ما هو وَارِدٌ في السؤال.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 24 ربيع الثاني 1428ه
الموافق ل: 12 ماي 2007م
---
1- أخرجه الترمذي في «الجنائز»: (986)، وابن ماجه في «الجنائز»: (1476)، وأحمد: (23072)، والبيهقي: (7210)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. والحديث حسنه ابن حجر في «فتح الباري»: (3/452)، والألباني في «أحكام الجنائز»: (44).
2- فتح الباري لابن حجر: (3/452).
3- أخرجه البخاري في «الجنائز»: (1258)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
4- أخرجه البخاري في «الجنائز»: (1268)، ومالك في «الموطإ»: (532)، وابن حبان في «صحيحه»: (3103)، وأحمد: (10624)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(56/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016398
...
الفتوى رقم: 82
الصنف: فتاوى الزكاة
زكاة الحلي
السؤال: شيخنا الفاضل نستسمحكم لنأخذ قسطا من وقتكم الثمين لمعرفة الحق وبيانه في مسألة كلفتني إحدى النساء بسؤال أهل الذكر عنها، فشاء المولى عز وجل أن تكونوا المجيبين عليها وأرجو الله عز وجل أن لا يكون في سؤالي هذا حرج و إزعاج لكم سائلته جل وعلا أن ينفعكم بما آتاكم من فضله وأن يرزقكم الفردوس الأعلى نزلا.
أمّا المسألة: فإنّ هذه المرأة تسأل عن زكاة حليها، وكنت قد سألتكم وقلتم أنّ الراجح الزكاة في حلي المرأة، وقد نقلت ذلك ( أي الحكم ) ولكن أشكل عليها عملية إخراج الزكاة على السنوات التي مضت والتي كانت خلالها جاهلة بحكم زكاة الحلي، وتفصيل هذا كما يلي:
منذ 1981 إلى غاية 1994 كان لها من الذهب ( حلي ) ما يبلغ مقدار 93،1 غ - أي بلغ النصاب- وفي هذه الفترة كلها لم تزك ، لكونها لم تكن تعلم بوجوب زكاة الحلي.
ومن 1995 إلى يومنا هذا، خلال هذه الفترة علمت بحكم زكاة الحلي و لكن لجهلها بكيفية إخراج الزكاة و حكم السنوات التي مضت لم تزك، ومع ذلك باعت من الذهب ما يعادل (33،2 غ) استعملت العائد منهما من المال ولم يبق منه سوى مليونين لم تستعملهما.
فهي تسأل: هل تزكي عن السنوات الماضية وكيف يكون ذلك مع الصعوبة في معرفة مقدار النصاب لكل سنة لم تزك عنها، فهي ترجو من فضيلتكم بيانا مفصلا وواضحا.
شيخنا الفاضل نشكر لكم تواضعكم وتكرمكم بقبول الإجابة، ونسأله جلّ وعلا أن يجعلكم من ورثة جنّة النّعيم. جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ في حلي المرأة إذا بلغ النصاب، الزكاة على الأصح من أقوال أهل العلم يشهد لذلك عمومات النصوص و خصوص السنة وهو مذهب أبي حنيفة و ابن حزم وغيرهما خلافا للأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، وعليه فإن السائلة إذا لم تزك في السنوات السابقة بناء على فتوى شرعية من أحد أئمة المساجد أو العلماء أو أنها علمت بالحكم بالنظر إلى عموم الناس فيما يشتركون فيه من التزامهم للمذهب المالكي في هذه الديار القاضي بعدم وجوب الزكاة بالغا ما بلغ ، فإنه لا زكاة تجب عليها لانتفاء الجهل بالحكم طيلة هذه المدة، تأسيسا على علمها بعدم الوجوب إلى علمها بالوجوب و يبتدئ الوفاء بالزكاة من سنة 1995م.
أمّا إن جهلت حكم الوجوب و لم تسأل عنه أهل الذكر فلا تقبل منها دعوى الجهل، ويبقى في ذمتها دين يجب الوفاء به ما دام النصاب مكتملا و تاما، و النصاب بالذهب ثابت غير متغير و هو عشرون دينارا ذهبيا الواحد منه يمثل: 4،25 × 20 = 85 غ ، وتخرج لمدة أربع سنوات بالغرامات الذهبية الخالصة التي يجوز إخراجها نقدا بعد تقويمها ابتداء من تكوين وبلوغ النصاب بالمقدار من الذهب الخالص غير المختلط بغيره ويمكن بيانه على الجدول التالي :
السنة
النصاب
مقدار الاستحقاق
1981
93،1 غ
2.3275
1982
90،7725 غ
2.2693
1983
88.5032 غ
2.2125
1984
86.2907 غ
2.1572
المقدار الواجب الدفع هو : 8.9665 غ(1).
لأنّه إذا انتقصنا من النصاب 86.2907 مقدار 2.1572 لكان المبلغ 84.1335 غ وهو دون النصاب المقدر شرعا ب 85 غ كما تقدم.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين؛ وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- تقسيم الزكاة بهذا الوجه إنّما بناه الشيخ على ما اختاره من أنّ وجوب الزكاة يقع في عين المال وهو مذهب الأحناف ومالك ورواية عن الشافعي وأحمد، ثم غيّر اختياره إلى أنّ الزكاة تجب في ذمّة صاحب المال لا في عين المال وبه قال الشافعي وأحمد وابن حزم وغيرهم، وعليه يكون المقدار المستحق الدفع =9,31غ، والله أعلم.
(57/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016399
...
الفتوى رقم: 83
الصنف: فتاوى الزكاة
حساب الزكاة من القرض
السؤال: رجل أقرض آخر مالا، وعندما جاء وقت زكاة ماله، حسب المبلغ الذي اقترضه وجعله من المقدار المخرج من الزكاة أي جعله زكاة على المدين، فما حكم هذا العمل؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ إسقاط الدَّين عن الفقير يجزئه عن الزكاة إذا لم يكن يائسا من قبضه، ولا يشترط قبضه بل يكفي أن يترجح قبض هذا الدين ويغلب على ظنه قبضه ولو لم يقبضه، فيكون –عندئذ- إبراؤه منه في حكم التسليم إليه، كمن له مال وديعة ودفعها عن الزكاة فإنّه يجزئه سواء قبضها أم لا، هذا كلّه فيما إذا أعلم المدين بتحويل دينه إلى زكاة عليه وقبله، فإن لم يرض بذلك فلا يجزيه عنه.
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 17 شعبان 1417 هـ
الموافق ل: 28 ديسمبر 1996م
(58/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016400
...
الفتوى رقم: 84
الصنف: فتاوى الزكاة
في حكم زكاة القرض
السؤال: إذا أقرض شخص شخصا آخر مبلغا من المال فما هي تفاصيل قضية زكاة هذا المال باعتبار حالة الدائن و المدين من حيث الاتفاق بينهما ؟ أفتونا مأجورين -إن شاء الله- وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فمن أقرض غيره مالا، فإمّا أن يكون المال ميئوسا منه أو مرجوّا عودته إليه، فإن كان المال ميئوسا منه فلا زكاة فيه، أمّا إن كان مرجوا عودته إليه ففيه حالات:
- فإن كان الدائن المقرض يستطيع استرداد ماله عند المدين المقترض في أيّ وقت شاء فإنّه يزكّيه بعد كل حول قمري.
- وإن كان لا يستطيع استرداده إلاّ بعد مدّة زمنية، فإمّا أن تكون المدّة معلومة بالشهور أو السنوات فإنّه يزكّي قرضه ويحتسبه مع أصل ماله إن وجد، وإمّا أن تكون المدّة مجهولة فإنّه يزكّيه لسنة واحدة على أرجح أقوال أهل العلم ثمّ لا يزكيه إلاّ بعد قبضه، فإن قبضه زكاه للسنوات التي لم يزكّها، فإن لم يقبضه فلا زكاة له عليه بعد أن زكى السنة الأولى من قرضه.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وسلّم تسليما
الجزائر في: 23 جمادى الثانية 1426هـ.
الموافق لـ: 29 جويلية 2005م.
(59/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016402
...
الفتوى رقم: 291
الصنف: فتاوى الزكاة
في استنابة مدين في إخراج الزكاة عن الدائن بما تبقى عليه من الدين
السؤال: أرجو منكم الإجابة على المسألة التالية:
تاجر يبيع بالجملة له دَيْنٌ على أحد تجار التجزئة، وعندما حضر موعد التسديد لم يتمكن تاجر التجزئة أن يفي بالمبلغ كاملا، بحيث بقي منه جزء لم يسدد. فطلب تاجر الجملة من تاجر التجزئة أن يخرج عنه المبلغ المتبقي كزكاة لماله. فهل برئت ذمة تاجر الجملة بتكليفه تاجر التجزئة بإخراج الزكاة عنه من الدين؟ ويسأل تاجر التجزئة هل يمكنه أن يخرج الزكاة بشطب ديون زبائنه هو(أي الذين يتعاملون معه) وهو يعلم أنهم معسرون لا يقدرون على التسديد بحيث يعتبر أنه قد أخرج مبلغ الزكاة الذي كلف بإخراجه (مع العلم أنه لم يخبر صاحب المال و لا الزبائن)؟ و بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالأصل أنّه لا تبرأ ذمّة المزكي حتى يخرجها بنفسه أو عنه نائبه أو وكيله، ولا يخفى أنّ النيابة في العبادات المالية جائزة، لكن لمّا كان المدين (تاجر التجزئة) ليس عنده المال في الحال ليزكي به عنه، وقد يعسر ويتعذر عليه أن يستنيبه لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، الأمر الذي يتخلف فيه حق الفقير والمسكين وغيرهما بتخلف الدائن (تاجر الجملة) عن إخراجها، لذلك وجب عليه أن يخرجها عند وجوبها عليه، أو يسلم الزكاة إلى وكيله أو نائبه قصد إخراجها عنه من غير تأخير عن مستحقيها جريا على قاعدة أنّ: "المحقق لا يترك للموهم".
ومن جهة أخرى فإنّه على أصح قولي العلماء يجوز إسقاط الدين عن الزكاة إذ غلب على ظن الدائن المزكي قبض هذا الدين من الغريم المدين، أي لم يكن الدين ميئوسا من قبضه، وأن يُعلم المدين بذلك ويقبله.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إليى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 25 شعبان 1426هـ
الموافق لـ: 29 سبتمبر 2005م
(60/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016404
...
الفتوى رقم: 85
الصنف: فتاوى الزكاة
في مقدار نصاب الركاز ومصارف زكاته
السؤال: ما هو مقدار نصاب زكاة الركاز؟ وما هي مصارف زكاته؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أمّا بعد:
فالركاز هو كل مال مدفون في الأرض مطلقًا، بغض النظر عن صفة المعدن ونوعه، أي أنه لا يختص بالذهب والفضة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الجمهور، وقد اتفقوا -أي الجمهور- على أنه لا يشترط في الركاز الحول، ولا اعتبار للنصاب، وإنما يجب إخراج الخمس في الحال وعلى الفور، قلَّ أو كثُر، نصيبا مفروضًا، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وَفِي الرِّكَازِ الخُمُس"(1)، ويصرف في المنافع العامة، ومصالح المسلمين، فإن تعذر، فعلى السائل والمحروم من الفقراء والمساكين وغيرهم.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم اللدين وسلم تسليما كثيرا.
الجزائر في: 20 محرم 1427ه
الموافقل: 19 فبراير 2006م
---
1- أخرجه البخاري في الركاز (1499)، ومسلم في الحدود (4562)، وأبو داود في الخراج (3087)، والترمذي في الزكاة (643)، والنسائي في الزكاة (2507)، وابن ماجه في اللقطة (2605)، ومالك (589)، وأحمد (7319)، والدارمي (1721)، والدارقطني (3349)، والحميدي في مسنده (1128)، والبيهقي (7895)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(61/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016405
...
الفتوى رقم: 468
الصنف: فتاوى الزكاة
حكم القرض الحسن الممنوح من أموال الزكاة
السؤال: ما حكم القرض الحسن الذي هو عبارة عن مال الزكاة تقرضه الدولة للمحتاج ، علما أنّه يسدده بعد فترة من الزمن بدون فائدة؟ وبارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ الآية في قوله تعالى: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ?[التوبة: 60]، إنما ذكرت هذه الأصناف لبيان المصرف لا لوجوب استيعابها وهو قول عامة أهل العلم، فيجوز للحاكم أو من يتولى قسمتها أن يعطي من حضر عنده من هذه الأصناف، ولا يجب عليه التسوية بينهم ولا يشترط تعميمهم بالعطاء، فيجوز أن يعطي بعض الأصناف أكثر من البعض الآخر، وله أن يمنح البعض دون البعض إذا كان في تصرفه مصلحة عائدة على الإسلام وأهله، ولكنه لا يجوز له أن يُخْرجَ عنهم أو يتصرف في أموالهم لنفع غيرهم، ونقل ابن تيمية -رحمه الله- عن الإمام أبي جعفر الطبري -رحمه الله- قوله: "عامة أهل العلم يقولون: للمتولي قسمتها، ووَضْعها في أيِّ الأصناف الثمانية شاء، وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلامًا منه أنّ الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها، لا إيجابًا لقسمتها بين الأصناف الثمانية"(1).
وعليه، فلا يجوز لمن يتولى توزيعها أن يعتمد على المعنى الواسع في تفسير صنف"في سبيل الله" بحيث يدخل كافة أنواع البر وسائر أعمال الخير، لأنَّ تفسيره بهذا المعنى يقضي بطريق أو بآخر على الحصر الوارد في الآية، المخصص للأصناف الثمانية دون غيرهم، والعمل بمقتضى هذا التفسير يؤدي إلى قلب فائدة الآية من تأسيسية إلى تأكيدية، فضلا عن أنّه لم يُنقل عن أحد من السلف هذا المعنى، ولا قائل بذلك من المسلمين، قال أبو عبيد في "الأموال": "فأمَّا قضاء الدين عن الميت، والعطية في كفنه، وبنيان المساجد، واحتفار الأنهار، وما أشبه ذلك من أنواع البر، فإنَّ سفيان وأهل العراق وغيرهم من العلماء، مجمعون على أنَّ ذلك لا يجزئ من الزكاة، لأنَّه ليس من الأصناف الثمانية"(2).
قلت: وممَّا يدخل في سياق أبي عبيد-رحمه الله- تصرف متولي الزكاة وقسمتها بالقرض الحسن للمحتاج، إذ لا يخفى أنَّه اجتهاد من الحاكم أو من ينوب منابه وهو منتقض لمخالفته للنص الشرعي والإجماع، وقد سبق وأن بينت ذلك في مسألة: متى يرفع الحاكم الخلاف؟ فيما مضى من الفتوى(3).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 28 جمادى الأولى 1427ه
الموافق لـ:24 جوان 2006م
---
1- مجموع الفتاوى لابن تيمية: 25/ 40.
2- الأموال لأبي عبيد: 243(1980).
3- راجع الفتوى 25 من فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية اضغط هنا.
(62/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016406
...
الفتوى رقم: 476
الصنف: فتاوى الزكاة
في توجيه مال الزكاة المعطي إليه خطأً
السؤال: استدان رجل مبالغ مالية، وعند حلول الأجل عجز عن تسديد الدين نظرا لعدم قبض أمواله الناتجة عن عمله الشخصي، فأعطاه أخوه -الذي هو أغنى منه- زكاة ماله باعتبار أنّه من الغارمين، وقبل تسديد دينه بها قبض جميع أمواله التي هي محصلة عمله، فهل يجوز له أخذ هذه الزكاة من مال أخيه ؟ وإذا كان لايجوز فكيف يتصرف بها؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فمن علم أنَّ أمواله ترجع إليه باعتبار المآل فهو غني وليس معدودًا من الغارمين حتى يستحق الزكاة، ومن كان في هذه الحال فبإمكانه الاقتراض من أخيه لتسديد ديونه ثم يردها لأخيه بعد تسلمها من الجهات المدينة له، وعليه فإنَّ زكاة أخيه المعطاة له إمَّا أن يردَّها لأخيه حتى يزكيها على وجهها الصحيح، لعدم براءة ذمته منها، وإمَّا أن يقوم هو بالنيابة عن أخيه بعد إعلامه في صرفها على المستحقين المذكورين في الآية: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ?[التوبة: 60]، ولا تجوز في غير هؤلاء المذكورين وليس هو من المستحقين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَ صَدَقَةَ لِغَنِيٍ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍ"(1).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 11 جمادى الثانية 1427ه
الموافق لـ: 6 جويلية 2006م
---
1- أخرجه أبو داود في الزكاة (1636)، والحاكم (1478)، والدارقطني في سننه (2015)، والبيهقي (13534)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وحسنه ابن حجر في التلخيص الحبير (4/152).
(63/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016407
...
الفتوى رقم: 503
الصنف: فتاوى الزكاة
في انتفاء وجوب الصدقة إلا من نذر
السؤال: اعتاد رجلٌ أن يتصدَّق كلَّ شهر بمبلغ مالي، بحسب إمكانه وقدرته، وفي شهر من الشهور أصيب بضائقة مالية، فهل يجب عليه أن يواصل صدقته أم هو معذور؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإذا كان ما أخرجه على وجه النذر فينبغي أن يوفي بنذره في حدود القدرة المناط بها التكليف، فإن تعذَّر عليه وجب عليه أن يكفِّر عن نذره كفارة يمين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَّارَةُ النََّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِينٍ»(1- أخرجه مسلم في النذور (1645)، وأبو داود في الأيمان والنذور (3323)، والترمذي في النذور والأيمان (1528)، والنسائي في الأيمان والنذور (3832)، وأحمد (16850)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه)، أمَّا إذا لم يكن تصرفه مقيَّدًا بنذر وإنما بعموم الصدقة فهو أمير نفسه متى وجد أعطى بحَسَب ما يقدر عليه من باب التطوع غير الملزم.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
الجزائر في: 23 صفر 1427ه
الموافق ل: 23 مارس 2006م
---
1- أخرجه مسلم في النذور (1645)، وأبو داود في الأيمان والنذور (3323)، والترمذي في النذور والأيمان (1528)، والنسائي في الأيمان والنذور (3832)، وأحمد (16850)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(64/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016408
...
الفتوى رقم: 388
الصنف: فتاوى الزكاة
في حكم زكاة عروض التجارة وكيفية إخراجها
وصحة وضعها في صندوق الزكاة
السؤال: هل في عروض التجارة زكاة؟ وما هي كيفية إخراجها؟ وهل يجوز صرف الزكاة لصندوق الزكاة؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فاعلم أنَّ ما عليه جمهور أهل العلم وجوب الزكاة في عروض التجارة لقوله سبحانه وتعالى:? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ? [البقرة: 267]، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يؤدي زكاة ما يَعدُّه للبيع(1- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ليس في شيء من العروض زكاة إلا للتجارة". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/183)، وابن زنجويه في"الأموال"(3/942)، والبيهقي (4/187)، من طريق عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه. وصححه ابن حزم في "المحلى" (5/234)، والنووي في "المجموع" (6/48)، وابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (1/261).وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ما كان من مال في رقيق أو دواب أو في بز للتجارة فإن فيه الزكاة في كل عام". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/97)، وأبو عبيد في "الأموال" (521)، وابن زنجويه في "الأموال"(3/943)، من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما. انظر "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" لزكريا بن غلام قادر الباكستاني (2/603))، وأدلة الجمهور كثيرة تطمئنّ النفس لها، والواجب على صاحب التجارة تجريدُ كُلِّ عروض التجارة لمعرفة قيمتها، والأموال التي يمتلكها وما أعطى للغير من أموال ديونا، يجمعها جميعا ويُخرج منها ربعَ العشر، وإنما يتم بسعر الحال لأنه أحظى للفقير، ولا يَهُمُّ دخولُ وخروج البضائع إذا كان النصاب قائما ولم ينتقص، وإنما يَنْظر في آخر شهر من الحول القمري فيخرج من أمواله بما وجب عليه ـ شرعا ـ إخراجه وهو ربع العشر، ولما كان إخراجه الزكاة بنفسه إلى مستحقيها المعلومين بنص الآية(2- ونص الآية قوله تعالى: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? [التوبة: 60]) محقَّقًا بخلاف صندوق الزكاة فإخراجه مُوهَم(3- راجع مسألة حكم القرض الحسن الممنوح من أموال الزكاة في فتوى رقم: 468)، فإنّ "المحقق لا يُترك للموهَم" كما تقرر في القواعد.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
2 محرم 1427ه
الموافق ل:1 فبراير 2006م
---
?- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ليس في شيء من العروض زكاة إلا للتجارة". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/183)، وابن زنجويه في"الأموال"(3/942)، والبيهقي (4/187)، من طريق عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه. وصححه ابن حزم في "المحلى" (5/234)، والنووي في "المجموع" (6/48)، وابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (1/261) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ما كان من مال في رقيق أو دواب أو في بز للتجارة فإن فيه الزكاة في كل عام". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/97)، وأبو عبيد في "الأموال" (521)، وابن زنجويه في "الأموال"(3/943)، من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما. انظر "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" لزكريا بن غلام قادر الباكستاني (2/603).
?- ونص الآية قوله تعالى: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? [التوبة: 60].
?- راجع مسألة حكم القرض الحسن الممنوح من أموال الزكاة في فتوى رقم: 468.
(65/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016409
...
الفتوى رقم: 532
الصنف: فتاوى الزكاة
في حكم زكاة الحلي وكيفية إخراجه
السؤال: هل تجب الزكاة في الحلي؟ وكيف يتمُّ إخراجها هل بالقيمة أم بالوزن؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فلا خلافَ بين أهل العلم في أنَّ الحُلي الحرام: وهو ما حرم استعماله واتخاذه من الذهب والفضة كالأواني الذهبية والفضِّية، والمجامر والملاعق وما يقتنيه الرجال من حلي حرَّمه الشرعُ عليهم فإنَّ الزكاة تجب فيها.
وإنَّما الخلاف في حلي الذهب والفضّة للنساء، ومن أسبابه أنَّ مَن اعتبر المادةَ التي صُنعت منها الحليُّ، وهي نفس المعدن الذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع، أوجب الزكاةَ في الحلي كما أوجبها في النقد، ومَنْ نَظَرَ إليها باعتبار الصناعة والصياغة فأشبهت بالصناعة عمومَ المتاع الذي يُقتنى لإشباع الحاجيات الشخصية وهي ليست من الأموال النامية أو قابلة للنَّماء والاستغلال كالأثاث والثياب التي لا تجب فيها الزكاة إجماعًا نفى الزكاةَ في الحلي بهذا الاعتبار.
والظاهر أنَّ مَنِ اعتبر المادَّة التي صُنِعت منها الحُلي أَوْلَى في تقريرِ وجوبِ الزكاة فيها، ويشهد لذلك عمومُ الآيات والأحاديثِ الشاملةِ لها والآمرة بالزكاة، منها: قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ? [التوبة: 34]، وفي الحديث: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، صُفِحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ بِهَا جَنْبُهُ وجَبِينُه وَظَهْرُهُ…»(1- أخرجه مسلم في الزكاة (987)، وابن حبان (3253)، وابن خزيمة (2252)، وأحمد (7663)، والبيهقي (7625)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وقد اتفق العلماء على أنَّ المراد بالكنز المذكور في النصوص هو: كلُّ ما وجبت فيه الزكاةُ فلم يؤدّ زكاته، فعن أُمِّ سلمةَ رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أَلْبِسُ أَوْضَاحًا(2- الأوضاح: نوع من الحلي يعمل من الفضة سميت بها لبياضها. [النهاية لابن الأثير: 5/196]) مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ»(3- أخرجه أبو داود في الزكاة (1564)، والحاكم في المستدرك (1438)، والبيهقي (7335)، والحديث حسنه النووي في «المجموع» (6/33)، وقال العراقي في «طرح التثريب» (4/7): «إسناده جيد»، وقال الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/103): «حسن أو صحيح»).
فالحاصل أنَّ الكتاب يشهد لقول من أوجبها والأثر يؤيّده كما قال الخطابي: «ومَن أسقطها ذَهَبَ إلى النظر ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها»(4- «معالم السنن للخطابي»: (2/214)).
والاعتبار في الزكاة بالوزن لانضباطه لا بالقيمة لاضطرابها، ولأنَّه قد اعتبرنا الحُليَّ مِن المعدن الذي خلقه الله ليكون نقدًا يجري فيه التعامل بين النَّاس فكان نصاب زكاة الذهب عشرين دينارًا، وهو يُمثِّل خمسًا وثمانين غرامًا [85غ] وفيه ربعُ العشر اثنان ونصف [2.5%]، أمَّا نصاب الفضّة فمِائتا درهم وهو يمثّل: خمسمائة وخمسة وتسعين غرامًا [595غ] وفيه ربع العشر أيضًا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 21 رجب 1427ه
الموافق ل: 15 أوت 2006م
---
?- أخرجه مسلم في الزكاة (987)، وابن حبان (3253)، وابن خزيمة (2252)، وأحمد (7663)، والبيهقي (7625)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
?- الأوضاح: نوع من الحلي يعمل من الفضة سميت بها لبياضها. [النهاية لابن الأثير: 5/196].
?- أخرجه أبو داود في الزكاة (1564)، والحاكم في المستدرك (1438)، والبيهقي (7335)، والحديث حسنه النووي في «المجموع» (6/33)، وقال العراقي في «طرح التثريب» (4/7): «إسناده جيد»، وقال الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/103): «حسن أو صحيح».
4- «معالم السنن للخطابي»: (2/214).
(66/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016410
...
الفتوى رقم: 563
الصنف: فتاوى الزكاة
في حكم نقل زكاة الفطر
السؤال: أسكنُ في فرنسا ويصعب عليَّ إخراجُ زكاة الفطر في هذا البلد، فهل يجوز لي إخراجُها في غير البلد الذي صمتُ فيه بتوكيل أحدِ الإخوة بإخراجها في الجزائر من مالي الخاص؟ وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنّ إخراجَ زكاة الفطر في غير البلد الذي صام فيه إن كان أهلُ ذلك البلد يستغني عنها أو تعذر عليه إخراجها في البلد المقيم فيه لعدم معرفة أعيان المساكين المخرج إليهم فإنه يصحُّ له نقلها أصالةً أو بالنيابة إلى مسلمين من مساكين في بلد آخر، وإذا لم يستغن عنها من يستحقّها من المسلمين في ذلك البلد، ولم يتعذّر عليه معرفتهم فإنها تُفرق في البلد الذي وجبت عليه فيه لأنّ الزكاة تتعلّق بعينه وهو سبب الوجوب، لكن إن خالف وأخرجها في غير البلد الذي وجبت عليه فيه فإنّ زكاة فِطره تصحّ بشرطها وإن كان خالف الأَولى.
ملاحظة:
وتجدر الملاحظة إلى أنه لا يجوز إعطاء صدقة الفطر إلاّ لمساكين المسلمين دون مساكين الأمم الأخرى، لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(1- أخرجه أبو داود في «الزكاة» باب زكاة الفطر (1609)، وابن ماجه في «الزكاة» باب صدقة الفطر (1827)، والحاكم (1521)، والدارقطني (2037)، والبيهقي (7715)، وصحّحه الألباني في «صحيح الجامع» (3570)) فإنّ ظاهرَها يفيد حصرَها بالمساكين من أهل الإسلام.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
مكة في 4 شوال 1427
الموافق ل: 26 أكتوبر 2006م
---
1- أخرجه أبو داود في «الزكاة» باب زكاة الفطر (1609)، وابن ماجه في «الزكاة» باب صدقة الفطر (1827)، والحاكم (1521)، والدارقطني (2037)، والبيهقي (7715)، وصحّحه الألباني في «صحيح الجامع» (3570).
(67/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016411
...
الفتوى رقم: 631
الصنف: فتاوى الزكاة
في زكاة مالك النصاب المدّخر لشراء مسكن
السؤال:
بصفتي مُستأجِرٌ وعائلتي تحتاج إلى مسكن خاصٍّ أمتلكه، وعندي مبلغٌ من المال أدَّخره لشرائه، ولا أزال أجمعه وقد بَلَغَ النصابَ, وحال عليه الحولُ, وقد أضطرّ للدَّين، فهل يجب عَلَيَّ فيه الزكاة؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فحقُّ المستحقِّين للزكاة من الفقراءِ والمساكينِ وغيرِهم يبقى عالقًا بذمَّة مالكِ النِّصابِ الذي حال الحول عليه، ولو لم يجد ما يفي بكفايته؛ لأنَّ مالَه -في نموّه- يحتاج إلى تطهيرٍ ممَّا قد يعتريه من شُبهاتٍ أثناءَ كَسْبِهِ، ومن جهة أخرى فهو غَنِيٌّ يَمْلِكُ نصابًا، وكُلُّ غَنِيٍّ يحتاج إلى أن يتزكَّى بالبَذْلِ والإنفاق، وأن يتطهَّر من رذيلة الشُّحِّ وحُبِّ الذات، قال تعالى: ?خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا? [التوبة: 103]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّم: «مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ شَرُّهُ»(1- أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في «المعجم الأوسط»، كما ذكر المنذري في «الترغيب والترهيب»: (1/301)، من حديث جابر رضي الله عنه. وأخرجه ابن خزيمة: (2247)، والحاكم: (1472)، والبيهقي: (7269)، بلفظ: «إذَا أدَّيْتَ زكاةَ مالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْكَ شَرَّهُ»، قال ابن حجر في «تلخيص الحبير»: (2/737): «وله شاهد صحيح عن أبي هريرة». والحديث كان قد ضعفه الألباني في «الضعيفة»، ثمّ تراجع عن التضعيف وقال: «ثمّ وجدت للحديث شاهدًا من رواية أبي هريرة بسند حسن، ومن أجله كنت أوردته في «صحيح الترغيب» (8-صدقات)، فهو به قوي، وينقل إلى «الصحيحة» »، «السلسلة الضعيفة»: (5/248) رقم: (2219)).
ولا يخفى أنَّ الزكاة لا تُنقص من المال بل يُربِّيه الله تعالى ويزيدُه، قال تعالى: ?وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ? [الروم: 39]، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ –وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ وَيُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ»(2- أخرجه البخاري في «التوحيد»: (6993)، ومسلم في «الزكاة»: (2342)، والترمذي في «الزكاة»: (661)، والنسائي في «الزكاة»: (2525)، وابن ماجه في «الزكاة»: (1842)، وأحمد (8737)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وفي حديث آخر: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ»(3- أخرجه الترمذي في «الزهد»: (2325)، وأحمد: (17570)، من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه. وأخرجه البزار في «مسنده»: (1032)، والطبراني في «المعجم الصغير»: (142)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وصححه ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم»: (2/396)، والألباني في «صحيح الجامع»: (3024). وأخرج مسلم في صحيحه كتاب «البر والصلة»: (6592)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»).
هذا، والغَنِيُّ إذا احتاجَ ما يدفع الهلاكَ عن نفسه أو عِيَالِهِ تحقيقًا أو تقديرًا فهو غَنِيٌّ باعتبار تحقُّقِ شروطِ الزكاة فيه، وفقيرٌ من جهة أنه لا يملك ما يقوم بكفايته فيُعطى من الزكاة بهذا الاعتبار.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 29 المحرم 1428ه
الموافق ل: 17 فبراير 2007م
---
1- أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في «المعجم الأوسط»، كما ذكر المنذري في «الترغيب والترهيب»: (1/301)، من حديث جابر رضي الله عنه. وأخرجه ابن خزيمة: (2247)، والحاكم: (1472)، والبيهقي: (7269)، بلفظ: «إذَا أدَّيْتَ زكاةَ مالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْكَ شَرَّهُ»، قال ابن حجر في «تلخيص الحبير»: (2/737): «وله شاهد صحيح عن أبي هريرة». والحديث كان قد ضعفه الألباني في «الضعيفة»، ثمّ تراجع عن التضعيف وقال: «ثمّ وجدت للحديث شاهدًا من رواية أبي هريرة بسند حسن، ومن أجله كنت أوردته في «صحيح الترغيب» (8-صدقات)، فهو به قوي، وينقل إلى «الصحيحة» »، «السلسلة الضعيفة»: (5/248) رقم: (2219).
?- أخرجه البخاري في «التوحيد»: (6993)، ومسلم في «الزكاة»: (2342)، والترمذي في «الزكاة»: (661)، والنسائي في «الزكاة»: (2525)، وابن ماجه في «الزكاة»: (1842)، وأحمد (8737)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3- أخرجه الترمذي في «الزهد»: (2325)، وأحمد: (17570)، من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه. وأخرجه البزار في «مسنده»: (1032)، والطبراني في «المعجم الصغير»: (142)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وصححه ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم»: (2/396)، والألباني في «صحيح الجامع»: (3024). وأخرج مسلم في صحيحه كتاب «البر والصلة»: (6592)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ».
(68/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016412
...
الفتوى رقم: 76
الصنف: فتاوى الصيام
حكم البخاخات الهوائية حال الصيام
السؤال: سائلة تعاني من مرض الربو وتريد معرفة ما إذا كان يجوز لها استعمال بخاخة هوائية تعمل على توسيع المسالك الهوائية عن طريق استنشاق الدواء الموجود بها، وذلك في رمضان أو في غيره أي حين تكون صائمة.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا كانت مكونات هذه البخاخة عبارة عن هواء (أوكسجين) يساعد على فتح وتوسيع المجاري في القصبات الهوائية فلا نرى مانعا من استعماله في رمضان وغيره، ولا يمكن تعداده من المفطرات، أمّا إذا كانت تحتوي على مكونات تتركب من مواد بخارية تتحول باستعمالها إلى سوائل تشعر بمذاقها وبنزولها إلى الحلق فالمعدّة حال الاستعمال وبالتفاعل، فإنّها تعدّ من المفطرات وعليه فإن كان استعمالها بهذا الاعتبار الأخير نهار رمضان في الشهر مرة أو مرتين فهو معدود من المريض الذي يقضي ما أفطره أمّا إذا كان الاستعمال في غالب الشهر أو بحيث يتجاوز المعتاد، فحكمها حكم المريض المزمن الذي يترتب عليه الفدية.
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
(69/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016413
...
الفتوى رقم: 77
الصنف: فتاوى الصيام
معنى حديث صوم عرفة يكفر سنتين وصوم عاشوراء يكفر سنة واحدة
السؤال: جاء في حديث النبي الذي رواه مسلم:"صوم عرفة يكفر سنتين، وصوم عاشوراء يكفر سنة واحدة "(1).
قال ابن حجر:" ذلك لأنّ صوم عرفة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه السلام وشريعة محمد عليه السلام أفضل من شريعة موسى"
قلت مستشكلا: لكن لماذا كان أجر صوم عرفة ضعف أجر صوم عاشوراء، ولم يكن عشرة أضعاف أو أكثر أو أقل، ولقد بحثت جوابا عن هذا لكن لم أجده، ومرة وأنا أقرأ حديث: "عملت اليهود من الصبح إلى الظهر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت النصارى من الظهر إلى العصر فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطا، وعملت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العصر إلى المغرب فأعطاهم الله عزّ وجل قيراطين"(2)، قلت: فدلّ الحديث أن أجر العمل الواحد من الأمة ضعف أجر عمل اليهود والنصارى، ولما كان صوم عاشوراء يكفّر ذنوب سنة ابتداء ناسب أن يكون صوم عرفة من شريعتنا يكفر ضعف أجر صوم عاشوراء، وهو سنتان والله أعلم.
فإن كان صائبا فوجهونا وإن كان خطأ فصوّبونا، وحفظكم الله لنا.
تلميذكم البار، أبو سليمان كمال سعد سعود.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فأمّا ما ذكرتم فيه من تعليق ابن حجر والتوفيق بالحديث فلا يتمّ في تقديري إلاّ إذا تقرر كون عاشوراء ليس من شريعتنا أصلا أو انتهاء لا ابتداء.
مرادنا أنّ من شريعتنا أنّ أصل صومه لم يكن موافقة لأهل الكتاب لما ثبت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه قبل استخباره لليهود، وكانت قريش تصومه، على نحو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله وعلى آله وسلم يصومه، فلمّا هاجر إلى المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال:" من شاء صامه، ومن شاء تركه"(3) وفي رواية البخاري:"... وكان يوما تستر فيه الكعبة"(4).
وإذا تقررت عدم الموافقة لليهود فلا يكون قوله صلى الله عليه وسلم:"فنحن أحق بموسى منكم"(5)، بعد استخباره لليهود إلاّ توكيداً لصومه مبينا لليهود أنّ الذي يفعلونه من موافقة موسى عليه السلام نحن أيضا نفعله، فحُقَّ لنا أن نكون أولى بموسى من اليهود. وكذلك انتهاء أي أنّه كان يصومه صلى الله عليه وسلم على أنّه من شريعتنا بعد تقرير شرعيته بصيامه ومخالفة اليهود بصيام يوم قبله.
فإذا تبين لكم هذا فإنّ تعليل أفضلية صوم عرفة على عاشوراء لكون الأول من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم دون الثاني على ما أورده ابن حجر وما رتبتم عليه من جواب بالتأييد لا يستقيم مع ما تقدم تقريره من كون عاشوراء من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أصلا أو انتهاء، والحال هذه ينبغي البحث عن تعليل آخر أكثر توفيقا، فإن غابت علته فالواجب التسليم مع الاعتقاد بوجود علة وحكمة يعلمها الله تعالى لأنّ من صفاته تعالى العلم والحكمة، هذا ما أمكن توجيهه، سائلا الله تعالى التوفيق والسداد والعون والرشاد.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في 15 شوال 1420هـ
الموافق لـ: 24 جانفي 2000م
---
1- أخرجه مسلم في الصيام(2804)، وأبو داود في الصيام(2425) وأحمد(23290) عن أبي قتادة الأنصاري. وانظر الإرواء(4/108).
2- أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة (557)، وأحمد(6277)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
3- أخرجه البخاري في الصوم(2002)، ومسلم في الصيام(2693)، والبيهقي(8681)، عن عائشة رضي الله عنها.
4- البخاري في الحج(1592)، عن عائشة رضي الله عنها.
5- أخرجه البخاري في الصوم(2004)، ومسلم في الصيام(2712) أبو داود في الصيام(2444)، وابن ماجه في الصيام(1734)الحميدي في مسنده(543)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(70/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016414
...
الفتوى رقم: 162
الصنف: فتاوى الصيام
في إكمال عدّة شعبان إذا لم يعلم حلوله برؤية أو إخبار
السؤال: أفطرَ شابٌّ فطورَ الصباح وأثناءَ الأكلِ أخبرتْهُ والدُتُه أنّه يومُ شكٍّ فأكمَلَ فُطُورَهُ، وقال في نفسه: إِنْ كانتْ إحدَى الدولِ الأخَرى صائمةً فسأُمْسِكُ وإلاّ أكملتُ عَلَى ما أنا عليه من إفطاري. ما حُكْمُه؟ وماذا يترتّب عليه؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنّه يجب على مَن لَمْ يَرَ الهلالَ ولا أخبره مَن شاهده أن يُكمِل عِدَّةَ شعبانَ ثلاثينَ يومًا ثُمَّ يصومَ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ»(1- أخرجه البخاري في «الصوم» (1909)، ومسلم في «الصيام» (2568)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، ولا يَحِلُّ له أن يصومَ يوم الثلاثينَ من شعبانَ لأنّه يومُ الشَّكِّ، وقد وردَ النهيُ عن صيامِ يومِ الشَّكِّ في حديثِ عمّارِ بنِ ياسرٍ رضي الله عنه: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسمِ»(2- أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا..»، وأبو داود في «الصوم» (2336)، والترمذي في «الصوم» (689)، والنسائي في «الصيام» (2200)، وابن ماجه في «الصيام» (1714)، والدارقطني في «سننه» (2147)، من حديث عمّار بن يسار رضي الله عنه. وانظر الإرواء للألباني (4/126)، وللشيخ أبي عبد المعز رسالة في مباحث هذا الحديث، ضمن «سلسلة فقه أحاديث الصيام»، العدد الثاني)، غيرَ أنّه ينبغي أن يتحرَّى في أمر صيامه قدرَ الاستطاعةِ وبالوسائل المتوفرة ليطيعَ اللهَ بحقٍّ وعلى بَيِّنَةٍ، ويُبَيِّتُ النية من الليلِ إذا عَلِمَ بحلولِ رمضانَ من يومِ غدٍ برؤيةِ هلالٍ.
هذا، وإن كان القول بتوحيد الرؤية يوجب التوافق بين أحكام الشرع وأوضاع الكون، ويتفق مع رغبة الشريعة في وحدة المسلمين واجتماعهم في أداء شعائرهم الدينية وإبعادهم عن كلّ ما يفرق جمعهم، إلاّ أنّ الميزان المقاصدي يقتضي أنّه إذا ثبت عند ولي المسلمين أحد النظرين إمّا توحيد المطالع أو اختلافها، وأصدر حكما على وفقه لزم على جميع من تحت ولايته الالتزام بصوم أو إفطار لاعتقاده بأحقيته في اجتهاده ولو في خصوص بلد إسلامي، إذ العبرة في العبادات الجماعية مع الجماعة وإمامهم درءا للفرقة، قولا واحدا سواء عند من اعتبر المطالع في ثبوت الأهلة أو من نازعه في هذا الاعتبار لقوله صلى الله عليه وسلم:"الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون"(3- أخرجه الترمذي في الصوم(701)، وابن ماجة في الصيام(1729)، والدارقطني في سننه(2206)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة:(1/45)، والأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي(6/248)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 24 شعبان 1416ه
الموافق ل: 15 جانفي 1996م
---
1- أخرجه البخاري في «الصوم» (1909)، ومسلم في «الصيام» (2568)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
?- أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا..»، وأبو داود في «الصوم» (2336)، والترمذي في «الصوم» (689)، والنسائي في «الصيام» (2200)، وابن ماجه في «الصيام» (1714)، والدارقطني في «سننه» (2147)، من حديث عمّار بن يسار رضي الله عنه. وانظر الإرواء للألباني (4/126)، وللشيخ أبي عبد المعز رسالة في مباحث هذا الحديث، ضمن «سلسلة فقه أحاديث الصيام»، العدد الثاني.
3- أخرجه الترمذي في الصوم(701)، وابن ماجة في الصيام(1729)، والدارقطني في سننه(2206)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة:(1/45)، والأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي(6/248).
(71/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016415
...
الفتوى رقم: 78
الصنف: فتاوى الصيام
في حكم صيام من علمت أنّها تطهر من حيضها بعد الفجر
السؤال: الحائض إذا علمت بأنّها طاهر في الصباح هل تصوم ذلك اليوم وتقضيه لأنّها لم تبيت النية من الليل أم أنّ صيامها صحيح؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالحائض إذا طهرت قبل الفجر أو علمت أنّها تطهر بعده في أول نهار رمضان ولم تكن مفطرة صح صيامها ولا قضاء عليها، لأنّ تبييت النية من الليل-في الحالة الثانية- غير مقدور عليه، وقيل: هذه الصورة مخصصة من حديث حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»(1)، فالخبر فيه دليل على وجوب تبييت النية وإيقاعها في جزء من أجزاء الليل غير أنّه محمول لمن دخل ذلك تحت قدرته، إذ لا تكليف إلاّ بمقدور ويستثنى من ذلك كل من لم يدخل تحت القدرة فظهر له وجوب الصيام عليه من النهار، كالصبي يحتلم والمجنون يفيق والكافر يسلم، وكمن انكشف له النهار أنّ ذلك اليوم من رمضان عملا بحديث سلمة بن الأكوع والربيع بنت معوّذ عند الشيخين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس:«من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فلا يأكل»(2).
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه أبو داود في الصوم(2456)، والترمذي في الصوم(734)، والنسائي في الصيام(2345)، وأحمد(27214)، والدارقطني في سننه(2239)، والبيهقي(8161)، من حديث حفصة رضي الله عنها. وصححه الألباني في صحيح الجامع (6538)، وفي المشكاة(1987).
2- أخرجه البخاري في الصوم (1924) و(1960)، ومسلم في الصيام (2724)، من حديث سلمة بن الأكوع، والربيع بنت معوذ، رضي الله عنهم(72/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016416
...
الفتوى رقم: 202
الصنف: فتاوى الصيام
في حكم الإفطار في رمضان لعذر مع عدم القدرة على الفدية
السؤال: امرأة غير متزوجة في عائلة جد فقيرة، و هي في حالة مرض خطير مسموح لها بالإفطار في رمضان ولا تستطيع على الفدية. فما حكمها؟ وشكرا وأجركم على الله.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فهذه المرأة إن كان مرضها ظرفيا فالواجب عليها صيام أيام أخر لقوله تعالى: ?فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّة مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ? [البقرة:184 ] أمّا إن كان مرضها مزمنا فعليها الفدية عن كلّ يوم تعطي للمسكين مقدار نصف صاع من بر ما يعادل الكيلوغرام الواحد من الدقيق، فإن عجزت عن الإطعام وتكفل بالفدية غيرها نيابة عنها في الإطعام أجزأها، والنيابة في الأموال جائزة، فإن لم تجد من ينوبها في دفع الفدية عنها فإنّ الإطعام يبقى في ذمّتها حتى تقدر، فإن توفيت من غير قدرة على الإطعام فلا شيء عليها لقوله تعالى: ?لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا?[البقرة:286] وقوله عزّ وجلّ: ?لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا?[الطلاق:7]
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الجزائر في:4 رمضان 1424هـ
الموافق لـ: 11 أكتوبر 2003 م
(73/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016417
...
الفتوى رقم: 221
الصنف: فتاوى الصيام
في حكم قضاء رمضان عن الميت المعذور
السؤال: فتاة مريضة لم تصم رمضانيين متاليين، ولم تستطع أن تقضي بسبب مرضها، وتوفيت وهي مريضة، فما على أوليائها فعله؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمن مات وعليه صيام فرض رمضان أن يطعم عنه مكان كلّ يوم نصف صاع على كلّ مسكين، ولا يجوز أن يصام عنه لأنّ فرض الصيام يجري مجرى الصلاة، فكما لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصيام، ما لم يكن عليه-أيضا- صيام نذر، فإن كان قضى وليه عنه لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من مات وعليه صيام، صام عنه وليه"(1)، والحديث وإن كان مطلقا فهو محمول على صوم النذر، لأنّ النذر التزام في الذمّة بمنزلة الدين فيقبل قضاء الولي له كما يقضي دينه، وهذا مذهب عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، وهو مروي عن سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل رحمهما الله، وبه قال ابن قيم الجوزية(2)، ويؤيد ذلك الحديثان التاليان:
- حديث ابن عَباسٍ -رضي الله عنهما- قال: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنّ أمّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ: «لَو كَان عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا»، قَالَ نَعَمْ، قَالَ: «فَدَين اللّه أحَقُّ أَنْ يُقْضى»(3).
- وعنه أيضا: أنّ سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ أمّي ماتت وعليها نذر فقال: "اقضه عنها"(4).
فصح الصوم عن الميت في النذر بمثل هذه الأحاديث ويبقى عموم الصوم مشمولا بقول ابن عمر رضي الله عنهما: "لا يصوم أحد عن أحد"(5).
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه البخاري في الصوم(1952)، ومسلم في الصيام(2748)، وأبو داود في الصوم(2402)، والدارقطني في سننه(2359)، والبيهقي(8481)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- في إعلام الموقعين(4/382)، وفي تهذيب السنن(7/38).
3- أخرجه البخاري في الصوم(1953)، ومسلم في الصيام(2750)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
4- أخرجه البخاري في الوصايا(2761)، ومسلم في النذور(4323)، وأبو داود في الأيمان والنذور(3309)، والترمذي في الأيمان والنذور(1632)، والنسائي في الوصايا(3672)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
5- أخرجه مالك في "الموطأ" (676)، والبيهقي(8475)، وصححه الألباني في "المشكاة" (1977)، وانظر "نصب الراية" للزيلعي(2/334)، و"التلخيص الحبير" لابن حجر(2/209).
(74/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016418
...
الفتوى رقم: 293
الصنف: فتاوى الصيام
في وجوب الصوم والإفطار مع الجماعة
السؤال: قام بعض النّاس بالإفطار قبل الأذان بحجة أنّ الأذان لا يرفع في الوقت الشرعي، فهل هذا الفعل جائز؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فيفرّق ما بين صوم رمضان وهو الصوم الجماعي وغيره من الصوم الواجب في غير الجماعة والمستحبّ التطوعي الفردي، أمّا الصيام المفروض الذي يكون جماعة فينبغي عليه أن يصوم ويفطر مع جماعة النّاس وإمامهم لحديث عائشة رضي الله عنها: « الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون»(1) فصرّح بوجوب أن يكون الصوم والإفطار والأضحية مع الجماعة وعظم النّاس، سواء في ثبوت رمضان أو العيد أو في غروب الشمس أو طلوع الفجر فيجب على الآحاد اتباع الإمام والجماعة فيها ولا يجوز لهم التفرد فيها جمعا للأمة وتوحيدا لصفوفها وإبعادا للآراء الفردية المفرقة لها فإن يد الله مع الجماعة، أمّا صيام الواجب والتطوّع الفردي فيوكل كلّ بحسب دخول وقت المغرب أو وقت طلوع الفجر عملا بقوله تعالى: ?وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر? [البقرة:187] ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(2) وفي ذلك أحاديث أخرى.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه الترمذي في الصوم (701)، والدارقطني (2205)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (905).
2- أخرجه البخاري في الصوم (1954)، ومسلم في الصيام (2612)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
العودة إلى قائمة الفتاوى
(75/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016419
...
الفتوى رقم: 314
الصنف: فتاوى الصيام
في صحة صوم تارك الصلاة
السؤال: هل صيام تارك الصلاة جائز صحيح؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في عدم صحة صيام من ترك الصلاة منكرًا بفرضيتها جاحدًا بوجوبها، لأنه كافر كفرًا مخرجًا من الملة قولاً واحدًا، وأعمال الكفار تقع باطلة لأنَّ صحة العمل مشروط بالإيمان وهو -في هذه الحال- منتفٍ عنه، قال تعالى: و?َقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً? [الفرقان: 23]وقوله تعالى: ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ?[النور: 39]، وقوله تعالى: ?مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ? [إبراهيم: 18]
أمَّا تارك الصلاة عمدًا وكسلاً وتهاونًا مع الإقرار بفرضيتها فحكمه مختلف فيه بين أهل العلم بين مكفر له لورود نصوص شرعية تقضي بذلك وبه قال الإمام أحمد وغيره، وغير مكفر لتاركه لوجود أدلة أخرى مانعة من تكفيره وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم، وتخريج هذه المسألة مردها إلى حكم تكفيره، فمن كفر تارك الصلاة عمدًا وتهاونًا ألحقه بالمنكر لفرضيتها فلم يعتد بصيامه وسائر أعماله -كما تقدم- لانتفاء شرط الإيمان الذي يتوقف عليه عمله وصيامه، ومن لم يكفره عَدَّه مؤمنا عاصيًا، ولم يخرجه من دائرة الإيمان، وبناء عليه تصح أعماله وصيامه لوجود الإيمان المشروط في الأعمال والعبادات.
والراجح من القولين هو التفصيل، ووجهه أن من ترك الصلاة كلية ويموت على هذا الإصرار والترك فلا يكون مؤمنًا ولا يصح منه صوم ولا عمل وهو المعبر عنه بالترك المطلق، أما من يصلي ويترك فهذا غير محافظ عليها وليس بكافر، بل مسلم يدخل تحت المشيئة والوعيد ويصح صومه وهو المعبر عنه بمطلق الترك ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة"(1)، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن أتمها، وإلاَّ نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه"(2) وهذا التفصيل من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية(3) رحمه الله-.
و العلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 16 ذي القعدة 1426ه
الموافقل: 18 ديسمبر 2005م
---
1- رواه أبو داود في الوتر (1422)، والنسائي في الصلاة (465)، وأحمد (23361) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:(1/370)، وفي صحيح الجامع: (3243).
2- رواه الترمذي في الصلاة (415)، والنسائي في الصلاة (469) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة (1491) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2020).
3- مجموع الفتاوى لابن تيمية: (7/ 614، 615، 616)، ( 22 / 49).
(76/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016420
...
الفتوى رقم: 317
الصنف: فتاوى الصيام
في ترخيص الفطر على المرضع مع وجوب الفدية
السؤال: هل يجوز للمرضع الإفطار في شهر رمضان، وهل يجب في حقها الإطعام أم القضاء؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أما بعد:
فالمرضع وكذا الحامل إذا خشيتا على أنفسهما أو خافتا على أولادهما فتلزمهما الفدية بالفطر ولا قضاء عليهما على الراجح من أقوال أهل العلم، لأنهما بمنزلة الذي لا يطيق وبهذا قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وذلك عملأ بالآية في قوله تعالى:? وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ? [البقرة: 184]، فالآية ليست منسوخة وإنما محمولة على من يطيق الصيام بمشقة، كالشيخ الكبير والمرأة العجوز والحامل والمرضع والمريض مرضا مزمنا، فتكون الفدية بإطعام مكان كل يوم مسكينًا، ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، والصومَ عن المسافر وعن المرضع والحبلى"(1)، هذا كله إذا كانت ترضع من ثديها، أما إن أرضعت صبيها من مرضعة أخرى، أو من قارورة حليب اصطناعي فتنتفي في حقها رخصة الإفطار.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 19 شوال 1426ه
الموافق ل:21 نوفمبر 2005م
---
1- أخرجه أبو داود: 2/796، والترمذي: 3/94، والنسائي: 4/180، وابن ماجه: 1/533، والبغوي في"شرح السنة": 6/315، والبيهقي في "السنن الكبرى": 4/231، من حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (2408).(77/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016421
...
الفتوى رقم: 79
الصنف: فتاوى الصيام
في شرح معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الذين يفطرون قبل تحلة صومهم"
السؤال: عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلاَنِ فَأَخَذَا بِضَبْعَىَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا فَقَالاَ لِيَ :اصْعَدْ فَقُلْتُ : إِنِّي لاَ أُطِيقُهُ فَقَالاَ : إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ قَالُوا : هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ قُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ قَالَ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ». هل يمكن شرح الحديث؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه رؤية مناميه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "بينا أنا نائم أتاني رجلان..." الحديث(1)، ورؤيته لا تكون إلا حقا، والوعيد الوارد في الحديث يلحق من يفطرون قبل وقت الإفطار أي قبل غروب الشمس وليس قبل الأذان وهو المقصود من قوله صلى الله عليه وآله وسلم" قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ".
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:20 ذي القعدة 1426ه
الموافق ل: 22 ديسمبر 2005م
---
1- أخرجه ابن خزيمة (1865)، وابن جبان (7615)، والحاكم في مستدركه (2788)، والبيهقي (7537)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3951)، وصحيح الترغيب: 1/588 رقم: (1005)، ومقبل الوادعي في "الصحيح المسند" (483).
(78/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016422
...
الفتوى رقم: 139
الصنف: فتاوى الحج
أحكام الإحرام من الميقات.
السؤال: أكثر الحجاج الجزائريين لا يحرمون من الطائرة وإنّما يحرمون من ميقات المدينة، فهل يجزئهم ذلك، وما الذي يترتب على من تجاوز الميقات؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
ففي مسألة مواقيت الحج المكانية للإحرام يجدر التنبيه على مواضع مجمع عليها بين العلماء سواء قبل الميقات أو بعده وسواء لمن يريد الحج والعمرة ولمن لا يريدهما.
- فإذا أحرم قبل الميقات فلا خلاف بين أهل العلم أنّه مُحرِم تثبت في حقه أحكام الإحرام(1)، ولكن الخلاف في مكان الأفضلية، والصحيح من قولي العلماء أنّ الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله وبهذا قال مالك والحنابلة وبعض الشافعية خلافا لأبي حنيفة(2).
- أمّا إذا جاوز الميقات سواء عالما أو جاهلا، وهو يريد الحج والعمرة ولم يحرم فلا خلاف بين أهل العلم-أيضا- أنّه إذا رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا شيء عليه(3)، وإنّما الخلاف فيمن جاوز الميقات وأحرم دونه والصحيح من قولي العلماء أنّ عليه دما-أي فدية ذبح شاة- سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع(4).
- أمّا إذا جاوز الميقات لحاجة يريد قضاءها وهو لا ينوي حجا ولا عمرة فالعلماء لا يختلفون في أنّه لا يلزمه الإحرام ولا يترتب على تركه للإحرام شيء، لكن لو طرأ عليه التفكير في الحج أو العمرة، ثمّ عزم على تنفيذ ما عزم عليه، فإنّه لا يشترط عليه الرجوع إلى الميقات بل يحرم من موضعه ولو كان دون الميقات ولا شيء عليه وهو أرجح قولي العلماء وبه قال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة رحمهم الله(5).
وبناء على ما تقدم، فلا يجوز لهؤلاء الحجاج القادمين من الجزائر أن يجاوزوا الميقات وهم يريدون الحج أو العمرة إلاّ محرمين(6)، ولكن إن لم يحرموا بعد مجاوزة الميقات ورجعوا إلى ميقاتهم أو ميقات آخر فأحرموا منه فلا يلزمهم من أمر الفدية شيء وكان الأولى أن يحرموا في الطائرة من ميقات الجحفة الذي يمرون به لقوله صلى الله عليه وسلم" هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ ممّن أراد الحج أو العمرة"(7).
الله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:9 ذي القعدة1425هـ
الموافق لـ:21 ديسمبر 2004 م
---
1- الإجماع لابن المنذر:(41)، والمغني لابن قدامة(3/264).
2- المغني لابن قدامة(3/264 (، المجموع للنووي:(7/198)، الكافي لابن عبد البر:(1/380)، الإشراف للقاضي عبد الوهاب:(1/470)
3- المغني لابن قدامة:(3/266).
4- وهو مذهب المالكية والحنابلة، انظر: المدونة لابن القاسم:(1/372)، الإشراف للقاضي عبد الوهاب:(1/470)، الإنصاف للمرداوي:(3/229)، خلافا لمذهب أبي حنيفة والشافعي، انظر المجموع للنووي:(7/208).
5- المغني لابن قدامة:(3/267).
6- ذكر النووي الإجماع على تحريم مجاوزة الآفاقي الميقات وهو يريد الحج أو العمرة غير محرم، المجموع للنووي:(7/206).
7- أخرجه البخاري في الحج(1524)، ومسلم في الحج(2860)، وأبو داود في المناسك(1740) والنسائي في مناسك الحج (2666)، وأحمد(2279)، والدارمي في سننه(1846)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(79/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016424
...
الفتوى رقم: 140
الصنف: فتاوى الحج
البقاء في الأرض الحجازية أكثر من المدة المعينة.
السؤال: بعض الناس يبقى لأداء مناسك الحج بعد شهر رمضان من غير ترخيص من الجهات المعنية من الأراضي الحجازية، فما حكم هذا الفعل؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا يخفى ما يترتب على بقاء كل معتمر قادم من كلّ بلد في الأراضي الحجازية من إخلال بالتنظيم العام وما يجره من مفاسد كظاهرة التسول والسرقة وغيرهما، لذلك كانت تأشيرة الحج أو العمرة مقرونة بمدة محددة لا يتجاوزها إلاّ بترخيص آخر تنظيما لفئة المعتمرين لتحسين وضعيتهم ضمن الوضع العام الأمر الذي يجعل هذا التصرف ملزما على المعتمرين ويجب عليهم تنفيذه والوفاء به لعلتين:
- الأولى: إنّ تصرف الإمام الحاكم أو نوابه بتوقيت المدة وتحديد العدد مبني على مصلحة الجماعة وخيرها، فكانت تصرفاته واجبة التنفيذ وملزمة على من تحت رعايته بناء على قاعدة: "التصرف في الرعية منوط بالمصلحة"(1) وأصل هذه القاعدة قول الشافعي رحمه الله: "منزلة الإمام في الرعية منزلة الولي من اليتيم"(2) وهذا الأصل مأخوذ من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت"(3)، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" الإمام راع ومسئول عن رعيته"(4).
- الثانية: إنّ إعطاء تأشيرة للمعني بالأمر مشروطة بعهد هو بقاؤه لتلك المدة المحددة، والعهد يجب الوفاء به لقوله تعالى: ?وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً?[الإسراء:34]، وقوله تعالى:?وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا?[البقرة:177].
وبناء عليه، فإنّه ينبغي على المعني بالأمر أن يسعى لتحصيل تأشيرة الحج ابتداء قبل طلبه لتأشيرة العمرة حتى يسعه تأدية المناسك الواجبة عليه على الوجه المطلوب، فإن تعسر أخذ تأشيرة إلاّ لعمرة راعى شرطها، غير أنّه إن بقي إلى وقت الحج وخالف من غير ترخيص، فحجه صحيح ولا تقدح في صحته هذه المخالفة وبخاصة إن كان ذلك-في حقه- حجة الإسلام.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:15ذي القعدة1425هـ
الموافق لـ:27ديسمبر2004م
---
1- انظر هذه القاعدة في: المنثور للزركشي:(1/183)، الأشباه والنظائر للسيوطي:(134)، مجموع الحقائق للخادمي:(316)، الوجيز للبورنو:(292).
2- انظر المنثور للزركشي:(1/183).
3- أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (11164)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. وصححه ابن كثير في «إرشاد الفقيه»: (2/51)، وفي «تفسير القرآن العظيم»: (2/190).
4- أخرجه البخاري في الأحكام (7138)، ومسلم في الإمارة(1829)، وأبو داود في الإمارة(2928)، والترمذي في الجهاد(1705)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(80/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016423
...
الفتوى رقم: 145
الصنف: فتاوى الحج
ما يلبس المحرم إذا لم يجد لباس الإحرام.
السؤال: ما حكم من اعتمر أو حج من غير لباس الإحرام؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ المحرم الذي وجد الإزار والرداء لا يجوز له لبس المخيط –وهو ما كان مفصلا على قدر عضو البدن- فلا يلبس القُمُص ولا السراويل ولا العمائم ولا الخفاف ولا الجوارب لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ رجلا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يلبس القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف إلاّ أحد لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسّه زعفران أو ورس"(1)، ومن خالف تلزمه الفدية.
أمّا من لم يجد إلاّ السراويل والخفين أو تعذر عليه لبس الإزار والرداء لوجودهما ضمن متاعه وعفشه في الطائرة أرسلهما سهوا ونسيانا ومرّ على الميقات فأحرم بدونهما صحّ إحرامه ولا يلزمه شيء ويكفيه أن يلبس ما وجده ولا يجب عليه أن يشق السراويل فيتزر بها –كما هو رأي الأحناف- لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين"(2)، والحديث صريح في الجواز ولو لزمه شيء لبيّنه لأنّه في معرض البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو مقرر في علم الأصول.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:15ذي القعدة1425هـ
الموافق لـ: 27ديسمبر 2004م
---
1- أخرجه البخاري في الحج(1542)، ومسلم في الحج(2848)، والترمذي في الحج(842)، والنسائي في مناسك الحج(2681)، وابن ماجة في المناسك(3041)، ومالك في الموطأ(715)، وأحمد(5286)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
2- أخرجه البخاري في جزاء الصيد(1843)، ومسلم في الحج(2851)، والترمذي في الحج(843)، والنسائي في اللباس(5342)، وأحمد(1876)، والدارقطني في سننه(2493)، والبيهقي(9331)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(81/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016425
...
الفتوى رقم: 150
الصنف: فتاوى الحج
في حكم المصانعة بمال لأجل تأشيرة الحج
السؤال: ما حكم إعطاء مال مقابل الحصول على تأشيرة الحج، وبخاصة مع فرض بعض وكالات السفر لذلك؟
وهل التنازل المفروض لدخول البقاع المقدسة في الحجاز من أجل أداء مناسك الحج مشروع أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإن كانت الجهات المعنية تفرض مالا على شكل ضرائب ورسوم لمنح تأشيرة أو رخصة مقابل أداء مناسك الحج أو العمرة، ولا يستطيع المكلف من أداء هذه العبادة إلاّ بدفع المال، فله أن يدفعه والإثم على الآخذ دون المعطي، لأنّ المال المكتسب بهذه الطريقة غير مشروع ولو أذن فيه المالك جريا على قاعدة: "الأصل في الأموال التحريم"، "ولا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي" لقوله تعالى:?يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكَلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ?[النساء:29]، وقد وردت نصوص كثيرة تمنع أخذ مال المسلم إلاّ ما طابت له نفسه ورضي به سواء كان ظلما أو غصبا أو نهيا أو نحوها.
ولا يتدرع بترك أداء الحج أو العمرة من أجل الرسوم والضرائب المفروضة، فليست –في الحقيقة- عذرا مانعا لأداء المناسك إن كان قادرا عليها، ولا يلحقه إثم إن لم يرض بها. والجواب على السؤال الثاني كالأول لتقاربهما.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في:6 ذي القعدة1425هـ
الموافق لـ:18ديسمبر2004م
(82/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016426
...
الفتوى رقم: 170
الصنف: فتاوى الحج
في حكم تارك رمي الجمار في الحج
السؤال: امرأة حجت بيت الله الحرام وأثناء الرمي وقع زحام أدى إلى وفاة بعض الحجيج فاستغنت [هي] عن الرمي خوفا من الزحام والإذاية وأتمّت أركانها الباقية.
فما حكم حجها؟ وهل في ذمتها شيء؟ وهل يجوز الاستخلاف في الرمي؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ رمي الجمار في منى ليس بركن وإنّما حكمه الوجوب على أرجح أقوال أهل العلم وهو مذهب الجمهور ودليل وجوبه السنة القولية والفعلية، فقد ثبت من حديث جابر رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا عني مناسككم فإنّي لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه"(1) وفي رواية أخرى "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى ... في حجة الوداع"(2).
وعليه فإنّ ترك رمي الجمار في الحج يجبر بالدم، لأنّ ترك الواجبات في الحج تستوجب الدم لإرادة جبره، وكان عليها -حال أدائها للحج- عند العجز عن الرمي في الحال أن تؤخره إلى الليل أو ما بعده من أيام التشريق ولا شيء عليها على أرجح قولي العلماء وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف وغيرهم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول:"لا حرج"، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: "اذبح ولا حرج" وقال: رميت بعد ما أمسيت؟ فقال: "لا حرج"(3) أن تستنيب غيرها، فلو استنابت لسقط عنها الإثم والدم، أمّا بعد انتهاء مدة الرمي في حجها فلا يسعها أن تستنيب، وتبقى ذمتها مشغولة بالدم، وحجها صحيح-إن شاء الله تعالى-.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجزائر في: 4 من ذي الحجة 1422هـ
الموافق لـ: 16 فيفري 2002 م
---
1- أخرجه مسلم في «الحج»، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا: (3137)، وأبو داود في «المناسك»، باب في رمي الجمار: (1972)، والنسائي في «مناسك الحج»، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم: (3062)، وأحمد: (147093)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (9608)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
2- أخرجه الدارمي (1950)، من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه.
3- أخرجه البخاري في الحج(1735)، وأبو داود في المناسك(1985)، من حديث ابن عباس رضس الله عنهما.
(83/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016427
...
الفتوى رقم: 189
الصنف: فتاوى الحج
في أفضلية أنواع الإحرام في الحج
السؤال: ما هو النسك الأولى بالعمل من الأنساك الثلاثة؟ وهل صحيح أنّ الإفراد الذي هو النسك المفضل عند مالك وظاهر مذهب الشافعي أنّ من أفرد به يجب عليه أن يفسخه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالمعلوم أنّ الحج له كيفيات ثلاث وهي: الإفراد وهو أن يهل الحاج بالحج فقط عند إحرامه، والقران: وهو أن يهل بالحج والعمرة معا، والتمتع: وهو أن يهل الحاج بالعمرة فقط في أشهر الحج ثمّ يحرم بالحج ويأتي بأعماله في نفس العام، والقارن والمتمتع يجب عليهما الهدي بالإجماع.
فهذه الأنواع الثلاثة كانت جائزة ابتداء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث خيرهم فيها على ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل"(1) الحديث.
ثمّ بعد هذا التخيير ندب من لم يسق الهدي إلى نسك التمتع دون أن يفرضه عليهم فقالت عائشة رضي الله عنها:"فنزلنا سرِف[وهو موضع قريب من التنعيم] فخرج إلى أصحابه فقال:«من لم يكن منكم أهدى، فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدي فلا» قالت: فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه"(2)، وعند ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى ذي طوى[موضع قريب من مكة] وبات بها، فلمّا أصبح قال لهم:«من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة»(3).
ثمّ أمر من لم يسق الهدي منهم بأن يفسخوا الحج إلى عمرة وفرض عليهم أن يتحللوا، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما"فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أيّ الحلّ؟ قال: الحلّ كلّه"(4)، وفي رواية عائشة رضي الله عنها قالت:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلاّ الحج، فلمّا قدمنا مكة تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي أن يحل قالت: فحلّ من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي فأحللن... "(5)، ولا يدل تحتيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفسخ الحج إلى العمرة وعزمه عليهم بها، وتعاظم ذلك عندهم إلاّ الوجوب، فضلا عن غضبه صلى الله عليه وآله وسلم لما راجعوه وتراخوا عن العمل بالمأمور به، ولا يكون الغضب إلاّ من أمر واجب العمل والتطبيق، وقد ورد من حديث عائشة رضي الله عنها:"فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار" فقال:«أو ما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون... »(6).
وهذا ليس خاصا بهم لأنّهم لما سألوه عن الفسخ الذي أمرهم به:"ألعامنا هذا، أم لأبد الأبد؟"، فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد»(7). وليس أمره صلى الله عليه وآله وسلم بفسخ الحج إلى العمرة لبيان جواز العمرة في أشهر الحج، لأنّ ذلك البيان وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك حيث اعتمر ثلاث عمر، كلها في أشهر الحج، ولو سلم أنّ الأمر بالفسخ لهذه العلة، فما فعله صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة لأهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة. ولذلك يذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التمتع على من لم يسق الهدي، وأنّه إذا طاف وسعى فقد حلّ شاء أم أبى وهو مذهب ابن عباس وأبي موسى الأشعري وهو مذهب ابن حزم(8) وابن القيم(9) وغيرهما. والمسالة خلافية والجمهور على جواز الأنساك الثلاثة.
غير أنّ صفة الإفراد المعروفة بأن يحرم بالحج ثمّ بعد الفراغ يخرج إلى أدنى الحل فيحرم منه بالعمرة فهذا الإفراد لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة الذين حجوا معه، بل ولا غيرهم-كما نصّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- فمثل هذه الصفة لا تكون أفضل ممّا فعلوه معهم، وإنّما المقصود بالإفراد الذي فعله الخلفاء الراشدون[أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم]، وهو أن يفرد الحج بسفرة، والعمرة بسفرة، وهو أفضل من القران والتمتع الخاص بسفرة واحدة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة لما قالت:يا رسول الله يصدر النّاس بنسكين وأصدر بنسك؟فقال:«فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي ثمّ ائتينا بمكان كذا، ولكنّها على قدر نفقتك أو نصبك»(10)، فهذا هو أفضل الأنواع بالنظر للصعوبة والمشقة المقترنة بتلك العبادة، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في قول الله:?وَأَتِمُّوا الحجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ?[البقرة:196]"من تمامهما أن تفرد كلّ واحد منهما من الآخر، وتعتمر في غير أشهر الحج"(11)، وجاء عن علي رضي الله عنه أنّه قال في الآية:"من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك"(12). فهذا الذي واظب عليه الخلفاء الراشدون فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:"افصلوا حجكم عن عمرتكم، فإنّه أتمّ لحجكم وأتمّ لعمرتكم"(13).
- فإن أراد أن يجمع بين النسكين(الحج والعمرة) بسفرة واحدة وقدم إلى مكة في أشهر الحج ولم يسق الهدي فالتمتع أفضل له، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه الذين حجوا معه أن يفسخوا الحج إلى عمرة ويتحللوا فنقلهم من الإفراد إلى التمتع ولا ينقلهم إلاّ إلى الأفضل، لأنّهم أفضل الأمّة بعده، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جابر رضي الله عنه بعدما أمرهم أن يتحللوا من إحرامهم ويجعلوها متعة:«افعلوا ما أمرتكم به، فلولا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به»(14).
- أمّا إذا أراد أن يجمع بين النسكين بسفرة واحدة ويسوق الهدي فالقران أفضل، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساق الهدي وقرن وفِعله أفضل اقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم، لأنّ الله اختار له الأفضل، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ إنّ هدي القارن من الحل أفضل باتفاق ممّن يشتريه من الحرم، وهذا الترتيب في الأفضلية من أنّ الإفراد أفضل إذا أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة، أمّا إذا كان بسفرة واحدة فالقران أفضل لمن ساق الهدي، وإن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل، وهو تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وفيه تجتمع الأدلة ويزول الاضطراب بين الفقهاء، فقدم أفضل النسك باعتبار المشقة والصعوبة ثمّ بحسب سوق الهدي من عدمه فلكل واحد أفضليته في موضعه ومناسبته، ولا يعترض عليه بقوله صلى الله عليه وسلم:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة»(15)، على أفضلية التمتع لأنّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل:"لتمتعت مع سوق الهدي" وإنّما غاية ما يدل عليه أنّه لو كان ذلك هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي وهو لا يختار أن ينتقل من الأفضل إلى المفضول وخاصّة وقد ساق صلى الله عليه وسلم مائة بدنة مع ما فيه من تعظيم شعائر الله أفضل في نفسه بمجرد التحلل والإحرام، فالسنة-إذن- جاءت بتفضيل كلّ بحسبه ومناسبته وموضعه على ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية(16).
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:23صفر 1426هـ
الموافق لـ:02أفريل2005م
---
1- أخرجه مسلم في الحج(2971)، وأبو داود في المناسك (1780)، والنسائي في مناسك الحج(2729)، والحميدي في مسنده(213)، والبيهقي(9046)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه البخاري في الحج(1560)، ومسلم في الحج(2980)،وأبو داود في المناسك(1784)، وأحمد(26589)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه مسلم في الحج(3069)، والبيهقي(9074)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
4- أخرجه البخاري في مناقب الأنصار(3832)، ومسلم في الحج(3068)، والنسائي في مناسك الحج(2825)، وأحمد(2314)، والبيهقي(8994)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
5- أخرجه البخاري في الحج(1561)، ومسلم في الحج(2988)، والنسائي في مناسك الحج(2815)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
6- أخرجه مسلم في الحج(2990)، وأحمد(26167)، والبيهقي(9125)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
7- أخرجه ابن ماجة في المناسك(3094)، من حديث جابر رضي الله عنه. وصححه الألباني في حجة النبي صلى الله عليه وسلم(ص:14)
8- المحلى لابن حزم:(7/99).
9- زاد المعاد لابن القيم:(2/114).
10- أخرجه البخاري في العمرة(1787)، ومسلم في الحج(2986)، وأحمد(24888)، والبيهقي(8910)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
11- انظر تفسير ابن كثير:(1/230).
12- أخرجه البيهقي(8967) موقوفا عن علي رضي الله عنه، وأخرجه كذلك (8965) عن أبي هريرة مرفوعا، ولا يصح. قال الألباني في السلسلة الضعيفة(1/376) رقم:(210):"وقد رواه البيهقي من طريق عبد الله بن سلمة المرادي عن علي موقوفا ورجاله ثقات، إلاّ أنّ المرادي هذا كان تغير حفظه. وعلى كلّ حال، هذا أصح من المرفوع".
13- أخرجه مالك(772)، والبيهقي(14554).
14- أخرجه البخاري في الحج(1568)، ومسلم في الحج(3004)، وأحمد(14608)، من حديث جابر رضي الله عنه.
15- أخرجه أبو داود في المناسك(1907)، والنسائي في مناسك الحج(2724)، وأحمد(14814)، والدارمي(1903)، من حديث جابر رضي الله عنه. وانظر: "حجة النبي صلى الله عليه وسلم" للألباني(ص:64).
16- المجموع لابن تيمية:(26/80 وما بعدها).
(84/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016429
...
الفتوى رقم: 196
الصنف: فتاوى الحج
في شمول حكم الدفع من مزدلفة ليلا للمرافقين للضعفة
السؤال: هل للطبيب ولمرافقي الضعفة الدفع من مزدلفة بالليل؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فيجوز للضعفة من النساء والصبية والعجزة ونحوهم أن يخرجوا من مزدلفة قبل طلوع الفجر وزحمة الناس على وجه الرخصة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أذن لضعفة الناس من المزدلفة بليل" وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة(2) -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- وأمّ حبيبة رضي الله عنها(3) وغيرهما أن يدفعوا قبل أن يدفع الإمام، ويشمل هذا الخروج من مزدلفة بليل مرافقي النساء والعجزة الذين يقومون بخدمتهم ورعايتهم وإسعافهم، فقد روى مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:"بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الضعفة من جمع بليل"(4)، وروى البخاري عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وفيه:"أنّه خرج مع أسماء من مزدلفة بغلس إلى منى"(5)، غير أنّه إذا تحققت الرخصة للمرأة وأمنت في خروجها من مزدلفة بالمرافق الواحد من زوج أو ذي محرم فلا يسع لكل محارمها، وإذا كان الضعيف أو المريض يحتاج من يسعفه من أهل الإسعاف والطب إن تحققت حاجته بالواحد فتسعه الرخصة ولا تسع الجميع لأنّ "الأمر إذا ضاق اتسع" و"إذا اتسع ضاق"، وهذا كلّه إذا خشي الضعفة حطمة الناس لئلا يتأذوا بالزحام، ولكن إذا أمنوا منه، فالمستحب في حقهم المبيت بمزدلفة.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:06ربيع الأول1426هـ
الموافق لـ: 15 أفريل 2005م
---
1- أخرجه أحمد(5003)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.وأخرجه النسائي في الكبير(4037)، وأخرجه بنحوه مطولا البخاري(1676)، ومسلم(1295/304)، وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري(1677)،(1678)، ومسلم(293)، وعن عائشة رضي الله عنها عند البخاري(1680)، ومسلم(1290)، وعن أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما عند البخاري(1679)، ومسلم(1291)، وعن أمّ حبيبة رضي الله عنها عند مسلم(1292).
2- أخرجه البخاري في الحج(1681)، ومسلم في الحج(3178)، والبيهقي(9785)،من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه مسلم في الحج(3184)، وأحمد(27533)، والدارمي(1938)، من حديث أمّ حبيبة رضي الله عنها.
4- أخرجه البخاري في الحج(1677)، ومسلم في الحج(3186)، والترمذي في الحج(901)، وأحمد(2242)، والبيهقي(9782)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
5- أخرجه البخاري في الحج،(1679)، ومسلم في الحج(3182)، والنسائي في المناسك(3063)، ومالك(881)، من حديث عبد الله مولى أسماء رضي الله عنها.
(85/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016428
...
الفتوى رقم: 197
الصنف: فتاوى الحج
وقت الإجزاء في رمي جمرة العقبة للقادرين والضعفة
السؤال: ما هو وقت الإجزاء في رمي جمرة العقبة؟ وهل للضعفة وغير القادرين ولمن كان في حكمهم-لمن دفع من مزدلفة بليل- رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالسنة أن لا يرمي الحاج إلاّ بعد طلوع الشمس ضحى لما أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه:"رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال"(1) وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم تحمل على الوجوب لمكان حديث:"خذوا عنّي مناسككم"(2) إلاّ إذا قام الدليل على صرفها عن الوجوب، ويقوي ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله بالخروج من مزدلفة ليلا إلى منى وأمرهم بأن لا يرموا الجمرة إلاّ بعد طلوع الشمس، كما صح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس، ويأمرهم-يعني- لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس"(3)، ذلك لأنّ وقت الرمي النهار دون الليل لذلك وصفت الأيام بالرمي دون الليل في قوله تعالى:?وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ?[البقرة:203]، قال الباجي-رحمه الله-:"فوصفت الأيام بأنّها معدودات للجمار المعدودات فيها، فلا يجوز الرمي بالليل، فمن رمى ليلا أعاد".
هذا وإذا كان حكم المبيت بمزدلفة والرمي بعد طلوع الشمس واجبا على الصحيح فإنّه غير واجب على الضعفة المرخص لهم تخلصا من الازدحام، لأنّ الأحاديث الواردة بالرمي قبل الفجر أو بعده قبل طلوع الشمس أفادت الرخصة للنساء ومن في معناهن، لما رواه البخاري ومسلم عن سالم أنّه قال:"وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المعشر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثمّ يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإن قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:«أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم»"(4)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر، فرموا الجمرة مع الفجر"(5)، وعن أسماء رضي الله عنها:"أنّها رمت الجمرة، قلت: إنّا رمينا الجمرة بليل؟ قالت: إنّا كنّا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"(6)، ولأنّ القياس الصحيح يقتضيه لكونه وقتا للدفع من مزدلفة فكان وقتا للرمي كبعد طلوع الشمس، قال الشوكاني:"والأدلة تدلّ على أنّ وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له، ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك، ولكنّه لا يجزئ في أول ليلة النحر إجماعا"(7).
هذا، أمّا ظاهر التعارض بين حديث ابن عباس السابق وفيه:"فأمرهم أن لا يرموا حتى تطلع الشمس"، وعنه رضي الله عنهما قال:"قدّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أُغيلمة بني عبد المطلب على جمرات، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول: أُبَيْنيّ، لاترموا الجمرة حتى تطلع الشمس"(8) بينه وبين الأحاديث المرخصة للرمي بليل قبل الفجر أو بعده قبل طلوع الشمس فقد جمع بينهما ابن القيم-رحمه الله- بحمل أول وقته للضعفة من طلوع الفجر، ولغيرهم بعد طلوع الشمس فيكون نهيه للصبيان عن رمي الجمرة حتى تطلع الشمس، لأنّه لا عذر لهم في تقديم الرمي، ورخص للنساء في الرمي قبل طلوع الشمس، كما في حديث ابن عمر وأسماء وغيرهما. أمّا ابن قدامة-رحمه الله- فحمل الأخبار المتقدمة على الاستحباب والأخرى على الجواز(9)، وبه تتوافق الأحاديث المتعارضة ظاهرا وتجتمع.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:06ربيع الأول1426هـ
الموافق لـ: 15 أفريل 2005م
---
1- أخرجه البخاري في الحج، باب رمي الجمار، ومسلم في الحج(3201)، وأبو داود في المناسك(1973)، والنسائي في مناسك الحج(3067)، والترمذي في الحج(903)، وابن ماجه في المناسك(3169)، وأحمد(14727)، والدارقطني في سننه(2713)، والبيهقي(9838)، من حديث جابر رضي الله عنه. قال ابن عبد البر:"أجمع العلماء على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّما رماها ضحى ذلك اليوم"(المغني لابن قدامة:3/428).
2- أخرجه مسلم في «الحج»، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا: (3137)، وأبو داود في «المناسك»، باب في رمي الجمار: (1972)، والنسائي في «مناسك الحج»، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم: (3062)، وأحمد: (147093)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (9608)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
3- أخرجه أبو داود في المناسك(1943)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه الألباني في صحيح أبي داود(2/194).
4- أخرجه البخاري في الحج(1676)، ومسلم في الحج(3190)، والبيهقي(9783)، من حديث ابن عمر رضي الله عهما.
5- أخرجه أحمد(2993)، من حديث ابن عباس رضي الله عهما.
6- أخرجه أبو داود في المناسك(1945)، والبيهقي(9845)، من حديث أسماء رضي الله عنها. وصححه الألباني في صحيح أبي داود(2/195).
7- نيل الأوطار للشوكاني:(6/168).
8- أخرجه أبو داود في المناسك(1942)، والنسائي في مناسك الحج(3077)، وابن ماجه في المناسك(3140)، وأحمد(2115)، والحميدي في مسنده(493)، والبيهقي(9839)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه الألباني في المشكاة(2613).
9- المغني لابن قدامة:(3/428).
(86/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016430
...
الفتوى رقم: 236
الصنف: فتاوى الحج
في مشروعية الوتر وسنة الفجر للحاج بمزدلفة
السؤال: هل يشرع للحاج بمزدلفة أن يصلي صلاة الوتر ورغيبة الفجر؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فيجوز للحاج أن يصلي الوتر وسنة الفجر لأنّ الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يرد الدليل على خلاف ذلك، وقد ثبتت أحاديث في الوتر وسنة الفجر منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا"(1) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"(2) وكذلك فعله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان لا يدع الوتر وركعتي الفجر لا في حضر ولا في سفر، فدلت هذه الأحاديث الصحيحة بعمومها على الصحة والجواز ولم يرد ما يخصصها أو يستثنيها، أمّا الأحاديث الواردة في صفة حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه لم يذكر فيها الوتر ولا راتبة الفجر منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد، وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا ثمّ اضطجع حتى طلع الفجر"(3) فإنّه لم يرد فيها ما يوجب تركهما أو النهي عنهما، والأصل استصحاب عموم النصوص السابقة المثبتة لهما، وذلك باستدامة ما كان ثابتا حتى يقوم الدليل على تغييره.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:04جمادى الثانية 1426هـ
الموافق لـ: 10جويلية 2005م
---
1- أخرجه البخاري في الوتر(998)، ومسلم في صلاة المسافرين(1791)، وأبو داود في الوتر(1440)، وأحمد(4813)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
2- أخرجه مسلم في صلاة المسافرين(1721)، والترمذي في الصلاة(418)، والنسائي في قيام الليل وتطوع النهار(1770)، وأحمد(27040)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه مسلم في الحج(3009)، وأبو داود في المناسك(1907)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(87/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016432
...
الفتوى رقم: 273
الصنف: فتاوى الحج
في تنكيس الصفا والمروة في السعي
السؤال: أدى رجل مناسك الحج منذ ثلاث سنوات تمتعا وفي العمرة بدأ السعي من المروة ظنا منه أنّها الصفا بناء على توجيه من مرافقه، فماذا عليه؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج على أرجح أقوال أهل العلم، والمعلوم من شروط السعي أن يكون من المسعى وأن يتم عدد أشواطه السبعة وأن يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة، فلو نكّسه وبدأ بالمروة بدلا من الصفا فإنّ الشوط الأول لا يعتد به ولو ختم السابع بالصفا ألغى الشوط الأول وأضاف إليه الشوط السابع فإن لم يأت به فقد أخل بشرطية الأشواط السبعة ولا يصح سعيه إلاّ بها، والإخلال بأحد أركان الحج إخلال بالحج فلا يتم صحيحا.
هذا، وله إن شاء الله الأجر والثواب على سائر أعمال الحج التي قدمها على الوجه الشرعي وتبقى حجة الإسلام في ذمّته قائمة يأتي بها متى تيسر له ذلك.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 21 رجب 1426هـ
الموافق لـ : 26 أوت 2005 م
(88/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016433
...
الفتوى رقم: 301
الصنف: فتاوى الحج
في لحوق الوعيد لمن ترك الحج مع القدرة عليه
السؤال: قرأت في كتاب الكبائر للإمام الحافظ شمس الدين الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ملك زادا وراحلة تبلغه حج بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" و أنا أملك المال الكافي لذلك، ولكني وفرته أنا و زوجي لشراء مسكن فما حكم ذلك؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالمقصود من الحديث التغليظ في الوعيد لمن استطاع الحج، ولم يحج والمبالغة في الزجر على من تركه، وذلك بتشبيه له باليهودي والنصراني، ووجه التخصيص بأهل الكتاب كونهما غير عاملين بالكتاب، فشبه بهما من ترك الحج حيث لم يعمل بكتاب الله تعالى، ونبذه وراء ظهره كأنه لا يعلمه. والمعلوم أن الاستطاعة في الحج إنما تكون بعد الحوائج الأصلية للإنسان من مأكل ومشرب وملبس وغيرها من أساسيات المعيشة.
غير أن الحديث المذكور في السؤال لا يمكن الاستدلال به على المعنى السابق لعدم انتهاضه للحجية فقد أخرجه الترمذي في كتاب الحج رقم (817) من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا وقال:"هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال"، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (5860) وفي ضعيف الترغيب والترهيب برقم (753).
هذا، وينبغي للمكلف أن يعلم بأنَّ الحاجة الأصلية إلى مسكن إنما تكون عند انعدامه في حقه بحيث لايمتلك لنفسه سكنا خاصًّا، أمَّا إذا وُجِدَ في مأوى لائق أو سعى إلى مسكن آخر زيادة عن حاجته فالواجب عليه – والحال هذه- أن يقدم الحج ويؤدي واجبه ما دامت القدرة متوفرة.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 13 شوال 1426ه
الموافق ل: 15 نوفمبر 2005م
(89/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016434
...
الفتوى رقم: 423
الصنف: فتاوى الحج
في الوقت المشروع لالتزام الملتزم
السؤال: هل يكون التزام الملتزم عند الطواف، أو بعد الفراغ منه؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه يشرع التزام الملتزم في الطواف بعد فراغه منه: أي من سبعة أشواط لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه قال: "طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ السَّبْعِ رَكَعْنَا فِي دُبُرِ الْكَعْبَةِ، فَقُلْتُ: أَلاَ نَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ قَامَ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ فَأَلْصَقَ صَدْرَهُ وَيَدَيْهِ وَخَدَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُ"(1).
والأصل المشروع أن يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه بين الركن والباب بعد الطواف كما تقدم، فإن تعذَّر عليه ذلك ووقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً كما قال ابن تيمية رحمه الله.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 8 ربيع الثاني 1427هـ
الموافق ل: 5 مايو 2006م
---
1- أخرجه أبو داود في المناسك (1901)، وابن ماجه في المناسك (3075)، والبيهقي (9602)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (2962).
(90/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016435
...
الفتوى رقم: 4
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
كيفية استيفاء المال المأخوذ ظلما
السؤال: رجل استأجر أجراء لينجزوا له عملا ثم لم يوفهم حقهم، فهل يجوز لهم أخذ حقهم بالقوة إن استطاعوا أو يأخذونه خفية إن كانوا ضعفاء، ومن إخواننا من خرّج هذا الصنيع على حديث هند عندما شكت زوجها إلى رسول صلى الله عليه وسلم ونسب ذلك إلى ابن حزم -رحمه الله- وشكرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، أما بعد:
فإنّ ما تضمنه فحوى السؤال يعرف بمسألة الظفر، و للعلماء فيها أقوال، والجمهور على استحباب عدم مجازاة من أساء بالإساءة لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك "(1)، والحامل على حكم الاستحباب آيات تدل على الجواز كقوله تعالى : ?وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا?[الشورى 40] ?وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمْ بِهِ?[النحل 126] وغيرها.
والرأي المعتبر في هذه المسألة القول بوجوب الأخذ قدر حقه من مال ظفر به لظالم سواء كان من جنس ما أخذ عليه أو من غيره مع إنصاف المظلوم منه، وذلك باستيفاء حقه بعد البيع فما زاد عن حقه رده له أو لورثته، وإن كان دون حقه بقي مطلوبا في ذمة الظالم، ولا يخرج عن هذا الحكم إلا بالتحليل والإبراء.
والمعتمد في ذلك قوله تعالى ?وَلَمَنِ انتصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِنْ سَبِيْل?[الشورى41] وقوله عز وجل : ?والّذِينَ إذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُُ هُم يَنْتَصِرُونَ?[الشورى39] و بقوله تعالى : ?وَالحُرُمَاتُ قِصَاص?[البقرة194] وبقوله عز وجل : ? فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم?[البقرة 194] أما من الحديث فبقوله (صلى الله عليه وسلم) لهند زوجة أبي سفيان " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "(2) لحقها في النفقة ، ولما رواه البخاري : " إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم تفعلوا فخذوا منهم حق الضيف"(3).
هذا وحديث أبي هريرة المتقدم "ولا تخن من خانك" فعلى تقدير صحته فلا وجه للاحتجاج به في مثل هذه المسألة لأنه لا يعد انتصاف المرء من حقه خيانة بل هو حق وواجب و إنما الخيانة أن يخون بالظلم والباطل من لا حق له عنده كذا قرره ابن حزم الظاهري و تبعه الصنعاني بقوله: (ويؤيد ما ذهب إليه حديث "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"(4) فإن الأمر ظاهر في الإيجاب و نصر الظالم بإخراجه عن الظلم وذلك بأخذ ما في يده لغيره ظلما).
قلت: وهذا كله فيما إذا لم يترتب على استيفاء حقهم بهذا الطريق مفسدة مساوية للمصلحة المراد تحقيقها أو أقوى منها، فإن ترتب على فعلهم مفسدة فلا يجوز عملا بقاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
و الله أعلم، و صلى الله على محمد وعلى آله و صحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
الجزائر في : 19 رمضان 1417.
الموافق لـ : 28 جانفي 1997.
---
1- أخرجه الترمذي كتاب البيوع ،(1264) و أبو داود (3535) كتاب الإجارة ، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، والدارمي كتاب البيوع باب في أداء الأمانة واجتناب الخيانة(2652). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (424).
2- أخرجه البخاري كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه(5364)، ومسلم كتاب الأقضية، (4574)، وأبو داود، كتاب الإجارة، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده(3534)، والنسائي في كتاب آداب القضاة، باب قضاء الحاكم على الغائب إذا عرفه(5437)، وابن ماجه: كتاب التجارات، باب ما للمرأة من مال زوجها(2381)، وأحمد (7/60رقم 23597) من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه البخاري كتاب المظالم باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه(2461)، ومسلم كتاب اللقطة (4613)، وأبو داود كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الضيافة(3754) وابن ماجه: كتاب الأدب، باب حق الضيف(3807)، وأحمد ( 5/145) رقم (16894)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
4- أخرجه البخاري في «المظالم»، باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما: (2443)، والترمذي في «الفتن»: (2421)، وأحمد: (13421)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب»، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (6582) من حديث جابر رضي الله عنه.
(91/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016436
...
الفتوى رقم: 6
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
العمل في الضرائب
السؤال: إلى الشيخ الفاضل، إنّي تحصلت على شهادة في الجباية ( الضرائب ) وأنا أريد أن أوجه لك بعض الأسئلة على حكم العمل في مصالح الضرائب.
السؤال الأول: هل يجوز لي العمل في مصالح الضرائب وهل يعتبر حلالا شرعا؟
السؤال الثاني: هل يجوز فرض الضرائب إلى جانب الزكاة في الدولة الإسلامية ؟
السؤال الثالث: إذا كان العمل جائزا في هذه المصالح كيف يمكن تفسير أو تأويل حديث ذم المكس والمكاسين والعشارين ؟
أرجو أن تشفي غليلي في هذه المسألة وجزاك الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فينبغي -قبل الشروع في الإجابة- التفريق بين نوعين من الضرائب التي يسمّيها بعض الفقهاء من المالكية بـ " الوظائف " أو بـ " الخراج " وسمّاها بعض الأحناف بـ "النوائب" أي نيابة الفرد عن السلطان وعند بعض الحنابلة بـ: " الكلف السلطانية ".
- ضرائب مأخوذة بحق على سبيل العدل وبشرطها.
- ضرائب تؤخذ على سبيل الظلم والتعدي.
فالضرائب التي يفرضها الحاكم المسلم لضرورة قاضية أو لسدّ حاجة داعية أو لدرء خطر داهم أو متوقع، ومصدر الخزينة العامة للدولة لا تفي بالحاجيات ولا تغطيها بالنفقات، فإنّ العلماء أفتوا بتجويز فرضها على الأغنياء عملا بالمصالح المرسلة وتأسيسا لقاعدة: تفويت أدنى المصلحتين تحصيلا لأعلاهما وقاعدة: يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام وبه قال أبو حامد الغزالي في المستصفى والشاطبي في الاعتصام حيث نصّ على أنّه إذا خلا بيت المال وزادت حاجة الجند فللإمام أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا لهم في الحال، ولا يخفى أنّ الجهاد بالمال مفروض على المسلمين وهو واجب آخر غير فريضة الزكاة، قال تعالى: ?إِنَّمَا الُمؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلئَِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ?[الحجرات 15] وقوله تعالى: ?انفِرُوا خفافا ًوَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ?[التوبة 41] وقوله تعالى: ? وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلقُوا بِأَيِْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ?[البقرة 195] وقوله عزّ وجلّ:?تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولهِ ِوَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ?[الصف 11]، فيكون من حق أولي أمر المسلمين أن يحددوا نصيب كلّ فرد قادر من عبء الجهاد بالمال على ما قرره صاحب "غياث الأمم " ورجح النووي وغيره من أئمة الشافعية أنّه يلزم أغنياء المسلمين إعانتهم من غير مال الزكاة، ويدخل ضمن ما ذكرنا سائر المرافق العامة العائدة على أفراد المجتمع كافة سواء كانت مصلحة الجماعة وتأمينها عسكريا واقتصاديا يحتاج إلى مال لتحقيقها ولم تكفهم الزكاة بل وحتى إذا كانت الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته يتطلب ذلك إذ أنّ تحقيقها حتم لازم على ساسة المسلمين وفرض الزكاة، لا يفي بما هو لازم وإنّما يتمّ الواجب بفرض مال ضريبة غير الزكاة، فيقرر الوجوب عندئذ بناء على قاعدة: ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
ثمّ إنّ الفرد يغنم من تلك المرافق العامة الممهدة لفائدته والمهيأة لمصلحته من قبل الدولة المسلمة، فإنّه عليه بالمقابل أن يدفع ما هو داخل في التزامه عملا بمبدأ: الغرم بالغنم.
غير أنّ هذا التشريع مقيّد بجملة من الشروط منها:
1_ خلو بيت المال وحاجة الدولة إليه حقيقية وانعدام الموارد المالية الأخرى لها.
2_ وجوب إنفاقها في مصالح الأمة على سبيل العدل.
3_ التماس مشورة أهل الرأي ورجال الشورى في تقدير حاجات الدولة إلى المال العاجلة، ومدى كفاية الموارد عن عجزها، مع مراقبة جمعها وتوزيعها بالصورة المطلوبة شرعا.
هذا النوع من الضرائب الذي يقسم بالعدل والقسط بحق فقد أقره فقهاء المذاهب الأربعة تحت تسميات مختلفة كما يؤيد ذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء خلافته أنّه كان يفرض على تجار أهل الحرب العشر، ويأخذ من تجار أهل الذمّة نصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر.
أمّا النوع الثاني من الضرائب المجحفة والجائرة فليست سوى مصادرة لجزء من المال يؤخذ من أصحابه قسرا وجبرا وكرها من غير طيب نفس منه، مخالفين في ذلك المبدأ الشرعي العام في الأموال وهو أنّ الأصل فيها التحريم استنادا إلى نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفس منه"(1) وقوله عليه الصلاة والسلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد"(2) وقوله :" ألا إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... "(3) الحديث .
وعليه فإنّ ما ورد ثابتا أو غير ثابت من أحاديث ذمّ المكاس والعشار واقترانها بالوعيد الشديد إنّما هي محمولة على الجبايات والضرائب الجائرة والقاسطة التي تؤخذ بغير حق وتنفق في غير حق ومن غير توجيه، بمعنى أنّ الموظف العامل على جبايتها يستخدمه الملوك والحكام وأتباعهم لقضاء مصالحهم وشهواتهم على حساب فقراء ومظلومي مجتمعاتهم من شعوبهم، وضمن هذا المنظور والمحتوى يقول الذهبي في الكبائر: "المكاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم، فإنّه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق.
هذا هو حال التعامل الذي ساد العالم عند ظهور الإسلام ولا تزال هذه الضرائب المجحفة تفرضها الحكومات اليوم على أوساط الناس وفقرائهم من مجتمعاتهم وبالخصوص الشعوب الإسلامية، وتُرَدُّ على الرؤساء والأقوياء والأغنياء، وتصرف غالبا في شهواتهم وملذاتهم المتمثلة في البروتوكولات الرسمية في استقبال الزائرين من ملوك ورؤساء، وفي ولائمهم ومهرجاناتهم التي يأخذ فيها الفجور والخمور وإظهار الخصور نصيب الأسد فضلا عن أنواع الموسيقى وألوان الرقص والدعايات الباطلة وغيرها من شتى المجالات الأخرى المعلومة والمشاهدة عيانا باهضة التكاليف المالية فكانت هذه الضريبة فعلا - كما عبّر عنها بعض أهل العلم- بأنّها: تؤخذ من فقرائهم وتردّ على أغنيائهم، خلافا لمعنى الزكاة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "تؤخذ من أغنيائهم و ترد على فقرائهم"(4).
وبناء على ما تقدم فإنّه يجب على المسلم الحريص على دينه أن يتجنب المحرمات والمعاصي وأن يبتعد عن كلّ عمل يلوثه بالآثام والذنوب وينجس أمواله ويقذرها، كما ينبغي عليه أن لا يكون آلة ظلم ووسيلة قهر يستخدمه الظلمة سوط عذاب لإرهاق النّاس بالتكاليف المالية بل قد يكون من الظلمة أنفسهم لأنّه غالبا ما يشارك الظالمين ظلمهم ويقاسمهم الأموال المحرمة، على أنّ الشرع إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه قال عليه الصلاة والسلام: "قاتل الله اليهود لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه"(5).
أمّا فرض الضرائب إلى جانب الزكاة إذا لم يوجد المورد لسدّ هذه الحاجة إلاّ بالضرائب فيجوز أخذها بل يجب أخذها عند خلو بيت المال وإنفاقها في حقها وتوزيع أعبائها بالعدل والمساواة على ما تقدم في الضرائب العادلة وما تأيّد به من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هذا ما بدا لي في هذه المسألة فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي، والله نسأل أن يسدد خطانا ويبعدنا من الزلل ويوفقنا لما فيه خير الدنيا والآخرة، ويجعلنا عونا في إصلاح العباد والبلاد إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين؛ وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في : 12 جمادى الأول 1417هـ.
الموافق لـ : 26 سبتمبر 1996م.
---
1- أخرجه الدارقطني (300 ) وأحمد (5/72) وأبو يعلى والبيهقي (6/100)، والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/279) رقم (1459)، وفي صحيح الجامع(7539)
2- رواه البخاري كتاب المظالم، باب من قاتل دون ماله، ومسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق.. والترمذي كتاب الديات باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، والنسائي: كتاب تحريم الدمن باب من قتل دون بابه، وأحمد (2/348) رقم (6486) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأبو داود كتاب السنة باب في قتال اللصوص وابن ماجه: كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد من حديث سعيد بن يزيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.
3- رواه البخاري كتاب العلم باب قول النبي ربّ مبلغ أوعى من سامع ومسلم كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال عن ابي بكرة والترمذي كتاب الفتن باب ما جاء في دماءكم وأموالكم عليكم حرام وابن ماجه كتاب المناسك باب الخطبة يوم النحر وأحمد(5/443) رقم (18487) واللفظ له من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه.
4- رواه البخاري كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ومسلم كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام وأبو داود كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة والترمذي كتاب الزكاة باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة والنسائي كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة وابن ماجه كتاب الزكاة باب فرض الزكاة وأحمد (1/386) رقم(2072) من حديث ابن عباس .
5- رواه البخاري كتاب البيوع باب بيع الميتة والأصنام ومسلم كتاب المساقاة باب تحريم الخمر والميتة والخنزير والأصنام وأبو داود كتاب الإجارة باب في ثمن الخمر والميتة والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام,والنسائي كتاب الفرع والعتيرة باب النهي عن الانتفاع بشحوم الميتة وابن ماجه كتاب التجارات باب ما لا يحل بيعه وأحمد(4/270) رقم(14063) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(92/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016437
...
الفتوى رقم: 86
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
حكم العمل في مطبعة تابعة للبنك
السؤال: الحمد الله وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فهذا سؤال عن أخ يعمل في مطبعة تابعة للبنك الجزائري المركزي والتي وظيفتها صنع الدراهم وطبع الجوازات والطوابع البريدية وغيرها من الأمور المطبعية.
فهل يجوز لهذا الشخص العمل في هذه المطبعة، أجيبونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين أمّا بعد؛
فاعلم -وفقك الله تعالى وأرشدك إلى طاعته- أنّ تركيب النظام الاقتصادي الحالي وجهازه الحالي عموماً مبني على التعامل بالرِّبا المحرّم، والأصل أنّ كل عمل تضمن ضرراً على المسلمين أو ظلماً أو تحريماً فلا يجوز مباشرة العمل فيه ولا المشاركة فيه بأيّ جهد مادي أو معنوي عملي أو قولي، فإنّ المُعين على المعصية يُعدّ شريكاً في الإثم، وكلّ وسيلة إلى الحرام تُحرَّم وهو معنى التقعيد القائل: ( ما أدى إلى حرام فهو حرام ) والكلّ تلحقه اللّعنة بقدر المشاركة في الإثم والذنب، لذلك نجد الشارع يحرّم المشاركة مع آكل الرّبا في قوله (صلى الله عليه وسلم): "لعن الله آكل الرّبا وموكله وشاهديه وكاتبه "(1) إذا عملوا ذلك – ملعونون على لسان محمّد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة، وفي رواية مسلم قال :"هم سواء"(2) إذ أنّ كلّ إعانة في الظلم ظلم والتعاون على الإثم إثم مصداقاً لقوله تعالى:?ولا تَعَاونُوا عَلَى الإِثمِ و َالعُدْوَان? [المائدة 2].
وما كان في حكم التابع فهو فرع يلحق به الأصل لأنّ التابع تابع لمتبوعه عملاً بمقتضى القاعدة الفقهية: ( التابع لا يفرد بالحكم ما لم يصر مقصوداً).
هذا، ويذهب بعض العلماء المحدثين إلى جواز العمل في البنوك الرّبوية والمصاريف المالية الحالية لأنّ أعمال البنوك أقلها هو الحرام وأغلبها حلال طيب، بحجة أنّ في العدول عن ذلك خطورة على الإسلام وهذا الأمر الذي يؤدّي بطريق أو بآخر إلى سيطرة غير المسلمين عليه وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة وبلاء على الأمّة، ولا يخفي أنّ كلّ هذا التحليل لا يقوي على القول بحلية العمل في البنوك ولواحقها وضروريّاتها، إذ الأصل فيها قيامها على أساس موجب لحرب من الله ورسوله جريا على قاعدة : من ملك شيئا ملك ضرورياته وليس الأمر كذلك لمن كان أصله غير محرّم لكنّه شابته شائبة التحريم في أحد لواحقه فالأمر يختلف ولا يقاس هذا على ذاك، فيتمتع فقط في تلك اللواحق المحرّمة.
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين؛ وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه أحمد (4/43) رقم (3809)، وأبو داود كتاب البيوع باب في آكل الربا وموكله(3335)، والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في أكل الربا(1248) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والحديث صححه الألباني في الإرواء (1335).
2- أخرجه مسلم باب المساقاة (4177)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(93/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016438
...
الفتوى رقم: 87
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
حكم من وجد مبيعه المسروق عند من اشتراه من السارق
السؤال: ما حكم من وجد مبيعه المسروق عند من اشتراه من السارق هل يجوز له أخذه منه، أم يجب عليه إتباع السارق ؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، أمّا بعد:
ففي تقديري أنّه يجب التفريق في هذه المسألة بين حالة الاتهام وغيره. ففي حالة العلم بأنّ المال مسروقٌ واشتراه من السارق أو الغاصب فإنّ صاحبه إن وجد ماله عنده فهو أحق بعين ماله، وعلى المشتري ملاحقة المعتدي عند القاضي بناء على سوء نية المشتري واتهامه بالتّورط في عقد منهي عنه شرعا وذلك عملا بحديث سمرة " من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيّع من باعه"(1) ويؤيده ما كتب الخليفة معاوية إلى مروان قوله: "أيّما رجل سرق من سرقة فهو أحق بها حيث وجدها".
أمّا في حالة عدم العلم بأنّ المال مسروق واشتراه من السارق حملا له على الصلاح فلصاحب المال التخيير بين أمرين وهما:
1. أن يأخذ ماله بثمن.
2. متابعة السارق وملاحقته قضائيا.
وتقرر التخيير خلافا للحالة الأولى بناء على حسن نية المشتري وعدم اتهامه ويدل على هذا التخيير بهذا المعنى حديث أسيد بن حضير أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم يُخيَّر سيِّدها، فإن شاء أخذَ الذي سُرق منه بثمنها، وإن شاء اتّبع سارقه"(2) ويشهد له قضاء الخلفاء الراشدين، وحديث سمرة، وإن أعلّه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني كما بينه في التعليق على المشكاة ومنع صلاحيته لمعارضة حديث أسيد على ما ذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/167) إلاّ أنّ في تقديري انتقاء التعارض بين الحديثين إذا حمل الحديث الأول على حالة الاتهام وسوء النيّة وحمل الثاني على حالة عدم الاتّهام وحسن النيّة وينتفي التعارض أيضا بين قضاء الخلفاء الراشدين وأسيد بن حضير وبين قضاء معاوية بن أبي سفيان -الذي صححه الشيخ الألباني نفسه- إذا ما تم الحمل على الحالتين السابقتين هذا ما ظهر لي في هذه المسألة.
والله أعلم؛ وفق كلّ ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 16 صفر 1417هـ
الموافق لـ: 2 جويلية 1996م
---
1- أخرجه أبو داود كتاب البيوع أبواب الإجارة باب في الرجل يجد عين ماله عند رجل(3533)، والنسائي كتاب البيوع باب في الرجل يبيع السلعة فيستحقها مستحق(4698)، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة(2061).
2- أخرجه أحمد(5/266) رقم(17525)، والنسائي كتاب البيوع باب في الرجل يبيع السلعة فيستحقها مستحق(4697)، والحاكم كتاب البيوع.وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (609).
(94/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016439
...
الفتوى رقم: 88
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
بيع الحلوى المصنوعة من مادة "الجيلاتين"
السؤال: هل يجوز بيع حلويات مستوردة من " إنجليترا" تحتوي على مادة " الجيلاتين " الموجودة في عظام ولحم البقرة علما بأن أهل البلاد وغيرها لا يذبحون غالبا؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أمّا بعد:
فأقول وبالله التوفيق:
لا إشكال يرد في بيع الحلويات المستوردة إن خالطها شيء من ذبائح أهل الكتاب ممّا لهم فيه ممارسة وصناعة إذا كانت محلا للذّبح لقوله تعالى : ?وَطَعَامُ الّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لهُمْ?[المائدة 5] وإنّما يرد الإشكال فيما إذا كانت هذه الحيوانات توقذ صعقا على ما هو جار في معظم بلاد الغرب الأوروبي من أهل الكتاب، أو كانت من ذبائح المجوس، الأمر الذي أحدث خلافا بين أهل العلم في الجواز والمنع، واختلافهم ناشئ عن اختلافهم في لبن الميتة وإِنفِحَتها، هل هما طاهران أو نجسان، فمن رأى نجاستها تقرر عنده تحريم ما يصنع بالإنفحة، حلويات كانت أو أجبانا، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد ومن رأى طهارتهما حكم بجوازها وهو مذهب أبي حنيفة(1)، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ارتضاها شيخ الإسلام ابن تيمية(2)، وهو الظاهر من القولين عملا بفعل الصحابة لمّا فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس وشاع هذا بينهم من غير نكير، فضلا على أنّ اللبن و الإنفحة ليسا محلا للموت، وإنما أخذ حكم نجاستها عند من يقضي بنجاستها لكونهما مستخرجين من ذات الميتة وهي وعاء نجس، غير أنّه لا يتم التسليم أن المائع ينجس بملاقاة النجاسة لعموم حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا :" الماء طهور لا ينجسه شيء"(3) وهذا ما لم يتغير بعض أوصافه، ريحه أو طعمه أو لونه، فإن تغير فهو نجس إجماعا على ما نقله ابن المنذر وابن الملقن، أما من احتج بأحاديث الاستيقاظ والماء الدائم والولوغ، فقد ورد الأمر باجتنابها وغسلها لا من أجل النجاسة، وإن سلّمنا فغاية ما يدل النهي عليه في هذه الأحاديث الكراهة ولا تخرج عن كونها طاهرة والمائعات كلها حكمها حكم الماء قلت أو كثرت وعليه يتقرر حكم بيع الحلويات والأجبان وهو الحل والجواز ما لم يعلم احتواؤهما على مادة محرمة كشحم الخنزير أو أحد أجزاء الميتة ممّا تحلُّها الحياة، ففي هذه الحال تحرم قطعا إذا لم تتغير حقائقها.
والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
---
1- أجزاء الميتة الصلبة التي لا دم فيها كالقرن والسن والحافر والخف والإنفحة الصلبة طاهرة عند الأحناف لأنّ هذه الأشياء ليست بميتة لعدم دخول الحياة فيها، والميتة من الحيوان اسم لما زالت حياته، فالإنفحة الصلبة متفق على طهارتها، أمّا الإنفحة المائعة واللبن في ضرع الميتة فالأظهر طهارتها (البدائع1/63).
2- مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/60).
3- أخرجه الشافعي (1/20) وأحمد (3/15، 86) وأبو داود كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة، والترمذي كتاب أبواب الطهارة باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، والنسائي كتاب المياه باب ذكر بئر بضاعة، والبيهقي (1/4، 5)، والبغوي (1/60) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو صحيح بطرقه وشواهده، انظر التلخيص الحبير لابن حجر (1/13، 14) و إرواء الغليل للألباني (1/45) رقم (14).
(95/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016440
...
الفتوى رقم: 89
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
إلزام الزبائن شراء سلعة غير مرغوب فيها
السؤال: معاملة تجارية تعمّ بها البلوى وهي: أن تكون لتاجر ما سلعة غير مرغوب
فيها لرداءتها أو لعيب فيها أو لغير ذلك، وتكون عنده سلعة على عكسها (مرغوب فيها ويقبل الناس على شرائها بكثرة) فيشترط على من يريد شراء هذه السلعة المرغوب فيها أن يأخذ معها السلعة غير المرغوب فيها طوعا أو كرها.
فما حكم هذا الشرط؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان أمّا بعد:
فاعلم وفقك الله إلى أنّ مثل هذه الشروط فاسدة تبطل العقد من أصله لكونها اشتراط عقد في عقد، ووجه فساده اشتراطه على صاحبه عقدا آخر ضمنه، كأن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر، أو يقرضه، أو يزوجه، أو يشتري منه ونحو ذلك.
ودليل الفساد قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع "(1) وقد ورد النّهي عن البيعتين في بيعة من حديث عبد الله بن مسعود، وحديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم كما في سنن أبي داود وغيره(2).
غير أنّه إذا كان تعدد العقد من طرف واحد جاز، كأن يقول له: بعتك السيارة وأجرتك البيت بكذا دينار، وإذا كان اللفظ الفاسد لا يلتفت إليه- عند الجمهور- إذا كان معلوما حلالا، فمن باب أولى إذا كان فاسدا أو رديئا أو معيبا.
أمّا إذا اشترط أحد الطرفين نفعا معلوما في البيع سواء كان الاشتراط من البائع كأن يسكن الدار المبيعة شهراً، أو من المشتري كاشتراط إيصال المبيع إلى محل إقامته ونحو ذلك إذا كانت تلك المنفعة ممّا يجوز استبقاؤها في ملك الغير فإنّ البيع صحيح مع الشروط العائدة للبائع أو المشتري من منافع معلومة في المبيع، وهو مذهب المحققين من أهل العلم وبه قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما(3).
إذ الأصل في العقود والشروط الإباحة والجواز ولا يصرف عن هذا الأصل لغير دليل شرعي والأدلة توافق هذا الأصل ولا تخالفه منها: " المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما "(4) وحديث جابر عند الشيخين في قوله: " ...واستثنيت حملانه إلى أهلي "(5) وحديثه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الثنيا إلاّ أن تعلم "(6).
وعليه فإنّ مثل هذه الشروط التي لا تتضمن أي محذور ولا مفسدة فيها مطلقا، وليست وسيلة إلى مفسدة فهي باقية على الأصل المقرر في المعاملات.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
الجزائر في : 26 رمضان 1417 هـ.
الموافق لـ: 2 فيفري 1997 م.
---
1- أخرجه أبو داود كتاب البيوع باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، والنسائي كتاب البيوع باب بيع ما ليس عند البائع وأحمد رقم (6918)، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . والحديث حسنه الألباني في الإرواء (5/147).
2- انظر تخريج هذه الأحاديث والحكم عليها في الإرواء (5/148 إلى 151).
3- انظر كتاب مختارات من نصوص حديثية في فقه المعاملات المالية للشيخ أبي عبد المعز-حفظه الله- ( ص50 إلى 71).
4- أخرجه أبو داود في الأقضية (3593)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في الأحكام(1352)، من حديث عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، والحاكم في البيوع عن أبي هريرة وعن عائشة رضي الله عن الجميع. والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/142) رقم ( 1303)، والسلسلة الصحيحة رقم (2915).
5- أخرجه البخاري كتاب الشروط باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، ومسلم كتاب المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه.
6- أخرجه مسلم كتاب البيوع باب النهي عن المحاقلة والمزابنة، وأبو داود كتاب البيوع باب في المخابرة، والنسائي كتاب المزارعة باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع.
(96/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016441
...
الفتوى رقم: 90
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
مسألة في المضاربة
السؤال: ويتعلق بمسألة البيوع، ومضمونه:
أنّ رجلين الأول زيد و الثاني عمرو، اكترى الأول حانوتا للمواد الغذائية وطلب من الثاني أن يشاركه في ذلك بماله وبدنه تناصفاً، شاء الله تعالى أن يطلب الثاني الخروج من الشركة لأنّه وجد مشروعا آخر، على كلّ حال وافق الأول، إلاّ أنّ عمرا عرض على زيد -وهو الرجل الأول- أن يقبل طرفا آخر يدخل مكانه، وافق زيد بشرط أن يمهل خالدا مدة أسبوع يراجع فيها نفسه.
بعد انقضاء المدة وافق خالد على المشاركة ببدنه مع شطر ماله، موضع الإشكال هنا هو أنّ زيدا بعد مرور مدة زمنية من الاشتراك مع خالد طلب زيد من خالد أن يخلي له الحانوت ويتفرقا لأسباب منها ضعف المدخول.
السؤال هو: من الذي يحقّ له البقاء في الحانوت زيد أم خالد و بأيّ حجّة ؟
الشطر الثاني من السؤال أنّه وقع الانفصال فعلا وبقي زيد في الحانوت بحجّة أنّه أول من اكترى الحانوت وأنّ خالدا إنّما دخل بعد مرور مدة زمنية من وجود زيد في الحانوت ثمّ نصيحتكم فيمن قاطع أخاه لهذه المشكلة (أعني بالمقاطعة أنّه لا يسلّم عليه ولا يبتسم في وجهه)
أفتونا مأجورين -حفظكم الله- مع إيراد الأدلة على ذلك ونرجوا -حفظكم الله- أن يكون الجواب كتابيا.
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الشركة عقد جائز لا لازم يمكن فسخه في أي وقت ولذلك لا يلزم بيان مدّته وإذا بينت فالمسلمون على شروطهم ما لم يظهر من هذه الشركة ما يتنافى مع مقصود العقد كما علل زيد بضعف الربح وقلته، ولذلك يعود المتعاقدان بعد النسخ إلى ما كان عليه أمرهما قبل التعاقد، و قد كان زيد قبل التعاقد مع خالد يحوز الدّكان فهو أولى به وإذا اتجر فيه خالد بعد إبطال العقد وفسخه فليس له سوى أجرة مثله، وما كان من ربح أو خسارة فهي على صاحب الدّكان، لأنّ العامل أجير والأجير لا يضمن إلاّ بالتعدي.
هذا وإذا تبين لهذا الأخ الحق فلا يحلّ له الإعراض عنه ومعاندة الحق الظاهر والغضب للنفس والانتصار لها بالباطل فيجفو أخاه المسلم ويقاطعه ويعرض عنه ويدابره على أمر دنيوي فإنّ هذا من سوء الخلق وفساد القلب ولم يرخص الشرع الهجران للدنيا إلاّ في ثلاثة أيام يدع فيها نوازع الكبر والغضب والخصومة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"(1) ثمّ ليعلم أنّ عاقبة التمادي في الشحناء والتدابر وتقطيع أواصر الأخوة هو الحرمان من مغفرة الله تعالى ورحمته، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا: "تفتح أبواب الجنّة يوم الإثنين والخميس فيغفر الله عزّ وجلّ لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا، إلاّ رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتّى يصطلحا، أنظروا هذين حتّى يصطلحا، أنظروا هذين حتّى يصطلحا"(2) فإنّ الدنيا أهون على الله والمسلم من أن تفضي إلى هذه العاقبة.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه.
---
1- أخرجه البخاري كتاب الاستئذان باب السلام للمعرفة وغير المعرفة(6237)، ومسلم كتاب البر والصلة والآداب (6697) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
2- أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والآداب (6709)، وأبو داود كتاب الأدب باب فيمن يهجر أخاه المسلم(4918)، والترمذي كتاب البر والصلة باب ما جاء في المتهاجرين(2155)،والبخاري في الأدب المفرد باب الشحناء، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(97/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016442
...
الفتوى رقم: 91
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
خطأ الصانع في تقدير ثمن ما يصنعه لزبونه
السؤال: ما الحكم في هذه المسألة: صانع يحدد ثمنا لزبونه مقابل أن يصنع له شيئا وبعد مباشرته لعمله تبين له أنّ ذلك الثمن المحدد قليل (أي أقلّ من رأسماله أعني: تكاليف المصنوع أو قدر رأس المال فيضيع جهده وعرقه.)
فتخاصم هو وزبونه فما العمل ؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ ما ادعاه الأجير الصانع وإن يوافق ظاهر الحال فلا يتمسك به في إثبات الاستحقاق لعدة اعتبارات منها:
- لكون الصانع مقرا بالمبلغ المتفق عليه حال العقد، فالمعتبر عندئذ قول الأصيل لقوله تعالى: ? يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود? [المائدة 1]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم "(1).
- ولأنّ الصانع قصّر في طلب الحظ لنفسه بعدم سعيه للتعرف على القيمة الحقيقية للصفقة المراد إبرامها، وذلك معدود من تفريطه وتقصيره فلا يضمنه الغير.
وينبني عليه أنّ الصانع إن علم بالقيمة الحقيقية لتكاليف الصنعة عند العقد فلا استحقاق له البتة لسوء نيته، وإن علم أثناء عمله فالواجب تبليغ الأصيل وإعلامه بها فإن رضي بها أُلغيَ العقد الأول وصار العقد الثاني لازما، ومن حقه أن يطالبه بالزيادة حالتئذ بناء على العقد الثاني، وإن سخط وامتنع الأصيل فلهما أن يفسخا العقد، ويستحق الأجير الصانع سوى مقدار ما أنفقه من عمله بأجر المثل، أي أجرة المدة التي عمل فيها ولا يستحق الأجرة الكاملة.
أمّا إن علم بقيمة تكاليف الصفقة الحقيقية واستمر في العمل من غير إشعار الأصيل المتعاقد معه بها كان عمله شبيها بتصرف الفضولي، وتصرفاته تقع صحيحة غير أنّها موقوفة على إجازة صاحب الشأن، وهو من صدر التصرف لأجله، إن أجازه نفد وإن ردّه بطل كما هو الراجح من قولي أهل العلم وهو مذهب الحنفية و المالكية.
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
الجزائر في :15ذي القعدة 1417 هـ
الموافق لـ :28 مارس 1997 م
---
1- أخرجه أبو داود في أول كتاب الأقضية رقم(3593)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في الأحكام رقم(1352) من حديث عمرو بن عوف، والحاكم كتاب البيوع عن أبي هريرة وعن عائشة رضي الله عن الجميع. والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/142) رقم ( 1303)، والسلسلة الصحيحة رقم (2915).
(98/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016443
...
الفتوى رقم: 92
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
القرض المشروط
السؤال: رجل اقترض من آخر مبلغا ليستثمره في تجارة وشرط على نفسه أن يعطي المقرض نسبة من الربح، فهل هذا جائز؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإذا أبرم الاتفاق بينهما ابتداء على أن يعطيه منفعة أو ربحا فهو ربا محرّم شرعا، لأنّ المنفعة مشروطة من المقرض أو في حكم المشروطة، وهذا ما يعرف بربا الديون المتعلّق بالذمم المتمثل في قاعدة (أنظرني أزدك) فتحريمه تحريم مقاصد كما قرره ابن القيم -رحمه الله- وكلّ الآيات القرآنية الواردة في تحريم الرّبا إنّما نزلت في هذه الصورة من صور الرّبا المحرّم، أمّا إذا لم يشترط عليه ربحا أو منفعة بل أراد المقترض من طيب نفسه أن يجازيه على معروفه و يقضي دينه بالإحسان، فإنّ ذلك يُعدّ تبرعا من المستقرض سواء كان في الصفة أو المقدار أو العدد ويدلّ عليه ما رواه مسلم من حديث أبي رافع- رضي الله عنه- "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم استَسْلف من رجل بَكْراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصّدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْره، فقال: لم أجد فيها إلاّ خِيَاراً رَبَاعِياً، فقال: أعطه إيّاه، إنّ خِيار النّاس أحسنُهم قضاءً "(1) وفي رواية البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: "كان لي على رسول الله دين فقضاني وزادني"(2) وفي الحديث: "من صنع إليكم معروفا فكافئوه"(3).
أمّا حديث "كل قرض جر منفعة فهو ربا"(4) وإن كان ساقط الإسناد على ما ذكره ابن حجر إلا أنّ المعنى بالتحريم متميز بما إذا كان نفع القرض مشروطا أو متعارفا عليه كاتفاق سبق بين المقرض والمقترض جمعا وتوفيقا بين الأدلة.
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
---
1- أخرجه البخاري كتاب(2392) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم كتاب المساقاة (4192)، وأبو داود كتاب البيوع باب في حسن القضاء(3348)، والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان أو السنّ(1367)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه.
2- أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين(443)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1689)، وأبو داود كتاب البيوع باب في حسن القضاء(3349)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
3- أخرجه أحمد(1/68/99)، والبخاري في الأدب المفرد باب من صنع إليه معروف فليكافئه، وأبو داود كتاب الزكاة باب عطية من سأل بالله عز وجلّ(1674)، وابن حبان في صحيحه رقم(2071)، والحاكم (1/412)،من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم(254)، وفي صحيح الجامع (5898).
4- أخرجه البغوي في (حديث العلاء بن مسلم)(ق10/2)عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل(5/235)رقم(1398)،وضعيف الجامع(4244).
(99/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016444
...
الفتوى رقم: 93
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
تجارة قاعة الألعاب
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمّد رسول الله أمّا بعد:
سؤالي يتعلق بحكم تجارة (قاعة الألعاب)، فضيلة الشيخ أنا أملك محلا تجاريا بمقر سكناي وأمارس فيه هذا النوع من التجارة ونظرا للشبهة التي أراها (اللهو) أتقدم إليكم سائلا عن حكمها وموضعها من الحلال والحرام رغم أنّني أقوم بالتزامات حسنة اتجاه هذا العمل من بينها:
1. ممنوع التدخين داخل القاعة
2. مراقبة شديدة لمنع أي نوع من أنواع القمار
3. غلق المحل قبل أذان العشاء
4. أمارس هذه التجارة بسبعة آلات إلكترونية ممتنعا عن آلات أخرى (BILLARD - BABYFOOT)
5. مصدر قوت العائلة من هذه التجارة.
فضيلة الشيخ أتمنى أن يكون الجواب بالتدقيق حيث إذا كان حكم هذه التجارة غير مشروع فما هو مصير الآلات التي أمتلكها حيث كنت أقوم بكرائها قبل أن يتسنى لي شراؤها. وأنا أملك الآن بعض الأموال من أرباح هذه التجارة ومرّ عليها الحول فقد زكيت عليها مؤخرا فكيف أتصرف بها -جزاكم الله خيرا- شكرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ كلّ ما تضمن ترك واجب كتضييع الصلاة أو تضييع واجباتها، أو صد عن ذكر الله أو إثارة الشحناء والبغضاء، أو اشتمل على الكذب أو الظلم أو الغش أو الكلام الرديء، أو الفحش ونحو ذلك أو تضمن ترك ما يجب عليه من المصالح كالقيام بالمعاش والسعي للاسترزاق فإنّه تحرم المسابقات فيه واللعب اتفاقا.
والألعاب الإلكترونية المعتمدة على المهارات الذهنية التي تقوي المعلومات وتنمي الاهتمامات إذا خلت مما سبق ذكره فحكمها الإباحة والجواز، فليست قائمة على الحظ والمصادفة حتى تُحرم كما هو شأن النردشير ولعب الورق وغيرهما غير أنّه لمّا كانت هذه الألعاب الإلكترونية ليست من آلات الجهاد ولا معينة عليه –ولو اشتملت هذه الألعاب على حروب وهمية تدرب على التصرف في الأحوال المشابهة- فإنّه يحرم فيها العوض ولا يدفع فيها المال للفائز بسبب فوزه، وإذا التزم اللاعبون الحدود والقيود الشرعية الآنفة الذكر ودفعوا المال لصاحب المحلّ والآلات فلا أرى مانعا في أخذه لكونه داخلا في باب الإجارات المباحة، ومع ذلك فالأفضل-عندي- أن يغير صاحب المحل تجارته هذه إلى أخرى ينشر بها الخير والفضيلة، وذلك لصعوبة التحكم في المخالفات الشرعية التي تحدث بين اللاعبين.
هذا والأسئلة الأخرى الواردة في النص هي نتيجة لازمة لحكم هذه المقدمة.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في 15 ربيع الثاني 1422هـ
الموافق 26 جوان 2002م.
(100/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016445
...
الفتوى رقم: 94
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
بيع جلود الأضاحي لمصلحة المسجد
السؤال: فضيلة الشيخ علي فركوس -حفظه الله-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد:
فنحن لجنة دينية لبناء مسجد بمدينة س/بلعباس، قمنا بمناسبة عيد الأضحى المبارك بجمع جلود الأضاحي من سكان الحي، وكنّا قد أعلمناهم مسبقا أنّنا سنقوم بهذه العملية طالبين منهم التصدق بالجلود لصالح المسجد، حيث تقوم اللجنة بجمعها وبيعها، واستعمال هذه الأموال في بناء المسجد وكان الأمر كذلك.
فنحن نسأل سماحة الشيخ الفاضل هل هذا الفعل فيه مخالفة شرعية ؟ فبينوا لنا جزاكم الله كلّ خير.
اللجنة الدينية لمسجد معاذ بن جبل س/بلعباس.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فحكم هذا التصرف يرجع تأسيسه من حيث الجواز والمنع على حكم بيع جلد الأضحية، والفقهاء في حكمها مختلفون على أقوال، أظهرها عدم جواز بيع شيء من الأضحية، جلد ولا غيره، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، لما ثبت من حديث علي رضي الله عنه قال:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه فأقسم جلالها وجلودها، وأمرني أن لا أعطي الجازر منها شيئا، وقال: نحن نعطيه ما عندنا"(1) وعليه فلا يجوز التصرف فيها إلاّ ما أباحه صلى الله عليه وسلّم وهو الانتفاع بجلدها فيصنع منها النعال والخفاف والفراء والحقائب ونحو ذلك فكان بمثابة الوقف.
هذا، وإذا تبين أنّ التصرف لا يجوز أصالة فلا تجوز النيابة عنه أيضا، والغاية لا تبرر الوسيلة، فينبغي أن تستصحب طهارة المساجد في التعمير والبناء والتشييد وهي إحدى الطهارتين أخت الطهارة الإيمانية بل هي وليدة عنها.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر12 ربيع الثاني 1422 هـ
الموافق لـ22 جوان 2002 م
---
1- أخرجه البخاري كتاب الحج باب يتصدق بجلود الهدي، ومسلم كتاب المناسك باب من جلّل البدنة، وأحمد(1/79)، والدارمي(2/74)، من حديث علي رضي الله عنه، وانظرالإرواء(1161).
(101/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016447
...
الفتوى رقم: 95
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
الدعم الفلاحي البنكي
السؤال: الدّعم الفلاحي يشمل (70%) بدون طالع (فائدة) و(30%) فيها الفائدة
جلّ الفلاحين أخذوا (70%) لأنّها ليست فيها فائدة، لكن صندوق التعاون الفلاحي اشترط شروطا في أخذ هذه (70%) من بينها: شراء أسهم من البنك الفلاحي الخاص بالصندوق، فهل يجوز علما أنّ (70%) لا تعطى لهم إلاّ بعد إنجاز المشاريع التي يريدون إنجازها.
كما أنّ هذه الأسهم:
1. منها الطالع : بفائدة محددة و غير محددة
2. شراؤها من أجل أن تكون منخرطا في الصندوق الفلاحي لدعم هذا الصندوق ماليا (تعويض الضرر إذا وقع مثلا).
هل يجوز هذا؟ علما أنّه يمكن سحب مبالغ هذه الأسهم بعد سنة، والبنوك معروفة في معاملاتها المالية.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله و صحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ بيع وشراء أسهم شركات تودع أموالها في المصارف والبنوك الربوية وتأخذ على الودائع فوائد ربوية، وتقترض بفوائد ربوية، أنّ ذلك حرام وباطل، لأنّ النصوص صريحة وقاطعة بالحرمة والبطلان لا تستطيع أن تنفذ من نزاعات الأهواء، لا سيما والعاقد يدخل فيها عالما بها، وقد اتفق الأئمة مالك والشافعي وأحمد وجمهور من أتباعهم على أنّ العقود التي يدخلها الربا تقع باطلة للنهي عنها ولا يخفى أنّ النهي إذا عاد إلى وصف في المنهي عنه فهو كالمنهي عنه لعينه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 24 رمضان 1422هـ
الموافق لـ 10نوفمبر 2001 م
(102/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016448
...
الفتوى رقم: 96
الصنف: فتاوى البيوع والمعاملات المالية
إعطاء الرشوة من أجل دفع ضرر الضرائب
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الشرع في دفع مال لشخص معيّن حتى يقوم هذا الأخير بسحب وثيقة ما، وينجرّ عن بقائها في مستندات أو ملف شخص آخر معاملته معاملة قاسية من حيث الغرامة المالية، والضرائب الجبائية علما أنّ هذا الشخص المعيّن يعمل في المصلحة المختصة نفسها.؟
أفتونا مأجورين، وأجركم على الله، وجزاكم الله خيرا ورجائي أن يكون الجواب كتابيا -إن أمكن- وشكرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وبعد:
فإنّ من حبس عن ماله – ابتداء– فبذل إلى غيره مالا للسعي إلى خلاصه، أو ليحكم له بحق، أو لدفع ظلم عنه ولم يجد وسيلة للوصول إليه سواه، وكان الساعي موظفا في مصالح محلّ سعيه حين وقوع المظلمة فسق الآخذ فقط دون المعطي لاضطراره إلى التوصل إلى حقه بأيّ طريق كان، وأصل تأثيمه ما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا -أي منحناه راتبا- فما أخذ بعد ذلك فهو غلول"(1) ودليل تبرئة المعطي من الإثم حديث الملحِّينَ الذين لا يستحقون الصدقة فيعطيها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤالهم له قال عليه الصلاة والسلام: "إنّ أحدكم ليخرج بصدقته من عندي متأبطها، وإنّما هي له نار"، فقال عمر: يا رسول الله كيف تعطيها و قد علمت أنّها له نار؟ قال:"ما أصنع؟ يأبون إلاّ مسألتي ويأبى الله عزّ وجلّ لي البخل"(2) غير أنّه لا يجوز الدوام على هذا العمل إن علم أنّ المظلمة لا ترتفع إلاّ به لما فيه من الإعانة على الظلم وأكل أموال النّاس بالباطل، فضلا عن أنّ الاستمرار فيه يوّرث الرضا بالمعصية، وينقلب المنكر معروفا والمعروف منكرا لا يمكن تغييره، ولو بأضعف الإيمان فيمنع هذا الطريق سدا للذريعة.
هذا، وأخيرا فإنّ الواجب يقتضي نصر المظلوم بإخراجه من الظلم، وذلك بعدم التعاون معه على الإثم والعدوان المنهي عنهما بنص الآية ففي صحيح البخاري: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"، قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: " تمنعه من الظلم فذلك نصر له"(3).
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 21 رمضان 1417 هـ
الموافق لـ: 31 جانفي 1997 م
---
1- أخرجه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في أرزاق العمال، من حديث بريدة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(5899)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(779).
2- أخرجه أحمد (11296)، وابن حبان رقم(840)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1/498)، وفي غاية المرام ص:(266) رقم(463).
3- أخرجه البخاري في «المظالم»، باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما: (2443)، والترمذي في «الفتن»: (2421)، وأحمد: (13421)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب»، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (6582) من حديث جابر رضي الله عنه.
(103/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016451
...
الفتوى رقم: 205
الصنف: فتاوى المرأة
العطر للمرأة
السؤال: ما حكم الشريعة في المرأة التي تستعمل العطور؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّه لا يجوز للمرأة أن تخرج متعطرة من بيتها متزينة أو متطيبة، سواء كان خروجها للصلاة في المسجد أو لزيارة محارمها، أو خروجها إلى السوق، وسواء تطيبت بالعطور في بيتها قبل الخروج أو في الطريق أو في المسجد، لأنّ ذلك مدعاة للفتنة، وقد جاء في الحديث :"أيما امرأة استعطرت ثمّ خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية"(1) وثبت أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم :"أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"(2) وفي رواية ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم :"أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد، لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل"(3) بل الواجب عليها إن خرجت للحاجة أن تخرج بالضوابط الشرعية متسترة ومحتشمة غير متطيبة قال صلى الله عليه وسلم:" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات"(4) ومعنى "تفلات" أي غير متطيبات.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه النسائي كتاب الزينة باب ما يكره للنساء من الطيب، وأبو داود كتاب الترجّل باب ما جاء في المرأة تتطيّب للخروج، والترمذي كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة، والحاكم(2/396)، وأحمد(4/400)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة(137)
2- أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، أبو داود كتاب الترجل باب ما جاء في المرأة تتطيّب للخروج، والبيهقي(3/133)، والبغوي في شرح السنة(816)، وأبو عوانة في مسنده(2/17)، وأبو يعلى(545)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني(3605).
3- أخرجه ابن ماجه كتاب الفتن باب فتنة النساء، وأبو داود كتاب الترجل باب ما جاء في المرأة تتطيّب للخروج، والبيهقي في السنن الكبرى(3/133)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر السلسلة الصحيحة(1031).
4- أخرجه أحمد (2/439)، وأبو داود كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، والدارمي(1/293)، وابن الجارود(169)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في الإرواء(2/293) رقم(515).
(104/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016452
...
الفتوى رقم: 215
الصنف: فتاوى المرأة
تدريس المرأة في المسجد مع أخذ الأجرة
السؤال: سائلة تودُّ معرفة ما إذا كان يجوز لها –أو لغيرها- اتِّخاذ المسجد مكانا لاكتساب الرزق وذلك بتقديم دروس (سواء في محو الأمية أو دروس تتعلق بالبرامج الدراسية) مع العلم أنّها بحاجة للمال ولم تجد عملا يغنيها عن ذلك، إضافة إلى أنّها فكرت في جعل نصيب من ذلك المال للمسجد، لأنّه بدون المسجد لا وجود لمكان آخر لتقديم هذه الدروس واكتساب هذا المال، فكان ذلك كمن يكتري محلا لهذا العمل، مع العلم أنّ القصد من تقديم هذه الدروس هو وجه الله تعالى –ثبتنا الله على ذلك- لولا أنّ الحاجة دفعتنا للتفكير في أخذ الأجر لامتنعنا عن هذا العمل، فإذا كان جائزا فاللّهم بارك، وسيكون للمسجد نصيب، وإن لم يكن جائزا رجعنا عن ذلك وتبنا إلى الله تعالى.
أرجو أن لا أكون قد أطلت في الكلام، وتقبل منّا فائق التقدير والاحترام، وبارك الله فيك وجزاك عنّا كلّ خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا كانت تستأجر أحد جوانب المسجد التابعة له تبعية قرار بحيث تزيل بهذا الفعل وقفية المسجد المخصصة للذكر والصلاة فإنّ هذا التصرف لا يصح للزوم الوقف، ومتى لزم فلا يجوز بيعه ولا هبته ولا التصرف فيه بأي شيء يزيل وقفيته.
أمّا استئجار أحد جوانب المسجد التابعة له تبعية اسمية أو منفصلة عنه بحيث لا تزيل وقفيته، فينظر في مضامين التدريس فإن كانت متجانسة مع مقاصد المسجد ومتفقة مع غايته فيجوز ذلك كتدريس العلوم الشرعية وتحفيظ القرآن ..أمّا إن كان التدريس واقعا على العلوم الدنيوية النافعة دون الضارة فيجوز مؤقتا بحسب الحاجة لا على سبيل الدوام والتأبيد، والأمر يرجع إلى ناظر الوقف وسلطان تقديره(1).
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
الجزائر في 9 شعبان 1418ه
الموافقل : 9 ديسمبر 1997م
---
1- لمزيد التوسع في المسألة انظر رسالة أبي عبد المعز:" فرائد القواعد لحل معاقد المساجد".(ص:52).
(105/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016454
...
الفتوى رقم: 216
الصنف: فتاوى المرأة
اغتسال المرأة في بيت أقاربها
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تستحمّ أو تغتسل في بيت أقاربها كعمها وخالها؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ علة منع نزع ثياب المرأة في غير بيتها هي حفظ العورات وسترها وأمن الفتنة، وعليه فمتى تعذر على المرأة الاستحمام في بيتها أو بيت زوجها فإنّه يجوز أن تستحم في بيت أحد محارمها أو حماتها أو خالتها إن أمنت الفتنة لحديث أمّ الدرداء قالت: "خرجت من الحمّام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أين يا أمّ الدرداء؟ قالت: من الحمّام، فقال :"والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها، إلاّ وهي هاتكة كلّ ستر بينها وبين الرحمن"(1)، ولأنّه -ولا شك - أنّ المرأة يجوز أن تسافر مع أحد محارمها، ولا يسعها في سفرها أن تقيم فرائضها من صلوات وغيرها إلاّ بالاستحمام إذا ما احتلمت، وهي مأمونة بوجود المحرم كما لا يخفى.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أحمد(27797)، من حديث أمّ الدرداء رضي الله عنها.وصححه الألباني في الثمر المستطاب(1/31)، وفي آداب الزفاف(60).
قال المناوي في فيض القدير (1/136): قوله: (وضعت ثيابها في غير بيت ز وجها) كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم (فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل) لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين سوءاتهن وهو لباس التقوى وإذا لم تتقين الله وكشفن سوءاتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى، وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها وخانت زوجها يهتك الله سترها، والجزاء من جنس العمل.
(106/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016455
...
الفتوى رقم: 225
الصنف: فتاوى المرأة
حلق المرأة لشعر ساقيها
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تحلق شعر ساقيها؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فأما ما ذهب إليه بعض الحنابلة إلى جواز النمص بإذن الزوج إلاّ إذا وقع تدليس فيحرم، وقد صرح بعض الشافعية استحباب حلق المرأة الشارب واللحية أو نتفها إذا ثبتت لها وكذلك شعر ساقها معللين أنّ بقاء ذلك مثلة في حقها، والمثلة في الإسلام ممنوعة ولأنّ تشبه النساء بالرجال حرام، فإزالة مظهر التشبه مطلوب ولا يكون ذلك تغييرا لخلق الله بل تثبيت له لأنّ الله خلق المرأة بدون لحية ولا شارب فإزالة هذا المناقض ليس فيه تغيير لما مضت سنة الله في خلق المرأة، والأحوط -عندي- أن لا تحلق المرأة شعر ساقها لما فيه من تغيير لخلق الله تعالى، ولما رواه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود:"لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله"(1) الحديث، والنمص في اللغة نتف الشعر لذلك لا يختص بالحاجب ولا بالوجه، بل هو شامل بإطلاق الحديث إلى أيّ مكان يقع في الجسد، ومذكور خصوص الحاجب عند بعض الشراح ليس قيدا بل محمول على الغالب الأعمّ كالوشم فلا يختص بالوجه فهو عام لسائر البدن، وأمّا حديث الطبري عن امرأة أبي إسحاق قالت لعائشة:"المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت"(2)، فقد ضعفه الألباني رحمه الله، ولو صح فقد تقدم من المرفوع ما يعارضه، أمّا التعليلات السابقة والحكم بصحتها إنّما يصدق على المثلة والتشبيه بإرادته واختياره وبفعله فهاهنا ينتفي هذا الاختيار كما لا يخفى.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه البخاري في اللباس(5931)، ومسلم في اللباس والزينة(5695)،وأبو داود في الترجل(4169)،والترمذي في الأدب(2782)،والنسائي في الزينة(5099)، وابن ماجه في النكاح(1989)، وأحمد(4212)، والدارمي(2703)، والبيهقي(15230)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
2- أخرجه الطبري وضعفه الألباني في غاية المرام رقم(96).
(107/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016456
...
الفتوى رقم: 228
الصنف: فتاوى المرأة
نزع الخمار من أجل صنع بطاقة التعريف
السؤال: امرأة تريد صناعة بطاقة التعريف وطلب منها صور من غير خمار فهل يجوز لها نزع الخمار عندئذ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالصور الشمسية لطالبة بطاقة التعريف، فإنّه إذا كانت حاجتها إليها مؤكدة بحيث يترتب على تركها لها ضرر ومفسدة، وتعذرت كافة السبل لتقديم صور مستترة، فعندي أنّ الأمر إذا ضاق اتسع، وإذا اتسع ضاق، فالمطلوب اتقاء الله تعالى في كلّ الأحوال وبقدر الإمكان.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 14 شوال 1420هـ
الموافق لـ: 22 جانفي 2000م
(108/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016457
...
الفتوى رقم: 232
الصنف: فتاوى المرأة
حكم مصافحة المرأة العجوز
السؤال: ما حكم مصافحة العجوز (60) سنة أو أكثر؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّه باستثناء محارمه فلا يجوز-شرعا- للرجل أن يصافح امرأة أجنبية لا تحل له سواء شابة كانت أو عجوزا، وسواء بحائل أو بغير حائل لعموم حديث معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يطعن رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من يمس امرأة لا تحل له»(1) ولم يفرق الحديث بين الوصفين والحالتين، ويؤيد ذلك فعله صلى الله عليه وسلم أنّه لما بايع النساء لم يبايعهن بالمصافحة كما صنع ذلك مع الرجال وإنّما بايعهن بالكلام، قالت عائشة رضي الله عنها:«ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلاّ بالكلام»(2)، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لا أصافح النساء»(3) والخطاب له خطاب لسائر أمته.
ومن جهة أخرى فإنّ التماس البشرة حال المصافحة يحرك الشهوة بالمس وهو أعظم من النظر، الأمر الذي يحدث فتنة إلاّ في الشيء النادر، والنادر منتف حكمه فليس له اعتبار، ولا يخفى أنّ مثل هذه الفتن أسبابها ودواعيها حذر منها الشرع كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»(4) وقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء»(5) ويحرم ذلك قطعا لأسباب الفتنة وسدا لذريعة الشر والخبث، جريا على قاعدة: "ما أدى إلى حرام فهو حرام" لأنّ الوسائل لها حكم المقاصد.
أمّا ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنّه كان في خلافته يخرج إلى بعض القبائل التي كان مسترضعا فيها، فكان يصافح العجائز، فقد استغربه الزيلعي في "نصب الراية"(6) وقال الحافظ في "الدراية": "لم أجده"(7)، وأمّا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يصافح النساء من تحت الثوب فضعيف لا ينتهض للاحتجاج فضلا عن معارضته بالصحيح من الأحاديث الصحيحة(8).
هذا، وإذا كان مصافحة المرأة الأجنبية لا يجوز فتقبيلها يحرم من باب أولى اتفاقا لما أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:«لكل ابن آدم حظه من الزنا... فاليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي والفم يزني وزناه القُبَل»(9). أمّا إلقاء السلام عليهن إذا أمنت الفتنة ودعت الحاجة فالأصل فيه الجواز لحديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مرَّ في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم"(10) ولحديث أمّ هانيء أنّه لمّا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، سلّمت عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"مرحبا"(11). ولحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال:" كانت لنا عجوز... فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها.."(12) ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام" قالت: قلت وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى"(13) وقد كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على صورة الرجل، وقد بوّب البخاري لهذا الحديث وما قبله: (باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال) قال الحافظ في الشرح: "والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة"(14).
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه الروياني في مسنده(227/2)، والطبراني في الكبير(20/210)، من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1/448) رقم(226)
2- أخرجه البخاري في الشروط(2713)، ومسلم في الإمارة(4941)، وأحمد(27080)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
3- أخرجه الترمذي في السير(1597)، والنسائي في البيعة(4181)، وابن ماجه في الجهاد(2874)، ومالك في الموطأ(1812)، وأحمد(27765)، والدارقطني في السنن(4327)، والبيهقي(17010)، من حديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة(2/63) رقم(529).
4- أخرجه البخاري في النكاح(4808)، ومسلم في الذكر والدعاء(6945)، والترمذي في الأدب(2780)، وابن ماجه في الفتن(3998)، وأحمد(22463)، والحميدي في مسنده (574)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
5- أخرجه مسلم في الذكر والدعاء(6948)، والترمذي في الفتن(2191)، وابن حبان(3221)، وأحمد(10785)، والبيهقي(6746)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
6- نصب الراية للزيلعي:(4/240).
7- الدراية لابن حجر:(2/225).
8- انظر السلسلة الصحيحة للألباني(2/64).
9- أخرجه البخاري في الاستئذان(6243)، ومسلم في القدر(6925)، وأبو داود في النكاح(2152)، وأحمد(11209)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
10- أخرجه أبو داود في الأدب (5204)، والترمذي في الاستئذان(2697)،وابن ماجه في الأدب(3701) وأحمد(28356)، من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها. وصححه الألباني دون الإلواء باليد في جلباب المرأة المسلمة(194).
11- أخرجه البخاري في الصلاة(357)، ومسلم في صلاة المسافرين(1702)، من حديث أمّ هانئ رضي الله عنها.
12- أخرجه البخاري في الاستئذان(6248)، والبيهقي(6160)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
13- أخرجه البخاري في الاستئذان(6249)، والترمذي في الاستئذان(3882)، وأحمد(26494)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
14- فتح الباري لابن حجر(11/41).
(109/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016458
...
الفتوى رقم: 249
الصنف: فتاوى المرأة
نصيحة للمرأة التي توفي ولدها الصغير
السؤال: أبدأ بالحمد مصليّا على**** محمد خير نبي أرسلا، أمّا بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إلى شيخنا الفاضل فركوس -حفظه الله- ، تريد من حضرتكم أم جوابا كافيا شافيا ليطمئن قلبها، وبارك الله فيكم،
كنت طالبة في جامعتكم وانقطعت عن الدراسة، وبعد عام تزوجت فسكنت مع أناس جهال (أصحاب القرى) في بناء فوضوي، ثمّ رُزقت بفلذات كبدي ، ثمرة فؤادي، قرة عيني، تربى بين أحضاني لم أغفل عنه ثانية واحدة، كنت له أمّا وطفلة صغيرة وأستاذة، كنت أحفظه القرآن والأدعية، كانت فيه كلّ الأوصاف الحميدة، فملأ عليّ البيت، حتى أنّه يناديني بـ :"أمّي حياتي" (عمره عامان ونصف).
ولكن قبل (15) يوما من وفاته، جاءت جارتي إليّ لأعطيها الشّب (حجرة بيضاء) لأنّ أحد طفليها مريض، وكانت هذه الأخيرة تكرهني، وهذا ظهر لي بلسانها (وليس تخيلا) وبعد وقت قصير شممت رائحة كريهة جدا، فخفت كثيرا منها، وكأني شعرت بأنّ هذا المفعول صنع لابني فمن ذلك اليوم تغير ابني تغيرا كليا، فكان شعاره "اتركني افعل ما أريد" يحبّ الخروج، يحبّ اللعب، فإذا نام لا ينهض حتى انهضه، وجهه تغير وجسمه ووو...
يوم الأربعاء (18) أوت رأيت في المنام أنّ جنية دخلت بيتي وخطفت مني شيئا عزيزا ولكن لا أدري ما هو، فكان خروج تلك الجنية هو نفسه آخر خروج ابني من البيت لآخر مرّة، فقبّلني فلذات كبدي من جبهتي وخرج كعادته يجلس أمام عتبة الباب، فناداه طفل من الجيران عمره لا يتجاوز تسع سنوات، وأنا أنظر، ولم ألفظ أي كلمة، فدخلت إلى البيت ثمّ شعرت بشيء يخنقني فخرجت فجأة كأنّ منبها نبهني، فناديت ابني فلم أجده في طرفة عين، وصلني خبر وفاة ابني ثمرة فؤادي بأنّه رمي في حفرة بعيدة عن البيت عمقها أكثر من (40)كلم.
يا شيخ؛ أومن بالقضاء والقدر خيره وشره، لا يصيبنا إلاّ ما كتبه الله لنا؛ ولكن ليطمئن قلبي فقط:
هل فلذة كبدي مات لأنّه مسحور؟
هل توفي لأنّي تركت ابني يخرج ؟
هل توفي لأنّ ابن الجيران ظالم ؟
وما حكم شريعتنا فيمن قتل نفسا بريئة طاهرة؟
نصيحة من حضرتكم لكي لا أقول في يوم من الأيام لماذا لم أفعل ولماذا فعلت و...؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين؛ والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلمي –صبرك الله تعالى وأخلفك خيرا منه- أنّ ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال :"عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لغير المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"(1) وقوله صلى الله عليه وسلم لابنته وقد أرسلت إليه تطلب حضوره، إذ ولدها قد احتضر فقال لرسولها:"اقرأها السلام، وقل لها: إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب"(2) هذا وإنّما ينال درجة الصبر في المصائب بترك الجزع والمبالغة في الشكوى وإبراز الكآبة وتغيير العادة المأكل والملبس والمفرش، لذلك فالواجب إظهار الرضا بقضاء الله تعالى والبقاء على عادتك من غير تغيير وتجنبك لما قد سلف ذكره من غير حمل الناس على التهم وسوء الظن-إن لم يحقق-، ولا يخرج عند مقام الرضا توجع القلب وفيضان الدمع لكونه من مقتضى الجنس البشري، وأختم كلامي هذا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك أنّ أمه(أم سليم بنت ملحان الأنصارية) –رضي الله تعالى عنها- قالت:"توفي ابن لي وزوجي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت، فهيأت له إفطاره فجعل يأكل، فقال: كيف الصبي؟ فقلت: بحمد الله لم يكن منذ اشتكى بأسكن منه الليلة، ثمّ تصنعت له أحسن ما كنت أتصنع له قبل ذلك حتى أصاب منّي حاجته، ثمّ قلت: ألا تعجب من جيراننا؟ قال: مالهم؟ فقلت: أُعيروا عارية فلما طُلبت منهم واسترجعت جزعوا، فقال: بئس ما صنعوا، فقلت: هذا ابنك كان عارية من الله تعالى، وإنّ الله قبضه إليه. فحمد الله واسترجع، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "اللهم بارك لهما في ليلتهما" فقال الراوي:"فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرأ القرآن"(3) ولعل في هذه القصة العبرة الكافية نسأل الله تعالى المان بفضله على جميع خلقه أن يوفي صبرك(4) الأجر الموعود في قوله تعالى:?إنّما يُوَفَّى الصّابُِرونَ أَجْرَهُم بِغَيرِ حِسَاب? [الزمر:10] كما نسأله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة لنا ولجميع المسلمين.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:12محرم1421ه
الموافق ل :18أفريل2000م
---
1- أخرجه مسلم في الزهد والرقائق رقم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
2- أخرجه البخاري في الجنائز رقم (1284)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
3- أخرجه البخاري في الجنائز رقم(1301)، ومسلم في فضائل الصحابة رقم(6476)،من حديث أنس رضي الله عنه. وانظر روايات القصة وألفاظها في أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص:(35)وما بعدها.
4- للشيخ -حفظه الله- رسالة بعنوان: "التذكرة الجلية في التحلي بالصبر والشكر عند البلية". وهي مرفقة برسالة:"40سؤالا في أحكام المولود" من العدد(7) ضمن سلسلة"ليتفقهوا في الدين".
(110/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016459
...
الفتوى رقم: 280
الصنف: فتاوى المرأة
في حكم مشاركة المرأة سياسيا
السؤال: نرجو إفادتنا عن حكم مشاركة المرأة سياسيا وخاصة في الانتخابات البلدية والبرلمانية؟ حفظكم الله تعالى.
مقدمه الطالب: حسن محمد المعلمي- اليمني -
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فلئلا يلبس الحق بالباطل فإنّه ينبغي التفريق بين حكم مشاركة المرأة سياسيا في النظام الإسلامي، وبين الأنظمة السياسية الأخرى، وخاصة النظام الديمقراطي الذي سارت عليه معظم البلدان الإسلامية.
ومشاركة المرأة سياسيا في النظام الإسلامي ينظر إليها من حيث مشاركتها للترشيح لمنصب الخليفة(رئيس الدولة) أو مشاركتها لبقية الولايات العامة، أو من حيث مشاركتها في اختيار الخليفة وانتخابه، أو انتخاب الولاة واختيارهم.
ومن جهة أخرى ينظر إليها من حيث مشاركتها للترشيح في عضوية مجلس الشورى، ومن حيث مشاركتها لاختيار أعضائه وانتخابهم.
أمّا بخصوص تولي منصب الخليفة(رئيس الدولة) أو ما يقوم مقامه من سائر المسئوليات الكبرى والولايات العامة فإنّ الذكورة فيه شرط مجمع عليه، قال الجويني: "وأجمعوا أنّ المرأة لا يجوز أن تكون إماما"(1) وهو ما نصّ عليه ابن حزم في "مراتب الإجماع"(2) لما رواه البخاري وغيره من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"(3).قال الشوكاني: "فيه دليل على أنّ المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها، لأنّ تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب"(4).
هذا، وإذا كانت لا يحق لها أن تتولى منصب الخلافة أو الإمامة، فلها أن تشارك في إبداء رأيها فيمن يصلح لهذا المنصب، لأنّ إبداء الرأي من لوازم المشاورة ومقتضياتها وتدخل في عموم قوله تعالى: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ? [الشورى: 38] ويدل على ذلك ما نقله ابن تيمية في قصة انتخاب الخليفة بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بين الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بقي عبد الرحمن يشاور الناس ثلاثة أيام، وأخبر أنّ الناس لا يعدلون بعثمان، وأنّه شاور حتى العذارى في خدورهنّ"(5).
- أمّا مجلس الشورى القائم على أركان الحكم في الإسلام، والذي تجري المشاورة فيه مع الأمة في الأمور الشرعية الاجتهادية التي لا نص فيها، فإنّ أهل الشورى هم أهل الحل والعقد الذين يقومون باختيار الخليفة عند شغور منصبه، ويراقبون تصرفاته وتصرفات نوابه، فهذا المجلس الذي يجمعهم يقوم بوضع التنظيمات اللازمة لإدارة شؤون الدولة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في الكتاب والسنة، ووفقا للأحكام الشرعية الناتجة عن طريق الاجتهاد والاستنباط، وهو غير المجلس الشعبي أو مجلس الأمة أو البرلمان كما هو معهود في النظام الديمقراطي، فإنّ للمرأة أن تبدي رأيها في أهل الشورى اختيارا وانتخابا، لأنّ الاجتهاد والإفتاء غير مقصور على الرجال وغير محظور على النساء، وموضوع الاجتهاد شامل لشؤون الدولة وعلاقة الخليفة بالأمة، وقد صرح الفقهاء بأنّ الأنوثة لا تمنع الأهلية للإفتاء والاجتهاد(6)، وقد ذكر ابن حزم في الإحكام:"أنّ المرأة لو تفقهت في علوم الديانة للزمنا قبول نذارتها"(7)، وقد أشارت أمّ سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم بنحر بدنة، وفعل ذلك(8)، وكذلك خولة بنت ثعلبة وعظت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين(9).
غير أنّ المرأة وإن جاز لها شرعا أن تساهم في أعمال مجلس الشورى بإبداء الرأي في أمور الدولة إلاّ أنّه لا يجوز لها أن تكون عضوا فيه لما يترتب على عضويتها فيه من محاذير منها:
- تزاحم أعمال المرأة في بيتها الذي هو الأصل المسؤولة عنه، وهو في حقها من قبيل الواجب العيني مع ما هو واجب كفائي، وحال التعارض والتزاحم يقدم العيني على الكفائي كما هو مقرر أصوليا، وخاصة أنّ الكفائي يسقط وجوبه بقيام الرجال به.
- وكذلك اعتبار العضوية في مجلس الشورى وظيفة عامة يسترزق منها ويكتسب، والمرأة مكفية المؤونة إمّا مع وليها أو مع زوجها.
- فضلا عن اختلاطها بالرجال من أعضاء المجلس أو الخلوة مع بعضهم.
فالحاصل أنّ المرأة وإن كانت لا تصلح سياسيا في المشاركة لتولي منصب الخليفة (رئيس الدولة) ولا عضوية مستحقة لها في مجلس الشورى إلاّ أنّها تصلح-وفق الشروط الواجب توافرها في المرأة وهي: [الإسلام والعقل، والبلوغ، والعدالة فلا تعرف بفسق ولا إصرار على معصية، مع حسن رأي ومعرفة بالأشخاص]- في أن تبدي الرأي فيمن يتولى منصب الخلافة ويصلح له، وتشارك بالرأي أيضا في اختيار أعضاء مجلس الشورى من أهل الحل والعقد.
- أمّا الأنظمة الأخرى وخاصة النظام الديمقراطي بقواعده وأحكامه القانونية المستمدة من أعراف الناس وما هدى إليه عقل الإنسان من خلال ممارسته لشؤون الحياة أو ما نتج من الأوضاع المتوارثة فهو مخالف من حيث المصدر للشريعة الإسلامية، لأنّ مصدرها الوحي الإلهي، فكلّ الأحكام مستمدة من الكتاب والسنة أو مستلهمة من مقاصد الشريعة وأسرارها، والنصوص الشرعية تأبى أن تجعل حاكما غير الله سبحانه وتعالى أو شريكا له في الحكم قال تعالى:?وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً?[الكهف: 26]، وقال تعالى:?إِنِ الحُكْمُ إِلاّ لله أَمَرَ أَن لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النََّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ?[يوسف: 40]، وقال تعالى:?وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ? [الشورى: 10]، وقال تعالى: ?إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِلخَائِنِينَ خَصِيماً?[النساء:105]، وقال تعالى:?فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحكِمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً? [النساء: 65]، وغيرها من الآيات، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(10) وفي لفظ "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"(11).
وعليه فالمشاركة في كلّ ما خالف حكم الله الذي هو من مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه فهو اعتداء وطغيان على من له الحكم وإليه يرجع الأمر كلّه قال تعالى: ?أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ? [الأعراف: 54]، وهذا الاعتداء على حق الله سبحانه في الحكم يظهر جليا في جعل الشعب مصدر السلطة في النظام الديمقراطي الذي معناه: "حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب" الذي يترتب على اعتقاده واعتناقه والعمل به المفاسد التالية:
?- الوقوع في شرك الحاكمية وذلك بجعل الشعب شريكا مع الله في الحكم وهو من شرك الربوبية، ويتجلى ذلك عن طريق نواب الشعب المنتخبين الذين يظهر عملهم في سنّ وتشريع قوانين وضعية وإلغاء أحكام شرعية، حيث يعرف الحق في البرلمان بكثرة الأصابع والأيادي المرفوعة في المجالس النيابية، ولو كانت تأييدا لما حرمه الله تعالى كالفواحش والمنكرات والشركيات والنوادي الليلية ومصانع الخمر وغيرها.
?- اتهام الشريعة بعدم صلاحيتها كنظام حكم وعجزها عن إصلاح حياة الناس واستبدالها بنظام آخر.
?- عدم مراعاة الضوابط الشرعية في المنتخَبين والمنتخِبين، فاشتراط العدالة منتف فيهما وهذا ولا شك ينافي قوله تعالى:?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ? [البقرة: 143]، وقوله تعالى: ?وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ? [الطلاق: 2]، وغير هذا من النصوص الشرعية.
لذلك يلاحظ الجور وعدم العدل في الانتخابات في النظام الديمقراطي حيث تعتمد على المساواة بين صوت المسلم والكافر، والرجل والمرأة، والأمين والخائن، وصوت أهل الحل والعقد وأهل اللهو والمجون، وقد حرم الله مثل هذه المساواة في قوله تعالى: ?أَفَنَجْعَلُ المُسِلمِِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ? [القلم: 35/36]، وقوله تعالى: ?أَمْ نَجْعَلُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَارِ? [ص: 28].
4- التسابق السياسي يفضي بطريق أو بآخر إلى انتظام المسلمين ضمن أحزاب سياسية متنازعة ومتناحرة، يوالون عليها ويعادون، مضيعين لمبدإ الولاء والبراء للإسلام وهو أوثق عرى الإسلام، كما يتخذون الحزبية-ضمن ما يمليه الدستور في النظام الديمقراطي- ليصلوا إلى الحق بالباطل، لأنّ «الغاية عندهم تبرر الوسيلة»، وهذه القاعدة الميكافيلية يهودية الأصل، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه"إعلام الموقعين"(12) تسعة وتسعين دليلا على تحريم الوسائل التي تؤدي إلى الحرام، وعليه فإنّ الانتظام في أحزاب على هذا المفهوم ممزق لجماعة المسلمين ومفرق لكلمتهم ومشتت لوحدتهم، وقد قال تعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَقُوا? [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ?إِنَّ الذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ? [الأنعام: 159].
فهذا غيض من فيض، والمفاسد المترتبة على هذا النظام الديمقراطي المعمول به كثيرة ومحاذيرها خطيرة، وعلى المسلم أن يسلك سبيل البر والتقوى والتعاون عليهما، وأن يدع سبيل الإثم والعدوان ولا يتكتّل عليهما قال تعالى: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِّرِّ وَالتَقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ? [المائدة: 2]، وليس من البر والتقوى المشاركة في البرلمانات سواء في عضويتها أو انتخاب الأعضاء لما فيها من مخالفات شرعية ومحاذير شركية وإنّما هي من التعاون على الإثم والعدوان، كما تدخل الانتخابات الأخرى بهذا الوجه إلاّ ما كان على مقتضى الضرورة كانتخاب رئيس الدولة، فإنّ العدد الذي يتحقق تعيين الأصلح لهذا المنصب هو القدر الذي تنتفي فيه الضرورة، لأنّ "الضرورة تقدر بقدرها" ويحسن بالمسلم أن لا يكون من هذا القدر، لئلا تتم له مشاركة لهذا النظام المستبدل لشريعة الإسلام لا من قريب ولا من بعيد حتى يلقى الله بقلب سليم، وما تقرر في الفقرات الأخيرة من هذه الفتوى شامل للذكور والإناث على حد سواء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين و سلم تسليما.
الجزائر في:3 من ذي القعدة1425ه
الموافق ل : 15 ديسمبر 2004م
---
1- الإرشاد:(427).
2- (126).
3- أخرجه البخاري في المغازي(4425)، والترمذي في الفتن(2431)، والنسائي في آداب القضاة(5405)، وأحمد(21049)،والبيهقي(5332)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
4- نيل الأوطار:(10/255).
5- منهاج السنة لابن تيمية: (6/350).
6- أدب القاضي للماوردي(1/628).
7- (3/324).
8- أخرجه البخاري في الشروط(2731)، وأحمد(19442)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
9- قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/402): "وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، حدثنا جرير يعني ابن حازم قال: سمعت أبا يزيد يحدث قال: لقيت امرأة عمر يقال لها: خولة بنت ثعلبة، وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز، قال ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا. قال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلا أنّ تحضر صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حت تقضي حاجتها. هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب وقد روى من غير هذا الوجه"
10- أخرجه البخاري في الصلح(2697)، ومسلم في الأقضية(4589)، وأبو داود في السنة(4608)، وابن ماجه في المقدمة(14)، وأحمد(26786)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
11- أخرجه مسلم في الأقضية(4590)، وأحمد(25870)، والدارقطني في سننه(4593).
12- (3/134-159).
(111/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016460
...
الفتوى رقم: 191
الصنف: فتاوى المرأة
في حكم دراسة المرأة للعلوم الشرعية في الجامعة
السؤال: ما حكم دراسة المرأة للعلوم الشرعية في الجامعة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فلا يخفى على كلّ ذي لب أنّ العلوم الشرعية هي أشرف العلوم وأنفعها لذلك وجب تحصيل العلم الشرعي بما يكفل له عبادة الله سبحانه وتعالى على الوجه الذي شرع، وحتى يتم العمل عند الله مقبولا يلزمه تحقيق شرطين أساسين: وهو أن يكون العمل الذي يقوم به المكلف صالحا ولا يكون صالحا إلاّ إذا قيدناه بالسنة ولا يتم معرفة السنة إلاّ بالتعليم والتحصيل، ولا يقتصر التحصيل على ذلك بل لا بد من الشرط الحاوي على العمل وهو تصحيح العقيدة من كل شائبة شرك حتى يصرف بالعمل لله سبحانه وتعالى، وهو معنى إخلاص العمل، ويتمثل هذين الشرطين في قوله تعالى: ?فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً?[الكهف: 110]. والمطلوب من العلم الشرعي هو العلم الضروري الذي بواسطته يعرف الأحكام ويعمل بها سواء للذكر والأنثى، إذ حاجة المرأة لإصلاح دينها وتزكية روحها ليست أقلّ من حاجتها إلى الطعام والشراب وغيرهما من لوازم الحياة لقوله تعالى:?يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً? [التحريم: 6]، والوقاية من النار بالإيمان والعمل الصالح ولا يتأتى ذلك إلاّ بالعلم والمعرفة.
هذا وخروجها إلى مظان وجود العلم الشرعي وعلى وجه الخصوص إلى المعاهد الشرعية في حالة عدم وجود من يقوم بتعليمها أولا، وعدم توفر العلم في الأماكن الأخرى التي تسعى ثانيا جائز لها بالضوابط الشرعية قصد تحصيل ما يكفيها لإقامة الدين والوقاية من النار، وكان لها العمل بالعلوم الشرعية حصنا ودرعا واقيا من الوقوع في المخالفات الشرعية، وضابطا يقوّم سلوكها وسيرتها بما يحقق لها سعادة الدين والدنيا.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
(112/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016462
...
الفتوى رقم: 209
الصنف: فتاوى المرأة
في حكم سفر المرأة لوحدها
السؤال: هل يجوز لزوجتي أن تسافر بمفردها من فرنسا متوجهة إلى أهلها في الجزائر؟ مع العلم بأنّ المسافة في الطائرة لن تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، وأنّها لن تبيت إلاّ في بيت أهلها.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فقد وردت في مسألة سفر المرأة جملة من الأحاديث الصحيحة الثابتة، فمن ذلك:
ما أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلاّ ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إنّي أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج فقال: اخرج معها"(1)، وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلاّ ومعها زوجها أو ذو محرم"(2)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم"(3).
والأصل المقرر-انطلاقا من هذه الأحاديث- ألاّ تسافر المرأة وحدها(4)، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها أو ذي محرم لها، وهذا الحكم لا خلاف فيه لدخولهما في مضمون الحديث بصورة قطعية وإنّما الخلاف في تعدية الحكم لمعناهما، والمعنى المأخوذ من اعتبار الزوج وذي المحرم في الحديث هو الرفقة المأمونة، بمعنى أنّ الحكم في هذه الأحاديث دائر بين اتباع اللفظ أو اعتبار المعنى، والصحيح أنّ اعتبار المعنى-في هذه المسألة- أقوى فيتعدى الحكم إلى غير الزوج وذي محرم ممّن يحصل معهم الأمن، ذلك لأنّ السفر يندرج في أحكام العادات والأصل فيها الالتفات إلى المعاني والمقاصد، كما أنّ سفر المرأة بغير محرم إنّما حرم سدّا لذريعة المحرم، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة، وممّا يقوي اعتبار المعنى ما رواه البخاري في صحيحه أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج في آخر حجة حجها، فبعث معهنّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما(5)، ثمّ كان عثمان رضي الله عنه بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحج بهنّ في خلافته أيضا، وهذا حجة وإجماع عل جواز سفر المرأة برفقة نساء ثقات لأنّ أمّهات المؤمنين كنّ ثمانية في سفرهنّ للحج، وقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر من دون نكير عليهنّ من غيرهنّ من الصحابة رضي الله عنهم.
فالحاصل أنّه يلزم صحبة الزوج أو ذي المحرم للمرأة في السفر، وأنّه يقوم مقام الزوج وذي المحرم وجود الرفقة المأمونة المتمثلة في جماعة من النساء الثقات، أو في قوم عدول من الرجال والنساء الثقات، وهو مذهب جمهور أهل العلم.
هذا، وإذا تقرر من مفهوم الأحاديث السابقة عدم جواز سفر المرأة لوحدها فإنّ مدة استغراق الطائرة ومبيت المرأة عند أهلها لا تأثير له في حكم المنع.
أمّا الإقامة في بلد الكفر فيمكن مراجعة حكمها في موقعنا على الأنترنيت.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه البخاري في جزاء الصيد(1862)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
2- أخرجه البخاري في جزاء الصيد(1864)، ومسلم في الحج(3326)، وأحمد(11599)، والبيهقي(5614)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
3- أخرجه البخاري في تقصير الصلاة(1088)، ومسلم في الحج(3332)، والترمذي في الرضاع(1203)، ومالك(1803)، والبيهقي(5615)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
4- اكتفى بعض العلماء بتحصيل أمن الطريق لجواز سفر المرأة وهو من اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- ذكره ابن مفلح في الفروع(3/177)، قال عنه:"تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إنّ هذا متوجه في كل سفر طاعة... ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع، وقال بعض أصحابه فيه وفي كلّ سفر غير واجب كزيارة وتجارة"، وهذا المنقول أيضا عن الظاهرية(انظر المحلى لابن حزم:7/47).
5- أخرجه البخاري في جزاء الصيد(1860)، والبيهقي(10437).
(113/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016463
...
الفتوى رقم: 212
الصنف: فتاوى المرأة
في حكم دخول المرأة الحمّام للاستشفاء والعلاج
السؤال: هل يجوز للمرأة المريضة مرض (الروماتيزم) المزمن أن تذهب إلى الحمّام قصد العلاج، بعد فشل كل محاولات العلاج بالأدوية، علما أنّ هذا الحمّام متوفر على غرف خاصّة، وهل يمكن في - حالة الجواز- أن ترافقها من تعينها في الاغتسال لعجزها؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فلقد وردت نصوص حديثية كثيرة تمنع دخول المرأة الحمّام مطلقا سواء بإزار أو لوحدها من ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الحمّام حرام على نساء أمّتي»(1) وحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمّام»(2) وحديث: «والذي نفسي بيده ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت أحد من أمّهاتها إلاّ وهي هاتكة كلّ ستر بينها وبين الرحمن»(3).
غير أنّه إذا ثبت أنّ الحمّام له تأثير-بإذن الله- في علاج السقم العالق بالمريضة بتقرير أهل الخبرة من أهل الطب الثقات، وليس لها طريق للعلاج إلاّ به فإنّه يجوز لها أن تدخله-ضرورة(4) تقصدا لعلاجها، وقد جاء في سنن أبي داود بسند ضعيف عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها: الحمّامات، فلا يدخلنها الرجال إلاّ بالأزر، وامنعوها النساء إلاّ مريضة أو نفساء»(5، ونقل البغوي عن جبير بن نُفير قال: "قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام: لا يدخل الرجل الحمّام إلاّ بمئزر، ولا تدخله المرأة إلاّ من سقم.."(6) وهذا المعنى يقويه النظر والاعتبار في أنّه إذا كان الأصل أنّ المرأة مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي ويجوز لها ضرورة أن تكشف بعض أعضائها في الجراحة أو الولادة أو التطبيب عامّة فيجوز لها أيضا في مسألتنا إلحاقا قياسيا، غير أنّ هذه الضرورة تقدر بقدرها، فإذا كانت قادرة على استحمامها بمفردها استغنت عن غيرها، وإذا احتاجت إلى إحداهنّ لإعانتها على الاغتسال لعجزها فلا يجوز لغيرها الدخول عليها إذا كفيت بالأولى، وإذا ارتفع عنها سقمها وعفيت من مرضها أو وجدت وسيلة طبية أخرى تغنيها عنها، فإنّ حكم المنع يعود لانتفاء الضرورة والحاجة عملا بقاعدة: "إذا زال الخطر عاد الحظر".
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 19 ربيع الأول 1426ه
الموافق ل : 28 أفريل 2005 م
---
1- أخرجه الحاكم(4/322) وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (3192)، وصححه في السلسلة الصحيحة(3439).
2- أخرجه الترمذي في الأدب(3031)، وأحمد(15027)، من حديث جابر رضي الله عنه. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6506)، وصححه في صحيح الترغيب والترهيب(164)، وآداب الزفاف(67).
3- أخرجه أحمد(27797)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(169)، وفي آداب الزفاف(68).
4- مرقاة المفاتيح للقاري:(8/254-255).
5- أخرجه أبو داود في الحمام(4013)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع(2079). وفي المشكاة(4476).
6- شرح السنة للبغوي(12/125).
(114/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016464
...
الفتوى رقم: 241
الصنف: فتاوى المرأة
في حكم قص شعر المرأة إلى شحمة الأذنين
السؤال: ما حكم قصّ الشّعر دون المنكبين مع العلم أنّ الشعر يغطّي الأذنين للمرأة وما الدليل على ذلك ؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّه يجوز للمرأة أن تقصّ شعرها من قرنها وذؤابتها، فقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأخذن من رؤوسهنّ حتى تكون كالوفرة(1)، والوفرة ما جاوز شحمة الأذنين ، لكن بشرط أن لا تتشبه في قصّها لشعرها بالرّجال ، ولا الكافرات العاهرات على طابع غالب مأخوذ من المجلاّت تعني بالزينة مستوردة من البلدان الغربية ، لأنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم " لعن المتشبهات من النساء بالرجال"(2) وقال - أيضا – "من تشبه بقوم فهو منهم "(3) وقال "ليس منّا من تشبّه بغيرنا " لما في التشبه بهم في الظاهر يدلّ على محبتهم في الباطن والله سبحانه وتعالى يقول ?مَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? [المائدة: 51].
أمّا تحليق شعرها كليّة فيحرم إجماعا إلاّ لضرورة من علّة أو مرض.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
---
1- أخرجه مسلم في الحيض(754)، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
2- أخرجه أبو داود في اللباس(4099)، والترمذي في الأدب(3013)، وابن ماجه في النكاح(1979)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع(5100).
3- أخرجه أبو داود في اللباس(4033)، وأحمد(5232)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه الألباني في الإرواء(1269).
(115/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016465
...
الفتوى رقم: 270
الصنف: فتاوى المرأة
في حكم خروج المرأة للعمل عند مقتضى الحاجة
السؤال: أخت تخرجت من الجامعة، وأبوها عاطل عن العمل، ولها إخوة صغار وليس لهم من ينفق عليهم، فهل يجوز لها العمل لسد حاجياتهم؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى تقدم لخطبة هذه الأخت رجل يصلي الصلوات الخمس في المسجد، وهو متخلق وتاجر، لكنّه ليس سلفي المنهج، فهل تقبل به زوجا أم تعمل لتكسب القوت؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ المرأة ليست مطالبة بتولي أمر البيت ما دام أنّ الأب قادر على التكسب والإنفاق والأصل أنّ المرأة تبقى مكفية المؤونة من قبل أوليائها ثمّ تتنقل إلى بيت الزوجية ليقوم الزوج عليها، هذا هو الأصل لكنّه إذا كانت المراة ليس لها من يغطي نفقاتها من مأكل ومشرب وملبس وأدوية، ولها إخوة صغار قصّر عاجزون على العمل والتكسب ولها فقط في قدرتها ووسعها التكسب جاز لها الخروج للعمل وإن خالفت أصلها ضرورة وحاجة على وجه الاستثناء، فتخرج بالضوابط الشرعية ولها ذلك ما لم تجد المنفق عليها أو زال خطر الإنفاق لوجود من يعيل العائل ففي هذه الحال تعود إلى أصلها فتبقى في بيتها لقوله تعالى:? وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى?[الأحزاب:33].
هذا وإذا كانت المرأة مؤهلة للزواج ورأت نفسها إن تركت الزواج قد تخشى على نفسها الفتنة وهي قادرة على إقامة حدود الله مع زوجها، ففي هذه الحال يجب عليها أن تتزوج مع الكفء الذي يُرضى خلقه ودينه، أمّا إذا كان الرجل لا يعرف من أمور الدين سوى الصلاة ويأتي بالأمور المخالفة للشرع في تجارته كتعامله مع البنوك وسائر معاملاته غير شرعية فهذا لا خير فيه وإن كان ثريا، وإنّما تحصن نفسها برجل صاحب خلق ودين وعفة ويحث امرأته على دينها ولو كانت مداخيله متوسطة، وإذا كان الرجل الذي يريد أن يتقدم للزواج يدّعي أنّه سيستقيم مستقبلا، فينظر في أمره ويترك حينا فإن ظهر منه الالتزام ففي هذه الحال الرّأي أن تقبلي به بالوصف المقترن به المذكور سابقا. أمّا إذا كانت المرأة لا تخشى من نفسها الوقوع في الفتنة أو أنّها ترى من نفسها وهي في هذه الحال أنّها لا تستطيع إقامة حدود الله على زوجها فالنظر يقتضي أن تعزف عن الزواج به وتعتني بأمر بيتها ريثما يتولى إخوتها القصر بكفاية البيت من المئونة وإذا زال خطر الإنفاق كما تقدم عاد الحظر في أنّ المرأة لا تمارس مهنتها كعاملة خارج البيت ولتحدث نفسها إذا خرجت للعمل في أنّها لا يكون عملها إلاّ آنيا وأن لا تكون باغية لهذا العمل ولا متعدية لأمر الشرع حتى يقبل هذا الخروج.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليما.
الجزائر في: 09رجب 1426هـ
الموافق لـ:14 أوت 2005م
(116/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016467
...
الفتوى رقم: 13
الصنف: فتاوى الزواج
الرضاع المحرّم (1)
السؤال: خطبني ابن خالتي وتبين بأنّ هذه الخالة ( أي أمه ) قد أرضعت أمي، وعندما سألناها ( أي المرضعة ) قالت بأنها أرضعتها رضعة ثم ربما زادتها رضعة أخرى أي بمعنى أصح رضعة أو رضعتين، وتشهد أختها ( أي خالة أخرى ) على أنها شهدت الرضعة الثانية ولا تدري إن زادت عن ذلك أم لا.
والخلاصة أن الرضاع قد تم برضعتين على الأكثر، وحين سألنا في هذه المسألة قيل لنا أن الرضاع يحرم بخمس و ذلك موافق لحديث عائشة "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي الرسول ( صلى الله عليه وسلم) و هن فيما يقرأ من القرآن "(1) وحديث مسلم " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان"(2).
ولكن المشكل الذي وقعنا فيه هو ما هي الرضعة ؟ أي ما الذي نقول عنه أنه رضعة؟
فقد جاء في جواب أحد الأئمة الذين سألناهم: أن التحريم يقع بخمس رضعات إلا أنه تابع قوله بأن الرضعة في المذهب الشافعي وأحمد ليست الشبعة وهو أن يلتقم الطفل الثدي ثم يسيبه ثم يلتقمه ثم يسيبه حتى يشبع بل إذا أخذ الثدي ثم تركه باختياره فهي رضعة ثم أخذه وتركه فرضعة أخرى وإن تركه بغير اختياره ثم عاد إليه قريبا ففيه نزاع.
إن هذا القول قد حيرني كثيرا، فهل هذا هو الصحيح في صفة الرضعة ومفهومها ؟ كما أنني قرأت قولا آخر يخالف هذا القول يقول: بأن الرضعة لا تحسب إلا إذا عدت في العرف رضعة كاملة.
ولهذا أتساءل هل إذا رضع الطفل أو إذا تناول الثدي ثم انصرف عنه للتنفس أو لشيء آخر ثم عاد إليه هل تسمى رضعة ثانية أو أن كل ذلك يسمى رضعة واحدة. ماهو الدليل الذي يؤيد الرأي الأول و ما هو الدليل الذي يؤيد الرأي الثاني ؟ وشكرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلمي أنّ ما أفتيت به من أنّ التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات هو المذهب الظاهر والأقوى ويدل عليه حديث عائشة - رضي الله عنها - الذى رواه مسلم المذكور في محل السؤال، و هو تقييد لإطلاق الكتاب و السنة، وتقييد المطلق بيان لا نسخ ولا تخصيص، وما اعترض عليه من أن الحديث تضمن الخمس رضعات قرآنا، والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع، فمردود لأن التواتر شرط في التلاوة لا شرط في الحكم و قصد المستدل بهذا إثبات الحكم لا إثبات التلاوة، والحجة تثبت بالظن و يجب عنده العمل و قد عمل الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود و أُبي ووقع الإجماع على ذلك و لا مستند له غيرهما، و في المسألة تحقيق طويل يمكن الرجوع إلى زاد المعاد لابن القيم(3)، المحلى ابن حزم(4)، بداية المجتهد لابن رشد(5)، المغني لابن قدامة(6)، شرح مسلم للنووي(7)، زاد المسير لابن الجوزي(8)، نيل الأوطار للشوكاني(9)، وهذا القول هو مذهب ابن مسعود وإحدى الروايات عن عائشة، وعبد الله بن الزبير و عطاء وطاووس والشافعي و أحمد في ظاهر مذهبه و ابن حزم و ابن القيم و أكثر أهل الحديث.
أما الإرضاع فلا يتحقق إلا برضعة كاملة، وهي أن يمتص الصبي اللبن من الثدي ولا يدعه إلا طائعا باختياره من غير عارض، والمصة والمصتان دون الرضعة لا تؤثر في الغذاء لا إنباتا للّحم ولا إنشازا للعظم فلا تحرم لحديث عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "لا تحرم المصة والمصتان(10) وفي رواية "لا تحرم الإملاجة ولا الاملاجتان"(11)، والمراد بالإملاجة مثل المصة هي الإرضاعة الواحدة وهو أخذ اليسير من الشيء، فإذا قطع الصبي رضعته لعارض كتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود من قريب لا يخرجها عن كونها رضعة واحدة وهذا هو مذهب الشافعي في تحقيق الرضعة الواحدة وهو موافق للغة على ما ذكره الصنعاني في سبل السلام 3/438، فإذا حصلت خمس رضعات على هذه الصفة حرمت و إلا فلا.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
---
1- أخرجه مسلم كتاب الرضاع(3670)، وأبو داود كتاب النكاح باب هل يحرم ما دون خمس رضعات(2064)، والنسائي كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3320)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3666)، وابن ماجه كتاب النكاح باب لا تحرم المصة والمصتان(2016) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
3- (5/571).
4- (10/9).
5- (2/35-36).
6- (7/536).
7- (10/29).
8- (2/46).
9- (8/170).
10- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3663)، وأبو داود كتاب النكاح باب هل يحرم مادون خمس رضعات(2065)، والترمذي كتاب الرضاع (1182)، والنسائي كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3322)، وابن ماجه كتاب النكاح باب لا تحرم المصة والمصتان(2017)، وأحمد(7/48) رقم(23506) عن عائشة رضي الله عنها.
11- أخرجه مسلم كتاب الرضاع (3664)، والنسائي في كتاب النكاح باب القدر الذي يحرم من الرضاعة(3321)، وأحمد(7/476) رقم(26332) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
(117/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016468
...
الفتوى رقم: 127
الصنف: فتاوى الزواج
الرضاع المحرّم (2)
السؤال: رجل تقدم ليتزوج فتاة من قرابته وأمّه تقول إنّها أرضعتها، وأمّ الفتاة تنكر ولا تذكر عدد الرّضعات، فهل تثبت الأخوة من الرّضاع ؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّه إذا أثبتت أمّ الخاطب الرّضعة وأنكرت أمّ الفتاة إنكاراً غير مؤكد أي لم يستند نفيها إلى العلم بالعدم فالمثبت مقدّم على النّافي على ما تقرر في الأصول لاشتماله على زيادة علم، فتثبت الرضعة أو الرضعات التي تذكرها.
أمّا إذا كان إنكارها مؤكداً أي استند النفي إلى العلم بالعدم فيتساقطان ويكون المصير إلى الأصل وهو العدم، ذلك لأنّ الرّضاع من الأمور الحسية وليس من الأمور الاجتهادية، فالعقل يقتضي بأن تكون إحداهما يلزم منها الخطأ، ولمّا كان الخطأ غير معين لزم الإثبات من وجه آخر فإن تعذر فالأصل عدم تحقق الرّضاع، وإذا شكت في عدد الرضعات في الحالة الأولى وهي تقديم المثبت على النافي فينبغي البناء على اليقين, لأنّ اليقين لا يزول بالشك كما تقرّر في علم القواعد, وهي قاعدة مجمع عليها, قال القرافي: "وهي أنّ كلّ مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه"(1)، ذلك لأنّ المعتبر في قاعدة الأصل في الأبضاع التحريم فيما إذا كان في المرأة سبب محقق للحرمة، فلو كان في الحرمة شك لم يعتبر، ويمثل أهل العلم بما إذا أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم رضيعة ووقع الشك في وصول اللبن إلى جوفها لم تحرم، وكذلك إذا قالت لم يكن في ثديي لبن حين ألقفتها ثديي ولم يعلم ذلك إلاّ من جهتها جاز لابنها أن يتزوج بهذه الصبية(2).
وعليه إذا لم تتيقن الخمس رضعات المحرمات على أظهر المذاهب وأقواها فإنّ العدم يصير ثابتا متيقنا، لا يرتفع بمجرد طروء الشّك عليه إذ لا يعقل إزالة ما كان يقينيا بما هو أضعف منه بل ما كان مثله أو أقوى منه.
لذلك يكون الحكم عدم ثبوت التحريم بينهما بسبب الرّضاع لعدم وجود المانع وهو اكتمال العدد المحرم إلاّ إذا تيقنت أمّ الخاطب أنّ العدد مستوفى فيثبت التحريم وقتئذ.
والله أعلم وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
الجزائر في: 4 شوال 1417ه
الموافق ل : 11 فيفري 1997 م
---
1- الفروق للقرافي (1/111).
2- الأشباه والنظائر للسيوطي (61)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (67).
(118/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016469
...
الفتوى رقم: 128
الصنف: فتاوى الزواج
الرضاع المحرّم (3)
السؤال: إلى فضيلة الشيخ: محمد علي فركوس- حفظه الله -
توفيت أمّي يوم (08 مارس 2002م)، بعد ذلك تقدمت خالتي لخطبتي لابنها.
ولكن قبل أن تموت أمّي سألتها من الذي أرضعت في أولاد خالتي، قالت لي أرضعت ابن خالتك، سألتها لمّا علمت أنّه يريد الزواج منّي. لم أخبر أمّي بالموضوع.
خالتي تقول بأنّ أمّي قالت لها لمّا كنّا نحن صغارا: إنّها لم ترضعه.
أختي الكبرى أيضا قالت لي: بأنّ أمّي أخبرتها بأنّها لم ترضعه: الذي يريد الزواج مني(أختي سألت أمّي في شهر أكتوبر 2002م)، أنا سألت أمّي في شهر أكتوبر 2002م. هل يجوز الزواج أم لا؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإن حصل اليقين في عدم إرضاعها له أكثر من مرة فإنّ الرضعة الواحدة -وإن كانت ثابتة- فلا توجب التحريم عند من يرى أنّ مقدار الرضعات المحرم خمس وهو الأظهر وهو مذهب أهل التحقيق، ذلك لأنّ ما ثبت باليقين لا يزول إلاّ بيقين مثله.
أمّا إن شكت في الأكثر فالأولى العمل بالحيطة "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(1) وعملا بقاعدة: ما لا يتم ترك الحرام إلا بترك الجميع فتركه واجب.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 2 ربيع الثاني 1422ه
الموافق لـ 12 جوان 2002م
---
1- أخرجه الترمذي في «صفة القيامة والرقائق والورع» (2518)، والنسائي في «الأشربة» باب: الحث على ترك الشبهات (5711)، وابن حبان (722)، والدارمي (2437)، والحاكم (2169)، والطيالسي (1178)، وأحمد (1729)، وأبو يعلى (2762)، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وصححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (3/169) والألباني في «الإرواء» (1/44) رقم (12)، وفي صحيح الجامع (3373)، والوادعي في «الصحيح المسند» (318).
(119/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016470
...
الفتوى رقم: 129
الصنف: فتاوى الزواج
زيارة زوجة المفقود لأرحامها
السؤال: امرأة فقد زوجها منذ أكثر من (06) أشهر وهي تسأل: هل يجوز أن تخرج لتزور بيت والدها وتصل أرحامها، مع الإشارة إلى مسألة ما إذا منعت أمّ الزوج الزوجة من الخروج، وهذا موجود في عرفهم؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا، وزادكم لله علماً وعملاً بما علّمكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أمّا بعد:
فمن حق الزوج إمساك زوجته في المسكن الشرعي اللائق بها، ولا يحلّ لها أن تخرج إلا بإذنه وإن خرجت بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة(1)، غير أنّه لا ينبغي له أن يمنعها من زيارة أبويها أو عيادتهما، ولها أن تُمرِّض المريض منهما إذا تعذر وجود من يقوم بذلك، وإن لم يرض الزوج ولم يأذن، إذ لا يحق له أن يمنعها من واجب لزمها، قال ابن قدامة: "... ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما، لأنّ في ذلك قطيعة لها وحملا لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف"(2).
كما لا ينبغي أن يمنعها من الخروج إلى طلب العلم الشرعي لتتعلم الضروري من أحكام دينها ولو من غير إذنه إذا لم تكن الزوجة عالمة بما فرضه الله عليها من أحكام، وإذا لم يكن الزوج قادرا على تعليمها أو كان قادرا ولم يفعل، لأنّ طلب العلم فريضة عليها كشقيقها الرجل، ولأنّ حاجتها لأصلاح دينها وتزكية روحها ليست أقلّ من حاجتها إلى الطعام والشراب الواجب بذلهما، لقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا اّلذِينَ آمَنُوْا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَاراً( [التحريم: 6]. والمرأة من الأهل ووقايتها من النار بالإيمان والعمل الصالح، ولا يخفى أنّ العمل الصالح يلزمه العلم النافع حتى يمكن القيام به على الوجه المطلوب شرعا فلا يحق للزوج أن يمنعها كما لا يحق له أن يمنعها إذا استأذنت للخروج إلى المسجد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه " إذا استأذنت المرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها"(3).
وهذا إنّما يكون بحضرة الزوج، والمرأة مأمورة بالاستئذان منه لأنّه إذا كان الخروج إلى المسجد يقتضي الاستئذان فالخروج إلى غيره ممّا ليس بفرض أولى، أمّا إذا كان الزوج غائبا وكان في منزلها من يقوم مقامه كوالده مثلاً فالحكم السابق بالنسبة للزوج يساق إلى حكم نائبه لكونه يمثِّل الأصيل، وله أن يرافقها إلى محلِّ الحاجة والضرورة.
أمّا إن خشيت على نفسها حالة الخروج مع منع أمّ الزوج لها سوءَ العاقبة والإخلال بالحياة الزوجية الراغبة في انتظامها، فالأولى أن تصبر حتى يفتح الله تعالى وهو خير الفاتحين عملاً بأخفّ الضررين وأهون المفسدتين.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
---
1- مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/281).
2- المغني (7/20-21).
3- أخرجه البخاري كتاب النكاح باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره، ومسلم كتاب الصلاة باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنّها لا تخرج مطيبة، من حديث ابن عمر رضي الله عنها.
(120/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016471
...
الفتوى رقم: 130
الصنف: فتاوى الزواج
حبوب منع الحمل
السؤال: حول حبوب منع الحمل للأسباب التالية:
- ضيق المسكن، غرفة واحدة للوالدين والأطفال.
- صغر سن الطفل الأول.
- المرض أي مرض الأم أو ضعفها جسديا.
هل يجوز أن تستعمل الحبوب في هذه الحالات؟ وإن جاز فبأي نية يفعل ذلك: التنظيم..الحرج. وإن كان لا يجوز فهل لذات الحبوب يمنع أم لوجود طريقة أخرى أم عدم الجواز مطلقا ؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإذا أخبر ثقات من الأطباء تضرر صحة الأم بالحمل والوضع جاز تباعد الولادة إلى حين زوال الضرر لقوله تعالى: ?ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيما? [النساء: 29]، وقوله: ?ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة? [البقرة: 195]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر و لا ضرار"(1).
ويجوز التنظيم بمعنى تباعد الولادة من أجل الإشفاق على الأولاد من تدني صحتهم واختلال تربيتهم لما رواه أحمد ومسلم عن أسامة بن زيد أخبر والده سعد ابن أبي وقاص أنّ رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل، فقال الرجل: أشفق على ولدها أو قال على أولادها، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: لو كان ضارًا لضر فارس والروم"(2). وللزوج أن يعزل ماءه عن أهله أو ما يقوم مقام العزل من مطاط واق أو حبوب شريطة أن لا تكون مضرة بصحتها، وأن لا تكون عاملة على إسقاط النطفة بعد استقرارها في الرحم على ما هو ظاهره المنع من مذهب مالك رحمه الله، مع التأكد من عدم ضررها وتأثيرها باستشارة أهل الخبرة الثقات في هذا المجال.
والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما
---
1- أخرجه ابن ماجة كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، وأحمد(1/313)من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل(3/408)رقم896 وفي السلسلة الصحيحة رقم250 وفي غاية المرام(68).
2- أخرجه مسلم كتاب النكاح باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع، وأحمد(5/203).
(121/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016472
...
الفتوى رقم: 131
الصنف: فتاوى الزواج
حق الزوجة على الزوج
السؤال: إنّ زوجي لا يقدر مسؤولية الحياة الزوجية التي على عاتقه حق المقدرة، مهملا أولاده، مقصرا في النفقة، بل تكاد تنعدم، ويظل طيلة وقته حبيس المقاهي والقمار ونحو ذلك إلى غاية منتصف الليل، ويتغافل عن وجودي معه كزوجة وأمّ لأولاده، ولم أجد من سلاح ما أواجه به هذا الموقف سوى الفراش، فأصبحت أنام على البلاط وينام هو على السرير وبعد مضي أزيد من ربع قرن معه أصبحت لا أطيق العيش معه في هذه الحياة الزوجية، فالرجاء أن تقدموا لي نصيحة ترفع من معنوياتي.
وما هو الموقف الذي يمليه عليّ الشرع باعتباري زوجته؟. -جزاكم الله خيرا-
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وبعد:
فاعلمي أنّ الزوج الذي لا يقوم بكفاية زوجته أو تَركَها بدون النفقة الواجبة بالكتاب والسنة والإجماع، أي أنّه لا يوفر ما تحتاج إليه من طعام ومسكن وخدمة ودواء وما إلى ذلك -وإن كانت غنية- فلها أحد الأمرين:
- إمّا أن تطلب من القاضي إلزام الزوج بالدفع ويجبره متى تحققت صحة دعواها.
- وإمّا أن تأخذ من ماله ما يكفيها وأولادها بالمعروف إن كانت رشيدة تحسن التقدير من غير إسراف في الأخذ وإن لم يعلم الزوج إذ لها الحق فيما هو واجب عليه، تأخذ حقها بيدها إن قدرت عليه، ويدلّ على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة –رضي الله عنها–قالت:"إنّ هندا قالت: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلاّ ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"(1).
ويجدر التنبيه إلى أنّها تستحق النفقة بشرط أن تسلم نفسها إلى زوجها وأن تمكنه من الاستمتاع بها، أمّا إذا امتنعت ونامت لوحدها أو ابتعدت عنه كلما طلبها فهي آثمة من جهة وغير مستحقة للنفقة من جهة أخرى وذلك لانتفاء سبب الاحتباس، وقد تزوج النبي صلى الله عليه و سلّم عائشة-رضي الله عنها – وبنى بها بعد سنتين ولم يلتزم نفقتها لما سبق إلا من حين دخل بها غير أنّ نفقة الأولاد الصغار تبقى قائمةعلى ذمة الزوج.
هذا ثمّ اعلمي أنّ ما تعانيه مع زوجك هو غيض من فيض داخل هذا المجتمع إذ أنّ أكثر الأزواج غافلون عن أمور دينهم و مقصرون في أعمالهم والنّاس يختلفون في أخلاقهم وأمزجتهم، والكيس الفطن في مثل هذه المواقف أن يؤدي حقوق زوجه الواجبة عليه وطاعته في المعروف والاستعانة -بعد الله تعالى- بمن يسمع له ويؤثر فيه من أقاربه ورجال حيّه ليقوموه على ما فيه من اعوجاج وانحراف ثمّ يعمل على تحصيل المودة و الرحمة و تحقيق السعادة باتخاذ سبيل الفوز والنجاح المتمثل في الاحتمال والصبر والعفو والصفح على ما أرشد به الله تعالى في العديد من الآيات قال الله تعالى: ?فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره? [البقرة: 109]، وقال عزّ وجل ?ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلقاها إلاّ ذو حظ عظيم? [فصلت: 34]، وقال أيضا ?وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربّك بصيرا? [الفرقان: 20]، وفي آية أخرى قال عزّوجل: ?ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور? [الشورى: 43].
ولعلّ في هذه الآيات البينات ما يرفع المعنويات، وينبغي إخلاص صبرها لله حتى تنال الأجر والثواب قال تعالى: ?والذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم? [الرعد: 22]. فإنّ العسر سبب الكرب وكلا منهما مفتقر إلى الصبر وثمرات تحمله النصر والفرج واليسر قال صلى الله عليه وسلم : "واعلم أنّ النصر مع الصبر وأنّ الفرج مع الكرب وأنّ مع العسر يسرا"(2).
كلّ ذلك من فضل رحمته قال سبحانه: ?سيجعل الله بعد عسر يسرا? [الطلاق: 7]، وقال: ?إنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا? [الشرح: 5 - 6].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في:3 رمضان 1417ه
الموافق ل :14 جانفي 1997م
---
1- أخرجه البخاري كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف(5364)، ومسلم كتاب الأقضية، (4574)، وأبو داود، كتاب الإجارة، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده(3534)، والنسائي في كتاب آداب القضاة، باب قضاء الحاكم على الغائب إذا عرفه(5437)، وابن ماجة: كتاب التجارات، باب ما للمرأة من مال زوجها(2381)، وأحمد (7/60رقم 23597) من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه أحمد(1/307)، والضياء في المختارة(59/199-200) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(2382) وفي ظلال الجنة في تخريج السنة(315).
(122/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016473
...
الفتوى رقم: 132
الصنف: فتاوى الزواج
الحناء في الأعراس
السؤال: إلى شيخنا أبي عبد المعز محمد علي فركوس زاده الله علما وفضلا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
يوجد في الأفراح في بلدنا عادة وهي عادة (الحنّة) وقد اجتمعت حول هذه العادة الأمور التالية:
- اعتقاد أنّه إذ لم تحن العروس (المرأة) فلن تُنجب ذرية.
- بعد إنهاء الحنّة يجب إخفاء الإناء الذي مزجت فيه الحنّة كي لا يقع في أيد خبيثة حاسدة
فتستعمله في السحر وإلحاق الضرر بالعروس، وكذا الحنّة التي في يد العروس يجب
أن لا تقع في يد أحد فيستعملها في السحر والعياذ بالله.
- تُمزج الحنّة أحيانا بالبيض اعتقادا منهن أنّ البيض من علامات الإنجاب والولادة.
بعد ما سبق سرده من اعتقادات حول هذه العادة، ما حكم هذه العادة ؟ مع العلم أنّ النساء يُنكرن هذه الأمور ويحتججن بأنّها عادة وعلامة فرح وأنّ نيتهن صافية، وإذا طلب منهن عدم القيام بها بناءً على أنّها عادة وأنّها تضرّ إن لم تفعل أبيْنَ وأَصْرَرْنَ عليها.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ النية الحسنة لا تبرر الحرام بحال، فإذا كانت هذه العادة ممزوجة بتلك العقيدة فإنّ القيام بفعلها ضرب من الشرك الذي يزجر عنه الشرع، ففي الحديث: "إنّ الرقى والتمائم والتوله شرك"(1) وفي حديث آخر مرفوعا: "من علّق شيئا وُكِلَ إليه"(2).
وكلّ عادة محرّمة الأصل فالتذرع بتحكيمها مضاد للشرع، إذ أنّ العرف أو العادة إذا كان يحرّم حلالا أو يحلّ حراما فهو فاسد وباطل، والاعتداد به غير جائز شرعا وآثم صاحبه.
وما دام الاعتقاد به على هذا الوجه المنهي عنه متفش عند عامة النّاس فإنّ إنكار البعض بقلوبهم لا يصيّره حلالا، لأنّ الأصل معروف بهذا الاعتقاد المحرّم والتمسك بإرادة التزيين والتجميل لا ينفي بقاء المعتقد الفاسد في آحاد النّاس فيكون العمل به على هذا النحو إعانة على الباطل والإثم، قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة: 2]، لذلك يمنع طريق الفساد إليه مطلقا عملا بمبدأ سدّ الذرائع، ولأنّ دفع مفسدة الاعتقاد المحرّم أولى من جلب مصلحة التجميل والتزيين كما هو مقرر في قواعد مصالح الأنام.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه أبو داود في رقم(3883)، وابن ماجة في رقم(353)، وأحمد(2682)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/648) رقم (331).
2- أخرجه الترمذي في الطب رقم(2072)، والحاكم(4/216)، وأحمد رقم(19294)، من حديث عبد الله بن عكيم رضي الله عنه. وحسنه الألباني في غاية المرام ص:(181) رقم(296).
(123/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016475
...
الفتوى رقم: 133
الصنف: فتاوى الزواج
الرقص في الزفاف
السؤال: ما حكم الرّقص مع الغناء في الزفاف؟
أفتونا مأجورين إن شاء الله، وبارك الله في عملكم وعمركم هو وليّ ذلك والقادر عليه والحمد لله ربّ العالمين.
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فرقص المرأة أمام غيرها من نساء المسلمين على وَقْع غناء مباح، فإن كان الرقص فطريا بتحريك الرأس وترويح اليدين والتلويح بهما وخلا من هزٍّ للخصور والأرداف، وكلّ تحريك يثير النفس ويجلب دواعيها الشهوانية فلا أرى مانعا في جوازه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 5 ربيع الأول 1418ه
الموافق ل :10 جويلية 1997 م
(124/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016476
...
الفتوى رقم: 134
الصنف: فتاوى الزواج
في حدود رؤية الخاطب لمخطوبته والتحدث معها
السؤال: ما هي حدودُ رؤية الخاطب لِمخطوبته، وهل يجوز له أن يتَّصلَ بها هاتفيًّا، وإذا عقد مجلس الرؤية فهل له أن يجلس معها من غير خلوة أي مع ذي محرم، وهل له بعد تمام العقد أن يُلْبِسها خاتم الخطبة؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فقد شرع الله سبحانه للخاطب أن يرى المرأةَ قبل الزواج ما يدعوه إلى نكاحها، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»(1- أخرجه الترمذي كتاب «النكاح» باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة: (1110)، والنسائي كتاب «النكاح» باب إباحة النظر قبل التزويج: (3248)، وابن ماجة كتاب «النكاح» باب النظر إلى المرأة إن أراد أن يتزوجها: (1939)، والدارمي كتاب «النكاح» باب الرخصة في النظر إلى المرأة عند الخطبة: (2227)، وأحمد: (4/144) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/1/198) رقم (96))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ»(2- أخرجه أبو داود كتاب «النكاح» باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها: (2084)، وأحمد: (3/334 و360)، وغيرهما، من حديث جابر رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/1/204) رقم (99))، وفي رواية مسلم: أنّ رجلاً ذكر لرسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنَّه خطب امرأةً فقال له صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟» قال: لا، قال: «اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا»(3- أخرجه مسلم كتاب «النكاح»: (3550)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، والحكمة من مشروعيته قبل الزواج تكمن في أنّ النظر يكون أقرب إلى التوفيق في الاختيار وأسلم للعاقبة.
أمّا المكالَمَات الهاتفية مع المخطوبة إن كانت ضمن اتفاق على مسائل عقد الزواج لإعداد عدّته بعد الاستجابة له فلا مانع إن كان بقدر الحاجة وأمن الفتنة، والأولى أن يتمّ أمرها عن طريق وليها؛ لأنّه أحوط لها وأبعد عن الشكّ والريبة.
أمّا المكالَمات الهاتفية في غير المعنى السابق بل في إطار التعارف والتقارب فهذا ممنوع شرعًا، إذ الأصل في المرأة أن لا تُسْمِعَ صوتها للرجل الأجنبي إلاَّ للحاجة وبالكلام المعروف الذي فيه الحياء والحشمة تفاديًا للفتنة والريبة، لقوله تعالى: ?فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوْفًا? [الأحزاب: 32]، لذلك كانت المُحْرِمَةُ في الحجِّ والعمرة تُلَبِّي ولا ترفع صوتها، وأَمَرَهَا الشرع أن تُصَفِّقَ ولا تُسبِّح في الصلاة كلّ ذلك اتقاءً للفتنة وتفاديًا من الوقوع في المعصية.
كما لا يجوز للخاطب أن يجالس مخطوبته أو يخرج معها ولو مع وجود محرم لها لمكان إثارة الشهوة غالبًا، وإثارةُ الشهوة على غير الزوجة أو المملوكة حرام؛ لأنّه يؤدّي إلى المعصية، وما أفضى إلى حرام فحرام.
أمّا لبس خاتم الخطبة سواء للخاطب أو المخطوبة فليس له دليل في الشرع، بل هو من الأمور التي نُهِينَا أن نتشبَّه فيها بالنصارى أو اليهود، لذلك ينبغي تركه وخاصّة إن كان من الذهب على الرجال فيشتد التحريم لنهيه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن التحلي بالذهب للرجال والتختم به.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 7 شعبان 1424ه
الموافق ل: 14 أكتوبر 2002م
---
1- أخرجه الترمذي كتاب «النكاح» باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة: (1110)، والنسائي كتاب «النكاح» باب إباحة النظر قبل التزويج: (3248)، وابن ماجة كتاب «النكاح» باب النظر إلى المرأة إن أراد أن يتزوجها: (1939)، والدارمي كتاب «النكاح» باب الرخصة في النظر إلى المرأة عند الخطبة: (2227)، وأحمد: (4/144) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/1/198) رقم (96).
2- أخرجه أبو داود كتاب «النكاح» باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها: (2084)، وأحمد: (3/334 و360)، وغيرهما، من حديث جابر رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/1/204) رقم (99).
3- أخرجه مسلم كتاب «النكاح»: (3550)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(125/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016477
...
الفتوى رقم: 135
الصنف: فتاوى الزواج
طلاق الحائض
السؤال: امرأة طلقها زوجها سنة 1992 في فترة حيضها في رمضان تلفظ بلفظ الطلاق و تم الطلاق مدنيا سنة 1993 وكانت قد اعتدت في بيت أبيها، فهي تسأل الآن بعد أن تمّ الطلاق مدنيا وعلمت بحكم الطلاق الذي وقع في فترة الحيض أنه لا يقع صحيحا ما العمل ؟ هل يتم بالطلاق المدني أم هي لا تزال زوجة له بعد مضي ثلاث سنوات ؟ أفيدونا أثابكم الله.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فبخصوص الطلاق في زمن الحيض ففيه خلاف فقهي والمذهب القوي وقوعه مع الإثم لأنّه طلاق بدعي على ما أختاره، وعليه لا يرد إشكال في انفصام العصمة الزوجية بانتهاء العدة المقررة شرعا بثلاثة قروء لقوله تعالى: )والمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ( [البقرة: 228] وعلى تقدير عدم وقوع الطلاق فلا اعتداد عليها، لأنّ العدة إنما تكون من طلاق ولم يقع، و قد وقع الطلاق القضائي صحيحًا، وثلاث سنوات متضمنة لزوما لمدة العدة وهي أجنبية عنه تأكيدا ولا تحتاج إلى إعادتها.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في : 17 صفر 1417ه
الموافق ل : 02 جويلية 1996م.
(126/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016481
...
الفتوى رقم: 136
الصنف: فتاوى الزواج
التلقيح الاصطناعي
السؤال: شيخنا: أفتنا في امرأة سقط لها الحمل مرتين، وبعدما أجريت لها التحاليل الطبية في كلّ مرة منها لم يشخصوا المرض وبالأحرى لم يثبُت هناك مرض أصلا، وفي نفس الوقت لم تحمل بعد، فتعين للأطباء بعد متابعتها بالأدوية، أنّ الهرمونات البيضوية في رحمها ضعيفة، فاضطروا إلى عملية التلقيح الاصطناعي كحل أخير، وهو أخذ مني الزوج وزرعه في بويضة الزوجة، وربما كلّ هذا يندرج تحت عمل شعوذي أو سحر...إلخ(1).
فهل يجوز شيخنا هذا التلقيح، مع التوضيح والشرح، ونطلب منك نصيحة للزوجين، فهما وبعد خمس سنوات لازالا صابرين يحتسبان أمرهما لله تعالى، وجزاكم الله خيرا ونفعنا الله بعلمكم وحفظكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فهذه المسألة عند الفقهاء ترجع إلى مدى اعتبار العقم ضررا، فمن اعتبر كذلك أباح اللجوء إلى طلب علاجه كغيره من الأمراض كالعمى والعرج بجامع إصابة ينتج عنها خلل وظيفي، وهو ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان (صفر 1407ه) أنّ فيه طرقا جائزة وأخرى محرمة شرعا، وممّا قرروه أنّه لا حرج في اللجوء إلى تلقيح بويضة الزوجة بمني زوجها تلقيحا اصطناعيا ثمّ إعادته إلى رحم الزوجة ليتمّ الحمل عاديا عند الحاجة مع التأكد على ضرورة الأخذ بكلّ الاحتياطات اللازمة.
أمّا من لم يعتبره ضررا لا يرى إباحة علاج العقم لانتفاء الضرورة الشرعية والحاجة الشديدة إلى إزالته.
والذي تميل إليه نفسي أنّ العقم يمكن اعتباره ضررا نفسيا يولد آلاما عميقة وسط الأسرة الخالي بيتها من الأطفال، وباتجاه كلّ ألم تكمن الضرورة والحاجة، إذ الأمر إذا ضاق اتسع، غير أنّ الذي يعكر على الحكم بالجواز على عمليات التلقيح الصناعي خطورة احتمال الخطأ فيها وترتب اختلاط النسب بالتبع، إذ لا يأمن أن يدخل في العملية ما هو محظور كأن يضيف المختص في المخبر إلى مني الرجل الضعيف منيا آخر ليقويه، أو يغير بعض مقومات بويضة الزوجة بإحلال مقومات أخرى لبويضة أجنبية قصد إصلاحها وطمعا في رفع نسبة النجاح، علما أنّ التنافس بين المراكز المخبرية المتعددة في تحسين نسبة النجاح وطلب الربح والتجارة فيه لا يستبعد من ورائه - إطلاقا - وقوع إهمالات وتجاوزات، الأمر الذي يؤدي إلى المساس بعرض الرجل ودينه، فهذه المفسدة الشرعية مرتبطة أساسا بعدالة المختصين المباشرين لعملية التلقيح الصناعي ومقدار الأمانة وحجم الثقة الموضوعة فيهم، فضلا عن تكشف المرأة أمام طبيبة أو طبيب غالبا يقوم بقذف البويضة الملقحة بحقنة في جهاز المرأة التناسلي.
ولا يخفى أنّ مثل هذه المفاسد من العسير التحري منها واتخاذ الاحتياطات اللازمة لها، وإذا تعذر ذلك علم أنّ مصلحة الإنجاب عورضت بمفسدة اختلاط الأنساب الواجب تقديمه حالة التعارض عملا بقاعدة درء المفاسد مقدم على تحقيق المصالح، ولا يخفى –أيضا- أنّ مثل هذه المفاسد غائبة في المقيس عليه العمى والعرج فلا يصح القياس مع ظهور الفارق بينهما والطارئ الذي يلتبس به أحدهما.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في 11 شعبان 1421ه
الموافق ل : 8 نوفمبر 2000م
---
1- كان الزوج له ضعف جنسي حاد فلما أرقي شفي بإذن الله تعالى، أما عند الزوجة فقد شرعت في البكاء أثناء الرقية، ولم تستمر بعد ذلك في الرقية.
(127/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016482
...
الفتوى رقم: 137
الصنف: فتاوى الزواج
زنا الزوجة هل يوجب التطليق
السؤال: ما حكم امرأة متزوجة ارتكبت معصية الزنا فهل واجب الزوج أن يطلقها بعد علمه بالواقعة؟، وإن أبى فهل تبقى معه وهي تبغضه ولا تطيق معاشرته؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، أمّا بعد:
فالمعلوم شرعا أنّ زنى أحد الزوجين يوجب الرجم، لكنّه إذا انتفى بانتفاء شروطه فلا ينفسخ النكاح بزنا أحدهما ولا يوجب فسخه سواء قبل الدخول أو بعده عند عامة أهل العلم، ولا يلحق باللّعان في كون الزوجة تبين عنه إذا ما رماها بالزنى لأنّ اللّعان يقتضي الفسخ بدون الزنى، ويدلّ على عدم ثبوت زناها في اللّعان أنّها تقابل اللاعن بملاعنته، وليس الزنا ذنبا كالردة الموجب لانفساخ العقد، وإنّما هو معصية لا تخرج صاحبها عن دائرة الإسلام فأشبهت شرب الخمر والسرقة ونحوهما فإنّ أهل هذه المعاصي لا ينفسخ حكم النكاح في حقهم.
غير أنّه يستحب للرجل مفارقة زوجته إذا زنت بأن يطلقها خشية أن تفسد فراشه وتلحق به ولدا ليس منه، وإذا استبقاها فلا يطؤها حتى يستبرئها بحيضة واحدة لقوله صلى الله عليه و سلم:«لا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره»(1).
هذا، وإذا كانت الزوجة لا تطيق معاشرة زوجها بسبب البغض والكراهة فإنّه إذا تضاعف بينهما الشقاق واشتد وأصبحت الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح، وخشيت أن تعصي الله فيه، فلها أن تفارقه ببَذَل يحصل له، أي تفتدي نفسها بأن تقضي ما كانت أخذت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها، وهذا ما يسمى في اصطلاح الشرع بالخلع أوالفدية.
والله أعلم بالصواب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:27صفر1419ه
الموافق ل :18جوان1998م
---
1- أخرجه أبو داود في النكاح(2157)، وأحمد(17453)، والبيهقي(16002)، من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. وحسنه الألباني في صحيح الجامع(7654).
(128/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016483
...
الفتوى رقم: 159
الصنف: فتاوى الزواج
الخلع على إسقاط الحضانة
السؤال: لو تتكرمون أحسن الله إليكم بالإجابة على مسألة تطرحها إحدى الأخوات فستكون لكم من الشاكرين ولمعروفكم من الذاكرين والله لا يضيع أجر المحسنين وخلاصة المسألة: أنّ المرأة بعد استحالة العيش مع زوجها لأمور عديدة سعت في طلب سراحها ولم تتمكن إلاّ بشرط شرط عليها في مجلس حضره شهود، وهذا الشرط هو تمكين المرأة هذا الرجل من استلام الوليد الذي كان إذ ذاك حملا- بعد سنتين- فقبلت المرأة الشرط قبول المكره في صورة المختار لأنّها لم تجد لها سبيلا للخلاص إلاّ هذا وهي الآن تسأل هل مثل هذا الشرط جائز شرعا؟ وهل يلزمها الوفاء به؟ وهل يترتب عليها إن هي رجعت فيه إثم؟.
هذا ملخص سؤالها. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فهذه المسألة ترجع إلى الاختلاف في التكييف الشرعي للحضانة، أهي حق للحاضنة أم واجب عليها أم الحضانة حق مشترك بين الصغير وأمه، أم هو حق خاص للولد الصغير؟ علماً أنّ الأصل في الحضانة للنساء على الأولاد الصغار ذكورا وإناثاً لأنّهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار وتأديبهم.
وأرجح الأقوال في هذه المسألة أنّ الحضانة حق للولد الصغير لاحتياجه إلى من يرعاه ويحفظه ويقوم على شؤونه ويتولى تربيته، فمشروعية الحضانة قائمة على أساس تحصيل مصلحة الصغير المحضون وهي أحقية ثابتة لهذا المعنى لا من أجل تحصيل مصلحة المستحق للحضانة، وعليه فالحضانة حق مشروع ثابت من أجل تحصيل مصلحة الصغير، وكلّ من هو أقدر على تحقيق مصالحه وتحصيل منافعه ورعايته كان أولى به.
هذا، وإذا كانت الحضانة حقا للولد الصغير، فإنّ الأمّ تجبر عليها لزوما إذا احتاج الطفل إليها حتى لا يضيع حقه في الحفظ والرعاية والتربية والتأديب، وكلّ شرط وقع لإهدار حق الولد المشروع في الحضانة لمن كان أقدر على تحصيل مصالحه فهو باطل، فإذا اختلعت المرأة زوجها على أن تترك له ولدها، فالخلع جائز صحيح، والشرط فاسد ويقع لاغيا لا يلزمها الوفاء به، لأنّه إذا ثبت أنّ هذا من حق الولد فليس له ولا لها أن تبطله بالشرط لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»(1) أي ليس في كتاب الله جوازه أو وجوبه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا»(2) وهذا بخلاف ما لو تزوجت لم تكن أحق بالحضانة لانشغالها بخدمة زوجها فلا منفعة للولد في كونه عندها لقوله صلى الله عليه وسلم «أنت أحق به ما لم تنكحي»(3) وتناط الحضانة لمن يليها في الاستحقاق لتحصيل مصلحة المحضون نظرا لوجود مانع الزواج، ويعود حق الحضانة لها إذا زال المانع بناء على قاعدة: إذا زال المانع عاد الممنوع أو: إذا زال الخطر عاد الحظر.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 17 ربيع الأول 1425ه
---
1- أخرجه النسائي في الطلاق(3451)، وابن ماجة في العتق(2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الألباني في إرواء الغليل(5/152).
2- أخرجه أبوداود في الأقضية (3593)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في الأحكام(1352)، من حديث عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، والحاكم في البيوع عن أبي هريرة وعن عائشة رضي الله عن الجميع. والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/142) رقم ( 1303)، والسلسلة الصحيحة رقم (2915).
3- أخرجه أبو داود في الطلاق(2276)، والدارقطني(418)، والحاكم(2830)، وأحمد(6668)، والبيهقي(16191)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/317)، وابن كثير في إرشاد الفقيه (2/250)، وأحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (10/177)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل(7/244)، وفي السلسلة الصحيحة(1/709).
(129/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016485
...
الفتوى رقم: 138
الصنف: فتاوى الزواج
إسقاط الجنين
السؤال: ممّا هو معلوم من الدين بالضرورة أنّ دية الجنين غرة وحددها العلماء بعشر دية الحرة فإن أجهضت المرأة جنينها بنفسها فهل تدفع الدية؟ ولمن؟ وهل يستوي الأمر إذا كان هذا الفعل عن عمد أو خطأ؟
أفيدونا بارك الله فيكم لأنّ هذا الأمر ممّا تعمّ به البلوى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا أجهضت المرأة جنينها بنفسها وتعمدت قتله بدون ضرورة شرعية ومعتبرة أو إذن الزوج أثمت وضمنت دية الجنين ولا ترث منه شيئا وعليها الكفارة على الصحيح، وتؤدي الدية إلى ولي أمره وهو الزوج ما لم يتنازل عنه ويسقطه.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:12رجب1420ه
الموافق ل :27 أكتوبر1999م
(130/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016486
...
الفتوى رقم: 14
الصنف: فتاوى طبية
الأخطاء الطبية
السؤال: قال الله تعالى: ? فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ِإن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونََ? [النحل: 43]
أختك في الله تعمل في المستشفى كممرضة بمصلحة الأطفال وقد تعرضت لحالة حيث تم إسعاف طفل لدى المصلحة المذكورة آنفًا، و قد كلفت بتقديم الإسعافات الأولية حيث أقبلت على أحدهما و سألته بعد تناول الوصفة الطبية المعلقة على السرير هل هذه الوصفة لك ؟ فأجاب بنعم، و على هذا الأساس قدمت له الدواء المذكور بالوصفة و بعد دقائق تغير حاله ورغم تدخل الطبيب فقد مات الطفل و بعد إجراء التحاليل تبين أن الطفل مريض بداء القلب والدواء المقدم له غير مناسب، و بعد إعادة قراءة الوصفة تبين أن الدواء كان موجها إلى طفل آخر ، فأحسست أني كنت سببًا في موته.
فالسؤال : هل يعتبر هذا قتل شبه الخطأ، أو الخطأ و ما يترتب عليه من آثار شرعية (صيام أو ماذا ...) ؟
أفتونا في سؤالنا جزاكم الله خيرا وزادكم علما و تقوى
الجواب: الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على آله و صحبه والتابعين لهم بإحسان، أمّا بعد:
فاعلمي أن الفقهاء أجمعوا على أن الطبيب أو من يقوم مقامه من الملحقين به تنتفي عنهم المسؤولية إذا ما أدى عملهم إلى نتائج ضارة بالمريض، شريطة أن يقصد بعمله نفع المريض و يعمل وفق الأصول الطبية المتبعة، و أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامه كالولي، هذا كله إذا لم يكن الخطأ فاحشا أو جسيما، والمراد بالخطأ الفاحش هو مالا تقره أصول فن الطب و لا يقره أهل العلم بفن الطب ويظهر ذلك بمخالفة الوسائل العلاجية السليمة مخالفة واضحة تدل على جهل أو إهمال مفرط وجلي لا يصح صدورهما منه، كالتسرع في تشخيص المرض وتقرير العلاج برعونة أو إهمال دون الاستعانة بالأصول والطرق الطبية الضرورية لتكوين الرأي السديد. وعليه فإنّ في تقديري أن لا ضمان على هذه الممرضة التي وجدت الوصفة الطبية معلقة على سرير المريض فقرينة ظنية على أنها وصفته الطبية، وزادها تأكدا عند إقراره بها، و إن لم تكن هذه الوصفة تابعة له في الواقع ونفس الأمر، و ينتفي الضمان لأنّ الجواز الشرعي ينافيه كما تقرر في القواعد وأصل القاعدة: كلّ موضوع بحقّ إذا عطب به إنسان فلا ضمان على واضعه.
ومن هذا فإن تقرير المسؤولية والضمان من الوجهة الشرعية لا يترتب إلا على خطئها الفاحش و قد انتفى، و إذا كان عموما التطبيب واجبا، فالقاعدة أن الواجب لا يتقيد بشرط السلامة.
والعلم عند الله؛ و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين؛ و صلى الله على محمد وعلى آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان و سلم تسليما.
الجزائر في : 24 رمضان 1417ه
الموافق ل : 02 فيفري 1997م
(131/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016487
...
الفتوى رقم: 15
الصنف: فتاوى طبية
الدواء المستحضر بالكحول
السؤال : (مستحضر دواء) نستعمل ثلاث لترات من زيت الزيتون ونضيف له خل الكحول و إن لم نجد نضع قارورة من الخمر.
هل يجوز التداوي بهذا المستحضر شربا أو وضعا على الجرح ؟
بارك الله فيكم، ونفعنا بعلمك وعمرك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاعلم - حفظك الله - أنّ زيت الزيتون شجرة مباركة كما أخبر الله عز وجل في سورة النور بقوله تعالى :?... يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَ لاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ? [النور 35] و بقوله صلى الله عليه وسلم: " كلوا الزيت و ادهنوا به فإنه من شجرة مباركة"(1) وما وصف بالبركة كائن له النفع بإخبار الوحي الإلهي لا محالة، أما الخل فقد امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" نعم الأدم الخل"(2) فإن خلط الأول بالآخر أي الجائز في جنسه اختلاطا يقره أهل الاختصاص من الطب استنادا إلى العلة العقلية في الأمور الدنيوية و أنه ناجح أي يأتي هذا المزيج بنتائج إيجابية في دفع الأذى ورفع الوجع فإن هذا المستحضر يجوز التداوي به كسائر الأطعمة المخصصة للتداوي شربا و تدليكا.
أمّا إضافة الخمر المحرم شرعا إلى زيت الزيتون فلا يصح التداوي به فضلا عن اتخاذه أو إضافته إلى غيره من المواد لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله عزّ وجلّ أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواءً فتداووا ولا تتداووا بحرام"(3) وفي رواية "إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام"(4) ولمّا سئل النبي صلى الله عليه و سلم "عن الخمر تتخذ خلا ؟ قال : لا"(5).
و الله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجزائر في: 15 ذي القعدة 1416 ه
---
1- أخرجه الترمذي كتاب الأطعمة باب ما جاء في أكل الزيت(1971)، وأحمد(4/555) رقم(15625) والحاكم كتاب التفسير باب تفسير سورة النور عن أبي أسيد رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في الصحيحة رقم(379).
2- أخرجه مسلم كتاب الأشربة (5473)، وأبو داود في الأطعمة(3822)، والترمذي كتاب الأطعمة(1955)،والنسائي كتاب الأيمان والنذور باب إذا حلف ألا يأتدم فأكل خبزا بخل(3812)، وابن ماجه كتاب الأطعمة باب الإئتدام بالخل(3442)، ، وأحمد(4/239) رقم(13849) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
3- أخرجه أبو داود كتاب الطب باب في الأدوية المكروهة(3876)، والبيهقي في سننه(20173)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (4/174).
4- أخرجه ابن حبان كتاب الطهارة باب النجاسة، عن أم سلمة –رضي الله عنها- وانظر غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام رقم 30.
5- أخرجه مسلم كتاب الأشربة (5255)، و أبو داود كتاب الأشربة (3677)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(132/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016488
...
الفتوى رقم: 18
الصنف: فتاوى طبية
تمريض المرأة للرجل
السؤال: نرجو من شيخنا أبي عبد المعز-حفظه الله ونفع به- أن يفيدنا بالجواب على مسألة تتعلق بحكم مداواة الممرضة للرّجال، و كذلك فيما يخص ضرب الحقن إن لم يكن في المستوصف إلا هي للقيام بهذا و لعدم وجود ممرض من الرجال.
أفيدونا جزاكم الله خيرا تفصيلا شافيا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل في اختلاط المرأة بالرجل المنع والحظر، و كذا في ستر العورات للأدلة الواردة في ذلك، غير أنّه يُستثنى من المنع بعض الحالات ترجع إلى الضرورة أو الحاجة الشرعية أو المصلحة الشرعية، بشرط أمن الفتنة وعدم الخلوة مع الالتزام بالآداب والأحكام الشرعية التي تلتزم بها المرأة في لباسها وكلامها وزينتها وفي نظرها للأجنبي و نظر الأجنبي لها وانعَدم من يقوم بذلك من الرّجال ويشهد لذلك ما رواه البخاري عن الرُّبيّع بنت مُعوّذ قالت: "كنّا مع النّبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى ونردُّ القتلى إلى المدينة"(1) وما رواه البخاري أيضا "أنّ عائشة و أمّ سُليم رضي الله عنهما كانتا تنقلان القرب على متونهما، ثمّ تفرغانه في أفواه القوم، ثمّ ترجعان فتملآنها، ثمّ تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم"(2) فإنّ مثل هذه الأعمال المتعلقة بالجهاد تُحقق مصلحة شرعية أجاز الشرع للنّساء القيام بها وإن اقتضت مخالطة الرجال، و في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغزو بأمّ سُليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى"(3) وقد تدفع الحاجة والمصلحة إلى الاختلاط لغرض خدمة الضيوف، و قد جاء في الحديث الذي رواه البخاري أنّه: " لماّ عرّس أبو أُسَيد الساعدي دعا النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما، ولا قرّبه إليهم إلاّ امرأته أمّ أُسيد"(4).
هذا، واعلم أنّه لا يجوز للمرأة كشف عورتها لطبيب أو من يقوم مقامه مع وجود طبيبة أو ممرضة تُغني عنه، و إذا كشفت عورتها فلا يشرع لها أن تكشف منها ما لا ضرورة في كشفه على ما قرره السيوطي و ابن نُجَيم في الأشباه و النظائر عملاً بقاعدة الضرورات تقدر بقدرها.
و إذا مرضت مرضاً لا هلاك معه، غير أنّه يسبب لها ألماً شديداً و مستمراً فيجوز لها أن تكشف عورتها للطبيبة أو للطبيب عند تعذر وجود الطبيبة إذا تعين ذلك لشفائها تنزيلاً للحاجة منزلة الضرورة عامة أو خاصة، حيث أنّ ستر العورة تحسيني وزوال الألم الدائم حاجيّ، والحاجيّ أولى من التحسينيّ مطلقاً بخلاف ما لو كان الألم خفيفًا و معتادًا، فلا يجوز لها كشف العورة لاستواء درجة دفع الألم مع ستر العورة لأنّ كلاًّ منهما تحسينيّ، غير أنّه يغلب ستر العورة تقديماً للحاظر على المبيح، و شأن النّساء مع الرّجال كشأن الرّجال مع النّساء لقوله صلى الله عليه وسلم: "النّساء شقائق الرّجال"(5) ما لم يرد دليل الخصوصية.
والله أعلم بالصواب؛ و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله و صحبه وإخوانه و سلم تسليما.
---
1- أخرجه البخاري كتاب الجهاد، باب مداواة النساء الجرحى في الغزو(2882)، من حديث الربَيِّع بنت معوّذ رضي الله عنها.
2- أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال(2880)، ومسلم في الجهاد والسير(4786)، والبيهقي(18311) من حديث أنس رضي الله عنه.
3- أخرجه مسلم كتاب الجهاد والسير، (4785). وأبو داود أول كتاب الجهاد، باب في النساء يغزون(2533). والترمذي كتاب السير، باب ما جاء في خروج النساء في الحرب(1670).من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
4- أخرجه البخاري كتاب النكاح، باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم(5182), ومسلم، كتاب الأشربة (5351). وابن ماجه كتاب النكاح، باب الوليمة(1987)، والبيهقي(17880)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
5- أخرجه أبو داود في «الطهارة»، باب في الرجل يجد البلة في منامه (236)، والترمذي في «أبواب الطهارة» باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر (113)، وأحمد (25663)، وأبو يعلى (4694)، والبيهقي (818)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع» (2333)، وفي «السلسلة الصحيحة» (2863).
(133/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016489
...
الفتوى رقم: 327
الصنف: فتاوى طبية
ذهاب المرأة إلى الطبيب
السؤال: ما حكم الشريعة في المرأة التي تذهب إلى طبيب النّساء بدلا من طبيبة النّساء؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ المرأة لا يجوز لها أن تذهب إلى طبيب مع وجود طبيبة، والأصل أن تذهب إلى طبيبة مسلمة فإن تعذر فإلى طبيبة غير مسلمة وإن تعذر فإلى طبيب مسلم، ويجوز أن تكشف للطبيب كلّ ما يحتاج إلى النظر إليه ولكن يشترط أن يكون معها زوج أو ذو محرم لتنتفي الخلوة بالطبيب وهذا يدخل في باب الحاجة، وإنّما أجيز مثل ذلك لأنّ تحريمه تحريم وسائل وما كان كذلك فإنّه يجوز عند وجود الحاجة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
(134/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016490
...
الفتوى رقم: 328
الصنف: فتاوى طبية
في حكم تعلم الطب بعد حصول الكفاية فيه، وانتفاء الحاجة إليه
السؤال: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "وقد ذكر طائفة من أصحابنا وغيرهم: أنَّ أصول الصناعات كالفلاحة، والحياكة، والبناية فرض على الكفاية، والتحقيق: أنها فرض عند الحاجة إليها، وأما مع الاستغناء عنها فلا تجب"(?).
فهل علم الطب يندرج تحت كلام شيخ الإسلام مع العلم أنَّ الحاجة الداعية لتعلمه متحققة في كل زمان ومكان؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاعلم أنَّ المعني "بطائفة من أصحابنا وغيرهم" من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- منهم: أبو الفرج ابن الجوزي، وابن قدامة، والغزالي، فقد اختصر أبو العباس بن قدامة المقدسي الحنبلي كتاب "منهاج القاصدين" لابن الجوزي الحنبلي الذي اختصر" المنهاج" من كتاب"إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي الشافعي، وقد جاء في "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة:" فأمَّا فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا،كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان على الصحة... فهذه العلوم لو خلا البلد عمن يقوم بها حَرَجَ أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الباقين، ولا يتعجب من قولنا: إنَّ الطب والحساب من فروض الكفاية، فإنَّ أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفاية،كالفلاحة والحياكة، بل الحجامة فإنه لو خلا البلد عن حجام لأسرع الهلاك إليهم، فإنَّ الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله"(2).
وعليه، فإنَّ علم الطب الذي يعرف به أحوال بدن الإنسان من جهة ما يعرض لها من صحة وفساد، علم نظري وعملي، معدود من العلوم العقلية كالحساب، وإذا كانت الحِرف والصناعات التي يحتاج إليها الناس في معايشهم، كالفلاحة ونحوها على فرض الكفاية فالطب والحساب أولى على ما ذكره أبو حامد الغزالي، غير أنَّ فرضية تعلم الطب على الكفاية مبنية على وجود الحاجة إليه، والحاجة متفاوتة القدر بحسب الأحوال والأزمنة والأمكنة، وبحسب تفاوت الظروف والأحوال، لكن إذا كانت كفاية بلد من الأطباء يغطون حاجيات الناس إلى العلاج بدفع العلل والأمراض عن أبدانهم، فإنَّ فرضيته الكفائية يمكن أن تنحصر في القضايا الطبية الجديرة بإتقانها والتفنن فيها، والتي هي سبيل لتقوية شوكة المسلمين، والاستغناء عن الأطباء الكفار، أما ما عداها بعد حصول الكفاية فيبقى الترغيب ملحًا في تعلمه، وتعليمه، وتطبيقه، لنفع العباد وصلاح أبدانهم، لذلك كانت عناية علماء الإسلام وفقهائه فائقة في تعلمه وتعليمه والكتابة فيه بما هو مبثوث في مؤلفاتهم.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 20 محرم 1427ه
الموافق ل: 19 فبراير 2006م
---
1- "مجموع الفتاوى" لابن تيمية: 28/79، 29/194.
2- "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة: [16]
(135/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016491
...
الفتوى رقم: 395
الصنف: فتاوى طبية
في حكم إطلاق وصف الحكيم على الطبيب
السؤال: ما حكم إطلاق وصف "الحكيم" على الطبيب؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالحكيم هو من كان قوله وفعله موافقًا للسنة(1)، فلا يطلق على العالم فقط وإنما مع زيادة المبالغة فيه أو على العالم العامل(2)، بينما كل حاذق عند العرب فهو طبيب(3)، وقد استعمل الشارع لفظ الطبيب لا الحكيم في نصوص صحيحة منها: "أَرِنِى هَذَا الَّذِى بِظَهْرِكَ فَإِنِّى رَجُلٌ طَبِيبٌ. قَالَ: اللَّهُ الطَّبِيبُ بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ طَبِيبُهَا الَّذِى خَلَقَهَا"(4)، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ تَطَبَّبَ وَلاَ يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ"(5) والمراد بمن تطبب أي تعاطى علم الطب وعالج مريضًا.
وبناء عليه، فلا ينبغي تسميته بالحكيم والعدول عن تسمية الشرع له بالطبيب.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 06 ربيع الأول 1427ه
الموافق لـ: 5 أفريل 2006م
---
1- التعريفات للجرجاني: 92.
2- الكليات لأبي البقاء: 382.
3- المصدر السابق: 580.
4- أخرجه أبو داود في الترجل (4209)، وأحمد (7309)، من حديث أبي رمثة رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1537)، ومقبل الوادعي في الصحيح المسند (1242).
5- أخرجه أبو داود في الديات (4588)، والنسائي في القسامة (4847)، وابن ماجه في الطب (3595)، والحاكم في المستدرك (7592)، والدارقطني في سننه (4553)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه. وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (635).
(136/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016492
...
الفتوى رقم: 396
الصنف: فتاوى طبية
في حكم إطلاق الأطباء لفظ الخبيث على المرض أو الورم
السؤال: ما حكم ما يتداول على ألسنة الأطباء من قولهم: "مرض خبيث" أو "ورم خبيث"؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالخبيث هو ما يكره رداءة وخسة، محسوسًا كان أو معقولاً، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبح في الفعال، وإطلاق صفة الخبث على المرض فمن جهة استعصاء علاجه وشدة ضرره وآلامه وسرعة فتكه بالمريض غالبًا، ولا مانع- في اعتقادي- من استعمال هذه الكلمة على المرض، وإنما يكره استعمالها بإضافتها إلى النفس، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي . وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نفسي"(1) فكَرِه ذلك لبشاعة الاسم، لأنَّ لفظ لَقِسَت نفسي وخَبُثت معناهما واحد -كما قال النووي والبغوي- فعَلَّمَهم صلى الله عليه وآله وسلم الأدب في المنطق، وأرشدهم إلى استعمال الحَسَن وهجران القبيح منه(2).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 06 ربيع الأول 1427ه
الموافق لـ: 5 أفريل 2006م
---
1- أخرجه البخاري في الأدب (6179)، ومسلم في الألفاظ من الأدب (6015)، وأبو داود في الأدب (4981)، وأحمد (24976)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- شرح السنة للبغوي: 12/359، صحيح مسلم: 15/8.
(137/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016493
...
الفتوى رقم: 390
الصنف: فتاوى طبية
في حكم التداوي بما يعرف بـ: "القطيع"
السؤال: هل يجوز التداوي بما يسمى بالعامية: "القطيع"؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإن كان التداوي بما يسمى بـ"القطيع" على وجه الرقية الشرعية بالقرآن الكريم، والأذكار النبوية والأدعية المأثورة الثابتة، وسلمت رقيته من الشرك، والكلام الذي لايفهم معناه، ولم تستصحب باعتقاد تأثيرها بذاتها إلا بتقدير الله تعالى، فإنَّ هذه الرقية جائزة شرعًا لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ"(1) وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ"(2).
أما التداوي بـ:" القطيع" على وجه يقطع به الداء ببعض الطرق التي يستعملها بعض الرقاة كأن يضع أوراق الصبَّار منتزعة الأشواك تحت رجْلِ المريض لعلاج مرض الظهر والرجلين والمفاصل، ثمّ يقطع الصّبار ويعلق ذهاب الأذى وزوال المرض بجفاف ورق الصّبار المقطوع، أو يضع عيدان من قصب خُضر للمريض يدلكه برِجْله قصد الاستشفاء من مرض عرق النسا، ثمّ يحتفظ بها المريض في بيته حتى تيبس ويعلق شفاءه على جفوفها، أو يضع سكينا ساخنًا يمرره على رأس المريض ثلاث مرات أو سبع مرات، وقد يجرح الراقي يد المريض، ويحك مكان الجرح ببصلة ونحوها على وجه يقطع به مرض " الصفراء" فإن هذه الطرق وأشباهها ألصق حكمًا بالمنع ولعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قام بفعلها لنفسه أو أمر بها لغيره، أو رخص فيها لأمته مع وجود المقتضي لفعله وتوافر الدواعي لنقله وخاصة مع تعليق الشفاء على اليبس والجفاف، فإنَّ فيها إضاعة لحق الله في تعلق القلب به سبحانه، وفي فعل المشروع غنية عن غيره، ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 24 محرم 1427ه
الموافق لـ: 23 فبراير 2006م.
---
1- أخرجه مسلم في السلام (5862)، وأبو داود في الطب (3888)، والحاكم في المستدرك (7593)، والبيهقي (20081)، من حديث مالك بن عوف الأشجعي رضي الله عنه.
2- أخرجه مسلم في السلام (5861)، وأحمد (14756)، والبيهقي (20079)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(138/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016495
...
الفتوى رقم: 245
الصنف: فتاوى طبية
في حكم الأدوية المركبة من مواد محرمة
السؤال: هناك العديد من الأدوية التي تباع في الصيدليات أو عند الطب البديل وتأتي من مناطق مختلفة من العالم وقد تكون هذه الأدوية تركيبات غذائية أو فيتامينات ومعادن، فهل هذه الأدوية محرمة لمجرد الاحتمال بأن تكون مركبة من بعض مواد الخنزير أو غير مذبوح شرعا. في حالة التصريح بأنّ جزءا من هذه المواد مأخوذ من الخنزير أو غير حلال علينا هل نتناولها لأنها امتزجت واختلطت اختلاطا تركيبيا لا يرى له أثر؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنّ المواد إذا تغيّرت حقيقتها بمفاعيل كيماوية أو بغيرها حتى تصير مادّة أخرى فإن الحكم فيها الحِلّ والجواز لأنّ الأصل في الأشياء المنتفع بها على الإباحة كما هو مقرّر في علم الأصول لقوله تعالى: ?هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعا?[ البقرة:29] ولقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: "الحلال ما أحلّ الله في كتابه والحرام ما حرّم الله في كتابه"(1) وأنّ الخمرة محرّمة لعينها ومحرّم شربها واستعمالها لكنّها إذا تخلّلت تغيرت حقيقتها أصبحت حلالاً، قال صلى الله عليه وآله وسلّم "نِعْمَ الإدامُ الخلّ"(2) هذا كلّه إذا تغيّرت حقيقة المادّة المحرّمة، أمّا إذا تغيّرت أوصافها وبقيت حقيقتها فإنّ حكمها المنع كتغيير الجامد إلى سائل والسائل إلى جامد فلو أنّ الخمر كسائل جمدت، وحقيقتها باقية وإن تغيّر وصف من أوصافها ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلّم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قاتل الله اليهود؛ إنّ الله لمَّا حرّم عليهم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه"(3) والجميل هو الشّحم المذاب فإنّ الشحوم وإن تغيّرت بعض أوصافها فحقيقتها باقية ويبقى التحريم متّصلا بها. من هذا المنطلق يمكن النّظر في مسائل الأدوية الواردة ويحتاج الحال هذه إلى تحقيق يقوم به أهل الخبرة من أهل الكيمياء، فإن وجدوا أنّ هذه الأدوية التي تضمّنت شحم الخنزير تغيّرت حقيقتها فمحلها الجواز، وإن وجدوا أنها تغيّرت بعض أوصافها وبقيت حقيقتها فالحكم في ذلك المنع، غير أنّ اللافت للنظر أنّه إذا تبيّن له بقاء حقيقتها المحرّمة لم يجز له أن يبيعها ولكن للمضطر يجوز له شراؤها لأنّ حكم المضطر مغاير للأحوال العادية فهو حالة نصَّ عليها الشّرع بالجواز بناء على قوله تعالى في سورة الأنعام: ?وقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ? [الأنعام:119] تلك الآية التي انبثقت منها قواعد الضرورات تبيح المحظورات وتقدّر بقدرها.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وسلّم تسليما.
الجزائر في:28 جمادى الثانية 1426ه
الموافق ل : 24 جويلية 2005 م.
---
1- أخرجه الترمذي في اللباس(1830)، وابن ماجه في الأطعمة(3492)، والبيهقي(19873)، من حديث سلمان رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع(3195).
2- أخرجه مسلم في الأشربة(5471)، والترمذي في الأطعمة(1957)، وابن ماجه في الأطعمة(3441)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأبو داود في الأطعمة(3822)، والترمذي في الأطعمة(1956)، والنسائي في الأيمان والنذور(3812)، وابن ماجه في الأطعمة(3442)، وأحمد(14595)، من حديث جابر رضي الله عنه.
3- أخرجه البخاري في البيوع(2236)، والنسائي في الفرع والعتيرة(4273)،
(139/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016496
...
الفتوى رقم: 463
الصنف: فتاوى طبية
في مشروعية استعمال البصمة الوراثية في مجال التحقيق الجنائي والنسب
السؤال: لقد بدأت دائرة استعمال البصمة الوراثية(1) في إثبات النسب أو نفيه في الاتساع في البلدان الإسلامية، وأصبحت تُطلب من القضاة والخبراء وحتى في المحاكم الشرعية.
فما مدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية؟ وهل تعتبر قرينة يستعان بها على إثبات النسب أو نفيه فحسب؟ أو تعتبر طريقًا من طرق إثبات النسب قياسًا على إحدى الطرق الثابتة شرعًا (كالقيافة)؟
أدامكم الله لنا معلمين وموجهين، وبارك في جهودكم.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فبناء على التفصيل المقدم بشأن خصائص البصمة الوراثية ومجالات استخدامها والانتفاع بها فإنَّ البصمة الوراثية كوسيلة إثبات تتوقف مشروعيتها على عدم وجود نصوص شرعية تعارضها أو أصول كلية تنافيها سواء في ميدان التحقيق الجنائي أو في ميدان النسب صحة ونفيًا.
هذا، ويحول دون الأخذ بمثل هذه الوسائل في الحدود الشرعية والقصاص ما تورثه من شبهة يعارضها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"(2) كما يمنع الاعتماد عليها في إثبات الأنساب والتأكد من صحتها من غير اشتباه لما يؤدي بطريق أو بآخر إلى المساس بالأعراض والاجتراء على الأنساب ويعارضه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّ المسْلِمِ عَلَى المسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"(3) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "إنَّ دِمَاءَكُم وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُم حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"(4)، ومن جهة أخرى لا يجوز تقديم البصمة الوراثية في إثبات النسب أو نفيه على اللعان المقرر حكمه بنص الآية القرآنية في قوله تعالى: ?وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ...? إلى قوله تعالى ?...وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ? [النور:6-7-8-9].
ويمكن الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي كوسيلة إثبات في الجرائم فيما عدا الصورة السالفة البيان، ويجوز استخدامها في ميدان النسب في مختلف حالات الاشتباه كالاشتباه الحاصل في المواليد في المستشفيات والعيادات ومراكز الأمومة ورعاية الأطفال، أو الاشتباه الحاصل في أطفال الأنابيب، أو الاشتباه الحاصل بسبب الاشتراك في وطء الشبهة أو مجهول النسب المتنازع فيه، أو الحالات المستعصية لمعرفة أهالي الأطفال الضائعين، أو هوية الجثث والمفقودين نتيجة الحروب والمصائب المقدرة.
هذا، وحرصًا على صيانة الأنساب وحماية الأعراض فإنه يعتمد على البصمة الوراثية كآخر الحلول لهذه الحالات وغيرها مما يدخل في معناها، ولئلا تتعرض الأعراض لانتهاك حرمتها فتتولاها جهة حكومية غير مربحة يقوم على الإشراف عليها أهل الاختصاص في الميدان الشرعي والطبي والإداري على غاية من الحيطة والسرية.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 21 جمادى الأولى 1427ه
الموافق ل: 17 جوان 2006م
---
1- التعريف بالبصمة الوراثية: لقد دلَّت الاكتشافات الطبية أنه يوجد في داخل النواة التي تستقر في خلية الإنسان (46) من الصبغيات (الكروموسومات) وهذه الكروموسومات تتكون من المادة الوراثية الحمض النووي الريبوزي اللاأكسجيني -والذي يرمز إليه بـ (دنا- adn) أي الجينات الوراثية، وكل واحد من الكروموسومات يحتوي على عدد كبير من الجينات الوراثية قد تبلغ في الخلية البشرية الواحدة إلى مائة ألف مورثة جينية تقريبا، وهذه المورثة هي التي تتحكم في صفات الإنسان، والطريقة التي يعمل بها، بالإضافة إلى وظائف أخرى تنظيمية للجينات.
وقد أثبتت التجارب الطبية الحديثة بواسطة وسائل تقنية في غاية التطور والدقة: أنَّ لكل إنسان جينومًا بشريًا يختص به دون سواه، لا يمكن أن يتشابه فيه مع غيره أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها بحيث لا يمكن تطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر حتى وإن كانا توأمين.
ولهذا جرى إطلاق عبارة (بصمة وراثية) للدلالة على تثبيت هوية الشخص أخذا من عينة الحمض النووي المعروف بـ (دنا -adn) الذي يحمله الإنسان بالوراثة عن أبيه وأمه إذ أنَّ الكروموسومات، لـ (46) التي يحملها كل شخص داخل كل خلية من خلايا جسمه، يرث نصفها وهي (23) كروموسوماً عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي، والنصف الآخر وهي (23) كروموسومًا يرثها عن أمه بواسطة البويضة وكل واحدة من هذه الكروموسومات والتي هي عبارة عن جينات الأحماض النووية (دنا) ذات شقين، يرث الشخص شقا منها عن أبيه والشق الآخر عن أمه، فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به، لا تتطابق مع كروموسومات أبيه من كل وجه، ولا مع كروسومات أمه من كل وجه وإنما جاءت خليط منهما، وبهذا الاختلاط اكتسب صفة الاستقلالية عن كروموسومات أي من والديه مع بقاء التشابه معهما في بعض الوجوه، لكنه مع ذلك لا يتطابق مع أي من كروموسومات والديه فضلا عن غيرهما.
وعلماء الطب الحديث يرون أنهم يستطيعون إثبات الأبوة أو البنوة لشخص ما أو نفيه عنه من خلال إجراء فحوصات على جيناته الوراثية، حيث دلَّت الأبحاث الطبية التجريبية على أنَّ نسبة النجاح في إثبات النسب قد تصل إلى قريب من القطع وذلك بنسبة 99% تقريبا، وفي حالة نفي النسب تصل إلى حدِّ القطع أي بنسبة 100% .
وطريقة معرفة ذلك: أن يؤخذ عينة من أجزاء الإنسان بمقدار رأس الدبوس من البول، أو الدم، أو الشعر، أو المني، أو العظم، أو اللعاب، أو خلايا الكلية، أو غير ذلك من أجزاء جسم الإنسان، وبعد أخذ هذه العينة يتم تحليلها وفحص ما تحتوي عليه من كروموسومات - صبغيات- تحمل الصفات الوراثية فبعد معرفة هذه الصفات الوراثية الخاصة بالابن وبوالديه يمكن بعد ذلك أن يثبت أنَّ بعض هذه الصفات الوراثية في الابن موروثة له عن أبيه لاتفاقهما في بعض هذه الجينات الوراثية فيحكم عندئذ بأبوته له، أو يقطع بنفي أبوته عنه لعدم تشابههما في شيء من هذه الجينات الوراثية، فيحكم عندئذ بنفي أبوته له وكذلك الحال بالنسبة للأم.
ويرى المختصون في المجال الطبي وخبراء البصمات أنه يمكن استخدام البصمات الوراثية في مجالات كثيرة، ترجع في مجملها إلى مجالين رئيسين هما:
1- المجال الجنائي: وهو مجال واسع يدخل ضمنه، الكشف عن هوية المجرمين في حالة ارتكاب جناية قتل أو اعتداء وفي حالات الاختطاف بأنواعها و في حالة انتحال شخصيات آخرين وغير ذلك...
2- مجال النسب: وذلك في حالة الحاجة إلى إثبات البنوة أو الأبوة لشخص، أو نفيه عنه، وفي حالة اتهام المرأة بالحمل من وطء شبهة، أو زنا.
2- أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (19/171/2)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد": (9/203). وقد ضعفه الزيلعي في "نصب الراية": (3/333) وابن حجر في "التلخيص الحبير": (4/56) والألباني في "الإرواء": (7/343) وقد صح موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: "ادرؤوا الجلد والقتل على المسلمين ما استطعتم" أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": (5/507) قال الألباني في "الإرواء": (8/26): وهو حسن الإسناد. وأخرج ابن أبي شيبة في"مصنفه" (5/507) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه منقطعا وموقوفا، قال ابن حجر في"التلخيص الحبير": "ورواه أبو محمد بن حزم في كتاب الإيصال من حديث عمر موقوفا عليه بإسناد صحيح".
قلت: والحديث-وإن لم يصح مرفوعا- فقد ثبت موقوفا، وقد جرى العمل به في القضاء، وأجراه الفقهاء مجرى القواعد المشهورة في باب الحدود والجنايات تحت قاعدة: "العقوبات تدرأ بالشبهات"، ويشهد لهذه القاعدة وقائع متعددة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من احتياطه في إقامة الحد، وتنفيذ الحكم عند وجود الشبهة تتلبس بالفعل كما في قصة زنا ماعز رضي الله عنه المشهورة فضلا عما نقل عن الصحابة تورعهم عن إقامة الحدود لأدنى شبهة (انظر قاعدة العقوبات تدرأ بالشبهات في: المحلى لابن حزم:11/153. الفروق للقرافي:4/172. إعلام الموقعين لابن القيم:1/104-314. الأشباه والنظائر للسيوطي: 136. المنثور للزركشي: 2/255. الأشباه والنظائر لابن نجيم:128).
3- أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (6706)، وأبو داود في الأدب (4884)، والترمذي في البر والصلة (2052)، وابن ماجه في الفتن (3933)، وأحمد (7670)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
4- أخرجه البخاري في العلم (67)، ومسلم في القسامة(4477)، وابن حبان (3848)، وأحمد (2923)، والدارمي في سننه (1968)، والبيهقي في سننه (9894)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(140/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016497
...
الفتوى رقم: 552
الصنف: فتاوى طبية
في حكم الاستمناء لغرض طبي
السؤال: هل يجوز الاستمناء من أجل إجراء تحليل طبي للمني؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإذا التجأ المحتاج إلى الاستمناء على جهة التطبيب لا على سبيل المتعة والتلذّذ فإنه يجوز للحاجة، جريًا على ما يعرف تقعيدًا أنَّ «ما حُرِّم لغيره يُباح للحاجة».
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
ملاحظة: يمكن مراجعة «حكم العادة السرية» على الموقع برقم: 284.
الجزائر في: 14 صفر 1427ه
الموافق ل: 14 مارس 2006م
(141/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016499
...
الفتوى رقم: 1
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
القسمة بين الأولاد في العطية
السؤال: نرجو من شيخنا أبي عبد المعز -حفظه الله ونفع به- أن يتفضل بالإجابة على السؤال الآتي: اتفق شخص (وهو على قيد الحياة) مع أولاده ذكورا و إناثا على السواء على قسمة أرض يملكها، فهل تتم هذه القسمة على أساس الميراث، أم على أساس التساوي في العطية؟
أفيدونا مما أفادكم الله، وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد :
فإنّ التسوية في العطية المطلوبة شرعا بين الذكور والإناث التي يتحقق بها العدل هي أن يعطي الذكر ضعف قدر ما يعطى للأنثى على حسب قسمة المواريث، وبهذا قال عطاء وشريح و إسحاق بن محمد ومحمد بن الحسن الشيباني وهو مذهب الحنابلة وبه قال ابن تيمية رحمهم الله، وخالف في ذلك مالك والشافعي وابن مبارك وأبو يوسف وأهل الظاهر وغيرهم فجعلوا التسوية في مقدار العطية أن تعطى للأنثى بقدر ما يعطى للذكر، لأنّها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر و الأنثى كالنفقة و الكسوة، كما استدلوا بظاهر الأمر بالتسوية الوارد في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد: "أيسرك أن يستووا في بِرِّكَ قال: نعم، قال: فسوِّ بينهم"(1) والبنت كالابن في استحقاق برّها فكذلك في عطيتها، و بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله عليه و سلم "سوّوا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء"(2) ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل على أولاد بشير بن سعد أكلهم ذكور أو فيهم أنثى؟ و ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزّلُ منزلة العموم في المقال كما هو مقرر في القواعد ).
والجواب: أنّ المولى عزَّ وجل قسمَ المواريث بين الذكور و الإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، وتفضيل الذكر في قسمة المواريث فلزيادة حاجته، إذ المهر والنفقة عن الزوجة والأولاد إنما هي على الذكر. والأنثى لها ذلك كله، و هذا المعنى موجود في العطية سواءً باعتبار الحال أو المآل وغير موجود في الكسوة والنفقة، وعطية الوالد لولده إذا كانت في الحياة هي إحدى حالتي العطية، فينبغي أن لا تختلف عن الأخرى وهي حالة الموت، الأولى وقسمة لله تعالى وردهم إلى فرائضهم وسهامه، أما حديث النعمان فلم يرد ما يدل على حال أولاده و لعل النبي صلى الله عليه و سلم علم أنه ليس له إلا الذكور، و على تقدير العموم في تركه للاستفصال فإن الاحتجاج به على التسوية في نفس العطية لا يصلح لاحتمال أن المراد بالتسوية في أصل العطاء لا في صفته، لذلك تحمل التسوية الواردة في حديث النعمان على القسمة على كتاب الله تعالى و هي صفة العطاء، أمّا حديث ابن عباس -رضي الله عنهما - فلا يتمّ الاحتجاج بالشطر الثاني منه لكونه ضعيفا وهو محل الشاهد لأنّ في إسناده سعيد بن يوسف متفق على تضعيفه، وذكر ابن عدي في "الكامل" أنّه لم يُر له أنكر من هذا الحديث. هذا وإن كان الحافظ حسّن إسناده إلاّ أنه ضعف ابن يوسف هذا في تقريبه، لذلك قال الألباني معقبا عليه: (ومنه تعلم أن قول ابن حجر في الفتح " إسناده حسن" غير حسن) وأضاف قائلا : (ثمّ وجدت الحديث قد رواه أبو محمد الجوهري في الفوائد المنتقاة و عند ابن عساكر من طريق الأوزاعي قال حدثني يحي بن أبي كثير قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره، و هذا إسناد معضل، و هذا هو أصل الحديث، فإنّ الأوزاعي ثقة ثبت، فمخالفة سعيد بن يوسف إياه إنما هو من الأدلة على وهنه و ضعفه)(3).
وعليه فالواجب العدل في عطية الأولاد على حسب ميراثهم و هو ما كان عليه الأمر في العهود المفضلة قال عطاء : (ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى ) و هذا خبر عن جميعهم، وفي هذا حجة على أنهم كانوا يعطون الذكر مثل حظ الأنثيين، وجاء عن شُريح أنه قال لرجل قسم ماله بين أولاده: (رُدوهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه) والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
الجزائر في 15 ذو الحجة 1417ه
الموافقل: 22 أفريل 1997م
---
1- رواه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة.
2- أخرجه البيهقي(12357)،وابن عدي في الكامل(178/2)، والخطيب في تاريخ بغداد(11/108)، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة: (1/347)، وإرواء الغليل: (6/67).
3- سلسلة الأحاديث الضعيفة: (1/347)، وإرواء الغليل: (6/67).
(142/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016500
...
الفتوى رقم: 309
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
هبة الأولاد
السؤال: تملك جدتي (16) قطعة ذهبية وأبناؤها سبعة ذكور وبنتان، وحيث إنّ أولادها الذكور قصَّروا في معاملتها من طرف زوجاتهم! (كذا) فأعطت القطع الذهبية لأحفادها وبناتها وبقي أربعة أبناء غير متزوجين لم ينالوا حقّهم، ماذا يترتب عليها؟ وهل يجب أن تعطيهم أم لا؟ علما أنّها في حالة غضب وأقسمت ألاّ تعطي أولادها وأعطت الأحفاد، فما حكم ما عملت جدّتي جزاكم الله خيرا ؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ التسوية بين الأولاد في العطايا والهبات محلّ اتفاق بين العلماء لما فيه من تحقيق العدل، وتصفية القلوب من الضغينة والحقد والعداوة والقطيعة، وإشعارهم بالمودّة والإخاء، حتى نقل عن السلف أنّهم كانوا يسوُّون بين أولادهم في القُبَل.
هذا، والعلماء وإن كانوا يختلفون في حكم التسوية بين الوجوب والاستحباب، إلاّ أنّ المذهب الراحج من حمل نصوص الأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن على وجوب التسوية بين الأولاد وتحريم التفضيل بينهم وتخصيص بعضهم وهو مذهب أحمد وبعض أهل الحديث وأهل الظاهر، والمشهور من هذا المذهب بطلان الهبة أو العطية المجرّدة عن التسوية بين الأولاد، وذلك لما اتفق عليه الشيخان من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة:"لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم" فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله " فقال "أعطيت سائر ولدك مثل هذا" قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال "فرجع فردّ عطيته"(1) وفي رواية: "كلّ بنيك نحلت؟"(2) وفي رواية: "لا أشهد على جور"(3) "أشهد على هذا غيري"(4)، "سووا بين أولادكم"، ففي هذا الحديث اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم عملاً منافياًَ للتقوى لما فيه من الجور والظلم، وما كان كذلك فالأصل فيه المنع، ولمجيء الأمر بالعدل معرّى عن قرينة صارفة، وأوامره بهذا الشكل تفيد الوجوب، ثمّ إنّ قوله صلى الله عليه وسلم للبشير بن سعد رضي الله عنه "فاردده"(5) وفي رواية "فارتجعه"(6) أي على العطية ممّا يدلّ على بطلانها، ولو لم تكن الهبة بهذه الصورة ممنوعة لما كانت باطلة.
فالحاصل أنَّ ما أعطت هذه الجدّة لبناتها وأحفادها إمّا أن يكون لموضع الحاجة فيجوز ولكن يقدّر بقدرها، أو لكونهم أنفقوا عليها من مالهم، وأرادوا الرجوع فلها أن تعطيهم من مالها في حدود ما أنفقوا عليها، لأنّ نفقة الوالدين من مالهما، وإن كانت عطيّتها لبعض الأولاد وحرمان البعض الآخر فإنّ هذا الفعل باطل لما فيه من الظلم والجور كما تقدّم في الحديث ويؤدّي إلى العقوق وقطيعة الرحم وما أدّى إلى حرام فحرام، لأنّ الوسائل لها حكم المقاصد.
فالواجب أن تردّها وترجعها ما لم تكن لها إرادة في أن تسوي الأمر مع بقية أولادها المحرومين، أو رضي أولادها المحرومون بهذا التفضيل أو التخصيص فتصحّ في هذه الحالة ما وهبته لهم، أمّا إذا لم تكن لها إرادة التسوية أو لم يرض أبناؤها المحرومون وجب عليها أن ترتجع الهبة وتكفّر عن يمينها لقوله تعالى:? ولَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيٍكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ? [المائدة 89].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- متفق عليه: البخاري كتاب الهبة باب الإشهاد في الهبة (2587)، ومسلم كتاب الهبات (4267)، والبيهقي (12351)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
2- أخرجه النسائي في النحل(3679)، والبيهقي (12358).
3- أخرجه البخاري الشهادات(2650)، ومسلم في الهبات(4269)، والنسائي في النحل(3682)، وأحمد(18860).
4- أخرجه البيهقي (12360).
5- أخرجه مسلم في الهبات(4263)، والنسائي في النحل(3677)، وابن ماجه (2376)، وأحمد(18879)، والحميدي في المسند(968)، والبيهقي(12350).
6- أخرجه البخاري في الهبة (2586)، ومسلم في الهبات (4262)، والنسائي في النحل (3688)، وابن حبان (5100)، والبيهقي (12349)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(143/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016501
...
الفتوى رقم: 305
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
القسمة في عطية الأولاد
السؤال: هل يجوز للأب أو صاحب المال أن يقسم تركته من مال وأرض ... لأبنائه وبناته وزوجته قبل وفاته؟
مثلا: عن طريق الوصية أو شيء من هذا القبيل(موثق)، اجتنابا للفتنة بين الأبناء بعد ذلك، إن كان الجواب بالنفي فكيف الحل؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنّ التركات لا تقبل القسمة إلاّ بعد تحقق موت الموَرّث وتحقق حياة الوارث وإنّما يسعه أن يقسم أمواله بين أولاده من باب الهبة أو العطية، ويشترط فيها وجوب التسوية بين الأولاد والعدل بينهم ذكورا و إناثا وتحريم التفضيل والتخصيص عملا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»(1) وقوله صلى الله عليه وسلم للبشير بن سعد:«أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟» قال: نعم، قال: "فسوّ بينهم"(2) وصفة العدل والتسوية بين الأولاد أن يعطى للذكر ضعف قدر ما يعطى للأنثى على حسب قسمة المواريث، وبهذا قال عطاء وشريح ومحمد بن الحسن الشيباني وهو مذهب الحنابلة وبهذا قال ابن تيمية(3)، ذلك لأنّ تفضيل الذكر في قسمة المواريث إنّما لزيادة حاجته، إذ المهر والنفقة عن الزوجة والأولاد هي على الذكر أمّا الأنثى فلها ذلك وهذا المعنى موجود في الهبة، وهذه الصفة في العطية كانت معروفة في العهود المفضلة كما قال عطاء: «ما كانوا يقسمون إلاّ على كتاب الله» وهو خبر عن جميعهم، وفي ذلك حجة شرعية قائمة على أنّهم كانوا يعطون الذكر مثل حظ الأنثيين. ولا يتمّ الاحتجاج بالشطر الثاني الذي هو محلّ الشاهد من رواية ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا: «سوّوا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء»(4) هذا الشطر من الحديث الذي استدل به من قال بالتسوية المماثلة بين الذكر والأنثى لا ينتهض لكونه ضعيفا لأنّ في سنده سعيد بن يوسف وهو متفق على تضعيفه.
والله أعلم،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و صلّ اللهم على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:12ربيع الأول1420ه
الموافق ل :26جوان1999م
---
1- متفق عليه: البخاري في الهبة، باب الإشهاد في الهبة(2587)، ومسلم في الهبات(4267)، والبيهقي(12351) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
2- أخرجه مسلم في الهبات(4272)، وأحمد(18856).
3- انظر المغني لابن قدامة(5/606-607)، مجموع الفتاوى لابن تيمية(39/276-297).
4- أخرجه البيهقي(12357)،وابن عدي في الكامل(178/2)، والخطيب في تاريخ بغداد(11/108)، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة: (1/347)، وإرواء الغليل: (6/67).
(144/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016502
...
الفتوى رقم: 310
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
هل تخضع منحة الوفاة لقسمة الميراث؟
السؤال: امرأة توفي زوجها وترك لها طفلاً عمره عام وطفلة عمرها (5) سنوات تحصلت هذه المرأة من مصلحة المتكفلين بالموتى:
- Capital décès- على مبلغ قدره (4) ملايين.
هي تسأل هل المبلغ من حقها لوحدها أو عليها أن تعطي منه لأمّ الزوج وأخوته، وإذا كان الجواب بنعم كم هو مقدار ذلك، مع العلم أنّ أب الزوج توفي قبل وفاة ابنه أمّا أمّه فمازالت حية، أمّا بالنسبة لعدد الإخوة ( أي أخوة الزوج) فهم (3) رجال و(6) نسوة.
شيخنا الفاضل نشكر لكم تكرمكم على قبول الإجابة على هذا السؤال، ونسأل الله أن يجعلكم من ورثة جنّة النّعيم".
و جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العاملين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فالحكم في هذه المسألة يختلف باختلاف صفة الحصول على هذا المال من قِبَلِ صندوق الضمان الاجتماعي أهو على وجه العطية والهبة والمنحة ؟ أم هو حق الهالك المقتطع من مرتبة الشهري الذي كان يتقاضاه ؟ فإن كان الأول أي منحة مقدمة من الضمان الاجتماعي باعتباره شخصاً معنوياً يتمتع بذمة مالية مستقلة عن ذمة شركائه، مساعدة لأهل الهالك وأبنائه واعترافاً للخدمة التي قدمها طيلة عمله بالمؤسسة، ففي هذا الحال يوزع المال على الموهوب لهم ممّن عينهم الضمان الاجتماعي في وثائقه ولا تخضع الأموال للتركات، أمّا إذا كان الثاني أي حق الهالك المأخوذ من أجرة عمله، فإنّ المال حينئذ يُعدُّ تركة يخضع وجوباً لأحكام الميراث الشرعي ويكون المال مقسماً عليهم على الوجه التالي:
- لأمّ الميّت : السدس (1/6) لوجود الفرع الوارث وهو -12/72 وهو يمثل (6666.66دج ) .
- لزوجة الميّت : الثمن ( 1/8) لوجود الفرع الوارث وهو –9/72 وهو يمثل (4999.995دج).
- لابن الميّت : عصبة بالغير ونصيبه –34/72 وهو يمثل (18888.87دج).
- ولبنت الميّت : عصبة بالغير ونصيبها –17/72 وهو يمثل (9444.435دج).
وليس لأخوة الميّت وأخواته حق في الميراث لكونهم محجوبين بالفرع الوارث الذكر ولاحَقَ لأب الميّت من ميراثه لأنّ الميت توفى بعده أي بعد أبيه، وهو يرثه وينتقل نصيبه إلى ورثته السابق ذكرهم.
ويكون المجموع الكلّي للأنصبة : 6666.66 زائد 4999.995 زائد 9444.435 زائد 18888.87 = 39999.96دج.
فالمسألة-إذا- تحتاج إلى تحقيق مناط.
والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:14صفر1417ه
الموافق لل : 30 جوان 1996 م
(145/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016504
...
الفتوى رقم: 156
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
مسألة في الميراث
السؤال: توفيّ رجل، وله: أربعة أولاد (ذكور)، وبنتان، وزوجة، علما أنّ هذه الزوجة هي زوجته الثانية، حيث أنّ زوجته الأولى قد توفيت وكل أولاده من الزوجة الأولى المتوفاة،
وترك هذا الرجل داراً كبيرة، فأراد أهله (السابق ذكرهم) بيع هذه الدار، وتقاسم مبلغها فيما بينهم..
فما هو فضيلة الشيخ: نصيب كل شخص من أهله المذكورين، لو افترضنا أنّ هذه الدار بيعت بـ: مئة مليون دينار جزائري؟
وماذا فضيلة الشيخ: لو رفض شخص ما من أهله العمل بهذه القسمة، كأن يقول لهم: نتقاسم المبلغ بالتساوي نحن السبعة؟
علما فضيلة الشيخ أنّ هذه الواقعة حقيقية، حيث رفضت إحدى البنات القسمة الشرعية.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين، أما بعد:
فأما ما يتعلق بالسؤال الأول فإنّ نصيب زوجة الميت هو: (10/80)، ونصيب الذكر الواحد: (14/80)، ونصيب أربعة ذكور: (56/80)، ونصيب الأنثى الواحدة: (7/80)، ونصيب الأنثيين: (14/80)، ومجموع الأنصبة = (10)زائد (56) زائد (14) =(80). ويقسم المال المتروك المتمثل في: (س) ويقسم على (80)، والناتج يضرب على (14) يتخرج حصة الابن الواحد، كما أنّ الناتج يضرب على (7) لتخرج حصة الأنثى الواحدة، كما أنّ الناتج يضرب على (10) لتخرج حصة الزوجة.
وهذه القسمة شرعية ثابتة في قانون الأسرة لا يجوز لأحد أن يرد قسمة الله تعالى في عباده لأنّ المال مال الله تعالى وهو سبحانه يقسمه كيفما شاء، ويوشك من أعرض عن حكم الله الوقوع في الكفر وبالتالي لا يستحق من هذا المال شيئا إن ظهر اعتراضه عن شريعة الإسلام قبل موت المورث لأنّ الكافر لا يرث المؤمن كما صرح بذلك الحديث(1)، وما أخذه منه فهو حرام عليه أي أخذ شيئا لا يستحقه شرعا ويشمله قوله تعالى :? ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل? [البقرة 188].
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:18 رجب 1424ه
الموافق ل :12 سبتمبر 2003م
---
1- أخرجه البخاري في الفرائض رقم(6764)، ومسلم في الفرائض رقم(1614)، وأبو داود في الفرائض رقم(2909)، والترمذي في الفرائض رقم(2107)، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم".
(146/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016505
...
الفتوى رقم: 148
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في حكم الهبة في مرض الموت
السؤال: عائلة تتكون من خمسة إخوة: أختين وثلاث إخوة وأمّهم، توفي أبوهم سنة(1397ه-1976م)، ثمّ توفي جدهم سنة(1405ه-1984م)-(جدهم أبو أبيهم).
البيت الذي يسكنونه كان ملكا لجدهم أبي أبيهم.
-هذا الجد له ابن واحد متزوج ويسكن وحده (عمّ الإخوة الخمسة)، وكان متبعا لزوجته الفاسدة الأخلاق والسيرة، ولظروف خاصة(من الناس من يقول كان مسحورا من طرف زوجته الفاسدة)، لم يهتم بوالديه، ولم يساعد الإخوة أبناء أخيه الخمسة اليتامى، بل لم يساعد حتى أباه.
-هذا الجد له أيضا بنت واحدة متزوجة عمّة الإخوة اليتامى الخمسة.
لمّا مرض هذا الجد وأوشك على الوفاة، ذهب مع ابنته وبرضاها ومع أمّ الإخوة الخمسة إلى الموثق (رأوا من باب المصلحة أن يجعلوا مأوى لهؤلاء الأطفال اليتامى)، وكتب عقدا يُؤكد فيه أنّ البيت هبة للإخوة الخمسة اليتامى الذين لا مأوى لهم ولا عائل ولا والد.
لمّا كبر هؤلاء الإخوة الخمسة، أنفقوا على هذا البيت القديم لترميمه.
عم وعمة الإخوة الخمسة لا يزالون على قيد الحياة.
1) ما هو الحكم الشرعي في هذه الهبة.
2) هل يترتب على هؤلاء الإخوة الخمسة إثم إثر اكتسابهم لهذه الدار.
3) هل صحيح أنّ العمّ والعمّة، يجب أن يأخذوا حقوقهم رغم هذه الظروف.
4) هل كاتب العقد (الجد) له إثم إثر هذا الإجراء الذي رأى فيه المصلحة.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فهذه الهبة إن كانت منجزة في الحال غير معلّقة على شرط ولا مضافة إلى المستقبل(?) ووقعت في حالة صحة الجدّ الواهب فإنّها تخرج من جميع أمواله قولا واحدا لا خلاف فيه(?) وإن كان الجدّ في حالة مرض الموت، فإنّ هذه الهبة تخرج منها الثلث(?) مادام الموهوب لهم غير ورثة وتنزل الهبة منزلة الوصية(4) فإن كانت الهبة زائدة على ثلث ماله يكون الزائد موقوفا على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذ، وإن لم يجيزوه بطل الزائد على الثلث(5).
فإن تقررت الحالة الأولى وهي حالة الصحة فلا يلحق الإثم الجد ولا الإخوة، وليس للعمّ والعمّة أي مطالبة بتلك الدار الموهوبة لهم.
أمّا الحالة الأخرى وهي حالة المرض فإنّه إن لم يقصد بتصرفه الإضرار بالورثة فلا يترتب عليه إثم-إن شاء الله-.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى اللّه على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
الجزائر في:23 ربيع الأول 1422ه
الموافق ل :14 جويلية 2001م
---
1- لأنّ الهبة تمليك لمعيّن في الحياة فإن علقها على شرط كان وعدا(المغني لابن قدامة:5/658).
2- المغني لابن قدامة:(6/71).
3- بداية المجتهد لابن رشد:(2/46).
4- قال ابن المنذر في "الإجماع"(125): "وأجمعوا على أنّ حكم الهبات في المرض حكم الوصايا، وتكون من الثلث إن كانت مقبوضة".
5- المغني لابن قدامة:(6/71)، مغني المحتاج للشربيبي:(3/50).
(147/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016506
...
الفتوى رقم: 381
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في استحقاق الأحفاد العدل في العطية
السؤال: هل عدم العدل بين الأولاد يتضمن الأحفاد ؟ أحسن الله إليكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في أنّ ولد الأبناء ولد لجدهم من حيث النسب لدخولهم في قوله تعالى ?يُوصِيكُم اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ?[النساء:11] فالولد في الشرع يقع حقيقة على من يرجع النسب إليه من جهة الأبناء، لذلك اتفق العلماء على أنّ الابن وابن الابن يرث ولو سفل إذا كان يرجع بنسب آبائه إلى الميت ولم تحل بين ابنين منهما أو ما لم يكن هناك ابن حي أو ابن أقرب منه(1)، وقد استشهد الفرضيون على دخول ولد الأبناء في الميراث بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ==== بنوهن من أبناء الرجال الأباعد.
وإذا تقرر أنّ ولد الأبناء ولد لجدهم كانوا أسوة بآبائهم في استحقاق العدل في الهبة والعطية إذا عدم آباؤهم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"(2).
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 5ربيع الثاني 1426ه
الموافق ل: 14 مايو 2005م
---
1- مراتب الإجماع لابن حزم: (98).
2- أخرجه البخاري في الهبة(2587)، ومسلم في الهبات(4267)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(148/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016507
...
الفتوى رقم: 259
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في حكم المطالبة بميراث بيع لأحد أولاد المورث قبل موته
السؤال: توفى أبي منذ (15سنة) ولي خمسة بنات أخوات، وكان لنا مَنْزل صغير وبعد وفاة أبي بسنة قمت ببيع البيت وتمّ بيعه بمبلغ (1000 ألف جنيه)، وقد عرضت على إخوتي البنات حينها أن أعطيهم إرثهنّ ولكنهنّ أعرضن و قلن أنت أخونا ولا نريد منك شيئا، والآن يطلبن مني الميراث فهل أعطيهن الميراث من الألف جنيه أم أثَمِّن البيت في هذا الوقت وأعطيهن بسعر اليوم أم بسعر البيع منذ (14سنة)، مع العلم أنّ أبي قد باع لي البيت في حياته والبيت كان مكتوبا باسمي بيعا وشراء، وإذا طلبن منّي بسعر اليوم لا أستطيع أن أكفي مطالبهن وأخاف من عذاب الله. فماذا أفعل؟ أفتوني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإن كان شراؤك البيت على أبيك من دون أن تدفع له الثمن في حياته وبرضا جميع أولاده، فإنّه بعد وفاتهنّ يتمّ قسمة المال المتفق عليه بينك وبين أبيك على الورثة بقسمة الميراث للذكر مثل حظّ الأنثيين، حيث مسألتكم من: 7: للابن(2)، وللبنات(5) أسهم لكلّ بنت سهم واحد.
وإن كنت قد دفعت الثمن لأبيك مع رضا الجميع بذلك الثمن الذي باع به الأب فلا حَظَّ للبنات من مال ذلك المحل، وليس لهنّ المطالبة به أصلا، بل تقتصر ترِكَتُهُمْ على الأشياء الأخرى وثمن البيت غير البيت المبيع، أماّ عن تنازل البنات حينذاك، فربّما كان من أجل صغرهنّ أو لحيائهنّ، فإن أردت إعطائهنّ إبراءً لذِمّتك فلك ذلك، وقسمة التركة إن تمّت إنّما تتمّ على ثمن البيت وهو القيمة القديمة له وقت البيع لا الحديثة لاستواء الورثة في القسمة ولأنّه ليس قرضا أقرضوه إيّاه.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
(149/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016509
...
الفتوى رقم: 312
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في الانتفاع بوصية غير مسلمة لحفيدتها المسلمة
السؤال: توفيت امرأة غير مسلمة وتركت وصية لحفيدتها المسلمة وبناتها، ولم تترك شيئا توصي به لابنها الكافر، فهل يجوز الانتفاع بهذه الوصية؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا يشترط لصحة الوصية اتحاد الدين بين الموصي والموصى له، فتجوز وصية غير المسلم لغير أهل ملته، فهي تجري مجرى الهبات والتبرعات، والهبة تصح من كافر لمسلم فكذلك الوصية، غير أنه يشترط لنفاذ الوصية ألاَّ يكون الموصى له وارثا للموصي عند موت الموصي أولاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه فلا وصية لوارث"(1) كما يشترط أن يكون مقدار الوصية لا يتعدى الثلث لقوله صلى الله عليه وآله وسلم "الثلث والثلث كثير"(2) ثانيا، غير أن الزيادة على مقدار الثلث موقوف على إجازة بقية الورثة المستحقين للإرث، فإن رضوا على التنازل عنه لفائدة الموصى له استحق كل المال.
وعليه فإن الحفيدة المسلمة (الموصى له) غير وارثة تستحق من جدتها غير المسلمة (الموصي) مقدار الثلث من تركتها، والباقي تمتلكه بإجازة ابنها، وذلك تحكيما لشريعتنا في هذه المسائل، ولأن في عدم إجازته لها فيه إيغار للصدور وما يفضي إلى الشقاق والنزاع وقطع الرحم وإثارة البغضاء والحسد.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في : 15 شوال 1426ه
الموافق ل: 17 نوفمبر 2005م
---
1- رواه ابن ماجه في الوصايا (2818)، الترمذي في الوصايا (2266)، من حديث أبي أمامة الباهلي، وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (3565).
2- رواه البخاري في الفرائض (6733)، مسلم في الوصايا (4296) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(150/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016510
...
الفتوى رقم: 311
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في حكم هدايا العمال
السؤال: رجل يعمل في شركة للهندسة المعمارية أو التقنية وهو يتعامل مع مقاولين مشرفين على بناء مشاريع (سكنات) بحيث يراقب ويتتبع جميع مراحل أعمال البناء وفي بعض الأحيان يعطون له مبالغ مالية، فهو يسأل عن هذه المعاملات هل هي داخلة في الرشوة أم لا؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا تجوز العطية إلى العمال ولا الهدية إليهم مهما كانت صفتها ووجوه تبريرها، لأنّ ذلك معدود من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ?وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ? [البقرة: 188]، وقال أيضا: ?لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ? [المائدة: 63]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: "فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِى اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ"(1) الحديث...، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ"(2) والواجب التعاون على البر والتقوى فهو أساس التعامل الأخوي وتجنّب تعكير التعامل بالتعاون على الإثم والعدوان.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 20 محرم 1426ه
الموافق لـ:01 مارس 2005م
---
1- أخرجه البخاري في الحيل (6979)، ومسلم في الإمارة (4845)، وابن خزيمة في صحيحه (2151)، وابن حبان في صحيحه (4598)، والحميدي في مسنده (879)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.
2- أخرجه أبو داود في الخراج (2945)، وابن خزيمة (2178)، والحاكم (1424)، والبيهقي (13401)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6023)، وفي غاية المرام: (460).
(151/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016511
...
الفتوى رقم: 319
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في تخصيص بعض الأولاد بالوصية
السؤال: تزوج رجل بامرأة وأنجبت له تسعة أطفال ثمّ طلقها، وتزوج بامرأة ثانية فأنجبت له ستة أطفال، ثمّ توفي عنها، وترك بيتا قيمته (80) مليون سنتيم. فهل أبناء الزوجة الأولى لهم نصيب من تركة أبيهم؟ علما أنّ الميت أوصى بأن يكون الإرث للزوجة الثانية وأبنائها فقط؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أما بعد:
فاعلم أنَّ كلَّ أولاد الميت يستحقُّون نصيبهم من تركة أبيهم لقوله تعالى: "يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ"[النساء: 11]، أمّا زوجتاه فلا تستحقان الإرث إلا من كانت مرتبطة به بعقد الزواج، أمّا المطلقة فلا حقَّ لها في التركة لعدم توفر سبب الإرث وهو النكاح، وتصرف الميت بتخصيص بعض أولاده بالوصية باطل لمخالفته لنصَِّ الآية السابقة، ولمصادمته لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "إنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"(1).
فالقسمة الميراثية الشرعية تقتضي أن تأخذ زوجته الثانية الثمن، وأولاده من الأولى والثانية يقسمون بقية التركة، للذكر مثل حظ الأنثيين.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
الجزائر في: 27 محرم 1427هـ
الموافق لـ: 26 فبراير 2006م
---
1- أخرجه أبو داود في الوصايا (2872)، والترمذي في الوصايا (2266)، وابن ماجه في الوصايا (2817)، وأحمد (22954)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1655).
(152/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016513
...
الفتوى رقم: 323
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في المستحقين للإرث
السؤال: تملك امرأة عازبة قسطا من المال، توفيت ولها أمّ، وأخ شقيق من أبيها وأمها، له ابنان وبنت، وإخوة من الأب: ثلاثة ذكور، وأربع إناث، وأخ من الأم، فمن يستحق الميراث منهم؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أما بعد:
فأمَّا ثلاثة إخوة لأب (03) وأربعة أخوات لأب (04) فلا يرثون لكونهم محجوبين حجب حرمان بالأخ الشقيق، وأمها ترث السدس (6\1)، والأخ لأم يرث السدس (6\1) أيضا، وهؤلاء يرثون بالفرض، أمّا الأخ الشقيق من أبيها وأمها فهو عصبة بالنفس، يرث الباقي بعد أصحاب الفروض، ويتمثل الباقي في (6\4)، أمّا أولاد الأخ الشقيق فلا يرثون لأنهم محجوبون بأبيهم لكونه الأقرب إلى الميت.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرة.
الجزائر في: 27 محرم1427ه
الموافق لـ: 26 فبراير 2006م
(153/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016514
...
الفتوى رقم: 374
الصنف: فتاوى الميراث والهبات
في حكم الوصية بكل مال الموصي، وفي حكم تنفيذها بخير ما أوصى
السؤال: أوصت امرأة مسلمة، سويسرية الجنسية والإقامة، قبل موتها بأن تُنفق أموالها كلها على أولاد المسلمين على أن تتولى تنفيذ الوصية صديقتها الألمانية، وهي تسأل عن :
- حكم الوصية بكلّ المال، علما أنّ عائلة المرأة المتوفاة كفار، وليس فيهم من يدين بالإسلام ؟
- هل يمكن تنفيذ الوصية بأرض الجزائر ما دامت الموصِية لم تحدد مكانا خاصا ؟
- هل يمكن إنشاء مدرسة لتحفيظ القرآن بمال الوصية ليكون النفع بالمال أكثر؟ ولتبقى صدقة جارية على الموصِية؟
- لا يمكن استخراج مال المتوفاة إلاّ بعد دفع ضريبة، فهل يجوز دفع قيمة الضريبة من مال الموصية ؟
وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أمَّا بعد:
فالوصية بما زاد عن ثلث التركة أو بكلِّ المال جائز شرعًا، لأنَّ المنع من الوصية بالزائد عن الثلث من أجل تعلق الحق بالورثة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"(1)، ولما انعدم الوارث زال المانع الذي تعلَّق حقه بماله، فأشبه ما لو تصدَّق بماله في حال الصحة، وبه قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو مذهب الحنفية والحنابلة ورجحه ابن القيم الجوزية.
وإذا أوصت بإنفاق أموالها على أولاد المسلمين، لزمت بمجرد الموت، وصرفت على بعضهم ولو كانوا في الجزائر أو غيرها.
والوصية مادامت مطابقة للحق، لا جنف فيها ولا مضارة، فالواجب تنفيذها على وجهها المشروع، لأنَّ الله قد توعد من تساهل بشأنها أو غيرَّها أو بدلها من غير مسوِّغ شرعي، وأنه يبوء بالإثم قال تعالى: ?فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ? [البقرة: 181]
وإنما يجوز التبديل وعدم إمضاء الوصية إذا أوصى بحرام أو بشيء من المعاصي وهذا لا خلاف فيه. فإن قدرت المكلفة بالوصية تنفيذها على وجه يكون خيرا للموصي وأنفع له كالصدقة الجارية التي يتجدد ثوابها بتجدد الانتفاع بالوقف فلها ذلك سواء وضعتها في دار الأيتام أو بيت السبيل إن وجدت إلى ذلك سبيلا، سواء في بلدها أو في أي بلد مسلم آخر ولو بإعطاء ضريبة عليه، ما لم تكن الضريبة تبلغ ثلث المال أو تتجاوزه، فإن تعذر فلها أن تجتهد في وضعه في بدل آخر يقوم مقامه ويتحقق به المقصود من الوصية.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 5 صفر 1427ه
الموافق لـ: 5 مارس 2006م
---
1- أخرجه البخاري في الجنائز (1295)، ومسلم في الوصية (4296)، وأبو داود في الوصايا (2866)، والترمذي في الوصايا (2262)، ومالك (1461)، وأحمد (1542)، والبيهقي (12941)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(154/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016516
...
الفتوى رقم: 324
الصنف: فتاوى اللباس
تحلي الرجال بالفضة
السؤال: ما حكم لبس القلائد والأسورة للرجال (من غير الذهب) وخاصة إن كانت من فضة، فإن كان يا شيخنا جوابكم بعدم الجواز لعلة التشبه بالنساء فهنا يمكن أن تقع شبهة وهي عدم وجود دليل على أنّ الأسورة والقلائد خاصة بالنساء فقط، وكذلك يمكن أن يقول القائل كيف يحرم ذلك على الرجال وقد وعد النبي عليه السلام سراقة بأسورة كسرى، فلو كان المنع لقال النبي عليه السلام ذلك، والمعلوم أنّ النبي عليه الصلاة السلام لا يمكن أن يؤخر الببيان عن وقت الحاجة وقد جاء في السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فتح المدائن وفى بعهد النبي لسراقة وأعطاه الأسورة.
وختاما نسأل المولى العلي القدير أن يوفقكم على ما أنتم عليه من تبيان للقرآن والسنة وبيان طريق جماعة الحق طريق الطائفة المنصورة، وسدّد الله خطاكم، والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط والحمد لله ربّ العالمين.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلم يرد في حلية الفضة ما يمنع جوازها عند الرجال، بل الأصول العامة تقضي بالإباحة والجواز، ومن عمومات هذه الأصول قوله تعالى:?هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعا? [البقرة:29]، وقوله تعالى: ?وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم? [الأنعام:119]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:" من أحبّ أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها"(1) الحديث، إذ يفيد الحديث الجواز من حيث النهي عن الذهب بالدليل الناقل عن الأصل الأول ومن حيث إباحة الفضة بالدليل المقرر لها. فضلا عن أنّ لفظة "عليكم بالفضة" موجه ابتداء للرجال فلا يمنع إلاّ ما دلّ الدليل على المنع، ولم يثبت هذا المنع سوى في الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، أمّا استعمالهما في غير هذين الموضعين فيفتقر إلى دليل، غير أنّ التحلي بالذهب يخصص الذكور بالتحريم وتبقى الفضة على الأصل السابق.
غير أنّه حري بالتنبيه والإشارة إلى وجوب التفريق في هذه المسألة بين مطلق التحلي وخصوص التحلي. والقول بالتشبه بالنساء في مطلق التحلي مصادرة عن المطلوب، إذ يقتضي المطلق عدم تناول النساء بالتخصيص، بل الرجال والنساء فيه سواءٌ مطلقاً سواء كان عين الحلية فضة أو لؤلؤا أو ياقوتا أو زمردا لقوله تعالى: ?وهو الّذي سخّر البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنْهُ لَحماً طَرياً وَتَسِتَخرِجُوا مِنهُ حِليَة تَلبَسُونَهَا...? الآية [النحل:14]، والمعلوم أن المستخرج من البحر جملة من الحلي المعدنية منها: اللؤلؤ والمرجان وغيرها.
وعليه فلا يمتنع شرعا أن يتحلى بما لم تَجْرِ عادة النساء بلبسه كالمنطقة وطوق درع والسيف... بالفضة وغيرها، فهذا من خصوص لباس الرجال يمتنع عن المرأة لباسه، أمّا ما جرت عادة النساء بلبسه في أعناقهن وأيديهن وأرجلهن وأذنهن ونحو ذلك كالخلخال والسوار والقرط والسلسلة... فيعد هذا من خصوص تحلي النساء فهو ممنوع على الرجال ويستثنى منه الخاتم بورود دليل الاستثناء. وعلة المنع التشبه " فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"(2)، ومن هنا يظهر جليا عدم منافاة بين مطلق التحلي وخصوصه.
أمّا الشبهة المذكورة في سؤالكم من عدم وجود دليل على أنّ الأسورة والقلائد خاصة بالنساء مع العلم أنّ الطوق والسوار وغيرهما كان معروفا عند العرب وغير العرب من الأمم السابقة، لقوله تعالى: ?واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جَسَداً له خُوَارٌ? [الأعراف:148] وقوله تعالى: ?فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين? [الزخرف:53]. فجوابه من وجوه:
1. إنّ العرب كانت ترى المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ أن تكون صبية ليجبر ما فيها من نقص، لذلك قال تعالى منكرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه ونسبوه إلى جنب الله العظيم غاية الإنكار: ?أَوَ مَن يُنَشَّؤُ في الحِلْيَةِ وهو في الخِصَامِ غيرُ مُبين? [الزخرف:18]، والذي يكسى بالحلية منذ الصغر إنّما هم الإناث للعلة السابقة.
2. وأنّ العرب كانت ترى أنّ إكمال المظهر والصورة بلبس أنّه تزوير للحسن وهو جدير بالمرأة لما يعتريها من نقص، كما قال بعض شعراء العرب:
وما الحلي إلاّ زينة من نقيصة *** يتمِّم من حسن إذا الحسن قصَّرا
وأمّا إذا كان الجمال مُوَفَّراُ *** كحسنك لم يحتج إلى أن يزوَّرا
3. وممّا يؤكد ذلك أنّ التظاهر بالتحلي والحلل خروج عن عهدة الرجال والتشبه بالنساء ولا يحصل به إرهاب عدوٍّ حال القتال، قول أبي العتاهية في ابن معن بن زادة:
فما تصنع بالسيف إن لم يكن قتَّالا *** فكسِّر حلية السيف وضع من ذاك خلخالا
4. أنّه لم يثبت التزين بالحلي- فيما جرت عادة النساء بلبسه- في زمن الوحي أو بعده سوى ما قدمنا، إذ لو ثبت لنقل إلينا.
أمّا القصة المذكورة عن سراقة -على نحو ما أوردتموه في السؤال- فلو صح هذا لكان تحصيله للأسورة على سبيل الغنيمة والتملك ولا يلزم منه التحلي لاحتمال قوي أن تكون هذه الأسورة من ذهب، لأنّ الموعود به ينبغي أن يكون عظيم الفائدة وثمين القيمة يتجسد في أعلى معدن، وإذا تقرر ذلك فلا يخفى تحريم تحلي الرجال بالذهب بالنصوص الناهية عنه.
ولو فرضنا كون الموعود به يمثل الذهب والفضة فلا يلزم منه التحلي به وهو لا ينافي التملك كما تقدم، أرأيت أن الرجل يرث تركة زوجته المتمثلة في الأسورة والخلخال وغيرها مع أنه لا يتحلى بها، ذلك لأنّ الإرث سبب التملك، الشأن في ذلك كمن يشتري حلية من ذهب يصح بيعه وتنتقل الملكية إليه ولا يلزم من تملكه جواز التحلي به.
هذا، وفي حديث علي رضي الله عنه قال :"أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فبعث بها إليّ، فعرفت الغضب في وجهه، فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها وإنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء"(3) وكذلك حصل مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قباء له من ديباج أهدي إليه فأنكر عليه لباسه فقال:" ما أعطيتك لتلبسه إنما أعطيتك لتبيعه" الحديث(4)، ووجه الدلالة من الحديثين السابقين أنّ مع وجود الهدية المقدمة إليهما فلا يلزم من ذلك الإذن في لبسها، وعليه فمثل الأمر الحاصل لسراقة رضي الله عنه لا يحتاج إلى بيان لكونه معلوما عندهم -كما قدمنا- في عدم النقل عنهم التحلي بما هو من خصوص النساء.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه أبو داود في الخاتم(4236)، وأحمد(9145)، والبيهقي في السنن(7803)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألباني في آداب الزفاف ص(217).
2- أخرجه البخاري في اللباس(5885)، وابن ماجه في النكاح(1904)، وأحمد(3206)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
3- أخرجه البخاري في الهبة(2614)، ومسلم في اللباس والزينة (5541)، وأحمد(970)من حديث علي رضي الله عنه.
4- أخرجه مسلم في الزينة واللباس(5540) والنسائي في الزينة (5303)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(155/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016518
...
الفتوى رقم: 325
الصنف: فتاوى اللباس
التختم بالحديد والمعادن الأخرى
السؤال: ما حكم التختم بغير الفضة (للرجال) من المعادن الأخرى كالحديد والبلاتين... وغيرها.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالتختم بالحديد والنحاس والصفر حكمه التحريم للرجال والنساء جميعا لكونه شرا من خاتم الذهب من جهة، ولأنه زي أهل النار من جهة ثانية، كما ثبت ذلك من حديث عبد الله بن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتما من ذهب، فأعرض عنه، فألقاه فاتخذ خاتما من حديد، فقال: هذا شر، هذا حلية أهل النار، فألقاه، فاتخذ خاتما من ورق فسكت عنه"(1).
وينتفي التعارض مع قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في قصة المرأة التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجها أحد أصحابه، ولم يكن عنده مهر لها:"التمس ولو خاتما من حديد"(2) حيث استدل به على جواز التختم بالحديد لأنه لو كان ثم كراهة لما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه، ووجه التعارض يزول بحمله على ما كان قبل التحريم إذا ما سلّمنا نصِّيته على إباحة الحديد، وهو ليس نصا في إباحته لاحتمال أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته، على ما بينه ابن حجر في الفتح(3)، إذ لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس، وإذا لزم الترجيح- حال فرضية تعذر الجمع السابق بين المتعارضين- لوجوب العمل بالدليل الرافع للبراءة الأصلية على الدليل المقرر لها، أي أن النهي مقدم على الإباحة والجواز كما هو مقرر في القواعد.
هذا، والحكم بمنع الخاتم من حديد فيما إذا كان خالصا صرفا، أمّا إذا كان محلى بما هو جائز كالفضة فالظاهر جوازه لما أخرجه أبو داود من "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتمه حديدا ملويا عليه فضة"(4) وتقرير هذا التفصيل جمعا بين الدليلين وتوفيقا بين متعارضين والعمل بالجمع واجب مهما أمكن، وإلا فالنهي مقدم على الإباحة وكذا القول مقدم على الفعل -كما هو معلوم في أصول الترجيح- في حالة تعذر العمل بالجمع.
هذا ويلحق بالخاتم من حديد كلّ ما يلبس من المعادن المعدودة من حلية أهل النار لعلة تحريم التشبه بهم، والظاهر أنّ النحاس والصفر معدود من لباسهم على ما ورد من تفسير للآية? فالذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار?[الحج:19] على أنّها ثياب من نحاس مفصلة من النار لكونه أشد حرارة إذا حمي.
أمّا ما لم يكن من زي أهل النار فالراجح جوازه إذا لم يكن على وجه يختص بالنساء إعمالا للإباحة الشرعية بالنصوص العامة المتقدمة في مطلع الجواب.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 03 رجب عام 1420 ه
الموافق ل : 13 أكتوبر 1999م
---
1- أخرجه أحمد(6674)، والبخاري في الأدب المفرد(1021) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. وصححه الألباني في آداب الزفاف.
2- أخرجه البخاري في النكاح(5135)، ومالك في الموطأ (1101)، والنسائي في النكاح(3339)، وأحمد (23547)، والبيهقي في السنن(14747)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
3- الفتح(10/398).
4- أخرجه أبو داود في الخاتم (4224)، والنسائي(5205)، من حديث معيقيب رضي الله عنه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح الباري" (10/375) لهذا الحديث ثلاثة شواهد، وحسنه الألباني بشواهده في "آداب الزفاف" (129).
(156/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016520
...
الفتوى رقم: 326
الصنف: فتاوى اللباس
في حكم إسبال الثوب
السؤال: ما حكم إسبال الإزار؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالمراد بالإسبال هو إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين، وهو غير جائز شرعًا على الرجال مطلقًا ويشتدُّ الإثم إذا قصد الخيلاء، فالإسبال يستلزم جرّ الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس(?) لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ"(2)، وعليه فإنَّ ماهو دون نصف الساق فلا حرج على فاعله إلى الكعبين، أمّا دون الكعبين يحرم لما فيه من التوعد بالنار، ويؤيد عدم جواز الإسبال مطلقًا حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنّه قال: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذْ لحَِقَنَا عَمْرُو بْنُ زرَارَةَ الأَنْصَارِي فِي حلَة إِزَارٍ وَرِدَاءٍ قَدْ أَسْبَلَ، فَجَعَلَ النَبِي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ بِنَاحِيِةِ ثَوْبِهِ وَيَتَوَاضَعُ للهِ وَيَقُولُ: عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَأَمَتِكَ، حَتَى سَمِعَهَا عَمْرُو فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو إِنَّ الله قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُسْبِلَ"(3)، ولا يقال أنه يحمل المطلق على المقيد لأنّه لا يتصور تواردهما في جانب النفي والنهي وإنما شرط حمل المطلق على المقيد دخوله في باب الأوامر والإثبات دون المنافي والمناهي، لأنّه يلزم الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النفي والنهي وهو غير سائغ(4).
أما قصة أبي بكر رضي الله عنه في قوله:" إنَّ أحد شقي إزاري يسترخي إلاَّ أن أتعاهد ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ"(5) فليس فيه دليل على أنه يطيل ثوبه، بل غاية ما في الأمر أنه كان يسترخي بغير تقصد منه قال ابن حجر:" فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي، أو بغيره بغير اختياره، فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي، لأنه كلما كان يسترخي شده(6).
فالحاصل أنَّ الثوب الزائد على قدر لابسه ممنوع شرعًا قَصَد به الخيلاء، أو لم يقصد، لأنَّ النهي قد تناوله لفظًا، فضلاً عن أنَّ الزائد من ثوب المسبل مسرف فيه، ومتشبه بالنساء.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 28 من ذي الحجة 1426ه
الموافق ل: 28 يناير 2006م
---
?- سبل السلام للصنعاني: 4/308.
2- أخرجه البخاري في اللباس (5787)، والنسائي في الزينة (5348)، وأحمد (9558)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3- أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1205)، وفي المعجم الكبير (7835)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. قال الهيثمي: "رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات"، انظر السلسلة الصحيحة: 6/406.
4- إرشاد الفحول للشوكاني: 166.
5- أخرجه البخاري في اللباس (5748)، وأحمد (6347)، والبيهقي (3442)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
6- فتح الباري لابن حجر: 10/255.
(157/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016521
...
الفتوى رقم: 406
الصنف: فتاوى اللباس
في حكم لُبس قميص رياضي لفريق أوروبي
السؤال: هل يجوز لبس قميص رياضي لفريق أوروبي بعد طمس العلامة الدالة على الفريق؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم -وفقك الله- أنَّ التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم يعدُّ من مظاهر موالاتهم سواء كان التشبه بهم في عباداتهم كشعائر دينهم أو من عاداتهم وأنماط حياتهم وسلوكهم وسمتهم وأخلاقهم كحلق اللحية وإطالة الشارب، أو كهيئة لباسهم، أو أسلوب كلامهم، ورطانة لغتهم إلاَّ ما استثنته الحاجة، أو طريقة أكلهم، وشربهم التي يعرفون بها، فإنَّ ذلك من التشبه الذي ورد فيه النهي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(1)، ولا يخرج عن هذا المعنى لُبس القميص الرياضي الذي يحمل شعار فريق أوروبي من الأندية الكافرة، وإن طمست العلامة الدالة على الفريق مادام هو معروفا عند الناس بشكله وألوانه أنه من ذلك النادي الكافر فهو قميص معدود من خصائصهم.
فالحاصل أنَّ التشبه بهم في المظهر فيما فعلوه على خلاف مقتضى شرعنا أو كان من خصائصهم دينا ودنيا فإنَّ ذلك يدلُّ على محبَّتهم في المخبر، وقد حرَّم الله على المؤمن اتخاذ الكفار أولياء ومودتهم، قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ?[الممتحنة:1]، وقال تعالى: ?يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلهَُّمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَالمِينَ? [المائدة: 51].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 13 صفر 1427هـ
الموافق لـ: 13 مارس 2006م
---
1- أخرجه أبو داود في اللباس (4033)، وأحمد (5232)، والطحاوي في مشكل الآثار (198)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه العراقي في تخريج الإحياء (1/359)، ، والألباني في الإرواء (1269). وحسنه ابن حجر في فتح الباري (10/282).
(158/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016522
...
الفتوى رقم: 420
الصنف: فتاوى اللباس
في حكم لبس خاتم بدون فص
السؤال: ما حكم لبس خاتم بدون فص؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في لبسه للخاتِم إنما يكون بوضعه على خنصره(1) عن اليمين(2) أو الشمال(3) وبوجود فصٍّ فيه(4) حتى تكون المتابعة كاملة، أمَّا إذا لبس خاتما من غير فصٍّ فجائز لبسه ما لم يكن فيه تشبه بالنصارى الذين يلبسونه لتعريف الغير بارتباطهم بعلاقة زوجية وهو ما يعرف بخاتم الخطبة، وإلاَّ فمن باب الإباحة والزينة جائز إن شاء الله وهو مستثنى من عموم الحلية للنساء.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 6 ربيع الثاني 1427ه
الموافق ل: 4 مارس 2006م
---
1- عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ صَنَعَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمًا قَالَ « إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا ، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا ، فَلاَ يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ » . قَالَ فَإِنِّي لأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ . أخرجه البخاري في اللباس(5874).
2- عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ أَبِى رَافِعٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ "كَانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ" أخرجه الترمذي في اللباس(1848). وهو في صحيح الجامع (4900).
3- عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِِ. أخرجه أبو داود في الخاتم (4229).
4- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ. أخرجه البخاري في اللباس (5870)، ومسلم في اللباس والزينة (5607).
(159/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016523
...
الفتوى رقم: 526
الصنف: فتاوى اللباس
في اقتضاء الترخيص في الحرير مساواته في الذهب
السؤال: صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله عن الذهب والحرير: «هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهَا»، وقد ذهب الحنفيةُ والإمامُ أحمدُ في قولٍ إلى إباحةِ الذهب للرجال إذا كان يسيرًا تابعًا لغيره، كالنسج والكتابة بخيوط الذهب، واستدلُّوا على ذلك بما أخرجه البخاريُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ إِلاَّ مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ»(1- أخرجه مسلم في اللباس والزينة (5413)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمّا البخاري فأخرجه في كتاب اللباس (5491)، بلفظ: «نَهَى عَنْ لُبْسِ الحرِيرِ إِلاَّ هَكَذَا، وَصفَّ لَنَا النبي صلى الله عليه وسلم إِصْبعَيْهِ. ورفع زهير الوسطى والسبابة»)، ووجهُ الاستدلال من الحديث ما ذكره ابنُ عابدينَ بقوله: «أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الاسْتِشْكَالِ أَنَّ كُلاًّ مِنَ العَلَمِ وَالكَفَافِ فِي الثَّوْبِ إنَّمَا حَلَّ لِكَوْنِهِ قَلِيلاً وَتَابِعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدِ اسْتَوَى كُلٌّ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالحَرِيرِ فِي الحُرْمَةِ فَتَرْخِيصُ العَلَمِ وَالكَفَافِ مِنَ الحَرِيرِ تَرْخِيصٌ لَهُمَا مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا بِدَلاَلَةِ الْمُسَاوَاةِ»(2- ردّ المحتار لابن عابدين: (26/349)).
فهل قوله: «بدلالة المساواة» استدلالٌ بمفهوم الموافقة؟ وإذا كان كذلك فما الذي ترجّحونه ـ حفظكم الله ـ في مسألة تخصيص العامّ بمفهوم الموافقة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالذهب محرَّمٌ على الرجال قولاً واحدًا لأهل العلمِ في قولِه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بعدما مسك الذهب بيده اليمنى والحريرَ بشماله وقال: «هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهَا»(3- أخرجه البزار في (866)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13601)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأخرجه ابن حبان (5434)، وأحمد (752)، وأبو يعلى (325)، والبيهقي (4320)، وفي شعب الإيمان (6083)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بلفظ: «هذان حرام على ذكور أمتي». والحديث صحّحه الألباني في «الرد المفحم» (126)، وفي «صفة الفتوى» (90))، غير أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاز اليسير منه مع اختلافهم في وجه اليسير في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلاَّ مُقَطَّعًا»(4- أخرجه أبو داود في الخاتم (4239)، والنسائي في الزينة (5150)، وأحمد (16458)، والبيهقي (5915)، والطبراني في المعجم الكبير (837)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «آداب الزفاف» (163))، والمراد بالمقطَّع اليسير، وهل اليسير في باب الحاجة ومن باب أولى الضرورة أم أنه يجوز مطلقًا ؟ فمن حمله على الحاجة قال: لا يجوز ما عداه ولو كان يسيرًا، أمّا من أجازه مطلقًا عن الحاجة فساواه بما تضمّنه الحديث المذكور في السؤال، وحدّده باليسير عُرْفًا.
أمّا التخصيص بمفهوم الموافقة فلا شكَّ أنه يجوز التخصيص به لأنه من باب خطاب السمع على ما عليه جمهور أهل العلم فدلالته دلالةٌ لفظيةٌ لا قياسية، وعلى القول بأنّ دلالته قياسية وهو مذهب الشافعي ومن وافقه فإنّ الصحيح جواز تخصيص العموم بالقياس.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 2 محرم 1426ه
الموافق ل: 1 فبراير 2006م
---
?- أخرجه مسلم في اللباس والزينة (5413)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمّا البخاري فأخرجه في كتاب اللباس (5491)، بلفظ: «نَهَى عَنْ لُبْسِ الحرِيرِ إِلاَّ هَكَذَا، وَصفَّ لَنَا النبي صلى الله عليه وسلم إِصْبعَيْهِ. ورفع زهير الوسطى والسبابة».
?- ردّ المحتار لابن عابدين: (26/349).
?- أخرجه البزار في (866)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13601)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأخرجه ابن حبان (5434)، وأحمد (752)، وأبو يعلى (325)، والبيهقي (4320)، وفي شعب الإيمان (6083)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بلفظ: «هذان حرام على ذكور أمتي». والحديث صحّحه الألباني في «الرد المفحم» (126)، وفي «صفة الفتوى» (90).
4- أخرجه أبو داود في الخاتم (4239)، والنسائي في الزينة (5150)، وأحمد (16458)، والبيهقي (5915)، والطبراني في المعجم الكبير (837)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «آداب الزفاف» (163).
(160/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016524
...
الفتوى رقم: 546
الصنف: فتاوى اللباس
في حكم لباس البنطلون
السؤال: ما حكم لبس السراويل (البنطلون)؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإن كان المقصود بالسراويل البنطلون، فإنه إذا كان لا يختص بلباس اليهود والنصارى ولا يعبِّر عن معنى حضاري كحضارة رعاة البقر مثل: «الجين» وما شاكله من الألبسة، ولا يعبِّر عن نزعة عِرقية، ولا يحمل شعارًا دينيًا ولا معنى حزبيًّا ولا يكون ضيّقًا بحيث يصف العورة أو يُحَجِّمُهَا فإنه لا مانع من لبسها إذا خلت من الأوصاف السابقة وهي معدودة -بهذا الاعتبار- مِن الألبسة الأُمَمِيَّة العامة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 25 من ذي القعدة 1427ه
الموافق ل: 16 ديسمبر 2006م
(161/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016525
...
الفتوى رقم: 602
الصنف: فتاوى اللباس
في ضابط القَلنسوة
السؤال: ما حكم الطاقية السوداء التي يرتديها -اليوم- بعض الجماعات الحزبية الحركية؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالطاقيةُ أو العِمامَةُ أو مُختلفُ أنواعِ القَلَنسوات إذا كانت مغايرةً لِجِنْسِ قُبَّعَات الكفّار ولم تحمِلْ طابِعًا حِزبيًّا أو نزعةً قوميةً أو لم تكن معبِّرةً عن معنًى عَقَديٍّ؛ فيرغَّبُ في اقتنائها لكونها شعارًا يتميّز المسلم بها عن الكافر.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 25 من ذي الحجة 1427ه
الموافق ل: 15 يناير 2007م
(162/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016526
...
الفتوى رقم: 621
الصنف: فتاوى اللباس
في حكم تغطية الرجل لرأسه
السؤال:
ما حكم تغطية الرجل رأسه ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فكلّ ما يضعه المسلم على رأسه من عِمامة أو مختلف القَلَنسوات مما يتزيّن بها بالصفة المغايرة لجنس قُبعات اليهود والنصارى فإنها تمثّل -في حقيقة الأمر- شعارًا للمسلم تميّزه عن الكافر أو المتشبّه بالكفار في زيهم، وخاصّة في زمنٍ تداخلت فيه الأزياء واختلطت اختلاطًا غلب عليه الطابع الغربي من اليهود والنصارى، واتبع الناس سُنَنَهم عامة لا سيما في مختلف أزيائهم وطريقة لُبسهم، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى إِذَا دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قَالُوا: اليَهُودُ وَالنَّصَارَى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَمَنْ؟»(1- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة»: (7320)، ومسلم في «العلم»: (6952)، وأحمد: (12120)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه). وقد أمر في نصوص متكاثرة بمخالفتهم فقال: «خَالِفُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى»(2- أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في «صحيحه» كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام، رقم: (2186)، من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه).
فالحاصل أنّ المحافظة على تغطية الرأس بالصورة المباينة لقبعات من خالفهم من اليهود والنصارى ومن سار على دربهم لتُعَدُّ من تعظيم الشعار الديني المميّز للمسلم على غيره، وهو من تقوى القلوب قال تعالى: ?وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ? [الحج: 32].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائرفي: 18 من ذي الحجة 1427ه
الموافق ل: 7 جانفي 2007م
---
1- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة»: (7320)، ومسلم في «العلم»: (6952)، وأحمد: (12120)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
?- أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في «صحيحه» كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام، رقم: (2186)، من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
(163/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016530
...
الفتوى رقم: 329
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
تعريف العقيقة
السؤال: ما هو التعريف الصحيح للعقيقة، و هل يكره تسميتها بالعقيقة ؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالعقيقة أو النسيكة اسم لما يذبح عن المولود، أو هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سابعه، وهذا التعريف إنّما هو جار على من يجيز النسيكة بغير الشاة كالبقر والجزور وغيرهما من الأصناف الثمانية عملا بالإجماع الذي نقله ابن عبد البر- رحمه الله تعالى- عن العلماء أنّه لا يجوز في العقيقة إلاّ ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلاّ من شذَّ ممّن لا يُعتد بخلافه، أمّا قول مالك -رحمه الله- تستحب العقيقة ولو بعصفور فإنّه خرج مخرج التقليل والمبالغة لقول مالك رحمه الله:» العقيقة بمنزلة النسك والضحايا«.ولا يخفى أنّه لا يجوز في النسك والضحايا إلاّ الأنعام في الأصناف الثمانية (1).
أمّا من قصر إجزاء العقيقة في الشاة دون غيرها، عرّف العقيقة بأنّها » الشاة التي تذبح عن المولود يوم سابعه«. هذا والأصل في معناها اللغوي هو الشعر الذي يولد عليه كلّ مولود من النّاس والبهائم، ثمّ أسمت العرب الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشيء بسببه أو ما يجاوره.
أمّا الجزئية الثانية من السؤال وهي: هل يكره تسميتها بالعقيقة؟ ففيه من يرى كراهة تسميته بالعقيقة لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم للعقوق(2)، وإنّما تسمى عندهم بالنسيكة، وذهب آخرون إلى أنّه يُباح تسميتها بذلك من غير كراهة لورود لفظ العقيقة في أحاديث متعددة منها قوله صلى الله عليه وسلم من حديث سلمان
ابن عامر الضبي رضي الله عنه : مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى(3).
وعن سمرة رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلّ غلام مرتهن بعقيقته، تذبح يوم سابعه ويحلق ويسمى"(4) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: »أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين"(5).
كما وردت لفظة النسيكة في مواضع أخرى من الأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: » من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل«(6) ،ونظير ذلك تسمية العشاء بالعتمة.
والراجح الصحيح في هذه المسألة أنّ الأولى تسميتها بالنسيكة خشية هجر هذا الاسم ولما في العقيقة من الإشهار بالعقوق، فالتسمية بها خلاف الأولى، بمعنى أنّه يجوز تسميتها بالعقيقة لكن شريطة أن لا يهجر الاسم الشرعي لها وهو النسيكة، وإن أطلق عليها اسم العقيقة كما هو الشأن بالنسبة للعشاء بالعتمة، فلا يضرّ ذلك، وإنّما الكراهة في هجر الاسم الشرعي لها.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
---
1- الاستذكار لابن عبد البر (5/320-321).
2- كما في قوله "لا أحب العقوق" أخرجه أبو داود في العقيقة (2842)، والنسائي (7/145) وانظر السلسلة الصحيحة (4/1655)، وصحيح الجامع الصغير (1/1849) للألباني ومشكاة المصابيح (2/4156) أيضا.
3- رواه البخاري في العقيقة (5471 / 5472) والنسائي في العقيقة (7/164) وابن ماجة في الذبائح (3164) وانظر صحيح الجامع للألباني (2/5877) ومشكاة المصابيح للألباني (2/4149).
4- البخاري (4572) وأبوداود في الأضاحي (2838) والترمذي في الأضاحي (1522) والنسائي في العقيقة (7/166) وابن ماجة في الذبائح (3165) وأحمد في المسند (5/7 و17،22) .
5- رواه أحمد في المسند (6/158، 251) والترمذي في الأضاحي (1513) وابن ماجة في الذبائح (3163) وصححه الألباني في الإرواء (1166) والسلسلة الصحيحة (6/2720).
6- أخرجه أبو داود (2842) في العقيقة وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/7135) وفي المشكاة (2/4156).
(164/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016531
...
الفتوى رقم: 330
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
حكم العقيقة
السؤال: ما هو الحكم الشرعي للنسيكة أو للعقيقة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالمختار من قولي العلماء أنّ النسيكة سنة واجبة على المولود له، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وعمل بها كما ثبت ذلك من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى«(1)، وهذا يدل على الوجوب من جهة إخباره عن الواجب في قوله » مع الغلام عقيقة« ، ثمّ أمرهم من جهة أخرى أن يخرجوا عنه، ومن ذلك أيضا حديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: »كلّ غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى«(2) ووجهه ظاهر في الوجوب لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل تنشئته تنشئة صالحة وحفظه حفظا كاملا مرهونا بالذبح عنه، والعقيقة تفك الرّهان عن المولود، وكذلك يشهد على حكم الوجوب حديث أمّ كرز الكعبية رضي الله عنها أنّها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: »عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة لا يضركم أذكراناً كُنَّ أم إناثاً«(3) وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: »أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين« (4) وأوامر الشرع كما هو معروف في القواعد الأصولية تحمل على الوجوب ما لم ترد قرينة صارفة،وكان بريدة الأسلمي رضي الله عنه راوي الحديث يوجبها ويشبهها بالصلاة و"الراوي أعلم بما روى".
أمّا من تمسك بالاستحباب فيرى أنّه لو كانت واجبة لكان وجوبها معلوما من الدين، ولبيّن النبي صلى الله عليه وسلم وجوبها للأمّة بياناً عامّاً كافياً ينقطع معه العذر، لأنّ الحاجة تدعو إليه وتعمّ به البلوى، ولأنّه علقها النبي صلى الله عليه وسلم بمحبة فاعلها كما في قوله صلى الله عليه وسلم:» من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل«(5) فهي قرينة صارفة من الوجوب إلى الاستحباب، ولا يخفى أنّ النصوص الحديثية الآمرة بالعقيقة على المولود جاءت على غاية من البيان وإذا كانت طاعته في أوامره أوكد من الاقتداء في أفعاله المخالفة لها، فإنّ العمل بأوامره المطابقة لأفعاله أولى وأوكد، قال تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً? [الأحزاب: 21] وقال تعالى أيضا: ?فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? [الأعراف: 158] وعليه يجب العمل بها سواء عمّت البلوى أو خصت كما هو مقرر أصوليا من مذهب الجمهور، أمّا حديث : " من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل" فنظيره قوله تعالى: ? لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ? [التكوير:27] والاستقامة لا شك أنّها ليست مستحبة، وإنّما هي واجبة ومعلوم وجوبها بأدلة الشرع. وكذلك قوله تعالى: ?إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا? [البقرة: 158] ولا يخفى أنّ السعي بين الصفا والمروة ركنٌ، وظاهر الآية يدلّ على أنّه مشروع، وهذه الركنية استفيدت أيضا من أحاديث أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم » اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي« (6) وكذلك قوله » خذوا عني مناسككم«(7) والنبي صلى الله عليه وسلم قد سعى بين الصفا والمروة فدلّ هذا على وجوبه، ونظير ما تقدم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم » إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره«(8) وليس في قوله» وأراد أحدكم« أنّ الأضحية ليست بواجبة بل هي واجبة على الموسر القادر عليها بالنصوص الموجبة لذلك.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما
---
1- رواه البخاري في العقيقة (5471 / 5472) والنسائي في العقيقة (7/164) وابن ماجة في الذبائح (3164) وانظر صحيح الجامع للألباني (2/5877) ومشكاة المصابيح للألباني (2/4149).
2- أخرجه أبوداود في «الأضاحي»، باب في العقيقة: (2838)، والترمذي في «الأضاحي»، باب من العقيقة: (1522)، والنسائي في «العقيقة»، باب متى يعق: (4220)، وابن ماجه في «الذبائح»، باب العقيقة: (3165)، والحاكم في «المستدرك»: (7587)، وأحمد: (19676)، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحديث قال عنه ابن حجر في «فتح الباري» (9/507): «رجاله ثقات»، وصححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (9/333)، والألباني في «صحيح الجامع»: (4184).
3- أخرجه أبو داود (2835) والترمذي (1515) والنسائي (4218) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/4106) وفي المشكاة (2/4152)
4- رواه أحمد في المسند (6/158، 251) والترمذي في الأضاحي (1513) وابن ماجه في الذبائح (3163) وصححه الألباني في الإرواء (1166) والسلسلة الصحيحة (6/2720).
5- أخرجه أبو داود (2842) في العقيقة وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/7135) وفي المشكاة (2/4156).
6- أخرجه أحمد (6/421) وصححه الشيخ الألباني في الإرواء( 1072) وفي صحيح الجامع (1/968)
7- أخرجه مسلم (9/44) والنسائي (5/270) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
8- رواه مسلم كتاب الأضاحي باب:نهي من دخل عليه شهر ذي الحجة وهو مريد للتضحية والنسائي:كتاب الضحايا(4364) وابن ماجه كتاب الأضاحي باب من أراد أن يضحي فلا يأخذ في العشر (3149) وأحمد(26354) ط دار القاهرة.
(165/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016532
...
الفتوى رقم: 331
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
شروط العقيقة
السؤال: هل يشترط في شاة النسيكة ما يشترط في شاة الأضحية؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالنسيكة بمنزلة النسك والضحايا والهدي فيجري فيها ما يجري في الهدي والأضحية من الأحكام، وفي الصدقة والهدية والهبة وكلّ تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فاعتبر السنّ الذي يجزئ فيها, ولا تجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا عرجاء ولا مكسورة ولا مريضة ولا يباع من لحمها شيء ولا من جلدها إلى آخر ما هو معروف في أحكام الأضحية، إلاّ أنّ العقيقة لا يجوز الاشتراك فيها وهو ما تخالف النسيكة فيه الأضحية والهدي.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
(166/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016533
...
الفتوى رقم: 332
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
وقت العقيقة
السؤال:
ما هو الوقت الشرعي للنسيكة؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالوقت الشرعيُّ للنسيكة فإنّه يومُ السابع بعد الولادة إن تيسَّر, ويُستحبُّ يومُ الولادة من السبع –أي: سبعة أيام- فإن تعذَّر وفاتَ ففي الرابع عشر، وإلاّ ففي اليوم الواحد والعشرين من ولادته، فإن تعسَّر ففي أيِّ يومٍ يقدر على ذلك لقوله صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم من حديث بُريدة الأسلمي رضي الله عنه قال في العقيقة: » تُذْبَحُ لِسَبْعٍ وَلأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَلإحْدَى وَعِشْرِينَ»(1- أخرجه البيهقي في «سننه»: (9/303)، والطبراني في الأوسط من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع الصغير»: (2/4132)، وضعَّفه في «إرواء الغليل» (4/395-396). قال الترمذي في «سننه» (5/78): «والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبُّون أن يُذبحَ عن الغلام العقيقة يومَ السابع فإن لم يتهيّأ يوم السابع فيوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ عقّ عنه يوم حادٍ وعشرين».).
ولَمَّا كان حُكم النسيكة سُنَّة واجبة على المولود له على أصحِّ الأقوال فتبقى في ذِمَّته كدَيْنٍ يؤدِّيه متى قدر على ذلك, ويحسن هاهنا أن نُلفتَ النظرَ أنّ المولودَ إن ولد ليلاً حُسِبَ اليومُ الذي يليه خلافًا للمالكية، فعندهم يُحْسَبُ يومُ الولادة إن وُلد قبل الفجر أو معه, وإن وُلد بعد الفجر فلا يُعَدُّ اليومُ الذي وُلد فيه، والصحيحُ الأَوَّلُ كما ذكرنا, وهو أنّه إن وُلد المولودُ ليلاً يُحسَبُ اليومُ الذي يليه، وتتعدَّد العقيقةُ بتعدُّد الأولاد.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
---
1- أخرجه البيهقي في «سننه»: (9/303)، والطبراني في الأوسط من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع الصغير»: (2/4132)، وضعَّفه في «إرواء الغليل» (4/395-396). قال الترمذي في «سننه» (5/78): «والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبُّون أن يُذبحَ عن الغلام العقيقة يومَ السابع فإن لم يتهيّأ يوم السابع فيوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ عقّ عنه يوم حادٍ وعشرين».
(167/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016534
...
الفتوى رقم: 333
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
اجتماع العقيقة مع الأضحية
السؤال: إذا اجتمعت النسيكة مع أضحية العيد هل يمكن الاكتفاء بذبيحة واحدةٍ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
ففي مذهب الحنابلة يجوز الاكتفاء بذبيحة واحدة عملا بالقياس، قياسا على اجتماع يوم عيد مع يوم جمعة (1) واكتفاء بغسل واحدٍ لأحدهما ولكن الظاهر أنّه لا يجوز أن يقوم الذبح الواحد عنهما، لأنّهما قربتان مختلفتان لا تجتمعان بفعل واحد إلاّ إذا جاء دليل، ولا دليل على ذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: » إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (2) ولا شك أنّ مقابلة الجمع الذي هو "الأعمال" للجمع الآخر الذي هو "النيات"، يقتضي القسمة آحادا أي لكلّ عمل نية، هذا هو الأصل ولا يُخرج عن هذا الأصل إلاّ إذا وجد دليل(3) والقياس في التعبدات لايصلح دليلا.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
---
1- انظر الإنصاف للمرداوي : (4/101).
2 - متفق على صحته ، أخرجه البخاري (1/ 9، 135 ) ومسلم (13/53) وأصحاب السنن الأربعة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
3 - انظر مسألة" تشريك قربتين بعمل واحد" في العدد : (4/54) من رسالتي : " محاسن العبارة في تجلية مقفلات الطهارة ".
(168/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016535
...
الفتوى رقم: 334
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
ذبح الشاة الواحدة عن الغلام
السؤال: هل يجزئ الاكتفاء بذبح شاة واحدة عن الغلام؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فيجوز الاقتصار على شاة واحدة عن الغلام عند عدم القدرة أو عدم الوجدان لفعل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما كما هو منقول عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم »عَقَّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً « رواه أبو داود(1) والنسائي، وإن كان لفظ النسائي "كبشين كبشين"(2) هو الأصح. فالأفضل مفاضلة الذكر عن الأنثى بشاتين، وهذا بلا نزاع كما في الأحاديث السابقة، وهذه قاعدة الشريعة فإنّ الله فاضل بين الذكر والأنثى وجعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث والديات والشهادات والعتق، فلا تخرج العقيقة عن هذه القاعدة(3) لكن إذا تعذر عليه فكّ الرهان إلاّ بكبش واحد عن الغلام فإنّه يجزيه -إن شاء الله - .
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما
---
1- أخرجه أبو داود (2841)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وقال لكن من رواية النسائي :" كبشين كبشين" وهو الأصح.
2- أخرجه النسائي كتاب العقيقة كم يعق عن الجارية(4619)، انظر الإرواء للألباني (1164)
3- ويقوي العمل بهذه القاعدة حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" أيما امرئ مسلم أعتق مسلما كان فكاكه من النار يجزئ كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزئ كل عضو منهما عضوا منه" رواه الترمذي رقم (1547) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2697).
(169/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016536
...
الفتوى رقم: 335
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
كسر عظام شاة العقيقة
السؤال: ما مدى صحة الأدلة التي تمنع من تكسير عظام الشاة المذبوحة في العقيقة ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
ففي الحقيقة أنّه لم يرد حديث صحيح يمنع كسر عظام الشاة إلاّ حديث مرسل ذكره أبو داود في كتاب المراسيل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة رضي الله عنها عن الحسن والحسين »أن ابعثوا إلى القابلة منها برجل وكلوا وأطعموا لا تكسروا منها عظما»(1) واستحباب عدم كسر عظامها مرويٌ عن جابر بن عبد الله وعن عائشة وعن عطاء وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
والذين كرهوا كسر عظامها تمسّكوا بهذه الآثار عن الصحابة وعن التابعين وبأدلة عقلية، والظاهر أنّه يُستحب عدم كسر عظامها، وأنّها تُقطع جدُولا(2) تفاؤلا بسلامة أعضاء المولود وصحتها وقوتها، أمّا مذهب مالك فجواز كسر عظامها لعدم ثبوت أيّ دليل في المنع والكراهة (3) بل المصلحة تحصل بذلك، لأنّ الكسر يكون من تمام الانتفاع به، ولا يخفى أنّه إن كان الاستحباب لا ينافي الجواز إلاّ أنّه أولى منه في التقديم.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
---
1- أورده أبو داود في كتاب المراسيل (ص197).
2- كما قال عطاء: " تقطع جدولا"، وقال أيضا : " تقطع آرابا "، وقول عائشة : " ولا يكسر لها عظم" وبهذا قال الشافعي رحمه الله تعالى انظر تحفة المودود لابن القيم 43.
3- انظر التفريع لابن الجلاب : 1/395 القوانين الفقهية لابن جزي 188.
(170/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016537
...
الفتوى رقم: 336
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
تحنيك الولد
السؤال: ما هو الراجح في مشروعية تحنيك الولد، وما هي كيفية التحنيك (1)
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاستحب بعض أهل العلم تحنيك المولود (2) لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: »كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى إليه بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم« (3) وفي الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى قال: »ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ، فكان أكبر ولد أبي موسى»(4) وقد ثبتت أحاديث أخرى في هذا الباب منها حديث أنس بن مالك في الصحيحين (5) أيضاً، وحديث أسماء رضي الله عنها(6) وهذه الأحاديث في مجموعها تفيد استحباب تحنيك الصبي عند أهل الصلاح والعلم وأهل الورع والفضل ويدعو له بالبركة، وقد نقل النووي في شرحه لمسلم (7) أنّ تحنيك المولود يوم ولادته سنّة بالإجماع ويحنكه صالحٌ من رجل أو امرأة ويُستحب التحنيك بالتمر، ولو حنّك بغيره حصل التحنيك، أي إذا لم يجد تمرا حنّكه بشيء آخر، ويُستحب أن يكون بشيء حلو، والتمر أفضل، لكن هذه الأحاديث -على الصحيح- إنّما تدلّ على مشروعية التبرك بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وريقه ولعابه... وهو أمر مجمع عليه، غير أنّه ليس فيها دلالة على جواز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم، إذ لم ينقل حصول هذا النوع من التبرك من الصحابة رضي الله عنهم بغيره صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا في مماته، وقد كان فيهم الخلفاء الراشدون وبقية العشرة المبشرين بالجنّة وغيرهم، وهم أفضل القرون لاعتقادهم اختصاص الرسول الله عليه وآله وسلم بمثل هذا التبرك دون سواه، وقد أثبت الشاطبي (8) إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك ذلك التبرك فيما بينهم حيث يقول: "وهو إطباقهم – أي الصحابة – على الترك، إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده، أو عملوا به ولو في بعض الأحوال، إمّا وقوفا مع أصل المشروعية وإمّا بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع"(9) وقال – رحمه الله – في موضع آخر: "فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة"(10) وعليه فإنّ القول بجواز التبرك بريق الصالحين ولعابهم من جهة التحنيك هو القول بجواز التبرك بذوات وآثار الصالحين قياسًا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أنّ مثل هذا القياس فاسد الاعتبار لمقابلته للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في تركهم لهذا الفعل مع غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ثمّ إنّ القول بجواز التبرك بآثار الصالحين يقضي بطريق أو بآخر إلى الغلو في الصالحين وعبادتهم من دون الله سبحانه، فوجب المنع من ذلك سدّا لذريعة الشرك.
هذا وفي الأحاديث السابقة ـ أيضا ـ جواز تفويض الشخص الصالح أن يختار لهما اسماً يرتضيه.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
---
1- التحنيك هو: مضغ الشئ ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ( انظر: النهاية لابن الأثير : 1/451 . فتح الباري لابن حجر : 9/588 ).
2- انظر : شرح النووي : 14/372، تحفة المودود لابن القيم: 52، الإنصاف للمرداوي : 4/104.
3- أخرجه مسلم في الطهارة (286) وفي الآداب (2147) وأبو داود في الأدب (5105) من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- متفق عليه أخرجه البخاري في العقيقة (5467) ومسلم في الآداب(2145)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
5- متفق عليه أخرجه البخاري في الجنائز (1301) ومسلم في الآداب(2144)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
6- متفق عليه أخرجه البخاري في مناقب الأنصار(3909)وفي العقيقة(5469) ومسلم في الآداب(2146) وأحمد في المسند(6/246)، من حديث أسماء رضي الله عنها.
7- انظر في: شرحه لصحيح مسلم (14/372).
8- هو أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، لازم ابن الفخار البيري، وأخذ عن كبار أئمة زمانه كأبي عبد الله المقري، وأبي سعيد ابن لب، وابن مرزوق الجد، وكانت له مناظرات وأبحاث قيمة في مشكلات المسائل مع كبار أئمة عصره كالقباّب وابن عرفة. وللشاطبي تآليف نافعة منها : "الموافقات" في الأصول، و"الاعتصام" في إنكار البدع، توفي سنة (790ه - 1388م).
{انظر ترجمته في : نيل الابتهاج للتنبكتي : (46) . وفيات الونشريسي :(131) لقط الفرائد للمكناسي : (225) . الفكر السامي للحجوي : (2/4/248). فهرس الفهارس للكتاني : (1/191)}
9- الاعتصام للشاطبي : (2/10).
10- المصدر السابق: (2/9).
(171/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016538
...
الفتوى رقم: 337
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
حلق شعر المولود
السؤال: هل حلق شعر المولود شامل للذكر والأنثى، أم أنّه خاص بالذكر لا يتعدى إلى الأنثى؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالظاهر من الأحاديث التي تأمر بحلق شعر المولود أنّها تشمل الذكر والأنثى على حدٍّ سواء، من غير تفريق، لأنّ لفظ المولود يعمهما، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم » النّساء شقائق الرجال»(1) فما يثبت للرجال يثبت للنّساء، خاصة إذا كان لفظ الحديث عامّاً شاملاً لهما، ولا تخرج النّساء من اللفظ العام إلاّ بدليل، وهو مذهب بعض الحنابلة(2) ويؤكد هذا العموم ما أخرجه الإمام عبد الرزاق في مصنفه أنّ فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم »كانت لا يولد لها ولد إلاّ أمرت بحلق رأسه، وتصدقت بوزن شعره ورِقاً»(3) وأولادها كما هو معلوم الحسن والحسين وأمّ كلثوم وزينب. ويجدر التنبيه هاهنا إلى أنّ الحلق ينبغي أن يعم الرأس كله، فلا يجوز حلق بعض الرأس وترك البعض الآخر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: » نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع»(4) والقزع مأخوذ من تقزع السحاب أي تقطعه وهو على أنواع منها:
1- حلق مقدمة الرأس وترك مؤخرته.
2- حلق الجوانب وترك الوسط، وهذا فعل الأوباش والسفلة.
3- حلق وسط الرأس وترك الجوانب كما يفعله خدام الكنيسة من النصارى.
4- حلق مواضع من الرأس.
كلّ ذلك يدخل في عموم القزع، ولذلك إذا حلقه يحلقه بكامله ولا يترك موضعا ويحلق موضعاً آخر(5).
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
---
1- أخرجه أبو داود في سننه : 1/161 (236)، الترمذي : 1/189 (113) وأحمد : 6/256 وغيره وصححه الألباني في الصحيحة: 6/2/860 (2863).
2- الإنصاف للمرداوي : 4/102.
3- مصنف عبد الرزاق(4/257) و" الورق " الفضة ( النهاية لابن الأثير : 5/175 ).
4- متفق عليه أخرجه البخاري (5920,5921) ومسلم(2120) وأبو داود: (4193) والنسائي :(8/130) من حديث ابن عمر رضي الله عنه
5- انظر تحفة المولود لابن القيم :(54)، (55).
(172/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016539
...
الفتوى رقم: 544
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
في حكم تخصيص الأكل من الكبد في الأضحية
السؤال: كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يُفْطِرُ حتى يأكلَ من أضحيتِه، فهل الأكلُ عامٌّ من أيِّ جزءٍ من الأُضحية أو -كما يقول العامَّة- مِن الكَبِدِ، وما حكمُ تخصيصِ الأكلِ مِنَ الكبد؟ وبارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالثابتُ من حديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ»(1- أخرجه الترمذي في «أبواب العيدين» (542)، وابن حبان (2812)، وابن خزيمة (1426)، من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه. قال ابن الملقن في «البدر المنير» (5/70): «حسن صحيح»، وصحّحه الألباني في «مشكاة المصابيح» (1440))، وفي رواية: «وَكَانَ لاَ يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ»(2- أخرجه ابن ماجه في «الصيام» (1756)، من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه. وصحّحه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1756)).
والحكمةُ من فِعْلِهِ صلَّى الله عليه وآله وسلم موافَقَتُهُ للفقراء -كما ذهب إليه أهلُ العلم-؛ لأنّ الظاهرَ أَنْ لا شيءَ لهم إلاّ ما أطعَمَهُمُ النَّاسُ من لحومِ الأضاحِي، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاة، بخلاف صدقةِ الفِطْرِ، فإنها متقدّمةٌ عن الصلاةِ، وقد ذُكِرَتْ حِكمةٌ أخرى وهي: لِيَكُونَ أَوَّلَ ما يَطْعَمُ من أضحيته امتثالاً لقوله تعالى: ?فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ? [الحج: 28]، سواءً قيل بوجوبه أو بِسُنِّيَّنِهِ.
هذا، وقد وردت سُنَّتُهُ في مُطلقِ الأكلِ من غير تحديدِ عُضْوٍ أو تخصيصِ مَوْضِعٍ، وإنما جاء اختيار الكَبِدِ في لسانِ بعضِهم لا -من جهة التعبُّدِ لافتقاره إلى دليل يعضده- وإنما الجاري عادةً كونُ الكبدِ أخفَّ الأعضاء انتزاعًا وأسرَع نُضْجًا وأسهلَ هضمًا.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 26 من ذي القعدة 1427ه
الموافق ل: 17 ديسمبر 2006م
---
1- أخرجه الترمذي في «أبواب العيدين» (542)، وابن حبان (2812)، وابن خزيمة (1426)، من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه. قال ابن الملقن في «البدر المنير» (5/70): «حسن صحيح»، وصحّحه الألباني في «مشكاة المصابيح» (1440).
2- أخرجه ابن ماجه في «الصيام» (1756)، من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه. وصحّحه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1756).
(173/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016540
...
الفتوى رقم: 575
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
حكم الموعظة في العقيقة
السؤال: هل يُشرعُ في العقيقة إلقاءُ كلمةٍ من أحد المشايخ، أو الدعاة الحاضرين؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا أعلم في السنّة أو الآثار مشروعيةَ إلقاءِ كلمة بمناسبة النسيكة والدعوة إليها، ولكنّه إذا صادف الداعية جوًّا أو حالة يحتاج إلى إنكار بدعةٍ أو بيان حُكم أو تعليم سنّة مِن غيرِ تحضيرٍ لها ولا إعدادٍ لمناسبتها، وإنّما يكون ذلك موافقةً فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 20 محرم 1428ه
الموافق ل: 8 فبراير 2007م
(174/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016541
...
الفتوى رقم: 576
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
في تختين المولود في غير اليوم السابع
السؤال: هل يجوز أن يُخَتَّن المولودُ في غير اليوم السابع؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فيجوز أن يُخَتَّنَ المولود في غير اليوم السابع شريطةَ أن لا يتجاوز الحدّ الأعلى وهو البلوغ، وإنّما ختانه يومَ سابِعِه مستحبّ وهو الحدّ الأدنى، ويُعذر في تركه ذلك اليوم لعلّة الضعف، فإذا وجده لا يحتمل الختان فله أن يؤجِّلَه إلى يوم القدرة، فإذا استمرّ به الضعف وخشي عليه التلف فيسقط وجوبُ الختان بالعَجْزِ كسائر الواجبات؛ لأنّ الواجبات لا تجب مع العجز أو خوف التَّلَفِ أو الضرر، ويستحبّ عند المالكيةِ تأخيرُه حتى يُؤْمَرَ الصبي بالصلاة وذلك من سبعٍ إلى عَشْرِ سنين(1- «شرح الزرقاني على خليل»: (3/47)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 20 محرم 1428ه
الموافق ل: 8 فبراير 2007م
---
1- «شرح الزرقاني على خليل»: (3/47)
(175/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016542
...
الفتوى رقم: 577
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
في حكم ختان النساء
السؤال: هل يُشرع الخِتان للنّساء؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فيستحبُّ الختان في حقِّ النّساء ولا يجب، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لبعض الخاتنات في المدينة: «إِذَا خَتَنْتِ فَلاَ تنْهكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ»(1- أخرجه أبو داود (5266)، والبيهقي (17966)، من حديث أم عطية رضي الله عنها)، وفي رواية: «اخْفضِي وَلاَ تَنْهِكِي فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى لِلزَّوْجِ»(2- أخرجه أبو داود (5671) من حديث أم عطية رضي الله عنها وصحّحه الألباني في «الصحيحة» (722)، وللشيخ الألباني كلام نفيس في هذا الباب فراجع «الصحيحة» (2/353))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»(3- أخرجه الترمذي (108 ـ 109) وابن ماجه (608) وأحمد (6/161) وعبد الرزاق (1/245 ـ 246) وابن حبان (1173)من حديث عائشة رضي الله عنها. انظر: «الصحيحة» للألباني (1261) و«الإرواء» (80))، ففيه دليل على أنّ النساء يُخَتَنَّ، وإنّما يكون ذلك في حال صغرها ويكون بالصفة الشرعية وهو ما يُسَمَّى ب «الخفاض»، ومسألة الختان في حقِّ البنت خلافية بين أهل العلم ولو صحّ حديث: «الخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرَمَةٌ لِلنِّسَاءِ»(4- أخرجه أحمد في «المسند» (5/75) من حديث أسامة الهذلي رضي الله عنها، وضعّفه الألباني في «ضعيف الجامع الصغير» (2937) وفي «الضعيفة» (4/1035) (2938)، وانظر ما قاله الحافظ في «الفتح»: (10/341)) لكان ذلك قاطعًا في الموضوع، لكن الحديث ضعّفه الألباني في «ضعيف الجامع»، وقد رُجِّحَ القولُ بالاستحباب في حقِّ الأنثى، والوجوب في حقّ الذكر لوجود الفارق بينهما؛ لأنّ فائدة الخِفَاضِ بالنسبة للأنثى هي التقليل من شهوتها وهو طلب كَمَالٍ، ويدخل في رفع الأذى والضرر، بينما يتعلّق الخِتان في حقّ الذكر بالأذى والنجاسة لتعلُّق البول بالقُلْفَة، الأمر الذي يؤدّي إلى الالتهاب أو إلى الاحتراق أو نجاسة الثوب عند الحركة، فإنَّ قَطْعَ القُلفةِ رفعُ مفسدةٍ شرعيةٍ متعلِّقةٍ بالطهارة وشروط الصلاة، فافترق الحكم بين ما كان واجبًا في حقّ الذكر وما كان مستحبًّا في حقّ الأنثى.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 20 محرم 1428ه
الموافق ل: 8 فبراير 2007م
---
1- أخرجه أبو داود (5266)، والبيهقي (17966)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
2- أخرجه أبو داود (5671) من حديث أم عطية رضي الله عنها وصحّحه الألباني في «الصحيحة» (722)، وللشيخ الألباني كلام نفيس في هذا الباب فراجع «الصحيحة» (2/353).
?- أخرجه الترمذي (108 ـ 109) وابن ماجه (608) وأحمد (6/161) وعبد الرزاق (1/245 ـ 246) وابن حبان (1173)من حديث عائشة رضي الله عنها. انظر: «الصحيحة» للألباني (1261) و«الإرواء» (80).
4- أخرجه أحمد في «المسند» (5/75) من حديث أسامة الهذلي رضي الله عنها، وضعّفه الألباني في «ضعيف الجامع الصغير» (2937) وفي «الضعيفة» (4/1035) (2938)، وانظر ما قاله الحافظ في «الفتح»: (10/341).
(176/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016543
...
الفتوى رقم: 578
الصنف: فتاوى الهدي والأضاحي
في حكم الاشتراك في الأضحية
السؤال: ما حُكمُ الشرعِ في الاشتراك في الأضحية سواءً من حيث الثمنُ أو من حيث الثوابُ، وذلك في البَدَنَة والبقرة والشياه، خاصّة وأنّ حديث جابر رضي الله عنه يتكلَّمُ عن البدنة والبقرة فقط؟
- هل تَمَّ الاشتراك في الأُضحية في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في الشاة خاصة؟
- هل أجمع العلماء خاصّة الأئمّة الأربعة على عدم الاشتراك في الشاة مثل ما جاء في بداية المجتهد(1- (1/420))؟
- هل تكلَّم العلماءُ في الاشتراك في الشاة ممَّن كانت تجمعهم نفقةٌ واحدة أي أنّ ربّ البيت يأخذ كلّ شهر نصيبًا من ابنه للنفقة على البيت وحين يحلُّ العيد يفعل كذلك في شراء الشاة؟
- هل يصحُّ الاستدلال بحديث مِخْنَف بن سُلَيم رضي الله عنه: «كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍّ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»(2- أخرجه أبو داود في «الأضاحي» باب باب ما جاء في إيجاب الأضاحي (2788)، والترمذي في «الأضاحي» (1518)، والنسائي في «الفَرَع والعتيرة» باب الفرع والعتيرة (4222)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب الأضاحي واجبة هي أم لا؟ (3125)، من حديث مخنف بن سليم رضي الله عنه. وحسَّنه الألباني في «المشكاة» (التحقيق الثاني) (1478))، وسنده حَسَنٌ عند بعض العلماء إلاَّ أننا سمعنا أنه ضعيف على هذا المنوال، وإنما الصحيح قوله ابتداءً من: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ…».
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلاَّ أبا داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كُنّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَذَبَحْنَا البَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالبَعِيرَ عَنْ عَشَرَةٍ»(3- أخرجه الترمذي في «الحجِّ» باب في الاشتراك في البدنة والبقرة (905)، والنسائي في «الضحايا» باب ما تجزئ عنه البدنة في الضحايا (4392)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (3131)، وأحمد (2480)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه ابن القطان في «الوهم والإيهام» (5/410)، وقال ابن الملقن في «البدر المنير»: «جميع رجاله ثقات» (9/304)، وصحّحه الألباني في «المشكاة» (1469))، والحديث يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص سبعة أنفار للبقرة، وعَشْرُ أنفس للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه: «أنّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ»(4- أخرجه البخاري في «الشركة» باب من عدل عشرا من الغنم بجزور في القسم (2324)، ومسلم في «الأضاحي» (5093)، من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه)، أمَّا الشاة ففي الاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الشاة لا تجزئ إلاَّ عن نفس واحدة، وهو قول عبد الله بن المبارك وغيرِه من أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِن ابنِ رُشْدٍ والنووي الإجماع على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقَضٌ بما حكاه الترمذي في سُنَنِه أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق واحتجَّا بحديث جابر رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ: هَذَا عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»(5- أخرجه أبو داود في «الضحايا» (2810)، والترمذي في «الأضاحي» (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسّنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394)).
وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهل بيته لما رواه ابن ماجه والترمذي وصحّحه من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»(6- أخرجه الترمذي في «الأضاحي» باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت (1505)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب من ضحى بشاة عن أهله (3147)، ومالك في «الموطإ» (1040)، والبيهقي (19526)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وصحّحه الألباني في «الإرواء» (1142))، غير أنّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تجزئهم بالتَّبَعِ، ودليله حديث رافع بن خديج وحديث ابن عباس رضي الله عنهم ففيهما دلالة واضحة أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقة إذ ليس مقرونًا بلفظ أهل البيت المذكور في حديث أبي أيوب السابق، فإنّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكرنا أنّ الزوجة مثلاً لو تَمَتَّعت بالحجِّ أو قرنت لَمَا يكفي هدي زوجها في الإجزاء عنها، فَدَلَّ على أنّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثواب الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى.
أمّا حديث مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ فقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر، قال الخطابي: هو مجهول والحديث ضعيفُ المَخرج(7- انظر: «معالم السنن» للخطابي: (3/226))، وقال أبو بكر بن العربي المالكي: «حديث مخنف بن سليم ضعيف فلا يحتجّ به»(8- عارضة الأحوذي لابن العربي: (6/304))، كما ضعّفه عبد الحقّ وابن القطان لعلّة الجهل بحال أبي رملة، ورواه عنه ابنه حبيب بن مِخنف وهو مجهول أيضًا(9- انظر: «نصب الراية» للزيلعي: (4/211))، وقد رواه من هذا الطريق عبد الرزاق في «مصنّفه»، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في «معجمه» بسنده، والبيهقي في «المعرفة» لذلك حسّنه الألباني في «صحيح أبي داود»(10- «صحيح أبي داود»: (2/183) رقم (2788)) وفي «صحيح سنن الترمذي»(11- «صحيح سنن الترمذي»: (2/165) (1518)) وفي«صحيح ابن ماجه»(12- «صحيح ابن ماجه»: (3/82) (2550)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 7 ذو الحجة 1417ه
الموافق ل: 15 أفريل 1997م
---
1- (1/420).
2- أخرجه أبو داود في «الأضاحي» باب باب ما جاء في إيجاب الأضاحي (2788)، والترمذي في «الأضاحي» (1518)، والنسائي في «الفَرَع والعتيرة» باب الفرع والعتيرة (4222)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب الأضاحي واجبة هي أم لا؟ (3125)، من حديث مخنف بن سليم رضي الله عنه. وحسَّنه الألباني في «المشكاة» (التحقيق الثاني) (1478).
?- أخرجه الترمذي في «الحجِّ» باب في الاشتراك في البدنة والبقرة (905)، والنسائي في «الضحايا» باب ما تجزئ عنه البدنة في الضحايا (4392)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (3131)، وأحمد (2480)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه ابن القطان في «الوهم والإيهام» (5/410)، وقال ابن الملقن في «البدر المنير»: «جميع رجاله ثقات» (9/304)، وصحّحه الألباني في «المشكاة» (1469).
4- أخرجه البخاري في «الشركة» باب من عدل عشرا من الغنم بجزور في القسم (2324)، ومسلم في «الأضاحي» (5093)، من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.
5- أخرجه أبو داود في «الضحايا» (2810)، والترمذي في «الأضاحي» (1521)، والحاكم (7553)، وأحمد (14477)، والبيهقي (19720)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسّنه ابن حجر في «المطالب العالية» (3/32)، وصحّحه الألباني في «الإرواء» (4/394).
6- أخرجه الترمذي في «الأضاحي» باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت (1505)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب من ضحى بشاة عن أهله (3147)، ومالك في «الموطإ» (1040)، والبيهقي (19526)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وصحّحه الألباني في «الإرواء» (1142).
?- انظر: «معالم السنن» للخطابي: (3/226).
?- عارضة الأحوذي لابن العربي: (6/304).
9- انظر: «نصب الراية» للزيلعي: (4/211).
10- «صحيح أبي داود»: (2/183) رقم (2788).
11- «صحيح سنن الترمذي»: (2/165) (1518).
12- «صحيح ابن ماجه»: (3/82) (2550).
(177/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016546
...
الفتوى رقم: 338
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
اعتراض على تعريف القاعدة الفقهية والجواب عليه
السؤال: لدي -شيخنا- طرحان انقدحا في ذهني نرجوا من سماحتكم الإجابة عنهما، وهما متعلقان بتعريف القاعدة الفقهية.
1. في استغنائكم عن لفظ "كلّي" بحجة أنّ قيد "يجمع في ذاته" تغني عنه، ولكن ألا ترون أنّ إبقائه أولى من نزعه وذلك ليفهم قارؤه أنّ صاحب هذا الحدّ يرى أنّ الراجح وصف القاعدة الفقهية ب "كلّية" لا "أغلبية" ويكون هذا اللفظ مؤكدا لكونها جامعة، وفاصلا في المسألة المختلف فيها.
2. أليس الأولى تقديم لفظ "من أبواب شتى" على لفظ "بلا واسطة" وذلك لأنّ الأول تابع لما قبله وهو "أحكام جزئية" فتوصف بأنّها من أبواب شتى ثمّ طريقة جمعها لهذه الجزئيات وهي "بلا واسطة".
نرجوا الإجابة عن هذين الطرحين وجزاكم الله عنّا خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمن المعلوم أنّ التعريف: هو تحديد الشيء بذكر خواصه المتميزة بحيث يكون جامعا لكلّ خصائصه ومميزاته مانعا من إقحام غيره فيه.
والأصل في التعريفات أن تقتصر على الألفاظ الدالة المحددة للمعرّف به، فإن اكتفى بفائدة التأسيس فيهنّ فإنّ التأكيد يرد على شرح التعريف، لكن إذا كان التعريف لا يظهر معناه إلاّ بمؤكد لفظي فإدخاله لا يثقل التعريف، بل يساعده في الفهم.
وعليه فإن رأى السائل الاحتفاظ بتعريف القاعدة بوصف "الكلية" كلفظ مؤكد للتعريف وحاجة التعريف له في زيادة الفهم والبيان وتقرير المسألة المختلف فيها بين "الكلية" و"أغلبية" فله أن يستبقيها، ومن رأى غير ذلك فله أن يتناول تفصيلها بالبيان حال شرح التعريف، والعلم عند الله تعالى.
- جملة "بلا واسطة" اعتراضية تعترض بين شيئين يحتاج كلّ منهما الآخر، فقد اعترضت بين قولنا "أحكام جزئية" وبين "من أبواب شتى"، مفاد هذا الاعتراض -كما يقول النحاة- توكيد الجملة وتقويتها، أي أنّ القاعدة الفقهية تستغني عن الواسطة في جمعها الأحكام الجزئية، وتفيد ذلك مباشرة بالنظر لتعلقها بفعل المكلف فهو قيد يحترز به من القاعدة الأصولية.
بينما إيراد عبارة "من أبواب شتى" تقصداً للاحتراز من الضوابط الفقهية ولا يخفى أنّ الاحتراز من الأول أولى من الثاني.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 26 رمضان 1422ه
الموافق ل : 12 ديسمبر 2001 م
(178/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016547
...
الفتوى رقم: 339
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
العلاقة بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية
السؤال: شيخنا الفاضل -حفظكم الله-، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نرجو منكم توضيح ما يلي:
إذا كانت القاعدة الفقهية ذات عموم مطلق لا نسبي فهل تدرج ضمن القواعد الأصولية؟
وهل توجد قواعد فقهية هي في نفس الوقت قواعد أصولية؟
وبارك الله فيكم وأحسن إليكم.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فبخصوص السؤال الأول ذكرنا أنّ القاعدة الفقهية قاعدة كلّية، وبينا أنّه لا يعني بلفظ "كلي" أنّه يصدق على جميع الأفراد بحيث لا يخرج منها فرد، كما هو أمر القاعدة الأصولية أو النحوية في الجملة، وإنّما المراد من ذلك أنّها كلّية نسبية لا شمولية بالنظر إلى وجود مستثنيات وشذوذ، لكن هذا لا يغير صفة العموم للقاعدة الفقهية، لأنّ العموم الشرعي عموم عادي طريقه الاستقراء، والعموم العادي لا ينقضه تخلف المفردات عنه، وإنّما العموم العقلي هو الذي يوجب عدم تخلف المفردات لأنّه عموم تام طريقه البحث والنظر.
- نعم توجد قواعد فقهية أصولية مشتركة مثل:
قاعدة: " إذا دار الأمر بين التأسيس والتأكيد تعين الحمل على التأسيس".
قاعدة: " الأصل في الأشياء الإباحة".
قاعدة: " الاستثناء من النفي إثبات ومن التحريم إباحة".
قاعدة: " الاستنباط من النص بما ينعكس عليه بالتغيير مردود" وهو معنى قولهم " إذا استنبط معنى من أصل فأبطله فهو باطل".
وقاعدة: " الأصل إقامة الشرط مقام السبب عند تعذر تعليق الحكم بالسبب".
وقاعدة: " السكوت في معرض الحاجة إلى بيان بيان" وهو معنى قولهم "الإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحاً".
وقاعدة: " الأصل أنّ زيادة اللفظ لزيادة المعنى".
وقاعدة: " اختصاص السبب بمحل لا يكون إلاّ لاختصاصه بحكم يختص بذلك المحل".
وقاعدة: " الاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء بالشرط".
وقاعدة: " الأسباب الشرعية لا تنعقد خالية عن الحكم وإن تأخر الحكم" وقاعدة: " الأصلان إذا تعارضا في لوازمهما فقد يُعطى كل أصل حكمه وإن تناقضا".
هذه -إذن- بعض القواعد المشتركة بين الفقه والأصول.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 26 رمضان 1422ه
الموافق ل : 12 ديسمبر 2001م
(179/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016548
...
الفتوى رقم: 340
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
مصطلح القوانين الفقهية وعلاقتها بالقواعد الفقهية
السؤال: شيخنا حفظكم الله العلي القدير وزادكم علما وبارك فيه، نرجو توضيح ما يلي:
في أي نوع من الاصطلاحات التي أخذناها يمكن إدراج مصطلح (القوانين الفقهية) ككتاب ابن جزي.
-أحسن الله إليكم-
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فكتاب "القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية" لأبي القاسم ابن جزي المتوفى سنة (741ه) فإن عنوان الكتاب وتسميته بالقوانين يوحي بوجود علاقة وطيدة بعلم قواعد الفقه، ولكنّه -عند التحقيق- لا صلة له البتة في مضمونه بالقواعد الفقهية، إذ لا يخرج عن كونه كتابا فقهيا يتضمن تلخيصا لمذهب مالك -رحمه الله- والإشارة إلى مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله، كما يذكر المسائل والأقوال غير مقرونة بأدلتها مبتدئا بمذهب مالك، ثمّ يتبعه بالمذاهب الأخرى، وافتتح كتابه بعشرة أبواب في التوحيد، وأعقبه بنفس التقسيم العددي للأبواب في المسائل الفقهية، وذيله بكتاب جامع في السيرة وتاريخ الخلفاء والأخلاق.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 26 رمضان 1422 ه
الموافق ل : 12ديسمبر 2001م
(180/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016549
...
الفتوى رقم: 341
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
النظريات الفقهية وعلاقتها بالأبواب الفقهية
السؤال: هل يمكن اعتبار النظريات الفقهية أبوابا فقهية؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا يمكن اعتبار النظريات الفقهية أبوابا فقهية، لأنّ النظرية هي موضوع فقهي شامل لمسائل فقهية مؤلفة من جملة عناصر تحكمها وحدة موضوعية ذات حقيقة متمثلة في أركان وشروط وأحكام، كنظرية الضمان والملكية والإثبات وغيرها، أمّا الأبواب في الكتاب هي عبارة عن القسم الذي يجمع مسائل من جنس واحد "ككتاب الطهارة" مثلا فيجمع جملة من الأبواب مثل "باب المياه، باب إزالة النجاسة، باب الوضوء، باب النية، باب الاستنجاء، باب الاستبراء، باب نواقض الوضوء، باب الغسل، باب الحيض والنفاس، باب التيمم، باب مسح الخفين" فهذه الأبواب هي مسائل وأحكام من جنس واحد وليس بينها وحدة موضوعية ذات أركان وشروط وأحكام، كما تغيب عن مسائلها الفقهية العناصر التي تؤلف بينها وتحكم عناصر ذلك النظام الموضوعي في كلّ ما يتصل بموضوعه فافترقت النظريات عن الأبواب.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 26 رمضان 1422ه
الموافق ل : 12 ديسمبر 2001 م
(181/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016550
...
الفتوى رقم: 342
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
هل العموم من عوارض المعاني؟
السؤال: اتفق العلماء على أنّ العموم من عوارض الألفاظ، واختلفوا في كونه من عوارض المعاني على أقوال، يذكر الإمام الطوفي أنّ الكلام على هذه المسألة طويل وليس تحتها كبير فائدة، غاية الأمر من رياضات هذا العلم لا من ضرورياته، حتى لو تُرِك لم يُخلَّ بفائدة ولهذا لم يذكره كثير من الأصوليون(?) نرجوا منكم بسط المسألة مع ذكر القول الصحيح في المسألة، وبارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم بأنّ العموم عرض لازم لما لحقه من صيغ العموم، فالعموم من عوارض الألفاظ حقيقة ويترتب على هذا القول جواز تخصيص عمومات الألفاظ الدالة على الاستغراق والشمول لجميع أفرادها باتفاق، لكن الخلاف واقع في المعاني هل لها عموم أم لا؟ ويترتب على هذا الخلاف جواز تخصيص المعاني باعتبار قابليتها للعموم أم مجردة عنه.
وما عليه جمهور أهل العلم أن العموم ليس من عوارض المعاني حقيقة، وإنما هو من عوارضها مجازا، ويقابله مذهب الجصاص وابن الحاجب وغيرهم إلى أن المعاني لها عموم حقيقة كالعموم اللاحق بالألفاظ، وفي هذه المسألة قول آخر ينفي العموم عن المعاني مطلقا.
وسبب الخلاف يرجع إلى شرط العموم هل هو الاستغراق والاستيعاب أم الاجتماع والكثرة دون الاستيعاب؟ فمن راعى الاستغراق في شرط العموم واستيعابه لجميع أفراده وتسمياته رأى أن المعاني لا عموم لها، وإنما العموم من عوارض العموم حقيقة، ومن راعى الاجتماع والكثرة رأى أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني، ولمّا ترجح العموم بأنّه: "ما يستغرق جميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة واحدة -أي من جهة واحدة- بلا حصر" كان شرط العموم الاستيعاب لهذه الأفراد التي يتناولها اللفظ على وجه الاتحاد والمساواة في الحكم كقوله تعالى: ?وأقيموا الصلاة? [البقرة:43]، فالخطاب موجه إلى كلّ المكلفين بوجوب أداء الصلاة حكما متساويا على جميع الأفراد ليس بينهم تفاوت في أداء هذا الواجب، وكذلك لو قال "أكرم الفقراء" عمَّ الحكم جميع الفقراء متناولا لهم من جهة واحدة بنِسَبٍ متساوية من غير وكس ولا شَطَط، وهذا الأمر يختلف ما إذا نظر إليه من جهة المعنى كأن يقال: "عمَّهم الخَصْب والجَذْب" و"عمَّهم المطر" و"هذا عطاء عام" ومنه "عامة الناس" فإنّ هذه المعاني وإن شاعت في لسان أهل اللغة فلا تحمل على الحقيقة حال الاستعمال لأنّه يلزم من ذلك أن يكون العموم مشتركا لفظيا بين الألفاظ والمعاني وهو خلاف الأصل، إذ الأصل الانفراد في الوضع لا الاشتراك وتكون دلالته على المعنى الآخر بالمجاز، ومن ثمَّ كانت لهذه المعاني عموم مجازا لا حقيقة، ذلك لأن من شرط العام ولازمه اتحاد لفظه من جهة واحدة لسائر متناولاته بنسب متساوية، الأمر الذي يغيب في العموم المعنوي أو المجازي لأن ذكر عموم الخصب والجذب والمطر والعطاء ينتفي منها شرط العموم المتقدم وهو تساوي نسب جميع الأفراد، بل تتفاوت النسب للعموم المعنوي ولذلك كان إطلاق العموم عليه متساهل فيه، إذ لا يخفى أن كميات سقوط المطر تتفاوت أماكنه كثرة وقلة، وكذلك الجذب والخصب والعطاء ونحو ذلك، ومن هنا يرد الاختلاف في الحكم لأنّ محالَّه غير متحدة، ذلك لأنّ المعنى وإن كان واحدا فمحالُّه كثيرة، أو يكون في كل محل معنى على حده، وكل واحد غير الآخر ولكن من جنسه، وبانتفاء اتحاد المحل في ذلك المعنى لكثرة محالِّه كان العموم من عوارض المعنى مجازا لا حقيقة، ومن جهة أخرى فإن الاستغراق في العام شامل لجميع أفراده دفعة واحدة أي في آن واحد، وهو قيد ليخرج بذلك المطلق إذ أنّ استغراقه بدلي لا دفعة واحدة، وهذه الوحدة لا تكون مشخصة إلا في الألفاظ، إذ المعاني لا تقبل التشخيص وما كان كذلك فلا يوصف بالعموم إلا على وجه المجاز.
هذا، وإذا تقرر أنّ العموم من عوارض المعاني مجازا لا حقيقة كما هو عليه مذهب الجمهور، فاعلم أن أكثر من قال بتخصيص العلة قال بأن المعاني لها عموم، انطلاقا من مفهوم قولهم:(علة عامة) إذا ثبت حكمها في المنصوص عليه وفي غيره، ولهذا جوزوا تخصيص العلة على نحو ما يجوز تخصيص النصوص العامة بالإجماع ويكون الباقي حجة بعد التخصيص.
والذي ينبني على جواز تخصيص العلة أيضا تخصيص مفهوم المخالفة (دليل الخطاب) (وهو إثبات نقيض المنطوق به للمسكوت عنه) هل يبقى حجة فيما بقي من تخصيص؟ ووجه التخريج فيه شقان: أحدهما: مستقل وهو النظر إلى المفهوم هل له عموم أم لا؟ والثاني: بناؤه على مسألة جواز تخصيص العلة باعتبارها من المعاني التي بدورها يترتب عليها الخلاف السابق هل لها عموم أم لا؟ فهو بناء خلاف على مثله، فإن صح هذا البناء على ما صحّ على غيره كان الباقي بعد التخصيص حجة وإلا فلا.
أمّا الوجه المستقل فالنظر فيه إلى قابلية المفهوم للتخصيص، ولا يخفى أن التخصيص فرع التعميم، فهل عمومه من حيث اللفظ أم من حيث المعنى؟ ووجه التخريج فيه إن كان عموم المفهوم من حيث اللفظ كان الباقي بعد التخصيص حجة، وإن كان من حيث المعنى لم يصلح الاستدلال به إلا إذا لم يخصص، فإن خصص فلا يبقى حجة إلا على رأي من قال بتخصيص العلة، وهذه الأخيرة مبنية على ما فصلناه سابقا في العموم هل هو من عوارض المعاني حقيقة أم لا؟
هذا، ومن ثمرة الخلاف في هذه المسألة أن يكون البناء مركبا على أكثر من خلاف كاختلافهم في "إنما" هل إفادتها الحصر عن طريق المنطوق أم المفهوم، ومنشأ الخلاف هل "إنما" مركبة من "إن" المثبتة و "ما" النافية أو هي معنى "ما"و "إلا"؟ فعلى القول الأخير تكون دلالتها بالمفهوم، وهل هذا المفهوم له عموم يقبل التخصيص أم لا؟ وتعود المسألة السابقة على نحو ما بيناه.
وفي الأخير، فلا يبعد أن تكون مسائل أخرى تبنى على هذه المسألة مباشرة، أو فروع على فروع أصولية مخرَّجة عليها، والعبرة في علم الأصول ربط الفروع بالمصادر تخريجا وبناء وفق النظرة المقاصدية، وكلما وسعت دائرة التخريج والبناء على مسألة كان نفعها أكثر وفائدتها أغزر وما اتصف بذلك كا أحق أن يكون من ضروريات هذا العلم ولوازمه.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في 18 شوال 1420 ه
الموافق ل :25 جانفي 2000م.
---
1- شرح مختصر الروضة للطوفي: 2/455.
(182/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016551
...
الفتوى رقم: 343
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
ضيق وقت فعل الواجبين
السؤال: ماذا يفعل من ضاق عليه فعل واجبين؟ [علما أنّ الإمام ابن القيم ذكر هذه المسألة ومثّل لها بالوقوف بعرفة وصلاة العصر فإن صلى العصر فاته الوقوف ومن ثمّ الحج وإن وقف فاته العصر فقال الإمام: يفعلهما معا بأن يصلي وهو سائر إلى عرفة] فهل قوله -رحمه الله- صحيح يستند إلى دليل شرعي أم لا؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فبخصوص تمثيل ابن القيم في مسألة من ضاق عليه فعل واجبين فواضحة المسلك لالتزامه طريقة الجمع بين واجبين وقعا في آن واحد وخشي فوات أحدهما بفوات تلك الطاعة، ولا يخفى أن الجمع مهما أمكن فعله أولى من الترجيح، أمّا إذا تعذر الجمع يصار إلى ترجيح الأقل مفسدة عملا بقاعدة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح، إذ فوات الوقوف بعرفة فساد للحج باعتبار ركنيته فيه مع الأمر بإتمامه، ووجوب حج قابل، ولا شك أنّها تولد آثارا تخفي من ورائها مشاقا مالية وبدنية، بينما الآثار المتولدة عن فوات العصر دون الحج ويقضيه لعذره، وشأنه في ذلك كفعل الصحابة الذين أخروا صلاة العصر حتى كانوا في بني قريظة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا لا يصلين أحد العصر إلاّ في بني قريظة"(1).
وحقيق بالتنبيه أنّ قوله (يصلي وهو سائر إلى عرفة) لا يراد منه الصلاة ماشيا أو راكبا، لأنّ العرف الشرعي يقضي بأنّ الفريضة تصلى على الأرض أو بما يتصل بها إلاّ لضرورة، وعليه فتفسر هذه العبارة بأنّ من استجمع الشروط والأركان في صلاته حال إيقاعها مع نية الوصول إلى عرفة.
والله أعلم، وفوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
---
1- أخرجه البخاري في صلاة الخوف(946)، و في المغازي (4119) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(183/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016552
...
الفتوى رقم: 344
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
حكم تقسيم الدين إلى أصول وفروع، تبريره والآثار المترتبة عليه
السؤال: الأصوليون كالمجمعين على تقسيم الدين إلى مسائل أصول ومسائل فروع وضابط التفريق بينهما من جهة كون مسائل الأصول يطلب فيها العلم والاعتقاد وعليها دليل قاطع وهي معلومة بالعقل، بينما مسائل الفروع يطلب فيها العمل ومسائلها ظنية وهي معلومة بالشرع لا بالعقل، نرجو من الشيخ أبي عبد المعز أن يفصل لنا ما مدى صحة هذا التقسيم وقوة تبريره وهل له من أثر ناتج عنه؟، أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالذي ينبغي معرفته هو أن القاضي الباقلاني هو أوّل من صرح من المتكلمين بالتفريق بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، وإن كان هذا التفريق أحدثه الجهميّة وأهل الاعتزال، وسرى بعده إلى كافة المتكلمين من أهل الأصول، لذلك ما صدرتم به سؤالكم بأنّ الأصوليين كالمجمعين على هذا التقسيم فثابت عند معظم المصنفين من أهل الأصول إن لم يكن جميعهم، والذي ثبت في نظرهم لو كان مجرد اصطلاح وتقسيم جديد يدلّ على معان صحيحة كالاصطلاح على ألفاظ وتقسيمات العلوم الصحيحة لما ذُمَّ هذا النظر، بل يستحسن القول به لاشتماله على الصحة ودلالته على الحق، لكن هذا المتقرر عندهم مشتمل على حق وباطل بل هذه المقدمة التقسيمية رتبت عليها آثار كاذبة للحق مخالفة للشرع الصريح والعقل الصحيح، ذلك لأنّ حقيقة هذا التقسيم -فضلا على كونها منتفية شرعا- فإنّه يلزم القول بصحتها نتائج خطيرة بعيدة على المنهج القويم بل في شقٍّ عنه.
أمّا من حيث انتفاء ثبوت هذا التقسيم والتفريق بين مسائل الأصول ومسائل الفروع فلكونه حادثا لم يكن معروفا عند الرعيل الأول من الصحابة والتابعين حيث إنّه لم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول الدين وفروعه فكان إجماعا منهم على عدم تسويغ التفريق بينهما، وإنّما كان أول ظهوره محدثا عند أهل الاعتزال وأدرجه الباقلاني في تقريبه ثمّ أخذ مجراه إلى من تكلم في أصول الفقه مع الغفلة عن حقيقته وما يترتب عليه من باطل. ومنه يظهر أنّ أول خطإ فيه مناقضته للإجماع القديم.
أمّا من حيث ترتب الآثار الفاسدة على هذا القول فعديدة يظهر منها عدم التسوية في رفع إثم الخطأ من المجتهد بين مسائل الأصول والفروع، ذلك لأنّ معظم الأصوليين من المتكلمين والفقهاء يؤثمون المجتهد المخطئ في الأصول لأنّها من المسائل القطعية العلمية المعلومة بالعقل على نحو ما تفضلتم به في سؤالكم، وبناء على هذا التفريق فلا يساور من ارتضاه أدنى شك في تأثيم المخطئ في الأصول وتفسيقه وتضليله مع اختلافهم في تكفيره، وقد ذكر الزركشي هذا المعنى ونسب للأشعري فيه قولين(?) بل ادّعي الإجماع على تكفيره إن كان على خلاف ملة الإسلام، فإن لم يكن فمُضَلَّل ومبتدع، كأصحاب الأهواء من أهل القبلة(?) ولا تخفى ما في هذه النتيجة من حكم خطير وباطل ظاهر، بل إنّ ما زعموه من إجماع على تكفير وتخطئة المخطئ في الأصول مدفوع بإجماع السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى والدين فكلهم يعذرون المجتهد المخطئ مطلقا في العقائد أو في غيرها، ولا يكفرونه ولا يفسقونه سواء كان خطؤه في مسألة علمية أصولية أو في مسألة علمية فرعية. ذلك لأنّ العذر بالخطإ حكم شرعي خاص بهذه الأمّة لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(?) لأنّ الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والمخطئ لا قصد له فلا إثم عليه إذ في اجتهاده صدق النية في إرادة الحق والوصول إلى الصواب، أمّا أهل الأغراض السيئة وأصحاب المقاصد الخبيثة فلكل منهم ما نوى، والحكم للظاهر، والله يتولى السرائر، وهذا الأمر إنّما يدور حديثه على المجتهد المؤمن بالله ولو جملة وثبت بيقين إيمانه فإن استفرغ طاقته الاجتهادية وبذل وسعه واتقى الله قدر الاستطاعة، ثمّ أخطأ لعدم بلوغ الحجة أو لقيام شبهة أو لتأويل سائغ فهو معذور لا يترتب عليه إثم ما لم يفرِّط في شيء من ذلك فلا يعذر، وعليه الإثم بقدر تفريطه ويستصحب إيمانه ولا يزال بالشك، وإنّما يزول بعد إقامة الحجة وإيضاح المحجة وإزالة الشبهة إذ لا يزول يقين إلاّ بمثله.
أمّا إن كان غير مؤمن أصلا فهو كافر واعتذاره غير مقبول بالاجتهاد لقيام أدلة الرسالة وظهور أعلام النبوة.
ويؤيد ما ذكرنا أنّه نقل في بعض المسائل العلمية العقدية اختلاف السلف فيها كرؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه وعروجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، وسماع الميت نداء الحي، وإنكار بعض السلف صفة العجب الواردة في قراءة ثابتة متواترة(4) مع كلّ ذلك لم ينقل من أحد منهم القول بتكفير أو تأثيم أو تفسيق من أخطأوا في اجتهادهم، لما تقدم ذكره ولم يرد نص يفرق بين خطأ وآخر في الحديث السابق أو في قوله تعالى: ?وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ? [الأحزاب:5] وقوله تعالى: ?رَبَنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا? [البقرة:286] ولا يسع الاستدلال بقوله تعالى: ?لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ? [الحاقة:37]، وقوله تعالى: ?وَإِن كنَََّا لَخَاطِئِينَ? [يوسف:91]، وقوله تعالى: ?وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخَاطِئِينَ? [يوسف:29] للتفريق بين خطأ وآخر، ذلك لأنّ المراد بالخطأ في هذا المقام هو ما يقابل الصواب أي ضده، وهو من الرباعي أخطأ يخطئ وفاعله يسمى: مخطئا أي لم يصب الحق، أمّا الخطأ في الآية فثلاثي من خطأ يخطأ فهو خاطئ فهو بمعنى أذنب. والمعلوم أيضا أنّه قد تأتي خطئ بمعنى أخطأ لكن يختلف مقصود كلا منهما من تعمد الفعل من عدمه حيث لا يقال أخطأ إلاّ لمن لم يتعمد الفعل والفاعل مخطئ، والاسم منه الخطأ، فيقال لمن تعمّد الفعل: خطئ فهو خاطئ والاسم منه الخطيئة(5).
هذا، ومن نتائج هذا التفريق أن العاجز عن معرفة الحق في مسائل الأصول غير معذور وأنّ الظنّ والتقليد في العقائد أو الأصول ممّا هو ثابت قطعا غير معتبر أي: إنّه لا يجوز التقليد في مسائل الأصول بل يجب تحصيلها بالاعتماد على النظر والفكر لا على مجرد المحاكات والتشبه بالآخرين، وقد ادّعي في ذلك إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف، بل ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني إلى القول أنّه:"من اعتقد ما يجب عليه من عقيدة دينه بغير دليل لا يستحق بذلك اسم الإيمان ولا دخول الجنّة والخلوص من الخلود في النيران"(6) .
هذا، ومع كون هذا التفريق السابق الحادث منقوضا بإجماع السلف فالبناء عليه لا يثبت، لأنّ إيمان المقلد معتبر غير مشروط فيه النظر والاستدلال، إذ لو كان واجبا لفعله الصحابة رضي الله عنهم وأمروا به، لكنّهم لم يفعلوا ولو فعلوا لنقل عنهم، والاعتراض بأنّ الصحابة رضي الله عنهم كانت معرفتهم بالعقائد مبنية على الدليل اكتفاء بصفاء أذهانهم واعتمادهم على السليقة ومشاهدتهم الوحي يرده أنّ الصحابة رضي الله عنهم لمّا فتحو البلدان والأمصار قبلوا إيمان العَجَم والأعراب والعوام وإن كان تحت السيف أو تبعا لكبير منهم أسلم، ولم يأمروا أحدا منهم بترديد نظره ولا سألوه عن دليل تصديقه، ولا أرجؤوا أمره حتى يَنْظُر، بل لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأحد لا أقبل إسلامك حتى أعلم أنّك نظرت واستدللت، قال ابن حزم:"فإذا لم يقل عليه الصلاة والسلام ذلك فالقول به واعتقاده إفك وضلال، وكذلك أجمع جميع الصحابة رضي الله عنهم على الدعاء إلى الإسلام وقبوله من كل أحد دون ذكر الاستدلال، ثمّ هكذا جيلا فجيلا حتى حدث من لا وزن له"(7). ولأنّ الاستدلال والنظر ليس هو المقصود في نفسه، وإنّما هو طريق إلى حصول العلم حتى يصير بحيث لا يتردد، فمن حصل له هذا الاعتقاد الذي لا شك فيه من غير دلالة، فقد صار مؤمنا وزال عنه كلفة طلب الأدلة، ولو كان النظر في معرفة الله واجبا لأدى إلى الدور، لأنّ وجوب النظر المأمور به متوقف على معرفة الله، ومعرفة الله متوقفة على النظر، ومن أنعم الله عليه بالاعتقاد الصافي من الشبه والشكوك فقد أنعم الله عليه بكلّ أنواع النعم وأجلها، حتى لم يكله إلى النظر والاستدلال لاسيما العوام، فإنّ كثيرا منهم تجد الإيمان في صدره كالجبال الراسيات أكثر ممّن شاهد ذلك بالأدلة، ومن كان هذا وصفه كان مقلدا في الدليل. وقد جاء في شرح العقيد الطحاوية قوله: "ولهذا كان الصحيح أنّ أول واجب يجب على المكلّف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك، كما هي أقوال أرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلّهم متفقون على أنّ أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أنّ من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه، بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك، ولم يوجب أحد منهم على وليه أنّه يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين، وإن كان الاقرار بالشهادتين واجبا باتفاق المسلمين ووجوبه يسبق وجوب الصلاة، لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك"(?) .
أمّا ما ورد في سؤالكم من تبرير للقسمة الثنائية بين الأصول والفروع ممّا ذكرتم من وجوه التفريق بين القطع والظنّ والعلم والعمل والشرع فإنّه لا يشهد على هذا التقسيم دليل من كتاب ولا سنة ولا نقل عن أحد السلف وأئمة الفتوى والدين، فإن كان دليل القسمة هو ادعاء القطعية في مسائل الأصول دون الفروع فهو فرق يظهر بطلانه ممّا هو معلوم من المسائل الفرعية العملية التي عليها أدلة قاطعة بالإجماع كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة وهي المسائل الفقهية المعلومة من الدين بالضرورة وغيرها، ومع وجود قطعية الدليل عليها لم يحكم بكفر من أوَّلها أو أنكرها بجهل حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة، كما هو حال خطأ من أكل بعد طلوع الفجر متأولا أو جاهلا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أنّ خطأه عليه دليل قطعي ومع ذلك لم يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ البيان دون تأثيم فضلا عن التكفير وكذلك الطائفة التي استحلت شرب الخمر على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يكفرهم الصحابة رضي الله عنهم بل بينوا لهم الحكم فتابوا ورجعوا إلى الحق.
هذا والقطع والظن من الأمور النسبية فكون المسألة قطعية أو ظنية أمر إضافي بحسب حال المعتقدين وليس هو صفة ملازمة للقول المتنازع فيه، فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة وبحسب قدرته على الاستدلال، إذ العبد قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة أو بالنقل المعلوم صدقه عنه، وغيره لا يعرف ذلك لا قطعا ولا ظنا، وقد يحصل القطع لإنسان ولا يحصل لغيره سوى الظنّ على ما حققه ابن تيمية(?) وابن القيم(10) رحمهما الله تعالى.
وأما تبرير القسمة بأنّ مسائل الأصول يطلب فيها العلم والاعتقاد دون مسائل الفروع المطلوب فيها العمل ففساد هذا الفرق يظهر جليا من ناحية كون الحكم الشرعي يجب اعتقاده، إذ يجب اعتقاد وجوب الواجبات وحرمة المحرمات واستحباب المستحبات وكراهة المكروهات وإباحة المباحات ومن جهة ثانية أنّ من أنكر حكما شرعيا معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر كفرا مخرجا من الملة كوجوب الصلاة المفروضة والزكاة وصوم رمضان وتحريم الزنا والقتل وغيرها من الأحكام فدلّ ذلك على أنّ المسائل التي يطلب فيها العمل يطلب فيها أيضا العلم والاعتقاد، وبالمقابل فإنّ من مسائل الأصول ما لا يترتب عليها تأثيم ولا تفسيق ولا تكفير كما تقدم من اختلاف الصحابة وتنازعهم في بعض مسائل الأصول. وعليه فإذا تقرر أن الخطأ في المسائل العملية الفرعية التي يطلب فيها العلم والعمل يكون فيها المخطئ معذورا فإنّ الخطأ في مسائل الأصول التي فيها علم بلا عمل أولى أن يكون المخطئ معذورا فيها.
وأمّا من جعل المسائل العملية هي المعلومة بالشرع والمسائل العلمية المعلومة بالعقل المستقل بدركها فهو تفريق غير ناهض، ذلك لأنّ صفة الكفر والفسق والإيمان والإسلام وغيرها من مسائل الأصول إذا اقترنت بذوات فلا تستحق هذه الصفات إلاّ بوصف الله ورسوله فهي صفات ثابتة بالشرع أي أحكام شرعية لم يستقل العقل بدركها.
أمّا مثال ما استقل العقل بدركه فكالطبيعيات والتجريبيات ومسائل الهندسة والحساب وغيرها، ومنه تدرك أنّ كلا من مسائل الأصول والفروع ثابتة بالشرع وليست الأصول من المسائل العقلية التي يكفر أو يفسق في نفسها إذ يلزم القول بذلك تكفير المخطئ في مسائل الطب والهندسة والحساب وغيرها من المسائل العقلية ؟
هذا، وفي الأخير ينبغي أن تعلم أنّ ما تمسك به المفرقون من المتكلمين وممّن أحدثوه قبلهم بين مسائل الأصول والفروع التي يسمون الأولى يقينية والثانية ظنية غاية في السقوط لا يشهد لهم دليل من الشرع وما استدلوا به لا يقوى على النهوض بل إنّ الآثار المترتبة على هذا التفريق مخالفة للكتاب والسنة والإجماع القديم.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في:6ذي القعدة1420ه
الموافق ل :12فبراير2000م
---
1- البحر المحيط للزركشي(6/239).
2- الملل والنحل للشرهستاني(1/202).
3- أخرجه ابن ماجه في الطلاق(2045)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في الإرواء(1/123).
4- انظر زاد المسير لابن الجوزي(7/50).
5- انظر فتح القدير للشوكاني(3/285،222،19).
6- شرح تنقيح الفصول للقرافي(430).
7- الفصل لابن حزم(5/244).
8- شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي(78).
9- انظر منهاج السنة لابن تيمية(3/22)، مجموع الفتاوى لابن تيمية(9/157،156)(19/211).
10- مختصر الصواعق:(501).
(184/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016553
...
الفتوى رقم: 345
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
حجية القاعدة الفقهية
السؤال: ذكرتم في فصل "حجية القاعدة الفقهية" أنّها غير حجة إذا لم تكن دليلا شرعيا أو معبرة عنه أو مشتركة، وذلك لسببين: أحدهما أنّ القاعدة لا تخلو من مستثنيات فلا يدري المجتهد إذا أعملها في فرد ما أن يكون ذلك الفرد من مستثنياتها.
وهذه المسألة شبيهة إلى حد كبير بمسألة اعتقاد عموم العام في الحال والعمل به من غير توقف على البحث عن مخصص وهو مذهب الجمهور -كما تعلمون-
فهل يمكن أن يقال في تلك مثل ما يقال في هذه؟ وجزاكم الله -عنا- خير الجزاء، والسلام عليكم.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فهذه المسألة ليست شبيهة بها، لأنّ مسألة اعتقاد عموم اللفظ قبل ظهور المخصص حكمها وجوب اعتقاد العموم في حال العمل به، وإذا اعتقد عمومه وجب العمل بذلك العموم إذا حلّ وقت العمل به من غير البحث عن مخصص، فإن ظهر المخصص تغير ذلك الاعتقاد، وإن خلا العموم من مخصص له وجب الاستمرار في العمل بالعام، ولا يخفى أنّ العام حجة باتفاق، وهذه قاعدة أصولية كما هو ظاهر، بينما القاعدة الفقهية فليست لها الحجيّة إلاّ إذا كانت دليلا شرعيا أو معبرا عن دليل ومن هنا يظهر التباين في الحكم فضلا عن الفوارق المعقودة بين القواعد الفقهية والأصولية، نعم، إذا كان الدليل الشرعي الذي أجراه الفقهاء مجرى القاعدة الفقهية وأفاد العموم بلفظه، في هذه الحال وجب اعتقاده والعمل به قبل ظهور مخصص، ولا يتوقف فيه عن البحث عن المخصص.
والله أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر19 من ذي الحجة 1422ه
الموافق ل 4 مارس 2002م
(185/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016554
...
الفتوى رقم: 346
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
مسائل الأمر
السؤال: بناء على الفوائد التي تستغرقها مسائلكم الأصولية منها والفقهية ولعظيم أثرها نوجه إليكم هذه المسألة التي طالت من غير طائل بين العلماء لترشدونا إلى ما هو صواب, والله يجزيكم خيرا.
- هل الأمر بالشيء هو أمر بلوازمه ومقدماته، ولا يخفى أنّ مقدمة الأمر لا تخلو أن تكون شرطا أو سبيا ويكون ذلك بطريق اللزوم العقلي ؟
- أم أنّ إثبات شرطية اللّوازم أو سببيتها لا تتمّ إلاّ بدليل مستقلّ دال على الشرطية أو السبيبة؟
- وإطلاق القول "بالأمر بالشيء أمر بلوازمه" ألا يؤدي هذا إلى إثبات ما لا دليل عليه؟
- إنّ القول بفورية فعل المأمور على سبيل الأحوط والأولى ألا يتنافى ووضع اللغة إذ السيّد لو أمر عبده فلم يمتثل فعاقبه لم يكن له عذر بأنّ الأمر على التراخي؟
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
"فالأمر بالشيء أمر بلوازمه"، ولوازم الأمر بالشيء الوسائل والمقدمات المحققة له والطرق الميسرة لوقوعه, والأمور التي تتوقف الأحكام عليها من شروط ولوازم ومتمّمات, ومن بين وسائله ولوازمه ومتمّماته انتفاء المانع والأضداد, ومثاله قوله تعالى: ?اقرأ وربك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم? [العلق3-4-5].
قال ابن تيمية رحمه الله: "فخصّ التعليم للإنسان بعد التعليم بالقلم، وذكر القلم لأنّ التعليم بالقلم هو الخط، وهو مستلزم لتعليم اللفظ، فإنّ الخط يطابقه، وتعليم اللفظ هو البيان، وهو مستلزم لتعليم العلم، لأنّ العبارة تطابق المعنى, فصار تعليمه بالقلم مستلزما للمراتب الثلاث: اللّفظي والعلمي والرسمي بخلاف ما لو أطلق التعليم أو ذكر تعليم العلم فقط لم يكن مستوعبا للمراتب" ولابن القيم كلام نحو هذا(1).
والأمر بالشيء مقصود به في الأصل, ولوازمه مأمور بها بالتبع, وتوابع الشيء لها أحكام المقاصد، لأنّ وسيلة المقصود تابعة للمقصود, وكلاهما مقصود، غير أنّ الأول مقصود قصد الغايات يذم ويعاقب على تركه, والثاني مقصود قصد الوسائل وإن اتّصف باللزوم فلا يعاقب على تركه, لأنّ العقوبة على الترك إنّما تترتب على ترك المقصود بالأمر على ترك لا على ترك اللوازم وفعل الأضداد, وكذلك النّهى فإنّ لوازم النّهي نهي عن الطرق والوسائل المؤدية إليه, والذرائع الميسرة لوقوعه, والنّهي فرع عن الأمر, لأنّ الأمر هو طلب الفعل، والطلب قد يكون للفعل أو للترك والترك على الصحيح فعل, غاية ما في الأمر أنّ النّهي خص باسم خاص.
وعليه فإنّ الأمر بالشيء يستلزم جميع ما يتوقف عليه فعل المأمور به عند جمهور الأصوليين، لأنّ لوازم الأمر لو لم تكن واجبة لجاز للمكلّف تركها, ولو جاز تركها لساغ له ترك الواجب، ولو جاز له ترك الواجب لم يكن واجبا, ومثاله ما لو أمر السيّد عبده بأداء عمل فوق السطح فإنّ العبد مأمور بالصعود الذي هو سبب، ونَصْبِ السُّلَّم الذي هو شرط، والأمر المطلق بالصعود على السطح يوجب نصب السلم والصعود عليه، بمعنى أنّ الواجب لا يأتي إلاّ بالشرط والسبب فيكون كلّ واحد منهما واجبا عند الجمهور، وسواء كان السبب شرعيا أو عقليا أو عاديا(2)، وتعرف المسألة "بمقدمة الواجب" وهي المتمثلة في قاعدة: ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، ذلك لأنّ الذي يتوقف عليه إيقاع الواجب كالسعي إلى الجمعة والطهارة للصلاة فهي مقدمة الواجب واجبة قصدا, بالنص وبالقاعدة السابقة.
إفراز المال لإخراج الزكاة واجب بالقاعدة السالفة البيان وليس بواجب قصدا, بخلاف ما لا يتمّ الوجوب إلاّ به فهو غير واجب لتوقف عليه وجوب الواجب, فوجوب الحج لا يتمّ إلاّ بالاستطاعة، ووجوب الزكاة لا يتمّ إلاّ بملك النصاب،
ولا يجب على المكلّف تحصيل الاستطاعة ولا ملك النصاب مع أنّهما من لوازم الحج والزكاة المأمور بهما, لأنّ ما لا يتمّ الوجوب إلا به يتوقف عليه وجوب الواجب .
فإن فهم هذا فلا يشترط للآمر بالفعل قصد طلب لوازمه، وإن علم أنّه يلزم وجودها مع فعل المأمور, ومن هذا يتضح ثبوت قاعدة: الأمر بالشيء أمر بلوازمه بطريق اللزوم العقلي لا بطريق قصد الآمر, ولا يُقال إنّ إطلاق القول بالأمر بالشيء أمر بلوازمه يؤدي إلى إثبات ما لا دليل عليه، لأنّ الدليل العقلي معتبر عند أهل الشرع، إذ العقل شرط في معرفة العلم وسلامته شرط في التكليف, والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح أبدا وهو موافق له, بل هو المُدرِك لحجة الله على خلقه, والشرع قد دلّ على الأدلة العقلية وبيّنها ونبّه عليها كما قرر ابن تيمية وابن القيم في الصواعق(3)، ولهذا لم يرد في كلام الأولين من سلف هذه الأمّة ما يدلّ على معارضة العقل والنقل فضلا عن القول بوجوب تقديم العقل على النقل.
ولا يتنافى في القول بفورية المأمور به على سبيل الاحتياط مع وضع اللّغة, لأنّ مضمون الاحتياط هو السلامة من الخطر والجزم ببراءة الذمّة ولا يكون ذلك إلاّ بالمبادرة إلى الفعل وفورية العمل به لذلك كان أقرب لتحقيق مقتضى الأمر الواجب, وعند أهل التحقيق يرون أنّ الأمر المطلق لا يقتضي فورا و لا تراخيا لتقيده بالفورية أحيانا، كما لو قال السيّد لعبده: "سافر الآن" وبالتراخي أحيانا أخرى كما لو قال:"سافر رأس الشهر" فإذا أمره بأمر مطلق خال من تقييد بفور أو تراخ فيكون محتملا للأمرين معاً، وما كان محتملا لهما فلا يكون مقتضيا لواحد منهما بعينه, لذلك كان الاحتياط في المبادرة إلى الفعل أسلم من الخطر وأقطع لبراءة الذمّة، الأمر الذي يتوافق ووضع اللغة على الفورية والمبادرة، لأنّ السيّد لو أمر عبده فلم يمتثل فعاقبه لم يكن له أن يعتذر بأنّ الأمر على التراخي فالأحوط له السلامة من الخطر بالمبادرة التي تشهد لها ظواهر النصوص كقوله تعالى: ?فاستبقوا الخيرات? [البقرة148.المائدة48]وقوله عز وجلّ: ?وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم? [آل عمران133] .
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما
الجزائر: 13 ربيع الثاني 1418ه
الموافق ل : 17 أوت 1997م
---
1- انظر مفتاح دار السعادة: 243/1.
2- انظر: التمهيد للكلواذاني:322/1، شرح تنقيح الفصول للقرافي:161، الإبهاج للسبكي وابنه:110/1، مفتاح الوصول للتلمساني:404، التمهيد للإسنوي:83، حاشية البناني على جمع الجوامع:195/1.
3- انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية:28/1-78، مجموع الفتاوى لابن تيمية:137/13، الصواعق المرسلة:459/2.
(186/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016556
...
الفتوى رقم: 142
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
معيار التفرقة بين الاستقراء التام والناقص
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
فالسلام عليكم ورحمته وبركاته جزاكم الله خيرا يا شيخنا إذا تكرمتم الإجابة على هذه الأسئلة:
حول موضوع الاستقراء: ما هو معيار التفرقة بين الاستقراء التام والاستقراء الناقص
الاستقراء التام يكون بإثبات الحكم في الجزئي لثبوته في الكلي "من كتاب الإبهاج للبيضاوي" أو هو تصفح جميع الجزئيات ما عدا الصورة المتنازع فيها وأعطى مثالا: في خلافية صلاة الوتر أهو فرض أم لا.؟ من كتاب "أصول الفقه الإسلامي" للدكتور وهبة الزحيلي، وأيضا نفس المثال في كتاب "المستصفى" للغزالي.
أمّا الاستقراء الناقص: فهو إثبات الحكم في كلّي لثبوته في أكثر جزئياته، من كتاب "الإبهاج" للبيضاوي، أو هو: إثبات الحكم في كلي لثبوته في بعض جزئياته، وأعطى نفس المثال السابق في خلافية صلاة الوتر أهو فرض أم لا؟ من كتاب: "التحصيل من المحصول" لأبي بكر الأرموي.
- أو هو تصفح أغلب الجزئيات ماعدا صورة المتنازع فيها مع بعض الصور الأخرى من كتاب: "أصول الفقه" لوهبة الزحيلي (مج2).
- فنلاحظ أنّ العلماء اختلفوا في تعريف الاستقراء الناقص: أكثر جزئياته...بعض جزئياته...أغلب جزئياته مع وجود مثال خلافية صلاة الوتر أهو فرض أم سنة في نوعين معا: الناقص والتام.
فما هو معيار التفرقة جزاكم الله خيرا يا شيخنا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنّ الاستقراء التام هو: تتبع الأفراد والجزئيات فيوجد الحكم في كلّ صورة منها ماعدا الصورة التي وقع فيها النزاع، فيعلم أنّ الصورة المتنازع فيها لا تخرج في حكمها عن بقية الصور الأخرى التي ليست محلّ النزاع فيستدل بإثبات الحكم الجزئي بواسطة ثبوته في الكلي، بينما الاستقراء الناقص أو غير التام فهو: إلحاق الفرد أو الجزء بالأغلب، ومن هذا يظهر معيار الفرق: أنّ الاستقراء التام توجد وحدة حكم فيه على جميع أفراد وجزئيات الكلّي ماعدا الصورة المتنازع فيها بخلاف الناقص فإنّ وحدة الحكم تقع على غالب جزئياته الخالي عن صورة النزاع ولهذا كانت حجية الاستقراء الناقص ظنية عند الجمهور على خلاف الاستقراء التام فهو حجة بلا خلاف وهو عند أكثرهم دليل قطعي.
ولا تعارض بين التعاريف السابقة لأنّ الأكثر هو الأغلب ولا ينافي البعض لأنّ المراد منه البعض الغالب والأكثر.
و يمكن إيراد مثال الاستقراء التام في دلالته على أنّ الأمر بالشيء بعد تحريمه يدلّ على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب أو ندب مثال قوله تعالى: ?فَإِذَا قُضِيَت الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ? [الجمعة:10] وقوله تعالى: ?وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا? [المائدة:2]، وقوله تعالى: ?فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ? [التوبة:5]، وقوله صلى الله عليه وسلم:" إنّما نهيتكم من أجل الدافة التي دفّت فكلّوا وادّخروا وتصدقوا"(?) وقوله عليه الصلاة والسلام: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"(?) فالحكم فيها أن يُردّ الأمر إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان قبله جائزا رجع إلى الجواز، وإن كان واجبا رجع إلى الوجوب، وإنّما علم ذلك بالاستقراء التام.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
---
1- لمّا قيل له: "نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث" أخرجه مسلم في الأضاحي (5215)، وأبو داود في الضحايا(2814)، والنسائي في الضحايا(4448)، ومالك في الموطأ(1037)، وأحمد(24918)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه مسلم في الجنائز(2305)، وأبو داود في الجنائز(3237)، والترمذي في الجنائز(1074)، والنسائي في الجنائز(2044)، وأحمد(23660) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
(187/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016557
...
الفتوى رقم: 146
الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهية
في الفرق بين المقتضي والمقتضى وأثر الفرق بينهما
السؤال: هل من فرق بين المقتضي والمقتضَى والمضمر وإذا وجد فهل له أثر؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أمّا بعد:
"فالمقتضي"-بكسر الضاد- هو: "اللازم المتقدم الذي لا يستقيم اللسان أو اللفظ إلاّ به"، وهذا اللازم مضمر، وقد تتعدد المضمرات، فإذا قدر أحدهما أو جميعها فيطلق على ذلك التقدير:"المقتضَى"- فتح الضاد- وعليه فالمقتضَى هو: ما اقتضى النص تقديره بالنظر إلى توقف صدق المنطوق و صحته شرعا، أمّا المضمر فهو: ذلك اللازم المتقدم الذي توقف عليه صدق المتكلم لا صحته الشرعية، أي أنّ المقتضَى يثبت شرعا والمضمر ثابت لغة، ومن هنا فأهمّ أثر في الفرق بينهما هو أنّ حكم المقتضَى لا عموم له على أصح أقوال أهل العلم وهو مذهب الجمهور، لأنّ العموم حكم اللفظ وهو غير مذكور حقيقة، وإنّما يجعل موجودا ضرورة لصحة الكلام، فيجب التوقف فيما تقتضيه الضرورة على قدر الحاجة، ويبقى ما عداه في حكم العدم، أمّا المضمر لغة فله عموم بالإجماع والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
(188/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016558
...
الفتوى رقم: 11
الصنف: فتاوى متنوعة
العمل في شركة الطيران مع وجود بعض المنكرات
السؤال الأول: هل يعتبر عامل في شركة النقل الجوي، سواء كان ممن يقدمون الخدمات في الطائرة أو قائدها وعلى متنها المسافرون و قد يشربون الخمر أو ما يشابهها من المحرمات كما هو معلوم في مصلحة خدمة المسافرين في الطائرة، أو هم ممن يهيئون ذلك، كالمهندس مثلا في مصلحة صيانة الطائرات فهل يعتبرون ممن تعاونوا على الإثم؟
السؤال الثاني: نفس مضمون السؤال الأول ولكن لرجل يعمل مع فريق النقل البحري فبعضهم يشرب الخمر ثم هو ينهاهم ثم لا يستجيبون، فهل يعتبر ممن قال فيهم سبحانه: ?...كَانُوْا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُوْنَ ? [المائدة: 79] وهي اللعنة التي لحقت بني إسرائيل الكافرين منهم - فهو ينهاهم ثم يتعامل معهم - بحكم تقديم الخدمات للفريق، وهل يعتبر كذلك ممن قال فيهم سبحانه: ?وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَالَكُم مِّن دُونِ الله ِمِنْ أَوْلِِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ? [هود: 113] أو هو ممن اتبع هواه؟ وكذلك إذا ما حمل شيء من الخمر في الباخرة فمن تلحقه اللعنة، نرجو البيان والتوضيح.
الجواب: الحمد لله وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ المسلم ما دام قادرًا على أداء واجباته و تحمل تبعات عمله يجوز له أن يكسب رزقه عن طريق الوظيفة التي أسندت إليه أو العمل الذي أوكل إليه إذا كان أهلاً له، شريطة أن لا تتضمن الوظيفة أو العمل ضررًا على المسلمين أو ظلمًا كالعمل الربوي أو حرامًا كالعمل في ملهى يشتمل على محرمات كالرقص و الرهان و بيع الخمر و نحو ذلك، سواء باشره العامل أو شارك فيه بجهد مادي أو أدبي عملي أو قولي فإنه يعتبر معينًا على المعصية شريكًا في الإثم على ما تقرّر من أن "ما أدى إلى حرام فهو حرام" على أنّ الإثم تختلف درجاته على الجميع باختلاف قدر مشاركته، و لذلك لما حرم الشرع الزنا حرم كلّ ما يفضي إليه من وسائل وسد الذرائع والمقدمات والدواعي الموصلة إليه من صور خليعة وتبرج جاهلي واختلاط مذموم وخلوة غير آمنة وآثمة وغناء فاحش يحرك الشهوات ونحوه وكذلك لعن النبي صلى الله عليه وسلم المشاركين لآكل الربا من كاتب وشاهديه، والمشاركين في الرشوة من الراشي والمرتشي والرائش، ومن هذا القبيل وردت اللعنة على عاصر الخمر ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة إليه والكلّ تلحقه اللعنة على قدر مشاركته إذ كلّ إعانة على الإثم إثم و قد قال تعالى: ?وَ تَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَ العُدْوَانِ? [المائدة: 2].
هذا كله فيما إذا لم تقتض الضرورة الملحة إلى اللجوء إلى هذا الأمر، فإن اقتضت فقد قرر العلماء اللجوء إلى ذلك إذا طرأت ضرورة حقيقية أو حاجة تنزل منزلتها بحيث لا يسعه الاستغناء عن حوائجه الأصلية من مأكل وملبس وعلاج يقيه الهلاك من غير أن يكون باغ للذة طالب لها، ولا عاد حد الضرورة مع كراهيته لذلك العمل واستمراره في البحث عن غيره حتى يفتح الله عليه بكسب حلال طيب يغنيه عن خبائث الحرام.
هذا، وفيما يظهر لي أنّ الأصل في شركتي النقل الجوي والبحري عدم التحريم وإنما اعترى الأصل بعض المحرمات، والحرام لا يحرم الحلال والفرع لا يلغي الأصل، ولذلك فمن اشتغل بعيدا عن أوزار الحرام في كلتا الشركتين فلا بأس به و إن لم يرض عن الوضع الكلي فعليه أن ينهى عن ارتكاب المآثم والمحرمات التي تفعل جهارا على درجات الإنكار لئلا يرتكب مثل الذي ارتكبوه، فضلا عن هجرة أهل الفجور والعصيان والابتعاد عن الفسقة خشية الميل إليهم إلا ما دعت الضرورة أو الحاجة إليه عملا بالآيتين المذكورتين في السؤال، قال القرطبي في قوله تعالى: ?وَ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّّكُمُ النَّارُ ? [هود:113]: وأنّها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية، إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة، وقد قال حكيم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ---- فكل قرين بالمقارن يقتدي
وصحبة الظالم على التقية فمستثناة من النهي بحال الاضطرار(?) .
هذا جواب إجمالي على محتوى الأسئلة الثلاثة بالنظر إلى تقارب مضامينهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---
1- الجامع لأحكام القرآن (9/ 72)، دار الكتب العلمية.
(189/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016559
...
الفتوى رقم: 350
الصنف: فتاوى متنوعة
الإقامة في بلاد الكفر لطلب العلم الشرعي
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه وبعد:
فما حكم الإقامة في أستراليا – إقامة الأخ – لطلب العلم الشرعي بـ (سِيدْنِي) المعهد الإسلامي الثقافي للرابطة الإسلامية، المركز الإسلامي لمسلمي أستراليا. - جزاكم الله خيرا -.
الجواب: الحمد الله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أما بعد:
فإنّ كلّ الذرائع والأسباب المفضية إلى إسقاط ما أوجبه الله تعالى على المكلّف من إقامة الدين وإظهار شعائره والعمل بالتوحيد وعداوة المشركين وعدم موالاتهم فإنّها تُعَدّ ممنوعة شرعاً لما يُتخوف عليه من انصهار شخصيته الإسلامية ضمن الدائرة الكفرية وتمييع أخلاقه وتغيير سلوكه ومظهره، الأمر الذي يجره إلى موافقتهم والرّضا بحالهم من غير إنكار ولا إكراه، و لا يخفي أنّ الرّضا بالكفر كفر والرضا بالذنب كفاعله سواء كان في بلد الكفر أو بلد الصلح ففي الحديث : " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها (و في رواية فنكرها) كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها"(?) وعليه فإنّ السفر إلى بلدان الكفر مع قيام هواجس تلك المخاطر الشركية لا يجوز ويدل عليه الآية في قوله تعالى ? إنَّكُم إذًا مِّثلُهُم? [ النساء: 140 ] وجملة من الأحاديث منها : "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"(?).
أمّا إذا توفرت القدرة على إظهار شعائر الدّين وعدم الموالاة للمشركين فيما هم عليه بحيث تتميز معالم شخصيته عنهم سلوكاً ومظهراً وامتنعت المخاوف السالفة البيان فإنّه يجوز -والحال هذه – السفر إلى بلاد الكفر والإقامة بها سواء للتجارة أو للدراسة وللدعوة في سبيل الله بحسب النية وسواء وجدت الحاجة أولا، وقد أقرّ النّبي صلى الله عليه واله وسلم بعض الصحابة ومنهم أبو بكر على السفر إلى بلدان الكفر لأجل التجارة وتُحمل الآية والأحاديث الدالة على النّهي على الصورة السابقة، وأمّا الأخرى فبحديث ابن عباس مرفوعاً: " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"(?).
والله أعلم، وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعونا أن الحمد الله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
الجزائر في: 14 ربيع الثاني 1417 ه
الموافق ل : 19 أوت 1997 م
---
1- أخرجه أبو داود في «الملاحم»، باب الأمر والنهي (4345)، والطبراني في «المعجم الكبير» (345)، من حديث العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع (702) وصحيح أبي داود (4345).
2- أخرجه أبو داود كتاب الجهاد، باب في الإقامة بأرض الشرك، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، والحديث حسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2330) وصحيح الجامع (6062)، وصححه في صحيح أبي داود (2787).
3- أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير وباب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية، ومسلم كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد.
(190/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016560
...
الفتوى رقم: 351
الصنف: فتاوى متنوعة
أخذ الوالد من مال ولده
السؤال: رجل يأخذ منه والده كلّ مدخوله الشهري وهو يريد استعمال أمواله في واجبات أخرى منها:
1. القيام بفريضة الحج.
2. تحصين فرجه بالزواج.
3. الهجرة والخروج من دار الفتنة.
4. الدعوة إلى الله تعالى.
وقد تعارض هذا مع طاعته لوالده، وذلك بإعطائه جميع ماله فكيف يوفق بين هذه الواجبات؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
فبعد الاطلاع على فحوى سؤالكم فلا أرى فيما تقدم تعارضا بين مختلف المسائل المذكورة في السؤال، ذلك لأنّ والدك إذا كان يأخذ معظم مدخولك الشهري" فأنت ومالك لأبيك"(?) غير أنّه يفعل ذلك بقصد توسيع البيت خروجا من أزمة السكن، وبالتالي فهو يحقق لك شرطا أساسيا من شروط الزواج الداخل تحت النفقة الزوجية ألا وهو الإسكان، حيث أنّ المقصود بالنّفقة هو توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وسكن وخدمة وإن كانت عزيمة لقوله تعالى:? وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ? [البقرة: 233] وقوله تعالى: ? أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكنتُم مِن وُجْدِكُمْ? [الطلاق: 6].
أمّا القيام بفريضة الحجّ فيمكن أن تتأخر لعدم تحقق شرط الاستطاعة المالية، فضلا عن أنّه إذا تحققت شروطها كان وجوبها معارضا بوجوب الزواج لمن خشي على نفسه الوقوع في الحرام، ويَعلم عدم ظلم زوجته إذا تزوج، وتقديم وجوب الزواج آكد على وجوب الحج، لأنّه يترتب على تقديم الحج مصلحة وتأخير الزواج مفسدة، ودفع المفاسد مقدم على تحقيق المصالح كما هو مقرر في القاعدة الفقهية المنبثقة من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس" لا ضرر ولا ضرار"(?).
أمّا عن وجوب الدعوة إلى الله فلا يصح إلاّ بعد طلب العلم وتحصيله لقوله تعالى: ? فَاعْلَمْ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ? [محمّد 19] فبدأ بالعلم قبل العمل، وبقوله تعالى: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ? [فاطر: 28]، فحصول الخشية على وجهها الأكمل والأمثل للعلماء، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه :"إنّما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحرّ الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه"(?)ويشهد له ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد(4) بسند حسن مرفوعا :"يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقه في الدين ... وإنما يخشى الله من عباده العلماء"(5) لذلك ترجم الإمام محمد ابن إسماعيل البخاري لهذا المعنى في صحيحه باباً سماه: ( باب العلم قبل العمل)، وعليه فالذي يدعو من غير علم يضرّ بالإسلام أكثر ممّا يجلب له نفعا، لأنّ ( فاقد الشيء لا يعطيه) كما يقول المثل، وبناء على ما تقدم فإنّ الدعوة إلى الله لا تكون واجبة عليك قبل الطلب والتحصيل، وبهذا يظهر لك الجمع ويتم التوفيق على وفق ما سألت.
والله نسأل أن يوفقنا لما فيه خير العباد والبلاد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
استدراك: أمّا عن وجوب الهجرة فلا تتم – في اعتقادي- إلاّ بشرطها، و لا يصح أنّ أهل القرار والأمر في هذا البلد يمنعون من إقامة شعائر الدين ورفع الأذان والحج إلى بيت الله الحرام، بل الأذان يرفع مسموعا والحمد لله، والصلوات تؤدى في المساجد جماعة وفي سائر الأوقات وكذا الجمعة، والعمرة مستمرة على مداد السنة، والحج زيد في عدد حجيجه وكذا القول في أركان الإسلام المتبقية.
أمّا شأن المفاسد الأخرى فليس المكان المهجور إليه بأولى إلاّ أن يفر المرء خوفا عن دينه من فتنة تقع وهذا لا يتمّ مع ما تقدم ذكره وهذه المفاسد الظاهرة، ينبغي أن تسلك طريق الصواب في معالجتها وتصحيحها، إذ هي نتاج أعمالنا والجزاء من جنس العمل، فلنعمل على تصحيحها وفق منهجية " التربية والتصفية" امتثالا للإخبار النبوي : "إنّ الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا فطوبي للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي"(6).
والله الموفق وآخر دعونا أن الحمد الله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
الجزائر في : 27 شعبان 1414 ه
---
1- رواه ابن ماجه كتاب التجارات باب ما للرجل من مال ولده، وأبو داود كتاب الإجارة باب في الرجل يأكل من مال ولده، وابن الجارود (995)، وأحمد (2/214) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والحديث صححه الألباني في الإرواء(3/233) رقم(838)، وفي صحيح الجامع(1498).
2- رواه ابن ماجه كتاب الأحكام باب من بنى في حقه ما يضرّ بجاره، وأحمد (1/313) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في الإرواء(3/408) رقم(896)، وفي غاية المرام رقم (68).
3- رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (9/127) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/76) عن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه وهو في السلسلة الصحيحة (343).
4- مجمع الزوائد (1/170) رقم 537 كتاب العلم باب العلم بالتعلم
5- رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/136) رقم (67).
6- رواه الترمذي كتاب الإيمان باب ما جاء أنّ الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا.
(191/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016561
...
الفتوى رقم: 352
الصنف: فتاوى متنوعة
هل يجوز ضرب الصبي؟
السؤال: هل يجوز للأستاذ ضرب التلاميذ وإذا لم يجز فهل يباح للضرورة يقدرها الأستاذ كفساد الأخلاق لبعضهم، وما هي الطريقة التي يتعامل بها الأستاذ مع التلاميذ في الطور الابتدائي ؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فمذهب أهل العلم عدم جواز ضرب الصبي قبل عشر سنين إذا ترك الصلاة لِما رواه أبو داود مرفوعا: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين"(?) وأسسوا الحكم على مفهوم الحديث المقتضي لعدم جواز ضربه في سائر أفعاله إلحاقا بالصلاة، ولا يخفى أنّه من شروط العمل بالمفهوم عند القائلين به عدم تعلقه بسبب خاص أو حادثة معينة، والنهي في الحديث محتمل لهذا التعلق من ناحية تخصيص عدم الضرب ما قبل العاشرة بعدم تحمله في هذا السنّ غالبا، لذلك قال مالك -رحمه الله -: (يؤمر الصبي بالصلاة إذا أثغر أي بدلوا أسنانهم و يؤدبوا عند ذلك إذا تركوها) قاله في العتبية.
وقال العلقمي في شرح الجامع الصغير: (إنّما أمر بالضرب لعشر لأنّه حد يتحمّل فيه الضرب غالبا، والمراد بالضرب ضربا غير مبرح و أن يتقي الوجه في الضرب).
وتعامل الأستاذ مع تلامذته هو توجيههم التوجيه الحسن وفق التعاليم الشرعية والأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة و شاطئ السلامة، فلا تنزل مرتبة الأستاذ عن مرتبة الأبوين في الرعاية والتربية عموما.
والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
---
1- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ وأحمد(2/187)، والحاكم(1/197) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والحديث حسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل(1/266)رقم (247) وفي صحيح الجامع (5744).
(192/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016562
...
الفتوى رقم: 353
الصنف: فتاوى متنوعة
القتل دفاعا عن النفس
السؤال: قصتي بدأت في الحيّ الذي أسكن فيه؛ إذ جاء المتشردان فدفعاني فسبني أحدهما، ورددت عليهما ذلك الفعل ثمّ قال لهما أخي: لا تسبا، أرادوا ضربه، فكنت عليهم بالمرصاد وأدبت أحدهما، ثمّ أخرجا في وجهه سكينا –وكان من بين الشخصين القتيل- وضرباه ضربا مبرحا.
وحين خرجت رأيت أخي عيناه منتفختان وفمه، وفي تلك الليلة رفع أبي شكوى ضدهما ومعه الشهود.
وحينها تذكرت بأنّهما هددا أخي بسكين فقلت إذاً هما قادران على أن يفعلا ذلك معي أيضا فأخذت سكينا خوفا من اعتدائهما عليّ.
وفي يوم الغد ذهبت لأدرس من الثامنة إلى الثانية عشر وحين خروجي ذهبت لأتناول وجبة الفطور ثمّ عدت على الساعة الواحدة والنصف، وبعد فترة رأيتهما نزلا من سيارة وجاءاني، قال لي أحدهما انظر ماذا فعلت لي ثمّ ضمّني إليه وطمأنني، ثمّ جاء الآخر مسرعا وأخذ في ضربي، وفجأة رأيته يضع يده في جيبه، فسحبت سكيني أهددهما به لعلّهما يخافا ويبتعدا عني لكنهما لم يخافا لأنّهما متناولان للمخدرات.
فحدث ما حدث -والحمد لله على كل حال- فأنا لم يكن في قصدي القتل ولكن من شدة الخوف على نفسي أن يضربني بالسكين طعنته بسكين المطبخ فمات، أسأل الله عزّ وجلّ أن يغفر لي، وأحيطكم علما بأنّي أصوم الكفارة، انتهى.
نريد منكم يا شيخنا أن تبيّنوا لنا الحكم الشرعي في هذا القتل وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ على صاحب حق دفع الصائل شروطا يجب تحققها ليكون في حالة الدفاع الشرعي الخاص، وفي طليعة الشروط أن يكون العدوان واقعا على نفس المصول عليه أو عرضه أو ماله، أو واقعا على نفس الغير أو عرضه أو ماله، كما يشترط حلول العدوان في الحال، لأنّ صورة الدفاع تظهر بحلول العدوان، فإن كان مؤجلا أو تهديدا مؤخرا فلا يجوز دفعه، لأنّه في الحالة هذه لا يُعدّ محلا للدفاع، كما أنّ من شروطه عدم إمكان إبعاده إلاّ بدفعه بهذه الوسيلة، فإن أمكن دفعه دون استعمال القوة والعنف والسلاح فلا يسعه أن يستخدمه، ومن شرطه أيضا أن يدفع العدوان بأيسر طريق يندفع به، لأنّ المقصود دفع ظلم المعتدي فإذا اندفع بالقليل فلا داعي للأكثر فلا يجوز أن يدفع ما زاد عن القدر اللازم لدفعه وإلاّ عُدَّ اعتداءً لا دفاعًا، فإن استطاع كفّ عدوان الظالم بالتهديد والضرب فلا يجوز له أن يضربه، وإن ظهر له أنّه بإمكانه دفع عدوان الصائل بالعصا فلا يجوز له أن يضربه بالحديد لكونه أداة قتل بخلاف العصا، وإن علم أنّه لا يندفع إلاّ بالقتل وخشي على نفسه أن يبادره به إن لم يقتله فله أن يدفع بالقتل أو بتر أطرافه وما أتلفه منه لا ضمان عليه بالقصاص ولا بالدية، لأنّه تلفٌ في مقابلة دفع شر أو ضرر عليه، فإن اختل أحد الشروط السابقة المذكورة فلا يعتبر في حالة الدفاع الشرعي الخاص، وإنّما اعتداء وعدوان فإن انتفت معه النية الإجرامية والقصد الجنائي فإنّه تترتب عليه أحكام القتل شبه العمد، ويوجب الديّة المغلظة على العاقلة مؤجلة إلى ثلاث سنين، والكفارة بصيام شهرين متتابعين بالنظر إلى تعذر وجود رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب كحقين واجبين الأول حق الآدمي والثاني حق لله سبحانه وتعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 22 صفر 1422ه
الموافق ل :16 ماي 2001م
(193/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016563
...
الفتوى رقم: 354
الصنف: فتاوى متنوعة
حقوق التسجيل والتأليف
السؤال: إلى فضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (حفظه الله).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد:
فلقد أخبرنا بعض إخواننا بفتوى لفضيلتكم في قضية معروفة باسم (حقوق تسجيل أشرطة الشيخ الألباني رحمه الله) مضمونها على سبيل الإجمال لا التفصيل قولكم بأنّ الشيخ الألباني أوقف أشرطته وبذلك لا يجوز لورثته أو لغيرهم أن يدعي حفظ حقوق الشيخ وعلى أنّه لا يجوز الرجوع في الوقف.
نغتنم هذه الفرصة لنسأل الشيخ حول نسبة هذا الكلام إلى فضيلته؟
ثمّ هذه مراحل قضية حقوق أشرطة الشيخ الألباني رحمه الله كما عاشتها مؤسسة منار السبيل من أولها إلى يوم كتابة هذا المقال...
لقد كانت أول وقفة مع حقوق الشيخ رسالة (التوحيد أولا) وهي عبارة عن شريط فرغه أبو يوسف الأثري وراجعه الشيخ علي حسن الحلبي حفظه الله ثمّ طبع في المجلة السلفية بالمملكة العربية السعودية، وبحكم اتصالنا المستمر بالشيخ علي حسن بغية طبع بعض كتبه (ولقد تمّ هذا ولله الحمد) سألناه الإذن في طبع الرسالة المذكورة فأجاب الشيخ بأنّه لا يملك هذا الإذن وأنّه علينا أن نتصل بالشيخ سعد بن عبد الرحمان الراشد صاحب مكتبة المعارف بالرياض لأنّه صاحب الحقوق فقلنا له سائلين: إنّ أصل الرسالة شريط مفرغ فأجاب بأنّ حق الشريط ملكه أيضا. فكانت (كالصدمة) فاغتنما هذه الفرصة وسألناه كيف المخرج ونحن نسجل أشرطة الشيخ رحمه الله فأجاب بأنّ الأمر لم ينضبط بعد والشيخ سعد لم يطالبكم بشيء.
وبعد أيام...
جاء الشيخ سعد بن عبد الرحمان الراشد إلى الجزائر في زيارة عمل فعرضنا عليه القضية وطلبنا منه الإذن لتسجيل أشرطة الشيخ الألباني رحمه الله فأجاب بالمنع وقدم لنا عقودا مع الشيخ الألباني رحمه الله، ورجع إلى بلده ولم نتفق معه على الشروط المقترحة من طرفه (وليس هذا المقال محل بسط لكل التفاصيل) فما كان من منار السبيل إلاّ التوقف عن أشرطة الشيخ رحمه الله. وبعد أن سمع بعض إخواننا المشتغلين بتسجيل أشرطة الشيخ رحمه الله أثاروا قضية أبي ليلى مسجل أشرطة (سلسلة الهدى والنور) ولمّا كنّا في اتصال مستمر بالشيخ علي حسن حفظه الله سألناه على هذه القضية فكان جوابه صريحاً لا لبس فيه وهو أنّ الحق للشيخ سعد الراشد ولا يملك أبو ليلى دليلا على دعواه وما دام سعد الراشد جاءكم فاستأذنوه واسألوه.
وبقيت عندنا بعض أشرطة الشيخ رحمه الله مسجلة فطلبنا الإذن من الشيخ سعد الراشد في بيعها فأذن لنا دفعا للمفسدة على أن نتوقف بعدها.
وبعد مضي بضعة أشهر أعدنا الاتصال بالشيخ سعد الراشد وعرضنا عليه اقتراحات جديدة فوافق ولله الحمد والمنة ومضت منار السبيل في تسجيل أشرطة الشيخ رحمه الله.
وبقي بعض إخواننا يسجلون معتمدين على قول الشيخ علي حسن: الأمر لم ينضبط بعد مع العلم بأنّ هذا الكلام كان قبل مجيء الشيخ سعد الراشد للجزائر أما وقد جاء وقال: لا أسمح بتسجيل أشرطة الشيخ رحمه الله وكان هذا في جلسة حضرها أبو عبد الباري العيد شريفي بمناسبة دعوة أحد الإخوة للشيخ سعد الراشد للعشاء في (واد الرمان).
ثمّ أعدنا الاتصال بالشيخ علي حسن والشريط مسجل وقلنا له بأنّ بعض إخواننا ينسبون لكم قولا مفاده أنّ الأمر في قضية الشيخ لم ينضبط بعد. فأجاب حفظه الله وقال: والآن الأمر انضبط وبالأمس كان عندنا سعد الراشد ودعناه فمن أراد التسجيل فليراجعه.
وفي إطار اتصالاتنا بالشيخ سعد بن عبد الرحمان جددنا معه الاتفاق بشروط جديدة. وبعدها جاء سؤال من تسجيلات الغرباء الأثرية لفضيلة الشيخ سليم الهلالي وهو بعنوان مكالمات هاتفية مع مشايخ الدعوة السلفية فكان الجواب موافقا لما قاله الشيخ علي حسن بأنّ الحقوق ملك للشيخ سعد الراشد. وفي النهاية جاء كلام فضيلتكم المذكور في أول المقال هذا باختصار وهذه لكم بعض التساؤلات التي نطرحها عن قضية أشرطة الشيخ رحمه الله وقضية الحقوق بشكل عام.
يقولون: إنّ إذن الشيخ الألباني يعد وقفا عاما.
السؤال: ألا يقال بأنّ بيع الشيخ لحقوقه يسقط فهمهم هذا لأنّ العبرة بالنيات والمعاني لا الألفاظ والمباني؟
والذي يؤيد هذا الفهم موافقة تلاميذه على هذا وهم على التوالي: الشيخ علي حسن والشيخ سليم الهلالي والشيخ حسن العوايشة والشيخ أبو يسر علي خشان حفظهم الله.
1. يقول بعض أصحاب التسجيلات: بأنّ الحقوق محفوظة لأصحابها في بلدهم فهل يصح هذا؟
2. والبعض يقول: بأنّ أشرطة القرآن الكريم غير محفوظة الحقوق ولو كتب أصحابها عليه الحقوق محفوظة؟
3. والبعض الآخر يقول: بالتفريق بين الشريط والكتاب بناء على الجهد المبذول فهل هذا صحيح؟
4. والبعض يقول: هذا دين الله فلا حقوق أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من مؤسسة منار السبيل للنشر والتوزيع
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فبعد الاطلاع على سؤالكم المفصَّل بمراحل قضية حقوق أشرطة الشيخ الألباني –رحمه الله- والاستظهار بآراء فقهاء الأردن –حفظهم الله – من قبل تلامذة الشيخ الألباني –رحمه الله تعالى- ففي اعتقادي أنّ الطرح ليس على مسألة ما اصطلح عليه بحق الإنتاج الذهني، أو الحق الفكري أو حق الابتكار بشقيه الأدبي والمالي، هذا نوع من الحق الذي لم يكن معروفا في الشرائع القديمة، تولَّد من العوامل والوسائل المدنية والاقتصادية الحديثة، وفرض نفسه كمبدأ شرعي مخرَّج على قاعدة المصالح المرسلة في مجال الحقوق الخاصة، فإنّ المنظور المقاصدي في إقرار مثل هذه الحقوق مبنى على تشجيع الاختراع والإبداع بحمايته من سطو الغير على حصيلة الجهد وثمرة الابتكار والتفكير، ولا شك أنّ حرمة هذا الحق من جهته الأدبية يبقى لصاحب الحق خالصا من غير منازع وهو ما تقتضيه الديانة وتحمّل الأمانة، لكن الطرح الذي يفرض نفسه يكمن في التساؤل عن حرمة هذا الحق من جانبه المالي بعد انتشار الإنتاج الذهني على وجه العموم واستفادة الناس منه من غير مطالبة صاحب الحق-مبدئيا- بحق الاحتفاظ به، فهل ينقلب الحق الخاص من هذا الجانب إلى حق عام يفقد صاحبه حماية الحق المالي أم لا ؟؟
وفي تقديري أنّ حقه الخاص صار من حق الأمّة في الاستفادة من تلك العلوم والمعارف الشرعية لسد حاجاتها وتنمية مواهبها وتعميم نفعها، فلا يسعه المطالبة بحماية الحق المالي مادام أنّه لم يشترط ابتداء حمايته وإنّما أطلقه للنفع العام مع آكدية الاحتفاظ بحقه الأدبي ومراعاة شروطه وآدابه والأحكام المتعلقة به شأنه في ذلك كالمؤلفات القديمة والكتب التراثية. والعلم عند الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 9 ربيع الثاني 1422ه
الموافق ل : 20 جوان 2002م
(194/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016564
...
الفتوى رقم: 355
الصنف: فتاوى متنوعة
تحريم الكذب
السؤال: ما هو نوع الكذب الذي يعتبر إثما؟ وما حكم الكذب بغير قصد؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الأصل في الكذب التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم:"إياكم والكذب فإنّه يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"(?).
والكذب حرم لما فيه من الضرر على المخاطب أو من غيره فإن تعلقت به مصلحة شرعية أجيز كما إذا كان لا يتمّ مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجنى عليه أو تعاشر الزوجين إلاّ به، غير أنّ إباحته مقتصرة على حد الضرورة لئلا يتجاوز إلى ما يستغنى عنه قال ثوبان مولى رسول الله: "الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلما أو دفع عنه ضررا"(?) ومع ذلك إذا أمكنه جلب هذه المنفعة أو دفع هذه المضرة عن المسلم بالمعاريض فـ "إنّ في المعاريض مندوحة عن الكذب" كما نقل عن السلف هذه المقولة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والآداب (6803)، والترمذي كتاب البر والصلة باب في الصدق والكذب(2099)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2- أخرجه الروياني(24/126/2)، والبزار(2061)، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعا . قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة(5/192):"ضعيف".
(195/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016565
...
الفتوى رقم: 356
الصنف: فتاوى متنوعة
تكرار التوبة من الكبيرة
السؤال: ما حكم من يرتكب الكبائر وأمّ الكبائر ثمّ يتوب عنها ويعود إلى الله ومع مرور الوقت يعود إلى هذه الكبائر، هل تقبل التوبة منه مرة أخرى؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ نفس التائب هي إمّا نفس لوّامة، وإمّا نفس مسوِّلة، والتوبة مقبولة إذا استجمعت شروطها لقوله تعالى: ?والّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم? [آل عمران: 135]، وفي الحديث "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"(?) فإن من أقدم على معصية بعد توبته من غير قصد ولام نفسه وندم وتأسف وجدد عزمه على أن يتشمر للاحتراز من أسبابها التي تعترض لها فهذه هي النفس اللوامة لا تلحق صاحبها بدرجة المصرين ولا تنتقص توبته، أما من أقدم على معصية عن قصد لعجزه عن قهر شهوته مع مداومته على الطاعات لكن تسوّل له نفسه ويتسوّف توبته يوم بعد آخر فهذه هي النفس المسوّلة، فهذا من حيث مداومته على الطاعة وكراهية ما يفعله مرجوّ عودته إلى التوبة غير أن عاقبتها خطيرة نتيجة تسويف وتأخيره التوبة إذ قد يخترمه الموت ولم يتب منها وأمره في ذلك على المشيئة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في: 29 ذي القعدة 1422ه
الموافق ل : 21جانفي 2002 م
---
1- أخرجه الترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (2687)، وابن ماجه كتاب الزهد (4392)، وأحمد (12983)، والحاكم (4/244) كتاب التوبة والإنابة رقم (7217) عن أنس رضي الله عنه. وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (4391)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(3139).
(196/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016566
...
الفتوى رقم: 357
الصنف: فتاوى متنوعة
التعامل مع الأخت المدمنة على الخمر
السؤال: أخ يسأل عن كيفية تعامله مع أخته التي صارت مدمنة على الخمور مع أنّها تقيم بعض الواجبات الشرعية؟
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ مخالطة أهل المعاصي والفساق محذورة شرعا فإنّ مقارفها لا يجوز مؤاخاته ابتداء وتجب مقاطعته انتهاء لأن الحكم إذا ثبت لعلة فالقياس يزول بزوالها، والعلة الثابتة في التآخي هي التعاون في الدين ولا يدوم ذلك مع مقارفة المعصية.
واعلم أنّ الرحم واجبة وقطيعته محرمة شرعا، وأدنى درجاتها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسّلام، فالقرابة حق متأكد يجب الوفاء به، ومن الوفاء به أن لا يهمل القريب أيام محنته وحاجته وفقره، وفقر الدين أعظم وأشدّ من فقر المال.
وتأسيسا على ما تقدم، فإنّ أختك -وإن أدمنت على الخمر والمعاصي- فهي ظالمة لنفسها بارتكابها ما حرم الله تعالى، وهي من حيث تركت بعض الواجبات التي لا تصل إلى الكفر الأكبر، فتستحق البراء من جهة العصيان والولاء من جهة الإيمان لما رواه البخاري أنّ عبد الله بن حمار كان يشرب الخمر فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل، وقال: ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تلعنه إنّه يحب الله ورسوله"(?) ثمّ إنّها من لحمة النسب، والقريب لا يجوز أن يهجر مطلقا على الراجح من المذاهب إذ لا يعني البراء من فاعل المعصية الإساءة له بالقول والفعل، بل المطلوب حسن المعاملة، إذ هو خلق نبيل يأمر به الشارع وتحض عليه الشريعة، وقد قال تعالى في شأن الأبوين المشركين والكفار في الجملة غير المحاربين ?وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وصاحبهما في الدنيا معروفا? [لقمان:15] وأمر تعالى بمعاشرة الزوجات بالمعروف ولو كن كتابيات كما أمرنا سبحانه بحسن مخالقة المؤتمنين والمعاهدين بقوله تعالى: ?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين? [الممتحنة:8] وفي حكم الأبوين كل الأقارب، فالواجب نحوهم حسن معاملتهم وعدم الإقرار على معصيتهم لعموم قوله سبحانه: ?واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم? [النساء:36] ومن هنا ظهر الفرق بين عقيدة البراء وحسن المعاملة وقد تتجلى في قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه: (إننّي براء ممّا تعبدون? [الزخرف:26] ولقوله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم في عشيرته: ?فإن عصوك فقل إني بريء ممّا تعملون? [الشعراء:216] ولم يقل إنّي بريء منكم مراعاة لحق القرابة ولحمة النسب، أمّا النصرة والتأييد لأهل الكفر والمعاصي فهو أمر محرم شرعا.
هذا والذي ينبغي القيام به أن يتلطف في نصحها بما يجمع شملها ويعيدها إلى الصلاح ما استطاع، فإن لم يقدر وبقيت مصرة على المعصية، فليبغضها من حيث أحبّها فهذا من مقتضى البغض في الله، ليبرأ من المعصية لكون ما تقترفه من أفعال ممقوتة عند الله تعالى.
وليس معنى البغض في الله الهجرة والمقاطعة كما هو مذهب بعض الصحابة كأبي ذر وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهما وبعض التابعين إذا لم تنفع الموعظة، بل ينبغي عليه أن يراقب ويراعي ولا يهمل ويتلطف بها ويعينها على الخروج والخلاص من تلك الوقعة التي ألمّت بها متى استطاع إلى ذلك سبيلا، ولهذا لمّا قيل لأبي الدّرداء: ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا
فقال: "إنّما أبغض عمله وإلاّ فهو أخي" وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة.
ثمّ إنّا نعلم أنّ الذين شربوا الخمر وتعاطوا الفواحش في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن الصحابة يهجرونهم بالكلية، بل كانوا منقسمين فيهم إلى من يغلظ القول ويظهر البغض، وإلى من يعرض عنه ولا يتعرض له، وإلى من ينظر إليه بعين الرحمة ولا يؤثر المقاطعة والتباعد.
قلت: إنّما هذا إذا كانت الأخوة في الدين فما بالك إذا اجتمعت أخوة الدين والقرابة معاً؟
وهذا كلّه في زلّته في دينه، أمّا زلّته في حقه أو ما صدر منه من المعاصي في هفوة التي يعلم أنّه قد ندم عليها ولا يُصرُ عليها فعلى المسلم فيه الستر والإغماض والعفو والاحتمال أي كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن ويتصور تمهيد عذر قريب أو بعيد فهو واجب بحق الأخوة الدينية.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
---
1- أخرجه البخاري في الحدود رقم(6780)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(197/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016567
...
الفتوى رقم: 358
الصنف: فتاوى متنوعة
تفسير آيات أشكلت من سورة الأعراف
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه وبعد:
هذه -شيخنا- بعض الفوائد استنبطتها من كتاب الله العزيز ومن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام –حين اشتغالي بالخطابة-، ولمّا كان لابد لطالب العلم من عرض آرائه وبحوثه على أهل العلم –لكونهم هداة مهديين لما وهبهم الله عزّ وجل من علم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- فيصوّبون الصواب، ويصححون الخطأ.
لذلك فإنّي أعرض عليك -شيخنا- هذه الفوائد الشخصية رجاء تسديدي وتصويبي فيما أخطأت.
قال تعالى واصفا سحر سحرة فرعون: ?وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ.. ? [الأعراف:116]، وقال عن عصا موسى عليه السلام ?فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُّبِينٌ? [الأعراف:107].
قلت: فانظر إلى هذا الأسلوب القرآني البديع، حيث وصف السحر بأنّه عظيم وذلك لأنّه سحر أعين الناس بل عين موسى عليه السلام حتى أوجس في نفسه خيفة وهذا نبي الله وقال عن الناس واسترهبوهم فانظر لهول هذا السحر وعظمته.
ووصف عصا موسى عليه الصلاة والسلام بأنّها ثعبان مبين، والمبين في اللغة يراد به العظيم والواضح الجلي، فهي عظيمة لأنّها أفسدت سحر السحرة العظيم ولا يغلب العظيم إلا عظيم، وهو مع ذلك واضح جلي لا خيالات كما هي خيالات السحرة فهو ليس سحرا بل ثعبان حقيقي فتبين الفرق.
فإن كان صائبا فوجهونا وإن كان خطأ فصوّبونا، وحفظكم الله لنا.
تلميذكم البار، أبو سليمان كمال سعد سعود.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فأمّا صفة العظمة اللاصقة بفعل السحرة فهي في أعين الناس على وجه التخييل والتأقيت، ومبناها على السحر المذموم شرعا، وما بني على فاسد فلا يكتب له الفلاح والاستمرار، ومن اتصف بذلك فالعظمة منتفية عنه ويؤكد ذلك قوله تعالى:?وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى? [طه:69]، ومعلوم عند الأصوليين أنّ الفعل في سياق النفي أو في سياق الشرط من صيغ العموم، إذ ينحل عن مصدره وزمانه، والمصدر الكامن في مفهوم الفعل في حكم النكرة فيكرّ إلى النكرة في سياق النفي وهي من صيغ العموم، ولذلك كانت الآية تعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر وقرر ذلك على وجه التعميم والشمول لجميع الأمكنة بقوله ?حَيْثُ أَتَى?، ومن هذا اللفظ فهم أنّ الساحر كافر لانتفاء الخيرية فيه، ذلك لأنّ الفلاح لا ينفى بالكلية نفيا عاما إلاّ عمّن لا خير فيه، ومن انتفى عنه الخير فأنّى تكون له العظمة؟! وإنّما هي عظمة في الشر والفساد، إذ لا يخفى أنّ السحرة يستمدون قوتهم وعزائمهم وخيالاتهم من الشياطين وهي عنوان الفساد والشر، ومهما عظم الشيطان فهو ضعيف بالنظر لحيله ومكايده وشراكه لقوله تعالى:?إِنَّّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا? [النساء:76]، وما وصف بالضعف لا يكون قويا ولا عظيما، وإذا كان أصل المدد ضعيفا فمن استمد من الضعيف قوة فلا تنقلب عظمة بالمفهوم الخيري. ولذلك كُشف ضعف السحرة يوم الزينة، وبطلت فتنتهم ?فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ? [الأعراف:119] على ما جاءت به الآية.
أمّا عصا موسى فعلم اليقين واقع على أنّه ليس من قبيل السحر والحيل، وأنّ الحق لا مرية فيه، إذ عظمته مستمدة من الحق القوي الباقي، لذلك كانت المعجزة باقية غالبة ودعوته صحيحة ثابتة، هذا والعظمتان على طرفي نقيض وبينهما بون شاسع، ومقابلتهما مقابلة حق لباطل، ولا يخفى على مؤمن أنّ عظمة الحق دامغة لعظمة الباطل الزاهقة مصداقا لقوله تعالى: ?بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق? [الأنبياء:18]، وقوله عزّ وجل: ?وَقُلْ جَآءَ الحَق وَزهَقَ البَاطِل إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً? [الإسراء:81]، فإنّ الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
(198/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016568
...
الفتوى رقم: 360
الصنف: فتاوى متنوعة
تفسير آية أشكلت من سورة مريم
السؤال: قال تعالى:? فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَلاَةَ وَاتّبَعُوا الشَهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً? [مريم:59]، قال ابن عباس:" ليس إضاعتها تركها بالكلية، ولكنّهم يؤخرون الصبح إلى الظهر والظهر إلى العصر ... فتوعدهم الله عزّ وجلّ بالغيّ.."
قلت: في هذا دليل على أنّ المصلي لا يقضي الفائتة إن تركها لغير عذر شرعي.
وبيانه: أنّ القائلين بوجوب القضاء اتفقوا أنّ المصلي ينتفع بقضائه إمّا بحصول الأجر أو بعدم حصول الأجر لكن مع سقوط الوزر والآية ترده وكذا الأثر المفسر لها، فالوزر باق ما لم يتب والتوبة تجب ما قبلها.
فإن كان صائبا فوجهونا وإن كان خطأ فصوّبونا، وحفظكم الله لنا.
تلميذكم البار، أبو سليمان كمال سعد سعود.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فأمّا ما رتبتموه استنباطا من قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية فوجيه يوافق مذهب الأكثرين في كون القضاء يحتاج إلى أمر جديد، غير أنّ القائلين بأنّ الواجب المؤقت لا يسقط بفوات وقته، ولا يفتقر القضاء إلى أمر جديد وهم الحنابلة وجمهور الأحناف وبعض المعتزلة يمنعون كون الآية ترد انتفاع المصلي بقضائه في حصول الأجر وسقوط الوزر، إذ الآية شرع ما قبلنا والأثر تابع لها تفسيرا، وشرع ما قبلنا ليس بشرع لنا لورود في شرعنا ما يمنعه لقوله تعالى:?أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمسِ إِلى غَسَقِ اللّيل? الآية [الإسراء:78]، والقضاء يستفاد-عندهم- ضمنا من صيغة الأمر، إذ الأمر المركب أمر بأجزائه كالأمر بالصلاة المعينة في زمنها المؤقت لها، فإن فات الوقت فقد تعذر عنه أداء أحد جزأي المركب وهو خصوص الوقت، ويبقى الآخر في الإمكان وله أن يوقعه في أي وقت شاء وجوب الإتيان بالممكن، لأنّ المركب من أجزاء ينسحب حكمه عليهما، فضلا عن قوله صلى الله عليه وسلم:" فدين الله أحق بالقضاء"(?) فهو نص جديد يشمل ما ورد من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما.
والراجح عندي مذهب الأكثرين وما عيناه بالوجاهة يمكن أن يكون ضميمة لأدلتهم، وذلك لأنّ القضاء لا يفهم من صيغة الأمر، لأنّ الأمر لا يتناول غير الوقت المقدر ولذلك وجب القضاء في رمضان بأمر جديد وهو قوله تعالى: ?فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ منْ أَيَّّامٍ أُخَر? [البقرة:184]، ولولا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوجب القضاء على النائم والناسي في قوله صلى الله عليه وسلم :"من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"(?) لما وجب، ولأنّه لو كان القضاء بالأمر الأول لوجب قضاء الجمعة والصلاة للحائض. ولأنّ الأمر بالفعل في زمن مؤقت لا يترتب إلاّ على مصلحة خاصة بذلك الوقت ترجيحا له من بين سائر الأوقات، ولأنّه لا حجة في التمسك بعموم حديث:"فدين الله أحق أن يقضى"(?) لوروده على سبب خاص وهو النذر، ذلك لأنّ النذر ليس واجبا بأصل الشرع وإنّما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدَّين في حديث ابن عباس، والمسؤول عنه فيه أنّه كان صوم نذر على ما أفاده ابن القيم، ومن تمام الفائدة يضيف: "ولأنّ فرض الصيام جار مجرى الصلاة، فكما لا يصلي أحد عن أحد، ولا يسلم أحد عن أحد، فكذلك الصيام، وأمّا النذر فهو التزام في الذمّة بمنزلة الدَّين، فيقبل قضاء الولي له كما يقضي دينه، وهذا محض الفقه"(4) وإذا تبين رجحان هذا المذهب تقرر ما بينتموه في السؤال من عدم جدوى القضاء لتحصيل الأجر أو لإسقاط الوزر إلاّ بعد توبة تجبُّ ما قبلها.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
---
1- أخرجه مسلم في الصيام (2749)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
2- أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة (597)، ومسلم في المساجد (1600)، وأبو داود في الصلاة (442)، والنسائي في المواقيت(613)، والترمذي في المواقيت (178)، وابن ماجه في الصلاة (696)، من حديث أنس رضي الله عنه.
3- أخرجه البخاري في الصوم (1953)، ومسلم في الصيام(2750)،وأبو داود في الأيمان والنذور(3310)، وأحمد(2377)، والدارقطني في السنن (2364)، والبيهقي(8484)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
4- تهذيب السنن لابن القيم :(3/282).
(199/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016569
...
الفتوى رقم: 361
الصنف: فتاوى متنوعة
ضابط الصور التي تمنع من دخول الملائكة البيت
السؤال: يقول الله تعالى: ?سوآءٌ منكم من أسرَّ القَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِه، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْل وَسِارِبٌ بِالنَّهَار لَهُ مُعقِّبَاتٌ مِِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه يَحفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ? [ الرعد: 10، 11]، وقال: ?عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ? [التحريم: 6] .
عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير"(?) وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وإنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة"(?).
قال علماؤنا: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنّه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور آنفا في الحديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأنّ فيه مضاهاة لخلق الله تعالى.
وقالوا: إن سبب ما يمنع دخول الملائكة إلى البيوت فيها تصاوير أو كلب كونه معصية وفاحشة فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشياطين.
والملائكة هنا -وإن كان عموما- فالمراد به الخصوص وهم ملائكة الرّحمة أما الحفظة فهي ملازمة للإنسان لا تفارقه في كل حال لأنهم مأمورون بإحصاء أعماله وكتابتها.
كما أنهم لم يفرقوا في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أولا، ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة إلا ما استثناه الدليل كلعب البنات [أو الصورة المهانة]، والمراد "بالبيت" في الأحاديث كما ذكر الشراح: المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك. فعلى حِد هذا التفسير المطلق للبيت، هل تدخل المساجد ضمنه باعتبارها بيوتا؟
وعليه فهل تمتنع الملائكة من الدخول إلى بيوت الله تعالى لإطلاق هذه الأحاديث إذ اصطحبت مثل هذه التصاوير مع أشخاص يرتدون ملابس وغيرها إلى المساجد على أشكال مطرّزة على الثوب أو على أكياس أو حقائب وغيرها؟
المساجد محل السّكينة والطمأنينة بنيت للذكر والصّلاة وقراءة القرآن فكانت أحب البلاد إلى الله تعالى، قال علي رضي الله عنه:"المساجد مجالس الأنبياء" وقال الخولاني :"المساجد مجالس الكرام".
فإذا كان الجواب بالمنع، فما وجه التوفيق بينه وبين النصوص التي جاء فيها شهود الملائكة مجالس العلم وحلق الذكر وحفهم أهلها بأجنحتها، وتسجيلهم الذين يحضرون الجمعة، وتعاقبهم فينا، واجتماعهم مع المصلين في صلاة العصر وصلاة الفجر، وتنزلهم عندما يقرأ المؤمن القرآن وهي كلها أعمال لا تخلو منها مساجدنا؟
فهذه مسائل تعلق بها الغموض والإشكال، وعليه فإننا نطرحها على أستاذنا الفاضل أبي عبد المعز محمد علي فركوس ليزيل عنها الإلباس بالبسط والجواب.
وختام القول: عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير"(?) وجزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد وقع سؤالكم أنّ العموم في امتناع دخول الملائكة بيتا فيه تصاوير وغيرها ممّا ورد فيه الحديث خاص بالسياحين من الملائكة الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، ولا يشمل هذا النص العام الملائكة الكرام الكاتبين الحفظة لاختصاصهم بإحصاء أعمال الآدمي وكتابتها، فهذا الصنف من الملائكة لا يفارقون الجنب ولا غيره، وقد ذكر بعضهم أنّ لزومهم الآدمي مخصوص أيضا بالمفارقة عند الجماع والخلاء، وأضيف أنّه يخرج من النص العام ملك الموت وأعوانه، فهؤلاء لا تمنعهم التصاوير ولا غيرها ممّا ورد فيه الحديث عن قبض الأرواح إذا جاء أجلها المقدر لها، فهذا العموم -إذا- من العام الذي أريد به الخصوص.
هذا من جهة الملائكة، أمّا من جهة الصور فإنّ العموم فيه غير مراد -أيضا-لوجود جملة من القرائن تؤكد ذلك منها: إقراره صلى الله عليه وسلم في بيته بلعب عائشة رضي الله عنها(4) وهي عبارة عن تماثيل لها ظل يلعب بها الأطفال كالفرس الذي له جناحان، وما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حولي هذا، فإنّي كلّما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا"(5) وفي رواية البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال:"كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أميطيه عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي"، ومن ذلك إشارة جبريل عليه السلام –بعد امتناعه من الدخول- بقطع رأس الصورة أو جعلها وسادتين توطئان، وكذلك في هتكه صلى الله عليه وسلم للستر الذي على باب عائشة رضي الله عنها وأعدت منه وسادة فكان يتكئ عليها وفيها صورة.
وإذا عرف ذلك تبين أن عموم الامتناع قاصر على الصورة المحظورة شرعا من استعمالها وهي تلك الباقية على هيئتها معظمة غير ممتهنة ويقوي ذلك حديثان، الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة إلا رقما في ثوب"(6) والثاني ما رواه البخاري من حديث بسر عن زيد عن أبي طلحة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة"، قال بسر: ثم اشتكى زيد فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ قال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: "إلا رقما في ثوب"(7) قال النووي في شرح مسلم:"قال الخطابي: إنّما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية، والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه"(?) وقال ابن حجر في تعليقه على حديث جبريل: "وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أنّ الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة، فأما لو كانت ممتهنة، أو قطعت من نصفها أو رأسها فلا امتناع"(?).
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في 16 شعبان 1421ه
---
1- أخرجه البخاري في اللباس(5949) ومسلم في اللباس والزينة(5636).
2- أخرجه البخاري في البيوع (2105).
3- أخرجه الترمذي في العلم(2685)، وصححه الألباني في المشكاة (213) التحقيق الثاني.
4- أخرجه أبو داود في الأدب(4932)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الألباني في آداب الزفاف(170).
5- خرجه مسلم في اللباس والزينة (5643)، والنسائي في الزينة(5353)، وأحمد(24950)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
6- أخرجه البخاري في بدء الخلق(3226)، ومسلم في اللباس والزينة (5640)، والنسائي في الزينة (5350)، من حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
7- أخرجه البخاري في اللباس (5958)، ومسلم في اللباس والزينة (5639)، وأبو داود في اللباس (4155)، والبيهقي في السنن(14977)
7- شرح مسلم للنووي: (14/84 ).
9- فتح الباري لابن حجر: (1/392).
(200/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016570
...
الفتوى رقم: 362
الصنف: فتاوى متنوعة
أكل لحوم الجلالة وشرب ألبانها
السؤال: شيخنا الفاضل أبا عبد المعز حفظه الله تعالى ورعاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فما حكم أكل لحوم الماشية وشرب ألبانها، إذا كان عامة غذائها من كلأ يسقى من المياه النجسة القذرة التي مصدرها قنوات صرف المياه، فهل لها حكم الجلاّلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحومها وشرب ألبانها، أم أنّ الأمر في ذلك يرجع إلى مدى تأثر لحومها وألبانها بما قد يحصل فيها من قذر وتغير رائحة، وحصول ضرر بحيث يقال: إن حصل فيها ذلك وجب الامتناع عن تناولها وإن لم يحصل لم يجب، أجيبونا مأجورين مشكورين وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الرأي الثاني هو الظاهر حكما ذلك لأنّ الجلالة تلتقط النجاسات وتتبعها وتأكل العذرة حتى يتغير ريحها، وهي علة النهي عن ركوبها وأكل لحمها وشرب لبنها حتى يتغير ريحها على ما ورد من أحاديث صحيحة تقضي بهذا الحكم، هذا والماشية المذكورة في سؤالكم لا تلتقط عين النجاسة وإنّما تأكل الكلأ الذي سقي بماء نجس ولا يلزم من نموه به أن يكون الكلأ نجسا، ولا يخفى أنّ النجاسة إن كانت مائعة فجفاف الأرض طهورها، أي أنّ الأرض تطهر بالجفاف هي وما يتصل بها قرار، كالشجر والبناء وما إلى ذلك، فضلا عن أنّه لا يحصل لها تغيير واسم الجلالة يقترن به إذ لو حبست الجلالة بعيدة عن النجاسة والعذرة مدة علفت طاهرا فطاب لحمها وذهب عنها اسم الجلالة وحلّت.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في9 ذي القعدة 1420 ه
الموافق ل : 15 فبراير 2000م
(201/1)
الأربعاء 3 رجب 1428 هـ الموافق لـ: 18 يوليو 2007 م
عدد الزوار: 1016571
...
الفتوى رقم: 363
الصنف: فتاوى متنوعة
تزوير الشهادات للتوظيف في الشركات
السؤال: هذا سؤال من أخ عن مؤسسة تشترط لقبول الموظفين الحصول على شهادة خبرة لا تقلّ مدتها عن خمس سنوات لكنّ هذا السائل ليس له من الخبرة في ميدان عمله إلاّ (19) شهرا، ويقول في سؤاله: بأنّ الأمر يتعلق بجميع المؤسسات دون استثناء واحدة منها، لكنّ المؤسسة التي أراد دخولها والعمل فيها يتوقف قبوله فيها على أساس النجاح في المسابقة التي تدوم أشهرا دون مراعاة شرط الشهادة في النجاح، فحاصل المسألة أنّ شهادة الخبرة لا تطلب إلاّ عند تقديم الملف ولا تراعى بعده إنّما يراعى الامتحان فقط. أجيبونا بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان, أمّا بعد
فالأصل في هذه المسألة يعود إلى تحريم الكذب والتزوير لعدم دخولها في المقاصد العليا ومرامي الشرع على نحو ما أجازه صلى الله عليه وسلم في ثلاث: إصلاح ذات البين وحال القتال وعن الزوجة(?) فهذه الثلاث المستثنيات ومن في معناها مقصوده حسن فإن لم يستطع الوصول إليها بالطريق المباح جاز اتخاذ الكذب ذريعة لتحقيق تلك المقاصد بخلاف هذه المسألة وخاصة إذا أضرّ بالغير وأخذ حقوقهم أو تأهل في مكان ليس مؤهلا إليه, ففي هذه الحالة اتخاذ وسيلة الإخبار بخلاف الواقع (الكذب) ممنوع لما يُخلِّفه من آثار سيئة.
ولا يخفاك أنّ الإثم يحوك في الصّدر, والقلب يأباه، وإنّ في الحلال غنية عن الحرام، والرزق من الله وهو المتفضل به على عباده المتقين كما قال تعالى: ?ومن يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكل على الله فهو حسبه? [الطلاق:2-3].
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
---
1- أخرجه أحمد(6/459-461)، والترمذي كتاب البر والصلة باب ما جاء في إصلاح ذات البين، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(7600)، وانظر: السلسلة الصحيحة(2/85).
(202/1)