فتاوى العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي
العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي
رحمه الله
كتاب شامل جامع لكثير من فتاوى الشيخ
الفصل الأول
سيرته بمصر
أسمه ونسبه : هو أبو أحمد عبد الرازق بن عفيفي بن عطية النوبي الشنشوري المالكي الأزهري السلفي .
قضي الشيخ رحمة الله نصف عمره تقريباً بمصر، ويمكن تقسيم حياته بمصر إلي أربع مراحل :
1-المراحل الأولي : من مولده سنة 1323 هـ إلي حين حصوله الثانوية الأزهرية، وقد قضي هذه المرحلة في قريته شنشور .
2- المرحلة الثانية : بعد حصولة الثانوية سافر إلي القاهرة للدراسة في الأزهر ، وظل هناك حتي حصل علي شهادة العالمية سنة 1351 هـ ، ثم شهادة التخصص في فقه المالكية والأصول سنة 1355 هـ، وشهادة العالمية (بكسر اللام )تعادل في وقتنا هذا ( البكالوريوس أو الليسانس) ، وشهادة التخصص تعادل (الماجستير أو الدكتوراه) .
3- المرحلة الثالثة : بعد حصوله علي شهادة التخصص ، عين مدرساً بالمعهد الأزهري بشبين الكوم سنة 1356 هـ ، وظل الشيخ مقيماً بشبين الكوم بضع سنوات.
4- المرحلة الرابعة : أنتقل الشيخ إلي الإسكندرية وعمل بها مدرساً بالمعاهد الأزهرية إلي جانب رئاسته لجماعة أنصار السنة بالإسكندرية نائباً عن الشيخ حامد الفق الرئيس العام للجماعة، ثم تم اختياره رحمة الله رئيساً عاماً لجماعة أنصار السنة خلفاً للشيخ حامد الفقي رحمة الله ، وظل الشيخ عبد الرازق بالإسكندرية يدعو إلي التوحيد ، والسنة، ويحارب البدع واهلها إلي أن قدم إلي المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز ليواصل سيرته في الدعوة إلي الله تعالي ، ونشر العلم النافع.
وسوف ننقل في هذا الفصل نبذاً من سيرته ـ رحمة الله ـ بكل مرحة من هذه المراحل عمن عاصر الشيخ فيها .
المرحلة الأولي
في شنشور
شنشور هي القرية التي ولد فيها الشيخ عبد الرازق عفيفي بن عطية النوبي، وهي قرية تابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية بمصر .(1/1)
وكانت ولادته- رحمه الله - سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة، وممن ينتسب إلي شنشور من الأعلام خطيب الجامع الأزهر الشيخ عبد الله بن محمد الشنشوري شارع الرحبية ، المتوفي سنة 983 أو999 هـ. وأسرة الشيخ أسرة كريمة تعد من أعيان البلد ، وأفاضلها تعرف بعائلة النوبي .
وقد ذكر الشيخ محمد لطفي الصباغ أن الشيخ عبد الرازق حدثه حديثاً طويلاً عن والده- رحمه الله- وما كان يتحلي به والده من الصفات الكريمة.
وقد درس الشيخ في قرينه سنشور المرحلتين الابتدائية الأزهرية ،والثانوية الأزهرية حتي نهايتها .
ومن المعروف أن الدراسة في اِلأزهر في عهد الشيخ ، كانت تنقسم إلي المرحلة الابتدائية، ثم الثانوية ، ثم الجامعية . وكان يشترط للالتحاق بالأزهر في عهد الشيخ ، حفظ القرآن كاملاً حفظاً متقناً ، ثم يظل يمتحن في القرآن إلي نهاية دراسته، ويبدأ في المرحلة الابتدائية بحفظ متون متنوعة في جميع العلوم ،منها: ألفية ابن مالك يبدأ في حفظها بالصف الأزل الابتدائي.
ثم يدرس قطر الندي ، وشذور الذهب في النحو في الصفوف التالية ، ثم شرح ابن عقيل ، ثم الاشمونى .
وكانت دراسة الفقة كذلك ، تتدرج مع الطالب حسب المذهب الفقهي الذى يختاره فينتقل من كتاب اوسع فاوسع وهكذا فى كل العلوم فلا يكاد الطالب يتخرج من المرحلة الثانوية الأزهرية فى ذلك العهد الا وق صار متبحرا فى جميع الفنون حافظا لعدد كبير من المتون المعتمدة فى كل علم .
ثم توالت المؤتمرات على الأزهر بدعوى تيسير المناهج وإدخال العلوم الدنيوية على حساب العلوم الشرعية حتى صار المستوى الى ما هو عليه الان، ولا حول ولا قوة الا بالله .
المرحلة الثانية
فى القاهرة
انتقل الشيخ - رحمه الله - بعد إتمامه المرحلة الثانوية الى القاهرة للدراسة بالقسم العالي بالأزهر .
وممن التقى به من العلماء فى هذه الفترة العلامة الشيخ احمد محمد شاكر والشيخ حامد الفقي ، وغيرهما .(1/2)
وذكر الشيخ عبد الله بن جبرين - حفظه الله - ان الشيخ عبد الرازق أدرك الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا .
قلت : اما محمد عبده فلم يدركه الشيخ عبد الرازق قطعا حيث توفى محمد عبده فى السنة التى ولد فيها الشيخ عبد الرازق سنة 1323 هـ .
واما الشيخ رشيد رضا فتوفى 1354 هـ وكان عمر الشيخ عبد الرازق وقتها إحدى وثلاثين سنة وكانا مقيمين بالقاهرة والله اعلم .
هذا وقد حدثني الشيخ عبد الرازق - رحمه الله - عم شيخه الشيخ0 عبد المجيد الشرنوبى وقال لى : هو صاحب اخصر شرح على ألفية ابن مالك
وانه من أساتذته الذين استفاد من علمهم أثناء دراسته بالأزهر .
ومما حدثنيه الشيخ عبد الرازق ـ رحمه الله ـ عن شيخه الشيخ عبد المجيد الشرنوبي وقال لي : هو صاحب أخصر شرح علي إلفية أبن مالك،وأنه من أساتذة الذين استفادوا من علمهم أثناء دراسته بالأزهر.
ومما حدثنيه الشيخ عبد الرازق عن فترة دراسته في القاهرة ، أنه كان طالباً في القاهرة أيام الحرب العالمية الأولي ، فكان الطلبة يهجمون علي محلات الصاغة اليهود بالقاهرة ، وكان اليهود في هذا الوقت أذلاء ما يجرؤ أحدهم علي الجلوس أمام محله بل يهربون إلي بيوتهم، ويغلقون الأبواب عليهم ، وكان هذا في عهد الملك فؤاد وأستمر كذلك إلي عهد فاروق.
قال الشيخ عبد الرازق رحمة : كان اليهود أسياداً مادياً لكنهم أراذل أخلاقياً يمكنون الفساق من نسائهم ليكسبوا مالاً . أ . هـ .
وقد ظل الشيخ بالقاهرة حتي حصل علي شهادة العالمية سنة 1351 هـ ثم شهادة التخصص في فقه المالكية والأصول سنة 1355 هـ .
واليك صورة عن هاتين الشهادتين :
بسم الله الرحمن الرحيم
براءة بمنح شهادة العالمية
من فؤاد ملك مصر بعناية الله تعالي
إلي حضرة الشيخ عبد الرازق عفيفي عطية النوبي الملكي من سنشور بمركز أشمون بمديرية المنوفية(1/3)
رفع إلينا صاحب العزة وزير الأوقاف ما أقره مجلس الأزهر الأعلى في 14 ربيع الثاني سنة1351 ( 16 أغسطس 1932 ) من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية الذي أجرى بالجامع الأزهر سنة 1350
لذلك أمرنا بإصدار براءتنا الملكية هذه من جهتنا بمنحكم شهادة العالمية مع حقوقها التي تخولكم القوانين والأوامر المتبعة ، نفع الله الناس بعلمكم ووفقكم لما فيه الخير
تحريراً بسراي عابدين الملكية بالقاهرة في اليوم الثالث والعشرين من شهر المحرم سنة ألف وثلاثمائة وأثنين وخمسين من هجرة خاتم المرسلين .
سجل برقم 3756
صدر بأمر مولاي الملك المعظم
رئيس ديوان جلالة الملك بالنيابة
براءة بمنح شهادة التخصص في فقه المالكية والأصول
من فاروق ملك مصر بعناية الله تعالي
الي حضرة العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي عطية النوبي الملكي من شنشور بمركز أشمون بمديرية المنوفية
رفع إلينا حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ما أقره المجلس الأعلى للأزهر في 14 رمضان سنة1355 ( 28 نوفمبر 1936 ) من نجاحكم في الامتحان النهائي لقسم التخصص بالجامع الأزهر الذي اجري سنة 1355واستحقاقكم لشهادة التخصص في فقه المالكية ولأصول
لذلك أمرنا بإصدار براءتنا الملكية هذه من جهتنا بمنحكم هذه الشهادة مع حقوقها التي تخولكم اياها القوانين والأوامر المتبعة ، نفع الله الناس بعلمكم ووفقكم لما فيه الخير
تحريراً بسراي عابدين الملكية بالقاهرة في اليوم الثالث من شهر ذي القعدة لسنة ألف وثلاثمائة وخمسة وخمسين من هجرة خاتم المرسلين .
سجل برقم 386
بأمر مجلس الوصاية الموقر مجلس الوصاية
رئيس ديوان جلالة الملك بالنيابة
المرحلة الثالثة
في شبين الكوم
وممن كان معاصراً للشيخ عبد الرازق بشبين الكوم في هذه الفتره : الشيخ مناع خليل القطان الذي كان تلميذا للشيخ في معهد شبين الكوم الأزهري ، وها هو يصف هذه الفترة من حياة الشيخ قائلاً :(1/4)
عين شيخنا مدرساً بالمعهد الديني بشبين الكوم التابع للأزهر سنة1937 م = سنة1356 هـ .
توثقت علاقته بمدير العهد آنذاك ( الشيخ عبد الجليل ) فكان موضع مشورته .
قام بتدريس مادة الحديث المقررة في المرحلة الثانوية (صفوة صحيح البخاري)
فكان أستاذاً متميزاً بترتيب الموضوع ، وجودة العرض، وحسن التعليق، ورجاحة العقل ، ويسجل النابهون من طلابه إضافاته العلمية علي هامش الكتاب المقرر .
أتفقت نعه الجمعية الشرعية بشبين الكوم برئاسة الشيخ أحمد الزيات علي أن يلقي درساً أسبوعياً منتظماً في مسجدها ، فكان هذا الدرس مدرسة يجتمع فيها الجم الغفير للاستماع والنقاش والحوار .
كان يغشي المساجد الأخرى من وقت لآخر لألقاء دروس فيها :
وأخذ يجول في البلاد المتعددة لأداء رسالته . وحيث كانت معظم المساجد لا تخلو من البدع ، ويجهل عامة الناس العقيدة الصحيحة ، فقد ركز ـ غفر الله له ـ علي الجوانب العقدية والعودة إلي منابع أصولها الصافية ، والتمسك بالسنة الصحيحة ـ وما كان عليه أمر المسلمين في القرون المشهود لها بالخير،
وذا تعذر عليه التغير سعي إلي إقامة مسجد خاص يقوم عليه من هداهم الله ويتخذون منه منطلقاًً للدعوة ، وله في هذا مواقف شتي.
المرحلة الرابعة
في الإسكندرية
زمن كان معاصراً للشيخ عبد الرازق بالإسكندرية في هذه الفترة ، الشيخ حسن محمد إسماعيل ـ من علماء الأزهر ـ وكان تلميذاً للشيخ في المعهد الأزهري بالإسكندرية .
ومما قاله في وصف سيرة الشيخ عبد الرازق :
كان يمشي في الطرقات فيجد البناء يرتفع عن الرض فيذهب إلي صاحب البيت ، ويطلب أن يشاركها في المصاريف مقابل أن يجعل الدور الأرضي في البناء مسجداً ، وبهذا كان يبني في المهد دعاة ، ويبني في الشارع مساجد .(1/5)
وكان يوم من أيام صيف عام 1942 م = 1361 هـ مر فضيلة الشيخ برجل يبني بيتاُ كبيراً وفي أول دور فقال له : شيخنا ً بعد أن بدأ محيياً بالسلام : هل لك شريك في هذا العمل ـ يقصد بناء البيت ـ؟ . فقال الرجل : هو لي وحدي ورثت الأرض عن أبي وأقوم الآن بالبناء ، فيد عليه الشيخ : هل تسمح لنا بتأجير الدور الأرضي لنتخذه مسجداً علي أن نعطيك ما تشاء ؟ فقال الرجلـ وكان كبير السن ووقوراًً ـ: أن لا أمانع في ذلك أبداً ، وبدون أجر البتة ، بل وسأرعي هذا بنفسي . وكان الرجل يدعي الحاج عبده ، وكان رجلا فاضلاً ولقد صدق الحاج فأكمل البناء ، وأدخل الماء ، والكهرباء ، وبني بالمسجد كل ما يلزم، وبعد إتمام بناء المسجد أفتتح الشيخ المسجد بصلاة العصر ، وكان هذا المسجد أقرب المساجد من ورشة أبي فسهل لي الذهاب والإياب ، وبعد انتهاء صلاة العصر الأولي بالمسجد أخذ فضيلة الشيخ يعطينا التوعية اللازمة ، وقص علينا قصة إسلام سلمان الفارسي وجعلها نبراساً لنا يضئ لنا الطريق . وفي هذا اليوم ختم الدرس قائلاً : استمعتم إلي قصة سلمان الفارسي الذي كان صغيراً ولم يقتنع بما يعبد أبواه ؛ إذ كانا من المجوس يعبدون النار . فقال الشيخ : أنتم أسعد حظاً من هذا ، وهو غلام . وقال لنا : ولدتم علي الإسلام وتربيتم علي الإسلام ، والآن تدرسون الإسلام ، فما مدي هذه السعادة التي أعطاكم الله إياها ! الإ تحسون من قولي هذا أنكم محظوظين في جميع أطوار حياتكم ؟
أذن فلابد من أن تكرسوها للدعوة إلي عبادة من وهبكم كل هذه النعم .(1/6)
وفي هذا الأسبوع الذي أفتتح فيه المسجد ، جاء من القاهرة خبر أثلج صدورنا جمعياً وزاد من فرحتنا ، وذلك أن اللجنة المركزية لجماعة أنصار السنة المحمدية اجتمعت في القاهرة واختارت باجماع الأصوات فضيلة الشيخ الفاضل عبد الرازق رئيسا لجماعة أنصار السنة المحمدية بالقطر المصري ، وتوافدت الوفود علي مدينة الإسكندرية تهنئ شيخنا الجليل بهذا المنصب الحبيب الى نفوسنا جميعا وسرنا جميعا ان هذا الاختيار قد جاء بإجماع الأصوات وكانت الوفود القادمة من أنحاء القطر المصري تحمل الهدايا لفضيلة الشيخ الذى كان بدوره يقوم بتوزيعها على مستحقيها . أ ه ـ .
***********************
نماذج من كتابات الشيخ
عبد الرزاق أثناء إقامته بالإسكندرية
ـــ
وإذا كان الشيخ ـ يرحمه الله ـ مواعيد عام 1904م =1323هـ ، وقد تخرج في الأزهر الشريف ، ومنح الشهادة العالمية عام 1932م= 1351هـ ، ثم منح شهادة التخصص في الفقه و أصوله ، وعمل مدرساً بالأزهر الشريف ، حتى كان العدد الأول من المجلة حيث حرر فيه مقالين يستطيع القارئ أن يلمس في الشيخ ـ يرحمه الله ـ وهو لا يزال بعد شاباً في الثالثة و الثلاثين من عمرة ، يتمتع بالنظر الثاقب ، والفهم الدقيق ، والأسلوب المعبر، فهذه كلمات يصف بها علماء السلف من هذه الأمة وإني أرجو أن تكون تلك الكلمات و صفاً له ـ يرحمة الله تعالي ـ .
قال ـ يرحمة الله ـ:(1/7)
(( فالعالم منهم يجد نفسه - وقد أنعم الله بنعمة العلم ، وعهد إلية أن يبلغه الناس - مضطراََ إلي القيام بهذا العبء فلا يعتريه في نشر الثقافة الدينية ، والمبادئ الإسلامية فتور ولا خور ، ولا يقعدة عن البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف من سلطان ، لأن القلب الذي أشرب حلاوة الإيمان يكتسب قوة روحية ، وحصانة دينية ، ونوراَ ربانياَ ، فلا يجد أحد إلي إغوائة سبيلاَ فمهما جاهد الشيطان هذا المخلص فلن يتاح له أن يوهن عزيمته أو يمس عقيدته ، وإن قلبا قد صبغ بصبغة الله وتشبع بتعاليم الإسلام حتي ملكت سويداءه ، ليأبي أن يخضع لسلطة قاهر ، أو يرهب بطش جبار في الجهر بكلمة الحق ، بعدما خضع لسلطان ربه وأشتد خوفه منه ، وعلم أنه مالك قهار جبار ، بيده نواصي العباد . وإن ذلك ليخلق منه سيفاَ مصلتا ، وناراَ متأججة ، يقفذ بها من عادى الله وبارزة بعصيان لا يخاف في الله لومة لائم . كان العلماء بذلك قوامين علي الدين حفظاَ ، ونشراَ ، وبلاغاَ ، ونصيحة ، وإرشاداَ ، وكانوا خير قدوة للناس ومثلاَ علياَ في إصابة الحق وتأييدة ، وكشف الباطل وإزهاقة ، قولاَ ، وعملاَ ، يقصدهم الناس ليكشفوا لهم وجه الصواب ، بما ورثوة عن نبيهم ( ، فيجدوا لديهم ما يروي غليلهم ، ويزيل شبهتهم ، ويزيد يقينهم وإيمانهم وتعلقهم بشريعة سيد المرسلين "
*************************
الفصل الثانى
هجرته الى المملكة العربية السعودية
أ- الأعمال التى قام بها فى المملكة .
ب- دور الشيخ - رحمه الله - فى هيئة كبرا العلماء واللجنة الدائمة البحوث العلمية والإفتاء
ــــــــــــــــ
هجرته إلي
المملكة العربية السعودية
ــــــــ
قال الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري :(1/8)
لا أزال أذكر احتجاج الإمام أبى محمد أبن حزم في رسالته الميزان التي فاضل بها بين الأندلس والقيروان ، وقد أوردها المقري كاملة في نفح الطيب ، وعنون لها بالوصف لا بالاسم علي أنها في فضل أهل الأندلس ، ثم طبعها الدكتور المنجد عن هذا الأصل بهذا العنوان في رسالة مستقلة .
وقد أحتج في هذا الفصل علي أن من كان من غير أهل الأندلس وقد عاش فيها ومات عندهم فهم ( آي الأندلسيون ) أولى به ، وهو معدود من مفاخرهم ما دام من الأعلام الثقافية والعلمية .
ومن كان أصلاَ من أهل الأندلس ثم أستبدلها بدار أخري عاش فيها ومات عندهم أولي به .
قال أبو عبد الرحمن : وعلي هذا القانون تفخر سعوديتنا بعلامتها سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي قدس الله روحة ، ونور ضريحة ، ولقاة ربه الروح والريحان ، والرضوان ، وأدخله فسيح جناته ، فقد اختار الرياض بلدة ومثواة في النصف الأخير من عمرة المبارك ، وهو النصف الناضج المليء بالعلم والعطاء .
ولم يأت الشيخ عبد الرزاق رحمة الله إلي المملكة ليكون سلفياَ ، وليكون موظفاَ ... بل كان منهجة العلمى في الرياض هو منهجه العلمي بمصر قبل أن يدور بخلدة أنه يأتي للسعودية ، بل عندما كانت مصراَ أكثر خيراَ وقبل أن تتدفق عندنا ينابيع الذهب الأسود .
وكان نشر " العلو للعلمي الغفار " للحافظ الذهبى - من كتب السلف - من أوائل تحقيقاته المطبوعة القليلة ، وذلك عندما كان بمصر بشبين الكوم ، وكان زملاؤة من أمثال الشيخ محمد عبد الوهاب بحيري ، ومحمد بن راشد ، وابن يابس يقصون أخبارة وهو بمصر يخرج التلاميذ أكثر مما يخرج الكتب ، فذكروا عنه علماَ وعقلا ، وعفة ، وسلفية .
…ووصلت أخبارة لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم فحرص علي استقدامه . وكانت السعودية مقر السلفية ، وناشرة علم ابن تميمة ، وزينتها الحرمان الشريفان فرغب الشيخ عبد الرزاق في السعودية لهذه الأشياء ، لأنه سلفي بعقلة ووجدانة .(1/9)
وجاء إلي السعودية علي علمه وسجيته لم يجتذبه طمع في مال أو في جاه أو منصب ، وعلم الله نيته فانقادت له كل أسباب العز الدنيوي ، وهو لمن يطلبها .
********************
الأعمال التي قام بها
في المملكة العربية السعودية
ـــــ
جاء في مقدمة فتاوي اللجنة الدائمة للشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدرويش في ترجمته للشيخ عبد الرزاق :
" ثم ندب للعمل بالمملكة العربية السعودية للتدريس بالمعارف السعودية عام
ثم نقل إلي الرياض في آخر شهر شوال عام 1370ه ، ثم نقل ألي الرياض في آخر شهر شوال عام 1370 ه للتدريس بالمعاهد العلمية التابعة لسماحة الشيخ محمد أبن إبراهيم آل الشيخ ، ثم نقل للتدريس بكليتي الشريعة ، واللغة العربية ، ثم جعل مديراَ للمعهد العالي للقضاء عام 1385 ، ثم نقل ألي الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء عام 1391ه، وعين بها نائباَ لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ، والإفتاء مع كونة عضواَ في مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة .
وقد رزقة الله المواهب المتعددة ، ومن قوة الحافظة والملاحظة ، وفقة النفس ، وكان قد كرس جهدة لطلب العلم خارج أروقة الأزهر ، وعني بعلوم اللغة ، والتفسير ، والأصول ، والعقائد ، والسنة ، والفقة ، حتي أصبح إذا تحدث في علم من هذه العلوم ظن السامع أنه تخصصة الذي تخصصة الذي شغل فية كامل وقتة .
وقد كانت له عناية خاصة في دراسة أحوال الفرق وهذه الأمور جعلت طلاب العلم يقصدونه في كل وقت ويسمعون منه ، وانتفع بعلمة خلق كثير ، وقد شارك في أعمال التوعية في مواسم الحج ، وكان رحمة الله يشرف علي رسائل بعض الدارسين في الدراسات العليا ، كما كان يشترك مع لجان مناقشة بعض الرسائل ، ويلقي بعض الدروس في المساجد لطلبة العلم " .
ويقول الشيخ محمد علي الصباغ :(1/10)
…" ثم هاجر إلي المملكة العربية السعودية في سنة 1368ه ، فدرس في المعارف ، ثم في دار التوحيد في الطائف ، وكان الملك عبد العزيز قد استدعي شيخنا الشيخ محمد بهجة البيطار ليكون مديراَ له ، فعمل فقيدنا فيه ، ثم انتقل ألي نجد فدرس في الرياض ، وعنيزة ، ولما أنشئت كلية الشريعة في الرياض كلف القيام بالتدريس فيها ، ولما جئت للتدريس في كليتي الشريعة واللغة عام 1381ه- 1382ه وكان لي شرف لقائة والاجتماع به ، وكان من أقدر الأساتذة علي نقل المعلومات إلي أذهان الطلاب ، يبسط المسألة المعقدة ويوضحها ، وما ذلك إلا لتمكنة من العلم ؛ لأن الإنسان عندما تكون المعلومة واضحة في ذهنة يستطيع أن ينقلها بيسر إلي الآخرين مهما كانت دقيقة وصعبة .
ثم أنشئ المعهد العالي للقضاء في سنة 1385ه ، وكآني الشيخ من المخططين لمناهجة ، وعين مديراَ له ، وقد تخرج علي يدية عدد كبير من العلماء .
ثم أنتقل إلي دار الإفتاء عام 1391ه فكان عضواَ في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ، ونائباَ لرئيسها وبقي فيها حتي وفاته ، رحمه الله رحمة واسعة . وكان أيضاَ عضواَ في هيئة كبار العلماء .
وقد أشرف علي عدد من الرسائل الجامعية للماجيستير والدكتوراه وناقش عدداَ أخر منها ".
ويقول الشيخ عبد الله بن خليل القطان :
" أنتقل الشيخ من مصر سنة 1368ه ، للعمل بالمعارف السعودية ، فدرس في عنيز، وفي دار التوحيد بالطائف ، وهي نواة التعليم الديني في المملكة العربية السعودية .
وحين عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - يرحمه الله - إلي سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بإنشاء الرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية سنة 1370ه ، وقع أختيار سماحته علي فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ليسهم في ذلك بما عرف عنه من علم ، وثاقب رأي ، فقربه إليه وجعله موضوع مشورته .(1/11)
وما لبث الأمر طويلاَ حتي طلبت بأمر خاص أنا والأستاذ الهراس سنة 1373ه للتدريس في هذه المؤسسة العلمية التي بارك الله فيها ، وآنت أكلها الطيب - ولا تزال بحمد الله - بأسم جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية .
وعندما توفرت الدواعي لإنشاء دراسات عليا ، ورفع مستوى القضاء أنشئ المعهد العالي للقضاء سنة 1384ه ، وتولي الفقيد - غفر الله - إدارة المعهد ، ووضع مع لجنة متخصصة مناهجه ، وقام بالتدريس فيه ، وأشرف علي رسائل طلابه .
وفي سنة 1391 ه انتقل إلي إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، وصار عضواَ في هيئة كبار العلماء ونائباَ لسماحة والدنا وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز في ر رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
وكان - يرحمه الله - عضواَ في اللجنة التي وضعت مناهج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة - كما كنت عضواَ فيها - وسهرنا سوياَ الليالي المتتابعة لإنجاز هذا العمل " . ويقول الشيخ زهير الشارشيش :
"... وأنتقل إلي السعودية ضمن بعثة علمية قام بأحضارها أستاذي العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رحمه الله ، وبعد سنتين اختاره مفتي البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم ليكون معه في الرئاسة العامة للمعاهد ، والكليات .
ثم تولي رئاسة المعهد العالي للقضاء ، وبعدها انتقل إلي إدارة البحوث العامة والإفتاء حيث كان الرفيق الأقرب إلي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله -.
ووجوده في الجنة أثري ما أصدرت من فتاوي ".
ويقول الدكتور صالح بن سعود آل علي عضو مجلس الشوري :(1/12)
" جاء به الملك عبد العزيز مؤسس هذا الكيان وموحد هذه المملكة : جاء به مع علماء آخرين من داخل المملكة ، وخارجها لينفذ بهم ، ومن خلالهم سياسته الصارمة في محاربة الجهل وأقتلاع جذوره بعد أن خيم ردحاَ من الزمن علي أرجاء هذه الجزيرة . فقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله ضمن مجموعة من العلماء الذين عملوا في دار التوحيد ،ن درس ، وحاضر ، ووعي ثم لما أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بفتح المعاهد العلمية ، كان الشيخ عبد الرزاق من أوائل من جاء للتدريس فيها ، وكان مع الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية آنذاك ، ومع الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم عليهم جميعاَ رحمه الله ، كان معهم خير معين علي السير بهذه المعاهد ، والكليات من بعد ذلك نحو تحقيق الرسالة المنوطة بها .
تولي التدريس بعد دار التوحيد في المعاهد العلمية ثم في كلية الشريعة واللغة العربية بالرياض ، وكذا في المعهد العالي للقضاء الذي أسندت إليه إدارته فيما بعد ، إضافة إلي التدريس فيه ".
وجاء في مجلة الفرقان ، [ العدد 54 ، ص 19 ] :
" ثم أنتدب للعمل في المملكة العربيه السعودية منذ عام 1368 ه - 1949م وقد قام بالمشاركة مع الشيخ محمد علي عبد الرحيم - رحمه الله - الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة المحمدية ، بتأسيس المعاهد بالمملكة ، ثم شارك في تأسيس كلية الشريعة واللغة العربية بالرياض ، ثم رأس المعهد العالي للقضاء ، وحين تأسست هيئة كبار العلماء كان أحد أعضائها ثم أصبح نائبا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة ".
ويقول السيخ عبد الله الشهراني :(1/13)
ثم توفي عام 1368 هـ ذهبت بعة تابعة لمديرية المعارف برئاسة الشيخ ( محمد ابن مانع ) - رحمه الله عليه - التعاقد مع بعض المدرسين للتدريس في المدارس السعودية التي أفتتحت لتوها آنذاك .. فكان صاحب الفضيلة الشيخ ( عبد الرزاق عفيفي ) - رحمه الله - أحد أوائل من تم التعاقد معه ، وما ذلك ألا للسمعة الطيبة التي عرف بها الشيخ ، فقد كان داعية من أبرز دعاة أنصار السنة المحمدية هناك ، مدافعاَ عن عقيدة السلف الصالح ، محارباَ للبدع .
وقدم - لرحمه الله - إلي هذه البلاد مع عدد من المشائخ ، منهم الشيخ ( محمد حسين الذهبي ) صاحب كتاب ( التفسير والمفسرون ) والشيخ ( عبد المنعم النمر ) - عليهما رحمة الله - والشيخ ( يوسف السبع ) أستاذ اللغة العربية في ( جامعة أم القرى سابقاَ ).
وكانت أول مدرسة درس فيها هي ( دار التوحيد ) بالطائف ، وقد أستمر فيها سنتين إلي أن فتح ( معهد عنيزة العلمي ) فأنتقل أليه عام 1370 ه في شهر محرم ، ثم لما كان في شهر شوال من العام نفسه انتقل إلي ( المعاهد العلمية بالرياض ) إلي أن أفتتحت ( كلية الشريعة ) فيها وفي ( كلية اللغة العربية ) وهكذا مدير له ، ويشرف عليه ، ويلقي فيه محاضرات ودروساَ ، ويشرف - كذلك - علي بعض الرسائل العلمية التي يتقدمخ بها طلاب المهد .
ثم في عام 1391ه انتقل إلي ( الرئاسة العامة للإفتاء ) حيث عين نمائباَ لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي تم تشكيلها برئاسة فضيلة الشيخ ( إبراهيم بن محمد إبراهيم ) - حفظه الله - ثم برئاسة سماحة الشيخ ( عبد العزيز بن عبد الله بن باز ) المفتي الحالي للمملكة - حفظه الله وأمد في عمره - ونفع به الأسلام والمسلمين ، وفي الوقت نفسه كان عضواَ في ( هيئة كبار العلماء ) ، وأضافة إلي ذلك كان يشرف علي كثير من الرسائل الجامعية " ا هـ.
*****************
دور الشيخ عبد الرازق عفيفي
في هيئة كبار العلماء(1/14)
واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والأفتاء
ـــــــــــــ
لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله دور بارز في هيئة كبار العلماء منذ تأسيسها. فقد كان الشيخ - رحمه الله - رئيساً لهيئة كبار العلماء بالمملكة في بعض الدورات كما يتضح من توقيعه الذي أوردنا صورته ص ( 55 ) نقلاً عن مجلة والبحوث الإسلامية العدد 28 ص 322.
كذلك كان الشيخ - رحمه الله - وجهات نظر على بعض قرارات الهيئة فكان يبديها ويسجلها كما يتضح من توقيعه الذي أوردناه صورته ص ( 52 ) نقلاً عن مجلة البحوث الإسلامية العدد 31 ، ص 380 -382.
وقد حدثني الشيخ عبد الرزاق - رحمه الله - أنه كان يري بدعية افتتاح المجلس بالقرآن ، وأنه لفت نظر أعضاء الهيئة إلي ذلك عندما افتتحوا جلسة لهم بالقرآن الكريم.
كما كان الشيخ - رحمه الله يعد بعض الأبحاث التى تقدم للهيئة لتناقشها وتصدر حولها وما تراه من قرارات. ولعل من أنفس البحوث التى قدمها الشيخ ، بحثه حول البورصة حيث شرح فيه أنظمة البورصة، ومعاملاتها ثم ألحق دقائق مسائلها بأشباهها ونظائرها في كتب الفقه الإسلامي بما يدل على متانة فقهه ، وسعة إحاطته بالمعاملات العصرية .
وكذلك في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، كان الشيخ نائباً لرئيس اللجنة لسماحة الشيخ إبراهيم بن محمد إبراهيم آل الشيخ ، ثم نائباً لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وواحداً من أربعة أعضاء شاركوا في إصدار آلاف الفتاوى وعشرات الأبحاث بحيث يصح أن ننسب للشيخ عبد الرزاق ربع ما صدر عن اللجنة ومن أبحاث ، وفتاوى في غاية النفاسه وقد عم النفع بها جميع أرجاء العالم الإسلامى.(1/15)
وقد حدثني الشيخ عبد الرزاق - رحمه الله - أنه كان يختلف مع أعضاء اللجنة في مسائل قليلة منها مسألة إدراك الركعة مع الإمام بإدراك الركوع فكان الشيخ عبد الرزاق يري أن المأموم لا يدرك الركعة مع الإمام إلا بالفاتحة كما هو مذهب الإمام البخارى وغيره . فكان والشيخ عبد الرزاق لا يوقع على الفتاوى الصادرة من اللجنة في هذه المسألة.
وحدثني الشيخ عبد الرزاق أيضاً أنه قد كتب مقالاً في هذه المسألة قديماً بمجلة الهدى النبوى انتصر فيه لعدم إدراك الركعة بالركوع ، وإليك نماذج من مشاركات الشيخ في هيئة كبار العلماء.
نماذج من مشاركات
الشيخ في هيئة كبار العلماء
" ........بيع الليرة السورية ، أو اللبنانية بريال سعودى ، ورقاً كان ، أو فضة ، أو أقل من ذلك ، أو أكثر ، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية ، أو أقل أو أكثر ، إذا كان ذلك يداً بيد ، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودى الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أل أو أكثر يداً بيد لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر بمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثانياً : وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب ، أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها.
ثالثاً : جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات
والله أعلم ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ".
وجهة نظر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وسلم ، وبعد :(1/16)
فلما كانت الأوراق النقدية لا قيمة لها في نفسها ، ولم تكن قيمتها مستمدة من مجرد إصدار الدولة لها وحمايتها إياها وإنما قيمتها فيما أكسبها ثقة الدول بها ، وجعلها مع سن الدولة لها قوة شرائية ، وأثماناً للسلع ، ومقياساً للقيم ، ومستودعاً عاماً للادخار ، ولما كان الذي أكسبها ذلك وجعلها صالحة للحلول محل ما سبقها من العملات المعدنية هو ما استندت إليه من الغطاء ذهباً ، أو فضة ، أو ما يقدر بهما من ممتلكات الدولة ، أو إنتاجها ، أو احتياطها ، أو أوراق مالية ، أو أوراق تجارية .. لما كان الأمر كذلك كانت الأوراق النقدية بدلاً عماً حلت محله من عملات الذهب ، أو الفضة التى سبقتها في التعامل بها ، وكانت تابعة لهما فما كان منها متفرعاً عن ذهب فله حكم الذهب ، وما كان منها متفرعاً عن فضة فله حكم الفضة ، وعلى هذا تجب فيها الزكاة كأصلها ، ويقدر فيها النصاب بما قدر به في أصلها ويجرى فيها الزكاة كأصلها ، ويجرى فيها ربا الفضل ، والنسيئة مع اعتبار أن ما كان منها متفرعاً عن فضة حسب الأصل جنس ، وما كان متفرعاً عن ذهب في الأصل جنس ، ولا يجوز بيع الورقة النقدية لما تفرعت عنه من الذهب أو الفضة ... مع التفاضل ويعتبر قبض الأوراق النقدية في حكم قبض ما حلت من الذهب ، أو الفضة ، هذا وليس بلازم أن يكون في خزينة الدولة ذهب أو فضة بالفعل ما دامت خاماتها ، وسائر إمكانياتها التى تقدر بوحدتها السابقة من الذهب ، أو الفضة قائمة محققة تقوم مقامها في استمرار الثقة بالأوراق النقدية في دولة الإصدار وغيرها من الدول ، وليس بلازم أيضاً أن تسلم مؤسسة النقد ذهباً أو فضة لحامل الورقة النقدية مقابل ما فيها ما دامت الأوراق النقدية تؤدي وظيفتها وتقوم بما أنشئت من أجله ، فإن لولى الأمر أن يتصرف في غطاء الأوراق النقدية أياً كان الغطاء فيما يعود على أمته بالمصلحة من وجوه تنمية الثروة ، والترفيه ، عن الرعيه حتى لا تبقي معطلة في خزينة(1/17)
الدولة أو معرضة للتبديد والتهريب في أيدي الأفراد.
وبهذا يعرف أن عدم وجود الغطاء في خزينة الدولة بالفعل ، وعدم رد المقابل لحاملها لا يعتبر إلغاء للغطاء ولا إبطالاً له ما دام الغطاء الذي هو روح العملة وسر الثقة بها موجوداً قائماً ممثلاً فيما يثبت ملاءة الدولة وقوة إمكانياتها ، ويكسب الثقة بها قبل إصدار الأوراق النقدية ، وإن وجود وحدة متفق عليها كالذهب مثلاً تقاس بها موجودات وإمكانيات الدول ليعرف بها مدى ملاءة كل دولة بالنسبة للأخرى ينافي وجود غطاء لأوراق الدولة النقدية وإن تنوع ، كما أنه لا ينافي وجود وحدة خاصة بكل دولة تتصل بعملتها المعدنية السابقة - وقد سئل سعادة محافظ مؤسسة النقد أسئلة منها ما هو في الموضوع ومن اختصاصه كالأسئلة المتعلقة بالغطاء ، وبالسر في ارتفاع سعر العملة وانخفاضها فسلم وجود الغطاء ، وأن تنوع وأن من الدول ما لهام احتياطى ، ومنها ما ليس لها احتياطي أو لها احتياطي ضعيف ، ومنها ما ليس من اختصاصه بل من اختصاص الهيئة كالسؤال : هل الأوراق النقدية عملة قائمة بنفسها أو بدل عن غيرها ، فإن الجواب عن هذا السؤال من اختصاص الهيئة بعد سؤالها عن مقدمات اقتصادية بيني على الجواب عنها حكم الهيئة بأن الأوراق النقدية عملة قائمة بنفسها أو بدل عن غيرها حالة محلها.
وهناك أسئلة أخرى لم توجه إلي سعادة محافظ المؤسسة إما لضيق الوقت وقد كان من الممكن أن يستدعى في جلسة أخرى ، وإما لاكتفاء من الأسئلة ، وجعل عند فضيلة الأمين ، والمقارنة بينها ، وبين الأجوبة يتبين ما ذكرت من عدم توجيه كل الأسئلة لسعادة المحافظ .. والله الهادى إلي سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم في 16/4/1393 هـ .
عضو هيئة كبار العلماء
عبد الرزاق عفيفي
نموذج من توقيعك الشيخ
وهو رئيس لإحدى دورات هيئة كبار العلماء
قرار هيئة كبار العلماء
رقم 2 وتاريخ 13/8/1392 هـ
في مسألة اعتبار اختلاف مطالع الأهلة من عدمه(1/18)
الحمد لله والصلاة و السلام على من لا نبى بعده محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فبناءً على خطاب المقام السامى رقم 22451 وتاريخ 6/11/ 1391 هـ المتضمن إحالة موضوع الأهلة إلي كبار العلماء نظراً إلي أن الموضوع عند دراسة مجلس رابطة العالم الإسلامى في جلسته المنعقدة في 15 شعبان عام 1391 هـ واطلاعها على قرار اللجنة الفقهية المنبثقة من المجلس قررت الموافقة على القول بعدم اعتبار اختلاف المطالع إلا أن بعض أعضاء المجلس التأسيسي رأي التريث في الأمر وزيادة البحث والتقصي في هذا الموضوع.
وبناء على ذلك عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية المنعقدة في شهر شعبان 1392 هـ ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع إثبات الأهلة المشتمل على الفقرتين التاليتين :
أ ) حكم اعتبار المطالع وعدم اعتباره.
ب ) حكم إثبات الهلال بالحساب.
وكذا قرار رابطة العالم الإسلامي الصادر منها في دورتها الثالثة عشرة المنعقدة في شهر شعبان عام 1391 هـ ومرفقة بحث اللجنة الفقهية المشكلة من بعض أعضاء مجلس الرابطة في الموضوع ، وبعد دراسة المجلس للموضوع وتدوال الرأي فيه قرر ما يلي :
أولاً : اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التى عملت بالضرورة حساً وعقلاً ولم يختلف فيها أحد ، وإنما وقع الاختلاف بيع علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع من عدمه.
ثانياً : مسألة اعتبار اختلاف كالمطالع من عدمه من المسائل النظرية التى للاجتهاد فيها مجال ، والاختلاف فيها وفي أمثالها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين ، وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين : أجر الاجتهاد وأجر الإصابة. ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد ، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
فمنهم من ر أي اعتبار اختلاف المطالع .(1/19)
ومنهم من لم ير اعتباره واستدل كل فريق بأدلته من الكتاب والسنة ، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله : _(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ). وبقوله (() : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ... ) الحديث. وذلك لاختلاف الفهم في النص وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به ، وعند بحث هذه المسألة في مجلس الهيئة، ونظراً لاعتبارات قدرتها الهيئة ، ولأن هذا الخلاف في مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه ليس له آثار تخشى عواقبها. وقد مضي على ظهور هذا الدين مدة أربعة عشر قرناً لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة .. فإن أعضاء الهيئة يرونك بقاء الأمر على ما كان عليه وعدم آثاره هذا الموضوع وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة ؛ إذ لكل منهما أدلته ومستنداته.
ثالثاً : أما ما يتعلق بإثبات الأهلة بالحساب فبعد دراسة ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك ، وبعد الرجوع إلي ما ذكره أهل العلم فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره لقوله (() : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته .. ) الحديث .
وبالله التوفيق ، وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلمة...
الفصل الثالث
منزلته عند أعلام عصره وثناؤهم عليه
أما منزلة الشيخ عند علماء مصر قبل قدومه إلى المملكة العربية السعودية فيكفي في ذلك أن الشيخ عبد الرزاق رحمه الله كان من المؤسسين لجماعة أنصار السنة بمصر، وكان نائباً للشيخ محمد حامد الفقي من سنة 1365 هـ ، وكانت له عنده المنزلة الأثيرة ، وبعد وفاته انعقدت آراء علماء أنصار السنة على اختيار الشيخ عبد الرزاق رئيساً للجماعة سنة 1379 هـ.(1/20)
وقد كان الشيخ عبد الرزاق - رحمة الله - قد اختير عضواً في هيئة كبار العلماء التى أنشأتها جماعة أنصار السنة بمصر قديماً ، وكان من أعضاء هذه الهيئة العلامة المحدث الفقيه الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله - والشيخ محمد عبد الحليم الرمالى ، والشيخ حامد الفقي ... وغيرهم من الأعلام.
وبعد قدوم الشيخ عبد الرزاق رحمه الله إلي المملكة كانت له منزلة لا تدانيها منزلة عند سماحة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ( 1311 - 1389 هـ ) وقد حدثني شيخنا صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ - نائب وزير الشئون الإسلامية والأوقاف أن جده الشيخ محمد كان يقول عن الشيخ عبد الرزاق : ( هذا الرجل ذهب خالص) ، وأنه كان يعرض القضاة قبل تعيينهم على الشيخ عبد الرزاق فإن رأي الشيخ عبد الرزاق أهليتهم للقضاء عينهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وإلا فلا .
وقد ذكر الشيخ عبد الله بن قعود - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة سابقاً - أن الشيخ عبد الرزاق أول قدومه إلى المملكة أعطاه الشيخ ابن إبراهيم كتاب الإنصاف للمرداوى في الفقه الحنبلى ، وطلب من أن يقرأه فقال الشيخ عبد الرزاق : لقد قرأته فلم أر مؤلفه ذكر النبى (() من أول الكتاب إلي آخره إلا ثلاث مرات ، فكانت هذه الحادثة من أسباب إعجاب الشيخ ابن إبراهيم بالشيخ عبد الرزاق - رحمهما الله تعالى.
ويقول الشيخ الدكتور محمد لطفى الصباغ مبينا الشيخ عبد الرزاق يقدره ويستشيره ، ويعتمد عليه في كثير من الأمور تقديراً لعلمه الواسع ، ورأيه الصائب ، وإخلاصه الجم.
والفضل يعرفه ذووه ، وكذلك كان الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله وأطال عمره.
ويقول الشيخ الدكتور عبد الله التركى - وزير الأوقاف والشئون الإسلامية والأوقاف :-(1/21)
لقد فقدنا عالماً فاضلاً ، مربياً لأجيال من العلماء وطلاب العلم ، إنه شيخنا فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، والذي وتوفى يوم الخميس الخامس والعشرين من ربيع الأول عام 1415 هـ - رحمه الله وأكرم مثواه.
لقد فقدنا بفقده عالماً فاضلاً ، قضي كل حياته في سبيل العلم تحصيلاً وتعليماً ، نفع الله به عدداً كثيراً من الطلاب الذين تتلمذوا عليه ، أو تتلمذوا على طلابه.
لقد عاصر - رحمه الله - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، منذ نواتها الأولى ، واستمر عطاؤه لها إلي أن توفاه الله يوم الخميس الماضي ، وكان من ابرز الذين أفادوا الجامعة في كلياتها ومعاهدها.
ولقد أدرك سماحة شيخنا محمد ابن إبراهيم رحمه الله رئيس الكليات والمعاهد ، ومؤسسها بثاقب نظره ، وبقدرته في معرفة الرجال ما يتصف به هذا العالم الفذ الشيخ عبد الرزاق عفيفي من علم ، وبعد نظر وقدره على معالجة الأمور فقربه وعرف مكانته ومكن له لإفادة الباحثين والعلماء منه.
ولقد استمر عطاؤه في الكليات والمعاهد بعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - عليه رحمة الله - ثم في مجال الإفتاء ، والدعوة في رئاسة البحوث العلمية ، والإفتاء ، والدعوة ، والإرشاد ، وكان فيها من المقربين لسماحة والدنا وشيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله ، ومد في عمره في نشر العلم والدعوة إلي الله والدفاع عن دينه.
ويقول الشيخ صالح الأطرم - عضو هيئة كبار العلماء:-
وكان سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمة الله عليه - يعتمد راية في المناهج وفي الكتب المقررة.
يقول الشيخ الدكتور عبد الله العجلان - وكيل الرئيس العام لتعليم البنات لشؤون الكليات الجامعية :-(1/22)
إن الفقيد يحتل الصدارة بين أساتذة الكليات والمعاهد العلمية بالمملكة وذلك بعلمه ، وأدبه ، وأخلاقه ، وسداد راية ، وحسن تعامله ، وكونه قدوة حسنة قولاً وعملاً .. وقد عرفته صديقاً حميماً ومستشاراً مخلصاً لمفتى المملكة السابق الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، كما عرفته أستاذاً ماهراً ، وبحراً زاخراً بمختلف علوم التفسير ، والعقيدة ، والفقه ، والأصول ، وغيرها من جوانب العلوم الشرعية ، واللغة العربية .. وعرفته كذلك محدثا واعظا ، مرشداً جم المعرفة ، غزير العلم ، متواضعاً كثير الزهد والتقشف ، مقبلاً على الله في جميع أقواله وأعماله.
وإن كان يرحمه الله لم يترك لنا آثاراً علمية تتفق مع مقامه الرفيع وعلمه الغزير فإن يعتبر أستاذ جيل كامل من علماء المملكة.
وحول منزلته عند سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - المفتى العام للمملكة - يقول الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى :
" وكان سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أكثر تعلقاً به لما جربه من غزير علمه ، ورجاحة عقله ، وعفته وتورعه ، فلم يأذن بالاستراحة وقد أناف على التسعين واحتنكته أمراض عديدة ، فالتزم الشيخ عبد الرزاق جانب الحسبة ما دامت قوته العقلية لم تضعف ، فكان يذهب إلي المملكة يدف على العجل).
منزلته عند الشيخ الألباني :
ويكفى ما وصفه به شيخنا العلامة ناصر الألباني حفظه الله تعالى بأنه : ( من أفاضل العلماء ، ومن القلائل الذي نرى منهم سمت أهل العلم وأدبهم ، ولطفهم وأناقتهم وفقههم ).
وقد كان للشيخ عبد الرزاق منزلة كبيرة عند الملك عبد العزيز آل سعود رحمة الله :
وكان للشيخ - يرحمه الله - أيام الملك عبد العزيز درس كل يوم أريعاء ، وكان الملك يحضره ، وكان الشيخ يستخدم ذلك الدرس في النصح الطيب للملك ويسعد الملك بذلك ).(1/23)
والشيخ - رحمه الله - كان داعية متميزاً يحرص على حضورك دروسه ومجالسه الكثير ومما يذكر أنه كان للشيخ أيام الملك عبد العزيز - رحمه الله - درس كل يوم أربعاء ، وكان الملك يحضره.
وحول منزلته لدى الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله يقول أبو عبد الرحمن بن عقيل :
" وأبي الملك فيصل رحمه الله إحالة أمثال الشيخ عبد الرزاق عفيفي إلي التقاعد وأوصي بأن يظل منبعاً ثراً مدى حياته ).
ويقول الشيخ زهير الشاويش - صاحب المكتب الإسلامى للنشر :
عرفت أستاذنا وفقيد الأمة والإسلامية قبل خمسين سنة ، وتوثقت صلتى به منذ أربعين سنة على أمتن ما تكون الصلة ، عرفته بفضلة وكرمه ، تغمده الله برحمته.
ومنذ عرفته حتى يوم فقدته ما رأيت منه إلا العلم الغزير والأخلاق السامية ، والنبرة الصادقة ، والألفاظ العطرة ، والعقل الراجح والورع الحقيقي والترفع عن سفاسف الأمور، والصبر عند الملمات ، مما لا تكاد تجده مجموعاً عند غيره من الرجال.
كان عالماً عاملاً بنشر العقيدة الصحيحة ، والتربية السليمة والأخلاق المحمدية فكان مدرسة فريدة في جمع الناس على الخير )
ويقول الشيخ الدكتور محمد لطفى الصباغ :
( ... وغنى منذ طفولتى إلي هذه الساعة وأنا أعاشر العلماء ، أتتلمذ على أيديهم ، وأتلقي منهم وأباحثهم ، ولا والله لم ألق عالماً في سعة اطلاعه ، ودقة استحضاره وحفظه ، وسلامة منهجه ، واستقامة حياته ، وجولان ذهنه وقدرته على إعطاء الحكم الدقيق في المسألة المطروحة ، ومعاصرته لأحداث زمانه ).
ويقول الشيخ مناع خليل القطان :
عرف بسعة علمه ، وعمق فهمه - فكان زملاؤه المدرسون يعتبرونه مرجعاً لهم.
ويقول الشيخ عبد الله بن حافظ والحكمى - مدير مكتب المفتى العام :-(1/24)
( وأن من آخر من فقدتهم الأمة الإسلامية الوالد الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية سابقاً ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، ولست بصدد الترجمة له فقد كفيت ذلك ولكن للتعريف ببعض سيرته - رحمه الله - من واقع اتصالي به قيض لى العمل قريباً منه في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - سابقاً - كما شرفنى - رحمه الله - بالإشراف على في المرحلة الأولى من رسالتي لنيل درجة الدكتوراه قبل أن تنتابه الأعراض المرضية والمتاعب الصحية في آخر حياته.
لقد عرفت في فضيلته الدقة العلمية والمتابعة والاستيعاب الواسع لجوانب المباحث المطروحه متميزاًُ - رحمه الله - بدقة فهمه لمختلف مسائل العلم الشرعية واستيعابه للأصول والقواعد التى تصدر عنها الأحكام ، وسرعة استحضاره لكلام أهل العلم من قراءاته في المراجع المختلفة ) .
ويقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ - عضو هيئة كبار العلماء :-
( الشيخ أحد الأعلام الفضلاء الذين هيأ الله لهم فرصة تربية الأجيال ، وهو أحد العلماء الذين عرفوا بالجد والاجتهاد والإخلاص في أداء الواجب ، وهو ذوم علم واسع وله اطلاع في الحديث ، والتفسير ، والفقه وأصوله ، واللغة العربية ، وقد تخرج على يديه أفواج كثيرة ، ويذكر له طلابه إخلاصه ومحافظته على أداء الواجب وجده واجتهاده.
ولقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي يلقي دروساً بعد العشاء في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في التفسير ، وكانت دروسه نافعه وتوجيهاته قيمة ، وعرف بسعة علمه ، وحسن تربيته وتوجيهه وإخلاصه وهو رحمه الله مثال للعالم العامل. فالشيخ غفر الله له عرف بتوجيهه وتأثيره وعظته وبخاصة في التعليم ، فما زال طلابه الذين تلقوا العلم على يديه يعرفون له جده واجتهاده ، وقدرته على إيصال المعلومة لأذهان الطلاب مما يدل على تمكنه وحرصه غفر الله لنا وله ولجميع موتى المسلمين.(1/25)
ويقول الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ - وزير العدل سابقاً :-
" الشيخ - يرحمه الله - ممن عرف علمه وفضله وورعه ، وهو أول من عمل في المعاهد العلمية ، وكان وجوده فيها كسباً لها من سعة علم واطلاع وخبرة وفهم ، وهي الآن خسرت خيرة الرجال والعلماء في الداخل والخارج ، وقد لازمت الشيخ طويلاً واستفدت منه كثيراً ".
ويقول الشيخ عبد العزيز عبد المنعم - أمين هيئة كبار العلماء :-
" درسنى الشيخ ف دار التوحيد عام 1368 هـ ، ثم درست في المعهد العالى للقضاء عندما كان مديراً له ، وعملت معه في التدريس بالمعاهد ، وكان يرحمه الله - مثالاً للعالم الباذل لجهده وفي دقته في الفتاوى ، والبحوث العلمية ، كما كان دمث الأخلاق طيباً والكل يألفه ويحبه ، ومن حسن خلقه نال ثقة الشيخ محمد بن إبراهيم وكان يأنس برأيه فيما يتعلق بالمناهج ".
ويقول د. صالح بن غانم السدلان :
" كنت معجباً جداً بطريقة الشيخ عبد الرزاق في التدريس ، حيث المادة العلمية لديه - يرحمه الله - خالية من الحشو ، مرتبه، مركزة ، متسقة ، معروضة بأسلوب شيق قشيب ".
ويقول الشيخ على الرومى - رئيس محكمة التمييز :-
" كان الشيخ أول من باشر التدريس في المعهد العلمي بالرياض منذ أول يوم لافتتاحه في عام 1371 هـ وله اطلاع واسع - يرحمه الله - في الفقه والحديث والتفسير والتاريخ ، وله علم في الجغرافيا وغيرها".
ويقول معالى الدكتور عبد الملك بن دهيش - الرئيس العام لتعليم البنات :-
" إن الأمة الإسلامية فقدت برحيل فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي واحداً من علمائها الأجلاء الذين أثروا بغزير علمهم المكتبة الإسلامية مشيراً أن فضيلة درس العلم من منابعه حتى نال الشهادة العالمية من الأزهر ، وتدرج في سلك التدريس بدءاً بدار التوحيد بالطائف ثم في كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض قبل أن يعين مديراً للمعهد العالى للقضاء.(1/26)
وأضاف : أن فضيلة كان زميلاً لوالدى - يرحمه الله - الذي كان كثيراً الثناء.
ويقول الشيخ محمد السبيل - الرئيس العام لشؤون الحرمين :-
والفقيد الراحل ليس خسارة على المملكة فحسب ، إنما لكل الأمة الإسلامية. وها هو يرحل عنا بعد سنوات طويلة قضاها في نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، والأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر .. وقد تعلمك على يده العديد من طلبة العلم ، وكان حليماً وقوراً مجلسه من طلبة العلم "
ويقول الشيخ بن عبد الرحمن الأطرم :
" صفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - صفات العلماء الأفذاذ الذين مضوا وسجل التاريخلهم ما يبقي من المحاسن إلي يوم القيامة والذين شملهم قول الرسول (() : ( لا تزال طائفة من أمتى على الحق منصورة " لأنهم وروثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم ، تعليماً وتدوريناً.
والشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - جمع العلم والعقل فيا سعادة من جمع العلم والعقل ، إذ لا يستغنى بأحدهما عن الأخر ، فالعقل يزن به ما يقول ويفعل ، ويتأمل في العواقب ، والعلم الشرعي يعرف به أحكام الشرع في التصرفات والأقوال والأفعال. والشيخ عبد الرزاق نفع الله به في جميع مستويات الدراسة النظامية منذ أن بدأت النهضة العلمية النظامية في المملكة العربية السعودية مع أنه شارك في حلق التدريس في مسجد سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - أول ما قدم إلي الرياض في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف ، وعند الملك عبد العزيز غفر الله له وأصلح عقبه ".
الفصل الرابع
شهادة العلماء له بسعة
علمه وتبحره في جميع الفنون
يقول الشيخ محمد لطفى الصباغ(1/27)
" وكان إذا تكلم في فن من فنون العلم ظن السامع أنه لا يحسن غيره ، وأنه متخصص فيه وحده كان موسوعى المعرفة. كان محدثاً كبيراً قل أن يخفى عليه حديث ، وكانت له مقدرة متميزة في تخريج الحديث والحكم عليه ، وقد ترى في بعض الأحاديث من الرأي الصحيح ما لا تجده عند غيره سواء في تحديد درجته أم في فهمه والوقوف على دلالاته.
وله عناية خاصة بكتب الرجال ، وقد بلغ من عنايته أنه فقد جزءاً من كتاب من كتب الرجال فكتبه بخطة وجلده ، ولما رآه بعض الولوعين بحفظ آثار عظماء العلماء استهداه هذا الجزء فأهداه إياه بحضورى.
وكان مفسراً عظيماً ، وإن أنس لا أنس دروسه الرائعه في تفسير القرآن التى كان يلقيها في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في دخنه في الرياض ، وكنت ملازماً لها ، وذلك من فضل الله على ... لقد كان يغوص بين تلك المعانى العميقة في الآية ويذكر ارتباطها بما قبلها وما بعدها ، ويصل بين تلك المعانى وبين حياة الناس ، ويشير إلي أسرار البلاغة ونواحى الإعجاز فيها ، وكان لا يرضي تأويل المتأخرين ولا المعاصرين المفتونين بحضارة الغرب الذين تزعزعت عندهم الغيبيات فراحوا يؤولون النصوص تأويلاً متكلفاً بعيداً.
وكان فقيهاً مجتهداً ، وما كان يرضي التعصب لمذهب من المذاهب مه إحاطة بها إحاطة لم أر مثلها ، بل كان يمشي مع الدليل. وقد تكونت لديه ملكة فقهيه عظيمة.
وكان إذا سئل لا يتسرع بالإجابة ، بل يسأل عن دقائق الموضوع المطروح حتى يستوعبه ويكون عنده تصور صحيح دقيق للموضوع ثم يجيب.
وكان أصولياً متبحراً في هذا العلم العظيم : علم أصول الفقه ، واقفاً على دقائقه ، مطلعاً على كتبه مستحضراً لما فيه ، فإذا سألته عن كتاب من كتب الأصول ذكر لك خصائصه ومزاياه وطريقته ، والمآخذ التى قد تؤخذ عليه ، وقد كان معجباً بكتاب " المستصفى" للغزالى وبكتاب " الموافقات " للشاطبى.(1/28)
وكان من كبار علماء التوحيد على مذهب السلف - رحمهم الله - يعرض القضايا الدقيقة فيه بأسلوب ميسر واضح ، وقد كان - رحمه الله - واقفاً على كلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في هذا العلم. ولقد استطاع أن يرد ما جاء في شرح الطحاوية وهو مقتبس من كلام ابن تيمية وتلميذه إلي مواضعه في كتبهما ، وقد تضمنت طبعة المكتب الإسلامي الأخيرة للكتاب هذه الإحالات.
وكان في علوم العربية متمكناً ، فقد كان في النحو مرجعاً تراه يورد في حديثه القاعدة النحوية إذا اقتضاه التوضيح أن يوردها وكأنه من المتخصصين في النحو ، وكان ذواقه للنصوص الجميلة وهذا يدل على موهبة بيانيه أكرمه الله بها وعلى تمكنه من علوم البلاغة.
وكان في الكتابة ذا أسلوب متين جزل بليغ ، لا يقل عن أساليب كبار الكتاب والأدباء ، تتصف عباراته بالإيجاز ، والإحكام ، والبيان ، والوضوح ، والجزالة. ولدى عدد من رسائله الشخصية إلي وهى نماذج على ذاك الأسلوب العالي.
وكذا ذا بيان مشرق متدفق إذا تكلم أو درس ، لا يتلعثم ولا يتوقف ولا يلحن. وكان مناظراً قوى الحجة مستحضر الدليل يحيط بأطراف الموضوع الذي يناقشه.
وكان مدرساً ناجحاً سواء كان درسه في الجامع أو في الجامعة ، فلقد كان له درس أسبوعى في مسجد الشيخ محمد كما ذكرنا آنفاً ، ثم لما انتقل إلي بيته في شارع الخزانم كان يؤم الناس في المسجد الذي يقابل بيته وكان يلقى بين الفينة والأخرى دروساً تأخذ بالألباب في روعتها وعمق معانيها وغزارة أدلتها.
وكانت إحاطته بمفرادات اللغة العربية تكاد تكون إحاطة شاملة ، فلقد كان يصحب القاموس المحيط ، وقد حدثني أنه يجد متعة في قراءة مواده. والناس عادة لا يرجعون إلي القاموس إلا عندما يريدون معرفة معنى كلمة ، أما الشيخ رحمه الله فقد كان يقرأ أي كتاب من الكتب.(1/29)
أما فهمه لعبارات الأقدمين في كتبهم فقد كان شيئاً مدهشاً حقاً ، وبعض العبارات بالغة التعقيد بسبب الرغبة عند هؤلاء المتقدمين في تحميل الألفاظ القليلة المعاني الكثيرة... لقد كان ينظر في العبارة العويصة نظرة فيحلها ويشير إلي مراميها ومقاصد كاتبها ، على نحو لا تجده إلا عند قليل من أهل العلم.
ومهما يكن من أمر ، فإنى لا أستطيع أن أنقل للقراء صورة حقيقية لعلم الرجل الواسع في هذه الكلمة.
ويقول الشيخ عبد الله الحكمى :
" أقول : رحم الله الوالد الشيخ عبد الرزاق ، فقد كان بحر علم زاخراً صدر عنه الكثير من طلبة العلم الشرعي ، ولا سيما في هذه البلاد بخاصة.
كما كان في علم الفقه سريع الاستحضار للأحكام الشرعية محيطاً بأدلتها عالماً بقواعدها ، وأصولها مدركاً لأشباه المسائل ونظائرها سديد الرأي ، صائب الاجتهاد ، يفتى السائل على حسب حالته ومستواه من الجهل والعلم ".
ويقول الشيخ عبد الله بن جبرين :
" أما علمه فهو بحر لا ساحل له في أغلب العلوم التى يتناولها بالبحث والشرح ، فلقد عرفته لأول مرة عام 1374 هـ ، وكان يزور بعض المشايخ كالشيخ عبد العزيز بن محمد الشتري ، ونقرأ عليه في المجلس حديثاً من أول صحيح البخارى فيشرحه شرحاً موسعاً بحيث يستغرق شرح الحديث الواحد أكثر الجلسة ، وعرفته في أحد الأعوام يفسر سورة سبأ في مسجد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - فكان يبقي في تفسير الآيتين نحو ساعة أو أكثر ، ويستنبط من الآيات فوائد ، وأحكاماً ، وأقوالاً ، وترجيحات يظهر منها عظمة القرآن وما فيه من الاحتمالات والفوائد ، ومما يدل على موسوعية الشيخ وسعة اطلاعه وكثرة معلوماته "
ويقول الشيخ الدكتور حمد الجنيدل :(1/30)
" كان شيخنا - يرحمه الله - من العلم بمكان ، وله طريقة متميزة في إلقاء الدروس ، وتأثير عجيب على مستمعيه بأسلوب سهل متين ، وعلم جم ، وجوامع كلم ، يتقن عدة علوم ، من أبرزها : علم النفسير ، والعقيدة ، والفقه، وأصوله وعلم المنطق ، وشيئاً من علم الحديث ، كان فى علم التفسير أستاذاً وفي كل ما أشرت إليه قمة يتمنى كل طالب علم أن يسمع له ، وكان لا يدرس من كتاب بل له حافظة قوية جداً " .0
ويقول الشيخ الدكتور صالح بن سعود آل على - عضو مجلس الشورى :-
" ... وكان رحمه الله ذا باع طويل في علوم الشريعة ،له القدح المعلى في تفسير وعلوم القرآن ، وقل أن يوجد له نظير في التوحيد وعلوم العقائد والمذاهب والملل والنحل. أما في علم أصول الفقه ، فهو علم من أعلامه له في ميدانه اليد الطولى. وأما الفقه فإليه المنتهى "
ويقول الشيخ ابو عيد الرحمن بن عقيل الظاهرى :
" وكان هو والعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطى فرسي رهان ويظل لكل واحد منهما ميزته.
والشيخ له باع في المنطق والعقليات وعلم الكلام ، وعلى علم ودراية بمواقع الضعف في كتب العقيدة التى تدرس خارج المملكة على أسلوب المتكلمين كالسنوسية. بل كان الشيخ ذا عناية بالنسفية قبل أن يصل إلي السعودية ، إلا أن سماحته لا يتظاهر بعلمه. ولكنه إذا سئل ، أو ناقش أو طلب منه الدليل والتأصيل كانت فتواه عن علم مؤصل لا يملكه إلا خاصة من الأسلاف جمعوا بين المعقول والمنقول ، حديثاً وتفسيراً ، وأصولاً ولغة ومنطقاً.
وتعليقاته القليلة على بعض الكتب مثل الكتاب الفحل إحكام الآمدى في الأصول ، كانت قليلة وكانت لمحة عالم "
ويقول الشيخ صالح الأطرم :
" درسنا الشيخ عبد الرزاق في معهد الرياض العلمي ، وفي كلية الشريعة وفي المعهد العالى للقضاء في التفسير ، وفي توحيد العبادة ، وفي العقيدة ، وفي الفقه وفي البلاغة ، وفي النحو ، وفي أصول الفقه فما درس مادة إلا أبدع فيها".
عقيدته السلفية(1/31)
لقد كان الشيخ عبد الرزاق - رحمه الله - من أئمة الدعوة السلفية وأعلامها في هذا العصر وكان - رحمه الله - مدافعاً عنها بيده ولسانه في جميع مراحل حياته.
فهو في مصر كان رئيساً لجماعة أنصار السنة المحمدية التى أسست لنشر التوحيد الخالص ، ومحاربة القبوريين ، وأهل البدع ، فكان الشيخ عبد الرزاق- رحمه الله - كما سبق أحد المؤسسين لهذه الجماعة مع الشيخ حامد الفقى حيث كان نائباً له ، ثم رئيساً للجماعة من بعده.
وما بقي من آثار الشيخ عبد الرزاق المكتوبة كلها يشهد له بصفاء عقيدته في جميع أبواب الاعتقاد ، فمن ذلك حاشيته علي تفسير الجلالينالتى نبه فيها إلي ما وقع في الكتاب من تأويلات أشعرية ، وحواشيه على التدمرية ، والحموية ، والتبوكية وهي تحت الطبع الآن يظهر منها بجلاء أن الشيخ عبد الرزاق رحمه الله كان يسير على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وعلي منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ، وهو المنهج السلفي القويم الحرى بالاتباع.
وقد شهد للشيخ بسلفيته كل من عرفه من علماء عصره وسوف أنقل لك بعضاً من أقوالهم في ذلك :
يقول الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم :
كانت عقيدة الشيخ عبد الرزاق في أسماء الله وصفاته وتوحيد العبادة عقيدة السلف الصالح فيفسر " لا إله إلا الله " بلا معبود بحق إلا الله ، وهذا التفسير هو الحق . وسفي الأسماء والصفات كان على طريقة السلف الصالح فهم يصفون الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل على حد قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).(1/32)
وكان كثيراً ما ينبهنا على دقائق ولطائف ، فمن ذلك أن أحد مدرسي التفسير أثنى على تفسير الفخر الرازى ، وكان عند أحد الكتبيين في الرياض منه نسختان ، فسارعت لشراء واحدة وقرأت فيه ثم ذهبت إلي الشيخ عبد الرزاق وأثنيت على ذلك التفسير ، وقلت له : لكنة لم أسمع مشايخنا يذكرونه أو يقرؤونه على الناس ، فقال لى بغضب : ألا تدرى لماذا : ثم قال : ألا تعرف مشايخ عقيدة سلفية ، وتفسير إذ ذاك لم أسمع لفظةة منهج ، ثم قال : مشايخك مشايخ عقيدة سلفية ، وتفسير الفخر الرازى فيه شوك لا يصلح أن يقرأ على العامة ، ولا يصلح للمبتدئين في التعليم ، فاستفدت من هذه اللفتة من الشيخ اختلاف المنهجيات وبيان المراد بها " .
ويقول الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركى :
لقد امتاز - رحمه الله - عن غالب زملائه وأقرانه الذين درسوا في الأزهر وفي غيره من المؤسسات العلمية ، بشدة متابعته لسلفل الأمة الصالح ، وتركيزه في آرائه وتدريسه على العقيدة الإسلامية الصافية ، المرتبطة بكتاب الله وسنة رسوله (().
ولقد كان يقوم كل بحث أو رأي في ضوء الأسس والأصول الصحيحة التى ألتزمها السلف الصالح ، والأئمة الكبار حينما واجهوا الفلسفات المادية في الأصول والفروع".
ويقول الشيخ عبد الله بن حافظ الحكمى :
" .... ولقد كان - رحمه الله - واسع العلم بمسائل العقيدة شديد التمسك بمذهب السلف الصالح مع المعرفة التامة بالملل والنحل المختلفة وأصولها التى تصدر عنها عالماً بعوارها ومواطن دحضها.
لقد كان- رحمه الله - شديد الإعجاب بشيخ الإسلام ابن تيمية كثير الرجوع إلي مؤلفاته ، وكان مما سمعته منه قوله : ( لم أر لدى المؤلفين في العصور المتأخرة جديداً بل تكرار لما ذكره من سبقهم سوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فإنك تجد في مؤلفاته الكثير من العلم مما لم يسبق إليه "
ويقول الدكتور محمد لطفى الصباغ :(1/33)
وكان تغمده الله بالرحمة سلفي العقيدة ، يدعو إلي الحق على بصيرة ة، وكان رئيس جماعة أنصار السنة في الإسكندرية ، يوم أن كان في مصر ".
ويقول الشيخ مناع خليل القطان :
" كان منهجه السلفي سمة بارزة فيه بأسلوب شائق جذاب يدعمه الدليل والحجة ، ولا يمس أحداً بتجريح ، مما جعل استجابة الناس له عن حب وقناعة "
ويقول الشيخ عبد الله العجلان :
" ... وتعرفت على بعض مراجعة فى الدراسة ، وإعجابه ببعض العلماء وبعض الأئمة في بعض الأمور ، كان تلميذاً مخلصاً على مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن قيم الجوزية قرأ إنتاجهما العلمى قراءة مكررة حتى وعى ما فيها عن قناعة وتشرب فقههما ومنحاهما في الاجتهاد واستقلالهما في أخذ الأحكام من الأدلة الشرعية ، وهو يظهر الإعجاب بهما ولا يخفى على مجالسه تقديره لهذين الأمامين الجليلين ، كما لا يخفى عليه إعجابه بحركة الإصلاح والتجديد في نجد على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في الدعوة وحسن معالجته للمشكلات التى كانت تواجه دعوته ...
ويظهر بجلاء احترامه وتقديره لكثير من علماء المملكة العربية السعودية ، وفي مقدمتهم الشيخان الجليلان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، والشيخ عبد العزيز بن باز في علمهما وعملهما وذكر لي الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى وكان يثني عليه ثناء لعصره بحراً في علمه سديداً في توجيهه ".
وليس أدل على صفاء عقيدته السلفية من أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كان يعهد إليه ببعض الكتب التى فيها مخالفات لمعتقد السلف طالباً منه أن ينبه على مواضع المخالفة.
وإليك صورة مكاتبة بين الشيخ عبد الرزاق ، والشيخ عبد العزيز بن باز حول كتاب الاعتقاد للإمام البيهقى حيث طلب الشيخ عبد العزيز من الشيخ عبد الرزاق تقريراً حول كتاب الاعتقاد للإمام البيهقي ، فأجاب الشيخ عبد الرزاق بما نصه :
سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد :(1/34)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فبناء علي كتاب سماحتك رقم في …/…/ 1404 هـ الذي تطلب فيه تقريراً عن كتاب الاعتقاد للبيهقي.
قرأت الكتاب فوجدته موافقاً للسلف في مواضع كثيرة ومخالفاً لهم في مواضع أخرى ، وسأجمل فيما يلي ما يؤخذ عليه مما خالف فيه السلف في العقيدة :
1. يصف الله وأسماءه بالقدم ، ويسميه بالقديم ، كما يتبين مما تحته خط في الصفحات التالية 6 ، 20 ، 22 ، 37 ، 60 ، 61 .
2. استدل على حدوث الكونيات بأنها محل للحوادث كسائر الأشعرية ، فلزمهم بذلك نفى قيام الصفات الفعلية بالله والتزموا تأويل النصوص المثبتة لصفات الأفعال بما يسمونه قديماً ، كما يتبين ذلك بالرجوع إلي ما تحته خط في ص 7.
3. تأول اسم الله - الرحمن - بالمريد لرزق كل حى في الدنيا ، واسمه - الرحيم - بالمريد لإكرام المؤمنين في الجنة ، وقال : " فيرجع معناها إلي صفة الإرادة التى هي صفة قائمة بذاته تعالى " ويعنى بالإرادة - الإرادة الكونية الأزلية ، لا الإرادة الدينية التى تعنى المحبة ، يتبين ذلك مما تحته خط من ص 15-19 ، وتأويل الإلهية بالقدرة على اختراع الأعيان.
4. ذهب في صفة الكلام إلي مذهب الكلابية ، كسائر الأشعرية ، فجعلها صفة نفسية ذاتية قديمة قائمة بذات الله تعالى ، ورد صفة الحكم المفهومة من اسم الله الحكم وقال : " وقد يكون بمعنى حكمه لواحد بالنعمة والآخر لواحد بالمحنة فيكون من صفات فعله".
وقال مثل ذلك في اسم الله - الشكور - وفي تسمه العدل - يتبين ذلك مما تحته خط من ص 16.
5. فسر اسم الله - العلى - بالأعلي القاهر ، وبالذي علا وجل عن أن يلحقه صفات الخلق وقال : هذه صفة يستحقها بذاته.
وتأول محبة الله عبادة بإرادته رحمتهم وبمدحهم ، وقال : فيرج معناه إلي صفة الإرادة والكلام بمعنى الإرادة الكونبه، والكلام النفسي ، وقال : وقد يكون بمعنى إنعامع عليهم فيكون من صفات الأفعال.(1/35)
كما تقدم بيانه يتبين ذلك مما تحته خط من ص 17-19.
6. قال في اسم الله " المتعالى " هو المنزه عن صفات الخلق ، وهذه صفة يستحقها بذاته وقد يكون العالى فوق خلقه بالقهر " أ. هـ.
وهذا فرار من إثبات علو الله على خلقه بذاته ص 17-19.
7. بعد أن فسر أسماء الله الحسنى وذكر ما رآه فيها من احتمال ووجوه قال : وهذه الوجوه التى في معانيها كلها صحيح ، وربنا جل جلاله ، وتقدست أسماءه متصف بجميع ذلك ، فله الأسماء الحسنى ، والصفات العلي ، لا شيبه له في خلقه ، ولا شريك له في ملكه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " أ. هـ . ص 21.
8. قال في ص 21 أيضاً : فلله عز أسماء وصفات ، وأسماؤه صفاته وصفاته أوصافه " أ. هـ.
فجعل أسماءه صفات ، ومعلوم أن الاسم يتضمن الصفة ـ وأنها بعض مفهومه لا أنه الصفة.
9. في ص 21 -22 قسم صفات الله ، قسمين : صفات ذات وصفات أفعال ، وقسم صفات الذات قسمين : عقلياً وهو ما كان طريق إثباته أدلة العقل مع ورود السمع به ، فإذا دل وصف الواصف به على الذات فالاسم عين المسمي مثل شيء ذات ، موجود ، جليل ، عزيز ، عظيم ، متكبر ، وإن دل وصف الواصف به على صفات زائدة على ذاته قائمة به مثل حي ، عليم ، قادر ، سميع ، بصير ، متكلم ، فالاسم في هذا لا يقال : إنه هو المسمي ولا أنه غير المسمى.
وأما السمعى فما كان طريق إثباته السمع فقط كالوجه ، واليدين ، والعين ، وهذه أيضاً صفات قائمة بذاته ، لا يقال فيها : إنها هي المسمى ولا غير المسمى ، ولا يجوز تكييفها ، فالوجه صفة وليست بصورة ، واليدان له صفتان ، وليستا الجارحتين ، والعين له صفة وليست بحدقة ... إلي آخر ما ذكره في ص 22.(1/36)
ولا يخفي ما في هذا من المخالفة للسلف من أهل السنة والجماعة ، إذ فيه نفى تفصيلى ، والسلف على خلافه ، وإنما يمنعون الخوض في الكيف ويقولون :إنه مجهول أو غير معلوم ، فيفوضون علمه إلي الله تعالى ، كما يمنعون عموماً الخوض فيما لم يخوضوا فيه نفياً وإثباتاً.
10. قال في صفات المعانى السبعة القدرة والإرادة ، والعلم ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والكلام : إنها زائدة على الذات قائمات بها ، ليرد على المعتزلة ، وقال : إنما قال النبي (() : " أعوذ بكلمات الله التامة " على طريق التعظيم . ا . هـ يعنى أن الجمع للتعظيم لا لكون كلامه تعالى متعدد بل هو شيء واحد هو الكلام النفسي الأزلى ، يتبين ذلك ما تحته خط في ص 25 حتى ص 29 ، وفي ص 32 حتى ص 37.
11. ذكر في الاستواء طريقتين : طريقة التفويض ، وطريقة حملة على وجه يصح استعماله في اللغة ، وأتبع ذلك نفياً تفصيلياً للكيفية في الاستواء وفي النزول وفي المجيء والإتيان .. ألخ ص 44 ، وأحال في ذلك على كتابة - الأسماء والصفات.
12. أحسن في إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة بالإبصار ، وفي إقامة الأدلة على ذلك ، وفي رده على منكرى رؤيته تعالى ، ولكنه يري أن الله عز وجل لا يري في جهة ، بل يراه الراءون في جهاتهم كلها ، لأنه يتعالى عن جهة ص 51.
13. قال في أفعال العباد : إنها كسب لهم على معنى تعلق قدرتهم بمباشرتهم التى هي إكسابهم ، ووقوع هذه الأفعال أو بعضها على وجوه تخالف قصد مكتسبها يدل على موقع أوقعها كما أراد غير مكتسبها والله ربنا خلقنا وخلق أفعالنا .. الخ ص 60 ، 61.
وهذا إلي القول بالجبر أقرب منه إلي القول بإثبات الاختيار للعبد في أفعاله.
14. وفسر ما جاء في الحديث من أن " قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن " بأن المراد به كونه القلب تحت قدرة الرحمن .
15. أخطأ في تفسير آيات في اللامشيئة ص 71.(1/37)
16. ذكر كثيراً من الأحاديث ولم يبين درجتها من الصحة ، والضعف والمقام مقام الاستدلال في العقيدة ، والجملة فالكتاب نافع ، وفيه خير كثير ، ويمكن التعليق عليه في مواضع الخطأ ، أو التنبيه على ذلك في مقدمة له ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
عبد الرزاق عفيفي
الفصل السادس
حكمته في الدعوة إلي الله
ومنهجه في التعليم
لقد كان الشيخ عبد الرزاق - رحمة الله - حكيماً في دعوته إلي الله تعالى ، وفي تعليم الناس ممتثلاً قوله سبحانه وتعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) فكان يترفق بالجاهل ويتواضع للمتعلم ويلتمس أفضل السبل لتوصيل دعوته ، وقد أثابه الله تعالى على حسن صنيعه فكان لدعوته أبلغ الأثر ولتعليمه أكبر النفع ، ولا غرابة حينئذ أن يشهد له طلابه بأنهم لم يروا في معلميهم أحسن منه تعليماً.
وقد ذكر شيخنا عبد الله بن قعود - حفظه الله - أنه كان أحد ثمانية طلاب هم الدفعة الأولى بالمعهد العالي للقضاء أول افتتاحه حيث كان الشيخ عبد الرزاق مدير المعهد وكان الشيخ محمد الأمين الشنقيطى مدرساً فيه ، وهؤلاء الطلاب هم الآن من أعمدة هيئة كبار العلماء.(1/38)
فيذكر الشيخ ابن قعود أنه بالرغم من سعة علم شيخهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطى رحمه الله ، فإن معظم استفادتهم وتكوينهم العلمي كان على يد الشيخ عبد الرزاق بسبب أن الشيخ محمد الأمين كان كثير الاستطراد فيخرج كثيراًَ عن موضوع الدرس إلي أبحاث لغوية ، أو أصولية ، أو غيرها مما يقطع تسلسل المعلومات ، بخلاف الشيخ عبد الرزاق الذي كان يلخص لهم موضوع الدرس في نقاط مرتبه مسلسلة فلا ينتهي الدرس إلا وقد حفظه الطلاب أو كادوا - رحمة الله على الجميع - ويذكر الشيخ ابن قعود حفظه الله أيضاً أنه في بعض الأحيان كان يتغيب بعض المدرسين فيدخل الشيخ عبد الرزاق ويسألهم ما درسكم اليوم : فيقولون : درس كذا في أي علم من العلوم ، فيشرحه الشيخ عبد الرزاق بدون إعداد شرحاً أفضل من شرح المدرس الأصلي.
وقد سمعت الشيخ عبد الرزاق رحمه الله وقد سأله سائل : بماذا تنصح لطلبة العلم والدعاة ؟ فأجاب قائلاً :
" الدعاة يدعون إلي ما تعلموا ، ويبدؤون بالتدريج بالأهم فالأهم ، فالعقيدة قبل الفروع كما فعل الرسل وينتهز الفرص ، كذلك طلبة العلم كما يبدؤون غيرهم بالدعوة إلي التوحيد ، ويبدؤون بتعلم التوحيد قبل الفروع. والرسل لم يتعرضوا للفروع في أول الأمر إلا الفروع الشديدة التى تتفشي فيها المخالفة ، فشعيب عليه السلام حذر من نقصان الكيل ، ولوط عليه السلام حذر من الفاحشة ، وهذان الأمران يتصلان بالأخلاق والأخلاق قرينة التوحيد.
وفي الفروع يتدرج ، فالربا لم ينزل تشريعه إلا في آخر التشريع ، وشرب الخمر كان تركه صعباً فتأخرت الدعوة إلي تحريمه.
وفي الدعوة للعقيدة تدرج فالرسول (() لم ينه الصحابة عن الحلف بغير الله إلا مؤخراً إلا من باب الوسائل ، وفي هذه الحالة إذا أري منكراً لم يأت الوقت لبيان حكمه يسكت ولكن لا يدعو إلي المنكر " أ. هـ.(1/39)
وقد حدثني الشيخ عبد الرزاق رحمه الله أنه كان يخطب في مسجد أنصار السنة في مصر أيام الملك فاروق عن قصة موسى عليه السلام ، و يحض من خلالها على اتباع داعية الحق ، ويلمح تلميحات يفهمها الحاضرون ، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تؤخذ عليه ، وقد ذكر جماعة من تلاميذ الشيخ مواقف روأها منه تتجلي فيها حكمته في الدعوة.
فمن ذلك : ما سبق نقله في الفصل الأول عن سيرته بمصر في المرحلة الرابعة بالإسكندرية. ارجع إليها ففيها أمثلة عظيمة في الدعوة والتعليم. وإليك بعض ما كتب في ذلك :
يقول الدكتور - محمد لطفى الصباغ :
وقد حدثني رحمه الله أراد أن يحذر إخوانه في مصر من دجل الدجالين من القصاص والوعاظ الذين يأتون في دروسهم بالأقاصيص الممتعة التى تشد السامعين ، وتمتعهم وتستحوذ علي إعجابهم ولا أصل لها ، والعامة هذا شأنهم في أغلب البلاد ، فألقي عليهم درساً ملأه بمثل تلك الأقاصيص الغربية فأعجبوا بالدرس واستمتعوا فلما رأي ذلك بادياً على وجوههم سألهم : ما رأيكم ؟ أهذا الدرس أحسن أم الدروس السابقة ؟ قالوا : بل هذا. إنه درس جميل ممتع.
فقال لهم : هذا غير صحيح . وما كنا عليه في دروسنا السابقة هو الصواب.
فأفهمهم بهذه الطريقة العلمية أنه ليس عاجزاً عن أن يأتي في دروسه بما يستحوذ على إعجابهم ، ولكن الحق هو الذي ينبغي أن يكون رائد الموجه والعالم.
إن العالم ينبغي أن يكون مربياً مرشداً يقول الحق ، ولا يخشي في الله لومه لائم ، لا يدري ولا يتكلف التأويل ليسوغ للناس ما يحبون من الخرافات والأباطيل.
وقد ابتلي المسلمون من زمن بعيد بالقصاص الذين يملؤون مواعظهم بالأحاديث الموضوعة والواهية ، ويأتون بالقصص الغربية ولوكانت باطلة ليجعلوا الناس يقبلون عليهم فكان الشيخ رحمه الله يحذر الناس من الوقوع في أحابيلهم.
وكان حكيماً في تصرفاته يفرض احترامه على الآخرين مهما كان رأيهم فيه ، فما كان يقدم على تصرف يعرضه إلي الحرج أو الانتقاد.(1/40)
وكان بعيداً عن المرء والجدل الذي لا طائل من ورائه ، ولا يخوض في الموضوعات التى لها حساسية ويتركها للآخرين.
وكانت له آراء خاصة في بعض المسائل العلمية لا يذكرها إلا للخاصة من أصحابه ، ولا يسؤوه أن يكون هناك من يخالفه فيها ، وإذا ذكرت الآراء المخالفة له أمامه لا ينفعل ولا يتشنج لأنها تخالفه يل يقول : لكل رأيه ، وهذا خلق عظيم ما أحوج العلماء إليه.
لماذا نمنع أن يكون للعالم المؤهل الاجتهاد والنظر آراء تخالفنا ؟ إن الحق ليس مقصوراً على مذهب معين ، ولا يحتكر ناس معنيون ، وقد يدرك المتأخر أمراً لم ينتبه إليه المتقدم.
ويقول الشيخ يوسف المطلق :
وكان يحذر من البدع ودعوته دائماً ترى وفيها الحكمة والموعظة الحسنة ، وإذا رأي أحداً متلبساً بمنكر في لباسه أو هيئته قام بنصح عام بالتلميح ، وضرب المثل حتى لا يدرك الحاضرون أنه يعني شخصاً بعينه ، بينما المقصود بالنصيحة يدركها ويخرج شاكراً مستفيداً.
وعرف الشيخ بالحياء والصمت إلا فير حقه وكان طلابه يهابونه حياء ويقدرونه في أنفسهم.
ويقول الشيخ صفوتن نور الدين - رئيس جماعة أنصار السنة بمصر :-
ولقد كان الشيخ - يرحمه الله - مثالاً يحتذي في الفتاوى دقة والتزاماً ، فقد جالسته سائلاً مستفتياً كثيراً في مواسم الحج لأعوام متعددة ، فكان يختار من الألفاظ المعبرة ، ثم يبين التغير في المعنى إذا اختير غير هذا اللفظ ، ولقد كان بالغ العناية باحترام أقوال إخوانه العلماء ، فإذ أصدرت الفتوة في مسألة ، وله رأي مخالف ، وسأله أحد عن هذه الفتوىم أفتى بقول جماعة العلماء ، ولو لم يكن هو رأيه ، بل وجدته يحبس رأيه عن المستفتين إذا وجد أن هذا الرأي قد يحدث وبينهم شقاقاً ، ولا يبرزه إلا لطلبة العلم الذين يعرفون الأدب عند الاختلاف وتوقير العلماء ، وذلك هو شأن السلف الصالح ، كقول على بن أبي طالب رضي الله عنه : " حدثوا الناس بما يعرفونه أتحبون أن يكذب الله ورسوله".(1/41)
ويقول أبو عيد الرحمن بن عقيل الظاهرى :
وكان رحمه الله منصفاًفي جدله العلمى يفرق بين صحة الدعوى ذاتها أو فسادها وبين صحة أو فساد البرهان المستدل به على الدعوى ، ويري أن فساد حجة ما لا يعنى فساد المدعى ، ولهذا تراه يناقشك في أدلتك أو اعتراضاتك ، ثم يهلهلها مع أنه يوافقك في المدعى.
وتكوينه العلمى يعلم طلابه الحرية الفكري. ولهذا فهو يري النقاش في الدرس والأطروحات وسيلة للاستقلال الفكرى بأن يكون الطالب قادراً على الاحتجاج والاعتراض .. أما صحة المذهب في ذاته فأمر مرود لاجتهاد طالب العلم خارج أسوار خارج أسوار المعهد وفق ما لديه من حصيلة علمية وفطرية فكرية ونزاهة خلقية.
ويول الشيخ يوسف الأطرم :
أما منهجيته فتمتاز بوضوح الكلام وقلته وتكييف المادة بحيث تصل إلي الأذهان من أول وهلة ، بديع في تفكيك عبارة المؤلفين باختلاف المواد وإذا استغربنا ما سمعناه من المعانى التى لا ندركها بمجرد قراءة الكتاب وسألناه من أين هذا ؟ قال : هذا من كتابكم لم آت بغريب.
وكانت دراسته في الفقه لي مذهب مالك ويدرسنا في المقنع على مذهب احمد بكل سهولة ، وكان للخلاف في الفقه عندنا روعة واستعظام حتى سألناه من أين تأتي الكلام ؟ فقال : ما قرأت غير كتابكم الذي بين أيديكم وهو المقنع. ثم أخذ يشرح لنا فقال : التدريس فهم الكتاب ، وأهدافه ، ومنهجيته ، واصول مذهبه. وضرب لنا مثلاً في القصاص من السكران عند قول المؤلف : " وفي القصاص من السكران روايتان إذا تعمد السكر ، فعند من قال فيه القصاص لاحظ أنه تعمد إزالة عقله ، ومن قال : إنه ليس فيه قصاص ؛ الحقه بمن زال عقله بعذر ومن هنا نشأ الخلاف " ، ثم قال رحمه الله : هكذا كل خلاف يكون له مأخذان من الأدلة ، والتنفيذ يكون حسب ما مشت عليه دراسة الفقيه في البلد من المذاهب الفقهية.
الفصل السابع
إدراك الشيخ لواقعه
وما فيه من مذاهب واتجاهات(1/42)
لقد كان الشيخ رحمه الله مدركاً لما يموج به عصره من آراء واتجاهات بما يمكنه من الحكم الدقيق عليها ، وله أسوة في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي كان يعرف من تفاصيل مذاهب خصومه من فلاسفة ، ومتصوفة ، ورافضة وغيرهم أكثر مما يعرفونه هم عن مذاهبهم كما يتضح هذا بجلاء لمن قرأ في كتبه.
فمن ذلك أني سألته عن رأيه في جماعة الإخوان المسلمين ورأيه في اتهام بعض قادتهم بأنهم كانوا من الماسونية فأجاب :
التشكيك في شخصية البنا والهضيبي غلط ، فهذا ظن سوء ليس له أساس فهما ضد الماسونية ، والعيب الموجود في الإخوان أنهم لا يمسون تفاصيل الدين ، فكل حديثهم عن جمال الإسلام وسماحته ، وهدفهم تجميع الناس على الإسلام لا على الماسونية ، ولا يتصور أنهم يمهدون لتوجيه الحركة الإسلامية لأن حسن البنا رحمه الله مات فهل كان يهدف إلي التوجيه بعد مماته ؟ والإخوان هم الذين حاربوا اليهود تطوعاً.
وسألته أيضاً عن رأيه في منهج الدكتور عمر عبد الرحمن فأجاب :
منهجه ليس بسليم من ناحية الجرأة أكبر من القوة التى أعدها ، وضررهم أكبر من نفعهم ، وقد ذكر الله قاعدة ( وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) فعليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان ، ولا يجوز لهم تغيير منكرات يترتب عليها منكر أشد ، الرسول (() لم لم يقم الجهاد في مكة وأخره حتى ذهب إلي المدينة ؟
لماذا عاهد جماعة من الأنصار في مكة على أن يحموه ، وهاجر إليهم بناء على هذا العهد ؟ هذا كله تمهيد لكسب القوة في التطبيق ، وهاجر ليمنع الإثارة -حوله ، وليهدأ الجو حتى تتاح الفرصة للجهاد بالسيف ، فنظام الإسلام أن الدعوة بالتدريج ، والحالة في مصر الآن أردى من العهد المكى فالتبرج والسفور بالصور الحالية في مصر ، لم يكن في مكة قبل الهجرة ، وكانت دعوة الرسول (() في مكة باللسان لم يستعمل يده حتى خرج من مكة فالدعوة الآن في مصر يجب أن تكون باللسان.(1/43)
1. يقول الشيخ محمد لطفى والصباغ :
لقد كان الشيخ رحمه الله يعيش عصره ، ويدرك بعمق شراسة الغزو الفكرى والاستعماري للمسلمين ، ويعرف التيارات الفكرية ، والسياسية التى تسود العالم وتغزو بلاد المسلمين يعرفها تمام المعرفة ، وهذه صفة لم تكن موجودة في كثير من علماء عصره.
وكان بعيد النظر ، عميق الفكر ، له جولات نقدية موجزة يدركها الواعى من جلسائه ، ولا يذكر في مجلسه أحد بسوء.
وكانت معرفته بالرجال المعاصرين من الأعلام معرفة دقيقة ، وكان حكمه عليهم حكماً سديداً. يعرف أوضاعهم الاجتماعية وعادات بيئاتهم ومدى وتأثرهم بذلك كله.
2. ويقول الدكتور حبيب بن مصطفي زين العابدين - وكيل وزارة الأشغال العامة بالمملكة.
أكتب اليوم عن بعض جوانب حياة الشيخ عبد الرزاق عفيفي التى عرفتها كتلميذ له ، واكتشفتها من خلال لقاءات علمية عديدة جمعتنى به ، لقد كان - يرحمه الله - رحب الصدر ، عميق الفكر ، واسع المدارك ، عالماً بعصره وما يدور فيه ، ولهذا كانت فتاواه وإجاباته عن أسئلة تلامذته أقرب للواقع والعصر الذي نعيشه ، وكان يستشيره عدد من كبار علمائنا الأفاضل ويأخذون برأيه في المسائل المختلفة وخاصة تلك التى تمس التجارب والخبرات ، والمسائل التى تتعلق بما ظهر في عصرنا ، وعالمنا من أمور حديثه.
وفي جلسة حوار دارت حول تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي بينه وبين عدد من خبراء الاقتصاد الذين ينشدون السعي لتطوير النظام الاقتصادى الإسلامي ، سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي عن إمكانات عديدة تسمح بالتدرج في تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي وعدم التشديد والتضييق أول الأمر.(1/44)
فأجاب - يرحمه الله - بقوله :- يجب ألا نكتفي بالأسئلة النظرية التى ليس لها أي مردود علمى.وأردف قائلاً : لقد درسنا كثيراً من الأمور النظرية ، بل قدمنا فيها الفتوى المناسبة بهدف أن نجد التطبيق العلمى لها ، وإذا بها تتعثر لعدم وجود الدعم الكافى لها ، أو أن الكثير تخطاها بفتاوى تجاوزت الحدود الإسلامية المقبولة.
الفصل الثامن
عبادته
يقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :
وكان يحج كل عام منذ أن هاجر إلي المملكة. ويدرس في الحرم ويفتى الناس في شؤون دينهم ولا سيما في أمر المناسك. وله اقتراحات نافعة أخذ ببعضها بالنسبة إلي الضحايا الهدى. وقد حججت معه مرات ، وأشهد أنه كان في المواقف ولا سيما في عرفات كثير التصرع ، يدعو ربه ويجتهد في الدعاء والدموع تنهمر على لحيته يسأل الله المغفرة والرضوان وإصلاح أحوال المسلمين ويطيل في ذلك.وقد حج في هذا الموسم الأخير على الرغم من ضعفه بسبب الشيخوخة وإصابته ببعض الأمراض.
ويقول الشيخ يوسف المطلق :
وبلغنى من عبادته أنه كان اشد الناس محافظة على السنة والعمل بها.
قلت : ومن ذلك محافظته رحمه الله على صلاة الجماعة في المسجد حتى وهو في أصعب الظروف الصحية ، وقد رأيته رحمه الله وهو يذهب إلي المسجد متكئاً على العصا والجدار تارة ، ومتكئاً على كتف ابنه تارة ، ثم رأيته وهو يذهب إلي المسجد مدفوعاً على العربة بعد أن عجز عن المشي في آخر عمره ، وكان رحمه الله مبكراً إلي المسجد محافظاً على السنن القبلية والبعدية.
وقد كان رحمة الله محافظاً على الهدى النبوى الظاهر من إعفاء لحيته البيضاء الكثة وتقصير ثوبه فوق الكعبين.
وكان من عاداته رحمه الله التداوى بالحبه السوداء لما ثبت فيها من الحديث.
الفصل التاسع
كرمه وجوده
من مكارم الأخلاق التى كان يتحلى بها الشيخ رحمه الله خلق الكرم والجود متمثلاً قوله (() : " إن الله كريم يحب الكرماء جواد يحب الجودة ".
وقد شهد له بذلك كل من عرفه.(1/45)
1. فمن مظاهر كرمه أثناء إقامته بمدينة شبين الكوم ما ذكره الشيخ مناع خليل القطان حيث يقول :
استأجر بيتاً لسكناه ( وهو عزب ) فأسكن معه طلاب بلدتهى " شنشور - منوفية "
ثم تزوج وسكن في بيت مستقل ، ولكنه كان يدعو طلابه إلي بيته. ويرعاهم كما يرعى الأب أبناءه.
2. ويقول الدكتور محمد لطفى الصباغ :
كان مما يمتاز بع سعة صدره ، وبعد نظره ، وزهده في الدنيا ومتاعها ، وحبه الخير للناس جميعاً، وبذله جاهه في مساعدة الآخرين.
وكان كريماً كرماًن أصلياً لا يتكلف يريد المباهاة والمفاخرة ، بل يقدم ما تيسر وما كان أعده لنفسه ، وكان بذلك قادراً على أن يقيم في كل يوم وليمة ، وكان إذا علم بمجيء عالم يعرفه دعاه إلي الطعام ، وقد حضرت كثيراً من هذه الولائم ، وبيته مفتوح كل ليلة للزائرين ، وطلاب العلم ، والمستفتين ، والذين يبغون الشفاعة في أمر من أمورهم.
3. ويقول الشيخ عبد الله بن جبرين :
كما أنه يكرم من زاره ويقدم ما حضر بدون تكلف ، ويجود بما يقدر عليه دون أن يمن بما أعطاه ، أو يرد من سأله وهكذا دأبه مع العلماء ، وطلبة العلم ، والأصحاب والزملاء الأقدمين فهو جواد كريم بما إعتاده ، ومجيب لمن دعاه بدون تكلف أو تشدد.
ومن مظاهر كرمه العظيمة أثناء تدريسه بالمعهد العالى للقضاء ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى حيث يقول :
ومع أنه اكتفي برويتبه وبقى في فليلة بحارة شعبية لا تليق بأصغر تلامذته ، فإنه لم يدخر من هذا الرويتب شيئاً ، فقد كان يوزعه على أسر فقيرة في مصر ، وكان له صدقات في رمضان سخية على بعض المستحقين بالمملكة. وعندما كنت بالمعهد العالى للقضاء كان هناك مكافآت للطلاب المغتربين تتأخر عليهم فكان يقرضهم ، وكان يتنازل عن حقه لدى هذا ويأخذ بعض حقه من ذلك.
4. ومن أبرز مظاهر جوده(1/46)
أنه كان يمتلك داراً بمكة المكرمة فوقفها على دار الحديث الخيرية لتكون له صدقة جارية وفي هذا يقول منسوبو دار الحديث الخيرية في كلمتهم التى نشرت بصحيفة الندوة عدد 10883 بتاريخ 13/4/1415 هـ :
ولقد كان رحمه الله حدباً على دار الحديث الخيرية ومنسوبيها ، عطوفاً عليهم ، قوى الصلة بهم ، ولا أدل على ذلك من أنه أوقف داره بمكة المكرمة على هذه الدار ، مما يترجم عن عظيم حبه وتقديره لهذه الدار المباركة.
الفصل العاشر
تواضعه
ومن مكارم أخلاقه التواضع عملاً بقوله (() : " من تواضع لله رفعه ".
وقوله (() : " يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم".
يقول الشيخ عبد الله بن حافظ الحكمى :
وكان - رحمه الله - في أخلاقه محل القدوة والأسوة ، شديد التواضع تغلب عليه البساطة في مجلسه إذا ارتاح لمحدثه استرسل في ذكر بعض الأحداث والمواقف ونزل معه على قدره صغيراً كان في سنة أو منزلته ، ولذا كان - رحمه الله - محبوباً من كل من يعرفه ممن عمل معه أو تتلمذ عليه ، محل الإجلال من الجميع والتقدير.
1. ويقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :
وعلى الرغم من تلمذتى عليه ما كان يعاملنى إلا على أنى زميل له تواضعاً منه وكرماً ، أحسن الله إليه وجزاه عنا الخير.
وكان يعرف للناس أقدراهم ولا سيما إن كانوا غرباء ، وكان متواضعاً يكرم الصبيان والفتيان ، ولا يدعوهم إلا بألقاب التكريم ، ويتودد إليهم. وقد رأيته يوم أن جاء الشيخ حسن حنبكة أحد كبار علماء بلاد الشام لزيارة مفتى المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم رأيته في قمة التواضع ، إذ كان يؤثر الكثير على الجلوس في المقاعد المتقدمة مع أنه أجدر منهم بهذا التقديم.
2. ويقول الشيخ مناع القطان :
أضفي عليه تواضعه حلة من زيادة التقدير والاحترام لدى كل من عرفه.
ـــــــ
الفصل الحادي عشر
حلمه وسعة صدره(1/47)
ومن مكارم أخلاقه الحلم وسعة الصدر والحلم خلق يحبه الله تعالى كما جاء في قوله (() ( لأشج عبد القيس ) : " إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة ".
1. يقول الشيخ عبد الله بن جبرين :
أما أخلاقه فقد عرف منه لين الجانب ، وطلاقة الوجه ، وحسن الملاطفة فهو أمام الزوار ، والتلاميذ ، والزملاء دائماً يظهر الفرح والسرور ، والانبساط في الكلام والإجابة على الأسئلة بدون غضب أو ملل أو تبرم أو رد شديد للسائل.
فجليسه يلقي منه كل المؤانسة والتبسم بحيث لا يمل جليسه ولا يزال يتلقي عنه أنواعاً من الفوائد واللطائف وغرائب المسائل.
2. ويقول الدكتور محمد لطفى الصباغ :
وكان يتصف بسعة الصدر وحسن المناقشة والحلم وإلانة لقول لمن يسأله ويناقشه، فقد ذكر لى الشيخ ناصر الدين الألباني أنه في أولم قدمة جاء فيها المملكة من بضع وأربعين سنة قابل عدداً من المشايخ وذاكرهم في مسألة قررها شيخ الإسلام ابن تيميه وهي مشكلة في نظره ، وقد أنكرها ، فاشتدوا عليه إلا واحداً وكان هو الشيخ عبد الرزاق عفيفي الذي تلطف به وناقشه في الموضوع ، وكان الشيخ الألباني يذكر هذه القصة مشيداً بالصفات الكريمة التى تميز بها الشيخ رحمه الله.
3. ويقول الشيخ يوسف المطلق :
وكان يخصص ووقته بين إجابة السائل شخصياً ، أو تحريراً ، وما كان يسأم من السائلين بل كان يبذل جهداً حتى يفهم سائله.
4. ويقول الدكتور حبيب مصطفى زين العابدين - وكيل وزارة الأشغال :-(1/48)
وذهبت مرة استفتي أحد كبار العلماء الأفاضل في مسألة خاصة ، واستدعت الفتوى أن أراجع هذا العالم الفاضل واستوضح بعض جوانب فتواه ، ولم يزد ذلك على سؤالين أو ثلاثة ، وبهت عندما هب هذا العالم واقفاً وأقفل الحديث وخرج من المجلس ، ذهبت بعدها مباشرة إلي الشيخ عبد الرزاق عفيفي وهو مريض على فراشه في غرفه نومه فأحسن استقبالي وأحضر لى الشاي وحاورته في مسألتى حتى اتضحت لى الأمور ، وغادرت بيته معجباً بعلمه ورحابة صدره وصبره ، وتمثلتم فيه العالم القدوة ، ودعوت الله له دعوات حارة صادرة من أعماق قلبي .. ويكفي الشيخ فضلاً أن يذكر عنه وزير الأوقاف والشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة ، ومدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً أنه ما من طالب درس بالجامعة ، أو أستاذ عمل بها إلا ويعد من تلامذة الشيخ.
الفصل الثاني عشر
رحمته بطلابه ونصحه لهم
كان الشيخ رحمه الله رحيماً بطلابه مشفقاً عليهم يسعى في مصالحهم ويريد الخير لهم عملاً بقوله (() : " الراحمون يرحمهم الله. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
وطالب العلم هو وصية رسول الله (() فلذا صار دأب العلماء المخلصين العاملين الاحتفاء بطلابهم والحرص على إفادتهم وتعليمهم مستحضرين قوله تعالى ( كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ).
1. يقول الشيخ مناع القطان :
كان يزن طلابه بميزان دقيق في الجوانب المتعددة ، ولا يخفي حبه لمن يتوسم فيهم الخير . فيعاملهم - وهم بمنزلة أبنائه - معاملة الأخ الأكبر لإخوانه الصغار.
2. ويقول الشيخ صالح السدلان :
ولا تكاد تجلس معه قليلاً من الوقت إلا وتخرج بفائدة علمية ، أو أدبية ، أو خلقية .. وأعرفه لا يحب الكلام في أحد كما تميز رحمة الله بوضوح العبارة ، ولم أر مدرساً مثله في إيصال المعلومات وقلة الحشو ..(1/49)
ولم يكن يدرس مادة إلا وأكملها وكان رحمه الله من المفيدين في التدريس وغير المخوفين في الامتحانات..
وكان ينصف الطلاب على مستوى الدرجات العلمية ومن شدة دقته في التصحيح لم يكن يساوى بين طالبين بدرجة واحدة ، وكان يتميز بالثقة وقوة الإرادة.
3. ويقول الشيخ صالح الأطرم :
وقد اشتهر الشيخ عبد الرزاق بحبه للنفع وبذله للنصح ، فهو المستشار الناصح لكل من استشاره من مسؤول أو من سائر الأفراد ، وكان ثاقب النظر عارفاً بطلابه واتجاهاتهم ، من يصلح للقضاء أو للتدريس في حقول التعليم أو في الوظائف الإدارية ، وكان حريصاً على تأهيل من يتولون المسؤوليات من قضاء وتدريس وأعمال إدارية.
ومما أستحضره من نصحه لما اقترح اختبار نصف العام جاءت مشكلة المكفوفين فحل المشكلة بأن يختبروا شفوياً فكأن المكفوفين لم يرغبوا ، فما زاد على كلمة واحدة وهي قوله : إنه أرفق بكم ، فليس كل واحد سيجد كاتباً وبعد خروج النتيجة حصل الرضا فأدرك المكفوفين نصح الشيخ.
ومن نصحه لى شخصياً لما درست السنة الأولى في المعهد العالى للقضاء لم أدخل الاختبار فغلظ على اللوم فاعتذرت بعدم المذاكرة ، فقال لى : ادخل الاختبار وأجب بم اعندك ، فلم أفعل ، ولما بدأت الدراسة في العام الثاني بالمعهد العالي وللقضاء أعاد على النصح بمواصلة الدراسة فأبديت الرغبة واستشرت الشيخ عبد الرزاق عمن اذاكر معه ، وذكرت له شخصياً ، فقال : اعزم على مواصلة الدراسة ، وأنا أعرف من يناسبك وتناسبه في المذاكرة ، فحقق ما قال غفر الله له وجزاه الله عنى والإسلام والمسلمين خيراً ، وكان نصحه مع كل واحد ولكنى ذكرت نموذجاً مما يتصل بي.
4. ويقول الشيخ حسن محمد إسماعيل أحد تلامذة في المعهد الأزهرى بالإسكندرية 1361 هـ.(1/50)
وأمسكت بالقلم للكتابة وفكرت من أين أبدأ ، ورأيت أن من الواجب أن أكتب من أول يوم تقابلت فيه مع الشيخ عندما ذهبت إلي المعهد لتقديم أوراقي وإذا بفضيلة الشيخ يقدم لنا أسئلة شفوية لاختبار قدراتنا فأثنى على بعضنا ، وقال للمسئول خذ منهم فوراً ولا داعى لأن يعودوا غداً لأن الوقت كان قد انتهي ، فشكرنا له حسن صنيعه وكيف أنه عاملنا هذه المعاملة الطيبة.
5. ويقول الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى حاكياً بعض ذكرياته عندما كان طالباً بالمعهد العالى للقضاء ، والذي كان الشيخ عبد الرزاق مديراً له ، ومدرساً به :
وقد زاملت في المعهد من هو في دور مشايخي ، وما دام التغابن في العلم من باب التنافس المحمود فما غبنني إلا جبهات وكتل من العقل البشري جاءت إلي المعهد بعدي وتخرجت قبلي بسنين ، ومنهم من كان أول ممتازاً منذ بدأ إلي انتهي مثل أصحاب المعالى الداكاترة : عبد الله التركي ، وحمود الفايز ، وعبد العزيز الربيعة.
جئت إلى المعهد وكان الشيخ عبد الرزاق يكن لى ذكريات حي - وإعجاب كما يفرح الأب بابنه النجيب، إلا أنه وجدنى على غير عهده ، إذ وجدك شيئاً من الأناقة في الملبس والمظهر مع توسع الأدباء والظرفاء فلم يغسل يده منى لأنه يحس عندى عناصر من التأصيل الشرعي ، ولم يفرح بي كماك يفرح بنجباء تلامذته الذين لا يزالون على سمتهم.
وقد فضحتني الصحافة أو فضحت نفسي بها بشيء من الترطيب الفنى حيث إنني لم أبال بمشايخى في مقدمتى لكتيبي نظرات لاهية ، وكان إذا رآني وأحس بأن الساحة خلخية من سامع رمى كليمة من مثل قوله : " يا أبا عبد الرحمنت لا يسقط الزنبيل ".
كأنه يريد أننا نريد رفعتك ، وأنت تأبي إلا أن تتدلى.
وعندما كنت طالباً في المعهد كنت أحمل شيئاً من الصلف الأبي والصحفى أمام جهابذة العلم ، وأحضر فصول الدراسة للاعتداد بنفسي أكثر من الاستفادة من مشايخي.(1/51)
وقد نغصت على مشايخ لي من أمثال البجيرى ،والدسوقي 'لا أن الشيخ عبد الرزاق لم يترك مجالاً لفضولى مثلي لأنه يأسرني فكراً ، ووجداناً ، ولغة إذا تحدث فأصغى للدرس وأستفيد على الرغم منى. ومن سخافاتي انني أحضر للآية التى سيفسرها من أكثر من تفسير لاستدرك عليه شيئاً فاته فإذا شرع بدرسه تبخر كل شيء في جعبتى ، لأنه يتناول الموضوع تناول الخاصة من العلماء الذين جمعوا بين الحفظ والذكر فكانت مادته دسمة ، وكان قديراً على التوصيل لأنه كان جذاباً ومغرياً ، وما سمعت منه قط كلمة مؤذية ولكنه كان يفرض هيبته.وكان احترام الطلاب له تلقائياً وبشكل عجيب.
وانتهت من المعهد بدرجة مقبول ، وكانت هذه الدرجة إنقاذاً منه لى وقد صرح أمام لجنة المناقشة أن انتشالي تقديراً لي وليس لبحثي إذن لم أنل من الشيخ عبد الرزاق شهادة علمية ، وإنما فوت منه بمنهج تربوى تعليمى كرم ، فعندما تأزمت لشيخي البجيرى رحمه الله ، وتولى الإشراف على فترة قليلة ريثما أعادنى إلي مشرفي الول تخلقت منه بخلق علمى ، فكنت ألخص أقوال بعض العلماء بفهمي وأسلوبي فيطالبني بالتنصيص ثم يستعيد النص منى مراراًغ حتى ويبين لى أن ما فهمته ولخصته كان فهماً خاطئاً.
وأحياناً أنقل نقلاً عن عالم ثم أحيل إلي أقوال آخرين ظاناً أن كلامهم كان واحداً فيطالبنى بالتنصيص ثم يظهر لي فروقاً دقيقة يتضح بها أن كلامهم مختلف وليس واحداً. أ . هـ.
الفصل الثالث عشر
زهده وورعه
1. يقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :
وكان الشيخ عبد الرزاق رحمه الله متواضعاً زاهداً في متاع الدنيا ومناصبها ، لا يغشي منازل الوجهاء والأغنياء إلا أن دعي ، وكان ويتعفف إن حضر ولا يقول إلا ما ويرضي ضميره ، ولعل زهده هذا هو السبب في عزوفه عن إلقاء المحاضرات وحضورها.
وكان يبذل جاهه في خدمة الناس الصالحين ومعونتهم ، وكان لا يرد صاحب حاجة يستطيع أن يقضيها له.
2. ويقول الشيخ عبد الله بن حافظ الحكمى :(1/52)
كان شديد الزهد في أعراض الدنيا يلبس الخشن من الثياب في آخر حياته ويرتاح لذلك ويعلله بأنه يناسبم بدنه صحياً.
3. ويقول الشيخ يوسف المطلق :
ولقد كان مثالاً للإخلاص والقدوة الحسنة في زهده وورعه.
4. ويقول الشيخ مناع القطان :
وقد عاش الفقيد متقشفاً زاهداً بعيداً عن المظاهر العامة بمنأى عن أضواء وسائل الإعلام.
5. ويقول الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركى :
إن فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي يتصف بصفات يندر أن تجتمع في شخص : غزارة العلم ، ورجاحة العقل ، والزهد في الدنيا ومظاهرها ، وحب الخير للآخرين ، وبذل جاهه وماله في ذلك.
6. ويقول الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى :
والبرهان على أنه ليس طالب مجد دنيوى أنه ما التمس سبيلا لازدياد كسب مادى غير رويتب تلقاء عمله الوظيفي الذى كرس له كل وقته وما اكثر الكسب المادي لو ارادها .
وبعد عن الاعلام والإعلاميين بعد لا هوادة فيه وما عرفت من الشيخ عبد الرازق حياة قط غير حياته بين طلابه فى الصف او بين مريديه ى بيته يقرأون عليه ويسالونه او فى صميم علمه الوظيفي لدى سماحة الشيخ محمد بن ابلاراهيم يذاكره فى العلم ويستفتيه قى واقع الطلبة الذين يرشحون للقضاء والمناصب القيادية وكان رحمه الله عمدة فى ترشيح الخريجين وتزكيتهم .
ولما احيل للتقاعد مرت سنون لم يراجع لاستلام استحقاقه لانه وقله من المشايخ خراج المملكة يتورعونعن التقاعد من دون ان يكتب فتوى فى ذلك وانما حمل نفسه على الأشد لأن كثيرين من السلف يتورعون عن بعض المباح وباب الزهد واسع عند اللاسلاف .
الفصل الرابع
صبره
1- يقول الشيخ محمد لطفي الصباغ :
وكان صابرا .. نزلت به كوارث شديدة فلم تضعفه ولم تخرجه عن اتزانه وخلقه .(1/53)
فقد أصيب فى عام 1376 هـ بشلل نصفي وعافاه الله منه واصيب بعدد من الأمراض كان فيها نعم العبد الصابر وقتل ولده الكبير احمد عاصم رحمه الله فى حرب رمضان 1973م التى قامت بين اليهود ومصر فتلقى الخبر صابرا محتسبا وكان فى مجلسه يحمد الله ويحدث الحاضرين وإذا غلط أحد المعزين فى قول يجاوز به الحد الشرعي أنكر عليه ورده الى الحق .
ثم توفى ولده الأصغر عبد الرحمن رحمه الله فكان كذلك فى غاية الصبر والضى بقضاء الله وقدره .
ثم توفى ابنه عبد الله فى 30/6/1403هـ فجأة فى جدة فكان ايضا مثلا فى الصبر والاحتساب والتسليم .
وقد سافرت زوجته مرة الى مصر وعندما أرادت ان تعود الى الرياض الى زوجها وأولادها منعم من العودة مدة طويلة لمضايقة الشيخ وإيذائه فصبر وصابر حتى أذن الله بالفرج وعادت الى بيتها .
2- ويقول الشيخ محمد سعد السعيد - إمام جامع سلطانه بالرياض :
وقد أصيب فى عام 1376 هـ بشلل نصفي وشفاه الله منه ثم أصيب مرة أخرى بشلل نصفي عام 1413 هـ تقريبا وشفاه الله منه وقد أجرى له قبل خمس سنوات تقريبا فى لابروستات وعملية فى العين بسبب انفصال فى الشبكية ومنذ فترة طويلة وهو مبتلى بأمراض عدة كالتهاب المسالك البولية وتعطل الحدة الكليتين ، وضعف الأخرى ، والضغط ، والسكر ، ومع ذلك نراه صابرا محتسابا ، ولم يثنه عن طلب العلم ، وتعليمه ، والعناية به ، وافدة الناس وتوجيههم وارشادهم الى اخر ايام حياته .
2- ويقول الدكتور صالح بن سعود آل على :(1/54)
وقبل وفاته رحمه الله كان مبتلى , ابتلاه الله سبحانه بمصائب ولكنه كان الصابر المحتسب فاضافة الى الامراض التى عرضت له فى العقد الاخير من عرمه اصيب بثلاثة من ابنائه وهم فى ريعان الشباب : عبد الرحمن الذى كان يلازمه فىشيخوخه كظله يخدمه ويساعده اذ به يفاجأ بوفاته بسبب انفجار اسطوانة غاز وعبد الله بسكته قلبية ، ومن قبلهما احمد اكبر ابنائه الذى جاءه نعية قتيلا فى حرب الدبابات مع اسرائيل فى سيناء عام 1973م .
ومما يلفت النظر فى جلد هذا الشيخ وصبره انه لما جاء خبر وفاة ابنه احمد وهو مدير ومحاضر فىالمعهد العالي للقضاء لم يتوقف عن برنامجه اليومي فقد جاء الى طلابه فى مرحلة الماجستير - وكنت واحد منهم - والقى المحاضرة كالعهج به دون اثر او تلعثم , وكانت بعد العصر الىالمغرب . وكان الطلاب كعادتهم بعد ان ينتهى من المحاضرة يوجهون الاسئلة واحدا تلو الاخر واذ به يجيب عنها دون ان يظهر عليه ما يلفت النظر وبعد انتهاء المحاضرة خرج من القاعة ونحن وراءه , واذا نحن الطلاب نفاجأ بطابور من الاساتذة وطلاب اخرين يقابلونه ويلقونه معزين بوفاة ابنه ولا تسأل عن ذهولنا نحن ليس من الوفاة ولكن لان الشيخ لم يترك المحاضرة لا بل لأنه لم يخبرنا ولم يظهر عليه اثر للصدمة فاقبلنا مع غيرنا مواسين ومعزين فرحمة البله فرحمه الله وغفر له
الفصل الخامس
مزاحه
كان الشيخ رحمه الله يمزح ولا يقول الا صدقا كما كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم فكان يحب التعبير الطريف الصادق ، وكثيرا ما يروى بعض المواقف التى يتعجب لها مما مر به فى عمره الطويل المبارك فمن ذلك انه حدثنى ان أحد زملائه المدرسين فى المعهد كان كثير الزاح فجاء يوما وقال لهم لقد جئت اليوم على سيارةفيها ( الف تيس ) فتعجبوا من ذلك الى الن تبين انه يقصد ( الفتيس ) وهو العصا التى تنقل الحركة من السرعة الاولى الى ارابعة اة او الخامسة بالسيارات .(1/55)
وسئل الشيخ رحمه الله عن رجل رضع من امرأته بعد زواجه عددا من الرضعات فقال لا تحرم عليه ولو تغذى على لبنها الى ان يموت لانه ليس فى الحولين .
وسئل عن امرأة مسنة بقي من عد وفاة زوجها يام وتريد ان تخلاج للحج فقال لا يجوز ول كان عمرها عمر نوح عليه السلام .
يقول الدكتور محمد الجنيدل :
كما كانت له نكتة حلوة طريفةيعرفها كل من عاشرة مع صراحة تامة ببراءة وطهر .
ويقول الشيخ عبد الله الحكمي :
وكان رحمه - الله - يقول فى وصف تغير العصر وانقلاب المفاهيم " بعض الناس الان كنبت البصل راسه الى اسفل ورجلاه الى اعلى " .
وسمعت منه فى كلام فى عدم الجهل بما يحل ويحرم وان الانسان يعرف ذلك غالبا من نفسه قال : " حتى الحيوان قد يدرك ذلك الا ترى الهرة اذا ناولتها قطعة اللحم اكلتها وهى بجوارك أمنه واذا غفلتها وخطفتها من غير رضى منك هربت بها بعيجا عنك " .
ويقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :
وكان ذا روح خفيفة قلما يخلو مجلسه من القاء نكته مهذبة واقعية تنشط السامع وتسره وتؤدى غرضا توجيهيا .
ويقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان :
وقد اعطاه الله القدرة على ايصال المعلومات الى اذهان الطلاب بطريقة سهلة جذابة مع جدية حازمة وظرافة مليحة وحفظ للوقت , وقد تأثر بهذه الطريقة كل من تتلمذ عن غيرهم من المدرسين .
الفصل السادس عشر
اعراضه عن اللغو
1- يقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :
كانت حياته حافلة بالجد النافع من الاعمال فلم يكن شغل الشيخ عن العلم والعبادة ولقاء الناس وتعليمهم شيء مما يشغل الاخرين ،فلم يكن الشيخ يسمع الاذاعة ولم يكن يرى التلفاز ولم يكن يعنى بقراءة الجرائد , بل كان ينفق وقته كله فى قراءة القرآن ومطالعة مسائل العلم ونحسب انه كام مما طال عمره وحسن عمله ولا نزكى على الله احداً .
2- ويقول الشيخ عبد الله الحكمي :
وكان يكره الجدل والمراء وقل ان يسمح لمحدثه بالاستمرار فى ذلك او ينساق له .
3- ويقول الشيخ عبد الله العجلان :(1/56)
وكان يرحمه الله اذا نقد أحداً او موقفا اجمل فى الكلام وقد يكتقة باظهار عدم الرضا بنبرة او كلمة مجملة او اشارة واذا اثنى على شخص او موقف فصل فيه وحدد وابان واذا تكلم استرسل فى كرمه سواء كان فى النحاضرة أو القاء الدروس او كان فى الحديث العام حتى يستطيع السريع فىالكتابة انيكتب كل كلامه اذا انه فى الكلام كأنه يملي .
الفصل السابع عشر
هيبته واحترام الناس له
1- يقول الشيخ عبد الله العجلان :
وكان كثير الصمت يفرض احترامه يفرض احترامه على جليسةكثير التأمل شديد الملاحظة دقيق الفهم نافذ الفراسة ويلاحظ ان اسلوبه فى الحديث والصمت مختلف باختلاف المجالس والحضور فى كل جلسة وحسب الموضوعات التى يتبادلها الحضور بالبح الى اخبار وتحليلات وغيرها فهو ينطلق فى الحديث فى المسائل العلمية وفى تحليل بعض الظواهر الاجتماعية وهو يمسك عن الحديث ان كان الحديث فى امور الناس ، ودنياهم العامة والقضايا التى ليس له فيها دخل او تاثر فكان مثالا فى علمه وادبه واخلاقه وقدرة فى تصرفاته ورعا زاهدا متواضعا يندر ان يوجد فى الناس مثله .
3- ويقول الشيخ مناع القطان :
يهاب الطلاب شخصيته وينصتون لسماع درسه ويحرصزن على الاستفادة منه .
الفصل الثامن عشر
تلاميذه واثره فيهم
يقول الشيخ صالح بن الفوزان عضو هيئة كبرا العلماء :(1/57)
ان شيخنا الشيخ عبد الرازق عفيفي - يرحمه الله - شخصية علمية فذة هو شيخ المدرسين وقدوة العلماء السلفيين فى هذا الوقت ، فل الفضل بعد الله على كل متعلمي هذا الجيل ممن تخرجوا فى الدراسات الشرعية فى التفسير والحديث والعقيدة ، والاصول ، فقد درس فى كل مراحل التعليم الثانوي والعالي , والتخصصى وكانت طريقته فىالتدريس طريقة فلذة نادرة وسهله جذابة مع جدية حازمة . وظرافة مليحة , وحفظ للوقت . وقد تاثر بهذه الطريقة كل من تتلمذ عليه فصاروا يتميزون عن غيرهم من المدرسين ولقد افني عرمه المبارك فى التدريس ، والافتاء ، وعضوية هيئة كبار العلماء والدعوة الى الله اذ لايقتصر نشاطه على التدريس المنهجي ، بل كان يدرس فى المسجد الحرام فى اوقات المواسم وفى غيره منالمساجد ويحضر دروسه الجم الغفير من الناس وكان يشارك بالقاء المحاضرات ، والندوات فى مختلف الاماكن ، وكان يشرف على الرسائل العلمية فى الماجستير ، والدكتوراه ، ويشارك فى مناقشتها ، وهكذا كان كل وقته يصرفه فىنشر العلم والافادة - حتى فىاخر ايامه وهو يعانى من المرض - كان يستقبل الزائرين ويجيب عم\ن تساؤلاتهخمك ويرد على اسئلة المستفتين عن طريق الهاتف .
ويقول الشيخ عبد الله بن جبرين :
وقد تتلمذ عليه اكابر العلماء فى هذه المملكة واعترفوا بفضل علمه وافتخروا بالانتماء الى تعليمة فى اغلب المراحل كما انتفع الكثير بالفوائد التى تلقوها عنه فىدروسه فى المسجد وغيره .
ويقول الشيخ عبد اله بن عبد المحسن التركي :
ولا ابالغ اذا قلت : ان غالب منسوبي جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية من طلابه طلابه ، بل ان هذا الوصف ينطبق على غالب العلماء فى المملكة سواء اكانوا فى القضاء ام التدريس ام الافتاء والدعوة .
ويقول الشيخ ابو عبد الرحمن بن قيل الظاهري :(1/58)
فكان فى هذه المملكة استاذ جيل بحق تتلمذ عليه ابناء ما بين السبعين الى الثلاثين ولا يزال تلامذته مربين للاجيال اهل منابر وحلقات وتدريس وتاليف .
ويقول الشيخ عبد اله العجلان :
ولا اكون مبالغا اذ قلت : ان معظم علماء المملكة اليوم هم اما متن طلابه او ممن استفادوا منه بوجه من وجوه الاستفادة ولكهم يحفظ له حقة ، وجهوده وتعتبر وفاته خسارة عظيمة اذا انه من كبار حملة ميراث النبوة فى هذه الممملكة ومن دعاة وأئمة التوجيه الصائب .
ويقول الشيخ المطلق :
واننا وطلابه الذين منهم الوزير ، والقاضى ، والداعية ، والاستاذ ، والادارى لا نقدر على مكافأته الا بخالص الدعاء الصالح فبارك الله فى ذريته وجزاه الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء والاحسان .
ويقول الشيخ محمد لطفي الصباغ :
صحبته ما يزيدعن اثنين وثلاثين عاما ، وما تركت مجلسه فى اسبوع الا ان يكون احدنا مسافرا , وقلما كانت سفراتنا تطول ، وقد جاوزته سنين عديدة فكان نعم الاستاذ والجار , لقد تعلمت منه فى هذه الصحبة امور كثيرة منها ما يتعلق بالناحية العلمية ومنها ما يتعلق بالناحية السلوكية ومنها ما يتعلق بالناحية الشخصية ..... لقد كنت الجأ اليه فى كل أمر من هذه الأمو وكان يمدنىبالراى السديد واتوجيه القويم لقد اكرمه الله بالعقل المسدد والعمل الواسع والراى المحكم .
ويقول الشيخ صالح بن سعود آل على :
وقد شرفت بأن اكون أحد تلاميذه فى كليه الشريعة ثم فى المعهد العالي للقضاء , وخبرته من قرب ، ورأيت فيه ما كنت اقرأ عن العلماء السلف منالعلم الجم والفقه فى الدين والتحلى بمبادئ هذا الدين من تواضع ، وتقى وزهد وورع ، وصبر وحب لهذ1ه الامة وحرص على ان تظل كما هو مؤمل منها منارة هدى ومصدر اشعاع ومئل عز الاسلام والمسلمين .
ويقول الشيخ صفوت نور الدين :(1/59)
ولقد كان الشيخ - يرحمه الله تعالى وفى كبر سنه منظما فى علمه محافظا على وقته بين الدروس والتدريس ومراجعة الرسائل العلمية واعداد الأبحاث ، وتسطير الفتاوى ، ولا تره ابادا الا فى عمل مثمر نافع ولقد نفع الله بجهده فصار تلامذته من كبار العلماء والمعايشين له من الفقهاء فلقد كان الشيخ محمد على عبد الرحيم - يرحمه الله - وهو اسن منه يراه شيخا له استاذا معلما ويقول الشيخ زهير الشاويش :
كان من تلامذته الدكتور عبد العزيز كامل والاستاذ عبد الرحمن الباني والدكتور محمد الصباغ ، والاخ مناع القطان وغيرهم ومجوعة من الاخوان الذين اخذوا فضائل كل جماعة وابتعدوا عن الغرور والتنطع والشذوذ والتفرد .
ويقول الشيخ مناع القطان :
وفي رحلته العلمية كانت عنايته الفائقة بتربية تلاميذه على العقيدة السلفية ، ونبذ البدع والخرافات والأخذ بيدهم إلي هدى الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة ، فاحتضن نخبة متميزة وتعدها منذ الطفولة بالرعاية ، واصطحبها معه حتى ونمت وشبت عن والطوق ، ونهجت نهجه ولعلنى كنت على رأس هذه النخبة وأحب تلاميذه إليه - ولا أزكى على الله أحداً .
ومن القرية تعهدنى بها منذ الطفولة انتقلت معه طالباً في معهد شبين الكوم الدينى ، أتلقي من فيض علمه على مقعد الدرس ، وأزوره في بيته ، فيختار ما يشاء من الكتب لأقرأ عليه بعض الموضوعات التى يريدها ويقف عند كل فقرة شارحاً ومبيناً.
الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركى :
لقد عرفته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته منذ ستة وثلاثين سنة عاماً ، وتوطدت صلتى به في أثناء طلب العلم ، والدراسة في كلية العلوم الشرعية في الرياض ، ثم في المعهد العالى للقضاء ، ثم في حلقات المساجد والمحاضرات في الجامعات ، ومناقشة الرسائل الجامعية ، وازدادت معرفتى به حينما لازمته فترة إعداد بحوثى في الماجستير ، حيث كان مشرفاً عليه ، فكان تعم الموجه والناصح ، يبذل وقته وجهده ويحرص على إفادة طالب العلم.(1/60)
يقول الشيخ صالحى السدلان :
إن كان لي من كلمة في أخص مشايخي عبد الرزاق عفيفي فهي أنه قد درسني كثيراً في عدد من مراحل البكالوريوس في الحديث وأصول الدين ، وقام بتدريسى في المعهد العالي للقضاء لمادة أصول التفسير ودرسنى الفقه في السنة الثانية بمعهد القضاء واعتبره كما يقول المقل : " قلبه فوق لسانه " فهو لا يتكلم إلا بعد معرفته ما يقول ، ويعتبر نمن العلماء الأوائل.
ويقول الشيخ عبد الله العجلان :
لقد عرفت هذا الرجل أستاذاً في علوم الشريعة ، واستمعت لدروسه ، وتلقيت عنه في فترات مختلفة ، فأدركت مكانته العلمية وصدق لهجته ، وسداد توجيههن وجاورته في السكن فكان خير جار ، ورافقته في السفر فكان نعم الرفيق والمؤانس ، وجالستهم فرأيت فيه حسن الأدب وصواب الرأي.
ويقول الشيخ سعود الفنيسان :
كان لى الشرف بأن قام الشيخ بالإشراف على رسالة الدكتوراه ، حيث استفدت منه في أثناء جلسات عدة معه من خلال ما لديه من معلومات وملاحظات ما لم أستفده في سنى دراستي منهج الدراسات العليا في الجامعة وبالأخص شفي تخصصي التفسير وأصول الفقه ، وكان من المقربين والمحبوبين جداً من سماحة الشيخ وعبد العزيز بن باز إلي آخر لحظة في حياته.
ومما جاء في جريدة المسلمون بتاريخ 4/4/1415 هـ :
والجدير بالذكر أن الشيخ عبد الرزاق عفيفي يعتبر شيخاً لجل كبار علماء المملكة كالشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، والشيخ عبد الله بن غديان ، والشيخ صالح اللحيدان ، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد الله بن حسن بن قعود ، والشيخ إبراهيم آل الشيخ ، والشيخ عبد الله بن جبرين ، والشيخ صالح الأطرم ، والشيخ الدكتور عبد الله التركيه ، والشيخ صالح السدلان ، والشيخ راشد بن خنين ، والشيخ على الرومى ، والشيخ مناع القطان ، وغيرهم كثيرون.(1/61)
17. ومن تلاميذ الشيخ عبد الرزاق أيضاً فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس إمام وخطيب الحرم المكى ، الذي درس على الشيخ في الجامعة ، وكان والشيخ عبد الرزاق مشرفاً على رسالته في الماجستير.
وقد ألقي الشيخ السديس محاضرة في مدينة جدة في رثاء الشيخ عبد الرزاق عقب وفاته رحمه الله.
الفصل التاسع عشر
مؤلفاته وموقفه من التأليف
لقد كان للشيخ رحمه الله موقف من تأليف الكتب في هذا العصر لا يوافقه عليه أغلب العلماء ، فقد كان يرى أن تصانيف السلف فيها الكفاية ، وأنه لا حاجة للمزيد عليها ، وأن الأولي أن تنصرف الهمة إلي دراسة وكتب السلف ، وتدريسها بدلاُ من الانشغال عنها بمؤلفات المعاصرين ، ولعل عذر الشيخ في ذلك أن أكثر المؤلفات في هذا العصر قليلة القيمة لا تعدو أن تكون تكراراً لكلام السابقين ، وليت هذا التكرار يسلم من التشويه ، والتحريف ، لكن لا ريب أنه ظهر في هذا العصر من المؤلفات العظيمة ما كانت المكتبة الإسلامية تفتقد إليه ، منه ما هو أبحاث في مسائل عصرية تحتاج إلي تخريجها على أشباهها ونظائرها في كتب الفقه الإسلامي ، ومنها ما هو اختصار ،أو تهذيب لكتاب من كتب السلفة ييسر تحصيل الفائدة منه عند أكبر كعدد ، ومنه ما هو شرح يحل غوامض كتب السلف التى يتعذر على أكثر المبتدئين فهم عباراتها ، ومنها أعمال موسوعية تجمع شتات ما كتبه عالم في مكان واحد ، أو تجمع شتات ما كتب عن مسألة يثور حولها الجدل في مكان واحد ، ومنها ما هو تكميل لعمل بدأه أحد السلف ولم يكمله لعذر ما ، إلي غير ذلك من فوائد التصنيف وهي كثيرة جداً ، ولكن على كل حال فهذه كانت وجهة نظر الشيخ ، وقد أخبرنى الشيخ أنه لا يحب كتابة كلامه ، وأنه استغنى عن كثير من كتبه ، وأنه لا يكتب عليها من الهوامش إلا القليل ، وكان يقول لى : صاحب الكتاب خير من صاحب الكتب ، وكثرة الكتب عند الرجل علامة على جهلة يقصد أن الذي يدرس كتاباً موسعاًَ في الفقه مثلاً في كتب(1/62)
كثيرة لا يتقن شيئاً منها. والله أعلم بالصواب.
يقول الشيخ عبد الله بن جبرين :
أما التأليف فلم يكن ويرغب فيه ، ولا يحب الكتابة في أي فن من الفنون ، بل يريم أن هذه الكتب والمؤلفات الحديثة لا فائدة فيها ، فيكتفي فيما يكتبه بما كتبه وجمعه العلماء السابقون حيث أنهم تطرقوا إلي كل فن ، وأوضحوا ما يحتاج إلي توضيح ، فمن جاء بعدهم لا يستطيع أن يضيف إلي علومهم زيادة ، وأن المتأخرين إنما توسعوا في الكلام بما لا فائدة فيه ، وكان ينهي عن الانشغال بكتب المعاصرين التى كتبوها في الأصول ، أو التفسير ، او الأدب ،والفقه ونحو ذلك ، حيث إنهم لا يزيدون على من سبقهم ، ومع ذلك فقد أشرف على رسالتي في أخبار الآحاد التى قدمتها لنيل درجة الماجستير ، وعلى رسالة الدكتور عبد الله ابن عبد المحسن التركى وغيرهما ، وكان يولى التلميذ توجيهات ، ودلالة على المواضيع ، وأماكن البحث ، ونحو ذلك مما يدل على قدرته على الكتابة لو أراد ذلك فهو من حملة العلوم المتعددة ، وأي فن يتطرق إليه يوسعه بحثاً. فرحمه الله وأكرم مثواه ، وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ويقول الشيخ مناع القطان :
تميز الفقيد بتأصيل المسائل العلمية وتحليل فروعها ، وتحرير مواطن الخلاف فيها ، والترجيح السديد بين الآراء المتعددة ، ولم يكن يميل إلي تأليف الكتب مع غزارة علمه ، وسعة اطلاعه ، ويفضل أداء العلم تدريساً وبحثاً ، وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء كثيراً من الأبحاث التى يرجع إليها طلبة العلم وينهلون من معينها العذب.
له من المؤلفات : مذكرة في التوحيد ، وتحقيق وتعليق على كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدى ، وتعليق على الجزء المقرر في التفسير من الجلالين لطلاب المعاهد العلمية.
ويقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :(1/63)
والعلماء نوعان : علماء ينعزلون عن الناس ، ويتفرغون لكتابة الكتب والمصنفات ، وعلماء يعنون ببناء النفوس ، وتوجيه العامة وإرشادهم ، وبالإجابة عن أسئلتهم وحل مشكلاتهم ، وقد كان فقيدنا العظيم من النوع الثاني وهم جبال من العلم ، وكذلك في العصور السابقة كان أكثر العلماء من هذا القبيل ، وأحسب أن فقيدنا كان ويحمله على ترك التأليف عامل آخر وهو زهده في الشهرة والسمعة والمناصب.
وكان إذا رأي كتاباً لأحد المحدثين ليس فيه صفة الأصالة ولا دقة ولا استيفاء قال : يا ليته ما ألف ! ويا ليته اقتصر على الانتفاع بما كتب الأئمة.
ويقول الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى :
والشيخ في جبلته يؤمن بتخريج الطلاب ، وتسهيل العلم الذي ورثناه عن الأسلاف دون حاجة إلي مزيد من التأليف.
ولهذا نفع الله بدروسه وتلاميذه فكانت له في وسطنا العلمي بالسعودية بصمة متميزة تجمع بين المعقول والمنقول رحم الله الفقيد وجمعنا به في دار كرامته.
ويقول الشيخ زهير الشاويش :
الشيخ والتأليف : كان رحمه الله يرى أن في ثروتنا العلمية التى تركها لنا الأجداد رحمهم الله ، ما يكفى وإذا كان ولا بد من مؤلف فيكون لسد الحاجات الطارئة علينا من أمور استجدت.
وقال لى مرة : يا زهير إن حسن إخراج الكتب وتحقيقها وحسن عرضها أفضل من التأليف.
ولذلك صرف جهوده إلي وضع المناهج للجامعات ، والمعاهد ، ورسم الخطط لها من غير أن يؤلف كتباً.
وقام على تحقيق كتاب " إحكام الأحكام " للآمدي.
وبحكم تدريسه الطويل كان عنده أمال : في التفسير ، والحديث ، وأصول الفقه .. ما لو جمع لكان كتباً نافعة وفي تعليقه على رسائل الدكتوراه التى أشرف عليها - ولعلها بلغت المئات - العلم الغزير النافع.
ويقول الشيخ عبد الله العجلان :(1/64)
وكان يخبر عن نفسه في أكثر من مناسبة بأنه في الفترة الأخيرة ما كان يعتني باقتناء الكتب الكثيرة في بيته ، وأنه يكتفي باقتناء عدد محدد من الكتب المنتقاة في كل فن من الفنون يرجع إليها عند الحاجة ، ويؤكد بأنه لا يوجد لديه مكتبة بالمعنى المتعارف عليه بين طلاب العلم.
وكان له رآي التأليف يذكره عندما يقال : لم لم تؤلف في العلم الفلانى من علوم الشريعة؟! فيقول : نحن لسنا في حاجة إلي التأليف بقدر ما نحن في حاجة إلي الإطلاع على المؤلفات التى تزخر بها المكتبات ، وإن كثيراً من التأليف الحديثة في علوم الشريعة ، واللغة العربية ما هي إلا معلومات معادة وفي المكتبة ما هو أصل منها.
ويقول الشيخ حمد الجنيدل :
وعندى من إملائه ما يزيد عن مائة ورقة من التفسير كتبتها بقلمى في أثناء تدريسه لنا في المعهد العالي للقضاء اعتبرها أنفس ما لدى في مكتبتي الخاصة.
ولعل الله أن يسهل لنا إخراجها وطبعها.
قلت : ومما يبقي من آثار الشيخ :
تعليقات على تفسير الجلالين من أول سورة غافر إلي آخره.
وتعليقات على العقيدة الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وعلى التدمرية أيضاً لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وعلى الرسالة التبوكية للإمام ابن القيم.
وله حواش نفسيه على ألفية العراقي في المصطلح.
وله بحث كبير في نحو 150 صفحة عن البورصة كان قد قدمه لهيئة كبار العلماء.
وله مذكرة في التوحيد ( طبعت )
وله تعليقات مطبوعة على شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز.
وله مقدمة وتعليقات على كتاب الإحكام للآمدى.
وله رسالة شبهات حول السنة.
وله رسالة في الحكم بغير ما أنزل الله ، وقد طبعت الآن بدار الفضيلة بالإضافة إلي فتاويه الخاصة المتناثرة عند تلاميذه ومحبيه وهذه الأشياء تحت الطبع بدار الفضيلة للنشر وفقهم الله.
وقد علمت أن دار الفضيلة للنشر بالرياض جمعت مؤلفات الشيخ ونسخت أشرطة التسجيل المحفوظة بصوته ، ولديهم كتب للشيخ ، وفتاوى ورسائل جاهزة للطبع الآن.(1/65)
ويضاف إلي هذا كله كما أسلفنا أن الشيخ عبد الرزاق عفيفي كرحمة الله كان واحداً من أربعة علماء هم أعضاء اللجنة للبحوث ، والإفتاء اشتركوا في إصدار آلاف الفتاوى وعشرات الأبحاث القيمة لا تقدر لنفاستها بثمن.
الفصل العشرون
أسرته وأولاده
يقول الشيخ محمد لطفى الصباغ :
وقد تزوج سيدة فاضلة من أسرة كريمة من الإسكندرية هي أسرة سالم ، وقد أنجب منها عدداً من البنين وهم المهندس الزراعي أحمد عاصم رحمه الله ، والأستاذ محمد نبيل حفظه والأستاذ محمود حفظه الله ، والأستاذ عبد الله رحمه الله ، والأستاذ عبد الرحمن رحمه الله وأما البنات فثلاث وقد أكرمه الله بأصهار صالحين بررة.
وكان يهتم بتربية أولاده ، فكانوا مثالاً في الاستقامة والبر ، ولقد كان الأستاذ محمود منقطعاً لخدمة والده وضيوفه ، فكان هو الذي يصحبه إلي الصلاة ، ذلك لأن الشيخ في آخر حياته كان لا يقوى على المشي ، فكان يستخدم كرسياً طبياً ، وما كان الشيخ رحمه الله يترك صلاة الجماعة في المسجد في وقت من الأوقات الخمسة ، وكان الأستاذ محمود أحسن الله إليه يجلس معه يقوم بخدمة والده وتقديم الضيافة للضيوف وتنفيذ أوامر الشيخ. وكان يلازمه إذا مرض لا يتركه.
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين :
كان من زملائه عبد الله بن يابس الذي أصله من بلاد القويعة ، وقد كان بينهما من المحبة ، والصحبة ، وقوة الأخوة مالا يوجد مثله إلا نادراً ، وكان زواجهما متقارباً في مصر من زوجتين صالحتين كالأختين ، وقد استضاف الشيخ عبد الله عند مجيئه من مصر لأول مرة ، واستزاره الشيخ عبد الله إلي بلاده ، ونال هناك حفاوة وإكراماً من قبيلة الشيخ عبد الله ، ولم يزالوا يوادون الشيخ عبد الرزاق ويتصلون به حتى توفى رحمه الله .
الفصل الحادي والعشرون
حفظه الله تعالى
عليه حواسه إلي آخر عمره
قال الشيخ عبد الله الحكمى :(1/66)
وإن كانت وفاته - ورحمه الله - بعد أن جاوز التسعين عاماً فقد كان رغم ما توالى عليه في السنين الأخيرة من العلل والأمراض مع كبر سنة تام الحواس سليم الإدراك ، لم يتغير في علمه وقد يسر الله له الحج عام 1414 هـ آخر موسم قبل وفاته بصحبة سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فكانت حجة وداع من خير ما ختم به أعماله.
وجاء في جريدة اليمامة بتاريخ 21/5/1415 هـ :
كان مثالاً للأمانة والإخلاص لله ، والأمانة والإخلاص في حياته وعمله حتى أنه كان ويذهب إلي علمه في آخر حياته ،و وحتى في بعض الأيام التى لا يستطيع الذهاب إلي علمه بسبب سوء حالته الصحية كانت تأتي له أو راق الفتاوى إلي بيته ليجيب عنها.
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين :
أما تدريسه فقد أفنى حياته في وظيفة التدريس في مصر ، ثم في المملكة ، في دار التوحيد بالطائف ، ثم في معهد الرياض العلمي ، ثم في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية بالرياض ، ثم في معهد الرياض العلمي ، ثم في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية بالرياض ، ثم في معهد القضاء العالي مديراً ومدرساً حتى أحيل إلي التقاعد ، ثم عمل متعاقداً في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بقية حياته وافاه الأجل وهو على رأس العمل في هذه الرئاسة.
وقال الشيخ مناع القطان :
بقي أن نضيف أن الشيخ عبد الرزاق عفيفي بقي عضواً في هيئة كبار العلماء حتى أعفى لحالته الصحية التى فرضها كبر سنة قبل نحو عامين ، أما اللجنة الدائمة للإفتاء فلم يزل يشارك فيها منذ أقيمت بالرياض حتى وفاته يرحمه الله ، بل لقد كان يباشر عمله مفتياً ومجيباً عن مسائل العامة ، وكان يذهب إلي مكتبه بإدارة البحوث العلمية والإفتاء مدفوعاً بالعربة لصعوبة المشي عليه.
الفصل الثاني والعشرون
حسن خاتمته ووصف جنازته
جاء في جريدة المسلمون بتاريخ 4/4/1415 هـ :(1/67)
وكان الشيخ عفيفي - يرحمه الله تعالى - قد أدخل المستشفي العسكرى بالرياض الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم الثلاثاء الموافق 16/3/1415 هـ في قسم العنايةن المركزة ، ثم أخرج من ذلك القسم في يوم الأحد 21/3/1415 هـ وهو يعانى من ألمح شديد في الكبد ،وضعف في الكلى ، ووجود سوائل في الرئتين وهبوط في ضر بات القلب ، وظل بالمستشفي حتى وافاه الأجل المحتوم في يوم الخميس 25/3/1415 هـ في حوالى الساعة السابعة صباحاً ، وكان يرحمه الله - قبل وفاته - كما يروي ابنه محمد - في كامل وعيه وفي حالة ذكر الله عز وجل حتى ازداد ضيق نفسه ، وهبط الضغط لتخرج روحه إلي بارئها ، وقد صلي على جنازته عقب صلاة الجمعة 26/3/1415 هـ في جامع الإمام تركى بن عبد الله ( الجامع الكبير ) بالرياض ، وقد صلي عليه جمع غفير من الناس ، ويقول الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، والشيخ محمد السعيد : إنه كان يوماً عظيماً مشهوداً امتلأ الجامع الكبير إلي آخره ، وهي من المرات القلائل التى يمتلأ فيها الجامع ، وقد ازدحمت المواقف والشوارع المؤدية إلي المقبرة بالسيارات خصوصاً بعد ما انطلق الناس بسياراتهم، ومشياً على الأقدام مشيعين له ، وحضر دفنه بمقبرة العود بالرياض عدد هائل منة البشر غالبيتهم من المشايخ والعلماء ، وطلبة العلم وتلاميذ الفقيد يغمرهم الحزن على فراقه داعين له بالمغفرة والرحمة.(1/68)
وهذا الحزن من الناس ، والجمع الغفير من المشيعين يدل بوضوح على ما للشيخ من مكانة وقدر في نفوس الناس وتلامذته الذني لا يحصون لكون الشيخ درس في أماكن كثيرة ومتعددة طوال ثلاثين عاماً قضاها في التدريس بالمملكة ، وبرغم أن الشيخ تلقي تعليمه بعيداً في الأزهر بالقاهرة ، إلا أنه سرعان ما نال مكانته ، وقدره بين علماء المملكة بعد أن جاء سبه الملك عبد العزيز آل سعود - يرحمه الله - مع علماء آخرين من داخل المملكة وخارجها - لينفذ من خلالهم سياسته الصارمة في محاربة الجهل واقتلاع جذوره ، ونشر العلم في ربوع المملكة، وخاصة العلم الشرعي ، وما زالت هذه المكانة تتعاظم حتى انتهت بالشيخ عبد الرزاق عفيفي عضواً في هيئة كبار العلماء ، ونائباً لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
ويقول الشيخ عبد الله العجلان :
ولا غرابة في أن يتوافد أبناء عاصمة المملكة إلي المسجد الكبير فى مدينة الرياض من كل حدب وصوب وأن تكتظ بهم شوارع العاصمة ، وأن يضيق بكثرة المصلين على سعته وساحاته على امتدادها ، والشوارع المحيطة به على طولها.
وأن يمشي أبناء مدينة الرياض في تشييع جنازته زرافات ، ووحداناً، شيوخاً ، وشباباً حتى ضاقت بهم شوارع العاصمة على سعتها ، وغصت المقبرة بالمشيعين والطرقات المؤدية إليها ، كل منهم يريد أن يلقي على هذا الفقيد نظرة أخيرة ويقول له وداعاً أيها الإمام وموعدنا معكم في الجنة إن شاء الله.
إن هذا المشهد العظيم الذي عاشته عاصمة المملكة في توديعها هذا العالم يدل على وعى هذه الأمة ، وتقديرها للمخلصين من رجالها ، والعلماء العاملين بعلمهم من أبنائها.
ويقول الشيخ صالح السدلان ( بجريدة عكاظ 27/3 ) :
وكان محبوه كثيرين ولم نكن نتصور أن يكون الحضور بهذا الحجم الكبير ومن كافة الفئات في جنازته .. أسأل الله له الرحمة وأن يسكنه فسيح جناته ، وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.(1/69)
ويقول الشيخ محمد سعد السعيد في مقالة بجريدة الجزيرة :
أدخل المستشفي العسكرى بالرياض الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم الثلاثاء الموافق 16/3/1415 هـ في قسم العناية المركزة ، ثم أخرج من ذلك القسم في يوم الأحد 21/3/1415 هـ وهو يعاني من ألم شديد في الكبد ، وضعف في الكلى ، ووجود سائل في الرئتين ، وهبوط في ضربات القلب ، وظل بالمستشفي حتى وافاه الأجل المحتوم في يوم الخميس 25/3/1415 هـ في حوالي الساعة السابعة صباحاً ثم صلي على جنازته عقب صلاة الجمعة 26/3/1415 هـ في الجامع الكبير بالرياض وقد صلي عليه خلق كثير لا يحصى وقد ازدحمت المواقف ، كذلك الشوارع المؤدية إلي المقبرة بالسيارات خصوصاً بعد ما انطلق الناس بسياراتهم للمقبرة ومن المشيعين من ذهب إلي المقبرة مشياً على الأقدام خوفاً من الزحام ، حيث حضر دفنه بمقبرة العود بالرياض عدد هائل من البشر غالبيتهم من المشايخ ، والعلماء وطلبة العلم ، وتلامذة الفقيد يغمرهم الحزن على فراقه داعين له بالمغفرة والرحمة.
وهذا الجمع الغفير من مشيعيه يدل دلالة واضحة على محبتهم له ، وإن العالم الإسلامي فعلاً قد فقد عالماً جليلاً وشيخاً فاضلاً ، علماً من أعلام الأمة ، قدس الله روحه ، ونور ضريحه ، ورحمه وغفر له ، وأسكنه فسيح جناته ، ورزقنا وإياهم الصبر والسلوان و ( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
وجاء في مجلة الفرقان :
هذا وقد شهدت الرياض يوم دفنه الجمعة 26 ربيع الأول يوماً متميزاً حيث وفد الآلاف من طلبة العلم ، ومحبى الشيخ لمواراته الثري ، وقد امتلأت بهم الطرقات والمقبرة ، والله نسأل أن يسكن شيخنا الفردوس الأعلى ، وأن يجعل قبرة روضة من رياض الجنة ، وأن يجمعنا معه في الجنة مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيعاً.(1/70)
قلت : وقد شهدت الصلاة على الشيخ رحمه الله بالجامع الكبير بمدينة الرياض ، وكان إمام الناس في الصلاة فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ إمام الجامع الكبير ، ثم شهدت جنازته ، ودفنه رحمة الله ، فكانت كما وصفها الواصفون الذين نقلت كلامهم ، وهذا الجمع الغفير من العلامات التى يرجي للفقيد حسن الخاتمة. قال الإمام أحمد رحمة الله : " بيننا وبينهم أيام الجنائز".
الفصل الثالث والعشرون
تفجع المسلمين عليه وتألمهم لفقده
لقد كانت وفاة الشيخ عبد الرزاق رحمه الله فجيعة كبيرة تألم لها المسلمون في أرجاء العالم الإسلامي وإليك بعض ما كتب في ذلك.
يقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان :
والآن قد لقى ربه من ذا سيسد ثلمته :
سيذكرنى قومى إذا جدهم ………وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
إن مصابنا فيه كبير ،وواجبنا أن نقول ( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) رحم الله شيخنا أبا أحمد ، وأسكنه فسيح جناته ، وألهم أولاده وأهله الصبر واحتساب الأجر.
ويقول الدكتور محمد لطفى الصباغ :
فُجمع العالم الإسلامي بوفاة العالم العامل ، والعلامة الداعية الداعية إلي الله على بصيرة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، وذلك في صباح يوم الخميس الواقع في 25/ ربيع الأول سنة 1415 هـ ( الموافق 1/9/1996 م ) ودفن في الرياض بعد صلاة الجمعة.
بلغني الخبر المؤلم وأنا في عمان ، فآلمني ذلك الخبر إيلاماً شديداً ، وشعرت بعظم الكارثة على وجه أكبر مما كنت أتوقع.
يا لله ! مات العالم الذي قل نظيره في العلماء .. لقد أذهلني الخبر حقاًَ.(1/71)
أشهد أني قد جزعت لذلك النبأ جزعاً إلا يوم وفاة والدي رحمه الله والشيخ عبد الرزاق عفيفي كان لى بمثابة الوالد .. ثم تماسكت وتصبرت وتذكر الآيات القرآنية التى تقرر ان الموت سبيل كل حي ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وان الآجل إذا جاء لا يؤخر ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ومرت بخاطى كلمة عم ربن العزيز :
( ما الجزع مما لابد منه ؟ وما الطمع فيما لا يرجى ؟ وما الحيلة فيمتا سيزول وانما الشيء من اصله فقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها فما بقاء فرع بعد اصله ؟ إنما الناس فى الدنيا أغراض فيهم المنايا ، وهم فيها نهب للمصائب مع كل جرعة شرق وفى كل آكله غصص ) .
فاسترجعت قائلة : إنا لله وإنا اليه راجعون ، غفر الله لم ، واكرم نزله وعوضه الجنة وعوض المسلمين خيرا .
وجاء فى جريدة الرياض بتاريخ الثلاثاء غرة ربيع الاخرة 1415 هـ ما نصه :
خادم الحرمين ، وسمو ولى العهد وسمو النائب الثاني يعزون الشيخ ابن باز فى وفاة الشيخ عبد الرازق عفيفي .
تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ال سعود برقية من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتى عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء هذا نصها :
حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به دينه آمين .
سلام الله عليكم ورحمه الله وبركاته أما بعد .(1/72)
ففى صباح يوم الخميس الموافق 25/3/1415هـ توفى صاحب الفضيلة العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو مجلس هيئة كبار العلماء ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن عمر جاوز التسعين - رحمه الله رحمه واسعة - فأقول احسن الله عزاءكم فيه وجبر مصيبتكم واصلح ذريته وكان - رحمه الله - من خيرة العلماء عقيدة ، وعلما ، ودعوة ، وتعليما مضى عليه فى ذلك ما يقارب خمسين عاما ضاعف الله9 حسناته ، وخلفه على المسلمين بأحسن الخلف وفسخ فى أجلكم على خير عمل وبارك فى أوقاتكم , أعمالكم انه جواد كريم والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته / ..
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتى عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
رجاء فى جريدة الرياض ايضا ما نصه :
وقد وجد الملك المفدى يحفظه الله البرقية الجوابية التالية لسماحته :
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتى المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء - حفظه الله -
سلام الله عليكم ورحمه الله وبركاته .. وبعد فقد كدرنا نبأ وفاة فضيلة الشيخ عبد الرازق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء ونائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وإننا إذا نعرب لسماحتكم عن تعازينا ومواساتنا ونأمل إبلاغ ذلك لآسرته وذويه لنسأل الله جل وعلا ان يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جنته ، وان يعوض المسلمين عنه خيرا والحمد لله على قضائه وقدره .. إنا لله وإنا اليه راجعون والسلام عليكم ورحمه الله بركاته...
فهد بن عبد العزيز
ويقول الشيخ عبد الله العجلان :(1/73)
ولقد وقع نبأ وفاته رحمه الله على نفوسه أبنائه ومحبيه وعارفي فضله - وما أكثرهم - بل وعلى الأمة كلها موقعاً عظيماً فيه بعظم الخسارة ، وفداحة الخطب ، وشدة المصاب لكن الكل وهم مؤمنون بالله وراضون بقضائه وقدره ، ويعملون أن الموت حق ، وأنه مصير كل حى قالوا بصوت واحد ( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ودعوا الله بصادق الدعاء وخالص الرجاء بأن يسكنه فسيح جناته ، ويغفر له ، ويعفو عنه ، وأن يعوض الله هذه الأمة فيه خيراً.
ويقول الشيخ صالح بن سعود آل على - عضو مجلس الشورى :-
ومن أجل هذا أصيب الوسط العلمةى ، والعام ، من علماء ، متعلمين ، بالذهول يوم الخميس 25/3/1415 هـ عندما فاضت روح علم من أعلام هذه البلاد وواحد من أكبر علمائها وهو فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي عليه من الله الرحمة والرضوان.
أصيب الناس بالحزن والأسي لفقد هذا العالم الذي كان - يرحمه الله - وحداً قل من يناظره في الشريعة وعلومها.
وجاء في جريدة الندوة
بتاريخ 13/4/1415 هـ على لسان منسوبي دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة قولهم :
وقد تلقت مدرسة دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة ممثلة في جميع منسوبيها.
نبا وفاة الشيخ عبد الرزاق عفيفي بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره.
وقد آلمنا فراقه وعز علينا رحيله ، ولكن تلك سنة الله في حلقه ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ).
الفصل الرابع والعشرون
ما رثي به الفقيد رحمه الله من الشعر
عقب وفاة الشيخ رحمه الله رثاه بعض الشعراء منهم العبد الفقير مؤلف هذه الترجمة ، فقد هاجت نفسي تأثراً لوفاته فرثيته بقصيدة عينية من البحر الطويل رغم كوني مقلاً من الشعر جداً.
ومنهم الأستاذ محمد بن سعد المشعان الذي رثي الشيخ رحمه الله بقصيدة همزية بارعة من البحر الطويل أيضاً ، وقد نشرت بجريدة الرياض العدد 9573 بتاريخ 4/4/1415 هـ.(1/74)
وهذه مرثية الفقيد العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - المتوفى في يوم الخميس 25/5/1415 هـ. عن اثنين وتسعين عاماً رثاه بها تلميذه أبو خالد وليد ابن إدريس بن عبد العزيز منيسي - المدرس بالرياض.
هوى نجم عبد في الأنام فأفجعوا
وذا الخطب جل والمصاب مروع
فلله نعش شيعوه عشية
بع الحلم والعلم الذي كان يتبع
فيا عبد رزاق البرايا تركتنا
ومنا قلوب للفراق تصدع
فتسعون عاماً قد قضيت مجيدة
بمصر ونجد فالبلاء موزع
وفي أزهر حزت العلوم بعرض مذ
هب المالكين الكرام تربع
لقد كنت ردءاً للفقي بمصرنا
وقد كنتما حرباً على من تبدعوا
فكم قد نصرتم سنة لنبينا
وفي أزمن عز النصير المشجع
فظلتم بأرض مصر نوراً فقمتم
بنشر الفنون بين قوم تطلعوا
مع النفر الألى إليهم يشار بالـ
بنان بنيتمو معاهد ترفع
مع ابن حميد والأمين وحبرنا
وأعنى ابن باز عطركم يتضوع
وفي هيئة الكبار صلتم وجلتم
وفي لجنة الفتوي قلوب وأضلع
عزا أهل مصر فيكم أن تركتم
وعبيد العزيز حبر بر ما المفزع
وأما بنجدكم شهاب أفضتم
عليهم سيوبكم فارووا وأرتعوا
وتلمذك المحزون يأسي لفقدكم
وكم من محب قلبه يتوجع
شعر الأستاذ / محمد بن سعد المشعان
إلي روح فقيد العلم الشرعي الشيخ الجليل / عبد الرزاق عفيفي يرحمه الله رحمه واسعة.
وقفت لكى أرثي " العفيفي " فصدنى
وجوم - وقد حل النوزى - وبكاء
وقمت أعزى فيه من رام علمه
فقالوا : وهل يسليك عنه " عزاء " ؟
فعدت أناجي ذكريات ترحلت
وقد ضمنى و " الشيخ " ثم لقاء
وأبصرت فيها الشيخ يرقي بعلمه
وعانيت فيها الشيخ وهو بهاء
وناجيت فيها الشيخ فازور طيفه
وما في ازورار الطيف منه جفاء
لقد سار في درب الشريعة يافعا
يطير به عزم له وإباء
وأنفق في بسط الشريعة عمره
يسير به خوف له ورجاء
( ثمانون ) عاماً والحياة مصاعد
وللشيخ فيها منهج وسناء
إذا المحفل الراقي تناظر جمعه
رأيت مقال الشيخ فيه سخاء
شواهده الآيات جل دليلها
وحشد أحاديث لهن صفاء(1/75)
إلي عرصات الخلديا وافر النهي
لعلك عند الله حيث تشاء
وإن قصيدى حين يندي بذكركم
حرى بأن يندى به الشعراء
خاتمة
وإلي هنا توقف القلم ، وهذا الذي ذكرته ليس إلا غيضاً من فيض شمائله وقطرة من بحر محاسنه ، ولا يستطيع مثلي أن يحيط بمناقب الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله ، أو أن يفيه حقه ، ولا أملك إزاء هذا إلا أدعو أن يتقبل الله منه أحسن ما عمل ، وأن يتجاوز له عن سيئاته ، وأن يسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً ، وأن يلحقنا به في الصالحين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ من جمع هذه الترجمة بمدينة الرياض يوم الاثنين الخامس عشر من ذوي القعدة.
سنة سبع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة النبوية
على صاحبها صلوات الله وتسليمه
أبو خالد وليد بن إداريس بن عبد العزيز
ابن منيسي السلمى الإسكندري الحنبلي
- عفا الله عنه -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبدأ وميثاق
لفضيلة الشيخ : عبد الرزاق عفيفي
الإسلام عقيدة وقول وعمل ، فالعقيدة : إيمان راسخ بأن الله رب كل شيء ومليكه : خلقًا ، وتقديرًا ، وملكًا ، وتدبيرًا ، وأن العبادة بجميع أنواعها حق له وحده ، لا يشركه فيها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، فله سبحانه الأسماء الحسني ، والصفات العليا التي جاءت بها نصوص الكتاب ، والسنة الصحيحة .(1/76)
يرى جماعة أنصار السنة المحمدية أن تمر هذه النصوص كما جاءت اقتداءً منهم فيها بسلف هذه الأمة ، وخير قرونها فيفسرونها بمعانيها التي تدل عليها حقيقية في لغة العرب التي بها نزل القرآن ، وكانت لسان النبي عليه الصلاة والسلام مع تفويض العلم بكيفياتها إلى الله من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تشبيه ولا تمثيل ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )[الشورى :11]، ولا يلزم من ذلك تشبيه الله بعباده ، كما لم يلزم من الإيمان بذات له تعالى على الحقيقة ، مع الكف عن الخوض في كنهها .
وذلك لأن الله أعلم بنفسه من خلقه ، وأرحم بهم منهم بأنفسهم ، وكلامه أبلغ كلام وأبينه ، وله سبحانه الحكمة البالغة ، فيستحيل أن تتوارد النصوص ، وتتتابع الآيات والأحاديث على إثبات أسماء الله وصفاته بطريقة ظاهرة واضحة ، والمراد غير ما دلت عليه حقيقة ، ويقصد الله منها ، أو يقصد رسوله عليه الصلاة والسلام إلى معان مجازية من غير أن ينصب من كلامه دليلاً على ما أراد مع المعاني المجازية ، اعتمادًا على ما أودعه عباده من العقل وقوة الفكر ، فإن ذلك لا يتفق مع كمال علمه تعالى ، وسعة رحمته ، وفصاحة كلامه ، وقوة بيانه ، وبالغ حكمته ، ولأن يتركهم الله دون أن يعرفهم بنفسه ، ويعرفهم به رسوله عليه الصلاة والسلام بوحيه خير له وأيسر سبيلاً ، لعدم وجود المعارضة للشبه الباطلة التي زعموها أدلة وبراهين ، وما هي إلا الخيالات ووساوس الشياطين ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا .(1/77)
فمن جحد شيئًا من هذه النصوص ، أو تأولها على معان مجازية من غير دليل يرشد إلى ما تأولها عليه فقد ألحد في آيات الله وأسمائه وصفاته ، حق عليه ما توعد الله به الملحدين في ذلك بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءَايَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا )[فصلت : 40] ، ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأعراف :180] .
وقد زادت السنة عن نصوص الكتاب في إثبات الأسماء والصفات توكيدًا وبيانًا فقضت على قول كل متأول ، يحرف كلام الله عن مواضعه ، كما فعلت اليهود في تحريفها لكتاب ربها ، وتلاعبها بشريعة نبيها .
العقيدة الصحيحة - أيضًا - : إخلاص العبادة لله ، وإفراده تعالى بجميع أنواعها : ما ظهر منها : كالصلاة ، والزكاة والحج ، وما بطن منها : كالتوكل على الله ، والإنابة إليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عقابه ونقمته ، والاستغاثة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من الأقوال والأعمال ، والأخلاق التي تدخل في مسمى الإسلام ، كما تدخل العقيدة ، وإن تفاوتت منازلها في الدين ، وكان لكل منها درجة تخصها حسب ما يتوقف عليها من العبادة ، وما يتبعها من الآثار .
إن العقيدة السليمة الخالصة التي تستمد من الكتاب والسنة ، ولا يخالطها شيء من شوائب الشرك ، وألوان البدع والخرافات لتبعث من دان لله بها إلى العمل الصالح ، والأخلاق الفاضلة ، والآداب السامية ، وتجعل منه رجلاً مثاليًّا في الحياة : إن حكم عدل ، وإن قال فقوله سديد ، وإن عمل كان على جادة الكتاب والسنة ، وإن عاشر الناس وجدوا منه خير سيرة .(1/78)
فمظهره يشرح للناس الإسلام ، ويفسره تفسيرًا عمليًّا بقوله ، وعمله وخلقه ، ومن ضعف يقينه أو كانت عقيدته مدخولة ، قد شابها كثير من البدع والخرافات ، أو غلب عليه الغرور والاعتداد برأيه وإن خالف وحي السماء أو طغت عليه الشبه ، واستولت عليه الشكوك والأوهام ضرب في كل واد ، وأخذ في بنيات الطريق ، وضل عن سواء السبيل .
من أجل ذلك نجد جماعة أنصار السنة المحمدية يكثرون من الكلام في التوحيد في دروسهم ، وخطبهم ، وكتابتهم ، ولهم في ذلك خير أسوة ، أسوتهم في ذلك أئمة الهدى ، وقادة الإصلاح والمؤيدون من الله بوحيه ونصره أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام .
هذا وإن جماعة أنصار السنة المحمدية قد أخذت على نفسها أن تعتصم بكتاب الله ، وتهتدي بهدي رسوله صلي الله عليه وسلم ، وتجعل سيرة السلف الصالح نصب أعينها عقيدة ، وقولاً ، وعملاً ، لا تؤثر على ذلك شيئًا ، ولا ترضى به بديلاً من آراء الرجال الضالة ، وأهوائهم الزائفة ، عملاً بقوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[الحجرات :1] وما في معناه من الآيات والأحاديث ، والتزمت ما ألزمها الله به من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر ، وعهدت إلي برئاسة الجماعة بعد وفاة مؤسسها بمصر ، ورئيسها السابق فضيلة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه عن الدعوة إلى الدين ، ونشر التوحيد خير الجزاء ، فكان لزامًا عليَّ أن أقوم بهذا الواجب ، وأسير بالجماعة على هدي كتاب الله ، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ ابتغاء مرضاة الله في نشر دينه ، وتحقيقًا لمبدأ التعاون في نصرة الحق .
وأرجو الله أن يهيئ لنا جميعًا من أمرنا رشدًا ، وأن يلهمنا الرشد ، والصواب في القول والعمل ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(1/79)
11- مبحث فى وجوب محبة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاتهم والرد على الروافض والنواصب
واعلم ان آهل السنة والجماعة يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويثنون عليهم ويترضون عنهم كما أثنى الله عليهم وترضى عنهم قال الله تعالى : ()وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال : ()لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) وقال : ()مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الى آخر السورة وقال ()لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الآيات الى قوله : ( إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) الى غير ذلك من الآيات التى وردت فى ثناء الله عليهم وترغيب المؤمنين فى حبهم والدعاء لهم ولمن تبعهم بإحسان وهم متفاوتون فيما بينهم فبعضهم فوق بعض درجات فأعلاهم درجة آهل بيعة الرضوان ولك من أمن قبل فتح مكة وانفق فى سبيل الله وقاتل لاعلاء كلمة الله ، قال الله تعالى : ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ(1/80)
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه انه كان بين عبد الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أحدا من أصحابي فان أحدكم لو انفق مثل أحدا ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصفيه ) . رواه مسلم فدل الحديث على ان من اسلم قبل فتح مكة وقبل صلح الحديبية كعبد الرحمن بن عوف افضل ممن اسلم بعد صلح الحديبية وبعد فتح مكة كخالد بن الوليد واذا كان حال خالد بن الوليد ومن اسلم معه او بعجه من الصحابة بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف والسابقين معه الى الإسلام وهو ما ذكر فى الحديث فكيف بحال من جاء بعد الصحابة بالنسبة الى الصحابة رضى الله عنهم وفى صحيح مسلم عن جابر رضى الله عنه قال : قال : النبي صلى الله عليه وسلم " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة " .وفى حديث عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الناس قرنى ، ثم الذين بلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، قال عمران : فلا ادرى اذكر بعد قرنه قرنين او ثلاثة " .
يرى آهل السنة آن حب الصحابة دين وإيمان واحسان لكونه امتثالا للنصوص الواردة فى فضلهم وان بغضهم نفاق لكونه معارضا لذلك ومع ذلك فهم لا يتجاوزون الحد فى حبهم او فى حب أحد منهم لقوله تعالى : ()قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُم) ولا يخطئون أحدا منهم ولا يتبرءون منهم ولهذا ورد عن جماعة من السلف كآبي سعيد الخدرى والحسن البصرى وإبراهيم النخعى انهم قالوا : الشهادة بدعة ، والبراءة بدعة ، ومعنى ذاك ان الشهادة على مسلم معين انه كافر او من أهل النار ، بدون دليل يرشد الى الحكم عليه بذلك بدعة ، وان البراءة من بعض الصحابة بدعة .
12- العريف بآهل السنة والجماعة
وتمييزهم عن الفرق الإسلامية
[ أ ]
س1: سئل الشيخ رحمه الله تعالى : من هم أهل السنة والجماعة ؟ وما هى الفرق التى شذت عن منهج أهل السنة ؟(1/81)
أجاب رحمه الله تعالى : آهل السنة والجماعة من كان على مثل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بان علموا بالكتاب والسنة والإجماع فما كان صحيحا صريحا من ذلك وبلغهم التزموا ، وما كان محل نظرا واجتهادك بحثوه فان انتهى البحث الى وفاق فيها وإلا عمل بما آداه اليه اجتهاده دون خصومه او عداوة او سب لمن خالفه فى ذلك رعاية لحق الاخوة الإسلامية واهل الفرقة والاختلاف هم الذين لم يعولوا على ما ذكر من الأدلة الصحيحة الصريحة او لم يردوا ما تنازعوا فيه من المسائل الاجتهادية اليها واعجب كل منهم برأ]ه او رأى من وافقه ولم يرجع عنه ونصره وقاتل من اجله ومنشأ الفرقة والخلاف بالظن والهوى وتقديم العقل على ما صح من النقل أول الفرق الضالة ظهورا لخوارج والشيعة وقد قاتل الصحابة الخوارج دون خلاف منهم فى الأقدم على قتالهم وحرق على من غلا فيه من شيعته واراد قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه .
واصول الفرق المبتدعة خمسة : الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجهمية ، حكى عن ابن المبارك ان الجهمية كفارا ليسوا من الثنتين والسبعين فرقة وهذا انبنى على ان الثنيتين والسبعين فرقى لم تكفر ببدعتها ومن المتأخرين من كفرهم جميعا ، والمعروف عن السلف إطلاق القول بتكفير الجهمية المحضة وفى تكفر الخوارج والورافض خلاف ومن نفى من القدرية العلم والكتابة فكافر ومن أتثبتهما خلق الله للأفعال ففاسق .
********************
التعريف بأهل السنة والجماعة
[ ب ](1/82)
كان الناس أمة واحدة على الحق بمال اودع الله فبهم من فطرة الإسلام وبما عهد إليهم من الهدى والبيان فلما طال عليهم الأمد قست قلوبهم فاجتالهم الشياطين عن الصراط المستقيم ، وسلكت بهم بنيات الطريق فتمزقت وحدتهم ، واختلفت كلمتهم ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما قال - تعالى - : ()كَانَ النَّاسُ أمة وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ).
وقال : ()فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاس عليها ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، او ينصرانه ، أو يمجسانه " ، الحديث وقد أمر الله - تعالى - فى كتبه وعلى السنة رسله بوحدة الكلمة ، والاعتصام بشرعه ، وحذر من الفرقة والاختلاف ، وبين عاقبة ذلك بما ذكر من أحوال الأمم الماضية ، وما حاق بها من الدمار ، أصابها من الهلاك ، وحثهم على البلاغ والبيان ، والآمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، نصرة للحق ، وإزالة للشبهة ، وإحباطا لكيد دعاة السوء ، واستهوائهم النفوس الضعيفة ، قال الله تعالى - : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون َوَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وقال : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه).(1/83)
وعن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله ! كأنها موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا فقال : " أوصيكم بالسمع والطاعة فانه من يعش منكم بعدى ، فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهجبين من يعدى ، امسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " الى غير ذلك من الآيات والأحاديث .
ومع ذلك دب الخلاف بين الناس ، فما من أمة من الأمم آلا وقد اختلف بهم الأهواء حتى وذع كل لنفسه أصولا عليها يبنى مذهبه ، واليها يرجع فى خصومته فتناقضت مذاهبهم ، وصار كل واحد حربا على أخيه ، وشغل بذلك عن كتاب الله وهدى رسوله عليه الصلاة والسلام آلا انه - سبحانه - جرت سنته ، واقتضت حكمته ، ان يقيض للحق فى كل عصر جماعة تقوم عليه وتهدى الناس اليه ، وإنجازا للوعد بحفظ دينه ، واقامة للحجة وإسقاطا للمعاذير : قال تعالى : () وَإِنْ مِنْ أمة إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) وقال : ()إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفترق آمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار آي واحدة " .
وفى رواية قالوا : ومن هى يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " وفى رواية قال : هى الجماعة " رواه آبو داود والترمذى وابن ماجة وغيرهم وفى الحديث : ( لا تزال طائفة من آمتي ظاهرين على الحق .. ) .(1/84)
وقد تبين من ذلك ان الفرقة الناجية هم آهل السنة والجماعة وان شعارها كتاب الله وهدى رسوله عليه الصلاة والسلام ومال كان عليه سلف الأمة الذين يؤمنون بمحكم النصوص ويعملون بها ويردون اليه ما تشابه منها ، واما الفرق الضالة ، فشعارها مفارقة الكتاب ، والسنة واجماع سلف الأمة ، واتباع الأهواء ، وشرع ما لم ياذن به الله من البدع والآراء الزائفة بناء على أصول وضعوها ، يوالون عليها ، ويعادون ، فمن وافقهم عليها ، اثنوا عليه وقربوه وكان فى زعمهم من أهل السنة والجماعة ومن خالفهم تبرءوا منه ونبذوه وناصبوه العداوة والبغضاء وربما رموه بالكفر ، والخروج من ملة الإسلام لمخالفته لأصولهم الفاسدة .
هذا وليس فى نصوص الكتاب والسنة ما يعتمد عليه فى تعيين الفرق ولا بيان ما يرجع اليه فى تمييز بعضها من بعض ، وان كان فيها التحذير من فرق الضلال وذكر عددهم وبيان شعارها إجمالا ،ولسنا مكلفين يتعيينها وتحديدها ولا نحن فى ضرورة الى ذلك فى عقيدة ، او عبادة ، او معاملة ، او دعوة الى الحق ، بل يكفينا فى جميع شئوننا ان يتميز لدينا الحق من الباطل بالحجة والبرهان ، وبالحق يعرف رجالة والدعاة اليه فلا يعيب الشريعة أنت خلت من ذلك ، ولا ينقص قدر العلماء ان يضربوا صفحا عن استقصاء الفرق الضالة حتى يبلغوا بها ما ذكر فى الحديث من العدد ، ومع ذلك ، فقد حمل بعض العلماء حب الاستطلاع ، والولع، والبحث ان يصنفوا فى تعيين الفرق ويذكروا الكل فرقة ما به تتميز عن الأخرى إشباعا للرغبة ، واستجابة لداعي الفكر ، وحاولوا ان يبلغوا بما جمعوا وقسموا واصلوا ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث من غير ان يتجاوزه او يقفوا دونه .(1/85)
ومن اجل ان المسألة اجتهادية ولا خبر فيها عن المعصوم تباينت مناهجهم فى التصنيف واختلفت مذاهبهم فىالتعيين فمنهم من اخذ فى عدد الفرق من غير ان يبنى على أساس او يستند إلى قانون يضبط ما ذكر من عدد الفرق ومذاهبها ، ومنهم من اصل أصولا يتفرع عنها ما سواها ووضع قواعد تضمنت المسائل التى وقع فيها النزاع ، وذكر كبار الفرق التى ينشعب عنها ما عداها ونمن هؤلاء الشهرستانى فى كتابه " الملل والنحل " واليك كلمته فى أصول المذاهب وكبار الفرق فقال :
المقدمة الثانية :
فى تعيين قانون يبنى عليه تعديد الفرق الإسلامية : اعلم ان لاصحاب المقالات طرقا فى تعديد الفرق الإسلامية لا على قانون مستند الى نص ولا على قاعدة مخبرة عن الوجود فما وجدت نصفين منهم منفقين على منهاج واحد فى تعديل الفرق .
ومن المعلوم الذى لا مراء فيه ان ليس كل من تميز عن غيره بمقالة ما فى مسألة ما عد صاحب مقالة فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر والعدد ويكون من انفر بمسألة فى أحكام الجوهر مثلا معدودا فى عداد أصحاب المقالات فلابد آذن من ضابط فى مسائل هى : أصول ، وقواعد يكون الاختلاف فيها اختلافا يعتبر مقالة ، ويعد صاحبها صاحب مقالة وما وجدت أحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط ، آلا انهم استرسلوا فى إيراد مذاهب الأمة كيفما اتفق وعلى الوجه الذى وجد بلا قانون مستقر ولا اصل مستمر ، فاجتهدت على ما تيسر من التقدير من التيسير ، حتى حصرتها فى أربع قواعد هى : الأصول الكبار .
القاعدة الأولى : الصفات ، والتوحيد فيها ، وهى تشتمل على مسائل : الصفات الأزلية إثباتا عند جماعة ، ونفيا عند جماعة ، وبيان صفات الذات وصفات الفعل ، وما يجب لله - تعالى - وما يجوز عليه وما يستحيل ، وفيها الخلاف بين الاشعرية ، والكرامية ، والمجسمة والمعتزلة .(1/86)
القاعدة الثانية : القدر ، والعدل ، وهى تشتمل على مسائل / القضاء ، والقدر ، والجبر ، والكسب فى إرادة الخير ، والشر ، والمحذور ، والمعلوم إثباتا عند جماعة ، ونفيا عند جماعة ، وفيها لخلاف بين القدرية والنجارية ، والجبرية والإشارية ، والكرامية .
القاعدة الثالثة : الوعد ، والوعيد ، والأسماء ، والأحكام ، وهى تشتمل على مسائل : الإيمان ، والتوبة ، الوعيد ، والإرجاء ، والتفكير والتضليل إثباتا على وجه عند جماعة ، ونفيا عند جماعة ، وفيها الخلاف بين المرجئة والوعيدية والمعتزلة ، والاشعرية ، والكرامية .
القاعدة الرابعة : السمع ، والعقل ، والرسالة ، والأمانة وهى تشتمل على مسائل : التحسين ، والتقبيح والصلاح ، والاصلح ، واللطف ، والعصمة فى النبوة ، وشرائط الإمامة نصا عند جماعة ، إجماعا عند جماعة ، وكيفية انتقالها على مذهب من قال بالنص ، وكيفية إثباتها على مذهب من قال الاجماع ، والخلاف فيها بين الشيعة والخوارج ، والمعتزلة ، والكرامية ، والاشعرية فإذا وجدنا انفرادا واحد من أئمة الأمة بمقالة من هذه القواعد عدنا مقالته مذهب ، وجماعته فرقة وان وجدنا واحدا انفرد بمسألة فلا نجعل مقالته مذهبا ، وجماعته فرقة بل نجعله مندرجا تحت واحدة ممن وافق مقالته ورددنا باقي الاختلافات الى الفروع التى لا تعد مذهبا مفردا فلا تذهب المقالات الى غير النهاية واذا تعينت المسائل الى هى وقاعد الخلاف تبينت أقسام الفرق وانحصرت كبارها فى أربع بعد آن تداخل بعضها فى بعض .
13 كبار الفرق الإسلامية أربع هى
القدرية - الصفاتية - الخوارج - الشيعة
ـــــ
ثم يتركب بعضها مع بعض ، ويتشعب عن كل فرقة أصناف ، فتصل الى ثلاث وسبعين فرقة ، ولاصحاب كتب المقالات ، طرقان فى الترتيب .
أحدهما : انهم وضعوا للمسائل أصولا ثم اوردوا فى كل مسألة : مذهب طائفة ، وفرقة فرقة .(1/87)
والثاني : انهم وضعوا الرجال واصحاب المقالات أصولا ، ثم اوردوا مذاهبهم فى مسألة ، وترتيب هذا المختصر على الريقة الأخيرة لآني وجدتها اضبط للاقسام واليق بابواب الحساب ، وشرى على نفسى ان اورد مذهب كل فرقة على ما وجدته فى كتبهم من غير تعصب لهم ، ولا كسر عليهم دون أن أبين صحيحة من فاسدة ، واعين حقه من باطل ، وان كان لا يخفى على الإفهام الذكية فىمدرج الدلائل العقلية لمحات الحق ونفخات الباطل .
ومهما يكن المنهج الذى سلكه من ألف فى الفرق الإسلامية ،وآيا كان اجتهادهم فى تعيين الفرق وتمييز بعضها من بعض لتبلغ العدد الذى ورد فى الحديث ، فلن يبرئهم ما وضعوا من الأصول والضوابط من معرة التكلف ، ولن يعصمهم من مزالق التخمين وما يوجه إليهم من طعنات النقاد .
فان النصوص وان دلت على حدوث الفرق فى هذه الأمة وبينت عدد الفرق اجمالا لم تخص بحدوث الفرق عهدا دون عهد ، والامة لا تزال تتابع اجيالها وتختلف اراؤها ، والمستقبل لا يعلمه الا الله ، فربما حدث من البدع ، ومذاهب الضلال ما ليس فى الحسبان مما لا يمكن رده الى مذاهب الفرق الأولى .
واذا كان ذلك على وصف كان تعيين الفرق رجما بالغيب واقتحاما لمتاهات لا تزيد من رمى بنفسه فيها آلا خيرة ، ومع ما فى ذلك من التكلف فى ضم بعض الفرق الى بعض بإلغاء ضرب من الخلاف خشية ان يتجاوز العدد ما ذكر فى الحديث او جعل الواحدة فرقتين باعتبار نوع من الخلاف حذرا ان ينقص العدد عنا ذكر فى الحديث ، آلا آن التأصيل ، ووضع القواعد على النحو الذى صنفه ( الشهرستانى ) وغيره اقرب الى الضبط أسرع للفهم والتحصيل وابعد عن نشر الكلام ، وادخل فى صناعة التأليف لذلك اكتفيت بذكر أصول الفرق الكبار مع مراعاة ترتيبها حسب حدوثها من غير استقصاء ،او محاولة بلوغ العدد المذكور فى الحديث .
ذكر جملة من الفرق المشهورة التى تشبعت عن الفرق الأربع السابقة مع بيان شيء مما يتميز به كل منهما .(1/88)
14- أولا : الخوارج أصولهم ورؤسهم
خرج جماعة من المسلمين على الخليفة الثالث عثمان بن عفان لأمور نقموها منه وأحداث أنكروها عليه وما زال بهم اللجاج فى الخصومة معه حتى قتلوه . ولما انتهت الخلافة إلي علي بن أبي طالب كان ممن اختلف عليه وقاتله طلحه بن عبيد الله القرشي ، والزبير بن العوام ، فأما الزبير فقتله ابن جرموز ، وأما طلحه فرماه مروان ابن الحكم بسهم فقتله ، وكانت معهما عائشة - رضي الله عنها - علي جمل لها ، ولكنها رجعت سالمة مكرمة لم يعترض عليها أحد ، وتسمى هذه الموقعة ب " موقعة الجمل " ( 36 ه ) . وأختلف علي - أيضاَ - معاوية ومن تبعه - رضي الله عنهم - ودارت الحرب بين الفريقين حتي كان التحكيم الذى زاد الفتنة اشتعالا ودب الخلاف في جيش علي ، وخرج عليه ممن كان من أنصاره فرقة تعرف بالحرورية وبالشراة . وأشتهرت بإسم الخوارج .
* وحديث العلماء في الفرق الإسلامية عن الخوارج إنما هو عن هؤلاء الذين خرجوا علي علي - رضي الله عنه - من أجل التحكيم . أما طلحة والزبير ، ومعاوية ، ومن تبعهم ، فلم يعرفوا عند علماء المسلمين بهذا الاسم .
ثم صارت كلمة الخوارج تطلق علي كل من خرج علي أمام من أئمة المسلمين ، أتفقت الجماعة علي إمامته في أي عصر من العصور دون أن يأتي ذلك الإمام بكفر ظاهر ليس له عليه حجة ، وإذن فأول من أحدث هذه البدعة في هذه الأمة ، الجماعة التي خرجت علي على بن أبي طالب سنة 39 هـ ، وأشدهم في التمرد ، والخروج عليه ، الأشعث بن قيس ، ومسعود بن فدكي التميمي ، وزيد بن حصين الطائي ، والذي دعاهم إلي ذلك مسألة التحكيم المشهورة في التاريخ ، ورضا الملومة به مع أنهم الذين أمروه به ، واضطروه إليه ، ثم أنكروه عليه فقالوا : لم حكمت الرجال ؟ لا حكم إلا الله .
ورؤسهم ستة :الأزارقة ، والنجدات ، والصفرية ، والعجاردة ، والأباضية ، والثعالبة ، وعنها تتفرع فرقهم .(1/89)
ومن أصولهم التي اشتركت فيها فرقهم ، البراءة من علي ، وعثمان وطلحة والزبير ، وعائشة ، وابن عباس - رضي الله عنهم وتكفيرهم .
والقول بأن الخلافة ليست في بني هاشم فقط ، كما تقول الشبعة ، لا في قريش فقط ، كما يقول أهل السنة ، بل في الأمة عربها وعجمها ، فمن كان أهلََ لها علماَ ، واستقامة في نفسه ، وعدالة في الأمة جاز أن يختار إماماََ للمسلمين ، ومن أصولهم الخروج علي أئمة الجور ، وكل من ارتكب منهم كبيرة . ولذلك سموا بالخوارج . والإيمان عندهم : عقيدة ، وقول ، وعمل .
وقد وافقوا في هذا أهل السنة في الجملة ، وخالفوا غيرهم من الطوائف .
ومن أصولهم - أيضاَ - : التكفير بالكبائر ، فمن أرتكب كبيرة فهو كافر . وتخليد من أرتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين . ولذا سموا وعيديه ، ومن أصولهم - أيضاَ - القول بخلق القرآن وإنكارا أن يكون الله قادراَ علي أن يظلم .
وتوقفت التشريع والتكليف علي إرسال الرسل ، وتقديم السمع علي العقل علي تقدير التعارض ، فمن وافقهم في هذه الأصول فهو منهم ، وإن خالفهم في غيرها ، ومن وافقهم في بعضها ، ففيه منهم بقدر ذلك ، وقد اجتمعوا بحر وراء برئاسة عبد الله بن الكواء ، وعتاب بن الأعور ، وعبد الله وهب الراسبي ، وعروة بن حدير ، ويزيد بن عاصم المحاربي ، وحرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية . وكانوا في أثني عشر ألف رجل ، فقاتلهم علي يوم النهروان ، فما نجا منهم إلا أقل من عشرة ، فر منهم اثنان إلي عمان ، وإثنان إلي كرمان ، وإثنان إلي سجستان ، واثنان إلي الجزيره ، وواحد إلي موزان ، فظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع .
وأول من بويع منهم بالخلافة عبد الله بن وهب الراسبي ، فتبرأ من الحكمين ، وممن رضي بهما ، وكفر هو ومن بايعه علياَ لتحكيمه الرجال ورضاه بذلك .
ثانيا : الفرق التي تشبعت من الخوارج(1/90)
الأزارقة : هم جماعة من الخوارج ينسبون إلي أبي راشد نافع بن الأزرق ، خرج آخر أيام يزيد بن معاوية ، ومات سنة 65 هـ . وبايع الأزارقة بعد موته قطري بن الفجاءة ، وسموه بأمير المؤمنين ، ومن بدعهم تصويب قاتل علي ، عبد الرحمن بن ملجم . وفي ذلك يقول عمران بن حطان مفتي الخوارج :
ياضربة من منيب ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناَ
إني لأذكره يوماَ فأحسبه أوفي البريه عند الله ميزاناَ
ومنها تكفير من قعد عن الجهاد معهم ، وتكفير من لم يهتجر إليهم ، وإسقاط الرجم لعد م وجوده في القرآن ، وإسقاط الحد عمن قذف المحصنين دون المحصنات ، وعدم جواز التقية في قول أو عمل ، وإباحة قتل أطفال المخالفين لهم ونسائهم ، وعدم أداء الأمانة لمن خالفهم .
النجدات العاذرية :
ينسبون الى نجدة بن عامر الحنفى ، وكان من شأنه انه خرج من اليمامة مع عسكرة يريد اللحاق بالأزارقة ، فاستقبله آبو فديك ، وعطية بن الأسود الحنفى فى الجماعة الذين أنكروا على نافع بن الأزرق بدعة / فاخبروه بما احدثه من تكفير القعدة من القتال معه ، وغير ذلك من بدعة ، فكتب اليه ينصح له ، فلما ابى تافع ان يرجع ، بايعه على الإمامة أبو فديك ، وعطية ومن معهما ، وسموه بأمير المؤمنين .
ومن بدعهم : جواز التقية فى القول والعمل ، وتتناصفهم فيما بينهم بلا إمام فان عجزوا عن ذلك آلا بالإمام جاز لهم ان يقيموه .(1/91)
وسموا بالعاذرية أنهم يعذرون من أخطأ فى أحكام الفروع8 لجهالته دون من اخطأ فى الأصول : كمعرفة الله ورسله ، والإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله جملة ولم يلبث آبو فديك وعطية ان اختلفا عليه ، وقتله آبو فديك ثم اختلف آبو فديك وعطية ، وبرئ كل منهما من الآخر ، وصار لكل منهما اتباع وسمى اتباع آبو فديك فدكية واتباع عطية ، العطوية ، وقد أرسل عبد الملك بن مروان ، عثمان بن عبيد الله بن معمر الى ابى فديك فحاربه أياما وقتله وفر عطية الى ارض سجستان .
العجاردة : هم طائفة من الخوزارج ينسبون الى عبد الكريم بن عجرد ، وهم من أصحاب عطية بن الأسود الجنفى ومن بدعهم : البراءة من الأطفال حتى يدعو الى الإسلام عند بلوغهم ، ومن بدعهم - ايضا - : ان سورة يوسف ليست من القرآن وانهم يتولون القعدة ، ويرون الهجرة فضيلة لا فرضا .
وقد افترقت العجاردة فلاقا كثيرة منها : الميمونة اتباع ميمون بن خالد وهو على مذهب المعتزلة فى القدر - ومن بدعه - ايضا - جواز نكاح بنات البنات والبنين وبنات الاود الاخوة والأخوات ، ومنها الحمزية اتباع حمزة بن ادرك ثبتوا على قول ميمون فى القدر ، وقالوا بجواز إمامين فى عصر واحد ما لم تجتمع الكلمة او تقهر الأعداء .
ومنها الاطرفية : فرقة من الحمزية رئيسهم غالب بن شاذان السجستانى سموا الطرفية لانهم يعذرون أصحاب الأطراف فى ترك ما لم يعرفوه من الشريعة إذا آتوا بما عرفوه بالعقل ، ومذهبهم : كالعاذرية فى تحكيم العقل ، ومنها الشعبية أصحاب شعيب بن محمد الذى تبرأ من ميمون لما اظهر القدر ومنها الجازمية أصحاب جازم بن على ، وكان على قول شعيب فى القدر .
الثعالبة :(1/92)
هم أصحاب ثعلبه بن عامر ، كان مع عبد الكريم بن عجرد يدا واحدة الىان اختلفا فى أمر الطفل ، فقال ثعلبة بولايته حتى نرى منه إنكارا للحق ورضا بالجور فتبرأت العجاردة من ثعلبة ، ونقل عنه - ايضا انه لا يحكم فىالطفل بشئ حتى يبلغ ويدعى الى الإسلام فان أجاب فبها ، وإلا كفرا !! وقد افترقت الثعالبة فلاقا كثيرة منها : وهم ابتاع شيبان بن سلمة خرج أيام ابى مسلم الخراساني واعانه على نصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام وقتل أناسا ممن يوافقون فى المذهب واخذ اموالهم ، فبرئت منه الثعالبة ولما قتل اخبروا بتوبته فلم يقبلوها لانه لم يرد المظالم ، ولم ينصف اولياء الدم ومن بدعهم : تشبيه الله بخلقه ، وموافقة جهم فى قوله بالجبر ، والاعتقاد ان الولاية والعداوة من صفات الله الذاتي الذاتية لا من صفات الفعل ومن لم يقبل توبة شيبان يسمون بالزيادية نسبة لرئيسهم زياد بن عبد الرحمن ومنها : الرشيدية اتباع رشيد الطوسى ومن بدعهم : اخراج نصف العشر زكاة لما سقى بالانهار ومنها المركمية أصحاب ابى مكرم بن عبد الله العجلى ، وومن مقالته : تكفير تارك الصلاة لجهلة بربه ، وغفلته عن معرفته ، وعدم مبالاته بالتكليف وقالوا بايمان الموافاة بمعنى ان الله يوالى عبادة ، ويعاديهم على ما يوافونه به الموت من خير او شر لا على اعمالهم قبل ذل ومنها المعومية والمجهولية : وهما فى الاصل من الحمزية فالمعلومية قالتن : لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله بجميع اسمائه وصفاته وقالوا فعل العبد مخلوق له ، فبرئت منهم الجازمية والمجهولية قالت من علم البعض وجهل البعض كان مؤمنا .
الاباضية :(1/93)
هم اتباع عبد الله بن اباض التميمي ، الذى خرج أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية قال : ان مخالفينا من اصل القبلة كفار غير مشركين أباح الحرب لا غير ، وحرم قتلهم ، وسيبهم غيلة ، أباح ذلك بعد إقامة الحجة ونصب القتال وقال : مرتكب الكبيرة موحد لا مؤمن ، وكافر نعمة لا كفرا يخرج من الملة وانه مخلد فى النار وافعال العباد مخلوقة لله مكتسبة للعبد .
وهم فرق كثيرة منها الحفصية أصحاب حفص بن ابى المقدام ، تميز عن الاباضية يجعله الفرق بين الشرك والإيمان ، معرفة الله وحده فمن عرفه فهو مؤمن ، وان كفر بالرسل وما جاءوا به ومن ارتكب كبيرة فهو كافر غير مشرك .
ومنها الحارثية :
اصحاب الحارث بن مزيد الاباضية ، خالف الاباضية فى القدر فقال بقول المعتزلة ولذا كرهوه ، وقال بالاستطاعة قبل الفعل لا معه وقال بإثبات طاعة لا يراد بها وجه الله كما قال آبو الهذيل من المعتزلة .
15- الشيعة والفرق التى تشبعت منها
الشيوع والشياع : القوة والانتشار ، يقال : شاع الخبر اذا انتشر ، وكثر التكلم به وشيعة الرجل : خواصه ، وجماعته الذين ينتشرون ويتقوى بهم لنسب يجمعهم او لاتباعهم إياه فى مذهبة ، وسيرهم على منهاجه وسننع ويجمع الشيعة على شيع ، وتجمع شيع على اشياع .
والمراد بالشيعة هنا : كل من شايع على بن ابى طالب خاصة وقال بالنص على إمامته وقصر الإمامة على آل البيت ، وقال بعصمه الأئمة من : الكبائر والصغائر ، والخطأ وقال : لا ولاء لعلي آلا بالبراء من غيره من الخلفاء الذين فى عصره قولا وفعلا ، وعقيدة آلا فى حال التقية ، وقد يثبت بعض الزيدية الولاء دون البراء .
فهذه أصول الشيعة التى يشترك فيها جميع فرقهم ، وان اختلفت كل فرقة عن الأخرى فى بعض المسائل فمن قال ممن ينتسب الى الإسلام بهذه الأصول فهو شيعي وان خالفهم فيما سواها ومن قال بشيء منها ففيه من التشيع بحسبه .
ورؤوس فرق الشيعة خمسة :(1/94)
الزيدية ، والأمامية , والكيسانية , والغلاة , والإسماعيلية , ومن العلماء من لم يجعل الإسماعيلية رئيسية .
ومن فرق الشيعة الزيدية
الزيدية : هم اتباع زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب ، ومن مقالته : ان الإمامة تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل للمصلحة فى ذلك .
ومن اجل هذا رأى انعقاد الخلافة لآبى بكر وعمر مع ان عليا افضل منهما عقيدة ، وكان لا يتبرأ منهما ولما بلغ شيعة الكوفة عنه انه لا يتبرأ منهما رفضوه فسموا رافضة ، ومن مذهبه سوق الامامة فى اولاد فاطمة : الحسن والحسين واولادهما وجواز خروج إمامين فى قطرين على ان يكون كل منهما من أولاد فاطمة وينحلى بالعلم والزهد ، والكرم ، والشجاعة .
وقد عاب عليه اخوة محمد الباقر آخذه العلم عن واصل بن عطاء الغزال من اجل انه كان يجوز على جدهما على الخطأ فى قتال الخارجين عليه .
وعاب عليه : رأيه بان الخروج شرط فى كون الإمام إماما وكان يذهب فى القدر الى مذهب القدرية وبذلك نعرف السبب فى ان اتباع زيد كلهم معتزلة ، وقد خرج زيد على هشام بن عبد الملك أيام خلافته وبويع له بالخلافة فقتل وصلب بكناسة الكوفة عام 121هـ وكان ابنه يحيى إماما بعده أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وهب الى خراسان فبعث اليه أميرها نصر بن سيار سلم بن احوز فقتله عام 125هـ ثم انحرفت الزيدية بعد عن القول بصحة أمامه المفضول ، وطعنوا فى الصحابة كالامامية .
ومما أجمعت عليه الزيدية : تخليد من ارتكب كبيرة من المؤمنين فى النار وتصويب على ، وتخطئة مخالة ، وتصويبه فى التحكم وانما اخطأ احكمان ويرون السيف والخروج على أئمة الجور وانه لا يصلى خلف فاسق .
وقد افترقت الزيدية ثلاث فرق : جارودية , وسليمانية , وبترية ,(1/95)
الجارودية : هم اتباع ابى الجارود زياد بن المنذرى العبدى ، مات عام 150هـ وقد سماه ابو جعفر الباقر حزب ( الشيطان ) ومن مقالته : ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على امامه على بالوصف دون الاسم وان الصحابة كفروا يتركهم بيعة على ، وبذلك خالف إمامه زيد بن على ومن أصحاب بي الجارود فضيل الرسان ، وآبو خالد الواسطى .
السليمانية : هم اتباع سليمان بن جرير الزيدى الذى ظهر أيام ابى جعفر المنصور ، ومن مقالته : ان الإمامة شورى وأنها تنعقد ولو برجلين من خيار الأمة ، وأنها تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل ، الا انهم كفروا عثمان للأحداث التى نسبت اليه ، وكفروا عائشة ، وطلحة ، والزبير لإقدامهم على قتال على بن ابى طالب ، وطعنوا فى الرافضة من اجل قولهم بالبداء وبالتقية .
البترية والصالحية : اما البترية ، فاتباع كثير الثواء الملقب بالابتر مات سنة 169هـ واما الصالحية فأصحاب الحسن بن صالح بن حى الكوفى الهمدانى مات عام 167هـ ومذهبهما فى الإمامة مثل مذهب السليمانية الا انهم يتوقفون فى كفر عثمان لتعارض نصوص فضائله , والاحداث التى نسبت اليه ويتوقفون كذلك فى اكفار قتلته .
ذكر فى مقالات الإسلاميين ان الزيدية ست فرق الثلاث اليابقة والنعيمية ابتاع نعيم بن اليمان ، واليمانية ، وهم اتباع محمد بن اليمان ، واليعقوبية وهم اتباع يعقوب بن على الكوفى .
ومن فرق الشيعة الأمامية
ـــــ(1/96)
الأمامية : قالوا : بالنص الصريح على امامة على فى مواضع ، وبالاشارة اليه بعينه فى مواضع اخرى وقالوا : ان الامامة ركن الدين ليس فىالاسلام شيء تاهم منه ، فلا يجوز ان يتركه الرسول صلى الله عليه وسلم لا ختيار الأمة ، بل يجب ان يعين له شخصا ، وقد عين له على بن ابى طال بالنص عليه ، وبالإشارة اليه وقالوا : بتكفير بعض الصحابة ، واتفقوا على أمامه الحسين ، فعلى زين العابدين فمحمد الباقر ، ثم افترقوا بعد ذلك فرقا كثيرة فى الوقوف بالإمامة عبد الباقر وسوقها الى ابنه جعفر ، ثم فيمن كان إماما من أولاد جعفر الستة : محمد , وإسحاق , وعبد الله , وإسماعيل , ولعى , واليك بعضها :
الباقرية : هم أصحاب ابى جعفر محمد الباقر وهم يثبتون إمامته بالنص من أبيه زين العابدين عليه , ويزعمون انه لم يمت وانه المهدى المنتظر .
الجعفرية او الناوسية : نسبة الى رجل يقال له : ناوس او عجلان بن ناوس من أهل البصرة او قرية تسمى ناوسا . ومن مذهبهم سوق الإمامة الى جعفر الصادق بنص أبيه الباقر عليه ن، ويزعمون انه لم يمت ، وانه المهدى المنتظر .
الشمطية : هم أصحاب يحي بن ابى شميط يقول بموت جعفر الصادق ونصه على إمامة ابنه محمد ، وانه المهدى المنتظر .
الافطحية او العامرية : ينسبون الى رجل يقال له : عمار كان يقول بموت جعفر الصادق ونص على إمامه ابنه عبد الله الافطح .
الموسوية : ينسبون الى موسى الكاظم قالوا : ان الإمامة انتقلت من جعفر الصادق الى ابنه موسى الكاظم بنصه عليه ثم ان هارون الرشيد حمل موسى الى بغداد وحجبسه لاظهرا الامامة ويقال : انه درس له سما فمات . ودفن ببغداد ثم من قال بموته سموا : بالقطعية ومن قال : لا ندرى أمات أم لا ؟ سموا : بالمطورة ، لقول على بن إسماعيل فيهم ، وما انتم آلا كلاب ممطورة ومن قال بغيبته ، ولم يسق الإمامة فيمن بعده سموا : بالوقفية .(1/97)
الاثنا عشرية : فرقة من الموسوية قالت : بموت موسى ، وسموا القطعية كما تقدم ، وهؤلاء ساقوا الإمامة فى أولاد موسى بنص كل منهم على من بعده فزعموا ان الإمام بعد موسى : على الرضا ، ثم محمد التقى ، ثم على بن محمد ، ثم الحسن العسكرى ، ثم ابنه القائم المنتظر الذى اختفى فى سرداب فى سر من رأى وهو الإمام الثاني عشر .
الإسماعيلية الواقفية : قالوا : بموت جعفر الصادق ، ونص على إمامة ابنه إسماعيل ، ثم انتقلت منه الى ابنه محمد بن اسماعيل لموت اسماعيل فى حياة جعفر وقالوا : بغية محمد ورجعته .
الإسماعيلية الباطنية : فرقة من الإسماعيلية ساقت الأمامية بعد محمد بن إسماعيل بن جعفر فى أئمة مستورين ثم ظاهرين ، وهى الفرقة المشهورة فى الفرق بهذا الاسم ومن مقالتهم ان الأرض لا تخلو من امام حي اما ظاهر مكشوف واما باطن مستور وان من مات ولم يعرف أمام زمانه مات ميته جاهلية ! ومن مات وليس فى عنقه بيعه لإمام مات ميته جاهلية وسموا باطنية لحكمهم بان لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا ولهم ألقاب أخرى منها انهم يسمون بالعراق - ايضا - القرامطة او المرذكية وبخراسان : التعليمية والملاحدة وهم يسمون انفسهم : الاسماعيلية لامتيازهم عن الموسوية الاثنا عشرية بالقول بإمامة إسماعيل ن جعفر دون أخيه موسى الكاظم .
ومن مقالتهم - ايضا - انهم لا يقولون بإثبات الصفات لله ، ولا نفيها فرارا من التشبه بالموجودات والمعدومات ولهم سوى ذلك كثير من الشناعات الكفرية .
…ومن فرق الشيعة الكيسانية
الكيسانية : هم أصحاب كيسان مولى على بن طالب ويقال : انه تتلمذ على محمد بن الحنفية وقد زعم اتباعه انه جمع العلوم كلها وجمع اسرار علوم على وابنه محمد ، ويجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل ،ومن اجل ذلك ض منهم كثير , وجاءوا بالكفر : كإنكار أركان الإسلام والشك فى البعث, والقول بالتناسخ ،والحلول والرجعة بعد الموت ومن فرق الكيسانية :(1/98)
المختارة : وهم أصحاب المختار بن ابى عبيد الثقفى كان خارجيا ثم زبيريا ، ثم شيعيا , كيسانيا , ومن مقالته القول : بامامة محمد بن الحنفية , وبعد على , او بعد الحسن والحسين , وقد تبين خيبته لمحمد بن الحنفية ، وقيامه بثأر الحسين ، واشتغاله بقتل الظلمة ومن مذهبه جواز البداء على الله علما وارادة وامر ليبرر رجوعه فيما أبرمه مع دعواه انه أوحى اليه ومن المختارية من قال : بان محمد بن الحنفية لم يزل ، وانه المهدى ، ومن هؤلاء كثير عزة ، وإسماعيل بن محمد الحميرى الشاعران ومنهم من قال : بموته وانتقال الإمامة الى غيره .
الهاشمية : قالوا بسوق الامامية من محمد بن الحنفية الى ابنه ابى هاشم عبد الله بن محمد الحنفية وان والده افضى اليه بالاسرار التى افضى بها على الى ولده محمد بن الحنفية .
البيانية : هم اتباع بيان بن سمعان التميمي النهدي قالوا بسوق الإمامة الى من بنى هاشم الى بيان ومن مقالتهم : ان عليا حل فيه جزء من الله واتحد بجسده فكان به آلها , وعلم به الغيب , وانتصر به فى الحروب .. الخ ... ثم ادعى النبوة .
الرازمية : هم أصحاب رازام من غلاة الشيعة قالوا بإمامة على بن عبد الله بن عباس بعد ابى هاشم بوصية منه ثم انتقلت منه الى ابنه محمد ثم الى ابنه إبراهيم بن محمد صاحب ابى مسلم الخراساني حتى انتهت الى ابى جعفر المنصور ، ومن مذهبهم : إسقاط التكاليف ، والحلول وتناسخ الأرواح .(1/99)
الغلاة : هم الذين غلوا فى أئمتهم حتى ألهوهم ويجمعهم القول بتشبيه الائمة بالله : كقول النصارى فى عيسى عليه السلام وغيره او تشبيه الله بالائمة : كاليهود والقول بالبداء ، والرجعة ، والحلو ، وتناسخ الارواح والالهية ,ومن بحث وانصف تبين له ان اصول الغلاة دخلت عليهم من تعاليم اليهود والنصارى ومانى ومزدك التى انتشرت فى العراق ولهم فى كل بلد لقب فهم يلقبون فى أصفهان : بالخرمية ، والكردية ، وفى الري : بالمزدكية ، والسنبادية وفى اذربيجان : بالذقولية وفى موضع بالمحمرة وفيما وراء النهر : بالمبيضة ومن فرقهم ما يأتي :
السبائية : اتباع عبد الله بن سبأ الحميري اليهودى اظهر الإسلام أثار الفتن الدينية والسياسية فوضع قاعدة حلول الله فى عل ومنه تشعبت فرق الغلاة الذين قالوا : بتناسخ الجزء الإلهي فى الأئمة بعد على ومنهم من قال : بحياة على وغيبته ورجعته وهو الذى آثار الفتن على عثمان ،و الب عليه فرقا من الأمة وقد نفاه على الى ساباط المدائن لما علم فيه من الغلو وأحداث الفتن ويظهر ان فكرة حياة الإمام , والغيبية , والرجعة أنشأها عبد الله بن سبأ حينما يئس الشيعة من القمة دولة لهم ليصرفوا بها عن البيعة لخليفة موجود الى أمام مفقود .
الكاملية : اتباع زيى كامل ، ومذهبهم تكفير من لم يبايع عليا والطعن فى على لعدم قتالهم والخروج عليهم , ومع ذلك غلا ابو كامل فى علة وراى ان الاماة نور ينتقل من شخص لاخر ويتفاوت ففى شخص يقوى حتى يكون نبيا وفى اخر يكون إماما وقال كغيره من الغلاة بفكرة الحلول الكلي والجزئي وتناسخ الأرواح .(1/100)
العليانية : اتباع العياء بن ذراع الدوسى الأسد ، وزعم ان عليا افضل من محمد .. ثم منهم من زعم ان عليا هو الذى سمى محمدا الها .. وبعثه ليدعو اليه فدعا الى نفسه ، وذموه لذلك .. فسموا بالذميمة ومنهم من أله عليا ومحمدا او فضل عليا .. سموا باعلينية ومنهم من الههما وقدم محمد وسموا بالميمة ومنهم من آله أصحاب الكساء : محمدا وعليا ،وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا وقالوا : هم شيء واحد حلت فيهم الروح بالسوية .
المغيربة : اتباع المغيرة بن سعد البجلى مولى خالد بن ع بد الله القسرى ، زعم ان الإمام بعد محمد الباقر هو محمد بن عبد الله بن الحين الذى خرج فى المدينة ، وزعم انه حي لا يمت ، ثم زعم الإمامة لنفسه ، ثم ادعى النبوة وفى زعمة ان الله صورة وجسم ذو أعضاء على حروف الهجاء وصورته صورة رجل من نور على رأسه تاج من النور ، وله قلب تنبع منه الحكمة الى غير ذلك من الشناعات .
المنصورية : اتباع منصور العجلى ، زعم انه أمام حين تبرأ منه الباقر وطرده ثم زعم بعد وفاة الباقر ان روحه انتقلت اليه وله كثير من المزاعم ومنها انه عرج به الى السماء ومنها ان الكسف الساقط من السماء هو الله او على ومنها ان الرسالة لا تنقطع ومنها تسميى الجنة والنار وأنواع التشنيع بأسماء رجال لإسقاط التكاليف , واستحلال الدماء والأموال , وقد آخذه يوسف بن عمر الثقفى الى العراق أيام هشام بن عبد الملك وصلبه لخبث دعوته وهم صنف من الحزمية .(1/101)
الخطابية : اتباع ابى الخطاب محمد بن ابى زينب الأسد ، انتسب آبو الخطاب الى جعفر الصادق أولا ، فلما تبرأ منه جعفر وطرده ، زعم الإمامة لنفسه ، ومن مزاعمة : ان الأئمة أنبياء ، ثم آلهة ! وان جعفر اله ظهر فى صورة جسم ، او ليس جسما فرآه الناس ! ولما وقف عيسى ابن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته قتاه بسبخة الكوفة ، وقد اقترف أصحاب ابى الخطاب بعده الى فرق : المعمرية ، اتباع معمر بن خيثم زعموا ان الإمام بعد ابى الخطاب معمر ، وهؤلاء ينكرون فناء الدنيا ، ويرون ان مات يصيب العالم فيها من خير وشر هو الجزاء ومنها : البزيغية اتباع بزيغ بن موسى ، زعموا انه الإمام بعد ابى الخطاب ، وهؤلاء ينكرون الموت لن بلغ من الناس النهاية فى الكمال ، ويزعمون ان من مات فاروق فقط ورفع ، ويزعمون ان المؤمن أوحى اليه ، ومنها العجلية ، زعموا ان الإمام بعد ابى الخطاب عمير او عمر بن بيان العجلى ومنها : اتباع مفضل الصيرفي الذى قال بربوبية جعفر دون نبوته ورسالته وقد تبرأ جعفر الصادق بن محمد الباقر من هؤلاء كلهم لانهم كلهم حيارى ضالون جاهلون بحال الأئمة .
الكيالية : اتباع احمد بن الكيال ، كان لع مزاعم لا ساس لها من العقل ولا مستند لها من السمع فتبعه من انخداع به ، ادعى انه امام ، ثم ادعى انه القائم وله تأويلات لنصوص الدين منها حملة الميزان على العالمين والصراط على نفسه ، والجنة على الوصول الى عمله من البصائر والنار على الوصول الى ما يذاده .(1/102)
الهشامية : اتباع هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم الجواليقى وكلاهما من أهل التشبيه فاما هشام بن الحكم فقال فيما نقل عنه : ان الله - تعالى - جسم ذو ابعاضله قدر من الاقدار ، وكان لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها ونقل عنه ان قال : انه شبر بشبر نفسه الى آخر شناعاته وغلا فى على حتى جعله آلها وآب الطاعة واما هشام الجواليقى فقال : ان الله تعالى - على صورة إنسان أعلاه مجوف واسفله مصمت الى آخر شناعاته أجاز المعصية على الأنبياء دون الأئمة لعصمتهم .
النعمانية : هم اتباع محمد بن على بن النعمان ابى جعفر الاحول الملقب بشيطان الطاق ومذهبه فى حدوث علم الله : كمذهب هشام بن الحكم وكذلك مذهبه فى ذات الله ، الا انه يقول : انها نور على صورة انسان .
اليونسية : هم اتباع يونس بن عبد الرحمن القمي مولى ال يقطين ، وهو من المشبهة ، يزعم ان الملائكة تحمل العرش ، وان العرش يحمل الله وان اطيط الملائكة من طأة عظمة الله على العرش
النصيرية والاسحاق : النصيرية اتباع محمد بن نصير النميري والاسحاقية ينسبون الى إسحاق بن الحارث ,وكلاهما من غلاة الشيعة يرون ظهور الروحانية فى صور جسميى خيرة او خبيثة ويزعمون ان الله يظهر فى طورة انسان وان جزاء منه حل فى على بع يعلم الغيب ويفعل ما لا طاقة لاحد به من البشر ، آلا ان النصيرية أميل الى مشاركة على الله فى الألوهية والاسحاقية أميل الى مشاركة على لمحمد فى النبوة وكلاهما يرى - ايضا - إباحة المحارم ، وإسقاط التكاليف .
ومن الرافضة - ايضا - جماعة يقولون : بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسين بن على بن ابى طالب ، وانه لم يزل حيا وينتظرون خروجه مع ان جيش ابى جعفر المنصور قد قتله واقر بذلك فرقة من اتباع إمامهم محمد .
16- فتاوى فى العقيدة .
س1: سئل الشيخ ك بعض الناس يكرون على من قال : " جل من لا يسهو فهل هذه العبارة خطأ ؟(1/103)
فقال الشيخ رحمه الله : ( لا ، بل عبارة صحيحة فيها إثبات السهو لغير الله وتنزيه تعالى عن السهو وفيها اشارة الى ان الانسان معذور فى سهرة سواء كان نبيا او وليا او صالحا من الصالحين " .
س2: سألت الشيخ عن وجه الجمع بين الأحاديث التى فيها تسمية يد الله تعالى الأخرى شمالا ، وحديث كلتا يدي ربي يمين مباركة ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " حديث كلتا يدي ربي يمين من باب التغليب لنفي الضعف عن يده تعالى الأخرى ، لان عادة بني آدم ان تكون يده اليمنى اقوى من يده الشمال والله تعالى منزه عن ذلك وفى مثل هذه الاحاديث التى تحتاج الى الجمع خاصة فى العقائد يرجع الى كتاب تأويل مختلف الحديث للإمام ابن قتيبه وكذلك من الكتب القيمة فى هذا الموضوع كتاب " مشكلات الحديث " لعبد الله القصيمي وكان تأليفه لهذا الكتاب قبل مروقة وتلاعبه بالدين .
س3: سألت الشيخ : عن الفرق بين إرادة الله تعالى وآمره ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " إرادة الله تعالى قد تكون على عكس امره فهو سبحانه أمر ابا جهل بالايمان مع عدم ارادته كونا ان يؤمن فيفرق بين امره تعالى الشرعي وبين ارادته الكونية فان سبحانه وتعالى لا يأمر الا بما يحب وقد يريد كونا خلافه " .
س4: سئل الشيخ : عن بعض عبارات الإمام ابن قدامة فى لمعة الاعتقاد التى يفهم منها التفويض ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " مذهب السلف هو التفويض فى كيفية الصفات لا فى المعنى ، وقد غلط ابن قدامة فى لمعة الاعتقاد وقال : بالتوفيض ولكن الحنابلة يتعصبون للحنابلة ، ولذلك يتعصب المشايخ فى الدفاع عن ابن قدامه ، ولكن الصحيح ان ابن قدامه مفوض " .
س5: سئل الشيخ : عن عن تعلق الله تعالى بالمستحيل والواجب ؟(1/104)
فقال الشيخ رحمه الله : : " قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيل ولكن تتعلق بالممكن فقط ولا تتعلق بالواجب العقلي / وتعلق القدرة بالواجب اما بابقائه واما بافنائه ، فاذا تعلقت بابقائه فلا اثر للقدرة فهو تحصيل حاصل ، وكذلك ابقاء المستحيل عقلا على العدم كالشريك للبارئ غير ممكن الوجود ، وان تعلقت بإفناء الواجب او أيجاد المستحيل ترتب عليها قلب الحقائق " ؟
س6: سئل الشيخ : عن تقسم الإشارة لصفات الله تعالى ؟
فقال الشيخ رحمه الله : صفات السلب عند الاشاعرة ( خمسة ):
1- القدم .
2- الباقء .
3- المخالفة للحوادث .
4- القيام بالنفس .
5- الوحدانية .
صفات المعانى عند الاشاعرة ( سبعة ) وهى :
1 - القدرة .
2- الإرادة .
3- العلم .
4- الحياة .
5- السمع .
6- البصر .
7- الكلام .
الصفات المعنوية وتسمى الصفات الاحوال ( سبعة ) : كونه قاردا ، كونه مريدا بزيادة كونه على كل واحدة والصحيح عند الاشاعرة نفى السبعة المعنوية ويقولون : الحق ان الحال محال .
وزاد الماتريدية صفة من الصفات فصارت ثمانية وهى صفة التكوين ( راجع آخر الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية ) .
وصفة نفسية : هى الوجود ( صفة واحدة ) .
س7: سئل الشيخ : عن معنى ( حجابة النور ) ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " بصر الانسان لا يقوى على رؤية نور الحجاب الذي يحجب ذات الله تعالى عن رؤية فنور الحجاب لا تدرك كيفية الا عند رؤيته تعالى فىالاخرة " .
س8: سئل الشيخ : عن قدم الله تعالى ورجله هل هما صفتان او صفة واحدة ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " قدم الله تعالى هى رجله صفة واحدة وهما روايتان فى الحديث .
ومن قال كيف تحيط النار برجله او قدمه تعالى فنقول : هذا بحث فى كيفية ومذهب السلف تفويض الكيفية وعندما يضع الجبار قدمه ينزوى بعض النار عن بعض فاذا تضامت ملأها ما قد القى فيها " .
س9: سئل الشيخ : عن المشيئة هل هى كونية فقط ، او هى كونية وشرعية كالإرادة ؟(1/105)
فقال الشيخ رحمه الله : " الإرادة بمعنى المحبة شرعية وبمعنى المشيئة كونية فالمشيئة هى الارادة الكونية لا غير فالارادة اعم من المشيئة ".
س10 : سئل الشيخ : عن صفة المكر والمخادعة والاستهزاء ونحوها ؟
فقال الشيخ - رحمة الله - : " قوله تعالى : ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ، وقوله : (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) ، وقوله : ( سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ )، وقوله : ( وهو خادعهم ) ، وقوله : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ)، وبالفعل أقدم هؤلاء وهؤلاء ثم بعد ذلك صار المسلمون يرون ضعف الكفار كما فى أل عمران : ( يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) هذا تفسير للمكر والمخادعة وتفسير آخر هو انطفاء نورهم على الصراط فى سورة الحديد : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) آي تركهم وخذلهم لا بمعنى ذهاب الشيء من الذاكرة حاشا لله .
الصفات السابقة يسميها العلماء خبرية ويصح ان تستعمل فى تركيب مشابها لتركيب القرآن آي مصاحبا للمكر من المخلوق .
فنقول : الله ماكر بالماكرين ، ومستهزئ بالمستهزئين ومخادع من يخادعه ولا يصح ان نقول : يا ماكر - حاشا لله - والصافت السابقة نوع من الصفات الفعلية الا انها لابد من اقترانها بالسياق الوارد.
والمكر نوعان حسن وسئ والنسوب لله هو المرك الحسن " .
س11: سئل الشيخ : عن صفات الذات وصفات الفعل ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " صفات المعانى داخله فى صفات الذات ولذلك لا تسلط عليها كلمة المشيئة فلا يصح ( اذا شاء قدر ) لان القدرة صفة ذات ربنا موصوف بها على الدوام ولكن يصح ان تقول ( اذا شاء خلق ) لان الخلق صفة فعل فهو يخلق ما يشاء وقتما شاء كيفما شاء ولا يصح ان تقول شاء الله أن يكون عالما أو قادرا " .
س12: سئل الشيخ : هل الكفار يرون الله فى المحشر ؟(1/106)
فقال الشيخ - رحمه الله - : : نعم الناس كلهم فى الموقف يرون الله تعالى لكن لا ينتعون بالرؤية حتى اطيب عباد الله لانهم يكونون فى بلاء وكرب .
اما الروية التى فيها نعمة فهى فى الجنة والرؤية فى المحشر ليست خاصة بالمنافقين بل تعم أنواع الكفار " .
س13: سئل الشيخ : هل اللقاء بمعنى الرؤية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اللقاء بمعنى الرؤية واستدلال من استدل بقوله : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ)على الرؤية لا يصح لانه استدلال بما لا دليل فيه " .
س14: سئل الشيخ : ما اثر الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " الأسماء والصفات لها أثر عظيم فى حياة الفرد ، فمعرفة الفرد ان الله تعالى رحمن يبعث فى قلبه الرجاء ، واذا ذكر القهار يبعث فيه ال الخوف من الله تعالى ، والقرآن مليء بصفات الله تعالى " .
س15: سئل الشيخ : بعض الناس ينسبون الى السلف القول بالتفويض فما ردكم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : التفويض ليس هو اعتقاد السلف ومن نسب الى السلف التفويض فقد اخطأ فالتوفيض عند السلف فى الكيفية ، والكيف مجهول ، ماهو الايتواء ؟ مجهول ، فاكلام عن كيفية الرؤية خطأ .
س16: سل الشيخ : هل الكفار يرون الله تعالى فى المحشر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الكفار يكشف لهم عن الله تعالى وعن ساقة سبحانه وتعالى " فيرون الله تعالى فى المواقف لكن لا يتمكنون من السجود له سبحانه وتعالى " .
س17: سئل الشيخ : ما المقصود بقرب الله تعالى () فَإِنِّي قَرِيبٌ )؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " قرب الله تعالى من عبادة قرب ذاتي بغير حلول ولا امتزاج هكذا قال ابن تيمية ولا اوضح من هذا الذى قالاه " .
س18: سئل الشيخ : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " آنت الباطن " ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " تفسير : " آنت الباطن فليس دونك شيء يعنى : بطن الامور وعلم حقيقتها فى يخفى عليه شيء " .(1/107)
س19: سئل الشيخ : ما معنى : " اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد يفيد قرب العبد من الرب اى العبد فى هذه الحالة اقرب فى حالة الركوع " .
س20: سئل الشيخ : ما لفرق بين التشبيه والتمثيل والتكييف فى صفات الله تعال ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الأحسن لك ان تقرأها فى كتاب العقيدة الواسطية وشروحها كشرح الشيخ ابن عثيمين عليها " .
س21: سئل الشيخ : هل يجوز وصف الله تعالى بأنه فى جهة او له حد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : وصف الله تعالى بالجسم ، والحيز ، والجهة ، والحد الفاظ مجملة اذا اراد بها معنى صحيحا قررناها وقلنا التعبير خطأ ، واذا ذكر معنى فاسد انكرنا علبه وقد ذكرتهخ فى شرح التدميرية " .
س22: سئل الشيخ : ما هى قبلة الدعاء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " السماء هى قبلة الدعاء ، ورفع اليد الى السماء من ادلة اهل السنة عهلى علو تعالى حتى البهائم اذا اصيبت ترفع راسها الى السماء والكعبة قبلة الدعاء ايضا كما قبله الصلاة ".
س23: سئل الشيخ : ما الدليل على إثبات العينين لله تعالى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " صفة العينين لله تعالى كما يليق بكماله ولا يوجد واحد من الأولين من الصحابة نفى عن الله تعالى صفة العينين ويدل على اثباتها حديث الدجال فقال صلى الله عليه وسلم : " انه اعور وان ربكم ليس باعور " وهذا منطوق صريح وليس مفهوما ".
س24: سئل الشيخ : هل صفات الفعل تقوم بذات الله سبحانه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " صفات الخالق تقوم بذاته كما يليق به وصفات المخلوق تقوم بذاته وبفقره ، والصفات الحادثة التى تجدد من ان لاخر كالرزق ، والاحياء ، والامانه تقوم بذات الله لكن المخلوقات الحادثة انا وانت وبقية الاعيان لا تقوم بذات الله تعالى - حاشا لله .(1/108)
وهذا المذهب ليس مذهب شيخ الإسلام وحده بل هو مذهب جماعات من الاولين قبل ان يخلق شيخ الإسلام وابوه وجده ".
س25: سئل الشيخ : عن حديث : " خلق الله أدم على صورته " ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : آي على صورة الرحمن كما ثبت فى الرواية الاخرى خلافا للالبانى ولنسيب الرفاعى والصورة ثابته لله تعالى فى الصحيحين انه تعالى ياتى على صورته وعلى غير صورته " .
س26: سئل الشيخ : ما لفارق بين الأزلي والقديم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الأزلي : الذى لا أوله له اما القديم : فقد تكون صفة مدح وقد تكون صفة ذم وفى القرآن الكريم : () حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) والقديم : ليس من صفات الله بل هو من صفات سلطانه لان سلطانه يتجدد وهو قديم " .
س27: سئل الشيخ : هل المنان من اسماء الله تعالى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : قال عند من يجوز اشتقاق الاسماء لله من صفاته هو اسم الله وعند من لا يجوز الاشتقاق لا يجوز تسمية الله تعالى به ، ولكن هو صفة لانه ليست كل صفات الله اسماء له ".
س28: سئل الشيخ : ما علاقة الأسماء بالصفات ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " كل أسماء الله تعالى عدا لفظ الجلالة تتضمن وصف الله تعالى بما تضمنته الاسماء من الصفات فكل أسماء الله تعالى صفات له ولا ينعكس فمن اسماء الله ما هو مشتق على وزن اسم الفاعل وهو يتضمن ذاتا وصفة قامت بالذات " .
س29: سئل الشيخ : هل لفظ الجلالة جامد ام مشتق من الالهة او الوله ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : : جامد لانه لو كان مشتا من الالهه لكان بمعنى الاله يطلق على الالهة الباطلة لكن لفظ الجلالة ( الله ) علم على ذاته سبحانه لا يشاركه فيه غيره " .
س30: سئل الشيخ : عن معنى دلالة أسماء الله تعالى على معناها مطابقة وتضمينا والتزاما ؟(1/109)
فقال الشيخ - رحمه الله - : دلالة اللفظ على معناه مطابقة كدلالة السفينة على الخشب والمسامير ودلالة اللفظ على بعض معناه تضمنا كدلالة السفينة على الخشب فقط ، ودلالة اللفظ على معنى خارج لكنه لازم دلالة التزام كدلالة السفينة على الحمولة او السير فوق الماء ويرجع فى هذا الى أنواع الدلالات فى كتب المنطلق والى متن السلم والى كتب الشيخ السعدي - رحمه الله " .
س31: سئل الشيخ : عن قيام صفات الله تعالى بذاته ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : صفات الله تعالى قائمة بالذات ملازمة لها وليست هناك ذات مجردة عن الصفات ، والمعتزلة هم الذين يقولون الذات قائمة مجردة عن الصفات ، فصفات الله تعالى ليست هى الذات وليست هى غير الذات " .
س32: سئل الشيخ ما معنى قوله () وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : :" اول الآية ()أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ) وأخرها () إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ووسطها النجوى ، اى هو أعلم بها وهذا كله يبين ان المراد معية العلم والاحاطة " .
س33: سئل الشيخ : ما الفرق بين العبارة والحكاية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " ( عندي ان العبارة والحكاية شيء واحد ، ومن اراد التفرقة بينهما فعلية ان يظهر الفرق ، وقد أخطأ الاشعرى وابن كلاب قولهما ان القرآن عبارة او حكاية عن كلام الله لنفسى القديم " .
س34: سئل الشيخ : رجل يقول : ان كلام الله تعالى يسمع يوم القيامة من كل جهة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " هذا خوض فى الكيفية ، ونحن نؤمن بصفات الله ونفوض كيفيتها اليه " .
س35: سئل الشيخ : ما راجح الأقوال فى مسالة نزول الرب سبحانه وتعالى هل يخلو منه العرش أولا يخلو او نتوقف ؟
وهل الراجح هو ما اختاره شيخ الإسلام انه سبحانه ينزل ولا يخلو منه العرش ؟(1/110)
فقال الشيخ - رحمه الله - " الصحيح ان نتوقف فنؤمن نه على عرشة ونؤمن انه ينزل ولا نقول يخلو اولا يخلو لانه خوض فى الكيفية " .
س36: سئل الشيخ : عن توضيح قول شارح الصحاوية ما ملخصه ان العلم الإلهي يصح فيه قياس الأولى سواء آمان تمثيليا او شموليا ، ولا يصح فيه قياس المساوى او الادنى سواء كان تمثلا او شمولا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " القياس التمثيلي هو القياس الفقهي المعروف والقياس الشمولى هو : هو القياس المنطقى ، والقياس أحد الأبواب الكبرىلا فى علم المنطق ويحتاج الى عام كامل ليشرح بالتفصيل ولكن خلاصى الكلام فى المنطف\ق ويحتاج الى عام كامل ليشرح بالتفصيل ولكن خلاصة الكلام فى القياس الشمولي انه يتركب من مقدمتين صغرى وكبرى وله ثلاثة حدود :
1- مبتدأ الصغرى ,
2- وخبر الكبرى .
3- والحد الأوسط هو خبر الصغرى وهو ايضا مبتدأ الكبرى .
4- والمبتدأ يسمى موضوعا والخبر يسمى محمولا مثل يوضح ذلك .
( الانسان حادث )
( وكل حادث لابد له من محدث )
لفظ ( الانسان )
الحد الأول / مبتدأ الصغرى / موضوع
ولفظ ( كل حادث )
الحد الأوسط / مبتدأ الكبرى / موضوع .
ولاحظ ان موضوع الكبرى عام ليدخل فيه موضوع الصغرى
ففى القياس الشمولى لابد ان تدخل المقدمة الصغرى فىالمقدمة الكبرى .
فلذلك سمو شموليا لان الكبرى تشمل الصغرى " .
س37: سئل الشيخ : هل يجوز الأخبار عن الله تعالى بانه ( واجب الوجود ) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " ذكرت فى مذكرة لة مقدمة فى الصفات طبعها زهير ال شاويش لكلية اللغة العربية بعنوان " مذكرة التوحيد " فيها الكلام عن الحكم العادى ، والحكم العقلى ، والحكم الفقهى ، وتكلمت فيها عن تقسيم الحكم العقلي الى مستحيل ، وجائز ، وواجب ) .
فالمستحيل هو مالا يتصور وجوده ويصح الأخبار عن الله تعالى بأنه واجب الوجود وهذا من باب الأخبار لا من باب الصفة .(1/111)
س38: سئل الشيخ : عن وسائل الشرك هل تعتبر شركا اصغر ان تعتبر محرمة فقط ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " كل وسيلة تؤدى الى الشرك فهى من الشرك الأصغر بالإضافة الى تحريمها فمن ذلك عبادة الله تعالى عند قبر الرجل الصالح اذا كان معتقدا ان هذا المكان فيه بركة تؤثر فى قبول الدعاء والعبادة فهذا الشرك اصغر ، وكذلك التوسل البدعى يعتبر من الشرك الأصغر " .
س39: سئل الشيخ : هل يثاب المرء على ترك الحرام ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " الثواب يحتاج الى شيئين هما : الاخلاص ( النية ) وموافقة العمل لمطلوب الشرع ( أحسن عملا ) اخلصه واصوبة ، النية واصابة الحق ولو باجتهاد والمباح لا تاجر ى فعله ولا اثم فى تركه ولكن بالنية يثاب ان يأثم والترك فى الاصل سلب لا يحتاج الى نية ولكن إذا نوة به كف النفس عن الحرام فهو فعل يثاب عليه " .
س40 : سئل الشيخ : مال فرق بين اليقين والصدق والإخلاص وبين القبول والانقياد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " اليقين الطمأنينة - القبول قبول الله للعبادة وقبول العبد الدين وهو الانقياد وكلاهما شرط " .
س41: سئل الشيخ : هل لفظه ( لعمرى ) ( لعمرك ) من باب القسم ؟ واذا كان كذلك فهل هو قسم ممنوع ام مباح ؟ وما معنى : " افلح وابيه ان صدق " ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - كانوا فى الجاهلية يحلفون بآبائهم ثم نسخ وقوله : ( لعمرى ) قسم لغوى يقصد به التوكيد وهو مباح لان القيم الشرعي يكون بالواو ، والتاء ، والباء ، ولا يدخل فيه القسم بالام " .
س42: سئل الشيخ ك كفر الجهل والتكذيب هل هما قسمان آم قسم ؟ وهل هو خاص باليهود والنصارى أم يدخل فيه من كان مسلما ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " هو نوع واحد إذا كان التكذيب عن جهل فيعرف بالدين فإذا استمر على التكذيب بعج العلم كان كافرا " .
س43: سئل الشيخ : ما لفرق بين توحيد المراد ( الإخلاص ) وتوحيد الإرادة ( الصدقة ) ؟(1/112)
فقال الشيخ - رحمه الله - " المراد اسم مفعول ، والإرادة مصدر ، والمراد هو الله ، وعليه ان يريد الله وحده ، واذا اراد الله ببعض ارادته نقص فى صدقه " .
س44: سئل الشيخ : عن التوسل البدعى هل هو شرك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " هو سيلة الى الشرك ومن قال انه شرك فهو مخطئ وهذه المسألة عقائدية وليست من مسائل الفروع الفقهية " .
***************
التوسل المشروع والتوسل الممنوع
س45: سئل الشيخ : ما حكم لو قلت فى دعائي ( الهى اسألك باعز من ناجاك وافضل من دعاك ان تمطر على قلوبنا من سحائب عطفك ، وشأبيب رضوانك فهل هذا الدعاء جائز ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " الحمد لله وبعد فان هذا الذي ذكر فى هذا الدعاء " الهى أسألك باعز من ناجاك .. الخ " لا يجوز بل هو مكروه لانه توسل الى الله بالمخلوقين وهذا غير مشوع ولو كان المتوسل به الى الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبس صلى الله عليه وسلم له منزلته عند الله ولا يدخل أحد الجنة الا بالايمان به وحبه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فليس من المشروع ان تتوسل الى الله بذاته ولا بذات غيره من المخلوقين ومع مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم فاننا اذا اردنا التوسل الىالله به فاننا نتوسل الى الله بالايمان به واتباعه لان هذا من اعظم القربات والاعمال الصالحة بل هذا - يعنى الاسمان برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه - افضل الاعمال اطلاقا فاذا اراد الانسان ان يتوسل الى الله بالرسول فليقل مثلا فى دعائه " اللهم بايماني بك واتباعي لرسولك ولشريعتك وبما جائنا به رسولك افعل لى كذا وكذا ".(1/113)
" إيماني بك وبرسولك " هذا هو التوسل المشروع وهو التوسل الى الله بالعمل الصالح وهو الذى ذكره الله تعالى فى كتابه فقال سبحانه وتعالى ()إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
فهذا التفكر فى خلق السموات والأرض عبادة وكذلك تأمل اختلاف الليل والنهار ما فيها من الظلمة والنور والطول والقصر هذا ايضا عبادة وكذلك تدبر السنن الكونيةالتى بثها الله عز وجل فى خلقه عبادة فبعد قيام هؤلاء العباد بهذا التفكر وهذا التدبر واعترافهم ان الله ما خلق هذا كله باطلا بل خلقه بالحق وللحكم الكثيرة التى يعلمها ، بعد هذا التدبر وهذا التفكر وهذا الاعتراف ، سألوا الله عز وجل ان يقيهم عذاب النار () فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) الفاء فى ( فقنا ) تدل على ترتيب الدعاء ودوام ذكره على كل حال وتنزيه الله ان يخلق خلقا باطلا هذا نوع من التوسل بالعمل الصالح وهو مشروع .
ومن هذا التوسل ايضا م ذكره الله سبحان بعد ذلك فى نفس سياق هذه الآيات السابقة فى قول اولى الألباب ()رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) .(1/114)
وهذا المنادى للإيمان هو الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمع هؤلاء المؤمنون منادى الإيمان يدعو الناس هلموا الى ربكم هلموا الى توحيد الله ونبذ الشرك هلموا الى طاعة الله وترك عصيانه ومخالفته لما سمعوا منادى الله ان اعبدوا الله فعبدوه ونبذوا كل شركاء والأنداد فكان بعد هذا العمل الصالح طلب وتوسل من هؤلاء المؤمنين وهو () فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .
توسلوا الى الله بائمانهم واتباعهم الرسول فدعوا ربهم بعدة دعوات : مغفرة الذنوب تكفير السيئات وطلبوا من الله ان يختم لهم بالخاتمة الحسنى وان يجعل مثواهم مع الأبرار وسألوا الله عز وجل آلا يخزيهم والا يفضحهم بين خلقه يوم القيامة وسألوا الله ان ينجز لهم ما وعدهم على الإيمان على السنة رسله من النصر والتأييد فىالدنيا وحسن العافية والمثوى فى الآخرة فعقب الله عز وجل على هذا التوسل بالأعمال الصالحة بقوله ()فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)...(1/115)
ومن التوسل بالأعمال الصالحة ما رواه البخاري من حديث ابن عمر رضى الله عهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا : انه لا ينجيكم من هذه الصخرة آلا ان تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم : اللهم كان لى ابوان شيخان كبيران ، وكنت لا اغبق قبلهما آهلا ولا مالا فنأى بي فىطلب الشجر يوما فلم ارح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت ان اغبق قبلهما أهلا أو مالا ، فلبثت والقدح على يدى انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشرب غبوقهما ، اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطعون الخروج قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الأخر اللهم كانت لى بنت عم كانت احب الناس الى فاردتها عن نفسها فامتنعت منى حتى المت بها سنة من السنين فاعطيتها عشرين ومائة دينار على ان تخلى بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى اذا قدرت عليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم الا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهى احب الناس الى وتركت الذهب الذي اعطيتها اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا مانحن فيه فانفرجت الصخرة غير انهم لا يستطيعون الخروج منها قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث اللهم انى استأجرت أجراء فأعطيتهم آجرهم ، غير رجل واحد ترك الذى له وذهب فثمرت اجره حتى كثرت منه الأموال فجائنى بعد حين فقال : يا عبد الله أد الى اجري فقلت له : كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم ولارقيق فهو لك فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت انى لا استهزئ بك فآخذه كله ، فاستاقه ولم يترك منه شيئا اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ".(1/116)
فهولاء الثلاثة لما وقعوا فى الشدة والكرب بسبب انسداد الغار عليهم بفعل الصخرة التىسقطت من اعلى الجبل توسل كل منهم بعمل منالاعمال الصالحة التى توفر فيها الاخلاص لله تعالى فالاول توسل ببرة والدية غاية البر والثانى توسل بعفته عن الزنا وتركه المال الذى أعطاه لابنه عمه والثالث توسل الى الله تعالى بأدائه الحقوق للعباد ومنهم هذا الأجير الذى اخذ آمال كله وطابت نفس المال بذلك ولما كان هذا التوسل مشروعا وجائزا كان له هذا الأثر الطيب فى ان الله عز وجل ازاح الصخرة عن بابا الغار وتمكنوا من السير والانطلاق الى وجهتهم التى أرادوا هذا هو النوع الأول من التوسل المشروع وهو التوسل الى الله ودعائه بالعمل الصالح الذي يعمله العبد تقربا الى الله .
واما النوع الثاني من التوسل فهو التوسل الى الله بأسمائه وصفاته وذلك كأن تسأل الله عز وجل وتدعوه بأسمائه الحسنى وصفاته العيا فتوكل مثلا اللهم انى أسألك بأنك آنت لا إله الا آنت الرحيم اللطيف افعل كذا وكذا لى .
او تقول مثلا اللهم انى بأنك الواحد الأحد الفرج الصمد الذى لم يتخذ صاحبه ولا ولدا افعل لى كذا وكذا ، وكقول المسلم فىدعاء الاستخارة اللهم انى استخيرك بعلمك وقدرتك فانك تعلم ولا اعلم وتقدر ولا اقدر وآنت على كل شيء قدير ان كان كذا خير لى فى عاجل آمري واجله فيسره لى وان كان كذا شرا فى عاجل آمري واجله فاصرفه عنى واصرفنى عنه .. الحديث .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فى الحديث الآخر : " اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق احينى ما علمت الحياة خيرا لى وتوفني اذا علمت الوفاة خيرا لى .. " الحديث عن عمار بن ياسر .(1/117)
والنوع الثالث : من التوسل المشروع هو التوسل الى الله بدعاء العبد الصالح الحى لك وذلك ان تقصد رجلا من الصالحين المتبعين للشرع الموحدين المتبعين للسنة وتظن فيه الإخلاص لله سبحانه وتعالى وتطلب منه ان يدعو الله لك بحاجتك التى تريد كأن يدعو الله ان يشفيك او يشفى ابنك او مريضك او يدعو الله ان ينيلك كذا وكذا من المآرب والأهداف هذا والله اعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد .
س46: سئل الشيخ : ما حكم التبرك بآثار الصالحين ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " التبرك بآثار الصالحين لا بشرع فى الإسلام الا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآثاره لعدم ثبوت الدليل على جوازه بغيره صلى لله عليه وسلم ".
س47: سئل الشيخ : عن رجل دفن فى مسجد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يجب إخراج المفدون من المسجد ما دام دفن بعد بناء المسجد ولو كان عظاما " .
س48: سئل الشيخ : ما هى زيارة القبور السنية وما هى الويراءة البدعية والشركية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " زيارة القبور قسمان : القسم الأول وهو الأصل وهو سنة وقربة يؤجر الانسان على فعلها وهى ما كانت الزيارة للعبرة والعظة وتذكر الدار الاخرة فان الانسان اذا زار القبور فانه يذكر هؤلاء الاموات وهم اباؤه واجداده فيتذكر ان هذه الحياة الدنيا فانية وزائلة وانه لابد من الموت وانه ميت ومقبور مثلهم واذا كان كذلك فانه يتيقن انه مسئول فى قبره وان الإقامة فى القبر اما انها حياة عذاب وجحيم اذا كان عاصيا مفرطا فى جنب الله ، او حياة إكرام وتنعيم اذا كان من الموحدين المطيعين لله ثم ان الحياة والإقامة فى القبر ليست دائمة ولا نهائية ولكن بعدها البعث والنشور والقيام لله رب العالمين هذه المعانى كلها فيها العظة والعبرة للزائر وهذه المعاني كلها فيها العظة والعبرة للزائر وهذه المعاني كذلك تذكر الزائر بالآخرة والحساب كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " زوروا القبور فأنها تذكركم الآخرة " .(1/118)
وفى هذه الزيارة ألسنية المشروعة فائدة أخرى غير العبرة والعظة وتذكر الآخرة ذلك اذا كان الميت المقبور المزور من المسلمين انه يستحب للزائر ان يدعو له بالمغفرة والرحمة وان يوسع الله عليه او عليهم قبورهم لان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا زار القبور دعا لاهل القبور .
النوع الثاني : الزيادة البدعية وهذه الزيادة قد تكونبدعية فقط وقد تكون بدعية وشركية على حسب ما يقع من الزائر من نيه واعمال فاذا ذهب المسلم الى قرب من القبور بنية التبرك بهذا القبر لكونه قبرا أحد الصالحين او لدعاء صاحب القبر والاستعانة به او لطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك فهذه زيارة شركية ومن جنسها ما قد يقع من الزائر من الطواف حول القبر او التمسح به فهذا كله شرك ولا نقول لفاعله مشرك وهذا ما تقول العلماء هذا شرك النوع وليس شرك العين يعنى ان هذا الفعل فعل شرك وفاعله ليس مشرك لان فاعله قد يكون معذورا بأى نوع من أنواع الأعذار كالجهل أو متأول او مخدوع بفتوى بعض الناس ممن ينتسبون الى العلم والفتوى الذين يعتقدون بعض العقائد الباطلة أو من أصحاب الطرق الصوفية المقصود أن مثل هذا معذور ويجب له النصح والبيان والتلطف معه فلا نغلظ عليه بادئ الامر حتى لا نضع فى قلبه حواجز تمنعه من الآخذ بالصواب والنصيحة المقدمة له ويجب ان نفرق بين آمرين الأول : ان المقبور المين الذي يزار وتفعل عنه البدع او الشركيات قد يكون هذا المقبور من الصالحين المتقين وهو غير مسؤول عما يقع قبره من المخالفات التى تسخط الله .
والأمر الثاني : ان صلاح هذا الميت المقبور ليس مبررا ان نصرف اليه العبودية التى هى حق رب العالمين على عبادة كالدعاء ، والاستغاثة ، والتوكل ، والتعلق ، والخوف ، والذل المصاحب للحب ، وفهذه وغيرها من حقوق الله سبحانه وتعالى .(1/119)
س49: سئل الشيخ : عن حديث الرجل الضرير الذى رد الله بصره بعد ان جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره ان يقول : ( اللهم شفعه فى وشفعنى فيه " ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اقرأ الحديث : اللهم شفعة فى فلم يقل بشفاعة رسوله بل توجه الى الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم حى ووصى الرجل ان يساعده على نفيه ( نفس الرجل ) مثلما تطلب من حي ان يدعو لك " .
س50: سئل الشيخ : ما حكم التحاكم الى المحاكم الى المحاكم التى تحكم بالقوانين الوضيعة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " بقدر الإمكان لا يتحاكم اليها ، اما اذا كان لا يمكن ان يستخلص حقه الا عن طريقها فلاحرج عليه " .
س51: سئل الشيخ : ما لفرق بين الفسق الأكبر الكفر الأكبر ؟
وما الفرق بين الفسق الصغر والكفر الأصغر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " الفسق الأكبر هو الكفر الأكبروالفسق الاصغر هو الكفر الأصغر " .
س52: سئل الشيخ : ما حكم تعليق تميمة من القرآن على الجدار او فى السيارة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - "" لا يجوز لان تعليق آية الكرسي أو غيرها من القرآن على الجدار أو فى السيارة امتهان لها " .
53: سئل الشيخ : ما حكم العزائم القرآن وهى آيات بالزيت أو الزعفران فى طبق وخلط المكتوب بالماء وشربه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يجوز كتبه القرآن بهذا وشرب المكتوب " .
س54 : سئل الشيخ : ما حكم القراءة على ماء او طعام وشربه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يجوز القراءة على آي شيء طاهر حسب رغبته يقرأ القرآن على المريض أو على الماء والطعام " .
س55: سئل الشيخ : عن رأية فى شيخ الإسلام إسماعيل الهروى ودفاع الإمام ابن القيم عنه فى مدارج السالكين ؟ وعن رأيى فىتقسيم الهروى التوحيد الى ثلاثة اقسام توحيد العامة ، والخاصة ، وخاصة الخاصة ؟(1/120)
فقال الشيخ - رحمه الله - " اما إسماعيل الهروى فى ذات فأمره إلى الله تعالى وهو اعلم به واما دفاع ابن القيم : فان الإمام ابن القيم قد رد علبه فى عدد من المواضع أقرا تعليقات الشيخ حامد الفقي على الكتاب مع العلم بأن أصحاب المطبعة قد طلبوا من الشيخ حامد الا يعلق على الكتاب وقد تسبب هذا فى منع الشيخ حامد من الإسهاب فى الرد .
واما تقسم الهروى التوحيد الى ثلاثة أقسام فهو تقسيم باطل فهو يجعل الأنبياء عليهم السلام من العامة ويجعل ابن عرب وامثاله من خاصة الخاصة " .
س56: سئل الشيخ :هل يمكن ظهور الملك بصورته لغير الرسل ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لم يثبت ، ومن ادعى ذلك فعليه الاثبات نعم قد ثبت فى الاحاديث ان الملك اتى لثلاثة :أقرع ، وأعمى ، وابرص وأن الله ارسل ملكا على جانب الطريق الذى ذهب ليزور اخا له فى الله وغير ذلك من الاحاديث لكن ليس فى شيء منها ان الملك كان على صورته الأصلية بل فى كل منها ما يفهم منه انه كان على صورة رجل ، لان فى هذه الأحاديث لم يعرف انهم ملائكة الا بأخبارهم عن نفسهم انهم ملائكة .
س57: سئل الشيخ : عن نبوة الخضر ولقمان وذى القرنين ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ( الخضر نبي بنص القرآن () وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) .
وقال ابن عاشر :
لقمان اسكندر ليسا انبيا ……فى ارجح الاقوال لكن اوليا
س58: سئل الشيخ عن صحف إبراهيم وموسى : هل هما شيء واحد ؟
) وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )(الكهف: من الآية82) : ( هما مختلفان فيهما شرائع إبراهيم وشرائع موسى عليهما السلام ، وصحف موسى جزاء من اجزاء التوراة والألواح " .
س59: سئل الشيخ : هل التوراة والإنجيل كلام الله .(1/121)
فقال الشيخ - رحمه الله - ) نعم التوراة والإنجيل اللذان انزلهما الله هما كلام الله بدليل قوله تعالى : ()أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَه) .
س60: سئل الشيخ : ما معنى حديث احتجاج آدم وموسى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " معناه رفع اللوم عن العصاة اذا تابوا وهذا ما ذكره ابن قتيبه وابن تيمية - رحمهما الله :"
س61: سئل الشيخ : ذكر شارح الطحاوية ان الله تعالى لو اراد كونا إيمان جميع الناس لكان فى ذلك مفسدة فما هذه المفسدة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : المفسدة العظمى التى كانت ستحدث لو اراد الله إيمان جميع الناس هى انتفاء الابتلاء ، وانتفاء الفائدة من التكاليف الشرعية ولما شرع الله تعالى شرعا ولما ارسل رسلا لانه لا حاجة اذن الى ارسال وينتفى تقسيم الناس الى آهل جنة ونار " .
س62: سئل الشيخ : عن معني قوله صلى الله عليه وسلم " السعيد من سعد فى بطن أمة " .
فقال الشيخ - رحمه الله - : " معناه من كتبه الملك الذى يرسل بأمر الله لكتابه أربع كلمات بعد تمام الشهر الرابع للحمل فى رحم امه به استكمال الاطوار الثلاثة ، نطفة ثم علقة ثم مضغة فمن كتبه الملك سعيدا يومئذ فهو السعيد " .
س63: سئل الشيخ : عن مذهب المعتزلة فى الإيجاب على الله تعالى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : كل ممكن لا يجب عليه تعالى بل ان شاء فعله وان شاء تركه هذا عند الاشاعرة " .
اما المعتزلة : فيجوبون عليه تعالى فعل ( الاصلح ) اذا كان الصلاح شيئين ويوجبون عليه تعالى فعل ( الصلاح ) اذا كان شيئا واحدا .
س64: سئل الشيخ : عن معنى الكسب ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " الكسب عند الاشعرى مقارنه القدرة للمقدور وعند الماتريدي : هو العزم المصمم الذى يقع منه الفعل " .
س65: سئل الشيخ : عن مشيئة الرب ومشيئة العبد ؟(1/122)
فقال الشيخ - رحمه الله - : : " لله سبحانه وتعالى مشيئة ، وللعبد مشيئة ، ومشيئة العبد متوقفة على مشيئة الله قال تعالى : ()وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
س66: سئل الشيخ : عن مسألة التحسين والتقبيح العقلي ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " ارجع الى تعليقي على الأحكام للآمدى حول مسألة التحسين والتقبيح ، والجزء الآول المقدمات الكلامية " .
س67: سئل الشيخ : عن موقف الخوارج من الخدود هل يبطلونها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " عندهم ان السارق والزاني حده القتل ولا يشترطون السيف بل يقتلونه بالسم ، ولا يقطعون يده السارق او يرجمون الزانى لانه عندهم من باب تداخل الحدود فيعطونه الحد الاعلى وهو القتل ".
س68: سئل الشيخ : ما معنى خلود القاتل الوارد فىقوله تعالى : ()وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا).
فقال الشيخ - رحمه الله - " خلود القاتل اذا كان غير مستحل فمعناه عند السلف طول المدة واذا كان مستحلا فهو على حقيقة وقد فصل ابن القيم هذا الامر فى مدارج السالكين وذكر ان قاتل العمد يتعلق به ثلاثة حقوق :
حق للقتيل يقاص بالحسنات والسيئات يوم القيامة .
وحق ولى الدم القصاص .
وحق الله تعالى يسقط التوبة وذكر الادلة فى اخر الجزء الأول .
س69: سئل الشيخ : هل الاشاعرة والماتريدية من آهل السنة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " الاشاعرى والمتريدية من أهل السنة فبما اتفقوا فيه اهل السنة لا على العموم " .
س70: سئل الشيخ : هل الفرق التى قال صلى الله عليه وسلم " كلها فى النار " كافرة ؟ آم غير كافرة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " فها راين ذكرهما شيخ الإسلام فى الفتاوى " .
س71: سئل الشيخ : عن دعوة العوام للتوحيد ؟(1/123)
فقال الشيخ - رحمه الله - " كونه لا يعلم العوام التوحيد غلط فقد مكث صلى الله عليه وسلم يدعو الى التويحد فى مكة حتى الصلاة التى هى عماد الدين فرضت قبل الهجرة بثلاث سنين فكان صلى الله عليه وسلم يعلم التوحيد ( للاميين ) هكذا سماهم الله " .
س72: سئل الشيخ : هل الساحر كافر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " الصحيح ان كفر الساحر كفرا يخرج من الملة ".
س73: سئل الشيخ :ما حكم من سب صحابيا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " تفصيل القول فى حكم من طعن فى الصحابة أو سب صحابيا ان الطعن جملة كفر لكن سب صحابى بعينه كبيرة من الكبائر " .
س74: سئل الشيخ : هل العلم المشترط فى شروط ( لا اله الا الله ) هو العلم الإجمالي بأنه لا يستحق العبادة الا الله ؟ آم لابد من العلم التفصيلي بان الذبح عبادة والنذر عبادة .. وهكذا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " العلم المشترط هو العلم الإجمالي لا التفصيلي لا يلزم ان يكون فليسوفا بدليل حديث معاذ وسجوده للرسول صلى الله عليه وسلم وةصة ذات انواط " .
فالجهل بتفاصيل العبادة لا يمنع الحكم للشخص بالإسلام .
س75: سئل الشيخ : سألته عن رأيه فى قول الصنعانى فى اطهير الاعتقاد منت القبورين الذين يعتقدون فى الموتى ويطلبون منهم ( هم كفار اصليون ) حيث اعترض عليه بعض العلماء كالشيخ بشير السهسوانى صتحب ( صيانه الانسان ) وقال ( لهم مرتدون ) .
فقال الشيخ - رحمه الله - " هم مرتدون عن الإسلام اذا أقيمت عليهم الحجة ، والا فهم معذرون بجهلهم كجماعة الانواط اما من انتسب الى الإسلام ثم بدت منه أفعال كفرية واقيمت عليه الحجة فهو مرتد يقتل بالسيف " .
س76: سئل الشيخ : عن الكافر الأصلي اذا تلفظ أمامنا بالشهادتين ولا ندرى أهل يعلم معناها آم لا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يحكم له بالإسلام بالظاهر حتى يبدوا انه جاهل فيعلم معنى الشهادتين الصحيح فان استقام فالحمد لله ، وان لم يستقم فهو مرتد لا كافر اصلى " .(1/124)
س77: سئل الشيخ : هل يلزم إقامة الحجة على تارك الصلاة حتى يحكم بكفره ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يحتاج الى إقامة الحجة فان مات قبلها عومل معاملة الكفار " .
س78: سئل الشيخ : الإيمان الركن هل يزيد وينقص كالإيمان الواجب والمستحب ؟
فقال الشيخ - رحمه الله -" نعم بدليل عموم قوله تعالى : () فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً ) وقوله : () لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً ) وهذا يعم جميع أقسام الإيمان .
س79: سئل الشيخ : ما حكم المستهزئ بالدين او ساب الدين او الرسول صلى الله عليه وسلم او القرآن العظيم هل يكفر ولو كان جاهلا ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " هذا الباب كغيره من أبواب الكفر يعلم ويؤدب فان علم وعاند بعد التعليم والبيان كفر واذا قيل : لا يعذر بالجهل فمعناه يعلم ويؤدب معناه انه يكفر " .
س80: سئل الشيخ : ما حكم من قال : القرآن مخلوق ؟
فقال الشيخ رحمه الله : : " هذا كفر اكبر ولكن قائلة يعلم ولا كفر بعينه الا اذا علم واصر بعد اقامة الحجة " .
س81: سئل الشيخ : عن مسألة فناء النار ؟
فقال الشيخ رحمه الله : : " ما لى رأى فى المسألة اقرأ كلام ابن تيمية وابن اليم واقرأ للصنعاني فى الرد عليهما وانا لا اقرأ بفناء النار ولا بعدم فنائها انا لم اختر رأيا الى الان ليست هناك نتيجة عملية تترب على هذا الخلاف والواقع ان القول بفناء النار متصل بابن تيمية خلافا لمن نفي نسبة هذا القول له " .
س82: سئل الشيخ ك هل تكفى إحدى الشهادتين للحكم للشخص بالإسلام ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " شهادة ( أن محمد رسول الله ) تستلزم شهادة ( أن لا إله إلا الله ) ولا عكس ومع هاذ فاظهار اى شعيرة من شعائر الإسلام تكفي لمعاملته معاملة المسلمين " .
س83: سئل الشيخ : عن خروج جماعة التبليغ لتذكير الناس بعظمة الله ؟(1/125)
فقال الشيخ رحمه الله : " الواقع انهم مبتدعة ومحرفون وأصحاب طرق قادرية وغيرهم وخروجهم ليس فى سبيل الله ولكنه فى سبيل الياس ، وهم لا يدعون الى الكتاب والسنة ولكن يدعون الى الياس شيخهم فى بنجلادش اما الخروج بقصد الدعوة الى الإسلام فهو جهاد فى سبيل الله وليس هذا هو خروج . جماعة التبليغ ، وأنا اعرف جماعة التبليغ من زمان قديم ، وهم المبتدعة فى آي مكان كانوا ، هم فى مصر ، وإسرائيل ، وأمريكا ، والسعودية ، وكلهم مرتبطون بشيخهم اليأس " .
س84: سئل الشيخ : عن رجل قيل له : فعلك هذا محرم فقال : أنا اعرف انه حرام لكن سأفعله ؟
فقال الشيخ رحمه الله : : " اذا كان مضطرا الى فعله فهو معذور والا فهو مستهتر وهى معصية كبرى قد تصل الى درجة الكفر ، والعياذ بالله " .
س85: سئل الشيخ : ما الفرق بين قتال المرتدين وقتال تاركي الشرائع ؟ وقتال التتار يتبع آي القسمين ؟
فقال الشيخ رحمه الله : : " مانعوا الشرائع لغير جحود يقاتلون حتى يؤدوها ولا يفر بالرغم من قتالهم والذي يحكم بغير ما أنزل الله كافر مرتد يقاتل قتال الكفار اما الذى لا يكفر فهو الفقيه الذى يحكم فى مسألة يظن انها من الدين ، والحق بخلافة فلا يكفر ، اما الذى يحكم بما يعلم انه ليس من الدين فهذا كافر ، الذى يبيح فوائد البنوك يناقش ويبين له فإذا أقيمت عليه الحجة فاتنه يقتل قتل المرتد ولا اذكر الآن الى آي القسمين ينتمي قتال التتار " .
س86: سئل الشيخ : هل يوجد عذر بالجهالة فى اصل التوحيد ، علما بان بعض آهل السنة ذكر انه لا عذر لاحد فى اصل التوحيد ؟(1/126)
فقال الشيخ رحمه الله : " ان وجوب الاسيمان بالله تعالى ورسله وكتبه وملائكته واليوم الأخر والقدر وما يتصل بذلك من أوصل وفروع بمقتضاه : يتوقف على البلاغ الصحيح ومعرفته ما تضمنه البلاغ من الحق ، وهذا مما يتفاوت بتفاوت الناس فى مداركهم وقواهم العقلية وكثرة العلماء والدعاة الى الإسلام وما الى هذا مما يتيسر معه معرفة الحق وتأييده ، واستبانه الباطل وتميزه من الحق والقضاء عليه ، او بعدهم عن ديار الإسلام والدعاة اليه ، وما الى ذلك من الحواجز التى يشق معها الوصول الى معالم شرع الله تعالى والوقوف على حقيقته جملة او التبحر فيه .
فيجب ان يراعى ذلك وامثاله فىالحكم على الناس فقد يجب على بعض الناس الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله إجمالا اذا لم يبلغه الا ذلك ، ولم يتيسر له سواه مع بذله وسعة فى التعرف على الحق لما رواه آبو هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به الا كان من أصحاب النار " رواه مسلم .
ولما ثبت عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ان رجلا رزقه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضره الموت : اى اب كنت فيكم ؟ قالوا : خير أب قال : فانى لم اعمل خيرا قط فاذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ، ثم ذروني فى يوم عاصف ففعلوا فجمعه الله عز وجل فقال : ما حملك قال : مخافتك ، فتلقاه برحمته " متفق عليه .
س87: سئل الشيخ : عن حكم من أنكر معلوما من الدين بالضرورة ومن خالف حكما ثابتا بالكتاب والسنة واجماع الأمة ؟(1/127)
فقال الشيخ رحمه الله : " اذا خالف مسلم حكما ثابتا بنص صريح من الكتاب والسنة لا يقبل التأويل ولا مجال فيه للاجتهاد او خالف اجماعا قطعيا ثابتا ، بين له الصواب فى الحكم فان قبل فالحمد لله ، وان ابى بعد البيان واقامة الحجة واصر على تغيير حكم الله حكم بكفره ، وعومل معاملة المرتد عن دين الإسلام ، مثال ذلك من أنكر الصلوات الخمس او إحداهما او فريضة الصيام او الزكاة او الحج الى بيت الله الحرام ، وتأول ما دل عليها من نصوص الكتاب والسنة لم يعبأ بإجماع الأمة .
واما اذا خالف حكما ثابتا بدليل مختلف فى ثبوته ، او قابل للتأويل بمعان مختلفة او احكام متقابلة فخلافة خلاف فى مسالة اجتهادية فلا يكفر بل بعذر فى ذلك من اخطأ ويؤجر على اجتهاده اجرا واحدا وعمله بهذا الاجتهاد مشروع ، ويحمد من أصاب ويؤجر اجرين ، اجر على اجتهاده واجرا على اصابنه ، مثال ذلك: من انظر وجوب قراءة الفاتحة على المأموم ومن قال بوجوب قراءتها عليه ومثاله ايضا من قال بوجوب العمرة ومن قال ليست واجبة ، بل هى سنه ، ومن قال بتوريث الاخوة مع الجد ومن خالفهم فقال : يحجبهم بالجد فمثل هذا لا يجوز تكفيره ولا إنكار الصلاة وراءة ولا يحرم الآكل من ذبيحته ، بل تجب مذاكرته والتفاهم معه فى ذلك على ضوء الأدلة الشرعية لانه أخ مسلم له حقوق المسلمين والخلاف فى مثل هذه المسائل خلاف فى مسائل فرعية اجتهادية جرى مثلها فى عهد الصحابة رضى الله عنهم وأئمة السلف ولم يكفر بعضهم بعضا ولم يهجر بعضهم بعضا من اجلها .
س88: سئل الشيخ : عن قول الإمام محمد بن عبد الوهاب فى كشف الشبهات فى حديث ذات انواط فلم يعذرهم بالجهالة ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " بعد ان قامت الحجة فلا يعذرون اما قبل البيان فيعذرون بجهلهم وقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يعذرهم بالجهالة اى لم يكن الجهل عذرا يمنع من التغليظ والانكار عليهم حيث غضب النبي صلى الله عليه وسلم وانكر ولكن لم يكفرهم " .(1/128)
س89: سئل الشيخ : هل يجوز اكرام اى شخص بالذبح له ؟
فقال الشيخ رحمه الله : " اذا كان الذبح على وجه الإكرام يجوز اذا كان المذبوح له اهلا لان يكرم اوكان المذبوح له ضيفا فان النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه " .
اما اذا كان هذا الشخص المذبوح له فاجرا فلا يجوز لان الفاجر أهانته مطلوبة الا اذا كان صاحب البيت يخشى على نفسه من جبروته وشره فيقدم له الإكرام دفعا لبلائه وشره واذا امكنه التخلص من هذا الفاجر والنجاة من شره دون ان يذبح له دون ان يكرمه فهذا خير وهذا هو الأولى .
واذا وجد المسلم ان تقديم الكرامة ومنها الذبح لهذا الفاجر وهو نوع من السياسة واستمالة القلوب وتأليفها وراى ان الاكرام هو تمهيد وفتح للقلب لقبول النصيحة وتقريبة من الخير ، او كفه عن الشر ، او عن بعض الشر الذى هو فيه فانه يجوز الإكرام لهذا الشخص ولربما كان مستحبا اذن مسألة الذبح لشخص ما يختلف حكمها على حسب حال الشخص المذبوح له وعلى حسب نيه الشخص الذى يذبح .
*****************
الكرامات
س90: فضيلة الشيخ سمعنا عن كرامات حدثت مع اخواننا المجاهدين الافغان فما هى الكرامة ومدى صحتها افادكم الله وهل نصدقها ؟
الجواب : الكرامة خرقة للعادة آي حادثة تكون خارقة للعادة يجريها الله جل شأنه على يد من شاء من الصالحين إكراما له او إنقاذا له من موقف رأفة له ورحمة به وهى غير المعجزة ، قالمعجزة خارقة للعادة يظهرها اللع جل شأنه على يد نبي من أنبيائه او رسول من رسله بيانا لرسالته وتأييدا له فى دعوته ، واقامة للحجة على قومه ، لاثبات انه رسول من عند الله وانه نبي من أنبياء الله هذه تسمى معجزة تجرى على يد رسول او نبي من أنبياء الله والأولى تعتبر كرامة تظهر على يد صالح من الصالحين غير الأنبياء وقد تظهر على يد الأنبياء مع ابتاعها فيما بينهم كتلك المعجزات التى ظهرت على يد الرسول صلى الله عليه وسلم .(1/129)
ففى غزوة الخندق كان الطعام لا يكفي الا لخمسة ، او لعشرة مثلا فكفى جيشا من الجيوش بآذن الله ، كفى المؤمنين فى المدينة دعاهم انس ، وجاءوا لبيت ابى طلحة ، وان انس هى التى صنعت الطعان واعدته ولما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم آمرها ان تأتى بالطعام ودخلوا عشرة عشرة فاطعمت جميع من كان يحفر فى الخندق وبقى الطعام كما هو وهذا فيما بين الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين لا يراد به إقامة حجة على كافر إنما يراد به إكرام المؤمنين بإطعامهم من جوع لانه قد ظهر عليهم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم محترما من شدة الجوع بحزام ضاغط به على جلد بطنه حتى يستطيع ان ينتصب قائما .
هذا مما ظهر من الكرامات على يد الأنبياء وهو يسمى ايضا معجزة ولكنت لا يراد بها اقمة الحجة فى مثل هذا .
وفى أحد الأسفار لم يكن معهم من الماء الا الشيء القليل فامر الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل من الماء ووضع يده فيه فنبع الماء من بين اصابعه وهو بين الصحابه رضوان الله عليهم وهو شبيه بالخارقة الاولى التى حصلت اكراما له وللصحابة فشربوا وسقوا وتوضئوا ومن كان عليه جنابة اغتسل ومن اراد ان ينتظف تنظف .
وهناك معجزات أخرى يراد بها إقامة الحجة مثل القرآن ومثل انشقاق القمر ومثل المعجزات الأخرى التى ظهرت امام الكفرا اثباتا لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فالكرامة تظهر على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى يد غيره من الصالحين الذين ليسوا برسل ولا أنبياء ، والمعجزة لا تظهر الا على يد الأنبياء والرسل والكرامة عامة فى الرسل ، والانبياء ، وفى الصالحين من غير الانبياء والرسل هذا من تظهر على يده الكرمة وهذا تعريفها .(1/130)
اما وقوع الكرامة فقد وقعت كما ذكرت للرسول صلى الله عليه وسلم ووقعت لبعض الصحابة رضى الله عنهم فمن ذلك ان اسيدا بن حضير وعباد بن بشر تحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذهب من الليل ساعة فى ليلة شديدة الظلمة ثم خرج بيد كل من عصية فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا ى ضوئها حتى اذا افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر فمشى كل منهما فىضوء عصا حتى بلغ أهله هذه من الكرامات التى حصلت للصحابة .
وأيضا فى غزوة من الغزوات كان زعيمها او قائدها سارية وكان عمر بن الخطاب ملهما محدثا كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ان كان فى الأمة محدثون فعمر ابن الخطاب رضى الله عنه " هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر ملهما وكان يرأى الرأي للنبي صلى الله عليه وسلم فينزل به القرآن تصديقا لعمر بن الخطاب وهذا الأمر حصل عدة مرات فصلاة ركعتين الى جهة الحجر الأسود عقب الطواف نزل به القرآن تصديقا لعمر بن الخطاب رضى الله عنه .
فهذا ابن الخطاب رضى الله عنه وهو يخطب على المنبر الهمه الله او اراه الله سارية ، والجيش من ورائه فقال له : يا سارية الزم الجبل اى اجعل ظهرك الى الجبل حتى لا ياتيك العدو من الخف وهذه خطة حرب علمه اياه وهو فى غيبة على مسافة أطول من مسافة القصر بعشرات المرات ومع ذلك سمع سارية عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ولما حضر سالوه نادى عمر فى يوم كذا وقال كذا أسمعت ؟ فقال : لقد سمعته ولقد انصرفت الى الجبل وجعلته فى ظهر الجيش فنصرنا على أعدائنا .(1/131)
فذه كرامة يذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء المسلمين لعمر ابن الخطاب وكرامة لسارية الجيش رسم لهم خطة حربية وهو على المنبر فى المدينة والجيش يجاهد فى سبيل الله هذا من الكرامات التى وقعت فى هذا الحرب قد يكون فى الجيش بعض المنافقين ولكن ايضا يوجد بعض المخلصين وجيش الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج فيه بعض المنافقين فى غزوة تبوك واردوا ان يغتالوه صلى الله عليه وسلم فالجيوش لا تسلم من ان يكون فيها خائن او من يدبر سوءا للجيش وخرج عبد الله بن ابى بن سلول فى غزوة أحد ومعه كثير من المنافقين وكثير من ضعفاء القلوب ،وملا وصلوا الى مكان القتال رجع عبد الله بن ابى بن سلول راس المنافقين بثلث الجيش فكادت تحصل فتنة فى الجيش وكادوا نقسهم بعضهم على بعض وبعضهم يحدث نفسه بالانصراف وفى ذلكم يقول الله جل شأنه : ( إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) قد يحدث هذا وبالفعل قد حدث ذلك فى الجيش الذي خرج فيه جماعة من المنافقين ، ورجع منه جماعة فانزل الله ملائكته وحاربت المشركين كما نزل ملائكته فى غزوة بدر وكانت الملائكة تنزل فى مواطن كثيرة فى الحروب هذا من الكرامات التى حصلت فى غزوة بدر وحصلت لهم فى غير غزوة بدر وتحصل للمسلمين فى الوقت الحاضر قد يكون عند إنسان الهام يلهمه الله إياه الى درجة اليقين فى أمر لا يدريه قبل ذلك قبل ذلك كما حصل لابى سعيد الخدرى فى قصة الرقية آلت ذكرت من قبل فرقى بالفاتحة دون ان يكون عنده علم مسبق أبانها رقية لكنه الهام ويقين فحقق الله يقينه وصدق الهامة وهذا ياضا من الكرامات .
أقول ان الكرامات لها حقيقة وعرفتها لكم وأنها تظهر على يد صالح من المسلمين وأنها خارقة للعادة وقد تظهر على يد رسول من رسل الله ونبى من أنبيائه اما المعجزة فلا تظهر آي على يد نبي اثباتا لرسالته او لنبوته .
**********************
ثانيا
فتاوى الفقه
ــــ(1/132)
أولا : فتاوى الطهارة
س1: سئل الشيخ : عن التسوك باليد اليمنى او اليسرى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " بآيهما شاء لا فضيلة لاحدهما ".
س2: سئل الشيخ : عن زيادة مسلم بن إبراهيم " وسواكه " ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لو ثبت فيحتمل ان يكون المراد التيمن الجهة اى يبدأ بالجهة اليمنى ".
س3: سئل الشيخ : هل يصح الوضوء بدون غسل الكف مع غسل اليدين الى المرفقين ؟ آم يكفى غسلهما فى اول الوضوء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يعمهما من اطرفا الأصابع والا كان ناقصا ركنا " .
س4: سئل الشيخ : هل يمسح على الخف الأيسر اليد اليمنى او اليسرى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " يمسح على الخف الأيسر باليسرى وعلى الأيمن باليمنى او على كل منهما بيديه جميعا .
س5: سئل الشيخ : هل يجزئ غسل الجنابة عن غسل الجمعة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " نعم يجزئ حتى على القول بوجوب غسل الجمعة لان الحكمة من غسل الجمعة النظافة وهى العلة .
س6: سئل الشيخ : ما الفرق بين غسل المرأة للجنابة وللحيض ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لا فرق بينهما الا فى حك الدم فى الحيض وزلا فرق فى فك الضفائر فكتها فى الغسلين واذا لم يمنع ابقتها .
س7: سئل الشيخ : عن طريقة التخلص من الشعر والأظافر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لا اصل للمنقول عن احمد انه يدفئة بل لا بأس بالقائه فى اى مكان ".
س8: سئل الشيخ : حكم تقصير المرآة شعرها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : : " لا يجوز لانه تشبه بالافرنج قاله فى المغنى فى سنن الفطرة " .
س9: سئل الشيخ : هل على من وطئ زوجته وهى حائض كفارة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : : " حديث الصدقة بدينار او نصف دينار على من وطئ زوجته حائضا فيه مطعن وهو قول احمد عملا بالموقوف فالحنابلة يعملون بالموقوف اما عند مالك فلا كفارة عليه " .
س10: سئل الشيخ : هل يصح التيمم بالتراب الذى فى السجاد ؟(1/133)
فقال الشيخ - رحمه الله - : : " اذا لم يجد ماء للوضوء ضرب السجاد فاذا خرج منه تراب تيمممبه والا لم يصح وكذلك الجدار لا يصح التيمم عليبه الا اذا كان عليه غبار ولكن اذا كان الانسان يحتاج الى تيمم يجمع ترابا فى اناء ويتيمم عليه " .
س11: سئل الشيخ : عن احكام المسح على الجوربين والنعلين ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اذا توضأ ثم لبس جوربا وفوقه نعل له انيمسح على النعل فاذا خلع النعل انتقض وضوءه ولزمه خلع الجورب .
اذا كان ماسحا على الجورب وادخله فى النعل لا يصح له المسح على النعل بل لابد من خلعه ومسح الجورب " .
س12: سئل الشيخ : هل يلزم تحريك الخاتم فى الضوء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لم يثبت ان النبي صلى الله عليه ومسلم حرك خاتمه فى الوضوء ولكن الانسان يحركه اذا كان ضيقا ويحول دون وصول الماء الى الجزء الذى يغطيه الخاتم والنبى صلى الله عليه وسلم لم يلبس الخاتم للزينة وانما لبسه ليختم به الكتب التى كان يوجهها الى الملوك يدعوهم فيها الا الإسلام والملوك كانوا لا يقبلون كتابا الا مختوما " .
س13: سئل الشيخ حديث من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " الحديث فيه مقال : ومن الناس من قال بالوجوب ومنهم من قال بالاستحباب " .
ولاصحيح انه لا يلزم الوضوء والغسل اذا شارك فى حمل الميت .
س14: سئل الشيخ ما حكم مس الحائض للمصحف وهى ترتدى قفازا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : : " يجوز " .
س15: سئل الشيخ : هل يعتبر البياض الذى فى جانبي الصفحة وغلاف المصحف من القرآن ، ولا يجوز مسه للمحدث ام القرآن هو المكتوب فقط ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " غلاف المصحف والبياض فى جانبي المصحف منه فلا يجوز مسه " .
س16: سئل الشيخ : هل يلزم نزع اللصق الطبي فى الوضوء ولاغسل ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اللصق الطبي على حسب الضرر اذا كان يضر نزعه ابقاه واغتسل فى وجوده " .(1/134)
س17: سئل الشيخ : عمن لبس الفوقاني هل التحتاني ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اذا لبس على طهارة ولو ممسوح فيها على التحتانى فله ان يمسح على الفوقانى " .
س18: سئل الشيخ : ورد فى زيادة لابى داود على حديث عائشة الذى فىالصحيحين كان النبي صلى الله عليه وسلم " يعجبه التيمن فى تنعله وترجله زاد وسواكه " وذهب شيخ الإسلام تبعا للامام احمد انه يستاك بشماله لانه من باب ازالة الوسخ فما قولكم فى ذلك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لا عبرة بقول أحد فى مخالفة النص والحديث يدل على استحباب التسوك باليمين ويشمل هذا امرين :"
استعمال اليد اليمنى والبدء بالجهة اليمنة من الفم والحاق السواك بباب التنظيف والتطهر فى الوضوء والذى يشرع فيه التيمن اولى من الحاقه بالاستنجاء والاستجمار الذي يشرع فيه التياسر " .
س19: سئل الشيخ : تعلمون ما ورد من النصوص فى مشروعية المسح على العمامة فهل يعتبر الشماغ الحالي فى حكمها فىالمسح ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الشماغ أظنه لا يلحق بالعمامة ولا يصح المسح عليه لكن اذا لبس تحته او تحت الفترة قلنسوة يجوز المسح على القلنسوة " .
س21: سئل الشيخ : عن دم السقط ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " دم السقط دم نفاس ولو بعد شهرين من الحمل " .
س22: سئل الشيخ : حكم الرطوبات التى تخرج من فرج المرأة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لها حكم البول فى النجاسة ولكن اذا استمرت كانت كمن به سلس البول " .,
***************
ثانيا : فتاوى الأذان
ــــــ
س1: ما هى السنة فى الأذان ان يفرد قوله " الله اكبر " ام يثنيها يعنى ينطق " الله اكبر ، الله اكبر " ؟(1/135)
فقال الشيخ - رحمه الله - : " السنة ان يفرد كل تكبير بحالها ويتنفس بعدها ثم يقول " الله اكبر " سواء ربع التكبير يعنى كبر فى اول الآذان أربع تكبيرات أم كبر تكبيرتين ، والخلاف فى هذا هو خلاف تنوع يعنى ان كلا النوعين جائز فى نفسه ، والمقصود ان يكبر كل تكبيرة لحالها وتنفس لحالها ويتنفس بعدها هذا هو السنة " .
س2: سئل الشيخ : هل تأذين أذانين للجمعة ، أحدهما قبل دخول الوقت والآخر بعد دخوله هلى هذا هو السنى او اذان واحد بين يدي الخطيب ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " تأذين أذانين لصلاة الجمعة أحدهما قبل دخول الوقت هو سنة الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم فعله عثمان رضى الله عنه ولم ينكر عليه ولم يبطله على رضى الله عنه بل استمر العمل به بعد عثمان وان كنت آري ان الأرجح هو الآذان واحد بين يدى الحبيب كما يفعله أنصار السنة بمصر لانه هو الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبى بكر وعلى عهد عمر رضى الله عنهما " .
س3: سئل الشيخ : الآذان خارج المسجد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " المهم الأسماع فايهما كان ابلغ فىالاسماع كان اولى واذا استويا فلا مزية للتأذين خراج المسجد ومثله مقل من يلتفت يمينا وشمالا عند الحيلتين فينخفض صوته لابتعاده عن ( الميك ) بينما المساعات فوق المنارة توزع الصوت يمينا ومالا فاذا زالت العلة زالت المشروعية كما يستفاد ذلك م قصة اختلاف الصحابة رضى الله عنهم فى صلاة العصر فى بنى قريظة ".
س4: سئل الشيخ : متى يقوم الناس الى الصلاة عند سماع الإقامة ؟
قال الشيخ - رحمه الله - : " كل بحسبه يقوم الثقيل أولا بمجرد سماعها
*************
ثالثا : فتاوى الصلاة
حكم تارك الصلاة
س1: سماحة الشيخ : ما حكم تارك الصلاة فى المسجد مع العلم انه يصلى فى البيت وهل صلاته مقبولة مع العلم انه يسمع النداء ؟(1/136)
الجواب : ابدأ بذكر الدليل ، واختار لكم من الأدلة الجيلي الذى يتصل بكم وهو فى القرآن وفى السنة .
كانت للرسول صلى الله عليه وسلم حروب مع الكفار وهذا أمر معروف وله غزوات وقد نزل فى السنة الخامسة او التى بعدها صلاة الخوف وصلاة الخوف تصلى والإنسان فى ميدان القتال سواء كان ميدان القتال خارج البلد او كان فى حدود البلد ومعروف ان العدو اذا دهم المسلمين صاروا لا يقومون على الصلاة العادية التى نصليها فى المساجد فكان الرسول صلى اله عليه وسلم يصلى بهم صلاة الخوف جماعة فمن أنواع صلاة الخوف ما اذكره الان فى قوله تعالى : () فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) آي يكبر لصلاة الجماعة ويكون معه نصف الجيش مثلا( فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ) والنصف الباقي الذى يكون من ورائكم آي ان النصف الأول كان يصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ركعتين اذا كانوا فى غير سفر وإذا كانوا فى سفر يصلون ركعة فإذا صلوا ركعتين قاموا وكملوا لانفسهم وسلموا الرسول صلى الله عليه وسلم مكانه يقرأ القرآن ويسبح ويذكر الله حتى يكمل من مكان خلفه الركعتين .الأخيرتين , وتذهب الطائفة الأولى الى مكان الطائفة المتخلفة التى تحرس من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وتأتى الطائفة الأخرى وتصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعتين الأخريين ويسلم الرسول عليه الصلاة والسلام وهم يقومون فيصلون الركعتين الباقيتين وإذا كانوا فى سفر صلت الطائفة الأولى ركعة وينتظر النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن والطائفة الأخرى تأتى وتصلى الركعة الثانية وتذهب الى مكان الطائفة المتخلفة التى هى فى الحراسة فتأتى المتخلفة وتصلى الركعة الثانية مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم تقوم تقضى ما عليها من الركعة الباقية ويسلم الرسول صلى الله عليه وسلم حينما انتهى من الركعة الثانية .(1/137)
ترتيب الصلاة معروف انه فرض ، وان سلام المأموم لا يكون قبل سلام الإمام فى الصلاة العادة لانه لو سلم قبل الإمام بطلت صلاته بل يجب على المأموم ان يركع بعد الإمام إذا ركع ، وان يسجد بعده وان يقوم بعده وان ينخفض بعده وان يكبر تكبيرة الإحرام بعده وهذا النظام يختلف فى صلاة الخوف فتركت أركان من قضاء الركعتين ، او الركعة وسبق الإمام بها وكذلك سلامهم قبل الإمام وهذا الآمر لو كان فى الصلاة العادية دون خوف لبطلت الصلاة ومع ذلك غض الطرف عنه من اجل المحافظة على صلاة الجماعة فصلاة الجماعة التى يترك من اجلها فروض لا فرض واحد كسبق الإمام وقضاء ركعات وهو يقرأ يسبقونه ، ويسلمون ويذهبون الى العدو والجماعة التى تركت فيها هذه الأركان الا تكون واجبة ؟ شيء تترك واجبات وأركان من اجله لابد ان يكون واجبا والذى يقول لا يكون واجبا ، والذى يقول لا يكون واجبا لا يقبل كلامه أحد ولا يعقل ، ولا يقبله الفكر هذا مما استدل به العلماء القائلون بوجوب الصلاة فى جماعة والواجب على المسلمين ان يصلوا فى جماعة الا لاعذار تبيح لهم التخلف عنها مثل مرض شديد او أحد الأفراد عليه حراسه ويخشى ان يترك المكان وفيه أشياء مهمة هذا بعد ان يرجع من ذهب يصلى جماعة مع زميله وليس بلازم ان يكون مع الجماعة الأولى وله ان يصلى منفردا اذا صلى أولئك جماعة فيصلى هو يصلى معه واحد يتصدق عليه بلان يكون مأموما معه واذا كان المأموم الذي صلى هو الذى يصلح للقراءة ويجودها فيصلى إماما ويصلى المفترض التى كانت عليه الحراسة مأموما هذه طريقة للحرص على صلاة الجماعة فى صلاة الخوف ان العدو اذا هجم بالفعل ولا يقوى قائد الجيش ، ولا الجيش على ان ينقسموا قسمين ولا على ان يقيموا الصلاة فى جماعة لان العدو يمكن ان يدخل عليهم ويأتيهم من كل جانب من الجوانب اذا كانوا كذلك صلوا وهم رجال يمشون على ارجلهم وهم راكبون على خيولهم وعلى ابلهم وعلى حمرهم صلوا وهم راكبون(1/138)
ويتكلم كل واحد منهم ويحذر كل منهم صاحبة ويضرب عدوه بالسيف ويستقبل القبلة ويستدبرها وهذا قد تجاوز كليا للمحافظة على اداء الصلاة فى وقتها هذا لما نزلت صلاة الخوف اما قبل ان تنزل صلاة الخوف فكان لهم ان يؤخروا الصلاة عن وقتها كما حصل فى غزوة الخندق واخروا الصلوات النهارية حتى غربت الشمس فما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة العصر الا بعد ان غربت عليهم الشمس .
وفى هذا نزل قوله : ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) اى صلوا الصلاة العادية التى علمتكم إياها على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وفى عمله اما ما دام الخوف شديد فصلوا رجالا او ركبانا وقال تعالى فى سورة النساء أيضا عقب صلاة الخوف : ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) آي يصلى وهو واقف او على جنبه مستقبل القبلة مستدبرها إذا كان العدو إمامه والمسلم يقف له بالمرصاد وكامن له فى مكان منخفض ويتحين له الفرصة لكي يصيده بسلاحه فبدلا من ان يراه الخصم فى وجهه فيرميه بالنبال ينزل فى مكان منخفض فيحتمي به ثم يدركه ويصيده بدلا من ان الكافر هو الذى يصيد المسلم ويجوز للمسلم ان يصلى راقدا على جنبه وهو قوى قوة الفيل ويصلى على جنبه خداعا لهذا الكافر وطلبا لسفك دمه والقضاء عليه هذا درس نأخذه من صلاة الخوف .(1/139)
وهذا بيان لأهمية الصلاة وانهم يحتاجون اليها وقت الجهاد كما يحتاجون لاقامتها فى وقتها فلا غير وقت الجهاد فإذا كانت الصلاة معتنى بها فى الشرع الى هذا الحد فى الجهاد فى سبيل الله فكيف الحال والرجل أمن مطمئن جالس فى بيته فى مكيف مع أهله ، وعلى فراش لين سهل فكيف الحال وآنا فى هذا الأمن والرخاء وهذه النعمة الوفيرة ، يجب على الانسان ان رعى حق الله فى يسره ومنشطه ومكرهه فى الجهاد وفى غير الجهاد .
ومن هذا يتبين ان صلاة الجماعة واجبة ولا يصح للإنسان ان يترك الصلاة فى المسجد مع الجماعة وهو قادر على ذلك الا لمثل الضرورة التى ذكرت لكم فى مسألة النيابة او فى حريق مثلا ماذا يفعل جماعة الإطفاء ماذا يفعلون عندهم ضرورة لو تركوها وذهبوا لصلاة الجماعة ، أوصلوا صلاة الخوف ، قد تشتعل النار وتتغلب على الجماعة الذين بقول إمام الحريق والحريق لا يقف فى وجهه شيء ولا يخاف وهو ليس مثل الكفار اذا كان إمامه جماعة يخاف منهم الحريق ليس له قلب وليس عنده روح حتى ترهب وتخاف فى مثل هذا يتركون الجماعة ولو خرج الوقت ويتركون الصلاة فى وقتها ويشتغلون بإطفاء الحريق وبعد ان انتهى الحريق ويطفأ يصلون جماعة ، هذا شيء اضطرهم لترك الصلاة فى جماعة بل اضطرهم لتأخير الصلاة عن وقتها والضرورة تبيح لنا المحظورة التى هى من هذا الجنس وقد مثلت للضرورة .
اما النائم على فراشه ويريد ان يتمتع بأهله ويجلس مع أولاده ويكمل شرب الشاي وتفوته صلاة الجماعة او رجل عنده ضيوف واستحى ان يخرج بهم لى المسجد هذا يستحى من المخلوق ولا يستحى من الخالق .(1/140)
اما ترك الصلاة ففيها رأيان مشهوران رأى الجمهور وهو اشهر واكثر ويكاد يكون إجماعا وليس بإجماع لكم من كثرة القائلين به يكاد يكون إجماعا هو ان تركها كسلا حتى يخرج وقتها هو كبيرة من الكبائر ويقولون : لتارك الصلاة قم الى الصلاة صلى العصر مثلا لان الشمس كادت ان تغيب فإذا هو لم يصل حتى غابت الشمس وقال ان شاء الله سأصلى خذنا على جناحك اذا دخلت الجنة اعمل كذا ، الله يصلحك ، روح عنى ، وآنا ابتليت آنا كذا ويقول كلمات غير طيبة هذا عند جمهور العلماء يقتل اذا غابت الشمس لكن يرون انه يدفن فى مقابر المسلمين بعد ان يغسل ويكفن ويصلى عليه صلاة الجنازة هذا الرأي هو اشهر الرأيين .
الرأي الثاني : يقول به جماعة من العلماء يقولون اذا ترك الصلاة كسلا وفتورا وينبه فلا يصلى هذا يقتل عند خروج الوقت آي عند مغيب الشمس او يستتاب ثلاثة أيام فان لم يتب بعد ثلاثة أيام قتل كفرا ولا يصلى عليه صلاة الجنازة ولا يدفن فى مقابر المسلمين ويلف فى ملابسه ويوضع فى قبر وحده او دفنت فى مقابر الكفار ولا يرث ماله المسلمون بل يجعل ماله فى بيت مال المسلمين آي يصادر ويسدد منه الدين هذا هو الرأي الثاني .
افيرضي إنسان ان يختلف فيه أئمة المسلمين ؟ !
فريق يقول انه يقتل ولكنه مسلم .
وفريق يقول انه كافر يقتل مرتدا بعد ان يستتاب ثلاثة أيام .
أيرضى مسلم لنفسه بان يختلف فيه هذا الاختلاف ؟ ! هذا لا يرضى به عاقل .(1/141)
هذا هو جملة القول فى حكم تارك الصلاة أصلا ولكنه غير جاحد لها وحكم تارك الصلاة فى الجماعة من جهة وجوبها عليه لعذر ويوجد فتاوى فى هذا الموضوع فى الإفتاء اذا أرسل من جانبكم رسالة واحد الى الإفتاء باسم سماحة الرئيس العام الشيخ عبد العزيز بن باز يطلب منه الفتوى التى هى فى حكم تارك الصلاة والفتوى التى هى فى حكم ترك الصلاة أثناء إطفاء الحريق والذي سبق التحدث عنها اذا طلبتهم منهم الفتاوى فى هذا الموضوع وفى ترك الصلاة جماعة بغير عذر تأتى إليكم الفتوى وتعملون منها نشرات وتوزعون منها فيما بينكم .
ودليل آخر لوجوب صلاة الجماعة الرسول عليه الصلاة والسلام علم ان جماعة يتخلفون عن الصلاة اى تكرر هذا منهم عدة مرات ويصلون فى بيوتهم وقد يصلون جماعة فى البيت يصلى بزوجته ، ويصلى باولاده ويعودهم على الصلاة فى البيت بدلا من الصلاة فى المسجد ولو جماعة والرسول عليه الصلاة والسلام علم بحال هؤلاء فقال " لقم هممت ان آمرا بالصلاة فتقام وان أمر برجل فيصلى بالناس وان أمر بحطب وان اذهب الى قوم يصلون فى بيوتهم ويتخلفون عن الصلاة فىالمسجد فاحرق عليهم بيوتهم " قال العلماء كان سوف يحرقها لولا ما فيها من النساء والصبيانن الا لولا مافيها ممن لا تجب عليهم الصلاة جماعة فىالمسجد لحرقها عليهم ولكنه عليه الصلاة والسلام رحم من فى البيوت من أرباب الأعذار من الصبيان والنساء ومن لا يقوى ومن لا يجب عليه ان يأتي إلى المسجد من المستضعفين والمرضى فرحم هؤلاء وترك تحريق البيوت عليهم ثم كان هذا البلاغ منه على ملأ من الصحابة كافيا لان يسارع أولئك الى المسجد ليصلوا الخمس جماعة فى بيت الله سبحانه وتعالى .
هذا دليل ايضا من الأدلة ولكني بدأت بما يتصل بالنواحي الحربية بما هو اوثق بجماعتكم من الجماعة الذين جلسوا فىبيوتهم فى آمن وسلام .
وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .(1/142)
س2: سئل الشيخ : عن الجمع بين الصلاتين فى المطر هل يشترط ان يكون المطر كثيرا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يشرع الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر تقديما او تأخيرا فى المطر والمغرب مع العشاء تقديما او تأخيرا فى المطر الذى يبل الثياب ويحتاج الانسان معه الى استعمال المظلة وتصير الارض زلفة يصعب السير فوقها " .
س3: سئل الشيخ : هل يتابع المسبوق الإمام اذا زاد ركعة خامسة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " اذا زاد الإمام خامسة لا يقوم المأموم وراءه واذا قام وراءة عالما إنها خامسة تبطل صلاته فان كان جاهلا يعلم وتصح صلاته ولا يصح للمأموم ان يسلم قبل الإمام الا فى صلاة الخوف اما المسبوق فان كان عالما إنها زائدة لا يتابع فيها الإمام ولا يقضى ما عليه حتى يسلم الإمام واذا لم يعلم وصلاها معه يحسبها ركعة ويكمل " .
س4: سئل الشيخ : هل يصلى المأموم المغرب خلف أمام يصلى العشاء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ": يشترط اتحاد الهيئة فى اقتداء المأموم فيصح ان تصلى الظهر خلف من يصلى العصر ولكن لا يصح ان تصلى المغرب خلف من يصلى العشاء واذا لم تعلم إنها العشاء فلك ان تنوى الانفصال اذا علمت فى أثناء الصلاة كانفصال المأموم خلف معاذ بن جبل ولم ينكره النبى صلى الله عليه وسلم ".
س5: سئل الشيخ : هل يباح للدارس خارج وطنه القصر والجمع والفطر اذا طالت مدة سفره ؟ جزاكم الله خيرا ؟(1/143)
الجواب : أولا الدراسة فى الخارج فى بلاد الكفر لا تجوز الا اذا كانت دولته فى حاجة لمثل هذا ولن تتمكن من الآتيان بمن يدرس المواد التى تدرس فى الخارج واضطر ان يسافر للقيام بالواجب العام للإسلام والمسلمين بعد ان يكون ممن عصمهم الله جل شأنه بعلم نافع وعقيدة صحيحة والعمل الصالح والاستقامة والصلابة فى خلقه وتمسكه بمبدأ فيجوز له ان يخرج ليدرس ما تحتاج اليه أمته او ما هو مضطر اليه ولا يجد عوضا عن الخارج فى داخل بلاده فإذا ما خرج كانت له رخصة الجمع بين الصلاتين عند الحاجة الى ذلك وفى قصر الصلاة ولكن متى تكون الرخصة ؟(1/144)
هذا محل خلاف بين العلماء وجمهور العلماء على تحديد مدة خمسة عشر يوما واما أربعة أيام او اكثر من أربعة أيام ولو بزمن قليل او خمسة عشر يوما كما يذكر الحنفية ومن العلماء قلة لا تحدد المدة والراى فى هذا راى اجتهادي ولكن الراجح فى نظري تحديد المدة بأربعة أيام او اكثر من أربعة أيام بشيء قليل يعنى فى حدود الأربعة هذا الذى اعتقده وهناك محل إجماع بين العلماء اذا كانت المدة غير محدودة وهو لا يدرى متى يعود وهو فى انتظار ان يرجع فهذا محل وفاق بين العلماء فىالترخيص له فى القصر والجمع بين الصلاتين المشتركين ى الوقت مهما طالت المدة كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وامثالها هذا الرأي مجمع عليه فى هذه الصورة الشخص الذى يسافر عن بلده ولا يدرى متى يعود ويرجع إلى بلده هذا محل وفاق بين العلماء له ان يستمر فى الجمع بين الصلاتين المشتركين فى الوقت وله ان يقصر الصلاة الرباعية اما اذا كان الزمن محدودا وهو اكثر من أربعة أيام فهذا محل خلاف واجتهاد واختلاف نظر بين الفقهاء وجمهور الفقهاء يحدد المدة وقليل من العلماء كابن تيمية وابن القيم لا يحدد المدة بل له ان يقصر ويجمع دائما ولو مكث سنة او سنوات والسبب ى هذا التحديد أولا : ان السفر اسم لمن هو مسافر بالفعل يعنى الذي لا يسمى مقيما يسمى مسافرا فالنازل يسمى مقيما ولو كانت أقامته يوما واحدا اونصف يوم هذا هو الأصل والأصل ان كلمة سفر اسم للانتقال - فما دام منتقلا يسمى مسافرا فإذا نزل واستقر لا يسمى مسافرا يسمى مقسما اسمه نازل ومقيم هذا الأصل فى كلمه ( سفر ) من جهة اللغة لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع فى حجة الوداع بين الصلاتين وقصر - جمع وقصر فى كدة أربعة أيام فاعتبرت مدة النزول أربعة أيام اعتبرت فىحكم السفر بالفعل إلحاقا لها بالسفر البذى هو انتقال بالفعل فمن اجل ذلك رخص للنازل فى حدود هذه المدة رخص له فى ان يعمل فى صلاته وصومه - لو كان فى(1/145)
رمضان - ما يعلمه المسافر المنتقل بالفعل وما زاد على ذلك فهو على الأصل آي يعتبر المسافر مقميما فلا يقصر ولا يجمع الا لاسباب أخرى مثل البرد الشديد والمطر الشديد وما الى ذلك .
هذا هو الأساس ، الأساس يتركب من آمرين الأول : لغوى : وهو ان السفر ام للتنقل بالفعل فالمتنقل بالفعل هو الذى يقال له مسافر ومدة معلومة يعنى مسافة معلومة .
والنقطة الثانية : شخص نازل لكنه فىحكم المسافر بالفعل وهو الذي اقام أربعة أيام فاكثر وذلك من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع فإذا جمعت بين المعنى اللغوي وما لحق به من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فى قصره لما نزل بالابطح فى الوداع اذا جمعنا بين الآمرين خرج لنا مذهب الجمهور وهو التحديد بأكثر من أربعة أيام فما كان من أربعة أيام فاقل يعتبر فى حكم المسافر وما زاد ليس فى حكم المسافر هذا هو توجيه الرأي القائل ان المدة التى تقطع حكم السفر هى إقامة أربعة أيام فاكثر بينت الخلاف فيه وكل له نظرة واجتهاده .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س6 تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة
اتفق العلماء على طلب تحية المسجد في الجملة لمن دخل المسجد ، كما اتفقوا على طلب الإنصات والإصغاء للخطيب يوم الجمعة في الجملة أيضًا ، واختلفوا فيما ينبغي لمن دخل والخطيب يخطب للجمعة : هل الإنصات والاستماع فلا يصلي التحية ؟ أم صلاة التحية .
فذهب إلى الأول من الأئمة الأربعة مالك وأبو حنيفة ، وإلى الثاني منهم الشافعي وأحمد .
وهاك مأخذ الفريقين و منزع المذهبين , وبيان ما يعطيه الحجاج من الحق :
احتج الأولون أولاً : بعموم قوله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )[الأعراف :204] .
قالوا : أمر الله تعالى بالإنصات والاستماع للقرآن ؛ فالخطبة كذلك ، إذ هي قرآن ، وفي أداء التحية وقتئذ تشاغل وإعراض عن امتثال الأمر ، فلا يجوز .(1/146)
وثانيًا : بقوله عليه الصلاة والسلام : (إذا قلت لصاحبك : أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت) متفق عليه ، قالوا : اعتبر إرشاده لجليسه إلى الخير ، وأمره بالمعروف لغوُا مع قصر زمنه ، فالتشاغل بالتحية أولى أن يكون لغوُا فيمنع .
وثالثًا : بما رواه الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا : (إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام) .
والجواب عن الثلاثة جملة أنها مخصوصة بمن دخل فلا يعمه حكمها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) رواه مسلم وأحمد وأبو داود ، فإنه إذا تعارض الخاص والعام قضي بالخاص على العام .
ويخص الأول : أن إطلاق القول بأن الخطبة قرآن دعوى لا دليل عليها .
نعم يجوز أن يكون فيها منه آية أو أكثر ، ومع ذلك فالحكم للغالب ، ويخص الثاني : أن مصلي الركعتين يطلق عليه منصت ، ونظيره في ذلك : ما رواه أبو هريرة في افتتاح الصلاة أنه قال : يا رسول الله ، سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ فأطلق السكوت على القول سرًّا ، فهنا كذلك ، ويخص الثالث : أنه حديث ضعيف ، فيه : أيوب بن نهيك ، قال أبو زرعة وأبو حاتم : إنه منكر الحديث فلا تقوم به حجة .
واستدلوا رابعًا : بما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن بسر قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس والنبي صلي الله عليه وسلم يخطب ، فقال له : (اجلس فقد آذيت) وفي رواية : (وآنيت) قالوا : أمره بالجلوس دون التحية فدل على عدم مشروعيتها حينئذ .
والجواب عنه من وجوه :
الأول : أنه يحتمل أن يكون هذا الرجل قد صلى التحية في مؤخر المسجد على مرأى منه صلي الله عليه وسلم ، ثم تقدم ليتمكن من سماع الخطبة فتخطى الأعناق فأنكر عليه .(1/147)
الثاني : يحتمل أن يكون الرجل دخل في أواخر الخطبة ، وقد ضاق الوقت بحيث لا يتمكن من التحية قبل الإقامة فلا يطالب بها ، ويدل على ذلك ما في بعض الروايات :(فقد آذيت وآنيت) أي : أبطأت .
الثالث : أن معنى قوله صلي الله عليه وسلم :(اجلس) النهي عن تخطي الأعناق ، بدليل قوله : (فقد آذيت) ، وأما التحية فقد وكله عليه الصلاة والسلام إلى ما علمه الرجل قبل ذلك من ضرورة التحية ، ومع هذه الاحتمالات لا يقوى الحديث المذكور على الاحتجاج به في محل النزاع .
ذلك جملة حجج المانعين ، وقد بينا ما فيها من عيوب .
واحتج الآخرون أولاُ : بقوله عليه الصلاة و السلام : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) وهو قاض على عموم ما ذكروا من الأدلة ، ولا مطعن فيه .
قال النووي : لا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه .
واحتجوا ثانيًا : بما رواه جابر بن عبد الله قال : جاء رجل والنبي صلي الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال : (صليت يا فلان) فقال : لا ، قال : (قم فاركع) ، وفي رواية :(فصل ركعتين) رواه الجماعة ، وهذا الرجل هو : سليك الغطفاني ، و أجاب المانعون بأنها واقعة حال لا عموم لها .
ويدل على اختصاصها بسليك ما روي من حديث أبي سعيد أن الرجل كان في هيئة بذة فقال له :(أصليت) ، قال : لا ، قال : (صلِّ ركعتين) ، وحض على الصدقة .
وأيضًا في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :(إن هذا الرجل دخل في هيئة بذة وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه) ، ورد بأن الأصل عدم الخصوصية ، وما ذكروه من قصد الصدقة لا يمنع القصد إلى التحية -أيضًا - معها فيكون كل منهما جزء علة للأمر ، ولو كان للفت النظر إلى الرجل فحسب لقال : إذا رأيتم ذا بذة فتصدقوا ، أو إذا كان أحدكم ذا بذة فليصل ركعتين حتى يتنبه له فيتصدق عليه .(1/148)
وأجابوا عن حديث سليك -أيضًا- بأن النبي صلي الله عليه وسلم سكت حتى فرغ سليك في صلاته ، فقد جمع سليك بين التحية والإنصات ، فلم يبق في حديثه حجة لمن أجاز التحية وقتئذ .
ورد بأن حديث سكوت النبي صلي الله عليه وسلم حتى يفرغ سليك : ضعيف ، فإن الدارقطني الذي أخرجه من حديث أنس بن مالك وقد ضعفه ، وقال الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلاً أو معضلاً فلا صحة فيه ، على أنه لو ثبت لكان مخالفًا لقاعدتهم ، فإن العمل بعد الشروع فيه لا يجوز قطعه عندهم ، لا سيما إذا كان واجبًا فعلى كلا الأمرين لا حجة لهم فيه ، وقد تعللوا بأجوبة أخرى يأباها النظر فلا داعي إلى سردها .
وبالجملة فلكل منزع ، وقد عرفت وجه الصواب في ذلك ، وهو ضرورة صلاة تحية المسجد للداخل والإمام يخطب للأحاديث الصحيحة الصريحة الثابتة في ذلك مع ضعف جميع الأحاديث التي تمسك بها المانعون ، ولا نرى ما يحملنا على ترك الصحيح الثابت ، والتحول عنه إلى الضعيف الواهي اللهم إلا العصبية الممقوتة والتقليد الأعمى ، هدانا الله إلى سواء السبيل .
كتاباته عن العلماء المعاصرين
تعريفه بالشيخ عبد العزيز بن باز
هو فضيلة الشيخ (عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز)(1/149)
ولد بالرياض في شهر ذي الحجة عام 1330هـ ، وحفظ فيها القرآن، وجوده على الشيخ سعد وقاص البخاري بمكة المكرمة ، وأخذ علومه في الشريعة واللغة العربية عن مشاهير علماء نجد ، منهم : الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ، والشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين آل الشيخ ، والشيخ سعد بن حمد بن على بن محمد بن عتيق ، والشيخ حمد بن فارس ، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ، وكان أكثر ما تلقاه عن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، وعليه تخرج في علوم الشريعة واللغة العربية ، ورأى أن من الغبن لنفسه أن يكتفي بما حصله من تلك العلوم أيام طلبه وتلقيه عن مشايخه ، لما في ذلك من هضمها حقها ، وحرمانها من الحظ الوافر في العلم والدين ، فتابع الاطلاع والبحث ، ودأب في التحصيل وبذل جهده في تحقيق المسائل بالرجوع إلى نطاقها في أمهات الكتب كلما دعت الحاجة إلى ذلك في تدريسه ، وفيما يعرض له من القضايا المشكلة أيام توليه القضاء ، وفي إجابته عما يوجه إليه من أسئلة تحتاج إلى بحث وتنقيب ، وفي رده على ما ينشر في أقوال باطلة وآراء منحرفة فازداد بذلك تحصيله ورسوخه ، ونبغ في كثير من علوم الشريعة ، وخاصة الحديث متنًا وسندًا ، والتوحيد على طريقة السلف ، والفقه على مذهب الحنابلة حتى صار فيها من العلماء المبرزين ، وقد ولي القضاء أول عهده بالحياة العملية أربعة عشر عامًا تقريبًا ابتداءً من 1357 هـ ، ثم دعي إلى التدريس بالكليات والمعاهد العلمية في الرياض أول عام 1372 هـ ، فكان مثالاً للعالم المحقق ، والمخلص في عمله ، فنهض بطلابه ، واستفادوا منه كثيرًا ، واستمر على ذلك إلى أن أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، فعين نائبًا لرئيسها العام فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فأحسن قيادتها والإشراف عليها .(1/150)
وإلى جانب ما كلف به من أعمال ، وحمله من أعباء ومسئوليات كان ينتهز الفرصة لوعظ الناس ، وإرشادهم في المساجد ، ويغشى النوادي لإلقاء المحاضرات ، ويحرص على قراءة الكتب النافعة مع إخوانه ، ويستجيب لمن رغب إليه من طلبة العلم في دراسة بعض الكتب عليه ، فيحقق لهم أمنيتهم بصدر رحب ورغبة صادقة ، ولم يحرم نفسه من نفع الناس بالتأليف مع قلة فراغه ، فألف جملة من الكتب والرسائل في مناسبات وظروف تدعو إلى ذلك .
منها : الفوائد الجلية في المباحث الفرضية ، ونقد القومية العربية ، وتوضيح المناسك ، ورسالة في نكاح الشغار ، و رسالة في التبرج والحجاب ، والجواب المفيد في حكم التصوير ، ومقال نشر في الصحف تحت عنوان (ما هكذا تعظم الآثار) وهى الرسالة التي طبعت ضمن رسائل وكتب الجامع الفريد .
ويغلب على مؤلفاته وضوح المعنى ، وسهولة العبارة ، وحسن الاختيار ، مع قوة الحجة والاستدلال وغير ذلك مما يدل على : النصح ، وصفاء النفس ، وسعة الأفق والاطلاع ، وحدة الذكاء ، وسيلان الذهن .
وبالجملة فالشيخ قد وهب نفسه للعلم والمتعلمين وبذل جهده في تحقيق المصالح لمن قصده ممن عرفه أو عرف به مع رحابة صدر وسماحة خاطر ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
وأرجو أن أكون صادقًا فيما ذكرت من الحديث عنه ، وألا يكون ذلك فتنة لي ولا له ، وأن يزيده الله به رغبة في الخير ، وقوة في الإقدام عليه ، إنه مجيب الدعاء ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
س7: سئل الشيخ : هل يصلى تحية المسجد فإذا دخل أثناء آذان الجمعة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " نعم إذا دخل المسلم أثناء آذان الجمعة يصلى تحية المسجد ولا ينتظر حتى يفرغ المؤذن ".
س8: سئل الشيخ : عن إتمام المسافر بالمقيم ؟(1/151)
فقال الشيخ - رحمه الله - " صلى الصحابة المسافرون أربعا خلف من يصلى أربعا كما فى صلاة ابن مسعود خلف عثمان خلافا لابن حزم القائل : أن المسافر يجلس فى الركعة الثانية ويترك الإمام يتم الأربع ثم يسلم بسلامة وهو خلاف عمل الصحابة ".
ويقول ابن حزم : إذا دخل المسافر فى الثالثة أو الرابعة صلى ركعتين وسلم وحجة ابن حزم هى فريضة الفرض وبطلان صلاة المسافر إذا أتم " .
س9: سئل الشيخ - عن الاحتباء فى خطبة الجمعة هل يدخل فيها إمساك رجل واحدة بيديه ؟
فقال الشيخ -رحمه الله - " الحبوة يوم الجمعة إذا امسك رجلا واحدة بيديه فهى حبوة ايضا منهى عنها لان العلة انه يخشى خروج ريح أو نوم " .
س10: سئل الشيخ : عن معنى كف الثوب ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " كف الثوب ضمة بعضه الى بعض وهو جائز إذا كان ذلك يتمكن من السجود والمنهي عنه هو تشمير الكم حتى لا يتسخ من غبار الأرض فإذا كان التشمير موجودا قبل الصلاة فآي حرج عليه إنما الحرج أن يكفى خصيصا عند دخول الصلاة " .
س11: سئل الشيخ رحمه الله تعالى عن بعض المسلمين فى غرب تنزانيا يصلون الجمعة ثم يصلون الظهر فما حكم الجمع بين الصلاتين هاتين ؟(1/152)
فاجاب رحمه الله تعالى : ثبت أن الجمعة فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تصلى بالمدينة آلا فى مسجد واحد وان الصحابة - رضى الله عنهم - كانوا يأتون اليه صلى الله عليه وسلم من أطراف المدينة ومن التوالي ونحوها ليصلوا معه الجمعة واستمر العمل على ذلك فى عهد الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم فلم يثبت أن أحدا مع فى عهده صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد خلفائه الراشدين - رضى الله عنهم - فلم يثبت أن أحدا مع فى عهده صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد خلفائه الراشدين - رضى الله عنهم - بالمدينة فى غير المسجد النبوي لإقامة الجمعة فيه لعدم الحاجة فى ذلك الوقت الى أقامتها فى اكثر من مسجد . وعندما وجدت الحاجة تعددت المساجد من اجل ذلك رأى بعض الفقهاء كالمالكية أن من شروط صحة الجمعة أن تكون فى مسجد مع اختلاف بينهم فى شروطه ورأى آخرون كالحنفية أنها لا تصح إقامتها آلا فى مصر تقام فيه الحدود وتنفذ فيه أحكام الاسم مع اختلاف بينهم فى تفسير المصر اعتمادا من الفريقين على ما كان من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم لكن الاستدلال بذلك لما ذهب كل منهما اليه غير صحيح لان مجرد الفعل والمداومة عليه إنما يدل على السنة والكمال لا على توقف الصحة على ذلك بل دل الدليل على صحتها فى قرية وفى غير المسجد فان مصعب بن عمير واسعد بن زراره جمعا المسلمين بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم اليها ولم تكن حينئذ تقام به الحدود ولا تنفذ فيها الأحكام لضعف شوكة المسلمين أقيمت الجمعة بقرية جوائى بالبحرين فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على انه لا يشترط المصر ولا المسجد لصحة صلاة الجمعة .(1/153)
ويرى جمهور العلماء انه لا يجوز تعددها فى البلد الواحد مراعاة لجمع الكلمة وأشعارا بالوحدة آلا الحاجة تدعو الى ذلك كتباعد أطراف البلد أو ضيق المسجد عن أهله أو وجود خصومة بين سكانه ينشأ عنها خطر عند الاجتماع فيجوز تعددها بقدر الحاجة دفعا للمشقة ورفعا للحرج عنهم قال الله تعالى ()لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )وقال : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ولأنها صليت فى أماكن عند الحاجة وعلى هذا يتبين أن الجمعة إذا أقيمت فى غير المصر وفنائه كانت عند الحنفية وعلى من صلاها أن يصلى الظهر .
وان من صلاها فى غير مسجد ولو فى مصر بطلت جمعته عند المالكية ووجب عليه عندهم أن يعيدها جمعة فى مسجد ما دام الوقت مع استيفاء بقية شروطها وآلا صلاها ظهرا وأنا إذا أقيمت فى مصر جماعة فى مساجد متعددة لغير حاجة صحت عند جمهور الفقهاء ممن صلاها فى الجامع العتيق أو ممن سبق بها غيره وبطلت على غيره وعند العلم بالتساوى تبطل على الجميع ويجب على من بطلت جمعته من هؤلاء أن يصلى ظهرا فان أقيمت فى مسجد جماعة بمصر ولم تتعدد به أو تعددت لحاجة تدعو الى ذلك مع استيفاء باقي شروطها صحت عند الجميع .
ولهذا يعرف أن السبب فى صلاة بعضهم الظهر بعد أن صلى الجمعة إنما فقد شرط صحة الجمعة فى راية أو فى مذهب من قلده مع اتفاق الجميع على أن الله لم يفرض على المسلمين فى كل يوم وليلة إلا الخمس صلوات .(1/154)
وقد تقدم أن اشترط المصر فى صحة إقامتها أو اشتراط المسجد فى صحتها لا ينهض الدليل على إثباته وان المنع من تعددها فى البلد الواحد آلا لحاجة يتفق مع ما كان عليه العمل فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين كما يتفق مع الحكمة التى من اجلها شرعت الجمعة لكن غاية ما يدل عليه ذلك انه يسن عدم تعددها فى البلد الواحد آلا لحاجة وعلى هذا فالصواب أن من صلى الجمعة فى المسجد الذى حصل به التعدد فى البلد لغير حاجة فصلاته صحيحة وقد أساء لتركه السنة ولا يصلى ظهرا بعد صلاته الجمعة والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم .
س12: سئل الشيخ رحمه الله تعالى : هل صلاة العيد تجزئ عن صلاة الجمعة ؟(1/155)
اختلفت العلماء فيما إذا كان العيد يوم الجمعة فقال جماعة : من صلى العيد مع الإمام سقطت عند الجمعة ولا ظهرا عليه ايضا ذلك اليوم واستدلوا بما رواه النسائي فى سنته " المجتبى " بسنده عن وهب بن كيسان قال : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فاخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فاطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة فذكر ذلك لابن عباس رضى الله عنهما فقال : أصاب السنة وبما رواه آبو داود فى سننه بسنده عن عطاء بن آبى رباح قال : صلى بنا ابن الزبير فى يوم عيد فى يوم جمعة أول النهار ثم رحنا الى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال : أصاب السنة وبما رواه آبو داود ايضا عن عطاء قال : اجتمع يوم الجمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير رضى الله عنهما فقال : عيدان اجتمعا فى يوم واحد فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكره لم يزد عليهما حتى صلى العصر فترك ابن الزبير صلاة الجمعة ذلك اليوم وهو الإمام إذ ذاك وقول ابن عباس : أصاب السني وعدم إنكار أحد من الصحابة عليه وعدم خروجه ذلك اليوم عند الزوال لصلاتها أو صلاة الظهر بالناس دليل على سقوطها الظهر يومئذ عنه وعمن صلى العيد معه بل دليل على سقوطها عنهم وعن غيرهم ممن لم يصل معه العيد ذلك اليوم .؟
ثم أن هذه المسالة من مسائل العبادات والعبادات مبنية على التوقيف فى مثل المسالة من مسائل العبادات والعبادات مبنية على التوقيف فى مثل ذلك فكان عمل الزبير رضي الله عنهما فى حكم المرفوع .
لكن قال آبو البركات ابن تيميه فى المنتقى عقب ذكر عمل ابن الزبير : قلت وجه هذا انه رأى تقدمه الجمعة قبل الزوال فقدمها واجترأ بها عن العيد .(1/156)
ويقال ايضا أن إسقاط صلاة الجمعة والظهر عمن صلى العيد خارج عن الأصول التى فرضت على المكلفين خمس صلوات فى كل يوم وليلة وعن الأصول التى دلت على إقامة كل الصلوات فى جماعة وهؤلاء قد صلوا الجمعة أو الظهر وحدانا حينما لم يخرج لهم ابن الزبير وكان المشروع لهم على مقتضى دليلهم آلا يصلوها أصلا اكتفاء بصلاتهم العيد أو أن يصلوها جماعة بمقتضى دليل مشروعية الجماعة فى الفرائض .
وقال اكثر الفقهاء : لا يرخص لمن صلى العيد فى ترك الجمعة ذلك اليوم ولا لغيرهم بل يجب على من توفرت فيه شروط وجوبها أن يصليها لان أدلة وجوبها عامة لم تفرق بين من صلى العيد ذلك اليوم ومن لم صله والأصل بقاء ذلك حتى يثبت من أدلة الشرع كما يدل على خلافة
س13: سئل الشيخ : عن رجل بلده مصر وهو يعمل فى السعودية فهل يقصر إذا زار مصر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " إذا أقام المسافر اكثر من أربعة أيام يتم وإذا سافر من السعودية آل الى مصر يتم من حين يصل بلده " .
س14: سئل الشيخ : هل يصح أن يصلى ركعتين استخارة عن آمرين مختلفين؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يصلى ركعتي للاستخارة عن شيء معين ثم يصلى استخارة عن الآمر الآخر هذا مع الاستشارة ايضا ولا تجزى ركعتان عن آمرين مختلفين أو آمر مخير فيه " .
س15: سئل الشيخ : هل يشرع إنكارا الاستخارة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " يشرع إنكارا الاستخارة إذا لم ينشرح صدره لاحد الآمرين من أول مرة "
س16: سئل الشيخ : هل يشرع رفع اليدين فى تكبيرات العيدين والجنازة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : : " تكبيرات صلاة والجنازة لا يشرع فيها رفع اليدين وآنا لا ارفع يدي والموقف على ابن عمر لا يكفى ولا يشرع بينهما ذكر أو دعاء " .
س17: سئل الشيخ : حكم الخروج لصلاة العيد فى مسيرات ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " الخروج للعيد فى مسيرات منظمة مشروع إذا كان على وجه التعليم واشعار الناس بالصلاة فى الخلاء " .(1/157)
س18: سئل الشيخ : التكبير الجماعة فى صلاة العيد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : يكبر الإنسان من البيت الى المصلى وفى المصلى جهرا فيشرع لكل شخص أن يجهر بالتكبير لحالة بحيث يرتج المكان بالتكبير ويصير عجا
أما اتفاقهم بحيث يبدءون وينتهون معا فهذا التكبير الجماعي لم يرد عليه دليل ولذا فهو غير مشروع ؟
س19: سئل الشيخ : هل إقامة الصلاة فى الميكرفون افضل آم بدونه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " الإقامة فى الميكروفون افضل لآن بعض الناس قد يكون غافلا فتحركة الإقامة " .
س20:/ سئل الشيخ : هل يجوز وضع المصلى نعله إمامه واتخاذه إياها سترة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " لا يصلح النعل سترة آما إذا أخشى عليها السرقة فوضعها أمامه فلا بأس " .
س21: سئل الشيخ : عن تحريك الإصبع بين السجدتين ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " هو قول الشيخ ابن عثيمين ولا دليل على ذلك والأحاديث الواردة تحمل على التشهد " .
س22: سئل الشيخ : معنى الحديث " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سج يرص عقبيه هل يشترط أن يتلامسا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " لا بل معناه يجعلهما قريبين من بعضهما ولا يشترط أن يتلامسا "
س23: سئل الشيخ : عن تحريك الإصبع فى التشهد هل يحرم أم اكتفى بالإشارة بدون تحريك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : : " كلاهما سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم والأفضل التحريك " .
س24 : سئل الشيخ : عن حكم رسم خطوط المساجد لتستوى الصفوف عليها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : إذا كان الناس لا تستقيم صفوفهم إلا بذلك فلا بأس أو كان المسجد قد بنى منحرفا عن القبلة ولا تستقيم الصفوف فيبه آلا برسم خطوط فلا باس بذلك أن شاء الله " .
س25: سئل الشيخ : عن بناء البيوت فوق المساجد ؟(1/158)
فقال الشيخ - رحمه الله : لقد صدرت عن اللجنة فتوى خلاصتها إذا كان البيت سابقا وطرأ المسجد أسفله فلا بأس آما إذا كان المسجد سابقا فلا يبني فوقه آلا بشرط خلو البناء فوقه من دورات مياه أو يكون منفعة عامة كمدرسة " .
س26: سئل الشيخ : حكم تقدم المسبوقين أو تأخرهم قليلا بعد تسليم الإمام لئلا يحسب الداخل أن الجماعة ما زالت قائمة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " إذا كان لاجل أن يوسع لنفسه لضيق المكان فما هناك باس وهو جائز أما إذا كان لدفع الإيهام فليس مطلوبا شرعا وهناك من هو جالس لم يقم وبعد قليل تختلف هيئتهم ".
س27: سئل الشيخ : وقت القيلولة قبل الظهر أو بعده فى المنقول من السنة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " قد يكون قبل أن يصلوا الظهر ثم يصلون إذا خفت الحرارة وقولة صلى الله عليه وسلم : " ابردوا بالظهر " معناه انه يقيل من قبل فإذا نام بعد الصلاة فلا تعتبر قيلولة ".
س28: سئل الشيخ : عن تحية المسجد هل هى سنة أو واجبة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " تحية المسجد ليست بواجبة ".
س29: سئل الشيخ : هل يأثم يتركها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " تارك السنة المؤكدة عند المالكية يأثم "
س30: سئل الشيح : ما حكم من تعمد ترك واجب فى الصلاة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " من ترك واجبا متعمدا ى الصلاة بطلت صلاته .
س31: سئل الشيخ : إذا خرج من المسجد لحاجة يسيرة ولم يطل الفاصل ثم عاد آي المسجد كمن خرج ليكلم إنسانا بالخارج أو يشرب ماء بالخارج لا تلزمه تحية المسجد حتى عند القائلين بالوجوب " .
س32: سئل الشيخ هل تجزئ السنة القبلية عن تحية المسجد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " يجزئ الجمع بين تحية المسجد وسنة قبلية ".
س33: سئل الشيخ : ما حكم من قام من الركعة الثانية الى الثالثة بدون جلوس للتشهد ثم تذكر فرجع وجلس ؟(1/159)
فقال الشيخ - رحمه الله : إذا قام المصلى من الركعة الثانية الى الثالثة بدون أن يجلس للتشهد ثم عاد الى الجلوس فبعض العلماء يبطل صلاته لان انتقل م فريضة الى سنة ( عند المالكة والشافعية ) أو واجب عند الحنفية الحنابلة .
س34: سئل الشيخ : ما حكم كف الشماع عن الأرض عند السجود ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " كف الشماغ عن الأرض عند السجود وهو منهي عنه كالشعر وفى الحديث لا يكفت شعرا ولا ثوبا إذا كان بقصد الا يتسخ لا يجوز آما إذا رفعه قبل ال صلاة بقصد الا تشغل فهو كفت غير ممنوع " .
س35: سئل الشيخ : هل يجوز للمدرس أن يأمر الطالب بصلاة الراتبة ويعاقبه عليها إذا لم يصلها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " له أن يأمر بأداء الراتبه من باب النصيحة فإذا لم يستجيب الطالب فليس له معاقبته ".
س36: سئل الشيخ : قراءة بعض سورة السجدة وبعض سورة الإنسان أو السجد على ركعتين ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " خلاف السنة " .
س37 : سئل الشيخ عن حكم قلب الغترة فى صلاة الاستقساء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " فى الاستقساء إذا لم يكن معه رداء قلب الكوت ولن أن لم يكن معه قلب الغترة ولا يصح أن يقلب الطاقية ولكن الغترة تقوم مقام الرداء وهذه هيئة متسحبة غير واجبة " .
س38: سئل الشيخ : ماذا يقول الإمام عند المع لصلاة الكسوف ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : فى الكسوف قول الصلاة جامعة او الثلاة جامعة وجهان لغة ولكن الرواية بالرفع ".
س39: سئل الشيخ : عن حكم تنفل الإمام فى مكانه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :" تنفلا المأموم فى مكانه بالمسجد بعد صلاة الفريضة لا حرج فيه آما الإمام فالأفضل ان يتحول عن مكانه ".
س40: سئل الشيخ : عن حكم صلاة الطلاب جماعة فى المدرسة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : صلاة الطرب فىالمدرسة غلط لا يجوز ولكن يتعين الذهاب الى المسجد للصلاة هناك ".(1/160)
س41: سئل الشيخ : عندما يصلى الطلاب فى المدرسة يخصص الصف الأول لفصول معينة فما حكم ذلك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " تخصيص الصف الأول فى المسجد لفصل معين لا يجوز بل الصف الأول لمن سبق فمن سبق له التقدم فى الصف وان لم يكن داخلا فى توطين البعير .
س42: سئل الشيخ : هل تسقط الجماعة عن المسجون ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : المقيم إقامة جبرية كالسجين تسقط عنه الجماعة فىالمسجد ولكن يصلون جماعة فى السجن .
س43: سئل الشيخ : ما تقول فيمن لا يدرك قراءة الفاتحة خلف الإمام لسرعته وتخفيفه وهل من أدرك الإمام راكعا تحسب له ركعة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : درب حالك واسرع فى القرءاة وبعد ذلك لا يصلى خله ويعيد الصلاة إذا لم يدرك الفاتحة فى كل الركعات آما إذا فاتته الفاتحة فى ركعة واحدة اعاد ركعة واحدة .
ومن أدرك الركوع لا يدرك الركعة وهو رأى قليل من هل العلم ولى مقال قديم فى أول عدد من مجلة الهدى النبوي قلت فيه :الفاتحة لا تسقط فى حق من أدرك الإمام راكعا وان ا شخصيا إذا رأيت الامام راكعا اظل واقفا ولا اركع حتى يرفع الإمام رخوجا من الخلاف .
وفى حديث ابلا بكرة : " وزلا تعد " آي عذرة فيما مضى لكن بعد لك لا يعود الى احتساب الركعة ركعة وهو رأى ابن حزم وظاهر كلام البخاري وهناك فتوى للجنة الدائمة باحتساب الركعة ولم اوقع عليها الاختلافي معهم فبها " .
س44: سئل الشيخ : ما حكم اتخاذ السترة للمصلي ؟ وهل يجوز ان يصلى المصلى الى غير سترة خشية فوات الصف الأول إذا انتقل الى عمود او غيره ليتخذه سترى ؟ وما هو تأويلكم لحديث ابن عباس عند البخاري انه صلى الله عليه وسلم صلى الى غير جدار ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :حكم اتخاذ السترة فى الصلاة انه واجب ولا يجوز للمصلى ان يصلى الى غير سترة من جدار او عمود أو غيره ولو أدى ذلك الى فواته من الصلاة فى الصف الأول .(1/161)
وام الحديث المذكور فليس معناه ان النبي صلى الله عليه وسلم الى غير سترة وانما سترته لم تكن جدارا والسترة ليست الجدار فقط وانما تكون جدارا وغيره .
واما الحديث الذي فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم فى ارض فضاء ليس بين يديه شيء فينظر فى إسناده فان صح كان قرينه تصرف الأوامر بالسترة من الوجوب الى الندب وان لم يصح كان الامر على ما ذكرت وهو الوجوب والله اعلم .
س45: سئل الشيخ : ما حكم الصلاة خلف إتمام يتوسل بالصالحين او يشرب الدخان ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " من يتوسل بالصالحين لا تصح إمامته لانه ممنوع من جهة العقيدة آما شارب الدخان فتصح إمامته " .
س46: سئل الشيخ : ما حكم الصلاة على من مات تاركا الصلاة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : على المسلمين ترك الصلاة عليه لانه كافر ولو ترك فريضة واحدة عمدا ".
س47: سئل الشيخ : ماذا يفعل من كان أبوه لا يصلى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " إذا كان أبوه فمه لا يصليان يدعوهما ويبرهما ودعوتهما للإسلام هى احسن ما يفعله تجاههما ".
س48: سئل الشيخ : إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي نافلة هى يخرج منها لصلاة الفريضة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : نعم يخرج لا ن صلاته تنقطع بذاتها ولا يحتاج الى تسليم فيجب ان يخرج من النافلة ويصلى المكتوبة حتى لو بقى منها قليل لان صلاته بطلت بذاتها ليس هو الذى يبطلها " .
س49: سئل الشيخ : ما حكم حلق تلاوة القرآن بعد صلاة فجر يوم الجمعة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " إذا لم يكونوا يخصصون يوم الجمعة ولكنها دائمة فى جميع أيام الأسبوع فهي مشروعة .
س50: سئل الشيخ : يقول السائل والدي شيخ كبير السن ومريض جدا وقد بفقد الذاكرة أحيانا فهل تسقط الصلاة عنه ؟(1/162)
فقال الشيخ - رحمه الله : تسقط الصلاة عنه وقت الغفلة والذهول وينبغى لمن حوله من أولاده او إخوانه او غيرهم من أهله وقرابته والمحيطين به ان ينصحوه وينبهوه ليذهب عنه الذهول والغفلة ينبغى لمن حلوه ان ينبه مساعدة له على اداء الفرض الواجب عليه فإذا لم كان عنده من ينبهه فهو معذور وقت غفلته وإذا انتبه وجب عليه ان يستدرك ما فاته .
س51: إذا نسى الإمام فى صلاة التراويح لن يسلم فى الثانية ثم قام الى الركعة الثالثة ثم عرف انه أخطأ واراد آمن يصليها أربعا فهل على المأمومين متابعته ؟ وما الدليل على ذلك ؟
الجواب : عندي ان الامر فى هذا واسع : له ان يستمر وان يكملها أربعا ،وله ان يجلس بع الثالثة الزائدة ويسجد للسهو والذىاختاره لنفسي واراه واعمل به ان يجلس ودليلي على هذا : " إنما الأعمال بالنيات " وهو لم دخل الا ليصلي ركعتين فليجلس وليتم الركعتين وليسلم ثم لحديث : " صلاة الليل مثنى مثنى " هذا هو الدليل ، والعماء يتوسعون فى النوافل ما لا يتوسعون فى الفريضة اذ الفريضة محدودة والنافلة بابها واسع هذا هو الحكم الذى أراه والدليل الذى ايتدل به " إنما الأعمال بالنيات " ، " وصلاة الليل مثنى مثنى " .
س52: هل تجب قراءة الفاتحة فى كل ركع من صلاة التراويح ؟
الجواب : نعم لا فرق بين النافلة والفريضة تجب الفاتحة فى كل ركعة من ركعات الفريضة والنافلة يجب على المصلى ان يقرأ الفاتحة فى كل ركعة من الركعات ، والمسبوق فيه خلاف ، والائمة الأربعة ، والجمهور من غير الأئمة الأربعة ايضا يقولون ان المسبوق الذى أدرك الإمام فى الركوع لا تجب عليه قراءة الفاتحة وقليل من العلماء قالوا تجب عليه ايضا ولا يعتد بالركعة هؤلاء قلى من الأئمة ومن غير الأئمة الاربعى فلا فرق بين النافلة كصلاة التراويح والفريضة كصلاة الظهر او المغرب فى ان الفاتحة فرض على المأموم كالإمام والمنفرد .(1/163)
س53: سئل الشيخ : بعض الأئمة لا يتركون فرصة للمأمومين لقراءة الفاتحة بعد قراءتهم هم للفاتحة خاصة فى صلاة التراويح فهل يجب قراءتها ؟
الجواب : يجب قراءة الفاتحة كما تقدم الكلام فى هذا ولم يرد نص فى ان الإنسان يخص قراءة الفاتحة بسكته من السكتات ، إنما يجب عليه ان يقرأ الفاتحة وهو يتحين لها الفرصة ولكن قرأها أثناء قراءة الأمام للفاتحة او فى قراءة الأمام للسورة ، او أثناء قراءته للسورة آما ان يجعل لها سشكته خاصة بين الفاتحة واسورة فان هذا لم يثبت فى حديث والحديث الذي ورد فى الامر لم يثبت .
والذين قالوا بوجوب قراءة الفاتحة ما عينوا لها زمنا لكن بعض الناس يتحين الفرصة بوجود سكته بين السورة والفاتحة ليجمع بين الآمرين هذا اجتهاد من المأمومين آما قراءة الفاتحة فليس لها زمن معين فى وقفة الإمام فليقرأ الفاتحة حين قراءة الأمام لها او ليقرأها حين قراءة الإمام للسورة او الآيات التى يقرأها .
س54: هل صلاة التراويح ثلاث عشرة ركعة آم اثنتان وعشرون ؟(1/164)
فاجاب الشيخ رحمه الله تعالى بقوله : ثبت عن آبى سلمة بن عبد الرحمن انه سأل عائشة - رضى الله عنها - كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان ؟ فقالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فر تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهمن وطولهن ، ثم يصلى ثلاثا قالت عائشة - رضى الله عنها - فقلت : يا رسول الله أتنام قبل ان توتر ؟ فقال : " يا عائشة ان عيني تنامان ولا ينام قلبي " رواه البخاري فى صحيحه ، وثبت عن مسروق انه سأل عائشة - رضى الله عنها - عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت : " سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر " رواه البخاري فى صحيحه وثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - انه قال : كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل رواه البخاري فى صحيحه وثبت عن عائشة - رضي الله عنهما - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلةفى المسجد فصلة بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة او الرابعة فلم يخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اصبح قال : " قد رأيت الذى صنعتم ولم يمنعنى من الخروج إليكم آلا آني حشيت ان تفرص عليكم وذلك فى رمضان " رواه البخاري ومسلم وثبت عن عائشة - رضى الله عنها - انها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين ان يفرغ من صلاة العشاء إلي الفجر ، إحدى عشرة ركعة ، يسلم بين كل ركعتين ، ويوتر بواحدة " رواه مسلم وأبو داود والنسائي.(1/165)
فمن هذا ونحوه من الأحاديث يتبين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يزد في صلاة الليل على إحدى عشرة ركعة كما في حديث عائشة رضي الله عنها - وثلاث عشرة ركعة كما في حدث ابن عباس - رضي الله عنهما ، وأنه كان ينقص من ذلك أحياناً ، وقد استمر العمل على صلاة الليل إحدى عشرة ركعة في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر - رضي الله عنهما - باتفاق ، ثم اختلف الفقهاء هل صارت صلاة والليل - التراويح - في شهر رمضان آخر خلافة عمر - رضي الله عنه - عشرين ركعة سوى الوتر في الجماعة ، أو أن الذي جد هو صلاتها جماعة بعد أن كان المسلمون يصلونها فرادى ، أما عدد الركعات فإحدى عشرة ركعة لم يتغير عما كان عليه من قبل ؟
وسبب اختلافها في ذلك الاختلاف ما أمر به عمر رضي الله عنه - من عدد ركعات التراويح وما فعل في عهده ، فقد روى مالك في الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر - رضي الله عنه - أبي بن كعب وتميماً الدارى أن يقوم بالناس بإحدى عشرة ركعة قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر " وروى مالك عن يزيد بن رومان بثلاث وعشرين ركعة " ، وارى أن صلاتها إحدى عشرة ركعة أفضل ، فإنه على تقدير عدم مصحة ما روى أنها صليت في عهد عمر - رضي الله عنه - عشرين أو ثلاث وعشرين ركعة فالأمر ظاهر ، وعلى تقدير صحة صلاتها عشرين أو ثلاث وعشرين ركعة في عمر - رضي الله عنه - فالعمل بما ثبت عنه صلي الله عليه وسلم وعمل به في عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر - رضي الله عنهما - مقدم على ما حدث بعد باجتهاد ، والخطب في هذه المسألة سهل ، فإنه خلاف في أي العملين أفضل ؟(1/166)
وأما ما جرى عليه العمل بالمملكة العربية السعودية في صلاة التراويح في عصرنا ، فبعض الأئمة يصليها بالمساجد جماعة وإحدى عشرة ركعة ، وبعضهم يصليها بالمساجد جماعة ثلاثاً وعشرين ركعة ، عملاً ببعض ما ثبت في نظرهم من الآثار عن عمر رضي الله عنه.
رابعاً : فتاوى الصيام
س1 : هل الراجح أن لكل بلد رؤية يصوم بها أم يصوم البلد برؤية غيره من البلدان ؟
الجواب : يرجح أن لكل بلد رؤيتهم
س2: إذا كان مفتى البلد يعمل بالحساب الفلكي ولا يأخذ بالرؤية ، فماذا تفعل إذا علمنا أن رمضان قد انتهي ، وقد أفطر المسلمون في بلد قريب منا قد بدأوا صومهم معنا ؟
الجواب : قال الشيخ : تفطرون سراً مع المسلمين القريبين منكم والذين قد رأوا الهلال ، وتصلون العيد مع الناس في اليوم التالي درءاً للفتنة .
س3: تختلف بداية شهر رمضان في دولة عنها في الدول الأخرى وكذلك يختلف وقت بداية الفطر فكيف يفعل المسلم هل يصوم مع بلده أو يصوم إذا رأت إحدى الدول الإسلامية الهلال : وماذا تفعل الجالية الإسلامية التى تعيش في إحدى الدول الكافرة ؟
الجواب : إذا كان الإنسان في دولة إسلامية تتراءى الهلال وتعتني به يجب عليه الصوم تبعاً لرؤية دولته ولا يجب عليه أن يتبع دولة أخرى إلا إذا كانت البلد التي يعيش فيها دولة كافرة لا تتراءى الهلال ، وهم جماعة أو جالية إسلامية ولا يتراءون الهلال بأنفسهم فإنهم يصومون مع أقرب دولة إسلامية إليهم تعتن برؤية الهلال ، فيصومون بصومها ويفطرون بفطرها.
فإن كانت هناك جالية إسلامية لها كيان منظم وتعتبر نفسها مستقلة بأمورها كأنها دولة داخل الدولة وتراءوا الهلال فإنهم يصومون برؤية أنفسهم.
ويجد بالذكر هنا أن مسألة رؤية الهلال وهل رؤية بلد ملوم لكل البلاد الإسلامية أن يصوموا ويفطروا أم أن لكل أهل بلد رؤيتهم الخاصة هذه المسألة من المسائل الاجتهادية التى فيها خلاف بين أئمة الفقهاء وكل يعمل بما يرى .(1/167)
فإذا كان الإنسان من العلماء فإنه يعمل بما يرى وإن لم يكن الإنسان من العلماء وكان من جمهور الناس وعوامهم فهو يتبع أئمة بلده ، ويتبع العلماء الذي يقومون على أخذ الأحكام من أدلتها.
والإنسان يعرف حال نفسه من العلم والجهل وينبغي للمرء أن يكون منصفاً في أحواله وأموره وينبغي أن يكون مريداً للحق متبعاً له ولا يتبع الهوى والشيطان.
س4 : المسافر بالطائرة إذا غربت الشمس في الأرض يفطر ولكن إذا ارتفعت الطائرة في الفضاء يري أن الشمس لم تغرب فما يفعل ؟
قال الشيخ رحمه الله : إذا غابت الشمس في الأرض فإن الصائم يفطر ، فإذا ارتفعت الطائرة في الفضاء ، فرأي الشمس لم تغرب استمر على فطره أما إذا ارتفعت الطائرة قبل الغروب فإنه يستمر صائماً حتى تغيب الشمس في الطائرة.
س5 : متى يمسك الإنسان عن الأكل والشرب ، هل في بداية آذان الفجر أم في نهايته ؟
الجواب : إذا كان المؤذن الذي يرفع الآذان يتحرى الوقت ويراعيه بدقة بحيث يغلب عليه الظن أن الوقت الصحيح قد دخل فلا يجوز أن يأكل أو يشرب إذا بدأ المؤذن قول الله أكبر وذلك لقول الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) وحتى تدل على الغاية فبعد بدء الآذان لا يصح أكل ولا شرب ما دام هناك مراعاة للوقت الشرعى. أما إذا كان يغلب على ظن المسلم ان الآذان يكون قبل دخول الوقت فيجوز له أن يأكل ويشرب أثناء الآذان. ويعرف الوقت برؤية الإنسان للفجر الصادق أو بإخبار من يعرف هذا ممن يوثق به وبقوله وبخبرته.
ومن التناقض الذي يقع ويصدر من بعض الناس أنه يأكل ويشرب وهو يؤذن ذلك أنه يعتقد دخول الوقت بدليل أنه يؤذن ثم هو يأكل أو يشرب أثناء الآذان :(1/168)
وتجد بعضهم يأكل ويشرب أثناء الآذان أو بعده ثم يقوم فيصلي ركعتي الفجر وهذا تناقض لأن صلاة سنة الفجر إنما تكون بعد دخول الوقت. فيأكل ويشرب وهذا لا يكون إلا قبل دخول الوقت ويصلى سنة الفجر وهي لا تكون إلا بعد دخول الوقت. وهذا تناقض لا ينبغي أن يصدر سنة الفجر إذا كان يعتقد عدم دخول الوقت أكل وشرب ولم يصل سنة الفجر.
س6 : إنسان أمنى في نهار رمضان ولكنه عند الإنزال أمسك ذكره حتى لا يخرج منه شيء من المنى هل عليه غسل ؟ وهل يصح صيامه ؟
الجواب : نعم يجب عليه الغسل عند كثير من المسلمين. والمنى إذا تحرك ينزل على كل حال ، ولا يظل مكانه وإذا احتقن المنى وبقي مكانه فإن هذا قد يؤدى إلي تورم الخصية وقد يحتاج فاعله لإجراء عملية أو تناول علاج لمداوة خصيته.
القصد أنه يجب عليه الغسل والقضاء إذا كان ما ذكر في السؤال حقيقة واقعة وإلا فأنا أري أنه مجرد فرض وتقدير وأنا أنصح المسلمين أن يبتعدوا عن تكلف أسئلة لم توجد ولم تقع أسوة بأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم0.
س7 : هل يصح استعمال فرشة الأسنان في نهار رمضان ؟
الجواب : يجوز أن يستعمل الإنسان فرشة الأسنان والمعاجين التى ينظفون بها أسنانهم ، إذا احتاج إلي ذلك ، ولكن الأفضل له أن يتسوك المعروف وفيه الكفاية والخير . وقد حث عليه النبي صلي الله عليه وسلم والدين دين السهولة واليسر وتتسع أحكامه ويسره لجميع المستويات والأحوال فهو دين الغنى الذي يجد الفرشة وما إليها ، ودين الفقير الذي لا يجد إلا السواك المعروف ، أو إصبعه إن لم يجد السواك المعروف ، والأمر واسع ما دام لا ينزل في حلقه شيء مما استاك به.
س8 : نزلت يوما إلي مكة ولشدة الحر فيها كنت أضع الثلج في فمى وأنا صائم فهل على حرج ؟
الجواب : إذا لم ينزل منه شيء فى الخلق فلا حرج وخير له ان يضع فى منخاره احتياجا وبعدا عن المحظور اوضع الثلج على راس ة ويغتسل ويتوضأ ويكتفى بالمضمضة .(1/169)
س9: ما ذا يلزم الحامل المرضه إذا فطرتا أياما فى رمضان ؟
الجواب : قال الشيخ رحمه الله تعالى : الحامل والرضع إذا أفطرت رمان كله او بعضة عليها القضاء فقط سواء كان خوفها على نفسها أعلى ولدها ولا تلزمها الفدية والدليل عموم القرآن () فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر) وهو احد الاقوال الثلاثة وهذا مرض وهى نكرة عقب شرط فتعم كل مريض .
س10: امرأة أفطرت فى رمضان بسبب نفاسها ثم لم تقضه آلا بعد مرور تسع سنوات لجهل منها ثم قضته بعد ان علمت فهل يلزمهت شيء اخر ام لا ؟
الجواب : يلزمها فدية عن كل يوم افطرته وهذه الفدية إطعام مسكين عن كل يوم لتأخيرها القضاء وكان ينبغي لها ان تسأل لكي تتعلم والمسلم ينبغي أن يكون حريصا على دينه وحريصا على التعجيل بالخير والوفاء بما سئلت به الذمة من صيام او نحوه من الواجبات الشرعية وينبغي للمسلم ان يكون حريصا على دينه بالوفاء مثل هذه المدة الطويلة تسع سنوات كاملة والسائلة جاهلة لا تسأل هذا خطأ وتقصير كبير ولو ان ولدها قد ضل طريقة ولم يصل الى المنزل أوضاع منها لصاحت وبكت وفتشت عنه فى كل مكان وسألت هنا وهناك ولا تمل السؤال والبحث فكيف تسكت عامر دينها والسؤال عنه والخلاصة ان مذهب جمع من الصحابة ان الذى يؤخر قضاء ما فاته من رمضان حتى يأتي عليه رمضان الذى بعده انه يقضى وبفدى عن كل يوم إطعام مسكين .
س11: إذا فات الإنسان صوم الست من شوال العذر هل يشرع له ان بقضيبها بعد شوال ؟
قال الشيخ رحمه الله : لا يقضيها حتى لو فاته صيامها لعذر وذلك لأنها مقيدة بكونها فى شوال حتى ان بعض العلماء شدد واشترط ان تكون متصلة متتابعة بعد العيد والصحيح انه لا يشترط اتصالها بالعيد ولا يشترط تتابعها بل يصح صومها فى كل شوال .
س13: ما معنى صفدت الشياطين ؟(1/170)
فقال الشيخ رحمه الله - : هى تصفد آي بالأعمال الصالحة آما من عمل أعمالا ردية فقد حل قيدها وفتح باب وساوسها على نفسه فينفك قيد شياطينه بذلك .
***********************
صوم يوم عاشوراء
ـ
عم عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام يوم عاشوراء فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء افطر ففى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم امر المسلمين بصيام عاشوراء امر فرض ووجوب أرسل من ينادى بذلك فى أطراف المدينة وقراها القريبة منها فعن سلمة بن الاكوع رضى الله عنه قال : " آمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من اسلم ان اذن فىالناس ان من كان آكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن آكل فليصم فان اليوم يوم عاشوراء " .
فصامه المسلمون فى العام الأول للهجرة فرضا عليهم وفى السنة الثانية من الهجرة نزلت فريضة صيام رمضان فرفع عنهم فريضة صيام عاشوراء فكان من شاء صامه تطوعا وقربه ونافلة ومن شاء ترك صيامه كما ذكرت السيدة عائشة - رضةالله عنها - فى الحديث السابق .
ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهة اليهود نهاه الله عن مشابهتهم وارمه بمخالفتهم فامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يخالفوا اليهود فى صيام عاشوراء وذلك ان يصوموا معه يوما قبله او يضموا اليه يوم بعده .
فإذا كان يوم عاشوراء موافقا ليوم الجمعة مثلا نصوم يوم الخميس اليوم السابق ليوم الجمعة او نصوص الجمعة والسبت آما اليهود فاهم يفردون يوم عاشوراء بالصيام يوما واحدا .(1/171)
وقد ذكر بعض آهل العلم ان اكمل الأحوال صيام يوم عاشوراء ان يصوم المسلم اليوم السابق ليوم عاشوراء ويوم عاشوراء ويما بعده ثلاثة أيام وهذا اجمل واكمل واعظم للآجر واعظم فى مخالفة اليهود الذين نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم فقال صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " فهذا تحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم يحذرنا فيه من التشبه بالكفار جميعا من يهود ونصارى وغيرهم من آهل المخلل والديانات الأخرى ومع هذا التشديد والتحذير الذى يمنع من التشبه بغير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم فان كثير من المسلمين تشبهوا بهم فى مجالات كثيرة من الأخلاق والسلوك بل ودخل على كثير من المسلمين بعض عادات النصارى فى عبادتهم وعقائدهم .
وأما عن فضل صيام يوم عاشورا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية ".
والإنسان يحتاج إلي ما يكفر الله به خطاياه لأن العبد مهما كان اجتهاده في الطاعة فهو كثير السقطات والخطايا ، فمن الناس من تكون سقطاته وأخطاؤه ومن قبل لسانه ومنهم تكون أخطاؤه من قبل عينيه ، أو من قبل بعض جوارحه الأخرى. وقد تكون خطاياه من قبل وسوسة الشيطان في صدره. ومنهم من تكون خطاياه من قبل بعض شهوات النفس. المهم أنه لا يخلو إنسان من خطأ أو وتقصيره وتفريط في طاعة الله فمن رحمة الله بعباده أن شرع لهم ما يكفرون به هذه الذنوب من الطاعات والعبادة وأعمال البر المختلفة قال تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
وقال صلي الله عليه وسلم " وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
وقال (() " والصدفة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار ".(1/172)
فمن رحمة الله بعباده أن يسر لنا من أنواع العبادة ما يكفر بها الذنوب فهذا العبد الخطاء في حاجة إلي كثرة وتنوع المكفرات حتى ينشط كل إنسان في نوع من المكفرات التى يجدها أقرب وأسهل على نفسه فيطهر بذلك نفسه من الذنوب والمعاصي. ويلقي ربه طاهراً فتنزل عليه رحمة ربه في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
التدرج في فرض الصوم
إن من رحمة الله تبارك وتعالى في فرض الأحكام التى قد تشق على النفس أن يفرضها بالتدريج. فمن ذلك الصوم فقد تدرج في فرضيته ففي أول الأمر فرض صيام يوم عاشوراء فاستمرت فرضيته عاماً واحداً. ثم فرض صيام رمضان بعد ذلك وكان صومه أول الأمر على التخير فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم يفطره مسكيناً. في السنة الثانية لفرض الصيام صار صيامه عزيمة وارتفع الإطعام قال الله تعالى : _ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) هذه الآية في التخيير فمن كان قادراً على الإطعام أطعم ثم قال الله : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) هذه الآية في عزمه الصيام وإلغاء الإطعام.
وهذا التدرج أيسر على العباد وأنفع في نقلهم من حال كانوا عليها إلي حال أخرى لم يتعودوها، وهذا كالطفل تتركه يرضع ، ويرضع ثم يضاف إلي جانب الرضاع الأطعمة سهلة الهضم مع التقليل من الرضاع ثم نتدرج في زيادة الأطعمة وتقليل الإرضاع حتى يتعود على الأطعمة العادية التى يتغذى عليها الكبار بعد أن كان يأكل أطعمة خاصة تناسبه.
خامساً : فتاوى الاعتكاف
س1 : سئل الشيخ : هل يصح الاعتكاف على سطح المسجد أو منارته ؟
فقال الشيخ رحمه الله :- يصح الاعتكاف فيه وفي المنارة إذا كان بابها يفتح على داخل المسجد.(1/173)
سادساً : فتاوى الزكاة
س1: سئل الشيخ : عن طريقة حساب الحول في رواتب الموظفين ؟
فقال الشيخ - رحمة الله :- " في الزكاة : النماء ناتج عن أصل المال فحوله حول أصله وإذا كان مستقلاً وناشئاً من جديد كراتب الموظف فله حول جديد من تاريخ تملكه " .
س2: سئل الشيخ : إذا جمعت صدقات لفقراء معينين ثم اغتنى هؤلاء الفقراء قبل أن تصلهم الصدقة ، فهل يصلح تحويلها إلي فقراء آخرين ؟ وهل يمكن نقلها إلي بلد فيها فقراء محتاجون ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :- " لا يصح نقلها إلا بإذن من دفعها ، ويصرفها في وجوه البر كمسجد وغيره إذا لم يقف على إذنهم ".
س3 : سئل الشيخ : هل يجوز إقامة مشروع بأموال الزكاة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :- " لا يجوز إقامة مشروع بأموال الزكاة بل تدفع لمستحقيها الذين سماهم الله عز وجل في كتابة ".
س4 : سئل الشيخ : إذا كان له زرع وعليه ديون هل يخرج زكاة الزروع؟
فقال الشيخ - رحمة الله :- " زكاة الزروع تجب في المحصول الذي حصده سواء كان عليه دين أو لا.
س5 : سئل الشيخ : هل يجوز إخراج الزكاة بدون تقدير ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :- " يجوز إخراج ما يتيقن أنه أدي به الواجب وزيادة ".
س6 : سئل الشيخ : عن حكم تاركك الزكاة ؟ وهل لو تاب تارك الزكاة يزكى عن الأعوام السابقة ؟
فقال الشيخ - رحمة الله :- " إذا تركها كسلاً ، وكذا ولو ترك الصوم والحج كسلاً فهو فاسق ويجبر على أدائها وإن كانوا جماعة يحاربون حتى يؤدوا الزكاة. ومن كان تاركاً لأداء الىزكاة وتاب فإنه يزكي عن الأعوام السابقة ولو استغرقت كل ماله ".
س7 : سئل الشيخ : إذا كان لديه أرض يقتتيها ثم ينوى بيعها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :- : إذا حال عليها حول من تاريخ نية البيع فعليه زكاتها زكاة عروض التجارة ".(1/174)
س8 : سئل الشيخ : رجل له دين عند آخر ، وحال الحول عليه وليس عند هذا الدائن ما يخرجه زكاة عن دينه فهل يجوز أن يؤخر الزكاة حتى يصل إلي يده شيء من المال فيخرج منه وذلك كله إذا كان الدين عند مليك. أما إذا كان الدين عند غير مليك فإنه لا تجب على صاحبه زكاة ".
س9 : سئل الشيخ : متى تجب الزكاة على الدائن في دينه ومتى لا تجب عليه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :-" تجب الزكاة على الدائن في دينه إذا كان المدين غر معسر ، بل هو مليك ، ولم يكن المدين مما طلا ويستطيع الدائن أن يستخلص حقه منه.
أما إذا كان المدين معسراً ليس عنده ما يسدد به فإن الدائن ليس عليه زكاة ، كذلك إذا كان المدين عنده ما يسدد منه لكنه جبار ، والبلاد التى هم فيها بلاد لا تستخلص الحث لصاحب الحق ، أو كان صاحب الحق في بلاد يستخلصون الحق لصاحبه ، ولكن صاحب الحق ليس عنده من المستندات ما يكفي لإثبات حقه والمطالبة به ، وكان المدين ظالماً ينكر أن عليه دين ففي هذه الحالة لا تجب على الدائن زكاة حتى يستخلص حقه ولا يسئل عنها ولا يقال متى يدفع الزكاة التى عليه لأنه لم تجب عليه أصلاً ما دام الحال ما وصفت.
أما إذا كان المدين ملئاً ومعترفاً بالحق ، ويمكن استخلاص الدين منه ، لكن الدائن هو الذي سكت عن حقه وانظر المدين لأنه عند المدين أصون وأحفظ له من السرقة والضياع عما إذا ما كان عنده هو ، فهذا الدائن تجب الزكاة عليه في هذا الدين إذا حال عليه الحول. وإذا حال الحول على الدائن ولم يجد بيده ما يخرج منه الزكاة فإنه ينتظر حتى يوافيه الله بشيء يخرج منه الزكاة سواء كان المرتب أو موسم الحصاد لأحد المحاصيل أو غير ذلك ".
س10 : سئل الشيخ : لى أخ يدرس في مصر وأنا الذي أصرف عليه ووالدي موجود على قيد الحياة ، فهل أستطع أن أعتبر ما أنفقته على آخى زكاة أم لا ؟(1/175)
فقال الشيخ - رحمة الله :- " لا تعتبره زكاة وأبوه موجود ، وأبوه واجب أن ينفق عليه. لكن تلك النفقة منك صلة رحم ومساعدة في تخريجه ليقوم بواجب إسلامي في أمته وقومه وأسرته".
س11 : سئل الشيخ : هل يجوز إعطاء القريب الفقير من الزكاة إذا كان خارج بلد المزكى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله :- " هذا يشتمل على سؤالين : سؤال في إعطاء القريب وسؤال : في إخراج الزكاة عن البلد ، أما بالنسبة لكونه قريباً فإذا كان لا تلزم المزكى نفقته جاز أن يعطيه من الزكاة وغير الزكاة ، وأما إذا كان ممن تلزمه نفقته فيواسيه من أصل ماله ولا يعتبر صدقة ، وأن كان فيه أجر فزوجته مثلاً ليست قريبة له ولكن تلزمه نفقتها ، فإعطاؤها من ماله والتوسعة عليها في المعروف خير يؤجر عليه وكذلك إكرامه لأولاده وهم ممن تلزمه نفقتهم يؤجر عليه والوالدان يلزم الولد نفقتهما ومع ذلك إكرامهما والإنفاق عليهما فيه اجر كثير لكن لا يعطيهما من الزكاة هذه من جهة الأقارب آما من جهة نق ل الصدقة من بلد الى بلد آخر فإذا كان البلد الآخر فيه من له خصوصية ومزية مثل قريب فقير لا تلزمك نفقته فإعطاؤك إياه ونقل وصدقتك اليه يقال انها صدقة وصله اجتمع فيها آمران الصدقة وصلة الرحم فيجوز نقلها لمثل هذا وإذا كان من فى البلد البعيد غير بلد الذى يخرج الصدقة اشد حاجه أرسلها اليه ايضا ويشترط كذلك ان تصل الزكاة الى من يستحقها قبل يوم العيد او تصل قبل صلاة العيد على اقصى تقدير القصد انها لا تنتقل لبلد آخر آلا لداع يدعو الى ذلك كان يكون قريبا او عفيفا لا يمد يده ولا ينتبه اليه الناس او يكون اشد حاجة من غيره من آهل البلد او غير ذلك من الدواعي الشرعية المعتبرة ".
س12: سئل الشيخ : إذا كان أحلى يعد للاستعمال والزينة فهل تجب فيه الزكاة ؟(1/176)
فقال الشيخ - رحمه الله - : الرأي الصحيح انه تجب فه الزكاة شكرا لنعمه الله آما إذا كان الحلي متخذا لوقت الحاجة ينفق منه أو للتجارة فتجب فيه الزكاة بإجماع المسلمين الذى فيه خلاف هو الذى يتخذ للزينة والاستعمال هذا هو الذى فيه خلاف والراجح العمل بعموم المصوص فى وجوب الزكاة فيه آما الذى يتخذ لتجارة تأخذ وتخزنه عندها فإذا ارتفع السعر باعت وسكتت حتى إذا انخفض السعر اشترت فهذه تجارة فى المصاغ التى عندها تترصد بها الأسواق لتكسب إذا ارتفع السعر باعت فذا انخفض السعر اشترت هذا بإجماع المسلمين تجب فيه الزكاة لانه سلعة تجارية وكذلك إذا كان موضوعا عندها لا للاستعمال والتحلى به إنما هو لأزمات الدهر فهذا تجب فيه الزكاة بإجماع المسلمين ليس هو الزينة والحلية إنما رصيد عندها لوقت الأزمات إذا نزلت استغنت به عن مديدها للناس هذا تجب فيه الزكاة باتفاق المسلمين آما الذى فيه خلاف هو الذى تتخذه المرآة للتحلى به وتتزين به فى المناسبات فهذا هو الذى فيه الخلاف وعموم الأدلة تشهد بوجوب الزكاة فيه وقياسة على ملابس الستى ومنزل السكنى خطأ لان منزل السكن اصله فى ذاته لا تجب فيه الزكاة والملابس التى تستر بها بدنك وعورتك اصلها فى مادتها لا تجب فيه الزكاة بخلاف النقود الأصل فيها انها يجب فيها الزكاة ولا تقاس على غيرها مما الأصل فيه انها لا تجب الزكاة وقياس الحلية من الذهب والفضة على الملابس التى تلبسها المرأة هذا قياس لان الأصل المقيس عليه مادته لا تجب فيه الزكاة بخلاف مادة الذهب والفضة فالأصل فيها وجوب الزكاة هذا قياس فاسد ولاقول الراجح هو الذلا ذكرته لكم فيما اتخذ من الذهب والفضة للزينة والمناسبات " .
س13: سل الشيخ : هل يجوز إخراج نقود بدل زكاة الفطر ؟(1/177)
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لا يجوز لان النقود كانت موجودة عند الصحابة وزكاة الفطر مفروضة ومع ذلك لم يخرج واحد منهم فى ذلك الوقت وسنوات عديدة ليس رمضان واحدا اخرجت فيه زكاة فطر مرة واحدة رمضان فرض فى السنة الثانية وزكاة الفطر تابعة له فتسع سنوات او ثمان سنوات على الأقل وزكاة الفطر تخرج حبوبا او تمورا ولا يخرجها واحد من الصحابة نقودا ويستمرون هكذا ثم بعد ذلك ينتحلون ليخرجوها نقودا وفى ذلكم الوقت الناس ه الناس الموجودون الان منهم من يحتاج الى آكل ومنهم من يحتاج الى كسوة ومنهم من يحتاج الى شراء لحم وخضر ومع ذلك تحرى الرسول عليه الصلاة والسلام ان يحددها فى أقوات يأكلون منها وحاجة الإنسان الى القوت اكثر من حاجته الى فاكهة أو ملابس حاجته الى القوت اليومي اكثر من حاجته الى ذلك فاستمرار العمل من الرسول عليه الصلاة والسلام فى سنوات عديدة زكاة الفطر على إخراج من غير النقود ومع كون الناس هم الناس ويحتاجون الى الآكل والى الكسوة والى مصاريف أخرى للأولاد استمراره على إخراجها مما ذكر فى الأحاديث دليل على ان هذا هو المشروع دون سواه فان قال ربما لا أجد الفقير الذى يأخذ منى هذا نقول له إذا وجدت الفقير الذي يأخذ النقود سوف تجد الفقير الذي يأخذ القوت والخلاصة ان زكاة الفطر تخرج من أقوات البلد خلافا لآبى حنيفة رحمه الله ومن خالف القول بهذا ذكرت فهو مخطئ فى نظري " .
س14: سئل الشيخ : ها يصح الحليب فىزكاة الفطر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - :" نعم يصلح الحليب فى زكاة الفطر لانه يصلح ان يكون قوتا والحليب هو اصل الاقط "
س15: سئل الشيخ : ما مقدار نصاب زكاة الحلي من الذهب وكيف تقدر ؟هل بالريالات آم من جنس الذهب ؟(1/178)
فقال الشيخ - رحمه الله - :الفضة نصابها اقل فينبغى ان يراعي جانب الفقراء والمساكين فيقدرها بما فيه مصلحة للفقراء والمساكين فيكون تقديرها بالفضة لا بالذهب واذا كان الحلي ذهبا وليس فضة قدر ذلك بالذهب هذا له وان قدره بالفضة كان خيرا فكل جنس يقدر بنوعه فالذهب يقدر بالذهب والفضة تقدر بالفضة فان أراد مراعاة جانب الفقير وقدر الذهب بالفضة فقد فعل خيرا ووسع فى الخير للفقراء والمساكين دون ان يكون ذلك واجبا عليه ؟
س16: سئل الشيخ : هل يجوز شراء أسلحة لمحرابة الكافرين من أموال الزكاة؟(1/179)
فقال الشيخ - رحمه الله - "ان العداوة التى بين المؤمن والكافرين عداوة قديمة مستأصلة وان الخصومة التى بين الفريقين خصومة مستحكمة وان قلوب الكافرين لم تزل ولا تزال تتوهج فيها جمرات الغيظ وتشتعل فيها نيران الضغائن والأحقاد لا يكاد يخبو لهيبها او تخمد جمرتها بل لا تزال تزداد يوما بعد يوم وتتخذ ألوانا مختلفة من الكيد والتبيت وأشكال من الحروب النارية خفية وجهرة سرا وعلانية وما خفى منها اشد ضراوة واعظم فتكا بالمسلمين مما ظهر ولذا حذرنا الله من موالاتهم واتخاذ بطانه منهم ، قال الله تعالى ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) .(1/180)
فتارة تكون المعركة بأسلحة مادية وتدور رحاها فى الجو او البحر ، او على بساط الأرض بالطائرات ، والغواصات ، والدبابات ، وامثال ذلك منالاسلحة الفتاكة وتارة تكون نظرية تدور رحاها فى عالم الأفكار بالقاء الشبه ونشر نظريات الالحاد ونحوها لتشكيك المسلمين فى دينهم وزلزلة العقيدة الإسلامية فى نفوسهم ومحو ما فى قلوبهم من حق ويقين وانه تكون حرب أعصاب وفتن توهن العزائم وتبعث الرعب فى القلوب وتحطم واحدة المسلمين وتفرق جماعتهم بما تلقيه فى نفوسهم من بذور الأثرة واسابا العداوة والبغضاء وتجعل حربا على بعض الى غير ذلك من ألوان الكيد والحروب فلابد للمسلمين ان يواجهوهم بمثل أسلحتهم يواجهونهم بأسلحة مادية يعونها فى نحورهم ويقضون بها عليهم ويواجهونهم بأدلة علمية يثبتون بها الحق فى قلوب المؤمنين ويمحون بها الشبه حتى لا تكون فتنة ولا الحاد ولا حيرة ولا شكوك يواجهونهم بإيجاد يقظة في الأمة الإسلامية ونشر الوعى فيها حتى ينكشف لهم ما بخصوص من الكيد والدس وحتى لا يغتروا بالبهرج الكاذب والمظاهر الخداعة ولا يأخذ التهريج من نفوسهم مأخذه.
وكل هذه المواجهات والمكافحات أنواع من الجهاد في سبيل الله فيجوز أن يستعان في القيام بها بأموال الزكاة وغيرها من تبرعات المحسنين من أغنياء المسلمين وبيوت الأموال في الدول الإسلامية عن طريق ولاة الأمور ، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكفر هي السفلي ، وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينه وأن الله لسميع عليم.
والله الموفق وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
سابعاً : الحج
1. بناء المسجد الحرام
قال الله تعالي : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ).(1/181)
أمر الله خليله إبراهيم عليه السلام أن يبني له الكعبة المشرفة في هذا البلد الأمين لتكون قبلة للناس بستقبلونها في صلاتهم ودعائهم ، ويحجون إليها ويطوفون بها وحولها.
وأعلم الله إبراهيم عليه السلام بالمكان الذي يقيم فيه بناء الكعبة ، وهداه إلي هذا المكان المختار بما شاء إلي مكة المكرمة حيث يقيم ولده إسماعيل عليه السلام . فلما رآه إسماعيل قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده. وقال إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل : يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. فقال إسماعيل : وأعنك . قال : فإن الله أمرنى أن أبني له بيتاً هاهنا وأشار إلي أكمة مرتفعة عما حولها.
عند ذلك أخذ إبرهم وإسماعيل يرفعان القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني. حتى إذا ارتفع البناء وصعب على إبراهيم أن يكمل البناء لارتفاعه وعلوه ، جاء إسماعيل بحجر ووضعه لأبيه ليقوم عليه وهو يبني وهذا الحجر هو الذي يسمى اليوم بالمقام. واستمر إبراهيم في البناء وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(1/182)
فاستجاب الله دعاءهما وأراهما المناسك وأمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج إلي بيت الله الحرام قال تعالي : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ).
فقد عهد الله إلي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء البيت وأن يطهراه من كل رجس معنوى أو حسي. وأن يجعلاه خالصاً لوجهه الكريم. ويجتباه الأصنام ، والأوثان ، والأزلام ، والاستقام بهما ، ويطهراه ويجتنباه كل شائبة من شوائب الشرك ويصوناه من النجاسة والأقذار ومن غشيان الكفار له ، ومن الضجيج ومنكرات الأصوات. ومن كل ما تأباه النفوس الطاهرة والفطر السليمة وليكون أنسب لجلال الله وتوقيره ، وأدعى لإخلاص القائمين فيه والعابدين وأجلب لخشوعهم وصلاح قلوبهم واتصالها بالله وحده دون أن يقطع عليهم شيء من المنغصات أمر عبادتهم وتبتلهم.
وقد اتفق العلماء على أن الكعبة شرفها الله أول بيت وضع للناس للعباد في هذه الأرض لقوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ)
ولحديث أبي ذر رضي الله عنه قلت يا رسول الله " أي بيت وضع للناس أول ؟ قال المسجد الحرام . قلت ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ".(1/183)
ونقل ابن كثير عن أبي جعفر الباقر أن أولم من بني الكعبة هم الملائكة قبل آدم ، وقد روى هذا أيضاً عبد الرزاق عن عطاء ، وابن جريح ، وسعيد بن المسيب أن آدم بناها من خمسة أوجه. ثم ذكر عن كعب الأحبار ووهب بن منبه أن أول من بناها شيث ، ولم يذكرا دليلا على هذا ، وهما إنما يذكر أن هذا من كتب أهل الكتاب وهذا لا يصدق ولا يكذب. ولا يعتمد عليها - يعنى هذه الرواية - وإن صح حديث في هذا -يعنى أول من بنى الكعبة قبل إبراهيم فعلى العين والرأس. ومع هذا فإن مثل هذا الخلاف لا يبني عليه شيء من أحكام الشريعة ولا المناسك ولا غيرها. ولا ينبغي تضييع الوقت في مناقشته والاشتغال به. ويجدر بنا أن نقف عند ما صح في الكتاب والسنة من أن أول من رفع بناءها بعد اندثاره هو إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل ، وكان ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى وللبيت الحرام مزايا كثيرة فقد جعله الله مباركاً كثير الخير في الدنيا والدين.
وقد ضاعف الله سبحانه وتعالى فيه ثواب الأعمال الصالحات فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيرة من المساجد.
وخص بالوفود إليه للحج والعمرة والطواف به . وجعل الطواف بالبيت صلاة تعظيماً لهذا البيت وتعظيماً لحرماته.
واستجاب الله دعوة خليله إبراهيم فجعل أفئدة كثير من الناس تهزى إليه وإلي ذريته في الحرم ، ورزق أهله - أهل الحرم - من الطيبات الكثيرة الوفيرة والنعم التى لا حصر لها. وصار بعد هذه الدعوة المباركة من نبي الله وخليله صار المسجد الحرام والبلد الحرام تجبي إليه ثمرات كل شيء فضلاً مكن الله سبحانه وتعالى وكرماً منه. وبارك لأهل هذا الحرم في طعامهم وشرابهم وبعث منهم رسولاً إلي الناس كافة وجعله خاتم النبيين جمعاً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال (() : " أنا دعوة أبي إبراهيم ".(1/184)
وجعل في البيت الحرام آيات بينات ، ومن دخله كان آمنا فمن دخله معظماً له ، ومن قصده محتسباً وأدى المناسك كما شرع الله كان آمنا من عذاب الله لقوله (() : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ". ويقول عليه الصلاة والسلام : " الحج المبرور ليس له ثواباً إلا الجنة "
وأيضاً من دخله كان آمنا من التشفي ، والانتقام منه من القتل والقتال ، وكان هذا أمراً مستقراً عند العرب ومتعارف عليه حتى قبل الإسلام ، حتى إن الرجل منهم كان يلقي فيه قاتل أبيه وأخيه فلا يقتله ما دام في الحرم ، وحرم الله عز وجل القتال عنده وفيه إلا أن يبدأ أهل العدوان القتال عند الحرم وفي أرض الحرم فيجوز للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم القتال والأذى قال تعالى : ( وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين َ).
ومن خصائص الحرم أنه لا ينفر الصيد فيه ، ولا تقطع أشجاره ومن مزايا هذا البيت أنه أول بيت وضع للناس في الأرض للعبادة للحج إليه واستقباله في الصلاة والدعاء.(1/185)
ومن مزايا هذا الحرم وخصائصه أن الذي بناه ليس هو إنساناً عادياً بل هو إبراهيم الخليل وكان ذلك بأمر الله وحده وفي هذا ترغيم لأهل الكتابين من اليهود والنصارى الذين لم يرضوا بالبيت الحرام قبلة يصلون إليه ويحجون إليه مع زعمهم الانتساب إلي إبراهيم وأنهم على شرعه وما كان ذلك لشيء إلا الآنفة ، والكبر ، والعصبية الجاهلية الممقوتة فكيف بعد تركهم هذا وغيره من شرع إبراهيم عليه السلام يزعمون أنهم أولى بإبراهيم من غيرهم وأنهم معظمون له ومتبعون له. يقول الله تعالى مبطلاً دعواهم أنهم من إبراهيم ، وأن النصرانية واليهودية التى هم عليها هي كانت دين إبراهيم وملته يرد عليهم ربنا فيقول : (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ *مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).
فأبطل زعمهم أنهم على ملته الحنيفية وذلك لأنهم تركوا ملته وشريعته التى أساسها التوحيد ومن أعظم شعائرها تعظيم البيت الحرام وهو أبين التناقض وأوضحه بين الواقع الذي يعيشونه والصراط الذي يسلكونه وبين الدعوى والزعم الذي يزعمونه.(1/186)
ولما تقادم بنيان الكعبة وصار بنيانها مرتفعاً قدر القامة هدمتها قريش واجتمعوا لبنائها وكان ذلك قبل بعثة النبي (() بخمس سنين. فجزءوا البنيان أجزاء اختص كل جماعة منهم بقسم يبنيه ، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختصموا فيمن يحمل الحجر الأسود ويضعه في مكانه الذي سوف يستقر فيه حتى كاد يكون بينهم حرباً وقتالاً ثم احتكموا إلي أول داخل عليهم وأول قادم إليهم ، وكان نبينا محمد (() أول داخل عليهم فقالوا. هذا الأمين قبلنا به حكماً. فقال هلم ثوباً فجيء بثوب فوضع (() الحجر الأسود عليه بيده ، ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثواب فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه رفعه رسول الله (() بيده ووضعه في مكانه ، ثم أتموا بناء الكعبة لكنهم قصرت بهم النفقة فضيقو بناءها وحسروه عن قواعد إبراهيم عليه السلام من ثلاث جوانب ودخلوا بها من جهة الشمال مقداراً معروفا اليوم بحجر إسماعيل. وظلت الكعبة على حالها الذي بنته عليها قريش حتى غلب عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على مكة فنقض الكعبة ، وبناها علي قواعد إبراهيم عليه السلام وجعل لها بابين بابا شرقياً وبابا غربياً ملصقين بالأرض لقول رسول الله (() لعائشة رضي الله عنها : ( لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم ولجعلت لها بابين بابا شرقياً وبابا غربياً ولألصقتهما بالأرض". وظلت على حالها الذي بناها عليه ابن الزبير طيلة إمارته رضي الله عنه حتى قتله الحجاج الثقفي فردوها إلي ما كانت عليه قبل ابن الزبير رضي الله عنهما. كما كانت قد بنتها قريش قبل ذلك وكما كانت عليه في عهد عبد الملك بن مروان.(1/187)
ولما كانت دولة بنى العباس وتولى الخلافة هارون الرشيد عزم أن يهدم الكعبة ويؤسسها على قواعد إبراهيم كما كان فعل عبد الله بن الزبير. فقال له الإمام مالك رحمة الله تعالى ز: يا أمير المؤمنين لا تجعل الكعبة العوبة للملوك لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها فترك ذلك الرشيد فبقيت على هذا إلي وقتنا الحاضر والله الموفق وصلي الله وسلم على نبينا محمد.
2. مواقيت الحج
ذكر الله عز وجل مواقيت الحج في قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) ومعناه أن أشهر الحج أشهر معلومات من لدن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، واستمر ذلك حتى اقر في شريعة خاتم النبيين محمد (() . وهى تبدأ من أولا ليلة من شوال باتفاق العلماء وتنتهي بأخر يوم من ذى الحجة كما هو المتبادر من ظاهر الآية لأن اقل الجمع ثلاثة. أو تنتهي بفجر يوم النحر لأنه لا يصح الإحرام بالحج بعده ولأن " الحج عرفه" كما قال (() في حديثه . وقد مضي الوقوف بها بطلوع الفجر. أو ينتهي في يوم العاشر من ذى الحجة لوقوع طواف الإفاضة به غالباً وهو من أركان الحج أو تنتهي بأخر أيام التشريق لوقوع الطواف ورمى الجمار بهذه الأيام. هذه أقوال أئمة الفقهاء\، وظاهر الآية يؤيد الأول منها كما أن هذه الآية تعتبر تفصيلاً وبيناً لقوله تعالى : _(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )وجاءت السنة العملية مبينة لهذه الآية ومقيدة لها ببعض الشهور بالنسبة للحج فليست أشهر العام كلها مواقيت للحج ، وقد جعل الله الحج مواقيت زمنية وبين العلماء هذه المواقيت فلا يصح الإحرام بالحج قبل هذه المواقيت ، كما لا يصح الإحرام به بعدها كما لا تصح صلاة الفريضة قبل وقتها المشروع لها ، وبهذا قال جماعة من العلماء. وقال الشافعي يصح الإحرام به قبله لكنه ينعقد عمرة. وقال جمهور العلماء ينعقد حجاً لأن الله قال : (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ(1/188)
وَالْحَجِّ ) غير أنه لا يكون كاملاً لمخالفته للسنة.وأياماً كان فإنه ينبغي للمسلم أن يتحرى الصواب في عبادته لربه وأن يؤديها على وجه الكمال إبراء لذمته واحتياطاً لدينه ثم حذر سبحانه حجاج بيته الحرام من الآفات التى تحبط أعمالهم فقال سبحانه : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) فمن أحرم بالحج وعقد عليه نيته فيجب عليه أن يصون لسانه لئلا يجلب عليه ما يفسد عليه حجة من الرفث ، والفسوق ، والجدال في الحج.
أما الرفث فهو الجماع ودواعيه ومنه الكلام حول الجماع ووسائله. ولهذا حرم رسول الله (() أن يعقد المحرم نكاحاً لنفسه أو لغيره فلا يتولى عقداً لنفسه ولا لغيره فهو - يعنى الحاج - يضبط شهوة فرجه طيلة أدائه للمناسك حتى تتجمع دواعى قلبه وهمته ووجدانه على هذه العبادة وتتشبع بها روحه ويجد لذتها.
وأما الفسوق فهي جميع المعاصي التى تخرج الإنسان عن حظيرة الروح ونقاوة النفس ومكارم الأخلاق إلي غير ذلك مما حرم الله جل وعلا على المسلمين عامة وعلى حجاج بيته خاصة.(1/189)
وأما الجدال في الحج فهي كلمة جامعة فيدخل فيه تحريم الجدال في وقت الحج بعد أن قضي الله على نسي الجاهلية وتغيرها مواقع الشهور ، فقال النبي (() : " أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " فعاد بذلك الحج إلي ميقاته. ويدخل فه تحريم الجدال فى موقف الحج بعد ان قال الله ذلك فى قوله () فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ) وقد أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله والوقوف انما يكون بعرفة والمزدلفة يوم التاسع من ذي الحجة ولسلة العاشر ثم المبيت بالمزدلفة ويدخل فيه ايضا تحريم الجدال فى سائر أحكام الحج وموافقة وذلك إذا جاوز الحد فى الجدل والخصومة آما ما كان من الرغبة فى معرفة الصواب والوصول الى الحق فى رعاية الأدب وحقوق الاخوة فهو من الجدال بالتى هى احسن وقد أباحه الله تعالى فى قوله : ()ِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) ولم يخص حال دون حال ومثل هذا النوع من الجدال للوصل للحق مع النية الحسنة ومراعاة الأدب وحفظ حقوق الاخوة مذل هذا الجدال واجب او مندوب .
وكما ان للأشجار والثمار آفات تقضى عليها وتعوق نموها على الصورة المطلوبة وتخيب أمال الزراع فلا يحصدون ولا يحصلون منها على الثمرة المرجوة منوراء زراعتها فيورثهم ذلك حسرة وندامى على ما فرطوا فى صياغتها ورعايتها ومقاومة افاتها ولات ساعة مندم .(1/190)
فكذلك على حجاج بيت الله الحرام ان يصونوا حجهم وسائر أعمالهم عما يشوبا ويتنقص اجرها من الرفث والفسوق والجدال بالباطل حتى يرجعوا من حجهم الى أهليهم كيوم ولدتهم أمهاتهم سعيهم شكور وذنبهم مغفور قد رض الله عنهم ورضوا عنه قال صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجة كيوم ولدته آمة " وبعد ان حذر الله عز وجل حجاج بيته عن غشيان القبيح قولا أو فعلا حثهم على لتحلى بالجميل فقال () وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب) فاخبرهم جل شانه انه ما من عمل من أعمال الخير يكسبونه آلا وقد احاط به علما وسيجزيهم عليه جزاء رب كريم لعبد خشع له قلبه واسلم له وجهه .
وقد كان جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم يحجون بغير زاد ويقولون نحن المتوكلون فامرهم الله عز وجل ان يتزودوا لحجهم لمافى …لك من صيانة ماء الوجه وكف النفس عن المسألة مع عدم تعارض ذلك مع التوكل على الله وبين لهم ان حاجتهم الىالتزود للدار الآخرة اعظم من حاجتهم للتزود لسفر الدنيا وان الزاد الذى يصحب الىالاخرة هو التقوى ، وان هذا الزاد التقوى - افضل أنواع الزاد لانه خير وابقى ولانه يجلب للعبد السعادة الأبدية لذا قال الله : () وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب)وقد حض الله بهذا الخطاب أولى الألباب لرجاحة عقولهم وصفاء قلوبهم وارواحهم من دواعي الأهواء ونزوات الشهوات التى تستهوى نفوسهم وتنكد أعمالهم وتميل بهم عن الجادة وعن الطريق المستقيم .
وقد تحرجت طائفة أخرى من الصحابة من التجارة وكسب المال فى موسم الحج واعتقدوا انهم بذلك يشابهون آهل الجاهلية وخشوا ان يؤثر هذا على حجهم او ينقص آجرهم فأنزل الله عز وجل ()لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).(1/191)
روى البخاري فى صحيحة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال :كانت عكاظ ومجنة وذى المجاز أسواق فى الجاهلية فتأثموا ان يتجروا فى الموسم فنزلت : ()لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) فى موسم الحج أباح الله فى هذه الآية للمحرم والحاج البيع الشراء وسائر أنواع الكسب الحلال .
وحث الله سبحانه وتعالى فى الآية السابقة على التزود بخير الزادين زاد الدنيا وزاد الاخرة فضلا منه ورحمة وحثهم ان يجعلوه أمامهم فى سعيهم وكسبهم والتوكل على الله والركون اليه وحده لا اله الا هو لا مانع لما اعطى ولا معطى لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير
4- الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة
قال الله تعالى () فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
أفضتم من عرفات - دفعتم مسرعين فى السير منها الى المزدلفة المشعر الحرام - المزدلفة كلها ، سمين بذلك لأنها داخل الحرم .
ويطلق المشعر الحرام ايضا على جبل موجود بالمزدلفة .
من حيث افاض الناس : المراد إبراهيم الخليل او أمام المسلمين او العرب ما عدا قريشا .
ثبت ان قريشا غيرت العمل فى مواقف الحج عما كان عليه الامر فى شريعة إبراهيم عليه السلام فمن ذلك انهم كانوا يقفون بالمزدلفة دون عرفات ويقولون نحن أهل الله فى بلده وقطان بيته الحرام وكان سائر العرب آمر الله جل شانه حجاج بيته الحرام ان يقفوا بعرفات ثم يدفعوا منها الى المزدلفة ليذكروا الله فيها عند المشعر الحرام .(1/192)
روى البخاري فى صحيحه من طريق عائشة رضى الله عنها انها قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وسائر الناس يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام آمر الله نبيه ان يأتي عرفات فيقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله : (مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) .
وفى ذلك أبطال لما كان من تغيير أهل الجاهلية وتبديلهم للمناسك وقضاء على تلاعبهم بها وافتياتههم على شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبيان من الله لعباده ان العبادات توفيقية وان الاعتماد فى اصل العمل بها ةفىى صفتها على الوحي من الله لا على آراء الناس وما تهواه نفوسهم قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) .
وفى هاتين الآيتين إثبات لاصل الوقوف بعرفة والنزول بالمزدلفة والكر بها وبيان لترتيب الوقوف بهما لكن فهما إجمال بالنسبة لزمن كل منهما وتقديره وبيان صفته وهذا هو الشأن فى القرآن ينزل الله فيه أصول الأحكام فى الإيمان والعبادات والمعاملات كقوله () وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
وقوله : () وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً ) وقوله : ()إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ).
وقوله : ()وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) وقوله : () وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).
أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ والبيان قال تعالى : () وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).(1/193)
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله زمنها وما يفعل فيها من نسك وعبادة وشرح المناسك ف خطبته فى حجة الوداع وقال لاصحابة : " خذوا عنى مناسككم " وذلك انه صلى الله عليه وسلم مكث بمبنى بعد ان صلى بها فجر اليوم التاسع حتى طلعت الشمس أمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش آلا انه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع فى الجاهلية فاجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى آتى عرفه فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس آمر بالقصواء فرحلت له فآتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : " ان دماءكم واموالكم حرام عليكم كحرمة يومكن هذا فى شهركم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا آلا كل شيء من آمر الجاهلية تحت قدمي موضوع " وذكر نصائح ووصايا كثيرة ثم اذن المؤذن ثم اقام فصلى الظهر بالناس ركعتين ثم اقام فصلى العصر ركعتين فقصرهما وجمع بينهما جمع تقديم ولم يصل بينهما شيئا من النافلة ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى آتى الموقف فوقف عند الصخرة الى جانب الجبل المعروف اليوم بجبل الرحمة ولم يصعة الجبل ولم يصل نافلة بعرفة ولم يصم يومها وقال : " وقفت هنا وعرفة كلها موقف " ثم استقبل القبلة واخذ يذكر الله تلبية وتسبيحا وتحميدا وتهليلا وتكبيرا ولم يزل على ذلك حتى غربت الشمس ولم يصل بها المغرب بل افاض الى المزدلفة واخذ بزمام راحلته فإذا وجد متسعا فى الطريق أسرع وآلا كفها عن السرعة رحمه ب\بالمسلمين وكان يشير بيده السمنى قائلا : " آيها الناس السكينة السكينة " نزل بالطريق فتوضأ وضوءا خفيفا وقيل له : الصلاة يا يا رسول الله فقال " الصلاة أمامك " واستمر فى سيرة حتى آتى بالمزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بآذان واحد واقامة لكلك منهما وقصر العشاء وجمع بينها وبين المغرب جمع تأخير ولم يصل بينهما نافلة ثم اضجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر فى اول الوقت بآذان واقامة ثم ركب(1/194)
ناقته حتى آتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا الله وكبره وهلله ووحده ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل ان تطلع الشمس حتى آتى بطن محسر فاسرع حتى جاوزه ثم تابع السير حتى آتى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصصيات بعد طلوع الشمس يكبر مع كل حصاة .
هذا بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا لما ينبغة ان يكوةن عليه الحجاج فى عرفات وفى الافاضة منها ثم فى المزدلفة وفى الافاضة منها الى منى وقد اتفق العماء على ان الوقوف بعرفة ركن من اركان الحج ولا يصح حج من تركه عمدا او نسيانا او خطأ لحديث الحج عرفي واختلفوا فى اقل ما يجزئ من الوقوف بها .
فذهب الجمهور الى انه يجزئ الوقوف بها ساعة ما بين ليل او نهار بعد الزوال من يوم عرفة وذهب طائفة من الفقهاء الى انه يجزئ الوقوف بها ساعة من نهار عرفة او من ليلة- وهو الظاهر - لحديث عروة بن مضرس الطائي قال : قلت : يا رسوب الله آتيتك من جبلي طئ اكللت مطيتى واتعبت نفسي والله ما بقى من جبل آلا وقفت عليه فهل لي من حد فقال رسول الله صلى الله عله وسلم : " من صلى الغداة ههنا ثم اقام معنا وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا او نهارا فقد تم حجة " .(1/195)
ورأت طائفة انه لا يجزئ آلا وقوف جزء من ليلة النحر واتفقوا على ان من باب بالمزدلفة ليلة النحر وجمع فيها بين المغرب والعشاء مع الإمام ووقف بعد صلاة الصبح مع الإمام الى الأسفار بعج الوقوف بعرفة فجدة تام واختلفوا فى المبيت والوقوف بعج الفجر بعد صلاة الصبح : هل هو من سنن الحج او واجباته او فرائض ومهما يكن من الخف بين الفقهاء فيما يتعلق بعرفة ومزدلفة فانه ينبغي لحاج وقد اتعب نفسه ويذل ماله وترك وطنه واهله وعمله للحج ان يؤدى حجة على الصفة التى كانت من النبي صلى الله عليه وسلم فى حجة تحقيقا لمعنى الاقتداء به عملا بقوله : " خذوا عن مناسككم " واحتياطا لصحة هذه العبادة التى هى ركن من أركان الإسلام فيجمع فى الوقوف بعرفة بين جزء من ليلة النحر وجزء من نهار عرفة بعد الزوال وليبيت بمزدلفة وليصل بها المغرب والعشاء والصبح آلا إذا كان من جنس الضعفة الذين رخص لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فىالافاضة منها الى منى بعد منتصف الليل ولا ينبغى ان يتساهل فى عبادته ويتتبع الرخص فيها وخاصة نسك الحج انه قد لا يتيسر له آلا مرة واحدة فى العمر ولا يليق ان يرجع بحج مشوة قد انتقض من أطرافه بترك سننه او واجباته طلبا للراحة باتباع السهل من أقوال العلماء دون نظر الى الأدلة الشرعية بل عليه ان يحرص على الكمال ما استطاع الى ذلك سبيلا ليكون حجة مبرورا فيغفر الله له ويرجع من حجة كيوم ولدته آمة وقد طهره الله من الذنوب والآثام .(1/196)
ثم بين الله سبحان وتعالى اختلاف أحوال الناس وتباين مقاصدهم وان سعيهم شتى فمنهم من الدنيا اكبر همه ومبلغ علمه وغاية رغبته فهو لا يعمل آلا لها حتى انه يبتغيها بعمل الآخرة ولا يلهج لسانه بدعاء ربه آلا لطلب متعها فهذا وافيه الله حظة فى الدنيا وسيلاقى سوء حسابة فى الاخرة لانحراف نيته وسوء قصده وليس له فى الاخرة من حرث ولا نصيب وذلك هو الخسران المبين قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
ومنهم من حسن قصده فاسلم وجهه لله وهو محسن فاستقامت جوارحه وعمل الأعمال الصالحة وسأل الله ان يؤتيه فى الدنيا حسنة من عافية ورزق واسع نافع وعمل صالح ولسان ثدق فى الآخرين ليكون ذلك غنى لنفسه وعصمة لها من الذل ووسيلة الى السعادة يوم لا ينفع المرء آلا ما قدمت يداه كما يضرع الى ربه ان يكرمه فى الاخرة فيثبته عند المسألة وييسر حسابه ويؤمنه من أهوال يوم القيامة يوم الفزع الأكبر وينجيه من النار وان يدخله الجنة مع الأبرار ( أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .
فيا حجاج بيت الله الحرام تذكروا وقوفكم أمام الله فى اليوم الآخر واجعلوا كل همتكم ونيتكم السعادة الأبدية يوم لقاء الله ولا تؤثروا الحياة الدنيا على الاخرة ولا تنسوا تصيبكم من الدنيا وقولوا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار يكتب الله لكم الفوز المبين ويدخلكم جنات النعيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
**************************
5- باب فى الإكثار من ذكر الله تعالى
أثناء المناسك وعدها اكثر من ذكر الآباء(1/197)
قال الله تعالى : ( )فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .
قضيتم مناسككم : انتهيتم من أداء جميع شعائر الحج وفرغتم من أعماله كلها .
ماله فى الاخرة من خلاق : ماله فيها من حظ ولا نصيب م الخير والسعادة .
الحسنة فى الدنيا كلمة جامعة تشمل كل ما ينتفع به المؤمن فى دنياه وما يكون عونا على السعادة فى أخراه فى هذا كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبه وزوجة حسنة ورزق واسع ، وعلم نافع وعمل صالح ، ومركب هين ، وثناء جميل الى غير ذلك كل هذا يندرج فى حسنة الدنيا .
آما الحسنة فىالاخرة : فاعلى ذلك دخول الجنة والنظر الى وجه الله الكريم وما يسبق ذلك من الامن من الفزع الأكبر فى العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الاخرة الصالحة .(1/198)
آما قوله تعالى : () فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) فقد روى ابن جرير وغيره عن جماعة من السلف منهم ابن عباس رضى الله عنهما : ( ان آهل الجاهلية كانوا يقفون فى المواسم فيقول الرجل منهم كان ابى يطعم الطعام ويحمل الحمالات ويحمل الديات ، ليس لهم ذكر فعال آبائهم فانزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم قوله (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) فامر سبحانه وتعالى حجاج بيته الحرام إذا فرغوا من أعمال الحج كلها ومن الوقوف بالمشاعر وطواف بالبيت ونحر للهدى ورمي للجمار وغير ذلك آمرهم ان يذكروا سبحانه ذكرا كثيرا وان يثنوا عليه بما هو آهل له كذكرهم مفاخر آبائهم وما كان منهم من النجدة والكرم ومن انهم كانوا يطعمون الطعام ويحملون الحمالات ويحملون الديات او اشد ذكرا فانه جل شانه هو آهل الثناء والمجد ، وما كان فيهم او فى آبائهم من خير فهو من الله سبحانه ومن توفيقه فهو رب الخير كله سبحانه وتعالى وتصريف شئون العباد كلها اليه وبيده ()مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سبحانه لا مانع لما اعطى ولا معطى لما منع وهو على كل شيء قدير ولما كان هو الكريم المنان وكان هو آهل المحامد والثناء كان هو أولى بالذكر والحمد والثناء والمجد كان الواجب على المؤمنين ان يذكروه وان يحمدوه وان يثنوا عليه بما هو آهل له سبحانه وكان الواجب عليهم ان يشعروا قلوبهم محبته وعظمته ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وليكون ذلك منهم امتدادا لجنة ثمار الحج وابقاء لإثارة فى القلوب واحياء لذكراه فى النفوس وليقضى به على العادات الجاهلية وما فيها من أتعالى والأنانية وإثارة الضغائن والاحقاء والعدوات وغير ذلك من مثيرات الخلاف والنزاع .(1/199)
ولا يبعد ان يقال ان الإنسان إذا سافر احسن بوحشة الغربة وضعف الوحدة فيذكر المسافر أهله ذكر حنين وحاجة الى الانس بهم وحاجة الى القوة والمنعة ، والوجود بين أظهرهم فامر الله حجاج بيته إذا هم فرغوا من حجهم وتمكن منهم الحنين الى أهليهم آمراهم سبحانه ان يذكروه ذكر انس به ولجوء الى كنفه وحماه ، ورهبة ورغبة فيما عنده اكثر من ذكرهم لآبائهم فان الانس به اعظم من كل انس وحماه احفظ من كل حمى وما عنده خير وابقى .
وقال جماعة من آهل العلم (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ) ... الآية ان المراد بالذكر الوارد هو الذكر الله بالأذكار الواردة عند كل ركن من أركان الحج كالتلبية عند الحرام والتكبير عند الرمى والتسمية عند الذبح وغير ذلك .
وقد جرت سنة الله فى تشريعة ان يأمر الناس بالذكر والاستغفار فى العبادة وبعد الفراغ منها وان يبتغوها بالذكر بالتحميد والتسبيح والتهليل والتكبير فامر جل شانه حجاج بيته الحرام فى ختام هذه الآية الأولى ان يذكروه على الصفة التى هداهم اليها فى مشاعر الحج وانزلها لهم فى كتابه وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهى التى هدى اليها من قبل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وقد كانوا قبل ذلك ضلالا فيؤدوا النسلك على وفق ما شرعه الله تعالى لهم شكرا له على نعمة البيان والهداية والإرشاد .
وقد ارمهم فى ختام الآية الثانية بالاستغفار عند الإفاضة من عرفات الى المزدلفة ومن المزدلفة الى منى وبعد الفراغ من ذلك ، وفتح باب الأمل والرجاء بقبول أعمالهم والتجاوز عن هفواتهم فهو سبحانه وتعالى واسع المغفرة .
************************
ثامنا : فتاوى الحج
ــــ
س1: سئل الشيخ : هل وجوب الحج على افور او التراخى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - الصحيح : وجوب الحج على المستطيع على الفور .
س2: سئل الشيخ : امرأة لبست القفازين فىالاحرام جهلا بالحكم ؟(1/200)
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا شيء عليها وهى معذورة بجهلها " .
س3: سئل الشيخ : رجل نسى ان يخلق رأسه ولبس المخيط ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يحلق رأسه وهو لبس المخيط لانه لبسه ناسيا فيعفى عنه كالرجل المتضمخ بالخلوق " ,
س4: سئل الشيخ : الميقات فى العمرة إذا كان سيمر به الى بلد ارخى كجدة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يحرم من الميقات ويمكث بجده ولو عشرين يوما محرما كعمل الصحابة يوم الحديبية حيث بقى الصحابة محرمين طيلة المدةالتى جرى فيها التفاوض ولاصلح لان قصدهم العمرة وإذا كان قصدةالاول زيادة أهله بجده والعمرة تبع جاز له ان يتجاوز الميقات حلالا ثم يحرم من مكانه إذا هو نوى العمرة " .
س5: سئل الشيخ : إذا اعتمر فىاشهر الحج ثم ذهب الى أمريكا ورجع قبل الحج يلزمه آم يدخل مكة محرما وتكيه العمرة السابقةوحجة تمتع ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " نعم " .
س6: سئل الشيخ : الشخص الذي له مصلحة بمكة وليس مريدتا للنسك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " له ان يدخل مكة بغير إحراما حتى ولو يوم عرفات وله ان يجاوز الميقات بغير إحرام .
س7: سئل الشيخ : حكم استعمال الصابون ذي الرائحة للمحرم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا ينبغى والاحوط ان عليه فدية " .
س8: سئل الشيخ : هل يجوز سفر المرأة بدون محرم بالطائرة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا تسافر المرآة بدون محرم ولو فى الطائرة الا انه بعض الفقهاء من الملكية والشافعية يقولون الرفقة المأمونة انها تأمن من شرهم واذا ارادها احد بسوء فهم اهل قوة وشهامة يدافعون عنها مثل ان يكون رجل وزوجته او رجل وأخته ومعهما زوجة رجل مقيم فى المكان الذى يريدون السفر اليه قد تكون رفقة مأمونة ولو وصلها احد محارمها الى المطار وانتظرها محرم لها فى المطار الآخر فإننا نكون قد آخذنا بالاحتياط اللازم فى سفر المرأة .
س9 سئل الشيخ : عن رمي الجمرات فى المرمى ؟(1/201)
فقال الشيخ - رحمه الله -" فى رمى الجمرات يكفى غلبه الظن انه أصاب المرمى ولا يشترط اليقين " .
س10: سئل الشيخ : عن المبيت بمنى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " المبيت بمنى قيل انه واجب فيلزم تاركه دم وقيل سنة فلا يلزم تاركه شيء ومن قال بالوجوب يكفيه اكثر الليلتين آما إذا بات ليلة واحدة او اقل من نصف الليلة فعليه دم " .
س11: سئل الشيخ : هل السفر بالطائرة التى لا تستغرق المسافة آلا ساعتين يعتبر فى حكم السفر القصير لانه لا يستغرق يوما وليلة والنبي صلى الله عليه وسلم أباح للمرأة السفر القصير بلا محرم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " بلى هو كذلك " .
س12: سئل الشيخ :شخص احرم لطفله من الميقات ثم لم يؤد له مناسك العمرة فلم يطف به ولم يسع ولم يحلق او يقصر وعاد الى بلده فماذا عله ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " عليه ان يعود به الى مكة فيعيد العمرة ان كانت عمرة او يعيد الحج إذا كان حجا ولا دم عليه ما دام يجهل الحكم " .
س13: سئل الشيخ : ما حكم السعي فى الحج ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " ركن " .
س14: سئل الشيخ : هل يعتبر الزحام فى الرمى فىهذا الزمن عذرا للمرأة يجوز لها ان تبيت من يرمى عنها ؟ وايهما افضل ان تنيب من يرمى عنها نهارا او ترمى هى بنفسها ليلا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " نعم " يعتبر عذرا لما فى مزاحمتها الرجال من انتهاك لحرمتها وهى مخيرة بين ان تنيب منيري عنها نهارا او ترمى هى بنفسها ليلا .
س15: سئل الشيخ : شخص جامع امرأته بعد تحلله من إحرام بالعمرة وقبل تحللها بقص شعرها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " هى تبطل عمرتها ، وعليها دم ، وان ماتت عمرة الإسلام الأولى فعليها القضاء " .
س16: سئل الشيخ : إذا ازدحم الناس فلم يقف بعضهم بعرفة او المزدلفة ؟(1/202)
فقال الشيخ - رحمه الله - " من لم يقف بمزدلفة عليه فدية ترك واجب واما من لم يقف بعرفة حتى تغرب الشمس فى حج له ولو اجتمع الناس كلهم ووقفوا بعرفة فإنها ستسعهم " .
س17: سئل الشيخ : ما حكم مكث المرأة فى بلدة ما بدون محرم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يجوز مكثها بدون محرم لان ذلك ليس سفرا اما لاسفر فلا تسافر الا مع مرحم او جمع مامون من الناس " .
س18: سئل الشيخ : امرأة أحرمت وعندها وصلت مكة حاضت ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " ان بقيت على إحرامها حتى آدت نك سها فلا شيء عليها اما إذا خرجت عن احرامها فعليها دم " .
س19: سئل الشيخ : إذا كانت عنده شاه أعدها كأضحية فمرضت هل يجوز تحويل نيته ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يصح له ذلك وهو معذور ويضحى بدلها " .
س20: سل الشيخ هل طواف الوداع للخارج من مكة عموما ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يحرم فى الحج على الصحيح ومن اهل العلم من يوجبه على كل من خرج من مكة ولكن الحديث الذي يستدل به على هذا الخطاب فيه موجه للحجاج يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا ينفرن احدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " ارم من الرسول صلى الله عليه وسلم للحجاج ان يكون آخر عهدهم بالبيت فالخطاب خطاب للحجاج وليس خطابا لسكان مكة لان سكان مكة لا ينفرون منها والخطاب لمن ينفر من مكة يعنى يرحل منها ويسافر ويخرج وهم الحجاج لهذا كان الرأي الصحيح ياجاب طواف الوداع إنما هو على الحاج وليس على كل ساكن فى مكة إذا أراد الخروج منها " .
س21: سئل الشيخ : هل يجب طوف الوداع على المعتمر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - ليس طواف الوداع بواجب على المعتمر وان طاف فهو خير ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم انه طاف الوداع لما اعتمر العمرات التى قبل حجة الوداع وانما طواف الوداع واجب فى الحج على الراى الصحيح ".
س22: سئل الشيخ : هل كثرة العمرة فى مرضان سنة او امر مستحب ؟(1/203)
فقال الشيخ - رحمه الله - " كلمة سنة او مستحب كلها قريبة من بعض وهى اصطلاحات بين الفقهاء والعمرة فى مرضان خير وان تكررت ولا حرج فى تكرارها ولم اعلم الا قليلا من العلماء هم الذين يكرهون تكرار العمرة فى السنة وليس فى مرضان وحده ومن هؤلاء المالكية يكرهون تكرار العمرة فى رمضان وفى غيره من الشهور بل وفى السنة وليس معهم دليل على هذا الرأي ".
***************
تاسعا : مباحث وفتاوى البيوع
1- بحث فى الربا
الربا بالقصر : الزيادة وهو مصدر ربا الشيء يربو إذا زاد سواء كانت زيادة الشيء فى نفسه ام بالنسبة لغيره وفى اصطلاح الفقهاء زيادة احد عوضين من جنس على الاخر اوتأخير بعضه فى عقد معاوضة على معادن او اطعمة مخصوصة بينتها السنة النبوية .(1/204)
وقد نص القرآن صريحا على تحريمة وتوعد من افتراقه بالمحق وأذانه بالحرب الا من تاب واكتفى باخذ رأس ماله فان الله يتوب عليه قال الله تعالى : ()الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) .(1/205)
وبين النبي صلى الله عليه وسلم نوعيه ربا الفضل وربا النساء وحرم كلا منهما فى كثير من الاحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تبيعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثل بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجزة " رواه البخاري ومسلم ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلا بمثل ، سواء بسواء يدابيدا فاذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " رواه احمد ومسلم أجمعت الآمة على تحريمه واشتهر ذلك بين المسلمين شهرة تغنى عن الاستدلال عليه وصار تحريمه معلوما من الدين بالضرورة فمن أنكره فهو كافر يستتاب فان تاب وآلا قتل كفرا وما وقع بين الفقهاء من اختلاف فيه فإنما هو فى التفاصيل وتطبيق النصوص على الوقائع والجزئيات .
وصرحت السنة بسته أنواع يجرى فيها الربا وهى المذكورة فى رواية احمد ومسلم السابقة فلذا لم يختلف الفقهاء وانما اختلفوا فى قياس غيرها عليها بناء على الاختلاف فىتعليل حكمها فمن قال انه غير معلل قصر تحريم الربا علىالاصناف الستة السابقة واقدم من يورىعنه ذلك قتادةوهو مذهب آهل الظاهر واختاره ابن عقيل فى آخر مصنفاته مع قوله بالقياس قال : لأن علل القياسيين فى مسألة الربا علل ضعيفة وإذا لم تظهر فيه علة امتنع القياس والذين قالوا انه معلل اختلفوا فى علته فقال عمار وآبو حنيفة : هى الكيل والوزن وهو ظاهر مذهب احمد وخصة الشافعي بالطعام وان لم يكن مكيلا ولا موزونا وهو رواية عن احمد وخصة سعيد بن المسيب بالطعام إذا كان مكيلا او موزونا وهو قول للشافعي ورواية عن احمد وخصه مالك بالقوت وما يصلحه ورجحة ابن القيم فيما ذكر فىكتابه أعلام الموقعين هذا الخلاف بينهم فى علة الربا فى البر والشعير والتمر والملح .(1/206)
والذي يعيننا هنا بيان علة الربا فى الذهب والفضة عند الجمهور القائلين بالتعليل مع الترجيح وقد ذكر ابن القيم فىاعلام الموقعين ما فيها من خلاف بين الفقهاء فقال : واما الدراهم والدنانير فقالت طائفة :العلة فيهما كونهما موزونين ها مذهب احمد فى إحدى الروايتين عنه ومذهب آبى حنيفة .
وقالت طائفة : العلة فيهما الثمينة وهذا قول مالك والشافعى واحمد فى الوراية الاخرى وهذا هو الصحيح بل الصواب فانهم اجمعوا على جواز اسلامهما فى الموزونات من النحاس والحديد ونحوهما فلو كان النحاس والحديد ونحوهما ربويين لم يجز بيعهما الى اجل بدراهم نقدا فان ما يجرى فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النساء والعلة إذا انتفضت من غير فرق مؤثر دل على بطلانها وأيضا فالتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة فهو طرد محض بخلاف التعليل بالثمينة فان الدراهم والدنانير أثمان المبيعات والثمن هو المعيار الذى به يعرف تقويم الأموال فيجب ان يكون محدودا مضبوطا لا يرتفع ولا ينخفض اذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات بل الجميع سلع وحاجة الناس الى ثمن به المبيعات حاجة ضرورية عامة وذلك لا يمكن آلا بسعر تعرف به القيمة وذلك لا يكون آلا بثمن تقوم به الأشياء ويستمر على حاله واحدة ولا يقوم هو بغيره إذا يصير سلعة يرتفع وينخفض فتفسد معاملات الناس ويقع الخلف ويشتد الضرر كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم ولو جعلت ثمنا واحدا لا يزداد ولا ينقص بل تقوم بها الأشياء ولا تقوم هى بغيرها لصلح آمر الناس فلو أبيح ربا الفضل فى الدراهم والدنانير - مثل ان يعطى صحاحا وياخذ مكسرة خفافا وياخذ ثقالا اكثر منها - لصارت متجرا او جر ذلك الى ربا النساء فيها ولابد فالاثمان لا تقصد لاعيانها بل يقصد التوصل بها الى السلع فإذا صارت فى أنفسها سلعا تقصد لاعيانها فسد آمر(1/207)
الناس وهذا معنى معقول يختص بالنقود لا يتعدى الى سائر الموزونات أ هـ .
ثم ذكر ابن القيم ان ربا الفضل حرم تحريم الذرائع وان ربا النساء حرم تحريم المقاصد فكان تحريم ربا الفضل وان كان من الكبائر اخف من تحريم ربا النساء ولذلك استثنى منه بيع المصوغ والحلية المباحين بجنسهما من الدراهم والدنانير نقدا مع التفاضل لشدة الحاجة الى استعمالها ولا يمكن تكليف كل إنسان ان يصنع لنفسه ولا يعقل إهدار الصنعة ببيعتها بجنسها من الدراهم والنانيرلا وزنا زولا يعقل إبطال هذه الصناعة ومن الحرج تكليفها المعاوضة مع اختلاف الجنس وبين ان الضرورة الاعية الى استثناء العرايا ونحوها مما رخص فه من فروع الفقه واورد اعتراضات منها انه يلزم على ذلك جواز بيع الفرع بأصله متفاضلا كالخبز بالبر فالتزم جوازه ومنها انه يلزم جواز الزيادة فى معارضة الرديئة من الفضة بالجيدة منها لتقابل الزيادة الجودة واجاب عن ذلك بالفروق بان الودة هنا طبيعية والصناعة كسبية فاورد عليه الدراهم والدنانير المضروبة مع المكسرة فاجاب بالفرق ايضا فان السكة لا تقوم فيها الصناعة للمصلحة العامة المقصودة منها وهى ان تكون معيارا للناس فلا تقابل بالزيادة فى العرف والا لفسدت المعاملة بخلاف المصوغ فان العرف جرى بتقويم زيادة الصناعة فيه وليس فى تقويمها نقض للمصلحة العامة ولا إفساد المعاملة للناس .
وقد يناقش نقد ابن القيم تعليل الربا فى النقدين بالوزن بأنه لا إجماع على جواز إسلام الذهب او الفضة فى الحديد والنحاس والرصاص ونحوها م الموزونات فانمن الحنابلة من منع من ذلك وجعلها ربويةبناء على ان العلة الوزن كما فى احدى الروايتين عن احمد آما على الرواية الأخرى وهى تعليل الربا فى النقدين بالثمينة فيجوز إسلامهما فى الحديد ونحوه من الموزونات(1/208)
وقد يناقش ايضا تعليل الربا فى النقدين بالثمينة بأنه غير منعكس فان التفاضل محرم باتفاق فى المعارضة بين أفراد الجنس الواحد من الاجناس الاربعة البر والشعير والتمر والملح وان كانت يدا بيدا وكذا النساء محرم باتفاق فى المعاوضة بينها وان اختلف الجنس ولي منها ما هو ثمن عرفا فوجد الحكم ولم توجد علة الثمينة ويمكن ان يجاب بان الحكم بتحريم الربا والحج بالجنس لا بالشخص فيصح تعليله فى كل نوع بعلة ، يعلل تحريم الربا فى النقدين بالثمينة ويعلل تحريم الربا فى الأربعة المذكورة بكونها قوتا مثلا وكل منهما علة مطردة منعكسة فيما جعلت علة فيه .
وقد يناقش التعليل بالثمينة ايضا بأنها قاصرة غير متعدية مستنبطة ليست منصوصا على عليتها ولا مجمعا عليها فلا يصح التعليل بها لعدم الفائدة ويجاب ان فائدة التعليل غير منحصرة فى التعدية فان الحكم إذا كان معقول المعنى كان ادعى الى الانقياد واسرع الى القبول وأيضا يمتنع بتقدير ظهور وصف آخر فى محل العلة القاصرة تعدية الحكم به دون ترجيحه على القاصرة الى فوائد أخرى للتعليل فصح التعليل بها .
*************************
عاشراً : فتاوى البيوع
س1: سئل الشيخ : عن حكم بيع الماء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " إذا جاز الماء بتعبه ووضعه فى قربه فله بيعه وكذلك حافر البئر له بيعه اما الماء النابع فهو غير مملوك لاحد ولا يحل بيعه كماء العيون والمطر وكذلك الكلأ إذا استنبته انسان فهو ملك له لكن الكلأ الذى نبت بنفسه فى البرية وكون الناس شركاء فى النار يفيد ان البترول داخل فى ذلك لانه قابل للاشتعال فهو ملك للناس جميعا ويتولى تنظيمة ولى الامر وهو خارج بنفسخ ولذلك يصنعون له شيء يمنعه من التفدق ولذلك لا زكاة فيه لانه ملك جميعا فهو كمال بيت المال لا زكاة فيها .
س2: سئل الشيخ : عن دفاع ريالات فى البنك واخذ شيك يرسل بالبريد ليصرف من بلد اخرى بعمله اخرى كالجنية بما يعادل قيمة الريالات المدفوعة ؟(1/209)
فقال الشيخ - رحمه الله - " فى التحويل يعتبر الشيك قبضا فيصح " .
س3: سئل الشيخ : مبادلة الريالات الورية بالريالات الحديدية مع التفاضل عشرة من تلك بتسع من هذه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " لا يجوز ، لانه فيها ربا كلها ريالات " .
س4: سئل الشيخ : ما حكم الأرباح من النبوك الربوية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " إذا وضع مال فىبنك ربوى ياخذ راس ماله وارباح ينفقها فى مصارف الصدقة ووجوه الخير " .
س5: سئل الشيخ : الشراء بالتقسيط ممن يعرض لليلعة سعرين نقدا وتقسيطا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " يجوز ان لم يتفرقوا من المجلس والا قد اتفقوا على احد الآمرين ، والشيخ ناصر يمنعه ويقول :هما بيعتين فى بيعه وليس كذلك هذا اسمه عرضان وليس بيعه .
س6: سئل الشيخ : فقد حديث لا يجوز لامرأة عطية الا بآذن زوجها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " سنده ضعيف والمرة مالكة لماله لا يحجر عليه الا إذا كان فيها سفاهة فيحجر عليها وهو صريح القرآن () فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
س7: سئل الشيخ : عن البيع فى المسجد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يصح مجرد عرض سلعة او تعاقد علىبيع او اجازة فى المسجد حتى لو كان البيع يتم خارجه .
س8:سئل الشيخ : البيع والشراء فى المقابر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " مباح " ولكن الأفضل والاولى ان نضع الامر المناسب فى المكان المناسب فالمقادير اماكن يزورها المسلم يرق فيها قلبه ويتذكر الاخرة ويحتقر امر الدنيا ".
س9: سئل الشيخ : ما حكم من يعمل حارسا او فراشا فى مؤسسة ربوية ؟(1/210)
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يجوز ان يقدم الشاي او القهوة لمن يكت بالربا ولا يجوز ان يعمل لديها اىعمل حتى ولو ادى ذلكالى ان يعمل حمالا فى السوق سواء كانت هذه المؤسسة ربوية تبعا للحكومة او للجن الانس كله سواء قال الله تعالى () وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ولاذى يحمل الورق الذي فيه الربا من مكتب إلى مكتب آخر مثل كاتب الربا وحاسبه .
س10: سئل الشيخ : إذا حولت الحكومة راتبي على بنك ربوي ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا بأس ان تستلم هذا المبلغ من البنك الربوي لأم هذا المبلغ راتب على عملك والبنك هذا عمله ولا مانع من ذلك ".
س11: سئل الشيخ : تحويل المال فى البنوك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " "تحويل المال فى البنوك بمعنى انك تدفع هنا ريالات وتستلمها دولارات او جنيهات فى مصر او امريكا فهذا جائز وهو ينزلون الشيك الذي تأخذه منزلة القبض فانت قبضت العوض عن المال الذي دفعته " .
س12: سئل الشيخ : هل دفع الرشوة جائز ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " دفع الرشوة جائز للتخلص من الضرر الذي وقع عليك ظلما او لاستخلاص حقك الذي لا تسطيع تحصيلة الا بالرشوة بشرط ان تامن من حدو ضرر اشد كان يسجنوك او يعاقبوك .
س13: سئل الشيخ : إذا قال تاجر فى مصر لشخص يعمل هنا وآنت نازل احمل لى هذا الجهاز لانك ستعفى من الجمرك لانه جهاز واحد أعطيتك مبلغا من المال مقابل حملك إياه وتسببك ى إعفائي من الجرمك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يجوز هذا ولكن يجوز ان يحمل له من باب الإحسان بدون اجر "ز
س14: سئل الشيخ : هل يجوز للمستأجر إذا خرج قبل انقضاء المدة أن يؤجر السكن لاخر ينتفع به ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " يجوزان يؤجرها لمثله بحيث لا يفسد فى الشقة ولو بأكثر وإذا اجرها لمثله لا يشترط اذن المالك ".
س15: سئل الشيخ : حكم من اقترض مبلغا من المال بالجنية المصرى على ان يرده بالريال ؟(1/211)
فقال الشيخ - رحمه الله - " " الأصل انه يرده مصريا فان لم يتكمل رده يصرفه من عمله أخرى ومعنى لم يتمكن ان العملة نقرضت او بطل التعامل بها .
س16: سئل الشيخ : رجلان وامهما فى منزل كان قد استأجره أبوهما المتوفى فاتفق أحدهما مع الآخر ان يدفع له مبلغا من المال مقابل ان يخرج من السكن ويبحث عن مسكن اخر بدون علم المالك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " إذا كان بنية خلو الرجل فى لا يجوز ،وإذا كان نظير انتفاع احد الشريكين بحصة الآخر فى الإيجار يجوز " .
س17: سئل الشيخ : إذا اختلط مال شخص بمال آخر وديعه عنده ليعمل فيه ويربح ولم يردكم الربح ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " : هذا غالط فى العمل فى مال المسلمين إذا كان يغلط فى حساب الربح ولكن إذا كان مال شخص استشمكحه واذا كان مال المسلمين اجتهد فىالتصدق به على اكثر التقديرين للربح ويكتفي لنفسه باقل تقدير " .
س18: سئل الشيخ : ما حكم السلم فى العمارات ، المأقول او صاحب العقار يصف العقار الذىسوف يبنيه ويتقاضى جزاءا من ثمن البناء ممن يريد الشراء فيه ويستعين بهذا المبلغ الذي قبضه فى بناء المبنى ثم يسلمه للمشترين حسب الاتفاق ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " يجوز هذا ولا حرج فيه وعامة بيع الشقق فى مصر كذلك ولا بأس ".
س19: سئل الشيخ : هل يجوز بيع سيارة بالتقسيط ويشترط إذا لم يسدد الأقساط واراد إعادة السيارة يقتطع جزاءا من الثمن مقابل انتفاعه باستعمال السيارة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " : ( هذا غلط يسترد مبلغة كاملا ويجوز للبائع ان يأخذ رهنا إذا تأخر المشترى باع المرهون واسترد الثمن " .
س20: سئل الشيخ : عن الشروط الجزائية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " تجوز فى حالات خاصة كعقد المقاول إذا تاخر فى تسليم الصفقة او عند التعاقد مع المدرسين او الموظفين يجوز مجاراتهم بخصم أو الغاء العقد عند المخالفات ".(1/212)
س21: سئل الشيخ : محل بيع قطع الغيار يبيع العامل فيه القطعة رخيصة لصديقة ولا يتقاضى الآجر على التكيب ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " لا يجوز الا بآذن صاحب العمل آما إذا لم يتقاضى الآجر على التركيب بعد نهاية الدوام فلاحرج ، اما اثناء الدوام فلا إذا كان متعاقدا مع صاحب العمنل على ان يركب والاجر لصاحب العمل ".
س22: سئل الشيخ : عن رجل من البدو اغتصب ابلا وعندما حضرته الوفاة أوصى ابنه ان يردها وانبه لا يعرف أصحابها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " يقوم ثمن الإبل الان آي يوم الرد لا يوم الاغتصاب ويتصدق به على الفقراء وينفقه مصالح المسلمين ".
س23: سئل الشيخ : عن المساهمات فى الشركات والبنوك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " المساهمات كلها محل ريبة لا يساهم الانسان ى اى شركة من الشركات الا على طريقة المضاربة بنسبةمن الربح " .
وموضوع المساهمات فى الشركات والبنوك سيبحث ان شاء الله فى هيئة كبار العلماء .
س24: سئل الشيخ : ما حكم مبادلة عيار 18 بذهب عيار 21 ، 24 علما بأنه قد يخلط الذهب بنحاس او فضة بنسب متفاوته فى هذه العيارات ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " ما دام يبادل بها بذهب فلابد من تساوى الوزن فمثلا عشرة جرامات من عيار 18 بمثلها عشرة جرامات من عيار 21 ولو تفاوت نسبة ما خلط به " .
س25: سئل الشيخ : بائع الجملة هل يجوز ان يبيع لبعض الناس بسعر ولبعضهم بسعر آخر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " نعم يجوز "
س26 : سئل الشيخ : بعض البنوك يعلن عن نفسه انه بنك اسلامي ولا يتعامل بالربا فهل يكفى هذا اللايداع فيه ام لابد من لابد من البحث والتأكد من صحة ذلك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " لابد من التأكد والبحث عن كون البنك لا يتعامل بالربا "
س27: سئل الشيخ : هل يجوز ترك المال فى بنك ربوي كوديعة بدون فوائد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يجوز وضع المال فى نبك يتعامل بالربا لا وديعة ولا غيرها ".(1/213)
س28: سئل الشيخ : هل يجوز بيع حق استعمال الهاتف ولاذى حصل عليه من الحكومة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يجوز ولو بما كلفه من مال لان هذا الحق ملك الدولة " .
س29: سئل الشيخ : عن حكم بيع عقود العمل ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " لا يجوز ولا يشترى عقد عمل ولو كان محتاجا ومن تركه عوضه الله " .
س30: سئل الشيخ : عم حكم التورق ( وهو شراء سلعة بالتقسيط وبيعها نقدا بأقل لغير من اشتراها منه ) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " التورق جائز "
س31: سئل الشيخ : عن حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - "إذا تعين القرآن كان واجبا عليه ولم يجز له اخذ الاجرة على واجب اما إذا لم يجب عليه بعينه تعليم القرآن فيجوز له ان يأخذ اجرة فى حدود ما يكفيه من النفقات اما إذا لم يكن محتاجا فلا يجوز اخذ الأجرة " .
س23: سئل الشيخ : بعضهم يتورع عن تجارة الذهب لكثرة المخالفات فيها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " هذا غلط بل يتاجر بالوجه الشرعي من غير ربا " .
س33: سئل الشيخ : حكم اخذ الذهب بدون دفع قيمته ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " إذا كان قيمته نقود لا يجوز اما إذا كان ذهبا مقابل برا أو قماش فيجوز الاجل " .
س34: سئل الشيخ : ( خلو الرجل ) وتقبيل المحلات ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " خلو الرجل لا يجوز وتقبيل المحلات يجوز .
س35: سئل الشيخ : ما حكم البيع والشراء من الكفار ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " " كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوى بينهم وبين المسلمين فى البيع والشراء وكان يشترى من اليهود مثل ما يشترى من المسلمين " .
س36: سئل الشيخ : عن اخذ الآجر على الطاعة ؟(1/214)
فقال الشيخ - رحمه الله - " اخذ الآجر الدنيوي على الطاعة لا يقدح فى الاخلاص ولكن ينقص الاجر ، وهذا منصوص عليه فىالجهاد إذا استعجل الغنيمة فاذا كان الدافع له علىالطاعة وهو وجه الله او الامران معا فهو مخلص اما إذا مقصده المال فقط بحيث إذا نقص منه شيء من المال يترك هذه الطاعة فلا ثواب له لكن إذا كان معذورا فى آثم عليه إذا امتنع من فعل الطاعة لانهم لم يعطوه آجرته المالية ولا يتوقف اجره الأخروي على كون اجره الدنيوي كبيرا او صغيرا بل يتوقف على مدى حاجة الناس اليه وحاجتهم الى من ينشر الخير بينهم وقوله تعالى : () لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ) الآية ... فيها عدم استواء الآجر بحسب وقت الإنفاق .
س37: سئل الشيخ : عن الشروط فى العقود كاشتراط إكمال المرأة تعليمها فى عقد الزواج واشتراط عدم التدريس دروسا خاصة بعد الدوام فى المدارس ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " هو ملزم بالوفاء لحديث " الحق الشروط وان توفوا به مت استحللتم به الفروج ما لم يطرأ ما يمنع من الوفاء بالشروط فيعذر .
واشتراط عدم التدريس خارج الدوام شرط ملزم ولو لغير طلابه سدا للذرائع وكذلك الا يعمل تاجرا مثلا بعد الدوام وطاعة ولى الامر فيما نصح بح فظا للنظام ملزمة كقوانين المرور اذ ليس فيه نص بخصوصها ولى الامر وضع جزاءات بشرط ان تكون عادية وإذا كالتعارف بعدم الجواز فعل وتقاضى على لك اجر فعلية دن فى ذمت مثل المبلغ الذي تقاضاه آما إذا كان جاهلا بالحكم فى شيء عليه وهو معذور فيما سبق " .
*********************
حادي عشر : فتاوى النكاح
س1: سئل الشيخ : هل يجوز الزواج بالكتابية ؟(1/215)
فقال الشيخ - رحمه الله - " السورة التى فيها إباحة الزواج بالكتابية هى سورة المائدة وهى نفس السورة التى فيها ان النصارى كفروا لقولهم : ()ا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم) ( إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) خلافا لعمر رضي الله عنه اذ لم يطاوعه الصحابة ".
س2: سئل الشيخ : عن الزواج من النصارى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " عند المذاهب الثلاثة يباح الزواج يباح الزواج من نساء اليهود والنصارى سواء عدلوا الى الاسوأ او الاحسن ما دامت تنتسب الى النصرانية او اليهودية " .
س3: سئل الشيخ : الذهب الذى يعطيه الزوج لامراته ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - " الذهب الذي أعطاه الزوج لامراته يكون من حقها واذا لم يكن هناك اتفاق فعليه مهر غير الذهب ويعتبر الذهب هدية " .
س4: سئل الشيخ : ما حكم الزواج بزوجه ثانية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " حكم الزواج بثانية يختلف من شخص لآخر كل إنسان أدرى بحاله " .
س5 : سئل الشيخ : رجل رضع من زوجته هل تحرم عليه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " يجوز له ذلك لأن لبنها حلال ، وله أن يتغذي عليه إلي أن يموت ولا يترتب عليه تحريم ؛ لأنه ليس في الحولين " .
س6 : سئل الشيخ : ما هي الرضعات التي تحرم الزواج ؟
فقال الشيخ رحمه الله - : " كل مصة تعتبر رضعة حتي لو كانت في مجلس واحد ، ولو مص مصة ثم إنفصل عن الثدي بسبب برغوث قرصة فهي واحدة ، ولا يشترط كون الرضعات مشبعات ومصة اللبن إذا دخلت الأمعاء فقد فتقتها " .
س7 : سئل الشيخ : امرأة رضعت مع أخت لي من الرضاعة ، ولها أخوان أكبر منها هل هم إخواني أم لا مع أن هذه الأخت رضعت من أمي ؟(1/216)
فقال الشيخ - رحمه الله - : " أختك من أمك من الرضاعة لها أخوان أو أخوات ، إن كان رضاعتهم مع أختك من الرضاعة من أمك إذا رضعوا من أمك فهم أخواتك من أمك ، ولا يحتاجون إذا كانوا رضعوا قبلها أو بعدها ، إخوانها من الرضاعة أو أخواتها من الرضاعة إذا رضع أولئك من أمك أيضاَ فهؤلاء إخوانك من أمك إذا كان الرضاعة خمس رضعات في الحولين ، وأما إذا رضعوا مع أختك من الرضاعة من إمرأة أخري ، أختك من الرضاعة رضعت من أمك ورضعت من أمرأة أخري ، فليسوا إخوانا لك من الرضاعة ولا أخوات لك من الرضاعة هم أخوات أختك من الرضاعة إن كان رضاعهم مع أختك من الرضاعة من أمرأة أخري وليسوا إخواناَ لك ولا أخوات لك من الرضاعة ، وأما إذا رضعوا من أمك أو من أختك أو من أبنتك فهم محارم لك من الرضاعة .
س8 : سئل الشيخ : إذا أسلمت فتاة في دوله كافرة وأولياؤها كافرون ، وتريد أن تتزوج من رجل مسلم فمن يكون وليها ؟
فقال الشيخ رحمه الله - : " إذا كانت الدولة كافرة ، والأولياء كفار ، والفتاة مسلمة ، وتريد أن تتزوج فوليها هو القاضي المسلم الذي يتولي عقد الزواج " .
ثاني عشر : فتاوي الطلاق
ــــــــــــــــ
س1 : سئل الشيخ : عن الرجل إذا قال لزوجته : إذا فعلت كذا فأنت علي كأمي وأختي وفعلتن هذا الشيء ناسية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : عليه كفارة يمين . أما إذا تكن ناسية فهو ظهار ؛ لأن الناس معذورون بالنسيان قال تعالي: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) .
س2 : سئل الشيخ عن كفارة الظهار ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : كفارة الظهار - إذا كان عاجزاَ عن الصيام - ثلاثون صاتعأَ من طعام ، أو يحضر ستين مسكينا ويطعمهم ، أو يذهب بهم إلي مطعم ويطلب لهم طعاما من جنس ما يأكله .
س3 : سئل الشيخ : عن أنفصال الخاطب عن مخطوبته ؟(1/217)
فقال الشيخ - رحمه الله - : إذا قدر الأنفصال بين الخاطب والمخطوبة ينظر إذا كان السبب من جهته فليس له شىء مما أعطاه ، ولو كان لعيب فيها ظهر له . أما إذا كان من جهتها هي فيرجع ويأخذ ما أعطاها .
س4 : سئل الشيخ : عن أمرأة زوجها تارك للصلاة وشارب للخمر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لها أن تطلب الطلاق ؛ لآن ترك الصصلاة ولو كسلاََ كفر علي الصحيح والسكير قد يقتلها أو يقتل ولدها .
أما بالنسبة للمهر فإن كانت هي طالبة للطلاق وأعتبره القاضي خلعاَ فإنها تفتدي نفسها بمبلغ من المال تدفعه له ، وإذا ألزمه القاضي بتطليقها أخذت مهرها كاملا وعليه النفقة والسكنة مدة العدة ، والحضانة حق لها أن تحتضن ولدها سبع سنين وقد تصل إلي تسع إذا رأي القاضي ذلك .َ
*****************
ثانياَ
مباحث في
القرأن الكريم وتفسيره
ــــــــــــــــــ
1- مبحث في القرآن الكريم وكيف نقل إلينا
أولا : القرآن ولم سمي قرآناَ ، وكيف نقل إلينا .
القرآن في الأصل مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا ، ومعناه في اللغه الجمع والضم . قال تعالي : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقرآنه آى قراءته ()فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي جمعناه لك في صدرك ، فأتبع ذلك الذيى جمع تلاوة وبلاغاَ وعملا ، وقد صار علماَ بالغلبة علي الكتاب العزيز في عرف علماء الشرع ، ويعرف بأنه كلام الله الذي أنزله علي محمد ( ليتعبد الناس بتلاوته وبأحكامه وليكون أية له علي رسالته ، تحدي به قومه . وطالبهم أن يأتوا بمثله ، فإذا عجزوا دل ذلك علي صدقه فيما أدعاه من الرساله .(1/218)
وسمي قرأنا لجمعه ما تحتاج إليه الأمه في سعادتها وصلاحها عاجلاَ وآجلا من عقائد وعبادات وأخلاق ونظم المعاملات قال تعالي : ()ِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْء) وقال : () وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) ولما فيه من الجمع بين السور والآيات .
وعلي هذا لا تسمي الأحاديث النبوية قرآنا لأن ألفاظها من تالرسول وإن كان معناها وحياَ . ولا تسمي الحديث القدسي قرآناَ لأنه ليس مما يتعبد بتلاوته ولا هو آية تحدي بها الرسول أمته .(1/219)
القراءة المتواترة ما وافقت العربية ورسم المصاحف العثمانية وتواتر نقلها . والقراءة الشاذة ما نقلت احاد على انها قرآن وقييل فيها انها ما وراء السبعة وقيل ما وراء العشرة كقراءة ابن مسعود ( فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام) وقراءته ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) وقد اختل فى القراءة الشاذة هل تسمى قراآنا ام لا ؟ والجمهور على انها ليست بقرآن لعدم تواترها ثم اختلفوا فى الاحتجاج بها فقيل انها حجة تثبت بها الاحكام فانها ان كانت قرآنا فلا اشكال فيها يمنع من كونها وحسا فاذا رويت من طريق صحيح كانت حجة كسائر الاحاديث الثابتة وبذلك وجب التتابع فى صيام كفارة اليمين وقيل ليسن بحجة وبيانه ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان واجبا عليه ان يعلم القرآن من أمتة جماعه تقوم بهم الحجة القاطعة لبلوغهم عدد التواتر واذا كان كذلك لم يتصور منهم التواطؤ على عدم نقل ما سمعوه من القرآن وعلى هذا فمن انفرد بقراءة فان نقلها على انها قرآن فهو مخطئ والا فهى اما مذهب فهمه من القرآن او خبر احاد ومع التردد بينهما لا يصح الاحتجاج واجيب عن ذلك بتسليم تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام من امته جماعة تقوم بهم الحجة ولا تتواطأ على ترك ما سمعت لكن يكفى فى عدم تواطئها على الترك نقل البعض وان كان احادا فيكون ذلك قرآنا وعلى تقدير ان ناقلة لم يسمعه قراآنا فهو كحديث نبوي او قدسي فكان حجة تثبت بها الاحكام لانه خبر ةع عن المعصوم .(1/220)
انزل الله القرآن وجعله خاتم الكتب المساوية كما جعل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء وجعل اليه بيان القرآن وتفصيل آياته وأحكامه بقوله وعمله وسيرته قال تعالى : () وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ووعد سبحانه الأمة بحفظ كتابه وتكفل لها ببقاء دينه لتقوم بها لحجة دائما وتسقط المعاذير جيث لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ولا تشريع بعد تشريعه حتى يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى : ()إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فقيض سبحانه لهذا الكتاب المبين من يحفظه من الزيادة فيه او النقص منه ومن التقديم والتاخير فى اياته او كلماته وتحريف الفاظة او معانيه بسوء فهمها وبيانها بغير ما قصد منها واريد بها من التأويلات الباطلة والاراء الزائفة قصدا او غير قصد فما من عصر من العصور الا وفيه من أئمة الدين وأهل البصيرة فيه من يينفى عن كتاب الله ويدفع عن سنة رسوله صلى الله عليه وسشلم ما كاد به اعداء الاسلام لهذا الدين الحنيف من تأويلات ادخلوا من تأويلات ادخلوا بها الريب والشكوك على من يستهويهم زخرف القول ومن شبهات موهوبها على ضعفاء العقول انجازا من الله لوعيده فى كتابه وتصديقا لقول نبيه صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من امتى قائمة على الحق ظاهرة .. " الحديث وابقاء للحجة على الخلق وحفظا لهذا النور وهذه الهداية رحمة بالعباد .
نقل القرآن تواترا ووصوله الينا حفظا وكتابة
2- وصوله الينا تواترا بطريق الحفظ(1/221)
كلف الله سبحانه النبى صلى الله عليه وسلم باداء ما حمله من الآيات والوحى فبلغ رسالة ربه امتثالا لقوله تعالى : ()يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )وقد نصح للامة وبين لها غاية البيان فكان يعلم اصحابه ما نزل عليه من القرآن تلاوة له وحفظا ودراسة لمعانيه وكان ياخذهم بالعمل بما فيه وبذلك جمع الله لهم بين حفظ أصل الدين وفهم نصوصه وسلامة العقيدة وحسن السيرة كما قال ابو عبد الرحمن السلمى حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما انهم كانوا اذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل قال فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا .(1/222)
وكثر حفظه القرآن من الصحابة من المهاجرين والانصار الرجال منهم والنساء فمن المهاجرين من الخلفاء الراشدين وحفصة وام سلمة وغيرهم من الأنصار معاذ ابن جبل وابى كعب وابو زيد قيس بن السكت الخزرجى وزيد بن ثابت وغير هؤلاء كثير كالذين قتلوا ببئر معونة وكانوا زهاء سبعين رجلا كالقراء الذين استحر بهم القتل فى موقعة اليمامة وغيرها وكان بعض هؤلاء قد اخذ القرآن منالنبى صلى الله عليه وسلم مباشرة غضا طريا وحفظه فى حياته وبعضهم اخذ بعضه عن النبي صلى الله عليه وسلم واخذ بقيته من اخوانه الصحابة رضوان الله عليهم اجميعن مع التفاوت بينهم فى ذلك والاحاديث الصحيحة فى حفظ من ذكر وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم مستفيضه كحديث " خذو القرآن من اربعة : عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وابى بن كعب " ثم قاموت بواجب البلاغ وعنوا بتبليغ من ادركهم من التابعين كتاب الله قراءة وبيانا وقد تقدم ذلك عن ابى عبد الرحمن السلمى وقال مجاهد : عرضت المصحف على انب عباس رضى الله عنهما من فاتحته الى خاتمته واوقفه عند كل آية واسأله عنها فحفظ التابعون رضى الله عنهم القرآن وفهموه ممن سبقهم وساعدهم على ذلك ما قام به ابو بكر ثم عثمان رضى الله عنه من جمع المصحف على ما سيجئ بيانه وهكذا استمر حفظ أهل كل عصر لكتاب الله واشتدت عناية المسلمين به حتى حفظه الصبيان فى الكتاتيب . وفى الوقت الحاضر مع بعد العهد بين نزول القرآن لو اراد احد ان يجمع القرآن من الصدور من دون اعتماد على المصاحف لوجد فى كل دولة من الدول الإسلامية جماعه كثيرة تمليه من حفظها دون رجوع الى المكتوب لديها والحاضر شاهد عيان بذلك لمن انصف ولو لم سكن سوى ذلك فى نقل القرآن لكان كافيا فى ثبوت التواتر فكيف وقد نقل الينا متواترا ايض…ا بطريق الكتابة واليك بيانه :
3- وصوله الينا متواترا بطريق الكتابة(1/223)
كما عنى النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ القرآن بالمشافهة وضبطه بالتلاوة والدراسة عنى بتبليغه بالكتابة ايضا فكان كلما نزل عليه الوحي بالقرآن دعا كتابه واملى واملى عليه ما انزل فكتبه فى الصحاف والاكتاف ونحوها مما كان يستعمل للكتابة فى عهدهم ثبت انه لما نزل عليه قوله تعالى ( )لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) قال التبي صلى الله عليه وسلم للبراء : " ادع لي زيدا يجئ باللوح والدواة والكتف " .. الخ رواه اصحاب السنن ولم تكن الكتابة وقفا على زيد بن ثابت بل كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب منهم فى الجملة الخلفاء الراشدون والزبير بن العوام وخالد بن سعيد العاص واخوه ابان وحنظلة بن الربيع الاسدى ومعيقيب ابن ابى فاطمة ، وعبد الله بن الارقم الزهرى ، وشرحبيل بن حسنة ، وعبد الله بن رواحه ، وعبد الله بن سعد بن ابى السرح ، وكل هؤلاء من قريش اسلموا قبل الفتح وكتبوا له الوحى وكتب له بالمدينة ابى بن كعب ، وزيد بن ثابت ، الا ان زيدا كان اكثر الصحابة كتابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك اشتهر ومن اجله اختاره ابو بكر وعمر لجمع القرآن ورضية المسلمون فقام بذلك خير قيام مع الاستعانة باخوانه من الصحابة رضى الله عليهم كما هو واضح فى بحث جمع القرآن .
جمع القرآن
4- جمعه فى عهد ابو بكر
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ فى صدور اصحابه ومكتوب فى اللخاف والاكتاف ونحوهما ولم يكن جمعه على هيئة كتاب واحد حيث لمتدع الحاجة الى ذلك لوجود صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم وتوجههم اليه فى كل ما اختلفوا فيه وتوفر هممهم على حفظه وغير ذلك مما يساعد على صيانته من التحريف والامن عليه من الضياع .(1/224)
فلما كان عهد ابى بكر واشتدت الفتنة وكانت حروب الردة وقتل كثير من القراء فى موقعة اليمامة اشار عمر بن الخطاب على ابى بكر رضى الله عنهما يجمع القرآن وبعد نقاش اقتنع ابو بكر بما اشار به عمر وفارسل الى زيد بن ثابت وعرض عليه جمع القرآن وراجعه فى ذلك حتى شرح الله صدره لما شرح له صدر ابى بكر رضى الله عنهم روى البخاري وغيره ان زيد بن ثابت قال : ارسل الى ابو بكر مقتل اهل اليمامة فاذا عمر بن الخطاب عنده فقال ابو بكر : ان عمر بن الخطاب اتاني فقال ان القتل قد استحر بقراء القرآن واني اخشى ان يستحر القرآن فقلت لعمر : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر راجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك . ورايت فى ذلك الذي رأى عمر قال زيد : قال ابو بكر انك رجل شاب عاقل لانتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه والله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان على اثقل ممما امراني به من جمع القرآن قلت : كيف تفلعون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هو والله خير فلم يزل ابو بكر يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر ابة بكر وعمر رضى الله عنهما فتتبعت القرآن من العصبن واللخاف وصدور الرجال ووجدت أخر سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت الانصارى لم اجدها مع غيره : ()لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند ابى بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر وبهذا يتبين فضل ابى بكر وعمر وزيد ومن اعانهم على جمع القرآن رضى الله عنهم فانهم بذلك قد حفظوا لنا اصل الدين كما حفظوه بالجهاد فى سبيل الله .(1/225)
وفى قراءة الكثير من لاصحابة له بعد جمعه علىالنحو الذي جمعه علبه زيد ومن اعانه تقرير لجمع والاجماع على صحته ومن قرأ بقراءة اخرى فانما اختار لنفسه حرفت من الحروف السبعه التى بها نزل القرآن من غير ان ينكر على مبدأ الجمع او ما جمع .
5- جمع عثمان القرآن وكتابه المصاحف وإرسالها الى الامصار
ثبت ان القرآت انزل على سبعة احرف بدليل ما روي ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى عله وسلم قال : : " اقرأنى جبريل القرآن على حرف فراجعه فلم أزل استزه ويزيدني حتى الىسبعة احرف " رواه البخاري واذن صلى الله عليه وسلم لكل من اصحابه ان يقرأ بما اخذ عنه من تلك الاحرف تيسيرا لهم وتخفيفا عنهم ولم يكن بينهم من الاختلاف ما يدعوا الى المنع من ذلك لقتله واجتماع الصحابة وقلة عددهم بالنسبة لم بعدهم ولوجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم ورجوعهم اليه فما اختلفوا فيه ولم تدع فى عهد ابى بكر وعمر ايضا لاكثر من جمع القرآن من غير ترتيب السور ولا الى الزام الناس ان يقرأوا بحرف واحد من السبعة ولما انتهت الخلافة الى عثمان رضى الله عنه وكثر المسلمون وانتشروا فىا لبلاد وكانت موقعه ارمينية واذربيجان ظهر لحذيفة بن اليمان كثرة اختلافهم فى القراءة ففزع من ذلك وارسل الى عثمان رضى الله عنه يشير عله ان يحفظ كتاب الله بما يراه قبل ان يختلف المسلمون فيه كما اختلف اليهود والنصارى فى كتابهم فقام رضى الله عنه بذلك خير مقام على النحو المذكور فيما رواه البخاري من حديث " ان حذيفة رضى الله عنه قدم على عثمان وكان يغازى اهل الشام فى فتح ارمينية واذربيجان مع اهل العراق فافزع حذيفة اختلافهم فى القرآن فقال حذيفة لعثمان : يا امير المؤمنين ادرك هذه الامة قبل ان يختلفوا فى الكتاب كاختلاف اليهود والنصارى فارسل عثمان الى حفصة ان ارسلى الينا بالصحف ننسخها فى المصاحف ثم نردها اليك فارسلت بها حفصه الى عثمان فامر زيد بن ثابت ، وعبد الله ابن(1/226)
المزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : اذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت فى كل شيء من القرآن رد عثمان الصحف الى حفصة ، وارسل الى كل افق بمصحف مما نسخوا وامر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة او مصحف ان يحرق " .
قالا ابن شهاب : واخبرنى خارجه بن زيد بن ثابت انه سمع زي بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتماسناها فوجدنا مع خزيمة بن ثابت الانصارى : ()مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) " فالحقناها فى سورتها فى المصحف ".(1/227)
ولا ضير على عثمان رضى الله عنه فى أن يلزم الناس بقراءة القرآن على حرف واحد وترك سائر الاحرف السبعة التى اقرأهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامرهم بقراءتها وقد اوضح ابن جرير هذا بقوله : ان امره اياهم لم يكن امر اجاب وفرض وانما كان امر اباحة ورخصة لان القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب ان يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من تقوم بنقله الحجة ويقطع خبره العذر ويزيل الشك من قراءة الامة وفى تركهم نقل ذلك كذلك اوضح الدليل على انهم كانوا فى القراءة بها مخيرين بعد ان يكون فى نقله القرآن من الامة من تجب بنقله الحجة ببعض الاحرف السبعة واذا كان ذلك كذلك لم يكن القيام بتركهم نقل جميع القراءات السبع تاركين ما يكون يجب عليهم نقله بل كان الواجب عليهم من العقل ما فعلوا اذا كان الذي فعلوا من ذلك كان هو النظر للاسلام وهله فكان القيام بفعل الواجب عليهم بهم اولى من فعل مالو فعلوه كانوا الى الجناية على الاسلام واهله واقرب منهم الى السلامة من ذلك فاما ما كان من اختلاف القراءة فى رفع حرف ، وجره ونصبه ، وتسكين حرف ، وتحريكه ونقل حرف الى اخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " امرت أن أقرأ القرآن على سبعة احرف " بمعزل لانه معلوم انه لا حرف من حروف القرآن مما اختلف القراءة فى قراءته بهذا المعنى يوجب المراء به كفر المماري به فى قول احد من علماء الأمة وقد اوجب عليه الصلاة والسلام بالمراء الكفر من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون اليه وتظاهرت عنه بذلك الرواية .
6- فضل كلام الله وفضل تلاوته .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ...(1/228)
فإن فضل كلام الله على كلام البشر كفضل الله على عباده وان افضل ذكر يذكر به الانسان هو كتاب الله يتلوه العبد خاشعا ضارعا متدبرا لمعاينة مرتلا لالفاظه جالسا جلسة أدب لانه انما يناجى ربه ويذكره بكلامه وزهو افضل الكلام كما انه سبحانه وتعالى افضل واعظم من كل شيء ولا يشبهه شيء .
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم فضيلة القرآن وفضيلة من يقرأه وقسم الناس فى قراءته الى قسمين :
القسم الأول ": من وجود القرآن واحسن تلاوته ومرن فى تلاوته فهذ…ا جعله النبى صلى الله عليه وسلم فى صفوف الملائكة البررة .
القسم الثاني : وهو صنف لم يلن لسانه بتلاوة ةالقرآن والقرآن عليه ثقيل وهو يتعتع فيه وسجاهد نفسه ليكون من المرتلين له وهو شاق عليه ينطق به يصعبوونه فهذا له اجران اجر عهلى التلاوة واجر على مجاهدته لنفسه وفى هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الماهر بالقرآن مع السفرة والكرام البررة والذي يقرأه ويتعتع فيه وهو عليه شاق له اجران "
فبين النبي صلى الله عليه وسلم اذا كان من احد هذين الصنفين وان كان اجر احدهم يربو على الأخر ولكل واحد منهم منزلة تناسبه ولا يحرم احد الثواب من عند الله ما ابتغى وجه الله بتلاوته والانسان فى تلاوته القرآن وتعلمه للعلوم من اى نوع يشبه الولد الصغير يبدأ رضيعا ولا يقوى على الطعام العادى ن ثم يبدأ يحاكى الناس فى الحديث ويكون الحديث عليه صعب والكلام عليه ولا يزال يحاكى الناس فى حديثهم حتى يصير بإذن الله خطيبا او محاضرا او عالما كبير على لسانه الكلام ويخف على فكره ما يريد ان يتكلم به او يستنبطه بتفكيره من كتاب الله او حديث رسول الله صلى الله عليه وسلن او غير ذلك مما يقرأه او يسمعه او يراه من السنن الكونية التى اودعها الله فى هذا الكون .(1/229)
فكذلك الانسان لا يحقر نفسه فى تلاوته القرآن فانه مهما كان حاله فى صعوبة التلاوة عليه ابتداء فهو بالمران ، وبالمداومة ، والاستمرار ومحاكاته لمن يحسنون التلاوة سيصير ان شاء الله مرتلا لكتاب الله خير ترتيل والامر يحتاج الى الوقت ومثابرة ومجاهدة للنفس .
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ان القرآن قد يذهب عن فكر الانسان وتغيب بعض آياته عن الذاكرة اذا الانسان تواني فى قراءته او مراجعته لبعض الوقت ولهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين ان بتعهدوا القرآن بالتلاوة خشية ان يتفلت من قلوبهم وان ينسوه فقال صلى الله عليه وسلم : : تعاهدوا القرآن فوالذى نفسي بيده لهو اشد تفصيا من قلوب الرجال من الابل من عقالها " .
فالابل اذا كانت فىعقولها كل منها فى عقال فانها تحاول التخلص والتحرر من هذه العقول والقيود= كذلك القرآن اذا اهمل الانسان تلاوته وفترت همته عن مراجعته ذهب عنه وغاب عن فكره فلا يقرأ الا وتجده يخطئ فى القراءة فحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على تعهده حتى نكون على ذكر من كتاب الله سبحانه وتعالى والناس اذا كانوا يعشقون شعر احد من الناس فانهم يضبطونه ويحفظونه وكذلك هم يضبطون النظريات الهندسية والاصول الصحية ويضبطون الكلمات الفقهية والسنن الكونية والظواهر الجوية وأسباب ذلك كله ، يضبطون هذا وغيره ليتكسبوا به مالا او منصبا او غير ذلك من الاغراض فاذا كانت لهم هذه الهمة وبذل الجهد فى تحصيل وتأصيل هذه العلوم وغيرها فكتاب الله أولى بالاجتهاد وبذل الوقت ، فان ما يناله الانسان من وراء اجادته لكتاب الله ارفع وانفع واعظم لمكانه المسلم ودرجته عند الله فى الأخرة وليعلم المسلم ان القرآن هو اعظم الزاد الذي يتزود المسلم ليوم القيامة ,.(1/230)
ان الاعتناء بكتاب الله تلاوة ، وحفظا ، وتدبرا لمعانى آياته ووقوفا على طريقة تلاوته تلاوة صحيحة والنطق به على مقتضى القواعد والضوابط التى نقلها لنا القراء والمحفطون لكتاب الله من الادغام والغنة والمد والاظهار وغيره الاعتناء بكتاب الله على هذا النحو هو من اعظم القربات وهذا كله مع الاخلاص لله سبحانه وتعالى فى العمل فاذا اضاف المسلم الى الاعتناؤ بتلاوة القرآن باخلاص إذا أضاف الى ذلك العمل باقرآن والسير على منهجه والتخلق باخلاقه كان ذلك ارفع ل\درجته واعظم لثوابه واجره .
وليعلم ام من امور التلاوة ما لا يمكن فهمه او العكل به الا عن طريق التلقي والمحاكاة للقراء المتقنين الضابطين لكتاب الله الذين نقلوه لنا خلفا عن سلف تلقوه حفظا وتلقوه ضبطا لاحكام تلاوته وفق الله الجميع ملا يحب ويرضى.
7- التكبير عقب قصار المفصل
قد اختلف العلماء فى بعض المسائل المتعلقة بالتلاوة منها مسألة التكبير عقب قصار المفصل من سورة الضحى الى نهاية القرآن الى سورة الناس فمنهم من رأى التكبير واقتصر على كلمة الله اكبر بعد قراءة كل سورة من (الضحى ) الى اخر القرآن ومنهم من رأى ان يقول ان الله اكبر لا إله الا الله والله اكبر واقتصر على هذا ومنهم من زاد ولله الحمد .(1/231)
وهؤلاء الذين رأور جواز التكبير استندوا إلي آثار وردت في جوزاه عن القراء ، قراء السلف. ومنهم من استند إلي الحديث المرفوع الذي ورد من طريق أحمد البزى بسنده إلي النبى (() . لكن أحمد البزي وإن كان ثبتا في القراءة إلا أنه في الحديث ضعيف ، فأبو حاتم قد ضعفه وقال لا أحدث عنه ، وكذلك ضعفه أبو جعفر العقيلي وقال هو منكر الحديث . من أجل هذا لم يكبر جماعة من العلماء عند الانتهاء من قراءة فصار المفصل ، لكن جرى العلم عند جماهير القراء على التكبير .ولما بلغ هذا الإمام الشافعي ارتضاه ، وحصصه وهذا شجع كثيراً من القراء على أن يكبروا عقب هذه السور ، وقد ذكر هذا المعنى ابن كثير في تفسيره وأقصد بابن كثير أبا الفداء المفسر المتوفى سنة 774 هـ ولست أقصد ابن كثير القارئ. فإن ابن كثير المفسر هذا متأخر. أما ابن كثير القارئ فهذا قديم متقدم ليس بينه وبين رسول الله (() إلا شخصان فقط.
نرجع إلي ما كنا بصدد الكلام عليه وهو أن من أراد المزيد من الكلام على مسألة التكبير فليرجع إلي تفسير ابن كثير عند أول تفسير سورة الضحى. وليرجع أيضاً إلي كتاب الإتقان في علوم القرآن. وكذلك كتاب الاستذكار لابن عبد البر. وغير ذلك من كتب المؤلفة في علوم القرآن.
8. الاجتماع والدعاء عند ختم القرآن
لم يعرف عن النبي (() أنه كان إذا ختم القرآن نصب مجلساً وجمع فيه أهله أو بعضهم ودعا. إنما عرف هذا عن أنس بن مالك وبعض الصحابة الآخرين كابن عباس . فكان أنس رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا الله سبحانه بما هم في حاجة إليه.(1/232)
وكذلك روى عن ابن عباس أنه كان إذا علم أن أحداً من عباد وقراء الصحابة أوشك على ختم القرآن أرسل إلي بعض الناس من أصحابه وقال لهم إن فلاناً سوف ينتهي من ختم القرآن هذا اليوم أو هذه الليلة فلنأته ، فيأتونه ويجتمعون عنده ويدعون الله سبحانه وتعالى بما يتيسر من الدعاء بما فيه خير الدنيا والآخرة من غير أن يتكلفوا دعاء معيناً لذلك. وإنما يدعو كل إنسان بما يحتاج فهذا يدعو بالذرية الصالحة ، وهذا يدعو بالغنى ، وهذا يدعو بالشفاء، وهذا يدعو على ظالم قد تسلط عليه أو تسبب له في ضرر وأذى لحق به أو بأحد من أهله وأحبابه وهكذا. ومن هذا المفهوم تجد أن الأدعية التى نقلت عن الصحابة أو عن العلماء مختلفة وليست على صفة ولفظ واحد لأن الحاجات ليست واحدة.
وكان بعضهم يتوسل إلي الله بتلاوته لكلامه وكتابه الذي هو القرآن ، وهذا التلاوة من العمل الصالح الذي يجوز التوسل به. وربما توسلوا أيضاً بأسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته وهو توسل مشروع أيضاً والإخلاص لله في كل عمل تلاوة أو دعاء أو غير ذلك هو الأصل الذي تقبل به الأعمال وتجاب به الدعوات.وأسأل الله لى ولكم التوفيق لما يحب ويرضي وصلى الله وسلم عل عبده ورسوله محمد.
9. حكم القراءة بالأحرف السبعة
…وسئل الشيخ رحمه الله تعالى عن : حكم القراءة بالأحرف السبعة في الصلاة وفي غيرها ؟(1/233)
فأجاب بقول : أراد أبو بكر بن مجاهد أن يجمع المشهور من قراءات قراء العراقيين الحرمين والشام ، لأنهم الذين عنوا أكثر من غيرهم بنصوص الشريعة حفظاً لها وفهماً لفقهها وإعداد الوسائل التى يتوقف فهمها عليها ، فجمع على رأس المائة الثالثة ببغداد قراءات سبعة من أئمة القراءة المشهورين بهذه الأمصار ، ليوافق عدد الحروف التى في حديث " أنزل القرآن على سبعة أحرف" ، وكان أول من جمع قراءة هؤلاء ولم يعتقد هو ولا غيره أن هذه القراءات هي الأحرف السبعة ، ولا منع أحد آنذاك القراءة بغير قراءاتهم : بل قال بعض أئمة القراء : لولا أن ابن مجاهد سبقني إلي حمزة لجعلت مكانة يعقوب الحضرمى إمام جامع البصرة وإمام قرائها في زمانه في رأس المائتين ، بل يجوز لمن ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة الزيات ،أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمى ، ونحوهما كما ثبتت لديه قراءة حمزة أن يقرأ بها بلا نزاع من العلماء المعتبرين بل أكثر العلماء الذين أدركوا قراءة حمزة كأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة كانوا يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع ونحوه من أهل البصرة على قراءة حمزة ، وكان الأئمة من قراء العراق الذين ثبت لديهم قراءة العشرة ، يجمعون ذلك في الكتب تأليفاً ، ويقرءون بأيها في الصلاة وفي غيرها ، وهذا متفق عليه بين العلماء ، وإنما ينكر عل من قرأ بقراءة لم يثبت عنده ، ولم يكن عالماً بها ، فإن القراءة سنة متبعة ، فمن علم شيئاً قرأ به ، وليس لأحد أن ينكر عليه ذلك ، ومن جهل منها شيئاً حرم عليه القراءة به سواء كان من القراءات السبعة أو غيرها.
2. إن الأحرف السبعة لا تناقص بل تتحد في أصل معناها أحياناً، وتختلف اختلاف تنوع أحياناً لا اختلاف تضاد ، فتقيد كل آية حكماً ، وتكون كل قراءة بالنسبة للأخرى كالآية بالنسبة لأية أخرى ، والجميع حق فيما أفاد مكن الأحكام لا يجوز لأحد أن ينكره أو يترك العمل به.(1/234)
3. مصحف عثمان رضي الله عنه هو أحد الأحرف السبعة ، وهو موافق للعرضة الأخيرة ، وقال طوائف من القراء والفقهاء ، وعلماء الكلام إن مصحف عمان مشتمل على الأحرف السبعة ، إذا لا يجوز أن تهمل الأمة نقل شيء من هذه الأحرف ، وحيث اتفقوا في خلافة عثمان على نقل هذا المصحف دون سواه دل ذلك علي أنه مشتمل على الحرف السبعة ، وأيضاً لو كانت خارجة عن رسم المصحف لنهى عن القراءة بها ، لكن لم بنه عن القراءة بأي حرف منها ، فكان داخلاً في رسم المصحف ، وأجيب عن ذلك بما ذكره ابن جرير في مقدمة تفسيره من أنه ليس من الواجب نقل كل حرف من الأحرف السبعة ، بل يكفي حفظ القرآن في حرف منها ، وقد اختير الحرف الموافق للعرضة الأخيرة ، ولم تكن القراءة بالأحرف السبعة واجبة على كل واحد من الأمة ، ولا علي كل الأمة بحيث لا يفوتها في جملتها حرف منها ، فإن القراءات نزلت رخصة لهم ، وتسهيلاً عليهم ، فلما سهلت عليهم القراءة بحرف واحد اتفقوا على حرف منها دفعاً لخطر الفرقة.
4. ترتيب السور لم يكن واجباً عليهم منصوصاً ، بل كان باجتهاد الصحابة ، بخلاف ترتيب الآيات في السور ، فإنه توقيفي.
5. أمثلة للقراءات :
أ ) (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى))
ب ) ( إن كانت إلا رقبة واحدة فصيام ثلاثة أيام متتابعات ).
وهما عن ابن مسعود رضي الله عنه.
6. الخلاف في القراءة بما خرج عن رسم المصحف العثمانى :
روى عن كل من مالك وأحمد رويتان :
جواز القراءة بها في الصلاة وغيرها ، لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرءون بها في الصلاة.(1/235)
والرواية الثانية : المنع لأنها ليست من الحروف السبعة ، لأنها لم تثبت متواترة ، وبتقدير ثبوتها فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة ، التى روجعت في مصحف عثمان رضي الله عنه ، ونقل عن أبي البركات ابن تيمية المنعم من القراءة بها في القراءة الواجبة والجواز في غير الواجبة ، وبذلك تعرف الرد على من يدعى الاتفاق علي المنع من القراءة بما خرج عن رسم المصحف.
قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني : يجب القطع بنفي قرآنية ما لم يثبت من القراءات أنه من الأحرف السبعة ، وجمهور العلماء على أنه لا يجب القطع بالنفي ، ولذلك جوازوا القراءة بها في الصلاة مطلقاً أو في غير الواجب ، ولم يكفر من أثبت البسملة قرأناً بين كل سورتين للفصل ، وعلى أنها آية أو بعض آية من كل سورة.
أبواب التفسير
1. تفسير مختصر لسورة الفاتحة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
هذه السورة تسمي سورة الفاتحة ، وتسمى أم القرآن ، وهي مجملة فصلت القرآن كله ، تستمل على تبيين الأسماء والصفات في الآيات الأولى ، وتشتمل على تبيين العبادة في قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) وعلى الدعاء الذي في ختام السورة ، وتشتمل على الولاء والبراء في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
وهي علي قصرها تشمل المطالب التى جاء القرآن بتفسيرها مما ذكرت من الأنواع الثلاثة.(1/236)
ففي مطلع هذه السورة يعلمنا الله جل شأنه كيف نحمده. ونثني عليه الثناء كله فقال سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
ثم علمنا كيف نمجده بقوله سبحانه (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ).
ثم علمنا أن نخصه بالعبادة لا نصرف منها شيئاً إلي غيره سبحانه فنعبده بما شرع ، كما شرع ، ونخلص له في ذلك كما أمرنا سبحانه بقوله (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)
وقال سبحانه معلماً لنا أن نقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) بمعنى أن لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.
ثم علمنا كيف ندعوه ونضرع إليه ، ونطلب منه ما فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة ، وما يصلنا به ويقوى الصلة بين المؤمنين به ، وكيف نتبرأ ممن حاد عن طريقة فغضب عليه وأضله عن سواء السبيل ، فأمرنا أن نقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ). والمغضوب عليهم هم كل من علم ، وكان على بينه من أمر دينه ، وعلى بينة من الحق وبصيرة منه ، ومع ذلك حاد عنه ولم يسلك الطريق الحق ، فكل من كان على هذا النحو فهو ممن غضب الله عليهم.
…ومن أول هؤلاء اليهود الذين عرفوا الحق وحادوا عنه ، وقد سئل بعض اليهود عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيما بينه وبين قومه فقالوا : إنا نعلم أنه رسول اكثر مما نعرف عن نسبنا لآبائنا ، فنسبه لأبيه قد يكون مدخولاً ، أمات البينة الصريحة الصحيحة فهي مثبتة لرسالة نبينا محمد ( () فهو على بينه من رسالة النبي ( () ، ومعرفته بذلك أقوى من معرفته بنسبه لأبيه ، ومع ذلك حاد عن الطريق المستقيم.(1/237)
…هؤلاء الذين كانوا على بينه من الحق ومعرفة به ثم حادوا عنه يقال لهم المغضوب عليهم ، ومن الأضلين في هذا اليهود عليهم لعائن الله.
…أما الضالون فهم كل جماعة جهلت الحق وطريق الصواب ، وكانت في أمر عملها علي غيره بصيرة من دينها ، ويمثل هؤلاء النصاري ، فهم الضالون كما ورد هذا في حديث عن النبي ( () : بين أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصاري.
…وهذا من التفسير الجزئي أي من باب التمثيل لمن غضب الله عليهم ، والتمثيل لمن أضلهم الله عن سواء السبيل.
…والآيات الأخيرة بينت الطائفة التى تجب موالاتها ، والسير في طريقها ومواخاتها ، وهم الذين سلكوا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين فهؤلاء رفقاء الخير وطريقهم طريق ، وأن يسلك سبيلهم رجاء أن يرحمه الله جل شأنه في الدنيا والآخرة.
…أما الفريق الثاني فهو الذي يجب البراءة منه ، وهم الفريق المغضوب عليه ، والفريق الضال لسواء السبيل.
…هؤلاء هم الذين يجب على المسلم أن يتبرأ منهم ، عقدة وعملاً ، وأن يمتلئ قلبه ببعضهم إلا بمقدار ما يدعوهم إلي الحق ، ويبين لهم الصواب لأن البلاغ واجب ، ولابد منه ، إقامة للحجة ،وأعذارا إليهم حتى لا يكون لهم على الله حجة بعد البلاغ والبيان.
هذه السورة جاء في فضلها حديث قدسى وأحاديث نبوية ، أما الحديث القدسي الذي قسمها أقساماً ، وأشار إلي معناها إجمالاً ، وبين الكثير من فضلها ، ومكانتها من الإسلام فقد قال فيه النبي ( () عن ربه : ( قال الله تعالى قسمت الصلاة أي الفاتحة ، بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل.
فإذا قال العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى : حمدنى عبدى
وإذا قال : ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) قال الله تعالى أثني عليّ عبدى
وإذا قال : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال الله تعالى : كجدنى عبدى .(1/238)
وإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) قال الله : هذه بيني وبين عبدى ، ولعبدى ما سأل ".
يريد بالنصف الأول خطابه تعالى عباده بقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) علمهم أن يقولوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) ، فهذا حق الله من عباده.
ويريد من النصف الثاني الذي لعبده . (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) أي لا نستعين إلا بك حدود مصلحته وما يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة.
وإذا قال العبد : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ). إلي أخر السورة. قال الله تعالى : هذه لعبدى ولعبدى ما سأل.
فسمى الله سبحانه هذه السورة الصلاة إيذاناً بأنها ركن من أركان الصلاة ، ولذلك لا تصح صلاة المسلم إلا إذا قرأ الفاتحة في الصلاة الجهرة، والسرية إماماً ، ومنفرداً ومأموماً هذا هو الرأي الصحيح عند فقهاء المسلمين وأئمتهم ، ولا تجزيء الصلاة ولا تصح من المصلي إذا لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب ، لأن الله جل شأنه سماها الصلاة ، فجعلها نفس الصلاة إيذاناً منه سبحانه ، بأن لها شأنها في إقام الصلاة وإجزائها.
وهذه السورة فيها إثبات لأسماء الله وصفاته ، وإلي ذلكم الإشارة في الآيات الأولى .
فقد سمى الله نفسه باسمه الذي لا يسمي به غيره ، وهو كلمة الله ، ثم وصف لفظ الجلالة بأنه الرب للعالمين جميعاً ، الملائكة والإنس والجن وسائر المخلوقات ، والجمادات من سماوات وأراضين ، رب العالمين جميعاً.
ثم وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم وسمى نفسه بذلك.
ثم وصف نفسه سبحانه بأنه مالك يوم الدين ، ويوم الدين هو يوم القيامة ، فكما ملك الدنيا ملك الآخرة ، وهي دار الجزاء ليجزى فيها كل نفس بما عملت من خير أو شر .
فهذا فيه إشارة إجمالية إلي صفات الجلال والكمال التى وصف الله تعالي نفسه بها.(1/239)
ثم ذكر حق عباده عيه ، وحقه على عباده ، ثم ختم السورة بالولاء والبراء ، ليبين لنا من يجب علينا أن نواليه وا، نؤاخيه ومن يجب علينا أن نعاديه ، وأن نتنكب طريقه ، فإنه طريق السوء والشر طريق الهلاك والتبار.
هذه السورة ورد في فضلها عن النبي (() أنه دخل المسجد يوماً ما فوجد أبا سعيد بن المعلى يصلي نافلة ، فنادي فحار أبو سعيد بن المعلى ، هل يجيبه أو يستمر في صلاته ، وغلب جانب الاستمرار في صلاته طاعة لله ، وإيثاراً لجانبه ، ولما انتهي من صلاته جاء إلي النبي (() استجابة لندائه ، وإن كان بعد فترة ، فقال له :" يا أبا سعيد ألم أنادك ؟" فقال :بلي ولكنى كنت أصلي ، قال له : " إن الله تعالى قال في محكم كتابه " : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) فبين له أنه كان يجب عليه أن يجيب النبي(() ، ولكن أبا سعيد آثر جانب الاستمرار في صلاته اجتهاداً منه ، فله الأجر عند الله على عمله واجتهاده.
ثم قال له : " يا أبا سعيد لأعلمنك سورة من القرآن هي أفضل القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم ". ثم سكت النبي (() ولم يعلمه ، لم يعجل بتعليمه السورة وأخذ في طريقه إلي باب المسجد فلما اقترب من باب المسجد قال له أبو سعيد : يا رسول الله ألم تقل لأعلمنك سورة هذ كذا وهي كذا ؟ فقال : بلي ثم قال له : هي سورة الفاتحة وقرأ قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).(1/240)
(وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي ) الآيات السبع التي تكونت منها سورة الفاتحة ، سميت مثاني لما فيها من الثناء على الله جل شأنه ، ولأنها تتكرر قراءاتها في كل ركعة من ركعات الصلاة ، فلتكرارها في الصلاة في كل ركعة ، ولاشتمالها على الثناء على الله سميت في نص القرآن السبع المثاني (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) وهذا من عطف العام على الخاص ،ويدخل فيه سورة الفاتحة.
فهي سبع آيات من القرآن ، وهي داخلة في قوله تعالى : (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) وهي أفضل القرآن.
فهذا بان من النبي (() لفضل الفاتحة ، ولمكانتها عند الله جل شأنه ، مع كونها كلام الله ، وكلام الله خير الكلام، وفضل كلام الله على كلام البشر كفضل الله على عباده ، وشتان ما بين الله ولبن عباده فالفرق شاسع.
وكذلكم الفضل واسع ولا يقدر قدره إلا الله ، كما يقدر قدر الله إلا الله فلا يقدر قدر كلامه إلا هو ، ولا يقدر قدر الفاتحة خاصة الا الي تكلم بها وانزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم .
فهذا من فضائل الفتحة التى بينها الرسول صلى الله عليه وسلم كما بين فضلها الله سبحانه فى الحديث القدسي الذي ذكرناها .
ومما جاء فى فضل الفاتحة والانتفاع بها الرقية لها حتى ولو كان من رقي بها كافرا فقد ثبت فى حديث البخاري ان سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ارسلها الرسول صلى الله عليه وسلم فى مهمة فنزلت فى طريقها على قوم من الكفار عتاة فاستضافوهم فأبى اولئك الكفار ان يضيقوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بينهم وبين أولئك الصحابة من العداوة والبغضاء وما فى قلب الانسان يظهر فى اعماله وعلى جوارحه وفى فلتات لسانه .
فهؤلاء قابلوا استضافة الصحابة رضى الله عنهم بالتنكر لهم فذهب عنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/241)
وجزاء لهم على موقفهم السيء من الصحابة رضوان الله عليهم وعقوبة لهم سلط الله على سيدهم حشرة لدغته فطلبوا له العلاج بكل ما يستطيعون فلم يفلحوا ، واضطروا الى ان يذهبوا الى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منزلهم الذي نزلوا فيه لستعينوا بهم على علاج لديغهم وقالوا لهم القصة انهم طلبوا له العلاج بكل شيء لا ينفعة شيء فهل عندكم من علاج ؟ فقال ابو سعيد الخدري وهو تقريبا اصغرهم سنا لكنه يحفظ الكثير من القرآن قال : والله ان عندى له علاجا ، ولكني لست بفاعل حتى تجعلوا لنا جعلا انا استضفناكم فلم تضيفونا ، فجعلوا لهم جعلا على ان ياتى ابو سعيد اليه ليقوم بعلاجه ، والشفاء بيد الله لا بيد ابى سعيد الخدري وذهب معهم الى الليدغ وقرأ عليه سورة الفاتحة مرة واحدة فقام كانما هو جمل نشط من عقال كانما هو جمل حل عقالة والجمل معروف عند العرب بانه قوى فاذا حل عقاله وكان امامه اقوى رجل دفعه بصدره فوقع على ظهره وليس به بأس كانه لم يلدغ فاعطوهم الجعل وكان قطيعا من الغنم وكان يكفى الصحابة اعداد قليلة من الغنم ولو انهم كانوا قد اضافوهم اول الامر لكن رزقهم الله هذا الرزق الواسع ثم ارتابوا وقالوا فما بينهم فقد يكون هذا كسبا غير حلال والصحابة رضوان الله عليهم عرف فيهم التحرى لكسب الحلال وعرف فيهم الصلاح وتقوى الله سبحانه وتعالى فقالوا لا نأكل حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما رجعوا سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لابى سعيد " ما يدريك انها رقيو " ؟ فقال شيء القاه الله فى ورعي والورع القلب والورع بالفتح الخوف .
فإبراهيم لما جاءته الملائكة أوجس خيفة منهم آخذه روع وآخذته المخافة ثم ذهب عنه الروع لما عرف حقيقة الامر(1/242)
القصد ان الروع الخوف والروع هو القلب فقال ابو سعيد هذا شيء القاه الله فى روعى وهذا مثل مثل ما يلقى فى قلب بعض الطيبين بان فلانا سوف ياتى من السفر هذا مجرد احساس باطنى لا يفيد اليقين لكنه يدفع الإنسان إلى ان يتحدث عما جال فى خاطره وان كان لا يسمى علما لكنه هواجس وخواطر تجول فى صدره ولا يسمى علم الغيب ,
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم جوابا عن سؤالهم هل هذا من الكسب الحلال او الكسب الحرام ؟ قال : " ان الحق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله " يريد بهذا ان العلاج قد يكون بالكي ، وقد يكون بسحب السم من اللديغ من المكان الذي لدغ فيه .
وكيف يسحب السم منه يشرط جلده فيخرج الدم او يمتص طبيا وقد يكون برقية وقد يكون بدعوة له وهناك انواع كثيرة للعلاج منها الرقية بقراءة القرآن التى ترتب عليها الشفاء وصاحبها احق بالاجر من الشخص الذى يعالج علاجا مايا مثل الطبيب او غيره .
فهذا بيان من النبى صلى الله عليه وسلم لمشروعيته الرقية بالفاتحة وهذا بيان لنتيجة الرقية التى بها شفاء هذا وان كان كافرا .
وليس المراد بهذا الحديث ان ياخذ الانسان اجرا على تلاوة القرآن مثل الصييت او ان باخذ اجرا على قراءة القرآن على الاموات فان فان هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشر وهو المبلغ عن ربه سبحانه وتعالى .
فقراءة القرآن على الاموات رجاء ان يرحمهم الله بدعة من البدع واخذ اجر على تلاوة القرآن ايضا لا يجوز .
والكفار الذين اعطوا الصحابة قطيعا من الغنم لم يعطوهم اياه حبا للقرآن او حبا فيه ، وا وحبا للقارئ ، وللمسلمين وللاسلام ، بل القرآن ابغض اليهم من كل شيء ، والصحابة ابغض اليهم من كل شيء ورسولهم ابغض اليهم من كل شيء ، ومع ذلك دفعوا الاجر فالاجر ليس للتلاوة وانما هو العلاج ولم يدفعوا الاجر الا بعد الشفاء لانهم جعلوه على الشفاء لا على التلاوة .(1/243)
فالاستدلال بهذه الجملة من الحديث على جواز تلاوة تالقرآن على الاموات رحمه لهم او الاستدلال بها على مجرد تلاوة القرآن واخذ اجر عليه لاستماع الناس اليه لا يجوز ولا يصح وهو من تحريف الكلم عن مواضعه ، وهذا من فوائد هذا الحديث الى جانب الفائدة الجليلة التى بينها النبي صلى الله عليه وسلم بين بها منزلة القر'ن ومكانته من غيره من القربات ومكانة الفاتحة من سائر القرآن ,
هذا بيان لجانب اخر من جوانب فضيلة سورة الفاتحة وذكرت من قبل فضيلتها وانها جعلت فرضا فى كل من ركعات الصلاة بخلاف السورة التى بعدها فانها من سنن الصلاة لو تركها المصلى تكون صلاته صحيحة اما الفاتحة فلو تركها كانت صلاته باطلة .
والقرآن كله خير وفضله على كلام البشر كفضل الله على عبادة واسأل الله جل شأنه ان يبصرنا بديننا وان يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وان يجعله لارواحنا دواء وان يجعله مصدر تشريعنا وان يستميل لوينا اليه حتى لا نحكم سواه وسوى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فان من اخذ بهما اخذ بالحق وكان على بينه وبصيرة من امر دينه مع ربه ومع المخلوقات وكان حبيا لله فى الدنيا والاخرة سعيدا فى دنياه وفى اخرته .
2- من مقاصد سورة المائدة
هذه سورة من سور القرآن الكريم وسوف نتناولها بما يتضح به وحدة السورة والمقصد الذسي آياتها حوله واحب ان اتكل عن نماذج من مقاصد بعض السور لتكون فاتحة لمعرفة مقاصد السور وتكون معينة للانسان على فهم المحور الذي تدور عليه احكام السورة واخترت لهذا : اولا سورة العقود وثانيا سورة الاحزاب وان اتسع الوقت فستكون سورة الصافات او اخرى اقصر منها ان شاء الله تعالى .(1/244)
يذكر الله جل شأنه فى مطلع سورة العقود هذه الآية : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ).
هذه الآية تشير اشارة واضحة الى نا تدور حوله الآيات وتدور حوله الأحكام التى تضمنتها هذه السورة فالله يأمرنا فى هذه الآية بالوفاء بالعقود والعقود هى المواثيق والعهود كلها ترجع الى معنى واحد هو الاتفاق الذى يكون بين العبد وربه ميثاق ياخذه الله جل شانه على عبده وقد تكون اتفاقات تجرى بين انسان واخر فى بيع وشراء فى مواعيد ، او فى جهاد وحروب أو فى امر بالمعروف ونهى عن المنكر ، فكلمة العقود كلمة جامعة عامة شاملة تشمل كل الاتفاقات التى تكون فيما بين العباد على الخير وتشمل ما اخذخ الله جل شأنه على عباده من عهود التكاليف التى كلف بها خلقه وما سياتى فى السور يدور حول هذا كل ما فى السورة من التفاصيل دائر حول قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وحول مذمة من نقص العقود وخانها وجزاء من وفى بها ووقف عندها وتبين هذا بالتافاصيل الاتية او بذك شيء من التفاصيل الاتية فى قوله تعالى فى الآية من هذه السورة : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).(1/245)
فهذه الآية فيها عقد وميثاق على المسلمين بعد ان تمكنوا فى الارض وصارت لهم دولة وبعد ان اكمل الله لهم دينهم واتم عليهم نعمته ، وصاروا بإمكانهم ان يثأروا لانفسهم وان ينتقموا ممن سبب لهم آذى يأخذ الله تعالى عليهم ان لا يقابلوا السيئة بالسيئة وان لا يعتدوا على القاصدين لبيت الله الحرام الى غير هذا مما ذكره فى هذه الآية وخاصة ما تحدث العبد به نفسه من يثار لنفسه ممن ارتكب جريمة فى شانه واعتدى عليه فى سابق حياته فيبين الله جل شأنه فى هذا العهد الذي أخذه على عباده الموحدين أنه لا ينبغي لهم أن حملهم ما سبق من الكفار من صدهم المسلمين فى السنة السادسة من الهجرة عن بيت الله الحرام ، ومن موقفهم السيء سنة الفتح عند دخول مكة يبين لهم انه لا ينبغى ان يحملهم ما سبق من اولئكم الكافرين على أن يعتدوا على الكافرين وأن يثأروا لأنفسهم منهم وليجعلوا نعمة الله باقدارهم لهم على الانتقام من عدوهم ، ونعمة الله جل شأنه على هذا الاقر بالعفو عن اولئك الذين سبقت منهم السيئات وتقدم منهم الاذى والضرر للمسلمين فى صدهم عن بيت الله الحرام ، وهذا منتهى العدل الاسلامي وهو تناسي ما سبق من السيئات بعد أن تمكن المسلم من اقامة العدل فلا يرعى حظ نفسه بل يقف موقفا يرضى به ربه ويتألف به قلوب من سبقت منهم اساءة له فيقول الله تعالى : () وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ).
لا تحملكم عداوة قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا ثم امرهم بأن يتعاونوا عموما على البر والتقوى وحذرهم من ان يتعاونوا على الاثم والعدوان وحذرهم شديد باسه واليم عقابة ان هم نقضوا عهده وخانوا ما أخذه عليهم من هذا التكليف وامثاله فيشتد بهم باسه ، وحذرهم فى ذلك بقوله سبحانه : () وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .(1/246)
ثم بين لهم تفصيل أشياء مما حرم عليهم واستثنى من هذا أشياء فقال : ()حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير) الى قوله ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ)
فكان هذا تفسير لقوله تعالى :( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)
فالآة الاولى اجمال وهذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) وآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) الى اخرها فيهما تفصيل او بعض التفصيل لما جمل فى الآية الاولى فهذا من الادب او من المقاصد التى اشتملت عليها الآية الاولى من هذه السورة .
ثم ذكر سبحانه وتعالى عهدا اخر اخذه على عباده الموحدين من احكام الوضوء واحكام الغسل وذكر تفصيل هذا فى اية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ).
ثم قال : ()وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِه) .
فأوجب عليهم ان يتذكروا ومواثيق الله سبحانه التى اخذها عليهم اجمالا فى قوله : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ).
وتفصيلا فسما ذكره من تفاصيل القرآن فى هذه السورة وغيرها وما بينته سنته رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ميثاق ثالث ذكره جل شأنه فى قوله : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .(1/247)
فأوجب عليهم سبحانه ان يرعوا العدالة وان يوفوا بالعهد والميثاق وان لا تكون الخصومة متسلطة على نفوسهم تسلطا يجور بهم عن الجادة ويحملهم على نقص ما أخذ الله عليهم من عهد الميثاق ولا يجرمنكم شنآن قوم - اى عداوة قوم - على أن لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ، وانذرهم وحذرهم من نقض العهد والميثاق بقوله : () وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
ثم ذكر العدة الطيبة والجزاء الكريم ، والعدة الطيبة لمن وفى باعلهد والميثاق والوعيد الشديد لمن لم يف بذلك بل خان ونقض فقال : ()وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) .
هه منزلة اخرة ، أومرحلة اخرى ثالثة فى تفصيل قوله تعالى فىى مطلع السورة : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ).
ميثاق رابع ، فيه تفصيل لمطلع السورة يكر الله عباده نعمته عليهم برد كيد خصومهم ومكر اعدائهم فى محاولة سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم وايذاء المسلمين فى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فكف ايدى هؤلاء جميعا وأبطل كيدهم واحبط سعيهم وشردهم عن بلادهم فقال جل شأنه : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) .(1/248)
وذلك ان بني النضير دبروا لرسول الله صلى الله عليه و سلم تدبيرا سيئا وذلك حبنما جاء اليهم يطلب منهم شيئا منالمال يستعين من المال يتعين به فى بعض المصالح فوعده خيرا وهم يضمرون الفتك به واجلسوه تحت جدار ، وصعد بعضهم فوق البيت ليرمى عليه حجرا يقضى عليه فاوحى الله اليه ان يقوم فقام وقد ارسل بعض اصحابه الى المدينة فذهب الى جهة المدينة وبلغ اصحابه وجمعوا جموعهم وجاء الى بني النضير محاربا لهم استجابة لامر الله جل شأنه ، ثم رضوا بان يخرجوا من ديارهم فاذن لهم فى ذلك بامر الله جل شانه واذن لهم فى ان يأخذوا من اموالهم ما حملت حمولاتهم وفى ذلك انزل الله سورة الحشر ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) هم بنو النضير ( مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
هذه وما سواه من آيات سورة الحشر فيه تفصيل لما ذكر الله فى هذه الآية التى أخذ فيها العهد والميثاق على المؤمنين أن لا يعتدوا بل عليهم ان يلزموا العدالة فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ).(1/249)
يعنى بسفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا التدبير الذي دبره بنو النضير ، واليهود كما هو مشهور عند العالم لا عند المسلمين فقط هم سوسة تنخر فى عظام الأمم فهم فى كل دولة من الأمم يسعون فسادا فى الأرض ويدبرون التدبير السيء ويمكرون المكر السيء ويعيشون كالنباتات الطفيلية فى سائر الدول ومن تدبيرهم السيئ ما دبروه فى هذا الحادث لرسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة منهم فى القضاء عليه .
ثم بدأ الله جل شأنه بداء جديدا وذكر لنا لونا من العهود والمواثيق ليست عهودا اخذها على المسلمين كالعهود التى مضى تفصيلها بل عهودا اخذت على اهل الكتاب من اليهود والنصارى وعلى أمثالهم فلم يكن منهم الا التبرم لها والتنكر لها ونقصها شر نقص فنزل بهم باس الله وعذابه فهذا مما يتصل بمبدأ السورة اولا يتصل بها من جهة انه نقض للعهود والمواثيق افسدوا به الأرض واستوجبوا به مقت الله وغضبه يقول تعالى : ()وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبا) فالآية فى العهود والمواثيق التى هى فى الآية الاولى .
وقال جل شأنه : ( لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ )
هذا هو العهد :( لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ )
اى عظمتموهم وايدتموهم :( وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار)
هذه العدة الجميلة التى وعدها من وفى بهذا العهد الذى فصله فى الجملة السابقة ثم هدد وانذر من نقض العهد والميثاق فقال : ( فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ).(1/250)
وقد نقض هؤلاء العهد والميثاق فاصابهم الله شر اصابة وقال ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) .
وهذا شأن السيئات وهذه هى عدالة الله جل شأنه من كسب سيئة نكت فى قلبه نكتة سوداء وبقدر تلك السيئة فإذا ما تكاثرت منه السيئات طبع الله على قلبه وجعل عليه الران حتى يصير قلبه متبلدا او كحجر الصلب لا يتأثر بموعظة ولا يعتبر بعبرة ولا تنفذ اليه نصيحة ، بل يكون منه الصدود والاعراض عما يوجه اليه من آيات القرآن ومن الحجيج والبراهين والمواعظ والعبر فلا ادلة تناجى بها العقول ولا مواعظ وعبر تؤثر فى عواطفه ووجدانه وذلكم لما طبع على قلبه وكان عليه من الران والحجاب الذي يحول بينه وبين الدلائل والبراهيم فلا ينصاع لها بل يحول بين قلبه وبين وجدانه وعاطفته وبين المواعظ والعبر حيث قد مسخ الله فطرته فجعل قلبه قاسيا يقول الله تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) .(1/251)
ثم ذكر الله جل شأنه الصنف الثاني بقوله تعالى : ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ) ايضا أخذ على الطائفة الاخرى طائفة النصارى عهدا وميثاقا ( وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ )نقضوا ايضا العهد والميثاق القصد ان الله ذكر فى هذه الايات انه اخذ عهودا ومواثيق على اليهود والنصارى بتكاليف ملفهم بها فوقفوا منها موقف الخائن وقفوا منها موقف الغادر المستهتر الذي لا يبالى لعهد الله ميثاقه بالا ولا بلفت له نظرا وليس لله وقار فى قلوبهم فاصابهم الله باللعنة وقساوة القلوب واصابهم بنسيانهم الكثير من حظوظهم ثم ذكر الله جل شأنه انه بين لهم ما اخفوا من التكاليف وما حرفوا من نصوص كتبهم التى انزلها الله عليهم انزلها الله على موسى وعيسى ، وعلى داود ، بين انه ارسل اليهمرسولا فجاءهم هذا الرسول وبين ما كانوا يخفون من كتاب الله ، فانهم كانوا يجزأونه اجزاء فيخفون بعضه ويبدون بعضه ، تبعا للهوى ، فما رأوه فى مصلحتهم ومتفقا هواهم اعلنوا ونشروه بين الاميين والرعية العوام وما كان مخالفا لاغراضهم واهوائهم اخفوه . يقول الله تعالى فى هذه الآية : ( )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ )و الى اخر الآيات .(1/252)
فذكر جل شأنه ان هذا الذي جاءهم على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من العهود والمواثيق تكشف احوالهم فيجب عليهم حينئذ ان يعتبروا وان يخشوا الفضيحة من كشف الوحى الذي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دبروه ولما خانوا فيه كما عليهم ان يرتدعدوا وان يعملوا بالحق وان يتبعوا رضوان الله جل شأنه ويسروا على الصراط المستقيم لكنهم ابو الا اللجاج والعناد والا نقض العهد والميثاق فنقضوا عهد الله فى وحدانيته وفى كماله وانتقصوه بنسبة الولد له كما قال الله عنهم : ()لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ).
ورد عليهم ذلك بقوله : () قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ).
عيسى لا يملك شيئا من الوجودلا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ومريم امه لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا عيسى يحتاج الى الطعام والشراب والى ان يقضى من شانه ويتخلص من فضلات طعامه ومريم ايضا صديقة انسانه تأكل وتشرب وتحتاج الى ان تتخلص من فضلات الطعام الذى تناولته فيقول الله تعالى : () قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ).
من يملك لعيسى ولأمه التخلص من مقت الله وغضبه اذا اراد ان يهلكهما وان يقضى عليهما فى هذه الحياة فكيف يصلحان لان يكونا الهة مع الله او من دون الله ؟.
ويبين ان ملك السموات والأرض اليه سبحانه فانه يخلق ما يشاء فمن يخلق ما يشاء كيف يحتاج الى ولد يولد منه وله من فى السموات والارض وكيف يكون له منها الولد : ()لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) .(1/253)
وقال سبحانه : ()لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً).
اى ولدا وزوجة : () لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ).
القصد ان نسبة النصارى الولد الى الله فى قولهم عيسى ابن الله ، أو ولد الله والزوجة لله فى قولهم انه اتخذ مريم له هذا من نقض العهد والميثاق فى اصل من اصول الدين وهو اصل التوحيد واثبات الكمال لله وحده وتنزيه الله سبحانه عن الصاحبة والولد : ()وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) .
فهذا نوع من انواع نقض العهود والمواثيق وقد رد الله عليهم اجماليا وتفاصيل القرآن فيها تفاصيل الردود لمثل هذا .
فالله سبحانه وتعالى ذكر نقضا ايضا للعهود عن اليهود والنصارى فقال سبحانه : ()وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
فنسبوا اليه انفسهم على بناء الله ويقول اليهود : نحن ابناء الله ، ويقول النصارى : نحن ابناء الله ، ها اكثر من دعواهم بنوة عيسى لله ، جعلوا كل النصارى على كثرتهم ، وكل اليهود على كثرتهم ابناء ، وزادوا ان قالوا وأحباء لله فهذا من نقضهم للعهود والمواثيق ، فالله تعالى منزة عن الولد كما تقدم فى الآية ذكرا أو انثى فهو سبحانه منزه عن الولد على الإطلاق ، ثم ميزان محبة الله لعباده الاستقامة على الجادة والطريق السوى واليهود والنصارى قد انحرفوا عن الجادة وغيروا وبدلوا فيما انزل عليهم من الكتب السماوية فكيف يدعون زورا وبهتانا انهم احباء الله صبحانه وتعالى () نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
قال تعالى فى الرد عليهم : () قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ).(1/254)
الى اخر ما ذكر من الآيات ، هذا ايضا من نقض العهود والمواثيق التى تضمن اصلها ما أمر به من الوفاء فى الآية الاولى من مطلع السورة ، بعد هذا ذكر الله جل شأنه من جنس ما مضى بقول : ()يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ).
رسول جاء لاسقاط المعاذير ولاقامة الحجة حتى لا يقولوا ما جاءنا بشير ولا نذير حتى نتعرف منه الحق غنحن معذورون يقول جاءكم الرسول على فترة من الرسل فهذا تكذيب للعهود والمواثيق التى امر الله بالوفاء بها فى مطلع السورة فى قوله : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .(1/255)
ثم ذكر جل شأنه ان بني اسرائيل مهما انعم الله عليهم من النجاة من فرعون وملائه وما انعم الله عليهم من ارسال موسى اليهم وانجائهم من الضلالة ومع ما انعم الله عليهم من اهلاك خصومهم نعمة اخرى فان الانسان اذا نجى من خصمة وخصمة لا يزال حيا فتوسوس له نفسه بانه سياتى عليه يوم من الايام يفتح له الكريق الى التسلط عليه والى التمكن منه فيسومه سوء العذاب فى مستقبل حياته كما سامة كمن قبل سوء العذاب فبين الله جل شانه انه انعم على اليهود ، انعم على نبي اسرائيل الذين هم قوم موسى لانه جعلهم أئمة وانه مكنهم فى الارض وانه جعلهم ملوكا بعد ان انجاهم من عدوهم وخصمهم بين سبحانه وتعالى انهم لما امرهم موسى ان يدخلوا بيت المقدس ، وهذا أمر من الله وعهد وميثاق اخذ على قوم موسى فامر موسى قومه ان يدخلوا بيت المقدس وان يجعلوه وطنا لهم وان يقيموا دولة فتية لهم فى بيت المقدس ، وجاءهم رجلان قد عرفا اخبار سكان بيت المقدس من الجبارين جاء الى موسى وقالا لقوم موسى لو انكم تجمعتم وتعاونتم وتآزرتم ثم هجمتم هجمة رجل واحد على اولئكم الجبارين لفتح الله عليكم بيت المقدس ولمكنكم من رقاب هؤلاء ()قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ).
فأبوا ايضا بالرغم من هذه البشارة المباركة فموسى قال ، وهارون قال ، وبعض الجماعة من بنى اسرائيل قالوا : فانتهى امر بني اسرائيل الى ان يقولوا لموسى () فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).
وماذا يصنع موسى ()قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).(1/256)
هذا شأن بنى اسرائيل مع موسى ارادوه ان يتحكموا فيه فيقولون : نريد اكلا طيبا فجاءهم بالمن والسلوى فقالوا : هذا لا يصلح لنا ، نريد عدسا وبصلا وثوما , ال هذا أزين لكم ، اتتبدلون الطيب بالخبث ؟ ؟ قالوا : ما نريد الا هذا قال : اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم ، ثم يرضب الحجر فتخرج منه العيون على عدد الاسباط ، اثنا عشر سبطا له عين حتى لا تتراحم اكثر من الجماعة على عين واحدة وهى تشرب فيتنازعوا ويختلفوا ثم بعد ذلك يتنكرون لموسى لذلك ابتلى الله هؤلاء على نقضهم العهد والميثاق بأن شردهم اربعين سنة يتيهون فى الارض قال تعالى : () فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ).
وليست محرمة عليهم اربعين سنة فقط بل الى جانب ذلك عدم الاستقرار يتيهون فى الارض القصد ان هذه القصة من عند قوله تعالى : ()يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:19)
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الى قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ).(1/257)
يذكرهم بفضل الله عليهم حتى اذا ذكروا هذا انبعثت نفوسهم بالوفاء لاوامره ولكن قلوبهم صلدة لم تتأثر ولم تتذكر فضل الله عليها فلذلك تنكروا لموسى عليه السلام هذه القصة الى آية ( التية ) التى ذكر الله فيها عقوبته لهم بالتية والتشريد ( فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) فيها عهد أخذه الله على بني إسرائيل ، على اليهود ، وكيف أنهم لما عصوا ونقضوا عهد الله علهم ، عوقبوا علي ذلك فهي توضيح وتفسير ، ومثال على وجوب الوفاء بالعقود الذي أكد الله عليه في مطلع السورة وطالب المؤمنين به . وكيف أن الله عاقب من لم يراع عهده ولم يف بميثاقه.
عهد آخر ذكره الله في قصة ابني آدم وهو أن الله خلق آدم وبنيه من بعده وفطرهم على الخير ، ولم يداخلهم شر. ولم يعرفوا الشر والفساد ولا سبق فيهم قتل نفس قبل هذا. وقتل النفس من أعظم الجرائم وأشنعها. وآدم نبي والأولاد.
أولاده - تربوا في بيت نبوة مع صفاء ونقاء الفطرة ، يعرفون شريعة الله ويسيرون عليها وكانت إذ ذاك غضة طرية لم يشبها طمس ولا ضياع ولا تحريف ، ويعلمون جميعاً ما في الشريعة من عصمة دم المسلم ، وحرمه سفك الدم وحرمة إزهاق النفوس والأرواح ، مع ذلك خان ابني آدم العهد فقتل أخاه . فهذا أيضاً من نقض العهد والميثاق والتجرؤ على سفك الدم والحرام وهو أعظم الذنوب بعد الشرك بالله وهذا راجع إلي الآية الأولى في السورة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ).(1/258)
ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن المحاربين لله ورسوله (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، القاطعين للطرق الذين لا يسلم الناس من شرهم ولا من أذاهم ، فلا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ، ولا على أعراضهم ، ولا يتركون صالحاً لصلاحه ولا باراً لبره ، إنما يؤذون الجميع. فهذا الصنف من شر الناس نقضاً للعهد والميثاق. لأنهم يعتدون على كل ما فيه عهد من الله بالمحافظة عليه وصيانته. فالأموال مصونة إلا بحقها ، والنفوس من أعظم الأمور صوناً وحرزاً ، والأعراض من أعظم الأمور صونا وحرزاً ، فهؤلاء يعتدون على هذه الأمور المصونة ، ويروعون الآمنين ويعطلون مصالح العباد التى فيها صلاح عيشهم في الدنيا والآخرة. فهم يعطلون الضرب من الأرض والسعي على الرزق ، ويعطلون التزوار في الله ، والرحلة في طلب العلم ، والسفر للحج والعمرة ، ويعطلون التنقل لصلة الأرحام. وهذه المحاربة وهذا الإفساد في الأرض هي نوع من نقض العهود التى أخذها على عباده وأمرهم بالوفاء بها والمحافظة عليها في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ثم بين سبحانه عقوبة هذا النوع من ناقضي العهود وناكثي الوعود لهم الحد الرادع الذي يناسب فعلتهم.(1/259)
ثم حذر المؤمنين أن يسلكوا هذا السبيل المسخط للرب فقال ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كنقضة العهود من بني إسرائيل ولا تنكروا لرسولكم ولا لشريعة ربكم . ولا تتوانوا عن الجهاد في سبيله كما توانى اليهود عن جهاد أعدائهم أعداء الله ولم يدخلوا الأرض المقدسة التى فيها المسجد المعظم عندهم ولم ينصروا موسي عليه السلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
اتقوا الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه. والوسيلة هي العمل الصالح الذي يرضي الله ويقرب العبد من ربه ويصله به ، والبعد عن المنكرات والمعاصي التى يحصل بها العبد ضد ذلك من البعد ، والطرد ، والجفاء بين العبد وبين ربه سبحانه . فعلى المسلمين أن يبتغوا إلي ربهم الوسيلة المشروعة التى هي العمل الصالح وترك الشر والسوء وهجر السيئات.(1/260)
ثم ذكر ربنا عز وجل نوع آخر من المفسدين في الأرض الناقضين للعهود والمواثيق وهم السراق اللصوص ، وبين سبحانه وتعالى حدهم وعقوبتهم في الدنيا والآخرة إلا من تاب منهم وأصلح فإن الله يغفر له ذنبه ويتوب عليه في قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) هذا له صلة بما سبق من الحديث عن اليهود الذين كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه ، فمن كان منهم الغني ذو الجاه والقوة والمنعة من عشيرة وأهل وقبيلة ـ تركوه ، وأهملوا إقامة الحد عليه مراعاة لمكانة وغناه وقوته ، وإذا سرق فيهم الضعيف الذي لا يهاب عاقبوه وأقاموا عليه الحد. وهذا يعنى أن إقامة الحد على السراق كان موجوداً ومشرعاً في التوراة ، وفي دين اليهود قبل أن يبدلوا ويحروفوا ، وقد لعن الرسول (() اليهود وحذر قومه المؤمنين من أن يسلكوا ، ودربهم وأن يحاربوهم في منهجهم ولك عندما سرقت امرأة مخزومية شريفة في قومها وجيهة في أهلها ، فأرادوا أن يشفع لها أحد عند رسول الله (() فلا يقيم عليها الحد ، ولا يقطع يدها وإن عاقبها بأي عقوبة أخري مالية ، فلم يجدوا من له الجرأة على هذه الشفاعة عند رسول الله (() غير أسامة بن زيد حب رسول الله (() وابن حبه رضي الله عنه وعن أبيه. فلما كلم أسامة رسول الله (() كلاما فيه شفاعة لهذه المرأة التى استوجبت الحد غضب رسول الله (() ورد شفاعته وقال : " أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ يكرر ذلك منكراً على أسامة هذه الشفاعة الغير مشروعة التى لا تجوز ثم قال : رسول الله (() : " إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف ( القوى) تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. ثم قال (() والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها أو كما قال (() ".فذكر(1/261)
الله عز وجل هذا الحد ( حد السرقة )عند الكلام علي اليهود ونقضهم للعهود والمواثيق لأن نقضهم للعهد في هذا الأمر وهذه القضية موجود أيضاً فهو يتفق مع أول هذه السورة التى ذكر الله فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ).
ويذكر الله عز وجل في هذه السورة واقعة أخرى عن اليهود فيها نقضهم للعهد والميثاق ، وأنهم وقعت واقعة زنا فأرادوا أن يحتالوا حيلة ليخرجوا من إقامة الحد على هذين الذانيين. وكان الحد عندهم في الشريعة المنزلة المحكمة هو حد الرجم للمحصنين ، وحد الجلد للبكرين أما الشريعة المحرفة التى كتبها لهم أحبار السوء فهي غير ذلك ، فيها نوع من الإيذاء الخفيف الذي لا يتفق مع بشاعة الفعل وشناعته. ففي شرعهم الذي كتبوه بأيديهم ، وقالوا هو من عند الله وما هو من عند الله فيه ، التحميم وهو طلاء وجه كل من الزانى والزانية بطلاء أسود ويركبوهما على دابتين كل منهما إلي مؤخرة الدابة. ويطوفون بهما أرجاء المكان قرية ، أو مدينة ، أو غيرها من المكان الذي يسكنون فيه ، مع الجلد مائة جلدة ولا يقيمون حد الله في جريمة الزنا. فلما وقعت هذه الواقعة فيهم وزنا جل بامرأة منهم أرادوا أن يتهربوا من إقامة الحد الإلهي الذي شرعه لهم وهو رجمهما إذ كانا محصنين. فاتفقوا على أن يأتوا ورسول الله (() ويعرضوا عليه القضية فإن هو حكم بحكم مخفف لا يصل إلي الرجم أخذوا به وعذرهم عند الله أنهمو عملوا نبى مرسل هم على يقين من نبوته - وأن لم يتبعوه إن لم يؤمنوا به حسدا وكبراً - وإن هو حكم فيهم بحكم الرجم تركوا حكمه ورجعوا إلي حكمهم المبتدع المخترع ، يقولون بعضهم لبعض : ( إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ).(1/262)
هم أصحاب هوى إن جاءهم ما يتفق مع هواهم أخذوا به وطبقوه ، وإن كان الأمر على غير أهوائهم أعرضوا وصدوا ، فاتخذوا بذلك أهوائهم ىلهة من دون الله فما اتفق وهواهم أخذوا وعملوا به ، وما خالفهم تركوه. اليهود كانوا يقولون ما حكاه الله عنهم ( لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ ) ، ويأكلون منهم الأموال فيأكلونها بالباطل ، ويستحلون الرشوة ، ويستحلون بالباطل أموال العوام ، وهم كل من دون اليهود ويزعمون أنه لا مؤاخذة عليهم في ذلك. وفي هذا نقض للعهد الذي أخذ عليهم بألا يأكلوا أموال الناس بالباطل ، وألا يأكلوا السحت ، ولا يأكلوا الربا فنقضوا عهد الله في ذلك كما قال الله عنهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ).
المهم أنهم ذهبوا إلي رسول الله (() في تلك القضية - الزنا - فلما حكم فيها رسول الله (() بما أراه الله وبما كان في شريعتهم المحكمة المنزلة لا المحرفة المبدلة وجاء الحكم على غير ما تهواه نفوسهم لم يقبلوا الحكم. مع أنهم الذين اختاروه حكما ومع أن الحكم متفق وشرعهم المنزل ومصدقاً لما عندهم ، ومع ذلك كله لم يقبلوا حكمه ولم يأخذوا بقضائه فأنكر الله عليهم ذلك في قوله (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) فهذا ما أخذ على اليهود من العهود والمواثيق ثم هم نقضوه. فلا هم عملوا بما في التوراة الذي هو كتابهم وشرعهم ، ولا بما حكم الرسول وقضي ، وهو مصدق لما معهم ولما في أيدهم وهو أيضاً في التوراة. المقصود أن هذا كله ذكر لبعض أخبار بني إسرائيل التى فيها نقضهم للعهود والمواثيق وهذا يتفق ووصية الله للمؤمنين وأمره لهم بأن يوفوا بالعهود ولا يسلكوا سبيل من نقض وخان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ).(1/263)
بعد أن ذكر الله خيانة اليهود والنصاري لما أخذ عليهم من عهود ومواثيق ، انتقلت السورة إلي ذكر تحذير من الله عز وجل لعباده المؤمنين الموحدين ، يحذرهم ربهم من المواربة والمخادعة ، ومن الموالاة لأعدا الله من اليهود والنصارى الذين لا يراعون عهود الله ومواثيقه ، فكيف يركن المؤمنون إليهم والنصارى الذين لا يراعون عهود الله ومواثيقه، فكيف يركن المؤمنون إليهم وحذرهم بأنه لا يتبغي لهم وقد آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بما جاءهم من الحق والأخبار عن اليهود والنصاري حذرهم بأنه لا ينبغي لهم أن يسلكوا مسلكهم ولا يدخلوا مدخلهم وتتابعت آيات الله جل شأنه في هذا فقال جل شأنه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) فيوال وبعضكم بعضاً ، وليحذر كل منكم أن يوالى يهودياً ولا نصرانياً ، فما ذكره عز وجل من فضائح اليهود في أن يدخل الوحشة والحذر منهم في قلوب المؤمنين. وفيه تنقير لقلوب المسلمين منهم حتىم لا يركنوا إليهم ولا يخالطوهم مخالطة مودة وموالاة ، فتنقل منهم هذه الصفات الذميمه التى استوجبوا عليها اللعنة والغضب والمقت من الله ، حتى لا تنقل هذه الصفات الذميمه إلي المؤمنين بطول العشرة والإلفة. بل الواجب أن يحد المسلمون معاملتهم لليهود والنصاري إلي أضيق حد ، وإن وجد تعامل فعلى قدر الحاجة والضرورة لا محبة ولا موالاة ولا إعجاب. بل البراءة من اليهود ومن كل أعداء الله واجب على المؤمنين.(1/264)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )فمن عمل بهذا الأمر ولم يوال يهودياًً ولا نصرانياً فقد وفي بهذا العهد وذاك العقد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ومن ولاهم فقد نقض العهد ، وكان في معناه وسلوكه هذا يهودياً ونصرانياً صفته صفتهم ومعناه معناهم ، وإن كان مسلماً بالاسم والانتماء ، وإن ادعى أته موحد ثم خاطبهم بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).(1/265)
فبين سبحانه وتعالى أن موالاة اليهود والنصاري قد انتهي بالإنسان إلي الخروج من الإسلام والإيمان بالله. فيبدأ بموالاة خفيفة ثم تزداد وتتدرج إلي أن تنتهي به من حيث يشعر أو لا يشعر إلي الردة والخروج من حظيرة الإسلام نعوذ بالله من ذلك. فإذا ارتد إنسان بعد أن كان مؤمناً مسلما موحداً فالله غنى عنه ولن يضر إلا نفسه ، ولن يضر الله شيئاً ، وسيأتي الله بأقوام وجماعات أخرى فيهدهم إلي هذا الدين ويملأ قلوبهم بالإيمان يقومون على أمر هذا الدين فيحبون المؤمنين إخوانهم ويوالونهم ، وينصورنهم ويعادون الكفار على اختلاف مناهجهم ومللهم من يهود ونصاري وأهل شرك وأهل إلحاد ، يعادون الكفار جميعاً ويجافونهم ويقومون بالجهاد في سبيل الله بكل ما يملكون من نفس ومال وغير ذلك من الوسائل التى تناسب الحال ، ولا يخافون من أحد من أعداء الله خوفاً يجعلهم يوالونه. فالمؤمنون الذين يوفون بعهد الله وميثاقه من جنس أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ، من جنس خالد ابن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من الصحابة المخلصين والتابعين لهم بإخلاص وإحسان على مر العصور والدهور والسنين إلي يوم الدين ، رضي الله عنهم أجمعين.
وبين الله للمؤمنين أن وليهم ليس هو اليهود والنصاري الذين لا أمان لهم ولا عهد ولا ميثاق ، إنما وليهم وناصرهم ومؤيدهم هو الله وأمرهم أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.(1/266)
وقد وعدهم الله وعداً طيباً إن هم وفوا بهذا العهد وهذا الميثاق إن تخلصوا من ولاية اليهود والنصاري وكل الكفار والمشركين. وإن هم قصروا ولايتهم على الله ورسوله وعلى إخوانهم المؤمنين من أهل ملتهم ، من أهل الإيمان والتقى ، إن هم وفوا بهذا العقد والميثاق وعدهم أن يكتب لهم الفلاح والفوز في الدارين والغلبة على أعدائهم والنصر عليهم والظفر بهم وبما يمتلكون قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) .
3. تفسير سورة الأنبياء إجمالاً
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
فكل سورة من سور القرآن الكريم لها وحدة تدور عليها آياتها. ونتناول هذا إجمالاً في سورة الأنبياء.
لقد كان الكفار يعتقدون أن النبوة لا تكون في بشر ، إنما إذا أراد الله أن يرسل أحداً أرسله من الملائكة. أما البشرية والرسالة والنبوة فبينهما تناف. وهذه السورة جاءت لبيان أن البشرية لا تتنافي مع الرسالة. ودلل الله سبحانه وتعالة على هذه المسلمة في هذه السورة بذكر كثير من الأنبياء ، فذكر كل نب من هؤلاء الذين ذكرهم وذكر فيه صفة أو أكثر من الصفات التى تعلن بشريته وتدل عليها كل الدلالة. وبدأ الكلام في هذا بقوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) فبين أنه بشر وأنه سيموت كما مات من قبله من البشر. وأن بشريته بانتهاء أجله ، هو أمر مشترك بينه وبين غيره من جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين.(1/267)
ثم بدأ بذكر الأنبياء نبياً بعد نبى. ذكر موسى وهارون ، والعرب وقريش يسمعون في أسفارهم عن موسي وهارون لأنهم كانوا يسافرونك في متاجرهم إلي الشام ويعرفون من بنى إسرائيل أشياء عن موسي وهارون ، ففي الشام كان يعيش كثير من اليهود كما كان يعيش كثير منهم حول المدينة. وكان يعيش كثير منهم في اليمن والعرب كانوا يسافرون أيضاً إلي اليمن للتجارة.
فبدأ سبحانه وتعالى بذكر موسى وهارون وأنهم كانوا من الأنبياء ، وقد اشتهر أمرهم في نبي إسرائيل ، وكذلك في العرب لكثرة إختلاطهم باليهود والنصاري في أسفارهم ، وتجاراتهم ، ومساكنتهم لهم كما هو الحال للعرب الذين يسكنون المدينة ومن حولها. وقد كان موسي وهارون من البشر ، فليس هناك غرابة ولا بعد في أن ويكون محمد (() نبياً ورسولاً وهو من البشر.
ثم ذكر سبحانه وتعالى إبراهيم الخليل عليه السلام وذكر قصته وأنه أوذى وألقي به في النار ، ولكن الله تعالى نجاه من النار ، ثم خرج من داره مهاجراً إلي الله ، وهذا شأن البشر لا الملك. إنسان يؤذى ويؤخذ ويقهر ويغلب على أمره ، ويلقي به في النار لا يكون مالكاً ، لأنه لو كان ملكاً لصعد إلي السماء ، ولا يتمكن منه. فكان إبراهيم بشراً بشهادة الأحداث التى جرت عليه ، وكان رسولاً نبيا لا يختلف في ذلك. فمحمد (() أيضاً بشر لا تمنعه البشرية من أن يكون رسولاً نبياً.
ثم ذكر سبحانه بعد هذا لوطاً الذي أوذي ، وهجم عليه قومه في بته لما سمعوا أن عنده ضيوفاً فيهم الجمال والبهاء ، وكان قومه يأتون الذكران ويهجرون النساء ، ابتلوا بهذه المعصية وهذه الفاحشة كما سماها الله تعالى في كتابه.(1/268)
وكانت الملائكة قد أتوا لوطاً في صورة شبان حسان ولم يعلم لوط أنهم ملائكة. وسكتوا عن لوط ولم يخبروه بحقيقتهم وأمهله الله أيضاً فلم يخبره بشيء ولا أوحى إليه شيئاً لتتبين بشريته وعجزه ، وأنه لا يعلم شيئاً ولا يقدر علىو شيء حتى خشي عليهم من قومه وأعلن عن ضعفه في مواجهة قومه وعن ضعفه في حماية ضيوفه فقال معبراً عن هذا بقوله الذي حكاه الله تعالى (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) يقول لقومه الذين جاءوا يراودونه على ضيفه الذين ظنوهم بشراً وكذلك ظنهم لوط عليه السلام يقول لقومه (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) لأهلكتكم وعاقبتكم فعند هذا قالت الملائكة ( إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا ) فكانت مفاجأة للوط عليه السلام عندما عرف حقيقة أمرهم وأنهم ملائكة. فأمرته الملائكة أن يسري بأهله من الليل أي يخرج من البلد ولم يؤمن معه إلا عدد قليل من أهله. وخرج وأهله وإمرأته استجابة لأمر الله ولوحيه الذي جاءته به الملائكة وشاء الله سبحانه للمرأة - امرأة لوط - أن تتخلف وتتأخر قليلاً من العذاب والهلاك. جاء جبريل واقتلع الأرض من تحتهم ورفعها إلي أعلى ثم قلبها بمن فيها. وجعل عالي الأرض سافلها وهذا يتناسب مع ما اقترفه قوم لوط من قلب الفطرة والخلقة ، وهجر النساء الحلال اللائى جعلن مقضى الشهوات وحرث للأولاد واستبدالهن بالرجال.(1/269)
ثم ذكر الله قصة نوح عليه السلام وانه دعا قومه الى الله والى توحيده سبحانه وجرب معهم وسائل شتى فى الدعوة الا ان بيئة قومه كانت من البيئات الردية فلم تجد معهم الدعوة الى الاسلام والتوحيد دعا قومه جماعة بعد جماعة ، وطائفو بعد طائفة وجيلا بعد جيل وهكذا طيلة فترة تسعمائة وخمسين سنة ، تسعة قرون مضت وهو يدعوهم الى لا اله الا الله امره الله ان يصنع سفينة ففعل وكلما مر عليه ملأ وجماعة من قوم سخروا به وسخروا منه وهو ايضا يسخر منهم ويوقن ان العاقبة له من الله جل شأنه وان الدمار عليهم ولما جاء وقت الاهلاك امره الله ان يرتكب السفينة ويحمل فيها من آمن معه فانتاج وثمرة تسعمائة وخمسين سنة فى الدعوة حملهم جميعا فى السفينة ومعهم حيواناتهم الت يحتاجون اليها حمل هؤلاء جميعا فى سفينة واحدة ثم اغرق الله باقى قومه جميعا ، فالايذاء والتسلط الذي وقع من الكفار على نوح عليه السلام وامر الله له بصناعة السفينة واغراق الله لقومه وانجاء الله تعالى له ولمن معه من المؤمنين فى السفينة كان هذا كله عنوانا لبشرية نوح عليه السلام وقد كان نبيا رسولا فلا يبعد ان يكون محمد من البشر وان يكون نبيا رسولا .
ثم ذكر داود وسليمان عليهما السلام وما جرى على داود من الخطأ وهو شأن بنى ادم لان كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون اجتهد داود عليه السلام فى الحكم فى قضية من القضايا وهى قضية الغنم التى نفشت ورعت ، واكلت حرث قوم غير اصحابها واجتهد فى هذه القضية وأخطأ وعرضت نفس القضية على سليمان وحكم فيها بالصواب وكان حكمه مخالفا لحكم ابيه ، وتم لداود اجر على اجتهاده ولو كان مخطئا وحصل لسليمان اجران لانه اجتهد واصاب الحق وحكم فى القضية بالصواب .(1/270)
ثم ذكر الله ما علمه لداود من الصناعات فقد كان يصنع الالات المختلفة وخصوصا الاسلحة الحربية وغير ذلك ، وهذا كله من صفات البشرية سواء ما كان يتعاطاه داود من الصناعات او ما قد وقع فيه داود من الخطأ فى الاجتهاد فى الحكم وقد كان من سليمان وداود نبيا رسولا وقد كانا من البشر بكل ما فى البشر من الصفات فما المانع ان يكون محمد عليه الصلاة والسلام بشرا ونبيا رسولا .!
ثم انتقلت السورة الى ذكر ايوب عليه السلام وذكر الله جل انه ابتلاه فى صحته وماله واهله ومرض المرض الشديد ثم شفاه الله واعطاه الذرية واعطاه المال وهذه اعراض البشرية وقد كان نبيا رسولا فلا مانع اذن ان يكون محمد صلى الله عليه وسلم من البشر ثم يكون نبيا رسولا .
وذكر الله سبحانه وتعالى ذا النون وقد كان رسولا من عند الله وذو النون هو يونس بن متى عليه السلام انما سمى ذا النون وهو الحوت كان قد ابتلعه فنسب اليه فذو النون يعنى الحوت وكان يونس فى بطن الحوت محفوظا باذن الله تعالى فلم يهضمه الحوت كما يهضم الطعام وهذا كان باذن الله تعالى وكما ان يونس عليه السلام لم ينس ذكر الله تعالى فى هذا المكان الموحش فقد حفظه الله تعالى من شدائد ومحن وكروب فى الظلمات ومن اسباب الموت والهلاك التى توفرت وتدعت عليه لكن الله سبحانه وتعالى عطل اسباب الهلاك كلها عن ان تعمل عملها فى يونس وظل يونس حيا باذن الله تعالى ومحفوظت ومصانا من من كل الاذى حتى تجاه الله جل شأنه .(1/271)
فما حصل ليونس عليه السلام يدل على انه بشر واعراض البشرية ظاهرة فيه وواضحة وكان رسولا نبيا ودعا قومه الى الايمان والتوحيد والى طاعة الله وعبوديته فصدوا واعرضوا ولم يستجيبوا حتى حزن يونس عليه السلام على ذلك وضاق صدره وخرج من بين اظهرهم ظنا منه عليه السلام انه مخير بين الاقامة بينهم والرحيل عنهم على حسب ما يراه من المصلحة فى ذلك فخرج من بين اظهرهم فى الوقت الذى اوشك الايمان ان يدخل الى قلوبهم وظن ان الله لن يضيق عليه فى هذا الخروج فخرج وركب سفينة لتنقله بعيدا عن قومه فثقلت بهم السفينة وحاصرتهم امواج البحر حتى كادوا يغرقون جميعا فارادوا تخفيف حمو لة السفينة وليس احد من ركاب السفينة اولى فى النجاة من الاخر فاقترعوا واستهموا فيمن يلقون من الركاب فيكون ضحية وفداء للاخرين فقرع يونس عليه السلام فرموه فى البحر فوقع فى ضيق اشد من الضيق الذى كان فيه بين ظهرانى قومه اذ اصبح فى ظلمات البحر والحوت والليل وغير ذلك من ظلمات وفى الظلمات سبح يونس ربه عز وجل ودعاه واعترف على نفسه بالظلم والتقصير فقال () إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فحفظه الله تعالى وتجاه من هذه الظلمات كما سبق الارشاه اليه فسياق هذه القصة وما فيها يدل بما لا يدع مجلا للشك على بشرية يونس عليه السلام وانه كان رسولا نبيا فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو من البشر كان نبيا ورسولا وكما لم تمنعه البشرية يونس من النبوة والرسالة لا تمنع بشرية محمد من ان يكون نبيا ورسولا عليهم جميعا الصلاة والسلام .(1/272)
ثم جاء بعد هذا ذكر زكريا عليه السلام وهو أحد انبياء بني اسرائيل وكانت زوجته عقيما لا تلد وقد بلغ من الكبر عتيا اى بلغ سنا لا يستطيع معه ان ياتى النساء لكبر سنة وضعف قوته لكنه لما راى مريم عليها السلام وعبادتها لربها تبارك وتعالى وان اثر هذه العبادة والتقوى ظهر فى الدنيا قبل الاخرة وانه كان ياتيها رزقها بكرة وعشيا وفى كل حين ووجد منها اشياءهى خوارق للعادات التى يعرفها فى البشر لما راى الصلاح فى مريم اشتاقت نفسه للولد الذي يرى فيه الصلاح التوزقى فرغب الى ربه تنعالى وطلب منه ان يعطيه الولد فاستجاب اللهخ تعالى لدعائه ولبى رعبته ووعده بالولد ولكن زكريا يريد ان يطمئن ويزداد ايمانا بموعود الله له لانه بشر هو وزوجته بالولد فى حالة الا تسمح لهما بالانجاب فى عرف البشر وما جلات له عاتهم فلذلك يريد ان يزداد اطمئنانا وايمانا اذ هو لا ينكر على ربه ان يخلق ما يشاء لانه سبحانه وتعالى القادر على كل شيء ولا يعجزه شيء ولذلك قال : () رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ).(1/273)
ثم ()قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً) وفى الآية الاخرى () إِلَّا رَمْزاً ) فكان اذا اراد ان يتكلم مع الناس فى الكلام العادى لا يستطيع ذلك طيلة هذه المدة ولا يستطيع ان ينطق وانما يفهمهم ما يريد بالاشارة والرمز ولم يكن هذا لعيب فى ألة نطقة ولا لمرض طرأ عليه وانما هذه آية من الآيات ولذلك فهو اذا اراد ان يسبح واراد الذكر انطلق لسانه اما اذا اراد الحديث مع الناس انعقد لسانه فكان هذا ايضا آية من آيات البشرية وقد ذكر الله تعالى شيئا من الاسباب العادية التى يرتب عليها الود يقول سبحانه () وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) وما جعلها تلد وهى على حالها ووضعها ولكن اصلحها الله للحمل والوضع وازال ما كان بها من عقم ومن اسباب تمنع حملها فقد جعل الله سبحانه وتعالى فى زوجة زكريا واستعداد للحمل ولذلك قال تعالى (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) فالله سبحانه وتعالى اوجد الاسباب العادية فيها بعد ان كانت مفقودة .
وذكر الله عنهم هذا فى القرآن فقال تعالى ()وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه) فلم تصبح على حالها الاول الذى كانت عليه قبل ان تحمل بل هيئت تصلح نعها للحمل فكان زكريا اعجز من ان يهب لنفسه ولدا بل طلب من الله ان يعطيه الولد وان يمنحه اياه فهذا عنوان البشرية ومع ذلك كان رسولا وكان من البشر ومحمد رسول الله وهو من البشر ولا غرابة ولا بعد فىهذا .
اما مريم عليها السلام فلم تكن نبيه ولكن وهب الله لها عيسى عليه السلام وحملت بدون زوج والله الذى اصلح زوجه زكريا فصارت تستطيع الحمل بعد ان لم تكن تستطيعه هو الذى جعل مريم تحمل بدون زوج باذنه تعالى وذكر الله سبحانه هذا فى القرآن فقال () فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ).(1/274)
فالقصد ان كل هؤلاء جميعا من البشر وقد وصفه الله تعالى بذلك واظهر فيهم اعراض البشرية قد كانوا رسلا وانبياء او او صديقين مصطفين فلا يستبعد ان يكون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا وهو من البشر .
لقد وصف الكفار الرسول عليه الصلاة والسلام بصفات كثيرة مفتراه عليه وليست من صفته ولا من خلقه رموه بالسحر والكذب والكهانة ووصفوه بالبشرية كما ورد فى اول السورة فى قوله تعالى : ( )مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ( هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) فكيف يكون رسولا فذكر الله انبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك فى نبوتهم وقد ذكر الله عز وجل لهم من الاعراض ما لا يدع مجالا للشك فى بشريتهم .(1/275)
والعرب كانوا يعرفون ان هؤلاء المذكورين فى السورة انبياء ورسل فقد كان العرب اهل اسفار وتجارة ، وقد ذكر الله عز وجل انهم كانت لهم رحلتان جنوبا فى الشتاء وشمالا فى الصيف ومن خلال هاتين الرحلتين وغيرهما عرف العرب هؤلاء الانبياء والرسل وعرفوا قصصهم بالمخالطة مع الاقوام الاخرين فى البلاد التى كانوا يسافرون ويتجرون اليها. فذكر لهم أمثالاً تاريخية في بشر صاروا رسلاً. والواقع شاهد برسالتهم. فيرد عليهم إنكار رسالة محمد من أجل بشريته في قولهم ( هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) فكيف يكون نبيا رسولا ( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)أسروا النجوى فبين الله لرسوله(() أنه يعلم السر وأخفى وهو السميع كامل السمع عليم كامل العلم (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أخلاط في الكلام ، مخبول يتكلم كلام المخابيل ( بَلِ افْتَرَاهُ ) كذاب ، ( بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) الشاعر مثل الكهان الذين يلفقون الكلام ويكذبون فيه ويبالغون ، ويقولون أعذب الشعر أكذبه (فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ). الله عز وجل ذكر البشرية بعد ذلك فقال (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ). ثم ذكر قصص الأنبياء ثم ختم السورة بمثل ما بدأ به فقال (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).(1/276)
…يعنى أنا بشر ولكن يوحى إلي (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وما يوعدون هو ما يطالبون به من الآيات والمعجزات وربما كان ما يوعدون يعنى يوم القيامة (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ) وهو نظير قوله تعالى في أول السورة (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وبعده يقول سبحانه (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) لعله فتنه لكم ومتاع إلي أجل مسمى ثم الله يقضي بإنهاء الدنيا وإفنائها كما يشاء وكما يريد. (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) والذي وصفوه في صدر السورة أن ما جاء به من الوحى أضغاث أحلام وأنه قد افتراه ، وأنه شاعر ، وأنه ساحر وأنه مجنون وغير ذلك مما ألصقوه به من الأوصاف التى ذكروها ورموه بها في السورة وهو منها براء. وبهذا يعرف أن للسورة وحدة تدور الآيات حولها وهي هنا إثبات أن البشرية غير منافية للرسالة وذلك بذكر كثير من الأنبياء الذين شهد الواقع وشهدت الأمم بأنهم رسل. وقد ثبتت نبوتهم تاريخاً حتى عند العرب. قد كان العرب يتمسحون باليهود ، لأنهم أهل كتاب وبعضهم كان يرسل أولاده إلي اليهود ليعيشوا بينهم وينالون منهم البركة.
…وهكذا نجد أن أول السورة وأخرها يرتبط بعضه مع بعض في وحدة مشتركة. وهذه السورة مكة . وكغيرها من السور المكية في القرآن فإنها ترتكز على الأصول الثلاثة ، إثبات التوحيد والدعوة إليه ، وإثبات وقوع اليوم الآخر وإقامة الأدلة عليه ، إثبات التوحيد والدعوة إليه ، وإثبات وقوع اليوم الآخر وإقامة الأدلة عليه ، إثبات الرسالة وبيان عدم منافاتها للبشرية.(1/277)
…وأسأل الله جل شأنه لي ولكم التوفيق والسداد. وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ، وطهارة لنفوسنا إنه سبحانه وتعالى مجيب الدعاء. وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد.
س1 : سئل الشيخ : ما معنى نقشت فيه غنم القوم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : إنتشرت فيه غنم القوم وأكلت. فحكم أن الغنم تدفع إلي أصحاب الحرث فينتفعون منها بكل نفع فيكون لهم أولادها وألبانها وغير ذلك من منافعها ويقومون برعايتها في حين يقوم أهل الغنم بإصلاح الحرث والقيام برعايته وربايته حتى يرجع إلي الحال التى كانت عليها قبل أن تنقش فيه الغنم. فيرجع كل شيء إلي أصحابه فيأخذ أهل الحرث حرثهم ويأخذ أهل الغنم غنمهم.
4. تفسير سورة الإنفطار
(ِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ *َإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ *وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ *وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ *عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون *إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ *يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ).
…الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.(1/278)
…فن الله تعالى شأنه قد ذكرنا وبالآخرة وما فيها من أهوال ، من أول بدئها عند تخريب الدنيا إلي أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. وكرر هذا في كثير من سورة القرآن الكريم ليعتبر الناس ويتذكروا ، ويتقوا ربهم فيطيعوه ويخشوه.
…ومن السور التى ذكر الله جل شأنه فيها أخبار يوم القيامة سورة الانفطار ، وسورة التكوير وغيرها من السور كثير من سور القرآن تتناول هذا الموضوع. وسورة الانفطار قد بين الله فيها أنواعاً من أهوال يوم القيامة :
أولاً : حالة التخريب التى تلحق هذه الحياة الدنيا عند نهايتها ، وبدء يوم القيامة الذي يحاسب فيه العباد ويجازيهم فيه على أعمالهم.
ثانياً : نفى أن يكون هناك من قبل الرب ما يغتر به المخلوق اغتراراً يعذر به.
ثالثاً : بيان أن كثير من الناس كذبك بيوم الدين مع وجود الأدلة والبراهين الواضحة التى تمنع ذلك التكذيب.
رابعاً : تقسيم الناس إلي أهل نعيم وأهل جحيم ، إلي أبرار وإلي فجار.
أما الأمر الأول : فذكر الله عز وجل فيه قوله تعالى : (ِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ) ومعنى انفطرت يفسرها قوله تعالى في السورة الأخرى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فانفطرت معناها انشقت. انفطر : انشق . وفطر البئر : حفرها وشقها يطلب خروج الماء منها.
(إِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ) يعنى تساقطت عند فقد التوازن. الله سبحانه وتعالى هو الذي يفقدها توازنها وتماسكها ، ويخل نظامها. فتختل بعد انتظام ، وتظلم بعد أن كانت نيرة.
(وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) الأرض وما فيها من مياه لها نظام تسير عليه نظمها الله جل شأنه ، فجعل بعضها يبساً ، وبعضها ماء. والماء بعضه حلو وبعضه مر.(1/279)
وجعل بين البحرين حاجزاً لمصلحة العباد ، ورحمة بهم كما قال سبحانه (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) بين الملح والعذب برزخ من اليابس فلا يبغي الملح على العذب ، ولا العذب على الملح. فيظل كل منهما في مكانة محتفظاً بخواصه لمصلحة العباد ومنفعتهم.
…أما عند قيام الساعة يفجر الله اليبس حتى يختلط الملح بالعذب ، فلا يصلح لبقاء العالم ، وينتهي اليبس الذي كان يعيش عليه الناس. تنشق الأرض وتتفجر منها المياه. ويصير الكل مالحاً.
()وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) بعث ما فيها من الأموات وأخرج ما فيها من الكنوز ويصبح ما في باطنها ظاهراً على سطحها ، ويبعث العباد أحياءً بعد أن ماتوا ، والله قادر على كل شيء. عند ذلك تعلم كل نفس ما قدمت من أعمال وما أخرت من خير وشر. من خير فعلت تثاب عليه ، ومن شر تركت تثاب عليه. ومن خير تركت وشر فعل فتعاقب عليه. أو ما قدمت من أعمال وصدقات . وما أخرت من تركات وأموال.
…وفي هذا اليوم تتطاير الصحف ، كل أحد يأخذ صحيفة أعماله إما بيمينه أو بشماله. فيفرح أهل الخير ويهنأ بعضهم بعضا. أما الأشقياء فيتمنوا ألا يكونوا قد خلقوا ، وكانوا يتمنون ألا يكونوا قد بعثوا. وألا يكون هناك حساب ، ولا عذاب ، ولا نعيم. هذا هو الأمر الأول. وهي أحداث تقع عند قيام الساعة ، وعلم كل نفس بما كسبت من خير أو شر ، وما قدمت وأخرت من خير أو شر عندما تتناول صحيفتها باليمين أو بالشمال.(1/280)
…الأمر الثاني / هو أنه ليس هناك من الله جل شأنه لا من صفاته ولا من أفعاله ما يغتر به المرء حتى يكفر بنعمة الله ، وحتى يخرج من دينه ويتعدى حدوده. بل هناك مل يوجب على العبد أن يقوم أخلاقه وأن يستقيم على الشريعة التى بعث الله بها رسله صلي الله عليهم وسلم يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) *)الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) يعنى أي شيء غرك بربك الكريم ، والكريم شأنه أنه حكيم في عطائه وفي منعه ، لا يعطى إلا من يستحق العطاء أو كانت الحكمة والمصلحة في إعطائه. ولا يمنع إلا ما كانت الحكمة في منعه. هذا أما السفيه : الذي لا حكمة عنده فقد يحسن إلي المسيء فيعطيه ، وقد يسيء إلي المحسن فيمنعه ، فعمل السفيه وتصرفه لا يستند إلي علم بالمصلحة ولا يستند حكمة في العطاء والمنع.ولكن الله عز وجل كريم وحكيم وعليم ومن حمته انه يضع كرمه فى اهل طاعته وان يضع عقوبته فى اهل معصيته فكرمه سبحانه وتعالى ليس سببا ولا ينبغى ان يكون سببا فى غواية الناس وضلالهم بل يجب على العباد ان يشكروه وان يعبدوه وحده لا شريك له وان يتجنبوا معصيته شكرا له سبحانه وتعالى على جوده وكرمه الذي اكرمهم به فقد خلقهم فى احسن صورة وفى احسن تقويم وكرمهم كما قال تعالى : ()وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .(1/281)
فمقتضى ان كرمهم ان يستقيم العباد على شريعة الله التى بعث بها رسله فان مصلحتهم فى ذلك وفى ذلك سعادتهم وزهدايتهم وكان مقتضى كرمه ان يستقيموا على شرعه سبحانه وان يسلكوا سبيل طاعته قال تعالى ()هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) خلقهم فعدلهم فصاروا فى اكمل هيئة واحسن تقويم قال تعالى : ()لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) تناسق وتكامل بين الاعضاء والاجهزة وفكر وعقل يميز بين الطيب والخبيث بين الخير والشر ثم شريعة تكمل ادراكه وتميزه بين ما نفعه وبين ما يضره هذا كله احسان منه سبحانه وتعالى الى خلقه والى عباده وكان مقتضى هذا الاحسان الشكر والاتنان لا الجحود والنكران .
( ا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) .
ثم ذكر الله جل شأنه الامر الثالث وهو ان كثير من العباد كذب باليوم الاخر وكفر به بدلوا نعمة الله كفرا مع ان الله جل شأنه قد ذكرهم فى كتابه وعلى السنة رسله بانه جعل عليهم ملائكة كرام كاتبين ما يفعلون يكتبون عندهم فى صحف ويسجلون فيها الحسنات والسيئات زيادة على علم الله المحيط بما كان وما لم يكن وما سيكون ومحيط باعمالهم واحوالهم فعلمه محيط وهو مطلع وشاهد على ما ظهر منهم وما خفى وكان كافيا ومع هذا رتب ملائكة يكتبونو ويسجلون افعال العباد وما عملوا من خير وشر كما قال الله تعالى ( كلا ) وهى كلمة زجر تزجرهم عن الاغترار بكرم الله سبحانه وتعالى ، وان اقرارهم بكرم الله سبحانه وتعالى يوجب عليهم عكس ذلك فكأنه يقول انزجروا عن اغتراركم بربكم .(1/282)
ثم انتقل سبحانه وتعالى الى الاخبار عن تكذيب بعض الناس بيوم القيامة مع وجود ما يمنع من هذا التكذيب فيقول سبحانه : ()وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) هم يكتبون عن بينه وعن بصيرة كما قال تعالى :
فى آية اخرى فى سورة ق والقرآن المجيد ()مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ما يلفظ اى انسان من قول يتكلم به الا لدية وعنده ملك رقيب يراقب اعماله اعمال الخير ، وملك اخر يراقب اعمال الشر وعتيد يعنى دائم وفى هذا ما يدعو العبد الى الابتعاد عن المعاصى والشر ويدعوه الى الاقبال على مايرضى الله ربه تبارك وتعالى .
والامر الرابع وه انقسام الناس الى فريقين ابرار وفجار اهل نعيم واهل جحيم وهذا فى قوله تعالى ()إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) الابرار هنا كلمة جامعة تشمل كل من آمن حتى من ارتكب بعض المعاصى من المؤمنين فهم ناجون وفائزون حتى وان كان منهم من يعذبون على معاصيهم الا انهم لا يخلدون فى نار جهنم بل يغفر الله لهم ويرحمهم ويشفع فيهم الشافعين .
المقصود ان الابرار كلمة جامعة لاهل الايمان الذين قيمهم الله فى السور الاخرى الى قسمين فتشمل كلمة الابرار اصحاب اليمين والسابقين المذكورين فى سورة الواقعة .
()وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) هذا قسم الكفار الذين يدخلون النار فى اول الامر ويصلون سعيرا وييأسون من الخروج من جهنم لا يموتنون فيها ولا يحيون ولا يخرجون منها ولا هم يستعينون بل يخلدون فيها ابد الابدين .
()وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ) يوم القيامة ذلك اليوم الذى لا تصريف لاحد فى شيء اما فى الدنيا فالناس يتصرفون فى بعض الامور بما شاء الله واذن لهم اما يوم القيامة فلا تصرف لاحد فى شيء ولا مليكة لاحد فى امر بل التصريف لله وحده لا شريك له .(1/283)
ومعنى يصلونها يعنى يقاسون عذابها وسعيرها وشدائدها واهوالها وما فيها م بلاء وعذاب .
( يوم الدين ) يوم يدين الله كل نفس بما كسبت ومعنى يدين يعنى يحاسب ويجازى .
قوله تعالى ك ()وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) يعنى لا يخرجون منها ولا يقبل منهم فدية ولا عذر فالفجار لا يغيبون عنها ثم هول وفخم امر يوم القيامة فقال ()وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ) يقول الله انت لا تستطيع ان تتصور وتتخيل ما فى يوم الدين من الاهوال والعظام والشدائد والفزع يوم يعطى كل ذى حق حقه انت لا تستطيع بكل ما فيه من دقائق وتفاصيل والذي يعلم حقيقته وتفاصيله وما فيه انما هو وحده لا شريك له ثم بين الله جل شأنه ان الاحاطة به وتصريف الامور يومئذ امر مختص به .
يقول ()يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) لله وحده لا شريك له والله يذكرنا باهوال يوم القيامة من بدء تخريب العالم الى ان يدخل العالم الى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وانه وحده هو المتصرف فى هذا اليوم لا ملك مقرب ولانبي مرسل بل الكل خائف ومشفق حتى اعظم الخلق جميعا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يريد ان يشفع عند الله لصرق الناس من الموقف وهو له الى مستقرهم ومثواهم وعندما يريد ان يشفع هذه الشفاعة فيسجد تحت العرش معلنا العبودية لله وحده لا شريك له ليبين للناس انه لا يشفع بحوله وقوته صلى الله عليه وسلم انما يشفع بذلة وخضوعه وعبوديته لله سبحانه وتعالى ثم تكون الشفاعة عبد اذنه ومشيئته سبحانه وتعالى وفى هذا تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقبل شفاعته ويجيبه الى طلبة فيرحم العباد ويبدأ الحساب .(1/284)
فهذا خير خلق الله صلى الله عليه وسلم عندما ياتيه اهل الموقف ليشفع بعد ان يكونوا قد ذهبوا قبله الى آدم والى اولى العزم من الرسل عندما يأتى أهل الموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع فيهم ويقول انا لها ، انا لها ، مع هذا يسجد تحت العرش اعلانا واظهارا للعبودية ثم يثنى على ربه ويمجده ويحمهد بمحامد تفتح عليه وقتئذ ولا يرفع رأسه حتى يقول الله ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط وعند ذلك يبدأ فى الشفاعة .
موقف العباد امام ربهم يوم القيامة موقف العبودية والذل والخضوع له سحانه فلا يملك الشفاعة عند الله احد من العباد الا بعد مشيئته فهو سبحانه لا شريك له هو الذي يملك الشفاعة ()قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) : () مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) هذا هو الحال الذي يكون عليه العباد يومالقيامة فالله سبحانه وتعالى يذكرنا بيوم القامة فى كثير من الآيات والسور فى القرآن الكريم .
من وقت لاخر يذكرنا بامور نعيشها ونمارسها فى امور حياتنا ومعيشتنا فالنار الت نشغلها لكي ننتفع بها فى الدنيا هذه النار تذكرنا بيوم القيامة ()أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) .
فلو ان الناس كلما شاهدوا النار او اشعلوها تذكروا نار الاخرة وتذكروا ان نار الاخرة اضعاف نار الدنيا وان نار الدنيا هى فقط رمز لنار الاخرة ونار الاخرة فوقها بمراحل ومدد لو تذكر الناس هذا لحيت قلوبهم ولكان ذلك من خير الوعظ والتذكير لهم .(1/285)
كذلك الله سبحانه وتعالى يأتينا بالوان من الحر والبرد فالحر يذكرنا بحر جهنم والبرد يذكرنا بالزمهرير الذي يكون فى جهنم ايضا ففى جهنم يعذب بعض الناس بالزمهرير والبرد وما بردنا وما بردنا فى الدنيا الذى نستعد له فى الشتاء بشيء فى مقابل حرارة جهنم وبرد الزمهرير يوم القيامة هذه ايضا من المذكرات التى يرسلها لنا او وضعها لنا فى الكون الذى نعيش فيه فيجب علينا ان نتدبر آيات القرآن القرآن نتعظ بالآيات الكونية التى تذكرنا بيوم القيامة .
ومن ذلكم المرض الذي يشرف به الانسان علىالموت ثم يتراجع عن معاصيه ويعطى الله العهود والمواثيق بان يطيع الله ولا يعصيه لكنه بعد ان يعافيه الله ويشعر بالقوة يرجع الى ما كان عليه من المعاصى والتفريط فى الطاعات .
المذكرات كثيرة منها الكونى ومنها الشرعى القولى ومنها الخطب المواعظ وغيرها ومع ذلك نجد كثيرا من العباد يرتكس فى المعاصى ويفرط فى الطاعات فى اوامنر الله سبحانه وتعالى .
فيجب علينا معشر الاخوان ان نتدبر الآيات الكونية والآيات الشرعية عسى ان نستقيم على الطاعة وعسى ان نجد فيها لذة تدفعنا الى المزيد منها وصلى الله وسلم على سيدنا محد والحمد لله رب العالمين .
5- آيات من سورة الأعلى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، صلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى أله وصحبه وسلم وبعد ..
فانصح نفسي وةاخواني بقول الله جل شأنه ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) .
وفى هذه الآيات ذكر الله عز وجل ثلاث موضوعات :
الأول : النصح للإنسان وارشاده إلي ما ينفعه في دنياه وفي أخراه.
الثاني : التذكير بطبيعة الإنسان وتحليل هذه الطبيعة الإنسانية(1/286)
الثالث : إن هذا الموضوع الأول وهذا الموضوع الثاني هما من الأمور المتقدمة في الكتب التي أنزلها الله على خليله إبراهيم عليه السلام ، وعلى عبده وكليمه موسي على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام. وأنزل تقرير هذا أيضاً في القرآن الكريم الذي أنزل على عبده ورسوله محمد (().
أما الأمر الأول : فالله جل شأنه أخبره أن الفلاح والفوز ملازم تمام الملازمة ، ومتقرر في حكم الله تعالى لمن تزكى وتطهر من الشرك والمعاصي ، ونمى أعماله الصالحه بتقوى الله جل شانه ، فعلاً لما أمر الله به سبحانه ولما أمر به ورسوله (() ، وبعداً عما نهي الله سبحانه وتعالى عنه وبعداً عما نهى عنه رسوله (() . وذكراً لأسماء الله جل شأنه وما له من العظمة والوقار. فذكر أسمائه جل علاه يورث في القلب إيماناً وجلالا وهيبة تنبع من المعانى التى يفهمها العبد من ذكر هذه الأسماء المقدسة واستحضارها في نفسه. فذكر العبد لبعض أسمائه مثل اسمه الرحمن ، والرحيم ، واسمه العليم والحكيم ، والغفور والودود وغيرها من هذه الأسماء تملأ قلب ابن آدم بالخير والطاعة والإقبال على الله.
…ومن ذكر اسم الله الجبار ، وذكر اسم الله المنتقم وتيقن أنه سبحانه شديد البطش ، وشديد العقاب ، وأدار في خاطره آثار هذه الأسماء في الخلق، وفي الناس سابقهم وحاضرهم ، واستحضر ما في هذه الأسماء من معنى الجبروتية والعقوبة لكل من خالف أمره ، فإن قلب العبد يمتلأ هيبة وخوفاً ، وخشية من ربه سبحانه وتعالى فيدفعه ، هذا الذكر لأسمائه التى فيها معانى الرحمة واللطف والإحسان والمغفرة والعطف للإنسان يدفعه إلي محبة الله والإقبال على طاعته وحده سبحانه وتعالى.
…وذكر الإنسان لأسماء الله التى فيها ومعنى الجبروتية والإنتقام والبطش ، ذكر الإنسان لهذه الأسماء ولهذه المعانى يملأ قلب العبد خوفاًُ وذلاً لله عز وجل.(1/287)
…فالمحبة والخوف الذان يتوالدن من معرفة أسماء الله هما ضروريان لاستقامة العبد وطاعته لربه وبعده عن معصيته.
…يقول الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) قد أفلح وفاز من تزكى وتطهر من الشرك ورواجس الشرك. وزكى نفسه أيضاً بإلزامها بالطاعات والقربات. وزكى نفسه أيضاً ونماها بذكره لأسماء الله فلما فعل هذا وهذا صلي الله الفرائض وصللا لله النوافل. فقوله تعالى : (فَصَلَّى) تشمل كل أنواع الصلوات من فرائض ونوافل ورتب ذلك على ذكر الإنسان لربه لأن الذكر إذا تشعبت به النفس ، وخالطت بشاشته القلب أثمر هذه الثمرة المباركة. وهي الإقبال على الطاعات التى من أهمها الصلوات فرضاً ونفلاً.
…أما الأمر الثاني فهو تحديد طبيعة الأنس ، وبيان السنة الكونية في إقبال الناس على الدنيا أكثر من إقبالهم على الآخرة وأكثر من إقبالهم على العمل للآخرة. يقول الله تعالى في هذا (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) شبل تقدمون الأعمال التى تكسبكم مالا ونفعاً دنيوياً عاجلاً وجاها ووجاهة ومناصب في الدنيا تقدمون هذا وتؤثرونه وتولونه جل اهتمامكم وتبذلون فيه معظم سعيكم وجهدكم ، وتهملون العمل لما ينفعكم في الآخرة من الأعمال الصالحات وترك المنكرات هذه هي طبيعة الناس. والواقع يصدق هذا ، وكلام الله حق وصدق ولا يحتاج إلي برهان ليدل على صدقه فواقع الناس هو على وفق ما قال الله (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).(1/288)
…فإذا نظرنا في واقع الناس وجدنا أكثرهم كافراً. ويقول الله جل شأنه (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ثم إذا نظرت في واقع المؤمنين وجدت أن الانحراف قد دخل على الكثير منهم وخاصة في عهدنا ، ولا ندرى ماذا سيكون بعد عهدنا. ربما يكون انحرافهم أشد وأخبث. المقصود أن فيمن يؤمن بالله واليوم الآخر انحراف عن طاعة الله ، وتقصير في أداء الواجبات من الصلوات والزكاة وغيرها من أنواع القربات وفيهم جرأة على معاصي الله ، والتشبه بأعداء الله وبمن غضب الله عليه ولعنه ، في ملبسهم ومطعمهم ومشربهم وغير ذلك من أمورهم ، وتفكيرهم وأخلاقهم وأعمالهم ، وفي المسلمين كذلك من يعرض عن هدى النبي (() وشرعه في كثير من التصرفات والسلوكيات والأخلاقيات اليومية.
…فالأسماء إسلامية ، والسلوكية بعيدة عن الإسلام وهذا مصداق لقول الله جل شأنه (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ثم حث الله جل شأنه على العمل للآخرة فقال (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) فالواجب على المسلمين أن يجهدوا أنفسهم في العمل للآخرة. إذ خيرات الدنيا ومتعها قليلة إلي جانب ما في الآخرة من النعيم المقيم ثم أن متع الدنيا زائلة فانية ومتع الآخرة ونعيمها مقيم ، ومتع الدنيا وملذاتها تشوبها التكدير والتنغيص ولا يصفو فيها عيش لأحد مهما كان من أمره وأمر ما يملك من وسائل الملك ونعيم العيش ، لابد وأن يعتريه التكدير أما نعيم الآخرة فسيكون خالياً من الكدر ، خالصاً من المنغصات.(1/289)
…ثم أن متع الدنيا وملذاتها مع كونها زائلة وفانية ومصحوبة بالكدر والتنغيص في كل أحوالها كسباً واستعمالاً واستمتاعاً ، فإنه يعقبها الحساب والتقصي على كل صغيرة وكبيرة منها. ولابد من جزاء ثواباً أو عقاباً على هذه المتع والملذات كما قال سبحانه وتعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) وقال (() " لا تزول وقدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما ابلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وماذا عمل في علمه".
وهذا تحليل لطبيعة الإنسان وبيان لما يحب أن يكون عليه الإنسان في دنياه ، ونما يجلب له السعادة والخير في دنياه وأخراه ، فيسعد في الحياة الدنيا باتباعه لشرعة الله ويسعد السعادة الأبدية فى اخراه فيقول تعالى ()بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) والاخرة خير وابقى فينبغى ان يكون حال المسلم عكس ما هو عليه حال الناس فيجب ان يصرف همته للعمل من اجل سعادته فى الاخرة واتن عمل شيئا لامر دنياه يحسن فيه النية وانه انما يفعل ذلك للاستعانة به لعى طالعة الله وتنفيذ الاوامر والتقرب الى الله عز وجل بما كسب وحصل من امور الدنيا فينوى بكسبه عفة نفسه واولاده عن الاحتياج وللسؤال والمذلة لغير الله تعالى .
فان العبد اذا احسن النية وقصد قصدا فى عمل المباح فانه يتحول بالنية الى قربة وطاعة وعمل صالح والنبى صلى الله عليه وسلم يقول " انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى " .(1/290)
واما القضية الاخيرة بيان الى ان هذا الحكم الذى 1كره الله جل شأنه فى هذه الآيات ليس حكما خاصا بهذه الأمة وانما هو حكم متقرر أنزله الله فى الكتب الماضية وقرره الله ايضا فى كتابه الذي انزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فهذه سنته التى لا تتبدل ولا تتغير فى تشريعه وفى حكمه وقضاءه الشرعي ()إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) اى ان ما ذكر من الاخبار والاحكام التى تليت فى هذه الآيات فى الصحف الاولى ما هى ؟ هى تلك الصحف التى انزلها الله على رسوليه ابراهيم الخليل عليه السلام وصحف موسى بن عمران عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام وهى التوراة فهى عظات وعبر قد تقررت فى القديم والحديث من الشرائع - وصلى الله وسلم على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــ
7- فتاوى التفسير
س1: سئل الشيخ : عن تفسير قوله تعالى ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا )؟
فقال الشيخ - رحمه الله : " آي توفيقها ولو حرف امتناع لامتناع الامتناع آي امتنع ك لنفس هداية التوفيق لامتناع مشيئته ذلك فالمراد بالهداية التى لم يشأ الله ان يؤتيها لكل النفوس هى هداية التوفيق والإسعاد وليست هداية التبيين والإرشاد .
س2: سئل الشيخ : عن قوله تعالى ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : هو يخلف العباد ولا يخلفه أحد وقوله ( خَلائِفَ الْأَرْضِ ) بعضكم يخلف بعضا .
س3: سئل الشيخ : عن قوله تعالى : ( بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ......) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : جلد الانسان الذى يطيع الله تعالى يموت ويتجدد جلد غيره بخلايا أخرى فى أثناء حياة الانسان فكذلك العصاة يبدلهم الله تعالى جلودا من هذا النوع ولو لم يعصوا الله تعالى فيها ثم ان الخوض فى ذلك تدخل فى شأن الله تعالى لا يجوز وسوء أدب من العبد ان يتدخل فى شأن الله الخاص به .(1/291)
س4: سئل الشيخ : عن قوله تعالى ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : خلق الإبل غريب ومأخوذ منها طريقة بناء المساجد على صورة القبة بلا أعمدة كجامع السلطان حسن بمصر والمقصود بالنظر وهو وسيلة الى الفكر كبقية أبواب الحس ، كالحواس الخمسة .
س5: سئل الشيخ : عن الفرق بين الكفر والفسوق والعصيان فى قوله تعالى : ( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : الانسان مفطور على الخير بحيث انه إذا لم تؤثر فيه البيئة اختار الخير لحديث : ( كل مولود يولد على الفطرة ) وحديث : ( انى خلقت عبادي حنفاء كلهم ) وهو شامل لفطرته على الخير فى الجسم والخلق والعقيدة ولا يعارض قوله تعالى ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) وقوله تعالى ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) لان هذا طارئ بدليل قوله : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) .
س6: سئل الشيخ : عن معنى حديث : ( ابى الله ان يجعل لقاتل مؤمن توبة ) ؟
فقال الشيخ - رحمه الله : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقّ) الى قوله : ( إلا مَنْ تَابَ .... ) الآيات .
ولكن حق المقتول لا يسقط إلا بعفوه او آخذه بحقه يوم القيامة من حسنات القاتل آما حق الله فتنفع فيه التوبة وحق أولياء الدم تنفع فيه الدية .
س7: سئل الشيخ : عن معنى الآية : ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )؟
فقال الشيخ - رحمه الله : هو الطفل غير المميز الذى لا يعرف الحسن من القبيح ولا يعرف ما تعاب به المرأة وما يستحسن منها ويكون الطفل كذلك غالبا قبل سن السابعة .
س8: سئل الشيخ : عن الاستئذان المذكور فى سورة النور ؟(1/292)
فقال الشيخ - رحمه الله : الاستئذان المذكور فى سورة النور للمحارم وللأجنبي من باب اولى لانه افحش .
رابعا
الحديث النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
1- شرح حديث الحلال بين الحرام بين
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ان الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات يوشك ان يقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه إلا وان فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهى القلب " .
فى هذا الحديث يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الأشياء وأعمال الناس ثلاثة أقسام : قسم بين حله وواضح انه من الحلال لصراحة الدليل الذي يدل على حله ولحسن فهم الانسان وحسن تطبيق الانسان .
وقسم آخر يتبين انه محرم لصراحة الأدلة تدل على تحريمه مع حسن تطبيق الانسان لما فهمه من الدليل على ما يأتيه من أعمال او يحدثه من أعمال .
وقسم ثالث دائر بين الحلال والحرام ولا يتضح لاى قسم منهما ينتمى لخفاء الدليل الذي يدل عليه ولغموض فيه آما آيه فيها إجمال واما حديث فيه اجمال فيشتبه آمر فهمه على من يبحث فيه وعلى من اطلع عليه قراءة او سماعا فيشتبه آمره عليه فلا يدرى هل هذا يدل على الحل آم هو يدل على الحرمة فمن اجل الاشتباه لم يعرف الناظر فيه انه من قبيل الحلال الصرف او من قبيل الحرام الصرف او عرف الحكم إلا انه اشتبه عليه آمر فى التطبيق فعند التطبيق لم يدر عن هذه الجزئية هل تنطبق عليها قاعدة الحلال أو تنطبق عليها قاعدة الحرام فمن اجل ذلك جاء الاشتباه .
هذه هى القسام الثلاثة : فما وضح حله امره بين ويجوز للإنسان آن يقدم عليه وما وضح تحريمه ولا يجوز للإنسان آن يقدم عليه آما ما اشتبه امره فهو موضوع هذا الحديث الذى ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/293)
وقد ذكر فيه العلماء آراء فمنهم من يقول : ان الذي اشتبه امره من أعمال الناس او من الأحكام هو الذى اختلف فيه العلماء فمنهم من أباح ومنهم من منع او هو خلاف الأولى او هو المكروه .
وكما ذكرت لكم ان المشتبه يرجع الى اشتباه الدليل وغموضه او الإجمال فيه أولا يرجع الى فهم الحكم لكن الاشتباه وقع فى التطبيق فعند التطبيق تشتبه عليه مسألة او جزئية هل تندرج فى الحرام ومثال ذلك : المداينات العشر إحدى عشر هل هذه الجزئية من المبايعات من قبل الربا المحرم كما يقول بهذا كثير من العلماء او جمهور العلماء والفقهاء او هى من البيع لاجل .
وكذا المداينات المعروفة ان الانسان قد يأخذ صفقة من شخص لا يريد من الصفقة ان يستهلكها لنفسه إنما يريد من ورائها ان يأخذ مبلغا من المال لينتفع به فيأخذ الصفقة ويعدها ويعتبر عدها وهى محلها قبضا ثم يأخذ عنها ثمنا من صاحب المحل هل هذا يعتبر ربا ؟ او يعتبر بيعا فكثير من الفقهاء يراه ربا وان القصد إنها حيلة الى دفع القليل ليأخذ الكثير واخذ القليل ليدفع عنه كثير فهو بيع ذهب او فضة بفضه إلا انهم جعلوا بين هذا وهذا سلعة يسميها ابن عباس حريرة فليس المقصود الصفقة إنما المقصود بيع الفضة بفضة اكثر منها او ذهب بذهب اكثر منه او ورق من الأوراق التى تمثل الفضة او الذهب مثل النقود بيع القليل منها بالكثير آما الصفقة فاعتبرت حيلة من الحيل يتوصل بها الى اخذ الكثير عن القليل والمعارضة بالكثير عن القليل ويكون هذا من باب الربا فهذا مما اختلف فيه الفقهاء والاختلاف فيه اختلاف فى التطبيق ، تطبيق الربا على هذه الصورة ، فهم اتفقوا على ان الربا محرم إلا آن هذه الجزئية هل تدخل فى قبيل الربا او تدخل من قبيل المبايعات والالتزام بالصفقات فهو من باب البيوع بيوع السلع ، آم هو من باب بيوع نقد بنقد(1/294)
هذا مما اختلف فيه الفقهاء فى التطبيق مع الاتفاق على ان الربا محرم وانه لا يجوز بيع الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل يدا بيد لكنهم اختلفوا من جهة التطبيق لا من جهة التقسيم والدليل فينبغة للإنسان آن يتجنب مثل هذا وان يتقى موضوع الاشتباه حتى لا يقع فى الحرام الصحيح لاجترائه على الحرام المختلف فيه وفى هذا ينصحنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " فقد استبرأ لدينه بالبعد آي طلب التنزيه لدينه ولعقيدته ولعمله ببعده عما اشتبه عليه هل هو من قبيل الحلال آمن قبيل الحرام .
ومثال آخر على المتشابه او المشتبه الانسان إذا اشتبه فى امرأة هل الرضاعة معها وصل الى درجة التحريم او دون درجة التحريم فهى حلال له هذا اشتباه فى التطبيق ايضا على الرضاع حصل ولابد هل بلغ عدد الرضعات خمس رضعات فتحرم او لم يبلغ فتكون حلالا فالخير والورع ان يتقى هذه الجزئية وان يتزوج يغيرها من النساء وهن كثيرات والحمد لله ولن يعدم امرأة أخرى تتفق مع حالة وتكون صالحة دينية ايضا وبعده عن هذه المرأة آن اشتبه حالها هو عمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم " فمن اتقى الشبهات فد استبرأ لدينه وعرضه " فهو فى تركه لهذه المرأة استبرأ لعرضه وطلب لنزاهة دينه .
ومن هذا ايضا الاختلاف فى العدة للمطلقة هل هى ثلاث حيضات او هى ثلاث أطهار ؟
انقسم اصحاب المذاهب الأربعة الى قسمين : المالكية والشافعية يقولون ان العدة ثلاثة أطهار فإذا مضى الطهر الذى طلقها فيه ثم الطهر الذي بعده ثم دخلت فى الطهر الثالث يقولون إنها حلت للأزواج بمجرد أنها تدخل فى الطهر الثالث .(1/295)
الحنابلة والحنفية يقولون : ان المراد بالقروء فى القرآن فى قوله تعالى : ()وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) المراد بها الحيض فإذا طلقها فى الطهر ثم حاضت حيضة ثم طهرت ، ثم حاضت الحيض الثانية ثم طهرت منها فلا تحل بالطهر الثالث حتى ترى الحيضة الثالثة فرعاية الخلاف بين العلماء ورعاية الاحتياط فى الفروج وفى الزواج ينبغى له ان يمشى على مذهب الحنفية والحنابلة فلا يتزوج المرأة المطلقة حتى الحيضة الثالثة بعد طلاقها وهذا ابعد أمد تكون بعد حلالا على المذاهب كلها ولا يختلف مسلم مع آخر أنها بعد الحيضة الثالثة يحل العقد عليها والزواج بها والآخذ بأبعد أمد ابرأ للدين والعرض وابعد عن ارتكاب الآمر المشتبه واخذ بنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " ومن هذا الباب ما ثبت ان البنى صلى الله عليه وسلم كان يسير فى طريق فوجد تمرة فآخذها ومسحها وآبى آن يأكلها عف عنها صلى الله عليه وسلم وقال لاصحابه : " كلوها فلولا ان تكون من تمر الصدقة لآكلتها " هذه التمرة فى الأصل مجهولة هل هى من الصدقات آم لا ؟ ولكن هذا احتياط وورع من النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها خشية ان تكون من الصدقة .(1/296)
ومن باب الاحتياط والورع ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم : " انه اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذى اشترى العقار جره ذهب فقال الذي اشترى العقار للرجل الذىباع العقار : خذ ذهبك إنما اشتريت منك الأرض ولم ابتع منك الذهب وقال الذي باع العقار : إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذى تحاكما اليه الكما ولد ؟ قال أحدهما : لى غلام وقال تخر :لى جارية قال : أنكحوا الغلام الجارية وانفقوا عليهما منه وتصدقا " فكلا الرجلين تورع عن اخذ المال والأنفاق منه لانه حصلت شبهة فى هذا المال هل هو حلال لاحدهما آم حرام فما كان من الرجلين إلا انهما ابتعدا عن المال حتى حكم فيه هذا الحكم بهذا التصرف فى هذا المال ومن وقع فىالشبهات يوشك ان يقع فى الحرام من وقع فيما ارتاب فيه واجترأ على ذلك ولم يبال بذلك ، يوشك ويقرب ان يجترأ على المحرم فيقع فيه وهذا دليل على وجوب سد الذرائع والطرق الموصلة الى الحرام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث آخر : " دع ما يريبك الى ما لا يريبك " دع ما تشك فيه الى ما تتيقنه وتعلم انه حلال لا غبار عليه .
ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يوقعه " كان عظماء العرب فىالجاهلية لانفسهم مناطق يحرمون على غيرهم الرعى فيها فإذا حمى أحدهم منطقة فانه يحظر على غيره ان يرعى فيها ابله او بقرة وغنمه فإذا حمى أحد الملوك او الوجهاء أو العظماء الذين لهم سطوة وقوة مكانا وجاء إنسان يرعى حول هذا الحمى غنمه او ابله فانه لربما شردت أحدها ودخلت هذا الحمى فيتعرض بذلك لعقاب وبطش صاحب هذا الحمى .
كذلك من يقع فى الشبهات فهو مقترب من الحمى ودان منه وهو على وشلك ان يقع فى الحرام لان حمى الله محارمه فهو - يعنى الواقع فى الشبهات - مثله كمثل هذا الراعى الذي يرعى حول الحمى .(1/297)
ثم نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ان الأصل فى صلاح الانسان واستقامة جوارحه وسعادته وسلامته فى أعماله وبعده عما حرم الله وامتثاله ما آمر الله العماد فى هذا صلاح القلب واستقامة فإذا صلح القلب واستقامت أحواله وصفا واخلص وعر الحق من الباطل استقامت جميع الجوارح واذا فسد القلب جهلا وعدم معرفة بالحق وعدم معرفة بالحلال والحرام وفرط فى استبانة ذلك او عرف الحلال والحرام ولكنه لم يبال به فترك الحلال وتجرأ على الحرام وكثرت بدعة فجوارحه جوارح فاسدة لا تستقيم على الجادة ولا عل ما شرع الله سبحانه وتعالى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فى قوله : " إلا آن فى الجس مضغة " والمضغة قدر ما يمضغه الإنسان وهى قطعة صغيرة الحجم ومع صغر حجم هذه المضغة إلا آن خطرها عظيم ومنفعتها جليلة واذا فسدت سببت فساد باقي الأعضاء و الجوراح وهذه المضغة هى القلب " إذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله " واسأل الله ان يبصرنا بالهدى وان يهدينا اليه وان يثبتنا عليه أساله سبحانه وتعالى ان يبصرنا بالضلال وان يجنبنا إياه وان يجعل بيننا وبينه حاجزا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد .
بسم الله الرحمن الرحيم
2- شرح الحديث
" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .
قال الشيخ رحمه الله تعالى :
المسلم الحقيقي الذي تظهر عليه آثار الإسلام وشعائره وإماراته هو الذى يكف آذى لسانه ويده عن المسلمين فلا يصل الى المسلمين منه إلا الخير والمعروف .(1/298)
وفى واقع المسلمين اليوم قد تجد الرجل محافظا على أداء الصلاة فى وقتها وقد تجده يؤدى حق الله فى ماله فيدفع الزكاة المفروضة ، وقد يزيد عليها معوانا للناس يسعى فى قضاء حوائجهم وقد تجده من حجاج بيت الله الحرام ومن عمارة ولكن مع هذا الخير كله قد تجده لا يحكم لسانه ولا يملك زمامه فينفلت منه لسانه فيقع فى أعراض الناس ويمزق لحومهم فلا يستطيع ان يملك لسانه عن السب والشتم واللعن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء ."
وقد تجد الرجل مع ما فيه من الخير والصلاح لا يملك لسانه عن الغيبة والنميمة ولا يملكه عن شهادة الزور وقول الزور وقد لا يكلف لسانه عن همز الناس ولمزهم فيجره لسانه ويوقعه فى كثير من الأخطاء والبلايا فمثل هذا النوع من الناس قد فقد صفة من ابرز واهم صفات المسلم الحقيقي .
وهناك نوع آخر من المسلمين يختلف عن النوع السابق فقد تجده يحكم لسانه ويقل به الكلام ولكنه يؤذى المسلمين بيده فيضرب بيده أبدان المسلمين اعتدى على أموالهم فيسرقهم ، او يسلبهم حقوقهم او يظلمهم فهذا ايضا قد فقد امارة من الإمارات الظاهرة التى تدل على إسلام المرء وعلى أيمانه .
وعلى هذا فلا يكتمل إسلام عبد حتى يحب المسلمين ويترك إيذاءهم بلسانه ، ويترك إيذاءهم بيده ولا يتم إسلام عبد وأيمانه حتى يشغل لسانه فى الأعمال التى يكون فيها نفع له ى الدنيا والآخرة فيعمل لسانه فى تلاوة كتاب الله وفى ذكره سبحانه وتعالى ويعمل بلسانه فى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ونشر العلم النافع او تقديم النصيحة والمشورة المفيدة النافعة وغير ذلك من المصالح التى تعود بأنفع العاجل على المرء وعلى إخوانه المسلمين .(1/299)
ولو تحقق ان كف المسلم لسانه عن إيذاء الناس وكف يده كذلك عن إيذاء الناس فلا يكسب بيده شرا وانما يعملها فى الخير والنفع ولو تحقق هذا لصار المسلم أمنا فى سفره وفى أقامته وفى بيته وخارج بيته ولصار مجتمع المسلمين مجتمعا فاضلا على ما يحب الله ورسوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " معناه ان الهجرة المطلوبة منكل مسلم هى ترك وهجر المعاصي والسيئات التى نهى الله عنها ونهى عنها رسوله صلى الله عليه وسلم .,
والهجرة تطلق على معنيين : الأول هجرة المكان ، والثاني : هجرة الحال فالهجرة المكانية هىالانتقال من دار الكفر التى يغلب الكفر على أهلها وعلى أحكامها وعلى حكامها ولا يستطيع الانسان فيها ان يقيم شعائر دينه ولا يأمن فيها على دينه ونفسه وعرضه فينتقل من هذا المكان ومن هذه الدار الى دار أخرى انتفى فيها هذه المثالب ويستطيع ان يقيم فيها المسلم امنا على دينه ونفسه وعرضه فيستطيع ان يقيم فيها دينه دون خوف أو تهديد وهذا النوع من الهجرة هو ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المسلمين عندما انتقلوا من مكة المكرمة الى المدينة النبوية حيث كان الكفر وقتها غالب على آهل مكة وكانوا يؤذون المسلمين ويضيقون عليهم فى أمور دينهم .
وهذه الهجرة هى التى عناها النبى صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " ذلك لان الناس لا يزال منهم قسمان قسم من آهل الخير والصلاح وقسم من اهل الشر والضلال والفساد فان غلب آهل الخير على آهل الشر والفساد فى عهد من العهود او فى مكان من الأماكن فهذا هو المراد وذلك هو المطلوب وفى مثل هذا المجتمع الذى يقوى فيه آهل الخير والصلاح يستطيع الانسان المسلم ان يقيم دينه ويعبد ربه ويأمن على نفسه وعرضه وتسمى هذه الدار دار إسلام وايمان .(1/300)
وفى بعض العهود والأوقات والأماكن قد يضعف آهل الإسلام والأيمان وتضعف شوكة آهل الصلاح ويقوى عليهم آهل الشر والفساد فيضعف المسلم ان يبحث عن مكان وبيئة اصلح من هذه فيهاجر اليها ويترك هذا المكان الذى تسلط فيه آهل الكفر والضلال وقويت شوكتهم فيه وتسمى هذه الدار دار كفر .
واما الهجرة الثانية او النوع والقسم الثاني فهو هجرة الحال وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الحديث " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " فالهجرة بهذا المعنى ان يهجر المسلم السيئات والمعاصى وان ينتقل من حال المعصية والبعد عن الله ومخالفة امره والتجرؤ على حرماته الى حال آخر وهو حال الإقلاع عن المعاصى والذنوب وحال القرب من الله والوقوف عند حدوده .
والهجرة بالمعنى الأخير وهو ترك ما نهى الله عنه تشمل النوع السابق بالمعنى الأخير وهو ترك ما نهى الله عنه تشمل النوع السابق وبيان ذلك ان مما نهى الله ان يقيم المسلم فى دار الكفر مقهورا مغلوبا وهو قادر على ترك هذا المكان الى غيره مما هو آمن واصلح منه فتكون هجرته بهجران ما نهى الله عنه وهو الإقامة بين ظهراني الكفار .
سئل الشيخ : ما هو حديث " دعاء الكرب " ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : روى البخاري ومسلم حديث دعاء الكرب ونصه: " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ،لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم .
*****************
خامسا
فتاوى الحجاب واللباس والتصوير
ــــ
خامسا : فتاوى الحجاب واللباس والتصوير
س1: سئل الشيخ : ما هى عورة المرأة المسلمة على المسلمة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : " عورة المرأة المسلمة ما بين السرة والركبة مع العلم ان فى المسألة أقوالا أخرى ويصح للمسلمة ان ترضع أمام المسلمة الأخرى .
س2: سئل الشيخ : عن عورة الآمة ؟(1/301)
فقال الشيخ - رحمه الله - : عورة الأمة من السرة الى الركبة سواء كانت للخدمة آم ربة سرير لللتسرى وهذا ظاهر الآية فى سورة الأحزاب وهو مذهب المالكية .
س3: سئل الشيخ : هل يصح ان تتزين المرأة بكامل زينتها وهى مغطاة بجلباب سائغ وتحته كحل وخضاب وحلى وكله مستور ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا حرج فى ذلك بل هى متزينة لزوجها وللنساء وليست متزينة للرجال الأجانب وما دام لا يبدو منها شيء فلا حرج اما إذا كان الجلباب زينة فى نفسه لكونه لامعا ولافتا للنظر فهذا يحرم .
س4: سئل الشيخ : عما تكشفه المرأة لمحارمها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يجوز للمرة ان تكشف لمحارمها ما يبدو منها غالبا عند الخدمة كالرأس والعنق واليدين والقدمين .
س5: سئل الشيخ :عن صفة العمامة النبوية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : صفة العمامة النبوية لفافة تلف حول الرأس .
آما الغترة او الشماغ فليست واردة فى السنة بل هى من باب العادات آما العمامة فهى الواردة فى السنة.
س6: سئل الشيخ : عن لباس المرأة البنطلون ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : إذا لبست المرأة البنطلون وفوقه ملابس سابغة فلا تشبه فيه بالرجال ما دامت تلبسه اسفل ملابسها ولكن التشبه الذي يمنع إذا لم تلبس فوه شيئا .
س7: سئل الشيخ : هل يصح إهداء الحرير الى قريب كافر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يصح فقد فعله عمر رضى الله عنه واحتفاظ الانسان بملابس خاصة والمناسبات آمر طيب وهو من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
س8: سئل الشيخ : هل يجوز إرضاع المرأة طفلها أمام المرأة أو أمام محرم من محارمها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يجوز لو كانت مسلمة آما كتابية فلاظهر إلا تكشف أمامها لقوله تعالى ( او نسائهن ) اما ظهور الأطراف الرجل الى الركبة والذراعان أمام المحارم ليس بمحرم له لانه لا يجوز ان يرى ما عدا ما بين السرة والركبة .
س9: سئل الشيخ : عن لباس الشهرة ؟(1/302)
فقال الشيخ - رحمه الله - : لباس الشهرة هو اللباس الذي يجعلهم يضحكون عليك ويستهزئون بك ولو لبست كما يلبسون فلا حرج .
س10: سئل الشيخ : هل لبس المنطلون او لبس الساعة فى اليسار يعتبر من التشبه بالكفار ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اللباس الذى يعتبر تشبيها بالكفار هو الذى من خصائصهم بحيث لو رآك أحد به حسبك كافرا اما عدا ذلك فيجوز لبسه وارتداؤه .
س11: سئل الشيخ : إذا ألبست آلام البنت فستانا قصيرا وعمرها ثمان سنوات وراها الأب ولم يتكلم مع العلم انه لا يضرى بلبس القصير ، فهل يأثم فى ذلك ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : كلاهما آثم الأب مسئول عن البيت كله عن الزوجة وعن البنت فهو آثم ويجب عليه آن ينصح زوجته آم البنت ، وان ينصح البنت ، والام آثمة لانها راعية على بناتها ورضيت بهذا لبنتها فكلاهما متعاون على الآثم والعدوان ومهمة الرجل اوسع من مهمة الرجل فى هذا لانه قيم على البيت كله على زوجته وعلى بنته اما الآم فمهمتها ضيقة لأنها راعية الام راعية فى بيتها علىبناتها وعلى أولادها الذكور فدائرة رعاية الام أضيق من دائرة رعاية الأب والقصد آن كليهما أثم لتعاونهما على الآثم والعدوان وتعويد البنت على الشر من صغرها آمر لا يجوز .
س12: سئل الشيخ : اعرف أخ مهند وهو رسام ماهر وبارع فنصحته ان يتجه لتصوير الأمور الطبيعية مثل الكواكب ، والنجوم ، والأمطار والنباتات وغيرها مما يظهر قدرة الله وإعجاز فى خلقه فوافق وسر بذلك وقال لى ان الرسل له أفكار بهذا المعنى السابق وهو بدوره يحولها الى صور ويكتب بجوار كل صورة الآية او الآيات التى تعتبر عنها فهل هذا آمر جائز ومشروع آم لا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يجوز التصوير إذا لم يكن صورة إنسان او حيوان او طير او غيرها من صور ذات الأرواح .(1/303)
اما تصوير ما فيه روح فاكثر آهل العلم على تحريمه وعلى هذا فلا يجوز تصويره إلا إذا كانت الصورة يحتاج اليها لضرورة وحاجة كجواز السفر والبطاقة والهوية وأوراق الالتحاق بالمدارس والجامعات وغيرها من المصالح التى يحتاج فيها الى معرفة الأشخاص وتميز بعضهم من بعض وكذلك كل مصلحة معتبرهشرعا ولا يمكن ان تتم إلا بالصورة فيجوز التصور والتصوير لاجلها وكذلك يجوز تصور المجرمين والمشبوهين وتوزيع صورهم على الدوائر والنقاط والهيئات التى تساعد فى ضبطهم و الإمساك بهم لاتقاء شرهم أو معاقبتهم على شرورهم بما يستحقون .
اما تصوير الزعماء ـ والفضلاء ، والوجهاء ، والصلحاء فلا يجوز لما قد يكون فى تصويرهم من التعظيم والافتتان لهم لاسيما وان لهم مكانه فى القلوب فيخشى من ان يعظمهم الناس ويؤلهونهم وقد سمعنا فى بعض الدول انه عندما يرى الناس صورة زعيمهم او معظمهم فانهم ينحنون أمام صورته واصل الشرك فى بنى آدم كان سببه تصوير الصالحين ثم تعظيمهم هذه الصور ثم الافتتان بها وتاليهها ثم صنع تماثيل ونصب على هيئتها ثم عبادة هذه النصب والتماثيل .
اما صور الفنانين والفنانات فهى محرمه من عدة اوجه من ذلك انها من جملة ذوات الأرواح التى ورد النهى عن تصويرها وكذلك لما يكون فى صور هؤلاء من العرى والخلاعة التى تثير الغرائز والشهوات عند الشباب وغيرهم وفى تصويرهم تشجيع لما هم فيه من الباطل والمجون .
اما الصور التذكارية التى يكون فيها الانسان مع بعض الزملاء والمحبين فهى محل اشتباه والأجدر بالإنسان المسلم والأولى به تركها وعدم فعلها لانها من جملة الصور ذوات الأرواح والإنسان إذا ترك المشتهبات خشية الوقوع فى الحرام والمكروه فقد استبرأ لدينه وعرضه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم .
س13: سئل الشيخ : عن حكم التصوير ؟(1/304)
فقال الشيخ - رحمه الله - : التصوير المسجد حرام باتفاق العلماء ونعنى بالتصوير المسجد نحت تماثيل لبعض ذوات الأرواح من إنسان او حيوان او طير او عرض ذلك مما فى به روح .
ويشتد التحريم إذا كانت هذه التماثيل والنصب المنحوته لاناس معظمين كالملوك والأمراء والعلماء والصلحاء لان تعلق القلوب بهم اكثر من غيرهم ممن هو دونهم .
اما التصوير الشمسى لذوات الأرواح فهو محرم وممنوع لان فيه مضاهان لخلق الله ولان فاعله من اظلم الناس ولانه يمنع من دخول ملائكة الرحمة والبركة الى المكان الذي تكون به هذه الصور ولان تصوير ذوات الأرواح من المعظمين كالأمراء والعلماء ونحوهم هو ذريعة وسبب ووسيلة للشرك وقد حدث هذا فى الأمم السابقة وهناك من الصور ما يجتمع فيه اكثر من سبب لتحريمه كما ذكرنا فى صور المعظمين من ملوك وعلماء ونحوهم فهى محرمة لأنها من ذوات الأرواح ولانها ربما تكون وسيلة للافتتان بها وتعظيمها وقد سمعنا شيئا من ذلك فى بعض الشعوب المعاصرة من انهم ينحنون أمام صورة من يعظونه من رئيس او كبير او غيره .
وكصور الممثلات والغننيات التى تظهر فى الجرائد والصحف فان فيها من أسباب التحريم أنها مضاهاه لخلق الله وهو محرم وملعون فاعله كما سبق ولان فيها صرف لقلوب الخلق عما فيه نفعهم ومصلحتهم من التعلق بالله والاشتغال بذكره وكذلك فى تصوير هؤلاء المغنيات والممثلات فتنة من نوع أحر وهى فتنة الشهوة فى صور هؤلاء فقد تكون صورا عارية بادية المفاتن وفى اجمل هيئة واحسن زينة مما يثيؤ كوامن النفوس ويثير الغرائز والشهوات لاسيما عند الشباب الذين يمعن كثير منهم النظر الى هذه الصور ويعلقونها او يفتنونها لكي يستمتعوا برؤيتها والتلذذ بمفاتناها واسباع غرائزهم بطريقة محرمة فهذا فى التحريم اشد من غيره من أنواع التصوير التى يكون التحريم فيها لسيب واحد والله اعلم .
س14: سئل الشيخ : ما رأيكم فى ملابس الأطفال التى يكون عليها صور ؟(1/305)
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا يجوز بيعها ولا شراؤها اما اللباس والوالدين أطفالهم أثوابا فيها صور فانه يجوز لان لبس الأطفال لهذه الملابس امتهان لها لما يقع منهم من بول وغائط وغيره فى هذه الملابس .
س15: سئل الشيخ : ما رأيكم فى شراء السجاد الذى يكون عليه صور؟
فقال الشيخ - رحمه الله - :السجاد يشترى لذاته لا للصور التى عله فيجوز شراء هذا السجاد والاحتياط واجب على المسلم فينبغى ان يتجنب شراء ما يشتبه ففى حرمته فضلا عما تنصح حرمته واذا كان مثل هذا السجاد فى البيت فيجوز استعماله لانه بما فيه من الصور ممتهن .
س16: سئل الشيخ ما رأيكم فى الكتب التى تحتوى على صور ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يلزم طمس هذه الصور او طمس وجهها ولا يكفى وضع خط يفصل الرأس عن الجسد .
ـــــــــــــ
7- فتاوى الاخلاق وطلب العلم والدعوة
س1: سئل الشيخ : بماذا تنصح طلبه العلم والدعاة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الدعاة يدعون الى ما تعلموا ويبدؤون بالتدرج يبدا بالاهم فالاهم العقيدة قبل الفروع كما فعل الرسل وينتهز الفرص ، كذلك طلبة العلم كما يبدأون غيرهم بالدعوة الى التوحيد فيبدأون هم بتعلم التوحيد قبل الفروع والرسل لم يتعرضوا للفروع فى اول الامر الا فى الفروع الشديدة التى تفشى فيهات المخالفة .
شعيب حذر من نقصان المكيال ، ولوط حذر من الفاحشة وهذان الامران يتصلان بالاخلاق والأخرق قرينة التوحيد وفى الفروع يتدرج الربا لم ينزل تشريعه الا فى اخر التشريع وشرب الخمر كان تركه صعبا فتأخرت الدعوة الى تركه وفى الدعوة تالى العقيدة تدرج فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه الصحابة عن الحلف بغير الله الا مؤخرا لانه من باب الوسائل .
وفى هذه الحالة اذا راى منكرا لم يات الوقت لبيان حكمه يسكت ولكن لا يدعو الى المنكر .
س2: سئل الشيخ : هل يبدأ بتعليم القرآن قبل غيره من العلوم ؟(1/306)
فقا الشيخ - رحمه الله - : تعلم القرآن فى طرق التربية لابن خلدون عند المغاربة طريقتهم البداءة بالقرآن قبل تعلم اى علم وطريقة غيرهم ان يصاحب حفظ القرآن حفظ المختصرات وتعلمها ، وكان هذا موجود عند الاولين منهم من كان بحرا فى الحديث وحافظا للقرآن واجهل من دابة فى النحو والعربية .
س3: سئل الشيخ : عن حكم تعلم التجويد ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : المطلوب هو التجويد العلمى للقرآن وتلاوة صحيحة ولو بالتقليد والمحاكاة وهذتا الذى كان موجودا عند الصحابة اتما القواعد التى وضعت فيما بعد لضبط التلاوة فتعلمها فرض كفاية فى حق الامة كلها لابد ان يكون فيهم من يتعلمها لكن يعلمها وهى مستحبة لمن بعدهم ممن قد سقط عنهم الفرض الكفائي .
س4: سئل الشيخ : هل تنصح بالقراءة والتوسع فى علم من العلوم ام تنصح بالقراءة فى جميع العلوم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ذكر الشاطبى فى تعميم الملكات وهو مبحث فى علم التربية : هل يلزم ان يكون الانسان قويا فى جميع العلوم ؟ ام لا يلزم ؟ هما قولان :
وذكر انهم سالوا نحويا فى الفقة ، وهو يقول بتعميم الملكات اذا سها فى سجود السهو هل يسجد ؟ قال : لا لان المصغر لا يصغر ( قال الشيخ وهذا ليس بدليل ) .
س5: سئل الشيخ : ايهما افضل الجلوس فى حلقات الذكر ام تشيع الجنازة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : هذا يختلف باختلاف الحال ، فالجنازة اذا لم تجد من يشيعها كان واجبا على الانسان ان يمشى فيها ويسعى فى تشيعها وهذا دون شك افضل من حلق الذكر .
واذا وجدت من يشيعها سواه وهو فى حاجة الى العلم جلس مجلس العلم وليشيعها من هو عندها .
فالحكم ب\يهتلف باختلاف الحال وباختلاف حال الانسان وحاجته والبصير من يقدر الامور ويرتبها على حسب اهميتها فىالوقت والحال الكائن فيه .
س6: سئل الشيخ : انتقد بعضهم كتاب بلوغ المرام لابن حجر يقولون فيع احاديث مبتورة غير كاملة واحاديث اخرى ضعيفة فما رياكم فى هذا الكلام ؟(1/307)
فقال الشيخ - رحمه الله - : يصلح ما فيه من الخطأ ويؤخذ بما فيه من الصواب ولا يمنع ما فيه من خطأ من الاستفادة مما فيه من الصواب .
س7: سئل الشيخ : ايهما اقرأ زاد المعاد ام المغنى ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : زاد المعاد خير من المغنى لان ابن القيم متاخر عن ابن قدامة ومحقق عنه .
س8: سئل الشيخ : ما هعو راى فضيلتكم فى كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى رحمه الله ؟ ايهما اقرأ الترغيب او رياض الصالحين ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى هو كتاب جيد لكن ليس انتقاؤه للاحاديث الصحيحة بدرجة رياض الصالحين , فـ ( رياض الصالحين ) للنووى انقى حديثا منه اما كتاب الترغيب والترصيب ففيه احاديث ضعيفة وزله اصطلاح خاصة به وهو انه اذا قال فى صدر الحديث روى او حكى او صيغة من صيغ التمريض المبنية للمجهول فان ذلك يدل على ان الحديث ضعيف وقد اشار المنذرى الى هذا الاصطلاح فى المقدمة .
وله اصطلاح اخر ، ذلك انه اذا ذكر رجلا او رجلين من السند قبل الصحابى يعلم من ذلك ان السند فبه ضعف فى الرجل الذين ذكرهما من السند .
وقد ترجم الحافظ المنذرى لهؤلاء الرواة الذين ذكرهم وتكلم فيهم فى اخر الكتاب وبهذا اصبح المنذرى رحمه الله معذورا فيما يذكر من الاحاديث ، وذلك انه بين حال غالبها وحال رجالها المتكلم فيهم ثم يبقى دورك انت تقبل الحديث اولا تقبله لكن الحكم على الحديث من خلال المصطاحات التى استعملها المنذرى يحتاج الى خبرة فى هذا اشأن فمن كان يجد فى نفسه هذه الخبرة فلا بأس ان يقرأ فى كتاب الترغيب ويستفيد مما فيه ومن كان يرى انه لا تتوفر عنده مثل هذه الخبرة فالافضل له ان يقرأ فى كتاب رياض الصالحين للنووى فهو انقى حديثا من كتاب الترغيب والترهيب واوضح مسلكا ومنهجا والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد .
س9: سئل الشيخ : هل تصبح نسبة كتاب النبوات لابن تيمية ؟(1/308)
فقال الشيخ - رحمه الله - : فى نظرى انه لابن تيمية فالاسلوب اسلوبه وانا لم تاحكم ان نسبته لابن تيمسة تثبت بخطوط فهذا الاستدلال اليه ولا اجعله دليلا لى انتى لا اعرف الخطوط و، ولا اعرف خط ابن تيمية حتى اطبق على المخطو وكذلك لم احكم من جهة سلسلة موثوق بها من عهد ابن تيمية الى يومى هذا فليس عندى ذلك السند انما الذى استند اليه فى هذا معرفتى باسلوب ابن تيمية فاننى اذا قرأت فى كتاب لابن جرير الطبري او ابن تيمية اعرف طريقته فى الاستدلال واعرف دورانه وجدلة حول الموضوع وذلك بكثرة قراءتى لكتبه وانا قرأت كتاب النبوات واعرف ان الاسلوب اسلوبه وان مثير منه موجود فى كتب اثق بانها كتب ابن تيمية غير هذا الكتاب .
*******************
سابعا
فتاوى ذم البدع
ــــ
س1: سئل الشيخ : عن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام او قيام ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : كل ما ورد فى ليلة النصف من شعبان ضعيف .
س2: سئل الشيخ : الايام الفاضلة والامكنة الفاضلة ، هل تخص بزيارة العبادة وهل يتضاعف فيها الثواب ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا ورد فيها نص يخصها بزيادة عبادة او يخبر بزيادة ثواب العبادة فبها والا فلا يزداد فى العبادة فيها عن بقية الايام .
س3: سئل الشيخ هل من السنة المواظبة على ختم القرآن فى التراويح ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : المقصود ختم القرأن فى رمنضان لكن ليس المقصود ختمه فى الصلاة ودعاء ختم القرآن مخترع وتخصيصه بوتر اخر رمضان لم يرد وتراجع رسالة الشيخ بكر ابو زيد .
س4: سئل الشيخ : عن تحكم قراءة القرآنم جهرا فى المحافل والمجامع كحفلات الزواج هل هذا ابتداع ؟(1/309)
فقال الشيخ - رحمه الله : هذا من البدع جعل افتتاح المجالس رسميا بتلاوة القرآن حيث لم يدر فيه نص فلا يتخذ عادة ويجوز فعله احيانا وانا اختلفت مع هيئة كبار العلماء عندما افتتحوا بتلاوة القرآن الكريم قلت : هذا بدعة ما حصل هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجالسة كثيرة وهم الامام المقتدى به اما اذا كانت موعظة مشتملة على آيات من القرآن فما عليه حرج .
س5 :سئل الشيخ : عن التزام " صدق الله العظيم " ختاما للقراءة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - التزاما هذا القوزل بعد التلاوة بدعة لان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أقرأ الناس للقرآن ولم ينقل هذا عنهم فهو بدعة .
س6: سئل الشيخ : هل هناك بدعة حسنة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ليس هناك بدعة حسنة وما يسمونه بدعة حسنة هو من المصالح المرسلة .
س7: سئل الشيخ : هل هناك حرج فى ان يحدد الانسان لنفسه صلوات او اوراد من الذكر والتلاوة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ما دام هذا التحديد لنفسه ، ولم يدع اليه غيره فلا بأس .
*****************
ثامنا
فتاوى متفرقة
ـــ
س1: سئل الشيخ : متى يحمل الامر على الندب والنهى عن التحريم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا كان الامر متعلقا بالضروريات فانه يحمل على الوجوب واذا كان متعلقا بالتحسينات فهو محمول على الندب .
والنهى اذا كان فىباب الضروريات او الحاجيات فهو التحريم وان كان فى باب التحسينات فهو للكراهة .
وهذا قاعدة ضابطة وان شئت تفصيل الكلام فيها فارجع الى كتاب المقاصد من الموافقات - بفتح الفاء - للامام الشاطبى - رحمه الله .
س2: سئل الشيخ : هل يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف فى مسائل الاعتقاد على سبيل الاحتجاج لمذهب السلف عند فقد دليل صحيح ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف لا فى العقائد ولا فى غيرها .
س3: سئل الشيخ : عن معنى حديث : لا يجزى ولد والده الا ان يجده مملوكا فيعتقه " .؟(1/310)
فقال الشيخ - رحمه الله - : مهما فعل الولد من المعروف والاحسان الى والده لا يجزيه فى بره له ولا يستطيع ان يكافئه على تربية اياه الا ان يجد الولد والده عبدا فيحرره فيكون بذلك قد كافأه بنص الحديث .
اما من قال : انه لا يكافئة حتى لو اعتقه لحديث انت ومالك لابيك فكيف يعتق المملوك مالكه ؟ فليس بصحيح لان ملك الوالد لولده ملك معنوى وليس حقيقا لان الولد لا يكون عبدا لابيه ولكنه مع ذلك مأمور بطاعة ابوية كطاعة العبد لسيدة او اكثر .
س4: سئل الشيخ : ما هى ضوابط الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لابد من ان يكون المنكر الذى ينهى عنه والمعروف الذى يامر به مما لا خف فى كونه معروفا او منكار عند جميع العلماء او بالنصوص الشرعية كذلك لابد الا يجلب الامر بالمعروف والنهى عنالمنكر ، تعطيل مصلحة اعظم من المعروف المأمور به او جلب مفسدة هو اعظم مما نهى عنه .
ولابد من تحمل الاذى فى سبيل الله فى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر قال الله تعالى () وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك) وقد أوذى الرسول صلى الله عليه وسلم وتغير المنكر بدون اذى غير موجود فى الدنيا " .
س5: سئل الشيخ : عن الفديو ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الفديو آلة اذا استعملت فى الخير فهو خير واذا استعملت فى الشر فهو حرام هذا من ناحية مشاهدة اشرطتها .
س6 : سئل الشيخ : عن القصة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : القصة يشترط ان تكون صدقا وان يكون هدفها خيرا ولا يجوز اختلاف قصة لم تقع .
س7: سئل الشيخ : عن الحكاية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يصح لك ان تروى حكاية حكاها ابن الجوزى بشرط ان تنسبها اليه قال ابن الجوزى : حصل كذا وان كانت كذبا فعهدتها عليه وان كانت صدقا فاجرها له .
س8: سئل الشيخ : ماذا يفعل الانسان اغتاب شخصا اخر ؟(1/311)
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا اغتاب رجل اخر يستسمحه اجمالا يقول اخطأت فى حقك فسامحنى ولا يقول له تفصيلا حتى لا تحصل فتنة واذا كان فى بلد اخرى كتب له .
سئل الشيخ : ما حكم اتهام العلماء بعدم الفهم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا يجوز اتهام عالم من العلماء بانه لا يفهم الواقع هذا تشويه ولا يصح ان يقال ان العلماء او بعض العلماء لا يدكون الواقع اذا كان الذهب ينصرف الى علماء بعينهم .
س10: سئل الشيخ : هل ننال فضل الاجتماع على الطعام بالرغم من استقلال كل واحد بصحن ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : نعم : المقصود بالاجتماع الاجتماع على المائدة لا الاجتماع على نفس الصحن .
س11: سئل الشيخ : عند تدريس التربية الاسلامية للنصارى هل يجوز لهم مس المصحف وقراءته ويختبرون وترصد لهم الدرجات لعلهم يسلمون ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لنا فتوى فى هذا الموضوع بجواز دخول الكافر مدارس المسلمين ولو كان بوذيا .
س12: سئل الشيخ : عن زواج الجنى بالانسية ؟ والانسى بالجنية ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ممكن ولكن من ادعى ذلك فعليه الاثبات .
س13: سئل الشيخ : عن تشبيك اليدين خلف الظهر ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : هى عادة الاعاجم وهى من المشابهة المنهى عنها .
س14: سئل الشيخ : عن وقت اذكار المساء ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : هنالك من يقول : من بعد الظهر ، وهناك من يقول بعد العصر ، وهناك من يقول بعد غروب الشمس .
والراجح عندى : انها من بعد غروب الشمس كما قال ابن القيم وانا لم استقص الاذكار حتى احدد اذا كان بعضها مقيدا بما قبل الغروب وقوله () وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) المقصود به الخمس صلوات .
س15: سئل الشيخ : امرأة متزوجة لا ينبت لها شعر فى راسها هل لها ان تلبس شعرا مستعارا بعلم زوجها ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا يجوز .(1/312)
س16: سئل الشيخ هلى يجوز الاستشهاد بكافر فى المحكمة فى قضية او الشهادة له ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : نعم ا…ا كانت الشهادة بحق ليست بباطل يجوز ان تستشهد به او تشهد له .
س17: سئل الشيخ : ما هو الضابط فى مسالة الاحيارن الى الكافر الذمى متى تكون باب الموالاة ؟ ومتى تكون من باب تاليفه على الاسلام ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : حسب نيته ، اذا نوى موالاته فهى موالاة واذا نوى تاليفه على الاسلام فهى تاليفه على الاسلام .
س18: سئل الشيخ : عن ورقة بن نوفل هل يعتبر صحابيا او من اهل الفترة ؟ ولم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا كان قد ثبت اسلامه فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صحابى وقوله : انه الناموس الاكبر ليس تصريحا باسلامه لانه قال : ان يدركنى يومك ولم يدركه .
س19: سئل الشيخ : عن الروائح المحفوظة بالكحول ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا بأس به ما لم تكن مسكرة والمسكر فيها انواع مخصصة وهى التى تكسرها هيئة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وليس كل كحول مسكر فقشر البرتقال فيه كحول لكنه غير مسكر .
س20: سئل الشيخ : امرأة باق فى ع دة وفاة زوجها خمسة ايام ومضى منها اربعة اشهر وخمسة ايام هل يجوز لها الخروج ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا يجوز لها ان تخرج من بيتها ولا ان تسار الى الحج ولو كان عمرها عمر نوح .
س21: سئل الشيخ : عن طريقه التخلص من الورق المكتوب فيه اسم الله ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : المهم ذهاب معالم الكتابة التى تجعلها تقرأ فيصح ان يشق اسم الله فيفصل اللامين عن بعضهما والرحمن يفصل اللام والراء عن الحاء والميم .
س22: سئل الشيخ : شخص يلحقه ضرر فى ماله اذا لم يشفع له اخر عند من له سلطه ؟(1/313)
فقال الشيخ - رحمه الله - : يجب على من يستطيع الشفاعة ان يشفع بدون مقابل لوجه الله واذا لم يشفع الا بدفع رشوة له فيجوز دفعها لازالة هذا الضرر والاثم فى هذه الحالة على الاخذ ، اما الدافع فمعذور والله اعلم .
س23: سئل الشيخ : هل يلزم تغطية الفواكه والخضروات قبل النوم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : يشرع تغطية الاناء والتسمة عند التغطية سواء اكان شرابا ام طعاما جامدا ويستثنى من ذلك الفاكهة او الخضروات اذا كانت فى قشرتها .
س24: سئل الشيخ : عمن سها وترك تغطية الطعام فهل ياكل منه ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا سها وترك تغطية الطعام فعليه ان يطعمه للحيوان ولا ياكل منه واذا اكل منه فقد اساء الى نفسه .
س25: سئل الشيخ : ما حكم السفر الى بلاد الكفار للعمل ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا وجد عملا فى بلاد المسلمين لم يجز له السفر الى بلاد الكفار واذا لم يجد يجوز له السفر للعمل هناك بشرط ان يأمن على نفسه من شبه الكفار فان لم يأمن فحفظ دينه اولى .
س26: سئل الشيخ : ما حكم الاموال التى اكسبها المسلم من عمله فى بلاد الكفار مع فرض ان اقامته فيها محرمة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا كان المال مكتسبا من وجه حلال كالبيع والشراء فهو حلال .
س27: سئل الشيخ : اذا كان الانسان يعمل المعصية ثم يندم على فعلها ويتوب الىالله ولكن بعد ذلك بمدة يعود الى هذه المعصية مرة اخرى ثم يندم ويتوب ثم يعود اليه وهكذا فماذا يفعل ؟
فقال الشيخ- رحمه الله - : اذا علم الله منه الصدق فى التوبة والاخلاص ثم طرأ عليه فيمابعد تغير وتسلط عليه الشيطان وغير من حاله فالله يغفر ما مضى مما قد تاب منه توبة خالصة نصوح ولا يعود اليه الذنب الماضى بعودته الى الذنب مرة اخرى .
اما اذا علم الله منه عدم الصدق فى التوبة فى المرة الاولى فذنبه لم يغفر لعدم الاخلاص فى التوبة الاولى ولعدم النصح فيها وليس لانه عاد الى الذنب مرة اخرى .(1/314)
س28: سئل الشيخ : هل هناك حرج فى قوله امامك الله وهل هذه القولة تعارض قوله تعالى ()كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) او لا ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : لا حرج فى ان يقول الانسان لاخيه ادامك الله والدوام ليس معناه ان لا يموت ، والدوام يطلق على طول المدة مثل اطال الله بقاءك فالمراد بادامك الله اطال الله بقاءك المراد بها هذا . ولو قال اطال الله بقاءك كان خيرا منها حتى لا يحتاج الى تاويل فيما بتكلم به واتلكلام الذى لا تكلف فيه ولا يحتاج الى تاويل خير من الكلام الذى يحتاج الى تأويل وشرح لمقصده .
س29: سئل الشيخ : ما حكم مسح الوجه باليدين بعد الانتهاء من الدعاء وهل ورد فيه حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : ليس مسح الوجه بعد الدعاء من السنة بل هو بدعة لان مسح الوجه باليدين عقب ك دعاء يعتبر نسك وعبادة وهو لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم فعله فيكةون بدعة فى الدين والحديث الذى ورد فى هذا ضعيف ولم يصح .
س30: سئل الشيخ : رجل كان له دكن يبيع فيه اشرطه الاغانى المنحرفة ثم هداه الله وحول المحل الى بيع اشرطة الاسلامية فما الحكم فى المال الذى كسبه واكمله من بيع الاشرطة المحرمة التى كان يسجلها وبيعها قبل التوبة ؟(1/315)
فقال الشيخ - رحمه الله - : ما اكله من هذا المال الحرام فانه يتوب الى الله ويستغفره وما اكله يكفيه التوبه وليس فى وسعنا استرجاعه من جوفة ومن بطنه وما بقى عنده من المواد المحرمة على الاشرطة فيسهل التخلص منها بمحوها ويسجل عليها قرآن واذكار او كتاب فى التوحيد والعلم فيسمع حتى بتعلم دينه فيترك السوء والشر ويجعل مكانة الخير واما ما مضى منه فالله يتوب عليه وما بقى من الكسب الحرام ينفقه فىوجوه البر يس على سبيل الصدقة انما اقول يتخلص منه باتفاقه فى وجوه الخير والبر لان الصدقة لا تكوةن الا من كسب طيب ولذلك لا نسميه صدقه لكن نسمية تخلصا من كسب حرام وسوف يكسب اجرا وثوابا على تخلصه من هذا المال ان شاء الله .
س31: سئل الشيخ : خادمة صغيرة السن حملت طفلة وماتت فهل عليها دية لهذه الطفلة ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : اذا كانت ماتت من السقطة فعليها الدية وعليها الكفارة لان هذا قتل خطأ ولو كانت جاهلة والدية على العاقلة وهم عصبتها .
***********************
تاسعا
نظرة الى واقع المسلمين
كما يجب عليهم
ـــــ
1- التحذير من كيد الاعداء
المتربصين بالامة الاسلامية
ــــ(1/316)
قال رحمه الله تعالى : ان اعداء المسلمين ما فتئوا يكيدون للمسلمين ويحاولون اضعاف قوتهم وتفريق كلمتهم بكل سبيل فلما اعيتهم الحيل للنيل من الاسلام والهله بالقوة والسيف ، او بالحجة والبرهان ، وعمدوا الى السلاح النسوى ، سلاح الدس البغيض ، والتلبيس . فلبسوا لذلك لامة النفاق ، وتدرعوا بدروع التقيه خشية الظنون والريب وخشية اسياف الغيورين من المجاهدين مستبطنين الكفر والعدوان فاوضعوا خلال المسلمين يبغونهم الفتنة ....... ان ما ترزخ تحته الامة الاسلامية اليوم من تفرق فى الرى وضعف فى الدفاع وتأخر الى الوراء حين يتقدم غيرهم ليس كل ذلك الا نتيجة غفلتهم من مخططات اعدائهم وبعدهم عن تراث السلف الصالح وسلوكهم لغير خطتهم علما وعملا وفى موضع اخر يتحدث الشيخ - رحمه الله - عن حقيقة العداوة بين المؤمنين والكافرين وطرق مواجهاتها فيقول :(1/317)
ان العداوة التى بين المؤمنين والكافرين عداوة قديمة مستأصلة وان الخصومة التى بن الفريقين خصومة مستحكمه وان قلوب الكافرين لن تزل ولا تزال تتوهج فيها جمرات الغيظ وتشتعل فيها نيران الضغائن والاحقاد لا يكاد يخبو لهيبها او تخمد جمرتها ، بل لا تزال يوما بعد يوم تتخذ الوانا مختلفة من الكيد ة والتلبيس واشكالا من الحوب الضاربة خفة وجهرة سرا وعلانية ، وما خفى منها اشد ضراوة ، واعظم فتكا بالمسلمين مما ظهر ولذا حذرنا الله من موالاتهم واتخذا بطانة منهم قال تعالى ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) .(1/318)
تارة تكون حربا مادية تدور رحاها فى الجو أو البحر ، او على بساط الارض ، بالطائرات والغواصات والدبابات وامثال ذلم من الاسلحة الفتاكة ، وتارة تكون نظرية تدور رحاها فى عالم الافكار بالقاء الشبه ، ونشر نظريات الالحاد ونحوها لتشكيك المسلمين فى دينهم ، وزلزلة العقيدة فى نفوسهم ومحو ما فى قلوبهم من حق ويقين ، وآونة تكون حرب اعصاب وفتن توهن العزائم وتبعث الرعب فى القلوب ، وتحطم وحدة المسلمين وتفرق جماعتهم بما تلقيه فى نفوسهم من بذور الاثرة وأسباب العداوة والبغضاء وتجعل بعضهم حريا على بعض الى غير ذلك من الوان الكيد والحروب فلابد للمسلمين ان يواجهون بمثل اسلحتهم فيواجهونهم باسلحة مادية يضعونها فى نحورهم ويقضون بها عليهم ويواجهونهم بادلة علمية يثبتون بها الحق فى قلوب المؤمنين ويمحون الشبه حتى لا تكون فتنة ولا الحاد ، ولا حيرة ولا شكوك ويواجهونهم بايجاد يقظة فى الامة الاسلامية ونشر الوعى فيها حتى ينكشف لهم ما بخصوصهم من الكيد والدس وحتى لا يغتروا بالبهرج الكاذب والمظاهر الخداعة ولا يأخذ التهريج من نفوسهم مأخذه .
وكل هذه المواجهات والمكافحات انواع من الجهاد فى سبيل الله فيجوز ان يستعان فى القيام بها باموال الزكاة وغيرها من تبرعات المحسنين من اغنياء المسلمين وبيوت الاموال فى الدول الاسلامية عن كريق ولاة الامور لتكون كلمة الله هى العليا ، وكلمة الكفر هى السفلى ، وليهلك من هلك عن بيته ويحيا من حلا عن بينه وان الله لسميع عليم ، والله الموفق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
2- التحذير من الفرقة وآثارها المدمرة(1/319)
كان الناس أمة واحدة على الحق بما اودع الله فبهم من قطرة الاسلام وبما عهد اليهم من الهدى والبيان فلما طال عليهم الامد قست قلوبهم ، فاجتالهم الشياطين عن الصراط المستقيم ، وسلكت بهم بنيات الطريق فتمزقت وحدتهم واختلفت كلمتهم ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما .
قال تعالى ()كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ) .
وقال تعالى :( )فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة ، فابواه يهودانه أو ينصرانهأو يمجسانه " . الحديث وقد أمر الله - تعالى - فى كتابه وعلى السنة رسله بوحدة الكلمة والاعتصام بشرعه وحذر من الفرقة والاختلاف وبين عاقبة ذلك بما ذكر من احوال الامم الماضية وما خلق بها من الدمار واصابها من الهلاك وحثهم على البثيان والبلاغ والامر بالمعروف والنهى عن المنكر نصرة للحق وازالة للشبهة واحباطا لكيد دعاة السوء واستهوائهم النفوس الضعيفة .
قال الله تعالى : ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .
وقال : ()إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) .
وقال : ()وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).(1/320)
وعن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فمذا تعهد الينا ؟ فقال : ( اوصيكم لاسمع والطاعة فانه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى ، وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدى ، تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ ، واياكم ومحدثات الامور ، فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) . الى غير ذلك من الآيات والأحاديث .
ومع ذلك دب الخلاف بين الناس فما من امة من الامم الا وقد اختلفت بهم الاهواء حتى وضع كل لنفسه اصولا يبنى عليها مذهبة واليها يرجع فى خصومته فتناقضت مذاهبهم ، وصار كل واحد حربا على اخية ، وشغل بذلك عن كتاب الله وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم الا انه - سبحانه - جرت سنته واقتضت حكمته ان يقبض للحق فى كل عصر جماعة تقوم علين وتهدى الناس البه وانجازا للوعد بحفظ دينه واقامة للحجة واسقاطا للمعاذير قال تعالى () وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ).
وقال : ()إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .
وقال : صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة كلها فى النار الاواحدة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها فى النار الا واحدة ، وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار الا واحدة " ,وفى رواية قالوا : يا رسول الله ! من الفرقة الناجية ؟ قال : " من كان على مثل ما انا عليه اليوم انا واصحابى " وفى رواية قال : ( هى الجماعة يد الله على الجماعة ) رواه ابو داود والترمذى والمسائى وعغيرهم وفى الحديث : " لا تزال طائفة من امتى ظاهرين على الحق .. الحديث " .(1/321)
وقد تبين من ذلك ان الفرقة الناجية هى اهل السنة والجماعة وان شعارها كتاب الله وهدى رسوله عليه الصلاو والسلام وما كان عليه سلف الامة الذين يؤمنون بمحكم النصوص ويعملون بها ويردون اليه ما تشابه منها وام االفرق الضالة فشعارها مفارقة الكتاب والسنة واجماع سلف الامة واتباع الاهواء وشرع ما لم ياذن به الله من البدع والاراء الزائفة بناء على اصول وضعوها يوالون عليها ويعادون فمن وافقهم عليها اثنوا عليه وقربوه وكان فى زعمهم من اهل السنة والجماعة ومن خالفهم تبرأوا منه ونبذوه وناصبوه العداوة والبغضاء ، وربما رموه بالكفر والخروج من ملة الاسلام لمخالفته لاصولهم الفاسدة .
3- وجوب تنصيب ولى امر المسلمين
ووجوب طاعته فى المعروف
ان اقامة ولى امر عام للمسلمين يتولى شؤونهم وتنتظم به امورهم ويجمع شملهم واجب علىالمسلمين فيجب عليهم ان يختاروا من بينهم من يصلح للقيام بواجب الامة وان لم يكن ى الامة من يصلح لذلك الا واحدا تعين عليهم ان يقيموه وليا عاما عليهم ويتعين عليه ان يقبل تولى هذا ، حفظا لكيانها وتحقيقا لما ينهض بها سياسة وتدبيرا ، وثقافة وعلما وانتاجا فى السلم والحرب ، والشدة والرخاء ، وفى جميع الاحوال .
والحكمة فى ذلك : رعاية مصلحة الامة ، وصيانتها من ان يدب اليها دبيب الشل ، فتضعف شوكتها وتذهب ريحها ، فيطمع فيها اعداؤها ويستولوا عليها وعلى مرفق حياتها ويسخروها لمصالحهم ، ويسومونها سوء العذاب .(1/322)
وقد شهدت الفطرة بضرورة اقامة ولى عام على المسلمين يسهر على مصالحهم ويسعى جهده فى دفع كيد اعدائهم ويبذل وسعة فى توحيد كلمتهم ولم شعثهم بل عرف الانسان ان اتخاذ القيادة وضرورتها امر جبلت عليه الحيوانات العجماوات فانا لا نكاد نجد طائفة من الحيوانات على اختلاف انواعها ، كالنمل والنحل فى المأوى وجمع الغذاء وكالطيور فى الهواء ، والاسماط فىالماء ، والا وقد اتخذت لنفسها قيادة تنظم سيرها وعملها ورئاية تهيمن على شؤونهات وحركتها ولو قدر تخلف ذلك كان تخلفه نادرا واذا فقدت القيادة فى امة من الحيوانات تجدها قد ضربت اطنابها فى الفوضى وصارت يضرب بها المثل فى الهمجية والتهرج والاضطراب كمة الجراد .
وقد زخرت ادلة الكتاب والسنة بالحث الكثير على طاعة ولاة الامور والتحذير الشديد من الخروج عليهم ومنازعهم والحديث فى اصل الولاية بالخبر عنها ، وانتظام الأمر بها مبسوط فى مصنفات العلماء وهى تنص على ان وجوب تنصيب الولاة والائمة وهو أمر معروف ، طبعت عليه القبائل والأمم كما دل العلمل المستمر من النبى صلى الله عليه وسلم فى بعث السرايا على انه ما بعث سرية الا وقد امر عليها اميرا واوصها بطاعته ، ودل عمله فى البلاد الاسلامية انه لم يترك بلدا دون ان يؤمر على اهلها اميرا ولم يسافر عن المدينة الا وقد أمر عليها أميرا فاذا كان هذا شانه فى الولايات الخاصة ، فالولاية العامة الزم ، والعناية بها اتم واوجب يل لا تكون ولاية خاصة فى أمة الا عن طريق الولاية العامة ومستمدة منها .
س1: فضيلة الشيخ فى الوقت الذى نرى فيه العالم الاسلامي اليوم من فرقة وانقسام وضياع لمقدسات المسلمين وموالاة لبعض دول الغرب الكافرة ، والبعض الاخر لقوة الشرق يسأل الشباب المسلم عن دورة تجاه امته الاسلامية حتى تعود للمسلمين عزتهم ومقدساتهم ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : الجواب عن هذا ناخذه من تاريخ المسلمين .(1/323)
اولا : كيف كثروا بعد ان كانوا قلة وكيف اجتمعت قلوبهم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا جبهة وقوة بعد ضعف وكيف انتصروا على اعدائهم ؟ وبماذا كان هذا الانتصار ؟ وبما كانت هذه الوحدة وهذا التأليف بينهم ؟ وبما كان هذا التأخى ؟ اذا نظرنا فى تاريخ المسلمين وجدناهم كالجسد الواحد يتاثر كل فرد منهم بما يصيب اخاه وكل جانب او بلد من البلاد التى كان يسكنها المسلمون فى الصدر الاول فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلى ، والصحابة ، والتابعين ومن تبعهم فى القرون الثلاثة الاولة نجدهم جميعا كانوا وحدة لا تتجزأ ، ويحس كل واحد منهم باحساس الاخر ، انظر الى المادة او الغذائ او الدينامو ان شئت ان تسميه دينامو الذى بعث قلوبهم تلكم القوة ، وانار تلك القلوب واحياها وجعل فيها ان شئت قل الصواريخ التى تصيب اعدائهم ، وان شئت قل السهام والنبال ، وان شئت قل السيوف ، اذكر ما شئت من العدد الحربية والقوة القلبية والشجعان النفسية ، اذكر ما شئت من هذا ، مبعثه امر واحد وهو الاعتقاد والايمان بكتاب الله جل شأنه - بما جاء فىسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يتصل باسماء الله وصفاته وبما يتصل بتوحيد العبادة والاخلاص فيها لله وحده وبما يتصل بالجهاد فى سبيل الله وابتغاء مرضاته ونصره لدينه واحقاقا للحق وابطالا للباطل وقضاءا على الكفر وانصاره ، وهذا المعنى هو مبعث الاخاء والقوة التى فى قلوب المسلمين والشجاعة التى فى قلوب المسلمين .(1/324)
واضرب لكم مثلا بامر واقع فى غزوة الحديبية الرسول صلى الله عليه وسلم كان معه الف واربعامائة مقاتل ولما وصل الى المكان المسمى بالحديبية وهو قريب من وادى فاطمة ، بركت ناقته وارادوا ان يسيروا بالاكراه فقال : دعوها فانها مأمورة فتركوها ثم بلغه ان اهل مكة فى شدة وفى اباء ان يقبلوا دخوله مكة وارسل اليهم عثمان بن عفان ليرى شأنهم فتاخر بالرد على النبي صلى الله عليه وسلم ووقع فى نفوس الكثيرين انه قتل او اسر .
وكان القصد من ارسال عثمان الى هناك لكى يتبين الأمر فلما تاخر وظنوا انه قتل عاهد النبى صلى الله عليه وسلم اصحابه على القتال والا يفروا من وجه الكفار حتى ولو جاءوا بجميع ما عندهم من قوة بايعوه جميعا وسميت البيعه بيعة الرضوان .
فى والوقت نفسه اجتمعت قريش فى كيفية مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ان ابلغهم بديل بن ورقاء الخزاعى بقوله انى قد جئتكم من عند هذا الرجل وسمعته يقول قولا فان شئتم عرضته عليكم فقال ، سفاؤهم لا حاجة لنا ان تحدثنا عنه بشئ وقال ذوو الراى منهم : هات ما سمعته فقال : سمعته يقول انا لم ناتى لقتال احد ولكن جئنا معتمرين وان قريشا قد نهكتهم الحرب واضرب بهم فان شاءوا ان يبخلوا بيني وبين الناس وان شاءوا ان يدخلوا فيما دخلب فيه الناس فعلوا وان ابوا الا القتال فوالذى نفسي بيدي لاقاتلنهم على امري هذا تنفرد يالفتي او لينفذن امره .
وعلى اثره بعثت قريش نكرز بن حفص فلما راه صلى الله عليه وسلم قال : هذا الرجل غادر فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل فرجع الى قريش واخبرهم .(1/325)
ثم قال رجل من كنانه اسمه الحليس بن علقمة : دعونى اته فقالوا ائته فلما اشرف على النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه قال هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فبعثوا له الهدى واستقبله القوم يلبون فلما راى ذلك قال سبحان الله ما يبنغى لهؤلاء ان يصدروا عن البيت فرجع الى اصحابه فقال رايت البدن قد قلدت واشعرت وما راى ان يصدروا وجرى بينه وبين قريش كلام كثير ، فقال عروة بن مسعود الثقفى ان هذا قد رعض عليكم خطة رشد فاقبلوا ودعونى ان اتيه فأتاه فجعل يكلمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل فقال له علوره عند ذلك اى محمد أرأيت لو استأصلت قومك هل سمعت باحد من العرب اجتاح قومه قبلك ؟ وان تكن الاخرى فوالله اني لارى وجوها وارى اوباشا من الناس خليقا ان يفروا ويدعوك فقال له ابو بكر : امصص بظر اللات انحن نقر عنه ؟ قال : من ذا قالوا : ابو بكر قال اما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندى لم اجزك بها لاجبتك وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وكلما كلمة اخذ بلحيته وكان المغيرة ابن شعبة مدججات بالسلاح واقفا على راس النبي صلى الهل عليه وسلم وكلما اشار بالسلاح الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له المغيرة : كف يدك وهدده بقطعها اذا لم يكفها فقال : من هذا ؟ فقالوا :المغيرة فقال له : يا غدر بالامس غسلنا سوءتك ، وكف يده لكن قال كلمة سيئة هى التى يسمونها اليوم حرب اعصاب قال النبي صلى الله عليه وسلم جئت بجيش بعضه غفاري وبعضه جهني وبعضه من المهاجرين وبعضه من الانصار وهم قسمان أوس وخزرج ، وبين الفريقين ما بينهما من العداوة والبغضاء فى زمن الجاهلية ، وهم اخلاط جئت بهم من كل حدب وصوب ، وهم خليط كيف أمنت على نفسك ان تحارب قومك ويحمى هؤلاء ظهرك ، يريد ان يفتر همة النبي صلى الله عليه وسلم وان يخدعه ، ويخدع قومه حتى يمهد بذلك للصلح والرجوع دون ان يدخل مكة ولكن ابو بكر لم يستطيع ان يصبر وان يترك الجواب(1/326)
للنبي صلى الله عليه وسلم بل قال له امصص بظر اللات البظر هو الذى يقطع فى الختان من البنت ، واللات صنم تعبهده قريش ، فقال له ذلك سخرية به واستهزائ بالهة وبالكفار جميعا وان اخوة الايمان اقوى من اخوة النسب ، ولننظر الى هذا الرباط الروحي ، الرباط القلبي ، رباط الايمان فانه يجمع بين القلوب اكثر مما يجمع النسب بين القلوب .
كان الايمان حلقة اتصال بين المؤمنين كان الايمان رباطا انبنى عليه الاخاء الصادق ، وانبت عليه الاخوة الصادقة ، واخلاىص كل منهم للاخر واخلاص الجميع لله وحده ، والرضا بقضائه وقدره رضا يجعله لا يحجبن عن القتال ولا يتأخر عن مواجهة الكفار اعداء الله ، واعداء المسلمين كما قال تعالى فى بداية سورة الممتحنة : ( )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) وكما امر الله تعالى المسلمين بان بؤاخى بعضهم بعضا وان يربطوا بينهم برباط الايمان ، وان يجعلوه مقدما على النسب وقال فى سورة براءة ()قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
فبين ان قلوب المؤمنين يجب ان تكون ممتلئة بحب الله ، ويحب رسول الله وبالحب بين المؤمنين فيما بينهم وان يكون هذا الحب مقدما على كل شيء من متاع الدنيا وحطامها ، ومن الاقارب ، ومن الازواج ، ومن الاولاد ، ومن كل شيء الا الله ورسوله ، والا التشريع الاسلامى ، فهذا يجب ان يكون فى قلوبهم مقدما علىكل شيء بهذا حقق الله للمسلمين القوة التى لا يستطيع الكفار ان يدفعوها مهما كان عددهم .(1/327)
كان الروم كثرة ، والمسلمون قلة ، ومع ذلك انتصروا عليهمن كان كسرى والفرس قوة فى الجاهلية ن وفى صدر الاسلام يخشاهما ويقدرهما الناس قدرهما ومع ذلك لم يستطيعوا ان يقفوا فى وجه المسلمين .
وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بانهم سينتصرون على كسرى وانهم سيسكنون بلادهم ، ويعمرونها بالاسلام ، وانهم سيأخذون كثيرا من اموالهم ، وتفتح عليهم الدنيا بكثرة ، هذا كله نتيجة لما لديهم من ايمان جعله الله جل شأنه حياة لهم وقوة لهم ، فلم يخشوا على انفسهم من القتال ولا من الجهاد فى سبيل الله ، ولم يتفرقوا فم ابينهم ، وكان المشركون يخشون منهم وهو على مسافة بعسدة وينزل بهم الرعب على مسافات كثيرة فكانوا ينصرون لمجرد السماع ، وهذا من فضل الله جل شأنه جزاء للمسلمين على ما وهبهم من قوة ايمان ، وقوة اخاء ، وحب فى الله ، وبغض فى الله ، وعمل بتشريع الله سبحانه وتعالى .
هذا الذى كان فى الاول هو العلاج الذي يجب ان يكون الوم ، ولن تجتمع كلمة المسلمين الا بمثل ما اجتمعت عليه كلمة ابائهم ، واجداهم من المؤمنين الاولين .
هذا هو الطريق الذى رسمه الله وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل به المسلمون الاولون فاذا رجع المسلمون اليه فى الوقت الحاضر رجع اليهم مجدهم ونصرهم ، ووحدتهم ، ورعبوا اعدائهم ، وما داموا على الوضع الذي هم عليه من الفرقة والاختلاف وترك العمل بالشرع وموالاة اعداء الله من الكفار ، ولم يتحولوا عنه لا قدر الله فهم فى شر ، وفرقة وخصومات واحقاد ، وضغائن اسأل الله السلامة والعافية .
??
??
??
??
فتاوى العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي العلامة عبد الرزاق عفيفي
14(1/328)