تكرار العمرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز تكرار العمرة فى موسم الحج أو غير موسمه ، وهل لهذا التكرار حد ؟
An يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة فى العمر أو فى السنة أو فى الشهر أو فى اليوم ،حيث لا يوجد نص يمنع ذلك ، قال نافع : اعتمر عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أعواما فى عهد ابن الزبير، عمرتين فى كل عام ، وقال القاسم : إن عائشة رضى الله عنها اعتمرت فى سنة ثلاث مرات ، فسئل : هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال : سبحان الله ، أم المؤمنين ؟ وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم ، وكره مالك تكرارها فى العام أكثر من مرة، إلا لمن كان داخلا مكة قبل أشهر الحج وكان ممن يحرم عليه مجاوزة الميقات حلالا فلا يكره له تكرارها بل يحرم بعمرة حين دخوله ولو كان قد تقدمت له عمرة فى هذا العام(9/316)
متى فرض الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى السنة التى فرض فيها الحج إلى بيت الله الحرام ؟
An الحج إلى مكان مقدس أمر معروف عند الأمم منذ القدم كما قال سبحانه {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه } الحج : 67 ، وكما قال {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج : 34 .
والحج فى جزيرة العرب عبادة قديمة ترجع إلى عهد بناء البيت الذى جعله الله أول بيت وضع للناس ، والذى رفع قواعده أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وأمره الله أن يسكِّن أسرته الصغيرة عنده ، وأن يؤذن فى الناس بالحج استجابة لدعاء ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوى إليه ويرزق أهله من الثمرات ، وبهذا أصبح الحج شريعة متبعة وموسما حرص العرب عليه ليشهدوا منافع لهم .
وجاء الإسلام وما يزال الحج تمارس شعائره القديمة ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشهد الموسم كعادة العرب ، وبعد البعثة عرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكة يبلغهم الدعوة وكانت قلة من المسلمين تمارس الحج كميراث قديم ولم يكن فُرِض عليهم كما فرضت الصلاة فى مكة حتى هاجروا إلى المدينة وكانت الحروب هى التى حالت دون زيارتهم للبيت الحرام .
لقد قال بعض المؤرخين للتشريع : إن الحج الذى فرض بقوله تعالى{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران : 97 ، كان فى السنة السادسة للهجرة ، وعلى أثره قام النبى صلى الله عليه وسلم وجماعة معه بالسفر إلى مكة لأداء العمرة، فصدهم المشركون وكان صلح الحديبية، وقضى الرسول هذه العمرة فى السنة التالية .
وقاله جماعة : إن الحج لم يفرض إلا بعد السنة الثامنة حيث فتحت مكة وأمن الطريق الذى لم يكن آمنا قبل ذلك ، وإنما كان فرضه فى السنة التاسعة حيث أوفد النبى صلى الله عليه وسلم بعثة الحج على رأسها أبو بكر رضى الله عنه ، ليؤذن فى الناس يوم النحر ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، وكانت هذه البعثة تمهيدا لحجة النبى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فى السنة العاشرة وهى الحجة الوحيدة التى حجها كما رواه مسلم وفيها نزلت آية{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة : 3 ، وأشهد الناس على أنه بلغ الرسالة ، وأمرهم أن يبلغوها للعالم كله(9/317)
النظافة فى الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الحاج ممنوع من الاستحمام والتطيب حتى لو تغيرت رائحته بالعرق ونحوه ، مع أن الإسلام دين النظافة ؟
An روى البزار بسند صحيح أن عمر رضى الله عنه وجد ريح طيب من معاوية وهو مُحرم ، فقال له . ارجع فاغسله ، فإنى سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : "الحاج الشعث التفل " . والشعث من عليه أثر التراب من السفر، والتفل البعيد العهد بالماء ، وقال النبى صلى الله عليه وسلم "أما الطيب الذى بك فاغسله عنك ثلاث مرات " .
وقال فيمن مات وهو محرم "لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" .
نعم الإسلام دين النظافة، سواء أكانت تخلية أم تحلية، تخلية بالغسل وإزالة الزوائد التى تتجمع معها الأوساخ ، وتحلية بالطيب وسائر الروائح الزكية ونحوها .
ولكن الحاج فى أثناء إحرامه ، وقد تكون مدته قصيرة جدا، ممنوع من التحلية بالروائح الطيبة لأنها من باب الكماليات .
والحج يقوم على التجرد منها والوقوف أمام اللّه بأقل ما يستر العورة، تشبها بما سيكون الناس عليه يوم يحشرون إلى ربهم {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } الأنعام : 94 .
وقد جاء فى الأحاديث أن الله يباهى الملائكة بالواقفين على عرفة ويقول "انظروا إلى عبادى أتونى شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق ... " .
أما التخلية عن الأمور التى تضر الجسم وتضر بالرفاق والمجتمع الكبير فإن الإسلام أباح الاغتسال والتطهر أثناء الإحرام ، ومنع العطور التى هى زائدة على النظافة العادية .
وقد ورد أن ابن عباس رضى الله عنهما دخل حمام الجحفة وهو محرم ، فقيل له : أتدخل الحمام وأنت محرم ... ؟ فقال : إن اللّه ما يعبأ بأوساخنا شيئا .
وأخرج الجماعة إلا الترمذى أن أبا أيوب الأنصارى كان يغتسل بصب الماء عليه والتدليك . وقال هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل .
على أن الاغتسال والتطهر بوجه عام مشروط أو مندوب لعدة أعمال فى الحج .
فعن ابن عمر أنه قال : من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام ، وإذا أراد دخول مكة . رواه البزار والدارقطنى والحاكم وصححه . وكذلك يسن الغسل للوقوف بعرفة .
والطيب جائز قبل الإحرام حتى لو امتد أثره إلى ما بعد الإحرام ، ففى البخارى ومسلم عن عائشة رضى اللّه عنها قالت : كأنى أنظر إلى وبيص الطيب -أى بريقه -فى مفرق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم .
وعنها أيضا قالت : كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فننضح جباهنا بالمسك عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبى صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا . رواه أحمد وأبو داود .
وجوز الفقهاء استعمال الصابون وغيره من كل ما يزيل الأوساخ أثناء الإحرام .
وعند الشافعية والحنابلة يجوز أن يغتسل بصابون له رائحة ، لأن المقصود به النظافة لا التطيب .
هذا ، وكثير من الناس الذين فهموا النصوص خطأ يمتنعون عن الاغتسال وتغيير الملابس ويؤثرون البقاء على ما هم عليه حتى بعد انتهاء أعمال الحج وانتظار العودة إلى البلاد ، ويظنون أن ذلك من الدين ، مع ما قد يفوح منهم من رائحة كريهة ، وبخاصة فى أيام الحر، وهم بذلك يخلقون مجالا لبعض الأمراض ، إلى جانب إيذاء الغير بروائحهم الكريهة(9/318)
لقطة الحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أثناء وجودى فى منى وجدت مبلغا من النقود نحو ثلاثين دينارا فأخذتها وقررت التصدق بها بعد عودتى لبلدى على أن أهب ثوابها لصاحبها فهل يجوز ذلك ؟
An لقطة الحرم يحرم أخذها إلا لتعريفها فقد صح فى الحديث "إن هذا البلد حرمه الله تعالى، لا يلتقط لقطته إلا من عرفها" وجاء أيضا "لا يرفع لقطتها إلا منشدها" أى المعرف بها ، قال العلماء فى بيان حكمة ذلك : إن حرم مكة مثابة للناس يعودون إليه المرة بعد المرة ، فربما يعود مالكها من أجلها أو يبعث فى طلبها، فكأنه جعل ما له محفوظا عليه ، كما غلظت الدية فيه . وقالوا :
من التقطها يلزمه الإقامة وعدم السفر وذلك للتعريف بها أو يدفعها إلى الحاكم إذا كان أمينا ليقوم بالتعريف عنها، ويوجد الآن جهاز خاص فى الحرم للأشياء المفقودة فيجب تسليمها إليه ، ثم قال العلماء إن لم يسلمها إلى الحكومة لا يجب بعد معرفة علاماتها أن يحفظها، سواء أكانت حقيرة أم خطيرة ، وتبقى وديعة عنده لا يضمنها إذا تلفت إلا بالتعدى، ثم ينشر خبرها فى مجتمع الناس بكل وسيلة، فإن جاء صاحبها وعرفها دفعت إليه ، وإن لم يجيء عرفها الملتقط لمدة سنة، فإن لم يظهر صاحبها بعد سنة حل له أن يتصدق بها أو الانتفاع بها ، هذا هو حكم المسألة ولك الخيار فى إرسالها إلى حكومة السعودية لتتولى التعريف عنها ، أو التصرف فيها على ضوء ما علمت(9/319)
أنواع الإحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أريد أن أؤدى الحج والعمرة معا فى سفرة واحدة فكيف أقوم بهما ؟
An قال تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } البقرة : 196 ، فالحج واجب على كل مستطيع فى العمر مرة واحدة ، كما أن العمرة واجبة عند الشافعى وأحمد وسنة عند أبى حنيفة ومالك .
وأعمال العمرة تؤدى داخل مكة ، فهى طواف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، ثم تحلل منها بحلق الشعر أو تقصيره ، أما أعمال الحج فتؤدى فى مكة بالطواف والسعى والحلق ، وخارج مكة بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة وبمنى ورمى الجمرات فيها .
والذى يقصد بيت اللّه فى أشهر الحج - شوال وذى القعدة وذى الحجة - ويريد أن يؤدى الحج والعمرة له أن يختار فى إحرامه إحدى الكيفيات التالية :
الأولى : أن ينوى أداء العمرة فقط ، بعد أن يلبس ملابس الإحرام وقبل أن يصل إلى الميقات ، فإذا وصل مكة طاف سبعا بالبيت ثم سعى سبعا بين الصفا والمروة، ثم حلق بعض شعره أو قصره .
وبهذا تمت عمرته ، ويخلع ملابس الإحرام ويلبس ملابسه العادية ويتمتع بما كان محظورا عليه أثناء الإحرام ، من مثل الطيب وقص الشعر والأظافر والاتصال الجنسى .
وعليه مقابل ذلك أن يذبح شاة، لقوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى } البقرة : 196 .
وعندما يحين الخروج إلى عرفات يحرم بالحج من المكان الذى هو فيه بعد أن يلبس ملابس الإحرام ، ثم يقف بعرفة ويفيض منها إلى المزدلفة بعد المغرب ، ويمكث بها مدة بعد منتصف الليل ، ثم يصبح يوم العيد فى منى ويرمى جمرة العقبة وهى الكبرى ثم يقص بعض شعره ، وهنا يجوز له أن يخلع ملابس الإحرام ويلبس الملابس العادية ويمكث فى منى ثلاثة أيام لرمى الجمار، أو يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة ، ويسعى بين الصفا والمروة يوم العيد ، ثم يعود إلى منى ليبيت فيها ويرمى الجمرات وهذه الكيفية وهى تقديم العمرة على الحج فى أشهره تسمى بالتمتع .
الثانية : أن ينوى قبل الوصول إلى الميقات الإحرام بالحج فقط ، وعند وصوله مكة يطوف طواف القدوم -وهو سنة-ويسعى بين الصفا والمروة إن أراد ، ويمكث ملتزما للإحرام حتى يقف بعرفة ويتمم أعمال الحج بالمبيت بمزدلفة ورمى الجمرات والمبيت بمنى والطواف ، والسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ، وبالحلق أو التقصير .
وهذه الكيفية من الإحرام تسمى الإفراد .
وبعد أن ينتهى من الحج يمكن أن يحرم بالعمرة من مسجد عائشة بالتنعيم ، ويؤدى أعمالها المعروفة وليس عليه فى هذه الكيفية هدى .
الثالثة : أن ينوى الحج والعمرة معا فى إحرام واحد قبل الميقات ، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم وسعى ووقف بعرفة وبات بالمزدلفة ورمى جمرة العقبة صباح يوم العيد ثم حلق -ثم طاف طواف الإفاضة وسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ، ثم كمل أعمال الحج برمى الجمرات والمبيت بمنى، وهذه الكيفية من الإحرام تسمى "القران " . وفيها هدى كهدى التمتع ، لأنه طاف طوافا واحدا - سبعة أشواط - وسعى سعيا واحدا-سبعة أشواط -عن الحج والعمرة معا . ففى مقابل راحته بعدم تكرر الطواف والسعى يلزمه الهدى .
والإنسان حُرّ فى أن يختار أية كيفية من هذه الكيفيات ، حسب ظروفه وحالته الصحية أو المالية أو غيرها ، والمهم أنه أدى النسكين فى رحلة واحدة، وبرئت ذمته من أداء الواجب وإن كان الفقهاء اختلفوا فى أيها أفضل بناء على اختلافهم فى حج الرسول وإن صحح بعضهم أنه كان قارنا لأنه ساق الهدى فذهبت الشافعية إلى أن الإفراد والتمتع أفضل من القران ، لأن المفرد والمتمتع يأتى بكل من النسكين بكمال أفعاله ، أما القارن فيقتصر على عمل الحج وحده . وفى التفاضل بين التمتع والإفراد قولان .
والحنفية قالوا : القرآن أفضل من التمتع والإفراد ، والتمتع أفضل من الإفراد .
والمالكية قالوا : الإفراد أفضل من التمتع والقران .
والحنابلة قالوا : التمتع أفضل من القران ومن الإفراد ، لأنه الأيسر، وقد تمناه النبى صلى الله عليه وسلم لما رواه مسلم عن جابر أن أصحاب النبى فى حجهم معه أحرموا بالحج وحده ، أى مفردين ، فلما كان صبح الليلة الرابعة من ذى الحجة أمرهم أن يحلوا من الإحرام وأباح لهم أن يأتوا نساءهم قبيل الوقوف بعرفة، ثم خطب فيهم فقال : " قد علمتم أنى أتقاكم وأصدقكم وأبركم ، ولولا هديى لحللت كما تحلون ، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أَسُقِ الهدى ، فحلوا " فحللنا وسمعنا وأطعنا(9/320)
خطبة الوداع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى خطبة الوداع ، وهل كانت فى عرفة أم فى منى ؟
An النبى صلى الله عليه وسلم كان له أكثر من خطبة فى حجة الوداع ، فقد خطب فى مكة وفى عرفة وفى منى، بيَّن فيها مناسك الحج كما بيَّن الأصول العامة للدين ، ونبَّه على التمسك بالشريعة كآخر وصية له فى هذا الجمع الحاشد . وفى يوم عرفة خطب فى وادى عرنة وكان فيما قال :
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، ألا إن كل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وأول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع ... فاتقوا الله فى النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدى إن اعتصمتم به ، كتاب اللّه ، وأنتم تسألون عنى فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا :
نشهد أنك قد بلَّغت وأدَّيت ونصحت : فأشار بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس - أى يرددها ويقلبها ، وهو يقول : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد .
وخطب فى منى يوم النحر خطبة أكَّد فيها ما خطبه فى عرفة، وبيَّن أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، فالسنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم .. . وقال فيها " ألا لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا فليبلّغ الشاهدُ منكم الغائبَ ، فَرُبَّ مبلغ أوعى من سامع " .
هذا ما ورد من الخطبة فى الأحاديث الصحيحة، وقد عنى بدراستها علماء الدين ، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتب الحديث(9/321)
كم حج النبى صلى الله عليه وسلم واعتمر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل حج النبى صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع ؟
An الحج كان معروفا عند العرب من أيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، واستمروا يحجون حتى جاء الإسلام ، والرسول صلى الله عليه وسلم - وهو المولود فى مكة والناشىء فيها إلى أن بعث وهاجر كان يمارس ما تمارسه العرب من الشعائر الباقية من دين إبراهيم ، على الرغم مما حدث فى بعضها من تغيير، كوقوف جماعة منهم يوم عرفة فى الحرم وليس فى عرفة لأنها فى الحل ، والنسىء الذى أخروا به الحج عن موعده الحقيقى ، ولما جاء الإسلام كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالناس فى موسم الحج ليبلغهم الدعوة فى منى ثلاث سنين متوالية "الزرقانى على المواهب ج 3 ص 105 " .
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 4 ص 143 " : كان الحج معلوما عند العرب مشهورا لديهم ، وكان مما يرغب فيه لأسواقها وتبررها وتحنفها- أى الطاعة والعبادة-فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا ، وألزموا بما عرفوا . وقد حج النبى صلى الله عليه وسلم قبل حج الفرض ، وقد وقف بعرفة ولم ينير من شرع إبراهيم ما غيروا . حين كانت قريش تقف بالمشعر الحرام ويقولون :
نحن أهل الحرم فلا نخرج منه ، ونحن الحمس -المتشددون فى الدين .
ولكن الحج فرض فى الإسلام بقوله تعالى { ولله على للناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران : 97، وكان ذلك فى السنة السادسة أو التاسعة للهجرة ، ولم يحج الرسول عليه الصلاة والسلام بعد فرض الحج إلا حجة واحدة هى حجة الوداع . يقول القرطبى : من أغرب ما رأيته أن النبى صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة مرتين ، وأن الفرض سقط عنه بذلك لأنه قد أجاب نداء إبراهيم حين قيل له { واذن فى الناس بالحج } الحج : 27، وهذا بعيد .
وفى شرح الزرقانى على المواهب للقسطلانى "ج 3 ص 105" أن ابن سعد قال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج غير حجة الوداع منذ تنبأ إلى أن توفاه الله تعالى، ولكن ابن حجر فى "الفتح " قال : إنه حج قبل أن يهاجر مرارا ، بل الذى لا ارتياب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط وأخرج الترمذى عن جابر أنه حج بمكة حجتين قبل الهجرة ، وأخرج ابن ماجه والحاكم أنه حج قبل أن يهاجر ثلاث مرات ، وهو مبنى-كما يقول ابن حجر- على مقابلته للأنصار بالعقبة ، وهذا بعد النبوة ، أما قبل النبوة فلا يعلم عدد حجه إلا الله . وكل ذلك استصحاب للأصل الذى درج عليه العرب من أيام إبراهيم عليه السلام .
وأما عدد عُمره صلى الله عليه وسلم فيعلم من الكلام عن عدد حججه ، وهى من اليسر بحيث يحرص عليها ، فهى طواف وسعى وحلق ، دون حاجة إلى أماكن أخرى ومشاعر خارج مكة ، والذى وردت به الروايات كان بعد الإسلام وبعد الهجرة ، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند رجاله ثقات عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، عمرة الحديبية- التى أحصر فيها - وعمرة القضاء - لعمرة الحديبية-والثالثة عمرة من الجعرانة والرابعة مع حجته(9/322)
الميقات الزمانى للحج والعمرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الميقات الذى يمكن للإنسان فيه أن يحرم بالحج ؟
An قال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج } البقرة :
189 ، {الحج أشهر معلومات } البقرة 197 ، الحج عبادة كالصلاة والصوم ، له ميقات يؤدى فيه ، ولا يصح قبله ولا بعده . وقد أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج : شوال وذو القعدة ، واختلفوا فى ذى الحجة هل هو بكماله من أشهر الحج ، أو عشرة منه فقط ، والصحيح أن الشهر كله من أشهر الحج ، لأن رمى الجمرات فى منى يكون بعد العشر، وكذلك طواف الإفاضة يمكن أن يؤدى فى الشهر كله بلا خلاف .
ولو أحرم الإنسان بالحج قبل دخول شهر شوال ، لا يصح حجه ، قال بذلك ابن عباس وابن عمر وجابر، وذهب إليه الشافعى ، ورأى أبو حنيفة ومالك وأحمد صحة الإحرام مع الكراهة ، ورجح الشوكانى الرأى الأول التزاما بالميقات كالصلاة .
هذا فى الحج أما العمرة فليس لها ميقات زمنى معين ، فكل أشهر السنة ميقات لها(9/323)
الميقات المكانى للحج والعمرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى المواقيت التى لا يمر عليها الإنسان الذى يقصد الحرم المكى للنسك إلا وهو محرم ؟
An لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت ، فجعل لأهل المدينة ومن يمر عليها "ذا الحليفة" وهو موضع بينه وبين مكة 450 كيلو متر، ويعرف بأبيار على ، وجعل لأهل الشام ومن فى طريقهم "الجحفة" وهى فى الشمال الغربى من مكة، بينه وبينها 187 كيلو متر، وهى قريبة من "رابغ " بينها وبين مكة 204 كيلو متر. وقد صارت ميقات أهل مصر والشام ومن يمر عليها بعد ذهاب معالم الجحفة .
وجعل ميقات أهل نجد "قرن المنازل " وهو جبل شرقى مكة يطل على عرفات ، بينه وبين مكة 94 كيلو متر. وجعل ميقات أهل اليمن "يلملم " وهو جبل جنوبى مكة بينه وبينها 54كيلو متر. وجعل ميقات أهل العراق "ذات عرق " وهى موضع فى الشمال الشرقى لمكة بينه وبينها 94 كيلو مترا .
هذه هى المواقيت التى عينها الرسول صلى الله عليه وسلم وقال فيها "هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة" أى أن هذه المواقيت هى لأمل هذه البلاد ولمن مر بها ، ومن كان بمكة وأراد الحج فميقاته منزله ، ومن كان فى مكان لا يمر بهذه المواقيت ، أى بين مكة 366 والمواقيت فميقاته من مكانه ، ومن كان فى جهة غير جهة هذه المواقيت كأهل السودان مثلا الذين يمرون بجدة فهو حر يحرم فى أى ميقات ، أو من حيث شاء برا وبحرا وجوا كما قال ابن حزم ، ومن أحرم قبل مروره بهذه المواقيت صح إحرامه .
وهى أيضا مواقيت لمن يريد العمرة ، إلا أهل مكة فميقاتهم أدنى الحل ، يخرج من مكة ويحرم من هناك ، وأقربه هو "التنعيم " أو مسجد السيدة عائشة .
ومن تجاوز الميقات دون إحرام وجب عليه أن يعود ليحرم منه وإلا وجب عليه دم ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .
هذا ، وفى فقه الشافعية أن من سلك طريقا لا تنتهى إلى ميقات أحرم من محاذاته ، فإن حاذى ميقاتين أحرم من محاذاة أقربهما إليه ، فإن استويا فى القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة .
وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلتين من مكة، أى مسافة قصر "حوالى 80 ك . م "- الخطيب على أبى شجاع ج 1 ص 220(9/324)
الحج على الفور أو التراخى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى أحد الأعوام كان عندى ما يكفينى للحج زائدا على كل ما أحتاجه ، ولكن شغلت ببعض الأعمال فأخرت الحج ثلاث سنوات ثم حججت .
فهل علىَّ إثم فى التأخير ؟
An ذهب بعض العلماء إلى أن الحج واجب على الفور، وذهب بعضهم إلى أن وجوبه على التراخى، ومن القائلين بالفورية : أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعى ، وأبو يوسف من أصحاب أبى حنيفة فى رواية عنه ، ومن القائلين بالتراخى الإمام الشافعى ، ومحمد بن الحسن من أصحاب أبى حنيفة ، وهو تحصيل مذهب مالك فيما ذكر ابن خويز منداد- كما فى تفسير القرطبى "ج 4 ص 144 " أدلة الفورية قوله صلى الله عليه وسلم "من أراد الحج فليعجِّل ، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة" أى الفقر، رواه أحمد والبيهقى وابن ماجه . وقوله "تعجلوا الحج ، فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له " رواه أحمد والبيهقى وقال "ما يعرض له من مرض أو حاجة" وأدلة التراخى أن الحج فرض فى السنة الثالثة التى نزلت فيها سورة آل عمران وبها آية وجوب الحج أو فى السنة السادسة ولم يحج النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى السنة العاشرة . يقول الشافعى : فاستدللنا على أن الحج فرضه مرة فى العمر، أوله البلوغ وآخره أن يأتى به قبل موته وكذلك من الأدلة حديث ضمام بن ثعلبة السعدى الذى قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام فذكر فيه الحج ، وكان قدومه سنه خمس أو سبع أو تسع .
ورد القائلون بالفورية على ذلك بأن من شروط وجوب الحج الأمن ، ولم يتوافر الأمن للرسول وأصحابه بعد صلح الحديبية فى السنة السادسة إلا فى السنة العاشرة ، فبمقتضى الصلح لم يسمح بزيارة البيت إلا فى السنة السابعة لقضاء العمرة التى لم يتمكن منها فى السنة السادسة ، وفى السنة الثامنة كان الفتح فى رمضان وشغل الرسول بحرب من هم قريبون من مكة، وفى السنة التاسعة أرسل أبا بكر على الحج لتهيئة البيت بإعلان منع المشركين من الحج بعد هذا العام ليحج الرسول فى السنة العاشرة ويخطب خطبة الوداع ، مع اصطحاب زوجاته معه .
كما رد القائلون بالتراخى على أدلة الآخرين بأنها تحتمل الترغيب فى المبادرة لا تحريم التأخير، ويظهر أثر الرأيين فى أن من قدر على الحج ولم يحج كان آثما على القول بالفورية لو مات قبل أن يحج ، وليس آثما على القول بالتراخى ، مع الاتفاق بين الرأيين على أن من مات ولم يحج مع قدرته على الحج وجب أن يحج عنه غيره . ومع الاتفاق على أن من حج بعد التأخير لا يكون قاضيا لما فاته بل مؤديا(9/325)
الحج المشروط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عزمت على الحج وأحرمت به ،وفى أثناء الطريق عرض لى عارض يحول دون إتمام الإحرام ، فهل يلزمنى الاستمرار على الرغم من ذلك ، أو يجوز لى التحلل من الإحرام ؟
An جاءت فى كتب الفقه صورة من الإحرام تفيد فى مثل العوارض التى تعترض الحاج ولا تمكنه من إتمام حجه ، وهى الإحرام مع الشرط ، بمعنى أن يقول :
أحرمت لله بالحج وإذا مرضت تحللت منه ، أو إذا فقدت النفقة أو حدث حادث معين ، فهنا يجوز له التحلل من الإحرام عند وجود هذا الشرط ، وإذا لم يشترط فى التحلل أن يكون بهدى فلا يلزمه الهدى .
وهذا التحلل يجوز قبل الوقوف بعرفة وبعده ، ويكون التحلل بحلق شعره أو تقصيره مع نية التحلل ، والدليل على ذلك ما رواه الشيخان عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير- بضم الضاد وفتح الزاى-وهى بنت عمه . فقال لها "أردت الحج " ؟ فقالت : والله ما أجدنى إلا وجعة ، فقال "حجى واشترطى وقولى : اللهم محلى حيث حبستنى" والمرض حبس عن إتمام النسك . ولو قال الإنسان : أحرمت بالحج فإذا مرضت فأنا حلال صار حلالا بنفس المرض من غير نية تحلل ولا هدى .
هذه الصورة فيما إذا شرط التحلل عند الإحرام ، أما من طرأ عليه عذر ومنعه من إتمام الحج ولم يكن قد شرط ذلك فله موضع آخر فى الحديث عنه ، والعمرة فى هذا كالحج .
وهذا الحكم قال به الإمام أحمد والشافعى ، ولم يقل أبوحنيفة ومالك بجواز الاشتراط فى الإحرام ، بناء على قول عبد الله بن عمر، لكن البيهقى قال :
لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الاشتراط كما ينكره أبوه .
وقال المانعون : حديث ضباعة قصة عين مخصوصة بها ، لكن أين الدليل على الاختصاص ؟ "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 324"(9/326)
الموالاة فى الطواف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعد ثلاثة أشواط فى الطواف تعبت فجلست للراحة ثم كملت الطواف .
فهل يصح ذلك أو لا بد من استئنافه من الأول .
وما الحكم إذا انتقضى الوضوء أثناء الطواف ، هل يبطل ما فات ، أم يجوز أن يبنى عليه لو تطهر ؟
An موالاة السعى بين الأشواط فى الطواف شرط لصحته عند مالك وأحمد، فإذا كان هناك فاصل يسير لغير عذر فلا يضر، وإن كان كبيرا فإن كان بعذر فلا يضر، أما إن كان بغير عذر بطل الطواف .
أما الموالاة عند الحنفية والشافعية فهى سنة ، فلو كان هناك فاصل طويل بغير عذر لا يبطل الطواف ، ويبنى على ما فات . ويدل عليه ما رواه سعيد بن منصور عن حميد بن زيد قال : رأيت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما طاف بالبيت ثلاثة أطواف أو أربعة ، ثم جلس يستريح ، وغلام له يروح عليه ، فقام فبنى على ما مضى من طوافه .
هذا ، وإذا كان من شروط صحة الطواف الطهارة فلو أحدث فى أثناء الطواف خرج وتوضأ ثم يدخل المطاف ويبنى على ما فات ليكمل الطواف ، ولا يجب عليه الاستئناف وإن طال الفصل . وهذا ما رآه الشافعية والحنفية .
ومما يؤكد أن الفصل بين أشواط الطواف لا يضر أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يطوف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم ، ثم قام فبنى على ما مض من طوافه وعطاء بن أبى رباح كان يقول -فى الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر صلاة الجنازة-يخرج ليصلى عليها ثم يرجع فيقضى ما بقى من طوافه .
يرى الحنفية أن الطهارة من الحدث ليست شرطا لصحة الطواف ، وإنما هى واجب يجبر بدم لو طاف محدثا ، ولو كان جنبا أو حائضا صح الطواف ووجب دم هو بدنة، وعليه الإعادة ما دام بمكة . وقال بعض أصحابه :
الطهارة سنة ، والصحيح أنها شرط لحديث : مسلم : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لما حاضت "افعلى ما يفعل الحاج غير ألا تطوفى بالبيت " أما الطهارة من النجاسة فى الثوب والبدن فهى سنة عندهم أيضا ، ويصح الطواف مع النجاسة ولا حاجة إلى ذبح شاة(9/327)
الموالاة فى السعى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سعيت بين الصفا والمروة أربع مرات ثم شعرت بالتعب فجلست للاستراحة فهل يجب علىَّ أن أبدأ السعى من الأول ، أو يجوز أن اكمل ما بقى علىَّ ؟ . ولو حدث أن انتقض وضوئى أثناء السعى، هل بطل ما فعلته ، ويجب علىّ السعى من جديد بعد الطهارة ؟
An الموالاة بين أشواط السعى بين الصفا والمروة سنة عند جمهور الفقهاء ، وليست شرطا لصحة السعى، فلا مانع من الاستراحة بين الأشواط ، والإتيان بما بقى بعد ذلك . والإمام مالك فقط هو الذى قال : إن الموالاة فى السعى شرط لصحته ، ويعفى عن الفاصل القصير، أما الطويل فيضر وبخاصة إذا لم يكن عذر، وعند العذر لا يضر كالطواف . روى سعيد بن منصور أن سودة بنت عبد اللّه بن عمر زوج عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها فى ثلاثة أيام ، وكانت ضخمة .
وإذا انتقض الوضوء أثناء السعى فلا يضر ، لأن الطهارة ليست شرطا لصحة السعى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يمنع عائشة حين حاضت إلا من الطواف كما رواه مسلم . وروى سعيد بن منصور أن عائشة وأم سلمة - من أمهات المؤمنين - قالتا : إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة . فالطهارة سنة وليست واجبة .
وروى سعيد بن منصور أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يطوف بين الصفا والمروة، فأعجله البول ، فتنحى ودعا بماء فتوضأ، ثم قام فأتم على ما مض .
لا تشترط الموالاة بين الطواف وبين السعى بين الصفا والمروة جاء فى فقه السنة ج 1 ص 713 : قال فى المغنى قال أحمد : لا بأس أن يؤخر السعى حتى يستريح ، أو إلى العشى . وكان عطاء بن أبى رباح والحسن البصرى لا يريان بأسا لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر السعى بين الصفا والمروة إلى العشى، وفعله القاسم وسعيد بن جبير ، لأن الموالاة إذا لم تجب فى السعى نفسه ففيما بينه وبين الطواف أولى(9/328)
الجهل والنسيان فى محظورات الإحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من ارتكب شيئا من محظورات الإحرام جهلا أو نسيانا ؟
An جاء فى كتاب الإقناع للخطيب شرح متن أبى شجاع فقه الشافعية "ج 1 ص 233 " قاعدة بخصوص ارتكاب محظور من محظورات الإحرام فى حالة الجهل والنسيان ، تقول : ما كان إتلافا محضا كالصيد وجبت الفدية فيه مع الجهل والنسيان .
وما كان استمتاعا أو ترفها كالطيب واللبس فلا فدية فيه مع الجهل والنسيان ، وما كان فيه شائبة من الجانبين كالجماع والحلق والقلم ففيه خلاف ، والأصح فى الجماع عدم وجوب الفدية مع الجهل والنسيان ، وفى الحلق والقلم الوجوب معهما .
وسيأتى توضيح لذلك إن شاء الله(9/329)
نقل تراب من الحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تقول سيدة : أتيحت لى الفرصة فحصلت على جزء من التراب الموجود داخل المقصورة التى حول قبر النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأنا محتفظة به ، فقيل لى إنه حرام فماذا أفعل ؟
An جاء فى "كفاية الأخبار ج 1 ص 211 " فى فقه الشافعية أنه يحرم نقل تراب الحرم وأحجاره إلى الحل - أى خارج الحرم - وكذا حرم المدينة ، قاله النووى فى شرح المهذب فى أواخر صفة الحج وجزم به ، إلا أنه نقل عن الأكثرين فى محظورات الإحرام أنه يكره ، يعنى تراب المدينة وأحجارها ، قال الإسنائى : نص الشافعى فى "الأم " على المسألة وقال : إنه يحرم ، فالفتوى عليه .
وجاء مثل ذلك فى الإقناع للخطيب "ج 1 ص 232" وأوجب رده إلى الحرم ، بخلاف ماء زمزم فإنه يجوز نقله وذكر الشيخ عوض فى الحاشية أن أبا حنيفة أجاز نقل التراب للتبرك فينبغى تقليده .
ونقول للسائلة : لا بأس بالأخذ بالقول بالكراهة، ولا حرمة فى الاحتفاظ بهذا التراب ولا بأس أيضا بالأخذ برأى أبى حنيفة فى الجواز(9/330)
باب الكعبة مرتفع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك سر فى أن باب الكعبة يكون مرتفعا عن الأرض ؟
An جاء فى الأحكام السلطانية-للماوردى "ص 165 " أن باب الكعبة كان فى الأرض فلما رأت قريش تجديد بنائها قال أبو حذيفة بن المغيرة : يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا تُدْخَل إلا بسلم ، فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم ، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فيسقط ، فكان نكالا لمن رآه ، ففعلت قريش ذلك . وجاء فى صحيح مسلم بشرح النووى"ج 9 ص 96 " أن عائشة رضى الله عنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن سبب ارتفاع باب الكعبة فقال "فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديث عهدهم فى الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر - حجر إسماعيل - فى البيت وأن ألزق بابه بالأرض " وفى بعض الروايات "ولجعلت لها بابين موضوعين فى الأرض شرقيا وغربيا ، وهل تدرين : لم كان قومك رفعوا بابها ؟" قالت : قلت : لا، قال "تعززا ألا يدخلها إلا من أرادوا ، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقى ، حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط "(9/331)
العمرة فى رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أتيحت لى الفرصة فقمت بعمل عمرة فى شهر رمضان ، هل صحيح أنها تغنى عن الحج ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "عمرة فى رمضان تعدل حجة " وفى رواية "تعدل حجة معى" . ولا يسأل عن حكمة هذا الثواب فذلك فضل من الله ، والله واسع عليم ، وهو سبحانه يرغِّب فى أداء العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج فى الحرم الشريف ، فثواب الطاعة فيه مضاعف .
ومثل ذلك ما ورد من أن الصلاة الواحدة فى المسجد الحرام بمكة تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه ، فلا يجوز أن يتبادر إلى الذهن أن صلاة يوم فيه تغنى عن صلاة مائة ألف يوم ، ولا داعى للصلاة بعد ذلك ، فالعدل أو المساواة هنا هى فى الثواب فقط . فلا تغنى العمرة عن الحج أبدا .
ومثل ثواب العمرة فى رمضان ما رواه الترمذى وقال : حديث حسن غريب ، عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من صلى الصبح فى جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة" قال أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تامة تامة" وروى الطبرانى مثله عن أبى أمامة ، وقال المنذرى : إسناده جيد . ورواه عن ابن عمر بروات ثقات الا واحدا ففيه كلام ، وللحديث شواهد كثيرة "الترغيب والترهيب ج 1 ص 125 ، 126 " .
فالمراد من هذه الأحاديث الترغيب فى الثواب ، وليس جواز الاكتفاء بفريضة عن فريضة(9/332)
نفقات حج الزوجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الزوج ملزم بأن يدفع تكاليف أداء زوجته لفريضة الحج ، ولمن تكون الأولوية إذا توفر مع الزوج مال يكفى لقيام فرد واحد بأداء الفريضة، وهل له أن يأخذ من مالها ليؤدى فريضة الحج ؟
An 1- لا يلزم الزوج لزوجته إلا بنفقتها الممثلة فى الطعام والكسوة والمسكن ، مع اختلاف العلماء فى نفقة العلاج وفى توفير خادم وتجهيز الموت ، أما أن يدفع تكاليف حجها فليس بواجب عليه ، فالحج فرض على القادر المستطيع ، فإن كانت تملك مالا يكفى للحج وجب عليها الحج من مالها هى، ولا يلزم الزوج بدفع أى شىء لها ، ولا يعاقب على التقصير، أما إن تبرع بذلك فهو خير، وله ثواب إن شاء الله ، وهو من المعاشرة بالمعروف والتعاون على الخير .
2- إذا لم يوجد مع الزوج إلا مال يكفى أن يحج به فرد واحد فهو المقدم طبعا ، ويجب عليه الحج لأول مرة ، وكذلك إذا احتاجه لنفقته هو وحده ، والحديث واضح فى ذلك "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " رواه البخارى ومسلم . وفى صحيح مسلم عن حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شىء فلأهلك ، فإن فضل شىء فلذى قرابتك " .
3- إذا كان للزوجة مال خاص ورثته عن أهلها أو ملكته من أية جهة كانت فهو حق خالص لها، ويجب عليها الحج منه لأول مرة، ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا منه ليحج إلا بإذنها ورضاها ، قال تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء : 4 وقال {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} النساء : 120 وإذا كان هذا فى الصداق الذى دفعه لها فبالأولى لا يجوز أن يأخذ منها شيئا لم يأت عن طريقه هو لكن لو استعان بمال الزوجة على سبيل الهبة أو القرض ليحج فلا مانع منه ولها ثواب مساعدتها لزوجها على الحج(9/333)
بيع الأرض للحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل له أرض مملوكة تكفى غلتها حاجته وحاجة من تلزمه نفقته ولا يفضل منها شىء وإذا باعها يمكنه الحج بثمنها ويكفى الباقى حاجة عياله مدة ذهابه إلى الحج وعودته ، فهل يجب عليه أن يبيعها ليحج ؟
An أجاب النووى فى فتاويه "المسألة 110 " أن الأصح فى مذهب الشافعى رضى الله عنه وجوب الحج عليه والحالة هذه ومثله من له رأس مال يتجر فيه .
لكن هل يعود الرجل من الحج ليتسول ؟ لقد رأى كثير من العلماء أن رأس المال الذى يكفيه حاجته وحاجة من تلزمه نفقته لا يجوز إنفاقه كله لأداء فريضة الحج ، فإن ذلك سيترتب عليه ضرر كبير له ولمن يعوله ، فمثل هذه الحالة تدخل فى عدم الاستطاعة فهو مسئول عن نفسه ، وأهله ، والتقصير فى ذلك منهى عنه أشد النهى . لقد قال الحنفية والمالكية مثل ما قال الشافعية ولكن أحمد اشترط أن يكون الفاضل عن نفقة الحج يكفى عياله على الدوام ، "الفقه على المذاهب الأربعة" وإن كان "المغنى" فيه ما يفيد أن رأيه كرأى الأئمة الثلاثة وعليه فلا يجوز له أن يبيع أرضه التى هى المصدر الوحيد لرزقه ليحج ، لأنه سيعود معدما . هو رأى أميل إليه لأنه يتفق مع روح الشريعة الإسلامية التى لا تحب لأهلها أن يعيشوا فقراء ضعافا، وقد شرطت فيها الاستطاعة التى يجب أن تفسر بما يتفق والشريعة ، وأين هذا من قول النبى صلى الله عليه وسلم "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه " وقوله "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان فى صحيحه .
وقوله "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود وغيره وصححه(9/334)
تكرار العمرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للحاج أن يؤدى أكثر من عمرة وهو فى الموسم ؟
An روى الترمذى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "تابعوا بين الحج والعمرة" قال بعض شراح الحديث : فيه دلالة على الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال : يكره أن يعتمر فى السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال : يكره أكثر من مرة فى الشهر .
واستدل المالكية على كراهة التكرار فى العام بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة . لكن يرد عليه بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يترك الشىء وهو يستحب فعله ، وذلك لدفع المشقة عن أمته . وقال القاسم : إن عائشة اعتمرت فى سنة ثلاث مرات . فسئل هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال : سبحان الله أم المؤمنين ؟يعنى : هل يعيب عليها أحد ذلك ، وهذا مذهب جمهور الفقهاء فى عدم الكراهة .
وهذا ظاهر فى تكرار العمرة لنفسه ، ولو أراد أن يهب ثواب العمرة للأموات فلا مانع من ذلك أبدا ، وكل قربة يهب الإنسان ثوابها إلى الميت يرجى انتفاعه بها ، ولم يرد ما يمنعه(9/335)
تأجير بيوت مكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى بعض الكتب أن بيوت مكة لا يجوز بيعها ولا تأجيرها فهل هذا صحيح ؟
An اختلف الفقهاء فى بيع دور مكة وإجارتها، فمنع أبو حنيفة بيعها وأجاز إجارتها فى غير أيام الحج ، ومنع البيع والإجارة فى أيام الحج ، محتجا بما رواه الأعمش عن مجاهد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "مكة حرام ، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها" .
وذهب الشافعى إلى جواز بيعها وإجارتها ، وحجته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر أهل مكة عليها بعد الإسلام ، ولم يغنمها ولم يعارضهم فيها، وقد كانوا يتبايعونها قبل الإسلام وكذلك بعده ، فدار الندوة وهى أول دار بنيت بمكة صارت بعد قصى لعبد الدار بن قصى، وابتاعها معاوية فى الإسلام من عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد الدار بن قصى، وجعلها دار الإمارة وكانت من أشهر الدور فما أنكر بيعها أحد من الصحابة ، وابتاع عمر وعثمان رضى الله عنهما الزيادات التى ضماها إلى المسجد وتملَّك أهلها أثمانها ، ولو حرم ذلك لما بذلاه من أموال المسلمين ، ثم جرى العمل به فكان إجماعا .
ورواية مجاهد مع أنها مرسلة -سقط منها الصحابى- تحمل على أنه لا يحل بيع رباعها على أهلها، تنبيها على أنها لم تغنم فتملك عليهم ، فلذلك لم تبع ، وكذلك حكم الإجارة .
من هذا نعلم أن جواز بيع دور مكة وإجارتها أمر مجمع عليه ، والعمل عليه إلى الآن "الأحكام السلطانية للماوردى ص 164 "(9/336)
الإنابة فى الطواف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أصابنى مرض بعد الوقوف بعرفة لم أستطع معه أن أطوف طواف الإفاضة ، فهل يمكن أن ينوب عنى أحد فيطوف بدلى؟
An طواف الإفاضة الذى يكون بعد الوقوف بعرفة هو ركن أساسى لا يصح الحج بدونه ، ولا يجزئ عنه دم ولا غيره ، ووقته ممتد فيمكن للإنسان أن يأتى به حتى لو انتهى شهر ذى الحجة، ولا يلزم بتأخيره دم ولا غيره كما قال بعض الفقهاء . وجعل الله أداءه ميسورا حتى على ذوى الأعذار غير القادرين على المشى ، فيجوز الطواف من ركوب ، كما يشاهد الآن فيمن يطاف بهم راكبين على "محفات " وعلى هذا فلا يجوز للمريض أن ينيب عنه غيره ليطوف ما دام يستطيع أن يطاف به محمولا ودليله أن أم المؤمنين أم سلمة رضى اللّه عنها لما قدمت مكة مرضت ، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال لها - كما رواه الجماعة إلا الترمذى-"طوفى من وراء الناس وأنت راكبة" وورد فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف فى حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن -عود معقوف الرأس- ولم أجد نصًّا صريحا يجيز للمريض أن ينيب عنه غيره للطواف ، مثل ذلك مثل الوقوف بعرفة، لا يوجد عذر يبيح الإنابة فيه . فهو مستطاع على أية حال ، كالصلاة تؤدى من قيام أو قعود أو اضطجاع أو إيماء ، لا ينوب فيها أحد عن أحد .
ولا يصح أن يقاس الطواف على رمى الجمار، لأن هذا واجب يجبر بدم ولو ترك فالحج صحيح ، فالنيابة فيه جائزة، لوجود نص فى ذلك وهو حديث جابر: حججنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم رواه أحمد وابن ماجه .
هذا، وهناك قول لعطاء بن أبى رباح يجيز النيابة فى الطواف قياسا على الإنابة فى الحج كله ، فالإنابة فى بعض أركانه وواجباته جائزة من باب أولى .
لكن القياس مردود ما دام هناك نص لا يجيز الإنابة حيث كانت أم سلمة محتاجة إليها لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبحها لها وأمرها أن تطوف راكبة . والنيابة فى الحج كله هى للعاجز عنه لمرض يمنعه من السفر، أما من حضر فلابد من طوافه ولو محمولا(9/337)
جبل الرحمة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يتزاحم الواقفون بعرفة من أجل الصعود على جبل الرحمة فهل هذا الصعود من متممات الوقوف ، وهل له أصل من السنة؟
An الوقوف بعرفة هو الركن الأكبر فى الحج وجاء التعبير عن ذلك فى الحديث الشريف "الحج عرفة" رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "وعرفة كلها موقف" كما رواه مسلم .
أكد الرسول بقوله هذا أن الحج لا يصح بدون الوقوف بعرفة ، وأن أى موضع منها يمكن الوقوف به ، فقد كان الحمس المتشددون فى دينهم من قريش ومن تابعها يقفون بالمزدلفة لأنها فى الحرم ويتركون الوقوف بعرفة لعامة الناس لأنها فى الحل ، فنزل فى ذلك قوله تعالى{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} البقرة : 199 أى من عرفة إلى المزدلفة ، ولما حج الرسول حجة الوداع وخطب الناس فى نَمِرَة توجه الى جبل عرفة ووقف على الصخرات واستقبل القبلة وأخذ يدعو ربه .
وكثير من المسلمين يحاول تتبع آثار النبى صلى الله عليه وسلم ليقول مثل قوله ويعمل مثل عمله ، ويحرص على الاقتداء به فى كل صغيرة وكبيرة، بناء على عموم قوله تعالى{لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الأحزاب : 21 وهذا أمر طيب لكى ينبغى الفرق بين الاقتداء فى الواجبات والاقتداء فى المندوبات فالواجبات لابد من القدوة بها ، أما المندوبات فتستحب القدوة إن أمكنت دون تكلف ومشقة ودون إضرار بالغير، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .
والوقوف بعرفة عند الصخرات كما وقف النبى صلى الله عليه وسلم ليس واجبا وكذلك الصعود على جبل الرحمة فالوقوف يتم بدون ذلك ، ولو وجب لكانت فيه مشقة فوق المشقة الأخرى فى التنقل بين المشاعر. يقول النووى : وما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط ، بل الصواب جواز الوقوف فى كل جزء من أرض عرفات ، وأن الفضيلة فى موقفه صلى الله عليه وسلم عند الصخرات ، فإن عجز عنه فليقرب منه بحسب الإمكان . [الزرقانى ج 8 ص 179 ](9/338)
كسوة الكعبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندما بنى سيدنا إبراهيم عليه السلام الكعبة هل تركها مكشوفة أو كساها وما حكم شراء أو حيازة قطعة من كسوة الكعبة؟
An أما كسوة الكعبة فقد قال ابن حجر فى "فتح البارى" إن هناك روايات فى تعيين أول من كساها ، وتحصل من هذه الروايات ثلاثة أقوال ، أنه إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام أو أنه عدنان أحد أجداد الرسول ، أو تُبَّع وهو أسعد اليمنى المذكور فى بعض الروايات ، وحاول أن يجمع بينها فقال : إن إسماعيل أول من كساها مطلقا بأى كساء ، وإن عدنان أول من كساها بعده ، وإن تبعا هو أول من كساها الوصائل وهى ثياب حبرة من عصب اليمن .
هذا فى الجاهلية قبل الإسلام ، أما فى الإسلام فقال ابن حجر بناء على رواية الواقدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساها بالثياب اليمانية ، ثم كساها عمر وعثمان بالقباطى المصرية ثم كساها الحجاج بالديباج ، ثم تحدث حسين عبد اللّه باسلامة فى كتابه "تاريخ الكعبة المعظمة" عمن تولوا كسوتها بعد ذلك حتى الحرب العالمية 1914 م ودور مصر فيها حتى أنشئ لها معمل خاص فى السعودية "ص 229- 244" .
وأما حكم بيع الكسوة أو اقتناء شىء منها فقد تحدث عنه الكتاب المذكور، وذكر أن البخارى ترجم فى صحيحه لكسوة الكعبة ولم يذكر إلا رأى عمر فى قسمة ما يتعلق بالكعبة ، وأن الحافظ ابن حجر ذكر من رواية الفاكهى فى كتاب مكة أن شيبة الحَجْبى قال للسيدة عائشة رضى اللّه عنها : إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر فننزعها ونحفر أبيارا فنعمقها وندفنها لكيلا تلبسها الحائض والجنب ، فقالت : بئسما صنعت ، ولكن بعها فاجعل منها فى سبيل اللّه وفى المساكين ، فإنها إذا نزعت عنها لم يضرمن لبسها من حائض أو جنب ، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع له فيضعها حيث أمرته .
فيؤخذ من ذلك جواز بيع كسوة الكعبة واقتناء أجزاء منها، ما دام ثمنها يصرف لصالح الكعبة والأمر فى ذلك لولى الأمر، وهذا رأى جمهور الفقهاء "تاريخ الكعبة المعظمة ص 374-377 "(9/339)
دخول الكعبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض الحجاج يخافون من دخول الكعبة بل يتشاءمون من ذلك فهل هذا صحيح ؟
An ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها ، وكذلك أجلاء الصحابة وروى البخارى ومسلم عدة أحاديث فى ذلك ، وقال النووى فى "الإيضاح" : ويستحب دخول البيت حافيا وأن يصلى فيه ، والأفضل أن يقصد مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت مشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذى قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع فيصلى ، ثبت ذلك فى صحيح البخارى ، وهذا بحيث لا يؤذى أحدا ولا يتأذى هو، فإن آذى أو تأذى لم يدخل .
وأما ثواب دخولها ففيه روايات مرفوعة وموقوفة ، منها حديث "من دخل البيت فصلى فيه دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له" وقد اتفق الأئمة الأربعة على استحباب دخول البيت واستحسن مالك كثرة دخوله .
يعرف من هذا أنه لا حرج ولا تشاؤم من دخول الكعبة، وقد كان الناس يتزاحمون على الدخول قبل أن يرتفع الباب عن مستوى الأرض ، ثم قل ذلك ونُظِّم ، منعا للإيذاء واحتياطا لعدم وقوع ما يخل بحرمة الكعبة "تاريخ الكعبة المعظمة" ص 346- 361 .
هذا ومن لم يستطع أن يدخل الكعبة للصلاة فيها صلى فى حجر إسماعيل ، فقد روى أحمد بسند جيد أن عائشة رضي الله عنها قالت :
يا رسول الله ، كل أهلك دخل البيت غيري ، فقال "أرسلى إلى شيبة وهو ابن عثمان بن طلحة سادن الكعبة ومعه مفتاحها- فيفتح لك الباب" فأرسلت إليه فقال شيبة : ما استطعنا فتحه فى جاهلية ولا إسلام بليل ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "صلى فى الحجر فإن قومك استقصروا عن بناء البيت حين بنوه " أى تركوا منه جزءا وهو الحجر، فالصلاة فيه صلاة فى البيت(9/340)
حدود الحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل المواقيت المكانية للحج غير حدود الحرم ، وما الذى يجب على من يدخل الحرم دون أن يكون مريدا للحج أو العمرة؟ وهل الحرم المدنى كالحرم المكى؟
An سبق فى ص 131 من المجلد الثانى حكم من يريد دخول الحرم المكى، هل يجب أن يدخل بإحرام أو لا يجب ، كما سبق فى ص 266 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى بيان المواقيت المكانية التى لا يجوز للمحرم أن يتعداها بدون إحرام ، إلا وجب عليه دم . وحدود الحرم المكى غير المواقيت ، فله حدود تحيط بمكة على مسافات غير متساوية ، وقد نصبت عليها أعلام لمعرفتها ، فحده من جهة الشمال "التنعيم" وبينه وبين مكة حوالى 6 كيلومترات ، وحده من جهة الجنوب "أضاه" وبينها وبين مكة حوالى 12 كيلومترا ، وحده من جهة الشرق "الجِعِرَّانة" بينها وبين مكة حوالى 16 كيلومترا ، وحده من جهة الشمال الشرقى "وادى نخلة" وبينه وبين مكة حوالى 14 كيلومترا ، وحده من جهة الغرب "الشفيسى" - الحديبية سابقا- وبينه وبين مكة حوالى15 كيلومترا .
قال محب الدين الطبرى : عن الزهرى عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال : نصب إبراهيم عليه السلام أنصاب -علامات- الحرم ، يريه جبريل عليه السلام ، أى أن الحدود توقيف من الله تعالى ، ثم لم تحرك حتى كان " قُصىّ " أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم فجددها ، ثم لم تحرك حتى كان النبى صلى الله عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أُسيد الخزاعى فجددها ، ثم لم تحرك حتى كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فبعث أربعة من قريش هم : مخرمة بن نوفل ، وسعيد بن يربوع ، وحويطب بن عبدالعزى، وأزهر بن عوف ، فجددوها ، ثم جددها معاوية ، ثم أمر عبد الملك بن مروان بتجديدها .
والحرم المكى له أحكام ، منها ما جاء فى حديث متفق عليه بين البخارى ومسلم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرام ، ولا يعضد شوكه -وفى رواية "شجره" -أى لا يقطع- ولا يختلى خلاه -والاختلاء هو القطع ، والخلا هو الرَّطب من النبات- ولا ينفَّر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف واستثنى الإِذخر، وهو زرع كالحشيش له رائحة طيبة .
قال القرطبى : خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله تعالى من غير صنيع آدمى، فأما ما ينبت بمعالجة آدمى فاختلف فيه الجمهور على الجواز، وقال الشافعى : فى الجميع الجزاء ، ورجحه ابن قدامة، واختلفوا فى جزاء ما قطع من النوع الأول ، فقال مالك : لا جزاء فيه بل يأثم ، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبوحنيفة: يؤخذ بقيمته هدى، وقال الشافعى : فى العظيمة بقرة ، وفيما دونها شاة . قال ابن العربى : اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم ، إلا أن الشافعى أجاز قطع السواك من فروع الشجرة ، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها .
وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه ، فأشبه الفواسق . ومنعه الجمهور، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار، وهو قياس مع الفارق ، فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر .
والفواسق المذكورة جاءت فى حديث رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق فى الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور" وجاء فى رواية مسلم عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحية .
وأما حرم المدينة فجاء فيه حديث متفق عليه رواه البخارى ومسلم "المدينة حرم ما بين عِير إلى ثور" ورويا أيضا عن أبى هريرة قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتى المدينة، وجعل اثنى عشر ميلا حول المدينة حمى كما رويا أيضا حديث " إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها ، وإنى حرمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة " كما رويا أيضا أنه أشرف على المدينة فقال " اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مدِّهم وصاعهم " .
وفى مظاهر هذا التحريم جاء حديث البخارى " لا يُقطع شجرها ولا يُحدث فيها حدث ، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وفى حديث مسلم "ولا يختلى خلاها، ولا يراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح ، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع عضاهها" .
واللابتان هما الجبلان ، وعير اسم لحدهما ، وثور قيل هو أحد أو جبل صغير بجواره ، والعضاة كل شجر فيه شوك واحدها عضاهة وعضهة ، وفى هذه المظاهر أو الأحكام قال الشافعى ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم : إن للمدينة حرمًا كحرم مكة يحرم صيده وشجره ، قال الشافعى ومالك : فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان ، لأنه ليس بمحل نسك -أى حج وعمرة- فأشبه الحِمَى ، وقال ابن أبى ذئب وابن أبى ليلى : يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية . وذهب أبو حنيفة وزيد بن على إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة، ولا تثبت له الأحكام من تحريم قطع الشجر وقتل الصيد، والأحاديث ترد على هذا الرأى، ودليله حديث قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبي عمير" ما فعل النُّغَنر يا أبا عمير" وأجيب عنه بأنه كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل .
هذان الحرمان وهما حرم مكة والمدينة ، هما اللذان صحت فيهما الأحاديث ، ويقال : إن هناك حرما ثالثا له هذه الأحكام وهو " وَجٌّ" بالطائف ، وفيه خلاف يرجع إليه فى " نيل الأوطار ج 5 ص 37"(9/341)
فضل مكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اشتد الخلاف بين بعض من أهل العلم كانوا يعملون بالحجاز، في بيان الأفضل عند الله هل هو مكة أو المدينة، فهل من دليل يبين الحق فى ذلك ؟
An إن المفاضلة بين شيئين تهمنا معرفتها إذا كنا سنستفيد منها فى ديننا أو دنيانا، وإلا كانت ضياعا للوقت والجهد نحن أحوج إليهما فى ظروفنا الحاضرة ، والكتب القديمة تعرضت لذلك إما للترف الذهنى وإما للإِفادة فى العمل بناء على نصوص وردت ، منها ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه عن عبد الله بن عَدِىِّ بن الحمراء أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزوَّرة فى سوق مكة "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أُخرجت منك ما خرجت" وروى مثله أو قريبا منه الترمذى عن ابن عباس، والحزورة بتشديد الواو المفتوحة أو بإسكان الزاى هى الرابية الصغيرة .
يقول الشوكانى " نيل الأوطار ج 5 ص 31" فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبذلك استدل من قال : إنها أفضل من المدينة ، قال القاضى عياض ، إن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، واختلقوا فى أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم . فقال أهل مكة والكوفة والشافعى وابن وهب وابن حبيب المالكيان ، إن مكة أفضل ، وإليه مال الجمهور، وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل .
ودليل الأولين هو الحديث المذكور، ودليل الآخرين حديث البخارى "ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة " مع حديث "موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها " وليس المراد أن هذا المكان من الجنة فعلا وإنما المراد أن الصلاة فيه تؤدى إلى الجنة، وذلك كحديث "الجنة تحت ظلال السيوف" أى أن الجهاد يوصل إلى الجنة .
ومما يرجح قول الجمهور فى فضل مكة حديث رواه أحمد وابن خزيمة والطبرانى والبيهقى وابن حبان فى صحيحه " صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من صلاة فى مسجدى بمائة صلاة" وقد روى من طريق خمسة عشر صحابيا، فأفضلية المسجد لأفضلية المحل الذى هو فيه .
هذا ، ويعجبنى فى هذا المقام ما ختم به الشوكانى الكلام عن هذا الموضوع حيث قال : واعلم أن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبى صلى الله عليه وسلم ، والكل من فضول الكلام الذى لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام ، وقد أفضى النزاع فى ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية ، كاستدلال المهلب بن أبى صفرة على أفضلية المدينة بأنها هى التى أدخلت مكة وغيرها من القرى فى الإِسلام ، فصار الجميع فى صحائف أهلها ، وبأنها تنفى الخبث كما ثبت فى الحديث الصحيح ، وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة ، فالفضل ثابت للفريقين ، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين ، وعن الثانى بأن ذلك إنما هو فى خاصٍّ من الناس ومن الزمان ، بدليل قوله تعالى { ومن أهل المدينة مَردوا على النفاق} التوبة: 101 والمنافق خبيث بلا شك ، وقد خرج من المدينة بعد النبى صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم على وطلحة، والزبير وعمار وآخرون ، وهم من أطيب الخلق ، فدل ذلك على أن المراد بالحديث ناس دون ناس ، ووقت دون وقت ، على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة، لا أنها فاضلة . انتهى .
وأؤكد كما بدأت الإجابة على عدم الإغراق فى الجدال فى مثل هذه الأمور التى لا تعود بفائدة واضحة على الفرد والمجتمع ، وبخاصة فى مثل الظروف التى يعيشها المسلمون الآن ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "الزرقانى على المواهب ج 1 ص 328" .
إن التمادى فى الخلاف حول تفضيل شخص على شخص وأولويته بالتكريم خلق فى الأمة الإسلامية جماعة كبيرة لها حكمها القاسى على الكثرة الكاثرة من المسلمين ، وتتعايش معها كما يتعايش أهل الأديان التى قال الله فيها {وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} البقرة : 113 .
إن الماضى بما فيه من خلاف يجب أن ننساه ونتوحد لمواجهة التحديات التى تكتلت الأعداء لضرب المسلمين بها بكل الأسلحة التى لم يفطن إلى الكثير منها كثيرون من المتخالفين الذين يدعى كل فريق منهم أنه هو الناجى من النار لأنه فى رأيه يسير على ما كان النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
أرجو الله للأمة الإِسلامية أن تعود إلى رشدها بترك الخلافات التى لا تجنى من ورائها إلا الضعف والإِساءة إلى سمعة الإسلام ، وهو الدين الخاتم الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، واختار له رسولا قال فيه : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء : 106(9/342)
العطور فى الإحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندما يكون الحج فى زمن الصيف يكثر العرق وتتغير رائحة الجسم فهل من الممكن الاغتسال والتطيب فى مدة الإحرام ؟
An معلوم أن من مظاهر الإِحرام بالنسك تجرد الإنسان من كل زينة والظهور بمظهره عندما يحشر إلى ربه كما قال تعالى { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوَّلناكم وراء ظهوركم } الأنعام : 94 وكذلك تحقيق معنى المساواة بالبعد عن المظاهر التى يحرص عليها بعض الناس ابتغاء وضع معين ، كما يشير إليه الحديث الشريف " الحاج الشعث التفل " رواه البزار بسند صحيح . والشعث من عليه أثر التراب من السفر، والتفل البعيد العهد بالماء .
ويظهر تغير الرائحة إذا طالت مدة الإِحرام ، كالذى يحرم بالحج مُفرِدًا أو قارنا عند مروره بالميقات قبل يوم عرفة بوقت طويل فى موسم الحر حيث لا يحل من إحرامه إلا يوم العيد أو بعده ، أما المحرم بالعمرة أوَّلا فمدة إحرامه قصيرة لا تتغير رائحته إلا إذا كانت وسيلة المواصلات بطيئة كالجمال التى كانت سائدة قبل الاختراعات الحديثة فى وسائل النقل .
وفى مواجهة تغير الرائحة شرع الغسل والتطيب قبل الإِحرام حتى لو بقيت آثار الطيب بعد الإِحرام ، كما أبيح الغسل المجرد عن الطيب بل استحب أثناء الإِحرام فى عدة مواطن ، وقد مر ذلك بوضوح فى ص 411 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى .
أما التطيب بعد الإحرام فممنوع للحديث السابق الذى رواه البزار، ولأمر الرسول صلى الله عليه وسلم من وضعه بغسله وإزالته ، ولنهيه فيمن مات محرما أن يمس طيبا عند غسله وتكفينه ، ولا بأس عند الاغتسال باستعمال الصابون الذى له رائحة بقصد النظافة لا بقصد التطيب ، وكذلك يباح شم الفواكه ذات الرائحة الطيبة كالتفاح فإنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه ،أما شم الورد والريحان والنعناع متعمدا فممنوع وما جاء من الروائح عفوا بدون قصد فلا ضرر فيه كالمرور بحديقة فيها أزهار أو بدكان من يبيع العطر، لمشقة التحرز من ذلك وانتفاء القصد والتعمد . ووضع الطيب في المطبوخ أو المشروب بحيث لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح إذا تناوله المحرم لا فدية عليه ، وإن بقيت رائحته وجبت عليه الفدية بأكله عند الشافعية وقال الحنفية: لا فدية عليه ، لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب .
ويلاحظ أن استعمال المحرم للطيب تلزمه الفدية إذا كان عالما بالحكم غير جاهل ، وكان متعمدا غير ناس أنه محرم ، وعند الجهل والنسيان لا فدية ، فقد روى الجماعة إلا ابن ماجه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفِّر لحيته ورأسه -أى متطيب- وقال : يا رسول اللّه أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال له "اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا في حجك فاصنع فى عمرتك" ولم يأمره بفدية ، لأنه كان جاهلا بالحكم ، وقال عطاء بن أبي رباح : إذا تطيب المحرم أو لبس -جاهلا أو ناسيا- فلا كفارة عليه . رواه البخاري .
والفدية عند تعمد التطيب والعلم بحرمته هى ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين ، لكل مسكين صاع ، أو صيام ثلاثة أيام ، كما قال تعالى فيمن حلق شعره {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } البقرة : 196 والنسك أى الذبح . وروى البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن آذته هوام رأسه "احلق ، ثم اذبح شاة نسكا ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين" .
والإمام الشافعي قاس غير المعذور على المعذور فى وجوب الفدية ، وأوجب أبو حنيفة الدم على المعذور إن قدر عليه .
وربما تعرضنا لذلك مرة أخرى إن شاء الله(9/343)
تأخير الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى شخص أتيحت له الفرصة أكثر من مرة ليحج ولكنه لم يحج ، هل يعاقب على هذا التأخير؟
An الحج مفروض على المستطيع كما قال اللّه تعالى وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم وهو واجب فى العمر كله مرة واحدة بإجماع العلماء ، ولحديث البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالحج سئل أفى كل عام فقال " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " ولكن هل إذا توافرت أسباب الاستطاعة وجب على الفور أداء الحج أو يجوز تأجيله إلى عام آخر؟ قال جمهور العلماء : الوجوب على الفور، ويأثم من أخره إلى عام آخر، بحيث إذا مات حوسب عليه إن لم يغفر الله له ، ودليلهم فى ذلك حديث أحمد وابن ماجه والبيهقى " من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة " وفى رواية " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له " لكن الإمام الشافعى قال : إن وجوب الحج على التراخى، بمعنى أنه لو أخره مع الاستطاعة لا يأثم بالتأخير متى أداه قبل الوفاة ودليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى السنة العاشرة وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه ، مع أنه فرض فى السنة السادسة من الهجرة ، فلو كان واجبا على الفور ما أخره . وقال الشافعى : ومع ذلك فالأفضل التعجيل بناء على الأحاديث المذكورة التى حملها على الندب لا على الوجوب ، ويضم إليها حديث رواه ابن حبان فى صحيحه والبيهقى ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله عز وجل : إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه فى المعيشة تمضى عليه خمسة أعوام لا يفد إلىَّ لمحروم " .
وعندما قال الله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال بعد ذلك {ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين} قال الحسن البصرى : المراد بالكفر هو الترك أى عدم الحج .
كالحديث الذى رواه مسلم وينص على أن من ترك الصلاة فهو كافر، لكن ابن عباس ومعه المحققون من العلماء قالوا : إن الكفر لا يكون إلا بإنكار الفريضة وجحود أن الحج واجب ، لكن لو آمن الإنسان بأنه مفروض وواجب ولكنه تكاسل فى الأداء فهو ليس بكافر بل هو مؤمن عاصٍ ، لو لم يحج مع الاستطاعة يحاسبه الله بعد موته ويدخله النار إن لم يغفر له ، ويكون مصيره النهائى هو الجنة، ويحمل على هذا حديث "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا " رواه الترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وروى مثله البيهقى، فالحديث لا يدل قطعا على الكفر، ولئن صح فالمراد به الجاحد المنكر، ويحمل على الترغيب فى التعجيل فقط(9/344)
الطواف مع لبس الحذاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الطواف حول الكعبة والإنسان لابسُ الحذاء حلال أو حرام ؟
An روى البخارى ومسلم أن أول شىء بدأ به النبى صلى الله عليه وسلم ، حين قدم مكة ، أنه توضأ ثم طاف بالبيت . وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة رضى الله عنها عندما جاءتها الحيضة فى مكة "إن هذا شىء كتبه الله على بنات آدم ، فاقض ما يقض الحاج غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى" وروى الترمذى والدارقطنى وصححه الحاكم وابن خزيمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير .
ويوخذ من هذه الأحاديث أن الطواف يشترط له ما يشترط للصلاة ، ومن ذلك الطهارة من للحدث الأكبر والأصغر وطهارة الثوب وطهارة المكان .
فإن كان الحذاء الذى يلبسه الطائف طاهرا صح طوافه بدون خلاف ، ولا يعتبر لبسه للحذاء ذنبا أو احتقاراً لحرمة البيت ، فذلك راجع إلى نيته .
أما إذا كان الحذاء نجسا ، فلا يجوز ولا يصح الطواف به ، وذلك عند جمهور الفقهاء ، لكن الحنفية قالوا : إن الطهارة من النجاسة فى الثوب أو البدن سنة فقط ، وعلى ذلك يجوز الطواف بالحذاء النجس وبالثياب النجسة . ولا شىء على الإنسان .
وقالوا : إن الطهارة من الحدث الأصغر عند الطواف واجبة ، لو تركها وطاف بدون وضوء صح طوافه ولزمته شاة، وكذلك لو كان محدثا حدثا أكبر صح طوافه ولزمته بدنة ، ويعيده ما دام فى مكة .
والأولى اتباع رأى الجمهور، والتأكد من الطهارة عند الطواف ، سواء فى ذلك طهارة البدن والثوب والطهارة من الحدثين ، ولا مانع من لبس النعل إذا كان طاهرا يتقى به حرارة الأرض أو خشونتها مثلا(9/345)
العشر الأوائل من ذى الحجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الليالى العشر التى أقسم الله بها فى قوله تعالى { والفجر وليال عشر} ولماذا أقسم الله بها ؟
An الليالى العشر التى أقسم الله بها فى أول سورة الفجر، قيل إنها العشر الأول من شهر الله المحرم ونسب هذا إلى ابن عباس ، وقيل :إنها عشر ذى الحجة ، ونسب هذا إلى مجاهد والسدى والكلبى ، بل نسب إلى الرسول من رواية أبى الزبير عن جابر ، وإن لم تثبت هذه الرواية ، وهذا القول رجَّحه الكثيرون ، وبخاصة أن الليالى العشر ذكرت مع الفجر، وكثيرون من المفسرين قالوا : إنه فجر يوم النحر. وهى كما قالوا : ليالى أيام عشر .
ويؤكد هذا القول أحاديث وردت فى فضلها ، فقد روى البخارى وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعنى أيام العشر، قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال "ولا الجهاد فى سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك شىء " .
هذا أصح ما ورد فى فضل هذه الأيام . ولكن ما هو العمل الصالح ، هل هو نوع معين من العمل ، أو هو كل قربة يتقرب بها إلىالله ؟ جاء فى بعض الأحاديث النص على بعض القرب ، ففى رواية الطبرانى بإسناد جيد " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلىَّ العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" فالعمل هو الذكر لكن جاء فى حديث غريب -أى رواه راو واحد فقط -للترمذى قوله "يعدل صيام كل يوم بصيام سنة . وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" فالعمل هو الصيام والقيام ، وجاء فى فضل هذه الأيام أيضا بوجه عام كلام رواه البيهقى بإسناد لا بأس به عن أنس ابن مالك قال :
كان يقال فى أيام العشر: بكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم .
إن النص على عمل فى هذه الأيام لا يلغى عملا آخر، لهذا أرى أن أى عمل صالح له ثوابه المضاعف ، وبخاصة ما نص عليه فى بعض الروايات ، من الذكر والصيام والقيام ، وكان سعيد بن جبير يجتهد فيها اجتهادا شديدا حتى ما كَان يقدر عليه .
ولعل الفضل سببه أن هذه الأيام هى التى يكثف فيها الذهاب إلى المسجد الحرام لأداء فريضة الحج والعمرة ، ويعيش الناس فيها فى ظلال الروحانية والشوق إلى الأماكن المقدسة ، سواء منهم من سافر ليحج ومن لم يسافر، والعمل الصالح إذا وقع فى ظل هذه الروحانية كان أرجى للقبول ومضاعفة الثواب ، وبخاصة أن هذه الأيام فيها يوم عرفة الذى جاء فيه حديث رواه ابن خزيمة وابن حبان "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة " وفيها العيد والحج الأكبر، وهى أيام يتوفر فيها الأمن فى البلاد الإسلامية لتهيئة الجو للمسافرين للحج ولمن خلفوهم وراءهم وذلك بالانشغال بالعبادة والذكر .
ويقول ابن جحر فى فتح البارى ج 2 ص 234 : والذى يظهر أن السبب فى امتياز عشر ذى الحجة ، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك فى غيره ، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم ؟ فيه احتمال . انتهى(9/346)
نقص أشواط الطواف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تقول سيدة : طفت أربعة أشواط ثم أغمى علىَّ ونقلت إلى المستشفى وبعد العلاج سافرت ولم اكمل الطواف . فهل حجى صحيح ؟
An جمهور الفقهاء على أن الطواف حول البيت يكون سبعة أشواط وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ولقوله "خذوا عنى مناسككم " فمن ترك شوطا منه بطل ، كمن يترك ركعة من إحدى الصلوات المفروضة . والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "الطواف حول البيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير رواه الترمذى وابن حبان فى صحيحه .
ولا يجبر ما ترك من الأشواط بدم ، كما لا يجبر ترك الركعة من الصلاة بشىء آخر .
غير أن الإمام أبا حنيفة قال : إن ركن الطواف هو أربعة أشواط ، من نقص عنها بطل الطواف وبطل الحج ، أما الاشواط الثلاثة الباقية فهى من الواجبات التى لو تركت صح الطواف ووجب تقديم الهدى . وعلى هذا المذهب يكون طواف صاحبة السؤال صحيحا وبالتالى يكون الحج صحيحا وعليها تقديم الهدى(9/347)
الإنابة فى رمى الجمرات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مرضت يوم العيد فى مِنى ولم استطع أن أرمى الجمرات . ووكلت شخصا بالرمى ، فهل يكفى ذلك عنى ؟
An رمى الجمار فى مِنى من الواجبات فى الحج ، إن تركت كان الحج صحيحا ولكن يجب تقديم الهدى ، ويجوز للإنسان أن ينيب عنه غيره ليرمى الجمرات إن كان عنده عذر يمنعه من ذلك كمرض أو شدة الزحام وبخاصة بالنسبة للنساء ، ويدل عليه حديث رواه ابن ماجه عن جابر رضى الله عنه قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم(9/348)
الجماع فى الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من جامع زوجته فى أثناء تأدية فريضة الحج ؟
An معلوم أن الجماع ممنوع ما دام الإنسان محرما بالحج أو العمرة ، قال تعالى {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج } البقرة : 197 .
على أن المراد بالرفث هو الجماع : وهناك ممنوعات أخرى فى الإحرام كالتطيب وقص الشعر . وقال العلماء : هناك فى الحج تحللان ، تحلل أصغر وتحلل أكبر، أو تحلل أول وتحلل ثان ، والتحلل الأصغر أو الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة هى: رمى جمرة العقبة وحلق الشعر أو تقصيره وطواف الإفاضة . وبهذا التحلل حل له كل ما كان محرما عليه وقت الإحرام ما عدا الجماع ، فإن فعل الثالث كان التحلل الأكبر أو الثانى وحل له الجماع أيضا .
فإن جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وتمم المناسك ووجب ذبح جمل أو ناقة ، وعليه قضاء الحج فى أول فرصة أما إن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فقد فسد حجة أيضا ، وعليه أن يستمر فى أداء المناسك مع وجوب الهدى وهو الجمل أو الناقة ومع وجوب القضاء أيضا ، وهذا هو رأى جمهور الفقهاء ، أما أصحاب الرأى - أبو حنيفة وأصحابه - فيقولون : لو جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجة .
وعليه شاة أو سُبْعُ بقرة، وإن جامع بعده لم يفسد حجة وعليه بدنة - جمل أو ناقة .
أما الجماع بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثانى فلا يفسد الحج بالاتفاق وتجب فيه بدنة عند بعض الفقهاء ، وعند بعضهم الأخر تجب شاة وهو مذهب الإمام مالك(9/349)
تكرار الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أديت الحج مرة واحدة، ولى رغبة فى تكرار أدائه ، إلا أن هناك بعض الأمور التى تستلزم الإنفاق فيها فأيهما أفضل : الحج أو الإنفاق ؟
An من المعلوم أن الحج فرض على المستطيع مرة واحدة فى العمر، وذلك لحديث البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أيها الناس ، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " وفى رواية لأحمد وأبى داود والنسائى والحاكم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن السائل هو الأقرع بن حابس ، وأن الرسول رد عليه بقوله "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع " .
يعرف من هذا أن تكرار الحج ليس واجبا ، وإنما هو تطوع والتطوع فى كل شىء ينبغى أن يراعى فيه تقديم الأهم على المهم ، وقد تكون هناك حالات فى أشد الحاجة إلى المعونة لإنقاذ الحياة أو تخفيف الويلات ، وهنا يكون الإنفاق فيها أولى ، وبخاصة بعد أن متَّع الله سكان الحرم بنعم زادت على ما كان يصبو إليه سيدنا إبراهيم عليه السلام حين دعا ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات ، كما هو فى الآية 37 من سورة إبراهيم .
والشخص الذى يحب أن يتردد على بيت الله بالحج أو العمرة ورأى أن هناك أمرا هاما قعد به عن السفر للزيارة سيعطيه الله ثوابا على نيته .
وهناك مأثورات فى هذا المقام -وإن كانت لا تعد تشريعا -جاء فيها أن اللّه كتب ثواب الحج لمن صادف فى طريقه فقراء ألجأتهم الضرورة إلى أكل الميتة ، فدفع إليهم ما معه ورجع إلى بلده دون أن يحج ، فأعطاه اللّه ثواب الحج وإذا لم يكن هناك نص فى هذه المسألة فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموال طائلة فى مندوب من المندوبات ، فى الوقت الذى فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال .
هذا وما يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من حج حجة أدى فرضه ، ومن حج ثانية داين ربه ، ومن حج ثلاث حجج حرَّم الله شعره وبشره على النار" فليس بصحيح(9/350)
حكمة مشروعية الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيح الحكمة فى مشروعية الحج ، الواردة فى بعض آيات الذكر الحكيم ؟
An من أهم الآيات التى ذكرت فيها حكمة مشروعية الحج قوله تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرَّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } إبراهيم : 38 ، وقوله {وأذِّن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .
ليشهدوا منافع لهم } الحج : 27 ، 28 ، ففى الحج فائدة لأهل مكة تشمل كل منفعة دينية ودنيوية ، مادية ومعنوية سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها، يفيد منها الحجاج ومن يسكنون مكة ويفيد المسلمون بوجه عام .
وعلى ضوء ما ذكرناه من حكمة التشريع عامة نوضح حكمة الحج على الوجه التالى :
1- صلة العبد بربه فى الحج تظهر عندما يحرم الحاج ملبيًا، يقر بوحدانية الله ويشكره ، ويرجع كل الفضل والنعمة إليه "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " وحين يطوف بالبيت سائلا متضرعا يستمنح الله جوده وبره وعفوه ، وحين يقبل الحجر أو يستلمه ، كأنه يعاهد ربه على الطاعة ، على حد ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عنه " إنه يمين الله يصافح بها خلقه " . رواه أحمد وابن خزيمة فى صحيحه. وفى سعيه بين الصفا والمروة كالمتردد قلقا على مصيره : هل تفضل الله عليه عند طوافه ببيته أو لم يتفضل ، وفى وقوفه متجردا من كل زينة، ملغيا لقبه ومظاهر ترفه وراء ظهره خاشعا داعيا .
وفى هذه الهيئة المتواضعة مع الذلة والانكسار يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله يباهى بأهل عرفات الملائكة فيقول : انظروا إلى عبادى أتونى شعثًا غبرًا ضاحين من كل فج عميق ، أشهدكم أنى قد غفرت لهم " رواه أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقى . وفى رميه للجمرات تشبه بحربه للشيطان ومقاطعة لما يغرى به من فساد، كما تظهر العبودية له بتحمل مشقة السفر، ومخالطة ذوى الطباع المختلفة والتعرض للاجواء الغريبة، مؤثرا رضاء الله على رضاء نفسه وفى الهدى والفداء رمز للتضحية بالدم وبأغلى ما يملك الإنسان إيثار لما عند الله وجهادا فى سبيله .
وفى الحج ارتباط بمهد النبوة وإحياء لبيت الله ، وتذكر لحوادث ماضية كانت سببا فى قداسة هذا المكان ، من وجود هاجر وابنها إسماعيل وحيدين فى هذا الوادى، ولطف الله بهما فنبعت لهما زمزم وعَمُرَ المكان وبنى أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين .
هذا ، وفى الذكر والتكبير والتلبية عند المشاعر صلة قوية بالله ، قال تعالى{فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين .
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم . فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اَباءكم أو أشد ذكرا} البقرة : 198 - 200 ، وقال {واذكروا الله فى أيام معدودات } البقرة : 203 ، وقال {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف } الحج : 36 .
هذا الذكر كله يدل عليه فى حكمة الحج قول النبى صلى الله عليه وسلم "إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله " رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح .
2- الإحرام بالحج فى ملابس متواضعة وبعدٍ عن مظاهر الترف درس عملى فى التواضع وعدم الغرور بزخارف الدنيا وفيه نكران للذات وتركيز على التقرب إلى الله بقلب خالص وعمل طيب ينال به الكرامة عنده . وقد حج النبى صلى الله عليه وسلم على رحلٍ رث وقطيفة خلقة وقال "اللهم حجًّا لا رياء فيه ولا سمعة" رواه الترمذى وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من الحاج ؟ قال " الشعث التفل " رواه ابن ماجه بإسناد حسن . والشعث هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله ، والتفل هو من ترك الطيب والتنظف حتى تغيرت رائحته .
وفى الحج تمرين على الأسفار والترحال وتحمل المضايقات وضبط النفس عن السباب والفسوق وإمساك عن المغريات ، وفى الحديث الشريف "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخارى ومسلم وفيه إلى جانب ذلك ثقافة واطلاع وتفكر واعتبار ودراسة عملية على الطبيعة-إلى حد ما - لفترة من حياة النبى صلى الله عليه وسلم ولتاريخ العرب وذكرياتهم الدينية ، مع منافع مادية تجارية وغيرها فى الموسم .
3- لا ينكر أحد أن الحج فرصة لعقد مؤتمر إسلامى يتخطى حدود البيئة والجنس واللغة ، ويعلو على الفوارق والعصبيات ، ينبغى أن تناقش فيه المشكلات وتوضع فيه الحلول ، وأن تتلاقى الأفكار وتتلاقح الثقافات ، توكيدا للوحدة الجامعة التى يحبها الله لهذه الأمة {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } الأنبياء : 92 ، لتنهض سويا بواجباتها الدينية والإنسانية العامة ، ولتقف صفا واحدا أمام العدو المتربص .
إن للمسلمين فى هذا الموسم من عوامل الوحدة ما يعلو على كل العوامل ، فربهم جميعا واحد، ودينهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، وغايتهم واحده ، وزيهم واحد ، وهم بهذه العوامل كأنهم شخص واحد ينبغى أن يكونوا كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"رواه البخارى ومسلم .
هذه بعض حكم تلتمس للحج ، وإذا كان فى بعض شعائره ما تخفى الحكمة فيه كرمى الجمار فإن أداءها لمجرد أنها مشروعة من الله دليل على قوة الإيمان وعلى الثقة البالغة فى حكمة الله كما قدمنا .
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحس أن فى بعض النفوس خواطر تحوم حول بعض هذه الشعائر فنبَّة إلى جانب التعبد والتسليم المطلق فيها قائلا وهو يلبِّى " لبيك بحجة حقًّا ، تعبدا ورقًّا" رواه البزار والدار قطنى ، ويوضحه قول عمر رضى الله عنه حين قبَّل الحجر الأسود : والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع وله لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبتك . رواه البخارى ومسلم(9/351)
صوم التمتع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا أردت الحج متمتعا، ولزمنا الهدى ولم أقدر عليه ، ووجب علىَّ الصيام بدل الهدى، فمتى أصوم ؟
An قال تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم . تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام } البقرة : 196 .
تدل الآية على أن من وجب عليه الصوم من أجل التمتع ، وهو الإحرام بالعمرة فى موسم الحج قبل الحج ، كان الصوم على فترتين ،فتره فى أثناء الحج ، وفترة عندما يعود إلى وطنه .
فما دام فى الحج يصوم ثلاثة أيام ، ولكن متى؟ هناك أقوال أهمها :
1 - أن يكون البدء بالصيام بعد الإحرام بالحج ، والغالب فيمن يتمتعون لعمل العمرة أولا أنهم لا يتحملون الالتزام بواجبات الإحرام مدة طويلة ، مثل عدم التطيب ، وعدم قص الشعر والظفر، وعدم قربان النساء . فهو يحرم بالحج قبل يوم عرفة بقليل ، فإذا أحرم يوم السابع من ذى الحجة أمكنه أن يصوم السابع والثامن والتاسع الذى هو يوم عرفة ، وعليه جمهور الفقهاء ، ويجوز له أن يصوم قبل السابع إذا أحرم بالحج قبل ذلك .
2- يصومها ما دام بمكة فى أيام مِنى، وهى أيام التشريق . قاله مالك وجماعة من أهل المدينة .
فقد روى مالك فى الموطأ عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديًا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة ، فإن لم يصم صام أيام منى . وهذا الصيام قيل أداء وقيل قضاء، لأن وقت الأداء هو قبل يوم النحر. والأظهر أنه على وجه الأداء .
قال القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 400 " إن قيل إن صوم أيام التشريق منهى عنه ، كما عليه الشافعى فى قوله الجديد وعليه أكثر أصحابه ، قيل إن ثبت النهى فهو عام يخصص منه المتمتع . بما ثبت فى البخارى ان عائشة كانت تصومها ، وعن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص فى أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى ، وقال الدار قطنى : إسناده صحيح .
وهو حديث موقوف عليهما ، وروى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم عنهما ولكن طرقه ضعيفة .
3- أن يكون صوم الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق ، قال ابن المنذر : رويناه عن على بن أبى طالب وقاله الحسن وعطاء وكذلك نقول .
4- أن يكون الصوم فى إحرامه بالعمرة - وذلك قبل الإحرام بالحج - فما دام من يريد الصيام محرما جاز له ذلك ، لأن إحرامه بالعمرة كاحرامه بالحج ، وحكى عن أبى حنيفة .
5- هناك قول لأحمد بن حنل بجواز الصيام قبل الإحرام . وذلك من أول أيام العشر، وقال به عطاء وتتلخص الأقوال فى قولين أساسيين الأول جواز الصوم قبل الإحرام ، وهو المذكور تحت رقم 5 والثانى اشتراط أن يكون الصوم بعد الإحرام ، والإحرام إما أن يكون بالعمرة وهو المذكور تحت رقم 4 وإما أن يكون الإحرام بالحج ، والقائلون بذلك رأوا أن يكون الصيام قبل يوم النحر، وهم الجمهور وهو المذكور تحت رقم 1 ، وأجاز بعضهم أن يكون بعد يوم النحر، إما فى أيام التشريق - للضرورة أو الحاجة وهو المذكور تحت رقم 2 ، وإما بعد أيام التشريق وهو المذكور تحت رقم 3 .
ورأى الجمهور أقوى ، ولا مانع من الأخذ بغيره عند الضرورة أو الحاجة "راجع تفسير القرطبى ج 2 ص 399 "(9/352)
الحج وتزويج الولد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q معى مبلغ من المال أستطيع أن أحج به ، ولكن عندى ولد يستحق الزواج ، فهل يمكن أن أعطيه هذا المبلغ للزواج ويسقط عنى الحج ؟
An من المعلوم أن الله سبحانه فرض الحج على المستطيع ، وحذر من قصَّر فيه كما يدل عليه قوله تعالى{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران : 97 ، وقال جمهور الفقهاء : إن الحج واجب على الفور، يأثم الإنسان بتأخيره ، وقال الشافعى :
واجب على التراخى ، لو أخره لا حرمة عليه ولكن يكون عالقًا بذمته لا يبرأ حتى يؤديه ، وإن مات وجب الحج عنه ، أما مساعدة الولد أو البنت على الزوج فهى سنة ليست واجبة ، وإذا تعارض الواجب مع السنة قدم الواجب ، وهذا محل اتفاق بين الجميع(9/353)
الحج عن الغير أو للغير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q والدى عنده مبلغ من المال يكفيه للحج ولكنه عاجز عن أداء الفريضة صحيًّا ، فهل يصح ان أحج عنه ، ولو دعانى ابنى الذى يعمل فى السعودية للحج على نفقته ، فهل يصح ان أجعل هذه الحجة لوالدتى مع أنها ليست من مالى؟
An من عجز عن أداء الحج بنفسه لمرض أو شيخوخة أو غيرهما وعنده القدرة المالية يجب عليه أن ينيب غيره ليحج عنه ، بدليل الحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح عن الفضل بن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال "نعم " .
وكذلك إذا مات من استطاع أن يحج ولم يحج يجب أن يحج عنه غيره حتى لو لم يوص بذلك على ما رآه جمهور الفقهاء، وتخرج النفقات من التركة وتقدم على الميراث لأنها دين . روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمى نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها؟ قال "نعم ، حجى عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالوفاء " .
هذا عن الحج عن الغير، أو الحج الواجب ، أما الحج للغير وهو الحج المندوب الذى يريد الحاج أن يهدى ثوابه لأحد أقاربه أو لغيره ممن ماتوا ولم يكن الحج واجبا عليهم -فيجوز أيضا، ويستوى فى ذلك أن تكون نفقات الحج من الشخص نفسه أو من شخص اخر أو جهة أخرى ، وإن كان للمتبرع بهذه النفقات ثواب أيضا .
ويشترط فى كلا الأمرين -الحج عن الغير والحج للغير-أن يكون القائم به قد سبق له الحج عن نفسه وسقطت عنه الفريضة ، فإن لم يكن قد أداها حسبت الحجة له هو، على ما رآه جمهور الفقهاء وليس للغير فيها نصيب من سقوط الحج عنه أو وصول الثواب إليه ، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال له "من شبرمة"؟ قال : أخ أو قريب لى ، قال " أحججت عن نفسك "؟ قال لا، قال "فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " هذا، والحج الواجب عن الغير إن كان ميتا لا يشترط فيه أن يكون قد أوصى به لأن الدَّين يجب قضاؤه مطلقا ، وكذلك سائر الحقوق المالية من كفارة أو زكاة أو نذر فالظاهر أن دين الحج مقدَّم على دين الآدمى إذا كانت التركة لا تتسع للحج والدين ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الجهنية السابق "فالله أحق بالوفاء" والإمام مالك لا يوجب الحج عن الغير من تركته إلا إذا أوصى، أما إذا لم يوص فلا يحج عنه ، وحجته أن الحج عبادة غلب فيها جانب البدنية فلا يقبل النيابة كالصلاة وإذا أوصى كان الحج من الثلث .
ومما سبق يعلم أن المرأة يجوز أن تحج عن الرجل ، وأن الرجل يجوز أن يحج عن المرأة ، حيث لا يوجد نص يخالف ذلك(9/354)
المبيت بالمزدلفة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قد يحدث ارتباك عند الإفاضة من عرفة فلا يتمكن بعض الحجاج من مغادرتها إلى مزدلفة حتى يطلع الفجر بل حتى تشرق الشمس ، وبهذا لا يبيتون بالمزدلفة ليلة العيد، فماذا يفعلون ؟
An المزدلفة موضع بين عرفة ومِنى، وهى اَخر حدود الحرم المكى ، وكان الحُمْسُ أى المتشددون فى الدين من العرب وهم قريش ومن أخذ مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف ، يقفون بها ولا يقفون بعرفة كبقية الناس ، قائلين نحن قطين الله اى جيران بيته فلا نخرج من حرمه ، فأمرهم الله أن يقفوا ويفيضوا من عرفة كما قال تعالى{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } البقرة : 199 ، ولما أفاض النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع من عرفة ووصل إلى شعب الأذاخر قبل المزدلفة نزل وتوضأ وضوءا خفيفا ، فذكَّره أسامة الصلاة فقال "الصلاة أمامك " حتى أتى مزدلفة ، وهى المسماة بجمع ، قيل لأن آدم وحواء اجتمعا فيها فأزلف إليها، أى قرب منها، وقيل : لأنه يجمع فيها بين صلاتى المغرب والعشاء ، وقيل : لأن الناس يجتمعون فيها ويزدلفون إلى الله أى يتقربون إليه بالوقوف بها ، فصلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء قصرا ورقد بقبة ليلته متعبا، ولما طلع الفجر صلى ثم أتى المشعر الحرام وظل واقفا حتى أسفر الفجر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس .
وكان صلى الله عليه وسلم قد أذن لبعض النساء بالذهاب إلى مِنى قبل الزحام ورمين جمرة العقبة قبل الفجر، يقول القسطلانى والزرقانى : اختلف السلف فى ترك المبيت بالمزدلفة، فقال علقمة والنخعى والزهرى والشعبى - وهم من التابعين -من تركه فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة . وقال عطاء والزهرى وقتادة - من التابعين أيضا - والشافعى والكوفيون - أبو حنيفة وأصحابه -وإسحاق بن راهويه : عليه دم ، ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل مضى النصف الأول من الليل ، وقال مالك البيات بها مستحب . إن مر بها فلم ينزل فعليه دم ، وإن نزل ولو بقدر حط الرحل فلا دم عليه متى دفع "ج 8 ص 188 " .
والنووى صحح فى زيادة الروضة وشرح المهذَّب أن المبيت بمزدلفة واجب ، لو فات وجب فيه دم ، وفقه كلام الرافعى والمنهاج أنه سنة لا شىء فى فواته ، وكل ذلك إذا لم يكن عذر، ومنه تأخر المواصلات قياسا على ما قاله صاحب "كفاية الأخبار " فى فقه الشافعية فيمن وصل إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شىء عليه .
من هذا نعلم أن هناك خلافا بين الفقهاء فيمن فاته المبيت بمزدلفة ، فبعض التابعين تشدد وقال : فاته الحج وأتمه عمرة ، وقال بعض الأئمة : من فاته فقد فاته واجب يجبر بدم ، وحجه صحيح ، وقال مالك : المبيت مستحب ، ومن مر لم ينزل فعليه د م .
وقال بعض الفقهاء : إن المبيت سنة وليس بواجب ولا شىء فى فواته حتى لو لم يكن عذر، وعند العذر لا يجب بتركه شىء(9/355)
الحج بدون الزيارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لم أتمكن بعد الحج من زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم فهل يعتبر حجى ناقصا وهل يعتبر ذلك جفوة للنبى صلى الله عليه وسلم ؟
An أما الحج فهو صحيح بدون زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وزيارته إما زيارة لمسجده ، وإما زيارة لقبره ، وزيارة مسجده سنة ، لأنه من المساجد التى تشد إليها الرحال ، حيث يضاعف الله فيه ثواب الصلاة فيكون بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام كما ثبت الحديث الصحيح الذى رواه مسلم .
وأما زيارة قبره فهى سنة، لأن زيارة القبور بوجه عام مندوبة للعبرة والموعظة ، وزيارة قبره اَكد وأعظم ، فقد وردت فيها أحاديث كثيرة وإن كانت ضعيفة، فكثرتها تعطيها قوة ومن هذه الأحاديث المتصلة بالحج " من حج ولم يزرنى فقد جفانى" جاء فى شرح الزرقانى للمواهب "ج 8 ص 298" أن هذا الحديث ذكره ابن عدى فى " الكامل " وابن حبان فى " الضعفاء " والدارقطنى فى "العلل ، غرائب الرواة " عن مالك وآخرين ، كلهم عن ابن عمر مرفوعا - أى مسندا إلى النبى صلى الله عليه وسلم - ولا يصح إسناده .
ثم قال : وعلى فرض ثبوته فإن عبارة " فقد جفانى" توهم فى ظاهرها وجوب الزيارة ، لأن الجفوة إيذاء وإزالته واجبة ، فتكون الزيارة لإزالة الأذى واجبة ، لكن لم يقل أحد بوجوبها إلا الظاهرية .
فالخلاصة أن الحج بدون زيارة النبى صلى الله عليه وسلم صحيح ، والزيارة سنة ، والحديث ضعيف(9/356)
الأضحية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أنه يجب على من يريد أن يذبح أضحية أن يمتنع عن الأمور المحرمة على الحاج من قص الشعر والظفر ونحوه ؟
An لقد مر الحديث عن الأضحية باستفاضة فى المجلد الأول من هذه الفتاوى وبخصوص ما ورد فى السؤال روى الجماعة إلا البخارى عن أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم هلال ذى الحجة وأراد أحدكم أن يضحى فليمسك عن شعره وأظفاره " وفى رواية لمسلم " من كان له ذبح - بكسر الذال - يذبحه فإذا أهلَّ هلال ذى الحجة فلا يأخذن من شعره وأظفاره حتى يضحى " .
تتلخص أقوال العلماء فى قص الشعر والظفر لمن أراد أن يضحى فيما يأتى :
1- قال الشافعى : إنه مكروه كراهة تنزيه ، أى لا عقاب فيه ، وذلك بناء على الحديث المذكور، حيث حمل النهى فيه على الكراهة لا على الحرمة ، ويؤكده حديث عائشة الذى رواه الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهدية من المدينة ولا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم .
2- وقال أحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعى : إنه حرام ، حيث حملوا النهى فى الحديث على التحريم . لكن ماذا يفعلون بحديث عائشة المذكور؟ 3- وقال أبو حنيفة : لا يكره الحلق والتقصير ، لكن الحديث يرد عليه .
4- أما الإمام مالك : فروى عنه القول بعدم الكراهة كما قال أبو حنيفة ، وروى عنه قول بالحرمة فى التطوع دون الواجب .
يؤخذ من مجموع هذه الأقوال أن قَصَّ الشعر أو الظفر لمن يريد أن يضحى ليس حراما عند جمهور الفقهاء ، فهو إما مباح وإما مكروه عندهم ، ولا يجوز التعصيب لرأي فقهى وبخاصة إذا كان الجمهور لا يقول به(9/357)
محظورات الإحرام وجزاؤها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الأمور الممنوعة على المحرم بالحج أو العمرة ؟ وما جزاء من ارتكب شيئا منها؟
An المحظورات فى الإحرام جاء بعضها فى القرآن وجاء كثير منها فى السنة النبوية ، وإليك هذه المحظورات التى فيها جزاء دنيوى :
1-الجماع ، وقد مر حكمه .
2- لبس المخيط أو المحيط ، كالقميص والسروال والقباء والجبة والبرنس ، وكذلك الخف والحذاء ، روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس -كل ثوب رأسه منه - ولا السراويل ، ولا ثوبا مسه ورس - نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به - ولا زعفران ، ولا الخفين ، إلا أن يجد نعلين فليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين " .
والإجماع أن هذا خاص بالرجل ، أما المرأة فتلبس كل ذلك ما عدا ما مسه طيب ، وما عدا النقاب والقفازين . لقول ابن عمر رضى الله عنهما : نهى النبى صلى الله عليه وسلم النساء فى إحرامهن عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب ، من معصفر أو خز - حرير - أو حلى ، أو سراويل أو قميص أو خف رواه أبو داود والبيهقى والحاكم وصححه - قال البخارى : ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهى محرمة وقالت :
لا تتلثم ، ولا تتبرقع ، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران . وعند البخارى وأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتقب المرأة المحرمة ولاتلبس القفازين " ومعنى ذلك أن إحرامها فى وجهها وكفيها ، قال العلماء ، إن سترت وجهها بشىء فلا بأس ، على ألا يكون. نقابا مفصلا كالمعتاد .
وبخاصة عند الرجال الأجانب . فقد روى ابو داود وابن ماجه أن عائشة رضى الله عنها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها - أى الملحفة - على وجهها، فإذا جازوا بنا كشفناه .
وممن قال بجواز سدل الثوب مالك والشافعى وأحمد .
وإذا لم يجد الرجل الإزار والرداء أو النعلين لبس ما وجده للضرورة، فقد روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات وقال " إذا لم يجد المسلم إزارا فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين " وجاء فى رواية لأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقل عن الخفين " وليقطعهما" ومن هنا قال أحمد :يجوز للمحرم لبس الخف والسراويل إذا لم يجد النعلين والإزار بدون قطع النعلين ولا فدية عليه . لكن جمهور الفقهاء اشترط قطع الخف ليكون كالنعل بناء على حديث ابن عمر المتقدم رواه البخارى ومسلم . والحنفية يوجبون شق السراويل إذا لم يجد الإزار ، فإن لبسها دون شق لزمته الفدية . والشافعى ومالك لا يريان وجوب شقها، لأن النص كان على قطع الخفين وبناء على رواية جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا لم يجد إزارا فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " رواه النسائى بسند صحيح ، فإذا لبس السراويل ووجد الإزار لزمه خلع السراويل [ الإزار هو الثوب الذى يستر أسفل الجسم والرداء هو الثوب الذى يستر أعلى الجسم ] وإذا لم يجد رداء لم يلبس القميص ، بل يظل عاريا ، فليس أعلى الجسم عورة .
3- عقد النكاح لنفسه أو لغيره بأى وجه من الوجوه ، ويقع العقد باطلا لا تترتب عليه اَثاره الشرعية، ودليله حديث رواه مسلم وغيره عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال " لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب " ولم يجىء فى رواية الترمذى " ولا يخطب " وهو حديث حسن صحيح . وقال بهذا الحكم جمهور الفقهاء : مالك والشافعى وأحمد ، ولا يعترض عليه بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، فإن الرواية الصحيحة عن مسلم أنه تزوجها وهو حلال .
قال الترمذى : اختلفوا فى تزوج النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة حيث تزوجها فى طريق مكة، فقال بعضهم : تزوجها وهو حلال ، وظهر أمر تزويجها وهو محرم ، ثم بنى بها وهو حلال فى"سرف "فى طريق مكة .
والحنفية خالفوا الجمهور وأجازوا عقد النكاح للمحرم ، وليس لهم دليل على ذلك وقالوا :
الممنوع هو الجماع وليس العقد .
4 ، 5 - تقليم الأظفار وإزالة الشعر بالحلق أو القص أو بأية طريقة أخرى ، سواء كان الشعر فى الرأس أم فى أى موضع آخر من الجسد، قال تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله } البقرة : 196 ، هذا دليل حلق الشعر أما دليل تقليم الظفر فهو الإجماع ، فيحرم من غير عذر، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية ، وكذلك لو كان يتأذى بشعره فله إزالته ، لكن فى الإزالة فدية للنص عليه ، قال تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } البقرة : 196 ، وهذا الحكم للرجل والمرأة . واستثنى من الفدية شعر العين إذا تأذى به كما قال الجمهور، وأوجبها مالك .
6- الطيب فى الثوب أو البدن ، ودليله ما رواه البزار بسند صحيح أن عمر رضى اللّه عنه وجد ريح طيب من معاوية وهو محرم ، فقال له :
ارجع فاغسله ، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الحاج الشعث التفل " والشعث هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله ، والتفل هو، الذى ترك الطيب والتنظيف ، وقال صلى الله عليه وسلم " أما الطيب الذى بك فاغسله عنك ثلاث مرات " رواه البخارى ومسلم .
وإذا مات المحرم لا يوضع الطيب فى غسله ولا فى كفنه كما قال الجمهور ، وأجازه أبو حنيفة ، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم فيمن مات محرما " لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " هذا فى الطيب الذى يوضع بعد الإحرام ، أما وضعه قبله فلا بأس به حتى لو بقى أثره بعد الإحرام . ففى حديث متفق عليه عن عائشة :
كأنى أنظر إلى وبيص الطيب فى مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرم .
وهذا الحكم هو فى وضع الطيب فى البدن أو الثوب ومثل ذلك لبس ثوب مصبوغ بما له رائحة طيبة، إلا أن يغسل وتزول رائحته ، وكذلك وضعه فى مطبوخ أو مشروب يحرم وفيه الفدية إن بقيت رائحته كما قال الشافعية ، وخالفهم الحنفية لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب ، "راجع ص 539من المجلد الخامس من هذه الفتاوى " .
7- التعرض للصيد البرى بقتل أو تنفير أو دلالة عليه إن كان غير مرئى ، وكذلك إفساد بيض الحيوان البرى وبيعه وشراؤه وحلب لبنه .
أما صيد البحر فلا حرمة فيه ، قال تعالى { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرَّم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } المائدة : 96 ، وكذلك يحرم الأكل من هذا الصيد الذى صاده أو صيد له أو بمعونته ، فقد روى البخارى ومسلم عن أبى قتادة أنه كان مع جماعة محرمين فاصطاد حمار وحش ، وأكلوا منه ولما أخبروا الرسول بذلك أجاز أكلهم حيث لم يأمروا الصائد بذلك وروى أحمد والترمذى عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صيد البر لكم حلال وانتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم " . وهذا هو رأى جمهور الفقهاء .
8- ومن ارتكب شيئا من هذه المحظورات فجزاؤه كما يأتى :
صيد الحرم وقطع شجره -إن الصيد المذكور من قبل هو الصيد الواقع من المحرم ويستوى فيه ما صيد فى الحل وما صيد فى الحرم .
أما صيد الحرم وقطع شجره فيستوى فيه المحرم وغير المحرم ، والممنوع بالنسبة للشجر هو الشجر الذى لم يستنبته الآدميون عاده .
ومثله قطع الرطب من النبات حتى الشوك ، إلا الإذخر والسنا فلا مانع من التعرض لهما .
ودليله ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرام ، لا يعضد شوكه ، ولا يختلى خلاه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف " واستثنى الإذخر كطلب العباس .
وما استنبته الآدميون يجوز قطعه على رأى الجمهور، وتفصيل الجزاء يرجع فيه إلى كتب الفقة على رأى من يقول بالجزاء ، أما من لا يقول به فأوجب الاستغفار . راجع ص 357 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى .
أما الجماع فقد مر حكمه ؟ وأما لبس المخيط وتقليم الأظفار وإزالة الشعر والتطيب ففيه فدية جاءت فى قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسك } البقرة : 196 ، والنسك هو الذبح ، والفدية على التخيير بين هذه الأمور الثلاثة : ذبح شاة ، أو إطعام ستة مساكين ، كل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام . روى البخارى ومسلم عن كعب بن عُجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية ، فقال " قد آذاك هوام رأسك " ؟ قال : نعم ، فقال " احلق ثم اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين " وجاء فى رواية لأبى داود أن الآية نزلت فيه ، والإطعام فيها هو فرق من زبيب ، والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا عراقيا .
وإذا كان هذا الحكم فى المعذور فقد قاس الشافعى عليه غير المعذور . وأبو حنيفة أوجب الدم على غير المعذور إن قدر عليه .
هذا ، ويلاحظ فى الشعر أن يكون المزال ثلاث شعرات فأكثر حتى تجب فيه الفدية المذكورة ، أما إزالة شعرة واحدة ففيها مُد كما قال الشافعى ، وفى الشعرتين مُدان ، وفى الثلاثة فصاعدا دم . ووضع الدهن فى الشعر إن كان بزيت خالص أو خل خالص يجب فيه الدم ، أما وضعه فى غير شعر الرأس واللحية فلا شىء فيه عند الشافعية وفيه الدم عند الحنفية .
كما يلاحظ أن لبس المخيط والتطيب لاشىء فيه عند الجهل بالتحريم أو عند نسيان الإحرام فقد روى الجماعة إلا ابن ماجه أن رجلا أحرم بالعمرة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه ، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجعرانة عن ذلك فقال " اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا فى حجك فاصنع فى عمرتك " وقال عطاء :
إذا تطيب أو لبس -جاهلا أو ناسيا-فلا كفارة عليه . رواه البخارى .
وهذا بخلاف قتل الصيد مع الجهل أو النسيان ففيه الجزاء ، لأن ضمانه ضمان مال فيستوى فيه العلم والجهل ، والعمد والنسيان كضمان مال الآدميين .
أما الصيد فقد جاء فى جزائه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه واللّه عزيز ذو انتقام } المائدة : 95 .
قال ابن كثير : الذى عليه الجمهور أن العامد والناسى سواء فى وجوب الجزاء عليه ، والآية تدل على أن الجزاء على المتعمد ، والسنة من أحكام النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بوجوب الجزاء فى الخطأ .
وقتل الصيد إتلاف ، والإتلاف مضمون فى العمد والنسيان ، لكن الفرق بينهما أن التعمد فيه إثم دون النسيان ، وتفصيل الجزاء وبيان المثلية من النعم يرجع فيه إلى كتب الفقه(9/358)
ما يباح للمحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q توجد بعض أشياء يختلف المحرمون فى حلها وحرمتها غير ما ذكر فى المحظورات نريد بيان ما يحل منها حتى لا يتشكك المحرم ولا يكثر الجدال ؟
An من المباحات فى الإحرام ما ياتى :
1- الاغتسال للنظافة والأغسال المسنونة كالغسل يوم الجمعة، وكذلك تغيير ملابس الإحرام ، روى الجماعة إلا الترمذى أن ابن عباس والمسور بن مخرفة كانا بالأبواء واختلفا فى غسل المحرم رأسه وأن أبا أيوب الأنصارى أخبر أن الرسول كان يفعله ، ودخل ابن عباس حمام الجحفة وهو محرم فقيل له : كيف ذلك ؟ فقال : إن الله ما يعبأ بأوساخنا شيئا ، قال ابن المنذر : أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك ، وروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الجنابة .
واستعمال الصابون للنظافة جائز ، وعند الشافعية والحنابلة : لا مانع منه حتى لو كانت له رائحة لأنها غير مقصودة للتطيب .
ويجوز نقض الشعر وتمشيطه كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم عائشة به ورواه مسلم .
والنووى فى شرحه قال : إن ذلك جائز فى الإحرام بحيث لا ينتف شعرا، ولكنه مكروه إلا لعذر، وذلك خشية سقوط الشعر ووجوب الفدية .
2- ستر الوجه لاتقاء الغبار أو الريح الشديدة بما لا يلاصق الوجه ، فقد روى الشافعى وسعيد بن منصور أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون -والتخمير هو الستر .
3- لبس الخفين للمرأة ، فقد روى أبو داود والشافعى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء فى الخفين .
4- تغطية الرأس نسيانا، فلا شىء فيه عند الشافعية كلبس القميص مع النسيان ، وأوجب الحنفية فيه الفدية ، وقد تقدم ذلك ، وبالمثل النسيان والجهل فى التطيب ، فالقاعدة عند الشافعية أن النسيان والجهل فى كل محظور عذر يمنع وجوب الفدية فيما عدا الإتلاف كالصيد وفيما عدا الحلق وتقليم الظفر على الأصح عندهم .
5- الحجامة وفقء الدمل ونرغ الضرس والفصد ، فقد ثبت احتجام النبى صلى الله عليه وسلم فى وسط رأسه وهو محرم ، وهل يا ترى كان مع الحجامة إزالة شعر أم لا ؟ يقول النووى : إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهى حرام من أجل قطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك ، وعن الحسن البصرى :
الحجامة فيها فدية وإن لم يقطع شعرا، فإن كان لضرورة جازت مع قطع الشعر وتجب الفدية .
وقال مالك : لا بأس للمحرم أن يفقأ الدمل ويربط الجرح ويقطع العرق إذا احتاج ، وقال ابن عباس : المحرم ينزع ضرسه ويفقأ القرحة .
6- حك الرأس والجسد بحيث لا يكون فيه إزالة للشعر، ، فقد ثبت فى البخارى ومسلم وغيرهما أن عائشة رضى الله عنها أجازت ذلك ، وروى ذلك عن ابن عباس وجابر وغيرهما .
7- النظر فى المرآة وشم الريحان . روى البخارى عن ابن عباس أنه جائز، وإذا قال ابن المنذر : إن العلماء أجمعوا على أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب فى جميع بدنه -فإن المكث فى مكان فيه روائح عطرية كتجارة العطور فيه خلاف للعلماء ، قال الحنفية والمالكية : إنه مكروه سواء قصد شمها أم لم يقصد ، وقال الشافعية والحنابلة ، إنه حرام عند القصد ، جائز عند عدمه ، ومع إجازة الشافعية له عند عدم القصد كرهوا الجلوس فى هذا المكان الذى فيه العطر، مالم يكن الجلوس قربة للّه ، كالجلوس عند الكعبة وهى تبخر فلا كراهة فيه . ويجوز حمل زجاجة فيها عطر ولا فدية ما لم يستعمل ما فيها من عطر .
8- لبس الحزام لشد الإزار أو حفظ النقود ، لا مانع منه ومثله الحزام الطبى، وكذلك يجوز لبس الخاتم ، حيث لا يصدق على ذلك لبس المخيط أو المحيط . قاله ابن عباس .
9- الاكتحال للتداوى - لا مانع منه ، ما دام بغير طيب ولا يقصد به الزينة كما قال ابن عباس .
10 - الوقاية من المطر أو الحر بمثل المظلة أو الخيمة ما دام ذلك لا يغطى الرأس ، فقد روى مسلم أن أسامة بن زيد وبلالا كانا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة . وأخرج ابن أبى شيبة أن عمر رضى الله عنه كان يطرح النطع على الشجرة فيستظل به وهو محرم ، وأجاز عطاء بن أبى رباح الاستظلال من الشمس واتقاء الريح والمطر، وحكى إبراهيم النخعى عن الأسود بن يزيد أنه طرح على رأسه كساء يستكن به من المطر وهو محرم .
11- الخضاب بالحناء ، فقد أجازته الحنابلة فيما عدا الرأس وأجازته الشافعية فيما عدا اليدين والرجلين لغير حاجة ، ولا يغطى رأسه بحناء ثخينة . كما كرهوا للمرأة الخضاب بالحناء حال الإحرام . إلا إذا كانت معتدة من وفاة فيحرم عليها ذلك ، كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشا ، أى للزينة .
والحنفية والمالكية حرَّموه للرجل والمرأة فى أى جزء من البدن ، لأنه طيب وهو ممنوع .
مستدلين بحديث رواه الطبرانى فى الكبير والبيهقى وابن عبد البر عن خولة بنت حكيم عن أمها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة رضى الله عنها "لا تطيبى وأنت محرمة، ولاتمسى الحناء فإنه طيب " .
12- قتل الحشرات المؤذية ، مثل النمل والقراد ، الصغير منه والكبير، كما جاء عن ابن عباس وعطاء .
13- قتل الحيوانات والطيور المؤذية فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خمس من الدواب كلهن فاسق ،- يُقتلن فى الحرم - وفى رواية مسلم : والحل - الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" وزاد في رواية البخارى الحية فيكون العدد ستا لا خمسا .
وأطلق عليها الفواسق والفسق هو الخروج ، لأنها خرجت عن حكم غيرها من الحيوانات فى تحريم قتل المحرم لها، وقيل : لخروجها عن غيرها فى حل الأكل ، أو لخروجها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع .
وقد اتفق العلماء على أن غراب الزرع وهو الصغير الذى يأكل الحب لا يقتل والكلب العقور يعم كل ما يعقر الناس ويخيفهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب ، وقال الحنفية :
إن لفظ الكلب قاصر عليه لا يلحق به غيره ما عدا الذئب فهو مثله . وابن تيمية يبيح للمحرم أن يقتل كل ما يؤذى حتى لو كان آدميّا لا يندفع إلا بقتله فالدفاع مشروع ، ومن قتِل مدافعا عن نفسه أو ماله أو دينه أو عرضه فهو شهيد .
وهذا وقد قال العلماء : يجوز للمحرم أن يضرب خادمه للتأديب ، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه أن أبا بكر رضى الله عنه ضرب خادمه الذى ضل منه بعيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم -حيث كان رفيقا له فى حجة الوداع -يبتسم ولم يزد على قوله " انظروا لهذا المحرم ما يصنع "(9/359)
الحج أو الزيارة أولا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الأفضل أن يحج الإنسان أولا ثم يزور المدينة أو يزور المدينة أولاً ثم يحج ؟
An إذا كانت هناك تنظيمات مفروضة للمصلحة فى سفر الحجاج فالأفضل اتباع هذه التنظيمات ، لوجوب طاعة أولى الأمر فيما ليس بمعصية وفيما يحقق المصلحة ومعروف أن ظروف المواصلات والإقامة تقتضى فى هذه الأيام أن تنظم رحلات الحج بمواعيد محددة .
فإذا لم توجد تنظيمات مفروضة فقد اتفق فقهاء السلف على جواز البدء بما يشاء الإنسان من الحج والزيارة، كما اتفقوا على أن المدينة إذا كانت فى طريق الحاج إلى مكة كان تقديم الزيارة أفضل ، وذلك من باب التيسير والتخفيف ، والنبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، كما صح فى الحديث الذى رواه البخارى .
ثم اختلفوا فيمن ليست المدينة فى طريقه إلى مكة، فذهب جماعة من التابعين إلى أفضلية البدء بالزيارة ، وذلك لإحراز فضيلة الإحرام من ميقات المدينة الذى أحرم منه النبى صلى الله عليه وسلم وذهب جماعة آخرون إلى أفضلية البدء بالحج ، لأنه هو الأصل ، والزيارة تبع له .
وذلك كله اختلاف فى الأفضلية ، ولا يضر فى صحة النسك من حج أو عمرة ولكل أن يختار ما يتناسب مع ظروفه(9/360)
التلبية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل التلبية فى الإحرام واجبة وما هو وقتها، وما هى أحسن صيغها؟
An التلبية هى قول : لبيك اللهم لبيك ، كما أن التهليل هو قول :لا إله إلا الله والتسبيح قول سبحان الله .
وهى تكون فى الحج والعمرة عند الإحرام ، فقد روى أحمد وابن حبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يا آل محمد ، من حج منكم فليهل فى حجه - أو فى حجته - " ومعنى : يهل ، يرفع صوته بالتلبية . فهى مشروعة بإجماع العلماء، لكن ما هو مدى مشروعيتها؟ لقد اختلفوا فى حكمها وفى وقتها، فقال الشافعى وأحمد: إنها سنة ، ويستحب اتصالها بالإحرام ، فلو أحرم دون أن يلبى فإحرامه صحيح ولا شىء عليه وقال الحنفية: إن التلبية- وما يقوم مقامها كالتسبيح -شرط لصحة الإحرام ، فمن أحرم ولم يلبِّ أو لم يسبح أو لم يسق الهدى فلا إحرام له .
والمشهور عند المالكية أنها سنة ، وقيل واجبة يصح الإحرام بدونها ويلزم دم وللاحاطة بالأقوال فى حكمها يرجع إلى "نيل الأوطار"ج 4 ص 339 .
ويبدأ وقتها بالإحرام وينتهى برمى جمرة العقبة ، فقد روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبِّى حتى بلغ الجمرة ، وهذا رأى جمهور العلماء ، ومالك يقول : تستمر حتى تزول الشمس من يوم عرفة ثم يقطعها الحاج وقال أحمد : لا تنتهى حتى يرمى الجمرات كلها . أما المعتمر فتنتهى تلبيته حتى يستلم الحجر الأسود كما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذى بسند حسن صحيح عن طريق ابن عباس .
وتستحب التلبية فى مواطن كثيرة ، عند الركوب والنزول وكلما علا مكانًا عاليًا ، أو نزل واديًا أو لقى ركبًا ، ودبر الصلوات وبالأسحار ، وفى كل حال كما قال الشافعى .
أما صيغتها فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن تلبية النبى صلى الله عليه وسلم كانت "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك " والاقتصار على ما كانت عليه تلبية الرسول مستحب ، واختلف العلماء فى الزيادة عليها ، فذهب الجمهور إلى أن الزيادة لا بأس بها ، كما زاد ابن عمر(لبيك لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل . وكما زاد الصحابة والرسول يسمع ولا ينكر رواه أبو داود والبيهقى ، وكره مالك الزيادة على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم وتسن بعدها الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والدعاء ، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التلبية سأل اللّه المغفرة والرضوان كما رواه الطبرانى وغيره .
والتلبية يستحب أن تكون جهرا ، فقد روى أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "جاءنى جبريل -عليه السلام - فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج " وروى الترمذى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل : أى الحج أفضل ؟ فقال " العج والثج " والعج هو رفع الصوت بالتلبية والثج هو نحر الهدى .
وقال مالك : لا يرفع ا لملبى صوته فى مسجد الجماعات بل يسمع نفسه ومن يليه أما فى مسجد مِنى والمجسد الحرام فإنه يرفع صوته فيهما، وهذا الحكم بالنسبة للرجال ، أما النساء فيكره لهن رفع أصواتهن أكثر مما يسمعن أو يسمعن من يليهن فقط . وقال عطاء لا تسمع المرأة إلا نفسها فقط .
وقد ورد فى فضل التلبية التى تعنى : إجابة بعد إجابة، أى الطاعة على الدوام مأخوذة من :
لب بالمكان أى أقام به - حديث رواه ابن ماجه للأمام " ما من محرم يُضحى يومه -أى يظل يومه -يلبِّى حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه " وحديث رواه الطبرانى "ما أهل مهل قط إلا بُشَر ، ولا كبَّر مكبر قط إلا بشر" قيل يا نبى الله بالجنة؟ قال "نعم " وحديث رواه ابن ماجه والترمذى والبيهقى "ما من مسلم يلبِّى إلا لبَّى من عن يمينه وشماله من حجر أو مدر-حصا- حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا "(9/361)
الدعاء فى الطواف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الطائفين حول البيت يمسكون بأيديهم كتبا فيها أدعية يرددونها ، فهل يجب على الطائف أن يدعو بأدعية مخصوصة ؟
An معلوم أن الطواف كالصلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام ، فليكن كلامنا خيرا ، وخير الكلام فى العبادة هو ذكر الله سبحانه والدعاء ، وخير ذلك قراءة القرآن أو الاقتباس منه ، روى أبو داود والترمذى وقال :حسن صحيح أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار ، لإقامة ذكر الله عز وجل " .
وإذا كان للانسان أن يذكر ويدعو بما يراه فى حاجة إليه ، فإن أحسنه ما كان مأثورا فى القرآن والسنة، ومما ورد فى ذلك :
1- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن اليمانى والحجر{ ربنا اَتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن السائب .
2- " من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا: سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيئات وكتب له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات " رواه ابن ماجه عن أبى هريرة مرفوعا - وإسناده ضعيف .
3- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين - اليمانى ، الحجر الأسود - " اللهم قنعنى بما رزقتنى، وبارك لى فيه ، واخلف على كل غائبة لى بخير " أى اجعل لى عوضا حاضرا عما فاتنى ، رواه ابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن عباس .
4- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم إنى أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق " رواه البزار عن أبى هريرة .
5- كان يقول فى ابتداء الطواف " بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك " روى الشافعى بعضا منه . كما روى البيهقى والطبرانى بعضا منه ، وروى ذلك عن عمر عند استلامه الحجر(9/362)
أنواع الطواف وشروطه وسننه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى أنواع الطواف ، وما حكم كل نوع ، وما هى الشروط التى يجب توافرها فيه وما هى سننه ؟
An الطواف وهو الدوران حول الكعبة أربعة أنواع :
أ-طواف القدوم ، وهو مشروع للقادم إلى مكة فى حج أو عمرة، وهو سنة عند الجمهور، ويسمى طواف التحية وطواف الدخول ، ويكون ركنا فى العمرة للمتمتع وغيره .
ب - طواف الإفاضة ، وهو بعد الوقوف بعرفة ويسمى طواف الزيارة وهو ركن فى الحج ، وركن فى العمرة أيضا باتفاق ، من فاته بطل حجه وعمرته ، ولا يجبر بدم .
ج - طواف الوداع عند مغادرة مكة، وهو واجب عند الجمهور ، إذا ترك صح الحج ووجبت الفدية ، وهى ذبح شاة، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام ، ثلاثة فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وصيام الثلاثة فى الحج لا يكون إلا فى أيام التشريق ، أو فى أشهر الحج التى تنتهى بانتهاء شهر ذى الحجة . وهو سنة عند مالك وفى قول للشافعى ، وتعفى منه النساء عند الحيض والنفاس .
د- طواف التطوع ، وهو يكون سنة عند دخول المسجد الحرام تحية للبيت ، وليس فيه رمل ولا اضطباع .
وشروط صحة الطواف هى :
1- الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجس ، وقد مر خبر عائشة حين حاضت ومنعها الرسول من الطواف حتى تطهر، ومثل الحيض الجنابة ، ولو طافت صح الطواف إذا تحتم عليها السفر قبل أن تطهر، وعليها بدنة أو شاة على ما مر ذكره فى حديث عائشة، والحدث الأصغر الذى يوجب الوضوء ليس شرط صحة عند الحنفية،بل هو واجب يجبر تركه بدم . والطهارة من النجس فى الثوب أو البدن سنة عندهم لا يلزم بتركها شىء، ومن به سلس بول والمستحاضة دائما يطوفان بلا طهارة اتفاقا .
2- ستر العورة ، لحديث الصحيحين عن أبى هريرة قال : بعثنى أبو بكر الصديق فى الحجة التى أمَّره عليها الرسول قبل حجة الوداع ، فى رهط يؤذنون فى الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
والأحناف يقولون : إن ستر العورة واجب لو ترك صح الطواف وعليه الإعادة ما دام بمكة ، فإن غادرها وجب دم .
3- أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة، لو ترك واحد منها بطل ، والأحناف يقولون : ركن الطواف أربعة أشواط فقط ، والثلاثة الباقية واجب لو تركت وجب الدم .
4- أن يبدأ من الحجر الأسود وينتهى إليه .
5- أن يكون البيت عن يسار الطائف .
6- أن يكون الطواف خارج الكعبة ، وحجر إسماعيل جزء منها ، وكذلك الشاذروان وهو البناء الملاصق لأساس الكعبة .
7- الموالاه فى الأشواط عند مالك وأحمد ، ولا يضر التفريق اليسير ولو كان بغير عذر، أما التفريق الكثير فيضر إلا إذا كان بعذر، والحنفية والشافعية قالوا : إن الموالاة سنة، وقد تقدم توضيح ذلك .
وسنن الطواف كثيرة نذكر منها ما يلى :
1- استقبال الحجر الأسود عند بدء الطواف ، مع التكبير والتهليل ، ورفع اليدين كرفعهما فى الصلاة واستلام الحجر بوضع اليدين عليه وتقبيله بدون صوت ووضع الخد عليه إن أمكن بدون زحام ، وإلا مسه بيده وقبَّلها أو مسه بشىء معه كقضيب وقبَّله ، أو أشار إليه وقبَّل ما أشار به وقد مر فى صفحة135 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى بيان أصل هذا الحجر وحكمة تقبيله وموقف عمر رضى الله منه .
وروى البخارى أن عبد الله بن عمر استلم الحجر بيده ثم قبَّل يده كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويكره التزاحم عليه كما مر .
2- الاضطباع . وهو وضع الرداء تحت الإبط الأيمن وطرحه على الكتف الأيسر، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة من الجعرانة ورواه أحمد وأبو داود وذلك لأنه يعين الطائف على الرمل فى الطواف ، وهو سنة عند الجمهور، وغير مستحب عند مالك .
3- الرَّمل ، وهو الإسراع فى المشى مع هز الكتفين وتقارب الخطا، وذلك إظهارًا للنشاط والقوة ، كما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فى عمرة القضية ، وأهل مكة ينظرون إليهم فقد كانوا يقولون عن المهاجرين :
وهنتهم وأضعفتهم حمى يثرب كما رواه البخارى ومسلم وبقى ذلك التشريع للتاريخ وشكر الله على النعمة ونصره الحق كما اثِرَ عن عمر أنه قال : فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب ؟ وقد أطَّأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . وأطأ أصلها وطأ، أُبدلت الواو همزة كما قال ابن الأثير فى النهاية .
وقد رمل الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجه فى الأشواط الثلاثة الأولى كما رواه مسلم ، ولو تركه فى الثلاثة لم يقضه فى الأربعة الباقية .
هذا، والاضطباع والرمل خاصان بالرجال دون النساء فى كل طواف يعقبه سعى، روى البيهقى أن عبد الله بن عمر قال : ليس على النساء سعى-أى رمل -بالبيت ولا بين الصفا والمروة .
4- استلام الركن اليمانى كركن الحجر الأسود كما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم روى ابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحجر والركن اليمانى يحط الخطايا حطًّا " .
5- صلاة ركعتين بعد الطواف عند مقام إبراهيم أو فى أى مكان فى المسجد وأوجبهما أبو حنيفة روى الترمذى بطريق حسن صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعًا ، وأتى المقام فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه .
والسنة قراءة سورة "الكافرون " بعد الفاتحة فى الركعة الأولى وسورة"الإخلاص " فى الركعة الثانية كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم وهاتان الركعتان تصليان فى أى وقت وليس هناك وقت كراهة لصلاتهما ، فإن لهما سببا متقدما عند الشافعية، والمسجد الحرام مستثنى من هذه الأوقات لتيسير الصلاة فيه لمن يرد عليه فى أى وقت ، فقد صح أن الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة فيما سواه . ومما يدل على ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بالبيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار " .
ولتيسير الصلاة والطواف لا يحرم المرور أمام المصلى ولا يكره ، فقد روى ابو داود والنسائى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى مما يلى بنى سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة، أى ليس بينه وبين الكعبة سترة، كما وضحه سفيان بن عيينة . هذا وهناك أمور خاصة بالطواف والشرب من ماء زمزم ينبغى التنبيه عليها :
1- لا بأس بطواف النساء مع الرجال ، مع المحافظة على كل الآداب ، وذلك للعسر فى تخصيص وقت معيَّن لهن ، ولاطمئنان الرجل على من معه من النساء ، وإرشادهن عند الحاجة أثناء الطواف ، فقد روى البخارى عن ابن جريج قال : أخبرنى عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ، قال : كيف تمنعهن وقد طاف نساء النبى صلى الله عليه وسلم مع الرجال ، قال : قلت : أبعد الحجاب أم قبله ؟ قال : إى لعمرى لقد أدركته بعد الحجاب ، قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن الرجال ، كانت عائشة رضى اللّه عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم ، أى كانت فى ناحية منفردة . فقالت امرأة : انطلقى نستلم يا أم المؤمنين ، قالت :
انطلقى . .. وأبت أن تذهب لاستلام الحجر: وروى عن عائشة أنها قالت لامرأة : لا تزاحمى على الحجر، إن رأيت خلوة فاستلمى ، وإن رأيت زحاما فكبرى وهللى إذا حاذيت به ولا تؤذى أحدا .
ب - يجوز الطواف من ركوب حتى لو كان الإنسان قادرا على المشى، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف فى حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن -عود معقوف الرأس يكون مع الراكب يحرِّك به راحلته - وكان طوافه على الراحلة وسعيه بين الصفا والمروة ليراه الناس ويشرف ويسألوه عند الازدحام عليه .
و ثبت أن أم سلمة طافت راكبة بعيدا عن الزحام وقد سبق ذلك فى صفحة 41 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى .
ج -يسن الشرب من ماء زمزم بعد الطواف وصلاة الركعتين عند المقام اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم ، فقد شرب وقال "إنها مباركة، إنها طعام طُعم وشفاء سُقم " أى من شرب منها أحس بالشبع إذا كان جائعا ، وفيها شفاء من المرض . وروى الطبرانى وابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم " ورواة الحديث ثقات كما قال المنذرى .
ويسن عند شربه نية الشفاء وأى خير يريده الإنسان فى الدنيا والآخرة،ففى الحديث "ماء زمزم لما شرب له " رواه أحمد بسند صحيح ورواه البيهقى أيضا ، وفى رواية أخرى للبيهقى عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم "ماء زمزم لما شرب له ، إن شربته تستشفى شفاك الله ، وإن شربته لشبعك أشبعك الله وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله ، وهى هزمة جبريل وسقيا اللّه إسماعيل " وفى زيادة "وإن شربته مستعيذا أعافك اللّه " ومعنى هزمة جبريل حفره .
ويسن التضلع من ماء زمزم ، ففى حديث رواه ابن ماجه والدار قطنى والحاكم " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم " وكان ابن عباس يشرب منه ثلاثة أنفاس ويستقبل القبلة ويحمد الله ويدعو:اللهم إنى أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء . ومعنى التضلع الشبع والامتلاء كأن الماء بلغ الأضلاع .
كما يسن عند شرب ماء زمزم أن يتذكر تاريخ هذه البئر، وكيف أنقذ الله بها إسماعيل وأمه هاجر حين تركهما - بأمر اللّه - إبراهيم فى هذا الوادى الذى لا ماء فيه ولا أنيس ، وذلك جزاء لها حين رضيت بقضاء الله واَمنت أنه لا يضيعهما أبدًا ، فلئن تركهما المخلوق فلن يتركهما الخالق ، وفى ذلك عبرة وعظة ، أن من كان مع الله كان الله معه ، وأن بعد العسر يسرا، وأن حكمة الله لا يعلمها كثير من الناس {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } وكان تعمير هذا المكان تمهيدًا لولادة خير الأنام وبعثته الخاتمة الخالدة وشرفًا للعرب الذين ولد منهم وأرسل فيهم ونزل القراَن بلغتهم ، وما زال الحج إلى البيت الذى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل شعيرة من أعظم شعائر الإسلام يعقد المسلمون فيه مؤتمراتهم السنوية توكيدا لوحدتهم ، وربطا لحاضرهم بماضيهم ، وشهودًا لمنافع دينية ودنيوية يثبتون بها جدارتهم بريادة العالم كله إن استقاموا على الطريق كما كان الأولون .
ويسن بعد الشرب من ماء زمزم الدعاء عند الملتزم -وهو ما بين الركن والباب - واقتداء بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس -كما رواه البيهقى- يقول : لا يلزم ما بينهما-أى الركن والباب - أحد يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه الله إياه(9/363)
المرض المعدى والحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أعانى من مرض جلدى معد، وقد نويت أداء فريضة الحج ، فهل يجوز لى ذلك رغم أنى قد أتسبب فى العدوى لكثير من الحجاج؟
An من المعلوم ، لآن أن الدول تعمل احتياطات لمنع العدوى فى السفر، وذلك بالتطعيم أو بوسائل أخرى، ومن عنده مرض معد ستحول السلطات دون سفره ، وإذا لم تكن هناك سلطات تقوم بالإجراءات الصحية فهل يجوز له السفر لأداء الفريضة مع احتمال أن يصيب غيره بالعدوى؟ إن كانت العدوى محققة أو يغلب على الظن حصولها كان هذا المرض مسقطا لوجوب الحج عن المريض حتى يبرأ من مرضه ،لأن القاعدة الفقهية تقول : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبخاصة أن المصلحة فى الحج تعود على الشخص نفسه أكثر مما تعود على غيره ، أما المفسدة فتصيب كثيرين غيره ، ومع سقوط الحج عنه أرى أن مخاطرته بالسفر على الرغم من الظن الغالب للعدوى ممنوعة ، إما على سبيل الكراهة أو التحريم تبعا لدرجة احتمال العدوى ، والأحاديث تحذر من التعرض للعدوى والتسبب فيها . روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل مجذوم جاء ، بايعه " ارجع فقد بايعناك " وقال -كما رواه البخارى " فر من المجذوم فرارك من الأسد " .
ومن أجل النهى عن الضرر والضرار حرم الإسلام على حامل ميكروب المرض أن يخالط الأصحاء ، أو يتسبب فى الإصابة بالمرض بطريق مباشر أو غير مباشر، ولذلك حرم البصاق فى الطريق والأماكن العامة ، وحرم التبول والتبرز فى موارد المياه ومواقع الظل وكل ما يرتاده الناس ، وأمر بإبادة الحشرات والهوام وكل ما يؤذى حتى لو كان أثناء الإحرام . ومما يؤثر فيما يتصل بالسؤال ما رواه مالك أن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه رأى امرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال لها : يا أمة اللّه لا تؤذى الناس، لو جلست فى بيتك ! ففعلت ولم تشأ أن تخرج بعد موت عمر وقالت : ما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتا(9/364)
من الأخلاق فى الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج } البقرة : 197 ، معنى الرفث والفسوق والجدال ، وهل النهى عنها خاص بأيام الحج وحدها، أم ينصرف على غيرها؟
An جاء فى تفسير القرطبى "، 2 ، 407" أن الرفث الجماع كما قاله ابن عباس وابن جبير والسدى وقتادة والحسن وعكرمة والزهرى ومالك . ونهى الله عنه لأنه يفسد الحج بإجماع العلماء إذا حصل قبل الوقوف بعرفة ، وجزاؤه الهدى وإعادة الحج وقال عبد اللّه بن عمر وطاووس وعطاء وغيرهم : الرفث هو الإفحاش للمرأة بالكلام ، يقول الشخص لزوجته : إذا أحللنا جامعتك ، وقيل هو التحدث عن النساء بما يتصل بالشهوة، وقيل غير ذلك . والمراد بالنهى عن الحديث عما يتصل بالشهوة الجنسية إبعاد النفس عن هذه المتعة حتى لا يقع الشخص فيها فيفسد الحج ، فهو من باب الوقاية !والفسوق هو الخروج عن الطاعات إلى المعاصى أيًّا كان نوعها كما قال ابن عباس وعطاء والحسن وابن عمر وغيرهم ، والمراد به فى الحج ارتكاب المحظورات التى نهى الله عنها الحاج ، كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر والجماع . وقيل : الفسوق التنابز بالألقاب ، وقال ابن عمر: هو السباب . واختار القرطبى القول الأول الشامل لكل المعاصى .
والمراد بالنهى عنه تحذير الحاج من كل المعاصى ، لأن العقاب مضاعف فى الأماكن المقدسة ومجرد التفكير فى ارتكاب المعصية إثم كبير كما قال تعالى عن البيت الحرام {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من ، ذاب أليم } الحج : 25 ، والجدال فى المعنى المراد منه أقوال ستة ذكرها القرطبى ، منها مجادلة تؤدى إلى السباب ، واختلاف الناس فى أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون فى الجاهلية ، واختلافهم فى موعد الوقوف بعرفة ، فهو جدال فى إصابة المكان وإصابة الوقت ، وقيل : هو المفاخرة بالآباء .
والمراد بالنهى عن الجدال بأى معنى هو منع الاختلاف فى أحكام الحج والتعصب للرأى، وبخاصة فيما لم يكن منفقًا عليه ، وكذلك عدم فرض ، لآراء فى أى شىء آخر فى هذا اللقاء الكبير، الذى يجمع شتات الأجناس واللغات والعادات والأفكار، وذلك لتنافيه مع حكمة الحج من دعم التعاون والتعارف بين المسلمين كافة . وهذه الأمور الثلاثة وهى الرفث بما يتعلق بالنساء ولو بالحديث ، والفسوق بمعنى السباب أو العصيان والجدال بمعنى التخاصم فى الرأى ، أمور منهى عنها فى الحج وغيره ، ولكن النهى عنها فى الحج آكد ، نظرًا لحرمان الحجاج من المتعة النسائية والتعرض فى الزحام للمضايقات واهتمام كل شخص بنفسه وتمسكه برأيه ليصح حجه الذى ، عب فيه بماله وصحته ، فالظروف هى التى جعلت هذه الأمور المحرمة فى كل حال أشد حرمة ، وبخاصة عدم مناسبتها لشرف المكان وحرمة الزمان .
ومثل ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم - الصائمين عن الغيبة والكذب والزور، الذى يشمل كل باطل من قول أو فعل -بمثل قوله كما رواه البخارى " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس للّه حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " مع أن ذلك محرم أيضا على غير الصائمين ، لأن من حكمة الصيام كف النفس كل الشهوات التى رمز إليها بشهوتى البطن والفرج وهما حلالان أصلا، ليمرن الصائم نفسه بترك المشتهيات المحرمة من باب أولى، وكف النفس عن الشهوات يظهر أثره واضحًا فى التعامل مع الناس أو فى الأخلاق الاجتماعية كما يقال . ومنها صيانة اللسان عن الكذب والزور وكل ما يضر الغير(9/365)
التجارة فى الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل يتعود الحج كل علم ويقصد بذلك شراء سلع وبيعها للربح فيها فهل حجه مقبول ،
An يقول اللّه سبحانه فى حكمة الحج الذى أذَّن به إبراهيم {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم } الحج : 27 ، 28 ، ويقول سبحانه {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } الحج : 198 ، إن المنافع التى يشهدها الحجاج كثيرة متنوعة، منافع دينية ومنافع دنيوية ، ومن المنافع الدنيوية رزق أهل مكة استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حينما وضع ولده إسماعيل وأمه هاجر فى هذا الوادى الذى ليس فيه زرع .
والرزق قد يكون بدون مقابل كالهدى والفداء أو بمقابل كالبيع والشراء للهدى ولغير الهدى، ففيه نشاط تجارى دنيوى كما أن فيه نشاطا دينيًّا .
وابتغاء الفضل من الله فى موسم الحج بالتجارة فى الكسب الحلال ليس فيه حرج ، وقد جاء فى سبب نزول هذه ، لآية ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : إن الناس فى أول الحج - أى فى الإسلام - كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وذى المجاز- موضع بجوار عرفة-ومواسم الحج وهم حُرُم ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية .
وما رواه أبو داود عن ابن عباس أيضا أن الناس كانوا لا يتجرون بمِنى، فأمروا أن يتجروا إذا أفاضوا من عرفات . فالتكسب الحلال فى أثناء الموسم لا حرج فيه ، بمعنى أنه لا يفسد الحج ، ولا يضيع ثوابه ، روى أبو داود وسعد بن منصور أن رجلا قال لابن عمر رضى الله عنهما :إنى رجل أكرى - أوجر الرواحل للركوب - فى هذا الوجه وإن أناسا يقولون لى : إنه ليس لك حج فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبى وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمى الجمار؟ قال : بلى ، قال : فإن لك حجًّا، جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتنى، فسكت عنه حتى نزلت هذه الآية{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } البقرة : 198 ، فأرسل إليه وقرأ عليه هذه ، لآية وقال "لك حج " وما رواه البيهقى والدارقطنى أن رجلا سأل ابن عباس : أوجر نفسى من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك ، أليَ أجر؟ ففال له : نعم {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } البقرة: 202 ، تبين هذه المأثورات أن الذين يحجون ويزاولون أعمالا تجارية حجهم صحيح غير فاسد لا تجب عليهم إعادته ، وتسقط عنهم الفريضة ، أما الثواب فظاهر هذه ، لآثار أن الله لا يحرمهم منه ، ولكن يجب مع ذلك مراعاة الحديث الصحيح "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وإذا تعددت النوايا فى عمل صالح يمكن أن يرتبط الثواب بما غلب من هذه النوايا ، والأمر كله للّه من قبل ومن بعد، وهو سبحانه عليم بذات الصدور(9/366)
حج الصبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الحجاج يصحبون معها أطفالهم ويلبسون ملابسى الإحرام ويؤدون معهم المناسك فهل حج هؤلاء الأطفال صحيح ؟ وهل يغنى عنهم إذا بلغوا ؟
An من المعلوم أن حد التكليف هو البلوغ ؟ يثاب على ما يفعل ويعاقب على ما يترك فيما أوجبه الله وحرمه ، وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر الآباء بأمر الأولاد بالصلاة لسبع وضربهم عليها لعشر فذلك ليتمرنوا عليها حتى تكون سهلة عندما يكلفون بها، وعلى هذا النحو كان الصحابة يمرنون صبيانهم على الصيام كما تقدم فى صفحة 353 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى .
والحج لأنه لا يجب فى العمر إلا مرة ، ويشترط فيه الاستطاعة ، وليس كل مكلف مستطيعا لم يكن فيه تمرين للصبى عليه لعدم الكلفة فيه عندما يبلغ ، فهو مرة واحدة ومع الاستطاعة ، لكن لو قام الصبى بالحج صح منه حجه ، ولكن قال العلماء : لا يغنى حجه فى صباه عن الحج إذا بلغ مستطيعًا ، ولأمر أو لآخر كان بعض الحجاج يصحبون صبيانهم معهم فى رحلة الحج ، وإذا كان الصبى مميزًا كان يباشر عمل المناسك بنفسه كالطواف والسعى ورمى الجمار ما دام قادرا ، أما إذا كان ضعيفا أو كان غير مميز كان آباوهم يقومون بما لم يستطيعوا القيام به ، ومما جاء فى ذلك .
1- ما رواه الطبرانى بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم " أيما صبى حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى" والحنث هو الإثم ، أى بلغ مبلغا يكتب عليه إثمه وذنبه .
2 - وروى مسلم وغيره عن ابن عباس أيضا أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيًّا فقالت : ألهذا حج ، قال "نعم ولك أجر " وأكثر أهل العلم على أن الصبى يثاب على طاعته وتكتب له حسناته دون سيئاته ، وهو مروى عن عمر: والحديث يثبت أن لأم الصبى أجرًا لأنها أمرته وعلمته إياه .
3- وروى أحمد وابن ماجه عن جابر رضى الله عنه قال : حججنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم ، وروى الترمذى قريبا منه .
4 -وروى البخارى عن السائب بن يزيد قال : حج بى مع النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين .
قال النووى : الولى الذى يحرم عنه -أى عن الصبى-إذا كان غير مميز هو ولى ماله ، وهو أبوه أو جده أو الوصى من جهة الحاكم ، أما الأم فلا يصح إحرامها إلا إذا كانت وصية أو معينة من جهة الحاكم ، وقيل : يصح إحرامها وإحرام الوصية وإن لم يكن لهما ولاية . انتهى وقال أبو حنيفة : لا ينعقد إحرام الصبى ولا يصير محرما بإحرام وليه ، لأن الإحرام سبعب يلزم به حاكم فلا يصح من الصبى كالنذر، ورأى الجمهور أقوى لحديث مسلم المذكور .
ثم قال العلماء : إذا بلغ الصبى قبل الوقوف بعرفة أو فيها أجزأ عن حجة الإسلام ، وذلك عند الشافعى وأحمد ، أما مالك فيقول بعدم الإجزاء ، لأن الإحرام انعقد تطوعا فلا ينقلب فرضًا. وأبو حنيفة يقول : إذا جدد الصبى الإحرام بعد البلوغ قبل الوقوف بعرفة أجزأه ، وإلا فلا " المغنى والشرح الكبير "3 ص 161 وما بعدها"(9/367)
ألفاظ الذكر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم ذكر بعض أرباب الطرق الصوفية بلفظ " آه " ؟
An مع التسليم بأن غاية التصوف تصفية النفس مما يبعدها عن الله ، فإن الوسيلة المشروعة لذلك هى السير على منهج الله الذى وضعه لأوليائه وأعد لهم ثواب الأمن والسعادة كما قال سبحانه {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } يونس : 62 - 64 .
ومن المنهج الدينى لتصفية النفس ذكر الله ، وقد حثَّ الله عليه ووسع مجالاته وحدوده فقال {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا .
وسبحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب : 41 - 42 ، وأسماء الله الحسنى خير ما يذكر به كما قال سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف : 180 ، وقال {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}الإسراء: 110 ، وأسماؤه سبحانه مذكورة فى القرآن والسنة، حصرها بعض العلماء فى تسعة وتسعين وقال إنها توقيفية وقال بعضهم : إنها أكثر من ذلك .
وبصرف النظر عن حصر أسماء الله ، وعن اختلاف العلماء فى جواز ذكره بالاسم المفرد-فإن لفظ "آه " لم يثبت بسند صحيح أنه اسم من أسمائه تعالى . وعليه فلا يجوز الذكر به على ما رآه جمهور الفقهاء ، وما يروى من أن النبى صلى الله عليه وسلم زار مريضا كان يئن وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين ، وأنه قال لهم "دعوه يئن فإنه يذكر اسما من أسمائه تعالى" لم يرد فى حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات ، وما قيل فى بعض الحواشى من أن لفظ "آه " الاسم الأعظم لا سند له .
وقد أفتى شيخ الجامع الأزهر المرحوم الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوى فى هذه المسألة فقال ما نصه : إن هذا اللفظ المسئول عنه "آه " بفتح الهمزة وسكون الهاء -ليس من الكلمات العربية فى شىء، بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقا . وإن كان بالمد فهو إنما يدل فى اللغة العربية على التوجع ، وليس من أسماء الذوات ، فضلا عن أن يكون من أسماء الله الحسنى التى أمرنا أن ندعوه بها . .. إلى أن قال : ولا يجوز لنا التعبد بشى لم يرد الشرع بجواز التعبد به . وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [مجلة الأزهر-المجلد الثالث سنة 1351 هـ ص 499 ](9/368)
الدعاء المقبول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يشترط فى الدعاء أن يقترن بأمور معينة حتى يستجيب الله سبحانه وتعالى له ؟ وما هى ؟
An قال تعالى{وقال ربكم ادعونى أستجب لكم } غافر: 65 .
أمرنا اللّه فى آيات كثيرة بالدعاء ووعد بالاستجابة ، كما جاءت بذلك أحاديث كثيرة والدعاء عبادة أو مخ العبادة كما صرح به فى بعض الأحاديث ، ولكل عبادة أركان وشروط وآداب حتى تصح وتقبل .
وقال العلماء : إن من شروط قبول الدعاء : حضور الذهن والقلب عند الدعاء ، فلا يكتفى الإنسان بمجرد تحريك اللسان بالدعاء وذهنه منصرف عن الله ولا يكفى حضور الذهن مع خمود العاطفة بل لابد من الرغبة فى الإجابة والرهبة من عدمها واستحضار عظمة اللّه سبحانه .
ويؤكد هذا ما جاء فى نهاية الآيات التى ذكرت دعاء أيوب وذى النون وزكريا حيث قال رب العزة : {إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } الأنبياء : 90 .
فالداعى لابد أن يكون مطيعا لله غير مقصر ، ومقبلا على الطاعة بحب ومسارعة وراغبا فى الاستجابة راهبا من الطرد والحرمان ، خاشعا حاضر الذهن والقلب .
وصح فى الحديث أن أكل الحرام يمنع استجابة الدعاء حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء :
يا رب يا رب ، ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنَى يستجاب له . كما جاء فى الحديث : نصح الرسول لسعد أن يطيب مطعمه ليستجاب دعاؤه .
هذه الأمور التى لابد منها لاستجابة الدعاء ومن المندوبات :
الطهارة واستقبال القبلة والدعاء بمأثور ، وتحرِّى الأوقات والأماكن المباركة كالنصف الثانى من الليل وما بين الأذان والإقامة وعند رؤية الكعبة وساعة الإجابة يوم الجمعة ... وافتتاح الدعاء بالبسملة وحمد الله والصلاة والسلام على الرسول وختامه بالصلاة عليه أيضا فاللّه أكرم من أن يقبل الصلاتين ويترك ما بينهما ، وهناك كتب وضعت فى الدعاء يمكن الرجوع إليها . والله أعلم(9/369)
تأجير مكان لعمل محرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أجرت منزلى لبعض الأجانب ، ثم علمت أنهم يشربون فيه الخمر ويرتكبون الفواحش فماذا افعل ؟
An جاء فى كتاب المغنى لابن قدامة ( ج 6 ص 136 ):ولا يجوز للرجل إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بيعة أو يتخذها لبيع الخمر أو القمار، وبه قال الجماعة ، وقال أبو حنيفة إن كان بيتك فى السواد فلا بأس أن تؤجره لذلك . وخالفه صاحباه واختلف أصحابه فى تأويل قوله .
ولنا - أى دليلنا على رأى الجماعة- أنه فعل محرم ، فلم تجز الإجارة عليه ، كإجارة عبده للفجور. ولو اكترى ذمى من مسلم داره ، فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه ، وبذلك قال الثورى . وقال أصحاب الرأى : إن كان بيته فى السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء .
ولنا-أى دليلنا على المنع - أنه فعل محرم جاز المنع منه فى المصر، فجاز فى السواد كقتل النفس المحرمة 10 هـ .
هذا الكلام ظاهر فيمن أجر داره لمن يعلم أنه يتخذها لفعل محرم، أو كان العقد على ذلك فإن الرأى الصحيح أنه لا يجوز، لأن صاحب الدار مساعد على ارتكاب المعصية ، فيكون شريكا لمن ارتكبها ، كما قالوا فى شرح الحديث الذى فيه لَعْن شارب الخمر وحاملها وعاصرها ، وكل من شارك فيها . والدليل { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة : 2 ، وأبو حنيفة يجيز ذلك .
أما لو كانت إجارة البيت للسكنى ، والساكن ارتكب فيه منكرات ، فليس على صاحب البيت حرمة فى ذلك ، وله الحق فى منعه من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
وعند أبى حنيفة : أن الذمى لو استأجر من المسلم بيتا ولم يقل ليصلى فيه فإنه يجوز وإن كان له أن يصلى فيه ويتخذه بيعة وكنيسة، وإذا استأجر الذمى من المسلم دارا ليسكنها فلا بأس بذلك ، والإجارة وقعت على فعل مباح ، وإن شرب فيه الخمر وعبد فيه الصليب أو أدخل فيه الخنازير لم يلحق المسلم فى ذلك شىء ، لأن المسلم لم يؤاجر لها ، إنما يؤاجر للسكنى . ولو اتخذ فيها بيعة أو كنيسة يُمكَّن من ذلك إن كان فى السواد - خارج المصر- لأن عامة سكانها أهل الذمة والروافض .
ذكر ذلك الكاسانى فى بدائع الصنائع "ج 4 ص 189 " وذكره ابن القيم فى زاد المعاد "ج 4 ص 2 5 2 ، 53 2 "(9/370)
تحكم المستأجر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لمستأجر الأرض الزراعية أن يطلب من المالك جزءًا منها فى مقابل إخلاء طرفه كما يقضى به العرف ؟
An المفروض أن العين المؤجرة لها وقت تنتهى عنده الإجارة، وعند انتهاء الأجل المتفق عليه ينتهى عقد الإجارة ويأخذ المالك العين المؤجرة ، وهو حر بعد ذلك فى تأجيرها أو عدم تأجيرها لمن كان ينتفع بها أو لغيره ، احتراما لحق الملكية ، مع الحرية فى تقدير الأجر الجديد .
وليس للمستأجر الحق فى طلب ما يسمى بخلو الرجل ، ولو اضطر المالك إلى دفعه كان آخذه آكلا للسحت ، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ، فإذا تنازل المالك عن بعض ملكه باختياره دون ضغط عليه فلا مانع ، ويجب أن تتفق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية .
هذا ، وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية بتاريخ 3 من يوليو 1980 هذا نصها : وأخْذُ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا ، لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة ، ويصبح هذا إن تم من باب أكل أموال الناس بالباطل ، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف " الفتاوى الإسلامية مجلد 0 1 ص 3564 "(9/371)
تجارة العملة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تجارة العملة، وتبادل الأوراق المالية فى البورصة ؟
An يقول الله سبحانه {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة : 275 ، ويقول { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } النساء : 29 .
التجارة ركن من أهم أركان النشاط الاقتصادى بعد الإنتاج والتصنيع ، وكانت فى الأصل تقوم على مبادلة السلع بعضها ببعض ، ثم تطورت الأمور فاتخذت مقاييس لتقدير السلع ، واتفق كل جماعة على مقياس منها . وكانت قمة الترقى فى اتخاذ النقدين - الذهب والفضة - مقياسا تقوم به السلع ، وتقابل به الأنشطة المختلفة فى التجارة وغيرها .
والبيع والشراء هما ركنا التجارة التى ندب الإسلام إليها، وجعل فيها تسعة أعشار الرزق . ووضع لها حدودا وآدابا تضمن لها الاستقامة وتحول دون الانحراف .
ومن مظاهر الاستغلال والانحراف " الربا " الذى هو زيادة أحد العوضين المتماثلين عن الآخر بغير مقابل أصلا، أو بمقابل معنوى هو الأجل عند رد العوض .
ومن أنواع التجارة مبادلة النقود بعضها ببعض ، وتسمى بالصرف ، ومن يعملون فى هذا المجال يطلق عليهم اسم لا " الصيارفة " ومكان مزاولة النشاط يطلق عليه اسم البنك أو المصرف .
وصرف النقود بعضها ببعض يطبق عليه ما جاء فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى بكر قال : نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالفضة . والذهب بالذهب ، إلا سواء بسواء ، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا ، والفضة بالذهب كيف شئنا ، يعنى بدون التساوى أى بالتفاضل . وكذلك حديث البخارى ومسلم عن أبى المنهال قال : سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف ، فكل واحد يقول : هذا خير منى . فكلاهما يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق -بكسر الراء أى الفضة-دَيْنًا . يعنى لأجل ، وكذلك حديثهما عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز "يعنى لا تبيعوا المؤجل بالحاضر، ومعنى " لا تشفوا " لا تفاضلوا بالزيادة أو النقصان .
يؤخذ من هذه الأحاديث أن شرط صحة الصرف فى العملة المتماثلة - الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة - التساوى والحلول أى عدم التأجيل . أما عند اختلاف العملة - الذهب بالفضة - فلا يشترط التماثل والتساوى ، وإنما يشترط الحلول وعدم التأجيل . .
ويوضح ذلك حديث مسلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا " الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" .
قال الشافعى : العلة فى الذهب والفضة أنهما من جنس الأثمان ، فكل ما كان من جنس الأثمان يشترط فيه التماثل والحلول إذا كان النوع واحدا ، فإذا اختلف النوعان جاز التفاضل بشرط الحلول .
وقد استبدل الناس الآن بالذهب والفضة أوراقا مالية بعضها يعتبر سندا على البنك ، وبعضها يعتبر قيمة مستقلة ، كالدولار والجنيه والفرنك ، فيجرى عليها حكم الذهب والفضة لاختلاف قيمتها ، فيجوز صرف الدولار بالجنيه مع عدم التساوى بشرط الحلول وعدم التأجيل . فصرف الأوراق المالية بعضها ببعض هو ما يطلق عليه الآن اسم التجارة فى العملة ، والبنوك تقوم بذلك ، والأفراد أيضا يقومون به .
وإذا كان هناك سعر رسمى صدر به قرار من ولى الأمر كان كالتسعير لكل سلعة ، والتسعير فيه وجهات نظر مختلفة ، لكن إذا كان عادلا وروعيت فيه المصلحة العامة ينبغى الالتزام به ، كما ينبغى التزام التسعير فى السلع الأخرى .
هذا ، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال : " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " قال ابن عباس : وأحسب كل شىء بمنزلة الطعام (صحيح مسلم بشرح النووى ج 10 ص 168 " .
وبيع الشىء قبل قبضه يسمى بيع الصِّكاك . يقول النووى فى شرح صحيح مسلم : الصكاك جمع صك ، وهو الورقة المكتتبة بدين - ويجمع أيضا على صكوك -والمراد هنا الورقة التى تخرج من ولى الأمر بالرزق لمستحقه ، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره ، فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه ، وقد اختلف العلماء فى ذلك ، والأصح عند أصحابنا وغيرهم جواز بيعها ، والثانى منعها . ثم أورد حجة الفريقين .
والأوراق المالية صكوك تتداول فى الأسواق " البورصات " وهى ذات قيمة حلت محل النقدين الذهب والفضة ، فان كان فيها تقابض جاز التعامل . وإن لم يكن هناك تقابض كان فيها الرأيان المذكوران(9/372)
التعامل بالربا مع غير المسلمين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أعيش فى بلد غير إسلامى ، ولا يمكننى أن أقضى مصالحى إلا عن طريق البنوك التى تتعامل بالربا، فقيل لى: إن الربا معهم ليس بحرام ، فهل هذا صحيح ؟
An تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة -أم لا، واختلفوا فى ذلك ، وبناء على هذا الاختلاف ،قالوا : إن المقيمين فى البلاد الإِسلامية يلتزمون بالأحكام الشرعية، سواء كان المقيم مسلما أو ذميا ، لأن تطبيق الأحكام الشرعية ممكن فى البلاد الإسلامية فإذا سافر المسلم أو الذمى إلى دار الحرب وحدثت منه مخالفة لأحكام الشريعة ، أو حدثت من شخص كان يقيم فى دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار الإسلام ، فلا تطبق عليه أحكام الشريعة الإسلامية ، لأن القاضى المسلم لا تمتد ولايته إلى المحل الذى ارتكبت فيه الجريمة ، ومن هنا نقل عن أبى حنيفة أنه أجاز للمسلم والذمى من أهل دار الإسلام إذا دخلا دار الحرب مستأمنين - أن يتعاقدا بالربا مع الحربى أو المسلم من أهل دار الحرب الذى يهاجر إلى دار الإسلام ، لأن أخذ الربا فى هذه الحال يكون فى معنى إتلاف المال بالرضا ، وإتلاف مال الحربى وبرضاه مباح ، لأنه لا عصمة لدمه ولا لماله ، وقد نقل أبو يوسف عن أبى حنيفة قوله: إن وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها ، فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية . وبهذا ، إذا دخل المسلم أو الذمى دار حرب بأمان فتعاقد مع حربى على الربا أو على غيره من العقود الفاسدة فى نظر الإِسلام جاز عند أبى حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق ونشره فى رسالته عن أحكام التأمين " السكورتاه " ص 7 مطبعة النيل بمصر سنة 1906 م ونقله الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى كتابه " فتاوى معاصرة ص 86 " ، . هذا ما قاله أبو حنيفة، أما صاحبه أبو يوسف فقال : لا يجوز للمسلم فى دار الحرب إلا ما يجوز له فى دار الإسلام ، لأن حرمة الربا ثابتة فى حق العاقدين ، أما فى حق المسلم فبإسلامه وأما فى حق الحربى فلأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } النساء : 161، والأئمة الثلاثة قالوا : تطبق أحكام الشريعة الإِسلامية على كل من هو فى دار الإِسلام من المسلمين والذميين والمستأمنين ، كما يعاقب المسلم والذمى على ما يرتكبانه فى دار الحرب ولو كان الفعل مباحا فيها كالربا والقمار، تنفيذا لأحكام الشريعة . وقد استظهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الخلاف بين فقهاء الحنفية إنما هو فى إمكان توقيع العقوبة على التعامل المحرم إذا وقع من المسلم فى دار الحرب ، ومال إلى رأى جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا على المسلم أيا كان موقعه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب ، وذلك بمقتضى إسلامه ، اللهم إلا إذا كان مقترضا لضرورة، أما أن يكون مقرضا فلا يحل ، لأنه لا ضرورة فيه . وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم فى دار لا يحكم فيها بالإسلام مساويا لتصرفه فى دار يحكم فيها بالإسلام ، من جهة الحل والحرمة، أما القضاء الدنيوى المعتبر فيه ميدان تطبيقه فلا يغير من حكم اللّه شيئا(9/373)
تأجير الشىء لفعل الحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q استأجر منى بعض الغرباء بيتا فشربوا فيه الخمر واستأجر تاجر منا دكانا فباع فيه الخمر ، فهل الأجرة حلال أم حرام ؟
An لا يخلو حال المؤجر من أمرين ، إما أن يكون عالما بارتكاب المستأجر للمحرم ، كأن شرط فى العقد أن الإجارة لهذا العمل ، أو لم يشترط ولكن يعرف أن المحرم سيرتكب فيه ، وإما ألا يكون عالما بذلك . وفى الحالة الثانية الإجارة صحيحة والأجرة مستحقة وحلال باتفاق الأئمة . وإن قال غير أبى حنيفة له الحق فى أن يمنع بنفسه المستأجر من مزاولة المنكر أو بطريق القانون . وفى الحالة الأولى قال الأئمة الثلاثة ووافقهم أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبى حنيفة : بطلت الإجازة لأنها وقعت على معصية ، وقال أبو حنيفة بصحة الإجارة وطيب الأجرة التى وجبت بمجرد تسليم العين المؤجرة ولا معصية عليه . وإنما على المستأجر، لأنه مختار فى فعله ولا يتعين عليه اتخاذ المكان لهذه المعصية ، وكانت الأجرة طيبة له حتى لو أخذها من إيراد هذا المنكر. ورأى الجمهور أقوى وهو بطلان العقد وحرمة الأجر، وإن فسر بعضهم رأى أبى حنيفة بصحة العقد واستحقاق الأجر وإن حرم الانتفاع به ، وهو تفسير غير مستساغ ، فما فائدة استحقاق الأجر إذا حرم الانتفاع به اللهم إلا إذا كان سيدفعه فى مصلحة عامة للمسلمين للتبرؤ منه وليس للتبرع ، فإن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا، كما قال الفقهاء فى التصرف فى المال الحرام الذى لا يعرف صاحبه ، وتركه لصاحبه فى هذه المسألة مساعدة له على الحرام ، والشرع لا يوافق على ذلك ، هذا ما أراه تبريرًا لرأى أبى حنيفة واللَّه أعلم بالصواب(9/374)
هل النقود تتعين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اقترض شخص منى مبلغا من المال ، وتعامل فيه بطرق غير مشروعة، وأراد أن يرد لى القرض من إيراد هذا التعامل ، فهل أقبله أم أرفضه ؟
An تعامل المقترض لا يخلو إما أن يكون كله حراما كالتجارة فى الخمر ولا دخل له سوى ذلك . وإما أن يكون التعامل الحرام جزءا من تعامله الذى فيه حلال ، كالبقال الذى يتاجر فى الحلال والحرام . فإن كانت كل أموال المقترض من حرام فالأئمة الثلاثة على منع قبول رد القرض منها ، وأبو حنيفة يجيز ذلك ، لأن النقود الحلال التى أخذها المقترض من المقرض لا تتعين ، وللمقرض مثلها أو قيمتها أيا كان مصدرها ، وفى رواية عن أحمد جواز ذلك . أما إذا كانت أموال المقترض خليطا من حلال وحرام ويصعب التمييز بينهما جاز للمقرض أن يأخذ منه حقه ، جاء فى الإحياء للإِمام الغزالى : إذا اختلط فى البلد حرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه ، بل يجوز الأخد منه ، إلا أن يقترن بعلامة تدل على أنه من الحرام ، فإن لم يقترن فليس بحرام ، لكن تركه ورع محبوب(9/375)
لا وصية لوارث
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للزوج أن يترك وصية لزوجته التى لم تنجب ، تحصل بها على ممتلكاته التى ورثها عن أبيه حتى لا يشاركها إخوته فى الميراث بعد مماته ؟
An تنص المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 م على جواز الوصية بالثلث للوارث وغيره ، وتنفذ دون توقف على إجازة الورثة ، كما أجازت الوصية بأزيد من الثلث ولا تنفذ الزيادة إلا بموافقة الورثة . فإن كانت الممتلكات التى ورثها السائل عن أبيه أكثر من ثلث ما يملكه فلا تنفذ الزيادة إلا بإجازة الورثة . وذلك موافق لمذهب الإمام الشافعى ، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا وصية لوارث " وروى البيهقى بسند قال الذهبى : إنه صالح أنه قال " لا وصية لوارث إلا أن يجيزها باقى الورثة " فقد أخذ الشافعى بالحديث الثانى المقيد للحديث الأول المطلق ، وقد أخذ به قانون الوصية المعمول به فى مصر " الخطيب على متن أبى شجاع فى فقه الشافعية - الوصية " . هذا ، وقد كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبة على رأى جمهور الفقهاء ، وذلك فى أول الأمر بمقتضى قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين } البقرة : 180، ثم نسخت بآية المواريث التى فى سورة النساء ويدل علبى النسخ الحديث الذى قاله الرسول صلى الله عليه وسلم " فى حجة الوداع " إن اللّه قد أعطى كل ذى حق حقه . فلا وصيه لوارث " . ورأى جماعة من السلف أن ضربا من الوصية لا يزال واجبا بعد نزول آية المواريث ، وأن النسخ لم يرد على جميع أنواع الوصية للوالدين والأقربين ، فإذا كان الوالدان والأقربون وارثين فلا وصية واجبة ، أما إن كان هناك أقربون غير وارثين فالوصية لا تزال واجبة ، لم تنسخ ، وبهذا الرأى أخذ قانون الوصية الواجبة المعمول به فى مصر، فى المادة 76 من القانون رقم 71 لسنة 1946 م(9/376)
العمل فى مؤسسات تتعامل بالربا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أعمل كاتبا فى بنك تسليف ، وجميع أعماله فيها فوائد وربا، فهل على حرمة فى هذا، علما بأنى محتاج إلى العمل فيه ؟
An معلوم أن الربا حرام حرمة كبيرة وذلك ثابت بالقرآن والسنة والإجماع ، وكل ما يوصل إلى الحرام ويساعد عليه فهو حرام كما هو مقرر، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنه لعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، فهم سواء .
وقد رفع مثل هذا السؤال إلى المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم مفتى الديار المصرية سنة 1944 م فأجاب بأن مباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم ، وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا ، وساق الحديث المذكور، وقال : اللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث الشريف .
"الفتاوى الإسلامية المجلد الرابع ص 1293 " .
هذا ، وإذا كانت المؤسسة تزاول أنشطة مختلفة بعضها حلال وبعضها حرام ، فإن الإسهام فيها أو العسل بها حرام ، وقد جاء فى توصيات ندوة الأسواق المالية الثانية المنعقدة فى البحرين فى الفترة من 25 - 27 - 1991 م ما يأتى :
أ- الأصل فى المعاملات الحل .
ب - لا خلاف فى حرمة الإسهام فى شركات غرضها الأساسى محرم كالتعامل بالربا ، وإنتاج المحرمات أو المتاجرة فيها .
ج - الأصل حرمة الإسهام فى شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات كالربا ونحوه ، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة .
د-أما من يسهم فى الشركات التى تتعامل أحيانا بالمحرمات مع إرادة تغيير جميع أنشطتها بحيث لا تخالف الشريعة الإسلامية ، فإن كان قادرا على التغيير بمجرد إسهامه فيها فذلك أمر مطلوب منه ، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية ، وإن كان غير قادر عند الإسهام ولكنه يسعى مستقبلا، بأن يحاول ذلك من خلال اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الإدارة وغيرهما من المجالات فالإسهام فى هذه الحالة مختلف فى جوازه بين المشاركين فى الندوة ، ولابد فى الحالتين من التخلص مما يؤول إلى المساهم فيها من كسب التصرفات المحرمة فى أنشطة الشركة بصرفه فى وجوه الخير. انتهى .
بعد هذا نقول : إن البنوك العادية تمارس نشاطا بعضه يخالف الدين وبعضه لا يخالف الدين ، فأموالها خليط من الحلال والحرام ، والعمل فيها كذلك عمل فيه شبهة وإذا تعذر فصل المال الحلال عن المال الحرام كان الأمر فيه شبهة ، والشبهة وإن لم تكن من الحرام فهى حمى للحرام كما نص الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه لا .
فإذا أرد المؤمن أن يكون مطمئنا تمام الاطمئنان أو قريبا منه فليبحث عن عمل لا تكون فيه الشبهة بهذه الكثرة أو الوضوح حتى لو كان الكسب أو الأجر قليلا يكَفى الضروريات دون اهتمام بالكماليات ، فالنفس لا تشبع منها والحرص عليها متعب غاية التعب والذى يساعد على ذلك هو النطر إلى من هو دوننا حتى نحمد الله على نعمته ولا نزدريها ، ولا ننسى الحديث الشريف "إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ، فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته " وإن لم يوجد عمل حلال ،كان قبول العمل فى هذا المجال بصفة مؤقتة للضرورة، مع البحث الجاد عن عمل آخر بعيد عن الحرام وشبهة الحرام . وإذا صدقت النية يسر الله الأمر، كما قال سبحانه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } الطلاق : 2 ، 3 ، وقال تعالى{ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} الطلاق : 4(9/377)
هل يورث عقد الإجارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل استأجر أرضا لزراعتها ثم توفى لا، هل بطل عقد- الإجارة، وإذا لم يبطل فمن الأحق به من الورثة ؟
An عقد الإجارة لبيت أو أرض أو أى شيء اَخر لا يبطل بموت أحد الطرفين عند الوفاة ، والواجب على الورثة أن يقوموا بالعمل الذى هو محل العقد ، أو لهم الحق فى الانتفاع بالعين المؤجرة حتى ينتهى أجل الإجارة إن كان شهرا أو سنة مثلا، أو حتى تنتهى المنفعة التى كان عليها العقد، كاستئجار الأرض لزراعتها قطنا أو قمحا ، فالعقد ينتهى بجنى المحصول ، وعلى المنتفع أن يسلم العين لمالكها ، ومالكها حُرّ فى أن يؤجرها لأحد الورثة أو لغيرهم أو لا يؤجرها .
وأى حبهم بالتوريث المؤبد يعتبر باطلا شرعا .
وعدم انفساخ العقد بالموت هو رأى الشافعى ومالك وأحمد ومعهم أبو ثور وابن المنذر ، أما أبو حنيفة والثورى والليث بن سعد وابن حزم فيرون أن عقد الإجارة ينفسخ بموت أحد الطرفين ، والجمهور نظر إلى أن العقد كان على المنفعة، وهى ستحصل بصرف النظر عن كون العين باقية على ملك صاحبها ، أو انتقلت إلى ورثته ، وبصرف النظر عن كون المنتفع هو المستأجر أو ورثته ، فلمالك الأرض أجرته سواء أخذها من المستأجر أم من ورثته لأنها دين لابد من أدائه عن طريق ورثته وللورثة حق استيفاء المنفعة الذى ملكه المورث ، والرأى الثانى نظر إلى شخص المتعاقد ، فانتقال الملك إلى غيره ، وأخذ غير المنتفع المتعاقد لهذه المنفعة يبطل العقد لتعذر الوفاء والاستيفاء وكلها وجهات نظر ليس لها نص ، ورأى الجمهور أقوى "المغنى لابن قدامة ج 6 ص 42"(9/378)
تحديد الربح فى التجارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك نص يحدد قيمة الربح فى التجارة ؟
An هناك آداب كثيرة للتجارة ، بعضها يتصل بالأشكال كصيغ التعاقد ، وبعضها يتصل بالمعانى كالأمانة والصدق والقناعة ، ومما ورد فى ذلك حديث " التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصدِّيقين والشهداء " رواه الترمذى وحسنه ، وحديث " من غشنا فليس منا " رواه مسلم وحديث " من بايعت فقل لا خلابة " أى لا خديعة . رواه مسلم ، وحديث " لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق " رواه البخارى ومسلم ، وحديث " إياكم وكثرة الحلف فى البيع ، فانه ينفق ثم يمحق " رواه مسلم ، وحديث : " رحم اللَّه رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " رواه البخارى ، وحديث " البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما فى بيعهما ، وإن خانا وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخارى ومسلم .
تدل هذه النصوص وغيرها على الاهتمام بالناحية الخلقية فى التعامل التجارى وغيره ، وأهمها الصدق والقناعة والسماحة . وتفريعا على ذلك إذا أراد التاجر أن يبيع سلعة فهو يطلب فيها ثمنا أعلى من ثمن الشراء ، ليتحقق الكسب المقصود من التجارة وهذا الكسب ليس له قدر معين ، فللتاجر أن يحدده كما يشاء بشرط عدم الاستغلال وعدم الكذب . ويشملهما عدم الغش .
والاستغلال يصور مثلا بألا يكون هناك تاجر غيره يملك هذه السلعة فهو يحتكرها ويفرض السعر الذى يريده ، لعلمه أن المشترى مضطر إليها ، أو يطمع فى كسب كبير لأن المشترى ذو مال كبير لا يهمه السعر الذى يشترى به .
والكذب يصور مثلا بأن يقول له المشترى ، سأعطيك ربحا معينا فوق ثمن الشراء ، وطلب منه أن يذكر له الثمن الأصلى ، فالتاجر يذكر ثمنا أعلى ، وقد يلجا إلى الحلف لتأكيد ذلك .
أما إذا خلا البيع من الاستغلال والكذب بكل الصور والأشكال فلا تحديد للربح الذى يريده ما دام الطرفان راضيين بذلك . ويُسَن أن يكون ربحا معقولا ، رحمة بالمشترى وقناعة بالقليل ، ودعاية له بين الناس ليكثر المتعاملون معه ، وفى ذلك خير له وللنشاط الاقتصادى بوجه عام .
هذا ، وما ذكر فى بعض الكتب الفقهية من أن الربح لا يزيد على العشر أو الثلث فلا دليل عليه من القرآن أو السنة . ولعل القائل بذلك أخذ قوله من واقع الحال فى بلده وفى زمنه ، حيث كانت المصلحة فى تحديد الربح ، على نسق ما يقال فى جواز التسعير للمصلحة .
هذا ، وقد تحدث الإمام الغزالى فى كتابه " إحياء علوم الدين " عن الإحسان فى المعاملة فذكر أن الغبن هو الغالب فى التجارة وهو مسموح به ، وفسره بأن يبيع التاجر السلعة بثمن أكثر من ثمن شرائها .
ومن رتبة الإحسان المندوب - وهو فوق رتبة العدل الواجب - أن يكون الغبن والربح ، معتادا ، أى يجرى عليه غالب التجار . ونص عبارته :
وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور ، الأول فى المغابنة ، فينبغى ألا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به فى العادة . فأما أصل المغابنة فمأذون فيه ، لأن البيع للربح ، ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ، ولكن يراعى فيه التقريب ، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتاد أو لشدة رغبته أو لشدة حاجته فى الحال إليه فينبغى أن يمتنع من قبوله ، فذلك من الإحسان . ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما . وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ، ولسنا نرى ذلك ، ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن .
انتهى "ج 2 ص 72 طبعة عثمان خليفة " .
وأشار الشيخ يوسف الدجوى المالكى إلى أن البعض قال إذا وصل الغبن الثلث فأكثر من قيمة السلعة فسخ البيع إن قام المغبون فى أثناء السنة من يوم البيع ، وأفتى به بعض العلماء ولكن رده ابن رشد بقوله :
إنه غير صحيح ، لحديث " لا يبع حاضر لباد،دعوا الناس فى غفلاتهم يرزق اللّه بعضهم من بعض " . وذكر أنه لا يجوز الرد بالغبن ولو خالف العادة فى القلة والكثرة إلا إذا كذب فى ثمن الشراء فللمغبون الرد بلا خلاف ، أما الخلاف فهو إذا كان المغبون جاهلا من غير استسلام لما يقول البائع ، فإن كان عارفا فلا رجوع له اتفاقا ، فإن استسلم فالرد متفق عليه " مجلة الأزهر مجلد 5 ص 244 ، 245 "(9/379)
الاحتكار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى الاحتكار وما حكمه ؟
An 1 -تعريفه : هو حبس السلعة مع حاجة الناس إليها ليرتفع بذلك سعرها .
2- حكمه: العقل السليم وقانون الاجتماع البشرى ورابطة الأخوة الإنسانية المنوط بها تحقيق خلافة الإنسان فى الأرض لا ترضى بهذا العمل لأنه دليل على الأنانية وقسوة القلب وعدم التعاون على الخير .
والأديان كلها تحرِّمه ، لأنها تستهدف سعادة الجماعة فى معاشها ومعادها ، بفعل الخير والبعد عن الشر ، والإسلام كدين خاتم يحرمه بروحه ونصوصه العامة فى التراحم والتعاون على البر والتقوى ، وإيثار ما يبقى على ما يفنى ، ووردت بخصوصه نصوص من أصحها قول النبى صلى الله عليه وسلم " من احتكر فهو خاطف " وما عدا ذلك فهى نصوص فيها مقال ، مثل " من احتكر طعاما أربعين فقد برئ من اللَّه وبرئ اللَّه منه " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم ، يقول الحافظ المنذرى : فى هذا المتن غرابة ، وبعض أسانيده جيد ، ومثل " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " رواه ابن ماجه والحاكم ، وفى سنده مجهول ، ومثل " من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام والإفلاس " رواه ابن ماجة ، وفى إسناده كلام ، ومثل " من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على اللّه تبارك وتعالى أن يقذفه فى جهنم رأسه أسفله " رواه أحمد والطبرانى ، وفى سنده مقال [ الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 2 ص 27 2 طبعة صبيح ] 0 وجاء فى حديث بسند غير مقبول ما يبين خُلُق المحتكر فيقول "بئس العبد المحتكر، إن أرخص اللَّه الأسعار حزن ، وإن أغلاها فرح " وليس منه التاجر الذى يعرض البضاعة للبيع ويشترى غيرها ليبيعها فالمحتكر هو الذى يحبس السلعة حتى تشتد حاجة الناس إليها فيمتنع عن بيعها إلا بسعر غال ، وربما لا يشترى غيرها ليبيعها مرة ثانية ، [ فتوى شيخ الأزهر-منبر الإسلام عدد شوال 1391 هـ ] والإمام النووى يفرق بين من يملك غلة من مصدر غير الشراء ، ومن يملكها بالشراء ليتاجر فيها ،فقد سئل : إذا دخل عليه غلة من ملكه فتربص بها الغلاء للمسلمين وامتنع من بيعها وقت الرخص ، هل يكون ذلك احتكارا ، ويفسد بفعله ذلك ، وهل هو حرام ؟ فأجاب ليس هذا باحتكار ، ولا يحرم ولا يفسق به ، وإنما الاحتكار أن يشترى القوت فى وقت الغلاء ويمتنع من بيعه فى الحال لانتظار زيادة الغلاء وإذا اشترى فى وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارا ولا يفسق به أيضا ولا ترد شهادته [ فتاوى الإمام النووى المسماة بالمسائل المنثورة ج 2 ص 75 نشر مجلة الأزهر فى صفر 1411 هـ ] ويراعى أنه ذكر أن الشراء كان فى وقت الرخاء ولا توجد مجاعة ولا حاجة ملحة لهذه السلعة، فانتظر حتى يغلو السعر الذى تتحكم فيه عوامل العرض والطلب والظروف الأخرى ، ومثل سلعته موجود عند غيره لمن يريد أن يشترى .
3- تدخل ولى الأمر : جاء فى فتاوى ابن تيمية ، نشر المملكة السعودية " مجلد 28 ص75 " المحتكر هو الذى يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم ، وهو ظالم للخلق المشترين ، ولهذا كان لولى الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه ، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس فى مخمصة فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل ولهذا فال الفقهاء : من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله ، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره(9/380)
السعر والتسعير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للحاكم أن يفرض سعرا معينا للسلع ؟
An التعريف : السعر هو القدر الذى تقوَّم به السلعة ، والتسعير هو وضع قيمة للسلعة ، والسعر يتحكم فيه غالبا عاملا العرض والطلب ، أما التسعير فيكون بتدخل ولى الأمر .
2- الحكم : جاء فى فتاوى ابن تيمية " مجلد 28 ص 76 "عن تدخل ولى الأمر فى الأسعار : أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز ، ومنه ما هو عدل جائز ، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه ، أو منعهم مما أباحه اللّه لهم فهو حرام ، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب . .
وضرب مثلا للتسعير الذى لا يجوز بما حدَّث به أنس رضى اللّه عنه أنه قال : غلا السعر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " فقالوا :
يا رسول اللّه لو سعرت ؟ فقال " إن اللَّه هو القابض الباسط الرزاق المسعر ، وإنى لأرجو أن ألقى اللّه ولا يطلبنى أحد بمظلمة ظلمتها إياه فى دم ولا مال " رواه أبو داود والترمذى وصححه . فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشىء وإما لكثرة الخلق فهذا إلى اللّه ، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق .
ثم ضرب مثلا للتسعير الذى يجوز فقال : إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل ، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم به .
وجاء مثل ذلك فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم سنة 1943 م [ الفتاوى الإسلامية المجلد 3 ص 815 ] وفيها : أن الحكومة إذا سعَّرت وجب العمل بما سعرت به وحرم التعدى ، لأن طاعة ولى الأمر واجبة بالكتاب والسنة والإجماع إذا أمر بما ليس بمعصية .
3- التبليغ عن المخالف : جاء فى الفتوى المذكورة أنه يجب على من يعلم أن من التجار من يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الحكومة بذلك ، فإذا كان من يعلم ذلك شخصا واحدا وجب عليه التبليغ ، فإن لم يبلغ كان آثما ، وإذا كان من يعلم أكثر من واحد وجب عليهم أن يبلغوا ، فإذا قام به بعضهم لم يأثم أحد منهم ، لحصول المقصود بتبليغ بعضهم ، وإذا تركوا كلهم التبليغ كانوا جميعا آثمين كما هو حكم الواجب الكفائى . انتهى .
وأنبه إلى ما جاء فى جواز التسعير أو وجوبه من أن المقصود منه هو العدل ومنع الظلم ، فيكون التسعير مراعى فيه العدل الذى لا ظلم فيه للتجار ولا للشعب ، بمعنى أن يكون بعد دراسة وافية يدخل فيها تغير الظروف ، ويعدل السعر تبعا للمتغيرات من أجل تحقيق العدالة للتجار والشعب ، ومنع الخروج على القوانين والقرارات بحيلة أو بأخرى .
وإذا كانت طاعة ولى الأمر واجبة فمحلها فيما لا معصية ولا ظلم فيه ، وفيما يساعد على النشاط الاقتصادى العادل الذى يشجع عليه التنافس الشريف الذى يوازن بين الحقوق والواجبات فى إطار التعاون على الخير الذى يفيد منه كل الأطراف . والكل يعانى من القوانين والقرارات الجامدة التى يراعى فيها جانب واحد ، مما يتيح الفرصة للتملص منها بأى أسلوب من الأساليب(9/381)
السمسار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q للسماسرة نشاط كبير فى التجارة ، فهل عملهم حلال ، وما حكم المال الذى يكسبونه من ذلك ؟
An السمسار هو الوسيط الذى لم يأخذ صفة الوكيل الشرعى ، ولا يفيد كلامه مع الناس تعاقدا شرعيا ملزما ، لأنه لا يملك السلعة التى يتوسط فى بيعها أو شرائها ، وما يأخذه من الناس فى سبيل إتمام الصفقة إن كان بسخاء نفس فلا مانع منه ، وإلا فهو سحت . وقد يحكم له بأجر المثل على العمل الذى أتمه .
لكن إن أخذ صفة الوكيل ، بأن قال له شخص : اشتر لى هذه السلعة ، وسأعطيك كذا فى مقابل تعبك وعملك فلا حرمة فى العمل ولا فى الكسب . أما إذا قال له : اشتر لى هذه السلعة وسأعطيك 10 % ( عشرة فى المائة ) من الثمن يجب عليه أن يكون صادقا فى الإخبار عن الثمن ، فإن كذب وزاد فيه حتى تزيد عمولته كان ذلك حراما فالواجب على من يقوم بالوساطة على صفة الوكالة أو الإجارة أن يكون صادقا وأمينا ورحيما حتى يبارك اللَّه له فى كسبه .
وأحذر الوكلاء والمفوضين فى توريد أو شراء شىء لشخص أو شركة أو هيئة مثلا أن يتفقوا مع مالكى السلعة على تحرير مستندات بثمن أعلى ليحصله من الجهة التى فوضته فى حين أنه دفع أقل من ذلك ، ليأخذ الفرق له ، فتلك خيانة ، فإذا وافق من فوضوه على أنه دفع ثمنا أو اتفق على سعر أقل من المعتاد . على أن يكون الفرق له فهو حلال . والمهم أن يكون صادقا غير متواطئ على الكسب بهذه الحيل ، وألا يكون فيها خسارة للجهة الموردة أو المالكة للسلعة ، لأنها غير موافقة أو لأنها جاهلة بتصرف من باع هذه السلعة .
وأمثال هذه التصرفات البعيدة عن موافقة الطرفين مظنة للاتهام ، بل مدرجة إلى ارتكاب أمور خطيرة ، ستكشف الأيام عنها ، وبخاصة إذا اختصم اللصان . ومندوب المشتريات الذى يأخذ من البائع عمولة أو إكرامية ، لأنه اشترى منه وآثره على غيره ، أو أخذ منه كميات كبيرة ، إن تمت الصفقة على الشروط والمواصفات والثمن المعلن عنه ، ولم يكن هناك ظلم ولا اختلاس كان ما يعطيه البائع - شخصا أو شركة أو غيرهما-كهدية له لا مانع منه شرعا ، أما إن كان هناك غش فى التغاضى عن بعض الشروط والمواصفات ، أو ظلم لمن رسا عليه المزاد مثلا كان ما يأخذه حراما ، سواء شرطه على مالك السلعة أم لم يشرطه .
ومع ذلك ينبغى التعفف عنه بقدر الإمكان ، والقيام بالواجب المنوط به على الوجه المرضى ، دون نظر إلى هدية أو مكافأة -مادية أو أدبية - فيؤديه بحكم وظيفته أو عمله ، والأمر يعود بعد ذلك إلى من أعطاه وبقدر نيته يكون جزاؤه عند اللّه .
وإذا كانت الشبهات من باب الحلال ، أى غير الحرام ، فالأولى البعد عنها ، فإن أقل ما فيها هو القيل والقال . وما عند اللّه خير وأبقى لمن أخلص فى عمله راجيا ثوابه ، قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملا } الكهف : 30(9/382)
التصرف فى المال الحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إنسان اكتسب مالا حراما وأراد أن يتوب إلى الله فماذا يفعل ؟
An من اكتسب مالا حراما أو أخذه بغير وجه حق ، وأراد أن يتوب إلى الله ، وجب عليه بعد الندم والعزم على عدم العود إلى المعصية أن يرد الحقوق إلى أصحابها ، وذلك إذا كانوا معروفين يردها إليهم أو إلى ورثتهم ما أمكن ذلك ، أو يطلب منهم التنازل عنها ، فإن لم يستطع التعرف عليهم وجب عليه أن يضعها فى منفعة عامة ، أو يتصدق بها عنهم ، كما فعل عمر بن الخطاب مع المتسول الذى طلب منه طعاما فأحاله على صحابى فأطعمه ، ثم عاد يسأل فوجده محترفا ومعه زاد كثير، فأمر بطرحه أمام إبل الصدقة لأنها منفعة عامة للمسلمين . .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 3 ص 366" ما نصه :
قال علماؤنا : إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام : إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه ، ويطلبه إن كان حاضرا ، فإن آيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك فى أي من ظلمه ، فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده ، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه ، فإن أيس من وجوده تصدق به عنه ، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع ، إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى فى يده إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة من اللباس ، وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبتيه ، وقوت يومه .
لأنه الذى يجب له أن يأخذ من مال غيره إذا اضطر إليه ، وإن كره ذلك من يأخذه منه .
وفارق هاهنا المفلس فى قول أكثر العلماء ، لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء ، بل هم الذين صيروها إليه ، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه ، وأبو عبيدة وغيره يرى ألا يترك للمفلس من اللباس إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة، وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته ، ثم كلما وقع بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه(9/383)
سداد الدين بعملة مغايرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا اتفق شخص مع شركة على شراء سلعة بثمن معلوم يدفع فى المستقبل ، واتفق مع مصرف على أن يمول تلك الصفقة بعملة غير العملة التى تم بها الشراء ، فهل يجوز أن يراعى عند السداد سعر العملة التى تمت بها الصفقة وقت السداد، أو يراعى سعرها وقت التعاقد ؟
An هذه الصورة ليست بيع عملة بعملة، ولكنها سداد دين تعلق بالذمة كالقرض . والأصل فى سداد الدين أن يكون بالعملة نفسها ، فإذا كان هناك اتفاق على السداد بعملة أخرى فالاتفاق معتبر، سواء أكان بالسعر وقت تعلق الدين بالذمة أو وقت الوفاء به ، وإن لم يكن هناك اتفاق فلا يُرغَمُ الدائن على قبول عملة تحقق له خسارة ، ومن هنا رأى المدين أن يراعى سعر العملة وقت السداد، وهو ما يقضى به العدل والإحسان فى القضاء الذى نص عليه الحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء" كما رواه البخارى ومسلم .
لكن ورد حديث صورته قريبة من هذه الصورة إن لم تكن عينها أو مثلها : وهو: أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت له : إنى أبيع الإبل بالبقيع ، فأبيع بالدنانير واَخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم واَخذ الدنانير، فقال "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء " رواه الخمسة - أحمد وأصحاب السنن الأربعة - وقد صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقى . لكن الترمذى ذكر أن الحديث موقوف على ابن عمر وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم والبيهقى قال عنه : تفرد برفعه : سماك بن حرب ، وقال شعبة : رفعه سماك وأنا أفرقه (كذا) .
ومهما يكن من شيء فقد قال الشوكانى : فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذى فى الذمة بغيره ، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعا ، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما فى الذمة كالحاضر، وفيه أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض فى المجلس ، لأن الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا بشرط وقوع التقابض فى المجلس ، وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاووس والزهرى ومالك والشافعى وأبى حنيفة والثورى والأوزاعى وأحمد وغيرهم - وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب -وهو أحد قولى الشافعى -أنه مكروه ، أى الاستبدال المذكور، والحديث يرد عليهم .
واختلف الأولون -وهم المجيزون -فمنهم من قال : يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع فى الحديث ، وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعى : إنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص ، وهو خلاف ما فى الحديث من قوله "بسعر يومها" وهو أخص من حديث "إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" فيبنى العام على الخاص ، انتهى ما قاله الشوكانى فى نيل الأوطار ج 5 ص 166 " .
والظاهر أن الصورة التى فى السؤال هى التى فى الحديث ، واشترط فيها التقابض فى المجلس ، أى وقت عقد الصفقة ، إعمالا لحديث بيع العملة بعملة أخرى بشرط التقابض ، وعليه فإن الصورة المسئول عنها لا تصح لأن العملة الأخرى مؤجلة لا تقبض إلا بعد مضى مدة من وقت الشراء .
وهذا فى صورة بيع أو استبدال عملة بعملة ، لكن روى عن ابن عمر صورة فيها قضاء دين بعملة مغايرة، وهى أنه سئل عن أجيرين له عليهما دراهم ، وليس معهما إلا دنانير، فقال أعطوه بسعر السوق ، لأن هذا جرى مجرى القضاء، فقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس والتماثل هاهنا ، دنانير بدراهم - من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة .
ألا يدل هذا الكلام على أنه يجوز سداد الدين بعملة أخرى بسعر يوم السداد ، وهو متأخر عن يوم الاستدانة ؟ الأمر يحتاج إلى نظر .
هذه الرواية الثانية عن ابن عمر- ذكرها الدكتور أبو سريع عبد الهادى - خريج كلية الشريعة والقانون بالأزهر- فى كتابه "الربا والقرض فى الفقه الإسلامى ص 72" معتمدا فى نقله على المصادر الآتية :
(1) المغنى ج 4 ص 52 ، 54 ، 55 .
(2) حاشية ابن عابدين ج 5 ص 266، 267 .
(3) الكافى ج 2 ص 643 ، 644 .
(4 ) كشاف القناع .
هذا ، وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامى فى دورة مؤتمره الثامن المنعقد فى بندر سربجادن بإمارة بروناى دار السلام عدة قرارات ، منها :
ا -يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا قبله على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد ، وكذلك يجوز - فى الدين على أقساط بعملة معينة - الاتفاق يوم سداد أى قسط أيضا على أدائه كاملا بعملة مغايرة بسعر صرفها فى ذلك اليوم . ويشترط فى جميع الأحوال ألا يبقى فى ذمة المدين شىء مما تمت عليه المصارفة فى الذمة، مع مراعاة القرار رقم 55 / 1 / د 6 بشأن القبض .
2 -يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الآجل أو الأجرة الموجلة بعملة تدفع مرة واحدة أو على أقساط محددة من عملات متعددة أو بكمية من الذهب ، وأن يتم السداد حسب الاتفاق .
"مجلة الهداية الصادرة بالبحرين فى ربيع الثانى 1414 هـ (أكتوبر 1993 م )"(9/384)
التوفير فى بنوك أجنبية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نحن نوفر جزا من راتبنا بالدولار فى بنك أجنبي ولا نقصد بذلك إلا حفظ رواتبنا من التآكل لكن البنك يعمل لدى البنوك الأوروبية والأمريكية بالمبالغ التى نوفرها وبغيرها، وفى نظير ذلك يعطينا أرباحا بنسبة غير محددة، فهل هذه الأرباح حلال أم حرام ؟
An إن هذه المعاملة تدور بين الوديعة والقرض و القراض ، وبيان ذلك .
ا -إذا كانت وديعة فلا يجوز للمودَع عنده التصرف فيها إلا بإذن المودع ، لأنها مضمونة ترد بذاتها أو ببدلها إن تلفت ، سواء أكان هذا البدل عينا أم قيمة، وحيث إن المودع عنده وهو البنك قد تصرف فيها فتكون أرباحها والناتج منها ملكا لصاحبها المودع وللبنك أجر هذا الاستثمار ، وهذا إذا كان الاستثمار حلالا، إلا إذا أذن المودع ، للبنك فى استثمارها فيكون الناتج ملكا للبنك . .
لكن قال العلماء : إن وديعة النقود لا تضمن بذاتها وعينها ، بل يجوز أن ترد إلى صاحبها نقودا أخرى مساوية لها فى قيمتها ، وتعتبر حينئذ قرضا حيث أذن للمقترض أن يتصرف فيها كما يشاء، وعليه فلا يستحق صاحب الوديعة "القرض " أكثر منها ، وقد قررت بعض القوانين المدنية أن الوديعة المأذون فى التصرف فيها تعتبر قرضا ، كالقانون المدنى المصرى حيث جاء فى المادة 726 منه : إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أى شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا فى استعماله اعتبر العقد قرضا .
2 - وإذا كانت هذه النقود المودعة فى البنك للحفظ أخذت صفة القرض ، وأعطى البنك عليها أرباحا فينظر إلى القاعدة المعروفة "كل قرض جر نفعا فهو ربا" والعلماء فيها فريقان :
ا - فريق قال : يكون القرض الذى جرَّ نفعا من باب الربا إن كان النفع مشروطا فى العقد، أما إذا لم يكن مشروطا فإن النفع يكون من باب الهدية يجوز قبوله كما رد الرسول قرض اليهودى بأكثر منه .
ثم قال هذا الفريق : العرف ينزل منزلة الشرط ، يعنى إذا كان معروفا أن هذا القرض سيجر نفعا حتى لو لم يكن مشروطا فى صلب العقد، فهو من باب الربا ، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا .
وأصحاب السؤال يقولون : إننا لا نريد أرباحا ، فإذا كانوا قد وقَّعوا عند الإيداع على رفض الأرباح ، ويكون ما يعطيهم البنك لهم من باب الهدية فيجوز قبولها ، أما إذا لم يوقِّعوا على رفض الأرباح ، أو وقعوا وكانوا يعلمون أن البنك لابد أن يعطيهم ، سواء رضوا أم أبوا - لأن القانون يقرر ذلك -كانت الأرباح التى تعطى لهم من قبيل الربا .
ب -وفريق من العلماء قال : إن أى نفع من القرض يكون ربا ، سواء شرط ذلك أو لم يشرط ، وسواء عرف أو لم يعرف .
وعلى هذا فما هو موقف المودعين من هذه الأرباح إن كانت ربا ، هل يتركونها للبنك أو يأخذونها؟ رأيان ، ولكن الأوفق هو أخذها وعدم تركها للبنك ، على أن يوجهوها للمنفعة العامة ، كمال حرام كان يجب رده إلى أصحابه الذين أخذها البنك منهم ، ونظرا لتعذر ذلك يصرف المال للمنفعة العامة، ولا ينتفع به من أخذه فى مصالحه الشخصية .
3-أما أن يعتبر هذا المال المودَع فى البنك من باب القراض والمضاربة فممنوع لأن الشرط فى صحة المضاربة الاتفاق بين الطرفين على تقسيم الربح ومعرفة نسبة التقسيم ، وألا يشترط ضمان رأس المال إلا بالتعدى ، وذلك غير موجود فى الصورة التى فى السؤال ، وعليه فلا حق للمودعين فى الأرباح التى يعطيها لهم البنك وبخاصة أن استثمار المال كان بطريق غير مشروع وهو الإقراض للبنوك الأجنبية بنسبة معينه .
فالخلاصة أن المعاملة المذكورة فى السؤال من باب القرض الذى جر نفعا، سواء أكان مشروطا أم غير مشروط لكنه معروف عرفا، فالأرباح ربا تصرف فى المنافع العامة(9/385)
أجر تقديم الخمور
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أعمل فى محل عام أقدم فيه المشروبات للرواد من أجل زيادة راتبى القليل الذى كنت آخذه من العمل فى قسم آخر لأستطيع أن أعول أسرتى فما رأى الدين فى ذلك ؟
An رأى الدين واضح فى حرمة الاشتراك فى تناول المحرمات بأى نوع من أنواع الاشتراك والحديث قد نص على ذلك ، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة، عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال : غريب ، قال الحافظ رواته ثقات .
فالذى يقدم الخمر للشاربين شريك فى الإثم بنص الحديث ، لأنه إما راض عن فعلهم والراضى بالمعصية يعاقب عقاب من عملها ، وإما مساعد عليها، والمساعد على المعصية مشترك فى العقاب مع العاصى .
وأقول للسائل : إن الأجر القليل من عمل حلال إذا كان يغطى الضروريات فقط التى تمسك الحياة وتدفع الموت وتحول دون العجز فهو راتب يباركه الله ، أما ما وراء ذلك الضرورى فلا يجوز أن يحصَّل من الحرام(9/386)
البيع بالمزاد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يدخلون فى المزايدات لا بقصد الشراء ولكن بقصد إعلاء الثمن ؟
An روى البخارى ومسلم عن ابن عمر وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش وذم الناجش ، والنجش فى اللغة هو تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، وفى الشرع الزيادة فى ثمن السلعة ، وقد يكون ذلك بمواطأة البائع فيشترك مع المشترى فى الإثم ، وقد يكون بغير علمه فيختص بذلك المشترى، وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك .
وفسر الشافعى صورة بيع النجش بأن تحضر السلعة لتباع ، فيعطى إنسان لها ثمنا ولا يريد شراءها، وذلك حتى يقتدى به السُّوَّام ، أى الراغبون فى الشراء ، فيعطوا بها ثمنا أكبر، أى يقدرون لها سعرا أكبر مما كانوا يقدرونه لو لم يسمعوا سومه ، وهذا ما يسمى الآن ببيع المزايدة .
وحاصل ما قيل فيه : إن زيادة السعر وتنافس المساومين إن لم يكن الغرض من ذلك شراء السلعة، وكان الغرض تغرير الغير ليتوهم أنها تساوى ما سمعه من الأثمان فيدفع فيها ثمنا أعلى ليفوز بها-كانت المزايدة محرمة، ويشترك فى الإثم كل من له دخل فيها أو علم بها ورضى عنها . أما إذا كانت المزايدة من الشخص بقصد شراء السلعة لا بقصد التغرير فلا تكون محرمة .
وإذا كانت المزايدة بقصد التغرير محرمة فهل يبطل البيع أو يقع صحيحا مع حرمته ؟ نقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك ليبيع ، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك ، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعته . والمشهور عند المالكية ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية والأصح عندهم -أى الشافعية- صحة البيع مع الإثم ، وهو قول الحنفية "نيل الأوطار ج 5 ص 175 "(9/387)
البيع بشرط المنفعة للبائع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحصل فى بعض الأحيان أن يبيع الإنسان أرضا أو عقارا لأحد أقاربه ويشترط أن يبقى الانتفاع بهذا المبيع حقا للبائع ، ولا يملكه المشترى إلا بعد وفاة البائع ، فهل هذا البيع صحيح ؟
An وجِّه مثل هذا السؤال إلى الشيخ محمد بخيت المطيعى المفتى الأسبق وأجاب عليه فى جمادى الأولى سنة 1333 هـ (1915 م) بأنه بيع فاسد على مذهب الإمام أبى حنيفة ، الذى كان هو المذهب الرسمى للإفتاء ، وعلَّله بأن فيه شرطا فاسدا فى صلب العقد الذى لا يقتضيه ولا يلائمه ، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه ، وفيه نفع للبائع مع أن منفعة المبيع هى للمشترى بمقتضى العقد، وما دام المبيع لم يتسلمه المشترى فهو باق فى ملك البائع يجوز له فسخه . وإذا قبضه المشترى مع وجود هذا الشرط كان ملكا له .
"الفتاوى الإسلامية المجلد الثالث ص 794" .
ووجه مثل هذا السؤال إلى الشيخ عبد الرحمن قراعة فأجاب عليه فى شوال 1339 هـ (1921 م )بمثل ذلك . ولم يجعل العقد وصية، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرج ، والتمليك فى هذه الصورة ليس تبرعا . "المصدر السابق ص 807" .
وبمثل إجابة الشيخ قراعة أجاب الشيخ محمد إسماعيل البرديسى فى شوال 1339 هـ (يونية 1921 م ) "الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص ا 156 " .
وهناك وجهة نظر تقول : لو باع الإنسان أو وهب أرضا أو عقارا لإنسان آخر ، وجعل استغلاله لهذه الأرض أو العقار جزءا من الثمن أو المقابل أو هو كل الثمن أو المقابل ، وتم البيع أو الهبة بتسليم العين للمشترى أو الموهوب له ، ثم أعطى للبائع حق الاستغلال لها ، فما هو المانع من صحة هذه المعاملة؟ طرفان فى العقد وعين وقع عليها العقد ومقابل للعين وهو انتفاع البائع بها لمدة .
إنها وجهة نظر معقولة قد يتغير بها الرأى الذى جاء فى الفتاوى السابقة(9/388)
زمن الإجارة والتأجير من الباطن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى عقد الإيجار الذى يمتد سنوات طوالا، وما الحكم إذا قام المستأجر بتأجير الأرض إلى شخص آخر بأضعاف السعر الذى تعاقد به مع المالك ؟
An عقد الإجارة لبيت أو أرض أو أى شىء آخر ينتهى بانتهاء الأجل المضروب لها أو المهمة التى تعاقد الطرفان عليها ، فإذا انتهى الأجل أو المهمة وجب تسليم العين لمالكها ، ويحرم على المستأجر استغلالها أو إمساكها .
وفى أثناء المدة المتعاقد عليها يجوز للمستأجر أن يؤجر لغيره هذه العين ، لأنه يملك المنفعة منها، فله الحق فى التصرف فيها بوجوه الانتفاع التى لا تضر بالعين ، إلا إذا جرى الاتفاق بغير ذلك . أما لو أمسك المستأجر العين ولم يسلمها لصاحبها فكل كسبه وانتفاعه منها حرام وسحت ، لأنه ليست هناك إجارة على التأبيد حتى لو أجازها القانون ، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به(9/389)
ميراث من حرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q والدى ترك لنا أرضا وعقارا لكنه كان يتعامل أحيانا بالربا ويأخذ الرشاوى فهل ميراثنا منه حلال أم حرام ؟
An يقول الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 2 ص 115 :
رجل ورث مالا ولم يدر أن مورثه اكتسبه من حلال أم من حرام ، ولم تكن ثمة علامة ، فهو حلال باتفاق العلماء ، وإن علم أن فيه حراما وشك فى قدره أخرج مقدار الحرام بالتحرى والاجتهاد ، وقال بعض العلماء : لا يلزمه والإثم على المورث ، واستدل بما روى أن رجلا ممن ولى عمل السلطان مات فقال صحابى : الآن طاب ماله ، أى لوارثه ، وهذا ضعيف ، لأنه لم يذكر اسم الصحابى، ولعله صدر من متساهل ، فقد كان فى الصحابة من يتساهل ولكن لا نذكره لصحبته(9/390)
اختلاط المال الحلال بالحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل كسبه مختلط فيه الحلال والحرام هل يجوز أكل شىء منه ؟
An قال الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين"ج 2 ص 93 : لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام ، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام ، والدليل :
1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال ، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة ، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم ، كما لم يتركوا شرب الخمور ولا تركوا المعاصى ، وأدرك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة ، وقد نهبها أصحاب يزيد ثلاثة أيام ، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة .
2 - لو فتح هذا الباب لانسد باب جميع التصرفات وخرب العالم ، إذ الفسق يغلب على الناس ، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط ، ولو قيل : إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط بالحلال الآن أقول : ليس حراما وإنما الورع تركه .
وفى "ص 96" : لو طبق الحرام الدنيا حتى علم يقينا أنه لم يبق فى الدنيا حلال كنت أقول نستأنف تمهيد الشروط من وقتنا ونعفو عما سلف ونقول : ما جاوز حده انعكس إلى ضده ، فمهما حرم الكل حل الكل ، وذلك لأن الناس لو تركوا الأكل منه ماتوا عن أخرهم ، ولو اقتصروا على قدر الضرورة فسيئول أمرهم إلى الموت ، فالذى نراه أن كل ذى يد على ما فى يده ، وهو أولى به ، لا يجوز أن يؤخذ منه سرقة وغصبا ، بل يؤخذ برضاه ، والتراضى هو طريق الشرع .
وقال فى صفحة 108 : شخص معين خالط ماله الحرام مال حلال ، فإن كان الأكثر حراما لا يجوز الأكل من ضيافته ولا قبول هديته وصدقته إلا بعد التفتيش ، فإن ظهر أن المأخوذ من وجه حلال فذاك ، وإلا ترك ، وإن كان الحرام أقل والمأخوذ مشتبه فهذا فى محل النظر .
وفى ص 109 قال : فإن قيل : روى عن علىَّ الترخيص فى أخذ ما يعطيه السلطان له ، وابن مسعود بجواز الأخذ من الجار صاحب المال الخبيث وقال : عليه المأثم ولك المهنأ، وقال بجواز الأكل من الجار الذى يتعامل بالربا ، ورويت عنه روايات كثيرة مختلفة ، وأخذ الشافعى ومالك جوائز الخلفاء والسلاطين ، مع العلم بأنه خالطه حرام .
ويرد الغزالى بقوله : علىّ كان شديد الورع فليس معقولا أن يرخص فى ذلك ، وإن كان يمكن الترخيص فى مال السلطان لكثرة ما فيه من حلال ، وكذلك ما نقل عن الشافعى ومالك ، لأن الحلال أكثر فى مال السلطان .
وأما قول ابن مسعود فنقله عنه خَوَّات التيمى، وهو ضعيف الحفظ ، وابن مسعود اشتهر بتوقى الشبهات .
وفى ص 110 قال : ليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه إذا كان الحلال أكثر، أما إذا كان الحرام أكثر فعليه أن يسأل ولا يبالى بغضبه ، لأنه ظالم .
وفى ص 117 قال : إن كان فى يده حلال وحرام أو شبهة وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا كان له عيال فليختص نفسه بالحلال ويطعم أولاده الحرام بقدر الحاجة ويقدم الأهم على المهم .
هذه الصورة مفروضة فى أن الرجل محتاج ، أما غير المحتاج فلا يطعم أولاده الحرام .
وفى ص 118 قال : إذا كان الحرام أو الشبهة فى يد أبويه فليمتنع من مؤاكلتهما ، فإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، فإن كان شبهة وكان امتناعه للورع فقد عارضه أن الورع طلب رضاهما ، بل هو واجب ، فليتلطف فى الامتناع ، فإن لم يقدر فليوافق وليقلل الأكل ولا يتوسع ، ولو ألبسته أمه ثوبا من شبهة وكانت تسخط برده فليقبل وليلبسه بين يديها، ولينزعه فى غيبتها .
هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى"ج 2 ص 09 ا"ما نصه :
قال ابن خُوَيْزِ منداد : وأما أخذ الأرزاق "المرتبات " من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال .
إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه ، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره .
وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه ، وهو كلصٍّ فى يده مال مسروق ومال جيد حلال قد وكَّلَه فيه رجل ، فجاء اللص يتصدق به على إنسان ، فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة ، وإن كان من الجائز أن يتصدق اللص ببعض ما سرق إذا لم يكن شىء معروف بنهب ، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما ، وإن كان الورع التنزه عنه ، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها .
وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم ، ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق ، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد ، فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين(9/391)
إجارة ومزارعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز سداد إيجار الأرضى الزراعية من المحصول الذى يزرع فيها بالاتفاق بين المالك و المستأجر ؟
An إيجار الأرض الزراعية مبلغ معلوم متفق عليه بين المالك والمستأجر، يُلْزم بدفعه المستأجر من أى مصدر وبأية وسيلة ، ما دام هناك اتفاق على ذلك ، والمؤمنون عند شروطهم .
هذا إذا كان العقد عقد إجارة ، وهو كما قال الفقهاء ، العقد على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم ، كأن أجَّر له الأرض لمدة سنة أو لزرع القمح مثلا لقاء مبلغ معين كمائة جنيه مثلا، أو أردب من قمح أو من ذرة أو من أرز مثلا .
لكن هناك عقدًا آخر اسمه "المزارعة " وهو أن يعطى المالك أرضه لزارع يزرعها ، والمالك يعطى الزارع بعض ما يخرج منها ، ويكون البذر والتكاليف من صاحب الأرض أو حسب الاتفاق ، فما يأخذه الزارع هو أجره على العمل ، وقد يكون البذر من المستأجر ويسمى هذا العقد "مخابرة "وفيه خلاف للفقهاء فى جواز هذه المعاملة وعدم جوازها .
والصورة الواردة فى السؤال الظاهر أنها إجارة ، والعوض هو جزء معين من المحصول كأردب من القمح أو الذرة مثلا، وهى جائزة، ولا يتحتم أن يكون العوض من المحصول نفسه ، بل يجوز أن يكون من قمح آخر يساوى فى قيمته قيمة الناتج من هذه الأرض ، اللهم إلا إذا شرط المالك أن يكون العوض من الناتج من أرضه ، فينفذ الشرط(9/392)
الوديعة والقرض والمضاربة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الحكم الشرعى فى شهادات الاستثمار ذات العائد المحدد، وهل يصدق عليها أنها وديعة أو من باب المضاربة كما يقول بعض الناس ؟
An لقد وجه مثل هذا السؤال إلى الأزهر ونشرت الإجابة فى مجلة منبر الإسلام ، عدد رمضان 1392 (أكتوبر 1972 م )، وعلى الرغم من أن حكمها قد سبق نشره فإن فى إعادة نشره تأكيدًا له ، وإبطالا لدعاوى من يروجون لحِلِّ هذه المعاملة ، وهذا نص الإجابة :
لقد صدرت الفتوى عقب ظهور هذا النوع من المعاملة، وجاء فيها أن ذلك من باب القرض الذى جر نفعا ، فهو بالتالى ربا ، لأن عمليات البنوك فى هذه الشهادات هى جمع الأموال وإعطاوها للمؤسسات والهيئات وجهات الاستثمار الأخرى بفائدة كبيرة ، وإعطاء أصحاب الشهادات فوائد أقل مما تحصل عليه من هذه الجهات ، والفرق ربح لها ، ولا صلة لها بجهات الاستثمار ، فلها ربح محدد منها على المال الذى أخذته ، فالأمر لا يعدو أن يكون قروضا جاءت بفائدة .
وما يقال من أن الأموال ودائع عند البنك وليست قروضا-يرد عليه بأن الوديعة إذا ردت لصاحبها ترد كما هى دون زيادة أو نقص ، بل قال العلماء : إنه لا يجوز التصرف فى الوديعة خصوصا بما يعرضها للتلف ، فمن أين يستحل صاحب الوديعة هذه الأرباح ؟ على أنها لا تأخذ شكل الوديعة، لأن الوديعة مطلوب حفظها لردها حين طلبها، وهذه موجهة أصلا للاستثمار لا للحفظ ، فهى سلفة جاءت من الناس إلى البنك ، وهو بدوره يقرضها لجهات الاستثمار .
هذا، وقد قال جماعة من الفقهاء العصريين : إن الأمر لا يعدو أن يكون من باب المضاربة ، مع أن المضاربة يعطى فيها الإنسان مالا لغيره ليستثمره ويعطيه نصيبا من الربح بنسبة معينة، وقد يكون عائد هذه النسبة قليلا وقد يكون كثيرا ، حسبما يحقق رأس المال من ربح ، وقد تكون هناك خسارة .
قال هؤلاء : إن البنك وسيط بين الناس وبين شركات وجهات الاستثمار، يأخذ هو فروق الفوائد للصرف على العاملين به مثلا، وعلى هذا يكون التعامل بين الطرفين على أساس المضاربة والربح مضمون وكبير، سواء فى حجمه المادى أو المعنوى بسبب الخدمات التى يؤديها هذا النشاط للبلد فى ظروفها الحالية بالذات ، قالوا هذا مع علمهم بأن الربح محدد، وقد قال العلماء المتقدمون بأنه يفسد عقد المضاربة ، أما هم فقالوا : إن تحديد الربح لا يفسد العقد ، فلماذا يخالفون ما تواضع عليه الفقهاء منذ مئات السنين ؟ .
والإسلام يشجع استثمار الأموال ويكره حبسها وعدم سيولتها ، ولذلك أوجب عليها الزكاة إذا لم تتحرك وظلت جامدة ، ووجوه الاستثمار الحلال كثيرة ، وعندنا الشركات متوفرة ، وبعضها يحقق ربحا لا بأس به ، وهو خاضع للظروف المختلفة لهذه الشركات ، والتجارة فى أصل مفهومها تكون عرضة للربح والخسارة .
هذا نص الحكم الذى نشر من سنة 1972 م ، ومحاولة الرجوع فيه تحايل يأباه الدين ، وقد ذم اللّه به اليهود الذين أحلوا به ما حرم اللّه عليهم(9/393)
خلو الرجل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الشرع فيما يسمى الآن بخلو الرجل ؟
An شاع بين الناس الآن بسبب تزايد السكان وكثرة الطلب وقلة المعروض من الأراضى والبيوت والمحلات ، وبسبب بعض القوانين الخاصة بالعلاقة بين المالك والمستأجر، أن بعض المستأجرين لبيت أو محل يعطيه لغيره فى مقابل مبلغ يقدره كيف يشاء ، وذلك بدون علم المالك أو موافقته ، وقد يتوارد على هذا المكان المؤجر عدد كبير من الناس عن طريق خلو الرجل الذى اتخذ كحرفة أو مهنة أو تجارة ، بل يحدث أن المستأجر للأرض إذا طلبها منه صاحبها يطلب منه مبلغا كبيرا أو أن يتنازل عن جزء كبير من الأرض فى مقابل إخلائها وتسليمها له .
وإذا كانت بعض القوانين وضعت فى فترة معينة لأغراض معينة ، فقد تغيرت الظروف وضَجَّ الملاك بالشكوى من هذا الظلم الفادح ، وتعطلت بسبب ذلك مشروعات كثيرة كبناء المساكن التى خاف الناس من استغلال أموالهم فيها ، أو ترك المبانى خالية خوف تسلط المستأجر عليها وتعذر استردادها منه .
والنداءات كثيرة لمراعاة الشريعة فى وضع القوانين التى ظهر فسادها بعد تجربتها ، وإذا كانت القوانين غير شرعية فالواجب على المتعاملين أن يبتعدوا عنها ولا يتمسكوا بها، ولا يجوز مطلقا أن يلقوا المسئولية على واضعيها ليتملصوا هم من التبعة، فالمبدأ الإسلامى معروف : لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وقد وجه سؤال إلى مفتى الديار المصرية الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى هذا الموضوع ، فأجاب فى 3 من يوليو سنة 1980 م بما نصه :
أخذ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه فى نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا، لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة ، ويصبح هذا - إن تم - من باب أكل أموال الناس بالباطل المنهى عنه بقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } النساء : 29 ، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
"الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3563"(9/394)
استيفاء الحق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أخذ منى بعض الناس مالا، ولثقتى فيه لم أطلب كتابة مستند بذلك ، ثم ماطل فى سداده ، وليس معى ما يثبت حقى، فماذا أفعل ؟ هل يجوز لى أن أسرق منه ما يساوى حقا الذى عنده ؟
An من الأدب فى القرض أن يعطى القادر ما يستعين به المقترض المحتاج إذا كان مستغنيا عنه ، ومن المشروع أن يشهد على هذا القرض أو يثبته بالوسائل التى تضمن حقه ، وأن يلتزم المقترض بالوفاء إذا حل الأجل المضروب بينهما، فإن كان مستطيعا بادر بالوفاء وإن كان معسرا يندب أو يجب على صاحب الدين أن يعطيه مهلة فإن رأى أنه لن يستطيع السداد فهو بالخيار بين أن يقاضيه وأن يعفو عنه ، قال تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } البقرة : 280 .
وإذا كان المدين موسرا وماطل فى الأداء فقد ظلم ، كما نص عليه الحديث "مطل الغنى ظلم " .
وإذا أمكن للدائن أن يقاضيه بالشهود أو المستندات فهل يجوز له أن يستوفى حقه منه بدون الرجوع -إلى القضاء أو لا يجوز؟ قال الشافعية : لو أمكن تحصيل الحق بالقاضى بأن كان المدين مقرا مماطلا ، أو منكرا وعليه البينة ، أو كان يرجو إقراره عند القاضى وعرض اليمين عليه فهناك رأيان ، رأى يقول بوجوب الرجوع إلى القاضى ، ورأى يقول بجواز أخذ حقه بدون القضاء وهو الراجح ، ويشهد له إذن النبى صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبى سفيان بالأخذ من ماله بدون إذنه بقدر ما يكفيها وولدها بالمعروف ، وذلك لأنه كان شحيحا ممسكا لا يعطيهم النفقة المناسبة . ولأن إجراءات التقاضى طويلة وفيها مشقة فلا داعى لها(9/395)
بيع التلجئة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نقرأ فى بعض الكتب عن نوع من البيع اسمه التلجئة ، فما هى صورته وما حكمه ؟
An يحدث مثلا أن إنسانا يخاف على ماله من أرض أو عقار أو ممتلكات أخرى أن يتعرض لها عدو بأذى ، أو يتفادى حكما قضائيا أو إداريا يحس بأنه سينال ممتلكاته بالأذى فيبيع ممتلكاته أو بعضها لأولاده أو زوجته أو لأى إنسان آخر ، وقد يكون البيع بدون مقابل ، أو مقابل رمزى، ويتم البيع بأركانه وشروطه ، مع الإجراءات الرسمية لنقل الملكية من تسجيل وغيره .
هذا البيع نظر بعض الفقهاء، إلى النية والمقصود منه فحكم ببطلانه ، ونظر بعضهم إلى ظاهره فحكم بصحته يقول ابن قدامة فى " المغنى" بيع التلجئة باطل ، وقال أبو حنيفة والشافعى : هو صحيح ، لأن البيع تم بأركانه وشروطه خاليا من مُفْسِدٍ فصح به ، كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عُقد البيع بلا شرط(9/396)
البيع بشرط انتفاع البائع بالمبيع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن بعض الناس يبيع داره أو أرضه لأولاده أو لغيرهم ، ويشترط فى العقد أن يظل منتفعا بهذا المبيع طول حياته ، ولا ينتفع بها المشترى إلا بعد وفاة البائع ، فما حكم هذا البيع ؟
An جاء فى المغنى والشرح الكبير"ج 4 ص 49" عن النوع الثالث من الضرب الصحيح فى الشروط فى البيع أنه يصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا ويستثنى سكناها سنة ، أو دابة ويشترط ظهره - ركوبه -إلى مكان معلوم ، أو عبدا ويستثنى خدمته مدة معلومة ، نص عليه أحمد وهو قول الأوزاعى وأبى ثور وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعى وأصحاب الرأى : لا يصح ، لأنه يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ، ولأنه ينافى مقتض البيع فأشبه ما لو شرط ألا يسلمه ذلك لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفى البائع منفعته ، وقال ابن عقيل - من الحنابلة -فيه رواية أخرى-أى عن أحمد-أنه يبطل البيع والشرط .
وقال مالك : إن اشترط ركوبا إلى مكان قريب جاز، وإن كان إلى مكان بعيد كره ، لأن اليسير تدخله المسامحة .
ثم استدل ابن قدامة على الصحة بما روى عن جابر أنه باع النبى صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى المدينة ، وفى لفظ قال : فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلى ، رواه البخارى ومسلم . وفى رواية لمسلم قال جابر : على أن لى ظهره إلى المدينة قال " ولك ظهره إلى المدينة " ولأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا - أى الاستثناء -إلا أن تعلم ، وهذه معلومة،ولأن المنفعة قد تقع مستثناه بالشرع على المشترى فيما إذا اشترى نخلا مؤبرة - ملقحة - أو أرضا مزروعة ، أو دارا مؤجرة ، أو أمة مزوجة ، فجاز أن يستثنيها ، كما لو شرط البائع الثمرة قبل التأبير، ولم يصح نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط وإنما نهى عن شرطين فى بيع ، فمفهومه إباحة الشرط الواحد ، وقياسهم منقوض بشرط الخيار والتأجيل فى الثمن [ انظر أيضا : نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 189 ] .
وعليه فلا مانع من البيع مع اشتراط انتفاع البائع بالمبيع لمدة يتفقان عليها ، وذلك على مذهب الإمام أحمد وقد صدرت فتاوى رسمية على مذهب أبى حنيفة سنة1915 ، 1921 من الشيخ محمد بخيت المطيعى والشيخ عبد الرحمن قراعة والشيخ محمد إسماعيل البرديسى بحرمة هذا البيع " الفتاوى الإسلامية - المجلد الثالث ص 794 ، ص 807 والمجلد الرابع ص 1561 " ولا مانع من الأخذ برأى الإمام أحمد بالصحة عند الحاجة .
ذكر ابن حجر فى " فتح البارى ج 5 ص 371" أن البخارى رجح جواز الاشتراط كما يدل عليه الحديث ، والاشتراط المفسد للعقد ليس منه ذلك ، بل صورته أن يبيع الجارية ويشترط على المشترى عدم وطئها . ويبيع الدار ويشترط عليه ألا يسكنها ، وفى الدابة ألا يركبها ، أما إذا اشترط شيئا معلوما فلا بأس به . وحديث النهى عن بيع وشرط فى إسناده مقال ، وهو قابل للتأويل(9/397)
بيع العربون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اتفقت مع شخص على شراء شىء وأعطيته عربونا ، ثم رجعت فى هذا البيع ، فهل لى الحق فى استرداد العربون ؟
An إن العربون الذى يُدفع تمهيدا لشراء شىء أو استئجاره يرجع فيه إلى اتفاق الطرفين ، أو إلى العرف الجارى فى الوسط الذى يتعاقد فيه المتعاقدان . فلو كان هناك اتفاق على إرجاعه إن لم يتم العقد ، أو كان العرف يقضى بذلك وجب إرجاعه لمن دفعه ، ولو كان هناك اتفاق على سقوط حق المشترى أو المستأجر فيه إن لم يتم العقد أصلا، أو لم يتم فى مدة معينة، أو كان العرف يقتضى ذلك سقط حقه فيه ، فالأصل هو الاتفاق ، فإن لم يوجد فالعرف . ولا يوجد نص يمنع ذلك ، وما رواه ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون ضعفه الإمام أحمد وأجاز بيع العربون ، لما رواه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دارا للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم ، فإن رضى عمر كان البيع نافذا ، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم . وقال ابن سيرين وسعيد بن المسيب : لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، وأجازه أيضا ابن عمر، لكن كل ذلك فى عقد تمت فيه الصفقة مع الخيار، أما إن لم يتم العقد فالأمر متروك للاتفاق والعرف .
هذا ، وقد ذكر الشوكانى فى "نيل الأوطار ج 5 ص 163 " أن حديث النهى عن بيع العربون وإن كان ضعيفا فله طرق يقوى بعضها بعضا ، وأخذ به أبو حنيفة ومالك والشافعى ، وعلل حرمته عند هؤلاء الأئمة بأن فيه شرطين فاسدين ، أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا بلا مقابل إن لم يتم العقد -وذلك إذا كان الشرط أن يأخذ البائع العربون إذا لم يتم العقد- والشرط الثانى الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع ، وقال : إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجح الحظر .
وأرى الأخذ بمقتضى الشرط إن وجد فالمؤمنون عند شروطهم ، ومثله العرف إن لم يوجد شرط ، وما دام الأمر خلافيا ، فلا مانع من الأخذ بأى رأى(9/398)
بيع العينة وبيع ما لم يقبض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو المقصود ببيع العينة وما حكمه ؟
An بيع العينة -بكسر العين أى السلف- أن يشترى شخص سلعة من شخص آخر بثمن فى الذمة، ثم يبيعها المشترى إلى البائع بثمن أقل يأخذه نقدا ، وهو ممنوع شرعا ، لأن فيه حيلة الربا، وقد ورد فيها من حديث عائشة الذى رواه الدارقطنى وابن عمر الذى رواه أحمد وأبو داود منعها، وهى تفارق صورة أخرى أن يشترى شخص سلعة بثمن آجل ثم يبيعها من شخص آخر غير البائع بثمن أقل نقدا، وهذه جائزة لأن المشترى غير البائع ، والأولى من حيل الربا .
ومن المحرم بيع ما لم يقبضه المشترى ، كأن يشترى سلعة بثمن ثم يبيعها لشخص آخر قبل أن يقبضها . لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام " لاتبع ما ليس عندك " وقال :
"لا يحل سلف وبيع ، ولا بيع ما ليس عندك " وقال "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيَه " قال ابن عمر: كنا نشترى الطعام جزافا، فيبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
والطرق التى روى بها النهى عن بيع العينة ضعيفة وإن كان يقوى بعضها ببعضا ، وقال بحرمة هذا البيع مالك وأبو حنيفة وأحمد، وأجازه الشافعى وأصحابه ، ناظرين إلى صحة صورة البيع ، أما النية فلا شأن لها بذلك ، والآخرون نظروا إلى القصد من هذا البيع والتحايل به على الربا فحرموه "نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 220"(9/399)
بيع الوفاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع أن هناك بيعا اسمه ببع الوفاء ، فما المقصود منه وما حكمه ؟
An صورة بيع الوفاء أن يقترض المحتاج مبلغا من المال من شخص ، ثم يبيع له فى نظير ذلك جزءا معينا من الأرض تزيد قيمته على قيمة القرض ، ويكون البيع لمدة معينة ينتفع فى أثنائها الدائن بالأرض انتفاع المالك لها ، وفى نهاية المدة إذا لم يسدد المقترض المبلغ تصير الأرض ملكا تاما للدائن فى مقابل القرض .
قال بعض العلماء : إن صورة العقد أنها بيع ولكن لأجل يفسد بعد انتهائه ، وهذا يبطل العقد ، لأن طبيعة البيع أنها للتمليك الدائم لا المؤقت ، وما تزال الأرض ملكا لصاحبها الذى باعها .
وقال بعضهم : إنها رهن فى صورة عقد بيع ، وحكم الرهن أن الأرض ما تزال مملوكة لصاحبها الذى رهنها ، ولا يتصرف فيها المرتهن إلا بإذن الراهن ، وعند سداد الدين ترد الأرض لمالكها ، وعند عدم السداد يمكن بيع الأرض ليستوفي الدائن منها حقه وما بقى من ثمنها لمالكها .
قال البدر العينى شارح البخارى فى كتابه "المسائل البدرية" : بيع الوفاء أن يقول البائع للمشترى : بعت منك هذا بما لك علىَّ من الدين ، على أنى متى وفيت الدين فهو لى . فهو فى الحقيقة رهن ، والمبيع فى يد المشترى كالرهن فى يد المرتهن لا يملكه ، ولا يباح له الانتفاع به إلا بإذن المالك ، وهو ضامن لما أكل من ثمره واستهلك من عينه ، والدين ساقط بهلاكه فى يده إذا كان فيه وفاء بالدين .
قال المصنف : والصحيح أن العقد الذى جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنا ، فإن ذكرا شرط الفسخ فى البيع فسد البيع ، وإلا فإن تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء على وجه النفاذ ، أو تلفظا بالبيع الجائز جاز البيع ، ويلزم الوفاء بالميعاد، لأن المواعيد قد تكون لازمة فيجعل الميعاد لازما لحاجة الناس . انتهى "مجلة الإسلام -المجلد الرابع- العدد 12 "(9/400)
القرض الذى جر نفعا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس أن القرض الذى جر نفعا ليس ربا، لأنه لم يرد حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ، فهل هذا صحيح ؟
An القرض إعطاء شىء للغير يستفيد به ليرده أو يرد مثله إليه ، وهو أمر مشروع داخل فى مضمون التعاون على البر، بل مندوب إليه ومرغب فيه ، لأن الغالب فيه أن يكون من حاجة ، وحديث مسلم يقول "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، واللّه فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " وفى حديث يقبل فى فضائل الأعمال رواه ابن ماجه عن أنس "الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر والله سبحانه يقول {من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} البقرة : 245 .
وقال ابن مسعود : ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة . رواه ابن ماجه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، والصواب أنه موقوف على ابن مسعود "نيل الأوطار ج 5 ص 243" .
والقرض يكون من النقود ومن الأطعمة وكل ما له مثل ، كما يكون من الحيوانات ، على رأى الجمهور، فقد استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا، وأعطى صاحبه أحسن منه كما رواه مسلم وغيره وقال "خيركم أحسنكم قضاء" ومنع أبو حنيفة قرض الحيوان .
والواجب على المقترض رد القرض بدون زيادة عليه ، فقد أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة فى السلف ربا ولو كانت قبضة من علف -كما قال ابن مسعود- أو حبة واحدة ، ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وكما قال : كما رواه البخارى ومسلم " إن خيركم أحسنكم قضاء" .
وإهداء المقترض إلى المقرض ورد فيه حديث ابن ماجه "إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى له أو حمله على دابته فلا يقبلها ولا يركبها ، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " وهو حديث ضعيف ، وورد فى تاريخ البخارى حديث "إذا أقرض فلا يأخذ هدية" وجاء فى صحيح البخارى أن عبد اللّه بن سلام قال لأبى بردة بن أبى موسى لما قدم المدينة : إنك بأرض فيها الربا فاش ، فإن كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا . والقت هو الدريس أو البرسيم المجفف .
إزاء هذه المأثورات قال جمهور العلماء : يجوز رد القرض بما هو أفضل منه إذا لم يكن ذلك مشروطا فى العقد ، وقال المالكية : إذا كانت الزيادة بالعدد لم يجز، كرد الواحد اثنين ، وإن كانت بالوصف جازت ، كرد الحيوان الكبير بدل الصغير .
ولا يلزم من جواز الزيادة فى القضاء على مقدار الدين أن تجوز الهدية ونحوها قبل القضاء ، لأنها بمنزلة الرشوة . يقول الشوكانى "نيل الأوطار ج 5 ص 246 " : والحاصل أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس فى أجل الدين ، أو لأجل رشوة صاحب الدين ، أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة فى مقابل دينه فذلك محرم ، لأنه نوع من الربا أو الرشوة ، وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس . وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع ، لإطلاق النهى عن ذلك . وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة فى الصفة والمقدار والقليل والكثير، بل هو مستحب كما قال الشافعية لحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء" .
ثم يقول الشوكانى بعد ذلك وهو إجابة عما ورد فى السؤال : مما يدل على عدم حل القرض الذى يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقى فى المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ "كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا" ورواه فى السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبى بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم ، ورواه الحارث بن أبى أسامة من حديث على عليه السلام بلفظ : إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفى رواية : كل قرض جرمنفعة فهو ربا . وفى إسناده سوار بن مصعب ، وهو متروك قال عمر بن زيد فى المغنى : لم يصح فيه شىء ، ووهم إمام الحرمين والغزالى فقالا: إنه صح ، ولا خبرة لهما بهذا الفن . انتهى .
يؤخذ من هذا أن "كل قرض جر نفعا فهو ربا" ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولا مانع من الأخذ به ما دامت تتفق دلالته مع ما ورد من القرآن فى تحريم الربا ، وعمل الصحابة وفتوى الفقهاء تؤيده .
وأما الحكم فخلاصته : إن كان النفع مشروطا فهو ربا ، وإلا فهو جائز، ومثل الشرط العرف ، لقاعدة : المعروف عرفا كالمشروط شرطا .
والهدايا إن كانت من أجل القرض فهى حرام ، وإلا فهى جائزة(9/401)
القرض الحسن والقرض بفائدة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين القرض الحسن ، والقرض من البنك لقاء زيادة، وذلك للحاجة إليه ، للاستهلاك أو للإنتاج ؟
An القرض هو إعطاء المال على سبيل استرداده بعد فترة معينة، والمال قد يكون نقدا وقد يكون عينا كالبر والشعير، وقد يكون حيوانا، وذلك عند جمهور الفقهاء ، ومنع الحنفية قرض الحيوان .
والقرض الحسن هو الذى لا تشترط فيه زيادة عند رده ، وثوابه عظيم عند الله سبحانه ، لأنه من باب التيسير على المعسر، والتعاون على الخير، وقيل إن ثوابه أفضل من ثواب الصدقة ، لأن القرض يكون من حاجة ، بخلاف الصدقة ، وروى فى ذلك حديث مقبول "الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر" .
وكان القرض فى الجاهلية مشروطا بزيادة فى نظير تأجيل الدين ، وتتكرر الزيادة بتكرار الأجل ، ويطلق عليه لفظ "الربا" .
ومن صوره كما قال ابن حجر : أن يدفع الواحد ماله إلى غيره إلى أجل مسمى ، على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا ، ورأس المال باق بحاله ، فإذا حل طلبه ، فإن تعذر الأداء زاد فى الحق والأجل .
والقرض من البنك بفائدة حرام ، بناء على القول المأثور الذى تدعمه النصوص الصحيحة "كل قرض جر نفعا فهو ربا" .
وقد يقال : إن الفائدة على القرض هى لتغطية نفقات البنك والعاملين فيه ، وتقاس على نفقة القرض المنقول إلى مكان غير مكان التعاقد عليه ، فعن مالك أنه بلغه أن عمر رضى الله عنه سئل فى رجل أسلف طعاما على أن يعطيه إياه فى بلد آخر، فكره عمر وقال : أين كراء الجمل ؟ فالمقرض طلب من المقترض نفقة نقل القرض إلى البلد الآخر، ولكن عمر كره أن يتحملها المقترض ، لأنه مقتضى العقد، والكراهة بمعنى التحريم .
وجاء فى فقه الشافعية أن من اقترض من إنسان شيئا وجب عليه أن يرده إلى المقرض فى محل الإقراض إذا كان القرض يحتاج نقله إلى نفقة فإذا لم يتحمل المقترض تلك النفقة لا يجبر المقرض على القبول ، وإنما يجبر المقترض على دفعها أو تسليم القرض فى محل الإقراض . وورد مثله عن المالكية والأحناف . "الأعمال المصرفية والإسلام " ص 83 ، 84 .
وجاء أيضا جواز احتساب الأجر على العمل عامة ، كأجر السمسرة وأجر كتابة الوثائق والسجلات والخطابات .
والبنوك الحالية تحتاج فى نشاطها إلى تغطية نفقات العاملين بها ، فلتكن من الفائدة التى تفرض على القرض .
لكن رد ذلك بأن الفائدة لو كانت فى مقابل النفقات لكانت موحدة فى كل البنوك . لكنها تختلف باختلاف مركز المقترض والضمان المتقدم ومدة القرض ، كما أنها تتكرر كل عام طيلة مدة القرض ، مع أنها لو أريد إلحاقها بالنفقة فلا بد من أخذها من أول العام فقط ، وعلى ذلك فقياس الفائدة على أجرة السمسار ونفقة القرض غير جائز .
وقد يقال أيضا : إن الفائده على القرض جزء من ربح مضاربة لأن القرض الذى يقدمه البنك إما استهلاكى وإما إنتاجى ، والإنتاجى يستثمر عن طريق المضاربة ، التى يكون فيها المال من جهة البنك والعمل من جهة المقترض ، على أن يقسم الربح بينهما بنسبة معلومة شائعة .
ورد عليه بأن المضاربة لا يجوز فيها اشتراط ضمان المال على المضارب عند الخسارة ولا يجوز تحديد الربح كخمسة أو عشرة لأحد المتعاقدين ، ونشاط القرض من البنك يتحمله المقترض وحده ، والربح محدد وليس نسبيا .
وقد نازع بعض فقهاء العصر فى ذلك فأجازوا تحديد الربح ، لأنه لا يشبه الربا المخرب للبيوت ، والتراضى على ذلك موجود بين الطرفين ، ولا دليل على جعل الربح بالنسبة ، والفائدة المحرمة ما كانت مضاعفة ومركبة .
ورد ذلك بنفى عدم الدليل على المضاربة بشروطها المعروفة، فالإجماع منعقد عليها وأن تحديد نسبة الربح مأخوذ عن على رضى الله عنه ، وأجمع فقهاء السلف عليه دون مخالف لهم فإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أن يكون الربح مشاعا لا محددا أمر مجمع عليه توارثه الخلف عن السلف .
هذا . وقد قيل : إنه يشك فى صدور هذه الآراء المحللة للفائدة على القرض إلى أصحابها، وأن بعضهم رجع عنها ، "يراجع فى توضيح ذلك الكتاب المذكور"(9/402)
حلف التجار لترويج السلع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يحلف بالطلاق ثلاثا ليسهل عمليات البيع والشراء، وما حكم الدين فى الأرباح التى يحققها بهذا الأسلوب ؟
An معلوم أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، ومعلوم أن الإسلام نهى عن الحلف بغير الله ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ، حتى الحلف بالله لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، كما قال تعالى { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } البقرة : 224 على ما فسره البعض بالنهى عن الحلف للحمل على البر والتقوى والإصلاح ، والتأكيد على عمل الخير .
والذى يحلف بالطلاق من أجل ترويج بضاعته إن كان كاذبا فزوجته طالق على رأى جمهور الفقهاء ، ورأى بعضهم أن الحلف به معلق إن لم يقصد طلاق زوجته فلا يقع طلاق ، وعليه كفارة يمين إن كان كاذبا .
ونحذر التجار من الحلف مطلقا لترويج البضاعة ، وبخاصة إذا كان الحلف كذبا ، فالكسب الذى يأتى من هذا الطريق الكاذب حرام ، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ، وقد جاء الحديث ناهيا عن مثل هذا الحلف فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وصححه "إن التجار هم الفجار" قالوا : يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع ؟ قال "بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ، ويحدثون فيكذبون " وفيما رواه البخارى ومسلم "ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل ، ورجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا ، فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك ، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفَّى له ، وإن لم يعطه لم يوف " وفيما رواه مسلم "إياكم وكثرة الحلف في البيع ، فإنه ينفق -أى يروج السلعة- ثم يمحق " أى يذهب البركة(9/403)
التوارث بين المسلم وغيره
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن بعض الأشخاص يدخلون فى الإسلام وتنقطع صلتهم بأهليهم ثم يموت هو، أو يموت قريبه غير المسلم فهل يكون بينهما توارث وإذا كان الإسلام قد أحل زواج الكتابية، فهل لو مات أحد الزوجن يرثه الآخر؟
An لا خلاف بين أحد من العلماء فى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا إذا كانت بينهما صلة زواج أو قرابة ، كأن تزوج المسلم كتابية ومات عنها ، أو أسلم كافر ومات والورثة ما زالوا مصرين على الكفر حتى قسمت التركة وذلك لحديث الصحيحين .
واختلفوا فيما إذا مات المسلم ثم أسلمت زوجته أو أحد أقاربه قبل توزيع التركة فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعى وأصحابهم إلى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا بأى سبب من أسباب الميراث ، لا فرق بين أن يسلم الكافر قبل تقسيم التركة أو لا يسلم ، وذهب أحمد بن حنبل إلى أن الزوجة الكتابية ترث من تركة زوجها المسلم ، وأن القريب الكافر يرث من قريبه المسلم إذا أسلم كل واحد منهما قبل أن تقسم التركة .
أما ميراث المسلم من الكافر، فى مثل الزوج يرث زوجته الكتابية ، والمسلم يرث قريبه الكافر، فقد اتفق الأئمة الأربعة أيضا على أن المسلم لا يرث من الكافر شيئا بسبب الزوجية أو القرابة .
وكان معاذ بن جبل ومعاوية بن أبى سفيان وسعيد بن المسيب ومسروق والنخعى ومحمد ابن الحنفية وإسحاق بن راهويه يرون أن المسلم يرث من الكافر بسبب الزوجية أو القرابة ، وهو رأى ضعيف ، وما جاءوا به لا ينهض دليلا لصحة الرأى .
هذا ، وأما المرتد عن الإسلام فذهب الشافعية والماليكة إلى أنه لا يرث أحدا من المسلمين أو من غيرهم بأى سبب من أسباب الميراث ، ولا يرثه أحد من المسلمين أو من غيرهم كذلك ، حتى لو ارتد أخوان عن الإسلام إلى النصرانية أو غيرها لا يرث أحدهما الآخر .
وذهب أبو حنيفة إلى أن المرتد لو كان رجلا وبقى على ردته حتى مات فماله الذى كسبه قبل الردة تركة تقسم بين الورثة المسلمين ، أما ماله الذى كسبه فى حال ردته فيكون فيئا للمسلمين ، وإن كان المرتد امرأة فجميع ما تتركه يكون تركة تقسم بين ورثتها المسلمين ، سواء كسبته قبل الردة أم بعدها ، "محمد محيى الدين على شرح الرحبية"(9/404)
الميراث والتحول الجنسى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يحدث تعديل فى الميراث إذا تغير جنس الوارث بعد توزيع الميراث ؟
An عمليات التحول الجنسى ظهرت حديثا ، وبينا حكم الشرع فيها ، ومن تطبيقاتها هذه المسألة ، وقد جاء فى المادة 46 من قانون الميراث المعمول به فى مصر أن الخنثى المشكل الذى لا يعرف كونه ذكرا أو أنثى له أقل النصيبين ، وما بقى من التركة يعطى لباقى الورثة ، أما إذا لم يكن مشكلا بأن ولد ذكرا بين الذكورة ، أو أنثى بَيِّن الأنوثة عومل بحاله الذى هو عليه عند موت مورثه ، ولا يضر بعد ذلك تحوله إلى جنس آخر(9/405)
بيع الثمر على الشجر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى بيع الثمار وهى على الأشجار لم تنضج بعد؟
An الثمار قبل أن تنضج لها حالتان ، الحالة الأولى لا تكون صالحة ، والحالة الثانية يبدو صلاحها .
فبيعها قبل صلاحها جاء النهى عنه فى رواية لأحمد وأصحاب السنن إلا النسائى، فعن أنس رضى الله عنه قال : نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد .
وعلى هذا الرأى جماعة من العلماء ، ورأى آخرون أن البيع يصح ، تمسكا بعموم قوله تعالى{وأحل الله البيع} البقرة :275 قال أبو حنيفة : ويؤمر بالقطع وهو المشهور من مذهب الشافعى .
فأما البيع بعد الصلاح التام فيصح مع شرط القطع إجماعا ، ويفسد البيع مع شرط البقاء إجماعا إن جهلت المدة ، فإن علمت صح عند بعضهم .
أما بيعها قبل بدو صلاحها فقد جاء النهى عنه فى قوله صلى الله عليه وسلم "لا تبيعوا الثمار حتى يبدو صلاحها" رواه مسلم وغيره .
وعليه فقد حكم ببطلانه قلة من العلماء ، وقال الجمهور بصحته إذا شرط قطع الثمار، وقال أكثر الحنفية ، يصح إن لم يشترط التبقية على الشجر .
فالموضوع فيه خلاف ، ويجوز اتباع أى رأى . ولزيادة المعرفة يراجع "نيل الأوطار للشوكانى" ج 5 ص 185(9/406)
التهرب من الضرائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز التهرب من الضرائب ؟
An الضرائب فريضة مالية قررها ولى الأمر لتغطية النفقات والحاجات اللازمة للأمة إذا لم تف أموال الزكاة بذلك . وهى مشروعة إذا كانت عادلة فى تقديرها وفى جبايتها ، ولا يجوز التهرب منها ، لأن الله أمرنا بطاعة أولى الأمر فيما فيه مصلحة كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } النساء : 59 .
وقد تعرض القرطبى فى تفسيره "ج 16 ص 42 " إلى هذه المسألة فقال : اختلف علماؤنا فى السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما يأخذهم ويؤدونه على قدر أموالهم ، هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل ، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم ، فقيل : لا، وهو قول سحنون من علمائنا -المالكية- وقيل :
نعم ، له ذلك إن قدر على الخلاص ، وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودى ثم المالكى، قال : ويدل عليه قول مالك فى الساعى يأخذ من غنم أحد الخلفاء شاة وليس فى جميعها نصاب : إنها مظلمة على من أخذت له ، لا يرجع على أصحابه بشىء ، قال : ولست آخذ بما روى عن سحنون ، لأن الظلم لا أسوة فيه ، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه فى ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره ، والله سبحانه يقول "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " . الشورى : 42(9/407)
الحلف على ترويج التجارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ساومت تاجرا عل ثمن سلعة فحلف لى أنه دفع فيها أكثر مما دفعته له ، ثم سألت عنها عند تاجر آخر فرأيت ثمنها أقل من ذلك بكثير، فما رأى الدين فى هذا الحلف ؟
An لقد حذرنا الإسلام من الفتنة بالدنيا فمتاعها قليل والآخرة خير وأبقى ، ومن أكثر الناس افتتانا بها من يعملون فى ميدان التجارة لذلك وضع الإسلام لها آدابا تحقق الربح فى الدنيا والآخرة ، ففى حديث حسن رواه الترمذى وابن ماجه "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" وفى حديث رواه البيهقى "أن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدَّثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا -وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يمدحوا ، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ، وإذا كان لهم لم يعسروا" فمن الآداب إذا اشتروا سلعة لا يذمونها ويبخسونها حقها، وإذا باعوها لم يمدحوا فيها مدحا مبالغا فيه ، وإذا كان عليهم حق لغيرهم لا يماطلون فى دفعه ما داموا قادرين ، وإذا كان لهم حق على غيرهم لا يطلبونه وهم معسرون ، بل يؤجلونه إلى ميسرة .
ومما يتورط فيه التجار بغية الكسب والكسب الكثير، الحلف بالله أنه اشترى السلعة بثمن غال حتى يأخذ ممن يبتاعها منه ثمنا أغلى ولو فرض أنه صادق فى حلفه فإن الحلف بالله حتى فى فعل الخير مذموم لقوله تعالى : {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } البقرة : 224 وهو أشد ذمًّا إذا حلف ألا يفعل الخير وأفحش ما يكون الحلف ذما إذا كان كاذبا فيه ، وبخاصة إذا توصل به إلى مغنم دنيوى لا يدفع عنه غضب اللّه وقد جاء فى ذلك حديث البخارى ومسلم وأصحاب السنن "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " ومنهم : "رجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله أنه اشتراها بكذا وكذا فصدَّقه فأخذها وهى على غير ذلك" روى البخارى ومسلم "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب " إن الذي يحلف كذبا غاش والحديث الذى رواه مسلم يقول "من غشنا فليس منا" وعليه أن يكفِّر عن يمينه ويتوب إلى اللّه برد المظالم إلى أهلها ، والذى يقتطع مال امرئ مسلم بغير حق حتى لو لم يكن هناك حلف بالله حرم الله عليه الجنة كما رواه مسلم وأى لحم نبت من سحت فالنار أولى به كما رواه الطبرانى واللقمة من الحرام فى جوف الإنسان تحول دون استجابة الدعاء ، بل تمنع قبول عمله أربعين يوما كما رواه الطبرانى ولكثرة ما يقع فيه التجار الحريصون على الدنيا من أخطاء جاء الحديث الذى رواه أحمد بإسناد جيد "إن التجار هم الفجار" قالوا : يا رسول الله أليس الله قد أحل البيع ؟ قال "بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون" فلنضع أمام أعيننا جميعا قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان "لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له ، فأجملوا فى الطلب " وقوله "من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يأته منها إلا ما كتب له " رواه ابن ماجه(9/408)
الرجوع فى الهبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أهدى رجل بنته حليا من الذهب ثم أعطته له ليحفظه أمانة يردها عند الطلب ، فلما طلبته رفض، فهل الحلى من حق الأب أو من حق البنت ؟
An الهبة فى الشرع هى تمليك الإنسان شيئا من ماله لغيره فى حياته بلا عوض ، فإذا كان التمليك بعد الوفاة كان وصية ، وإذا كان بعوض كان هدية أو بيعا .
والهبة فى الحياة بدون عوض مشروعة بل مندوبة لما فيها من تأليف القلوب ، وقد جاء فى الحديث الحسن "تهادوا تحابوا" وكما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تقديمها حث على قبولها ، ففى حديث أحمد "من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف -أى تطلع- ولا مسألة فليقبله ولا يرده ، فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه " وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية، فقد جاء فى رواية أحمد "لو أهدى إلىَّ كراع لقبلت" والكراع من عظام الأطراف .
والهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها، كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعى شرطا القبض حتى تكون لازمة ، والرجوع فى الهبة حرام عند جمهور العلماء ، إلا إذا كانت من الوالد لولده ، فإن له أن يرجع فيها ، لما رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطى ولده" وحكم الوالد حكم الوالدة، ويستوى فى الولد أن يكون كبيرا أو صغيرا ، ذكرا أو أنثى .
وقال أبو حنيفة : ليس له الرجوع فيما وهب لابنه ولكل ذى رحم من الأرحام ، وهو رأى غير قوى لمعارضته للحديث . وجاء فى النهى عن الرجوع فى الهبة حديث الترمذى وغيره وهو حسن صحيح "مثل الذى يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل ،فإذا شبع قاء ثم عاد فى قيئه" وفى إحدى الروايات "ليس لنا مثل السوء، الذى يعود فى هبته كالكلب يرجع فى قيئه" .
وبخصوص السؤال نقول : إن هذا الحلى صار من حق البنت عندما قبضته من والدها ، لكن يجوز لوالدها أن يرجع فى هذه الهبة ، ويصير الحلى من حقه بناء على رأى جمهور الفقهاء المستند إلى الحديث ، وأبو حنيفة يقول إنه من حقها هى، وإن كان رأى الجمهور، أقوى لكنى أقول للوالد : إن كنت محتاجا إلى هذا الحلى فهو حلال لك ، وإن كنت غير محتاج فأولى أن تكرم به بنتك يعطيك الله على ذلك ثوابا عظيما ، اللهم إلا إذا كانت هناك ظروف يقدرها الوالد لمصلحة البنت ، والأعمال بالنيات(9/409)
خيار العيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاءنا السؤال الآتى قمت بعملية مقايضة على سلعة معينة مع شخص آخر وقرأنا الفاتحة على عدم الرجوع ، ولكن ظهر لى بعد ذلك أن فى السلعة عيبا لم يكن ظاهرا لى، وبذلك رجعت فى المقايضة، فهل لقراءة الفاتحة كفارة وما رأى الدين فى ذلك ؟
An من أخلاق الإسلام النصح وعدم الغش ، ومحبة الخير للغير كما يحب الإنسان لنفسه ، وبخصوص البيع صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمن يبيع طعاما أخفى تحته طعاما مبلولا "من غشنا فليس منا" رواه مسلم وقال "لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له " رواه الحاكم والبيهقى وأحمد وابن ماجه بألفاظ متقاربة فالبائع فى هذه المسألة مذنب ما دام لم يبين للمشترى العيب الذى فى سلعته وهو يعلم به ، وقد أثبت الفقهاء خيار الرد بالعيب بعد إتمام التعاقد، بناء على أحاديث صحيحة فى المصراة ، وهى الدابة التى يجمع لبنها فى ضرعها وتباع ، فيتوهم المشترى أنها كثيرة اللبن ثم يتبين غير ذلك ، ومن هذا يتبين أن رد السلعة المعيبة لصاحبها أمر مشروع ، وأما قراءة الفاتحة إن اعتبرناها عقدا أو مكملة للعقد فليس لها كفارة ، لأنها ليست يمينا باللِّه ، وعلى البائع أن يتوب من ذنبه ويعزم أكيدا على ألا يعود إلى الغش مرة أخرى ، والحديث الصحيح يقول فى المتبايعين "فإن صدقا وبينا بورك لهما فى بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" رواه البخارى ومسلم(9/410)
النهى عن أكل حق الغير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q التقيت فى الخارج بشخص من قريتى وآخر من محافظة بعيدة ، وجرى التعامل بيننا، ولما عدت إلى بلدى كان للرجل البعيد دين علىَّ، فقلت لابن قريتى، سدد هذا الدين ، من الدين الذى لى عليك ولكنه لم يفعل ، وأنا أعرف عنوان هذا الشخص ولا يعرفه أحد، فماذا أفعل ؟
An نشكر للسائل أمانته وخوفه من أكل حق الغير، ونوجه كل من وكِّل إليه أمر أن ينفذه إذا قبله أو يعفيه من قبول هذه الوكالة فإن الإهمال أوقع السائل فى حرج ، ونقول للسائل :
عليك أن تبحث عن عنوان صاحب الحق الذى له عليك ، ولا تيأس ولا تتعجل بأى تصرف ، وبخاصة إذا كان المبلغ كبيرا لا يسكت الطالب عن البحث عنه وقد يكون من الخير أن تحتفظ به وتوصى من معك أن يؤدوه لصاحبه إن طلبه ولو بعد حين فقد يكون فى حاجة إليه ولا تمل من السؤال عنه ليأخذه ، ولو حدث أنك استثمرت هذا المبلغ لمصلحتك ، فإن لصاحبه إن ظهر ، نصيبا فى الربح إن جعلنا ذلك مضاربة ، وله الربح كله إن كان الاستثمار تصرفا بغير إذن صاحبه ، ولك أجر مادى على هذا الاستثمار، يتفق عليه فإذا عجزت تماما من معرفة هذا الشخص بعد طول المحاولة فتصدق به على نية أن الثواب له وبالله التوفيق(9/411)
شركة المواشى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى رجل تعاقد مع رجل على شركة مواش بينهما، على أن يكون الأول هو صاحبها عند شرائها، والثانى هو الذى يقوم برعايتها، ونتيجة لإهمال الثانى لم يغلق الحظيرة على المواشى فسرقت ، فكيف يفصل بين الطرفين فى هذا الموضوع ؟
An التعاون بين المسلمين مطلوب فى كل ما يعود عليهم بالخير، كما قال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة : 2 وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم "والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " رواه مسلم ومن مقتضى هذا التعاون أو من دواعيه ، الرحمة والإحساس بحاجة الغير إلى المعونة ، وحتى يكون هذا التعاون الرحيم مثمرا يجب أن يوجد تبادل بين الطرفين المعطى والآخذ ، فى مشاعر الود وحب المصلحة للجميع ، والصدق والأمانة والصراحة في المعاملة . وبدون هذه المشاعر الطيبة والأخلاق الفاضلة لن يثمر التعاون ثمرته المرجوة، حيث يكون التعامل فى جو من النفاق والخداع وفى الحديث الصحيح "آية المنافق ثلاث : إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان" رواه البخارى ومسلم ومن أنواع التعاون الجارى فى الريف بالذات أن يشترى إنسان قادر، ماشية ثم يسلمها إلى آخر يجيد مهنة الزراعة وتربية المواشى لأنه فى حاجة إلى هذه الماشية التى لا يمللك ثمنها ، ويقوم هو برعايتها فى مقابل استخدامه لها فى الحرث والرى ، وانتفاعه بما تدره من لبن ، وأحيانا يشترط الطرفان أن يكون الناتج بالولادة مناصفة بينهما .
وإذا كان العقد شريعة المتعاقدين ، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، فإن هذا التعاقد يختلف عن عقد الشركة التى تحدث عنها الفقهاء ، والتى يكون الربح والخسارة فيها بين الشركاء بقدر أنصبتهم فى الشركة ، وهنا لم يدفع الطرف الثانى شيئا من الثمن ، وهو ليس من المضاربة عند بعض الفقهاء .
ومن أجل أن المسألة التى معنا فيها منفعة لكلا الطرفين فيمكن تخريجها على أنها من باب الوديعة ، فالماشية وديعة وأمانة عند الطرف الثانى الذى لا يملكها ، يحرسها ويرعاها بأجر أو بمقابل هو منافعها التى يحصل عليها منها ، والمودع عنده يجب أن يحافظ على هذه الأمانة بما يقضى به العرف الجارى ، فإذا قصر لزمه العوض . وعلى هذا يجب على الطرف الثانى أن يدفع للأول ثمن الماشية التى سرقت بسبب إهماله .
وحديث "لا ضمان على مؤتمن " ضعيف ، ومع ذلك جاء برواية أخرى للدارقطنى تقيده وهى "ليس على المستعير غير المُغل ضمان ، ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن فالوديع لا يضمن إلا لجناية منه على العين ، وإهمال رعاية الماشية بعدم إحكام إغلاق الحظيرة عليها يعد جناية ، وبخاصة إذا كان متعمدا لذلك فهو خيانة ولابد من الضمان(9/412)
رواتب موظفى الضرائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الراتب الذى يتقاضاه الموظف من مصلحة الضرائب ؟
An معلوم أن العلماء قالوا : يجوز للإمام أن يفرض ضرائب على القادرين إذا لم توُفِ الزكاة بسداد حاجات المحتاجين وإصلاح أحوال الأمة ، ومعلوم أن ميزانيات الدول الإسلامية الآن لا تقوم فقط على الزكاة والموارد الأساسية الأولى ، بل لها موارد متعددة منها الضرائب والرسوم وغيرها .
وإذا كان فى هذه الموارد شىء حرام فانه لا يميز وحده بعيدا عن الحلال ، وإنما يختلط الحلال بالحرام ، ويصعب فصل أحدهما عن الآخر، وهنا قال العلماء -كما فى كتاب : إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 2 ص 115 .
لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام ، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام ، والدليل على ذلك ما يأتى :
1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال ، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة ، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم ، كما لم يتركوا شرب الخمور، ولا تركوا المعاصى ، وأدرك أصحاب الرسول الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة وقد نهبها أصحاب "يزيد" ثلاثة أيام ، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة .
2 - لو فتح هذا الباب لانسدَّ باب جميع التصرفات وخرب العالم ، إذ الفسق يغلب على الناس ، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود ، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط ، ولو قيل : إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط الآن - أقول ليس حراما وإنما الورع تركه . وقال القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 109 " ما نصه .
قال ابن خويز منداد : وأما أخذ الأرزاق - المرتبات - من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال :
ا- إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه ، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره .
ب- وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه .
ج- وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم ... ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق ، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين .
من هذا وغيره نعرف أن أموال الضرائب التى تقوم مالية الدولة عليها وعلى غيرها ولا يتميز فيها الحلال من الحرام يجوز الأخذ منها والانتفاع بها، كما هو حادث فى هذه الأيام من توجيه الميزانية بما فيها لأجل مصالح الشعب من أجور وغيرها ولا حرج فى ذلك(9/413)
رواتب الأئمة والمؤذنين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الأئمة والمؤذنين يقومون بواجبهم الذى فرضه اللّه عليهم ، فلا يستحقون أجرا عليه فى الدنيا، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An سبق فى حكم الأجر على قراءة القرآن "ص 458 من المجلد الثانى" ما نقل عن القرطبى فى حكم المصلى بأجرة ، وأن الإمام مالكا كره ذلك ، والشافعى أجازه وأن أبا حنيفة كرهه .
وذكر الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية" ص 102 أنه يجوز أن يأخذ الإمام ومأذونه رزقا على الإمامة والأذان من بيت المال من سهم المصالح ، ومنع أبو حنيفة من ذلك .
والحق أن الطاعات لا يأخذ الإنسان عليها أجرا ، لأنها واجبة عليه سيؤديها حتما إن أخذ أجرا أو لم يأخذ ، لكن الطاعات المندوبة كالإمامة والأذان يجوز أخذ الأجر عليها حيث لم تتعين ، وبخاصة إذا شغل عنها بتدبير عيشه قد تهمل فيخص ولى الأمر لها ما يغنى القائم بها عن تحصيل رزقه ، كما جعل عمر لأبى بكر فى بيت المال ما يغنيه عن التجارة من أجل الإنفاق على نفسه وأهله ، وذلك ليتفرغ لمصالح المسلمين(9/414)
الوصية الواجبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مات رجل عن أولاده الصغار قبل وفاة أبيه - فهل يحق لأولاده أن يأخذوا ميراث أبيهم أم لا ؟
An إذا مات رجل فى حياة والده ، وكان لهذا الرجل أولاد، ثم مات جدهم ، فهل يرثون فى جدهم النصيب الذى كان يستحقه أبوهم ؟ قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة : 180 وقال أيضا {يوصيكم اللّه فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء : 11 وقال صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال : حديث حسن .
تحدث العلماء عن الآية الأولى : هل نسخت بالآية الثانية، بناء على إحدى روايات الحديث المذكور وهى "إن الله أعطى كل ذى حق حقه ، ألا لا وصية لوارث " أو هى باقية لم تنسخ . ثم قالوا فى نظام الميراث :
الابن يحجب أولاد الابن ، لكن البنت لا تحجب أولاد الابن ، فلو مات رجل وترك أبناء وأولاد ابن مات قبله حُرِم هؤلاء الأولاد من الميراث من جدهم ، وتعرضوا للضياع ، لكن لو مات وترك بنتا وأولاد ابن مات قبله فإن هؤلاء الأولاد يرثون فى تركة جدهم كعصبة ، لهم الباقى بعد أصحاب الفروض .
وتلافيا لضياع أولاد الابن المحجوبين عن الميراث وجد أن بعض العلماء قالوا بوجوب الوصية -حسب الآية الأولى- لمن لم يكن لهم ميراث ، وبناء عليه وضع القانون رقم 71 لسنة 1946 م وعمل به فى مصر، من أول أغسطس من العام المذكور ، وجاء فى المادة 76 منه :
إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات فى حياته أو مات معه ولو حكما -بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا فى تركته لو كان حيا عند موته - وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث ، بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض عن طريق تصرف آخر قدر ما يجب له ، وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله .
وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا .
وعلى هذا يكون لأولاد الابن المتوفى فى حياة أبيه وصية واجبة فى تركة جدهم بمقدار ما كان يستحقه أبوهم لو كان حيًّا ، وذلك بشروط هى :
1- أن يكون هذا الفرع غير وارث ، وهو لا يرث إذا كان هناك عمّ له وهو أخو أبيه .
2- أن يكون الفرع موجودا على قيد الحياة عند موت جده .
3- أن يكون من أولاد الظهور- الأبناء - أو الطبقة الأولى من أولاد البنات .
4- ألا يكون الفرع ممنوعا من ميراث أصله ولا محجوبا به ، كأن يكون قاتلا له أو مرتدا .
5- ألا يكون له نصيب فى الميراث من التركة التى وجبت فيها الوصية ، كما لو استغرقتها الفروض .
6- ألا يكون المتوفى-الجد- قد أعطى فرعه المستحق للوصية الواجبة ما يساوى نصيب أصله بطريق التبرع . فإن كان قد أعطاه بلا مقابل فلا حقَّ له بطريق الوصية ، إلا إذا كان ما أخذه أنقص من استحقاقه ، فيستكمل له .
هذا ، والمادة 37 من القانون المذكور تقول : تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره ، وتنفذ من غير إجازة الورثة ، وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه(9/415)
التجارة فى النجاسات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يشاهد فى بعض القرى أناس يجمعون مخلفات الحيوانات ويبيعونها كسماد للزرع أو وقود للأفران ، فهل التجارة فى هذه النجاسات حلال ؟
An فى حديث رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن اللّه حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس؟ فقال "لا، هو حرام ، قاتل الله اليهود ، إن الله لمَّا حرم شحومها جملوه - أذابوه- ثم باعوه وأكلوا ثمنه" رواه الجماعة .
وروى البيهقى بسند صحيح أن ابن عمر رضى اللّه عنهما سئل عن زيت وقعت فيه فأرة فقال : استصبحوا به ، وادهنوا به أدمكم ، ومر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على شاة لميمونة فوجدها ميتة ملقاة فقال : "هلاَّ أخذتم إهابها فدبغتموه وانتفعتم به" فقالوا : يا رسول الله إنها ميتة فقال "إنما حرَّم أكلها" رواه الجماعة إلا ابن ماجه .
قال جمهور العلماء : إن بيع النجس والتجارة فيه حرام والعقد عليه باطل ، بناء على الحديث الأول الذى نص على الحرمة وعلى لعن اليهود الذين تاجروا فيه ، أما استعمال النجس فهو حلال لغير الأكل بدليل الحديث الثانى وقول ابن عمر .
هذا ، واستثنى الأحناف من حرمة البيع والتجارة فى النجس كل ما فيه منفعة ، وتبعهم الظاهرية فقالوا : يجوز بيع الأرواث والأزبال النجسة التى تستخدم فى الزراعة والوقود ، وكذلك الزيت النجس والأصباغ المتنجسة ما دام الانتفاع بها فى غير الأكل ، وحجتهم فى ذلك أن الانتفاع ما دام حلالا فالبيع حلال ما دام يقصد به هذا ، وفى غير الأكل ، وأجابوا عن حديث جابر بأن حرمة البيع كانت فى أول الأمر عندما كان المسلمون قريبى العهد باستباحة أكلها ، فلما تمكن الإسلام من نفوسهم أبيح لهم الانتفاع بغير الأكل(9/416)
المضاربة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى البنوك الإسلامية نظام للاستثمار يطلق عليه اسم المضاربة ، فما هى الصورة الحقيقية لهذه المعاملة وما وجه إباحتها؟
An المضاربة مأخوذة من الضرب فى الأرض وهو السفر للتجارة كما قالى تعالى {وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله} المزمل : 20 ويطلق عليها اسم القراض ، وهو مأخوذ من القرض أى القطع ، لأن المالك يقطع جزءا من ماله للتجارة وقطعة من ربحه ، وهى عقد بين طرفين ، يدفع أحدهما نقدا إلى الآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها .
وهى معاملة جائزة بإجماع الفقهاء ، وكانت موجودة قبل الإسلام حيث ضارب النبى صلى الله عليه وسلم لخديجة رضى الله عنها بمالها ، وسافر به إلى الشام ، ولما جاء الإسلام أقرها، يقول الحافظ ابن حجر: والذى نقطع به أنها كانت ثابتة فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم يعلم بها وأقرها ، ولولا ذلك ما جازت ألبتة .
ومن حوادثها أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب ، رضى الله عنهم خرجا فى جيش العراق ، فلما رجعا مرَّا على أبى موسى الأشعرى أمير البصرة فرحب بهما وأبدى استعداده لخدمتهما ، فأعطاهما مالا من مال الله ليوصلاه إلى أمير المؤمنين فى المدينة وأرشدهما إلى استغلاله كسلفة يتجران فيها بشراء سلع من العراق وبيعها فى المدينة يستفيدان من الربح فيها فقبلا منه هذا العرض ، وكتب إلى عمر أن يتسلم منهما المال الذى أرسله ، فلما قدما وباعا وربحا ، قال لهما عمر: أكلَّ الجيش قد أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا ، فقال عمر: أديا المال وربحه ، فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال : لو هلك المال ضمنَّاه ، فأصر عمر على أن يؤدياه ، وفى النهاية قال رجل لعمر: لو جعلته قراضا؟ يعنى لو عملت فيه بحكم المضاربة وجعلت لهما نصف الربح ؟ فرضى عمر بذلك .
والإسلام أقر هذه المعاملة للحاجة إليها ، فقد يكون هناك مالك لمال لا يحسن استغلاله فيعطيه رجلا لا مال له يحسن استغلاله ، لتكون الثمرة بينهما، يفيد كل منهما وينشط الاقتصاد، ولا ينقص المال المعطل بإخراج زكاته كل عام ، ويجد الفقير عملا حلالا لا يحول دون تعطله والتجائه إلى وسيلة للعيش قد تكون محرمة، كالتسول والسرقة، ففيها تعاون على الخير، واشترط الفقهاء لصحتها أن يكون رأس المال نقدا معلوما ، وأن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوما بالنسبة لا بالقدر المعين ، كالنصف والثلث والربع مثلا، وهذا ما عامل عليه النبى صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها ، يقول ابن المنذر: اجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض -المضاربة- إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة .
وقالوا فى تعليل ذلك : إنه لو اشتُرط قدر معين لأحدهما فربما لا يكون الربح إلا هذا القدر، فيستفيد به طرف دون الآخر، وهو مناف لحكمة المشروعية فى نفع كل من المتعاقدين .
وهناك شرط اختلف الفقهاء فيه وهو إطلاق النشاط وتقييده ، فقال مالك والشافعى : لا يجوز تقييد المضاربة بالإتجار فى سلعة معينة أو فى بلد معين ، أو فى زمن معين ، أو مع شخص معين ، لأن التقييد قد يضيع فرصا للربح ، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: تصح المضاربة بالإطلاق والتقييد، وفى حالة التقييد لا يجوز للعامل المخالفة، وإلا ضمن ، كما شرط حكيم بن حزام مع من يتاجرفى ماله : ألا يجعله فى كبدٍ رطبة أى حيوان ولا يحمله فى بحر، ولا ينزل به فى بطن مسيل ، وإلا كان ضامنا لما يتلف منه .
والمفروض فى العامل أن يكون أمينا على المال ، فلا يضمن إلا بالتعدى ، فإذا تلف شىء منه فلا شىء عليه ، ويصدق فى قوله مع اليمين إن ادعى ضياعه أو هلاكه .
ثم قال العلماء : لو أعطى العامل هذا المال أو بعضه لشخص آخر يضارب فيه كان متعديا ويكون ضامنا إن كان فيه خسران ، وقال بعضهم : إن كان هناك ربح فهو لصاحب المال ، وقال آخرون : الربح للمضارب ويتصدق به .
والعامل الذى يباشر النشاط تكون نفقته فى ماله هو إذا كان مقيما ، أو سافر من أجل المضاربة ولا يتحملها صاحب المال، فقد تستغرق الربح كله ، والعامل له نصيب فليكن تصرفه فى حدوده ، لكن لو أذن رب المال له فى ذلك فلا مانع ، فالمؤمنون عند شروطهم والعقد شريعة المتعاقدين .
هذا ، وكما يجوز أن يكون المضارب العامل شخصا يجوز أن يكون جماعة أو هيئة أو مؤسسة تقوم بالنشاط التجارى الحلال لا الحرام ، ولا تفرض لصاحب المال قدرا معينا بالنسبة لرأس ماله ولا تتحمل هى الخسارة، بل يتحملها رب المال ما دام لا يوجد تقصير منها ، فلو ضمنت له قدرا معينا لا يتأثر بخسارتها هى ولا بمقدار ما تربحه بطلت المضاربة ، ولو ضاربت هى فى هذا المال بإعطائه لغيرها ضمنت الخسارة ، وإن كان هناك ربح فالربح كله لصاحب المال ، ولها فى نشاطها أجر المثل ، وإن كان أهل الرأى يقولون : إن الربح من حق هذه الجماعة وعليها أن تصرفه فى الخير ولا تتملكه .
ومن هنا يعلم أن البنوك والمؤسسات الأخرى التى تأخذ أموالا من الناس لقاء فائدة محددة بالنسبة لرأس المال لا يصدق عليها أنها تتعامل بنظام المضاربة لأمرين هامين ، هما تحديد الربح وتحمل الخسارة ، ونظام البنوك يمنع أى نشاط تحتمل فيه الخسارة . ولو قيل إنها وكيلة أو نائبة عن أصحاب الأموال ، فإن كل ربح أو خسارة يكون لهم ، ولهذه المؤسسات أجر الوكالة فقط ، وهذا يتنافى مع الواقع فى نشاطهم الذى نصت القوانين على أن الأموال التى يتلقونها هى من باب القرض الذى يجب رده لصاحبه بعينه أو مثله ، فإن شرطت عليه زيادة فهى ربا كما تقدم توضيحه فى ص 74- 82 س من المجلد الأول من هذه الفتاوى(9/417)
الشركات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نقرأ فى بعض كتب الفقه كلاما عن أنواع من الشركات كالعنان والمفاوضة والوجوه ، فما هى الفروق بينها وما حكم الشرع فيها؟
An الشركة كما يقول الأحناف : عقد بين المتشاركين فى رأس المال والربح ، والمشاركة فى الخير مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى فى الميراث :{فهم شركاء فى الثلث} النساء : 12 ، وقال صلى الله عليه وسلم قال تعالى: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما" رواه أبو داود وذكر ابن المنذر أن العلماء أجمعوا على مشروعيتها .
وقسم العلماء الشركة إلى قسمين أساسيين : أحدهما شركة أملاك وهى التى لا يكون فيها عقد ، كالمال الموهوب لأكثر من شخص فيقبلانه ، وكالمال الموروث لأكثر من شخص ، والحكم فيها أنه لا يجوز لأى شريك التصرف فى نصيب الآخر إلا بإذنه .
والقسم الثانى شركة عقود ، وهى أنواع :
أ-شركة العنان ، أن يشترك اثنان فى مال لهما على أن يتجرا فيه والربح بينهما ، ولا يشترط فيها المساواة فى رأس المال ولا فى التصرف ولا فى الربح ، فذلك بحسب الاتفاق وعند الخسارة يتحملانها بنسبة رأس المال .
ب- شركة المفاوضة أن يتعاقد اثنان أو أكثر على الاشتراك فى عمل بشرط التساوى فى المال والتصرف والدين ، وأن يكون كل واحد كفيلا عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه . وقد أجازها الحنفية والمالكية ولم يجزها الشافعى لعسر المساواة فيها بسبب الغرر والجهالة ، ولم يصح فى إجازتها حديث ، وصورتها عند المالكية أن يفوض كل شريك إلى الآخر التصرف مع حضوره وغيبته وتكون يده كيده ، ولا يكون شريكه إلا فيما يعقدان الشركة عليه ، ولا يشترط فيها المساواة فى المال .
ج- شركة الوجوه ، أن يشترك اثنان فأكثر من الناس دون أن يكون لهم رأس مال وذلك اعتمادا على جاههم وثقة التجار بهم ، على أن تكون الشركة بينهم فى الربح ، فهى شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال ، وأجازها الأحناف والحنابلة ، وأبطلها الشافعية والمالكية لعدم المال والعمل .
د- شركة الأبدان ، أن يتفق اثنان على أن يتقبلا عملا من الأعمال ، على أن تكون الأجرة بينهما حسب الاتفاق ، كالنجارين والحدادين والحمالين وغيرهم من الحرفيين وهى جائزة عند الجمهور، وأبطلها الشافعى، لأن الشركة عنده تختص بالأموال لا بالأعمال .
إن هذه الشركات بتلك الأسماء لا يعرفها تمام المعرفة إلا المتخصصون فى علم الشريعة، لأن هذه الأسماء حادثة بالاصطلاح ليست شرعية ولا لغوية، كما يقول صاحب كتاب "الروضة الندية" ولذلك هو يرى صحة هذه الشركة بأى اصطلاح يكون ما دام لا يوجد فيها شرط فاسد أو عمل محرم ،ورضى الشركاء بها . هذا وقد ذكر ابن قدامة فى كتابه المغنى بعض شركات جائزة منها أن يدفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزقه اللّه منها فهو بينهما حسب الاتفاق ، والشافعى وأصحاب الرأى لا يجيزون ذلك وجعلوا الربح كله لصاحب الدابة ، وللعامل أجرة المثل ، لأن هذه الصورة ليست من صور الشركات وليست مضاربة لأنها لا تكون فى العُروض بل بالتجارة فيها ، وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك صاحبها ، أما الحنابلة فيجوِّزون ذلك لأنها عين تنمى بالعمل عليها ، ولو دفع شبكة إلى الصياد ليصيد بها السمك على أن يكون لكل منهما النصف يصح عند أحمد ولا يصح عند الآخرين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجر المثل .
ويقول ابن القيم فى "إعلام الموقعين " : لو دفع الشخص بقره ، أو غنمه أو إبله إلى آخر يرعاها والدر والنسل بينهما جاز، وكذلك لو دفع إليه دابته يعمل عليها والأجرة بينهما جاز، ولا يوجد كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس يحرم ذلك(9/418)
كتابة الوصية قبل النوم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ورد حديث يأمر الإنسان بكتابة وصيته قبل أن ينام ؟
An روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما حق امرئ مسلم له شىء يوصى فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" .
الوصية فى الشرع تصرف مضاف لما بعد الموت ، وهى تكون بالعين وبالدين وبالمنفعة ، وتكون بطريق التبرع دون مقابل ، ويفرق بينها وبين الهبة بأن الهبة تمليك فى حال الحياة ، وهى لا تكون إلا بالعين ، لا بالدين ولا بالمنفعة .
والوصية مشروعة بالكتاب كما قال تعالى{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة : 18 وكما قال {يا أيها الذين آمنوا شهاده بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} المائدة :
106 ومشروعة بالسنة للحديث الذى سبق ذكره ، ولما رواه ابن ماجه مرفوعا "من مات على وصية مات على سبيل وسنة ومات على تقى وشهادة ومات مغفورا له" وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها . ولكن ما هو مدى مشروعيتها؟ هناك ثلاثة آراء :
الرأى الأول : أنها واجبة على كل من ترك مالا، قليلا كان أو كثيرا ، وهو مروى عن ابن عمر وطلحة والزبير وبعض التابعين ، بدليل آية البقرة المذكورة آنفا .
والرأى الثانى : أنها تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت ، بدليل الآية نفسها ، وهو رأى مسروق وابن جرير .
والرأى الثالث : وهو رأى الأئمة الأربعة- أنها ليست فرضا على الوجه المذكور فى الرأيين الأولين بل تعتريها الأحكام الخمسة .
1- فقد تكون واجبة إذا كان على الإنسان حق شرعى يخشى أن يضيع إن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمى .
2- وقد تكون مستحبة ، وذلك فى الطاعات وللأقارب والصالحين .
3- وقد تكون محرمة ، إذا كان فيها إضرار بالورثة ، لحديث رواه النسائى مرفوعا برجال ثقات "الإضرار فى الوصية من الكبائر" كما تحرم إذا أوصى بمحرم كالخمر .
4- وتكون مكروهة إذا كان الموصى قليل المال وله وارث أو ورثة يحتاجون إليه ، كما تكره لأهل الفسق إن غلب على الظن أنهم يستعينون بها عليه .
5- وتكون مباحة إذا كانت لغنى سواء أكان الموصى له قريبا، أم بعيدا والوصية-كما قال العلماء -من العقود التى يجوز تغييرها والرجوع فيها من الموصى سواء أكان الرجوع بالقول أم بالفعل كالتصرف فيها بما يزيل ملكه عنها بمثل البيع .
هذا ، وجمهور العلماء على عدم جواز الوصية بما يزيد على الثلث إن لم يكن له وارث وأجازها أبو حنيفة "نيل الأوطار للشوكانى ج 6 ص 42 " .
ويمكن الرجوع إلى ص 389 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى لمعرفة حكم الوصية للوارث وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية فى مصر(9/419)
من أعمال البنوك
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الشرع فى أخذ البنك فائدة على فتح الاعتماد المستندي ؟
An سبق القول في المجلد الأول من هذه الفتاوى أن أخذ البنك أجرا في مقابل الاعتمادات المستندية جائز، ولتوضيح ذلك تقول :
في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1965 م قُدِّم بحثان للدكتور محمد عبد الله العربي ، أحدهما بعنوان :
المعاملات المصرفية ، وثانيهما بعنوان : طرق استثمار الأموال وموقف الإسلام منها ، ويقعان فى ست وأربعين صفحة من القطع الكبير .
وبعد المناقشة قرر المؤتمر في ضمن قراراته : أن خطابات الاعتمادات من المعاملات المصرفية الجائزة ، وما يؤخذ فى نظير ذلك ليس من الربا .
وفى كتاب : الأعمال المصرفية والإسلام الذى ألفه الأستاذ مصطفى عبد الله الهمشرى والواقع فى مائتين وخمسين صفحة من القطع الكبير، ونشره مجمع البحوث الإسلامية- تحدث عن الاعتمادات المستندية ، وعن خطابات الضمان قال :
إن الاعتمادات المستندية التى يتعهد فيها البنك للمصدِّر بدفع المستحقات له على المستورد جائزة، والأجر الذى يؤخذ فى مقابلها جائز، وخرَّج الجواز على أن طبيعة هذا التعامل تدور بين الوكالة والحوالة والضمان ، والوكالة بأجر لا حرمة فيها ، وكذلك الحوالة بأجر، ، والضمان بأجر خرَّجه على ثمن الجاه الذى قيل فيه بالحرمة وبالكراهة وقال بجوازه الشافعية ، كما خرجه على الجعالة التى أجازها الشافعية أيضا .
وتحدث عن خطابات الضمان وأنواعها ، وهى التى يتعهد فيها البنك بمكتوب يرسله -بناء على طلب عميله- إلى دائن العميل يضمن فيه تنفيذ العميل لالتزاماته ، وقال إنها جائزة ، وخرَّج ذلك على أنها وكالة أو كفالة، وهما جائزتان ، والعمولة عليهما لا حرمة فيها . واعتمد فى دراسته على المراجع والمصادر الاقتصادية وعلى كتب الفقه فى المذاهب المختلفة .
هذا ، وقرارات المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية انتهت إلى أن أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتمادات والكمبيالات الداخلية التى يقوم عليها العمل بين التجار والبنوك فى الداخل -كل ذلك من المعاملات المصرفية الجائزة ، وما يؤخذ فى نظير هذه الأعمال ليس من الربا ، وأن الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة -كلها من المعاملات الربوية وهى محرمة .
ودراسة هذا الموضوع لا تعدو أن تكون نقلا لما كتبه الدكتور العربى والأستاذ الهمشرى وهى دراسة جمعت بين النشاط الاقتصادى وحكم الشرع فى ذلك ، والمراجع مذكورة فيها بما يضع الثقة فى هذه الدراسة التى مر عليها عشرات السنين دون اعتراض عليها(9/420)
نشأة البنوك الربوية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف نشأ نظام البنوك وهل صحيح أن اليهود لهم دور كبير فى ذلك ؟
An إن الربا محرم فى جميع الشرائع السماوية ، ومن المعروف أن اليهود يحبون المال حبا جما ، لدرجة طغت على الإيمان باليوم الآخر، وجاء عنهم أن جنة الإنسان هى غناه وأن ناره هى فقره ، أو من مات غنيا دخل الجنة ومن مات فقيرا دخل النار، وقد جاء فى القرآن الكريم ذمهم لأسباب كثيرة منها الربا الذى جاء فيه قوله تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا منه وأكلهم أموال الناس بالباطل} النساء : 161 وما يزال نشاطهم فى هذه الناحية معروفا إلى الآن .
والتاريخ يتحدث أن البنوك التى ولدت حديثا فى الغرب كان للثورة الصناعية دور كبير فيها ، فقد كانت العملة المتداولة هى النقود الذهبية، وكان الأغنياء يودعون أموالهم عند من يشتغلون بصناعة الذهب لحفظها وعدم السطو عليها ، ويأخذون منها القدر الذى يحتاجون إليه فى مقابل يُدفع إلى من أودعت عنده ، وإذا أراد الغنى الانتقال إلى بلد آخر يستثقل أن يحمل معه ذهبه أو يخشى عليه الضياع ، فيأخذ أمرا ممن هى عنده إلى زميل له فى ذلك البلد ليتسلم ما يريد من المال وصارت السندات هى المستعملة بدل حمل النقود لخفتها وضمانها .
ولما كثرت الودائع الذهبية عند "الصيارفة" استغلوها فى الإقراض بفائدة يحددونها على حسب ما يرون من حاجة المقترض ، وعند رد القرض بفائدته يستغل مرة ومرات أخرى هكذا .
ومن أجل هذا الحرص على الفائدة كره الناس هؤلاء الصيارفة مع اضطرارهم إليهم - ولما جاءت الثورة الصناعية كثر الإقراض الإنتاجى بعد أن كان للاستهلاك . ومن أجل الحاجة إلى ما عند الصيارفة ومع تحريم الكنيسة للربا - حللته القوانين الوضعية، فتطور مركز الصيرفى وأصبح كل صاحب بنك له احترامه ، ونشأت البنوك فى صورة شركات مساهمة ، وانهالت الودائع عليها بفائدة ضئيلة تضمن لأصحابها الربح الثابت بدل المخاطرة بها فى المشروعات ، وفى الوقت نفسه تقرض البنوك هذه الودائع بفائدة مرتفعة تكسب الفرق بين فائدة الإيداع وفائدة الإقراض ومن هنا انتزعت السيطرة على اقتصاديات العالم فى العصر الحاضر .
ويقول المختصون : إن النظام الربوى فى البنوك جعل أصحابها مسيطرين على اقتصاديات المجتمع بل على سياسته الداخلية والخارجية وتشريعاته وسلوكياته وثقافته وفكره ، يمتصون دماءه وهم آمنون ، والناس من حولهم كادحون مغلوبون .
وهذا النظام فى الإقراض الإنتاجى دفع المنتج إلى غلاء الأسعار ليسدد القرض وفائدته ، وإذا غلت الأسعار انحسر الاستهلاك وتضخم الفائض ، ولو أراد المنتج تخفيض السعر ليصرف ما عنده كان ذلك على حساب العمال ، إما بتخفيض أجورهم وإما بالاستغناء عن بعضهم ، ولذلك عواقبه فى نقص القوة الشرائية وفى خلق البطالة وزيادة انحسار الاستهلاك ، وفائض الإنتاج يزداد ، ولتصريف الفائض يجئ التفكير فى خلق أسواق غير منتجة ، وهى فى البلاد النامية، وهو طريق إلى السيطرة عليها واستعمارها ، وذلك يخلق تحكما فى أسعار المواد الخام التى لم تصنعها تلك البلاد غير الصناعية ، فتقل أثمانها ، ولا تجنى من تصديرها إلا القليل .
إن خير ما يواجه به النظام الربوى لأصحاب البنوك ، هو نظام المضاربة بشروطها الشرعية المعروفة التى لا تثرى فيه طائفة على حساب الأخرى ، ويسود فيها التشاور والاشتراك الفعلى فى النشاط الذى يحقق الربح للطرفين ، "مقتطف من مقال السيد / أحمد عزت الصياد بمجلة الهداية الصادرة فى البحرين - عدد جمادى الآخرة 1415 هـ ديسمبر 1994 م "(9/421)
علم الفرائض والمواريث
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل عرف نظام التوريث قبل الإسلام ، وما هى القواعد التى نظم الإسلام عليها الميراث ؟
An كان الميراث معروفا قبل الإسلام فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية ، فقد عرفه اليونان والرومان ، وكان يعطى لمن يصلح لرعاية الأسرة وللحروب ، وكان للمورث أن يختار قبل موته من يقوم مقامه فى هذه المهمة ، سواء أكان من أبنائه أم من اقاربه أم من الأجانب ، و قبيل ظهور الإسلام أشركوا المرأة مع الرجل على التساوى فى الميراث .
والأمم الشرقية كان الميراث فيها لأرشد الذكور من الأولاد ، ثم الإخوة ثم الأعمام ، وليس للمرأة نصيب فيه .
والمصريون القدماء كانوا يورثونها على التساوى مع الرجل ، واليهود كانوا يخصون الولد الذكر بالميراث ويحرمون الأنثى ، وإن تعدد الأولاد الذكور ورث أكبرهم فقط . جاء فى سفر التكوين " إصحاح 21 :15 - 18" أن الابن البكر له نصيب اثنين ، فإن لم يكن هناك ذكر فالميراث لابن ابنه ، وليس لبنته شىء ، ويبدو أن ذلك نسخ ، ففى سفر العدد "إصحاح 27 : 1 - 11 " أن بنات صلحفاد بن حافر طالبن موسى و العازار والكاهن أن يكون لهن نصيب فى ملك أبيهن ، فقدم موسى دعواهن أمام الرب ، وانتهى الأمر إلى إعطائهن من الميراث .
والعرب فى الجاهلية كانوا يورثون الذكور فقط ، فعندما توفى أوس ابن ثابت وترك امرأته ام كُجَّة وثلاث بنات ـ وفى رواية بنتين ـ وأخاه ، قام رجلان هما ابنا عمه ووصيان ـ قتادة وعرفجة ، أو قتادة وعرفطة ـ فأخذا المال وحدهما ، فشكت الأم إلى النبىٍ صلى الله عليه و سلم فى مسجد الفضيخ ، فقالا: أولادها لا يركبن فرسا ولا يحملن كلا ولا ينكين عدوا ، فنزلت الآية {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وقيل نزلت فى بنات عبد الرحمن بن ثابت أخى حسان بن ثابت .
وعلم الفرائض والمواريث فى الإسلام يتناول الحديث عنه الأمور الآتية :
1ـ المعنى والتسمية : الفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة، أى مقدرة ، لما فيها من السهام المقدرة والفرض فى اللغة مصدر فرض أى قدر، قال تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ـ أى قدرتم ـ فنصف ما فرضتم } وفى الشرع : نصيب مقدر شرعا للوارث .
2ـ فضل هذا العلم .
1ـ روى الحاكم وغيره عن ابن مسعود مرفوعا " تعلَّموا الفرائض وعلموها الناس ، فإنى امرؤ مقبوض ، وإن هذا العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الرجلان فى الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما"صححه الحاكم وحسَّنه الآخرون .
2ـ روى ابن ماجه بسند حسن مرفوعا " تعلموا الفرائض فإنها من دينكم ، وإنها نصف العلم ، وإنه أول علم ينزع من أمتى "نبغ فيه زيد ابن ثابت ، كان سنه يوم مقدم النبى إلى المدينة15 سنة ، وتوفى سنة45 ، أو 54 أو 55 هـ وقال عمر : من يسأل عن الفرائض فليأت زيد ابن ثابت .[ ابن خلدون لا يحمل هذه النصوص على علم الميراث ، فالفرائض اصطلاح للفقهاء ] ومن المؤلفين فيه : الماردينى فى شرح الرحبية ، وابن ثابت ومختصر القاضى أبى القاسم الحوفى ثم الجعدى من متأخرى الأندلس عند المالكية .
3ـ تاريخه وتدرج تشريعه :
أـ كان الميراث فى الجاهلية أساسه القدرة على رعاية الأسرة ، فحصروه فى الرجال دون النساء ، وفى الكبار دون الصغار. ولهم فى ترتيب هؤلاء نظام يقدم فيه الأولى على غيره كالأبناء على الاباء و الإخوة والأعمام . ويدخل فى الأبناء المتبنون . وكان التبنى معروفا عندهم إذا عدم الرجلُ الأبناء أو أراد الاستكثار منهم .
ب -فى الإسلام كانت هناك خطوات :
فى الابتداء كان أساسه الحلف والنصرة [ حتى مع اختلاف ا الدين ] ولذلك دخل مع الأهل من كان لهم موالاة، حيث كان الرجل يقول للآخر ، أنت وليى ترثنى وأرثك ، وجاء فيه قوله تعالى {ولكلٍّ جعلنا موالى مما ترك والدان و الأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم }[ النساء : 33 ] .
ثم نسخ فكان بالإسلام والهجرة ، {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا }[ الأنفال : 72 ] فانقطعت الولاية بين المؤمن المهاجر وغيره ، ممن لم يؤمن ، أو آمن ولم يهاجر، ثم نسخ ذلك فجعلت الولاية للأقرب { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله} [ الأنفال :75 ] ولم يكن للتوارث نظام مقدر فترك للرجل أن يوزع ماله قبل موته كما يشاء ، قال تعالى { كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف حقا على المتقين } [البقرة :185]لكنهم كانوا يخصون بعضا دون بعض ، فيخصون الرجال دون النساء ، فقال تعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قَلَّ منه أو كثر نصيبا مفروضا}[ النساء: 7]. لكن لم يبين نصيب كل وارث ، فتولى الله بنفسه توزيع التركة بقوله تعالى { يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ...}{ ولكم نصف ماترك أزواجكم ...} {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة ... }[ النساء: 11 ،12 ، 176 ]فبيَّن نصيب الأصول والفروع ، ثم نصيب الزوجين ، ثم نصيب الإخوة والأخوات .
وراعى فى التوزيع جعل حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كانت هناك مساواة فى الدرجة ، ومشاركة فى سبب الإرث ، لأن الأنثى نفقتها فى الأعم الأغلب على غيرها، إن كانت بنتا أو أما أو زوجة . . . وقد يزيد نصيبها على الذكر أو يتساوى عند اختلاف الدرجة ، واختلاف سبب الإرث ، كالبنت الواحدة مع الإخوة ، لها النصف ، والنصف الباقى يوزع عليهم ، ينال كلاًّ أقلُّ من .
نصيبها وحدها وهو النصف ، والتساوى بينهما مع التساوى فى الدرجة لا يوجد إلا فى الإخوة لأم فهم جميعا شركاء في الثلث بالتساوى وإن كانت الآية لا تنص على هذه المساواة فى الظاهر، لكن الإجماع عليها .
وبعد أن نزلت آيه المواريث ، قال النبى صلى الله عليه و سلم " إن الله أعطى كل ذى حق حقه ألا لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وقال " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر" رواه البخارى ومسلم ، والنص على الذكر مع إمكان الاستغناء عنه بكلمة رجل ، لمنعهم من إعطاء الكبار دون الصغار، فالذكر يطلق على الكبير والصغير، بخلاف الرجل فإنه يطلق على الكبير فقط .
وقضى الرسول للجدة بالسدس كما رواه المغيرة بن شعبة ومحمد ابن مسلمة ، وحكم أبو بكر بذلك ، وأكده عمر، [ تاريخ التشريع للخضرى ص 123 ] .
4ـ الفروض مقدَّرة : قال العلماء دلالة الألفاظ ظنية إلا فى العقائد والحدود والفرائض أى المواريث واصول الإسلام كالفرائض الخمس ، فالربع هو الربع والنصف هو النصف لا يراد به غير ذلك . وكذلك الوارثون محدودون ، نصيب كل منهم محدد لا يجوز الخروج عليه بعد عصر الخلفاء بالذات الذين امر الرسول بالأخذ عنهم "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء للراشدين " .
وإذا كان للشيعة رأى فى المواريث فإنه بالنسبة لفاطمة حيث لم يورثها أبو بكر من والدها، لأن الأنبياء لا يورثون ، وما تركوه فهو صدقة، ولذلك هم يحكمون بخطأ أبى بكر فى ذلك ، ويجعلون ميراث البنت كميراث الابن ، فكل منهما داخل تحت لفظ " ولد" لأن كل مولود ولد .
ومن الغريب أن عليًّا رضى الله عنه سلم بحكم أبى بكر، ولم يشأ أن يخرج عليه وهو مستطيع لذلك حيث كان خليفة يطاع أمره ، لكن التشيع المتعصب لعب دوره حتى فى أحقية العلويين فى الخلافة بدل العباسيين فالعباس عم النبى صلى الله عليه وسلم وعلىٌّ ابن عمه ، فهو مقدم عليه فى الميراث " إن كان " وأولاد على هم بالنسبة للنبى صلى الله عليه و سلم أولاد ابن عمه ، والعم مقدَّم على أولاد العم ، وكذلك أولاد على من فاطمة هم بالنسبة إلى النبى أولاد بنته ، وهم من الأرحام لا نصيب لهم فى الميراث ما دام يوجد عاصب .
ولذلك قال الشيعة :لا نسلم بالعصبة ومرتبتها ، فالأقرب هو الذى يرث ، وأولاد بنت النبى أقرب إليه من الأعمام ، فالميراث فيهم " الحسين والحسن وذريتهما " ليس للعباس وذريته . والحسن والحسين علويان لأنهما أولاد على .
ولذلك قامت حرب فكرية بين العباسيين والعلويين حين استولى العباسيون على الحكم بعد الأمويين . إلى جانب الحرب بالسلاح ، وتبلورت هذه الفكرة فى القرن الثانى والثالث الهجرى ، ولذلك هجر الشيعة الأحاديث الصحيحة واعتمدوا على أقوال الأئمة المعصومين فى رأيهم ، ليطرحوا فكرة العصبة ويقدموا القرابة .
وما يقال اليوم :إن البنت أصبحت كالولد فى عصرنا الحاضر من حيث التعليم والتمتع بالحقوق الأخرى واحترام ملكيتها وتصرفاتها ومسئولياتها ، فيجب التساوى بينهما وتقليد مذهب الشيعة فيه ـ لا أصل له فى الدين بعد انتهاء الوحى وإجماع الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون ، على أن البنت سيتولى الإنفاق عليها ابوها او زوجها أو ولدها ، والابن هو الذى سينفق على زوجته وأولاده ووالديه ، فحكم الله حكيم {آباؤكم و أبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله }[ النساء : 11] .
5ـ الإرث له أسباب : وهى القرابة، كالأبوة والبنوة والأخوة، والمصاهرة بين الزوجين ، والولاء عند عتق السيد للعبد، فهو يرثه إن لم تكن هناك قرابة من عصبة أو رحم . وكذلك الإسلام .
والإرث له مو انع : هى 1 ـ الرق .
2ـ القتل . لحديث " ليس للقاتل من تركة المقتول شئ " صححه ابن عبد البر وغيره .
3ـ واختلاف الدين لحديث الصحيحين فيه ، وقد أجازه بعض للصحابة والتابعين ، ومن للموانع الردة، فالمرتد لا يرث أحدا من المسلمين ولا من غيرهم ، ولا يرثه أحد عند الشافعية والمالكية ، وذهب أبو حنيفة إلى أن ماله الذى كسبه قبل الردة يورث ، وما كسبه بعدها يعد فيئا للمسلمين ، أما للمرأة المرتدة فكل ماتركته يورث ، سواء كسبته قبل للردة أو بعدها .
والدور الحكمى أن يلزم من توريث شخص عدم توريثه ، فيما إذا أقر أخ بابن للميت ، فيثبت نسب الابن ولا يرث الأخ لحجبه بالابن .
والإرث له شروط : تحقق موت المورث أو الحكم به عند القضاء لغيابه مثلا ، وتحقق حياة الوارث حال موت المورث ، ومعرفة إدلائه للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء ، ومعرفة الجهة المقتضية له تفصيلا .
6ـ ترتيب الوارثين : يقدم أصحاب الفروض ، ثم العصبة، ثم مولى العتاقة، ثم عصبة مولى العتاقة إذا كان المعتق رجلا . ثم الرد على ذوى الفروض إلا الزوجين إذا انحصر الميراث فيهم ولم يستغرقوا التركة ، ثم ذوو الأرحام ، ثم مولى الموالاة [ أنت مولاى ترثنى إذا مت وتعقل عنى إن قتلت ، فيقول :
قبلت ] وأجازه أبو حنيفة ، ويثبت لقابل الولاء دون العكس ، بشرط أن يكون طالب الولاء حرا، لا وارث له بنوع من أنواع القرابة . . . قال تعالى :{ والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم }[ النساء : 33 ] ولحديث البخارى فى ذلك . ومنع ذلك الباقون وهو مذهب زيد .
ثم المقر له بنسب محمول على الغير،ثم الموصى بما زاد على الثلث ، ثم بيت المال .
7ـ مما يتعلق بالتركة : الذى يتعلق بها خمسة حقوق مرتبة على الوجه ا لآتى :
1ـ كل دين متعلق بعين من أعيان المال ، مثل العين المرهونة من ماله ، فإن حق المرتهن فيها مقدم على تجهيز الميت وتكفينه .
2ـ تكفينه وتجهيزه إلى أن يدفن .
3ـ كل دين لا يتعلق بعين من أعيان التركة .
4ـ تنفيذ الوصايا الشرعية ، فإن كانت لبعض الورثة لا تنفذ إلا بموافقة بقية الورثة، وإن كانت لغيره جازت فى حدود الثلث [بعد كل ديونه ] بغير حاجة إلى إجازتهم ، وإن زادت نفذت قهرا فى الثلث وتوقفت فيما زاد على إجازة الورثة .
5ـ تقسيم التركة [ فى قانون المواريث : أولا مؤن التجهيز وثانيا ديون الميت ] .
قدَّم الدين على الوصية مع أن القرآن قدمها ، لأن النص ورد بذلك فى حديث على : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بدأ بالدين قبل الوصية، ولأن الدين فرض يجبر المدين عليه ويحبس من أجله ، والوصية تبرع وتطوع وهو متأخر عن الفرض وقدمها للحث عليها . والوصية الواجبة مقدَّمة على تقسيم التركة [ وقانونها فى مصر رقم 71 فى 6 من أغسطس 1946]وقال به جابر بن زيد وقتادة وابن حزم "انظر الأولويات فى فتاوى الشيخ جاد الحق ج 5ص 296 "(9/422)
رجوع الأب فى الهبة لوالده
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للأب أن يسترد ما أهداه لابنه بعد خمسة عشر عاما ليعطى منه بعض إخوته ؟
An إذا كان ما أعطاه الأب لابنه بيعا بمقابل ولو كان بسيطا فلا يجوز له استعادته إذا تسلمه الولد ، لأنه بالبيع خرج عن ملكه نهائيا وصار ملكا تاما لولده ؟ .
أما إن كان الإعطاء هبة بدون مقابل فهى حق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعى شرطا القبض حتى تكون لازمة .
والرجوع فى الهبة حرام عند جمهور الفقهاء إلا إذا كانت من الوالد لولده فإن له أن يرجع فيها ، فقد روى أصحاب السنن - الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجه - عن ابن عباس وابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطى ولده " وحكم الوالد حكم الوالدة ويستوى فى الولد أن يكون كبيرا أو صغيرا .
هذا هو رأى الجمهور فى حرمة الرجوع فى الهبة، لكن مالكا قالا : يجوز الرجوع فى الهبة إن بقيت على حالها، فإن تغيرت فلا رجوع ، وقال أبوحنيفة : ليس له الرجوع فيما وهب لابنه ولكل ذى رحم من الأرحام ، وله الرجوع فيما وهبه للأجانب ، ولكن رأيه غير قوى لمعارضته للحديث .
وجاء فى النهى عن الرجوع فى الهبة حديث "مثل الذى يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب الذى يأكل ، فإذا شبع قاء ، ثم عاد فى قيئه " رواه الترمذى وغيره . وقال : حديث حسن صحيح .
ومن هنا نقول للسائل : إن كان الأب أعطى ممتلكاته أو بعضها لولد على سبيل الهبة بدون مقابل فله الرجوع عند جمهور الفقهاء ، وليس له الرجوع عند أبى حنيفة ، ورأى الجمهور أقوى(9/423)
النسب والتوارث فى نكاح المتعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل نكاح المتعة يثبت به النسب للمولود ، وهل فيه توارث ، وهل يحتاج إلى طلاق ؟
An زواج المتعة هو زواج مؤقت لمدة معينة، وقد أبيح فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وقتا ما لحاجة الغزاة إليه ثم حرم بعد ذلك -ولم يخالف فى تحريمه إلا بعض الشيعة ، مدَّعين أن حله لم ينسخ بالتحريم ، وتوضيح ذلك موجود فى الجزء الأول من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
وأكثر المسلمين على حرمة هذا الزواج ورأى ابن مسعود وابن عباس أن الحرمة مشروطة بعدم الاضطرار ، فذلك كأكل الميتة يباح للمضطر فقط ، ولكن أدلتهم فى ذلك غير سليمة وجاء فى كتاب النهاية، والفتاوى لأبى جعفر محمد بن الحسن أبى على الطوسى المتوفى سنة 460 هجرية ، وهو من كُتَاب الشيعة، ونشر كتابه فى طهران سنة 1342 هجرية ما يأتى :
"وليس فى نكاح المتعة توارث ، شرط نفى الميراث أو لم يشترط ، اللهم إلا إن شرط أن بينهما التوارث ، فإن شرط ذلك ثبتت بينهما الموارثة . . .
ويجوز للرجل العزل -لمنع الحمل -وإن لم يكن شرط ، ومتى جاءت بولد كان لاحقا به ، سواء عزل أولم يعزل .
وجاء فى هذا الكتاب أيضا : وعدة المتمتعة إذا انقض أجلها أو وهب لها زوجها أيامها حيضتان أو خمسة وأربعون يوما إذا كانت لا تحيض وفى سنها من تحيض "من ص 497 - 502 " .
كما جاء فى "ص 182 " من كتاب المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى المتوفى سنة 676 هـ والذى طبعته وزارة الأوقاف المصرية سنة 1376 هـ عند الحديث عن أحكام النكاح المنقطع "نكاح المتعة" ما يلى :
يجوز العزل من دون إذنها ، ويلحق الولد وإن عزل ، ولكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان ولا يقع بالمتعة طلاق إجماعا ولا لعان على الأظهر، ولا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين .
وقال المرتضى : يثبت ما لم يشترط ، السقوط نعم لو شرط الميراث لزم ، وإذا انقضى أجلها فالعدة حيضتان على الأشهر، وإن كانت ممن تحيض ولم تحض فخمسة وأربعون يوما .
وزواج المتعة يترفع عنه كبار القوم الذين يرون حله ، ولا يرغبون بديلا عن الزواج الدائم ، لأنه الجدير بقيام الأسرة المستقرة ، ولا عبرة بما يقال من أن الأطفال يوضعون تحت رعاية المسئولين ، فإن الأسرة المستقرة لا ينكر أثرها فى تنشئة الجيل الصالح(9/424)
حرمان الابن العاق من الميراث
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى أب يريد أن يحرم ابنه من الميراث نظرا لأنه عاق ، وكثيرا ما يتعدى على والديه بالإهانة؟
An إذا مات الإنسان وقد أوصى بحرمان ابنه أو بعض ورثته من الميراث فلا أثر لهذه الوصية ، لأن توزيع الميراث شرع الله ، لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه ، وقد تكون الصورة التى وردت فى السؤال هى عن بيع أو هبة الشخص ما يملكه فى حال حياته إلى بعض الأولاد وحرمان البعض الآخر .
وكلنا أو أكثرنا يعرف حديث النعمان بن بُشير الذى جاء فيه النهى عن تفضيل بعض الأولاد على بعض بهدية من غير مقابل ، ولم يشهد النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال "إنه جور" ونصح الآباء أن يسووا بين الأولاد ليكونوا له فى البر سواء .
إن علماء الحديث والفقه نظروا إلى هذا الحديث واختلفت أحكامهم على هذا التصرف فقال جمهورهم -وهم أبو حنيفة ومالك والشافعى-إنه مكروه وليس حراما لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان "أشهد على هذا غيرى" ولو كان حراما ما أجاز أن يشهد عليه أحد ، وأما أحمد بن خبل فقال : إن هذا التفضيل حرام ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال له "لا أشهد على جور" أى ظلم .
لكنهم جميعا قالوا : محل الكراهة أو الحرمة فى التفضيل إذا لم يكن هناك سبب مشروع ، فلو كان أحدهم مريضا أو مدينا دينا كبيرا لا يستطيع كسبه الوفاء به ، أو كان صغيرا يحتاج فى مستقبل حياته إلى رعاية . فلا مانع من أن أباه يساعده بشىء مراعاةً لحاله ، واستدلوا على ذلك بما حدث من الصحابة ، فقد فضل أبو بكر رضى الله عنه عائشة على غيرها من أولاده ، وفضل عمر رضى الله عنه ولده عاصما بشىء كما فضل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بعض أولاده على بعض ، نصت على ذلك كتب الفقه كالإقناع للخطيب فى فقه الشافعية والمغنى لابن قدامة فى فقه الحنابلة، وقد تقدم القول فى ذلك بإسهاب .
هذا واضح فى المفاضلة فى العطية ، أما حرمان بعضهم فإن الحديث وإن كان يدل عليه فقد نص عليه الحنابلة بما جاء فى "المغنى" لابن قدامة "المعجم طبعة الكويت ص 720" من قوله : وإن خص بعض أولاده بعطية لمعنى يقتض التخصيص كزمانة أو كثرة عائلته أو انشغاله بعلم . أو صرف عطيته عن بعضهم لفسقه أو بدعته .
أو لاستعانته بذلك على معصية جاز ذلك ، وقيل : لابد من التسوية ويمنع التفاضيل والأول أصح .
هذا نص المغنى ، وبناء عليه فلا مانع من حرمان الولد العاق من البيع أو الهبة له كباقى إخوته - وإن كنت أخشى أن يزيد عقوق الولد أو يعامل إخوته معاملة قاسية ، وأرجو أن يُبحث عن وسيلة أخرى لتقويم سلوك هذا الولد العاق(9/425)
حرمان بعض الورثة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للرجل توزيع تركته على البنات إذا لم يوجد أولاد ذكور، وذلك حتى لا يدخل أحد من الأقارب فى الميراث ؟
An يقول الله تعالى {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} النساء : 7 ، نزلت هذه الآية فى أوس بن ثابت الأنصارى ، حين توفى وترك امرأة يقال لها "أم كُجة" وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت يقال لهما : سويد وعرفجة ، فأخذا كل ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا ، وكانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية وكان الناس يورثون من يشاءون ويحرمون من يشاءون ويفاضلون كما يشاءون . فنظم الله الميراث وأنزل هذه الآية {يوصيكم الله فى أولاكم . . . } فبينت الفرائض وحددتها ، وجاء فيها ما يوجب الالتزام بها، فهى للمصلحة التى يعلمها الله سبحانه {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله } النساء : 11 .
بل إن هناك آية تدعو إلى إعطاء بعض الأقارب الذين حرموا من الميراث شيئا من تركة المتوفى عند تقسيمها ، وهى قوله تعالى{وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا} النساء : 8 ، بناء على أنها محكمة وليست منسوخة كما هو الأصح رواه البخارى عن ابن عباس ، وهذا الإعطاء سنة كما قال أبو جعفر النحاس وقال جماعة بالوجوب . ذلك أن للأقارب تطلعا وأملا فى أن ينالهم نصيب مما تركه المتوفى ، وبخاصة إذا كانوا فقراء وهو غنى، لكن هذه الآية تخاطب الورثة وهم يقتسمون الميراث ، وقيل إنها تخاطب من أشرف على الموت وهو يوصى بتوزيع التركة ألا ينسى أقاربه المحتاجين .
إن الصورة الواردة هى تقسيم الرجل تركته على بناته فقط قاصدا بذلك أن يحرم بعض الورثة مما بقى من ميراث البنات لأنه ليس له ولد ذكر يحجبهم ، إذا كان الآية السابقة توصى بإعطاء الأقارب المحرومين من الميراث بعض التركة فما بالكم بمن لهم حق الميراث ؟ .
ولئن كان الإنسان حرا فى حال حياته أن يتصرف فى ماله تصرفا حلالا ، يعطى من يشاء ويترك من يشاء، سواء كانوا من الأقارب أم من غيرهم ، وارثين أم غير وارثين .
ما دام لا يوجد مانع شرعى من التصرف . فإن المندوب إليه أن يترك لورثته شيئا يرثونه من بعده إذا كانوا فى حاجة إليه ، كما يدل عليه حديث سعد بن أبى وقاص الذى رواه البخارى ومسلم حيث ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم وهو يعوده فى مرضه أنه ذو مال كثير ولا يرثه إلا ابنة واحدة وهو يريد أن يتصدق بماله كله فقال "لا " قال :
فالشطر أى النصف ؟ قال "لا " قال فالثلث ؟ قال : "الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. . . " .
والرجل -كما فى السؤال -ترك لورثته ما يملك وحبسه على بناته ، لكن حرم منه بعض أقاربه المستحقين ، فما الذى حمله على ذلك ؟ الأمر يرجع فيه إلى رعاية المصلحة ، فإن كان يرى أن بناته فى حاجة إلى الرعاية وأن أقاربه فى غير حاجة إلى شىء من الميراث ويخشى عليهن عدم عطف الأقارب عليهن فلا مانع من ذلك ، أما إذا كان نصيبهم وهو الثلثان يكفى لعيش كريم وأقاربه فى حاجة ماسة إلى نصيبهم فى الميراث فإن هذا التصرف يكون مكروها ، لأنه يورث عداوة بينهم وبين بناته ، والكل تجمعهم أسرة واحدة يراد لها أن تسود فيها روح المحبة والتعاون .
ومهما يكن من شى فإن تصرفه فى حياته بالبيع أو الهبة لبناته نافذ . ومنع وارث من حقه لا يكون إلا بعد الموت ، وذلك قياسا على تفضيل بعض الأولاد على بعض فإن جميع الفقهاء قالوا : إذا كان هناك مبرر معقول يقره الشرع فلا مانع منه ، أما إذا لم يوجد هذا المبرر فإن التفضيل يكون مكروها غير حرام عند الأئمة الثلاثة ، ويكون حراما عند الإمام أحمد ، ويمكن اعتبار النية فى هذا الموضوع ، فالأعمال بالنبات ، ولكل أمرى ما نوى كما صح فى الحديث(9/426)
زكاة التجارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن التجارة لا تجب فيها الزكاة لعدم ذكرها فى القرآن الكريم ، فهل هذا صحيح ؟
An التجارة هي تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح ، والزكاة فيها واجبة ، لحديث رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ، ورواه الدارقطنى والبيهقي عن أبي ذر " فى الإِبل صدقتها ، وفى الغنم صدقتها ، وفي البزِّ صدقته " والبز هو الثياب المعدة للبيع ، يعنى أن عينها لا زكاة فيها فوجبت الزكاة في قيمتها التجارية، وهناك دليل ذكره الرملى بقوله : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة على الذى يُعَدُ للبيع " حاشية الشرقاوى على التحرير ج 1 ص 354" رواه أبو داود والبيهقى عن سمرة بن جندب .
وروى الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى وعبد الرزاق عن أبى عمرو عن أبيه قال : كنت أبيع الأدم -جمع أديم وهو الجلد- والجِعَاب -جمع جعبة وهى كيس النبال- فمر بى عمر بن الخطاب فقال : أد صدقة مالك ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنما هو الأدم ، قال : قوِّمه ثم أخرج صدقته ، قال ابن قدامة فى المغنى : وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر، فيكون إجماعا . وقالت الظاهرية : لا زكاة فى مال التجارة . ودليل الجمهور القياس ، لأن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية ، فأشبه الزروع والحيوان والذهب والفضة [ يعنى لو لم يكن هناك نص مقبول فى وجوب الزكاة فى التجارة فالدليل هو القياس ، مع الإجماع على قصة عمر مع صاحب الأدم ] .
ولا تجب الزكاة إلا إذا بلغت قيمة السلع نصاب الذهب أو الفضة ، وحال عليها الحول ، وكانت مملوكة بقصد التجارة لا القنية والإِمساك للانتفاع بها ، كما تضم الأرباح الناتجة عن ذلك إليها ، ومقدار الزكاة هو ربع العشر، وتخرج من القيمة لا من عُروض التجارة ، وأجاز أبو حنيفة إخراج الزكاة من عين السلع كسائر الأموال ، وقد مر ذلك فى صفحة 123 من المجلد الثانى وص 505 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى(9/427)
نقل الزكاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أعيش فى بلد مستوى المعيشة فيه مرتفع ، ويقل أو يندر أن يكون فيه فقير يستحق الزكاة، فهل يجوز أن أدفعها إلى أقاربى المحتاجين في بلد آخر؟
An روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضى الله عنه إلى اليمن قال فيما قال له " فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن اللّه تعالى افترض عليهم صدقة فى أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم " وروى أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حُصين أنه استُعمل على الصدقة فلما رجع قيل له : أين المال ؟ قال : وللمال أرسلتنى؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، ووضعناه حيث كنا نضعه . وروى الترمذى وحسَّنه أن أبا جُحيفة قال : قدم علينا مصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أى عامله على الصدقة ، فاخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها فى فقرائنا .
استدل الفقهاء بهذه المرويات على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله ، واختلفوا في نقلها إلى بلد آخر، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلد الزكاة عنها .
فقال الحنفية : يكره نقلها ، إلا إذا كان النقل إلى قرابة محتاجين ، لأن فى ذلك صلة رحم ، أو إلى جماعة هم أشد حاجة من فقراء البلد، أو كان النقل أصلح للمسلمين ، أو كان من دار حرب إلى دار إسلام ، أو كان النقل إلى طالب علم ، أو كانت الزكاة معجلة قبل أوان وجوبها وهو تمام الحول ، ففى جميع هذه الصور لا يكره النقل .
والشافعية قالوا : لا يجوز نقل الزكاة من بلد فيه مستحقون إلى بلد آخر، بل يجب صرفها فى البلد الذى وجبت فيه على المزكى بتمام الحول ، فإذا لم يوجد مستحقون نقلت إلى بلد فيه مستحقون .
وحجتهم فى ذلك حديث معاذ المذكور، والذى ذكره أبو عبيد أن معاذا قدم من اليمن بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم فرده عمر، ولما بعث إليه بجزء من مال الزكاة لم يقبله ورده أكثر من مرة مع بيان معاذ أنه لا يوجد عنده من يأخذها .
والمالكية لا يجيزون نقلها إلى بلد آخر إلا إذا وقعت به حاجة فيأخذها الإمام ويدفعها إلى المحتاجين ، وذلك على سبيل النظر والاجتهاد كما يعبِّرون .
والحنابلة لا يجيزون نقلها إلى بلد يبعد مسافة القصر، بل تصرف في البلد الذى وجبت فيه وما يجاوره فيما دون مسافة القصر .
يقول ابن قدامة الحنبلى : إن خالف ونقلها أجزأته في قول أكثر أهل العلم ، وإذا كان الشخص في بلد وماله في بلد آخر صرفت في بلد المال لامتداد نظر المستحقين إليه ، ولو تفرق ماله فى عدة بلاد أدى زكاة كل مال في بلده . وهذا الحكم فى زكاة المال ، أما فى زكاة الفطر فتوزع فى البلد الذى وجد فيه المزكى حين وجبت عليه ، لأنها زكاة عن شخصه لا عن ماله .
ومن هنا أقول لصاحب السؤال : إذا وجد مستحق للزكاة فى البلد الذى يعيش فيه صرفت إليه على رأى جمهور الفقهاء، ولا يجوز نقلها إلى أقاربه المحتاجين ، أما أبو حنيفة فيجيز النقل للمبررات المذكورة ومنها صلة الرحم ، أو شدة الحاجة ، ولا مانع من الأخذ برأيه ، فهو ينظر إلى المصلحة الراجحة " المغنى لابن قدامة ج 2 - ص 531 ، 532 ، نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 161 "(9/428)
إشهار الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى بعض الأحاديث الأمر بإعلان الزواج وضرب الدفوف ، فهل معنى ذلك أن الزوج لو لم يكن قادرا على الإعلان واكتفى بالعقد الشرعى الموثق والمشهود عليه لا يصح زواجه ؟
An المطلوب فى عقد الزواج هو الأشهاد عليه بشاهدين عدلين ، وذلك عند سماع الإيجاب والقبول من الزوج والزوجة أو من ينوب عنهما، وهذا الأشهاد كاف فى صحة العقد، واقتضت النظم العصرية أن يوثق ذلك رسميا حتى لا يكون هناك إنكار، وحتى تضمن حقوق الزوجين والأولاد ، وبخاصة عند ضعف روح التدين وطهارة ا لذمم .
أما الإعلان والإشهار، بحضور عدد كبير أو بعمل وليمة أو حفل أو إعلان فى وسائل الإعلام فذلك سنة ، ليشيع العلم بهذا الزواج بين كثير من الناس ، ولا يشكوا فى علاقة الرجل بالمرأة ولا بالنسل المتولد منهما ، والحديث الشريف يقول " أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدفوف واجعلوه فى المساجد " رواه الترمذى وحسنه ، لكن ضعفه البيهقى ، وهو وإن كان ضعيفا ، فهو يدعو إلى الإشهار بالوسائل المتاحة .
ومنها الضرب بالدفوف واجتماع كثير من الناس فى مسجد أو نادٍ أو أى مكان آخر مع الحفاظ على كل الآداب .
ولم يشترط لصحة العقد الإشهار والإعلان إلا الإمام مالك ، الذى قال : إن العقد بدون الشاهدين صحيح ، فهما شرط لصحة الدخول فى أحد قولين له ، والإعلان كاف عنهما ، على أن يكون الإعلان وقت العقد ولا يجوز تأخيره وإن أجازه البعض .
يراجع تفصيل ذلك فى الجزء الأول من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 341 "(9/429)
قائمة الجهاز
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تحرير ما يسمى بقائمة أثاث وأجهزة منزل الزوجية عند الزواج ؟
An لا مانع من تحرير قائمة الأثاث عند الزواج ضمانا لحق الزوجة ، والمؤمنون عند شروطهم ، فقد يكون الأثاث هو مقدم المهر وهو ملك لها ، وقد يكون من مالها أو مال أبيها أو غيره فهو ملك لها أيضا .
وأرجو ألا يكون هناك شطط أو مغالاة فى التقدير، وأن يكون الاتفاق على ذلك عند بدء الخطبة حتى تترك الفرصة للخاطب أن يفكر فى ذلك فلعله لا يوافق .
أما أن يكون الكلام عن القائمة عند العقد فغير لائق ، فقد يفشل الموضوع وتكون التعليقات اللاذعة .
وهناك تقليد فى بعض الأرياف يأبى أن يأخذ ولى الزوجة قائمة بعفشها ، مرددا هذا القول الجميل : أؤمنك على عرضى ولا أؤمنك على عفش ؟ .
يعنى أن ولى الزوجة جعلها أمانة عند زوجها يرعاها ويصونها ويكرمها ولا يعمل ما يؤذيها ولا يؤذى أهلها ماديا أو أدبيا ، وهذا شىء كبير وحمل ثقيل لا ينبغى أن ينظر بعده إلى متاع مهما كانت قيمته ، فهو أمانة صغيرة جدا بالنسبة إلى الأمانة الكبيرة على الزوجة ماديا وأدبيا .
فهل تعود هذه القيم الرفيعة مرة ثانية ؟ ذلك شىء يحتاج إلى تربية دينية صحيحة ، وحفاظ على التقاليد الأصيلة المشروعة(9/430)
الرضاع باللبن المجفف وبنك اللبن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل لبن الأمهات إذا جفف يحرم به ما يحرم بالرضاع من اللبن السائل ؟
An ثبت التحريم بالرضاع فى القرآن والسنة ، إذا كان فى مدة الحولين ، مع الاختلاف بين الفقهاء فى عدد الرضعات التى يثبت بها التحريم .
واللبن إذا كان سائلا وأخذ من امرأة معلومة ورضعه طفل معلوم ثبت به التحريم أما إذا جهلت المرضع أو جهل الرضيع فلا يثبت التحريم ، وكذلك الشك لا يؤثر فى ذلك ، لأن الأصل عدمه .
وعليه إذا خلط لبن من نساء متعددات غير متعينات ، ورضع منه طفل :
هل يثبت به التحريم أو لا ؟ لقد أنشئ فى بعض البلاد ما يسمى ببنك اللبن كما أنشئ بنك الدم ، وكان العلماء فى حكمه فريقين ، الفريق الأول أخذ بالاحتياط والورع وقال : لا يجوز إرضاع الأطفال منه ، لأنه قد يترتب عليه أن يتزوج الولد من أخته أو من صاحبة اللبن وهو لا يدرى ، والفريق الثانى لم يجد سببا للمنع و الحكم بالحرمة ، لأنها لا تثبت إلا إذا عرفت الأم التى كان منها اللبن على اليقين ، وعند الجهل لا تثبت الحرمة ، وإن كان من الورع الابتعاد عنه .
هذا ، وقد أفتى الشيخ أحمد هريدى مفتى مصر سنة 1963 م بأن التغذية بهذا اللبن المجموع فى " بنك اللبن " لا يثبت بها تحريم ، وجاء فى هذه الفتوى ما نصه : إن اللبن المجفف بطريقة التبخير والذى صار مسحوقا جافا لا يعود سائلا بحيث يتيسر للأطفال تناوله إلا بعد خلطه بمقدار من الماء يكفى لإذابته ، وهو مقدار يزيد على حجم اللبن ويغير من أوصافه ويعتبر غالبا عليه ، وبالتطبيق على ما ذكرنا من الأحكام لا يثبت التحريم شرعا بتناوله فى هذه الحالة .
وقد انتهى إلى هذا الحكم بعد نقل كثير من أقوال الفقهاء فى مذهب الأحناف ، تخريجا على قواعدهم وتوضيح ذلك فى الجز الأول من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 370 "(9/431)
أمهات المؤمنين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا جعل الله زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فى قوله { وأزواجه أمهاتهم } ولم يجعل النبى أباهم فى قوله { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } ؟
An جعل الله سبحانه زوجات الرسول أمهات المؤمنين بقوله { وأزواجه أمهاتهم } الأحزاب : 6 ، ولا يقال لهن : أمهات المؤمنات كما روى البيهقى فى سننه عن عائشة رضى الله عنها ، وذلك فى نطاق خاص وليس فى كل الأحوال ، فيحرم التزوج منهن بقوله تعالى { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما } الأحزاب : 53 .
فالعلة هنا هى الزوجية للرسول وليست الأمومة، ولسن كالأمهات فى النظر إليهن والخلوة معهن ونقض الوضوء باللمس والتوارث وفى زواج بناتهن ، فقد تزوج على فاطمة وعثمان من رقية ثم من أم كلثوم ، وهن بنات السيدة خديجة أم المؤمنين .
والرسول صلى الله عليه وسلم ليس أبا لأحد من رجال المؤمنين ، فقد مات أولاده الذكور منها قبل التكليف بأوامر الرسالة ، والآية نصت على أنه ليس أبا من النسب لأى رجل من المؤمنين وإن كان أبا روحيا بالرسالة والتعليم كما جاء فى الحديث " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده " رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان عن أبى هريرة ، ورواه أبو يعلى عن عائشة ، وفى سنده مصعب بن ثابت ، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة .
وسبب نزول هذه الآية أن الإسلام أبطل التبنى، وكان الرسول متبنيا زيد بن حارثة من قبل ، ولما بطل التبنى وتزوج مطلقته زينب بنت جحش أرجف الكفار وقالوا : محمد تزوج امرأة ابنه ، فبيَّن الله أن محمدا ليس أبا من النسب لزيد ولا لأحد من رجال المؤمنين ، ومن هنا يصح له أن يتزوج مطلقة من تبناه ، فهو ليس ابنا له من النسب(9/432)
الخروج من الصلاة لدعوة الوالدين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للإنسان أن يقطع صلاته إذا ناداه أبوه أو أمه لأمر هام ، أو هل أرد عليه أثناء الصلاة بأننى أصلى ؟
An لا يجوز عند جمهور الفقهاء قطع الصلاة المفروضة لإجابة أحد والدى المصلى ، أما صلاة النافلة فيجوز قطعها لإجابة الأم ، اعتمادا على حديث جريج العابد الذى نادته أمه فى الصلاةْ فلم يجبها فدعت عليه ، والأب كذلك إذا نادى ولده وهو فى الصلاة ، بل قال إمام الحرمين : يجيبهما حتى لو كان فى الفريضة ما دام فى الوقت متسع لها .
ولا يجوز الرد عليه أثناء الصلاة بقوله : أنا أصلى، وإلا بطلت صلاته .
والدليل عليه حديث مسلم " إن هذه الصلاة لا يصح فيها شىء من كلام الناس ، إنما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " .
الموضوع(6) قضية الذكر والأنثى .
المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر .
مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة .
سئل :
هل يمكن التحكم فى جنس المولود وهل تمكن معرفته قبل ولادته ؟ .
أجاب :
قضية الذكورة والأنوثة فى المولود شغلت العالم من قديم الزمان ، وحكيت فيها أمور هى أقرب إلى الخيال ، ولكن شُغِلَ بها العلماء حديثا ، فأصدر العالم " بروك كوبو " فى القرن الثانى عشر كتابين ، أحدهما يحلل فن إنجاب الذكور، والثانى يبين كيف تنجب الإناث ، وحول هذا الموضوع انعقد فى مدريد خلال شهر إبريل سنة 1976 المؤتمر الطبى الأوربى السادس ، وكان الاتجاه إلى أن الرجل هو المسئول بطبيعته عن إنجاب الذكور والإناث ، لأنه هو الذى يملك الحيوان المنوى الذى ينقسم إلى نوعين أطلق عليهما العلماء اسم " الكروموسوم س والكروموسوم ص " ورمز إليهن بالحرفين و(x ، y ) وأما الأنثى فلا تملك فى البويضة سوى ص "X " فإذا تقابل س مع ص ، تكون هناك فرصة لإنجاب الذكور. وقد حدد الأطباء نسبة قليلة جدا من الرجال لا تتعدى 9 % لا تملك سوى س فقط أو ص فقط . وهذه النسبة هى التى تنتج نوعا واحدا .
وبناء على ذلك قام العلماء بتطبيقات للفصل بين خلايا الذكورة والأنوثة، ولهم فى ذلك عدة طرق ، بعضها يقوم على التغذية كما فعل الدكتور " جوزيف ستولكو ويسكى " أستاذ الفيزيولوجيا بكلية العلوم بباريس ، والدكتور " لورين " بمستشفى القلب المقدس فى مونتريال بكندا (روز اليوسف 26/11/1979 ، الأهرام 4/4/1976 ) وبعضها يقوم على عامل الزمن كما جاء فى كتاب العالم النمسوى " د .
أوجسمت بوروسينى " ( أهرام 7/7/972 1 ، مجلة النهضة بالكويت 21/8/1976) وبعضها يقوم على فصل الخلايا ، إما بالدش المهبلى أو التيار الكهربائى أو باستعمال أقراص تؤدى هذا الغرض ( أهرام 7/7/ 1972 مجلة الرائد الكويتية 15/8/1974 ). وعلمنا من هذه المحاولات للتحكم فى نوع الجنين أن نسبة النجاح فيها كانت حوالى 80 % وأن للعوامل النفسية والعقلية دخلا كبيرا فى صلتها بالأجهزة التى تفرز مادة الجنس ، وللظروف المحلية فى الزوجين وغيرهما كذلك دخل كبير فى تكوين الجنين وتحديد نوعه ، بل فى أصل الحمل .
وهذا يدل على أن جهود العلماء فى هذا المجال ليست صحيحة 100 % مما يؤكد أن قدرة الله هى المؤثر الأول والمتحكم بثقة فى نوعية الجنين ، لأنه هو المالك لكل هذه العوامل ، والأسباب ، مصداقا لقوله تعالى{ للَّه ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا و يجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} الشورى : 49 ، 50 ، وعلى الرغم من تقرير الإِسلام لذلك فإن هناك تطلعات بين المسلمين تحاول معها أن يرزقهم الله نوعا من المواليد، وهو الذكور غالبا ، وأكثر هذه المحاولات أدعية وأذكار فى أوقات معينة ، مما يدل على أن الأمر كله بيد الله سبحانه ، ونحن لا نشك فى أن الدعاء من وسائل تحقيق الرغبات إذا تمت شروطه المعروفة ، ولكن بعض الأدعية الخاصة بإنجاب الذكور موضوعة لا أصل لها من قرآن أو حديث ، ومنها ما هو موجود فى الكتب الطبية أو كتب الخواص ونحوها، مثل ما جاء فى كتاب "مفيد العلوم ومبيد الهموم للخوارزمى ص 85 " أن من أراد الولد فليقرأ عند الجماع { قل هو الله أحد . . . } ثم يقول : اللهم ارزقنى من هذا الجماع ولدا أسميه محمد أو أحمد ، يرزقه الله الولد، وقد جرب ذلك كثيرون فرزقهم الله أولادا .
انتهى .
هذا، وقد ورد فى صحيح مسلم عن ثوبان أن يهوديا جاء يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الولد، فقال له " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فَعَلاَ مَنى الرجل مَنِىَّ المرأة أذْكَرا بإذن الله ، وإذا عَلا منى المرأة منى الرجل أنْثَى بإذن الله " فقال اليهودى : صدقت وإنك نبى .
وقد بيَّن ابن القيم فى كتابه " أقسام القرآن " ص 205 - 215 كيفية تخلق الجنين من ماء الرجل والمرأة، واستشكل فى كتابه "تحفة الودود" الإذكار والإِيناث لمن علا ماؤه ، لأن ذلك ليس له سبب طبيعى، بل هو مستند إلى مشيئة الله . ولهذا قال فى الحديث الصحيح فيقول الملك :
يا رب ذكر ؟ يا رب أنثى . . ؟ ويقول : وأما حديث ثوبان فانفرد به مسلَّم . وهو صحيح ، لكن فى القلب من ذِكْرِ الإيناث والاذكار فيه شىء ، هل حفظت هذه اللفظة أو هى غير محفوظة، والمذكور إنما هو الشبه كما ذكر فى سائر الأحاديث المتفق عليها "ثلاثيات أحمد ج 2 ص 73 ، 4 7 " . انتهى .
وأقول : على ضوء ما ذكر من احتواء نطفة الرجل على عناصر التذكير والتأنيث ، و اقتصار بويضة الأنثى على عنصر التأنيث بأَلاَ يمكن أن يفسَّر عُلُوُّ ماء أحدهما على الآخر بِسَبْقِ حامل ، عنصر التذكير فى النطفة إلى تلقيح البويضة ، فيمكن أن يكون المولود ذكرا ، وبغَلَبَة عنصر الأنوثة فى المرأة إذا لقحت بويضتها بعنصر الأنوثة فى منى الرجل ؟ وعلى كل حال فإن الحديث لم ينس أن يذكر مع ذلك كلمة " بإذن الله " للدلالة على أن المتحكم الحقيقى هو الله سبحانه .
هذا، وأما معرفة نوع الجنين قبل ولادته فقد بذلت لها محاولات كثيرة قديمة وحديثة لا مجال لذكرها ، ولكن كل المحاولات ظنية وليست يقينية، ولئن عرف نوع الجنين فلا يعرف كل ما كتب له من عمر ورزق وشقاء أو سعادة كما صح فى حديث البخارى ومسلم ، والمعرفة الظنية أو الناقصة غير الشاملة لا تتعارض مع علم الله اليقينى والشامل لكل أحوال الجنين ، كما يدل عليه قوله تعالى { هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء } آل عمران : 6 ، وقوله { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار } الرعد : 8 .
ويذكرنى ما قاله العلماء من أن الرجل عليه الدور الأكبر فى تحديد نوع الجنين بما يحمل من الكروموسومات ، ما جاء فى أشعار العرب مشيرا إلى ذلك ، بصرف النظر عن مصدر علمهم به ، فقد جاء فى العقد الفريد لابن عبد ربه "ج 2 ص 87" أن أبا حمزة الضَبىّ تزوج امرأة يبتغى من ورائها ولدا تلده ، فولدت له إناثا فى عدة مرات ، فهجر فراشها، ، ثم سمعها مرة تقول وهى ترقص بنتها وكان يأوى إلى بيت جيرانها :
ما لأبى حمزة لا يأتينا * يظل فى البيت الذى يلينا غضبان ألا نلد البنينا * تالله ما ذلك فى أيدينا فنحن كالأرض لزارعينا * تُنْبِتُ ما قدر زرعوه فينا فأحس أن امرأته لا ذنب لها فى ذلك فرضى عنها(9/433)
الزواج بين الإنس والجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن أن يحدث زواج بين الإنس والجن ؟
An الكلام فى هذا الموضوع فى مقامين ، الأول إمكان حدوثه والثانى مشروعيته . وقد فصل هذين المقامين المحدث الشبلى الحنفى المتوفى سنة 769 هـ فى كتابه " آكام المرجان " كما تحدث عن ذلك الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " .
أولا - إمكان التزاوج بين الإنس والجن ، قد أثبته الجمهور مستدلين بقوله تعالى لإبليس { وشاركهم فى الأموال والأولاد} الإسراء : 64 ، ويوضح هذه المشاركة ما ذكره ابن جرير فى " تهذيب الآثار " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا جامع الرجل امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى إحليله فيجامع معه " .
ويقول الشبلى : إن المنكرين لإمكان المناكحة اعترضوا بأن الجن خلقوا من نار ، والإنس من العناصر الأربعة . وهذا يمنع وجود النطفة الإنسانية فى رحم الجنية - ثم يرد عليهم بأن الجن وإن كانوا خلقوا من نار إلا أنهم لم يبقوا على عنصريتهم النارية ، بل استحالوا عنها بالأكل والشرب والتوالد ، كما استحال بنو آدم من عنصرهم الترابى بذلك .
ويقول أيضا : إن الذى خلق من نار هو أبو الجن ، كما خلق آدم أبو الإنس من تراب وأما ذرية كل منهما فليست مخلوقة مما خلق منه أبوهما ، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأنه وجد برد لسان الشيطان الذى عرض له فى صلاته على يده لما خنقه . وفى رواية قال النبى صلى الله عليه وسلم " فما زلت أخنقه حتى برد لعابه " فبرد لسان الشيطان ولعابه دليل على أنه انتقل عن العنصر النارى .
ثم يقول الشبلى أيضا فى رده على المنكرين : لو سلمنا عدم إمكان العلوق -أى وجود نطفة الإنس فى رحم الجنية - فلا يلزم منه عدم إمكان الوطء فى نفس الأمر، كذلك لا يلزم من عدم إمكان العلوق عدم جواز النكاح شرعا ، لان الصغيرة والآيسة والعقيم اللاتى لا يمكن العلوق معهن يجوز نكاحهن شرعا .
هذه هى أدلته النظرية ، ويورد أدلة واقعية فينقل أخبارا عمن يثق بهم ، أن هذه المناكحات حدثت بالفعل .
ثانيا - أما مشروعية النكاح بين الجنسين فيذكر الشبلى عنها أن للعلماء فى ذلك رأيين :
الأول : المنع ، ونص عليه جماعة من أئمة الحنابلة . وينقل عن الفتاوى السراجية النهى عنه ، واستدلوا بقوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} النحل : 72 ، وقوله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم : 21 ، موجهين استدلالهم باختلاف الجنسين ، وتفسير المودة بالجماع ، والرحمة بالولد . كما يستدلون بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عنه .
والرأى الثانى الجواز، ونقل عن الحسن البصرى وقتادة وغيرهما .
وشهد الأعمش نكاحا للجن بجهة " كوثى " كما ذكره أبو بكر الخرائطى، وسيأتى ما نسب إلى مالك فى ذلك . وحجة هؤلاء فى عدم المنع أن الأصل فى التكليف أنه يعم الفريقين الإنس والجن ، وليس هناك ما يخصص هذا التعميم بالنسبة للمناكحة بينهما كما قالوا : إن فى أدلة المانعين نظرا ، لأن الآيتين المذكورتين لا تنصان على التحريم . فاختلاف الجنس لا نص على منعه من النكاح ، والمودة والرحمة لا يتعين تفسيرهما بالجماع والولد . وحديث النهى عنه مردود بأنه مرسل ومن طريق ابن لهيعة، وهو مطعون فيه ، وإن صح فيجوز حمله على الكراهه لا التحريم .
وأصحاب الرأى القائل بالجواز يكرهون هذا النكاح ، لأنه لا يحدث به تمام المودة والرحمة ، لاختلاف الجنس ، ولعدم الاطمئنان على حل المشكلات التى تحدث بين الزوجين ، من لعان وإيلاء وطلاق وتحصيل نفقة، وما إلى ذلك من الأمور التى ذكرها الفقهاء فى هذا الصدد .
كما أن الإمام مالكا أورد وجهة نظر فى الكراهة لها قيمتها ، فقد قيل له : إن ها هنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال ، فقال : ما أرى بذلك بأسا فى الدين ، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد فى الإسلام بذلك ، يريد أن الزانية قد تبرر حملها بزواجها من جنى وقد أورد ذلك أبو عثمان سعيد بن العباس الرازى فى كتاب " الإلهام والوسوسة" فى باب نكاح الجن .
وهذا فى تزوج الجنى من الإنسية ، أما العكس فظاهر كلامه عدم الكراهة انتهى .
بعد هذا أرى أن الأصل فى نكاح الجن هو الحل ، لعدم ورود ما يمنعه ، ولكنه مكروه طبعا . . وفى الإنس متسع لمن يريد المودة والرحمة واستقرار الحياة الزوجية وخدمة المجتمع البشرى " انظر الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/434)
الدخول بالمرأة والخلوة بها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لو عقد شخص على امرأة ثم قبَّلها أو سافر بها فى مكان بعيد عن أهلها ولم يتصل بها جنسيا ثم طلقها، هل يعتبر طلاقا قبل الدخول أو بعده ؟
An الدخول الحقيقى الذى تترتب عليه أحكامه يحصل باللقاء الجنسى المعروف ، وذلك عند جمهور الفقهاء ، فالتقبيل أو الخلوة الخالية من ذلك لا تترتب عليه أحكام الدخول ، لكن الإمام أبا حنيفة جعل للخلوة أحكاما تشترك فيها مع الدخول ، واشترط أن تكون الخلوة صحيحة ، وتكون صحيحة إذا كان الزوج مع الزوجة فى مكان يأمنان فيه من دخول أحد عليهما أو إطلاعه على سرهما ، وألا يكون هناك ما يمنع من الاختلاط ، مستدلا بما رواه الدارقطنى " من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصداق ، دخل بها أو لم يدخل " وبما روى عن زرارة بن أبى أوفى أنه قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى عليها الستور وأغلق الباب فلها الصداق كاملا وعليها العدة ، دخل بها أم لم يدخل . وحكى الطحاوى من أئمة الحنفية أن على هذا إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم .
فإذا لم تكن الخلوة صحيحة فلا تكون فى الحكم كالدخول . كأن كانا فى مكان لا يأمنان فيه من دخول أحد أو إطلاعه عليهما ، أو كان معهما شخص ثالث يعقل ، أو كان هناك مانع من الاختلاط .
والمانع إما حسى كالمرض أو صغر السن ، أو كانت الزوجة بها مانع خلقى لا يمكن معه الاختلاط ، وإما مانع شرعى كالحيضى أو صيام رمضان أو إحرام بالحج أو العمرة .
والخلوة الصحيحة تشارك الدخول الحقيقى عند الأحناف فى أحكام وتخالفه فى أحكام ، فالمشاركة فى خمسة :
ا -تأكد المهر كله للزوجة .
2-وجوب العدة عليها إذا وقعت فرقة بعد الخلوة بها .
3- وجوب نفقة العدة على المطلق .
4 -ثبوت نسب الولد منه .
5 - حرمة التزوج بامرأة أخرى محرم لها كالأخت وتزوج خامسة وذلك فى أثناء العدة .
6 -وقوع الطلاق عليها ما دامت فى العدة .
والمخالفة فى سبعة :
ا - لا يثبت بها إحصان فلا ترجم إن زنت .
2 - حرمة الربيبة فإن الشرط الدخول بأمها دخولا حقيقيا .
3- حل المطلقة ثلاثا لا يكون إلا بالدخول .
4 - الرجعة فلا تحصل عنده إلا بالاتصال الجنسى .
5 -إرجاعها بدون عقد فلا يجوز إلا بعد الدخول الحقيقى .
6 -الميراث فلا يرث أحدهما الآخر قبل الدخول الحقيقى لو طلقها ومات فى العدة .
7 - لا تعامل معاملة الثيب لو طلقها قبل الدخول الحقيقى وأرادت أن تتزوج . بل تعامل كالبكر. [ ملخص من كلام الشيخ عبد الرحمن تاج فى كتابه " أحكام الأحوال الشخصية ص 131 - 1136 ] .
ثم تحدث عن المذاهب بخصوص المهر ، فقال : إن الخلوة الصحيحة توجب المهر كله عند الحنفية والحنابلة، ولا توجبه عند الشافعية، وأما المالكية فقالوا : إن اختلى بها مدة طويلة كسنة مع عدم الموانع من المخالطة ، كانت الخلوة كالدخول فى تأكد المهر كله حتى لو اعترف الطرفان بعدم المخالطة . ويراجع الكتاب لاستكمال رأى المالكية انظر تفسير القرطبى فى سورة النساء "وقد أفضى بعضكم إلى بعض "ج 3 ص ه . 2 ، ج ه ص 102(9/435)
نقل الدم والمصاهرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مرض ابن عمى واحتاج إلى نقل دم ، فأعطيته من دمى ، فهل يحرم عليه أن يتزوجنى ؟
An تحريم الزواج يكون بسبب النسب أو الرضاعة أو المصاهرة ، فبعد أن ذكرت الآية : 22 تحريم زوجة الأب ، وذكرت الآية : 23 تحريم الأمهات وغيرها ، وذكرت الآية : 24 تحريم المتزوجات ، وكل ذلك من سورة النساء، جاء فى الآية الأخيرة قوله تعالى{ وأحل لكم ما وراء ذلكم } وفى الحديث النهى عن الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها .
فليس من أسباب التحريم نقل الدم ، ولا يجوز أن نقيسه على الرضاع ، لأنه قياس مع الفارق ، فالدم بذاته ليس مغذيا وإنما هو ناقل للغذاء ، واللبن فى أصله غذاء .
وحتى لو فرض أن الدم مثل اللبن فيشترط أن يكون نقل الدم فى سن الحولين ، أى فى الصغر .
أما النقل بين من هم أكبر من سنتين فلا يضر أبدا ، كالرضاع بعد الحولين ، كما يعتبر عدد مرات نقل الدم ، فلا بد أن تكون خمس مرات معلومات كما ذهب إليه الإمام الشافعى فى الرضاع .
والخلاصة أن نقل الدم لا يحرِّم المصاهرة(9/436)
طلاق المريض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تزوج رجل بعد وفاة زوجته ، وكره أولاده ذلك حتى لا تقاسمهم فى ميراثه ، فطلقها فى مرضه الذى مات فيه ، فهل ترث منه أو لا ؟
An مرض الموت هو المرض الذى يغلب على الظن موت صاحبه به ويلازمه حتى الموت ، وقد يكون ذلك بتقرير الطبيب ، أو بشعور المريض بأنه لم يعد يستطيع أن يزاول أعماله الخفيفة خارج البيت كالذهاب إلى المسجد أو إلى الأماكن التى يقضى منها بعض حاجاته .
فإذا طلق الرجل فيه زوجته طلاقا رجعيا ولو كان برضاها ثم مات قبل انقضاء عدتها فإنها ترث منه ، كما لو طلقها حال صحته .
أما إذا طلقها طلاقا بائنا يقصد به حرمانها من الميراث ، وكان الطلاق بعد الدخول وبغير رضاها وكانت أهلا لأن ترثه لو مات حينئذ ، واستمرت على ذلك إلى أن مات قبل انقضاء عدتها منه فإنها ترثه ، معاملة له بنقيض مقصوده وتستحق نصيبها فى التركة . مع نفاذ الطلاق واعتباره بائنا على كل حال . لكن إذا ماتت المرأة قبل الرجل فإنه لا يرثها ولو كان موتها قبل انتهاء العدة .
ومن هذا يعلم أن الطلاق البائن فى حال الصحة أو فى حال المرض الذى لا يغلب على الظن الهلاك به لا يكون طلاق فرار فلا ترث منه ، وكذلك إذا كان الطلاق قبل الدخول بها لأنها صارت أجنبية من كل الوجوه حيث لا عدة عليها ، وثبوت الحق فى الميراث إذا حصل الموت قبل انتهاء العدة، وإذا أبانها فى مرض الموت برضاها فلا ميراث لها .
ولو كانت عند الإبانة غير أهل لاستحقاق الميراث كأن كانت كتابية فلا ترث ، وذلك لاختلاف الدين ، وكذلك لو مات بعد انقضاء عدتها فلا ترث .
ومذهب الإمام أحمد أن المطلقة للفرار من الإرث ترث من مطلقها حتى لو مات بعد انقضاء عدتها ما لم تتزوج بزوج آخر، ومذهب مالك أنها ترثه حتى بعد زواجها بغيره ولو كان هذا الغير عاشر الأزواج بعده .
هذا ، ومثل مرض الموت كل حالة يغلب على الظن فيها الهلاك ، مثل المبارزة بالسيوف كالتى كانت تحصل فى القتال قبل اشتباك الجيوس ، وانكسار سفينة فى عرض البحر وغرقها وتمسكه بأحد أجزائها ، أو كان غرقها متوقعا لشدة العواصف والأمواج ، وكذلك الحكم النهائى بالإعدام ، والوجود فى بلد فيه وباء أصاب أهل داره والدور المجاورة " انظر كتاب أحكام الأحوال الشخصية ص 283 وما بعدها " للشيخ عبد الرحمن تاج ، وكتاب " أحكام الأسرة فى الإسلام " للشيخ محمد مصطفى شلبى ص 535 وما بعدها(9/437)
طلاق الغضبان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يقع طلاق الغضبان ؟
An روى أبو داود والحاكم وصححه على شرط مسلم أن النبى @ قال " لاطلاق ولا عتاق فى إغلاق " وفسر أحمد بن حنبل الإغلاق بالغضب ، وفسره غيره بالإكراه ، وفسر بالجنون أيضا . وقيل : هو نهى عن إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة ، فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شىء .
وجلعوا الغضب ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يزيل العقل ، فلا يشعر صاحبه بما قال ، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع .
الثانى : ما يكون فى مبادئه ، بحيث لا يمنع صاحبه عن تصور ما يقول وقصده ، فهذا يقع طلاقه بلا نزاع . والثالث أن يستحكم ويشتد به ، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته ، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال ، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع فى هذه الحالة قوى متجه .
وأنصح من يستفتون أن يصدقوا فى تصوير حالة غضبهم ، فكثير منهم يدعى زوال عقله ، وليس للمسئول إلا ما يسمعه منه ، فعلى السائل أن يتقى الله سبحانه .
" الفتاوى الإسلامية مجلد 6 ص 029 2 ومجلد 9 ص 3155"(9/438)
طاعة الوالدين فى الزواج والطلاق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى بعض الأحوال يضغط الأب أو الأم على الابن أن يتزوج امرأة معينة، أو أن يطلق زوجته ، ويهددانه بالغضب عليه إن لم يفعل ، أو بالحرمان من الميراث مثلا، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An مخالفة الوالدين فى اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأى دينى فى الزوج أو الزوجة يحذران منه . أما إذا كان رأى الوالدين ليس دينيا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر - والزواج فيه تكافؤ وصلاح - فلا حرمة فى مخالفة الوالدين .
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين ، رجاء تحقق الاستقرار فى الأسرة الجديدة ، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعى من الزواج الذى ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة ، وإنما هو علاقة أيضا بين أسرتين ، وفيه دعم للروابط الاجتماعية .
ويقاس هذا على إرغام الوالدين لولدهما على طلاق زوجته التى يحبها ويستريح لها ، فقد روى الترمذى وصححه أن : عمر رضى الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فأبى، فشكاه للرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بطلاقها ، لكن سئل أحمد بن حنبل بعد ذلك فى مثل هذه الحالة فقال للسائل :
لا تطلق زوجتك ، فذكر له حادث عمر، فقال أحمد : إذا كان أبوك مثل عمر فطلقها . والمعنى أن عمر كانت له نظرة دينية فى زوجة ابنه ، لكن غير عمر ليست له هذه النظرة، فهى غالبا نظرة شخصية ولتحقيق غرض معين يكون من ورائه هدم أسرة يستريح لها الابن خلقا ودينا .
صح أن إبراهيم عليه السلام أمر ولده إسماعيل أن يطلق زوجته الأولى ، مُكنِّيًا عن ذلك بتغيير عتبة الباب ، كما رواه البخارى ، وذلك لأنه وجدها تتأفف من عشرته فقد تكون فتنة لزوجها، وقال الإمام الغزالى فى " الإحياء ج 2 ص 51 " بعد ذكر حديث ابن عمر: فهذا يدل علي أن حق الوالد مقدم ، ولكن والد يكرهها لا لغرض ، مثل عمر .
وعلى هذا يحمل ما ورد من أمر أبى بكر الصديق ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة، وما أخرجه أحمد عن معاذ بن جبل ، أوصانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات ، وذكر منها " ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك " وما جاء فى صحيح ابن حبان أن رجلا سأل أبا الدرداء فقال له ، إن أبى لم يزل بى حتى زوجنى، وإنه الآن يأمرنى بطلاقها . قال : ما أنا بالذى آمرك أن تعق والديك ، ولا بالذى آمرك أن تطلق امرأتك ، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الوالد أوسط أبواب الجنة ، فحافظ على ذلك إن شئت أو دع " قال فأحسب أن عطاء - وهو الراوى - قال فطلقها .
هذا، وقد رأى جماعة أن الطاعة فى تطليق الزوجة تكون للأب لا للأم ، قال ابن تيمية فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته : لا يحل له أن يطلقها ، بل عليه أن يبرها ، وليس تطليق امرأته من برها " غذاء الألباب ج 1 ص 332 " وجاء فى هذا الكتاب أن ابن تيمية علل عدم طاعة الوالدين فى زواج امرأة معينة : إذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر طبعه عنه ، مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه ، كان النكاح بذلك أولى ، فإن أكل المكروه ساعة ، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذى صاحبه ولا يمكن فراقه " ص 334 " راجع الجزء الخامس من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/439)
الطلاق المعلق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل قال لزوجته : إن خرجت من البيت فأنت طالق فهل يقع الطلاق لو خرجت ؟
An الطلاق المعلق هو الذى يقصد به إثبات شىء أو نفيه ، أو الحث على فعل شىء أو تركه . وفيه أقوال خمسة ذكرها ابن القيبم فى كتابه " إغاثة اللهفان " ص 5 6 2 - 67 2 وملخصها هو: - 1 -أنه لا ينعقد، ولا يجب فيه شىء . وعليه أكثر أهل الظاهر، لأن الطلاق عندهم لا يقبل التعليق كالنكاح ، وعليه من أصحاب الشافعى أبو عبد الرحمن .
2-أنه لغو وليس بشىء وصح ذلك عن طاووس وعكرمة .
3- لا يقع الطلاق المحلوف به ويلزمه كفارة يمين إذا حنث فيه .
وبه قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما .
4 -الفرق بين أن يحلف على فعل امرأته أو على فعل نفسه أو على فعل غير الزوجة ، فيقول لامرأته : إن خرجت من الدار فأنت طالق ، فلا يقع عليه الطلاق بفعلها ذلك ، وإن حلف على نفسه أو على غير امرأته وحنث لزمه الطلاق ، وبه قال أشهب من المالكية .
5 -الفرق بين الحلف بصيغة الشرط والجزاء وبين الحلف بصيغة الالتزام ، فالأول كقوله : إن فعلت كذا فأنت طالق . والثانى كقوله : الطلاق يلزمنى أو على الطلاق إن فعلت ، فلا يلزمه الطلاق فى هذا القسم إن حنث دون الأول . وهذا أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب الشافعى والمنقول عن أبى حنيفة وقدماء أصحابه . والعمل الآن فى المحاكم المصرية حسب القانون رقم 25 لسنة 1929 م كما تنص عليه المادة الثانية منه ، على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه لا غير - لا يقع ، وجاء فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون : أن الطلاق ينقسم إلى منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فورا ، وإلى مضاف كأنت طالق غدا ، وإلى يمين نحو: على الطلاق لا أفعل كذا ، وإلى معلق كإن فعلت كذا فأنت طالق . والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل شىء أو تركه -وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه - كان فى معنى اليمين بالطلاق ، واليمين فى الطلاق وما فى معناه لاغ .
ويمكن الرجوع إلى الجزء السادس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 343 لمعرفة أدلة الآراء المختلفة فى هذا الموضوع . ومن المتحمسين لوقوع الطلاق المعلق الإمام تقى الدين السبكى المتوفى سنة 756 هـ فى رسالته " النظر المحقق فى الحلف بالطلاق المعلق " يرد بها على ابن تيمية، وقد فرغ منها قبل وفاة ابن تيمية بسنوات ، ويراجع كتاب " أحكام الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية " ص 291 للشيخ عبد الرحمن تاج -والفتوى على الرأى الذى يطبق فى المحاكم المصرية ، لأن ولى الأمر اختاره ، ومعلوم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ، وينبغى الالتزام به فى الفتوى منعا للبلبلة(9/440)
تحريم الزوج لزوجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لو قال الزوج لزوجته : أنت محرمة علَّى إلى يوم القيامة ، فهل يكون طلاقا ؟
An رأى العلماء فى تحريم الزوج زوجته على نفسه عدة آراء بلغت عشرين ، ولكن أصول هذه الآراء هى : أنه لغو لا شىء فيه ، أو طلاق ، أو ظهار، أو يمين كالحلف بالله ، أو لفظ صالح لكل ما ذكر، وبحسب النية ، أو التحريم فقط ، أو الوقف .
وفى القول بأنه طلاق مذاهب ، فقيل يقع به طلقة واحدة رجعية، وقيل طلقة واحدة بائنة ، وقيل ثلاث طلقات فى المدخول بها ، وقيل كناية عن الطلاق وليس صريحا فإن نواه فهو طلاق ، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى كتاب " زاد المعاد" لابن القيم(9/441)
نكاح الحامل بغير طريق شرعى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q امرأة حملت بغير طريق شرعى هل يصح زواجها من أجل الستر عليها ؟
An روى مسلم " ج 10 ص 14 " عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة مُجِح - أى حامل قربت ولادتها - على باب فُسطاط فقال " لعله يريد أن يُلمَّ بها " أى يتزوجها ، فقالوا : نعم ، فقال رسوله الله صلى الله عليه وسلم "هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره ، كيف يورثه وهو لا يحل له ، كيف يستخدمه وهو لا يحل له " ؟ .
وروى الترمذى ، وحسنه ، وغيره من حديث ، رويفع بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره " أى لا يتزوج امرأة حاملا حتى تضع حملها وتنتهى عدتها من زوجها السابق .
قال العلماء فى نكاح الحامل : لو كان الحمل من زنا ففى صحة العقد قولان : أحدهما بطلانه ، وهو مذهب أحمد ومالك وجمهور العلماء ، والقول الثانى صحته ، وهو مذهب الشافعى وأبى حنيفة ، ولكن لا يدخل بها إلا بعد وضع الحمل ، لحديث النهى عن سقى زرع غيره .
جاء فى السنن عن سعيد بن المسيب عن بصرة بن أكثم قال : تزوجت امرأة بكرا فى كسرها فدخلت عليها فإذا هى حبلى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " لها الصداق بما استحللت من فرجها ، والولد لك ، وإذا ولدت فاجلدوها " وفرق بينهما " زاد المعاد ج 4 ص 4 " .
وحكمه بعبودية الولد قيل منسوخ ، وقيل خاص بالنبى وبهذا الولد ، وقيل ليس المراد الرق وهو ضد الحرية ولكن المراد أن يكون خادما .
هذا ، وقد يحصل أن يزنى رجل بامرأة فتحمل منه ثم يتزوجها إما سترا عليها وتوبة إلى الله ، وإما لغرض آخر، وهنا يصح العقد عليها على رأى الشافعى وأبى حنيفة ويجوز له وطؤها ، لأن الحمل منه وليس فيه سقى زرع غيره بمائه ، أما من تزوج بمن زنى بها غيره وكانت حاملا فقد سبق حكمه .
والزواج من الزانية فيه خلاف للعلماء ، فقد حرمه بعضهم إذا كانت مشتهرة بالزنى ، وأجازه البعض إذا علم توبتها كما رآه ابن القيم فى بدائع الفوائد " ج 4 ص 103 "(9/442)
وضع المرأة بعد وفاة زوجها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الأفضل للمرأة أن تتزوج بعد موت زوجها أو تمتنع عن الزواج وفاء لزوجها أو لرعاية الأيتام ؟
An المرأة إذا مات زوجها يقال لها أرملة ما دامت لم تتزوج بعد، والترمل فترة شديدة على المرأة، بل وعلى أهلها ، فى قد فقدت زوجها الذى كان يعولها ويساعدها على الإحساس ببهجة الحياة ، وقد تستمر على هذه الحال فلا يرغب أحد فى زواجها وبخاصة إذا كانت لها أطفال من الزوج الأول ، وكذلك أهلها يحسون بالألم لمصيرها حيث لم تكتمل سعادتها فى المدة التى قدر لها أن تعيشها .
ولهذا الوضع المؤلم للأرملة مظاهر متعددة تختلف باختلاف الشعوب ، ذكر الرحلة محمد ثابت فى كتبه شيئا كثيرا منها ما رآها بنفسه أو نقلها عن كتب الرحلات التى سبقت .
ففى بعض قبائل الهند كانت الزوجة أو الزوجات يحرقن أنفسهن مع الزوج حتى لا تصيبهن لعنة الترمل ، كما يقضى بذلك الدين البرهمى ، ويوجد أيضا فى شعوب ( الأنكا) فى ( بيرو ) وفى جزر فيجى وبعض جهات الصين يمارس ذلك بخفية ، على الرغم من تحريم القوانين له .
ومن لم تدفن نفسا مع زوجها تظل بائسة منبوذة أو تحاول الابتعاد عن الناس لأنها نذير شؤم فتلجأ إلى المعابد والرهبنة وهناك يحلق شعرها وتغطف بالسواد وتخدم رواد المعابد حتى تموت ، ويطلق عليها الآن فى بعض البلاد ( الغولة) ، والهندوس يعدون ترمل المرأة كفارة لما ارتكبته فلا يحل لها الزواج ثانيا ، وقد حارب غاندى ذلك وبخاصة فى الأرامل الصغار، لأن الزواج عندهم مبكر جدا .
إن الإسلام لا يفرض على الأرملة إلا الاحتداد بالابتعاد عن الزينة وبعدم الزواج فترة محدودة تسمى بالعدة التى تنتهى بوضع الحمل أو انقصاء أربعة أشهر وعشرة أيام لغير الحامل . وبعد هذه الفترة تحل لها كل أنواع الزينة فى الحدود المشروعة كما يحل لها أن تتزوج .
غير أن بعض الزوجات لا ترغب فى الزواج ثانيا وذلك لبعض العوامل التى منها :
1 - امتداد النظرة القديمة التى كانت عند عرب الجاهلية فى معايرة الولد بزواج أمه بعد وفاة أبيه ، حيث كان يعيش من المهر الذى دفعه له زوج أمه ، ويأنف أن يرى رجلا أجنبيا ينام مكان والده .
2 - وجود أيتام صغار تعكف على تربيتهم خشية أن يضيعوا إن تزوجت .
3-شدة حبها لزوجها الأول فلا ترضى بغيره بديلا .
4 -وجود عهد بينها وبين زوجها ألا تتزوج بعده .
ومن الأمثلة لذلك : الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين ابن على رضى الله عنهما، التى قالت : ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبو الشهداء الحسين بن على للعقاد ص 54) ونائلة بنت الفرافصة بن الأحوص زوجة عثمان بن عفان رضى الله عنه ، خطبها معاوية بن أبى سفيان فأبت ، وقيل : إنها قالت بعد مقتل عثمان : إنى رأيت الحب يبلى كما يبلى الثوب ، وقد خشيت أن يبلى حزن عثمان من قلبى، فكسرت بعض أسنانها بحجر وقالت : والله لا قعد أحد منى مقعد عثمان أبدا (العقد الفريد لابن عبد ربه الطبعة الأولى ج 3 ص 194) وأم هانى بنت أبى طالب خطبها النبى صلى الله عليه وسلم فاعتذرت له بأن لها أيتاما إن قامت بحق النبى عليها خافت أن يضيعوا وإن قامت بحقهم خافت التقصير فى حق النبى عليها (مسلم بشرح النووى ج 16 ص 80 ، العقد الفريد ج 3 ص 194) وامرأة هُدْبة بن الخشرم الذى قال لها :
فلا تنكحى إن فرق الدهر بيننا * أغَمَّ القفا والوجه ليس بأنزعا فلما قدم للقتل فى ثأر غابت عن الناس وجدعت أنفها وشقت شفتيها ثم قالت له : أترانى متزوجة بعدما ترى ؟(محاضرات الأدباء ج 2 ص 98 والمستطرف ج 1 ص 165) وهجيمة بنت حى الأوصابية أم الدرداء الصغرى ، خطبها معاوية بن أبى سفيان فأبت وقالت :
سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرأة لآخر أزواجها" ولست أريد بأبى الدرداء بديلا . وهو حديث صحيح ، رواه الطبرانى وأبو يعلى، ولفظه " أيما امرأة توفى عنها زوجا فتزوجت فهى لآخر أزواجها " (المطالب العالية ج 2 ص 67 والجامع الصغير) والأمثلة كثيرة .
الحكم : من المعلوم أن الله سبحانه حرم على المسلمين أن يتزوجوا من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ، إن ذلكم كان عند الله عظيما } الأحزاب : 53 ، فهن زوجاته فى الدنيا والآخرة، وفى إيذائهن إيذاء له صلى االله عليه وسلم .
أما غيرهن ، فإن كان هناك عهد بينها وبين زوجها ألا تتزوج بعده ، فيجوز لها أن تمتنع عن الزواج إن لم تخف الفتنة على نفسها بل يستحب إن كان هناك مبرر، فإن خافت الفتنة لا يجب عليها الالتزام بالعهد ولها أن تتزوج ، وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب ( أم مبشر) .
فقالت له : إن زوجى شرطت له ألا أتزوج بعده ، فقال لها " إن هذا لا يصلح " (زاد الميعاد ج 4 ص 209 والترغيب ج 3 ص 144) وذلك لأنه شرط ليس فى كتاب الله ، وفيه تعطيل للنسل ، وقد تزوج عمر بن عبد العزيز من أم هشام بنت عبد الله بن عمر التى حلفت لزوجها عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو ألا تتزوج بعده كما أوصاها بذلك وكان يحبها كثيرا (أعلام النساء لعمر كحالة) .
وإذا كان لها أيتام وخافت ضياعهم لو تزوجت كان لها أن تمتنع عن الزواج ، بل يستحب لها ذلك فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى " امرأة أَيْمَتْ من زوجها ذات منصب وجمال وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا أو ماتوا " يعنى حتى انفصلوا عنها واستغنوا عن كفالتها لهم أو حتى ماتوا . رواه أبو داود .
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما أبدت له أم هانىء عذرها بوجود الأيتام " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على طفل وأرعاه على زوج فى ذات يده" رواه مسلم (مسلم ج 16 ص 80) .
كما يجوز لها ألا تتزوج بعده لتكون زوجته فى الجنة كما تقدم عن أم الدرداء وكذلك فعلت زوجة حذيفة ، لكن امتناع المرأة عن الزواج ، لشدة حبها للزوج الأول قد يستساغ إذا كانت كبيرة فى السن آمنة على نفسها من الفتنة، لكن لو كانت شابة فخير لها أن تتزوج بعد خمود حرارة الحب ، وهى لابد خامدة بطول الزمن ، وبخاصة إذا خافت الفتنة على نفسها . وكان أبو سلمة حكيما حين أوصى زوجته أم سلمة أن تتزوج بعده ، وكانت تريد ألا تتزوج معتقدة أنه لا يوجد مثل أبى سلمة ، وقد وجدت أفضل منه وهو النبى صلى الله عليه وسلم .
إن الإسلام يساير الطبيعة البشرية فى إباحة زواج الأرملة ، ويوافق المعقول فى تحقيق المصلحة العامة ، وهو ما لجأت إليه الأمم الحديثة بعد أن عرفت صلاحيته .
وقد يحدث امتناع بعض كبريات النساء أن يتزوجن بعد وفاة أزواجهن ذوى المراكز المرموقة، تشبها بنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو تشبه باطل ، أو قياس مع الفارق كما يقال ، ولعله مأخوذ من المأثور عن بعض السلف من الامتناع عن تزوج نساء كبار الصحابة تعظيما لقدرهم ، وذكرا لمآثرهم عليهم وعلى الإسلام ، فهم يعدونهم كآبائهم ، ولا يجوز نكاح ما نكح آباؤهم من النساء .
ومهما يكن من شىء فإن الظروف لها حكمها، وتمسك المرأة بدينها أو تهاونها فيه لابد أن يوخذ فى الاعتبار، والمهم كله أن نحافظ على شرف المرأة ، وأن نقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ما دام ذلك لا يتخطى حدود الشرع ، وكل واحدة من النساء لها حكم يغاير حكم الأخرى، فلا يجوز أن يتخذ ذلك عرفا أو تقليدا عاما ، فالطبيعة قوية والشرع حكيم ، وضع مقاييس دقيقة للسلوك ، وأحكاما عادلة لحل المشكلات ، والخير كله فى اتباع هدى الله ، كما قال تعالى { فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى } طه :
123 ، وقال { وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين } النور :
54 .
هذا ، وقد جدت أوضاع لم تكن معروفة من قبل ، وهى المعاشات التى تقررها الحكومة للأرامل ، وتشترط لها عدم زواجهن ، ولحرص الأرملة على المعاش ، ولتلبية نداء الغريزة قد تنحرف بدون الارتباط بالزواج ، وفى ذلك خطورة بالغة لا يشك فيها أحد ولا يقرها دين ، وقد تلجأ إلى ما يسمى بالزواج العرفى، وهو إن كان غير مستوف لأركانه وشروطه فهو الانحراف بعينه ، وإن استوفى ذلك شفويا دون تسجيل رسمى، كانت المعاشرة مشروعة وعدم تسجيله يضمن لها بقاء المعاش حسب القوانين الوضعية ، لكن ذلك يترتب عالجه أضرار ، منها :
1 -تعريض حق الأولاد الذى نتجوا عن هذا الزواج للضياع ، وذلك لعدم تسجيلهم فى الأوراق الرسمية ، فلا يلزم أبوهم بالانفاق عليهم ، ولا تضمن لهم حقوقهم فى التعليم وما إلى ذلك .
2 -تعريض حقها للضياع عند وفاة هذا الزوج إن كان له ميراث ، وكذلك ضياع حق أولاده ، وحقه هو أيضا إن ماتت وتركت ميراثا .
3-الاستيلاء على المعاش بدون حق ، لأنه لغير المتزوجة ، فهو سرقة من الحكومة ، وأخذ مال كان أولى به مشروعات أخرى .
وكل هذه الأضرار ممنوعة شرعا ، والزواج العرفى الذى يؤدى إلى الممنوع فهو ممنوع ، ولهذا يجب تسجيله لأن المعاش المقرر لها سينتقل حقا واجبا على الزوج كنفقة بعد سقوطه بالزواج ، فهى لن تتضرر، وكذلك أولادها الذين فى كفالتها وتحت رعايتها معاشهم لا يسقط . والله يقول الحق وهو يهدى السبيل(9/443)
عقد القران فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحرص بعض الناس على عقد القران فى أحد المساجد التى بها أضرحة الصالحين ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An روى الترمذى عن عائشة رضى اللّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أعلنوا هذا النكاح واجعلوه فى المساجد واضربوا عليه بالدفوف " قال الترمذى : حديث حسن وضعفه البيهقى .
عقد النكاح بالمسجد مظهر من مظاهر إعلانه وكذلك ضرب الدف عليه ، وذلك أمر مشروع ، وأقل درجاته أنه مباح ، وقيل سنة ، وكل هذا إذا لم يترتب على عقده بالمسجد أمر محظور، كإخلاله بحرمة المسجد أو التشويش على المصلين ، أو حضور جنب أو حائض ، أو إخلال بالآداب الاجتماعية كاختلاط الجنسين أو كشف ما يجب ستره ، أو غناء مثير أو غير ذلك . .
وتستوى كل المساجد فى هذا الحكم ، لا فضل لأحدها على الآخر، ولا شأن لمن دفن فيها أو قريبا منها فى مباركة هذا العقد، فالأمر يدور على الإِشهار والإِعلان فى الأماكن التى يكثر فيها اجتماع الناس ، وكانت المساجد إذ ذاك هى أحسن فرصة لذلك(9/444)
زيارة الزوجة لأهلها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يحق للزوج أن يمنع زوجته من زيارة أهلها ؟
An من المتفق عليه أن الزوجة يجب عليها أن تطيع الزوج فى أمرين أساسيين ، هما المتعة وملازمة البيت ، فلو عصته فى أحدهما كانت ناشزا، تسقط نفقتها ويتخذ معها إجراء بينة القرآن فى قوله تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن } النساء : 34 ، وصحت الأحاديث بالنهى عن عصيانها فيما يجب عليها نحوه .
وفى ملازمة البيت روى حديث بسند ضعيف أن رجلا كان فى سفر وعهد إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل ، أى من الطابق الأعلى إلى الطابق الذى تحته ، وكان أبوها فيه ، فمرض ، فاستأذنت الرسول فى زيارته فأمرها أن تطيع زوجها ، فمات أبوها ودفن ولم تنزل ، فأخبرها الرسول بأن اللَّه غفر لأبيها بسبب طاعتها لزوجها .
بعد هذا أقول :
كما أن للزوج على زوجته حقوقا مؤكدة يعرِّض التفريط فيها إلى عقوبات دنيوية وأخروية -كذلك لوالديها حقوق من البر والإِحسان ، منها ما هو واجب يعرِّض لعقوبة اللَّه : ومنها ما هو مندوب لا عقوبة عليه ، لكن حق الزوج مقدم على حق الوالدين ، فقد روى الحاكم وصححه والبزار بإسناد حسن أن عائشة رضى اللّه عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم : أى الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال " زوجها " قالت :
فأى الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال " أمه " .
ويمكن للزوجة أن توفق بين طاعتها لزوجها وطاعتها لوالديها دون إثارة مشكلات أو تعرَّض لعقوبات ، ومن العشرة بالمعروف التى أمر اللّه الزوج بها مع زوجته .أن يمكنها من بر والديها وصلة رحمها، لكن ليست زيارتها لهما هى الوسيلة الوحيدة للبر والصلة، فقد يتم ذلك بمكالمة تليفونية أو إرسال خطاب مثلا، أو بزيارة أهلها لها فى بيت زوجها ، وكل ذلك فى نطاق المصلحة الزوجية ، فإذا رأى الزوج أن زيارتها لأهلها تضر الحياة الزوجية كان له منعها ، ولو خرجت بدون إذنه كانت ناشزا وحكم النشوز معروف ، وليس منعه لها من زيارة أهلها معصية حتى نبيح لها أن تخالفه ، بناء على ما هو معروف من أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، فالبر كما قلنا-يحصل بغير زيارتها لأهلها، وقد يكون المنع فى مصلحتها هي أيضا، فلا يجوز لها أن تتمسك بهذه الزيارة وتعلق حياتها مع زوجها عليها ، فذلك عناد يجر إلى عناد أكبر قد تندم على نتيجته .
وبحسن التفاهم يمكن الخروج من هذه الأزمة ، والوسائل لذلك كثيرة ، وعلى الوالدين أن يساعدا ابنتهما على استقرار حياتها الزوجية بعدم إثارة الزوابع التى تعصف بسعادة كل من تعرض لها أو تسبب فيها .
هذا، وقد نشر كلام حدث منذ أكثر من مائة سنة جاء فيه - حول هذا الموضوع - أن الأبوين إذا كانا قادرين على زيارة ابنتهما فلا تخرج هى لزيارتهما إلا بإذن الزوج ، وكلام يبيح لها أن تخرج للزيارة كل أسبوع بإذن وبغير إذن ، وقيَّد بعضهم ذلك بعدم قدرتهما على زيارتها ( الشيخ محمد عبده ذكر كل ذلك بتاريخ 27 من ربيع الأول سنة 1322 انتهى . واختار أن تخرج إلى أبويها فى كل جمعة ، أذنها الزوج أو لم يأذن ، ولها أن تخرج إلى المحارم كذلك كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه ، كما أن لها أن تخرج إلى الأهل كذلك كل سنة مرة بالإذن وبدونه ، أما خروجها زائدًا على ذلك للأهل فيسوغ لها بإذنه .
وكان اختياره لذلك بعد عرض أقوال الفقهاء الأحناف من كتبهم ، دون أن يكون لأقوالهم أو لاختياره هو أى دليل من قرآن أو سنة " الفتاوى الإِسلامية مجلد 4 ص 1355 " وكل ذلك اجتهاد نظر فيه إلى العرف الجارى فى زمانهم ، لكن الأصل الذى يجب أن يعلم هو أن الزيارة فى حد ذاتها ليست ممنوعة، فقد أذن الرسول والصحابة لنسائهم بذلك ، والمدار هو على تحقيق المصلحة وعدم المفسدة، مع مراعاة تقدم حق الزوج على الأبوين ، والواجب يقدم على المندوب ، وللتحديد بمدة يرجع فيه إلى العرف ، ومخالفته لا ترقى إلى درجة التحريم وكلامهم هو فى الأولى والأفضل . ولعل ما ذكرته يكون أقرب إلى الصواب )(9/445)
العقيقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل العقيقة واجبة أم سنة ؟
An العقيقة هى الذبيحة عن المولود ، وقد كانت معروفة عند العرب قبل الإِسلام ، فكان إذا ولد لأحدهم غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها ، فلما جاء الإِسلام أمر بذبح الشاة وحلق رأس المولود وتلطيخه بالزعفران ، كما رواه أبو داود عن بريدة ، وسميت العقيقة باسم الشعر الذى على رأس الصبى حين يولد ، لأنه يحلق عند الذبح ، وكذلك الحيوان حين يولد يسمى شعره عقيقة، واختلف الفقهاء فى حكمها على ثلاثة أقوال :
(أ) فقيل : إنها مكروهة، وذلك لخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة ، فقال ( لا أحب العقوق ) .
ولأنها من فعل أهل الكتاب وجاء فى ذلك حديث البيهقى . أن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية ، ولما رواه أحمد أن الحسن بن على لما ولد أرادت فاطمة أن تعق عنه بكبشين فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم "لاتعقى ، ولكن احلقى رأسه فتصدقى بوزنه من الورق -الفضة " ثم ولد الحسين فصنعت مثل ذلك .
وقد أجيب على الحديث الأول بأن النبى كره اسمها ولم يكره فعلها ، وعلى الحديث الثانى بأن النبى ما كره من اليهود إلا تفرقتهم بين الغلام والجارية ، حيث لم يعقوا عنها ، وعلى الحديث الثالث بأنه لا يصح .
(ب ) وقيل : إنها سنة ، وبه قال أهل الحديث وجمهور الفقهاء ، ولهم فى ذلك عدة أحاديث ، منها " الغلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه " رواه أصحاب السنن من حديث سمرة بن جندب ، وصححه الترمذى ، ومنها حديث : أمر النبى صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود يوم سابعه ، ووضع الأذى عنه ، والعق . رواه الترمذى أيضا .
ومعنى : مرتهن بعقيقته أنه لا ينمو نمو مثله ، ولا يستبعد أن تكون سببا فى حسن نبات المولود وحفظه من الشيطان فهى تخليص له من حبسه ومنعه عن السعى فى مصالح أخرته . وقيل : أن المعنى إذا لم يعق عنه والده لا يشفع ،له ، كما قاله الإِمام أحمد ، لكن التفسير الأول أحسن .
(ج) وقيل : إنها واجبة ، وبه قال الليث والحسن وأهل الظاهر .
والسنة أن يعق عن الذكر بشاتين ، وعن الأنثى بشاة ، وذلك لحديث عائشة الذى رواه الترمذى، وقال : حسن صحيح .
قال العلماء : إن البنت كانت على النصف من الولد تشبيها للعقيقة بالدية .
وقالوا : إن أصل العقيقة يتأدى عن الغلام بشاة ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن الذى ولد عام أحد، وعن الحسين الذى ولد بعده بعام ، كبشا كبشا . والأكمل شاتان للولد ، ففى موطأ الإمام مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم " من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل ، عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة " .
والحكمة فى مشروعيتها أنها قربة إلى اللَّه ، يرجى بها نفع المولود بدعاء الفقراء له عندما يطعمون منها، وهى أيضا شكر للّه على نعمة الولد ، فالذرية محبوبة طبعا ومطلوبة شرعا ، بشر اللّه بها إبراهيم وزكريا عليهما السلام ، وفيها أيضا : إشهار للمولود ليعرف نسبه وتحفظ حقوقه ، وهى كفدية عنه ، تشبها بفداء إسماعيل الذبيح بالكبش .
هذا ، ويشبه العقيقة بالأضحية وفداء إسماعيل نقل عن الحنابلة أنه لو اجتمع يوم النحر مع يوم العقيقة يمكن الاستغناء بذبيحة واحدة عنهما إذا اجتمع يوم عيد مع يوم جمعة فإنه يكفى غسل واحد لهما(9/446)
زواج التحليل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كثر الكلام فى ذم زواج التحليل وأن المحلل والمحلل له ملعونان ، فهل معنى ذلك أنه حرام ، وكيف تعود المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى إلى زوجها الأول ؟
An المقصود بزواج التحليل هو زواج المطلقة ثلاثا لتحل لزوجها الأول ، وهو أمر مشروع دل عليه الكتاب والسنة والإِجماع ، قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ثم قال فى الآية التى تليها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة :
229 ، 230 ، قال العلماء : المعنى فإن طلقها للمرة الثالثة . قال القرطبى :
وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه . وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه " رواه الأئمة واللفظ للدارقطنى عن عائشة .
وحتى يكون زواج التحليل محققا للغرض منه لابد فيه من أمرين أساسيين ، أولهما أن يكون العقد صحيحا ، والثانى أن يكون معه دخول صحيح ، فإذا اختل واحد منهما لم يكن مشروعا، ولتوضيح ذلك نقول :
1 -حتى يكون العقد صحيحا لابد من استيفاء الأركان والشروط المعروفة فى كل زواج ، وزاد العلماء عليه أن يكون خاليا من نية التحليل ، ونية التحليل لها حالتان :
أ-الحالة الأولى أن يصرح بها فى العقد، كأن يقول : تزوجتك على أن أحلك لزوجك ، وهو باطل لا تترتب عليه آثاره عند جمهور الفقهاء :
مالك والشافعى وأحمد وعده ابن القيم من الكبائر لا فرق بين أن يكون اشتراط ذلك بالقول أو التواطؤ " زاد المعاد ج 4 ص 6 " وذلك لأحاديث ، منها ما رواه الترمذى عن ابن مسعود وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجة وأحمد عن ابن عباس ، والحاكم وصححه "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " وما رواه ابن ماجة والحاكم من حديث عقبة بن عامر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم بالتيس المعار"؟ قالوا : بلى يا رسول اللَّه ، قال " هو المحلل ، لعن اللَّه المحلل والمحلل له " .
وأما أهل الرأى " أبو حنيفة وأصحابه " فقال أبو حنيفة وزفر: يصح العقد ويحلها للأول ، لأن الشرط الفاسد يُلْغَى ويصح العقد ، وقال محمد : إن العقد صحيح مع هذا الشرط ، لأن الشرط يلغى ولكن هذا العقد لا يحلها للأول ، وقال أبو يوسف : العقد باطل -كرأى الجمهور -ولا يحلها للأول .
هذا ، وحكى الماوردى عن الشافعى أنه إن شرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأول ، وإن شرطاه فى العقد بطل النكاح ولم يحلها للأول :
وهذا قول الشافعى " تفسير القرطبى ج 3 ص 150 " .
ب - الحالة الثانية ألا يصرح بنية التحليل فى العقد وإن كان أمرا معروفا بين الناس أو على الأقل بين الأطراف الثلاثة ، المطلق والمطلقة والمحلل ، قال مالك : العقد غير صحيح ولا تحل للأول ، لأن العبرة فى الأحكام بالنيات ، وكذلك قال أحمد بن حنبل ، جاء فى " المغنى " لابن قدامة الحنبلى أن نكاح المحلل باطل إن شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما، وإن نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل ، وفى قول : إن شرط عليه التطليق قبل العقد ولم يذكره فى العقد ولم ينو فالعقد صحيح .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : ينعقد صحيحا مع الإثم ، ويترتب عليه حلها للأول بعد الدخول والطلاق وانتهاء العدة، لأن العبرة فى الأحكام بالظاهر، وأما الشافعى فله قولان ، القول الأول هو القديم كقول مالك وأحمد ، والقول الثانى وهو الجديد كقول أبى حنيفة وأصحابه .
2 -أما الشرط الثانى وهو الدخول الصحيح ، فهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ، ولا يكتفى فيه بمجرد الخلوة حتى لو كانت صحيحة، بل لابد فيه من اللقاء الجنسى، والدليل على ذلك ما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى اللّه عنها لما طلق رفاعة القرظى امرأته فبتَّ طلاقها تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن عبد الرحمن ضعيف فى الناحية الجنسية ، فتبسم الرسول وقال " لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك " .
وجاء فى سنن النسائى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت . قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " " العسيلة الجماع ولو لم ينزل " . وجاء فى سنن النسائى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما : سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ، فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، فقال " لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر " .
وتشدد الحسن البصرى فلم يكتف بمجرد الجماع ، بل اشترط أن يكون معه إنزال للنص فى الحديث على ذوق العسيلة، ولكن الجمهور اكتفوا بمجرد الجماع ، بناء على تفسير الرسول للعسيلة، بالجماع ولو لم ينزل .
ولم يخالف فى شرط الدخول بالزوجة إلا سعيد بن المسيب من كبار التابعين وسعيد ابن جبير وبعض الخوارج ، وقولهم مرفوض بدليل الأحاديث السابقة . وعدم تحقيقه لحكمة التشريع .
والحكمة من اشتراط المحلل وتأكيد دخوله بالمرأة باللقاء الجنسى ، التنفير من الطلاق الثلاث ، وتنبيه الزوج إلى التريث فى استعمال حق الطلاق الذى جعله اللَّه على مرات ، ومراعاة للشعور بالغيرة على أن يحل محله رجل آخر فى التمتع بزوجته .
هذه هى الآراء فى زواج التحليل وما شرط فيه لتترتب عليه آثاره ، وقد حمل بعض العلماء عليه حملة عنيفة بصورة تجعله كأنه غير مشروع ، دون مراعاة لبعض الظروف الضاغطة التى يتحقق بها يسر الإِسلام ، والحق هو التمسك بما اتفق عليه العلماء ، مع ترك الحرية للاختيار فيما اختلفوا فيه .
وقد رأينا بعد هذا العرض الاتفاق على وجوب صحة الزواج ووجوب المعاشرة الجنسية ، ورأينا الاختلاف فى نية التحليل أو التصريح به واشتراطه فى العقد ، فعند أبى حنفية أن نية التحليل -شرطت أم لم تشرط - لا تمنع من صحة العقد ولا من حل المرأة لزوجها الأول ، وعند الشافعى قولان فى عدم الاشتراط ، قول كمالك وأحمد بالمنع ، وقول كأبى حنيفة بالجواز، وتحمل الآثار الواردة فى التنفير منه على الكراهة ، وفى المسائل الخلافية لا يفرض رأى من الآراء ، إلا باختيار ولى الأمر، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وهو الجواز، لأنه الراجح فى المذهب ، ولا مانع من اختيار أى رأى من الآراء وبخاصة عند اقتضاء .
المصلحة(9/447)
أثر الزواج الثانى على المطلقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لو طلق الزوج زوجته التى أبرأته من حقوقها عنده ثم تزوجها بعد ذلك ، هل تعود إليه بما بقى من عدد الطلقات ، أو بثلاث طلقات ؟
An المعروف أن المطلقة ثلاثا لا تعود إلى زوجها الأول إلا بعد نكاح صحيح مع الدخول الصحيح ، كما قال تعالى { فإن طلقها } أى الثالثة-{ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة : 230 . أما المطلقة للمرة الأولى أو الثانية فيمكن رجوعها إلى زوجها الأول بالرجعة إن كانت فى العدة أو بعقد جديد إن انتهت العدة ، أو كان الطلاق عن طريق الخلع ، فإذا عادت إلى زوجها الأول ، فهل تعود بما بقى لها من عدد الطلقات ، أى بطلقة أو طلقتين -أم تعود إليه كزوجة جديدة لها ثلاث طلقات كما تعود المطلقة ثلاثا؟ لم يرد فى هذه المسألة نص من القرآن أو السنة يعتمد عليه ، ولعَل الفقهاء ، قالوا : إذا عادت المطلقة غير البائن بينونة كبرى إلى زوجها الأول ولم تكن قد تزوجت غيره عادت بما بقى لها من عدد الطلقات ، وذلك بالاتفاق .
أما إذا كانت قد تزوجت غيره فهناك خلاف بين العلماء فى العدد الذى تعود به إلى زوجها ، فقال بعضهم : الزواج الثانى يهدم الزواج الأول ، بحيث لو عادت إليه تعود بثلاث طلقات ، وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء بمسألة الهدم ، وقال بعضهم الآخر: الزواج الثانى لا يهدم زواجها الأول ، فتعود إليه بالباقى من عدد الطلقات ، وهذا الخلاف منقول عن الصحابة .
ومن هنا اختلف فقهاء الأحناف ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : تعود إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات ، وذهب زفر ومحمد بن الحسن إلى أنها تعود بما بقى ولا يهدم الزواج الثانى الزواج الأول ، ولكل وجهة هو موليها ، والعمل فى مصر على الرأى الأول وهو العودة بالثلاث ، "أحكام الأسرة للدكتور محمد مصطفى شلبى ص 534"(9/448)
تزجيج الحواجب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى تزجيج المرأة لحواجبها ونزع شعر وجهها ؟
An روى البخارى ومسلم أن عبد الله بن مسعود قال : "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " .
والتنميص هو إزالة شعر الوجه كتزجيج الحاجبين و إزالة الشعيرات التى بجوانب الوجه وهو حرام .
وقد رأى ابن الجوزى فى هذا الحديث إباحة النمص وحده ، وحمل النهى عن التدليس أو أنه شعار الفاجرات .
يعنى أن إزالة شعر الوجه ومنه تزجيج الحواجب يكون حراما إذا قصد به الغش والتدليس على من أراد أن يتزوج فتبدو له المرأة جميلة ، ثم يظهر بعد ذلك أنها ليست كما رآها . وهو غش وكذلك يكون حراما إذا قصد به الفتنة والإغراء كما هو شأن الفاجرات المتجرات بالعرض والشرف . وبدون هذين القصدين يكون حلالا، قال ابن الجوزى فى كتابه "آداب النساء" عن عائشة قالت : يا معشر النساء ، إياكن وقشر الوجه قال : فسألتها امرأة عن الخضاب فقالت : لا بأس بالخضاب ، وقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الصالقة والحالقة والخارقة والقاشرة ، والقاشرة هى التى تقشر وجهها بالدواء ليصفو لونها ، والصالقة هى التى ترفع صوتها بالصراخ عند المصائب ، والحالقية هى التى تحلق شعرها عند النوائب ، كالخارقة التى تخرق عندها أيضا، قال ابن الجوزى :
فظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التى قد نهى عنها على كل حال . وقد أخذ بإطلاق ذلك ابن مسعود . ويحتمل أن يحمل ذلك على أحد ثلاثة أشياء ، إما أن يكون ذلك شعار الفاجرات فيكن المقصودات به ، أو يكون مفعولا للتدليس على الرجل ، فهذا لا يجوز، أو يكون تضمن تغيير خلقة الله ، كالوشم الذى يؤذى اليد ويؤلمها ، ولا يكاد يستحسن ، وربما أثر القشر فى الجلد تحسنا فى العاجل ثم يتأذى به الجلد فيما بعد . وأما الأدوية التى تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا أرى بها بأسا ، وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج ، ويكون حديث النامصة محمولا على أخد الوجهين الأولين ، انتهى ملخصا"غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 273 " .
وأخرج الطبرى عن امرأة أبى إسحاق أنها دخلت على عائشة - وكانت شابة يعجبها الجمال -فقالت لها : المرأة تحف جبينها لزوجها، فقالت : أميطى عنك الأذى ما استطعت . ذكره ابن حجر فى "فتح البارى " فى شرح حديث ابن مسعود فى باب المتنمصات .
وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى "صفحة 877 طبعة الكويت " أن المرأة يكره لها حلق شعرها، ويجوز لها حفُّ وجهها ونتف شعره .
وأرى بعد ذلك أن تزجيج الحواجب ونتف شعر الخدين إن كان برضا الزوج وله ولغير الأجانب ، فلا بأس به لعدم التغرير والإغراء الذين نهى عنهما الشرع ، أما إن كان الأجنبى سيطلع عليه فهو حرام إن كان للفتنة أو التدليس ، وقد يتسامح فى إزالة التشويه المنفر كما لو نبت شعر على اللحية أو الشفة بشبه .الشارب ، أو شعرات منفرة فى الحواجب ، وما تجاوز ذلك فهو ممنوع(9/449)
عمل المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الإسلام فى عمل المرأة ؟
An هذا الموضوع طويل وضحته فى كتبى : الأسرة تحت رعاية الإسلام ، الإسلام دين العمل ، الحجاب وعمل المرأة .
ويكفى أن أقول : إن العمل حق لكل إنسان رجلا كان أو امرأة ، بل هو واجب لأنه وسيلة العيش وبقاء الحياء ، وتحقيق الخلافة فى الأرض ، ومجالاته كثيرة ، فى الحقل والمصنع والمتجر والبيت ، فى البر والبحر والجو ، قال تعالى { هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه } الملك :15 ولكل من الرجل والمرأة أن يعمل فى المجال الذى يناسب استعداده ، والعمل يستقيم دائما إذا وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب ، واللَّه سبحانه جعل لكل من الرجل والمرأة مواهب واستعدادات وطاقات تتناسب مع المهمة التى توكل إليه ، والطرفان شريكان فى جمعية تعاونية ، لا يمكن أن يستغنى أحدهما عن الآخر .
والجزاء هو على قدر العمل المشروع أيَّاً كان حجمه ، قال تعالى { فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } آل عمران 195 ، وقال تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } النحل : 97 ، .
ورسالة المرأة فى البيت لا تقل أهمية عن رسالة الرجل خارجه ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت يزيد بن السكن وافدة النساء ما معناه " حسن تبعل المرأة لزوجها وقيامها بواجبها نحوه يعدل ما يقوم به الرجل من جهاد وغيره " كما رواه البزار والطبرانى ، والشاعر المصرى يقول :
فى بيتهن شؤونهن كثيرة * كشؤون رب السيف والمزراق ومع ذلك فللمرأة أن تزاول عملا خارج البيت ، وبخاصة إذا احتاجت إليه ، أو كان العمل محتاجا إليها ، بل يكون ذلك واجبا عليها لاحقًّا لها ، وقد قرر العلماء : أن خروجها للعمل مرهون بعدم التقصير فى الواجب الأساسى وهو المنزل الذى يوفر السكن والمودة ويربى النشء ويعده لاستمرار الحياة الاجتماعية والإنسانية ، وذلك مرهون بإذن الزوج لها ، فهو المشرف المسئول عنها فى النفقة والحماية ، كما يجب عليها أن تحافظ على كل الآداب الخاصة بالعلاقة بين الجنسين ، حتى لا يكون هناك انحراف يتنافى تماما مع المقصود من مزاولة النشاط خارج البيت ، وتفصيل هذه الآداب يرجع إليه فى الكتب السابقة .
والتقصير فيها هو الذى أثار الجدل والنقاش حول عودة المرأة العاملة إلى بيتها ، فلابد من الموازنة بين الكسب والخسارة ، شأن التاجر الواعى البعيد النظر ، فالعمل للمرأة خارج المنزل - مع أن مجالات العمل والكسب داخله كثيرة - جائز مع كل التحفظات المشروعة ، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما رواه البخارى " إن اللَّه أذن لكنَ أن تخرجن لقضاء حوائجكن " والحوائج عامة غير مخصوصة بعمل معين ، وكان النساء يباشرن أعمالا خارج البيت ، كطلب العلم وكسب العيش ، أيام النبى صلى الله عليه وسلم ، وروى البخارى ومسلم أنه رأى أسماء بنت أبى بكر ، زوجة الزبير تحمل على رأسها النوى لتعلف به الناضح - الجمل أو الفرس -فلم ينكر عليها ، بل دعاها إلى الركوب خلفه شفقة عليها .
وإذا كان اللَّه سبحانه قال لنساء النبى صلى الله عليه وسلم { وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } الأحزاب : 33 ، فالقرار فى البيت وسيلة عدم التبرج أى الظهور والبروز وهو الأمر المهم فى الموضوع ، ومع ذلك فهو خاص بنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يمنعهن من الخروج من البيت للصلاة أو الاعتكاف فى المسجد أو حضور مهرجان العيد ، أو الحج إلى بيت اللّه .
وللعلماء كلام طويل فى بيان المجالات المناسبة لعملها خارج البيت يرجع فيه إلى الكتب المذكورة آنفا(9/450)
الشبكة عند فسخ الخطبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا فسخت الخطبة قبل عقد الزواج فهل للخطيب أن يطلب ما دفعه للخطيبة من شبكة وخلافها ؟
An الشبكة فى بعض الأعراف هدية لا يساوم عليها فهى غير المهر تماما ، وهنا إذا فسخت الخطبة فلا حق للخاطب فيها لأن الهدية تملك بالتسليم ، وفى بعض الأعراف تكون الشبكة من ضمن المهر ، يساوم عليها ، فإن كانت كبيرة يخفف عن الخاطب المهر ، وإن كانت صغيرة زيد فى المهر ، فإذا فسخت الخطبة أى قبل العقد ردت الشبكة إلى الخاطب لعدم تمام الموضوع الذى قدمت من أجله ، سواء أكان الفسخ من جهته أم من جهتها .
بهذا حكمت بعض المحاكم المصرية ، وحكمت محاكم أخرى بأن الفسخ إذا كان من جهة الخاطب لا تسترد الشبكة ، ووجهة النظر أن الشبكة هدية إذا قبضت لا يجوز استردادها فالراجع فى هبته كالكلب الراجع فى قيئه كما فى الحديث ، لكن إذا كان العرف يعتبرها جزءا من المهر فتكون من حق الخاطب .
وننصح بأن الفسخ إذا كان من جهة الخاطب واستحق الشبكة أن يعوضها ما قد تكلفته من نفقات فى مثل حفل الخطبة أو غيرها ، كما ننصح بعدم تعجل المخطوبة فى التزامات مالية وغيرها أملا فى إتمام الزواج ، فإن فترة الخطبة بمثابة دراسة يتقرر بعدها الزواج أو عدمه ، حيث يكون لكل منهما الحق فى فسخ الخطبة ، ومن أراد التوسعة فليرجع إلى الجزء الأول من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/451)
صورة من زواج عرفى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ماذا تعمل من تزوجت عرفيا وتركها زوجها دون طلاق أو نفقة ؟
An يحدث أن يعيش الإنسان فى بلد لا تعترف بالزواج الثانى أو يكون هناك داع من الدواعى ليتزوج امرأة زواجا عرفيا مستوفيا للأركان والشروط ومن أهمها الشهود لكنه لم يسجل رسميا ، وظهر للمرأة أن هذا الزواج فيه ضرر كبير عليها ، ولا تستطيع أن تنال حقها رسميا لعدم توثيقه ، ولا أن تناله بمجلس عرفى ، ولا أن تطلق لتتزوج غيره ، وقد يهجرها ولا ينفق عليها لإضرارها .
وقد رأينا حلاًّ لهذه المشكلة أن ترفع أمرها إلى جهة دينية فى هذا البلد يكون معترفا بها، لتتولى بحث الموضوع ، وتتأكد من صحة دعواها ، وهنا تطلقها الجهة الدينية طلقة واحدة رجعية على مذهب الإمام أحمد ، وإذا كان تقصيره فى إعفافها ومضى على ذلك أربعة أشهر اعتبر الامتناع بمثابة الإيلاء عند مالك وأحمد ، فيطالب هذا الزوج من الجهة الدينية بالعودة إلى إعفافها أو تطليقها طلقة بائنة ، وإذا امتنع عنهما انفسخ النكاح بدون أية إجراءات على مذهب الإمام أبى حنيفة ، ولا مخلص إلا ذلك ، مَنْعًا للضرر ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .
ونحذِّر من تريد الزواج من رجل زواجا عرفيا أن تقع فى مثل هذا المأزق ، ولهذا ننصحها أن تشترط فى العقد أن تكون عصمتها بيدها ، على ما رآه الإمام أبو حنيفة ، حتى إذا لم توفق فى هذا الزواج أمكنها أن تطلق نفسها منه بدون اللجوء إلى القضاء ، لأنه لا يسمع دعواها- وبدون لجوء إلى لجنة أو غيرها ... " انظر مجلة - منبر الإسلام عدد ذى الحجة 1403 هـ "(9/452)
أخذ الزوجة من مال زوجها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تتصرف فى مال زوجها بدون إذنه ؟
An جاء فى صحيح البخارى قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره "وجاء مثل ذلك فى صحيح مسلم ، وروى أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذى قوله " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها " وروى الترمذى من خطبة الوداع " لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها " وروى البخارى ومسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا " وروى مسلم أن أسماء قالت للنبى صلى الله عليه وسلم : مالى مال إلا ما أدخله عليَّ الزبير ، أفأتصدق ؟ قال " تصدقى، ولا توعى فيوعى عليك " .
الواجب على الزوجة أن تحافظ على مال زوجها ، فلا تتصرف فيه بما يضر ، والتصرف فيه إما أن يكون لمصلحة الأسرة ، أى الزوجين والأولاد ، وإما أن يكون لغير ذلك ، فما كان لمصلحة الأسرة سيقوم به الزوج لأنه هو المسئول عنه ، ولا تضطر الزوجة أن تأخذ بدون إذنه أكثر من كفايتها ، فإن قصر عن الكفاية أخذت بقدرها بدون إذنه فذلك حقها ، ودليله حديث هند لما شكت للنبى صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان بأنه شحيح مسِّيك ، فهل تأخذ من ماله بغير إذنه ؟ فقال " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " رواه مسلم .
وإن كان التصرف فى ماله لغير مصلحة الأسرة ، فإن كان بإذنه جاز وإن كان صدقة فإن للزوج ثواب الصدقة من ماله ، ولها مثل هذا الثواب لأنها ساعدت بالعمل ، أما إن كان بغير إذنه استحقت نصف الأجر ، وذلك فى الشىء اليسير الذى تسمح به نفس الزوج ، أما إن كان كثيرا فيحرم عليها أن تتصرف أو تتصدق إلا بإذنه .
وبهذا يمكن التوفيق بين الأحاديث التى أجازت لها التصرف ، والتى نهت عن التصرف ، والتى أعطت للزوجة مثل ثواب الصدقة أو نصف الثواب ، يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 7 ص 111 " : لابد من إذن الزوج ، وإلا فلا أجر لها وعليها الوزر ، والإذن إما صريح أو مفهوم من العرف والعادة ، كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطرد العرف فيه ، وعلم رضاء الزوج والمالك به ، فإذنه فى ذلك حاصل وإن لم يتكلم . وهذا إذا عُلم رضاه لاطراد العرف ، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس فى السماحة بذلك والرضا به ، فإن اضطرب العرف وشك فى رضاه ، أو كان شخصا يشح بذلك ، وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه .
ثم قال النووى " ص 113 " : واعلم أن هذا كله مفروض فى قدر يسير ، يعلم رضا المالك به فى العادة ، فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة "ثم قال : ونَبَّه بالطعام أيضا على ذلك ، لأنه يسمح به فى العادة ، بخلاف الدراهم والدنانير فى حق أكثر الناس وفى كثير من الأحوال .
انتهى . يعلم من هذا أن الأموال الخاصة بالزوج - غير الطعام - لا يجوز للزوجة أن تتصرف فى شىء منها إلا بإذنه حتى لو كان للصدقة ، وإلا كان عليها الوزر وله الأجر ، أما إذا كان لحاجة الأسرة فلا يجوز أبدا إلا بإذنه ، لأنه هو المكلف بالإنفاق عليها ، اللهم إلا إذا كان بخيلا مقصرا فلها أخذ ما يكفى بالمعروف ، دون إسراف ودون إنفاق فى الكماليات الأخرى ، كما يعلم أيضا أن التصرف بغير الصدقة ونفقة الزوجية لا يجوز مطلقا من مال الزوج فى تقديم هدايا أو عمل ،ولائم ونحوها إلا بإذنه .
أما مالها الخاص فلها أن تتصرف فيه بغير إذن زوجها ما دام فى شىء مشروع ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم لما حث النساء على التصدق ألقين بالخواتم والحلى فى حجر بلال ، ولم يسألهن النبى : هل استأذن أزواجهن فى ذلك أو لا " شرح صحيح مسلم ج 6 ص 173 " .
وكانت زينب أم المؤمنين صناع اليدين ، تدبغ وتحرز وتتصدق بما تكسبه كله على المساكين " الزرقانى على المواهب ج 3 ص 247، 248" .
وأخبر عنها النبى صلى الله عليه وسلم بأنها أطول زوجاته يدا ، من أجل كثرة تصدقها ومن الخير أن تطلع الزوجة زوجها على حالتها وتصرفاتها المالية حتى لا يدخل الشك قلبه ، فكثيرا ما تدخل الشكوك والريب قلوب الأزواج من هذه الناحية .
وإذا قلنا : إن للزوجة أن تنصرف فى مالها الخاص فى الأمور المشروعة بدون إذن الزوج ، فإن ذلك محله إذا لم يكن بينهما اتفاق ، أما إذا كان هناك اتفاق مشروط أو معروف عرفا على أن مال الزوجة يكون كله أو قدر معين منه فى مصاريف الأسرة فلا بد من تنفيذ الاتفاق ، والمؤمنون عند شروطهم(9/453)
الإجهاد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الإجهاض ؟
An الإجهاض : الإجهاض هو إنزال الجنين قبل تمام نموه الطبيعى فى بطن أمه ، وله طرق عدة ، وإليك كلمة عن حكمه ملخصة من فتوى رسمية منشورة بالفتاوى الإسلامية ( المجلد التاسع ص 3093 ) ومن مقالات بعض العلماء ( مجلة العربى عدد أغسطس 1973 ) .
الإجهاض إن كان بعد الشهر الرابع حرام بالاتفاق ، لأنه قتل نفس بغير حق ، إلا لضرورة تقتضيه ، فالضرورات تبيح المحظورات ، قال تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة : 173 ، ومن الأعذار انقطاع لبن المرأة بعد ظهور الحمل ، والرضيع محتاج إليه ولا بديل له ومنها الشعور بالضعف عن تحمل أعباء الحمل ، وكون الوضع بالعملية القيصرية التى تعرضها للخطر ، وإقرار الأطباء أن بقاء الحمل يفضى إلى هلاكها ، والتأكد من وراثة مرض خبيث كالذى يذكره الدكتور محمد عبد الحميد وسيأتى بعد . أما قبل الشهر الرابع ففى الإجهاض خلاف :
1 - قال بعض الأحناف كالحصكفى : إنه مباح ولو بغير إذن الزوج وذلك عند العذر ، وقال صاحب " الخانية " : لا يحل ، قياسًا على ما لو كسر المُحرمُ بيض الصيد ، الذى نص الفقهاء على أنه يَضْمَنُه ، لأنة أصل الصيد ، والجزاء الدنيوى أمارة الجزاء الأخروى-، فأقل درجات منعه أنه مكروه .
2 - والمالكية منعوه فى جميع مراحله ولو قبل الأربعين يومًا ، على ما هو المعتمد من مذهبهم ، كما فى نص عبارة الدردير فى الشرح الكبير : لا يجوز إخراج المنى المتكون فى الرحم ولو قبل الأربعين يومًا وفى رأى أنه مكروه ، وعبارة " المتكون فى الرحم " تعطى أن النطفة لو لم تستقر فى الرحم يجوز التخلص منها .
3 - والمتَّجه عند الشافعية هو الحرمة ، وقيل : يكره فى فترتى النطفة و العلقة ، أو خلاف الأولى . ومحله إذا لم تكن هناك حاجة ، كأن كانت النطفة من زنا فيجوز .
4 - أما عند الحنابلة فيؤخذ من كلام " المغنى " لابن قدامة أنها إذا ألقته مضغة فشهد ثقات من القوابل بأن فيه صورة خفية ففيه غرَّة ، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمى ولو بقى لتصور ففيه وجهان ، أصحهما لا شىء فيه .
فالخلاصة أن للفقهاء فى الإجهاض قبل تمام الأشهر الأربعة أربعة أقوال :
1 - الإباحة مطلقًا دون توقف على عذر ، وهو مذهب الزيدية وبعض الحنفية وبعض الشافعية ، ويدل عليه كلام المالكية والحنابلة .
ب - الإباحة عند وجود العذر و الكراهة عند عدمه ، وهو ما تفيده أقوال الحنفية وبعض الشافعية .
ب - الكراهة مطلقًا وهو رأى بعض المالكية .
د - التحريم بغير عذر ، وهو معتمد المالكية والمتجه عند الشافعية والمتفق مع الظاهرية .
هذا ، وتونس أولى الدول الإسلامية التى تبيح الإجهاض ، وتركيا ستكون هى الثانية ، واشترطت ألا يكون بعد 12 أسبوعًا من الحمل ( الأهرام 19/2/1982 ) .
ما يترتب على الإجهاض من الأحكام الدنيوية :
كل الفقهاء متفقون على وجوب الغُرَّة " عبد أو أمة " فى إلقائه ميتا بجناية عليه من أمه أو من غيرها ، مع اختلاف فى بعض التفاصيل .
فالحنفية قالوا : تجب الغرة على العاقلة وإن أسقطه غيرها أو أسقطته هى عمدَا بدون إذن زوجها ، فإن أذن أو لم تتعمد فلا غرة ، ولو أمرت الحامل غيرها بإسقاطه فلا ضمان على المأمورة بل على الحامل إذا لم يأذن الزوج ، والعاقلة هم أقارب الجانى .
والشافعية قالوا : فيه غرة لكل جنين . والظاهرية قالوا : إن كان قبل تمام الأشهر الأربعة ففيه الغرة دون كفارة ، وإن كان بعدها ففيه الاثنتان . ومن تعمدت قتل جنينها بعد الأشهر الأربعة أو تعمد قتله أجنبى ففيه القود ( القصاص بالقتل ) وصرح الإباضية بوجوب الغرًة .
هذا ، وقد أفتت لجنة الفتوى بالأزهر بجواز الإجهاض للمرأة فى الشهر الأول خشية وراثة مرض خبيث ، بشرط ألا يعرض المرأة للخطر ( مجلة التصوف الإسلامى عدد 84 فى يناير 1986 ) .
ولا يجوز أن تمارس عمليات الإجهاض لغير الضرورة كالتى ذكرها الدكتور محمد عبد الحميد مدير مستشفى الملك " المنيرة " سنة 1935 من أن المرأة إذا كانت مريضة بالسل الرئوى الذى يزيده الحمل والوضع وينتقل إلى الجنين ، أو بالالتهاب الكلوى الذى يعرِّض للتسمم البولى لإضراب الكليتين عن العمل . ويشتد خطر الالتهاب إن صاحبه ارتشاح فى الجسم ، أو بالبول السكرى الذى لا يوجد له دواء ، أو لا يفيده " الأنسولين " أو كانت مريضة بالقلب أو ضعف القوى العقلية أو الاضطرابات النفسية . أو بالقىء الكثير الذى يخاف منه على الحامل إذا كان مصحوبًا بزلال فى البول أو بحمى أو بنزف انتهى .
وإذا كان الحمل من زنا ، وأجاز الشافعية إجهاضه ، فأرى أنه يكون فى حالة الإكراه أو ما شابهها حيث يكون الإحساس بالندم والألم النفسى ، أما عند الاستهانة بالأعراض وعدم الحياء من الاتصال الجنسى الحرام فأرى عدم جواز الإجهاض ، لأن فيه تشجيعًا على الفساد ، وإن كان منتشرًا فى كثير من البلاد غير الإسلامية ، ولذا حرمته بعض القوانين ، ثم رفعت الحظر عنه لممارسته فعلاً ، وعالجت بعض الأولاد غير الشرعيين .
ولتمام الموضوع لبيان حكم التعقيم وحكم الإجهاض وآثاره والأسباب المبررة له قبل نفخ الروح فى الجنين وبعده يرجع إلى كتاب الفتاوى الإسلامية ( مجلد 9 ص 3093 وما بعدها ) . وينظر قرار مجمع البحوث الإسلامية "فتاوى الشيخ جاد الحق ج 5ص 98 "(9/454)
حضانة البويضة أو الرحم المؤجر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيما يطلق عليه الآن اسم " الرحم المؤجر" ؟
An لاشك أن الزنا محرم فى جميع الشرائع السماوية ، وله فى الإسلام عقوبة شديدة . ولإقامة الحد على الزانى والزانية وضعت شروط شديدة ودقيقة يدرأ بها الحد عند قيام الشبهة فى تحققها .
غير أن هناك صورا يتحقق بها ما يتحقق بالزنا أو تقاربه إلى حد كبير منها إدخال المرأة ماء رجل أجنبى عنها فى فرجها ، فقد يحصل منه حمل تختلط به الأنساب ويثور النزاع ، وتضيع الحقوق والواجبات ، ولذلك حرم العلماء هذه الصورة كما حرموا غيرها .
وإذا كان إدخال الماء الأجنبى - وهو أحد المادتين اللتين يحصل منهما الحمل -حراما حتى لو لم يتم به حمل ، فكيف بإدخال المادتين معا مع تحقق الحمل منهما ؟ إن الحرمة أشد وتكون الحرمة - كما قال العلماء-من باب أولى .
ولذلك يمكن أن يعاد النظر فيما قاله الفقهاء قديما من أن هذه الصورة وإن كانت محرمة لا توجب عقوبة الزنا بالحد ، لعدم تحقق اللقاء الجنسى على الصورة المعهودة .
أرى أن يعاد النظر فيما قالوه ويحكم بالحد فى هذه الصورة ، لأن آثارها إن لم تكن هى تماما آثار الزنا فإنها تشبهها إلى حد كبير ، لأن من أهم أسباب تحريمه هو اختلاط الأنساب إن حصل حمل .
هذا ، وقد جاء فى قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى الذى انعقد فى الأردن فى أكتوبر 1986 م - جاء تحريم هذه الصورة التى يطلق عليها اسم " الرحم المؤجر " .
وفى محكمة " نيو جرسى " القريبة من نيويورك قضية من هذا النوع ، عقدت صفقتها فى مارس 1985 م ، وولدت الأم التى حملت البويضة الملقحة بنتا بعد تسعة أشهر ، تنازعتها مع أصحاب هذه البويضة ، لشعورها القوى بأنها جزء منها ،على الرغم من أنها أم لطفلين غيرها .
وجاء فى أهرام 25/ 1 / 1987 م أن القضية لم يفصل فيها بعد .
وجاء فى أهرام 2/ 10/ 1987 م أن أما حملت بويضة بنتها وأنجيت ثلاثة توائم فى أحد مستشفيات " جوهانسبرج " .
أرى أن البويضة الملقحة حين وضعت فى رحم غير رحم صاحبة البويضة هى غريبة عنها ، وليست منها أبدا ولا دخل لزوجها فيها فهى ملقحة من ماء غير مائه ، وليس لصاحبة الرحم المؤجرَ إلا فضل التنمية والتغذية كإرضاع الطفل الأجنبى ، فهل تقاس تغذية الجنين بدمها على تغذية الرضيع بلبنها فيكون ولدها من هذه الناحية ، ويعطى حكم الرضيع فقط فى أحكامه الخاصة ، أو ينسب إليها بولادته منها كما ينسب كل المولودين ؟ ويا ترى إذا نسب إليها بالولادة هل تكون نسبة ولد زنا وهولم يتخلق منها أصلا لا بالبويضة ولا بالماء وقد سمينا غيره ولد زنا إذا كانت البويضه منها والماء من رجل أجنبى ، أو لا ينسب إليها أصلا ، لا كالرضاع ولا كالزنا وتعد هى كأنها حاضنة وإنما ينسب إلى أبويه صاحبى النطفة والبويضة ؟ نحن فى انتظار نتائج بحث الفقهاء ، وحسبى أننى أثرت هذه التساؤلات المفصلة ، وإن كان الأشبه عندى-بصفة مؤقتة-أن يعطى الولد حكم الرضيع فقط ويعطى حكم اللقيط بالنسبة إلى أبويه ، وحكم التلقيح بالنسبة إلى زوجها ، على أن يكون وضع البويضة فى رحمها حراما ، لما ينجم عنه من التنازع والاختلاف والآثار الأخرى(9/455)
خدمة الزوجة للضيوف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يتحمس بعض المجددين لإعطاء المرأة حقها فى النشاط الاجتماعى ولا يرون بأسا فى مجالسة الزوجة لأصدقاء زوجها وخدمتهم ، فما حكم الدين فى ذلك ؟
An فى حديث رواه البخارى وترجم له بقوله " باب قيام المرأة على الرجال فى العرس وخدمتهم بالنفس " وروى عن سهل بن سعد قال :
لما عَرَّس أبو أسَيْد الساعدى دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد ، بَلَّتْ تمرات فى تور من حجارة بالليل ، فلما فرغ النبى من طعامه ماثته له فسقته تتحفه بذلك .
والتور إناء يشرب فيه وقد يتوضأ منه ويصنع من صفر أو حجارة ، ومعنى ماثته : خلطته بالماء .
يقول العلماء : هذه الحادثة إما أن تكون قد وقعت قبل فرض الحجاب أو بعد فرضه ، فإن كانت قبل فرضه فلا يصح أن يستدل بها على ما يدعيه بعض المتحمسين لتحرر المرأة واندماجها فى المجتمع وإن وقعت بعد فرض الحجاب - وهو لم يفرض إلا بعد الهجرة بثلاتَ سنوات أو أربع أو خمس فهل جاء فى الحديث أن أم أسيد كانت كاشفة لما أمر اللّه بستره ، تسلم وتصافح المدعوين وتشاركهم الحديث وما يتبعه ؟ إن من المقطوع به أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقرها على ذلك مطلقا إذا حدث ، ومن هنا تكون أم أسيد قد التزمت الحجاب الذى فرضه اللَّه .
ونقول : إن خدمة المرأة للرجال فى حدود الحشمة الشرعية بكل مقوماتها القولية والفعلية ، بل ومشاركتها لهم فى تناول الطعام غير ممنوع ، وجاء فى موطأ الإمام مالك رضى اللّه عنه أن المرأة يباح لها أن تأكل مع الرجال . ويقول ابن القطان بناء على هذا : فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويدها للأجنبى ، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا وإذا قال القرطبى فى تفسيره "ج 9 ص 68 " فى الحديث : إنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ويستخدمها لهم - فلابد من الحذر فى فهم هذا الكلام حتى لا يتعارض مع مقررات الشرع -وقد قال بعد ذلك ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب .
إن مثل هذا النص لا يجوز أبدا أن يتخذ منطلقا للإباحة للمرأة أن تجالس أصدقاء الزوج على النحو المعروف الآن ، ولابد لأى نص دينى أن يؤخذ مع النصوص الأخرى التى توضحه بالأساليب المعروفة ، منعا لسوء الاستغلال ، وعدم الاندفاع فى تيار التقليد ا لعصرى الذى يخلق مشكلات وأخطار يعرفها الجميع(9/456)
الفرق بين الخمار والنقاب والحجاب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو تحديد معانى هذه الألفاظ وهى الخمار والنقاب والحجاب ؟
An من القواعد العلمية ما يعرف بتحديد المفاهيم ، أو تصور الموضوع تصورا صحيحا حتى يمكن الحكم عليه ، فلابد من معرفة معانى الخمار والنقاب والحجاب قبل الحكم عليها .
1 - الخمار : هو واحد الخُمُر التى جاءت فى قوله تعالى {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } النور : 31 ، وهو ما يغطى به الرأس بأى شكل من الأشكال كالطرحة والشال وما يعرف بالإيشارب ، ويقال فى ذلك : اختمرت المرأة وتخمرت ، وهى حسنة الخِمْرَة .
2 - للنقاب : هو ما تضعه المرأة على وجهها لستره ، ويسمى أيضا " البرقع " أو " النصيف " وهو معروف من زمن قديم عند اليهود كما فى سفر التكوين " إصحاح : 24" أن " رفقة " رفعت عينيها فرأت إسحاق ، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد : من هذا الرجل الماشى فى الحقل للقائى ؟ فقال : هو سيدى ، فأخذت البرقع وتغطت ، كما كان معروفا عند العرب قبل الإسلام ، وسمى باللثام ، كما يسمى بالخمار أيضا . قال النابغة الذبيانى يصف " المتجردة " امرأة النعمان ابن المنذر لما سقط برقعها وهى مارة على مجلس الرجال :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد .
3- الحجاب : فى اللغة هو الساتر كما قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } الأحزاب : 53 ، وكما قال { فاتخذت من دونهم حجابا } مريم : 17 .
ويراد به فى الشرع ما يمنع الفتنة بين الجنسين ، ويتحقق ذلك بستر العورة والغض من البصر ، ومنع الخلوة والكلام اللين و اللمس .
فالحجاب أعم من الخمار ومن النقاب ، وهما من مقوماته التى تتحقق بها حكمة التشريع وهى منع الفتنة بين الرجال والنساء ، أو تنظيمها ليؤدى كل من الجنسين رسالته فى هذا الوجود .
وبتحديد هذه المعانى يعرف حكم كل واحد منها ، وهو مفصل فى الجز الثانى من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام " وقد نتعرض له فى مواضع أخرى(9/457)
تعدد الزوجات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا أجاز الله للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة ولم يجز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل ؟
An قال اللّه تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } النساء : 3 ، ولقد كان تعدد الزوجات معروفا وسائدا فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة ، والإسلام أقره بشرط ألا يزيد على أربع ، وألا يخاف العدل بينهن .
وفى مشروعيته مصلحة للرجل ، فمن المقررأنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب فى كل وقت من سنه العادى ، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام فى حال سوية، أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعد للإخصاب مدة الحمل ، وهى أشهر طوال ، ومدة الدورة وهى فى الغالب ربع الشهر طيلة عمرها حتى تبلغ سِنَّ الياس ، كما أنها تعزف عن المتعة مدة الإرضاع التى قد تبلغ حولين كاملين ، ولا ترغب فيها غالبا ، أو تلحُّ عليها إلا فى فترة قصيرة جدا كل شهر حين تنضج البويضة ، فكان من العدل والحكمة أن يشرع التعدد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه . فالزوجة قد تكون غير محققة لمتعته كما يريد ، إما لعامل فى نفسه أو نفسها هى ولا يريد أن يطلقها ، وقد تكون عقيما لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل ، بل وكل امرأة ، فيبقى عليها لسيب أو لآخر ، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقق له بالتعدد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها فى الحلال بدل أن ينالها فى الحرام .
كما أن فى تعدد الزوجات مصلحة للمرأة أيظا إذا كانت عقيما أو مريضة وتفضل البقاء فى عصمة الرجل ، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصلت ، وقد تكون محبة له يعز عليها .أن تفارقه لشرف الانتساب إليه أو نيل خير لا يوجد عند غيره . وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام ، وبخاصة فى الظروف الاستثنائية ، وبالتعفف عن الفاحشة والمخاللة ، وكذلك بزيادة النسل فى بعض البلاد ، أو بعض الظروف التى تحتاج إلى جنود أو أيد عاملة .
وإذا علمنا أن الرجل مستعد للإخصاب فى كل وقت ، وبتزوجه بعدة زوجات يكثر النسل . جاز له أن يعدد الزوجات ، لكن المرأة إذا حملت أو كانت فى فترات الدم أو الرضاع لا تكون مستعدة للحمل مهما كثر اللقاء الجنسى بينها وبين زوجها الواحد ، فما هى الفائدة من كثرة اللقاء بينها وبين أكثر من رجل ؟ إنها ستكون للمتعة فقط ، تتداول كما تتداول السلعة ، وفوق أن هذا إهانة لكرامة المرأة : فيه اختلاط للأنساب وتنازع على المولود من أى هؤلاء الرجال يكون ، وتلك هى الفوضى الجنسية والاجتماعية التى تضيع بها الحقوق ، ولا يتحقق السكن بالزواج .
إن تعدد الأزواج للمرأة الواحدة صورة من صور النكاح فى الجاهلية التى أبطلها الإسلام ، كما ثبت فى صحيح البخارى . فقد كان عندهم نكاح أخبرت عنه السيدة عائشة بأن الرهط ما دون العشرة من الرجال يدخلون على المرأة كلهم يصيبونها ، فاذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم الذى كان من أمركم ، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان - تلحقه بمن أحبت - فلا يستطيع أن يمتنع .
كما كان هناك نكاح البغايا الذى يدخل فيه كثير من الناس على .
المرأة فلا تمتنع ممن جاءها ، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة-الذين يعرفون الأثر-فألحقوا ولدها بالذى يرون والتاط به - أى لحقه -ودعى ابنه لا يمتنع منه ، والإماء هن فى الغالب اللاتى يحترفن هذه الحرفة ، وينصبن الرايات على بيوتهن .
وقد أثير مثل هذا السؤال بالنسبة للجنة حيث يزوج اللّه الرجل بكثير من الحور العين ، ولا يجعل للمرأة إلا زوجا واحدا ، ومع الاعتقاد بأن قانون الآخرة ليس تماما كقانون الدنيا ، فإن الغرض من نعيم الآخرة هو إمتاع المؤمنين الصالحين بكل ما تشتهيه الأنفس وبخاصة ما حرموا منه فى الدنيا ، والإمتاع معنى يقدره اللَّه ويكيفه حسب إرادته ، فكما يجعل متعة الرجل فى الحور العين ، يجعل متعة المرأة بمعنى آخر ، لأن مهمتها الدنيوية فى الحمل لا لزوم لها فى الجنة ، وسيضع اللّه فى قلبها القناعة بحيث لا تغار من زوجات زوجها من الحور ، كما جعل الحور أنفسهن قاصرات الطرف على من خصصْنَ له من الرجال ، لا يملْن ولايشتهين غير أزواجهن { وعندهم قاصرات الطرف أتراب } ص : 52 ، وقد منع اللَّه عن أهل الجنة عامة الغل والحسد ، والهم والحزن : قال تعالى{ ونزعنا ما فى صدورهم من غل } الحجر: 47 ، وقال على لسانهم { الحمد للَّه الذى اذهب عنا الحَزن إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المُقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } فاطر: 34، 35(9/458)
زوجات النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو عدد وأسماء زوجات النبى صلى الله عليه وسلم ، ولماذا أحل الله له أكثر من أربع ؟
An المتفق عليه من زوجاته صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ، توفيت اثنتان منهما حال حياته ، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة ، وتوفى عن تسع نسوة . والقرشيات من زوجاته ست ، والعربيات من غير قريش أربع ، وواحدة من غير العرب وهى صفية من بنى إسرائيل .
فالقرشيات هن :
1 - خديجة بنت خويلد ، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده قُصى .
وهى أول من تزوج وأنجبت له كل أولاده : عبد اللّه والقاسم ، زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ، أما إبراهيم فهو من مارية القبطية . توفيت بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح .
2 - سودة بنت زَمْعَة ، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده لؤى بن غالب تزوجها بعد وفاة خديجة بقليل ، عقد عليها بمكة ، وقيل : دخل عليها بمكة أو المدينة ، وتوفيت سنة 54 هـ .
3- عائشة بنت أبى بكر الصديق ، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب ابن لؤى ، عقد عليها بعد عقده على سودة ودخل بها فى المدينة ، وتوفيت سنة 506هـ أو بعدها .
4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب . تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب ابن لؤى . تزوجها فى السنة الثانية أو الثالثة بعد الهجرة ، وتوفيت سنة 45 هـ .
5 - أم سلمة ، واسمها هند ، وقيل : رملة . تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لؤى، تزوجها بعد وفاة زوجها فى السنة الرابعة من الهجرة وتوفيت سنة 58هـ أو بعدها .
6 - أم حبيبة ، واسمها رملة ، وقيل هند . وهى بنت أبى سفيان تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لوى . عقد عليها سنة سبع من الهجرة وهى فى الحبشة ، وتوفيت سنة 44 هـ وقيل غير ذلك .
والعربيات هن :
1 - زينب بنت جحش : أبوها من مضر ، وأمها قرشية وهى أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم تزوجها بعد طلاقها من زيد بن حارثة ، سنة 3 هـ أو 4 أو 5 هـ وتوفيت سنة 20 أو بعدها .
2 - جويرية بنت الحارث المصطلقية ، وقعت فى الأسر فى غزوة بنى المصطلق ، فخلصها النبى وتزوجها سنة خمس أو ست من الهجرة ، وتوفيت سنة 50 هـ أو بعدها .
3- زينب بنت خريمة ، كانت تلقب فى الجاهلية بأم المساكين ، تزوجها سنة ثلاث أو أربع من الهجرة ، وتوفيت فى السنة الرابعة ، ومدة مكثها عند النبى شهران أو ثلاثة ، وقيل ثمانية .
4 - ميمونة بنت الحارث ، تزوجها فى السنة السابعة من الهجرة فى عمرة القضية ، وتوفيت فى " سرف " سنه 51 هـ .
أما غير العربيات فهى صفية بغت حُيَى بن أخطب من يهود بنى النضير ، وقعت فى الأسر فاشتراها النبى صلى الله عليه وسلم من دحية وتزوجها فى غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة ، وتوفيت سنة خمسين وقيل بعد ذلك وتزوج النبى صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء ولم يدخل بهن . وأما مارية القبطية فلم تكن زوجة حرة معقودا عليها ، وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يتمتع بها بملك اليمين ، وولدت له إبراهيم وتوفيت سنة 12 أو 16 هـ .
وقد تزوج النبى صلى الله عليه وسلم هذا العدد على عادة العرب وغيرهم من تعدد الزوجات ، ولم تنزل الآية التى حددت التعدد بأربع إلا بعد أن تزوجهن جميعا ، وقد نهاه اللّه عن الزيادة عليهن وأمره بإمساكهن جزاء على اختيارهن له مع رقة عيشه وزهده ، قال تعالى{ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدَّل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } الأحزاب : 52 ، كما حرم على أحد أن يتزوج واحدة منهن بعد النبى صلى الله عليه وسلم فقال { وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللَّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } الأحزاب : 53 ، ولهذا لم يطلق واحدة منهن حتى تظل فى كنفه ويكن أزواجه فى الجنة .
وما كان زواجه بهن عن شهوة جنسية طاغية ، بل كان لمعان إنسانية كريمة يطول بيانها ، ولو كان لشهوة لاختارهن أبكارا ، لكنهن كن جميعا ثيبات ما عدا عائشة ، ولو كان لشهوة ما رفض كثيرات عرضن أنفسهن عليه هبة دون مقابل ، وكان زواج كل واحدة بإذن ربه فقد روى " ما تزوجت شيئا من نسائى ، ولا زوجت شيئا من بناتى إلا بوحى جاء لى به جبريل عن ربى عز وجل "ولا يقدح فى ذلك قوله "حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة " فهو حب رحمة ، جعلته -صلى الله عليه وسلم يوصى بهن كثيرا حتى فى أخر أيامه ، - وتوضيح كل ذلك فى الجزء السادس من : الأسرة تحت رعاية الإسلام(9/459)
الدليل على وجود الله ورسالة محمد (ص)
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الدليل المقنع على وجود الله وعلى أن محمدا رسول حقا من عند الله ؟
An 1 - الدليل المقنع على وجود اللّه هو آثاره المشاهدة التى لا يمكن أن تكون موجودة بنفسها من غير قوة كبرى على قدرة وعلم وصفات يصدر عنها هذا الإبداع وهى قوة اللَّه تعالى ، ومن البدهيات أن كل صنعة لابد لها من صانع ، وكلما كانت الصنعة أحكم كان صانعها على أعلى مستوى من الحكمة، وكما قال الحكماء : ليس هذا العالم مخلوقًا بالطبع أو بالعلة، لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف ، بل بلتزم شكلاً واحدًا، ومعلول العلة لا يتخلف ، بل لابد أن يكون ملازمًا لعلته وجودًا وعدمًا ، حدوثًا وقدما .
إن الإيمان بوجود اللَّه حقيقة مقررة في فطرة الإنسان منذ خلق ، كما نص الحديث الصحيح .
"ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهؤَدانه وينصرانه و يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء" يقول أبو هريرة راوى الحديث : اقرءوا إن شئتم {فطرة اللَّه التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه } الروم : 30 ، رواه البخارى ومسلم .
إن الرجل البدوى حين سئل عن وجود اللَّه نطق بفطرته فقال : البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟ .
وأنت تعلم أن آدم عليه السلام خلق وهبط الأرض وفي قلبه هذه الحقيقة ، ونشأت ذريته الأولى على هذا الإيمان . ولما تفرقوا في طول الأرض وعرضها شغلهم طلب العيش والمأوى عن التفكير في خالق هذا الكون ، وساقتهم فطرتهم إلى أن هناك من هو أقوى منهم ، يسيرهم ، ويسيطر عليهم ، بما يرونه من كواكب ونجوم ومخلوقات شتى، وحاولوا التقرب إليها أو التحصن ضد خطرها، وكما يحدثنا علماء الفلسفة والأجناس البشرية، رمزوا إلى هذه القوة الخفية بما يعبر عن عقيدتهم في شكل تمثال أو غيره .، ومن هنا جاء الرسل لتلفت أنظار الضالين إلى حقيقة الألوهية .
ومهما يكن من شيء فإن علماء العصر الحديث -على الرغم من تنكر بعضهم للدين الذى عاشوا فى ظله قرونا، وحرمهم كثيرا مما يحتمه انطلاق الفكر ونشاط الإرادة - لم يستطيعوا أن ينكروا وجود اللَّه وراء هذه المادة التى هي وعاء علمهم وتجارتهم ، وكان أسلوبهم في البحث بعيدًا عن الأسلوب الدينى التقليدى الذى ثاروا عليه ، ولو شئت لأوردت لك كثيرًا من أقوال كبارهم فى إثبات وجود اللَّه ، ولكنى أحيلك على كتاب "اللّه يتجلى في عصر العلم " الذى جمع فيه "جون كلوفر مونسما " الباحث الديني الاجتماعي كثيرًا من شهادات علماء أمريكا المتخصصين في كل العلوم ، بما يؤكد اعتراف العلم بوجود اللَّه .
وإن شئت دليلا على طريقة المتكلمين وعلماء التوحيد على وجود اللَّه أحيلك على "رسالة التوحيد " للشيخ محمد عبده ، ولعلك توفق إلى فهم الأسلوب الموضوع للاستدلال على وجوده سبحانه .
وأعتقد أيها السائل أنك ما دمت مسلمًا ومؤمنًا بالتالي بوجود اللَّه فلا تشغل نفسك بأمر لا يعني به إلا الفلاسفة والعلماء المتخصصون الذين ينفقون وقتًا كبيرًا في الجدل والمناقشة . ونحن أحوج ما نكون إلى أي وقت وأي جهد يبذل في سبيل المعركة المصيرية التي يخوضها المسلمون عامة فى هذه الأيام .
2 - إن قيام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دين جديد حقيقة تاريخية مقررة لاشك فيها، وتلك آثارها شاهد صدق عليها .
ولما جاء بالدعوة وكذبه قومه طلبوا منه ما يدل على صدقه ، بالإضافة إلى ما عرفوه عنه من صدق وأمانة ، وقد انترع منهم هذا التصديق المبدئي بقوله " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي " ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبًا فقال لهم "إنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد" ولذلك جاء على لسان من عرضت عليه الدعوة وعرف أنه مشهور بالصدق : ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على اللَّه .
فلما أصروا على كذبهم ظلمَا وعلوا وقد استيقنت أنفسهم صدقه طلبوا منه آية أي علامة تدل على صدقه في أنه رسول اللَّه من عند اللَّه ، وليس مدعيًا ذلك من نفسه فجاءهم بالقرآن متحديًا إياهم به ، فعجزوا عن الإتيان بمثله ، بل بعشر سورٍ ، بل بسورة واحدة ، على الرغم من أنهم فرسان البلاغة والفصاحة . وقد نص على ذلك قول اللّه تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا} الإسراء : 88 .
وحيث إنهم عجزوا عن محاكاته : عُلم أنه ليس من صنعه فيكون من صنع اللَّه وحده ، الذي جعل هذه المعجزة دليلاً على أن الرسول مبعوث من عند اللّه . وقد صح في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللَّه إلىَّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .
وإذا صدقنا بالقرآن معجزة صدقنا برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و بكل ما جاء به ، فالآيات في القرآن كثيرة تثبت رسالة جميع الرسل السابقين .وإن شئت توضيحًا لهذه الحقيقة فارجع إلى "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده .
30/08/99242424242404:45 ص(9/460)
النكاح المؤقت فى الغربة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز خلال بعثة تعليمية خارج البلاد أن يتزوج الإنسان لمدة زمنية محددة ينتهى بعدها العقد أو يتم تجديده ؟
An نكاح المتعة نكاح مؤقت ينتهى بانتهاء المدة المتعاقد عليها بدون طلاق ، ولا توارث عند الموت وقد أحله النبي صلى الله عليه وسلم لظرف طارىء ثم أبطله بعد زوال هذا الطرف واستمر باطلا إلى يوم القيامة ، وعلى نسخه جمهور أهل السنة ، وقالوا : إن المقصود من الزواج هو الدوام والاستمرار حتى يكون هناك استقرار في الأسرة لتؤدي رسالتها من الرحمة والمودة والسكن وتربية النسل تربية منظفة .
والإمام أبو حنيفة قال : إن عقد الزواج إذا كان محدودا بمدة معينة عقد صحيح ولكن يلغى التحديد ولا يلتزم به ، وفي "المغنى " لابن قدامة الحنبلى :
لو تزوجها بغير شرط المدة إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح ، وذلك لعدم الشرط في العقد . وإن تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معين لم يصح النكاح .
ومن هذا ترى أن الزواج المؤقت بمدة مشروطة صحيح عند أبي حنيفة ويقع مؤبدا وبلغى الشرط ، وصحيح عند الحنابلة إذا لم يذكر الشرط وكان في نية الزوج أن يطلقها بعد مدة ، ولا ينتهي بمضي المدة كما هو في المتعة، لكن لابد فيه من الطلاق وله حكم الزواج العادي من حيث الميراث والنسب وسائر الحقوق .
وتمكن الاستفادة بهذين الرأيين ، ولكن عند الضرورة القصوى ، وليس في كل حال وعدمه أولى، والصبر والتفرغ للعمل أفصل(9/461)
النساء وزيارة المقابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين في زيارة النساء للقبور، وبخاصة عند التزام جميع الآداب وعند إرادة الاتعاظ والخشوع ؟
An إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أولا عن زيارة القبور، قطعا لما كان عليه أهل الجاهلية من التفاخر بزيارتها لتعداد مآثر من فيها من الآباء والأجداد، الذي يشير إليه قوله تعالى {ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر } التكاثر: 1 ، 2 ، ثم رخص لهم بعد في زيارتها لتذكر الموت والاستعداد للحياة الآخرة ، كما بينه الحديث الذي رواه ابن ماجه بسند صحيح "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" وغير ذلك من الأحاديث التى رواها مسلم وغيره في هذا المقام .
وأجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، وأوجبها الظاهرية ، غير أنهم قالوا : إن ذلك خاص للرجال دون النساء ، لكن لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما في خروجهن من مفاسد نهاهن عنها ، واستمر الإذن للرجال ، وقال آخرون : إن النهى عن زيارتهن كان سابقا للنهى العام عن زيارة القبور. ثم جاء الإذن للرجال ، وبقى المنع مستمرا بالنسبة لهن .
ومهما يكن من شىء فإن فى زيارتهن أقوالا تتلخص فيما بأتى :
1 -التحريم مطلقا، سواء كانت هناك فتنة أو مفسدة عند زيارتهن أم لا، ودليله حديث "لعن اللَّه زوارات القبور" رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ، ولكن القرطبى قال يحتمل أن الحرمة منصبة على الكثرة، أخذا من التعبير بلفظ "زوارات " وهو صيغة مبالغة .
2 - التحريم عند خوف الفتنة أو المفسدة . وبهذا يحرم على الشابات زيارة القبور وكذلك على غيرهن إذا كن بزينة أو شيء يلفت إليهن الأنظار، وتجوز للعجائز اللاتي لا يفتتن بهن ، إلا إذا صاحبها شيء محرم كالنياحة وغيرها مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
والنساء لا يستطعن التخلص بسهولة من هذه العادات الشنيعة، ففي حديث أم عطية : أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح ، فما وفت امرأة منا غير خمس نسوة... رواه البخاري . ولما بكى نساء جعفر ابن أبي طالب عليه لما استشهد أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن ينهاهن فلم يطعن الرجل مرتين ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحثو في أفواههن التراب ، رواه البخاري .
3 - الكراهة ، ودليلها القياس على اتباع الجنائز، الذي ورد فيه حديث أم عطية أيضًا : نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا . رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
4 - الإباحة ، ودليلها عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة عندما ذهبت إلى البقيع -وهو مقبرة المسلمين -وعلمها ما تقوله عند زيارة القبور وهو"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون " رواه مسلم :
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكى عند القبر فأمرها بالتقوى والصبر، ونهاها عن البكاء لأنه سمع منها ما يكره من نوح وغيره ، ولم ينهها عن أصل الزيارة .
5 - الاستحباب ، كما هي مستحبة للرجال ، ودليلها عموم الإذن بالزيارة في قوله صلى الله عليه وسلم "فزروها" .
والآراء الثلاثة الأخيرة محلها عند أمن الفتنة والمفسدة ، وإلا حرمت الزيارة ، وبهذا يعلم جواب السؤال ، وإن كنت أميل إلى كراهة زيارتهن على الرغم من عدم وجود محرم محظور ، كالسفور والنياحة واللطم والجلوس على القبر والمبيت عنده وما إلى ذلك ، فإن الأولى للمرأة أن تستقر في بينها لا تغادره إلا لضرورة أو حاجة ملحة ، صيانة لها من الفساد(9/462)
تفويض الزوجة فى الطلاق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للزوج أن يفوض زوجته في تطليق نفسها إذا دعت الظروف بمعنى أن تكون العصمة فى يدها ؟
An يجوز للزوج أن يفوض زوجته في تطليق نفسها منه ، وذلك أخذا من تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته كما جاء في قوله تعالى{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً . وإن كنتن تردن اللّه ورسوله والدار الآخرة فإن اللَّه أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} الأحزاب 28 ، 29 .
إلا أن هذا التفويض يتقيد بمجلس علمها فقط ، فلا يجوز أن تطلق نفسها في غير هذا المجلس إلا إذا كانت صيغة التفويض عامة ، كما إذا قال لها : طلقى نفسك متى شئت ، أو في أي وقت شئت ، فإنها لا تتقيد بالمجلس ، وكذلك إذا كان التفويض مقيدا بزمن ، كما إذا قال لها ، طلقي نفسك في مدة ثلاثة أشهر، فإنها تتقيد بهذا الزمن ، وتفويضها طلاق نفسها إذا دعت إليه الضرورة ليس نصا في التفويض العام . ولهذا نرى أن يستبدل بها لفظ عام كقوله "متى شئت " حتى تستطيع أن تطلق نفسها في الوقت الذي تراه .
ويجوز أن يكون هذا التفويض قبل العقد ومع العقد، فإذا قال الرجل لامرأة :
إن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك في أي وقت ، ثم تزوجها صح هذا التفويض ولا يتقيد بزمن لعمومه وكذلك إذا قالت امرأة لرجل : زوجتك نفسي على أن يكون أمر الطلاق بيدي أطلق نفسي متى شئت فقال : قبلت ، تم عقد الزواج وصح التفويض ولا يتقيد بزمن لعمومه أيضًا . وإذا قال الزوج لزوجته : طلقى نفسك كلما شئت فليس لها أن تطلق نفسها ثلاثًا جملة واحدة ، بل لها تفريق الثلاث ، لأن القانون المصري رقم 25 لسنه 1929 منع الرجل من إيقاع الثلاث دفعة واحدة . فلا يستطيع أن يملك غيره مالا يملكه هو، وإن صح ذلك عند الحنفية كما هو مشهور مذهبهم .
هذا ، وتفويض المرأة بالطلاق ، أو جعل العصمة بيدها ، لا يمنع الزوج من طلاقها متى شاء(9/463)
إكراه البنت على الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى بعض البلاد يزوج الأب بنته دون أن يأخذ رأيها، وقد تكون كارهة لهذا الزواج فهل هذا الزواج صحيح ؟
An روى البخارى أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة- وكانت ثيبا - فأتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها . وفي السنن أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم يعني جعل لها الخيار في إمضاء هذا الزواج وفي فسخه ، وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلاً زوج بنته بغير استشارتها ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته . فجعل الأمر إليها ، فلما رأت ذلك قالت : أجزت ما صنع أبى، ولكنى أردت أن أعلم النساء أنه ليس للأباء من الأمر شيء .
وروى عبد الرزاق أن امرأة قتل عنها زوجها يوم أحد ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها ورجل آخر، فزوجها أبوها من هذا الرجل ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تريده ، وتريد عم ولدها لأنه أخذ منها ولدها ، فقال لأبيها "أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فانكحى عم ولدك " وذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج بنته دون أن يستشيرها "أشيروا على النساء في أنفسهن " إن استبداد الولى باختيار الزوج وانفراده بالعقد هو جناية على المرأة واستهانة بعواطفها وإحساساتها .
وكان العرب يستثيرون بناتهم في الزواج قبل الإسلام ، فجاء الإسلام واحترام رأيها كجزء من تكريمه لها .
وقد جاءت في ذلك عدة أحاديث ، منها ما رواه مسلم "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " قالوا يا رسول اللّه وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت " وفي رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر و إذنها سكوتها" الأيم في اللغة من لا زوج لها ، ثيبا كانت أم بكرا، صغيرة أم كبيرة . واختلف العلماء في المراد بها فى هذا الحديث ، فالجمهور على أن المراد بها الثيب ، أي التي سبق لها زواج ، وقال الكوفيون : هي كل امرأة لا زوج لها ، بكرا كانت أم ثيبا ، كما هو مقتضاه في اللغة، وقالوا : كل امرأة بلغت فهى أحق بنفسها من وليها ، وعقدها على نفسها النكاح صحيح ، وقال الأوزاعى وأبو يوسف ومحمد : تتوقف صحة النكاح على إجازة الولى .
واختلفوا أيضًا في عبارة "أحق بنفسها من وليها" هل هى أحق بالإذن فقط ، أم بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور: هي أحق بالإذن فقط ، وأما الذي يتولى العقد فهو وليها ، وقال الكوفيون : هي أحق بالإذن والعقد ، وقول الجمهور أصح لحديث "لا نكاح إلا بولى" . وقد تبين من الأحاديث وجوب احترام رأى المرأة عند الزواج ، ولابد من موافقتها عليه إما بالقول من الثيب وإما بالسكوت من البكر، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى من زوجت بغير رضاها ، إن شاءت أمضت وإن شاءت رفضت .
قال الشافعي وأصحابه : يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها ، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة ، ما لم تكن هناك مصلحة تفوت لو لم يزوجها ، وهو أدرى بها منها، كما زوج أبو بكر رضي اللّه عنه عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم " وهي صغيرة .
وبالجملة لابد من احترام رأى المرأة وتعاون ولى أمرها معها في اختيار زوجها ، فالرجل له من عقله الراجح وتجاربه ما يوجه به عاطفة المرأة ، وبخاصة إذا كانت نيته الوجهة الصالحة ، فالزواج يحتاج إلى العقل والعاطفة معا ، كما يقول بعض الكتاب : إن المرأة في عاطفتها القوية كحامض الكبريتيك المركز، فيه خطر كبير، والولى كالماء المخفف لتركيزه ، فيجعله صالحًا لتوليد الكهرباء بين القطبين ، وينتفع بهذه القوة انتفاعا كبيرا "انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/464)
الذبح على رجل العروس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من عادة بعض الناس ذبح الأغنام على أساس الدار الجديدة ، وعلى رجل العروس حينما تصل إلى بيت زوجها ، فهل هذا من الدين ؟
An إذا كان الذبح شكرًا للَّه على النعمة في بناء البيت لا أكثر فهذا لا بأس به ، وإن كان الذبح عند زفاف العروس شكرًا للّه على النعمة لإطعام الفقراء فهو كالوليمة المسنونة فى الزواج ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه ، وأمر الصحابة بهذه السنة ، فينبغي إذا قدمت هذه الأشياء أن تكون بنية طيبة، وألا تلتزم فيها عادة قديمة لا أصل لها في الدين كالذبح على رجل العروس ، فإن كانت بنية غير هذه فلا يوافق عليها الدين "انظر الوليمة في الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/465)
المرأة وزوج بنتها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز شرعا لزوج بنتى أن يدخل بيتى ويجلس مع أمها في حالة حضورى أو غيابى عن البيت ، ولوجود خلاف شديد ونزاع مستمر داخل الأسرة بسبب هذا الموضوع ؟
An وجود المرأة مع زوج ابنتها في مكان خال بدون وجود محرم أو طرف ثالث - أمر جائز شرعا ، لأنه من المحارم ، أى من يحرم التناكح بينهما، فهى بمنزلة أمه ، وهو بمنزلة ابنها، قال تعالى في المحرمات من النساء{وأمهات نسائكم } النساء : 23 ، والحديث الشريف يقول "لايبيتن رجل عند امرأه ثيب إلا أن يكون ناكحا - أى زوجا - أو ذا حرم " رواه مسلم ويقول "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخاري ومسلم .
فإذا أحس الزوج أن هناك ريبة في هذه الخلوة كان على المرأة أن تستجيب لرغبة زوجها، وتمتنع عن الخلوة مع زوج بنتها على الرغم من أن ذلك حلال ، وبخاصة إذا كان في المرأة ما يغرى ، وكان زوج بنتها شابا لا يستطيع التحكم فى نفسه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه خيرا له من زوجة صالحة : إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " رواه ابن ماجه ويقول "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا ، رجل أمَّ قوما وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان " رواه ابن ماجه وابن حبان والترمذي وحسنه(9/466)
شبهة فى المتعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى{نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } البقرة :
223 ؟
An فهم بعض الناس من هذه الآية أن للزوج أن يباشر زوجته في غير المحل الطبيعي للمباشرة ، اعتمادا على ما يفهمه من تعبير"أنى شئتم " وعلى ما نقل خطأ عن بعض الأئمة، وقد جاء في البخارى ومسلم عن جابر رضي اللّه عنه قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ، فأنزل اللَّه قوله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } وفى لفظ مسلم "إن شاء مُجبيةً وإن شاء غير مجبية -والمجبية المنكبة على وجهها- غير أن ذلك في صمام واحد " والصمام الواحد هو المحل الطبيعي ، وهو موضع الحرث والولد .
وفي المسند عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : هلكت ، قال "وما أهلكك "؟ قال : حولت رحلى البارحة . فلم يرد عليه شيئا، فأوحى اللّه إليه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر .
وذكر الشافعي : بسند وثق رجاله أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال "حلال " فلما ولى دعاه فقال "كيف قلت : في أي الحرثتين أو فى أى الحرزتين أو في أى الخصفتين ؟ أمن دبرها في قبلها فنعم ، أم من دبرها في دبرها فلا، إن اللَّه لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " وفي بعض الروايات التعيير بالحشوش والمحاش .
إن لفظ "أنَّى" في الآية يطلق على معان ثلاثة ، أين ومن أين وكيف .
والمعنى الثالث هو المقصود منها، فالتعميم في الحال لا في المكان كما بينته السنة الصحيحة ، والحرث هو الذي ينبت الزرع وهو الولد .
وقال مجاهد : سألت ابن عباس عن هذه الآية فقال : تأتيها من حيث أمرت أن تعتزلها ، يعني فى الحيض ، لأن هذه الآية متصلة بآية الحيض .
ومن هنا يعلم خطأ من نسب القول إلى الإتيان في غير ذلك إلى بعض الأئمة فهو مجمع على حرمته ، وتفصيله في شرح الزبيدى للإحياء "ج 5 ص 375" وزاد المعاد لابن القيم وخلاصته فى الجزء الثالث من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام(9/467)
زينة المعتدة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الزينة الممنوعة على الزوجة التى توفى عنها زوجها ؟
An الزوجة التى توفى عنها زوجها يجب عليها أن تعتد، أي تمكث بلا زواج حتى تضع حملها إن كانت حاملا، أو يمر عليها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل ، كما جاء في قوله تعالى{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة : 234 ، وقوله {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق : 4 .
ويحرم عليها أثناء العدة أمور تتنافى مع الحزن والأسف لفراق الزوج ، والوفاء لحق الحياة الزوجية، والمساعدة على عدم طمع أحد في زواجها حتى تنتهي عدتها .
فيحرم عليها التزين بأية زينة تتنافى مع هذه الحكمة ، وكانت للعرب في الجاهلية مظاهر استمر النساء عليها حتى جاء الإسلام فأقر بعضها وأبطل الآخر. وليس هناك ما يمنع من القياس على ما كان عند الجاهلية مما لم يبطله الإسلام عند عدم ورود النص فيه .
فالطيب بجميع أنواعه حرام ، وكذلك زينة بدنها من خضاب ومساحيق وكحل وما إلى ذلك ، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على النهى عن الخضاب ، للتنبيه على ما شاكله أو كان أعظم منه منافاة لمقصود الإحداد ، وكل ذلك ممنوع ليلاً ونهارا ، ففى سنن أبي داود عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا تكتحل ولا تختضب " .
لكن لو احتيج لشيء من ذلك على سبيل التداوى فلا مانع منه ، ويرخص فيه بقدر الضرورة ، بدليل ما ورد في الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : "لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب " [وهو برود من اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ ثم ينسج مصبوغا فيخرج ملونا-وقيل هو النبت الذي يصبغ به لا الزينة ] "ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت - أى من الحيض -في نبذة من قسط أو أظفار" نوعان من البخور .
وهذا القول هو ما عليه جمهور الفقهاء ، كمالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي وغيرهم . ويقاس عليه كل ما لم يقصد به الزينة كالقطرة السائلة والجافة والأصباغ الطبية التى توضع على الجروح وغيرها ، ولا تمنع المحدة من تقليم الأظفار، وإزالة الشعر المندوب إزالته وكل ما يقصد به النظافة لا الزينة .
وكذلك يحرم على المحدة لبس الثياب التي يقصد منها الزينة أيا كان لونها أو نوعها ، والعرف يختلف في تقدير الزينة من هذه الملابس ، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ما كان نساء العرب قد اعتدنه ، فنهى عن الثوب المصبوغ للزينة .
وكذلك يحرم عليها لبس الحلى بجميع أنواعه ، فهو للزينة قطعا، وقد صح عن الصحابة نهيهم عن ذلك كابن عمر وابن عباس وأم سلمة وعائشة رضى الله عن الجميع(9/468)
الولد للفراش
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تزوج رجل بفتاة وبعد ثلاثة أشهر اكتشف خيانتها فطلقها، وبعد ثلاثة أشهر تزوجت برجل آخر وبعد ستة اشهر وضعت طفلا وتوفيت على الأثر فلمن ينسب هذا الطفل ؟
An ثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر "رواه البخاري ومسلم ، وقد ولد هذا الطفل على فراش الزوجية الأخيرة .
فهو ينسب إلى هذا الأب الثاني ، ومدة الحمل هي من ستة أشهر من حين اجتماع الزوجين أو من حين العقد على خلاف فى ذلك . فقد روى أن رجلا تزوج امرأة فولدت لستة أشهر، فهمَّ عثمان رضي اللّه عنه برجمها، فقال ابن عباس : لو خاصمتكم بكتاب اللَّه لخصمتكم قال تعالى{وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال {وفصاله في عامين } فلم يبق للحمل إلا ستة أشهر وقد درأ عثمان الحد ، واشتهر ذلك بين الصحابة ولم ينكره أحد، فلو ولدته قبل ستة أشهر من الدخول أو الخلوة فلا يثبت نسبه إلا إذا ادعاه الزوج .
أما العقاب فأمره متروك إلى اللَّه ، لأنه هو الذي يعلم السر كله فى هذا الموضوع ، وليسن لنا إلا الحكم بالظاهر، حفاظا على الأعراض والأنساب ومنعا للفتنة(9/469)
بيت الطاعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إلزام القضاء للزوجة العاصية بالدخول في بيت الطاعة، وكيف تدخل الزوجة التي لا تطيق العيش مع زوجها في هذه الطاعة بإرغامها بالحكم القضائي ، وهل وردت هذه الطاعة فى القرآن أو السنة ؟
An من الأوضاع الشاذة التى تضطر الزوجة إليها من أجل الحفاظ على حق النفقة ، وبخاصة إذا كان عن طريق التحاكم إلى القضاء- ما يسمى ببيت الطاعة .
فالرجل يعمد إلى مسكن لا يرضى أن يسكنه هو، بل ولا يرضى لابنته أو أخته أن تسكنه ، ويقدم إليها من الطعام والشراب في هذا السجن ما يتنافى مع الكرامة الإنسانية ، وذلك كله من أجل التضييق عليها حتى تفتدى نفسها منه ليطلقها، وقد أمر اللّه سبحانه بإحسان عشرتها في المسكن والنفقة وحرم الإضرار بها لتطلب الطلاق منه فقال {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } الطلاق : 6 ، إن هذه المعاملة تتنافى مع الوصية بالإحسان إليهن ومعاشرتهن بالمعروف . وقد يحمل عناد المرأة على عدم تمكن زوجها من الوصول إلى غرضه .
وأقول : إذا عرف كل من الزوجين حقه وواجبه نحو الآخر وجب التنفيذ بدقة وإخلاص ، فإذا ساء التفاهم بينهما أوصيهما بقول اللّه تعالى{فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا} البقرة : 231 .
وإذا فشل التحكيم في التوفيق فليتفرقا ليغنى اللَّه كلا من سعته ولا داعى للعناد الذي يجر إلى ما لا يرضاه اللَّه ، وأذكَرهما بالحديث الشريف "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وليحذر كل منهما أن ينعكس خلافهما على أولادهما ، وينتقم اللَّه من الظالم في شخص ولده أو بنته عند الزواج(9/470)
عدة من استؤصل رحمها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف تعتد المرأة عدة الطلاق لو استؤصل رحمها ولم تعد تحيض ولا تحمل ؟
An المرأة المطلقة إما حامل وإما غير حامل ، وغير الحامل إما أن تحيض أو لا تحيض ، والتى لا تحيض إما أن الحيض لم يأتها بعد لصغرها ، وإما أنه انقطع بعد أن كان يأتيها لكبر سنها مثلا، ولكل حكمه فى العدة :
فالحامل عدتها تنتهى بوضع الحمل ، كما قال تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق : 4 ، وغير الحامل التى تحيض عدتها بالأقراء ، وهى الأطهار أو الحيضات ، كما قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة : 288، والتى لم يأتها الحيض لصغرها عدتها بالأشهر وهى ثلاثة قمرية، ومثلها التى انقطع حيضها لليأس منه بكبر سنها ، كما قال تعالى { واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن } الطلاق : 4 ، واليأس إما طبيعى أو عارض ومن استؤصل رحمها ولم تعد تحيض بعد، قد عرض لها اليأس فتعتد بثلاثة أشهر .
لأنها يئست من الحيض .
هذا ، والأئمة الذين فسروا القرء بأنه الطهر هم مالك والشافعى وأحمد فى رواية ، والذين فسروه بالحيض هم أبو حنيفة وأصحابه وأحمد فى رواية ، وقانون الأحوال الشخصية فى مصر أخذ برأى الحنفية فى القرء وهو الحيض(9/471)
التعامل مع الحائض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q شاب كان فى سفر طويل ثم حضر فى إجازة قصيرة فوجد زوجته حائضا أو نفساء ويريد أن يتمتع بها فكيف يتصرف ؟
An يقول اللَّه سبحانه { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اللَّه إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين } البقرة : 222 .
تنهى الآية عن قربان الحائض حتى تطهر والطهر يكون بالغسل عند جمهور للعلماء ، فيحرم الجماع قبله ، وقال أبو حنيفة : يجوز الجماع بمجرد انقطاع الدم ولو قبل الغسل إذا كان الانقطاع لأكثر مدة الحيض ، فإن انقطع قبل ذلك حرم إلا بعد أن تغتسل أو تتيمم أو يمضى عليها وقت صلاة ، والقربان يصدق بالجماع وبغيره ، أما الجماع فهو حرام باتفاق العلماء، ويؤكد حرمته ما نصت عليه الآية وما اقره المختصون من الأذى .
وأما غير الجماع فقد ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل اللّه هذه الآية وقال صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شىء إلا النكاح " وكل شىء ما عدا النكاح جائز فيما عدا ما بين السرة والركبة، كالقبلة وغيرها ، تقول السيدة عائشة رضى اللّه عنها : كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم-أى تناوله الإناء - فيضع فاه على موضع فمى فيشرب ، وأتعرَّق العَرْق -أى العظم الذى عليه بقية من لحم - وأنا حائض ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على فمى رواه مسلم ، وتقول أم المؤمنين ميمونة رضى اللَّه عنها : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يضطجع معى وأنا حائض ، وبينى وبينه ثوب ، رواه مسلم أيضا ، كما روى مثل هذا عن أم سلمة ، قال النووى تعليقا على ذلك : قال العلماء : لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة ولحت الركبة، ولا يكره وضع يدها فى شيء من المائعات ، ولا يكره غسل رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله ، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع ، وسؤرها-بقية شربها - وعرقها طاهران ، وكل هذا متفق عليه .
أما الاستمتاع بما بين السرة والركبة من غير جماع فالآراء فيه مختلفة، فأبو حنيفة ومالك والشافعى يحرمونه ، بدليل ما سبق عن ميمونة وأم سلمة من اضطجاع الرسول معها مع وجود ثوب حائل كما روى البخارى عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأمر فأتزر فيباشرنى وأنا حائض .
وروى أحمد وغيره عن عمر أنه سأل الرسول عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض فقال " له ما فوق الإزار " .
أما أحمد بن حنبل فقد أباح الاستمتاع بما بين السرة والركبة، بناء ، على فهمه من اعتزال النساء فى المحيض أنه نهى عن موضع الحيض وهو الفرج لا غير، وهو احتمال لا يدل على الحرمة فى غيره ، مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " وقال بقول أحمد الثورى وإسحاق ، ومن قبلهم عطاء وعكرمة والشعبى، ورأى الجمهور أقوى .
وهنا يثار سؤال ، هل تجب كفارة على من وطئ زوجته وهى حائض ؟ هناك رأيان ، رأى يقول بوجوب كفارة ، بناء على حديث رواه أبو داود والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ذلك "يتصدق بدينار أو نصف دينار " ورأى لا يقول بذلك ، بناء على حديث رواه ابن ماجه " من أتى كاهنا فصدقه بما قال ، أو أتى امرأة فى دبرها ، أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد " صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يذكر الحديث كفارة ، ولأنه وطء نهى عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء فى الدبر .
وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك وأكثر أهل العلم ، والشافعى له قولان فى ذلك .
وعلى القول بوجوب الكفارة هناك روايتان فى مقدارها ، رواية تقول :
إنها دينار أو نصف دينار، وأخرى تقول : إن كان الدم أحمر أو فى أوله فدينار وإن كان أصفر أو فى آخره فنصف دينار .
ولو كان من فعل ذلك جاهلا بالحكم أو ناسيا هل تجب عليه ؟ قيل تجب وذلك لعموم الخبر ، وقيل لا تجب ، لحديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه .
والمرأة المختارة المطاوعة قيل تجب عليها كفارة، وقيل لا تجب لعدم تناول النص لها(9/472)
انقطاع الدم ثم عودته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن الحائض أو النفساء ينقطع دمها بعض الأيام ثم يعود، فهل تحسب أيام الانقطاع طهرا أم حيضا ونفاسا ؟
An أقل مدة الحيض مختلف فيها بين لحظة ويوم وليلة وثلاثة أيام بلياليها، وأكثرها عشرة أيام عند الحنفية وخمسة عشر يوما عند غيرهم .
وغالبه ستة أو سبعة ، وأقل مد النفاس لحظة وأكثره عند بعضهم ستون يوما وعند البعض الآخر أربعون وغالبه أربعون يوما .
وعند انقطاع الدم فى أثناء الحيض أو النفاس هناك قولان للعلماء ، قول يطلق عليه اسم السَّحْب ، أى سحب حكم الحيض والنفاس على مدة الانقطاع ، وهو قول الحنفية ، بصرف النظر عن قصر مدة الانقطاع وطولها، وقول يطلق عليه اسم اللقط أى لقط أيام الطهر وعدم سحب حكم الحيض والنفاس عليها ، وهو قول الشافعية والمالكية إذا بلغت مدة الانقطاع خمسة عشر يوما أو زادت ، فتكون طهرا، وما قبلها نفاس وما بعدها حيض ، فإن قلت مدة الانقطاع عن ذلك انسحب عليها حكم الحيض والنفاس كما يقول الحنفية ، والانقطاع فى النفاس عند أحمد وأكثره أربعون يوما يعتبر طهرا .
وإن تجاوز الحيض أكثره أو النفاس أكثره كان استحاضة لا يجرى عليها حكم الحيض والنفاس .
وإن تجاوز الحيض ما تعودته المرأة ولم يتجاوز أكثر مدته ، كأن كانت عادتها ستة أيام فامتدت إلى ثمانية مثلا عند أبى حنيفة ، أو إلى ثلاثة عشر يوما عند غيره وكذلك إذا تجاوز النفاس ما تعودته النفساء ولم يتجاوز أكثر مدته كان ذلك كله نفاسا(9/473)
الولى فى الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى المرأة التى تزوج نفسها دون وليها ؟
An مما درج عليه الناس من قديم الزمان أن تكون هناك كفاءة بين الزوجين ، ومن هنا وجد الاختيار فى قبول أحد الطرفين للآخر عند الخطبة، والمقياس الأول للكفاءة هو الدين الذى يليه فى المرتبة الأخلاق ، وما بعدها يترك للعوامل التى تختلف زمانا ومكانا .
والذى يزن ذلك هو العاقل الحكيم الذى يزن الأمور بميزان العقل البعيد عن حدة العواطف ، وذلك أحرى بالرجال إلى حد كبير، دون إغفال للناحية العاطفية عند المرأة ، فلابد من إشراكها فى الاختيار أيضا ، وبهذا الاشتراك يوجد نوع من التوازن فى تقدير كفاءة الزوج .
وللعلماء فى تقدير الكفاءة وجهان : أحدهما أنها شرط لصحة النكاح متى فقدت بطل العقد، وهو قول الشافعية وأحد الروايتين عن أحمد ، وبه قال أبو حنيفة إذا زوجت العاقلة نفسها ولها ولى عاصب لم يرض بالزواج قبل العقد ، والوجه الثانى أنها شرط للزوم النكاح ، فيصح العقد بدونها ويثبت الخيار، وهو الرواية الثانية عن أحمد ، والكفاءة بهذا حق للأولياء كما أنها حق للمرأة .
ومن هنا شرعت استشارة البنت ، واحترام رأيها وجاءت فى ذلك نصوص منها : ما رواه مسلم "لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا تنكح البكر حتى تُستأذن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت " وفى رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأمر وأذنها سكوتها" ومما يدل على تأكدها حديث البخارى أن خنساء بنت خدام زوَّجها أبوها وهى كارهة وكانت ثيبا فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحها ، وفى رواية أحمد والنسائى وابن ماجه أن خنساء أو غيرها قالت للرسول -إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته ، فجعل النبى الأمر إليها -أى الخيار-فلما رأت ذلك قالت : أجزت ما صنع أبى ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء . وكانت الأََمَة "بريرة " متزوجة من العبد "مغيث " فلما عتقت لم ترض أن تبقى معه لعدم التكافؤ، ولم ترض بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم حين تدخل بينهما ، وفى مصنف عبد الرزاق أن امرأة مات زوجها فى غزوة أحد وترك لها ولدا ، فخطبها أخوه فأراد أبوها أن يزوجها رجلا غيره ، ولما تم الزواج شكت للنبى أن عم ولدها أخذه منها لما تزوجت غيره ، فقال لأبيها "أنت الذى لا نكاح لك ، اذهبى فتزوجى عم ولدك " .
هذا كله فى المشورة واحترام رأى المرأة عند الزواج ، لكن هل لها أن تباشر العقد بنفسها أم الذى يباشر هو ولى أمرها؟ يرى جمهور الفقهاء "مالك والشافعى وأحمد" أن المرأة لا تباشر العقد بنفسها سواء أكانت بكرا أو ثيبا ، لأن العقد هو نهاية المطاف من التشاور، وولى الأمر أرجح رأيا كما تقدم وجاء فى ذلك حديث رواه أصحاب السنن "لا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هى التى تزوج نفسها" وحديث آخر من روايتهم "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ثلاث مرات . كما ورد حديث "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " رواه ابن حبان . يقول النووى فى شرح صحيح مسلم ، إن العلماء اختلفوا فى اشتراط الولى فى صحة النكاح ، فقال مالك والشافعى : يشترط ولا يصح نكاح إلا بولى وقال أبو حنيفة : لا يشترط فى الثيب ولا فى البكر البالغة ، بل لها أن تزوج نفسها بغير أذن وليها ، وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها و لا يجوز بغير إذنه ، وقال داود : يشترط الولى فى تزويج البكر دون الثيب اهـ .
هذا ، وإذا كان القانون المصرى يأخذ برأى أبى حنيفة للتيسير، فإن المرأة المصرية التى تريد أن تثبت وجودها وتتمتع بحريتها واستقلالها استغلته استغلالا سيئا ، ورأينا بنات يخرجن عن طاعة أوليائهن ويتزوجن من يُردن ، وتعرضن بذلك إلى أخطار جسيمة . وأرى العودة إلى رأى الجمهور فهو أقوى وأحكم ، والظروف الحاضرة ترجح ذلك ، وقد رأى عمر رضى الله عنه إيقاع الطلاق ثلاثا بلفظ واحد ، لسوء استغلال الرجال لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من إيقاعه مرة واحدة ، وإذا وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله(9/474)
الطلاق فى حال الحيض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يقع الطلاق على المرأة إذا كانت حائضا ؟
An قال تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } الطلاق : ا ، أى فى وقت عدتهن ، وهى الأطهار كما هو رأى الشافعى ومالك ومن وافقهما ، أو مستقبلات لعدتهن ، وهى الحيض كما هو رأى أبى حنيفة ومن وافقه .
قال العلماء : الطلاق يكون سنيا إذا كان على المدخول بها غير الحامل وغير الصغيرة والآيسة، فى طهر غير مجامع فيه ولا فى حيض قبله ، والطلاق البدعى هو إيقاع الطلاق على المدخول بها فى وقت الحيض أو فى طهر جامعها فيه وهى ممن تحمل ، أو فى حيض قبله ، وسمى بدعيا لمخالفته للسنة المشروعة .
روى مالك فى الموطأ أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهى حائض على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التى أمر الله أن يُطلق لها النساء" ورواه البخارى ومسلم ، وجاء فى رواية مسلم "مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت وهى حامل " ورواه البيهقى بوجه آخر، واسم امرأة ابن عمر آمنة بنت غفار كما قال النووى وغيره ، وقيل اسمها النوار "نيل الأوطار" .
ومع حرمة الطلاق هل يقع أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء السلف والخلف ، فقيل : يقع ،وعليه الأئمة الأربعة، وقيل : لا يقع ، وارتضى ابن القيم عدم وقوعه ، وسماه بدعة ، وساق حجج الأولين ورد عليها بتطويل يراجع فى كتابه "زاد المعاد ! ج 2 ص 44 وما بعدها" والشيعة الإمامية وأهل الظاهر على هذا القول "انظر الجزء السادس من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/475)
خياطة ملابس النساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا سيدة أمتلك ماكينة خياطة هى مورد رزقى الوحيد، وأخيط للسيدات الملابس الموضة، فهل كسبى حرام ؟
An ما دمت لا تتأكدين أن هذه الملابس ستكون للخروج والاختلاط بالناس الأجانب فخياطتها غير حرام ، لأنه يجوز أن تلبسها المرأة فى بيتها لزوجها ومحارمها، كما يحتمل أنها تخرج بها، فالأمر غير مقطوع به ، مثل ذلك مثل من يبيع العطور وأدوات الزينة للنساء ، فإنها تستعمل فيما يحل وفيما يحرم ، وكذلك أقمشة النساء ، بل التعامل فى كل ما يستعمل للخير والشر لا يحرم على الإنسان ، فليس هناك شيء يستعمل فى الخير خاصة ولا يمكن أن يستعمل فى الشر ولو بوجه من الوجوه .
أما إذا كانت الملابس التى تخاط لا تستعمل إلا فى الشر، ولا يوجد مكان لاستعمالها فى الخير، وتعلم الخيَّاطة أن هذا الثوب للأشياء المحرمة فيحرم عليها أن تخيط هذا الثوب ، لأنها معونة على الشر، والدال على الشر أو المساعد عليه شريك فى الإثم . والأدلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا(9/476)
حكم الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما موقف الشريعة من مسلم يعيش حياته حتى الموت دون زواج لعدم توافر الإمكانات عنده ؟
An الزواج فى أصله سنة الحياة من أجل بقاء النوع الإنسانى، وسنة الأديان التى تنزلت على الرسل {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} الرعد : 38 ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذى "أربع من سنن المرسلين : الحناء والتعطر والسواك والنكاح " .
وقد أمر الإسلام به من استطاعه ، أما غير المستطيع فلا حرج عليه ، بل يشغل نفسه بعبادة أخرى حتى لا يقع فى مكروه ، قال تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } النور: 33 ، وقال صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء" رواه البخارى ومسلم .
فما دام الإنسان غير مستطيع فلا ذنب عليه ، أما إذا استطاع ولم يتزوج فإن خاف على نفسه الزنى وجب عليه أن يتزوج ، وإن لم يخف كان الزواج بالنسبة له سنة يثاب عليه ولا يعاقب على تركه .
ويقول النووى فى المفاضلة بين الزواج وتركه : إن الناس فيه أربعة أقسام :
ا-قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن ، فيستحب النكاح .
ب -وقسم لا تتوق -أى نفسه -ولا يجد المؤن ، فيكره الزواج .
جـ -وقسم تتوق -أى نفسه - ولا يجد المؤن ، فيكره له ، وهذا مأمور بالصوم لدفع التوقان .
د-وقسم يجد المؤن ولا تتوق : فمذهب الشافعى وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح لهذا والتخلى للعبادة أفضل ، ولا يقال :
النكاح مكروه ، بل تركه أفضل ، ومذهب أبى حنيفة وبعض أصحاب الشافعى وبعض أصحاب مالك أن النكاح له أفضل والله أعلم(9/477)
تحويل الجنس إلى جنس آخر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيما نشر وما ينشر من تحول بعض الناس من جنس إلى جنس أخر عن طريق العلاج الطبى والعمليات الجراحية ؟
An إن الذكورة لها أعضاؤها التى من أهمها القُبُل والخصية وما يتصل بها من حبل منوى وبروستاتا ، ومن الآثار الغالبة للذكورة عند البلوغ الميل إلى الأنثى ، وخشونة الصوت ونبات شعر اللحية والشارب وصغر الثديين . .. وللأنوثة أعضاؤها التى من أهمها المهبل والرحم والمبيض وما يتصل بها من قناة فالوب وغيرها ، ومن آثارها الغالبة عند البلوغ الميل إلى الذكر ونعومة الصوت وبروز الثديين وعدم نبات شعر اللحية والدورة الشهرية .
وقد يولد شخص به أجهزة الجنسين ، فيقال له : خنثى، وقد تتغلب أعضاء الذكورة وتبرز بعملية جراحية وغيرها فيصير ذكرا، يتزوج أنثى وقد ينجب . وقد تتغلب أعضاء الأنوثة وتبرز بعملية جراحية وغيرها فيصير أنثى تتزوج رجلا وقد تنجب .
أما مجرد الميول الأنوثية عند رجل كامل الأجهزة المحددة لنوعه فهى أعراض نفسية لا تنقله إلى حقيقة الأنثى، وقد تكون الميول اختيارية مصطنعة عن طريق التشبه فتقع فى دائرة المحظور بحديث لعن المتشبه من أحد الجنسين بالآخر، وقد تكون اضطرارية يجب العلاج منها بما يمكن ، وقد يفلح العلاج وقد يفشل ، وهو مرهون بإرادة الله سبحانه . كما أن مجرد الميول الذكرية عند امرأة كاملة الأجهزة المحددة لنوعها لا تعدو أن تكون أعراضا لا تنقلها إلى حقيقة الذكورة فتقع فى دائرة المحظور إن كانت اختيارية ويجب العلاج منها إن كانت اضطرارية .
هذا ، وقد رفع طلب إلى دار الإفتاء المصرية فأجاب عنه الشيخ جاد الحق على جاد الحق بتاريخ 27 من يونية 1981 م بما خلاصته أن الإسلام أمر بالتداوى ، ومنه إجراء العمليات الجراحية بناء على حديث رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل طبيبا إلى أبىِّ بن كعب فقطع عرقا وكواه ،وأنه نهى عن التخنث المتعمد المتكلف كما رواه البخارى ومسلم ثم قرر أنه يجوز إجراء عملية جراحية يتحول بها الرجل إلى امرأة ، أو المرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب الثقة إلى وجود الدواعى الخلقية فى ذات الجسد بعلامات الأنوثة المغمورة أو علامات الرجولة المغمورة ، تداويا من علة جسدية لا تزول إلا بهذه الجراحة .
ومما يزكى هذا ما أشار إليه القسطلانى والعسقلانى فى شرحيهما لحديث المخنث من أن عليه أن يتكلف إزالة مظاهر الأنوثة . وهذا التكلف قد يكون بالمعالجة والجراحة علاج ، بل لعله أنجح علاج .
لكن لا تجوز هذه الجراحة لمجرد الرغبة فى التغيير دون دواع جسدية صريحة غالبة ، وإلا دخل فى حكم الحديث الشريف الذى رواه البخارى عن أنس قال : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، وقال "أخرجوهم من بيوتكم " فأخرج النبى فلانا وأخرج عمر فلانا .
وإذ كان ذلك جاز إجراء الجراحة لإبراز ما استتر من أعضاء الذكورة أو الأنوثة، بل إنه يصير واجبا باعتباره علاجا متى نصح بذلك الطبيب الثقة، ولا يجوز مثل هذا الأمر لمجرد الرغبة فى تغيير نوع الإنسان من امرأة إلى رجل ، أو من رجل إلى امرأة "الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر-ص 3501"(9/478)
الحجاب بين أمر الله وإرادة البشر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل توافق الزوجة على أمر زوجها لها بخلع الحجاب ؟ وهل يجوز للفتاة المتحجبة خلع الحجاب ليلة الزفاف ؟
An حجاب المرأة مفروض بالكتاب والسنة ، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزوج الذى يأمر زوجته بخلعه عاص لأنه يأمرها بمعصية ، كقوله لها لا تصلى ولا تصومى ، وذلك إثم عظيم لأنه يأمر بالمنكر، وبالتالى يحرم على الزوجة أن تطيعه فى ذلك ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وطاعة الزوجة لزوجها فى المقصود الأصلى من الزواج ، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه ، ولا سلطان عليها فيما عدا ذلك من الأمور العامة التى يشترك فيها الرجال والنساء ، فالله هو الذى يأمر وينهى .
ولا يقال : إنها مكرهة على ذلك فتعفى من المسئولية ، فغاية عصيانه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانه ، وسيهيئ لها من يرعاها ويحميها فى غير هذا البيت الذى تنتهك فيه حرمات الله ، ولا خوف على أولادها منه ، فهو المتكفل بالإنفاق عليهم وعلى أمهم الحاضنة لهم .
ولتعلم الزوجة أنها لو أطاعته فى خلع الحجاب -وهو عنوان الشرف . والعفاف - فسيسهل عليها طاعته فيما هو أخطر من ذلك لأن مثل هذا الزوج لا غيرة عنده ولا كرامة وستجره المدنية إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يعاب بالرجعية إن لم تكن زوجته مجارية للعرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين .
فليتق الله أمثال هذا الزوج ، وليحمدوا ربهم أن أعطاهم زوجات عفيفات محافظات على شرفهن وعلى شرفهم ، ولا يستهينوا بسفور الزوجة زاعمين أنه شيء بسيط ، فإن معظم النار من مستصغر الشرر .
أما خلع العروس حجابها ليلة الزفاف فهو حرام ما دام هناك أجنبى، فلم يرد الشرع ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبة ، ولا يجوز أن نطوِّع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يدينون بالإسلام ، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتها فى الماضى البعيد والقريب ما دام المحتفلون بها هم النساء والأقارب المحارم كالأب والأخ والعم والخال ، وذلك بمعزل عن الرجال الأجانب .
وما يعمل الآن فى الأماكن العامة التى يختلط فيها الرجال مع النساء دون التزام بالحجاب الشرعى لا يقره الإسلام ، ومن شارك فيه فهو مخطئ مهما كانت شخصيته ولا ينتظرن أحد أن يفتى عالم ديني بجوازه للضرورة أو الحاجة ، فليست هناك ضرورة ولا حاجة ، والزوجة للزوج لا لغيره ، وزينتها له لا لغيره ، ومن خرج على حدود الدين فهو آثم ، والحلال بيِّن والحرام بيِّن ، ولأن يرتكب الحرام على أنه حرام أخف من أن يرتكب على أنه حلال ، وإن كان الكل عصيانا لله ، وعصيان يفضى إلى توبة أخف من عصيان يفضى إلى كفر(9/479)
المرأة فى الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى يوم 4 من مارس 1984 نشرت كاتبة بجريدة الواشنطن بوست مقالا عرضت فيه صورة غير دقيقة عن وضع المرأة فى الإسلام ، وردَّت عليها نائبة رئيس الجمعية الإسلامية الدولية فى فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية وتطلب رأى الدين فى ذلك ؟
An من الملاحظ أن كثيرا ممن يكتبون من الأجانب عن الإسلام غير فاهمين له فهما صحيحا، كما أن بعضهم يكون غير منصف فيما يكتب ، وذلك لغرض من أغراض كثيرة تكشف الأيام عن بعضها، وتنبه المسلمون إلى اليقظة لما يدور حولهم من أفكار وحركات .
ومن الملاحظ أيضا أنهم يحكمون على الإسلام بالصورة التى عليها بعض المجتمعات الإسلامية أى يحكمون بالسلوك والممارسة على المبدأ ذاته ، وهذا خطأ فقد يكون المبدأ صحيحا والتطبيق خطأ، إما لعدم الفهم أو عدم الالتزام وما جاء به الدين حق . والناس قد يلتزمون به أو لا يلتزمون .
والحقيقة التى لا يشك فيها منصف أن الإسلام وضع المرأة فى موضعها اللائق بها شأنه فى كل ما جاء به من هداية، لأنها تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيرا من الأفكار الخاطئة التى كانت مأخوذة عنها فى الفلسفات القديمة ، وفى كلام من ينتسبون إلى الأديان .
وردَّ لها اعتبارها وكرَّمها غاية التكريم ، ومع ذلك وضع إطارا واحتياطات تصون هذا التكريم وتمنع سوء استغلاله والناظر فى هذا الإطار وهذه الاحتياطات يجدها حكيمة كل الحكمة لأنها من صنع اللّه الحكيم الذى يعلم سر مخلوقاته ، مراعًى فيها أن كل حرية مقيدة بما يحقق المصلحة ويدفع الضرر، وأن كل حق يقابله واجب ، ضرورة أن النشاط البشرى نشاط اجتماعى . بل إن الإنسان مع نفسه له حق وعليه واجب ، ليمكن أن يعيش فى وضع كريم .
ومن الخطأ أن يحاول بعض الناس إخضاع أحكام الدين لأهوائهم ، أو صبغها باللون الثقافى الذى عاشوا فيه ، مع أن العكس هو الصحيح ، فالواجب هو إخضاع الأهواء والثقافات للدين .
وإذا كان بعض المسلمين فى بعض العصور أو البيئات تشددوا فى تطبيق الاحتياطات حتى أدى ذلك إلى حرمان المرأة من بعض حقوقها ، فإن بعض المسلمين اليوم ينادون بإلغاء هذه الاحتياطات ، حتى تنطلق المرأة بفكرها وسلوكها ، وتتساوى مع الرجل أو تنافسه فى كل ميدان .
وهؤلاء وهؤلاء مخطئون ، والنصوص فى التوسط والاعتدال ، والموازنة بين الحقوق والواجبات ووضع الشخص المناسب فى المكان المناسب -كثيرة، والواجب على من يكتب عن الإسلام أو غيره أن يقرأ ويفهم كل شىء عنه ، ليستطيع أن يصل إلى حكم صحيح أو قريب من الصحة(9/480)
العلاقة بين الخطيبين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q خطبت فتاة قريبة وأحببت أن أجلس معها وأحدثها ليتعرف كل منا أخلاق الآخر فمنعنى أقاربها ، فهل الدين يحرم ذلك ؟
An أباح الإسلام بل ندب للخطيب أن ينظر إلى خطيبته فى حدود الوجه والكفين ليرى منها ما يرغِّبه فى زواجها ، وذلك بشرط أن يكون جادا فى خطبتها ،ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم وفعله ، أما قوله فمنه ما رواه مسلم أن رجلا تزوج امرأة من الأنصار فقال له "أنظرت إليها" ؟ قال لا، ،قال "فاذهب فانظر إليها فإن فى أعين الأنصار شيئا" . وروى الترمذى وحسَّنه والنسائى وابن ماجة من حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبى "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أى تحصل الموافقة والملاءمة بينكما .
وأما فعله فقد روى البخارى في سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسى، فنظر إليها فصعَّد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه . . . . . .
ويجوز عند أحمد بن حنبل النظر إلى أكثر من الوجه والكفين ، مما لا يخدش حياء أو يثير فتنة، بناء على الحديث الذى رواه ، وهو "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " ولذلك قال ابن الجوزى فى كتابه "صيد الخاطر" ومن قدر على مناطقة المرأة أو مكالمتها بما يوجب التنبيه ثم ليرى ذلك منها ، فإن الحسن فى الفم والعينين - فليفعل هذا .
هذا هو الطريق لمعرفة جمالها وصحتها ، أما معرفة أفكارها وثقافتها وأخلاقها فيكون إما بسؤال أهل الثقة والخبرة ، وإما بمعرفة ذلك بنفسه عن طريق المحادثة والمجالسة والمحادثة نفسها لا مانع منها شرعا ، والمحرم منها هو لين الكلام أو اشتماله على محرم ، أما المجالسة فلا تجوز أن تكون فى خلوة بل لا بد من وجود طرف آخر يمنع وسوسة الشيطان لهما بالسوء على حد قول الحديث الشريف الذى رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء ، فوالذى نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما" وقد صح فى تحريم الخلوة "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخارى ومسلم فإذا وجد المحرم أى القريب الذى يحرم زواجه منها كالأب والأخ والعم والخال فلا حرمة .
أما ما وراء النظر والمجالسة مع المحرم من مثل التلامس باليدين بدون حائل ، أو ما هو أكبر من تلامس اليدين فهو حرام ، وإذا كان هناك اجتماع عام كما هو فى الشوارع أو الأسواق بحيث يطلع الناس على الخطيبين فلا يعد ذلك خلوة ، بل هو جائز. هذا هو الشرع فى حدوده التى وضعها لتلاقى الخطيبين ، وهى حدود معتدلة ليس فيها تزمت ولا تفريط ، فالذين يمنعون النظر إلى الوجه والكفين والكلام العادى بحضور محرم -مخالفون للشريعة ، والذين يبيحون النظر بدون حدود والكلام واللقاء الحر بدون ضوابط -مخالفون للشريعة . والخير فى اتباع الهدى النبوى، حماية للشرف وصيانة للعرض ، ومنعا للتهمة وسوء الظن ، وإذا كان لبعض الناس عرف يخالف ذلك فالدين يحكم على العرف لوجود النص فى المسألة ، ولا يجوز للعرف أن يحرِّم ما أحل الله أو يحلل ما حرَّم الله ، "انظر الجزء الأول والثانى من موسوعة :
الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/481)
نكاح الشغار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q شاب له أخت يريد أن يتزوج أخت شاب آخر على أن يتزوج هذا الشاب أخته "تبادل " فهل هذا جائز ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا شغار فى الإسلام " وصورته أن يزوج الرجل ابنته أو قريبته إلى رجل على أن يزوجه هو ابنته أو قريبته وليس بينهما صداق .
وسمى بذلك لخلوه من المهر وعدم معاوضة البضع ، مأخوذ من شغر البلد إذا خلا من الناس ، وليس فى هذا النوع عيب إلا خلوه من الصداق ، فهو لا يمس العرض والشرف .
وقد أبطله الإسلام لأن البضع جعل مقابل البضع فلم تستفد منه المرأة شيئا ، وقال ببطلانه الإمام الشافعى ، أما أبو حنيفة فقد أجازه وألزم كلاًّ بمهر المثل ، . وحكى ذلك عن عطاء والزهرى والليث بن سعد وغيرهم .
لكن لو جعل كل رجل مهرًا لمن يريد أن يتزوجها فالزواج صحيح لا غبار عليه . وهناك نوع من الزواج كانت العرب فى الجاهلية تمارسه أيضا وهو نكاح البدل أو المبادلة وصورته أن يقول رجل لآخر: خذ زوجتى وأعطنى زوجتك . روى الدارقطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : انزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتى أزيدك فأنزل الله عز وجل {ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } الأحزاب : 152 .
وذكر دخول عيينة بن حصن الفزارى على الرسول وعرض عليه أن ينزل له عن أحسن من عائشة، فقال له "إن الله قد حرم هذا" وأنكر الطبرانى أن يكون هذا النوع قد حدث عند العربى لكن القرطبى قال : إن هذه الحادثة تدل على أنه كان موجودا "تفسير القرطبى ج 14 ص 221"(9/482)
الصداق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل فى الإسلام شىء عن مؤخر ومقدم الصداق ، وما رأى الدين فى حالة تنازل المرأة عنه ، وما حكم المغالاة فى المهور ؟
An الصداق عِوَض يدفع للمرأة عند النكاح ، وهو ملك لها لا يجوز لوليها أو زوجها أن يأخذ شيئا منه إلا برضاها ، كما قال تعالى{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء :
4 ، وقال {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21 .
المهر يجوز أن يدفع مرة واحدة ، وأن يدفع على أقساط ، وذلك حسب الاتفاق وهو يجب بمجرد العقد ويتأكد بالدخول ، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف ، كما قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح } البقرة : 337 ، أما الطلاق بعد الدخول فلا يبيح له استرداد شيء منه ، وما دام المهر ملكا للزوجة فهى حرة التصرف فيه ما دامت عاقلة رشيدة ، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو بعضه ، . كما تنص عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخلع أن تتنازل عنه كله أو بعضه بل تعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء ، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردت إليه مهرها وهو حديقة أو حديقتان على خلاف فى الروايات وكان ذلك بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ما رواه البخارى ، وذلك بعد قوله تعالى{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } البقرة : 229 .
وليس للصداق حد أدنى فيجوز أن يكون بكل ما يُموَّل، لحديث "التمس ولو خاتما من حديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقل عن ربع دينار، وبعضهم ألا يقل عن عشرة دراهم ، بل يجوز أن يكون منفعة .
ولا حد لأكثره بدليل آية{وآتيتم إحداهن قنطارا" وقد ندب النبى صلى الله عليه وسلم إلى عدم المغالاة فيه ، فقد روى أحمد والبيهقى بإسناد جيد حديث "من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها "يعنى بالولادة، ولم يرض لفقير أن يكلف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرا كبيرا بالنسبة إليه ، فقد روى مسلم حديث الرجل الذى تزوج على أربع أواق فاستنكره النبى صلى الله عليه وسلم وقال "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه ... " فالمدار كله على طاقة الزوج والناس مختلفون فى ذلك ، والغالب أن المغالاة فى المهور تكون من جهة الزوجة ، إلى جانب ما يطلب من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى ، وهو أمر له نتائجه الخطيرة ، فهو يقلل من الإقبال على الزواج وبخاصة فى الظروف الاقتصادية الحرجة ولو استدان الزوج قد يعجز عن الوفاء ، وذلك له أثره على حياتها الزوجية، قد يحس بالنفور والامتعاض من الزوجة التى تسببت له فى الهم بالليل والذل بالنهار .
ومن أجل هذا نهى عمر عن المغالاة فى المهور بما يشبه أن يكون قرارا يسرى على الجميع ، غير أن امرأة ذكرته بقوله تعالى : {وآتيتم إحداهن قنطارا } فرجع عن فكرته .
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين الطرفين فى تيسير أمر الزواج بل على المجتمع ممثلا فى المسئولين أن يتدخل من أجل مصلحة الجميع(9/483)
عطر المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها بعطر خفيف تقصد به إزالة رائحة العرق ؟
An ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية ، وكل عين زانية" رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما ، ورواه الحاكم أيضا وقال : صحيح .
كما رواه أبو داود والترمذى بلفظ "كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس كذا وكذا" يعنى زانية، وقال الترمذى : حديث حسن صحيح .
وفى المأثور : خير عطر المرأة ما ظهر لونه وخفى ريحه .
يفهم من هذا أن وصف المرأة بأنها زانية أى تشبُّها ، يقوم على وضعها العطر بقصد أن يجد الناس ريحها ، وهذا واضح لا يشك أحد فى أنه مذموم ، فالقصد به حينئذ الفتنة والإغراء ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان العطر نفَّاذا أو قويا ، أما الخفيف الذى لا تجاوز رائحته مكانه إلا قليلا، والذى لا يقصد به الإغراء، بل إخفاء رائحة العرق مثلا فلا توصف المرأة معه بأنها كالزانية ، وذلك لانتفاء المقصد ومع ذلك أرى أنه مكروه على الأقل ، فإن الرائحة حتى لو كانت خفيفة فستجد من يتأثر بها من الرجال الذين تزدحم بهم الطرق والأسواق والمواصلات فأولى للمرأة الحرة العفيفة أن تبتعد عن كل ما يثير الفتنة من قريب أو بعيد .
وإزالة رائحة العرق تمكن بالاستحمام أو غسل المواضع التى يتكاثر فيها العرق ولا يحتاج إلى وضع روائح ، فإن الخفيف منها يجر إلى الكثير القوى .
وهذا كله عند وجود رجال أجانب خارج البيت أو داخله ، أما مع المحارم أو الزوج أو النساء فلا مانع من الروائح ، وذلك لعدم فتنة المحارم بها ولإدخال السرور على قلب زوجها ، وعدم انتقاد النساء لها .
وضمير المرأة له دخل كبير فى هذا الموضوع(9/484)
الإحداد على الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل لبس السواد حزنًا على الميت حرام ؟
An ليكن معلوما أن الإحداد على الميت مشروع للنساء لا للرجال ، وليس كل النساء فيه سواء، فهو واجب على الزوجة لوفاة زوجها مدة العدة ، وجائز لها على غير زوجها ثلاثة أيام فقط ، ويمنع بعدها ، فقد روى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى والدها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره ، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت : واللّه ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وورد مثل ذلك عن زينب بنت جحش وأم سلمة رضى الله عنهما ، وإذا كان هذا محرما على النساء فهو على الرجال أولى .
ومن مظاهر الإحداد لبس الملابس التى لا تدل على الفرح والسرور، والناس مختلفون فى أعرافهم فى هذا الموضوع ، ففى بعض البلاد يحدون على موتاهم بلبس الملابس البيضاء وغيرهم يحدون بالملابس السوداء ، وهكذا .
والمهم أن إحداد المرأة على غير زوجها لا يجوز أن يتعدى ثلاثة أيام ، والتى لم يمت لها قريب لا يجوز أن تجامل امرأة أخرى فى لبس السواد إذا كان إحدادها غير مشروع ، فإن المجاملة فيها نوع من الرضا أو فيها عون على غير ما شرع الله ، والرجال أولى بمراعاة هذا الحكم من النساء(9/485)
مكان العدة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تعتد المرأة عند الفرقة فى البيت الذى كانت فيه ؟ .
وهل لها أن تخرج منه ؟
An تعتد المرأة فى البيت الذى كانت تسكنه عند موت زوجها ، سواء أكان البيت مملوكا لزوجها أم مؤجرا أم معارا، وهو مذهب الجمهور، ودليله حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى لما مات زوجها خارج المدينة سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها ، لأنه لم يتركها فى مسكن يملكه ولا نفقة، فقال لها أخيرا "اسكنى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " رواه الترمذى وقال : حسن صحيح .
وملازمة البيت واجب عليها إن تركه لها الورثة ولم يكن عليها فيه ضرر، أو كان المسكن لها ، فلو حوَّلها الوارث أو طلب أجرا لا تقدر عليه جاز لها أن تتحول إلى غيره .
وقال جماعة من الصحابة منهم عائشة وجابر: إن المتوفى عنها لا يلزم أن تعتد فى بيت الزوجية ، بل يجوز لها أن تقضيها فى أى بيت ، لأن الله حين أمرها بها لم يعين بيتا خاصا .
وقال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت ، وإن شاءت خرجت ، لقول الله عز وجل {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن من معروف } البقرة : 240 .
وفى اعتداد المطلقة جاء قوله تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} الطلاق : 1 ، أى ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت فى العدة ولا يجوز لها الخروج أيضا إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة ، ودليله حديث مسلم عن جابر أن خالته لما طلقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل ، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "بلى، فجذِّى نخلك فإنك عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا" .
يقول القرطبى فى تفسير الآية : والرجعية والمبتوتة فى هذا سواء ، وإضافة البيوت إليهن إضافة إسكان وليس إضافة تمليك ، ثم قال فى التعليق على الحديث : فى هذا دليل لمالك والشافعى وابن حنبل والليث على قولهم : إن المعتدة تخرج بالنهار فى حوائجها ، وإنما تلزم منزلها بالليل ، وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة .
وقال الشافعى فى الرجعية: لا تخرج ليلا ولا نهارا، وإنما تخرج المبتوتة نهارا .
وقال أبو حنيفة: ذلك فى المتوفى عنها زوجها ، وأما المطلقة فلا تخرج ليلا ولا نهارا ، والحديث يرد عليه .
ثم ذكر القرطبى حديث الصحيحين فى طلاق فاطمة بنت قيس طلاقا بائنا ، أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تنتقل من بيتها الذى كانت فيه إلى بيت عبد اللّه ابن أم مكتوم لتعتد فيه لخوفها على نفسها فى البيت الأول كما جاء فى بعض روايات الصحيحين ، ولما اعترض البعض على ذلك ردت عليهم بأن عدم الخروج إنما هو فى الطلاق الرجعى لأن زوجها قد يراجعها ما دامت فى عدتها، أما البائن فليس له شىء من ذلك .
فالخلاصة : أن المتوفى عنها زوجها تعتد فى بيت زوجها ولا تتركه إلا لعذر مقبول وذلك على رأى الجمهور .
وأجاز لها البعض الخيار فى أن تعتد فى أى مكان تشاء ، ولها أن تخرج نهارا لكسب عيشها .
وأما المطلقة طلاقا رجعيا فتعتد في بيت مطلقها وتبيت فيه ليلا وأما خروجها نهارا لحاجة ففيه خلاف .
وأما المطلقة طلاقا بائنا فتعتد فى بيت مطلقها أيضا ، ولا تتركه إلا لعذر، وقيل يجوز لها أن تعتد فى غيره كما فى حديث فاطمة بنت قيس ولها الخروج نهارا للحاجة .
هذا، وما دام الأمر خلافيا فيجوز الأخذ بأحد الآراء دون تعصب له ، فالرأى الاجتهادى صواب يحتمل الخطأ ، أو خطأ يحتمل الصواب ، بهذا لا يكون هناك تناقض ولا تضارب فى أحكام الشريعة المنصوص عليها والمتفق على صحتها(9/486)
من أحكام الحائض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للحائض أن تذبح الطيور وتغسل ملابس زوجها التى يصلى فيها ؟
An جاء فى سفر اللاويين "الإصحاح الخامس عشر كله " حديث طويل عن الدم . ومنه أن المرأة بعد سبعة أيام من انقطاع حيضها تقرب يمامتين أو فرخى حمام للكاهن ، ويكفر عنها الكاهن أمام الرب من سيل نجاستها، وذكر القرطبى فى تفسيره أن من قبائل العرب من كانت الحائض عندهم مبغوضة، فقد كان بنو سليح أهل بلد الحضر-وهم من قضاعة - نصارى ، إن حاضت المرأة أخرجوها من المدينة إلى الربض -ما حول البلد-حتى تطهر، وفعلوا ذلك بنصرة بنت الضيزن ملك الحضر، فكانت الحال مظنة حيرة للمسلمين فى هذا الأمر وتبعث على السؤال عنه .
وجاء فى صحيح مسلم "ج 3 ص 211" عن أنس رضى الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت - أى لا يجتمعون معهن - فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم - الرسول فأنزل اللّه تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } البقرة : 222 .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شىء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول اللّه اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما -أى غضب - فخرجا فاستقبلهما هدية من اللبن إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل فى آثارهما فسقاهما ، فعرفنا أنه لم يجد عليهما .
وجاء أبو الدحداح فى نفر من الصحابة فقالوا : يا رسول الله ، البرد شديد والثياب قليلة ، فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرنا بها هلكت الحيَّض ، فقال "إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن " . ومن هنا نقول : يجوز للحائض أن تذبح الطيور وتذكر اسم الله ، وتغسل ملابس زوجها وله أن يصلى فيها ، وكل ذلك مع الاعتراف بأن الحائض تعتريها تغيرات فسيولوجية ربما نتعرض لها إن شاء الله(9/487)
وجه المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول البعض : أن الحديث الذى روته السيدة عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يحل ظهور كفَّى المرأة ووجهها فقط حديث ضعيف . لأن الآية التى تتحدث عن الحجاب نزلت بعد هذا الحديث ، وأن اللذين رويا هذا الحديث أحدهما لم يكن موجودا فى حياة السيدة عائشة والآخر كذاب ، فما صحة هذا القول ؟
An حديث السيدة عائشة رواه أبو داود وابن مردويه والبيهقى عن خالد بن دريك عنها، وهو أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " وأشار إلى وجهه وكفيه .
يقول الحافظ المنذرى فى " الترغيب والترهيب ج 3 ص 33" : هذا مرسل ، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة ، وذكره القرطبى فى تفسيره وقال : إنه منقطع. وقال ابن قدامة فى " المغنى " : إن صح هذا الحديث فيكون قبل نزول الحجاب .
وبناء على هذا لا يوجد دليل يستثنى وجه المرأة وكفيها من وجوب سترهما .
ويؤكد ذلك الشوكانى بأن المسلمين من قديم الزمان على ذلك ، ويميل إلى هذا فى زمن يكثر فيه الفساق . والخلاف موجود بين الأئمة، وفى قول فى مذهب مالك : للمرأة أن تكشف وجهها وعلى الرجل أن يغض بصره ، وقيل : يجب ستره، وقيل : يفرق بين الجميلة فيجب وبين غيرها، فيستحب .
وجاء فى "خليل " وشرحه ومحشِّيه كراهة انتقاب المرأة فى الصلاة وغيرها ، لأنه من الغلو فى الدين ، إذ لم ترد به السمحة ، ما لم يكن من عادتهم ذلك .
وفى الموطأ جواز أكل المرأة مع غير ذى رحم . وقال ابن القطان : فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبى ، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا ، وقد أبقاه الباجى على ظاهره .
وتوجد نصوص أخرى للمالكية فى قولهم بجواز كشف المرأة وجهها أمام الأجانب " يراجع ذلك فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
وما دام الأمر خلافيا فلا يحكم ببطلان رأى ولا يجوز التعصب لغيره ، وللإنسان حرية الاختيار، وكل هذا الخلاف ينتهى إذا كان وجه المرأة جميلا تخشى منه الفتنة فيجب ستره(9/488)
طلاق المدهوش والسكران
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يقع طلاق المدهوش والمُكره والسكران ؟
An المدهوش هو الذى اعترته حالة انفعال لا يدرى فيها ما يقول ويفعل ، أو يصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله ، وذلك بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب ، ويلحق به من اختل إدراكه لكبر أو مرض . وهذا لا يقع طلاقه . والمكره لا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة ، اعتمادا على حديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات . .
وذلك لأن الإكراه يغلق على المكره طريق الإرادة ، ولو نطق بالكفر لا يكفر، لقوله تعالى {إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان } النحل : 106 ، وأبو حنيفة يوقع طلاق المكره ، معتمدا على حديث "لا قيلولة فى الطلاق " وهو حديث مطعون فيه . ورأى الجمهور هو المعتمد لقوة دليله .
والسكران هو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره .
وفى الحكم على طلاقه تفصيل ، فإن كان سكره من شىء حلال ، أو من شىء حرام ولكن تحت الضغط والإكراه فلا يقع طلاقه ، أما إن كان سكره بشىء حرام وهو متعمد له فإن طلاقه يقع ، على الرغم من تغطية عقله ، وذلك عقوبة له على عصيانه .
وكانت المحاكم الشرعية قبل صدور قانون 25 لسنة 1929 م تحكم بوقوع طلاق السكران والمكره كما قال الحنفية، لكن نص القانون فى المادة الأولى منه على أنه لا يقع طلاقهما ، والفتوى عليه "انظر كتاب الأحوال الشخصية ، للشيخ عبد الرحمن تاج "(9/489)
تبرج الجاهلية الأولى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الجاهلية الأولى ، وماذا كانت عليه من التبرج المنهى عنه ؟
An قال تعالى { وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب :
32 ، الآية مذكورة فى سياق النداء لنساء النبى صلى الله عليه وسلم .
ترشدهن إلى الاستقرار فى بيوتهن وعدم التبرج كما كان عند الجاهلية الأولى .
والتبرج قيل : هو المشى مع تبختر وتكسر، وقيل : هو أن تلقى المرأة خمارها على رأسها ولا تشده ، فتنكشف قلائدها وقرطها وعنقها، وقيل : هو أن تبدى من محاسنها ما يجب ستره . وهو مأخوذ من البَرَج -بفتح الباء والراء -أى السعة، كما توصف العين الحسنة بالسعة، وكما يقال فى أسنانه برج ، إذا كانت متفرقة . وقيل : هو من البرج -بضم الباء، أى القصر العالى .
ومعنى تبرجت ظهرت من برجها، وهو بهذا المعنى يجعل جملة "ولا تبرجن " مؤكدة لجملة "وقرن " .
والجاهلية الأولى مختلف فى تحديد زمنها . وملخص الأقوال كما فى تفسير القرطبى "ج 14 ص 179 " :
ا -ما بين آدم ونوح . وهى ثمانمائة سنة . قاله الحكم بن عيينة .
2 -ما بين نوح وإدريس ، كما قاله ابن عباس .
3-ما بين نوح وإبراهيم ، كما قاله الكلبى .
4 -ما بين موسى وعيسى، كما قاله جماعة .
5 -ما بين داود وسليمان . كما قاله أبو العالية .
6-ما بين عيسى ومحمد، كما قاله الشعبى .
وكلها أقوال لا يسندها دليل صحيح . فالقدر المتفق عليه أنها قبل البعثة النبوية بزمن طويل ، لأن وصفها بالأولى يشعر بأن هناك جاهلية ثانية أتت بعدها ، وهى أقرب منها إلى البعثة .
وكانت المرأة فى الجاهلية الأولى تلبس الدرع من اللؤلؤ، أو القميص من الدر غير مخيط الجانبين ، وتلبس الرقاق من الثياب ولا توارى بدنها، فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال .
وهذا يشعر بأن ذلك العهد عهد ترف ، فهل كان فى أيام عاد وثمود حيث جاء فى القرآن الكريم ما يدل على أن هؤلاء كان فيهم حضارة وقوة وترف يبنون بكل مكان آية على قوتهم يعبثون ولا يجدّون بشكر الله . ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون . وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون ، وينحتون من الجبال بيوتا فارهين ؟ ربما يكون ذلك هو عهد الجاهلية الأولى، ومهما يكن من شىء فإن الجاهلية الثانية المتصلة ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ما كانت بهذا الثراء الفاحش ، لكن كان فى بعض نسائها بعض مظاهر التبرج ، الذى قد يصل إلى العرى الكامل فى بعض الأحيان . فقد ذكر مسلم فى صحيحه "كتاب التفسير" أن المرأة كانت تطوف بالبيت وهى عريانة - وفى لسان العرب : إلا أنها كانت تلبس رهطا من سيور-فتقول : من يعيرنى تطوافا-بفتح التاء وكسرها-تجعله على عورتها وتقول :
اليومَ يبدو بعضُه أوكلُّهُ * فما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزل قوله تعالى { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف : 31 وكان إعطاء المرأة ما تطوف به يُعد من البر .
ووصف التبرج بأنه تبرج الجاهلية الأولى ، لا يعنى أن المنهى عنه هو ما كان على هذه الصورة الفاضحة ، بل هذا الوصف لبيان الواقع وليس قيدا لإخراج ما عداه من الحكم. ويراد به بيان شناعته ومضادته للذوق والفطرة السليمة .
فلا يقال : إن التبرج البسيط معفو عنه ما دام لم يكن فاضحا حسب العرف الذى يحدده ، ومثاله قوله تعالى فى الربا {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالمراد النهى عنه مطلقا حتى لو كان بسيطا، لكن ذلك هو ما كان عليه العرب كمظهر من مظاهر الجشع والاستغلال .
والتبرج المنهى عنه فى الإسلام هو كشف العورة التى يختلف حجمها أو مساحتها باختلاف من يطلعون عليها ، فمع المحارم كالأب والابن والأخ ، هى ما بين السرة والركبة، ومع الرجال الأجانب هى جميع البدن ما عدا الوجه والكفين ، والخدم الموجودون الآن رجال أجانب ، وعورة المرأة مع المرأة كعورتها مع المحارم . وليس من المحارم ابن العم وابن العمة وابن الخال وابن الخالة ، وأخو الزوج وكل أقاربه ما عدا والده .
وإذا جاز لها كشف الوجه مع الأجانب فليكن من غير أصباغ ومغريات فاتنة ، فالمقصود من النهى عن التبرج هو عدم الفتنة وسد باب الفساد .
وإذا كان النهى موجها . إلى نساء النبى فغيرهن أولى، لعدم وجود ما لديهن من الشرف والحصانة والانتساب للرسول والبيئة الصالحة .
ويتبع كشف العورة لين الكلام والتعطر والخلوة والتلامس وكل ما يدعو إلى الفتنة(9/490)
أسبوع المولود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أيهما أفضل : عمل ما يسمى بالسبوع أم العقيقة بعد الولادة ؟
An كلمة السبوع فى لغة العامة مأخوذة من العدد سبعة، الذى ورد أن الإنسان يسن أن يسمى ولده ويعق عنه ويحلق شعره ويتصدق بمثله فضة أو ذهبا يوم السابع .
فروى أصحاب السنن قوله صلى الله عليه وسلم "الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه " وهو حديث صحيح كما قال الترمذى .
وروى الترمذى أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق .
ومعنى مرتهن لا ينمو نمو مثله ، ولا يأمن من الأذى . وقيل إن المعنى لا يشفع لوالده إن مات صغيرا .
وإن لم يتيسر الذبح يوم السابع ففى اليوم الرابع عشر، وإلا ففى اليوم الحادى والعشرين ، وإلا ففى أى يوم .
هذا ، وما يعمل يوم السابع من رَشِّ الملح وإيقاد الشموع والدق بالهاون والكلمات المخصوصة التى ترجع إلى أفكار غير صحيحة لا أصل له فى الدين .
مع التنبيه على مراعاة الآداب عند اجتماع الأهل والأصحاب للاحتفال بالمولود يوم سابعه أو فى مناسبات أخرى(9/491)
ما تمسه الحائض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يعتبر كل ما تلمسه الحائض نجسا إذا لم يتم تطهيره بغسله سبع مرات مع التلفظ بالشهادة ؟
An هذه نظرة قديمة كانت عند بعض عرب الجاهلية تأثروا فيها باليهود الذين كانوا يقولون . إن أى شىء تمسه الحائض ينجس، ويجب غسله ، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو مس شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل ، وما عجنته أو طبخته أو غسلته فهو نجس وحرام على الطاهرين حلال للحيَّض ، ذكر ذلك المقريزى فى خططه "ج 4 ص 373" . ولو أردت أن تعرف مقدار تحرجهم منها فاقرأ سفر اللاويين "إصحاح 15 " كله ، ففيه حديث طويل عن الدم [راجع ص 50 من الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ] .
أبطل الإسلام ذلك وكرَّم المرأة بما لم تكرم به من قبل ولا من بعد .
ويمكن الرجوع إلى عنوان "التعامل مع الحائض " لمعرفة طرف من ذلك ، وما دامت يد الحائض طاهرة من النجس فإن ما تمسه لا يتنجس أبدا ودم الحيض لا ينجس إلا المكان الذى خرج منه أو أصابه من الجسم أو الثياب . ولا داعى لتطهير ما لمسته ، لا مرة ولا سبع مرات(9/492)
المرأة التى لا ترد يد لامس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : شكا رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم أن امرأته لا ترد يد لامس ، فقال "طلقها" قال : إنى أخاف أن تتبعها نفسى ، فقال " استمتع بها"؟ وقد قرأت أن ابن القيم يقول : أى أنها لا تجذب نفسها ممن لاعبها ووضع يده عليها أو جذب ثوبها ونحو ذلك ، فإن من النساء من تلين عند الحديث واللعب ونحوه "روضة المحبين ص 130 "؟
An هذا الحديث رواه أبو داود عن ابن عباس ، ورواه الترمذى والبزار، ورجاله ثقات ، وأخرجه النسائى من وجه آخر، وقال عنه : إنه مرسل وليس بثابت ، وقال أحمد : حديث منكر، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات "الإحياء ج 2 ص 34" وذكره صاحب "المطالب العالية ج 2 ص 53" وقال : رواه أحمد بن منيع بسند ضعيف كما قاله البوصيرى .
وعلى فرض ثبوته اختلف فى معناه ، فاختار أحمد أن عيبها اقتصادى وليس خلقيا يتصل بالشرف ، أى أنها تعطى من يطلب منها إحسانا ولا ترد أحدا يلتمس منها ذلك ، وهذا يؤثر على الحالة الاقتصادية للزوج ، ولما علم الرسول أنه يحبها أمره بإمساكها ، فربما تميل إليها نفسه بالمعصية .
وقيل : إن عيبها خلقى لا تتورع عن الفاحشة، ولكن كيف يأمره النبى بإمساكها وهو الذى ذم الديوث الذى يقر السوء على أهله ؟ قيل :
إن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أولا بطلاقها ، ولما وجد تعلقه بها أمره بإمساكها من أجل تربية الأولاد أو عدم الصبر على الاتصال بها إن طلقها ، لكن ذلك كله يتنافى مع الشرف الذى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحمايته .
وقيل : إن طبعها هو ذلك لكنه لم يقع منها شىء ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر الفاحشة، ولعل هذا التفسير أقرب ، يقول فيه على وابن مسعود :
إذا جاءكم الحديث عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذى هو أهدى وأتقى"تفسير ابن كثير لسورة النور، ونهاية ابن الأثير"(9/493)
عدد الرضعات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو عدد الرضعات التى يحرم بسببها الزواج ؟
An قال تعالى فى آية المحرمات من النساء {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } النساء : 23 .
والرضاع المحرم للمصاهرة اختلف الفقهاء فى عدد مراته ، ويتلخص ذلك فيما يلى :
1 - قليل الرضاع وكثيره سواء فى التحريم ، أى بالمرة الواحدة والمرات الكثيرة ، وبالقدر القليل فى الرضعة الواحدة والكثير منها ، وهذا مذهب مالك وأبى حنيفة ، وزعم الليث بن سعد أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم فى المهد ما يفطر به الصائم ، وهذا القول رواية عن أحمد .
وحجتهم أن الله علَّق التحريم باسم الرضاعة ، فحيث وجد اسمها وجد حكمها، ولأنه فعل يتعلق به التحريم فاستوى قليله وكثيره ، وذلك للاحتياط فى الأبضاع بالذات ، ولأن إنشاز العظم وإنبات اللحم يحصل بالقليل والكثير، ولأن القائلين بالعدد اختلفت أقوالهم فى الرضعة وحقيقتها، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لما رفعت له قضية عقبة بن الحارث الذى تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ، وجاءت أَمة سوداء فقالت : قد أرضعتهما ، لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن عدد الرضعات ، وهو فى الصحيحين عن عائشة .
2 - لا يثبت التحريم بأقل من ثلاث رضعات ، وهو رواية ثانية عن أحمد بن حنبل ، ودليل هذا الرأى حديث " لا تحرِّم المصة ولا المصتان " وفى رواية "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان " رواه مسلم عن عائشة ، وأقل مرتبة فى التحريم بالعدد بعد المرتين هو الثلاثة .
3- لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات ، وهو مذهب الشافعى وأحمد فى ظاهر مذهبه ، وقول ابن حزم الذى خالف داود الظاهرى فى هذه المسألة ، وهو أحد الروايات الثلاث عن عائشة ، والرواية الثانية عنها أنه لا يحرم بأقل من سبع رضعات ، والثالثة لا يحرم بأقل من عشر .
وحجة القائلين بالخمس حديث عائشة فى الصحيحين البخارى ومسلم :
كان فيما نزل من القرآن "عشر رضعات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ، وما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لسهلة بنت سهيل "أرضعى سالما خمس رضعات تحرمى عليه " .
قالوا : عائشة أعلم الأمة بحكم هذه المسألة هى ونساء النبى صلى الله عليه وسلم ، وكانت عائشة إذا أرادت أن تدخل عليها أحدا أمرت إحدى بنات إخوتها أو أخواتها أن ترضعه خمس رضعات ، وقالوا أيضا : نفى التحريم بالرضعة والرضعتين صريح فى عدم تعليق التحريم بالقليل والكثير، وهى ثلاثة أحاديث صحيحة صريحة ، والتعليق بالخمس لا يخالف نصًا ، وإنما هو تقييد للمطلق ، فهو بيان للقراَن لا نسخ ولا تخصيص .
ومن علق التحريم بالثلاث خالف أحاديث الخمس ، واختار القضاء المصرى هذا الرأى وعليه الفتوى .
ثم إن القائلين بالرأيين الأولين ردوا حديث عائشة ، لأنها نقلته نقل قرآن ، ولا يقبل فيه الآحاد ، بل لابد فى قبوله من التواتر، وعلى هذا لا يثبت به حكم ما دام غير قرآن ، ورد عليهم أصحاب الرأى الثالث بأن خبرها يقبل قبول الأحاديث ويكفى فيه خبر الواحد ، لأنه ما دام لم يقبل كقرآن فليس هناك إلا أن يقبل كحديث نبوى، لأنه لا يصح نسبته إليها كقول خاص بها ، فإن هذا الأمر لا يقال فيه بالرأى ، ولذلك عده رجال الحديث من السنة النبوية . والموضوع مبسوط فى كتاب "زاد المعاد" لابن القيم ج 4 ص 167 - 182 وملخص فى الجزء الأول من "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ص 361 .
هذا ، واشترط القائلون بالتحريم بتعدد الرضعات أن يكون العدد متيقنا ، ولو حدث شك فى ذلك لا يثبت التحريم ، ومن هنا أنبه من تقوم بإرضاع غير طفلها أن تسجل ذلك أو تُعْلِمَ به عددا من الناس حتى يشتهر أمره ، حتى لا يتم فى المستقبل زواج بين أخوين من الرضاعة فى غيبة الأم المرضع أو نسيانها .
وأرى أنه عند الشك - وإن كان لا يثبت به التحريم -ألا يتم الزواج ، ما لم تكن ضرورة أو حاجة مُلِحة(9/494)
رضاع المسلم من كافرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يحرم أن يرضع مسلم من كافرة وهل يكون كافرا لو رضع منها ؟
An الإنسان قبل البلوغ تابع فى الدين لأشرف الأبوين دينا ، فإن كان أبوه مسلما وأمه يهودية أو نصرانية فهو مسلم ، وإن كان أبوه مجوسيا وأمه يهودية أو نصرانية فهو يهودى أو نصرانى تبعا لأمه ، لأن دينها أشرف من دين أبيه .
فإذا بلغ الصبى صار مكلفا وجرى عليه هذا الحكم الذى كان عليه ، فإذا تحول عنه صار مرتدا .
وكل ذلك فى الأبوة والأمومة النسبية ، أما الأبوة أو الأمومة بسبب الرضاع ، وإن كانت لها أحكام فى الزواج وما يتصل به ، فلا ينسحب حكمها على الرضيع من جهة الدين ولا يحرم أن يرضع طفل مسلم من غير مسلمة لعدم وجود دليل على التحريم ، وبخاصة إذا لم يوجد غيرها ، وإذا رضع بقى على دينه مسلما ، ولو رضع طفل مسيحى أو يهودى من مسلمة بقى على دين اليهودية أو النصرانية .
وعليه فالرضيع المسلم من امرأة يهودية أو نصرانية يحرم عليه أن يتزوج ممن أرضعته ، لأنها أمه من الرضاعة ، والزواج منها محرم ، ويجوز له لمسها والجلوس معها فى خلوة والنظر إلى غير ما بين السرة والركبة كأنها أمه النسبية فى هذه الأحكام أما دينه فلا يتأثر بهذا الرضاع(9/495)
مرضع عجوز
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q امرأة كبيرة فى السن لا يوجد بثديها لبن وكانت تلقمه لطفلة صغيرة حتى تسكت من البكاء ، فهل تعتبر هذه الطفلة ابنتها من الرضاع ؟
An الرضاع المحرم للمصاهرة هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم كما هو شأنه ، بمعنى أن يكون بالمرضع لبن فعلاً يتغذى به الرضيع ، فإذا كانت المرضع كبيرة فى السن وليس بثديها لبن بالفعل ، فإن الطفلة لم تتغذ بلبن ، وإنما سكتت عن البكاء كأنها ترضع ، وذلك أشبه بما يوضع فى فم الطفل من حلمة صناعية يخيل إليه أنه يرضع منها فيسكت أو ينام ، وعليه فلا تثبت حرمة بهذا الرضاع الخالى من اللبن .
ولو كانت فتاة لم تتزوج ولا يوجد فى ثديها لبن أو أى سائل لو رضعت منه طفلة أو طفل لا يثبت به تحريم ، أما لو كان فى ثديها لبن بأى شكل من الأشكال فالتحريم يثبت بالرضاع منه . جاء فى كفاية الأخيار فى فقه الشافعية "ج 2 ص 121 " ولا فرق فى المرضعة بين كونها مزوجة أم لا، ولا بين كونها بكرا أم لا، وقيل : لا يحرم لبن البكر، والصحيح أنه يحرم ، ونص عليه الشافعى .
وجاء فى تحفة المحتاج لشرح المنهاج "ج 8 ص . 28" فى فقه الشافعية أن المرضع إذا كانت - صغيرة أو آيسة وتأكدت أن ما ينزل من ثديها ليس له وصف اللبن ولكن هو ما يسمى عرفا بالمصل أو المِش الحصير، فإنه لا يترتب عليه تحريم ، أما لو كان له وصف اللبن حتى لو كان نقطة واحدة فإن التحريم يثبت بذلك ولا يشترط كون الرضعات مشبعات "الفتاوى الإسلامية ج 9 ص 2365 ، 3274" .
هذا، والصغيرة التى لا يعتبر رضاعها هى التى لم تبلغ تسع سنين كما قال الشافعية، لأنها لا تحتمل البلوغ ولا الولادة ، واللبن المحرِّم فرع ذلك "الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 340"(9/496)
الحائض وسوط اللبن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هلا صحيح أن المرأة الحائض لو وضعت يدها فى اللبن الحليب تَخثر ؟
An ذكر ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث "ص 231 " أن المرأة الطامث "الحائض " تدنو من اللبن لتسوطه - تخلطه - وهى منظفة الكف والثوب فيفسد اللبن ، وقد تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس فيه من غير أن تمسها .
وجاء فى كتاب "محاضرات الأدباء " للراغب الأصبهانى "ج 1 ص 200" أنهم قالوا : إن الطامث تدنو من إناء اللبن لتسوطه فتفسده .
ومن أجل ما عند الحائض من إفرازات ضارة كان اليهود يقولون : إن أى شىء تمسه الحائض ينجس ويجب غسله ، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو مس شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل ، وما عجنته أو طبخته أو غسلته فهو نجس حرام على الطاهرين حل للحيّض "خطط المقريزى ج 4 ص 373" .
ولعل مما يفسر هذه الظواهر ما نشرته مجلة "الحوادث " اللبنانية بتاريخ أول نوفمبر سنة 1974 ص69 : أن المجلة الطبية البريطانية "ذى لانسيت " ذكرت القصة التالية : تسلم أحد الأطباء باقة زهور ، فأمر الممرضة بوضعها فى الماء فامتنعت ، ثم أرغمها على وضعها .
وبعد بضع ساعات ذبلت الزهور، وأخبرت الممرضة الطبيب بأن هذا سبب امتناعها عن وضعها فى الماء ، فإن الزهور تذبل كلما مستها وهى حائض .
والتفسير العلمى لذلك أن جلد المرأة الحائض يفرز مادة تسمم النبات ، ويعتقد بعضهم أن هذه المادة شبيهة بمادة "أوكسيخو لستريف " وزعم بعض الأطباء أيضا أنهم لاحظوا ظاهرة غريبة لدى بعض النساء وقت الحيض ، وهى أن جلد الأصابع يكتسى ببقعة سوداء تحت محبس الزواج "كذا" ولاحظوا أيضا أن المرأة المنقبضة النفس قد تفرز مادة خاصة مضرة للأزهار أيضا ، وجاء فى " عجائب المخلوقات " للقزوينى غرائب مماثلة عن الحائض ، وذلك كله يفسر معنى الأذى فى الحيض والأمر باعتزال القربان حتى ينتفى ، ولزيادة المعلومات يرجع إلى الجزء الثالث من كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/497)
البكر والثيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الحد الفاصل بين البكر والثيب وأحكام كل منهما ؟
An البكر هى المرأة التى لم تزل بكارتها بوطء حلال أو شبهة أو زنا والثيب هى التى زالت بكارتها بشىء من ذلك ، والبكارة هى الغشاء الخاص الموجود فى فرج المرأة، جاء فى "كفاية الأخيار " فى فقه الشافعية "ج 2 ص 47 " أن الثيوبة لو حصلت بالسقطة أو بأصبع أو حدة الطمث وهو الحيض ، أو طول التعنيس ، وهو بقاوها زمانا بعد أن بلغت حد التزويج ولم تزوج فالصحيح أنها كالأبكار، ولو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فالأصح أنها كالثيب ، وقيل كالبكر، ولو خلقت بدون بكارة فهى بكر .
وجاء فى المصدر نفسه أن المرأة لو ادعت البكارة أو الثيوبة فالصيمرى والماوردى قطعا بأن القول قولها ، ولا يكشف حالها ، لأنها أعلم ، قال الماوردى : ولا تسأل عن الوطء ولا يشترط أن يكون لها زوج ، قال الشاشى : وفى هذا نظر، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها ،فله أن يسألها ، فإن اتهمها حلَّفها .
قلت : طبع النساء نزاع إلى ادعاء نفى ما يجر إلى العار، فينبغى مراجعة القوابل فى ذلك وإن كان الأصل البكارة ، لأن الزمان قد كثر فساده فلابد من مراجعة القوابل ولا يكفى السكوت ، احتياطا للأبضاع والأنساب .
ومن أهم الأحكام المترتبة على ذلك أن البكر عندما تستأذن فى الزواج يكفى سكوتها ، أما الثيب فلابد من نطقها بالقبول أو الرفض ، روى مسلم أن النبى قال : "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها " .
ومن الأحكام أن الزوج لو تزوج بأخرى خصها بسبع ليال إن كانت بكرا ، أما إن كانت ثيبا فيخصها بثلاث ليال فقط ، ثم يسوى بين الجميع بعد ذلك فى القَسْمِ ، لقول أنس رضى الله عنه "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم " قال أبو قلابة : لو شئت لقلت : إن أنَسًا رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، رواه البخارى ومسلم .
ولو تزوج المرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فالنكاح صحيح ، وهو بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء طلق ، مع العلم بأن كتمانها ذلك حرام ، لأنه غش والغش حرام(9/498)
دبلة الخطوبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن دبلة الخطوبة بدعه وحرام ؟
An خاتم الخطوبة أو الزواج له قصة ترجع إلى آلاف السنين ، فقد قيل : إن أول من ابتدعها الفراعنة، ثم ظهرت عند الإغريق ، وقيل إن أصلها مأخوذ من عادة قديمة، هى أنه عند الخطبة توضع يد الفتاة فى يد الفتى ويضمهما قيد حديدى عند خروجهما من بيت أبيها، ثم يركب هو براده وهى سائرة خلفه ماشية مع هذا الرباط حتى يصلا إلى بيت الزوجية ، وقد تطول المسافة بين البيتين ، ثم أصبحت عادة الخاتم تقليدا مرعيا فى العالم كله .
وعادة لبسها فى بنصر اليسرى مأخوذة عن اعتقاد الإغريق أن عرق القلب يمر فى هذا الإصبع ، وأشد الناس حرصا على ذلك هم الإنجليز وقيل : أن خاتم الخطوبة تقليد نصرانى .
والمسلمون أخذوا هذه العادة ، بصرف النظر عن الدافع إليها ، وحرصوا على أن يلبسها الطرفان ، ويتشاءمون إذا خلعت أو غير وضعها ، وهذا كله لا يقره الدين .
والمهم أن نعرف حكم لبسها .
أما اللبس فى حد ذاته فليس محرما حيث لم يرد نص فى التحريم ، ولم يقصد التشبه بالكفار ، فالتشبه ممنوع وبخاصة إذا كان فى معنى دينى لا يرضاه الإسلام ، ثم نقول : إن كانت الدبلة من فضة فلا بأس بها للرجال والنساء ، أما إن كانت من ذهب فهى حرام على الرجال حلال للنساء ، وذلك لعدة أحاديث وردت فى ذلك ، منها حديث رواه الترمذى بإسناد حسن "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم " وحديث مسلم "ونهأنا عن خواتم - أو عن تختم - بالذهب " وحديثه أيضا "يعمد أحدكم إلى جمرة نار فيجعلها فى يده "؟ وذلك عندما رأى خاتما من ذهب فى يد رجل ، فنزعه فطرحه .
ومن أراد التوسع فى معرفة تاريخ الدبلة والباعث عليها والعبارات المكتوبة عليها وغير ذلك فليرجع إلى الجزء الأول من كتابنا "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "(9/499)
عقد الزواج بالمسرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يصح عقد الزواج عن طريق التليفون بين الزوجين والشهود ؟
An لا بد لصحة عقد الزواج من وجود الشاهدين مع الزوجين مجلس العقد، وذلك للتأكد من شخصية الزوجين وسماع الصيغة، وقد يحصل التأكد إذا أرسل الزوج كتابا إلى الزوجة بأنه تزوجها وقبلت هى وشهد على قبولها شاهدان ،فالكتاب الموقع عليه منه يقوم مقام النطق بالصيغة كما قال بعض العلماء .
أما الكلام فى المسرة "التليفون " فالتحقق فيه من صوت الزوج فيه عسر، لإمكان التقليد والمحاكاة للأصوات ، وإذا سمعته الزوجة فالشاهدان ربما لا يسمعانه ، اللهم إلا إذا كانت الزوجة والشاهدان يسمعون من سماعة واحدة بالآلات الحديثة، ومع ذلك ففيه عسر فى التأكد . ويمكن أن يقال : إنه بتطور آلات الاتصال التى تنقل بها الصورة مع الصوت قد يحصل التأكد من شخصية الطرفين وكلامهما بالإيجاب والقبول ، وتجرى هذه الرؤية عن بعد مجرى الحضور فى المجلس الواحد الذى اشترطه الفقهاء . وهنا يكون العقد صحيحا . "راجع كتاب : أحكام الأسرة فى الإسلام ، للدكتور محمد مصطفى شلبى" .
وجاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 24" : أن أحد المتعاقدين إذا كان غير حاضر مع الآخر فى مجلس واحد فإنه يمكن أن يتعاقد بوساطة رسول أو كتاب ، وتقوم عبارة الرسول وما سطر فى الكتاب مقام تلفظ العاقد الحاضر، والشهادة اللازمة لصحة العقد يلزم توافرها فى مجلس القبول الذى يصدر من المرسل إليه أو المبعوث إليه الكتاب . ولا يلزم أن يُشهِد صاحب الكتاب على كتابه ، بل يكفى أن يشهد الشهود فى مجلس القبول على هذا القبول ، وعلى ما جاء فى الكتاب بعد قراءته عليهم أو إخبارهم بما فيه ، فإن ذلك يقوم مقام حضور صاحب الكتاب وتلفظه فى المجلس . ويجب التنبيه على التثبت من أن الكتاب هو كتاب فلان وذلك بشهادة من قرأوه أو علموا بما فيه ، فإنه قد ينكر ، وهنا لا يثبت الزواج ، وتنص لائحة المحاكم الشرعية على أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية(9/500)
العدة فى الطلاق الغيابى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q زوج طلبت زوجته من المحكمة الطلاق منه فحكمت بطلاقها، ثم استأنف الزوج الحكم ، فمتى تبدأ عدة المطلقة ؟
An تبدأ عدهَ الطلاق من تاريخه سواء أكان المطلق هو الزوج أو المحكمة ، وفى الطلاق الغيابى الصادر من المحكمة لا تبدأ العدة إلا إذا صار نهائيا ، وذلك إن مضت مدة المعارضة والاستئناف ولم يعارض ولم يستأنف ، أو استأنف وتأيد الحكم . أما إذا لم يصر الحكم بالطلاق نهائيا فلا تترتب عليه آثاره ومنه العدة حتى يكون نهائيا " الفتاوى الإسلامية " المجلد 6 ص 2193 "(10/1)
نية الطلاق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تحدثنى نفسى بأننى أطلق زوجتى ، وأحيانا أطلقها بقلبى دون أن أتلفظ بالطلاق ، فهل يقع الطلاق بالنية والحديث النفسى ؟
An أثار القرطبى فى تفسيره "ج 8 ص 210" هذه المسألة فقال :
العهد والطلاق وكل حكم ينفرد به المرء ولا يفتقر إلى غيره فيه فإنه يلزمه ما يلتزمه بقصده وإن لم يلفظ به ، قاله علماؤنا -أى المالكية- وقال الشافعى وأبو حنيفة : لا يلزم أحدا حكم إلا بعد أن يلفظ به ، وهو القول الأخر لعلمائنا . قال ابن العربى - المالكى - والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ما رواه أشهب عن مالك -وقد سئل : إذا نوى الرجل الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه -فقال : يلزمه ، كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه .
قال ابن العربى : وهذا أصل بديع ، وتحرير أن يقال :
عقد لا يفتقر فيه المز إلى غيره فى التزامه فانعقد عليه بنية، أصله الإيمان والكفر .
قلت -أى القرطبى- وحجة القول الثانى ما رواه مسلم عن أبى هريرة قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " ورواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم : أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيئا حتى يتكلم به ، قال أبو عمر: ومن اعتقد بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانه ، فليس بشىء .
هذا هو الأشهر عن مالك ، وقد روى عنه أنه يلزمه الطلاق إذا نواه بقلبه ، كما يكفر بقلبه وإن لم ينطق به لسانه . والأول أصح فى النظر وطريق الأثر، لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "تجاوز اللّه لأمتى عما وسوست به نفوسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله يد" . فالخلاصة أن نية الطلاق لا يقع بها طلاق عند جمهور العلماء(10/2)
من آداب الحياة الزوجية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نقرأ فى الكتب والصحف عن تجارب المفكرين فى وسائل محافظة الزوجة على قلب زوجها أشياء كثيرة قد تكون صدى لإحساس خاص ، أو نَضْحًا لبيئة بعرفها المناسب لها، فهل فى الإسلام شىء من هذه الوسائل التى تستعين بها الزوجة على سعادة زوجها والأسرة ؟
An الإسلام وهو الدين الذى أكمله اللّه وأتم به النعمة فيه تبيان كل شىء يحقق السعادة للفرد والمجتمع فى الدنيا والآخرة، وكل تشريعاته العامة والخاصة لها صلة كبيرة بإسعاد الحياة الزوجية ، ومع ما عرفناه مأثور العرب فى وصايا بناتهم عند الزواج نورد بعضا من هذه الآداب :
1- أن تكون الزوجة صورة حسنة فى عين زوجها تجذب قلبه إليها، وذلك بالعناية بجمالها ، وقد مر الحديث عنه وموقف الإسلام منه .
2 -تنسيق البيت بشكل يدخل السرور على قلب الزوج ، وتجديد هذا التنسيق حتى يتجدد شعوره بالسرور، ولا تسير الحياة على وتيرة واحدة .
3-توفير الجو الهادى له ليستريح من عناء عمله ، وبخاصة فى أيام الراحة ، التى لا ينبغى أن تشغلها بما يصرفها عنه ، ولا تترك الأولاد يعكرون صفو هذا الجو .
4 -مشاركته فى فرحه وفى حزنه ، ومحاولة التسرية عنه بكلام طيب أو عمل سار، كما كانت السيدة خديجة رضى الله عنها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم أن جاء من الغار يرجف فؤاده ، فطمأنته بأن اللّه لا يخزيه أبدا .
5 -معرفة مواعيد أكله ونومه وعمل الحساب لكل منها ، وذلك بإعداد طعامه الذى يشتهيه والهدوء التام عند نومه الذى يحب أن يهدأ الجو من حوله ليشعر بالراحة .
6-عدم إظهار الاشمئزاز منه لعيب وجد فيه كمرض وفقر وكبر سن ، ومحاولة تخفيف هذه الآلام عنه بالقول أو الفعل ، فهذا ضرب من الوفاء له .
7 - الأدب معه فى الحديث ، واختيار الألفاظ المحببة إلى قلبه ، وعدم مراجعته بصورة تثير غضبه ، أو تجرح شعوره ، فقد يكون من وراء ذلك هدم الأسرة .
8 - عدم المن والتطاول عليه بغناها أو حسبها أو منصبها مثلا، وعدم ذكره بالسوء والشكاية منه إلا فى أضيق الحدود ، لدفع شر يتوقع مثلا، جاء فى إحياء علوم الدين للغزالى أن الأصمعى قال : دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها ، وزوجها من أقبح الناس وجها فقلت لها: يا هذه أترضين لنفسك أن تكونى زوجة له ؟ فقالت : اسكت يا هذا ، فقد أسأت فى قولك ، لعله أحسن فيما بينه وبين اللّه فجعلنى ثوابه . أو لعلنى أسأت فيما بينى وبين ربى فجعله عقوبتى ، أفلا أرضى بما رضى الله لى ؟ .
تلك وأمثالها آداب يقرها الإسلام ويدعو إليها ، وأولى أن نتبعها بدل أن نتبع التقاليد الأخرى التى لا تناسبنا ، فلكلٍّ شرعة ومنهاج(10/3)
الوفاء للزوج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مضى على زواجنا عشرون سنة وأنا متمتعة بحياة زوجة سعيدة، ولكن زوجى مرضى مرضا أحسست بأننى لا أطيق البقاء معه ، لقيامى على خدمته وضيق ذات اليد عندنا، فهل من الجائز أن أطلب الانفصال عنه ، أو الأفضل أن أظل معه مع المعاناة الشديدة التى أعيش فيها ؟
An لا شك أن الحياة متقلبة بين اليسر والعسر، والصحة، والمرض ، والمؤمن الصادق يثبت جدارته بالحياة فى كل الأحوال ، كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .
والزوجة تقر بأنها عاشت مع زوجها أياما سعيدة عندما كان صحيح الجسم وافر الثراء ، فهل من المروءة والإنسانية أن تتركه فى محنته لتتزوج غيره تكمل معه مشوار حياتها سعيدة كما بدأته .
إن التى تفكر فى ذلك تدخل تحت حكم الحديث الذى ينهى عن كفران العشير ، فقد نسيت ما قدمه لها زوجها من خير، وتبخر بسرعة ما نعمت به سنوات طوالا، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد بكثرة التصدق ، لأن أكثرهن حطب جهنم ، بسبب كثرة الشكاة وكفران العشير "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط " .
إن الزوجة الصالحة تعين زوجها على نوائب الدهر لا أن تتخلى عنه ، وكفى بالسيدة خديجة رضى الله عنها مثالا رائعا فى صدق معونتها للنبى صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والمال . وبهاجر أم إسماعيل التى تحملت الوحدة وقاست البعد والألم طاعة لأمر الله وأمر زوجها إبراهيم ، وبأم الدحداح التى شجعت زوجها على التصدق بالحديقة فى سبيل الله ، وبزينب الثقفية التى ساعدت زوجها ابن مسعود بمالها فى حال إعساره ، وبزينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم التى وفت لزوجها فخلصته من الأسر بأعز ما تملكه .
إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان هناك سبب قاهر يجعل الحياة متعذرة أو متعسرة ، ففى الحديث الحسن الذى رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "أيما امرأة سالت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .
وفقر الزوج المريض إن وصل إلى حد الإعسار بالنفقة الواجبة ، هل يجيز لها طلب التفريق أو لا ؟ مذاهب الفقهاء فى ذلك مختلفة، فقيل : يجبر على طلاقها عند إعساره أو امتناعه ، وقيل : يؤجل شهرا ثم يطلق عليه الحاكم ، وقيل : تخير إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت ، وقيل ليس لها الفسخ ولكن تَرْفَعُ يده عنها لتكتسب ، وليس عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها، والاحتجاج لكل هذه الآراء طويل يمكن الرجوع إليه فى كتاب زاد المعاد لابن القيم ، الذى قال فى ختام بحثه : والذى تقتضيه أصول الشريعة أن الرجل إذا غرر بالمرأة قبل الزواج بأنه ذو مال ثم ظهر أنه مفلس ، أو كان ذا مال وترك الإنفاق عليها ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها أو بالحاكم فلها الفسخ ، وإن تزوجته وهى عالمة بعسره أو كان موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها .
وهذا رأى جميل يضم إليه أن ترفع يده عنها لتكتسب وتبقى على عصمته ، ولها أن تمتنع عن تمكينه من التمتع بها، فإن عجزت عن الاكتساب أو وجدت عنتا فيه فأرى أنها تخير بعد ذلك فى البقاء معه أو الانفصال عنه إذا لاح لها فى الأفق ما يوفر لها الحياة الكريمة(10/4)
إعفاف الزوجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يسافر ويترك زوجته مدة طويلة، وبخاصة إذا كانت شابة، هل تتحمل هذا البعد أو تطلب الفراق منه ؟
An لا شك أن من أهم مقاصد الزواج تنظيم نشاط الغريزة الجنسية ، الذى يكون من آثاره عفة الزوج والزوجة عن الحرام ، والذرية التى تتربى فى ظل الأسرة المستقرة، فكما أن له حقا فى اتصاله بها كذلك هى لها حق فى الاتصال به ، وإن كان الحياء يكفها عن المطالبة به بطريق مباشر فى غالب الأحيان ، فهى مثله مخلوق بشرى تتحرك فيه الغريزة ، والزواج هو الفرصة المشروعة لتلبية ندائها ، ومن هنا لم يرض النبى صلى الله عليه وسلم عمن عزم ألا يتزوج ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص الذى صرفته عبادته عن حق زوجته ، وعن أبى الدرداء الذى ترك زوجته مكتئبة بملابسها المبتذلة ، لانشغاله بصيام النهار وقيام الليل ، وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحيحة .
إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الاخر، ويغذى هذا الشعور أمران :
أحدهما يحتاجه الجسد ، والآخر يحتاجه القلب ، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق ، وربما أورث مرضا أو أمراضا ، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق ؟ وقد جاء فى المأثور أن عمر رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال رعيته ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين ، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها ، ولولا ذلك لهان عليها بعده ، وذلك بآخر يؤنسها فى غيبة الزوج .
فرق عمر لحالها ، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله . ولكن هل لهذا الإعفاف حد أو ميقات ؟ الأقوال فى ذلك كثيرة يقوم أكثرها على الاجتهاد . لكن الأوفق أن يراعى فى ذلك حال الزوج والزوجة ، من وجود الداعى إليه والقدرة عليه وعدم المانع منه ، فقد امتنع النبى صلى الله عليه وسلم عن نسائه شهرا، وخيرهن بين البقاء معه والفراق ، وينبغى ألا تزيد فترة البعد على أربعة أشهر، وهى المدة التى ضربها الإسلام لِلْمولى من امرأته ، أى الذى يحلف ألا يقربها ، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وان عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } البقرة : 226 ، 227 ، فإنه يطالب بعد هذه المدة بأحد أمرين :
الفىء أى الرجوع عن حلفه ، فيباشر زوجته ، أو الطلاق . بل جعل أبو حنيفة الشهور الأربعة أجلا لوقوع الطلاق ، تطلق الزوجة بمجرد انقضائها إن لم يرجع إليها زوجها .
إن بعد الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة فى كسب يفيدهما معا-يختلف فى أثره عليها ، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها ، ولا المتدينة مع غيرها ، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب ، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإنى أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى فى البعد ، فإن الذى ينفقه حين يعود إليها فى فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التى سافر من أجلها ، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين ، وشرف الإنسان أغلى من كل شىء فى هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير .
ولئن كان عمر رضى اللّه عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر( مصنف عبد الرزاق وتفسير للقرطبى "ج 3 ص 108 والسيوطى فى تاريخ الخلقاء ص 96 وابن الجوزى فى سيرة عمر ص 59 ) فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك ، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع ، فيجب أن تراعى المصلحة فى تقدير هذه المدة ، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها .
ومهما يكن من شىء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق فى رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض ، ومنعا للفساد ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار(10/5)
احترام ملكية المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل للزوج حق فى أن يستولى على الكسب الخاص لزوجته ، بحجة التعاون على مطالب الأسرة ؟
An يقول الله سبحانه {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء: 4 .
ويقول {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21 ، ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن }النساء : 19 .
تشير هذه الآيات إلى وجوب احترام الرجل لملكية المرأة ، فحرم على الزوج أو ولى أمرها أن يأخذ من صداقها شيئا إلا عن طيب نفس ، وذلك إبطال لما كان الناس عليه فى الجاهلية .
والحكمة فى ذلك تقرير مبدأ الحرية للمرأة فى التملك والتصرف فيما تملك ، وكذلك رفع قيمة الرجل وتكريم رجولته وتحقيق قوامته عليها ، فمهما اشتدت حاجته لا ينبغى أن يطمع فى مال زوجته الغنية حتى لا يكون عبدا لإحسانها إن أعطته بطيب خاطر .
وقد قرر الإسلام لها هذا الحق قبل أن تقرره المدنيات الحديثة بعدة قرون .
ولذلك يجوز للزوجة أن تتاجر فى مالها الخاص وأن تتصرف فيه بدون إذن زوجها ما دام ذلك فى حدود المشروع ، وإذا كان لها أن تتصدق وتتبرع فليكن الأولى أن يكون لمصلحة الأسرة بمعونة زوجها إن أحست الحاجة إلى المساعدة ، فهو نوع من الوفاء والتعاون على الخير .
والإسلام قد نفر من الإقدام على زواج المرأة الغنية من أجل غناها فقط والطمع في ماليا ، دون اهتمام بالمقياس الخلقى والدينى للزوجة، لكن لو كان هناك اتفاق سابق على الزواج أن يتعاونا معا على الأسرة ، أو أذن لها الزوج أن تعمل لقاء اشتراكها فى ذلك كان لا بد من تنفيذ الاتفاق ، فالمؤمنون عند شروطهم ، وكان لا بد من النزول على حكم العرف إن كان العرف يقضى بذلك . وبدون هذا لا يحق للزوج أن يأخذ شيئا من مالها الخاص ، ويا حبذا لو كان هناك تحديد واضح بينهما من أجل ذلك حتى لا يكون نزاع قد يفضى إلى هدم الأسرة(10/6)
المحافظة على شرفها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى الزوج الذى يسىء الظن بزوجته ويفرط فى الغيرة عليها حتى يمنعها من كثير مما أحل الله للنساء وللناس جميعا ؟
An من المسلم به أن الرجل مسئول عن المحافظة على سمعته وسمعة الأسرة عامة، وسمعة زوجته التى اختارها شريكة لحياته ، والحديث الشريف يقول "والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته " ومن الرعاية أن يراقب سلوكها كما يراقب سلوك أولاده ، لكن هذه المراقبة لها حدود حتى لا تنتج نتيجة عكسية، فالمرأة إن لم تكن عندها حصانة من خلق ودين يمكنها أن تتفلت من هذه المراقبة بوسائل قد تتفنن فيها ، وقد قالها عزيز مصر منذ آلاف السنين ، وسجلها القرآن الكريم {إن كيدكن عظيم } يوسف : 128 .
وإذا كان الحديث قد حذر من التهاون فى مراقبة سلوكها ، ومن ترك الحبل لها على الغارب بقوله صلى الله عليه وسلم، كما رواه النسائى والبزار وصححه الحاكم "ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء" - فإنه وجهه إلى الاعتدال والتوسط فى ذلك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم ، كما رواه أبو داود والنسائى وابن حبان "إن من الغيرة غيرة يبغضها اللّه عز وجل وهى غيرة الرجل على أهله من غير ريبة " ذلك أن شدة الغيرة تجلب على المرأة سُبَّة ، فسيقول الناس ، إن صدقا وان كذبا ، ما اشتد عليها زوجها إلا لعلمه بأنها غير شريفة ، أو فيها ريبة ، يقول الإمام على : لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك .
إن هذه الغيرة الشديدة تحمله على كثرة الظن السيئ وعلى التجسس ، وذلك منهى عنه فى القرآن والسنة ، وقد نهى الحديث عن إحدى صوره ، وهى الطروق ليلا للمسافر، أى مباغتته لأهله عند قدومه من السفر دون علم منهم ، فقد روى مسلم عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا لئلا يخونهم أو يطلب عثراتهم . وروى البخارى ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا ، حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة" .
فالخلاصة أن الرجل لابد أن يغار على زوجته ، ولكن يجب أن يكون ذلك فى اعتدال ، وخير ما يساعده على ذلك أن يختارها ذات خلق ودين(10/7)
المحافظة على شعورها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الإسلام أن تعيش المرأة فى البيت كمَّا مهملا، ينظر إليها بمنظار أسود، وتعامل كجارية لا إحساس لها ولا شعور ؟
An من ميزة الإسلام أنه كرم المرأة وأزال الصورة القاتمة التى صورت بها من قبل . وقرر لها كثيرا من الحقوق التى أضاعتها هذه الصورة، واعتد بإنسانيتها التى سلبتها إياها بعض الأفكار وطبقها بعض الرسول - واللّه سبحانه أمر بمعاشرتها بالمعروف كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، ومن أهم مظاهر هذه المعاشرة التى تتصل بإحساسها وشعورها :
1 - صون اللسان عن رميها بالعيوب التى تكره أن تعاب بها ، سواء أكانت خِلقية لا تملك من أمر تغييرها شينا كدمامة وقصر، أم كانت خُلقية لها دخل فيها كتباطؤ فى إنجاز العمل ، أو ثرثرة كثيرة ، فالله نهى بوجه عام عن السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسباب ، والنبى صلى الله عليه وسلم قال فيما يخص المرأة ، كما رواه أبو داود بإسناد حسن "ولا تضرب الوجه ولا تقبح "أى لا تقل لها : قبَّحك الله ، يقول الحافظ المنذرى بعد ذكر هذا الحديث : أى لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله .
2 - ومع عدم رميها بالعيوب ، لا ينبغى الاشمئزاز وإظهار النفور منها ، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة ، فكما أن فيها عيوبا فيها محاسن ينبغى ألا تغفل وتنسى، والله سبحانه يقول {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء : 19 ، والحديث يقول كما رواه مسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضى منها آخر" ويعجبنى فى هذا المقام ما جاء فى "الأحكام السلطانية للماوردى" أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يطوف حول الكعبة وعلى عاتقه امرأة حسناء، وهو يقول :
عُدْت لهذى جملا ذلولا * مُوطَّأً أتبع السهولا أعدلها بالكف أن تميل * أحذر أن تسقط أو تميلا أرجو بذاك نائلا جزيلا فقال له : من هذه التى وهبت لها حجك ؟ فقال : امرأتى يا أمير المؤمنين ، وإنها حمقاء مرغامة ، أكول قمامة ، لا يبقى لها خامة . فقال له : لم لا تطلقها ؟ لا قال : إنها حسناء لا تُفْرَك ، وأم صبيان لا تُترك .
قال : فشأنك بها .
3 - عدم ذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها ، فليس أقتل لشعور المرأة من ذلك وبخاصة إذا كانت هذه المرأة ضرتها أو جارتها أو لزوجها صلة بها أيا كانت هذه الصلة اللهم إلا إذا كان يقصد بمدح غيرها تأديبها وتوجيهها لتكون مثلها . روى البخارى ومسلم عن عائشة قالت :
ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها قط ، ولكن كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها فى صدائق خديجة فربما قلت له : كأن لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول : إنها كانت وكانت. . . . وكان لى منها ولد" .
4 - حفظ أسرارها وبخاصة ما يكون من الأمور الداخلية التى لا يعرفها إلا زوجها . يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفض إليه ثم ينشر سرها" . أراد بعض الصالحين أن يطلق امرأته فقيل له : ما الذى يريبك منها؟ فقال : العاقل لا يهتك ستر امرأته . فلما طلقها قيل له : لم طلقتها؟ فقال : ما لى ولامرأة غيرى ؟(الإحياء ج 2 ص 52) 5 -نداؤها بلفظ يشعر بكرامتها مثل : يا أم فلان ، والعرف مختلف فى ذلك .
6 -إلقاء السلام عليها عند دخول البيت ، لإيناسها واطمئنانها ، ففى حديث الترمذى وصححه "يا بنى ، إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك " .
تلك بعض المظاهر التى تدل على احترام الإسلام لشعور المرأة، ليعاملها زوجها على ضوئها معاملة كريمة، وهناك أكثر وأوضح من ذلك فى كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء الثالث "(10/8)
وطء شبهة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن أرسل رجلا نائبا عنه لعقد النكاح ، ثم سأفر فى اليوم نفسه ، ولما عاد وقع على خطيبته ظانا أن نائبه عقد له عليها ،وظهر أنه لم يعقد عليها وحملت منه ، فهل يعتبر الحمل منسوبا إليه أم لا ؟
An الاتصال الجنسى بين الرجل والمرأة على ثلاثة أضرب ، ضرب حلال وضرب حرام وضرب ليس بحلال ولا بحرام ، أما الحلال فهو ما كان بعقد نكاح صحيح مستوف للأركان والشروط ، أو كان تمتعا بملك اليمين للأمة غير الحرة، والحرام ما كان على غير هذه الصورة مع عدم وجود شبهة ومع العلم والاختيار، قال تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } المؤمنون :5-7 ، وفى الحرام عقوبة بالجلد والتغريب لغير المُحْصَنِ ، وبالرجم للمحصن .
وأما الاتصال الذى لا يوصف بحل ولا حرمة فهو ما كان فيه شبهة ، كأن جامع الرجل امرأة يظن أنها زوجته فبانت أجنبية عنه ، وهذا لا حَدَّ ولا عقوبة فيه . لكن من جهة لحوق النسب فى الحمل فالمولود ينسب إلى أمه فى الأضرب الثلاثة لأنها هى التى حملت وولدت ، وذلك لا خلاف فيه بين العلماء . أما نسبُه للرجل فهو ثابت له فى الاتصال الحلال ، غير ثابت له لى الاتصال الحرام ، وأما فى الاتصال بشبهة فإن كانت الموطوءة على فراش رجل آخر-يعنى متزوجة-فالولد يلحق الزوج ، لحديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر" إلا إذا نفاه عنه باللعان المذكور فى أوائل سورة النور فلا يلحقه ، وإن كانت غير متزوجة فإن الولد يلحق من وطئها، وذلك على رأى جمهور الفقهاء .
جاء فى كتاب "المغنى" لابن قدامة "ج 9 ص 57" أنه لو وطىء رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه ، وهذا قول الشافعى وأبى حنيفة، وقال أحمد بن حنبل كل من درأتُ عنه الحدَّ ألحقت به الولد، ولأنة وطء اعتقد الواطئ حِلَّهُ فلحق به النسب ، كالوطء فى النكاح الفاسد - أى الذى اختل أحد أركانه أو شروطه - وفارق وطء الزنا -أى فى عدم لحوق النسب به -فإنه لا يعتقد الحل فيه ، ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ ، لأنه يعتقد حله فلحق به النسب كالوطء في نكاح فاسد .
وجاء مثل هذا الكلام فى حاشية الشرقاوى على التحرير فى فقه الشافعية "ج 2 ص 219 ، 271 " وذكر أن شبهة الفاعل تمنع الحد وتوجب مهر المثل ، ولا يوصف بها الوطء بحل ولا حرمة، ويثبت به النسب ، وتثبت به العدة . من هذا يعرف جواب السؤال وهو لحوق الحمل بهذا الرجل الذى ظن أن من جامعها هى زوجته(10/9)
الخلوة بين الجنسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا فتاة ملتزمة للحجاب الشرعى ، وأعمل سكرتيرة لأحد رجال الأعمال ، وفى بعض الأحيان نمض ساعات وحدنا لمراجعة الأعمال ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An ليكن معلوما أن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة وصيانة المجتمع من الفساد-عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها ، فالأحاديث كثيرة فى النهى عنها لخطورتها ، ومنها ما رواه البخارى ومسلم " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " وما رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء ، فو الذى نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما" .
إن الغريزة الجنسية تتحين أية فرصة للاستجابة لرغبتها ، ومن أجل ذلك حرم الإسلام النظر واللمس والخضوع بالقول ، والخلوة ، أخرج أبو داود والنسائى أن رجلا من الأنصار مرض حتى صار جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية تعوده وحدها فهشَّ لها ووقع عليها، فدخل عليه رجال من قومه يعودونه فأخبرهم بما حصل منه وطلب الاستفتاء من النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لرسول الله : ما رأينا بأحد من الضر مثل ما الذى هو به ، ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلدة على عظم ، فأمر رسول الله : بإقامة الحد عليه ، بضربه بمائة شمراخ ضربة واحدة .
إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة فى هذه الأيام ، فقد تكون فى البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة ، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية ، حتى فى الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار .
إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط ، أو باجتماع امرأة برجلين ، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال ، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين ، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء .
والخلوة لا تجوز إلا للضرورة ، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو فى بعض الأحيان ، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة ، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم ، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2 )وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها ، أو المخدوم بخادمته ، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك ، وليس هؤلاء الخدم مملوكين ملك اليمين حتى يكون لهم مع سادتهم وضع خاص ، بل هم أجانب تجرى عليهم كل أحكام سائر الناس .
وفى حكم الخلوة سائقو السيارات الخاصة ، المترددون على النساء كثيرا فى البيوت ، دون أن يكون هناك من يخشى معهم السوء .
هذا ، ولا يعتبر من الخلوة المحرمة وجود الطالبات مع الطلبة فى أماكن الدراسة ، كما لا تتحقق الخلوة فى الشوارع والمحال التجارية والمواصلات التى تغص بالرجال والنساء ، وإنما المطلوب هو الحشمة فى الملابس والأدب فى الكلام ، وعدم الاحتكاك بين الطرفين ، وبخاصة فى الزحام ، وحديث الطبرانى يقول "لأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له " وحديثه أيضا "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وحديث البيهقى "إذا استقبلتك المرأتان فلا تمر بينهما ، خذ يمنة أو يسرة" .
هذا ، والرحلات المختلطة إذا أمنت فيها الفتنة وكانت تحت رقابة مؤمنة يقظة، وكانت النساء ملتزمات بالآداب الشرعية فى الستر والجدية والعفاف ، لا بأس بها ، وإلا حرمت والأولى أن تكون الرحلات ؟ لنوع واحد، اطمئنانًا للقلب وصيانة للشرف ومنعا للتهم والظنون(10/10)
شعر المرأة والباروكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها، وما حكم لبس الشعر المستعار "الباروكة " ؟
An من المعلوم أن الجمال محبب للنفس إذا وصف به أى كائن فى الوجود، وله حاسة جعلها المفكرون مستقلة عن الحواس الخمس ، وجالت فى فنونه أقلام الكتاب وآراء الباحثين ، ولا عجب فى ذلك ، فالله جميل يحب الجمال ، كما فى الحديث الذى رواه مسلم .
وجمال المرأة بالذات له خطره وأهميته فى حيلة الأفراد والأمم ، فكم ربط بين جماعتين على أثر إعجاب تَمَّ بزواج ، وكم فرق بينهما إثر تنافس انتهى بقتال ، وكم جدت فى الأسر مشاكل غيرة منه وتحزُّبا ضده ، وكم أطلق ألسنة العشاق بروائع المنظوم والمنثور ، وكم خلدت آثار فى الفن والأدب كان هو ملهمها الأول ، وواضع قصتها ومخرج مشاهدها على مسرح الوجود .
وتجمل الزوجة لزوجها من أهم الوسائل لكمال متعته بها وحبه لها، والحديث الذى رواه ابن ماجه يقول "ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه خيرا له من زوجة صالحة ، إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن اقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله " .
ومظاهر التجمل كثيرة، منها جمال الشعر الذى لا ينكر أثره فى إعجاب الرجل بالمرأة، وفى تفنن الشعراء والأدباء فى التغنى والغزل به ، فما حرك أساطيل اليونان قديما فى حرب "طروادة" إلا الشعر المعقوص المضفر بشرائط الذهب لهيلانة الجميلة ، وما سحر البلاط الفرنسى ورجال الأدب والسياسة والدين إلا شعر مدام بومبادور، وما نسى فحل الشعراء فى الجاهلية أن يضمن معلقته غزلا فى شعر كهداب الدمقس المفتل ، وما كان لأمير الشعراء فى العصر الحديث ليلان إلا عند جارة الوادى ، فرعها والدجى .
والإسلام عنى بجمال الشعر: ترجيلا أى تمشيطا ، وتصفيفا أى تنظيما فى ضفائر وغدائر ونحوها ، وتهذيبا بالتقصير والتطويل والتلميع ، وتطييبا بالدهن المعطر والروائح الطيبة ، فهو القائل فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه " وهو عام فى الرجال والنساء .
أما قص الشعر للسيدة فليس هناك ما يمنعه شرعا ، فقد كان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعر رءوسهن حتى تكون كالوفرة، كما رواه مسلم . والوفرة ما قصر عن اللمة أو طال عنها، واللمة ما يلم من الشعر بالمنكبين كما قاله الأصمعى . [ هناك خلاف فى تحديد معنى الوفرة واللمة والجمة موجود فى "نيل الأوطار"ج 1 ص 137 وثلاثيات أحمد ج 2 ص 207 ] وقد قصر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم من شعورهن بعد وفاته ، لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمئونة رءوسهن كما قاله القاضى عياض وغيره ، ولم يكن ذلك فى حياته .
هذا، وقد روى النسائى عن على رضى الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها . والحلق هو إزالته بالمرة ، وذلك لا يليق بالمرأة فهو من خصائص زينتها ، أو المراد النهى عن حلقه عند المصائب كالحزن على وفاة زوج أو ولد .
لكن محل جواز تقصير شعرها إذا كان بإذن الزوج ، فهو صاحب حق فيه لمتعته ، وألا يكون التقصير بيد رجل أجنبى أو اطلاعه عليه ، وإلا تقصد به التشبه بالرجال ، فالأعمال بالنيات .
والشعر المستعار "الباروكة " ورد فيه أن امرأة قالت للنبى صلى الله عليه وسلم : إن لى ابنة عُرَيِّسًا-تصغير عروس -أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله ؟ فقال "لعن الله الواصلة والمستوصلة" رواه البخارى ومسلم . وبعد كلام العلماء فى شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغش والتدليس ، وهو ما يفهم من السبب الذى لعنت به الواصلة والمستوصلة، ومبنى أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب . وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببا فى هلاك بنى إسرائيل حين اتخذه نساوهم . وكن يغشين بزينتهن المجتمعات العامة والمعابد كما رواه الطبرانى .
هذا، وجاء فى كتب الفقهاء : أن لبس الشعر المستعار حرام مطلقا عند مالك ، وحرام عند الشافعية إن كان من شعر الآدمى ، أو شعر حيوان نجس ، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعية فهو جائز إذا كان بإذن الزوج ، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعى بشرطين : عدم التدليس وعدم الإغراء ، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه ، وعدم استعماله لغيره هو .
ومن هذا يعلم أن تصفيف شعر المرأة عند "الكوافير "الرجل الأجنبى حرام ، وأن لبسها "الباروكة" عند الخروج ، أو عند مقابلة الزائرين الأجانب حرام(10/11)
الزواج من خالة الأم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يصح للرجل أن يتزوج من خاله أمه ؟
An جاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 69" أن من المحرمات من النساء بسبب النسب فروع أجداده وجداته بمرتبة واحدة، وهن العمات والخالات لا غير، سواء كن عمات وخالات للشخص نفسه أم كن عمات وخالات لأبيه أو أمه أم لأحد أجداده وجداته ، أما ما دون العمات والخالات من المراتب فلسن من المحرامات ، فلا تحرم بنات العمات والأعمام ولا بنات الخالات والأخوال ، ومن باب أولى إذا نزلت المراتب عن ذلك(10/12)
الولد الأسود لوالدين أبيضين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا وله طفل أسود من أبوين أبيضى اللون ، فهل يعد ذلك دليلا على خيانة الزوجة ؟
An لا تدل مخالفة لون الولد للون أبويه على أن هناك خيانة زوجية، فالمؤثر على الجنين قد يكون أمرا وراثيا من بعيد، وقد يكون عارضا بسبب تركيز الأم على لون أسود بأى سبب من أسباب التركيز فيظهر هذا فى الجنين .
ومما يدل على أن مخالفة اللون لا يجوز أن يتخذ دليلا على الخيانة الزوجية ما رواه مسلم أن رجلا من بنى فزارة قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إن امرأتى قد ولدت غلاما اسود، وفى رواية : وإنى أنكرته أى كرهته ، فقال صلى الله عليه وسلم "هل لك من إبل ؟" قال : نعم ، قال : " فما ألوانها ؟ قال حمر" قال : " هل فيها من أورق ؟" أى أسود غير صافى السواد، قال " إن فيها لورقا" قال : " فأنى أتاها ذلك "؟ قال : " عسى أن يكون نزعه عرق "، قال : "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق " يريد النبى بهذا أن يحافظ على العرض مما يشينه من شبهة لا أصل لها ، فالعرض إذا خدش قل أن ترجع إليه سمعته الطيبة الأولى ، إن الزجاجة كسرها لا يشعب ولا يجبر .
وهناك حوادث كثيرة تدل على أن الوحم العارض للحامل قد يؤثر على الجنين ، فالصفات المكتسبة إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأعصاب والأحاسيس قد تورث فى الجنين ، جاء فى ذيل تذكرة داود (ص 231) أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين . وتحدث العلماء عن حمل الغيرة وهو الشعور بالحمل وانتفاخ البطن دون أن يكون فيه جنين .
ولعل مما يؤكد هذا-وإن أنكره البعض -ما جاء فى سفر التكوين ( 1ص ج 30)أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة ، وفى مختار تاريخ الجبرتى (ج 1 ص 107 ) أن امرأة ولدت ولدا يشبه الفيل وكان الفيل قد حضر لأول مرة(1ص10 ) فالخلاصة أنه لا يجوز اتهام الزوج لزوجته بالخيانة إذ ولدت ولدا لونه غير لونهما(10/13)
الأبناء وذنوب الآباء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يؤاخذ الله سبحانه وتعالى الأبناء بذنوب فعلها الآباء ؟
An يقول الله سبحانه { ولاتزر وازرة وزر أخرى } الإسراء : 15 ، وقال { كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر : 38، وقال { كل امرئ بما كسب رهين } الطور : 21، هذه الآيات وأمثالها التى تدل على أن الله لا يظلم أحدا فيعاقبه بما جناه غيره ، متفق على أنها فى يوم القيامة عند الحساب والجزاء ، لكن فى عقاب الدنيا قد يؤخذ البرىء بسبب معصية غيره عندما يجىء عقاب عام كالخسف والزلزال بسبب شيوع المعاصى ، كما فى حديث البخارى ومسلم " يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على قدر نياتهم "ومنه ما جاء فى بعض الأدعية، ( لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا) فالأبناء وغيرهم يؤخذون بذنوب آبائهم ومجرميهم إذا كثر الفساد، وذلك فى عقاب الدنيا ، وسيعوض الله الأبرياء خيرا فى الآخرة، والآباء إذا كانوا مجرمين سرت العدوى إلى أولادهم بالتقليد والمحاكاة ، وكرههم الناس لكراهتهم لآبائهم ، فشؤم معصية آبائهم يلحقهم فى معاملات الدنيا طوعا أو كرها ، أما الأعمال ، فكل واحد مسئول عن عمله يوم القيامة أمام الله ، وعلى ضوء هذا يفهم الحديث القدسى الذى رواه أحمد عن وهب ( أنى إذا أطعت رضيت ، وإذا رضيت باركت ، وليس لبركتى نهاية ، وإذا عُصيت غضبت ، وإذا غضبت لعنت ، ولعنتى تبلغ السابع من الولد) ، وعلى شاكلة هذا لو اختار الرجل زوجة صالحة كان هناك أمل فى صلاح الأولاد، وبالعكس لو اختار الرجل زوجة غير صالحة نشأ الأولاد ، وقد نزعهم عرق من الأم ، ومن هنا كانت الوصية ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) ، وقال أبو الأسود الدولى لأولاده : قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا ، حيث اخترت لكم أما لا تسبون بها، فجناية الآباء تصيب الأبناء فى مثل هذه الأمور الدنيوية(10/14)
المرأة على منصب القضاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم تولية المرأة للقضاء ؟
An فى تولى المرأة للقضاء ثلاثة آراء :
الرأى الأول : وهو رأى الجمهور وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد، أنه لا يجوز، بناء على حديث رواه البخارى وغيره "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لأن منعها من القضاء أولى من منعها من الولاية العامة، قال ابن حجر فى " فتح البارى " : وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة فى القاضى إلا عند الحنفية ، واستثنوا الحدود ، وأطلق ابن جرير .
الرأى الثانى : جوازه مطلقا فى كل الأمور، ونسب إلى ابن جرير الطبرى ، بحجة أن الأصل أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى، ورد بأن شهادتها إذا كانت على النصف من شهادة الرجل بنص القرآن فهى لا تستقل بالحكم الذى هو نتيجة الشهادة ، وعلق الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية " على هذا الرأى بقوله : ولا اعتبار بقول يرده إجماع ، هذا ونص أبو بكر بن العربى على أن نسبة هذا القول إلى ابن جرير كاذبة ، كما قال الشيخ محمد الخضر حسين "الأهرام 27/ 6/1953" وانظر تفسير القرطبى ج 12 ص 184 .
الرأى الثالث : جواز قضائها فيما تصح فيه شهادتها ، وذلك فى غير الجنايات التى فيها حدود ، وهو منسوب لأبى حنيفة .
وقال أبو بكر بن العربى : مراد أبى حنيفة ولايتها فى جزئية لا أن يصدر لها (مرسوم) بولاية القضاء العام .
ووضح بعضهم رأى أبى حنيفة بقوله :
هناك مسألتان :
أولاهما : تولية منصب القضاء وهو غير جائز، وذلك كرأى الجمهور .
وثانيهما : نفاذ حكمها لو وليت .
فقالوا : إذا أثم الحاكم فى توليتها فحكمت فإن حكمها ينفذ إلا فى الأمور التى لا تصح شهادتها فيها ، وهى الحدود والقصاص " فتح القدير للكمال بن الهمام جـ 5 ص 486 " وأختار رأى الجمهور ، وأنصح المرأة أن تبعد عن هذه المجالات الدقيقة المحتاجة إلى فكر عميق ودراسة واعية ووقت طويل ، وهى بطبيعتها ومهمتها الأساسية تتحمل ما لا يطاق ، مع عدم وجود ضرورة تدعو إلى المزاحمة فى هذا المجال فالجديرون به كثير ، والمجالات الأخرى المناسبة لها كثيرة وفى غاية الأهمية، ولا يصلح المجتمع إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب ، أما إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضُيِّعت الأمانة وقربت الساعة(10/15)
توارث الزوجين بالعقد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عقد رجل قرانه على فتاة، وتوفى قبل الدخول بها ، فكيف يكون ميراثها، وهل يحق لها أن ترث فى المعاش المستحق له فى التأمينات الاجتماعية ، وهل يحق لابنه الزواج منها ؟
An ما دام عقد الزواج قد تم فكل من الزوجين يرث الآخر عند الموت سواء كان قبل الدخول أو بعده ، أما المعاش فله نظام خاص وإذا لم يعين المتوفى من يستفيد من معاشه يوزع كالميراث .
وليس لابنه أن يتزوج منها لأنها زوجة أبيه بمجرد العقد، قال تعالى :
{ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} النساء : 22 ، ويدخل فى النكاح هنا الزواج بلا وطء(10/16)
ملابس الحداد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يوجد نص فى الدين الإسلامى يشير إلى ضرورة ارتداء الملابس السوداء حدادا عند حدوث حالة وفاة ؟
An الحزن على الميت شىء طبيعى أقره الدين الإسلامى ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور وبالأصباغ سواء فى البدن أو فى الملابس ، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتى تضع الحمل إن كانت حاملا، وحتى تنتهى أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل ، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام ، وهذا الامتناع يطلق عليه اسم الحداد أو الإحداد . وهو غير جائز للرجال بل هو خاص بالنساء ، جاء فى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها أبو سفيان ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة -أى طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم- فدهنت به جارية ، ثم مست بعارضيها -أى صفحتى وجهها- ثم قالت : والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" .
ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن ، وذلك يختلف فى الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف ، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابس البيضاء هى المختارة للحداد فى بعض البلاد . والنبى صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا لما كان عند العرب فنهى عن الثوب المصبوغ بالعصفر لأنه من ملابس الزينة التى لا تتناسب مع الحداد .
وإذا كان اللون الأسود فى الثياب هو المختار فى بعض البلاد للحداد فليس ذلك لوجود نص عليه فى الدين ، وإنما هو راجع للعرف والعادة ، وقد ذكر الإمام السيوطى فى كتابه "الأوائل " أن أول ما لبس العباسيون السواد حين قتل مروانُ الأموى إبراهيمَ الإمام الذى ادعى الخلافة ، وصار السواد شعارا لهم ، وقيل إن المصريين اختاروا الملابس السوداء للحزن حدادا على شهداء الأقباط فى عصر "دقلديانوس " حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحى فى يوم واحد، فلبست نساؤهم الملابس السوداء .
والخلاصة أنه لا يوجد نص دينى فى القرآن والسنة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادا على المتوفى ، وإنما الموجود هو النهى عن الملابس التى تتنافى مع الحزن ، ويُترك تحديد ذلك للعرف ، مع التنبيه على أن الحداد خاص بالنساء وجوبا لفقد الزوج ، وجوازا لفقد أى قريب آخر، ولا حداد للرجل فعقله أقوى من عاطفته(10/17)
عدة الفراق والإحداد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى المدة التى تنتظرها الزوجة بعد فراق زوجها لتتزوج غيره ؟ وما هو المطلوب منها حال العدة ؟
An يقول الله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة : 228 ، ويقول {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق : 4 ، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب :
49 ، وقال تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة : 234 .
العدة مدة تتربص فيها المرأة ولا تتزوج حتى تنتهى ، وذلك عند انتهاء الحياة الزوجية ، وانتهاؤها يكون بالفراق أو الموت .
فإذا حصل فراق بالطلاق إن كان قبل الدخول فلا عدة على الزوجة ، وإن كان بعد الدخول وجبت العدة وهى ثلاثة قروء ، أى أطهار أو حيضات على خلاف للفقهاء فى معنى القرء، وذلك إن كانت ممن تحيض ، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض كالصغيرة والآيسة ، وإن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل ، وإذا حصل الفراق بموت الزوجة فلا عدة على الرجل عند الجمهور، وإذا حصل بموته كانت عدة الحامل وضع الحمل ، يعنى تنتهى بوضع الحمل ، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام .
وذلك من أجل التأكد من براءة الرحم والوفاء للحياة الزوجية والعشرة السابقة .
والفراق يلزمه الإحداد وهو الامتناع عن الزينة مدة العدة ، وعدة الوفاة مجمع على وجوب الإحداد فيها ، أما عدة الطلاق فالإحداد فيها اختلفت الأقوال فيه ، ما بين الوجوب وعدمه ، وما بين الوجوب فى الطلاق البائن وعدمه فى الرجعى .
ومظاهر الإحداد الامتناع عن كل ما يتنافى عقلا وشرعا وعرفا مع الحزن والأسف على الفراق ، وذلك كالطيب والأصباغ والمساحيق والاكتحال وما إلى ذلك مما كانت تتجمل به لزوجها حال حياته ، جاء فى سنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة . .. ولا تكتحل ولا تختضب " ، إلا إذا كانت هناك ضرورة لما منعت منه فى مثل الدواء .
وهذا الإحداد الواجب هو على موت الزوج فقط ، أما على موت غيره من أب أو أخ أو ابن مثلا فلا يجب هذا الإحداد ، وإنما يجوز لها لمدة ثلاثة أيام فقط ، ويمتنع أكثر من ذلك ، بدليل ما ورد فى الصحيحين أن زينب بنت أم سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبى حين توفى والدها أبو سفيان ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره ، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها ثم قالت : واللّه ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وفى هذا دليل على حرمة ما تلتزم به النساء من الحزن والإحداد على موت غير الزوج عاما أو أعواما وإذا حرم على المرأة حرم على الرجل ، فليس عليه إحداد لموت أحد لا زوجته ولا غيرها .
وبهذه المناسبة نقول : إن تجديد الحزن بعد موت الميت بخمسة عشر يوما أو أربعين يوما إو إقامة الميعاد السنوى وغير ذلك ليس من الدين فى شىء ، فالتعزية بعد ثلاثة أيام غير مشروعة ، وأكثر هذه المظاهر ميراث فرعونى قديم (تاريخ الحضارة المصرية للدكتور مراد كامل ج 2 ص 291 .) وكذلك عادة المبيت فى القبور وكسر أوانى الفخار عقب خروج الجنازة حتى لا تعود روحه وذبح الثور عند القبر (المرجع نفسه ج ا ص 234 .)(10/18)
العدة بين الرجل والمرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل للرجل المطلق عدة كما للمرأة ؟
An العدة مشروعة للمرأة للتأكد من براءة رحمها إذا كانت مطلقة وللإحداد على زوجها إذا كان متوفى عنها ، والأيات كلها تتحدث عن عدة المرأة .
{والمطلقات يتربصن بأنفسض ثلاثة قروء} البقرة : 228 ، {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} الطلاق :1 ، {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق : 4 ، {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة : 234 .
فالمرأة لا يجوز لها أن تتزوج غير زوجها إذا كانت فى العدة ، كما قال تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} البقرة : 235 .
فإذا كان الطلاق رجعيا ولم تنته العدة جاز للرجل أن يعيدها إلى عصمته بالرجعة قولا أو فعلا .
وما يقال إن على الرجل عدة فذلك ليس بعدة شرعية واجبة عليه ، وإنما هى عدة المرأة ، غاية الأمر أن الرجل المطلق لا يجوز له أن يتزوج أخت المطلقة ولا عمتها ولا خالتها ما دامت زوجته المطلقة طلاقا رجعيا لم تنته عدتها ، لأنها فى حكم الزوجة ، وكذلك لو كان متزوجا بأربع نسوة ثم طلق إحداهن طلاقا رجعيا لا يجوز له أن يتزوج خامسة حتى تنتهى عدتها .
فمنعه من الزواج فى هاتين الحالتين حتى تنتهى عدة المرأة ، يطلق عليه بعض الناس أن الرجل عليه عدة ، وليس كذلك ، إنما هو انتظار منه حتى تنتهى عدة المرأة(10/19)
مزاحمة الرجال النساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "لأن يزحم أحدكم خنزيرا متلطخا بالطين خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له "؟
An هذا حديث رواه الطبرانى عن أبى أمامة وقال عنه : إنه غريب ، أى رواه راو واحد ، وظاهر الحديث أن المزاحمة بالمناكب مع سترها ممنوعة فكيف إذا كانت غير مستورة؟ والحديث يدل على خطر الاحتكاك بين الجنسين بأية وسيلة من الوسائل ، فهو يؤدى إلى الفحشاء التى وضع الإسلام لها احتياطات كثيرة، كغض البصر وعدم الكلام اللين وعدم الخلوة .
ويؤيد ذلك حديث "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من ان يمس امرأة لا تحل له " رواه الطبرانى والبيهقى عن معقل ابن يسار، ورجال الطبرانى ثقات رجال الصحيح(10/20)
القواعد من النساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد بالقواعد من النساء المذكورات فى القرآن الكريم ؟
An سورة النور نزلت فيها أحكام كثيرة خاصة بالمحافظة على الأعراض ، من وضع عقوبات رادعة للتعدى عليها ، ومن آداب تتبع للوقاية من الوقوع فى الفاحشة المنكرة ، وقد أمر اللّه فيها ألا يبدى النساء زينتهن إلا ما ظهر منها، وأن يضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الداخلية التى من شأنها أن تستر -إلا لجماعة مخصوصين لا يخشى منهم السوء غالبا، كالمحارم- وكل ذلك للحفاظ على المرأة وعلى سمعتها وسمعة أهلها ، وبعدا بالمجتمع عن الفوضى والفساد .
والمرأة يجب عليها ستر كل جسمها عن الأجانب بما لا يصف ولا يشف ، مع آراء فى كشف الوجه والكفين عند عدم الفتنة، وكل ذلك فى الشابة أو غير المتقدمة فى السن . أما العجوز فقد جاء فيها قوله تعالى {والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وأن يستعففن خير لهن واللّه سميع عليم } النور:65 .
والقواعد جمع قاعد ، وهى العجوز التى قعدت عن التصرف من أجل كبر السن ، وقعدت عن الولد والعادة الشهرية كما قال أكثر العلماء ، وقال ربيعة : هى التى إذا رأيتها تستقذرها من كبرها . ومعنى وضع الثياب : خلعها ، والمراد أن العجوز لا حرج عليها فى أن تتخفف من بعض ثيابها الكثيفة التى كانت معتادة عند الخروج لزيادة التصون والستر، بمعنى أنه يجوز لها أن تخلع خمارها الذى يستر رأسها، أولا لثقله عليها وهى المسنة، وثانيا لأن شيب شعرها لا يفتن من يقع نظره عليه ، وبخاصة أنها فى الغالب ملازمة للبيت لا تخرج منه لغير ضرورة، وقد يدخل رجل أجنبى فلا عليها أن يرى بعض شعرها، ومع ذلك فالاستعفاف بدوام الستر أفضل ، وكل هذا بشرط ألا يكون هناك تبرج وظهور بالزينة المغرية ، كوضع أصباغ وغيرها من أجل لفت الأنظار إليها على الرغم من كبر سنها ، فإن ذلك حرام لسوء القصد .
ومع ذلك فقد قال بعض العلماء : إن العجوز كالشابة فى وجوب الستر الكامل ، ومعنى وضع ثيابها هو خلع الجلباب أو العباءة التى فوق غطاء الرأس للتخفيف مع بقاء الرأس مستورا، ومهما يكن من شىء فليكن هناك حساب للفتنة وحساب للقصد والنية وأثر التطور والظروف فى ذلك(10/21)
المرأة والانتخاب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية؟
An من ضمن ما حصلت عليه المرأة المسلمة حديثا حق إعطاء صوتها لمن يرشح لبعض المجالس ، فى ظل الحكم الديمقراطى، وليس فى إعطائها هذا الحق أو ممارسته ما يمنعه شرعا ، وبخاصة إذا طلب منها ذلك ، فهو لا يعدو أن يكون شهادة بصلاحية شخص أو عدم صلاحيته ، وقضية التواصى بالحق والتناصح تؤكد هذا الحق .
لكن العلماء اشترطوا فيمن يختارون الخليفة : العدالة الجامعة لشروطها ، والعلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها ، والرأى والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح للامامة وبتدبير المصالح أقوم وأعرف .
وإذا كانت هذه الشروط لم تتحقق حتى فى الرجال ، حيث إن الانتخاب فى الدساتير المعمول بها فى كثير من البلاد الإسلامية لا يحتم وجودها ، فهل يمكن أن تتحقق فى النساء؟ وإذا أمكن أن تتحقق فهل يوجد ذلك فى عالم الواقع ، ذلك يحتاج إلى نظر. "الأحكام السلطانية للماوردى ص 6 " .
أقول هذا لأن الدساتير الحالية تعطى حق الترشيح لمن أعطى حق التصويت ، فلو أن الأمر اقتصر على إعطاء صوتها إذا وجدت فيها المواصفات التى ذكرها الماوردى ما كان هناك اعتراض ، لكن الذين ينادون بإعطائها هذا الحق يربطون بينه وبين حق الترشيح لتمثيل الشعب فى المجالس التشريعية ، وبالتالى إذا اشتركت فى انتخاب الإمام أو الحاكم جاز لها الترشيح لهذا المنصب ، فالتصويت سلم للترشيح ، والقوانين الوضعية لا تلتزم حدود الدين فى الوقوف عند منح امتياز معين .
ومن هنا لا يجوز القول بجواز تصويتها لأنه وسيلة إلى ممنوع ، كما قررته لجنة الفتوى بالأزهر ونشر فى المجلة فى يونية 1952 م ، ونصها مذكور فى ص 448 من الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ، وجاء فيها: أن وسيلة الشىء تأخذ حكمه ، وأن حركة عائشة ضد على رضى الله عنه لا تعد تشريعا وقد خالفها فيها كثيرون ، وأن مبايعة النساء للنبى لا تثبت زعامة ولا رياسة ولا حكما للرسول ، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين ثم ذكرت اللجنة عدم جواز ترشيح المرأة للمجالس التشريعية ، لأن فيه معنى الولاية العامة وهى ممنوعة بحديث البخارى وغيره : "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا ما فهمه أصحاب الرسول وجميع أئمة السلف ، ووضحت المبررات لذلك ، ثم ذكرت أن منع المرأة من التصويت والترشيح لم ينظر فيه إلى شىء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين ، أما ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير إلى نهايته فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك ، مما نشفق على المرأة أن تزج بنفسها فيها ، ويجب تقدير الأمور وتقدير الأحكام على أساس الواقع الذى لا ينبغى إغفاله أو التغافل عنه .
هذا ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1952 ، فهل يقبل فى هذه الأيام أو يرفض ؟ وهل للمادة الثانية فى الدستور المصرى اعتبار فى التشريع ؟(10/22)
الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q خطبنى شاب فوافق أبى عليه وقرأ الفاتحة معه ،ثم تبين أنه ليس على ما كنا نظن فيه ، فهل يجوز نقض الفاتحة وفسخ الخطبة أم أن ذلك حرام ؟
An الوعد بالزواج لا يلزم الوفاء به ، وبخاصة إذا ظهر ما يبرره ، وفترة الخطبة فترة اختبار وامتحان واستطلاع ، لا تترتب عليها حقوق ، ويجوز لكل من الطرفين أن يعدل عن الوعد على الرغم من قراءة الفاتحة، فالفاتحة ليست عقدا ، ولكن قراءتها من باب التبرك بها .
ومهما يكن من شىء فإن الوفاء بالوعد -كما قال ابن حجرالهيتمى فى كتابه "الزواجر" الجزء الأول ص 109- مندوب عند الشافعية وليس بواجب ، ومخالفة المندوب جائزة ليست حرمة ولا عقوبة عليها، والنصوص الواردة بالأمر بالوفاء هى فى العهود والعقود ، والفرق بينهما وبين الوعود يرجع فيه إلى الكتاب المذكور(10/23)
زواج المسلم بالكتابية فى الكنيسة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى بعض البلاد غير الإسلامية يصرون على أن المسلم لو تزوج بكتابية فلا بد من عقد الزواج بالكنيسة، فهل يعتبر ذلك حراما، مع أنه لم ينطق بكلمة مما يقوله القسيس ؟
An إذا تم زواج المسلم بالمسيحية على الطريقة المدنية - بإيجاب وقبول وحضور شاهدين مسلمين كان الزواج صحيحا شرعا ، أما إجراوه فى الكنيسة على الطريقة المعهودة عندهم فلا يصح ، وإذا تحتم العقد فى الكنيسة فليكن بعد إجراء العقد على الطريقة الشرعية فى أى مكان آخر، وإلا فليكن العقد بعد الانتهاء من إجراءات الكنيسة، أما إذا لم يتحتم العقد فى الكنيسة فلا حاجة إلى الذهاب إليها والعقد بها .
"الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1927 "(10/24)
عقد الزواج فى شهر المحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن عقد الزواج فى شهر المحرم حرام أو شؤم ، فهل هذا صحيح ؟
An روى البخارى من طريق عروة أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت : تزوجنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شوال ، وبنى بى فى شوال ، فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى؟ قال عروة : وكانت عائشة تستحب أن تُدخل نساءَها فى شوال .
لقد حرص كثير من الناس على تحرى عقد الزواج فى يوم معين من الأسبوع ، أو شهر معين من السنة ، تحريا يترتب عليه أحيانا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغيب عن فشل الزواج إن خولف فيه المعتاد من هذه الأوقات .
وهذه عادة جاهلية ترد على بطلانها السيدة عائشة بهذا الحديث ، فقد كانوا يتطيرون أى يتشاءمون من شهر شوال ، لما فى اسمه من معنى الإشالة والرفع ، فيقال عندهم : شال لبن الناقة أى ارتفع وقَلَّ ، ويقال : شالت الناقة بذنبها إذا امتنعت عن الفحل أن يطرقها . فهم يخافون أن تمتنع الزوجة عن زوجها إذا أرادها ، ويقال : شالت نعامتهم إذا ماتوا وتفرقوا ، والنعامة يراد بها الجماعة ، فالمهم أنهم كانوا يتطيرون بهذا الشهر ويمتنعون عن الزواج فيه .
وقد ذكرت كتب السيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم عقد لفاطمة بنته عَلَى عِلىٍّ بن أبى طالب بعد بنائه بعائشة بأربعة أشهر ونصف الشهر، وحيث قد علمنا أن زواجه وبناءه بعائشة كان فى شوال فيكون زواج فاطمة فى شهر صفر، وذكر بعضهم أنه كان فى أوائل المحرم .
ومهما يكن من شىء فلا ينبغى التشاؤم بالعقد فى أى يوم ولا فى أى شهر، لا فى شوال ولا فى المحرم ولا فى صفر ولا فى غير ذلك ، حيث لم يرد نص يمنع الزواج فى أى وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة(10/25)
سكن المطلق مع مطلقته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل طلق زوجته طلاقا بائنا ولم يجد مسكنا لأولاده حيث ستكون هى حاضنة لهم ، إلا السكن الذى هو فيه ، فهل يجوز أن يسكن هو فى هذا البيت أم لا بد من الفصل بينه وبينها بمسكن آخر؟
An إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبية عن زوجها فى بعض الأحكام . وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى أو كبرى فلا يحل له أن يتمتع بها بأى نوع من أنواع التمتع بل يحرم عليه أن يختلى بها أو ينظر إلى غير وجهها وكفيها ، أما إذا كان الطلاق رجعيا فله كل ذلك ما دامت فى العدة ، لأنها فى حكم الزوجة .
ومن المقرر شرعا أن المطلقة طلاقا بائنا لها الحق فى حضانة أولادها الصغار ما لم تتزوج ، ونفقتهم ونفقة حضانتها على أبيهم ، ومن النفقة إعداد المسكن اللائق لذلك ، وهو مسكن لها ولا صلة للمطلق به . فإن لم يجد لها مسكنا أو لم يجد هو لنفسه مسكنا يستقل فيه بعيدا عن مسكنها فلولى الأمر تمكينه من البقاء فى مسكن الزوجية السابقة،وذلك بصفة مؤقتة - نظرا لأزمة المساكن فى بعض البلاد- حتى يجعل الله له من بعد عسر يسرا، على شرط أن يكون وجوده فى هذا المسكن المشترك كالرجل الغريب تماما عنها ، وذلك من حيث حرمة النظر والخلوة والملامسة وغيرها . فلكل منهما غرفة أو جزء من المسكن مستقل ، كأنهما نازلان فى فندق ، وإن كان الالتزام بذلك صعبا جدا .
وهذا -كما قلت- إجراء مؤقت حتى يستقل كل منهما بمسكن ، وللضرورة أحكام ولا تظهر هذه الصعوبة إلا إذا كان هناك أولاد يحق لها حضانتهم ، التى قد تستمر سنوات طوالا، أما إذا لم يوجد أولاد للحضانة فالأمر سهل ، وهذا إجراء يجب أن يعطينا درسا فى التفكير أكثر من مرة عند الزواج وعند الطلاق . "انظر فتوى الشيخ أحمد هريدى سنة 1965 فى الفتاوى الإسلامية- المجلد السادس ص 2200"(10/26)
الزوجة تكون فى الجنة لآخر أزواجها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تزوجت امرأة فى حياتها أكثر من زوج ، أحدهم بعد الآخر ، فإذا ماتت ستكون زوجة للأول أم للآخر ؟
An هناك رأيان للعلماء فى ذلك ، رأى يقول : إنها لآخر أزواجها ، ودليله أن هجيمة بنت حُيى الأوصابية أم الدرداء الصغرى خطبها معاوية بن أبى سفيان ، فأبت وقالت : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "المرأة لآخر أزواجها" ولست أريد بأبى الدرداء بديلا، وهو حديث صحيح رواه الطبرانى وأبو يعلى برجال ثقات ولفظه : "أيما امرأة توفى عنها زوجها فتزوجت بعده فهى لآخر أزواجها" "المطالب العالية لابن حجر ج 2 ص 67 ، والجامع الصغير" . وكما فعلت أم الدرداء فعلت زوجة حذيفة "تفسير القرطبى سورة الأحزاب ص 229" .
ورأى يقول : إنها ستكون لأحسنهم خلقا، وإن خيرت بينهم اختارته ، واستأنس هذا الرأى بحديث رواه الطبرانى فى معجمه الكبير، عن أنس قال :
قالت أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت المرأة يكون لها زوجان فى الدنيا فتموت ويموتان ويدخلون الجنة، لأيهما تكون ؟ قال "لأحسنهما خلقا كان عندها فى الدنيا، يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخيرى الدنيا والآخرة" إحياء علوم الدين ج 3 ص 45 ، فلنترك الأمر إلى الله ، فهو من المغيبات التى لا نلتزم فى اعتقادها إلا بخبر قاطع فى ثبوته ودلالته ، ولعل القول بأنها تكون لأحسنهم خلقا أنسب لما تكون عليه الجنة من نعيم عظيم لا غل فيه ولا هم ولا حزن(10/27)
نفقة علاج الزوجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجب على الزوج نفقة علاج زوجته ، أم أن النفقة عليها هى ؟
An قال اللّه تعالى {وعاشروهن بالمعروف } النساء : 19 وقال صلى الله علية وسلم "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . " رواه مسلم ، وحذر من التقصير فى ذلك فقال "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يَقُوت " رواه أبو داود وروى مثله مسلم .
وقد فصل العلماء هذه المعاشرة المطلوبة وأنواع النفقة اللازمة، من غذاء وكساء ومسكن ومتعة وخدمة، وما يعتاد فى المواسم والمناسبات "يراجع الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 203" .
ومن جهة علاجها قال الذين أوجبوا لها ما تطلبه الحامل أثناء الوحم ، بوجوب علاجها من المرض ، فإن المرض له دخل كبير فى التأثير على تمتعه بها ، وعلاجها فهو من المعاشرة بالمعرف ، وللفقهاء اجتهاد فى ذلك . وفقهاء الشافعية "الإقناع للخطيب ج 2 ص 191 " لا يوجبون على الزوج ثمن الدواء ولا أجر الطبيب ، متعللين بأن ذلك لحفظ الأصل ولا صلة له به ، وكيف يقال ذلك والمرض مانع أو منغص على الزوج متعته وما يلزمها وما تقوم به الزوجة من واجبات الأسرة ؟ مثل الشافعية قال الحنابلة "معجم المغنى ص 970 " .
وفى القانون المصرى للأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979 م نصت المادة 2/ 4 على أن النفقة تشمل الغذاء والكساء والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقض به العرف "الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص 1387 " .
وتجهيزها من الموت إلى الدفن بدون إسراف ولا تبذير يكون على الزوج كما ذهب إليه أبو يوسف من الأحناف ، وصدر به قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 " مادة 4 " الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1938(10/28)
طلاق زوجة الغائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى شاب عقد قرانه علي ابنة عمه وسافر إلي الخارج منذ خمس سنوات ولم يدخل بها ، وفى كل عام يرسل خطابا يقول إنه سوف يحضر ثم لا يحضر فهل لها حق الطلاق ؟
An إذا غاب الزوج ولم تصبر الزوجة ولم تتحمل وخيف عليها من السوء كان لها أن تطلب التفريق ، ويجيبها القاضى إلى مطلبها بطلاق بائن ، بعد عمل الإجراءات اللازمة .
واختلف أصحاب الإمام مالك القائلون بذلك فى الحد الأدنى للغيبة التى تعتبر إضرارا بالزوجة وتسوغ لها طلب التفريق ، فقدَرها بعضهم بثلاث سنين ، وقدرها آخرون بسنة، وبهذا الرأى جاء القانون رقم 25 لسنة 1929م كما يلى :
مادة (12) -إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضى طلاقها بائنا إذا تضررت من بُعده عنها ولو كان له مال يستطيع الإنفاق منه .
مادة (13) - إذا أمكن وصول الرسائل إلى الغائب وضرب له أجلا وأعذر إليه بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه - فإذا انقضى الأجل ولم يفعل ولا يُبد عذرا مقبولا فرق القاضى بينهما بتطليقة بائنة ، وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضى عليه بلا إعذار وضرب أجل(10/29)
عقد الزواج بالإشارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى حاله زواج مسلم من كتابية لا تتحدث باللغة العربية وليس لها ولى ، هل يكتفى بأخذ موافقتها فقط بالإشارة كالإيماء برأسها، أم أخذ شهادة اثنين من أهل الكتاب حيث لا يوجد شهود مسلمون ؟
An جمهور الفقهاء على أنه لا يشترط فى عقد الزواج أن يكون باللغة العربية، بل يصح باللغة التى يفهم بها كل طرف ما يقوله الطرف الآخر .
أما الولى فهو ضرورى عند الجمهور، وعند الحنفية يجوز للمرأة الرشيدة أن تزوج نفسها بدون ولى .
والقادر على الكلام لا يصح عقد زواجه بالكتابة فقط ولا بالإشارة وحدها، أما العاجز عن الكلام فإن كان لا يحسن الكتابة ينعقد الزواج بالإشارة المعروفة ، لأنه لا سبيل إلى التعبير عن إرادته إلا بها .
أما إن كان يحسن الكتابة فعند أبى حنيفة روايتان : الأولى- يصح العقد، لأن المقصود معرفة الغرض بأية وسيلة، ويستوى فى ذلك الإشارة والكتابة، والرواية الثانية : لا يصح العقد بالإشارة ولا بد من الكتابة ، والعمل فى مصر على الرواية الثانية .
وإذا لم يتيسر وجود شاهدين مسلمين صح العقد بشاهدين كتابيين عند أبى حنيفة وأبى يوسف ، ولا يصح عند الأئمة الثلاثة ومحمد بن الحسن ونفر من الحنفية ، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وأبى يوسف "أحكام الأسرة فى الإسلام ص 102 ، 104 ، 105 ، 128"(10/30)
الاختلاط فى العمل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى العمل بالشركات مع الرجال والنساء الأجانب غير الملتزمات بالملابس التى تراعى الآداب والأخلاقيات ، وإذا لم أجد عملا إلا فى هذا الجو فماذا أفعل ؟
An العمل بأية مؤسسة فيها رجال ونساء مثل المشى فى الطرقات وارتياد الأسواق والاجتماعات العامة، وعلى كل جنس أن يلتزم بالآداب الموضوعة فى الشريعة، التى من أهمها ما جاء فى قوله تعالى : {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } النور: 30 ، وقوله :{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن . . .} النور: 31 ، وما جاء فى السنة النبوية من عدم الخلوة المريبة والملامسة المثيرة والكلام الخاضع والعطر النفاذ والتزاحم إلى غير ذلك من الآداب .
ومع حفاظ كل جنس على الآداب المطلوبة عليه أن يوجه من يخالفها ، من منطلق قوله تعالى : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة : 71 ، وذلك بأسلوب حكيم يرجى منه الأمثال ، أو على الأقل تبرأ به ذمته من وجوب الوعظ على كل حال كما قال تعالى : {واذ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } الأعراف : 164 .
ولا يجوز السكوت على مخالفة الآداب اعتمادا على قوله تعالى {عليكم أنفسكم . لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } المائدة : 105 ، فالاهتداء لا يكون إلا بعد القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما جاء فى نصوص أخرى، وإن لم ينتج النصح ثمرة وجب الإنكار بالقلب ، وهو يظهر فى معاملة المخالفين معاملة تشعرهم بعدم الرضا عنهم ، فقد يفكرون فى تعديل سلوكهم .
ومن العسير أن يترك الإنسان العمل فى مثل هذا المجال المختلط ، فالمجالات كلها أو أكثرها فيها هذا الاختلاط ، سواء على المستوى المحلى أو العالمى ، فعلى من يلجا إلى هذا العمل أن يلتزم بالآداب مع القيام بواجب النصح بالحكمة والموعظة الحسنة(10/31)
المرأة رئيسة فى العمل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن تكون المرأة رئيسة على الرجل فى العمل مع أن الله يقول {الرجال قوامون على النساء}؟
An رئاسة المرأة للرجل فى أى عمل لا تكون ممنوعة إلا فى الرئاسة أو الولاية العامة التى جاء فيها الحديث الصحيح "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخارى وغيره . وذلك أمر اتفق عليه العلماء ، لخطورة هذه الولاية وحاجتها إلى مواصفات عالية فيمن يتولاها ، وبدون نقاش "الرجال اقدر من النساء فى هذا المجال " وليس هذا تحيزا أو تعصبا ، فالحياة أساسها التعاون ولا يتم الخير إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب ، كما سبق أن ذكرناه فى حق المرأة فى العمل .
وآية {الرجال قوامون على النساء} النساء : 34 تفيد معنى المسئولية الواجبة على الرجال نحو النساء إن كن بنات أو زوجات بالذات ، وذلك لوجوب الإنفاق والرعاية ، ومؤهلات هذه المنزلة مذكورة فى الآية نفسها،{بما فضل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } والواجب هو الاعتراف بالواقع الفعلى الذى خلق عليه الرجل والمرأة وبالنصوص المؤكدة لذلك .
ومهما أعطى من معنى "القوامة" بأنها رئاسة أو غيرها فإن المرأة لا تمنع منها إلا كما قلت فى الولاية العامة، وبشرط أن تكون محافظة على جميع الآداب الشرعية عند خروجها لأى عمل من الأعمال ، حفاظا عليها وعلى غيرها مما لا يمكن تجامله .
والرئاسة فى الأعمال الأخرى مدارها على الكفاية والخبرة والأمانة التى لخصها سيدنا يوسف فى قوله {قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم } يوسف :55 ، وأشارت بها بنت شعيب عليه لاستئجار موسى {إن خير من استأجرت القوى الأمين } القصص : 26 .
والنصوص فى شرط الكفاءة فى مزاولة أى عمل كثيرة، يستوى فى ذلك الرجل والمرأة وفى الحديث "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قيل : وكيف إضاعتها؟ قال "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخارى(10/32)
المرأة وكحل العين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تخرج وهى مكحلة العينين يراها الأجانب ؟
An كان الكحل معروفا عند العرب قبل الإسلام ، يستعمله الرجل والنساء للدواء والزينة، والإسلام فى احتياطه لصيانة الأعراض ومنع الفتنة أمر بالامتناع عن كل ما يغرى بالسوء ، وأمر المرأة بالذات بستر مفاتنها فقال تعالى{ولا يبدين زينته ق إلا ما ظهر منها} النور: 31 ، والظاهر المعفو عنه فيه خلاف للمفسرين ، يقول القرطبى :
الزينة قسمان ، خلقية ومكتسبة ، فالخلقية وجهها، والمكتسبة كالثياب والحلى والخضاب والكحل ، ومنه قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف : 31 ، وعلى هذا فالكحل فى العينين من الزينة الظاهرة المعفو عنها ، وذلك للحاجة إلى كشف العينين بالذات تبعا لكشف الوجه الذى جاء الترخيص به وبكشف الكفين .
غير أنى أنبه إلى أن الكحل إذا كان زينة معفوا عن إبدائها فالمراد به ما لا يكون مبالغا فيه يلفت النظر، وما لا يقصد به الفتنة، لأن الكحل العادى قد تكون العين فى غير حاجة إليه إذا كانت جميلة بالطبيعة بما يعرف باسم "الكَحَل " أما ما يزيد على ذلك مما يتفنن فيه نساء العصر فإن المقصود منه غالبا ليس تحسين العين لذات التحسين ، بل الفتنة والإعجاب بما استحدث من أصباغ ذات ظلال وألوان خاصة للجفون وما يتبعها من أهداب صناعية وغيرها ، وكل هذا لا يقر الإسلام أن يطلع عليه الرجال الأجانب ، إلى جانب النية التى جاء فيها الحديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" رواه البخارى ومسلم ، والقياس على التعطر الذى يقصد به أن يجد الرجال ريحها وهو دليل الفساد .
فليتق الله النساء فإنهن بغير زينة فتنة ما بعدها فتنة، وليحس كل رجل مسئوليته نحو أهله ، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} التحريم : 6(10/33)
فاطمة ورأيها فى الاختلاط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقال إن السيدة فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم ترى وجوب الفصل بين الرجل والمرأة ، فهل هذا صحيح ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن عليا رضى الله عنه سيتزوج على ابنته فاطمة لم يوافق على ذلك وقال "فاطمة بضعة منى يريبنى ما راباها ويؤذينى ما آذاها " وروى البزار والدارقطنى من حديث على رضى الله عنه أنه قال : كنت ذات يوم عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال "أى شىء خير للمرأة"؟ فسكتنا جميعا ولما رجعت سألت فاطمة فقالت : ألا ترى رجلا، ولا يراها رجل . ثم أخبرت بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال "من علَّمك هذا" ؟ فقلت : فاطمة قال "إنها بضعة منى" وفى بعض الروايات أن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى سألها ذلك ، ولما أجابت ضمها إليه وقال "ذرية بعضها من بعض " يقول العراقى فى تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى ج 2 ص 43 إن سنده ضعيف .
فالحديث وإن كان معناه صحيحا إلى حد كبير، إلا أن نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نسبة ضعيفة السند، وليس كل معنى مقبول يلزم أن يكون صادرا عمن نسب إليه ، فأما كون فاطمة بضعة من أبيها عليه السلام فذلك صحيح لا شك فيه ، وأما كون الرأى وهو عدم اختلاط الرجال بالنساء إلا فى أضيق الحدود، مقبولا فإن الواقع يشهد له ، والأدلة فى القرآن والسنة بعمومها تؤيده ، وإن كانت نسبته إلى السيدة فاطمة رضى الله عنها غير مجزوم بها .
هذا ، وما جاء فى الكتب المطبوعة حديثا من أن هذا الحديث صححه الترمذى وابن حبان وأخرجه الأربعة لا يطابق الواقع بعد البحث والتحرى ، ويرجى تدارك ذلك فى المستقبل إن شاء الله "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام - ج 2 ص 93 " ، "الصبان على هامش مشارق الأنوار" ص 162(10/34)
خضراء الدمن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هن الحديث ما يقال "إياكم وخضراء الدمن "قالوا :
وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال "المرأة الحسناء فى المنبت السوء"؟
An هذا الحديث رواه الدارقطنى ، وذكره الإمام الغزالى فى كتابه "الإحياء " ورواه العسكرى فى كتابه "الأمثال " من طريق أبى سعيد الخدرى ، وقد تفرد به الواقدى . وقال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء : إنه حديث ضعيف .
والدمن جمع دِمْنَة وهى-كما قال ابن الأثير فى النهاية - ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ، أى تلبده فى مرابطها ، وربما نبت فيها النبات الحسن النضير .
والمراد من الحديث النهى عن تزوج المرأة لمجرد الإعجاب بحسنها وجمالها دون النظر إلى دينها وخلقها، فهى تشبه النبتة الرائعة فى مظهرها ولكنها تعيش فى وسط قذر، أو تستمد جياتها من منبع غير كريم ، ومثل هذه المرأة لا تؤمن الحياة الزوجية معها .
وقد جاء فى حديث البخارى ومسلم "تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وهو دعاء عليه بالفقر والتصاق يده بالتراب إن لم يفعل ذلك(10/35)
شهادة الكتابى على زواج المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز شهادة غير المسلم على عقد زواج المسلم ؟
An يشترط فى الولى والشاهدين على عقد الزواج الإسلام ، والأئمة متفقون على شرط الإسلام فى الولى إلا إذا كانت الزوجة كتابية ، فيجوز أن يكون وليها غير مسلم .
وأما فى الشهادة فالأكثرون على اشتراط الإسلام حتى لو كانت الزوجة كتابية ، وأبو حنيفة وأبو يوسف أجازا أن يكون الشاهدان غير مسلمين فى هذه الحالة، ويقال : إن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ابن عفان رضى الله هذه كان وليها أخاها "ضبا" وكان مسلما كما ذكره ابن قتيبة فى كتابة "عيون الأخبار"ج 4 ص 46 .
والدليل على رأى الفقهاء فى اشتراط الإسلام فى الشاهدان أن الشهادة فيها معنى الولاية ، وقد قال تعال {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: 141 ، وهو دليل على رأى الجمهور فى اشتراطه حتى لو كانت الزوجة غير مسلمة ، وذلك لمنع ولاية غير المسلم على عقد فيه مسلم . واعتمد أبو حنيفة وأبو يوسف على أن الشهادة هى على الزوجة، فلا توجد ولاية لغير مسلم على مسلم . ورده الجمهور باشتراك الزوج فى هذه الشهادة ، وبأن الإشهار والإعلان لا يتحقق بين المسلمين بغير المسلمين .
هذا، وعمل المحاكم المصرية على رأى أبى حنيفة وأبى يوسف(10/36)
بالرفاء والبنين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سعنا أنه لا يجوز أن يقال فى التهنئة بالزواج بالرفاء والبنين ، فهل هذا صحيح ، وما معنا هذه الكلمة؟
An من السنة أن يتقدم الناس بتهنئة العروسين والدعاء لهما بالبركة ، بناء على التوجيهات العامة بالمشاركة الوجدانية بين المسلمين ، أى الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم ، ففى سنن الترمذى وأبى داود وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تزوج الإنسان قال له "بارك الله لك وبارك عليك ، وجمع بينكما فى خير " وهذا الحديث كما يقول الترمذى :
حسن صحيح .
ويكره عند التهنئة أن يقال : بالرفاء والبنين ، كما ذكره النووى فى كتابه "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" ص 281 ، فقد تزوج عقيل ابن أبى طالب امرأة من بنى جشم ولما ذهبوا إليه ليهنئوه قالوا : بالرفاء والبنين ، فقال لهم : لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم بارك لهم وبارك عليهم " رواه النسائى وابن ماجه وروى أحمد مثله ، وفى رواية له "لا تقولوا ذلك ، قولا بارك الله لها فيك ، وبارك فيها" .
يقول ابن الأثير فى "النهاية" . الرفأ هو الالتئام والاتفاق والبركة والنماء ، ومنه قولهم : رفأت الثوب رفءا ، ورفوته رفوا ، وإنما نهى عنه كراهية لأنه كان من عادتهم ، ذكر ذلك الشوكانى فى "نيل الأوطار" وابن مفلح فى "الآداب الشرعية" .
والخلاصة أن الكلمة معناها جميل ، لأنها دعاء بالوفاق والبركة بين الزوجين ، و دعاء بذرية البنين ، وهو خير ، والدعاء بالخير غير ممنوع ، لكن قال العلماء بكراهة هذه العبارة، لأنها كانت من عادات الجاهلية، وبخاصة الدعاء للبنين الذى يدل على ما كان عندهم من كراهية البنات ، والأولى أن يقال ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم(10/37)
سر الزوجين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للزوج أو الزوجة أن يفشى السر الخاص بينهما لطلب مشورة أو حل مشكله ؟
An إفشاء السر له خطورته ، وبخاصة إذا كان فى الأمور الهامة، على المستوى العام كأسرار الدول والحكومات ، وعلى المستوى الخاص كأسرار الأسر والشركات والجماعات ، وإفشاء السر منهى عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحقوق الغير، فى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى وحسَّنه "إذا حدَّث الرجل الحديث ثم التفت فهى أمانة" وفى تاريخ الإسلام أحداث كان إفشاء السر فيها خطيرا ، من ذلك نقل حاطب بن أبى بلتعة سر مسيرة النبى وصحبه لغزو مكة، ولم يعصمه من القتل إلا أنه قد شهد بدرا ، وكان قصده حسنا ، ونقل بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حديثه إلى بعضهن كما قال تعالى {وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض } التحريم : 3 .
ومن الأسرار التى لها حرمتها ما يحصل بين الزوج وزوجته فى الخلوة الخاصة، وقد أخرج أحمد بن حنبل عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنها كانت عند الرسول والرجال والنساء قعود عنده فقال "لعل رجلا يقول ما فعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرمَّ القوم ، أى سكتوا ، فقالت يا رسول الله ، إى والله إنهم ليفعلون ، وإنهن ليفعلن ، فقال ما معناه : "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فكان منهما ما كان والناس ينظرون " وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفض إلى المرأة وتفضى إليه ، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه " .
هذا فى السر الخاص ، أما الأسرار الأخرى للبيوت فلا ينبغى إفشاؤها لغير من تهمهم مصلحة الأسرة من الأقارب ، بل إن البيوت الكريمة تحاول أن تخفى أسرارها حتى عن أقرب الناس إليها ، لأن السر إذا خرج أوغر الصدر، إلى جانب ما يترتب عليه من آثار ضارة ، أقلها الشماتة عند معرفة العيوب التى يشكو منها أحد الزوجين ، وكثير من الناس يتصيدون أخبار البيوت للإفساد، وللنساء فى مجالسهن الخاصة أحاديث متشعبة وخبر أم زرع بشأن النسوة اللاتى تحدثن عن أزواجهن معروف .
على أنه لا بأس بإفشاء بعض الأسرار عند الحاجة بقصد الإصلاح ، كما شكت هند إلى النبى تقتير زوجها أبى سفيان ، وذلك عند التقاضى ، أما الحديث لمن لا يرجى عنده إصلاح فممنوع ، ففى حديث مسلم "ومن ستر مسلما ستر الله فى الدنيا والآخرة" ومن كتم سره كان الخيار بيده(10/38)
غياب الزوج عن زوجته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يسافر بعض الأزواج إلى بلد آخر لطلب العلم أو كسب العيش ويترك زوجته وأولاده ، فما موقف الدين من ذلك ؟
An معلوم أن الزواج شركة يتعاون فيها الزوجان على توفير الأمن والراحة والسكن لكل منهما ولمن يأتى من ذريتهما ، وحتى يكون هذا التعاون نابعا من الأعماق قوى الرسوخ فى النفس ربط الله بينهما برباط وثيق هو الشهوة والعاطفة ، وبخاصة حين يحسان أن ثمرة اللقاء ستكون مولودا يشبعان به عاطفة الأبوة والأمومة، ويقدمان له أعز ما عندهما ويستعذبان فى سبيل توفير الراحة والسعادة له كل صعب وشاق .
وحين يبتعد أحد الزوجين عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران أحدهما يحتاجه الجسد والآخر يحتاجه القلب ، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق ، وربما أحدث مرضا أو أمراضا ، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين ، وحصانة من أخلاق .
جاء فى المأثور أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال الرعية ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بعد زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين ، ولولا تمسكها بدينها ووفاؤها لزوجها لانحرفت ، فرقَ عمر لحالها ، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله .
وبالرغم من ترك الغائب لأهله النفقة اللازمة ، فإن عليه حقوقا لزوجته وأولاده غير ذلك ، والناس مختلفون فى الشعور بأداء هذا الحق ، ولئن كان عمر جعل أمد البعد أربعة أشهر فى بعض الروايات فلعل ذلك كان مناسبا للبيئة والظروف التى ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفة ، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكبار، ويختلف من زوجة فيها دين وخلق قوى إلى من ليس عندها ذلك ، والزوج هو الذى يعرف ذلك ويقدره .
وإذا كنت أنصح بتحمل بعض الآلام لمصلحة الأسرة ماديا فإني أنصح الزوج أيضا بألا يتمادى فى البعد ، فالسعادة النفسية باللقاء على فترات متقاربة لها أثرها فى سعادة الأسرة .
ويراجع فى الجز الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام توضيح حق إعفاف الزوج لزوجته(10/39)
عودة الزوج الغائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى زواج امرأة بعد سفر زوجها، وانقطعت صلته بها عشر سنوات ولكنه عاد بعد زواجها بسنتين ؟
An إذا غاب الزوج لا يجوز للزوجة أن تتزوج إلا بعد رفع أمرها إلى القضاء ليتخذ الإجراءات اللازمة لاستدعائه أو للحكم بفقده ، أما أن تتزوج هى بغير ذلك فإن زواجها باطل ، وتبقى على ذمة زوجها الأول ، تعود إليه عند عودته حتى لو تزوجت بغيره ، لأن الزواج باطل .
وإذا حكم القاضى بفقد الزوج بعد الإجراءات المعروفة ثم تزوجت وعاد زوجها فالقضاء يعيدها إلى زوجها الأول إن لم يكن الزوج الثانى قد دخل بها ، فإن عاد بعد الدخول بها يخير بين أخذها وأخذ صداقها وتبقى للزوج الثانى، على تفصيل يرجع إليه فى قانون الأحوال الشخصية . والمهم أن زواجها قبل رفع الأمر للقاضى باطل ، ولو عاد زوجها كان له الحق فيها دون الثانى(10/40)
الاستئذان بين الآباء والأبناء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الأوقات التى لا يجوز فيها دخول الأبناء على الآباء دون استئذان والأوقات التى لا يجوز فيها دخول الآباء على الأبناء ؟
An قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة للفجر وحتى تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاه العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم . وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم } النور: 58 ، 59 .
يؤخذ من هاتين الآيتين أن الاستئذان مطلوب من الخدم والأطفال الذين يعيشون مع الأسرة، وذلك فى الأوقات التى يغلب فيها النوم والإخلاد للراحة ، بما يتبع ذلك من تخفيف الملابس وتعرض العورات للانكشاف وهى :
1 - قبل صلاة الفجر، لأنه وقت النوم المستغرق غالبا .
2 -وقت الظهيرة وتغلب فيه القيلولة والتخفيف من الملابس وطلب الراحة بالنوم .
3-بعد صلاة العشاء ، لأنه وقت الاستعداد للنوم .
وقد ورد عن ابن عباس أن الناس فرطوا فى هذا الأدب ، وعلله بأنهم أولا كانوا لا يضعون ستورا على أبوابهم وحجالهم - مخادعهم - فربما يفاجىء الخادم أو الطفل الرجل مع أهله ، لكن لما أثروا واتخذوا الستور والمخادع الخاصة تهاونوا فى الإذن ، ظنا أنه لا حاجة إليه .
قال المحققون : هذه الآية محكمة لم تنسخ بآية{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } النور: 59 .
لأن البالغ يستأذن قى كل وقت ، أما الأطفال ففى هذه الأوقات الثلاثة .
والآباء يدخلون على الأبناء الصغار لرعاية مصالحهم ولا حاجة إلى استئذانهم ، فإذا بلغوا روعى معهم الاستئذان كما روعى استئذانهم على آبائهم(10/41)
الإيلاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا حلف الرجل ألا يقترب من متعة من متع الحياة مثل معاشرة زوجته ولم يستطع فهل عليه كفارة؟
An نعم من حلف على فعل شيء أو تركه ولم يستطيع تنفيذ ما حلف عليه وجبت عليه كفارة يمين وهى المذكورة فى قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم } المائدة : 89 ولا يشترط أن تكون الأيام متتابعة .
وإذا كان حلفه على الامتناع عن زوجته فذلك يعتبر إيلاء إن زاد الحلف على أربعة أشهر، فهنا يطالب بواحد من اثنين ، هما : قربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها ، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } البقرة : 226، 227 أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجرى عليه حكم الإيلاء ، إن رجع عن حلفه أى فاء فى هذه المدة المحلوف عليها وجبت عليه الكفارة، وإن لم يفىء فلا شىء عليه .
قال عبد الله بن عباس : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون به إيذاء المرأة عند المساءة، فوقِّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمى، وذكر القرطبى "ج 3 ص 103 " فى تفسيره أن النبى صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه ، لأنهن سألنه من النفقة ما ليس عنده كما فى صحيح مسلم . هذا فى الحلف على عدم قربانها ، فإن امتنع بدون يمين حلفها ، وذلك للإضرار بها أُمر بقربانها ، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرا بها فرق القاضى بينه وبينها من غير ضرب أجل ، وقيل يضرب أجل الإيلاء .
وقيل لا يدخل على الرجل الإيلاء فى هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى اللّه فى ألا يمسكها ضرارا .
هذا ، والجمهور على أن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولى، لا تطلق زوجته إلا إذا طلقها، وعند أبي حنيفة تطلق ولا سبيل له عليها إلا بإذنها كالمعتدة بالشهور والأقراء ، إذا انتهت فلا سبيل له عليها "تفسير القرطبى ج 3 ص 11 "(10/42)
المخطوبة التائبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف تكفر الفتاة عن ذنوب تتعلق بجوانب أخلاقية ارتكبتها قبل زواجها ، وهل لها أن تصارح من تقدم لخطبتها بتلك الذنوب أم ماذا تفعل ؟
An التوبة من المعصية واجبة لقوله تعالى : {وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } النور: 31 وهى تكفر الذنوب إذا كانت نصوحا كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم. . . } التحريم : 8 .
والتوبة النصوح تقوم على الإقلاع عن المعصية والندم على العصيان والعزم الأكيد على عدم العود إليه ، مع رد الحقوق إلى أصحابها أو تنازلهم عنها. والذنب مهما كبر فالتوبة إن شاء الله تغفره ما عدا الشرك كما قال سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 48 وينبغى ألا يدخل اليأس قلب العاصى ويظن أن الله لا يغفر له ، فهو القائل {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } الزمر: 53 .
وإذا لم تشتهر الفتاة العاصية بانحرافها ولم يعلم به إلا هى أو خاصة أهلها فلا حاجة إلى إخبار من يتقدم لخطبتها بماضيها ، وقد نهى عمر رضى اللّه عنه رجلا أن يفضح بنته بما حدث منها عندما أراد أن يزوجها ، وذلك فى الانحراف الذى لا غش فيه ، فإن كان انحرافا ضاعت به بكارتها وقامت بعملية ترقيع أو إبدال فهو غش سينكشف أمره ، وهنا يكون للخاطب الخيار بعد العقد فى إتمام الزواج أو فسخ العقد .
ولو سألها الخاطب عن ماضيها أو عيوبها ، فلا بد أن تخبره بها ، ولعله إن عرف صدقها فى التوبة أنس إلى صراحتها وتزوجها .
وأحذِّر ثم أحذر من يساعدون على تغطية الانحراف فى الشرف بالعمليات المعروفة وبخاصة إذا لم يكن هناك عذر لمن حدث لها ذلك ، أحذرهم من القيام بهذه العمليات مهما كان الإغراء المادى ، ففى ذلك تشجيع على الانحراف بضياع أعز ما يحرص عليه كل إنسان كريم(10/43)
عورة المسلمة مع غير المسلمة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر من جسمها شعرها وصدرها وذراعيها أمام غير المسلمة؟
An إذا كان الإسلام قد أباح التعامل مع غير المسلمين بمثل قوله تعالى{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اللّه يحب المقسطين } الممتحنة : 8 فإن لهذا التعامل حدودا لا يجوز الخروج عليها ، ومن ذلك تحديد العورة التى لا يجوز كشفها من المرأة المسلمة أمام امرأة غير مسلمة مهما كانت العلاقة بينهما فهى معها كالرجل الأجنبى .
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 12 ص 233" : لا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها أمام امرأة مشركة إلا أن تكون أمة لها ، فذلك قوله تعالى {أو ما ملكت أيمانهن } النور: 31 وكان ابن جريج وعبادة بن نُسى وهشام القارئ يكرهون أن تقبل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ، ويتأولون {أو نسائهن } يعنى المسلمات ، وقال عبادة بن نُسَىٍّ : وكتب عمر رضى الله عنه إلى أبى عبيدة بن الجراح : أنه بلغنى أن نساء أهل الذمة دخلن الحمامات مع نساء المسلمين ، فامنع من ذلك وحل دونه ، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة -ما يعرى منها وينكشف- قال : فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال : أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه : وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما : لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصفها لزوجها ، وفى هذه المسألة خلاف ، فإن كانت الكافرة أمة لمسلمة جاز أن تنظر إلى سيدتها ، وأما غيرها فلا، لانقطاع الولاية بين أهل الكتاب وأهل الكفر لما ذكرنا(10/44)
استثناءات الحرمة بين الرضاعة والنسب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ورد حديث يقول "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ولكن فيه بعض مسائل مستثناة من هذه القاعدة، فما هى؟
An هذا الحديث رواه البخارى ومسلم ، ولكن جاء فى شرح الدردير لأقرب المسالك أن هناك ست مسائل مستثناة من هذه القاعدة وهى :
1- أم الأخ أو أم الأخت ، لأنها من النسب إما أمك وإما امرأة أبيك ، وكلاهما محرمتان ، لكن أم الأخ من الرضاع لا تحرم وكذلك أم الأخت .
2- أم ولد ولدك من الرضاع ، لأنها من النسب إما بنتك أو زوجة ولدك .
3- جدة الولد من الرضاع ، لأنها إما أمك أو أم زوجتك .
4- أخت الولد من الرضاع ، لأنها إما ابنتك وإما بنت زوجتك .
5- أم عمك وعمتك من الرضاع ، لأنها إما جدتك أو زوجة جدك .
6- أم خالك أو خالتك من الرضاع ، لأنها إما جدتك أم أمك أو زوجة جدك أبى أمك ، "مجلة الإسلام - المجلد الرابع ، العدد السابع عشر"(10/45)
الرضاع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كم عدد الرضعات التى تحرم الزواج وهل يشترط أن يكون فى الصغر؟
An هناك محرمات من النساء لا يجوز التزوج منهن ، ومن أسباب التحريم الرضاع ، كما قال تعالى فيمن حُرمن {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء : 23 وإذا كانت الآية قد نصت على تحريم الأم والأخت من الرضاعة ، فإن الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يدخل محرمات أكثر بسبب الرضاع كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وغيرهن .
وقد ثبت فى الحديث الذى رواه مسلم أنه "لا تحرم المصة ولا المصتان ،وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها : كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن . ومهما يكن من خلاف الفقهاء فى عدد الرضعات فإن الفتوى فى مصر على مذهب الإمام الشافعى ، وهو خمس رضعات ، والشرط أن يكن معلومات متيقنات ، والشك لا يبنى عليه تحريم ، وليس للرضعة مقدار معين كما رآه الشافعى، واشترط الفقهاء أن يكون الرضاع فى مدة الحولين ، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذى وصححه "لا تحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان فى الثدى قبل الفطام " وقوله كما رواه الدارقطنى بإسناد صحيح "لا رضاع إلا فيما كان فى الحولين " .
وجمهور الفقهاء على أن الرضاع بعد الحولين أو ما قاربهما لا يثبت التحريم ، غير أن هناك جماعة من السلف والخلف قالوا : الرضاع يحرم ولو كان الذى رضع شيخا كبيرا ، وحجتهم فى ذلك حديث رواه مسلم عن سهلة بنت سهيل التى قالت للنبى صلى الله عليه وسلم إنى أرى فى وجه أبى حذيفة وهو زوجها، من دخول سالم وهو حليفه ، يعنى يغار من دخوله البيت ورؤيتها ، فقال لها "أرضعيه تحرمى عليه " فقالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم وقال "قد علمت أنه كبير" وظاهر هذا أن رضاع الكبير يثبت به التحريم ، وعليها أن تتصرف فى كيفية الرضاع ، إما أن تحلب له اللبن ليشربه حتى لا يرى ولا يلمس شيئا من جسمها، وإما أن يكون الرضاع المباشر من ثديها ضرورة والضرورات تبيح المحظورات .
وأكدت عائشة هذا الرأى لأم سلمة كما رواه مسلم ، وفى رواية أبى داود أن عائشة كانت تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت هى أن يراها ويدخل عليها حتى لو كان كبيرا ، لتكون عائشة عمة الرضيع أو خالته ، لكن سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم لم يوافقنها على هذا الرأى، ويرين كما يرى الجمهور أن الرضاع المحرم لا يكون إلا فى الصغر، وقلن لعائشة :
لعل مسألة سهيلة وسالم كانت رخصة خاصة ليست لسائر الناس . والخلاصة :
أن لكل من الرأيين دليله ووجهة نظر، وقد ارتضى الفقهاء أن إرضاع الكبير لا يحرم الزواج ، فلتكن عليه الفتوى(10/46)
التعقيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم ربط المبايض والتعقيم كوسيلة من وسائل تنظيم النسل ؟
An خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما خصائص من أجل التناسل والتعاون على عمارة الأرض ، وتعقيم واحد منهما معناه جعل الرجل أو المرأة عقيما لا يلد ولا يولد له ، ويتم ذلك بوسائل متعددة ، كان منها فى الزمن القديم سل الخصيتين من الرجل ، وفى الزمن الحديث ربط الحبل المنوى ، أو جراحة أو إعطاء دواء يمنع إفراز الحيوانات المنوية أو يبطل مفعولها ، وتعقيم المرأة يكون بتعطيل المبيضين بجراحة أو دواء يمنع إفراز البويضات ، أو بسد قناة فالوب ، أو استئصال الرحم أو غير ذلك من الوسائل .
وإذا جاز من الناحية الصحية أو غيرها تأجيل الحمل مدة معينة ، مع بقاء الاستعداد للقدرة على الإنجاب عندما تتاح الفرصة، فإنه لا يجوز مطلقا تعطيل الجهازين تعطيلا كاملا عن أداء وظيفتهما، إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة قصوى . ففى ذلك مضادة لحكمة خلق الله للنوعين ، مع ما ينتج عنه من فقد كل من الرجل أو المرأة بعض الخصائص المميزة لهما فى الصوت والشعور والإحساس وتأثير ذلك على السلوك ولو إلى حد ما .
ومن هنا نهى الإسلام عن خصاء الرجل لما فى حديث البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه حيث سأل النبى صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فى الخصاء لعدم وجود ما يتزوج به وهو شاب يخاف على نفسه الوقوع فى الإثم .
وكما فى حديث أحمد فى النهى عنه للغزاة الذين ليس معهم زوجاتهم ، وفى قول النبى صلى الله عليه وسلم لرجل استأذنه فى الخصاء، "خصاء أمتى الصيام والقيام " رواه أحمد والطبرانى .
وتعقيم المرأة كالخصاء للرجل فى الحكم وهو الحرمة، وقد قرر المختصون أن عملية الحمل ضرورية لتوازن الحيوية فى المرأة ، والوقوف ضدها عناد للطبيعة ، وبهذا يكون ربط المبايض حراما كما قاله جمهور الفقهاء ، ومن كانت عندها أولاد تريد الاكتفاء بهم فتعقم نفسها ، هل تضمن تصاريف القدر بالنسبة لهؤلاء الأولاد ، مع أن هناك وسائل لتأجيل الحمل لا لمنعه ، فيها مندوحة عن التورط فى أمر يكون من ورائه الندم حيث لا ينفع ، وإذا كان الإمام أحمد أجاز شرب المرأة الدواء لقطع دم الحيض فلعله لغرض آخر غير التعقيم ، ومع ذلك لا يصح أن يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى كتحقق الوراثة لمرض خبيث أعيا الطب علاجه ، والضرورة تقدر بقدرها(10/47)
الجنين الحى فى بطن أم ميتة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز إخراج الجنين من بطن أمه ، إذا توفيت وأثبت الأطباء أن الجنين مازال حيّا؟ وهل شق البطن فى هذه الحالة يعتبر تعديا على حرمة جسد الميت ؟
An قال ابن قدامة فى المغنى : والمذهب -أى الحنبلى- أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها، مسلمة كانت أو ذمية، وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة، وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجل عليه وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن ، ومذهب مالك وإسحاق قريب من هذا ، ويحتمل أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن أن الجنين يحيا ، وهو مذهب الشافعى ، لأنه -أى الشق - إتلاف جزء من الميت لإبقاء حى فجاز، كما لو خرج بعضه حيا ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق ، ولأنه يشق لإخراج المال منه ، فلإبقاء الحى أولى .
ويرد ابن قدامة رأى الشافعى فيقول : ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة ولا يتحقق أنه يحيا، فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم ،وقال النبى صلى الله عليه وسلم "كسر عظم الميت ككسره حيا" وفيه مثلة وقد نهى النبى عن المثلة اهـ .
وأظن أن هذا النقل كاف للإجابة عن هذا السؤال ، وقد يقبل كلام الحنابلة فى منع شق البطن إذا كانت حياة الجنين متوهمة غير راجحة أو متيقنة ، أما لو أثبت الأطباء أن الجنين ما زال حيًّا فإن رأى الشافعى يكون قويا جدًا(10/48)
حدود الاختلاط بين الجيران
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى مقاطعة الجيران بدعوى أن الاقتصار فى الاختلاط بالآخرين عبادة؟
An لا تجوز مقاطعة الجيران إلا إذا تحقق الضرر من جهتهم ولم يمكن دفعه ، فإذا أمكن إصلاح الفاسد منهم وجب ذلك قيامًا بواجب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر .
كما ينبغى تقديم حسن الظن وعدم التصرف بناء على وهم أو ظن غير راجح وليعلم الجميع أن الجار قد يكون أقرب وأنفع من الأقارب إذا كانوا بعيدين عن المسكن واستغاث الإنسان فلا يغيثه إلا جاره .
فلتكن صلتنا بجيراننا طيبة، لادخارهم لمثل هذه الظروف ، ولا يلزم من حسن الجوار كثرة الزيارات والاختلاط ، فكل شىء له حد معقول لو زاد عنه قد يضر .
وأقل ما يجب نحو الجار كف الأذى عنه ، وما زاد على ذلك من تقديم الخير له فهو مندوب مستحب ، إلا إذا كان فى حاجة أو ضرورة فالواجب تقديم ما يحتاجه ويدفع ضرورته(10/49)
الملابس الضيقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى ارتداء المرأة للملابس الطويلة والحجاب ، ولكنها ضيقة توضح أعضاء الجسم ، وهل يعتبر هذا الزى ساترا لجسد المرأة؟
An الشرط فى ملابس المرأة التى تسترها وتمنع الفتنة بها ألا تصف وألا تشف ، يعنى ألا تكون ضيقة تصف أجزاء الجسم وتبرز المفاتن .
وألا تكون رقيقة شفافة لا تمنع رؤية لون البشرة، ومن النصوص التى تنهى عن لبس ما يصف جسم المرأة ما رواه أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى أسامة بن زيد قبطية كثيفة، فأعطاها لامرأته فقال له "مرها أن تجعل تحتها غلالة، فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها" والقبطية لباس من صنع مصر يلتصق بالجسم ،والغلالة شعار يلبس تحت الثوب .
وأخرج أبو داود نحوه عن دحية الكلبى . وفى رواية للبيهقى أن عمر رضى الله عنه لما أعطى الناس الثياب القباطى نهى عن لبس النساء لها ، لأنها إن لم تشف فإنها تصف .
واخرج ابن سعد بسند صحيح أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما ردت ثوبا أهدى إليها من ثياب "مرو" وقيل لها : إنه لا يشف فقالت : لكنه يصف .
وبهذا يعلم أن ثياب المرأة حتى لو لم تكن رقيقة شفافة، وحتى لو كانت سابغة تغطى كل جسمها حتى قدميها، لو كانت محددة لأجزاء جسمها ضيقة تبرز مفاتنها فهى محرمة ، لأنها لا تحقق الحكمة من مشروعية الحجاب وهى عدم الفتنة .
وأحذر من الاغترار بالإعلانات عن الأزياء الخاصة بالمحجبات فإن فيها لمسة فتنة لا تخفى على أى إنسان ، والعبرة فى التنفيذ ليس بالشكل ولكن بتحقيق الهدف منه(10/50)
تعليم المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى تعليم المرأة ؟
An التكاليف الشرعية موجهة للرجال والنساء جميعا ، وإن كان أكثر النصوص فى القرآن والسنة تتحدث عن الرجل ، لأنه الأصل وكل من بعده تبع له {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} النساء : 1 وفى بعض الأحيان تنزل نصوص تتحدث عن الجنسين لوجود سبب يدعو إلى ذلك ، كما جاء فى رواية أحمد والنسائى أن أم سلمة قالت للرسول : ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال؟ فتلا قوله تعالى وهو على المنبر يا أيها الناس الله يقول {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } إلى آخر الآية الأحزاب : 35 ، وفى رواية الترمذى أنها سألته : لِمَ لم تذكر النساء فى الهجرة ؟ فنزل قوله تعالى{فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ... } إلى آخر الآية آل عمران :195 ، .
وذلك كله مع مراعاة التناسب فى التكليف بين طبيعة كل من الجنسين ، وطلب العلم واجب لمعرفة ما أمرنا الله باتباعه مما أنزله على رسله المبشرين والمنذرين ، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى دليل ، وأكثر النصوص الواردة تبين فضل المتعلم على غيره بأساليب كثيرة والرجل والمرأة فى ذلك سواء، وإذا كان قد جاء فى حديث ضعيف "طلب العلم فريضة على كل مسلم " دون لفظ "ومسلمة" فهي مضافة حكما لا رواية والواقع يشهد لذلك ، فقد صح فى البخارى ومسلم طلب النساء من النبى تخصيص يوم لهن للتعلم ، وأن كثيرات منهن سألنه فى أمور دقيقة قالت فى شأنها السيدة عائشة : نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين ، بل جاء فى رواية البخارى ومسلم "أيما رجل كانت عنده وليدة- أى أمة رقيقة-فعلَّمها فأحسن تعليمها، وأدَّبها فأحسن تأديبها ، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " وإذا كان هذا فى تعليم الأمة فكيف بالحرة؟ والنصوص عامة للجميع ، لقد قال الفقهاء - كما جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى وغيره -يجب على الزوج أن يعلم زوجته القدر الضرورى الذى تصحح به عبادتها وتؤدى به واجبها المنوط بها ، وذلك إما بنفسه هو أو بمن يستعين به ، فإن لم يفعل كان لها أن تخرج لطلب العلم الواجب ولا يجوز أن يمنعها منه .
وقد صح فى الحديث نهى الرجال عن منع النساء من الذهاب إلى المسجد ، وذلك من أجل التعلم ، لأن صلاتهن فى بيتهن أفضل .
فإذا كان للمرأة أن تخرج لطلب العلم فعليها أن تلتزم بكل الآداب الواجبة لكل خروج من بيتها ، من الحشمة والعفة والأدب وعدم المغريات من عطر نفاذ أو قول خاضع ، أو خلوة مريبة ، أو تزاحم متعمد، مع التأكد من الأمن عليها من الفتنة والفساد .
وعلى المجتمع كله أن يوفر الجو الآمن لتحقيق الغرض من التعليم ومنع الفساد بأى وجه يكون . وبالفهم الجيد لنصوص الدين وروح الشريعة يمكن الحكم على أى عمل حكما صحيحا ،بعيدا عن التخبط والانحراف(10/51)
فى الهندسة الوراثية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يمكن الآن تنشيط رحم المرأة بالهرمونات بعد سن اليأس ليصبح رحمها معدَّا لحضانة بويضة ملقحة، وبذلك تحمل بويضة لغيرها لأن جسمها توقف عن التبويض ، فما الحكم ، هل يكون الولد لها أم لصاحبة البويضة؟
An هذه الصورة يطلق عليها اسم "الرحم المؤجَّر" أو "الأم الحاضنة" حيث إن البويضة الملقحة التى وضعت فى رحمها ليست بويضتها ، والحكم هو التحريم ، لأن فيها صورة الزنا ، والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع وذلك لأمور، من أهمها أمران :
ا- المحافظة على الأنساب إذا كان الرجل والمرأة قابلين للإنجاب ، بصلاحية مائه وصلاحية بويضتها، فلا يدرى لمن ينسب المولود ويكون مصيره الضياع ، وقد صح فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" .
ب - صيانة الأعراض عن الانتهاك وحماية الحقوق لكل من الرجل والمرأة ، وفى الزنا وقعت المتعة الجنسية بغير الطريق الشرعى الذى يدل عليه قول الله تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون: 5-7 .
وتظهر الحكمة الثانية فى تحريم الزنا إذا كان أحد الطرفين غير صالح للإنجاب كما فى الصورة المذكورة فى السؤال ، حيث توقف جسم المرأة عن التبويض فإذا كان مجرد دخول ماء الرجل الغريب عن المرأة فى رحمها حراما فكيف بدخول ماء وبويضة "بويضة ملقحة بمائه" أى دخول جنين أو أصل جنين غريب عنها؟! إن الحرمة تكون من باب أولى .
السؤال الثانى- أصبح من الممكن الآن تلقيح بويضة بحيوان منوى وتجميد هذا الجنين لعدة سنوات حتى تحتاج إليه المرأة فيوضع فى رحمها وتحمل وتلد، ويطرح هذا التطور عدة أسئلة عن حالات واقعية :
أولا: يقوم زوجان بتلقيح بويضة من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج قبل إقدام أحدهما على تناول العلاج الكيماوى أو الإشعاعى أو غيرهما من العلاجات التى لا تسمح للزوجين بالإنجاب ، وبعد الانتهاء من العلاج تحمل الزوجة بهذه البويضة الملقحة .
ثانيا : قد يتوفى الزوج أثناء العلاج أو لأى سبب ، فتلقح الزوجة بعد الوفاة بهذه البويضة وتحمل من زوجها الذى توفى .
ثالثا : تتوفى الزوجة فتلقح امرأة أخرى "أم حاضنة" بهذه البويضة فتحمل وتسلم الوليد للزوج .
والجواب :
أولاً: ما دامت الزوجية قائمة فلا مانع من وضع البويضة الملقحة من ماء زوجها فى رحمها وهى صاحبة البويضة، ويكون الجنين الذى حملته ووضعته منسوبا شرعا إلى الزوج والزوجة وهذه الصورة هى من صور التلقيح الصناعي الذي يتم فيه التلقيح بين الماء والبويضة خارج الرحم ، ثم تعاد البويضة إلى الزوجة صاحبتها ، وذلك مشروع لا مانع منه مع اتخاذ الاحتياطيات اللازمة .
ثانيا: إذا توفى الزوج انقطعت العلاقة الزوجية من الناحية الجنسية بالذات بينه وبين زوجته ، ووضع هذه البويضة الملقحة فى رحمها أصبح وضعا لشىء غريب منفصل عنها، فالمرأة صارت غريبة عنه ، ولذلك يحل لها أن تتزوج من غيره بعد الانتهاء من العدة المضروبة لوفاة الزوج ، وهى قبل انتهاء العدة أشبه بالمطلقة طلاقا بائنا، حيث لا يجوز أن تكون بينهما معاشرة زوجية تعتبر رجعة بالفعل فى بعض المذاهب الفقهية، بل لا بد أن يكون ذلك بعقد جديد، وهو فى هذه الصورة غير ممكن لوفاة الزوج ، فلو وضعت المرأة - بعد وفاة الرجل - بويضتها الملقحة منه قبل وفاته فى رحمها وحملت وولدت كان الولد غير منسوب إليه كولد الزنا ، وإنما ينسب إليها هى ، مع حرمة هذه العملية .
ثالثا: إذا توفيت الزوجة فوضعت بويضتها الملقحة من ماء زوجها فى رحم امرأة أخرى التى يطلق عليها اسم "الأم الحاضنة" صاحبة الرحم المؤجَّر كان ذلك حراما ، لما سبق ذكره فى السؤال الأول من أنه زنا، حتى لو سلمت الولد للزوج .
السؤال الثالث : من المعتقد أن الطب الحديث سيتمكن قريبا من تجميد الحيوانات المنوية ، ويطرح البعض فكرة جديدة لتنظيم الحمل ، وبعد الاحتفاظ بهذه الحيوانات المنوية المجمدة للرجل ، ثم تعقيمه بربط الحبل المنوى عنده ، بحيث لا تحتاج زوجته إلى استعمال وسائل منع الحمل مثل الحبوب وغيرها ، فإذا أرادا الإنجاب استعملا بعض الحيوانات المنوية المجمدة ، أى أنه على الرغم من انقطاع قدرة الرجل على الإنجاب من ناحية ، فإنه يحتفظ خارج جسمه برصيد من الحيوانات المنوية المجمدة ، يمكنه من الإنجاب ، حتى لو طلق زوجته وتزوج بأخرى، فما حكم هذه العملية؟ الجواب: يجوز للزوجة فى هذه الحالة عند رغبتها فى الحمل أن تستعمل بعض هذه الحيوانات المجمدة لتحمل بها ، لأنها من ماء زوجها والزوجية قائمة ، ويكون الجنين منسوبا إلى الزوج على الرغم من تعقيمه .
ولو طلق زوجته أو لم يطلقها وتزوج بأخرى ولقَّحها من منيه المجمد كان ذلك جائزا ، وينسب المولود إليه لأنه من مائه ، وكذلك ينسب إلى الزوجة الأخرى شرعا، لأنه من بويضتها الملقحة بماء زوجها . السؤال الرابع : الموقف السابق يطرح نفسه بالنسبة للزوجة وتجميد بويضاتها ، فما حكمه ؟ الجواب: ما دامت البويضة المجمدة هى لزوجته يجوز أن يلقحها بمائه هو ما دامت الزوجية قائمة ، ولو طلقت منه وتزوجت بآخر جاز للزوج الآخر أن يلقح بويضة هذه الزوجة بمائه ، حيث لا يوجد شىء غريب بين الطرفين .
السؤال الخامس - فكرة الأم الحاضنة ، أو الرحم المؤجر، بأن تلقح بويضة من الزوجة بحيوان منوى من الزوج ، ثم تدخل هذه البويضة الملقحة فى رحم امرأة أخرى، ثم تمر بمراحل الحمل حتى تلد فتسلم المولود الى الزوجين الأصليين ، هذه الطريقة يكون فيها المولود حاملا لكل الخصائص الوراثية من الزوجين ، ولا علاقة للأم الحاضنة بالطفل إلا علاقة إنماء الجنين عن طريق دمائها وجسمها، والسؤال هنا: هل يمكن اعتبار الأم الحاضنة أمًا فى الرضاعة ، حيث هناك تشابه كبير بين الحالتين ، فالأم فى الرضاعة ينمى لبنها جسم الطفل كثيرا ، ويحدث رباط عاطفى بينهما؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فلماذا مادامت ليست هناك شبهة زنا أو اختلاط فى الأنساب ؟ والجواب: فكرة الأم الحاضنة أو الرحم المؤجر محرمة كما سبق ذكره فى إجابة السؤال الأول ، لأن فيها صورة الزنا ، حيث أدخلت الأم الحاضنة فى رحمها جنينا مكونا من ماء وبويضة ليس لها فيهما شىء .
وقد قرر العلماء أن الحمل من الزنا ينسب لأمه الحامل به لتحقق ولادتها منه ، كما صح فى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بالأم فى قضية رجل وامرأة تلاعنا فى زمنه ، عندما اتهم الزوج زوجته بأن حملها ليس منه ، ولا ينسب لمن زنى بها عند جمهور الفقهاء .
ومحل ذلك إذا كان للمرأه الزانية اشتراك فى تكوين الجنين عن طريق بويضتها ، وفى صورة الأم الحاضنة ليس لها هذا الاشتراك إذا كانت عقيما لا تفرز بويضات فلا ينسب لها الولد، لكن ينسب لصاحبى البويضة الملقحة ، وإن كان لحملها تأثير أيضا على تكوينه من جهة البيئة التى تربى فيها كما يقول المختصون ، فالولد يتأثر بمؤثرين ، أحدهما الوراثة والثانى البيئة ، كالمرضعة التى ترضع ولد غيرها بلبنها، لأن لها تأثيرا إلى حد ما على الرضيع ، والحامل لجنين غيرها فى بطنها وقد غذته بدمها كما تغذى كل جزء من أجزاء جسمها لا تعدو أن تكون كالمرضعة، وعمل المرضعة مشروع ، غير أن هناك فرقا بينهما ، فالحامل أدخلت رحمها شيئا غريبا عنه كما قدمنا ، فعملها محرم ، والمرضعة عملها حلال ، والولد فى كلتا الحالتين منسوب لأبويه بالأصالة فى تكوينه وبولادة أمه له فى صورة الإرضاع بالاتفاق ، وفى صورة الرحم المؤجر على ما رجحته من الأقوال .
السؤال السادس - إذا كان الرجل متزوجا من زوجتين ، الأولى لا ينتج جسمها بويضات لسبب أو لآخر، أو لا يمكن أن تحمل باستعمال بويضاتها هى، فهل يمكن أن تؤخذ بويضة من الزوجة الثانية تلقح بحيوان منوى من زوج المرأتين ، ثم يوضع الجنين فى رحم الزوجة الأولى لتحمل وتلد ، هل يجوز ذلك ؟ وإذا كان لا يجوز فلماذا ما دام الأب واحدا والعملية كلها تتم داخل إطار علاقة زوجية مشتركة ؟ والجواب: إذا أخذت بويضة الزوجة الثانية الملقحة بمنى زوجها ووضعت بدون إذنها وموافقتها فى رحم ضرتها الأولى كان ذلك حراما ، لأنه اعتداء على حق الغير بدون إذنه ، والكل يعلم ما بين الضرائر من حساسية شديدة ، وأثر ذلك على الأسرة .
وإن كان بإذنها وموافقتها يثار هذا السؤال : لماذا يلجأ الزوج إلى هذه العملية؟ إن كان لمصلحة تعود عليه هو مثل كثرة الإنجاب الحاصل من زوجتين لا من زوجة واحدة فقد يكون ذلك مقبولا إن دعت إليه حاجة أو ضرورة ، مع التأكد من القيام بواجب الرعاية الصحيحة ، ومع ذلك لا أوافق عليه لما سيأتى بعد من العلاقة بين الإخوة الأشقاء والإخوة غير الأشقاء .
وإن كان لمصلحة تعود على الزوجين ، فإن المصلحة العائدة على الزوجة الثانية الصالحة للإنجاب ليست ذات قيمة، بل قد يكون فى ذلك ضرر على أولادها عند تقصير الأب عن الوفاء بحق هذه الكثرة من الأولاد ، أو بضآلة نصيب أولادها من ميراث أبيهم حيث يوزع على عدد كبير من أولاده .
وإذا كانت المصلحة عائدة على الزوجة الأولى التى لا تنجب فإنها تتمثل فى أمرين هامين ، أولهما إرضاء عاطفة الأمومة وعدم الشعور بنقصها بالنسبة لضرتها ،لكنها لا تتحقق إلا إذا كان أولادها ينسبون إليها ، وقد تقرر-كما سبق ذكره- أنها مجرد أم حاضنة وما ينتج منها فهو لزوجها ولضرتها صاحبة البويضة، فإذا عرفت أن من يولد منها فهو لضرتها فلماذا تتعب نفسها بالحمل والوضع دون فائدة لها؟ إذًا ليست هناك مصلحة لها قيمتها من هذه العملية لكلتا الزوجتين ولا يجوز للزوج أبدا أن يجعل ما تلده الزوجة الأولى الحاضنة أولاداً لها، لمعارضته ما سبق ذكره ولأنهم سيكونون بذلك بالنسبة لأولاد الزوجة الثانية صاحبة البويضة إخوة غير أشقاء ، أى إخوة من أب فقط ، وهذا له أثره فى الميراث إذا توفى أحد الإخوة ، فالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب ، والحاضنة إذا ماتت لا يحق لها شرعا أن ترث ممن ولدتهم ولا أن يرثوا منها ، فالأمومة النسبية مقطوعة ، وذلك إلى جانب ما يكون بين الأولاد من كل من الزوجتين من حساسيات معروفة لها اثار غير طيبة .
وهنا يمكن أن نقول إن المفاسد المترتبة على هذه العملية أكبر من المصلحة العائدة على الزوج والزوجتين والقاعدة الشرعية تقول :
درء المفاسد مقدَّم على جلب ،المصالح . ولهذا أرجح عدم جواز هذه العملية ، وإذا كان للزوج رغبة فى كثره الإنجاب فأمامه الوسائل المشروعة الأخرى، مع مراعاة واجب العدل فى معاملة الزوجات والأولاد .
السؤال السابع - فى الحالة نفسها وهى حالة زوج الاثنتين ، هل يجوز أن تكون إحدى الزوجتين أمًا حاضنة لبويضة ملقحة هى لزوجة الأخرى؟ الجواب: قلنا: إن الأم الحاضنة لا يجوز لها أن تدخل رحمها ماء غير ماء زوجها، وفى الصورة المذكورة وإن كان الماء ماء زوجها فإن للبويضة ليست لها، وعلى فرض التجاوز فى ذلك إذا كانت حضانتها للبويضة بإذن صاحبتها فإن الآثار المترتبة عليها والتى سبق بيانها فى إجابة السؤال السابق تجعلنى أرجح عدم الجواز .
السؤال الثامن - يقوم الأطباء الآن باختيار جنس الجنين عن طريقة دراسة مواصفات الحيوانات المنوية الذكرية والحيوانات المنوية الأنثوية ، وعزل الحيوان المطلوب لتلقيح بويضة الزوجة به ، والسبب فى محاولات تحديد جنس الجنين مسبقا يكون غالبا لأن بعض الأمراض الوراثية لدى الزوجين يتوارثها الذكور فقط ، فيحاول الزوجان تفادى إنجاب الذكور، تفاديا لولادة أطفال معوقين أو مشوهين بدرجة كبيرة ، وفى بعض الأحوال يكون الزوجان قد أنجبا عدة ذكور ويريدان إنجاب أنثى أو العكس ، فيلجآن إلى الطب لإنجاب ما يريدان ، فما هو الحكم فى ذلك ؟ وهل يعتبر تدخلا فى الإرادة الإلهية واعتداء على التوازن البشرى ، أم هو مجرد استغلال لما هو متاح من خلق الله ؟ والجواب: قضية التحكم فى جنس الجنين شغلت العالم قديما وحديثا ، ولهم فى ذلك طرق متعددة وأغراض متنوعة ، والمدار فى الحكم على ذلك هو اتباع النص إن وجد ، فإن لم يوجد كان المدار على معرفة الغاية والوسائل المتبعة لبلوغها ، فيحرِّم الحرام ويحل الحلال من ذلك ، ومعلوم ان الله سبحانه خلق آدم وخلق له حواء ، وذلك من أجل التناسل وعمارة الكون ، والتنوع لابد منه لحركة الحياة ، قال تعالى{ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} الذاريات : 49 والتناسب بين نوعى الذكورة والأنوثة مطلوب ، وطغيان أحدهما على الآخر ليس من المصلحة .
والناس من قديم الزمان وقبل مجىء الإسلام يؤثرون الذكر على الأنثى لعوامل تتناسب مع أغراضهم وظروف حياتهم ، ونظرا لما كان عليه العرب قبل الإسلام من تفضيل الذكر على الأنثى وما أدى إليه من وأد البنات وحرمانهن من كثير من الحقوق جاء قول الله تعالى {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} الشورى : 49 ، 50 .
وعلى الرغم من تقرير الإسلام لذلك ما تزال المحاولات جادة فى هذا السبيل ، ويتلخص موقف الدين منها فيما يأتى :
1 - إذا كانت المحاولات يسيطر عليها الغرور بالعلم لحل المشكلات وعدم الإيمان بأن إرادة الله غالبة ، كما هو شأن الماديين ، كانت محرمة باتفاق ، لأنها إن لم تكن كفرا فهى تؤدى إليه .
2 - وإذا كانت المحاولات تحت مظلة الإيمان بالله ، واستغلال الفرص المتاحة للخير، لمجرد أنها أسباب ومقدمات ، والآثار والنتائج مرهونة بإرادة الله ، كالتداوى من الأمراض مع الإيمان بأن الشفاء هو من الله - فينظر إلى أمرين ، الأول الهدف والغرض والنية الباعثة على ذلك ، والثانى الأسباب والوسائل التى يتوصل بها إلى تحقيق الأهداف ، ذلك لأن الأعمال بالنيات ، والوسائل تعطى حكم المقاصد ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، واقتصارا على موضوع السؤال نقول :
ا - إذا كان الغرض من هذه العملية تجنُب وراثة بعض الأمراض فى الذكور أو الإناث ، وكان ذلك بطريقة علمية مؤكدة ليس فيها ارتكاب محرَّم فلا أرى مانعا من ذلك ، لأن الوقاية خير من العلاج . والقرآن ينهانا عن الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة والحديث يحذرنا من العدوى والتعرض لها ، فلا ندخل بلدا سمعنا أن فيه طاعونا ، ولا نخرج منه إذا وقع ونحن فيه ، وينهانا عن الأكل مع المجذوم ، وعن التعامل مع أى شىء فيه ضرر ، فلا ضرر ولا ضرار فى الإسلام ، إلى غير ذلك من النصوص .
ب - إذا كان الغرض من هذه العملية هو الإكثار من أحد النوعين إلى الحد الذى يختل فيه التوازن ويؤدى إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات كالمتعة بين الجنس الواحد ، أو يؤدى إلى إرهاب الغير بكثرة الذكور مثلا، أو إلى استغلال النوع الآخر لأغراض خبيثة كان ذلك حراما لا شك فيه ، ويكفى فى ذلك قول الله تعالى فى حق بعض الكفار المناوئين لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم {أن كان ذا مال وبنين . إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطيرالأولين} القلم : 14 ، 15 وما جاء فى قوم لوط ومن يكرهون فتياتهم على البغاء لابتغاء عرض الحياة الدنيا .
ج - وإذا كان من وسائل التحكم فى نوع ،الجنين التعقيم النهائى الذى لا يكون بعده إنجاب كان ذلك محرما ، لأن فيه تعطيلا لقوة لازمة لعمارة الكون ، وتظهر فيه المعارضة لحكم اللّه وتقديره ، ومن أجل ذلك . منع الحديث الذى رواه البخارى وغيره خصاء الرجال من الناس ، وكذلك إذا كان التحكم فى جنس الجنين عن طريق إجهاض الحامل يكون محرما حتى فى أيام الحمل الأولى كما قال به كثير من الفقهاء فالخلاصة أن هذه المحاولات إن كان الغرض منها مشروعا ، وكانت الوسائل مشروعة فلا مانع منها ، وبغير ذلك تكون ممنوعة . السؤال التاسع - هناك طريقة حديثة أخرى تعتبر امتدادًا للطريقة السابقة وتأكيدًا لاحتمالاتها ، ويجرى ذلك بتلقيح عدة بويضات من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج ، وتترك هذه فترة لتوالد الخلايا ، ثم تؤخذ عينة منها وتحلل مكوناتها للتعرف على الكروموسومات ، وبذلك يتعرف الطبيب على مواصفات الجنين فى هذه المرحلة المبكرة ، وما إذا كانت ذكرا أو أنثى ، ثم يوضع الجنين المطلوب فى رحم الزوجة لتحمل وتلد، وتترك الأجنَّة الأخرى فتموت ، فهل يعتبر هذا إجهاضا لتلك الأجنة الأخيرة ، رغم أن عمرها يكون عدة ساعات فقط ؟ والجواب: عرَّف العلماء الإجهاض بأنه إنزال الجنين من بطن أمه قبل تمام نموه الطبيعى ، وما دامت هذه البويضات الملقحة لم تكن فى بطن المرأة فلا يصدق على التخلص منها معنى الإجهاض ، وقد جاء ذلك مصرحا به فى بعض أقوالهم ومع ذلك تدخل هذه العملية فى حكم العملية المذكورة فى السؤال السابق ، وهو النظر إلى الغاية والوسيلة(10/52)
التسمية بأسماء عزيز وكريم وسيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن تسمية الولد باسم عزيز أو كريم أو سيد حرام ، لأن هذه الأسماء من أسماء الله تعالى، فهل هذا صحيح ؟
An جاء فى تفسير القرطبى"ج 4 ص 77" عند شرح قوله تعالى عن يحيى {وسيدا} أن فى ذلك دلالة على جواز تسمية الإنسان "سيدا" كما يجوز أن يسمى : عزيزا أو كريما ، وذكر ما قلناه فى صفحة 163 من المجلد الأول من بيان عدم حرمة قولنا "سيدنا محمد" لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبنى قريظة فى استقبال سعد بن معاذ "قوموا إلى سيدكم " وقال عن الحسن - كما رواه البخارى ومسلم "إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .
وكره العلماء التسمية بهذه الأسماء إذا كانت معرفة بأل مثل :
العزيز - الكريم - السيد(10/53)
الطلاق فى بلد لا تعترف به
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تزوجت امرأة زواجا شرعيا لكنه لم يسجل حسب القوانين المعمول بها فى بلد، لعدم اعترافه به ، وقد ظهر للمرأة أن استمرار هذا الزواج فى غير صالحها، ولهذا تترك زوجها وتسافر للإقامة فى بلد آخر فما هى الطريقة لتخليص نفسها من الزوج الذى لا يرضى أن يطلقها ولو عن طريق الخلع ، ويقصد بذلك إضرارها حتى لا تتزوج من غيره ؟
An إذا كان الزوج موفيا لها بحقوقها من النفقة والإعفاف فحرام عليها أن تتركه وتسافر بدون إذن ، وعليها أن توسِّط أهل الخير ليطلقها إن أرادت ذلك .
أما إذا قصَّر فى الإنفاق عليها فلها أن ترفع الأمر إلى القضاء لتطلب التطليق ، وحيث إن دعواها لا تسمع لعدم توثيق الزواج فلها أن ترفع أمرها إلى جهة دينية معترف بها لتتولى بحث الموضوع ، وبعد التأكد من صحة الدعوى وامتناع الزوج عن الإنفاق بعد محاولة التوفيق تطلقها هذه الجهة طلقة واحدة رجعية على مذهب الإمام أحمد .
وإذا كان التقصير فى إعفافها ومضى على ذلك أربعة أشهر اعتبر الامتناع بمثابة الإيلاء عند مالك وأحمد، فيطالب من الجهة الدينية بالعودة إلى إعفافها أو تطليقها طلقة بائنة ، وإذا امتنع عنهما انفسخ النكاح بدون أية إجراءات على مذهب الإمام أبى حنيفة ولا مخلص إلا ذلك منعا للضرر .
ونحذر من تريد الزواج من رجل زواجا عرفيا غير موثق أن تقع فى مثل هذا المأزق ولهذا ننصحها ، -إن تحتم الزواج العرفى -أن تشترط أن تكون عصمتها بيدها على ما رآه الإمام أبو حنيفة ، حتى إذا لم توفق فى هذا الزواج أمكنها أن تطلق نفسها منه بدون اللجوء الى القضاء ، لأنه لا يسمع دعواها، وبدون لجوء إلى لجنة وغيرها .
تنبيه : الإجابة على السؤال تمت بعد بحث الموضوع مع فضيلة الشيخ عبد اللّه المشد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فى تاريخ نشرها بمجلة منبر الإسلام عدد ذى الحجة 1403 هـ(10/54)
عدة الزوجة التى أسلمت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q زوجة اعتنقت الإسلام وحصلت على حكم بالطلاق فكيف تحتسب عدتها؟
An الزوجة التى أشهرت إسلامها ولم يسلم زوجها وحكم القاضى بطلاقها تحسب عدتها من وقت الحكم لا من وقت إسلامها، ذلك لأن امتناع الزوج عن الإسلام يعتبر نوعا من أنواع الفراق التى تتوقف على القضاء كما هو فى مذهب أبى حنيفة، الذى أخذ منه قانون الأحوال الشخصية فى مصر"الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 241" ولو أسلم الزوج قبل أن تنتهى عدتها من وقت إسلامها تبقى هى على ذمته ، وهناك جماعة تقول : لا تعتبر العدة أجلا مضروبا لإسلامه أو عدم إسلامه ، فلا يحكم بالطلاق إلا إذا حكم القاضى بذلك مهما طال الفصل بين إسلامها وحكم القاضى .
والموضوع مبسوط فى "زاد المعاد لابن القيم ج 4 ص 13 "(10/55)
الذهب للنساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "من أحب أن يحلِّق حبيبته بحلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب ، ومن أحب أن يطوق حبيبته طوقا من نار فليطوقها طوقا من ذهب ، ومن أحب أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها سوارا من ذهب ، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها، العبوا بها" لأننى سمعت بعض العلماء يحرم الذهب على النساء؟
An هذا الحديث ذكره الحافظ المنذرى "الترغيب والترهيب " بلفظ "حبيبة" وليس "حبيبته " ورواه أبو داود بإسناد صحيح ، قال المنذرى :
الأحاديث التى ورد فيها الوعيد على تحلى النساء بالذهب تحتمل وجوها من التأويل :
أحدها: أنه منسوخ فإنه قد ثبت إباحة تحلى النساء بالذهب ، والثانى: أن هذا فى حق من لا يؤدى زكاته دون من أداها ، كما نص عليه الحديث ، والثالث: أنه فى حق من تزينت به وأظهرته . انتهى .
وإذا كان الذهب محرما على الرجال فهل يجوز لهم أن يلبسوه الأولاد الصغار غير المكلفين ؟ قيل : يحرم ، لأن الحديث فى حق من يلبس الأولاد، فقد ورد بلفظ "من أحب أن يسور ولده بسوار من نار فليسوره سوارا من ذهب ، ولكن الفضة العبوا بها كيف شئتم " رواه أحمد وأبو داود . وقيل : لا يحرم لأنهم غير مكلفين ، "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 86" .
هذا ، وأرجو ألا يتعجل بعض الناس فى إصدار الحكم على شىء لمجرد أنهم قرءوا حديثا واحدا ، ولم يستوعبوا ما ورد فى الموضوع وما تحدث به العلماء المختصون الذين اطلعوا على روايات متعددة وخلصوا منها إلى الحكم الصحيح(10/56)
العلاج بين الجنسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن يتولى علاج المرأة وتوليدها رجل أجنبى؟
An من القواعد الفقهية أن الضرورات تبيح المحظورات ، ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف عن شىء من جسمها لرجل أجنبى-فيما عدا الوجه والكفين على تفصيل فى ذلك - وبالتالى لا يجوز اللمس بدون حائل ، أما عند الضرورة المصورة بعدم وجود زوج أو محرم أو امرأة مسلمة تقوم بذلك فلا مانع من النظر واللمس ، مع مراعاة القاعدة الفقهية الأخرى وهى : أن الضرورة تقدر بقدرها .
ولهذا الاستثناء احتياطات وآداب نورد فيها بعض ما قاله العلماء .
جاء فى كتاب "الإقناع فى شرح متن أبى شجاع" للشيخ الخطيب فى فقه الشافعية "ج 2 ص 120" أن النظر للمداواة يجوز إلى المواضع التى يحتاج إليها فقط ، لأن فى التحريم حينئذ حرجا ، فللرجل مداواه المرأة وعكسه ، وليكن ذلك بحضرة محرم أو زوج أو امرأة ثقة إن جوزنا خلوة أجنبى بامرأتين وهو الراجح ، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطى ذلك من امرأة ، وعكسه كما صححه كما فى زيادة "الروضة" وألا يكون ذميًا مع وجود مسلم ، وقياسه -كما قال الأذرعى- ألا تكون كافرة أجنبية مع وجود مسلمة على الأصح ، ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما فالظاهر أن الكافرة تقدم ، لأن نظرها ومسها أخف من الرجل ، بل الأشبه عند الشيخين أنها تنظر منها ما يبدو عند المهنة، بخلاف الرجل. وقيد -فى الكافى- الطبيب بالأمين ، فلا يعدل إلى غيره مع وجوده ، ثم قال :
وشرط الماوردى أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة ، وفى معنى ما ذكر نظر الخاتن إلى فرج من يختنه ، ونظر القابلة إلى فرج التى تولدها . ويعتبر فى النظر إلى الوجه والكفين مطلق الحاجة، وفى غيرهما -ما عدا السوأتين- تأكدها ، بأن يكون مما يبيح التيمم كشدة الضنا ، وفى السوأتين مزيد تأكدها ، بألا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة .
وفى حاشية عوض على شرح الخطيب المذكور ما يدل على أن المباح فى العلاج ما كان بالنظر، أما اللمس فيجوز عند الحاجة ، وإلا فلا، وجاء فيها : رتب البلقينى المعالج فى المرأة بأن يقدم أولا المرأة المسلمة فى مسلمة، ثم صبى مسلم غير مراهق ،ثم كافر غير مراهق ، ثم مراهق مسلم ، ثم مراهق كافر ثم المحرم المسلم ، ثم المحرم الكافر، ثم الممسوح المسلم ، ثم المرأة الكافرة ، ثم الممسوح الكافر، ثم المسلم الأجنبى، ثم الكافر الأجنبى، والزوج مقدم على الكل . انتهى(10/57)
صورة من الخلوة بين الجنسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز ركوب امرأة أو مجموعة من النساء مع سائق أجنبى عنهم ليوصلهن إلى مكان قريب داخل المدينة أو فى سفر طويل ؟
An الخلوة المنهى عنها والتى هى مظنة الغلط تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية فى مكان واحد لا يراهما فيه أحد ، أما الاجتماع فى الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات فلا تتحقق به الخلوة المحرمة ، وإن تحقق به محظور آخر، كالسفور والنظر إلى المفاتن والكلام اللين والملامسة ونحوها .
ومحصل ما قاله العلماء فى اجتماع الجنسين هو :
1- إذا كان الاجتماع ثنائيا ، أى بين رجل وامرأة فقط ، فإن كان الرجل ، زوجا أو محرما جاز وإن كان أجنبيا حرم .
2 - وإذا كان الاجتماع ثلاثيا ، فإما أن يكون بين امرأة ورجلين ، وإما أن يكون بين امرأتين ورجل ، فإن كان الأول جاز إن كان أحدهما زوجا أو محرما ، وإلا حرم "النووى على مسلم ج 9 ص 159 " وإن كان الثانى فإن كانت إحداهما محرما جاز وإلا ففيه قولان ، وقد ذكر النووى فى شرح المهذب والخطيب على متن أبى شجاع "ج 2 ص 120 " جواز الخلوة بامرأتين .
3-وإن كان الاجتماع رباعيا فأكثر فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إذا تساوى العدد فى الطرفين ، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة ، كمن دخلوا على زوجة أبى بكر الصديق أسماء بنت عميس وكان غائبا ، وإلا حرم .
ويشترط فى المحرم الذى تجوز الخلوة بالأجنبى مع حضوره ألا يكون صغيرا لا يستحيا منه ، كابن سنة أو سنتين ، وقال بعض العلماء :
تجوز الخلوة بالأجنبية إذا كانت عجوزا لا تراد، ولكن مع الكراهة ، أما الشابة مع كبير السن من غير أولى الإربة فقيل لا تجوز الخلوة به ، وقيل :
تجوز مع الكراهة .
هذا ملخص ما قاله العلماء فى الخلوة ومنه يعرف أن السائق الذى يوصل امرأة واحدة إن كان فى طريق مكشوف والناس ينظرون فلا حرمة فى ذلك ، وإن كان معه مجموعة من النساء فلا حرمة أيضا، أما الطريق الخالى من الناس كطرق الصحراء وغيرها فيحرم سفر امرأة واحدة مع سائق أجنبى ، أما مع مجموعة فينظر التفصيل السابق . ومثل السائق المدرس الخصوصى للبنت والبنات ، حتى لو كان يعلمهن القرآن الكريم(10/58)
طلاق المكره
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تزوجت وأحسست بالراحة والتوفيق فى زواجى ، ولكن والدى يرغمنى على طلاق زوجتى، مهددًا لى بعدم الرضا عنى وحرمانى من الميراث فماذا أفعل ؟
An فى حديث حسَّنه النووى من رواية ابن ماجه وابن حبان يقول النبى صلى الله عليه وسلم "رُفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفى رواية لأبى داود وابن ماجه "لا طلاق فى إغلاق" أى إكراه كما فسره علماء الغريب وروى سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم ابن سلام أن رجلا على عهد عمر تدلى بحبل ليجنى عسلا من خلية نحلٍ ، فهددته زوجته بقطع الحبل ليسقط ميتا إن لم يطلقها ، فطلقها لإنقاذ حياته ، فلم يجعله عمر طلاقا لأنه مكروه .
بذلك قال جمهور الفقهاء خلافا لأبى حنيفة وأصحابه ، فالله قد عفا عن النطق بكلمة الكفر ما دام القلب مطمئنا بالإيمان ، والطلاق أخف من الكفر فالعفو عند الإكراه عليه أولى .
غير أن للإكراه شروطا منها أن يكون ظلما وبعقوبة عاجلة لا مستقبلة، وأن يكون المكره غالبا قادرا على تنفيذ التهديد، بولاية أو تغلب أو هجوم مثلا، وأن يكون المكره عاجزا عن دفع الإكراه بنحو هرب أو مقاومة أو استغاثة ، وأن يغلب على ظنه وقوع ما هدَّد به إن لم يُطلِّق ، وألا يظهر منه ما يدل على اختياره كأن أكره على التطليق منجزا فطلق معلقا .
ثم قال الفقهاء : إن المعفو عنه فى الإكراه هو التلفظ فقط بالطلاق فلو نواه بقلبه مع التلفظ وقع ، لأن ذلك يدل على اختياره ، وقالوا : إن أسلوب الإكراه يختلف بالأشخاص وما هُدِّد به ، فهو يتحقق بالتهديد بكل ما يؤثر العاقل أن يُطلِّق ولا يقع ما هدَّد به ، كالقتل والضرب الشديد والحبس الطويل وإتلاف المال الكثير ومثله الضرب اليسير والحبس القصير عند أهل المروءات ، وإتلاف المال اليسير عند الفقير، وكذلك تهديد الوجيه بشتمه والتشهير به أمام الملأ كما قال الشافعية .
هذا ، وليس من الإكراه المعفو عنه تهديد الوالد لولده بعدم الرضا عنه إن لم يطلق امرأته أو بحرمانه من الميراث مثلا، وليس من بر الوالدين طاعتهما فى ذلك إذا كان لأغراض شخصية لا تمس الخلق والدين ، وعليه فأقول لصاحب السؤال : لا تطلق زوجتك لإكراه والدك لك بمثل ما جاء فى سؤالك ، ولو طلقت وقع الطلاق . وأنصح الوالدين بالتخلى عن مثل هذه الأساليب التى تخرب البيوت فأبغض الحلال إلى الله الطلاق ، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر بطاعة أبيه فى تطليق زوجته كما رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه ، وقال الترمذى :
حسن صحيح . لكن رفعت مثل هذه القضية إلى الإمام أحمد بن حنبل فلم يأمر الولد بطلاق زوجته إرضاء لوالده قائلا، ليس كل الناس كعمر، لأن عمر كان ينظر إلى المصلحة الدينية ، أما الدوافع الشخصية والدنيوية فلا تلزم الاستجابة لها ما دامت الناحية الدينية موفورة(10/59)
قص شعر المولود فى اليوم السابع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب قص شعر المولود فى اليوم السابع من ولادته والتصدق بالفضة أو الذهب بما يساوى وزن الشعر الذى تم تقصيره ؟
An يُسَنُّ -ولا يجب- حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، يستوى فى ذلك الذكر والأنثى ، وذلك لحديث رواه البيهقى أن فاطمة رضى الله عنها وزنت شعر الحسن والحسين ، وزينب وأم كلثوم رضى الله عنهم ، فتصدقت بوزنه فضة "نيل الأوطار ج 5 ص 145" .
وأما تلطيخ رأس المولود بدم الذبيحة التى يطلق عليها اسم العقيقة فباطل ، لأن الدم أذى ، والنبى صلى الله عليه وسلم قال "أميطوا الأذى" وكان المتبع عند العرب أن تستقبل أوداج الذبيحة بصوفة منها ثم توضع على يافوخ المولود حتى يسيل منها خيط الدم على رأسه ، ثم يغسل بعد ذلك ويحلق .
وجاء فى بعض روايات الحديث "ويدمى" وقد طعن المحققون فى هذا الحديث من جهة الإسناد، أو من جهة تصحيف كلمة "يسمى" إلى "يدمى" ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب زاد المعاد ج 2 ص 3 وما بعدها"(10/60)
عدة المسافرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا سافرت المطلقة إلى دولة يختلف توقيتها عن البلدة التى تم طلاقها فيها فكيف تحسب مدة العدة؟ وإذا ردها زوجها قبل إتمام العدة طبقا لتوقيت الدولة التى طلقت فيها وبفارق زمنى ساعة واحدة هل يعتبر عقد زواجها من شخص آخر باطلا ؟
An مدة العدة لمن يأتيها الحيض هى ثلاثة قروء ، وهذه لا دخل لاختلاف المواقت فيها أبدا ، فقد تطول مدتها وقد تقصر .
أما إذا كانت العدة بالأشهر كاليائسة فهى ثلاثة أشهر قمرية ، أى نحو تسعين يوما إذا كانت الأشهر كاملة العدد ، أى ثلاثين يوما لكل شهر، لكنها قد تكون تسعة وعشرين يوما فى بعض الأشهر .
وهذه الأشهر أيضا قد تختلف باختلاف الأماكن حسب ظهور الهلال ، ومعلوم أن كل يوم من الشهر مدته أربع وعشرون ساعة ، سواء كان الليل أطول من النهار أو العكس .
وعلى هذا لا يظهر معنى لما جاء فى السؤال ، اللهم إلا إذا كان يحسب الزمن مثلا بأن بدء الحيضة أو بدء الطهر منها -على الخلاف فى تفسير القرء- كان فى الساعة العاشرة صباحا فى بلدة ، أى قبل وقت الظهر بنحو ساعتين ، وعندما يسافر إلى بلد شرقى يحين وقت الظهر فيها قبل وقت الظهر فى بلده الأصلى -بحكم الفرق فى التوقيت - هذه المسألة تشبه مسألة الصيام ، هل يفطر الإنسان على توقيت بلده الأصلى أو على توقيت البلد الذى سافر إليه ؟ والصحيح أنه يأخذ بتوقيت المكان الذى غربت فيه الشمس فيفطر عند غروبها فيه حتى لو كان قبل غروبها فى بلده أو بعد غروبها فيه إن سافر إلى الغرب وقد يعمل بهذا فى المسألة التى معنا ، لكن الأولى الاحتياط للأبضاع ، وبخاصة أن الفرق ساعة أو ساعات قليلة لا يصعب انتظاره(10/61)
صيغة علىَّ الطلاق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يكثر على ألسنة الناس قولهم علىَّ الطلاق ، فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة؟
An قال العلماء : إن هذه الصيغة وهى : علىَّ الطلاق أو يلزمنى الطلاق ، تعتبر يمين طلاق يقصد به إثبات شىء أو نفيه ، أو الحث على فعل شىء أو تركه ، كقول القائل : علىَّ الطلاق أو يلزمنى الطلاق إن كان إبراهيم قد حضر أمس ، أو: علىَّ الطلاق لأفعلن كذا أو أتركن كذا . وقد أفتى بعض الحنفية كأبى السعود بعدم وقوع الطلاق بمثل هذه الصيغة ، اعتمادا منه على أن شرط صحة الطلاق أن يكون مضافا إلى المرأة أو إلى جزء شائع منها ، وهذا اللفظ لا إضافة فيه إليها ، فهو ليس من صريح الطلاق ولا من كنايته ، فلا يقع به الطلاق .
ويرى المحققون من الحنفية أن مثل هذا الطلاق واقع ، لاشتهاره فى معنى التطليق وجريان العرف بذلك ، والأيمان مبنية على العرف ، وهو وإن كان بصورة ظاهرة فى اليمين إلا أن المتبادر منه أنه تعليق فى المعنى على فعل المحلوف عليه وإن لم يكن فيه أداة تعليق صريحة . ويرى الإمام على وشريح وعطاء والحكم بن عيينة وداود الظاهرى والقفال من الشافعية وابن حزم - أن تعليقات الطلاق لاغية ، وصح عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس أنه قال فيها : إنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شىء، وروى عن طاووس أنه قال : ليس الحلف بالطلاق شيئا والشافعية يقيدون هذا من صيغ الطلاق ويوقعونه بها .
والعمل الآن فى المحاكم المصرية حسب القانون رقم 25 لسنة 1929م - كما تنص عليه المادة الثانية منه- على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه لا غير لا يقع . وقد سبق فى ص 279 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى توضيح ذلك فيرجع إليه(10/62)
زواج الصغيرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى بعض البلاد يزوجون البنات وهن صغيرات غير بالغات ، سواء أكان القانون يمنع أو يجيز فما حكم موافقة البنت على تزويج وليها لها؟
An من المعلوم أن عقد الزواج يشترط فى صحته تمييز المتعاقدين ، فإن كان أحدهما مجنونا أو صغيرا لا يميز فإن الزواج لا ينعقد ، وهنا يكون للولى الحق فى عقد الزواج ، فالصغيرة إن كانت مميزة لابد من استئذانها وموافقتها ، أما إن كانت غير مميزة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها بغير إذنها ، لأن الغالب أنهما يرعيانها ويريدان لها الخير، وقد زوج أبو بكر الصديق رضى الله عنه ابنته عائشة من الرسول صلى الله عليه وسلم وهى صغيرة دون إذنها، حيث لم تكن فى سن يعتبر فيها إذنها ، وليس لها الخيار إذا بلغت ، فكان سنُّها ست سنوات .
ومن أجل هذا استحب الشافعية ألا يزوجها الأب أو الجد حتى تبلغ ويستأذنها ، ولا يجوز لغير الأب والجد أن يزوج الصغيرة كما رآه الجمهور، فإن زوجها لم يصح الزواج ، لكن أبا حنيفة وجماعة من السلف أجازوا لجميع الأولياء وقالوا بصحة الزواج ، ولها الخيار إذا بلغت ، وذلك لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم زوَّج أمامة بنت حمزة - وهى صغيرة- وجعل لها الخيار إذا بلغت ، وهو لم يزوجها بوصفه نبيا ، بل لأنها قريبته وهو وليها لأنها بنت عمه ، ولو زوجها بوصفه نبيا لم يكن لها الخيار، كما قال تعالى : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} الأحزاب : 36 وقال بهذا الرأى عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة .
أما الكبيرة فلا يجوز إكراهها على الزواج كما تقدم توضيحه فى صفحة 593 من المجلد الأول من هذه الفتاوى(10/63)
التعامل مع المطلقة رجعيا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q طلقت زوجتى طلقة أولى رجعية وفى أثناء قضائها للعدة فى المنزل كانت تعاملنى كزوج في عدم تحجبها منى، وخدمتها لى، فهل هذا حرام ؟
An الإجابة على هذا السؤال مبنية على الخلاف فى أن الطلاق الرجعى يرفع عقد الزواج أو لا يرفعه ، يقول الجمهور: إن الطلاق الرجعى لا يمنع الاستمتاع بالمطلقة، ولا تترتب عليه آثاره ما دامت المطلقة فى العدة ، فهو لا يمنع استمتاعه بها ، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر، والنفقة عليها واجبة ، ويلحقها الطلاق والظهار والإِيلاء ، وله الحق أن يراجعها دون رضاها ، كما لا يشترط الإشهاد على الرجعة وإن كان مستحبا، وهى تحصل بالقول مثل : راجعتك ، وبالفعل مثل الجماع والقبلة واللمس .
والإمام الشافعى يرى أن الطلاق الرجعى يزيل للنكاح ، ولا بد لرجوعها أثناء العدة من القول الصريح ،ولا يصح بالوطء ودواعيه . ويشترط ابن حزم مع ذلك الإشهاد لقوله تعالى {وأشهدوا ذوى عدل منكم} الطلاق : 2 .
ومن هنا يجوز على رأى الجمهور أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتلبس الحلى وتضع الكحل ، لكن لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة كالتنحنح مثلا .
والشافعى قال : هى محرمة عليه تحريما قاطعا كالأجنبية تماما ، وقال مالك : لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها، وقيل : إنه رجع عن القول بإباحة الأكل معه .
وقد قلنا فى أكثر من موضع : إن الأمر إذا كان فيه خلاف ، فللإنسان أن يأخذ بما شاء من الآراء حسب الظروف التى تحقق المصلحة(10/64)
خروج المعتدة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q طلقنى زوجا طلاقا بائنا ولزمت البيت فى العدة وأنا أعمل لكسب عيشى فهل أنقطع عنه ، ومن أين آكل إذا لم أخرج ؟
An سبق فى صفحة 337- من المجلد الثالث من هذه الفتاوى الكلام عن المكان الذى تعتد فيه المطلقة والمتوفى عنها زوجها، وحكم خروجها من مكان العدة ، ولزيادة الإِيضاح أقول بالنسبة إلى خروجها من المنزل :
يقول الله تعالى : { يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا } الطلاق : 1 اختلف الفقهاء فى خروج المعتدة من المكان الذى تعتد فيه ، فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا البائن أن تخرج من بيتها ليلا ولا نهارا، أما المتوفى عنها زوجها فتخرج نهارا وبعض الليل ، ولكن لا تبيت إلا فى بيتها . والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها فى مال زوجها فلا يجوز لها الخروج كالزوجة، بخلاف المتوفى عنها زوجها فإنها لا نفقه لها، فلا بد أن تخرج بالنهار لكسب عيشها وقضاء مصالحها. وكانت عائشة رضى اللّه عنها تفُتى المتوفى عنها زوجها بالخروج فى عدتها ، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد اللّه لعمل عمرة .
وذهب الشافعية إلى عدم خروج المطلقة رجعيا لا ليلا ولا نهارا . أما المبتوتة فتخرج نهارا فقط ، وذهب المالكية إلى جواز خروج المطلقة بالنهار سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا ، فقد روى مسلم عن جابر أن خالته لما طلقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل ، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال " بلى ، فجذى نخلك فإنك عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا " وكان طلاقها ثلاثا .
والحنابلة أجازوا خروجها نهارا ، سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا . أما المتوفى عنها زوجها فلها الخروج نهارا فقط . فعندما استشهد رجال يوم أحد جاء نساؤهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقلن : يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال " تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " وليس لها المبيت فى غير بيتها ولا الخروج ليلا إلا للضرورة، لأن الليل مظنة الفساد .
وأقول لصاحبة السؤال: ما دام الطلاق بائنا فلك الخروج بالنهار أثناء العدة على أن يكون المبيت بالمنزل ، وذلك على رأى الجمهور(10/65)
دية المرأة والكتابى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا قتلت امرأة هل تكون ديتها كدية الرجل أو على النصف من ديته كالميراث وما هى دية الكتابى؟
An ذهب أكثر العلماء إلى أن دية المرأة إذا قتلت تكون على النصف من دية الرجل ، فقد روى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت رضى اللّه عنهم أجمعين ، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعا ، وذلك قياسا على نصيبها فى الميراث ، وعلى شهادتها فهى على النصف من نصيب الرجل وشهادته ، وليس فى ذلك نص فى القرآن أو السنة الصحيحة .
أما دية الكتابى وهو اليهودى والنصرانى فهى عند أبى حنيفة كدية المسلم لقول اللّه تعالى : {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة} النساء : 92 قال الزهرى : كانت كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة، حتى كان معاوية فجعلها على النصف يعطى له ، ويوضع النصف الثانى فى بيت المال ، ولما جاء عمر بن عبد العزيز ألغى النصف الذى يوضع فى بيت المال .
وديته عند مالك على النصف عن دية المسلم ، أما الشافعى فقال : إنها على الثلث ونساء أهل الكتاب ديتهن على النصف من دية الرجل منهم ، وقال أحمد بن حنبل فى رواية عنه : دية الذمى مثل دية المسلم إن قتل عمدا ، وإلا فنصف دية ، والأدلة والمناقشة يرجع إليها فى " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 68 - 72"(10/66)
سن الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك سن محددة لصحة عقد الزواج ، ولماذا قررت بعض الدول سنَّا معينة لذلك ؟
An ذكرت فى ص 357 من الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإِسلام أن التشريعات القديمة لم تهتم بتحديد سن للزواج ، حتى جاء فى أوروبا "جوستنيان" فحدده باثنتى عشرة سنة للبنت وبأربع عشرة للولد ، وإن كان ذلك لم يحترم بعد دخول النصرانية أوروبا ، كما حدث فى زواج مارى ستيوارت بهنرى الثامن وسنها ست سنوات .
والزواج المبكر كان منتشرا فى بعض البلاد الشرقية وما تزال صورته فى العصر الحديث كالهند التى تزوج الأجنة فى البطون ، بناء على فلسفة دينية فيها أن مجرد اسم الابن يخلص أباه من جهنم ثم انتهى الأمر عندهم إلى تحديده .
ومجاراة لسنة التطور لجأت الدول إلى وضع سن محددة للزواج ، وإن كان الناس يتحايلون على عدم احترام ذلك بطرق شتى .
والإِسلام لم يضع سنًّا محددة للزواج ، وإنما وضع حدًّا للتكليف بوجه عام . وهو البلوغ إما بالعلامة الطبيعية أو بمرور خمس عشرة سنة قمرية ، وللظروف أثرها فى العلامة الطبيعية ، غير أن هذه السن لم يجعلها الإِسلام أساسا لصحة العقد ، فقد أجازه قبل ذلك عن طريق أولياء الأمور .
وعلى الرغم من عدم تحديد سن الزواج فيستحسن أن يبكر به بأن يكون فى أوائل سنوات البلوغ حيث يكون نضج الفتى والفتاة ، وذلك لعصمتهما من الانحراف ، ومع ذلك فى التبكير الشديد إرهاق بالتكاليف التى تحتاج إلى عقل ورشد، ومن هنا أرى أن قيام بعض الحكومات بتحديد سن الزواج فيه خير، على أن يراعى فى التحديد كل الظروف ، وتجب طاعة أولى الأمر فى تنفيذ القوانين والقرارات ما دامت فيها مصلحة ، فالله يقول : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء : 59(10/67)
صلاة المرأة على الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تصلى على الجنازة؟
An نعم يجوز، حيث لا يوجد دليل بمنعها بل أقرها الصحابة حيث صلت النساء على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الرجال عليه ، والروايات ضعيفة، ولكن لم يثبت أن النساء مُنعن من الصلاة عليه وقد أمرت عائشة -رضى اللّه عنها- أن يؤتى بسعد بن أبى وقاص لتصلى عليه ، وذكر ابن الأثير فى أسد الغابة فى ترجمته أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم صلين عليه .
وقال النووى : ينبغى أن تسن لهن الجماعة كما تسن فى غيرها، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثورى وأحمد والأحناف ، وقال مالك : يصلين فرادى .
فالمهم أنه لا مانع من صلاة المرأة على الجنازة وذلك باتفاق الأئمة(10/68)
العداوة فى الأسرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد تفسير قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} وكيف يتناسب ذلك مع ما ورد فى الزواج من سكن ومودة ورحمة؟
An الأسرة تقوم على الزوج والزوجة والأولاد ، وهى إذا أحسن توجيهها حققت السكن والمودة والرحمة، لكن ليست كل الأسر تستطيع الالتزام بتوجيهات الدين ، ومن هنا يأتى القلق والبغض والقسوة ، وتكون المساءلة الشديدة أمام الله سبحانه ، ولذلك أوصى الإِسلام ببناء الأسرة على أسس القيم الرفيعة الموجودة فى الرجل والمرأة ، فتُختار المرأة ذات الدين والخُلق ، ويُختار الرجل ذو الدين والأمانة كما جاء فى السنة النبوية .
وإذا وجب على الأسرة أن تتعاون لتحقيق أهدافها فكيف تكون العداوة أو من أين تأتى؟ إن الآية الكريمة تبين أن بعض الأزواج -الزوجات- وبعض الأولاد قد يكونون أعداء للزوج والوالد ، وليس الكل أعداء ، وإلا ما كانت هناك حاجة إلى الزواج ، ولذلك عبرت الآية بلفظ " مِنْ " التى تفيد التبعيض .
والعداوة تأتى من مخالفة الوصية بحسن المعاشرة ، وعدم التزام أفراد الأسرة بالواجبات المفروضة عليها ، والاهتمام بالحقوق أكثر من الواجبات ، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف} النساء : 19 وقال : { ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} البقرة : 228 وقال { الرجال قوَّامون على النساء بما فضًل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء: 34 وقال: {وبالوالدين إحسانا} الإِسراء : 23 إلى غير ذلك من النصوص التى تبين الحقوق والواجبات .
جاء فى سبب نزول الآية التى فى السؤال أن بعض الرجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فى المدينة ، فأبى أزواجهم وأولادهم ، فلما أتوا النبى صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد تفقهوا فى الدين همُّوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم ، رواه الترمذى بسند حسن صحيح فنزلت الآية ولذلك جاء فى آخر الأية { وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} والعفو هو ترك المؤاخذة بالذنب ، والصفح هو إزالة أثره من النفس ، يقال : صفح عنه أعرض عن ذنبه ، وضرب عنه صفحا أى أعرض عنه وتركه ، والغفر هو الستر .
وقيل: نزلت فى عوف بن مالك الأشجعى ، كان إذا أراد الغزو بكت الزوجة والأولاد ورققوه قائلين : إلى من تتركنا؟ فيرق لهم . وفى حديث ضعيف "يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأولاده ، يعيّرونه بالفقر فيركب الصعب من أجلهم" .
ومن جهاد الزوج لهم ما فى البخارى أن الشيطان قعد لابن آدم -وسْوس أو أغرى زوجته وأولاده ليقولوا له- فى طريق الإيمان فقال: أتؤمن بالله وتذر دينك ودين آبائك ؟ فخالفه فآمن ، فقعد له فى طريق الهجرة فقال : أتهاجر وتذر مالك وأهلك ؟ فخالفه فهاجر، فقعد له فى طريق الجهاد فقال : أتجاهد فتقتل نفسك وتنكح زوجاتك ويقسم مالك ؟ فخالفه وجاهد ، فحق على الله أن يدخله الجنة وفي الحديث "الأولاد مَجبنة مبخلة" أو " مُجَبِّنَةٌ مُبَخِّلةٌ" رواه البغوى . وأخرج الترمذى عن خولة بنت حكيم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مُختَضِنٌ أحد ابني بنته وهو يقول "إنكم لتبخِّلون وتجبِّنون وتجهلون ، وإنكم لمن ريحان الله " . أى تحملون على البخل على غيركم إيثارا لكم ، وتحملون على الجبن والقعود عن الجهاد، وتحملون على الاعتداء على غيركم دفاعا عنكم .
والموضوع مبسوط فى كتابنا "تربية الأولاد فى الإِسلام" وفى هذا القدر كفاية(10/69)
شهادة المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الإسلام لم ينصف المرأة بمساواتها للرجل فى الشهادة حيث جعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل ، فكيف نرد عليهم ؟
An يقول الله سبحانه {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} البقرة : 282 .
وأبادر فأقول : إن مساواة المرأة بالرجل ليست على إطلاقها فى أى دين من الأديان ، بل ولا فى الشرائع المنصفة العاقلة ، فذلك أمر مستحيل لاختلاف النوعين فى التكوين والاستعداد ، وهو صنع اللّه سبحانه لإمكان تحقيق الإنسان للخلافة فى الأرض ، وهو يعلم المصلحة، ولا نعلم نحن ما يعلمه اللّه سبحانه .
وفى موضوع الشهادة قررت الآية السبب فى كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وهو تعرضها للنسيان كثيرا عند تحمل الشهادة وعند أدائها ، ولا بد من التسليم بما قاله القرآن فى ذلك ، وقد أثبت العلم أو أكد صحة هذا السبب ، وشرحه الدكتور السيد الجميلى "مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1415 هـ " حيث تحدث عن مرض "الهستريا" الذى يكثر عند النساء ، ومن مظاهره سرعة الانفعال والتحول من حال إلى حال قد يكون على النقيض ، وقد يفضى إلى الانفصام ، وكان القدماء يرون أن سمات هذه الهستريا لصيقة بالنساء لا تزايلهن ، لكن الواقع يؤكد إصابة الرجل بها أيضا لكن فى أضيق الحدود .
ولما كان للشهادة قيمتها فى إثبات الحقوق احتاط لها الشارع منعا للظلم وإقرارًا للعدل ، وقرر الفقهاء فى هذا الخصوص أن لشهادة المرأة مجالات .
1 -ففى مجال الأمور الخاصة بالنساء والتى لا يطَّلع عليها الرجال فى الغالب كالولادة والبكارة تقبل شهادة المرأة ولا حاجة إلى شهادة الرجل معها، وروى فى ذلك حديث "شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه " وهذا لا يمنع قبول شهادة الرجال ، كالأطباء الممارسين لأعمال التوليد والجراحة ، سواء أكانوا منفردين أم كان معهم نساء ومع قبول المرأة فى هذا المجال اختلف الفقهاء فى العدد اللازم لاعتمادها ، فقيل : تكفى شهادة امرأة واحدة ، وقيل : لا يكفى أقل من اثنتين إلا فى حالتين خاصتين وهما : استهلال المولود للحياة، وحالة الرضاع .
وقيل : لا بد من شهادة أربع من النساء إلا فى حالة الرضاع فتكفى شهادة امرأة واحدة .
2 - فى مجال الأمور المتصلة بالأسرة كالزواج ، رأى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة، بل لابد من رجلين على الأقل ، كما قال تعالى{يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } المائدة : 106 وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " رواه ابن حبان فى صحيحه ، وأجاز الحنفية شهادة رجل وامرأتين قياسا لشئون الأسرة على الشئون المالية .
3-وفى مجال المعاملات المالية نصت آية الدَّين على قبول شهادة المرأة مع الرجل ، وهى مذكورة فى أول الإجابة ، والتعليل كما سبق ذكره ليس فيه إهانة للمرأة ، بل هو تقرير للحقيقة من أجل الحفاظ على الحقوق ، وذلك هو الغالب فى النساء بالفطرة .
4 - وفى مجال الحدود والقصاص ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم قبول شهادتها فيها، وذلك لخطورتها ، حيث تدرأ الحدود بالشبهات ، وتقر القوانين أن الشك يفسر لصالح المتهم ، وقد تحملها رقتها فى هذا المجال على التغيير لصالح المتهم ، وأجاز ابن حزم شهادة النساء منفردات فى هذا المجال عدا حد الزنا "ملخص من مقال الدكتور عبد السميع أبو الخير فى المجلة المذكورة " .
ومن أراد الاستزادة فليرجع إليها لتوضيح الرأى الطبى والفقهى(10/70)
الرضاع من ميتة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الحكم لو رضع طفل من امرأة ميتة، هل يثبت به التحريم أو لا يثبت
An معلوم أن الرضاع فى الحولين يثبت حرمة بين الطفل وبين من رضع منها، وتمتد الحرمة إلى من يتصل بها على قاعدة " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " مع الخلاف فى عدد الرضعات التى تسبب التحريم ، والوسيلة التى وصل بها اللبن إلى جوف الطفل .
والرضاع من المرأة الميتة، إما أن يكون بعد موتها ، بأن يؤخذ منها اللبن أو يرضع منها الطفل وهى ميتة ، وإما أن يكون اللبن قد أخذ منها قبل موتها ثم رضعه الطفل بعد أن ماتت ، ففى الحالة الأولى يقول جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والحنابلة - وأهل الظاهر: يقع التحريم برضاع اللبن المأخوذ من المرأة الميتة ، لأن المقصود من اللبن التغذى وقد حصل ، يستوى فى ذلك أن تكون المرضع حية أو ميتة ، وأما الشافعية فيرون أن هذا الرضاع لا يثبت التحريم ، لأن اللبن من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة " الخطيب ج 2 ص 183 والمغنى ج 9 ص 198 " .
وفى الحالة الثانية التى حلب فيها اللبن وهى حية ثم شربه الطفل بعد موتها ، فالجميع متفقون على أنه يثبت التحريم(10/71)
مدة الرضاع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من يرضع وسنه أكبر من سنتين ، هل يثبت التحريم برضاعه ؟
An اتفق الفقهاء على أن الرضاع المثبت للتحريم يكون فى مدة الرضاع ولو رضع بعد ذلك لا يثبت برضاعه تحريم ، ولم يخالف أحد من العلماء فى ذلك ، لكن جاء أن السيدة عائشة رضى الله عنها تثبت به التحريم وتبعها داود الظاهرى وابن حزم فى ذلك .
وما هى مدة الرضاع التى يثبت التحريم فى أثنائها؟ الاتفاق بين الأئمة على أن الرضاع فى الحولين يثبت التحريم ، إذا كان الطفل لم يفطم أما إذا فطم فى أثناء الحولين ، ورضع قبل انتهائهما ، أو رضع بعد الحولين ، أو رضع وهو كبير ففيه خلاف .
أما رضاع الكبير الذى جاوز ثلاثين شهرا فالكل متفق على أنه لا يثبت به تحريم وخالف فى ذلك أهل الظاهر كما سبق ذكره، فإن لم يجاوز الثلاثين شهرا ورضع ثبت برضاعه التحريم حتى لو فطم قبل الرضاع على رأى أبي حنيفة، لأن المدة عنده ثلاثون شهرا بناء على قوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا }الأحقاف :15 حيث فسر الحمل بالحمل باليد وفى الحجر، وليس حمل الجنين فى البطن ، وأما قوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين }البقرة : 233 فمحله عند تنازع الوالدين على أجرة الرضاع عند الطلاق ، وقال بعض الأحناف : إن المدة ثلاثة أعوام وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبى حنيفة قالا: المدة حولان تكمل ثلاثين شهرا مع مدة الحمل وهى ستة أشهر، ويقال : إن أبا حنيفة رجع عن قوله ليطابق قول الصاحبين وقول سائر الأئمة فى أن من جاوز الحولين لا يثبت برضاعه تحريم .
وأجابوا عن رأى عائشة الذى تابعها فيه داود وابن حزم بأنه منسوخ بحديث " لا رضاع إلا ما كان فى الحولين " رواه الدارقطنى .
والمالكية زادوا على الحولين شهرا أو شهرين ما دام الطفل يعتمد على الرضاعة، أو يتناول معه شيئا يضره الاقتصار عليه ، ولو فطم يوما أو يومين ثم عاد إلى الرضاعة يثبت التحريم . والشافعية جعلوا المدة حولين قمريين وكذلك قال الحنابلة وذكر الشوكانى " نيل الأوطارج 6 ص 333" تسعة أقوال فى تقدير المدة يرجع إليها من شاء .
وأما رأى الظاهرية وابن حزم فمعتمد على حديث رواه مسلم وأحمد أن أم المؤمنين أم سلمة قالت لعائشة رضى الله عنهما : إنه يدخل .
عليك الغلام الأيفع - المقارب للبلوغ - الذى ما أحب أن يدخل علىَّ، فقالت عائشة : أما لك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ وقالت :إن امرأة أبى حذيفة قالت : يا رسول الله إن سالما يدخل علىَّ وهو رجل ، وفى نفس أبى حذيفة منه شىء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضعيه حتى يدخل عليك " وفى رواية عن أم سلمة أنها قالت : أبَى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة ، وقلن لعائشة : ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة ، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا . ولم يأخذوا بخصوصية ذلك لسالم مولى أبى حذيفة، فهو رأى وليس حديثا لكن الجمهور قال : إن هذه خَصوصية ، والحكم العام هو عدم تحريم رضاع الكبير، والشوكانى فى نيل الأوطار: "ج 6 ص 332" تحمس لرأى ابن حزم وقال : إنه مذهب على بن أبى طالب(10/72)
الطلاق السنى والبدعى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الطلاق السنى والطلاق البدعى . وما معنى الطلاق البائن ؟
An الطلاق السنى فى عرف الفقهاء هو طلاق المرأة فى غير طهر جامعها فيه وليست حاملا ولا آيسة ولا صغيرة ، والطلاق البدعى هو طلاق المرأة المد خول بها فى الحيض أو فى النفاس أو فى طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها .
والطلاق البدعى وإن كان مكروها أو محرما يقع على رأى جمهور الفقهاء، وقد صح أن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما طلق زوجته وهى حائض ، فسأل عمر الرسول عن ذلك فقال " مُرهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع " .
وللعلماء كلام طويل حول هذا الحديث ، رأى بعضهم أن الطلاق وقع لأن الرسول أمره بمراجعتها ، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق ، ورأى بعضهم عدم وقوعه . ويمكن الرجوع إلى توضيح ذلك فى كتاب " زاد المعاد " لابن القيم .
هذا ، والطلاق البائن نوعان ، الأول بائن بينونة صغرى ، وهو ما كان قبل الدخول ، أو كان بعده وطلقها على عوض وهو الخلع ، أو طلقها طلاقا رجعيا للمرة الأولى أو الثانية ثم انتهت عدتها . وهذا النوع لا بد فيه من عقد جديد مستوف للأركان ، والشروط إذا أراد المطلق أن يعيدها إلى عصمته ، والنوع الثانى بائن بينونة كبرى، وهو الطلاق المكمل للثلاث ، وهو يحتاج إلى زواج آخر صحيح بنية التأبيد لا التحليل حتى يمكن أن يعيدها إلى عصمته ، قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . .. } البقرة : 229 ثم قال بعد ذلك { فإن طقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة 230 ] . وبشرط المباشرة الجنسية كما نص عليه الحديث الشريف ، ويمكن الرجوع في توضيح ذلك إلى عنوان زواج التحليل فى صفحة 555 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى(10/73)
الرضاع وحقن اللبن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الحكم لو وصل لبن المرأة إلى الطفل بطريق الحقنة وليس بطريق الرضاع ، هل يثبت به التحريم فى الزواج ؟
An النصوص الواردة قى القراَن والسنة عبَّرت بالرضاع ، والرضاع معروف أنه مَصُّ اللبن من الثدى ، أما وصول اللبن إلى الطفل بغير ذلك ففى حكمه خلاف ، يرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن حكم الرضاع يثبت بمص اللبن من الثدى ، وبصبه فى الفم ، وهو ما يعبر عنه بالوجور، وكذلك بالسعوط وهو صبه فى الأنف ، ومثله ما لو عمل اللبن جبنا وأكله الطفل ، وأبو حنيفة يخالف فى مسألة الجبن ، لزوال اسم اللبن عنه .
أما داود وابن حزم الظاهريان فقصرا الرضاع المحرم على المص بالفم فقط ، واستدل الجمهور بأن الغرض من الرضاع وهو طرد الجوع ، وإنبات اللحم ونشز العظم يحصل بأية وسيلة تكون ، كما جاء التعبير عن الغرض فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التى رواها البخارى وغيره .
وإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل بحقنة شرجية لم يحرِّم عند أبى حنيفة ومالك واحمد، ويحرِّم عند الشافعى، كما يفطر به الصوم . وله رأى آخر كالجمهور، لأن الحقنة فى الشرج ليست للتغذية ولكن للإسهال .
ورأى الظاهرية معتمد على النص على الرضاعة وهى لا تكون إلا بمص اللبن من الثدى ، فهم ملتزمون بالنص ، والآخرون ناظرون إلى الحكمة ، والوسائل فى تغير وتطور(10/74)
أدب النساء فى الطرق والمجالس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى سير النساء ووجودهن فى الأماكن العامة مرتديات ملابس تثير غرائز الشباب ؟
An إذا خرجت المرأة من بيتها وكان هناك أحد أجنبى عنها وجب عليها أن تستر ما أمر الله بستره بملابس سابغة ليست محددة ولا شفافة ، وأن تبتعد عن الزينة اللافتة للنظر، وعن العطور النفاذة ، وان تلتزم الأدب فى مشيها وكلامها وفى كل أحوالها ، كما نصت عليه الآيات والأحاديث .
والمقصرة فى ذلك تسىء إلى نفسها بالتعرض لها أو التحرش بها، وتسئ إلى أسرتها وتسئ أيضا إلى المجتمع كله ، والحديث الذى رواه البخارى ومسلم يقول " ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء" وعلى المسئولين من الأباء والأزواج بالذات أن يراقبوا ذلك منعا للضرر وحفاظا على الشرف ، فالله يقول { نما أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } التحريم : 6 والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث المتفق عليه " والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته " .
وإذا كان على الرجال أن يراعوا أمر الله من الحفاظ على الشرف والحرمات فكذلك على النساء أن يراعين ذلك . فعندما قال عن الرجال { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } النور :
30 قال عن النساء { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن . . . } النور :31 .
وإذا كانت القوانين الوضعية - كالقوانين الدينية - تحرم الاغتصاب فعليها أيضا أن تحرم الخروج على الآداب من الطرف الاخر، ليتعاون الجميع على تحقيق الغرض من التشريع . ورحم اللّه مصطفى صادق الرافعى الذى قال : إذا عاقبت الفتى مرة فإنى أعاقب الفتاة مرتين ، لأنها كشفت اللحم للقط .
إن الإصلاح لا يكون من طرف واحد، بل لابد من تعاون كل الأطراف ، وعدم المبالاة والسكوت على الباطل يأباهما الدين ، والله يقول { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } الأنفال : 25 ](10/75)
الطلاق بالرجال
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : الطلاق بالرجال ، وكيف تكون العصمة بيد المرأة ؟
An روى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " يقول ابن عباس : أتى رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول اللّه ، سيدى زوجنى أمته وهو يريد أن يفرق بينى وبينها ، فصعد النبى صلى الله عليه وسلم المنبر فقال " يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن " يفرق بينهما؟إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " قال ابن القيم عن هذا الحديث : فى إسناده مقال ولكن القران يعضده . وذكره السيوطى فى الجامع الصغير ورمز له بأنه حسن من رواية الطبرانى عن ابن عباس ، وقال لمناوى فى " فيض القدير" رمز المصنف بحسنه ليس فى محله .
ولمهم -بيان أن الطلاق يكون بيد الرجل ، لأن الله جعل له القيام على المرأة بسبب مواهبه وبما كلف به من دفع المهر لها والإنفاق عليها، قال تعالى { الرجال قوامون على لنساء بما فضَل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالمهم } النساء : 34 ومن لوازم هذا أن تكون العصمة بيده ، إن شاء أمسك وإن شاء طلق . ولقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم لمؤمنات ثم طلقتموهن } لأحزاب : 49 وقوله { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } البقرة : 131 حيث جعل الله الطلاق لمن ينكح ، إن شاء أمسك وإن شاء طلق . ولأن الرجل أعقل من المرأة وأضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب على الطلاق ، وقد أفاض ابن القيم فى بيان حكمة التشريع فى جعل الطلاق بيد الرجل ، وذلك فى كتابه" زاد المعاد" ج 4 ص70، 13 2 فمن الصواب أن يكون الطلاق بيده .
ومع كون الطلاق حقا للرجال أجاز بعض العلماء أن ينيب غيره فيه بأن يجعل له حق تطليق زوجته استنادا إلى تخيير النبى صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد مَرَّ توضيح ،ذلك فى صفحة 591من المجلد الأول من هذه الفتاوى فليرجع إليه(10/76)
تقبيل زوجة الابن وأم الزوجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للرجل أن يقبل زوجات أبنائه ، وما حكم الدين إذا صاحب ذلك نوع من الشهوة؟
An زوجة الابن من المحرمات على الأب بمجرد عقده عليها، فهى كبنته فى الحرمة، قال تعالى فى آية التحريم فى النساء : 23 { وحلائل أبنائكم الظين من أصلابكم } فإذا كانت قبلته لبنته رحمة وحنانا وتكريما فلا حرج فى ذلك ، والرحمة والحنان والتكريم يتنافى مع القصد الخبيث الذى يثير الشهوة ، فإذا كانت القبلة بشهوة كانت محرمة دون شك فى ذلك ، لأنها فتنة، وقد يستغل تحريم الزواج بها استغلالا سيئا ، وبخاصة إذا كانت جميلة وهو لم يزل فى سِن لا تحول بينه وبين إشباع رغبته المعروفة ، حتى لقد قال العلماء : إن تقبيل الولد لأمه إذا كان بشهوة فهو محرم .
ومن أجل الخطورة فى مثل هذه الحالة حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء فى غيبة أزواجهن ، ولما سأله واحد : أفرأيت الحمو يا رسول اللّه ؟ قال " الحمو الموت " والحمو هو قريب الزوج كأخيه وقريب الزوجة كابن عمها وابن خالها . رواه مسلم .
هذا ، ويقال مثل ذلك فى تقبيل الرجل لأم زوجته ، فهو جائز بدون قصد الشهوة لأنها بمنزلة أمه ، فهى من المحرمات عليه بمجرد العقد على بنتها قال تعالى { وأمهات نسائكم } النساء : 23 وكذلك تقبيل المرأة لزوج بنتها حلال لحرمة زواجه منها ، فهو كابنها، ولكن أحذر من أن يكون ذلك بشهوة ، وبخاصة إذا كانت المرأة غير متزوجة وفى سِن تحس فيه بالحاجة إلى ما تحس به كل امرأة، أو كان زوجها غائبا عنها مدة تحس فيها بألم الفراق .
وقد يخفى الألم فى نفسه من يرى أن أباه يقبِّل زوجته ، ومن يرى أن زوجته تقبل زوج بنته أو يقبلها ، وبعض الزوجات الشابات يشكون من تقبيل أزواجهن لأمهاتهن وبخاصة إذا كان فى التقبيل مبالغة أو صاحبته أحضان ، فالواجب مراعاة ذلك مع الإيمان بأن الله يعلم النيات ، ولكل امرئ ما نوى(10/77)
لبن الفحل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل له زوجتان ، رضعت من إحدى هاتين الزوجتين ، فهل يصح لى أن أتزوج بنت هذا الرجل من زوجته للأخرى التى لم أرضع منها؟
An المعلوم أن الولد إذا رضع من امرأة فى مدة الحولين خمس رضعات معلومات صار- على رأى الشافعى وهو المختار للفتوى - اخا لكل أولادها ، يستوى فى ذلك من رضع معه ومن رضع قبله أو بعده - فلا يصح أن يتزوج من إحدى بناتها لأنهن أخواته ، ولا من أخوات المرضع لأنهن خالات له ، وكذلك لو رضعت بنت من امرأة حرم عليها كل أولادها لأنهم أخوتها ، وحرم عليها إخوة المرضع لأنهم أخوالها ، وقد جاء فى الحديث المتفق عليه "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" .
لكن هل يصير زوج المرضع أبا للرضيع أو لا ؟ هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء قديما وحديثا، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة ، على أن الرضاع يثبت أبوة زوج المرضع للرضيع ، فهو الذى تسبب فى نزول لبنها الذى رضعه ، وعليه يكون جميع أولاد هذا الزوج إخوة وأخوات للرضيع يستوى فى ذلك أولاده من الزوجة التى أرضعت الرضيع ، وأولاده من الزوجة الأخرى التى لم يرضع منها .
ودليلهم فى ذلك ما رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخل علىَّ أفلح أخو أبى القعيس ، فاستترت منه ولم اذن له ، فقال :
أتستترى منى وأنا عمك ؟ قلت : من أين ؟ قال :أرضتك امرأة أخى ، فقلت : إنما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه ، فقال : " إنه عمك فليدخل عليك " .
ومن أدلتهم كذلك ما رواه البخارى أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية ، والأخرى غلاما ، فهل يتزوجان ؟ فقال : لا، اللقاح واحد .
يقول النووى : لم يخالف فى هذه المسألة إلا أهل الظاهر وقليل ،ودليلهم عقلى أكثر منه نقليا ، فما احتجوا به ليس نصا فى دعواهم .
وتفريعا على رأى الجمهور فى ترتب التحريم على لبن الفحل وهو زوج المرضعة ، قد يكون الأخوان من الرضاع شقيقين إذا رضعا من زوجة رجل واحد ، وقد يكونان أخوين لأم ، إذا أرضعت أحدهما بعد ولادتها من زوج ، ثم أرضعت الاخر بعد ولادتها من زوج اخر، وقد يكونان أخوين لأب ، إذا كان لرجل زوجتان ، رضع أحدهما من زوجة والاَخر من زوجته الأخرى .
وعلى هذا نقول لصاحب السؤال : لا يجوز لك ان تتزوج من بنت هذا الرجل من زوجته الأخرى، غير زوجته التى أرضعتك فهى أختك من الأب(10/78)
الزغاريد فى الأفراح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم زغاريد النساء فى الأفراح ؟
An زغاريد النساء فى الأفراح تعطى حكم صوت المرأة وغنائها، فإذا كانت بنبرات عادية غير فاتنة فلا بأس بها ، وبخاصة إذا كانت فى محيط النساء لا تصل إلى الرجال الأجانب ، أما إن كانت بنبرات فيها إثارة أو فتنة ، فالشرع لا يوافق عليها إذا وصل صوتها إلى الرجال الأجانب كما هو الغالب فى أفراح اليوم(10/79)
نقوط الفرح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى المجاملات بين الناس فى حالات الزواج وغيرها بتبادل الهدايا والأموال بما يسمى "النقطة " بغرض المساعدة، وكثيرا ما ينتظر الناس هداياهم وأموالهم وقد يطالبون بردها؟ وهل تعد هذه الهدايا والأموال دينا إذا توفى الشخص المتلقى للهدايا والأموال ، فيقوم أهله بردها؟
An النقوط الذى اعتاد الناس تقديمه بمناسبة الزواج - قال عنه علماء الشافعية :
إنه من باب الإعارة ، يرجع به صاحبه سواء أكان مأكولا أم غير مأكول "حاشية عوض على الخطيب فى باب الهبة" وعلى هذا الرأى تكون الهدايا دينًا يلزم الوفاء به فى حياة الإنسان وبعد مماته ، ويخرج ذلك من التركة قبل توزيعها كما نص القراَن الكريم فى آيات المواريث { من بعد وصية يوصى بها أو دين } وبعض الناس يحرصون على رده أورد مثله فى مناسبة مماثلة، وقد يسبب التقصير فى ذلك مشاكل كبيرة، والأعراف على كل حال تختلف .
فيرجع إلى العرف ليحكم عليه بأنه هبة للمساعدة والمجاملة ، لا ينظر إلى ردها ، أو بأنه إعارة أو سُلفة لابد من ردها أو رد مثلها ، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطا .
وأرجو أن يدفع بسخاء نفس ولا ينظر إلى رده ، فقد تحول الظروف دون ذلك ، وقد تختلف القوه الشرائية فيكون الهمس والتعليق الذى يحز فى النفس . إن قصد الهبة قصد طيب يحقق معنى التعاون على البر، واجرها كبير عند الله ، والأعمال بالنيات(10/80)
ما يثبت به الرضاع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الوسائل التى يثبت بها الرضاع ؟
An لا شك أن الرضاع من موجبات التحريم فى الزواج ، بنص القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف . كما أنه يحتاط فى الأبضاع ما لا يحتاط فى غيرها .
وإذا كان هناك خلاف فى عدد الرضعات المحرِّمة فإن الأحوط قبل الزواج أن يؤخذ بالقول الذى يحرم برضعة واحدة ، وإن جاز الزواج على أقوال أخرى ، كما أن الأحوط بعد الزواج ، وبخاصة إذا كانت هناك ذرية، أن تبقى الأسرة على وضعها بناء على القول الذى لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات أو أكثر، وإن وجب التفريق على أقوال أخرى .
والملاحظ أن أمر الرضاع يطلع عليه النساء أكثر من الرجال ، ولذلك قبل فيه بعض الأئمة شهادة النساء دون حاجة معهن إلى الرجال ، فيثبت بشهادة أربع نسوة .
كما يلاحظ أن بعض النساء اللاتى لسن على الدرجة المطلوبة من خوف الله ، إذا رغبن فى زواج رجل وامرأة ينكرن حدوث رضاع بينهما ، وإذا لم يرغبن فى هذا الزواج ، سواء أكان قبل إتمامه أو بعده يؤكدن أنه حدث بينهما رضاع ،وهنا تكون المشكلة .
وقد تحدث العلماء عما يثبت به الرضاع ، فقالوا يثبت بالإقرار أو البينة .
الإقرار :
يراد بالإقرار اعتراف الطرفين ، أو أحدهما ، وهذا الإقرار قد يكون قبل الزواج أو بعده .
1 - فإذا أقر رجل بأن هذه المرأة أخته من الرضاع فإن صدقته فى إقراره ثبتت الحرمة بينهما بهذا التصادق ، سواء أكان قبل الزواج أو بعده ، وكذلك إذا أقرت المرأة وصدقها الرجل .
وعند الافتراق قبل الدخول فلا شىء لها من المهر، وإن كان بعد الدخول وجب الأقل من المهر المسمى ومهر المثل ، وذلك شأن كل نكاح فاسد أعقبه دخول ، ولا تجب لها نفقة فى عدتها ولا سكنى .
2 - وإذا أقر الرجل وكذبته المرأة ثبت التحريم أيضا ووجب التفريق بعد الزواج ، فإذا كان قبل الدخول وجب لها نصف المهر، وإذا كان بعد الدخول وجب المهر كله ، إذا كان مسمى ، كما أن لها النفقة والسكنى فى مدة العدة، لأن إقراره حجة قاصرة عليه ، ولا يتعدى إلى حقوق المرأة بالإبطال ما دامت مكذِّبة له .
فإذا رجع عن إقراره بالرضاع يقبل رجوعه بشرط ألا يكون قد أكد إقراره الأول بما يفيد اليقين . ولو كان رجوعه بعد العقد يبقى العقد قائما كما كان .
3- وإذا أقرت المرأة بالرضاع وكذبها الرجل فلا يجوز لها أن تتزوجه فإذا رجعت عن إقرارها يجوز لها الزواج ، أما إن كان الإقرار بعد الزواج وكذبها الزوج فلا عبرة بإقرارهما حتى لو أصرت عليه لأنها متهمة فيه ، فقد يكون لها غرض فى التخلص منه بهذا الادعاء، بخلاف إقراره هو فإنه يقبل ولا عبرة بإنكارها ، لأنه غير متهم فى إقراره بأنه يريد التخلص منها ، لأن تخلصه منها ممكن بالطلاق الذى يملكه ، دون حاجة إلى الإقرار بالرضاع ولدوران الحكم على التهمة لو كان أمرها بيدها فى الطلاق تصدق فى إقرارها بالرضاع .
البينة إذا كان هناك اتفاق بين العلماء على اعتبار البينة فى ثبوت الرضاع فإن بينهم خلافا فى قدر هذه البينة والعدد الذى يعتبر فيها .
فمنهم من اكتفى بشهادة النساء وحدهن ، وهؤلاء منهم من يكتفى بامرأة واحدة إذا كانت معروفة بالصدق والعدالة ، ومنهم من يشترط العدد ، وهو امرأتان على الأقل ، ومنهم من يشترط أربع نساء ، ومنهم من لا يكتفى بشهادة النساء وحدهن ، فالرضاعة لا تثبت عندهم إلا برجلين ، أو رجل وامرأتين .
1 - فالذين يكتفون بشهادة امرأة واحدة هم الحنابلة ، وهو رواية عن مالك ، وهذا القول مروى عن عثمان وابن عباس والزهرى والحسن وإسحاق والأوزاعى ومروى كذلك عن أبى عبيد إلا أنه قال : يجب على الرجل أن يعمل بقول المرأة فيفارق زوجته ، لكن لا يجب على الحاكم أن يحكم بشهادتها وحدها إذا رفع الأمر إليه . واستدل هؤلاء بحديث رواه البخارى وغيره أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحى بنت إهاب ، فجاءت بأمة سوداء وأخبرتهما بأنها أرضعتهما، ولما رفع الأمر إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أبره أن يفارقها على الرغم من أن عقبة يظنها كاذبة ، ولما كرر عقبة على الرسول هذا الخبر قال له "كيف وقد قيل ، دعها عنك " .
فدل هذا على أن الزواج وقع فاسدا وتجب المفارقة . ولو كان قد وقع صحيحا وأراد له النبى أن يفارقها استحبابا لا وجوبا لقال له :
طلِّقها، ولم يقل له ذلك .
ثم قال أصحاب هذا الرأى ، ردًّا على من يشترطون العدد فى الشهادة إن قوله تعالى : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} البقرة : 282 ، قول عام يخصص بحديث عقبة المذكور .
وردوا أيضا على ما روى أن عليًّا وابن عباس والمغيرة لم يفرقوا بين الزوجين بسبب شهادة واحدة على الرضاع بأن المقرر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عن الرسول ، فكيف تكون حجة وهى معارضة لما ثبت عنه .
2 -والجمهور على عدم الاكتفاء بشهادة واحدة على الرضاع ، ومن هؤلاء من اكتفى بشهادة امرأتين ، وهو الإمام مالك ومنهم من اشترط أن يشهد رجلان أو امرأتان وهو أبو حنيفة ، ومنهم من أجاز الشهادة من أربع نسوة وهو الشافعى .
هذا ، وقد قال الشوكانى فى نيل الأوطار ، (ج 6 ص 338) : حكى فى البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية أنه يجب العمل بالظن الغالب فى النكاح تَحريما ، ويجب على الزوج الطلاق إن لم تكتمل الشهادة ، بدليل حديث الأمة التى شهدت برضاع عقبة وأم يحيى ، وقال الإمام يحيى: الخبر محمول على الاستحباب ، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى كتاب "أحكام الأسرة فى الإسلام " للدكتور محمد شلبى(10/81)
الطلاق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن الطلاق محرم فى الأديان الأخرى فلماذا أباحه الإسلام ؟
An الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية ، لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه وهو السكن والمودة ورعاية النسل ، وكل شركة لا توفَّق فى تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تنحل ، ويسعى أصحابها للبحث عن شركاء آخرين صالحين لإنتاج الخير .
وجاء الإسلام وهو خاتمة الرسالات فأبقى على هذا المبدأ ونظمه ووضع له ضوابط لعدم إساءة استعماله ، فأباح للزوجة إن كانت كارهة لزوجها أن تفتدى منه بمال ، وأباح للزوج إن تضرر من زوجته ولم يطق صبرا على ما يراه منها أن ينفصل عنها بعد محاولة التوفيق بين الطرفين ، وحفظ الحقوق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " .
ومن وجوه الحكمة فى تقرير مبدأ الطلاق :
1 -قد تكون الزوجة عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج ، ولا ترضى الزوجة بأن يضم إليها أخرى .
أو لا يستطيع هو أن ينفق على زوجتين ، وبالمثل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وجود النسل ، وهى تتوق لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق .
2 - وقد يكون بأحدهما مرض معد يحيل الحياة إلى متاعب وآلام ، فيكون العلاج بالطلاق .
3-قد يكون الزوج سيئ العشرة خشن المعاملة لا يجدى معه النصح ، وقد تكون هى كذلك فلا مفر من الفراق .
وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لابد منه ، والواقع يقرر أن للطلاق مضار بجوار ما فيه من منافع ، فله أثره على المرأة إذا لم يكن لها مورد رزق تعتمد عليه ويخشى أن تسلك مسالك غير شريفة ، وله أثره على الرجل فى تحمل تبعاته المالية والنفسية إذا لم يجد من تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه ، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يجدون الرعاية الصحيحة فى كنف الوالدين ، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم ، وإما أن يتشردوا فلا يجدوا ما يحميهم من الانحراف ، وفى ذلك كله ضرر على المجتمع .
من أجل هذا جعله الإسلام فى أضيق الحدود، ونهاية المطاف فى محاولة التوفيق ، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله ، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التى يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية ، فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة ، يجئ أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا، فيقول له : ما صنعت شيئا، قال ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله ، قال فيدنيه ، أو قال : فيلتزم ويقول : نعم أنت " رواه مسلم . وكما حذر منه الرجل حذَر المرأة فقال : "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن . وكان من هدى الإسلام فى الحد منه إلى جانب ما ذكر :
1 -أنه وصف الزواج بالميثاق الغليظ وذلك يدعو إلى احترامه وعدم التفكير فى حله ، قال تعالى{وكيف تأخذونه وقد أفض بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء : 21 .
2 -جعل الطلاق على مراحل من أجل التجربة فلم يحكم بهدم الحياة الزوجية من أول نزاع بين الزوجين ، بل جعله على ثلاث مرات يملك بعد كل من الأولى والثانية أن يراجعها ، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تتزوج غيره ، قال تعالى{الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى أن قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة : 229 ، 230 .
3- ندب إلى إمساك الزوجة وعدم طلاقها إن كرهها لأمر وفيها أمور تدعو إلى إمساكها ، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء : 19 ، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر " رواه مسلم .
4 - أمر الزوج بضبط أعصابه والتريث فى تقويم زوجته ، قال تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن . فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} النساء: 34 .
5 -إذا لم يستطع الطرفان علاج المشكلة تدخلت عناصر للعلاج تهمها مصلحة الزوجين قال تعالى{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفِّق الله بينهما . إن الله كان عليما خبيرا} النساء : 35 .
6 - صان قداسة الزوجية من العبث فحذر من صدور كلمة الطلاق حتى على سبيل الهزل . ففى الحديث " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود .
7-لم يحكم بطلاق المجنون والمكره عليه ففى الحديث "رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبى حتى يدرك ومن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داود وصححه وفيه أيضا "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات وليس فيه علة قادحة ، وفيه "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق " رواه أبو داود والحاكم وصححه . وفسر الإغلاق بالإكراه كما فسر بالغضب وألحق بعض العلماء السكران بالمجنون .
8 - لا يقع الطلاق بحديث النفس دون تلفظ به ، ففى الحديث "إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " رواه البخارى ومسلم .
9 -حرم على المرأة أن تشترط لزواجها أن يطلق الزوج من هى تحت يده ، ففى الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما فى صحفتها، فان لها ما قدِّر لها" رواه البخارى ومسلم .
10 - جعل العصمة أصلا بيد الرجل ، لأنه هو الذى دفع المهر، ويتكفل بنفقة الزوجية وهو أضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب عليه . وفى دليله مقال .
11 - وهناك تشريعات أخرى كعدم وقوع الطلاق قبل النكاح ، والطلاق المعلق الذى لا يقصد به التطليق ، وما يسمى بالطلاق السنى والبدعى ، وفيها نصوص وخلاف للعلماء .
هذه بعض التشريعات التى تساعد على الحد من الطلاق ، وقد علمنا أنه حل يلجأ إليه عند تعذر الإصلاح ، . وأخذت به كل التشريعات قديمها وحديثها ، وما لجأت إليه بعض الدول من تحريمه وإباحة التفريق الجسدى أدى إلى أخطار كثيرة وانحرافات شكا منها المصلحون .
ومحاولات بعض الدعاة للتجديد وتحرير المرأة للحد منه باقتراحات وإجراءات قضائية ، قد تزيد المشكلة تفاقما ، وتقضى على فرصة العودة بعد تجربة الفراق وتكشف ما كان ينبغى أن يبقى مستورا، بل جعلت بعض الشباب يحجم أو يتأخر عن الزواج خشية تبعاته وتبعات الفراق ، وفى ذلك إضرار بالمرأة أيضا من حيث يظن المتحررون أنهم يخدمونها .
وفى اتباع هدى الإسلام تشريعات وخلقا ، مع الإخلاص المتبادل ، ما يغنى عن كل هذه الاقتراحات ، التى لا يعدم من لا ضمير عنده أن يتحايل حتى لا يقع تحت طائلتها ، والواقع يشهد بذلك ، فلنحرص على التمسك بالدين ولنتعلم ما جاء عن الله ورسوله بفهم دقيق وإحاطة وشمول ففيه الخير كله {ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم } آل عمران : 101 .
هذا ، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بالطلاق لا مجال لذكرها هنا ، والمقصود هو بيان حكمة مشروعيته ورفع الاعتراض عن تقرير الإسلام له ، أما ما تختلف فيه القوانين المعمول بها فى البلاد الإسلامية فهو فى مسائل فرعية وللاجتهاد فيها مجال كبير، وذلك لا يضر ما دام الأصل سليما وهو مشروعيته وعدم إبطاله . فهو تشريع حق عادل منصف لا عيب فيه ، وإنما العيب على من يجهلونه أو يسيئون تطبيقه .
وقد بحث موضوع الطلاق فى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى سنة 1385 هـ (1965 م )وانتهى فى قرارته إلى أن الطلاق مباح فى حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية ، وأن طلاق الزوج يقع دون حاجة إلى إذن القاضى .
وللاستزادة بعد كتب الفقه يمكن الرجوع إلى :
1 -كتاب الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج .
2-أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى .
3-بحث تنظيم الأسرة للشيخ (محمد أبو زهره ) من بحوث المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية .
4 -الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء السادس(10/82)
نكاح الزانية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما علاقة الزنا بالشرك فى قوله تعالى{الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة} وما سبب نزول هذه الآية؟
An يقول الله تعالى{الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرِّم ذلك على المؤمنين } النور: 3 ، جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآية أن "مرثدا الغنوى" وكان يحمل الأسارى بمكة - استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى نكاح "عناق " وكانت بغيا - تحترف الزنا - فقرأ عليه هذه الآية وقال "لا تنكحها" رواه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم . قال الخطابى : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة أما الزانية المسلمة فإن العقد عليها صحيح لا ينفسخ وقال الشافعى : قال عكرمة : معنى الآية أن الزانى لا يريد ولا يقصد إلا نكاح زانية . وقال سعيد بن المسيب وغيره : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } النور: 32 ، فهى عامة .
ومن شرط فى صحة العقد عدم الزنا قال : إن هذه الآية غير منسوخة، لان النبى صلى الله عليه وسلم حث على نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان ، وهو العفة لأن زواجها يؤدى إلى فساد أخلاق الرجل ودينه ، فتلحق به غير ولده ، أو تنشئ أولاده على الفساد .
وقد رأى ابن القيم حرمة الزواج بالزانية وقال فى كتابه "زاد المعاد" إن الزواج بها خبيث لقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين } النور: 26 ، لكن قال فى كتابه "بدائع الفوائد" لو زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها لا يصح إلا بعد علمه بتوبتها .
وبناء على هذا لا أرى بأسا بزواج من كانت زانية إذا علمت توبتها ، ولا بأس بزواج رجل زنى بامرأة ثم تاب بامرأة عفيفة ، وتفصيل ذلك فى الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص 333"(10/83)
اغتصاب المرأة وحملها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى حمل امرأة مسلمة اغتصبها عدو فى الحرب ، هل يجوز لها أن تسقطه ولمن ينسب هذا الحمل ؟
An من حملت باغتصاب حملا غير شرعى فهو ابنها ينسب إليها لأنه تكوَّن من بويضتها ، وولدته من بطنها، ولا يجوز نسبته إلى أحد إذا كانت غير متزوجة ، وعليها أن ترعاه رعاية كاملة إذا وضعته ، أما إن كانت متزوجة ولم تكن حاملا وقت الاغتصاب فحملت ، فالولد ولدها أيضا ترعاه بعد الولادة رعاية كاملة .
ولزوجها إن لم يستلحقه أن يتبرأ منه ، وإن كانت حاملة من زوجها الشرعى واغتصبت فالولد ينسب إلى الزوج. لأن الولد للفراش كما ثبت فى الحديث المتفق عليه . وقد قال العلماء فى الحمل غير الشرعى :
لا يجوز إجهاضه ولا التخلص منه بعد نفخ الروح فيه ،أى بعد أربعة أشهر من الحمل ، لأنه نفس بريئة يحرم قتلها بغير حق ، ما لم يكن هناك خطر على الحامل من تمام الحمل ، أما قبل نفخ الروح فيه فهناك وجهات نظر مختلفة للعلماء سبق الكلام عليها فى ص 480 من المجلد الأول من هذه الفتاوى . فبعضهم حرم الإجهاض مطلقا، وبعضهم أباحه مطلقا، وبعضهم كرهه مطلقا، ومنهم من قيد ذلك بعدم وجود العذر .
ومن هنا يجوز لمن حملت من اغتصاب أن تتخلص من الحمل قبل نفخ الروح فيه على رأى من الآراء المذكورة(10/84)
الزوجة التى لا تصلى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ماذا على الزوج أن يفعل مع زوجته التى لا تؤدى الصلاة ولا تلتزم الزى الشرعى ، وإذا رفضت الالتزام بهما فهل له أن يطلقها؟
An ثبت فى الحديث أن الرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته ، فعلى الزوج أن ينصح زوجته بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال رب العزة لنبيه صلى الله عليه وسلم {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} طه : 132 ، ذلك لأنها مقصِّره فى حقوق الله سبحانه ، ويهددها بما يستطيع من التهديد إن ظن أن فى ذلك فائدة ، كالهجر وعدم الاستجابة لرغباتها الكمالية . يقول الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 2 ص 45" له حملها على الصلاة قهرا ، ورأى صاحب "الفروع " أن الزوج لا يملك حق تعزيرها على الحقوق المتمحضة لله تعالى، فذلك من اختصاص الحاكم ، وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى أن للزوج ضرب امرأته على ترك الفرائض ، وإن لم تصلِّ احتمل ألا يحل له الإقامة معها .
ومن هذا نعرف أن الرأى الغالب أنه يعظها باللسان ، فإن لم يفلح أنكر عليها تهاونها فى الواجب لله ، وعاملها معاملة تدل على كرهه وبغضه لها، ولا يتحتم عليه أن يطلقها من أجل ترك الصلاة، لأن المسلمة المقصِّرة ليست أقل شأنا من الكتابية .
وتركها للحجاب كذلك لا يحتم عليه طلاقها إلا إذا تأكد أن عدم التزامها بالزى الشرعى سيؤدى إلى الفاحشة وهى مصرَّة على ذلك فمن الخير أن يفارقها "انظر ص 25 من المجلد من هذه الفتاوى"(10/85)
الكذب بين الزوجين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q متى يباح للزوجة أن تكذب على زوجها، وهل هناك من الحديث الشريف ما يؤيد ذلك ؟
An تقدم فى ص 605 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أن الكذب لا يجوز إلا عند الضرورة كالحالات الثلاثة المذكورة فى الحديث ، ومنها الكذب بين الزوجين ، وهذا الكذب المسموح به بين الزوجين هو فى مثل قوله لها أو قولها له : أنا أحبك ، وقد يكون الواقع غير ذلك ، او فى مثل قوله عند طلب شىء منه لا يستطيعه : سأحضره لك ، وذلك لتطييب خاطرها فقط . جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 3 ص 120 " أن ابن أبى عذرة الدولى حلف على زوجته أن تصدقه فى أنها تحبه أو لا تحبه ، فأخبرته أنها لا تحبه ، فاختصما إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فسألها : هل تحدثت أنك تبغضين زوجك ؟ قالت : نعم ، لأنه أنشدنى اللّه . أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم فاكذبى ، فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ، أقل البيوت الذى يبنى على الحب .
وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 5ص 209" خبر عبد اللّه بن رواحة الذى كذب على زوجته فى أنه باشر جاريته عندما رآها تحمل شفره -سكينا-لضربه حين رأته معها، وقال شعرا يوهمها بأنه قرآن ، والجنب لا يقرأ القرآن ، وعلم الرسول بذلك فضحك حتى بدت نواجذه ، كما ذكر هذه القصة أيضا ابن القيم ، في كتابه "إغاثة اللهفان ص 208 ، 257" ومن هنا يعلم أن الترخيص فى الكذب بين الزوجين يكون فى أضيق الحدود ، وفيما يوثق العلاقة بينهما ، ويوفر الاستقرار فى الأسرة ، أما الكذب فى الأمور التى تهدد كيان الأسرة ، كغيابها أو غيابه عن البيت فى متعة حرام ، وادعاء أن الغياب كان بحكم العمل أو لقضاء مصالح ، والواقع خلاف ذلك فهو حرام لا شك فيه ، ومن أجل هذه الناحية وغيرها أرشد الإسلام إلى تلمس ناحية التدين فى كل من الرجل والمرأة عند الإقدام على الزواج ، والنصوص فى ذلك معروفة(10/86)
التمريض بين الرجل والمرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى مهنة التمريض حيث تنكشف عورات المرضى أثناء علاجهم ؟
An سبق الكلام على العلاج بين الجنسين فى ص 135 من المجلد الخامس ، وأؤكد هنا أن أى عمل فيه اطلاع على العورات حرام ، ولا يجوز إلا عند الضرورة حيث لا يوجد الجنس الذى يعالج جنسه ، ومعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز تجاوز الحد فى استعمال هذه الرخصة ، ومما يدل على تمريض الجنس للجنس الأخر عند الضرورة أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن يحجمها رجل ، وجاء فى "فتح القدير" ج 8 ص 98 أن عبد الله بن الزبير استأجر عجوزا تمرضه ، وكانت تغمز رجليه وتنظف رأسه وقال ابن مفلح فى كتابه "الآداب الشرعية" فإن مرضت امرأة ولم يوجد من يطبها غير رجل جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منها حتى الفرجين ، وكذا الرجل مع المرأة ، ونقل عن ابن حمدان وغيره مثل هذا الكلام ، وقد أذن النبى لامرأة أن يحجمها رجل اسمه أبو طيبة .
هذا ، وإذا لم يوجد الجنس الماهر فى العلاج ، أو وجد ولكن لم يكن ماهرا فلا مانع من العلاج عند الجنس الآخر الماهر، فالخطأ فى العلاج خطير، والدين حذر من تعريض النفس للتهلكة كما هو معروف(10/87)
الإشهاد فى عقد الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى شهادة شخصين أجنبيين غير ناطقين باللغة العربية على زواج مسلم من مسلمة ناطقين باللغة العربية وإشهار وإتمام هذا الزواج فى دولة أجنبية، وهل يشترط كتابة عقد الزواج ؟
An فى هذا السؤال عدة نقط :
1 - مبدأ اشتراط الشهادة على عقد الزواج قال به جمهور الفقهاء ، ومنهم الأئمة الأربعة . وذلك لحديث أحمد والدارقطنى"لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " والشيعة الجعفرية لا يشترطون الشهادة فى عقد الزواج ، فهو عندهم صحيح بدونها ، لكنه أمر مستحب فقط كالإعلان ، لأن القرآن لم يشترط الشهادة فى النكاح ، والحديث المذكور لم يثبت عندهم ، وصرح الباقر والصادق من أئمتهم بعدم اشتراطها .
2 -هذا الزواج بين مسلم ومسلمة ، فيشترط فى الشاهدين الإسلام ، لأن الشهادة فيها معنى الولاية والله يقول : {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء : 141 ، فإذا كان الشاهدان على هذا الزواج غير مسلمين بطل العقد .
3- يشترط فى الشاهدين أن يفهما المراد من كلام العاقدين إجمالا وإن لم يفهما معانى المفردات . فلو كانا لا يفهمان المراد فلا يصح العقد ، ويشترط سماعهما لكلام العاقدين إن كان العقد بالكلام ، أما لو كان بالإشارة فلا بد من فهم المقصود من الإشارة .
وكتب الحنفية فيها خلاف لفقهائهم فى شرط السماع والفهم ، فمنهم من جعل الشرط هو حضور الشاهدين فقط وإن لم يسمعا، ومنهم من يقول : لابد من السماع ، وهو الأصح . ومنهم من لم يشترط فهم الشاهدين للغة العقد، لكن الأصح أنه يشترط فهمهما للغة العقد ووفق بعض الفقهاء بين القولين "اشترط الفهم وعدمه " فقال : إن اشتراط الفهم محمول على فهم المقصود إجمالا من كلام العاقدين وانهما يقصدان عقد الزواج ، وعدم اشتراطه محمول على فهم معانى الألفاظ بعد فهم أن المراد عقد الزواج ، فيكون الأصح فى المذهب اشتراط السماع والفهم إجمالا للمقصود ولا يشترط فهم معانى الألفاظ ، بل يكفى أن هذا اللفظ يقصد به الزواج " أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى" .
4 - أما إشهار وإتمام هذا الزواج فى دولة أجنبية فلا دخل له فى صحة الزواج وكذلك كتابة عقد الزواج ليست شرطا فى صحته ، فقد كانت عقود الزواج فى القرون الماضية لا تسجل ، لكن فى هذه الأيام لابد من الكتابة، لا لصحة المعاشرة الزوجية ، بل لحفظ الحقوق وعدم التقصير فى أداء واجب .
بعد هذا نقول : إن كان الشاهدان يفهمان إجمالا ما يحصل من كلام المتعاقدين الدال على الزواج فالزواج صحيح ، وعلى رأى عند بعض الأحناف يصح الزواج بمجرد حضورهما وإن لم يفهما ما يقوله المتعاقدان(10/88)
عقم الزوجة والزوج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعد أن تزوجت وتأخر حمل الزوجة عدة سنوات عرضتها على الأطباء المختصين فقرروا أنها لن تنجب لوجود عيب خلقى يمنع الإنجاب فهل عقد الزواج صحيح وهل ينفسخ بعد ظهور العيب أو لا ينفسخ ؟ وما الحكم إذا ظهر أن الزوج لا يستطيع الإنجاب ؟
An لقد تحدث الفقهاء عن العيوب التى تعطى الزوج الحق فى فسخ النكاح ومنها البرص والجذام والجنون والرتق - أى انسداد مدخل الذكر من الفرج -والقرن شىء يبرز فى الفرج كقرن الشاة أو غدة تمنع المخالطة . وقال بذلك الأئمة الثلاثة دون أبى حنيفة .
واتفق الفقهاء على أن عقم المرأة وعدم إنجابها ليس عيبا فيها يمنع استمتاع الزوج بها ، فليس له خيار الفسخ لأن الإنجاب يرجع إلى إرادة الله سبحانه . ؟ ومن هنا لا ينفسخ العقد بظهور عدم إنجاب الزوجة . ولكن له الحق فى طلاقها وتترتب أحكام الطلاق فى هذه الحالة ، كأية حالة أخرى ، فما دام الزوج قد دخل بها فلو طلقها كان لها مؤخر الصداق ، ونفقة العدة وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شىء من حقوقها إلا إذا طلبت هى الطلاق فيمكن التفاهم على ما تتنازل عنه ، وهذا ما يجرى عليه العمل فى المحاكم المصرية طبقا للقانون رقم 78 لسنة 1931 م .
وإذا ظهر أن بالزوج عيبا يمنع الإنجاب . كأن كان مجبوبا -أى مقطوع الذكر-أو عنينا - أى غير قادر على الجماع لضعف خلقى أو كبر السن مثلا-أو خصيا-أى مقطوع الخصيتين -فللزوجة أن ترفع الأمر إلى القضاء لطلب التفريق بينه وبينها ، وإذا ثبت ذلك عند القاضى بأى طريق من طرق الإثبات أمر الزوج بتطليقها ، فإن لم يطلقها ناب عنه القاضى فى تطليقها منعا للضرر الذى يلحقها -وهذا الطلاق يكون بائنا بينونة صغرى .
لكن التفريق مشروط بعدم علمها بحالته قبل الزواج ، وبألا يوجد منها ما يفيد رضاها بالمكث معه بعد الزواج والعلم بحاله .
والتفريق بسبب الجب فى الحال لا يحتاج إلى ضرب أجل ، وبسبب العنة يمهل الزوج سنة لعله يقوى بالعلاج أو بغيره على الجماع ،وبسبب الخصاء يمهل الزوج سنة . والتفريق بسبب الجب والعنة والخصاء يعتبر طلاقا عند الحنفية والمالكية وأكثر العلماء .
هذا وإذا فرق بين الزوجة وزوجها العنين أو الخصى وكان قد خلا بها ، فإنها تستحق جميع المهر، لأنها خلوة صحيحة وعليها العدة للاحتياط ، وإذا كان مجبوبا وخلا بزوجته ثم فرق بينهما كان لها جميع المهر أيضا عند أبى حنيفة، ولها نصفه عند أبى يوسف ومحمد صاحبيه ، وعليها العدة باتفاق الجميع بذلك للاحتياط . "الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 347 - 350 "(10/89)
وحم الحامل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رأيت فى بعض كتب الفقه أن من ضمن نفقة الزوج لزوجته إحضار ما تتوحم عليه أثناء الحمل . فهل هذا صحيح ، وهل الوحم نفسه صحيح ؟
An إن إنفاق الزوج على زوجته معروف أنه واجب والنصوص فيه كثيرة ، وأهم أنواعها الطعام والكسوة والمسكن ، وقد قرر بعض الفقهاء ، ومنهم الشافعية ، أن من المعاشرة بالمعروف التى أمر الله بها الأزواج توفير الكماليات لها مما تقض به العادة ، وقد جاء فى حاشية الشيخ عوض على شرح الخطيب "الإقناع " لمتن أبى شجاع فى فقه الشافعية "ج 2 ص 190 " أنه يجب عليه لها فطرة العيد وكحك العيد وسمكه ولحم الأضحية وحبوب العشر والبيض فى خميس البيض وما تحتاجه عند الوحم .. .
إن من المشاهد أن الحامل إذا توحمت على شىء ظهر أثره فى تكوين الجنين بصور مختلفة ، بل إنها إذا توحمت عليه أثناء رضاعة الطفل ظهر الأثر أيضا . وقد أنكر كثير من الباحثين ذلك . لكن شوهد أن بعض النساء تأتى بمولود فيه شبه بأحد الناس أو بأحد الحيوانات ، دون أن يكون هناك اتصال جنسى بينهما ، أو اتصال بنسب ينحدر منه هذا الشبه ، فهل يمكن أن يقال : إن التأثرات النفسية العصبية قد تكون بمثابة رسل أو وسائط توصل هذه الانطباعات إلى جسم الجنين أو الرضيع عن طريق اللبن ؟ .
رأيت فى سفر التكوين "إصحاح 30" ما يبين قدم هذه الظاهرة ومحاولة استغلالها وهى أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم ، لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة . فليتأمل .
وهذا يؤيد الرأى القائل : إن الصفات المكتسبة تورث إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأغصاب والأحاسيس . وفى ذيل تذكرة داود الأنطاكى "ص 31 " أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى ، أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين .
وتحدث العلماء عن حمل الغيرة ، لأنها عبارة عن انفعال عصبى شديد يؤدى إلى حدوث انفعالات فى خلايا المخ -تؤثر بدورها على جزء منه يسمى " الهيبوتلاس " فتزداد إشارته العصبية الموجهة إلى الغدة النخامية فيزداد بالتالى إفرازها للهرمونات التى تساعد على حدوث التبويض "دكتور إسماعيل صبرى - الأهرام 27 / 12 / 1981 " .
كما تحدثوا عن الحمل الكاذب وأثره . فى تغيرات الجسم ، يقول الدكتور أحمد زكى :
إن المرأة شديدة الرغبة فى الحمل أو شديدة الخوف منه تحدث لها أعراض الحمل وليس بها حمل ، فينقطع حيضها ويثقل ثدياها، وتعرض لها فترة من الوحم والقىء ويكبر بطنها رويدا رويدا ، كأن فيه جنينا ينمو شهرًا بعد شهر، ولو استمر ذلك الأمر حتى تبلغ أشهر الحمل لجاءها مخاض كاذب ، بل استدعاء وطلق كالولادة غير أنها لا تلد شيئا .
كل هذا دليل على ما للحالة النفسية من أثر، لا على العقل الواعى فحسب ولكن حتى فيما لا إرادة فيه ولا وعى كهذه الأعراض "مجلة العربى يونية 1968 ص 139 " .
ويقول ابن القيم : الحجَّام يرى الخرَّاج فيشمئز منه فيخرج له مثله ، ومداوى رمد يقشعر فيحصل له مثله ، كالتثاؤب لمن يرى متثائبا "زاد المعاد - الاستفراغ بالقىء" ، ويمكن الرجوع فى هذا الموضوع إلى الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص . 27" .
والخلاصة أن ظاهرة الوحم معروفة من قديم الزمان ، والعلم يشهد لها . ومن المعاشرة بالمعروف أن يهيئ الزوج لزوجته الحامل ما تميل إليه نفسها أثناء فترة الوحم . لأن له تأثيرا على الجنين ، وأن يهبىء لها الجو الذى يدخل على نفسها البهجة وبخاصة أثناء الحمل والرضاعة(10/90)
الشروط فى عقد الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض الحركات التحرريه للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود فى عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية فى تنمية المجتمع . فهل فى الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك ؟
An إلى جانب ما تقدم ذكره فى صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك فى صفحة 254 من المجلد الرابع ، وفى صفحة 260 من المجلد الأول ، وفى غير ذلك من المواضع التى تبين إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها فى حياة الأسرة والمجتمع .
والضمانات التى تصون عن الانحراف فى الحقوق والواجبات - إلى جانب ذلك أقول :
1 -إن الجهل بالإسلام يؤدى إلى الانحراف فى كل شىء ، وإلى التردى فى هواية التقليد الأعمى . ثم نسبة ذلك إلى الإسلام وهو منه برئ .
إن التشريع الإسلامى نظم العلاقة بين الرجل والمرأة مراعيا الاستعداد الطبيعى لكل منهما ، والمهمة الأساسية التى خلقا من أجلها ، والمكان المناسب الذى يباشر فيه كل منهما نشاطه ، بروح التعاون والاشتراك فى المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع .
3 -إن عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاونى ولإمكانات كل من الطرفين . يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المتطرفة . ويحمل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل ، مع التغاضى عن التفاوت فى القدرات ونسيان شرف المهمة الأساسية المناسبة لها ، وهذا يحول الرجل من شعوره بالحب نحو المرأة والعطف عليها لضعفها ورقتها ، إلى الشعور بالكراهية والنفور، وإلى الغلظة والقسوة فى معاملتها ، شأن كل عدوين يناضلان فى معركة حامية وجها لوجه .
وتنقلب الحياة الزوجية بالذات من السكن والمودة اللتين جعلهما الله آية من آيات حكمته ونعمة من أكبر نعمه فى خلق المرأة للرجل والتزاوج لتكوين أسرة مستقرة هى اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع والخلية الأولى فى جسم الجنس البشرى المؤهل لتحقيق الخلافة فى الأرض - تنقلب إلى جحيم يصلاه كل منهما ويصلاه النسل والمجتمع كله .
وبهذا التحول فى الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يكوى بناره هو المرأة التى بدأت المعركة وحاولت أن تصمد فيها على الرغم من شعورها بقسوة المعاناة ، وحينئذ يصدق عليها المثل القائل : "على نفسها جنت براقش " وصدق اللّه إذ يقول :{ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه } الطلاق : 1 ، ويقول : {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه } الفتح : 10 ، ويقول :{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } الشورى :
35 .
4 -إن خلق المرأة للرجل وعدم استغناء أحد منهما عن الآخر أمر ضرورى للتكاثر وبقاء الجنس البشرى، ضمن القانون العام الذى قال الله فيه {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الذاريات : 49 .
5 -إن التناسل البشرى ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أى ذكر مع أية أنثى وينتج عن ذلك نسل ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيما للقاء بين الرجل والمرأة أساسه الزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكل منهما وبالنسبة للنسل الذى ينتج عنهما ، ومن هنا أبطل الإسلام ، بل أبطلت كل الأديان السماوية، أى لقاء بين الرجل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التى جاء بها الدين .
والشروط الشرعية لصحة عقد الزواج معروفة . وأى إخلال بها يفسد العقد أو يعطى الفرصة لفسخه لمخالفته لحكمة الزواج وتكوين الأسرة .
6 -بعد هذا أقول : إن أى شرط فى عقد الزواج يتنافى مع حكمته أو مع نص شرعى أو أمر مجمع عليه يكون باطلا، وذلك لحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلال " رواه الحاكم وصححه بلفظ " المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك " ولحديث البخارى ومسلم "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج " .
وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء وترك الإنفاق والخلو من المهر، واختلفوا فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وألا يتسرَّى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها .
إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم ، ولأنه يؤدى إلى مفسدة بل مفاسد . ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى، وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة ، إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين ، وإما إلى الزواج العرفى الذى لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا ، وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب فى زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاق ، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات ، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
يقول النووى: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النكاح من نفقة وعشرة بالمعروف إلى آخره ، لكن ما يخالف مقصود النكاح لا يجب الوفاء به كألاَّ يقسم لها-أى يعطيها نصيبها عند تعدد الزوجات - ولا يتسرى عليها-أى لا يتمتع بأمة يملكها- ولا يسافر بها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم : "كل شرط ليس فى كتاب اللّه فهو باطل " رواه البزار والطبرانى عن ابن عباس وصححه ، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقا لعموم الحديث .
يقول ابن قدامة فى كتاب المغنى "ج 7 ص 448 - 451 " عن حكم الشروط فى النكاح ما ملخصة . هناك ثلاثة أنواع من الشروط :
الأول : ما يلزم الوفاء به ، وهو ما يعود إلى الزوجة نفعه ، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها ، فإن لم يف لها فلها الفسخ ، فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط ، وقيل :هو شرط لازم ، لأنه لا ينافى العقد ، ولها فيه فائدة .
والثانى : ما يبطل الشرط ويصح العقد ، كأن يشترط أن لا مهر لها ، أو لا ينفق عليها ، أو تشترط هى ألا يطأها ، أو أن يكون لها النهار دون الليل ، أو تنفق هى عليه فكلها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح .
والثالث : ما يبطل النكاح من أصله ، كما لو اشترط تأقيت النكاح ، أو أن يطلقها لوقت بعينه ، أو أن يعلق النكاح على شرط ، كأن يقول : إن رضيت أمها .
ومما أثر من اختلاف جهات النظر فى ذلك ما رواه الترمذى أن عمر رضى اللّه عنه قال : إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها-بلدها-فليس له أن يخرجها بغير رضاها . ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التى شرط لها دارها ، وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى ، فقال له : لها شرطها، فقال الرجل : هلك الرجال ، إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها، إلا طلقت ، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم .
وعن على رضى اللّه عنه أنه سئل عن ذلك فقال : شرط الله قبل شرطها . أخرجه الترمذى أيضا . وابن حجر فى "فتح البارى ج 9 ص 124 " تحدث عن الشروط فى النكاح وقول البخارى : قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط ، وذكر قول الخطابى :
إن الشروط فى النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر اللّه به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث -وهو: أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج - ومنها ما لا يوفى به اتفاقا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله .
وذكر ابن حجر أن أحمد يقول : بوجوب الوفاء بالشروط مطلقا- وأن عمر تضادت الروايات عنه فى رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها ، فمرة قال : المرأة مع زوجها ومرة قال :لها شرطها .
هذا بعض ما فى كتب الفقه ، يتبين منه أن الاشتراط فئ عقد الزواج إذا كان ينافى مقصود النكاح فهو باطل ، والبطلان إما للعقد وإما المشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافى مقصود النكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها : فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف ، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعى .
وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضوء القواعد الأساسية القديمة المشار إليها فيما ذكر(10/91)
ماء الزنا لا حرمة له
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الإنسان لو زنى بامرأة فولدت منه بنتا يجوز له أن يتزوج هذه البنت وأنه من زنى بأخت زوجته حرمت عليه زوجته ؟
An يقول النبى صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخارى ومسلم . جمهور الفقهاء على أن الزنا لا يثبت به نسب الولد للزانى ، بل ينسب إلى أمه بالولادة ، وعليه فيجوز للزانى أن يتزوج من البنت التى نتجت من زناه ، ويرى الحسن البصرى أن الولد ينسب إلى الزانى ، وتحمس ابن القيم لهذا الرأى قائلا : إن القياس الصحيح يقتضيه ، فإن الأب أحد الزانيين ، وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها ، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زانية به ، وشد وجد الولد من ماء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما-فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدَّعه غيره ؟ فهذا محض القياس ، وكان الشافعى يقول بذلك فى مذهبه القديم . أما فى الجديد فماء الزنا لا حرمة له ولا يثبت به نسب .
"زاد المعاد ج 4 ص 173 " وما بعدها وتفسير القرطبى ج 5ص114 " والأدلة والمناقشة متوفرة فيهما .
ومن زنى بأخت زوجته أو أمها أو بنتها لا تحرم عليه زوجته عند جمهور الفقهاء وعقد النكاح باق على صحته ، لأن النكاح الذى يحرم ذلك هو النكاح القائم على العقد الصحيح ، وليس مجرد الوطء ، ولأن الزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث ، وقال به ابن عباس فى رواية وعن سعيد بن المسيب وعروه والزهرى فقد أجازوا أن يقيم الرجل مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها ، قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزانى تزوج من زنى بها فنكاح أمها أو أختها أجوز ، أى أولى بالجواز. وقال الزهرى : قال على : لا يحرم .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها ، وقال به أحمد، وهو رواية عن مالك . ورواية عن ابن عباس لكن الرواية ضعيفة : ففى حديث أخرجه ابن أبى شيبة "من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها" وإسناده مجهول كما قال البيهقى . وهؤلاء عمموا فى التحريم الخلوة والقبلة بشهوة " فتح البارى ج 9 ص 57 "(10/92)
القتال فى الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى الحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله " فكيف يتفق هذا مع قوله تعالى " لا إكراه فى الدين " ؟
An ليس المراد من الحديث أن القتال وسيلة من وسائل دخول الناس فى الإسلام ، بل المراد أن الإسلام الذى يستدل عليه بالنطق بالشهادتين مانع من القتال ، لا أنه غاية أو هدف له ، ومثل ذلك قوله تعالى{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } التوبة : 29 ، فليس المراد أن إعطاء الجزية هو الهدف من القتال ولكنه مانع منه .
وإذا كان بعض الناس يفهم من الحديث أن الإسلام قد انتشر بالسيف فإن هذا الفهم غير صحيح . لأن العقائد لا تغرس أبدا بالإكراه ، وذلك أمر معروف فى تاريخ الرسالات ، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام { أنلزمكموها وأنتم لها كارهون } هود : 28 ، وقال تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } الكهف : 29 ، وقال تعالى : { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } يونس : 99 ، وقال تعالى{ لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى } البقرة : 256 ، والنصوص والحوادث فى ذلك كثيرة .
وأين كان السيف فى مكة عندما أسلم السابقون الأولون ؟ لقد كان موجودا ولكن كان عليهم لا لهم . وقد أثر عن عمر رضى الله عنه أن عجوزا جاءته فى حاجة فعرض عليها الإسلام فأبت ، وتركها عمر وخشى أن يكون فى قوله - وهو أمير المؤمنين -إكراه لها ، فاتجه إلى ربه ضارعا معتذرا : اللهم أرشدت ولم أكره ، ثم تلا قوله تعالى { لا إكراه فى الدين } ويراجع فى رد اتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف كتاب " الدعوة الإسلامية دعوة عالمية "(10/93)
الجندى وأسرار الحرب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ماذا يفعل المجاهد الحريص على الجنة حينما يحيط به العدو ويخشى أن يقع أسيرا فى أيديهم وربما تكون معه أسرار تجعله حريصا على عدم حصول العدو على شىء منها بوسائل التعذيب الشديدة ؟
An يجب على الجندى أن يبذل أقصى جهده فى الدفاع عن نفسه حتى لا يقع أسيرا ، إلا بعد نفاذ كل وسيلة للخلاص من العدو، فإن أسر كان عليه أن يحافط على الأسرار الخطرة التى يضر إفشاؤها بمصلحة المسلمين ، والكذب فى هذه الأحوال جائز، فإن الحرب خدعة كما ثبت فى الحديث ، والإكراه يرفع المسئولية كما قال سبحانه { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } النحل : 106 .
فليبذل غاية جهده فى الدفاع عن النفس وحفظ السر، والضرورات تبيح المحظورات ، ولا يجوز أن يفكر فيما يفكر فيه بعض الناس من الالتجاء إلى الانتحار خوف التعذيب لاستخراج الأسرار، فإن ذلك محرم أشد التحريم ، وتعذيبهم للأسير لإفشاء الأسرار أمر مظنون غير محقق ، فربما لا يلجأ العدو إلى ذلك ، فالانتحار من أجل ضرر مظنون غير محقق لا يجوز(10/94)
لقمان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل لقمان نبى أم ولى ، وفى أى عصر كان يعيش ؟
An يقول الله سبحانه { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله } لقمان :
112 ، أنزل الله فى القرآن سميت باسم لقمان ، ونصت الآية على أن الله سبحانه آتاه الحكمة ، كما ذكرت ال وصيته لابنه ، وذلك لأهميتها .
والخلاف فى نسبه ونشأته كبير، وليس لأى قول فى ذلك دليل قوى، فمثلا قال محمد بن إسحاق : هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح ، وهو آزر أبو إبراهيم ، وقال السهيلى : هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة، وقال الزمخشرى : هو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته ، عاش ألف سنة وأدركه داود وأخذ عنه العلم ، وقال الواقدى :
كان قاضيا فى بنى إسرائيل ، وقال سعيد بن المسيب : كان لقمان أسود من سودان مصر .
واختلف فى صنعته ، فقيل كان خياطا ، وقيل حطابا ، وقيل : كان راعيا، وقيل : كان نجارا كما اختلف فى شكله فقيل : كان أسود مشقق الرجلين ذا مشافر، أى عظيم الشفتين وكل ذلك كلام لا دليل عليه يطمئن إليه القلب ، لكن المهم أن نعرف هل كان نبيا أو وليا أى رجلا صالحا ؟ .
المتفق عليه أن الله آتاه الحكمة وسجل وصيته فى القرآن إشادة بها وتقريرا لها ، وجمهور العلماء على أنه كان وليا ولم يكن نبيا ، وقال بنبوته عكرمة والشعبى لأنها هى الحكمة التى آتاها الله إياه ، ولكن الصواب كما ذكره القرطبى فى تفسيره لل " ج 14 ص 59 " أنه رجل حكيم بحكمة الله تعالى .
ومهما يكن من شىء فلا يضرنا الجهل بذلك ، والمهم هو الإقتداء بسيرته والأخذ بحكمته(10/95)
النحت والرسم والتصوير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم التصوير والرسم والنحت ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم : احيوا ما خلقتم " .
ورويا أيضا عن عائشة رضى الله عنها قالت : قدم علينا رسول صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة- الطاق فى الحائط يوضع فيه الشىء وقيل غيره -بقرام - ستر -فيه تماثيل . فلما رآه تلوَّن وجهه وقال لا يا عائشة ، أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله " قالت : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين .
ورويا أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تملثيل " وفى رواية البخارى ( صورة) بدله ( تماثيل ) .
اختلف الفقهاء فى حكم الصور والتماثيل وإليك ملخص ما قيل :
أولا- حكم اقتنائها: اتفق العلماء على حرمة اقتنائها إذا كان الغرض منها العبادة أو التقديس ، لأنها رجس والله يقول { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } الجج : 30 وإن لم يكن الغرض منها ما ذكر فهو حرام أيضا إذا توافرت هذه الشروط :
1 - أن تكون التماثيل تامة الأجزاء الظاهرية .
2 - ألا تكون هناك مصلحة تدعو إلى اقتنائها .
3- أن تكون من مادة تبقى مدة طويلة كالخشب والمعدن والحجر .
وذلك للأحاديث السابقة ، ولسد الذريعة إلى عبادة الأصنام ، وعدم التشبه بمن يحرصون على تقديسها، كما مزق النبى صلى الله عليه وسلم ثوبا فيه تصاليب ، لأنها ترمز إلى عقيدة جعلها بعض الناس من أصول دينهم . وبمقتضى هذه الشروط يقال :
(أ) لو كان التمثال نصفيا أو نقص منه جز لو كان التمثال حيا لا يعيش بدونه كالرأس أو البطن ، جاز اقتناؤه وإن كان ذلك مكروها . ونقل عن المالكية جواز اتخاذ التمثال التام إذا كان فيه ثقب فى مكان بحيث تمتنع معه الحياة حتى لو كان الثقب صغيرا، واشترط الحنفية والحنابلة فى هذا الثقب أن يكون كبيرا حتى يجوز اقتناؤه .
(ب ) ولو كانت هناك مصلحة فى اتخاذ التمثال كلعب البنات أو كوسيلة إيضاح فى التعليم جاز ذلك ، لان النبى صلى الله عليه وسلم أقر وجود العرائس عند عائشة كما فى الصحيحين . وعلل العلماء هذا بأن فيها تمرينا للبنات على المستقبل الذى ينتظرهن ، وهو اسثشاء من عموم النهى عن الصور. وتوسع بعض العلماء فأجاز التماثيل التى تقام لتخليد ذكرى العظماء ، وإن كان ذلك مكروها فى نظرهم ، لأنه قد يجر إلى عبادتها ، كما عبدت تماثيل ( وَدّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر) وكانت فى الأصل لتخليد ذكرى قوم صالحين كما ورد فى الحديث ، ولان الأوْلى فى تخليد العظماء أن يكون بالمنشآت المفيدة كالمدارس والمصحات .
(ج) ولو كانت التماثيل مصنوعة من نحو حلوى أو عجين فقد أجاز أصبغ بن الفرج المالكى اتخاذها .
وذكر القرطبى جواز ذلك عند تفسير قوله تعالى فى سبأ { يعملون له ما يشاء من محاريب وتملثيل . . . } .
ثانيا- حكم صنعها: اتفق العلماء على أن صنع هذه التماثيل حرام ، وهو من الكبائر إذا قصد من عملها العبادة أو التعظيم على وجه يشعر بالشرك ، وذلك للأحاديث السابقة ، أما إذا لم يقصد بصنعها ذلك فيحرم إن كانت تامة وليس هناك غرض صحيح من صنعها، وكانت مادتها مما يطول بقاؤه عادة . وذلك لعموم الأحاديث الواردة فى النهى عنه ، وقصر بعض العلماء الحرمة على ما قصد به مضاهاة خلق الله .
وبهذا يعرف أن صنع التماثيل الناقصة غير محرم وكذلك وسائل الإِيضاج وتماثيل الحلوى والعجين .
هذا هو حكم النحت ، أما الرسم والنقش والتصوير للإنسان وكل ما فيه روح فهناك أربعة أقوال فى الصنع والاقتناء :
ا - التحريم مطلقا، سواء أكانت تامة أم ناقصة فى ظاهرها ، وسواء أكانت مكرمة لكونها على ستار أو جدار مثلا أم ممتهنة لكونها فى بساط مفروش مثلا - وذلك لعموم النهى فى الأحاديث المتقدمة .
2 -تحريمها إذا كانت تامة لا ناقصة .
3- تحريم إذا كانت مكرمة غير ممتهنة 4 - جوازها مطلقا ، وهو منقول عن القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة .
على أنهم استثنوا التصوير الشمسى ، لأنه حبس ظل بمعالجة كيماوية على نحو خاص ، وليست فيه معالجة الرسم المعروفة .
هذا وأما تصوير ما لا روح فيه كالنباتات فلا مانع منه مطلقا ، وهو من الفنون الجميلة التى لم يرد نهى عنها لذاتها .
وقد تمنع الصور الحية إذا كان فيها كشف لما أمر الله بستره ، أو كان فيها إغراء أو قصد بها ابتزا أو نحو ذلك(10/96)
العجز عن الوفاء بالنذر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نذرت أن أذبح كبش إذا نجح ابنى ، ولكننى لم أستطع أن أوفى بالنذر فماذا أفعل ؟
An النذر تعهد بعمل طاعة ليست واجبة فتجب على الناذر ، كصلاة ركعتين للَّه ، وذبح شاة للفقراء ، وقراءة القرآن ، والواجب هو الوفاء بالنذر كما قال سبحانه { وليوفوا نذورهم } الحج : 29 ، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " رواه البخارى ومسلم .
فمن نذر ذبح كبش إذا نجح ولده انعقد النذر ووجب الوفاء به ، وليس الذبح مقيدا بوقت فهو فى ذمته ما دام حيا ، والأولى التعجيل به كالدين ، فإن لم يستطيع الوفاء به عند نجاح ولده فليكن فى أى وقت شاء ، فإن وجوب الوفاء المطلق هو على التراخى، وذلك ما دام يرجى أن يجد ثمنه فى أى يوم من الأيام ، كالمريض الذى أفطر فى رمضان عليه أن يقض ما دام مرضه يرجى شفاؤه .
أما إذا تأكد أنه لن يجد ثمن النذر أبدا -أو مرض مرضا لا يرجى شفاؤه لا يستطيع معه الوفاء بالنذر مثل من نذر أن يقرأ القرآن كله كل أسبوع ، فله أن يتحلل من النذر، أى من الالتزام بالوفاء به ، وذلك - يسمى بالحنث كالحنث فى اليمين ، والكفارة هى كفارة يمين : إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام لا يشترط فيها التتابع ، كما نص عليه القرآن الكريم فى المائدة ، الآية : 89 .
وكما جاء فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر كفارة يمين " قال النووى فى شرح هذا الحديث : اختلف العلماء فى المراد بهذا الحديث ، فحمله جمهور أصحابنا - الشافعية - على نذر اللجاج - أى غير المجازاة أو المشروط بحصول شىء - فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة ، وحمله مالك والأكثر ون على النذر المطلق ، كقوله : علىَّ نذر، وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذور وقالوا : هو مخير فى جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين . (ج 11 ص 154 ) يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار " ج 8 ص 256 : والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذى لم يسم ، وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين ، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها، سواء كانت متعلقة بالبدن أو المال .
والذى أختاره بعد كل ذلك : أن صاحب هذا النذر عليه أن يذبح كبش فى أى وقت من الأوقات يتيسر فيه الحصول عليه ولو بعد سنين ، أما إذا أراد أن يتحلل منه فعليه أن يكفر كفارة يمين على الوجه المذكور فى المائدة ، وعليه أيضا أن يتوب من هذا الذنب ، ويعزم ألا يعود إلى التورط فيما لا يقدر عليه(10/97)
الجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيحا لعالم الجن ، وهل يمس الإنسان بِشَرِّ ؟
An 1 -الجن -كما يقوك الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" - أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة. لها عقول وإفهام وقدرة على الأعمال الشاقة .
2 - وهم خلق موجودون بالنصوص الثابتة فى القرآن والسنة، وبالإجماع ، والعقل لا يحيل ذلك .
3- وهم أصناف ، فقد روى الطبرانى بإسناد حسن عن أبى ثعلبة الخشنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الجن ثلاثة أصناف ، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها فى الهواء ، وصنف حيَّات ، وصنف يَحُلُّون ويظعنون " أى يمشون ويتحركون ، وكذلك رواه الحاكم وقال : صحيح الإِسناد . وجاء فى حديث رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " خلق الله الجن ثلاثة أصناف ، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض ، وصنف كالريح فى الهواء ، وصنف كبنى آدم ، عليهم الحساب والعقاب " .
وإذا كان اسم الجن يطلق على الهوام المؤذية فيمكن فهم هذا الحديث بسهولة ، وهو ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " نهى عن إرسال الأطفال بعد غروب الشمس إلى العشاء ، لأن الشياطين تنبعث فى هذه الفترة . وكذلك ما رواه البخارى ومسلم عن أبى لبابة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنَان التى فى البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين ، فإنهما اللذان يخطفان البصر ويطرحان أولاد النساء . والطفيتان - بضم الطاء - الخطان الأبيضان على ظهر الحية . والأبتر قصير الذَّنب . وقال النضر بن شميل : هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب ، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها " حياة الحيوان - للدميرى " .
4 - والجن مستترون ، وقد يتشكلون بأشكال مختلفة ، وتحكم عليهم الصورة كما قال العلماء ، قال تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } الأعراف : 27 . وقد تشكل شيطان فى صورة لص أراد أن يسرق من الصدقة التى كان يحرسها الصحابى، ولما أخبر النبىَّ به عرَفَه أنه شيطان رواه البخارى .
وهم من ذرية إبليس على المشهور، قال تعالى { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو } الكهف : 50 .
5 - الجن مكلفون كالبشر ومحاسبون على أعمالهم كما يحاسب بنو آدم ، وجاء ذلك فى القرآن الكريم فى مثل قوله تعالى { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا} الأنعام : 130 ، وقوله { سنفرغ لكم أيها الثقلان } الرحمن : 31 ، وقد ثبت أنهم سمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم ، وأن منهم من آمن ومنهم من كفر، قال تعالى { قل أوحى إلَّى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } الجن : 1 ، 2 ، وقال تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستعمون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا . .
} الأحقاف : 25 ، وقال على لسانهم { وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} الجن : 11 وثبت فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب إليهم وتحدث معهم . ففى صحيح مسلم أنه قال " أتانى داعى الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن " وفيه أنهم سألوه الزاد فقال " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ، تأخذونه فيقع فى أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بَعْرٍ علَفٌ لدوابكم " ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه " فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم " .
6 -إن عدم رؤيتنا للجن إنما هو فى رؤيتهم على حقيقتهم ، وقد يخص الله نبيه بأن يراهم كذلك أحيانا، وقد قيل : إنه لم يرهم فى أول الآمر ولم يحس بأنهم يستمعون القرآن منه ، والله هو الذى أخبره بأنهم يستمعون ، ثم بعد ذلك رآهم وكلمهم حين ذهب إليهم ، إمَّا على حقيقتهم وإما بأشكال أخرى، وذلك ممكن لغير النبى صلى الله عليه وسلم كما سبق ذكره فى رؤية أبى هريرة له وهو يريد أن يسرق من زكاة رمضان ، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن عفريتا من الجن تفلَّت عل البارحة يريد أن يقطع علىَّ صلاتى ، فَذعْتُه - أى خنقته - وأردت أن أربطه فى سارية من سوارى المسجد، فذكرت قول أخى سليمان ، فأطلقته " وجاء فى رواية مسلم قوله " والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " كما جاء فى رواية النسائى بإسناد جَيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده .
7 - إن إبليس أقسم حين طرد من الجنة أن يُغوى الناس أجمعين إلا عباد الله المخلصين ، وقد حذرنا الله منه بمثل قوله تعالى { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } فاطر: 6 ، . وقوله تعالى { ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } يس : 60 .
وثبت أن كل إنسان يُوَكَّل به شيطان يطلق عليه اسم القرين . ففى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن " قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال " وإياى ، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم ، فلا يأمرنى إلا بخير " .
8- والشيطان كما يضر الأنسان بالإِغواء والفتنة، يمكنه أن يؤذيه بأى نوع من الأذى الحسى أو المعنوى ، شأن الإِنسان مع الإِنسان ، وإذا ثبت أن منهم الكافرين والمؤمنين ، وأن منهم الطائعين والعاصين ، كما جاء فى قوله تعالى { وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك } فإن العقل لا يحيل أن يؤذى الجن الإِنس بأى أذى ، وليس هناك دليل صحيح يحيل هذا الأذى ، فالجن قد سرق من الزكاة كما سبق وهو يشارك الإِنسان فى الطعام وغيره ، ولذلك حثنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نسَمِّى الله عند الأكَل وعند دخول البيت ، بل عند إرادة اللقاء مع الزوجة .
9-واتقاء شره فى الوسوسة يكون بمثل ما جاء فى قوله تعالى { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } الأعراف : 200 ، كما يستعان عليه بقوة الإِيمان بالله والمواظبة على العبادة والسلوك الحسن ، حتى يكون الإِنسان من عباد الله المخلصين ، الذين نجأهم الله من سلطان إبليس .
10 -والمسألة التى يسأل عنها كثيرا هى : هل يستطيع الجن أن يلبس جسم الإِنسان ويصيبه بما يسمى الصرع ؟ .
الجواب أنه لا يوجد دليل صحيح يمنع ذلك ، وقال بعض الناس : إن ذلك ممنوع ، لأن طبيعة الجن النارية لا يمكن أن تتصل بطببيعة الإِنس الترابية أو تلبسها وتعيش معها ، وإلا أحرقتها ، لكن هذا الاحتجاج مردود ، لأن الطبيعة الأولى للجن والإِنس ذهبت عنها بعض خصائصها ، بدليل الحديث السابق ، فى إمساك الرسول للعفريت وخنقه وإحساسه ببرد لعابه على يده ، ، فلو كانت طبيعة النار باقية لأصابت يده الشريفة صلى الله عليه وسلم ، ولاشتعل البيت والمكان والملابس نارا إذا أوى إليها الشيطان عندما لم يسم الإِنسان عند دخول البيت والأكل من الطعام .
وفى هذا يقول ابن القيم فى كتابه زاد المعاد فى " الطب " : الصرع ، صرعان ، صرع من الأرواح الأرضية الخبيثة ، وصرع من الأخلاط الرديئة ، والثانى هو الذى يتكلم فيه الأطباء ، فى سببه وعلاجه ، وأما صرع الأرواح فأثمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ، ولا يدفعونه ، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية ، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها ، ثم يقول ابن القيم : لا ينكر هذا النوع من الصرع إلا من ليس له حظ وافر من معرفة الأسرار الروحية . وأورد بعض الحوادث التى حدثت أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأثر قوة الروح وصدق العزيمة فى علاجها ، وأفاض فى النعى على من ينكرون ذلك(10/98)
القرعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قد تلجا بعض الجهات إلى عمل قرعة لتوزيع جائزة على بعض من قدموا عملا يستحق الجائزة ، فهل هذا مشروع ؟
An القرعة جائزة شرعا ، لأنها تُعَينَ ، لا تحرم ولا تحلل وهى معروفة من قديم الزمان ، ومن حوادثها :
أ- القرعة فيمن يكفل مريم ، كما قال تعالى { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } آل عمران : 44 .
ب - القرعة فيمن يرمونه من السفينة التى ركبها يونس . فى قال تعالى { فساهم فكان من المدحضين } الصافات 141 .
ج - صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج عليها السهم سافر بها .
د - وروى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم عرض علي ، قوم اليمين فأسرعوا ، فأمر أن يسهم بينهم فى اليمين أيهم يحلف .
ط -جاء فى السنن ومسند أحمد أن رجلين تداعيا فى دابة ليس لواحد منهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهما على اليمين ، أحبا أو كرها .
و- وفيهما أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها " .
ز- وجاء فى السنن عن أم سلمة رضى الله عنها : أن رجلين اختصما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما درست ، ليس بينهما بينة ، فقال "إنكم تختصمون إلى، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقض بينكم على نحو ما أسمع ، من قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتى بها أسطاما فى عنقه يوم القيامة " فبكى الرجلان وقال كل منهما : حقى لأخى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما عليه ، ثم ليتحلل كل منكما صاحبه " الاسطام جمع سطام وهو حد السيف .
ح - وأقرع سعد بن أبى وقاص يوم القادسية بين المؤذنين " بدائع الفوائد لابن القيم " هذا ، وهناك قرعة تجرى بين المتسابقين لأخذ جائزة، أو لإعطاء هدايا لمن يشترون بضاعة بثمن معين من محل تجارة، أو لأى غرض مباح ، وهذه حلال لا حرمة فيها .
جاء فى تفسير القرطبى (ج 4 ص 86) أن القرعة أصل فى شرعنا لكل من أراد العدل فى القسمة، وهى سنة عند جمهور الفقهاء فى المستويين فى الحجة ، ورد العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه وردوا الأحاديث الواردة فيها وزعموا أنها لا معنى لها وأنها تشبه الأزلام التى نهى الله عنها ، وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة أنه جوزها ، وقال : القرعة فى القياس لا تستقيم ، ولكنا تركنا القياس فى ذلك وأخذنا بالأَثار والسنة، قال أبو عبيد : وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء : يونس و ذكريا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن المنذر: استعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء ، فلا معنى لقول من ردها .
وقد ترجم البخارى فى آخر كَتاب الشهادات " باب القرعة فى المشكلات " وقول الله عز وجل { إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } وساق حديث النعمان بن بشير فى مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة. وحديث أم العلاء الذىَ جاء فيه :
أن عثمان بن مظعون طار لهم سهمه فى السكتى حين اقترعت الأنصار سكنى المهاجرين ، وحديث عائشة : كان النبى إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها .
ثم يقول القرطبى : وقد اختلفت الرواية عن مالك فى ذلك أى فى القرعة بين النساء فى السفر فقال مرة بالقرعة لحديث عائشة، وقال مرة :
يسافر بأوفقهن له فى السفر ثم ذكر القرطبى حديث " لو يعلم الناس ما فى النداء - الأذان - والصف الأول - فى صلاة الجماعة -ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " أى أجروا القرعة ، والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة .
ثم تحدث عن رأى أبى حنيفة فى شأن زكريا وأزواج الرسول بأن القرعة كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز، قال ابن العربي : وهذا ضعيف لأن القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفى عند التشاح - التنازع -ولا يصح لأحد أن يقول : إن القرعة تجرى مع موضع التراضى، فإنها لا تكون أبدا مع التراضى، بل تكون فيما يتشاح الناس فيه ويُضَنَّ به(10/99)
عقوبة السجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الحكم بالحبس أو السجن ليس فى الإسلام ، فهل هذا صحيح ؟
An فكرة العقوبة بالسجن معروفة قبل الإسلام ، وفى القرآن الكريم ما يدل على أن عزيز مصر كان عنده سجن ودخله يوسف عليه السلام ، ودخل معه فتيان دعاهما إلى توحيد الله " انظر سورة يوسف 36- 42 " وفيه أيضا أن فرعون الذى أرسل إليه موسى كان له سجن هدده بإدخاله فيه ، { قال لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين } الشعراء : 29 .
وفكرة السجن موجودة فى الإسلام ولم تكن أيام النبى صلى الله عليه وسلم بالمعنى المتبادر إلى الذهن من اتخاذ دار خاصة يوضع فيها من استحق عقوبة، ولم تكن كذلك أيام أبى بكر رضى الله عنه ، ولكن كان هناك "حبس" بمعنى تعويق الشخص ومنعه من التصرف الحر حتى يقضى دينا وجب عليه ، أو يرد حقا اغتصبه ، وكان الذى يلازم المحبوس هو الخصم أو وكيله ، ولهذا سماه النبى صلى الله عليه وسلم أسيرا ، وروى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام حبس فى تهمة ، وكذا رواه أبو داود والترمذى والنسائى، قال الترمذى : حسن . وزاد هو والنسائى : ثم خلى عنه . والحاكم صحح هذا الحديث ، وله شاهد آخر من حديث أبى هريرة يقوى حديث بَهْزَ بن حكيم الذكور. وجاء فى حديث أبى هريرة أن الحبس كان يوما وليلة استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف .
وروى البيهقى أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه ، فحبسه النبى صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له " وهذا الحديث وإن كان فيه انقطاع فإنه روى من طريق أخرىَ عن عبد الله بن مسعود مرفوعا . والبخارى فى صحيحه جعل بابا بعنوان "باب الربط والحبس فى الحرم " قال ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى " : كأنه أشار بهذا التبويب إلى رد ما نقل عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول : لا ينبغى لبيت عذاب أن يكون فى بيت رحمة .
ويقال إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من اتخذ دار للسجن فى مكة ، اشتراها من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم ، وكان ذلك بمعرفة عامله على مكة "نافع بن عبد الحرث الخزاعى" وقيل : إن أول مرن اتخذ دارا للسجن هو معاوية بن أبى سفيان : كما ذكره المقريزى "الخطط ج 3 ص 303 " . وكان القاضى شريح هو أول من حبس فى الدين .
ومن وقائع الحبس أيام عمر رضى الله عنه ، أنه حبس الحطيئة الشاعر الهجاء لتطاوله على ابن بدر، عامل عمر، أو هدده بالحبس حتى تضرع له بقصيدة معروفة منها قوله :
ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر * ألقيت كاسبهم فى قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام الله يا عمر فعفا عنه .
وكذلك حبس أبا محجن الثقفى ، لما جلده على السكر ونفاه إلى جزيرة فى البحر فهرب من الرجل الذى كان يصحبه ، ولحق بسعد بن أبى وقاص وهو يحارب ، فكتب عمر إلى سعد أن يحبسه ، وبعد نفيه إلى رابغ وهروبه منها قبض عليه وسجن قرب القادسية أسفل قصر الإمارة ، وتوسل إلى سلمى بنت حفصة زوجة سعد فأطلقته واشترك فى الحرب وأبلى بلاء حسنا ثم عاد إلى القيد ، وفى النهاية أفرج عنه بعد توبته ، وأيضا معن بن زائدة ، أمر المغيرة بن شعبة بحبسه فى حادث تزوير فى أوراق رسمية ، ولما هرب من السجن عاد إلى عمر تائبا وفى النهاية عفا عنه .
وعثمان بن عفان رضى الله عنه أقر عقوبة الحبس ، ومن سجنائه جنائى بن الحرث الذى هجا بنى جرول .
ويلاحظ أنه لم يكن له مكان خاص ، بل كان يسجن أحيانا فى السجن ودهاليز البيوت .
وأما على بن أبى طالب فيقال إنه حبس الغاصب وآكل مال اليتيم ظلما والخائن فى الأمانة، وخصص للسجن مكانا ، وكان أولا من أعواد القصب ، ثم بنى غيره محكما ، ويقول البلاذرى والمسعودى : إن معاوية أربى على الخلفاء فى إعداد السجون والاهتمام بها .
ومن أنواع السجن النفى ، لأنه فصل عن المجتمع الذى كان يعيش فيه المَنفِى، ومنه قوله تعالى فى جزاء المحاربين المفسدين {أو ينفوا من الأرض } المائدة : 33 .
وقد قرر الفقهاء إيقاع الحبس على المشترك فى جناية حتى يفصل فيها ، وكذلك أجازوا التعزير للردع وللديون حتى ترد ، وللتأديب الذى يراه الحاكم ، فالسجن الموجود الآن نوع من التعزيرات التى لم تحدد فى الإسلام لاَ كما ولا كيفا، بل ترك أمرها إلى القاضى ليقرر ما يراه مناسبا للجريمة أو المخالفة بوجه عام .
ونظرًا لبعض المعاملات القاسية التى تتخذ مع المسجونين الآن ، رأى بعض العلماء عدم جوازه ، رجوعا إلى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وخليفته أبى بكر، مع استبدال إجراءات أخرى به تضمن رد الحقوق إلى أصحابها ومنع الضرر عن الناس .
هذا ، وقد تطورت السجون فى التشريعات الحديثة لدى بعض الدول ، فجعلت كمؤسسة تربوية ، يعامل فيها المسجون كمريض تدرس أحواله ، ويعالج بطرق خاصة ، لتجعل منه مواطنا صالحا بعد الانتهاء من مدة إحتجازة . والشوكانى فى نيل الأوطار "ج 9 ص 218 " يقول بعد بحث الموضوع " والحاصل أن الحبس وقع فى زمن النبوة وفى أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن فى جميع الإعصار والأمصار، من دون إنكار. وفيه من المصالح ما لا يخفى . . . " وأخذ يعدد هذه المصالح إلى أن قال . . وقد استدل البخارى على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سوارى مسجده الشريف ، كما فى القصة المشهورة فى الصحيح . "يراجع نيل الأوطار ج 7 ص 160 ، قضايا عصرية للشيخ جاد الحق ج 5 ص 269 "(10/100)
على كرم الله وجهه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا إذا ذكر الإمام على بن أبى طالب قيل : كرم الله وجهه أو عليه السلام ؟
An ذكر ابن كثير أنه قد غلب فى عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد على رضى الله عنه بأن يقال : عليه السلام ، من دون الصحابة ، أو كرم الله وجهه ، وهذا وإن كان معناه صحيحا لكن ينبغى أن يسوى بين الصحابة فى ذلك ، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، والشيخان - أبو بكر وعمر- وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه . نقله السفارينى عنه " غذاء الألباب ج 1 ص 23 " ثم قال : قد ذاع ذلك وشاع وملأ الطروس والأسماع ، قال الأشياخ : وإنما خص على رضى الله عنه بقول : كرم الله وجهه لأنه ما سجد إلى صنم قط ، وهذا إن شاء الله تعالى لا بأس به .
هذا ما قيل ، وقد يكون السبب غير ذلك ، ولا يوجد سند صحيح لما يقال(10/101)
قتل الحيوان المريض لإراحته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قتل الحيوانات التى لا يؤكل لحمها إذا مرضت أو عجزت وأصبحت غير نافعة ؟
An أخرج الشافعى وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا - أى إلى صلى الله عليه وسلم - وقال صحيح الإسناد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها " قال : يا رسول الله وما حقها ؟ قال : " يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها " نيل الأوطار ج 8 ص 142 . فإذا كان قتل العصفور - وهو مأكول اللحم - لغير أكلها منهيا عنه فإن قتل ما لا يؤكل لحمه أولى بالنهى .
وقد نص الشافعية على أنه لا يجوز ذبح ما لا يحل أكله كالحمار الزَّمن - العجوز- ولو لإراحته عند تضرره من الحياة " حاشية الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 459 " " كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لوزارة الأوقاف ص 607 " .
وأرى أنه لو ذبح لأخد جلده والانتفاع به بعد دبغه فلا حرمة فى ذلك ، لأنه ذبح لغرض مشروع . وكذلك لو قدم لحمه طعاما لبعض الحيوانات الموجودة فى حدائق الحيوان فلا مانع منه ، لأن هذه الحدائق لها أغراض مشروعة ، منها دراسة طبائع وأحوال الحيوانات المتوحشة التى لا يتيسر رويتها للكثيرين .
ومن ذلك أيضا اصطياد الحيوانات البرية للانتفاع بفروها أو عظامها أو أظلافها أو أى شىء منها . فهذه كلها أغراض مشروعة ، يقتل الحيوان لها سواء أكان مريضا أم غير مريض، فالمنهى عنه هو القتل الذى لا فائدة منه ، كاتخاذ حيوان أو طير غرضا للتسابق فى الرمى بالنبل أو الرصاص ، ففى صحيح مسلم " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا " وفيه أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه ، وجعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم - فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه روح غرضا(10/102)
الصيد بالبنادق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى صيد الطيور المأكولة كاليمام والعصافير، وهل يحل أكلها إذا ماتت قبل أن تذبح ؟
An (أ) روى البخارى ومسلم عن عدى بن حاتم أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم وقال : فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيد . قال : ( إذا رميت بالمعراض فخزق فكل ، وما أصاب بعرضه فلا تأكل ) .
المعراض قيل هو السهم الذى لا ريش له ولا نصل ، قيل هو خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وشد لا يحدد ، واختاره النووى تبعا لعياض . وقال ابن التين : المعراض عصا فى طرفها حديدة يرمى بها الصائد ، فما أصاب بحده فهو ذكى فيؤكل ، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ. وخزق أى نفذ. وجاء بلفظ وخسق أى خدس .
(ب) وروى البخارى ومسلم أيضا عن عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف ، وقال : ( إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين ) الخذف أى الرمى بحصاة أو نواة بواسطة المخذفة وهى كالمقلاع .
(ج) وروى أحمد عن عدى أيضا أنه قال : يا رسول الله ، إنا قوم نرمى، فما يحل لنا ؟ قال : ( يحل لكم ما ذكيتم ، وما ذكرتم الله عليه وخزقتم فكلوا منه ) .
(د) وروى أحمد مرسلا عن عدى عن النبى صلى الله عليه وسلم : ( ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت ) والبندقة تتخذ من طين وتيبس .
نستنتج من هذه الأحاديث ما يأتى :
1 - إذا أدرك المصيد حيا حياة مستقرة وذبح فهو حلأل بالاتفاق . واشترط التسمية أو عدم اشتراطها عند الذبح فيه خلأف بين الفقهاء ، وهو يكون فى الصيد المذبوح وفى غير الصيد 0 2 -إذا مات الصيد قبل أن يذبح ، وكان موته بشىء محدد كالسهم الذى يجرح أو يخترق ، فهو حلال ، واشترط بعضهم التسمية ولم يشترطها بعضهم عند إطلاق السهم .
3-إذا مات الصيد قبل أن يذبح وكان موته بشىء محدد أى لم يجرح ولم ينفذ كالحجر والبندقة فإن الجمهور يقول بحرمته ، وعن الأوزاعى وغيرة من فقهاء الشام أنه يحل مطلقا كل صيد، سواء أكان بمحدد أم بغير محدد ، ولكن النصوص تشهد لقول الجمهور .
والرصاص الذى يطلق من البنادق والمسدسات هل يعد كالسهم فيحل صيده ؟ رأى جماعة أنه كالسهم لأنه يخترق جسم الصيد وينفذ منه بل هو أشد منه . وعلى هذا فيحل الصيد به ، ورأى آخرون أن الرصاص ليس محددا جارحا كالسكين والسهم بل يقتل الصيد بثقله الشديد، وعلى هذا فلا يحل أكله .
وأختار أن الصيد بالرصاص يحل أكل ما صيد به ، والأحوط أن يذكر اسم الله عند إطلاق الرصاص ، خروجا من خلاف من أوجبه(10/103)
شعر الغزل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q الشعر الذى يتغزل فى النساء ، منهى عنه ، فكيف يسمعه النبى صلى الله عليه وسلم من كعب بن زهير ؟
An كان من عادة الشعراء العرب أن يبدأوا قصائدهم بالغزل ، وقد تكون القصيدة كلها قائمة عليه ، وروت كتب السيرة أن كعب بن زهير ابن أبى سلمى لما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم تائبا قال قصيدته التى جاء فيها :
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم أثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين اذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذى ظلم اذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول ويقال : إن النبى صلى الله عليه وسلم أعجب بها والبسه بردته .
وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع الشعر فى المسجد من حسان بن ثابت ، ودعا أن يؤيده الله بروح القدس كما رواه البخارى، وجاء فى الأدب المفرد للبخارى أنه عليه الصلاة والسلام استنشد عمرو بن الشريد من شعر أمية بن أبى الصلت ، فأنشده مائة قافية ، وروى أنه كان يستزيده عقب كل قافية بقوله :
هيه ، كما رواه مسلم ، وكاد أمية أن يسلم ، أى فى شعره ، كما رواه البخارى ومسلم . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن من الشعر لحكمة " كما رواه البخارى، وقال فى شعر لبيد بن ربيعة : أصدق كلمة قالها شاعر : كلمة لبيد ألا كل شىء ما خلا الله باطل ، كما رواه البخارى ومسلم 0 ومن الصحابة، غير حسان ، قال الشعر عبد الله بن رواحة وغيره ، ولم ينكر عليهم أحد .
وإلى جانب هذه النصوص التى تفيد جواز قول الشعر وسماعه ، جاءت نصوص تفيد كذلك النهى عنه والتنفير منه ، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لأن يمتلىء جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلىء شعرا " معنى يريه يأكل جوفه ويفسده ، مأخوذ من الورى ، وهو داء يفسد الجوف . وروى البغوى من حديث مالك بن عمير السلمى أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشعر فنهاه عنه . وجاء فيه "فإن رابك منه شىء فأشبب بامرأتك وامدح راحلتك " 0 وفى الأدب المفرد اللبخارى حديث " أن أعظم الناس فرية الشاعر يهجو القبيلة بأسرها" وسنده حسن . وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ " أعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها " وصححه ابن حبان .
كذلك وردت فى الشعر نصوص تفصل حكمه ، فقد أخرج أبو يعلى بإسناد جيد مرفوعا " الشعر كلام ، فحسنه حسن وفى وقبحة قبيج " وقريب من هذا الكلام جاء عن عائشة وعبد الله بن عمر كما رواه البخارى فى الأدب المفرد ، واشتهر عن الإمام الشافعى .
إزاء هذه المجموعات الثلاث من النصوص لم يقل العلماء بمدح الشعر مطلقا ولا بذمه مطلقا بل حملوا المطلق على المقيد ، أو العام على الخاص ، فقالوا : ما كان منه حسنا فهو حسن ، وما كان منه قبيحا فهو قبيح ، ويحدد الحسن والقبيح من الشعر قول ابن حجر فى فتح البارى "ج 13 ص 155 " : والذى يتحصل من كلام العلماء فى حد الشعر الجائز أنه إذا لم يكثر منه فى المسجد وخلا عن هجو وعن الإغراق فى المدح والكذب المحض والتغزل بمن لا يحل ، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك .
وبناء على هذا يكون ما سمعه النبى صلى الله عليه وسلم من الشعر هو ما كان حسنا، وشعر كعب بن زهير وإن كان فيه تغزل فهو تغزل حلال . وقد تحدث العلماء فى الغزل الحلال ، وخلاصة كلامهم : أن الشاعر إذا لم يقصد بالتشبيب امرأة معينة ، أى كان مرسلا ، أو اختلق لها اسما كسعاد وسلمى غير مقصود به معينة فهو جائز، فإن قصد به امرأة معينة وكانت على قيد الحياة فهو حرام إن كانت أجنبية عنه ، لأنه يهيج إليها، كما يحرم وصف الخمر وصفا يغرى بها ، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تنعت المرأة المرأة لزوجها ، أما غير الأجنبية كزوجته فقد اختلف العلماء فى حكمه ، وأختار القول بجوازه ، على ألا يتخذ الشعر ديدنا يقصر عليه أكثر أوقاته ، فإن المواظبة على اللهو جناية ، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة كذلك بعض المباحات(10/104)
حكم التمثيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم دراسة فن التمثيل واحترافه ؟
An التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت ، أو أحداث متخيلة فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل . وهو أسلوب للتثقيف والترفيه . وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات . فهناك القراءة والرحلات وغيرها .
وقد يكون التمثيل لشخصيات تاريخية يصور حياتها بالقول والفعل ، أى بالكلمة والحركة، فإن كان صادقا شكلا وموضوعا، ويستهدف غرضا شريفا أعطى حكم الخبر الصادق ، وهو الجواز، وإن كان غير صادق فى شكله كيفا أو كمًّا ، أو فى موضوعه قولا أو فعلا أعطى حكم الخبر الكاذب وهو المنع ، ولا يستباح هذا الكذب حتى لو كان الغرض صحيحا ، فهو ليس من الضرورات التى تباح من أجلها المحظورات .
وإن كانت الشخصيات اختراعيه ، كما هو الشأن فى القصص الذى لا يعنى شخصا معينا، وقد يكون على لسان بعض الحيوانات كما فى كتاب " كليلة ودمنة " فإن كان الهدف صحيحا ، والمادة لا تحوى أمرا محظورا ، والأداء نفسه يكون ملتزما بالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلمه أو احترافه إلى تقصير فى واجب أو ضرر بدنى أو عقلى أو مالى أو خلقى أو غير ذلك من الأضرار كان التمثيل حلالا، يستعان به على إبراز المعانى بصورة محسوسة كأنها حقيقية .
هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره ، والخروج على أى واحد منها يجعله ممنوعا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة .
فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخلق ، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوى مثلا، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن ، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة ، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك ، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصير فى واجب دينى أو وطنى مثلا، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل كان ممنوعا .
ولا يقال إن القبلات أو شرب المحرمات أو الرقص هو لتصوير حال بعض الناس وليس المراد من ذلك حقيقة ما يعمل ، بل هو تمثيل . لا يقال ذلك لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة، كحكاية الخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع ، كما فى الكتب المشحونة بالقصص وحكاية أحوال السابقين بكل ما فيها .
كما لا يقال إن هذه الأمور هى من وسائل الإيضاح ، فوسائل الإيضاح المباحة موجودة وليس ذلك ضرورة كما قلنا، فحياة المسلمين بالذات قامت فى أزهى عصورها على الثقافة الأصيلة والترفيه الحلال ، ولم تعرف تمثيلا رخيصا أو هابطا كما يشاهد فى هذه الأيام .
هذا فى تمثيل الشخصيات العادية ، أما فى تمثيل الرسل والصحابة فقد مر حكمه(10/105)
المخدرات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل المخدرات التى اكتشفت بعد الخمر تعطى حكمها ؟
An من المعلوم من الدين بالضرورة أن الخمر المتخذة من عصير العنب محرمة ومن أكبر الكبائر ، ويكفر مستحلها ، ويحد شاربها ، والنصوص فى ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة : 90 ، 91 ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " رواه البخارى ومسلم .
والعلة أو الحكمة فى تحريمها صيانة العقل الذى كرم الله به الإنسان وجعله مناط التكليف ، وبالتعدى على العقل أمكن التورط فى فعل المنكرات والاستجابة للشهوات كما نصت عليه الآية السابقة والحديث الذى رواه الحاكم وصححه " اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر " والذى رواه ابن حجات فى صحيحه " اجتنبوا أم الخبائث " وفيه أنها حملت على القتل والزنى .
ومن أجل خطورتها حرم الإسلام الاشتراك فيها بأى نوع من الاشتراك ، وجاء فى ذلك حديث أنس ابن مالك رضى الله عنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال : حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط . قال الحافظ المنذرى : ورواته ثقات .
حتى الجلوس مع شاربى الخمر منهى عنه قال تعالى { وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم } النساء : 140 ، وقد قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز عندما أمر أن يُحَدَّ جماعة كانوا فى مجلس خمر، فقالوا له : إن فلانا لم يشرب لأنه صائم ، فقال ابدءوا به ، يقول القرطبى فى تفسير هذه الآية : فكل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم : يكون معهم فى الوزر سواء ، فان لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يقوم حتى لا يكون من أهل هذه الآية .
ومثل الخمر فى الحرمة كل ما اشترك معها فى مخامرة العقل أى تغطيته من أية مادة كانت ، روى البخارى ومسلم عن عمر رضى الله عنه أنه قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن الخمر قد حرمت وهى من خمسة، من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل .
والنبى صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر دون قصره على مادة معينة، روى البخارى أن أبا موسى الاشعرى رضى الله عنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البِتْع والمِزْر، فقال " كل مسكر حرام " والبتع نبيذ العسل ، والمزر نبيذ الشعير. روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأشربة التى تنتبذ من العسل والذرة والشعير فأجاب " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " . ويدخل فى ذلك المواد الطبيعية والمصنعة .
وتغيير اسم المشروب المسكر لا يغير من الحكم كما لا تغيره المادة المسكرة ، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء ، وقد ورد فى ذلك حديث رواه ابن ماجه وابن حبان فى صحيحه " يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها ، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات - المغنيات - يخسف الله بهم الأرض ويجعل الله منهم القردة والخنازير .
ويستوى فى الحكم كل وسائل التناول للمسكر، من شرب أو أكل أو شم أو تدخين أو حقن أو غير ذلك .
والحشيش ، وإن كان لم يعرف فى العالم الإسلامى إلا حوالى القرن السادس أو السابع الهجرى عند ظهور التتار، إلا أنه كان معروفا فى التاريخ القديم فى الشرق والغرب ولما عرفه المسلمون ولمسوا آثاره طبقوا عليه عموم الحديث الذى حرم كل مسكر وكذلك عموم قول أم سلمة رضى الله عنها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر ومفتر، كما رواه أبو داود فى سننه . فهو محرم إما بالنص وإما بالقياس ، وقد نقل الإجماع على حرمته غير واحد من الأئمة ، منهم القرافى وابن تيمية، وقد جمع بعض الباحثين القدامى نحو مائة وعشرين مضرة دينية وبدنية فى الحشيش ، ولهذا أكد ابن تيمية حرمته وقال : إن مستحله يكفر، وصرح فى كتابه " السياسة الشرعية " بأنه أخبث من الخمر من جهة أنه يفسد العقل والمزاج حتى يصير فى الرجل تخنث ، وهو داخل فيما حرمه الله ورسوله من اخمر والمسكر لفظا ومعنى . وابن القيم فى كتابه " زاد المعاد " قال : إن الخمر يدخل معها كل مسكر، مائعا كان أو جامدا ، عصيرا أو مطبوخا .
وإذا كانت هذه المسكرات أو المخدرات أو المفترات محرمة كالخمر، فإن عقوبتها المنصوص عليها فى الأحاديث تشملها أيضا ، وهى عقوبة أخروية شديدة، والقليل من المسكر حرام كما نص عليه الحديث الذى رواه النسائى وأبو داود وقال الترمذى : إنه حسن " ما أسكر كثيره فقليله حرام " . وفى رواية للنسائى " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " و إسناده صحيح .
فمن شرب المسكر - وهو مسلم بالغ عاقل مختار عالم بأنه مسكر وعالم بتحريمه -وجب عليه الحد، سواء سكر أم لا، والحد الأدنى فى العقوبة أن يجلد أربعين كما روأه مسلم من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، وروى مسلم أيضا أن عبد الله بن جعفر جلد الوليد بين يدى عثمان وعلى يعد حتى بلغ أربعين فقال : أمسك ، ثم قال : " جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعثمان ثمانين والكل سنة ، وهذا أحب إلى " فإذا رأى الإمام أن يبلغ بالحد ثمانين فعل لما رواه مسلم عن عمر جعله ثمانين ، وقال على لعمر : إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وحد المفترى ثمانون ، فأخذ به عمر ولم ينكره أحد 0 واتفق الصحابة على ذلك ، فالعقوبة مقررة بصرف النظر عن الخلاف فى كون الحد أربعين وما زاد على ذلك فهو تعزيز .
والعقوبة لا تنفذ حال السكر حتى يحس بها، ولو نفذت حال السكر ، قيل يعتد بها وقيل لا يعتد . " كفاية الأخيار ج 2 ص 116 " .
وعقوبة الحد مقررة لمن شرب الخمر، أما من تعاطى غيرها من المائعات أو الجوامد فعقوبته الحد كالخمر عند بعض العلماء ومنهم ابن تيمية ، أو التعزير كما قال آخرون . مع مراعاة أن الحد لا يجوز العفو عنه ، أما التعزير فيجوز، ومع مراعاة الخلاف فى أن التعزيز يصل إلى الحد أو لا يصل ، وأجاز أبو حنيفة أن يصل ، التعزير إلى حد القتل ، تاركا تحديده لما يراه القاضى أو الحاكم حسب مقتضيات الأحوال(10/106)
اللقطة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ماذا يفعل الإنسان إذا وجد شيئا أو مالا ، و قد أعلن عنه مرارا ولم يستدل على صاحبه ؟
An هذا المال من اللقطة، وهى كل مال معصوم معرض للضياع لا يعرف مالكه ، وهذه اللقطة يستحب التقاطها أى أخذها وقيل يجب ، وذلك لصيانتها من التلف أو الضياع ، وفى الوقت نفسه يجب على من التقطها أن يعلن عنها رجاء أن يعرفها صاحبها، والإعلام أو التعريف يكون لمدة يغلب على الظن أن صاحبها يبحث عنها ، وذلك يختلف باختلاف قيمة اللقطة وأهميتها عند صاحبها . وجاء فى الحديث أن مدة التعريف بها سنة، فان جاء صاحبها وعرف علاماتها دفعها له ، وإن لم يجىء بعد سنة حلَّ له أن ينتفع بها أو يتصدق بها، جاء فى صحيح البخارى وغيره أن رجلا وجد صرة فيها مائة دينار، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال : "عرِّفها حولا " فعرفها حولا فلم يجد صاحبها فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم " احفظ وعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها " والوعاء هو الشىء الذى تكون فيها اللقطة كالصندوق والكيس ، والوكاء هو الخيط الذى يربط به الكيس ، والمراد تمييز هذه اللقطة حتى لا تختلط بماله وأمتعته . وإذا وجد الملتقط مشقة فى حفظها والإعلان عنها فليسلمها إلى الحكومة الأمينة التى عندها محل لهذه الأمانات لتتولى هى التعريف عنها والتصرف فيها . وإذا كانت اللقطة شيئا مأكولا يخاف عليه التلف لو حفظه الملتقط وعرَّف عنه جاز أكله ، وقيل يضمن ثمنه لو طلبه صاحبه ، وقيل لا يضمن . وإذا كانت شيئا تافها لا يسأل عنه صاحبه جاز الانتفاع به بعد تعريفه مدة تتناسب مع أهميته . روى أحمد وأبو داود أن جابر بن عبد اللَّه قال : رخص لنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فى العصا والسوط والحبل وأشباهه ، يلتقطه الرجل ينتفع به . هذا فى غير لقطة الحرم بمكة، أما لقطته فيحرم أخذها إلا لتعريفها ، ولا يجوز تملكها أو التصرف فيها ، ويمكن تسليمها لحكومة الحرم لتتولاها ، ففى الحديث عن مكة " ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها "(10/107)
حلقات الذكر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى حلقات الذكر التى يبدو الناس فيها كأنهم يرقصون ؟
An ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم أنه قال " يقول اللَّه : أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى ، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم " وروى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقعد قوم يذكرون اللَّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللَّه فيمن عنده " وروى البخارى ومسلم حديثا جاء فيه " أن للّه ملائكة سيارة يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم ، وأن اللَّه قد غفر لهؤلاء الذاكرين ولمن جلس معهم " هم القوم لا يشقى جليسهم " . يؤخذ من هذا أن مجالس الذكر مشروعة ، وأن اللّه يبارك أهلها ويرضى عمن يشارك فيها ولو بمجرد-الحضور دون ذكر، وقد قال المحققون : إن الذكر كأية عبادة لا يقبل إلا إذا كان خالصا لوجه اللّه ، لا رياء فيه ولا سمعة، وإذا كان نابعا من القلب يعبر عنه اللسان ، أما اللسانى فقط مع الغفلة عن معنى الذكر وعدم الإحساس بجلال من يذكره الذاكر فلا أثر له فى الوجدان والسلوك ، واللّه وحده هو الذي يقدره ، وكذلك إذا صحب الذكر أصوات صاخبة أو حركات خاصة تذهب الخشوع كان عبادة ظاهرية جوفاء خالية من الروح ، ومثل ذلك يقال إذا كانت هذه المجالس تؤذى الغير كالمرضى المحتاجين إلى الراحة أو المشتغلين بمذاكرة علم أو عبادة أخرى ، فقد روى أحمد عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتكف فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم في قبة لهم ، فكشف الستور وقال " ألا إن كلكم مناج لربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة"(10/108)
التداوى بالمحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لبعض المرضى أن يشربوا أبوال الإبل ، وإذا صح فكيف يتفق ذلك مع قوله : لم يجعل اللَّه شفاء أمتى فيما حرم عليها ؟
An روى البخارى ومسلم أن ناسا من قبيلة عُكْل أو عُريْنَة قدموا المدينة فمرضوا لعدم ملاءمة جوها لهم ، فوصف لهم النبى صلى الله عليه وسلم " أن يخرجوا منها إلى المراعى وأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها ، ففعلوا فصحت أجسادهم " . وروى مسلم عن طارق بن سويد الحضرمى أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم "إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها فقال " لا " فراجعه وقال : إنا نستشفى للمريض ، فقال " إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء" . وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال " إن اللّه لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها " وروى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى أم سلمة تَغلِى نبيذا لتداوى به ابنتها فقال " إن اللَّه تعالى لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها " . وروى الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا عباد اللّه تداووا ، فان اللّه لم يضع داء إلا وضع له دواء " وفى رواية لأبى داود " فتداووا ولا تتداووا بالمحرم " .
وروى أيضا النهى عن الدواء الخبيث ، والخمر أم الخبائث .
إزاء هذه النصوص تحدث العلماء عن التداوي بالمحرم ، وبخصوص الخمر اتفق العلماء على أنه لا يجوز شربها إلا للضرورة القصوى كإنقاذ حياته من الموت لشدة العطش ، أو من لقمة غُصَّ بها فى حلقه ، ولا يجد شيئا حلالا أو أخف حرمة يرويه أو يمنع الغصة ، وذلك قياسا على ما نص عليه من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها ثم قال تعالى فى الآية نفسها { فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن اللّه غفور رحيم } المائدة : 3 ، وهى الأصل الذى أخذت منه القاعدة المعروفة : الضرورات تبيح المحظورات . أما استعمال الخمر فى غير ذلك فالجمهور على منعه حتى لو تعينت الخمر ولا يوجد غيرها من الحلال ، بناء على ظاهر الأحاديث التى نصت على حرمتها مطلقا ، ولا يقاس التداوى بها على شربها للعطش أو الغصة، لأن فائدتها فيهما محققة، أما فى غيرهما فمظنونة غير مقطوع بها ، وأجاز بعضهم التداوى بها عند الضرورة قياسا على أكل الميتة والدم ولحم الخنزير بشرط أن يخبر بذلك طبيب مسلم عدل ، وألا يوجد دواء حلال أو شىء أخف حرمة يقوم مقام الخمر، سئل ابن تيمية عن التداوى بالخمر فقالع ما نصه : وأما التداوى بالخمر فإنه حرام عند جماهير الأئمة ، كمالك وأحمد وأبى حنيفة ، وهو أحد الوجهين فى مذهب الشافعى . انتهى .
ولو خلطت الخمر بالماء أو أضيف المخدر إلى مادة أخرى فالتناول والتداوى حرام ، أما العقوبة بالحد فتكون إذا غلب المخدر أو تساوى مع ما أضيف إليه ، فإن كان أقل فلا يعاقب بالحد إلا عند السكر " مجلة الأزهر- المجلد الثالث ص 0 49 ، 91 4 " . أما التداوى بالنجس غير الخمر، وتناول النجس حرام ، فقد قال العلماء : إنه لا يجوز إلا عند الضرورة ، أما عند الاختيار وتوافر الدواء الحلال فلا يجوز. والحديث الذى ذكر أن الخمر ليست دواء ولكنها داء ، وأن اللَّه لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها هو خاص بالخمر، أما المحرمات الأخرى فيجوز أن يكون فيها الشفاء ويمكن التداوى بها عند الضرورة، فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " إن فى أبوال الإبل شفاء للذَّرِبَة بطونهم " أى الفاسدة معدتهم ، ولعل ذلك لما ترعاه من الشيح والقيصوم ونباتات البادية التى تعالج بها بعض الأمراض ، ومع ذلك لا يعالج بها إلا عند الضرورة ، كما رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام بلبس الحرير لوجود حِكَّة فى جسده . وكل هذا الخلاف في التداوى بالبول بناء على القول بنجاسته ، وهو ما ذهب إليه الشافعى وغيره من القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها ، سواء أكانت من مأكول اللحم أم من غيره ، محتجين بعموم الحديث الصحيح الذى أخبر عن عذاب الميت لأنه كان لا يستبرئ من بوله ، ووضع الرسول على قبره جريدة لعل اللَّه يخفف بها من عذابه . لكن ذهب فريق من العلماء إلى أن أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم طاهرة ، وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ، محتجين بهذا الحديث ، وهو عام ليس خاصا بالقوم الدين مرضوا فى المدينة ، لعدم الدليل على الخصوصية . وأرى أن التداوى بالخمر ممنوع فليس فيها شفاء ، والحلال متوفر، أما المحرمات الأخرى فلا مانع من التداوى بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخف حرمة(10/109)
آكل لحم الآدمى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يدخل أكل لحم الآدمى فى حكم المضطر إلى التداوى بالحرام ؟
An أثار القرطبى فى تفسيره " ج 2 ص 229 " مسألة قال فيها : إذا وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولحم ابن آدم أكل الميتة لأنها حلال أى فى حال - والخنزير وابن اَدم لا يحل بحال ، والتحريم المخفف أولى أن يقتحم من التحريم المثقل ، وهذا هو الضابط للأحكام ، ولا يأكل ابن آدم ولو مات ، قاله علماؤنا - أى المالكية - وبه قال أحمد وداود ، احتج أحمد بقوله عليه السلام " كسر عظم الميت ككسره حيا " . وقال الشافعى : يأكل لحم ابن آدم ولا يجوز له أن يقتل ذميا ، لأنه محترم الدم ، ولا مسلما ولا أسيرًا لأنه مال الغير ، فإن كان حربيا أو زانيا محصنا جاز قتله والأكل منه . وشنَّع داود على المزنى- صاحب الشافعى - بأن قال :
قد أبحت أكل لحوم الأنبياء . فغلب عليه ابن سريج بأن قال : فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر. قال ابن العربى : الصحيح عندى ألا يأكل الآدمى إلا إذا تحقق أن ذلك ينجيه ويحييه . وجاء فى " الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3711" قول الشيخ جاد الحق على جاد الحق : وفى جواز أكل لحم الآدمى عند الضرورة قال فقهاء الحنفية-على ما جاء فى الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى الجزء الخامس -إن لحم الإنسان لا يباح فى حال الاضطرار ولو كان ميتا ، لكرامته المقررة بقول اللّه تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } الإسراء : 70، وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حى وأكله ولو كان مباح الدم كالحربى والمرتد والزانى المحْصَن ، لأن تكريم اللّه لبنى آدم متعلق بالإنسانية ذاتها ، فتشمل معصوم الدم وغيره ، وبهذا أيضا قال الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية. ويقول الفقه المالكى : إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمى، وهذا أمر تَعَبُّدى ، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمى إذا كان ميتا، بناء على أن العلة فى تحريمه ليست تعبدية وإنما لشرفه ، وهذا لا يمنع الاضطرار، على ما أشار إليه فى الشرح الصغير بحاشية الصاوى فى الجزء الأول . وأجاز الفقه الشافعى والزيدى أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها : ألا يجد غيره ، كما أجاز للإنسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله ، استبقاء للكل . بزوال البعض ، كقطع العضو المتاَكل الذى يخشى من بقائه على بقية البدن ، وهذا بشرط ألا يجد محرما آخر كالميتة مثلا، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع الجزء أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل ، فإن كأن مثله أو أكثر لم يجز قطع الجزء ، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمى آخر معصوم الدم ، كما لا يجوز للآخرأن يقطع عضوا من جسده ليقدمه للمضطر ليأكله . وفى الفقه الحنبلى : إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله فى حال الاضطرار، ولا إتلاف عضو منه ، مسلما كان أو غير مسلم ، أما الإنسان الميت ففى إباحة الأكل منه فى حال الضرورة قولان ، أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل منه ، لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت . قال ابن قدامة فى " المغنى " إن هذا القول هو الأولى.. ثم قال الشيخ جاد الحق فى " ص 3712 " ونخلص إلى أنه يجوز اضطراراً أكل لحم إنسان ميت فى قول فقهاء الشافعية والزيدية، وقول فى مذهب المالكية ومذهب الحنابلة ، ويجوز أيضا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق ذكرها . كان هذا ما خلص إليه فى فتواه فى 5 من ديسمبر 1979 م ، وفى فتواه فى 16 من يناير 1980 م قال بالنص : والذى نختاره للإفتاء هو قول الحنفية والظاهرية وبعض فقهاء المالكية والحنابلة القائلين بعدم جواز أكل لحم الآدمى الميت عند الضرورة لكرامته ، والضرورة هى دفع الهلاك وحفظ الحياة(10/110)
العلاقة بين المسلم و غيره
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى حدود المعاملة بين المسلم وغيره أو كيف نظم الإسلام العلاقة عند اختلاف الأديان ؟
An من المعلوم أن الناس مختلفون فى الرأى والعقيدة والسلوك بحكم طبيعتهم البشرية التى تخطىء وتصيب ، قال تعالى { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } هود : 118 ، 119 ، وقد أمدهم اللَّه بهدى من عنده عرَّفهم فيه الخير ودعاهم إليه وعرفهم فيه الشر وحذرهم منه ، وقال لآدم ومن معه حين أهبطهم إلى الأرض { فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه : 123 ، وأرسل إليهم الرسل تترى لينبهوهم إلى هذه الحقيقة ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، حتى جاء خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فأكد ما دعوا إليه من العقائد الأساسية ، وبيَّن أنه ليس غريبا عنهم فى هذه الدعوة ، وقرر وجوب الإيمان بهم جميعا { لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة : 136 ، . وكانت دعوة الإسلام عامة غير خاصة بزمان أو مكان ، فهى لكل الناس ، سواء منهم من كان على دين سابق ومن ليس على دين ، قال تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاَخرة من الخاسرين } آل عمران : 85، وكان عرض الدعوة على ضوء قوله تعالى { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران : 20 ، فليس هناك إكراه ، لأن العقائد لا تغرس إلا بالاقتناع ، وما على الرسول إلا البلاغ { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، الكهف : 28، { لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} البقرة : 256، وحينما أرسل الرسول الكتب لدعوة الملوك والرؤساء عرض عليهم الإيمان ولم يلزمهم به ، فإن أسلموا فبها ، وإن أبوا طلب منهم الاعتراف بالوضع الجديد للإسلام وعدم التعدى عليه ، ففى بعض الكتب { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } آل عمران : 64، وعندما خرجت قوافل الدعوة ومرت على جماعة عرضت عليهم الإسلام ، فإن أسلموا فبها ، وإلا طلبوا منهم عدم التعرض لمسيرتهم وتركوهم وما يدينون ، وتعهدوا بحمايتهم وضمان حريتهم لقاء مقابل رمزى يطلق عليه اسم الجزية، وهؤلاء معاهَدون ، فإن تعرضوا للمسلمين كانوا حربيين ، يقاتلون ليفسحوا لهم الطريق ، فإذا انتشر الإسلام فى إقليم أو دار أو جماعة وبقى بعضهم على دينه كانوا ذميين ، لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات الاجتماعية مثل من يعيشون معهم من المسلمين .
يتبين من هذا أن غير المسلمين ثلاثة أصناف ، صنف محارب ، وضنف معاهد، وصنف ذمى، والمحارب لا نبدؤه بحرب ولكن نرد عليه إن حاربنا ، وحربه ضرورة تقدر بقدرها قال تعالى { وقاتلوا فى سبيل اللَّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ، إن اللَّه لا يحب المعتدين } البقرة : 190 ، وقال تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للَّه ، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } البقرة : 193، . وهؤلاء تحرم مودتهم وموالاتهم ضد المسلمين كما قال سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } الممتحنة : 1 ، وقال أيضا { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللَّه فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم اللَّه نفسه وإلى اللّه المصير } آل عمران : 28، .
والمعاهد من لم يقبل الإسلام وتعهد بعدم حرب المسلمين ، وهؤلاء يحترم عهدهم ، لا يحاربون إلا إذا نكثوا العهد ، قال تعالى { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } . التوبة : 7 ، وقال تعالى { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون } التوبة : 12 .
وحذر النبى صلى الله عليه وسلم من الغدر بهذا العهد وأمر المسلمين باحترامه ، وهو الذى ردَّ أبا جندل وقد فر هاربا من أهل مكة وأسلم ، لأن العهد فى الحديبية كان يقضى برده ، وقال فى ذلك : " نفى لهم بعهدهم ونستعين اللَّه عليهم " وقال مثل ذلك فى أبى بصير، وقال فى احترام العهد " من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة لما رواه أبو داود، وعهد عمر لأهل إيلياء معروف ، وفيه الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وعدم إكراههم على الدين وعدم الإضرار بهم .
والذمى هو من عاش بين المسلمين . فهو مواطن معهم ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، ولا يأس بالتعاون مع الذميين على الخير ومن برهم ومجاملتهم فى الحدود المشروعة ، كما كان اليهود فى المدينة أيام النبى صلى الله عليه وسلم ، والمعاهدة معهم معروفة .
وفى هولاء وغيرهم من المعاهدين جاء الحديث الذى رواه البغوى " إن اللّه لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ، ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذى فرض عليهم " وفيهم أيضا يقول اللَّه سبحانه { لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اللّه يحب المقسطين * إنما ينهاكم اللّه عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون } الممتحنة : 8 ، 9 .
والنبى صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود واقترض منهم الطعام ، ولم يرض للمسلم أن يتعدى على اليهودى الذى فضَّل موسى عليه ، ونهى عن تفضيله على الأنبياء ، مع أنه أفضلهم ، وذلك منعا للفتنة . وقال فى حديث رواه مسلم " الأنبياء إخوة من عَلاَّت ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه ليس بينى وبينه نبى " ورأى عمر يهوديا ضريرا يسأل ، فجعل له من بيت المال ما يكفيه ، وكتب للولاة بمعونة الذميين الفقراء ، وكانت هذه المعاملة لغير المسلمين من منطلق أن الإسلام دين السلام ، لا يبدأ أحدا بحرب ما دام مسالما ، قال { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه } الأنفال : 61 .
وبخصوص أهل الكتاب من اليهود والنصارى أباح التزوج من نسائهم وأكل ذبائحهم ولا يقال : إن أخذ الجزية من أهل الذمة ظلم لهم أو جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية ، فإنها تقابل الزكاة التى فرضت على المسلمين ، وكلتاهما لمصلحة المواطنين جميعا ، وهى مفروضة بنسب بسيطة على الذكور القادرين فقط . وهناك حوادث كثيرة فى أيام الرسول وخلفائه ، ونصوص وتشريعات كثيرة فى القرآن والسنة تدل على العدل والإنصاف والرحمة والسلام فى تعامل المسلمين مع غيرهم ، وضعت فيها تآليف خاصة . جاء فى كتب الأحكام السلطانية للماوردى "ص 145 " أن عقد الجزية مع الذميين يشترط فيه شرطان ، أحدهما مستحق والاَخر مستحب ، وذكر أن المستحق فيه ستة شروط :
أحدها : ألا يذكروا كتاب اللَّه تعالى بطعن فيه ولا تحريف له .
والثانى : ألا يذكروا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتكذيب له ولا ازدراء .
والثالث : ألا يذكروا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه . والرابع : ألا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح . والخامس : ألا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا لدينه .
والسادس : ألا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم ، فهذه حقوق ملتزمة فتلزمهم بغير شرط ، وإنما تشترط إشعاراً لهم وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم ، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم . وتحدث الماوردى عن الأمور المستحبة التى تتعلق بالملابس والأبنية والنواقيس والمجاهرة بالمعاصى ، وما يتعلق بالموتى ووسائل ، الانتقال ، وقال إنها لا تلزم حتى تشترط ، ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم ، لكن يؤدبون عليها زجرا ، ولا يؤدبون إن لم تشترط ، ثم تحدث عن كنائسهم إنشاءً أو تعميرا ، ولو نقضوا العهد لم يستبح بذلك قتلهم ولا غنم أموالهم ولا سبى ذراريهم ما لم يقاتلوا ، ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشرك ، فإن لم يخرجوا طوعا أخرجوا كرها . وجاء فى كتاب " غذاء الألباب للسفارينى "ج 1 ص 12 كلام طويل عن التعامل معهم وموقف أحمد بن حنبل منهم لا داعى لذكره فيرجع إليه من شاء . إن عقد الذمة يجوز مع من يعيشون معنا فى بلاد الإسلام ، كما يجوز مع من لا يقيمون فيها، فقد عقد الرسول عقدا مع نصارى نجران مع بقائهم فى أماكنهم وديارهم دون أن يكون معهم أحد من المسلمين(10/111)
سد الأسنان بالذهب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الإسلام فى استبدال الإنسان لبعض أسنان الفم التالفة أو المشوهة بأخرى مصنوعة من الفضة أو الذهب ؟
An حشو الأسنان بالذهب أو الفضة أو عمل سنٍّ منهما جائز عند الضرورة إذا كان غير الذهب والفضة لا يفيد ، ففى مسند أحمد أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب " حرب " فاتخذ أنفا من فضة فأنتن ، فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن يتخذ أنفا من ذهب ، وثبت أن كثيرا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب ، مثل موسى بن طلحة وأبى رافع وإسماعيل بن زيد بن ثابت ، ورخص فيه الحسن البصرى وأئمة الحنفية. جاء فى فتوى للشيخ حسنين مخلوف بتاريخ 18 نوفمبر 1946 ما نصه : فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز، سواء أخذنا ما روى عن الإمام أحمد من إجازة اليسير منهما أو على مذهب الإمام محمد بن الحسن من أئمة الحنفية ، أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالهما ، والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يرد فيها ما يمنع جواز استعمالها . " الفتاوى الإسلامية ج 4 ص 1302 ، ج 10 ص 1710 " و " وغذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 174 "(10/112)
زرع الشعر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لشاب مصاب بالصلع الشديد أن يجرى عملية زرع شعر أو يلبس شعرا مستعارا، أو يستخدم دهانات لتثبيت ونمو الشعر؟
An هذا العمل يدخل تحت حديث " لعن اللّه الواصلة والمستوصلة " وقد مر الحكم فى علميات التجميل ، وخلاصته كما قال المحققون كابن الجوزى وغيره أن زرع الشعر إذا كان يدوم كالشعر العادى فلا غش فيه ولا خداع ، أما إذا كان ينبت مؤقتا لمدة ثم يختفى فهو كالباروكة إن قصد به التدليس والغش عندما يريد الزواج مثلا ، أوقصد به فتنة الجنس الاَخر للوقوع فى الإثم فهو حرام لا شك فيه . . أما إذا لم يقصد شيئا من ذلك فلا حرمة فيه(10/113)
الفيديو و التلفزيون والراديو
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم اقتناء الفيديو والتليفزيون والراديو ومشاهدة وسماع ما يذاع فيها ؟
An هذه الأجهزة الحديثة كأى جهاز يستعمل فى الخير والشر، كالقلم نكتب به درسا علميا ونكتب به سبًّا وإشاعة، وكالكوب ، تشرب فيه ماء وشرابا حلالا، وتشرب فيه شرابا حراما . ولهذه الأجهزة فوائد عظيمة إذا استعملت فى الخير تسجيلا أو إذاعة أو مشاهدة أو سماعا ، وذلك إذا أمكن للإنسان أن يتحكم فيها ، أما إذا لم يتمكن من التحكم فعلى من يذيعون ويعرضون أن يتقوا اللَّه ويختاروا ما هو أنفع وأجدى ، وأن يبتعدوا عن كل ما يتنافى مع الدين والذوق ، وعلى القاعدة المستقبلة لما يذاع ويعرض أن تنبه المسئولين عن البث إلى مراعاة ذلك ، على ضوء قوله تعالى { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل :
125(10/114)
الإطعام فى كفارة القتل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى كفارة القتل تحرير الرقبة، وعند العجز صيام شهرين متتابعين فما هو الحكم لو عجز عن الصيام ؟
An قال تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللَّه ، وكان اللّه عليما حكيما} النساء: 92 . تفيد الآية أن كفارة القتل هى تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجدها القاتل أو لم يجد ثمنها انتقل إلى صيام شهرين متتابعين . هذا هو منطوق الآية، ولكن ما حكم ما لو عجز عن الصيام ؟ اختلف الفقهاء فى ذلك فقال الحنفية والمالكية والشافعية فى الأظهر من مذهبهم ، والحنابلة فى رواية : يثبت الصيام فى ذمته ولا يجب الإطعام كما يجب فى كفارة الظهار ، وحجتهم فى ذلك أن اللَّه لم يذكر الإطعام ولو كان واجبا لذكره حيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما قالوا : إنه من المقادير، والمقادير لا تعرف إلا سماعا . وفى رواية عن أحمد والظاهر من مذهب الشافعية أنه يطعم ستين مسكينا ، قياسا على كفارة الظهار وكفارة الفطر فى رمضان . وأرى أنه من المصلحة الأخذ بالرأى الثانى ، ففيه تحقيق المقصود من شرعية الكفارة ، وهو شعور الإنسان بخطئه فسنزجر عن معاودة الإثم ، وذلك بالقياس على جريمة أخرى انتقل فيها العاجز عن الصيام إلى الإطعام(10/115)
الكبائر والصغائر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى بعض التعبيرات عن الذنوب بأن منها كبائر ، فهل هناك من ضابط تميز به الكبائر عن الصغائر؟
An اختلف السلف فى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، فذهب الجمهور إلى ذلك ، ومنعه جماعة منهم الإسفرايينى، ونقله عن ابن عباس ، وحكاه القاضى عياض عن المحققين . ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية . وحجتهم أن المخالفة بالنسبة إلى جلال اللَّه كبيرة على كل حال . أما الجمهور فحجتهم قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } النساء : 31 ، وقوله تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } النجم : 32، وحديث تكفير الذنوب الوارد فى الصلاة والوضوء مقيد باجتناب الكبائر. وبهذا ثبت أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات العامة ومنها ما لا يكفر بها ، ولهذا قال الإمام الغزالى : إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه . ثم إن مراتب الصغائر والكبائر تختلف بحسب تفاوت مفاسدها ، قال الطيبى : الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان ، فلابد من أمر يضافان إليه ، وهو أحد ثلاثة أشياء : الطاعة والمعصية والثواب ، فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر، وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أو عقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهى كبيرة ، وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة ، فقد وقعت المعاتبة فى حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية . انتهى. قال النووى : واختلفوا فى ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا ، فروى عن ابن عباس أنها كل ذنب ختمه اللَّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . قال : وجاء نحو هذا عن الحسن البصرى . وقال آخرون : هى ما أوعد اللَّه عليه بنار فى الآخرة أو أوجب فيه جزاء فى الدنيا .
يقول الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 8 ص 222" وممن نص على هذا الإمام أحمد ، ومن الشافعية الماوردى ، ولفظه : الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد . وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر، منها قول إمام الحرمين : كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة ، وقال الحليمى : كل محرم لعينه منهى عنه لمعنى فى نفسه ، وقال الرافعى : هى ما أوجب الحد، وقيل : هى ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة . وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كعقوق الوالدين ، وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة ، أما العقوق مثلا فقد صح فيه حديث أنه من أكبر الكبائر. قال ابن عباس فى القواعد : لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض ، والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها ، قال الحافظ :
وهو ضابط جيد . هذا ، وقد قال ابن عباس رضى اللّه عنهما : لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار ، والإصرار قيل هو التسويف ، أى أن يقول :
أتوب غدا . وقيل هو الثبات على المعصية، وقيل هو أن ينوى ألا يتوب ، وهو بالمعنى الذى قبله ، وروى فى الحديث " لا توبة مع إصرار " القرطبى ج 4 ص 211" . أما عدد الكبائر فمختلف فيه ، وما جاء منها فى بعض الأحاديث فليس للحصر، وروى الطبرانى عن ابن عباس أنها إلى السبعين أقرب ، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى مقدمة كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى(10/116)
تحلية الخنجر بالفضة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الرجال يعتزون بحمل الخناجر أو السيوف أو اقتنائها، ونرى على بعضها حلية من الفضة . فما رأى الدين فى ذلك ؟
An روى أبو داود والترمذى بإسناد حسن أن قبيعة سيف النبى صلى الله عليه وسلم كانت من الفضة . والقبيعة هى التى على رأس قائم السيف ، وهى التى يدخل القائم فيها ، وربما اتخذت من فضة على رأس السكين ، وقيل : ما تحت شاربى السيف مما يكون فوق الغمد، فيجىء مع قائم السيف . والشاربان أنفان طويلان أسفل القائم ، أحدهما من هذا الجانب والآخر من هذا الجانب . وقيل : قبيعة السيف رأسه الذى فيه منتهى اليد إليه ، وقيل : قبيعته ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد . وقال هشام بن عروة : كان سيف الزبير محلى بالفضة ، أنا رأيته "المغنى لابن قدامة ج 8 ص 323 " . قال الأثرم : قيل لأبى عبد اللّه :
الحلية لحمائل السيف ؟ فسهل فيها، وقال : قد روى : سيف محلى؟ ولأنه من حلية السيف فأشبه القبيعة ، ولذلك يخرج فى حلية الدرع والمغفر والحوذة والخف والران ، ولأنه فى معناه .
قال أحمد : قد روى أنه كان لعمر رضى اللّه عنه سيف فيه سبائك من ذهب .
وروى الترمذى بإسناده من مزيدة العصرى قال : دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة . وقال : هذا حديث غريب .
ولا يباح الذهب فى غير هذا إلا لضرورة كأنف الذهب وما ربط به أسنانه إذا تحركت(10/117)
الرق فى نظر الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تحدث القرآن والسنة عن ملك اليمين ، ويعيب بعض الناس ذلك لأنه يتنافى مع كرامة الإنسان ، فكيف نرد عليهم ؟
An الرق فى نظر الإسلام موضوع درست أحكامه فى الكتب الدينية ، وألفت فيه كتب خاصة اهتمت ببيان أصل مشروعيته وموقف الإسلام منه ، والرد على الشبه المثارة حوله . والرقيق قوة بشرية كان لها أثرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية قى الأزمان الغابرة، وجاء الإسلام فوجد الرق موجودا فى كل أنحاء الدنيا، وكانت وسائله متعددة، بعضها يقوم على الخطف والسرقة، فلم يشأ الإسلام أن يمنعه مرة واحدة حتى لا تكون هناك هزة، وهو فى الوقت نفسه ظاهرة موجودة عند كل الأمم عندما تقوم الحروب بينها ويقع فيها أسرى من الجانبين يساوم كل على فدائهم . فضيق الإسلام منابع الرق وحصرها فى الحرب المشروعة التى تقوم بين المسلمين والكفار، وكذلك فيما يتوالد من الأرقاء السابقين . وجعل ضرب الرق على الأسير بأمر الحاكم إن رأى فيه المصلحة . ثم وسع أبواب الحرية بالعتق قى مخالفات كثيرة ، كالفطر فى رمضان والظهار والقتل والقسم أى الحلف وغير ذلك ، كما حبب فى العتق بدون سبب موجب ، ورغب فيه ترغيبا كبيرا ، وإذا ضاق المنبع واتسع المصب كانت النتيجة قضاء على الرق بالتدريج . وفى المسافة التى بين الرق والعتق أمر الإِسلام بالإِِحسان إلى الرقيق ، ونصوصه فى ذلك كثيرة جاء فيها التعبيرعن المملوكين بأنهم إخوان من ملكوهم ، وهى إخوة فى الإِنسانية تقتضى الرحمة والحفاظ على كرامتهم ، حتى كان عتق العبد كفارة عن ضربه وإهانته ، ولعل هذه الطيبة قى معاملتهم تكون دعاية للإِسلام ومبادئه الإِنسانية العظيمة، على يد من يعتقون . وموقف الإِسلام بهذه الخطوات الثلاثة الحكيمة : تضييق منابع الرق ، وتوسيع منافذ الحرية ، والإِحسان إلى المملوك والترغيب فى عتقه - موقف شريف يزرى بالأساليب التى كانت موجودة قبل الإِسلام فى بلاد الحضارة ، وبالأساليب التى اتخذها تجار الرقيق قى القرون الأخيرة لتعمير الأراضى المكتشفة ، وحين اشتد التنافس بين الدول فى هذه التجارة قرروا الاتفاق على منعها ، متذرعين - صدقا أو كذبا - بأنها منافية لكرامة الإِنسان ، واستبدلوا به رقا آخر بالاستعمار وبسط النفوذ المسلمون من أول 17 والتحكم فى مصائر الشعوب الضعيفة، وكانت من وافقوا على منع هذه التجارة ، وإن كانت له اَثار قليلة باقية . وفى النهاية نهتف مباهين بالإِسلام وتشريعه وأسلوبه فى معالجة المشكلات ، مؤمنين حقا بقول اللَّه سبحانه { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء : 107، والموضوع كل موجود فى رسالتى "الرق فى نظر الإسلام "(10/118)
دار الإسلام و دار الحرب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بدار الحرب ، ومتى يطلق على منطقة بأنها دار حرب ، وهل تقام فيها الحدود ؟
An جاء فى كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف ، ج 1 ص 248 " أن تقسيم البلاد إلى دار كفر وإسلام أمر اجتهادى من واقع الحال فى زمان الأئمة المجتهدين ، وليس هناك نص فيه من قرآن أو سنة . والمحققون من العلماء قالوا : إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد حرب هو الأمن على الدين . حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير دين الإسلام ، ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام ، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها . وذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة فى رسالة عن نظرية الحرب فى الإسلام " ص 38" رأيين للفقهاء فى دار الإسلام ودار الحرب . ثم اختار رأى أبى حنيفة وهو: أن مدار الحكم هو أمن المسلم ، فإن كان اَمنا بوصف كونه مسلما فالدار دار إسلام وإلا فهى دار حرب . وقال : إنه الأقرب إلى معنى الإسلام ، ويوافق الأصل فى فكرة الحروب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداء . انتهى . وبخصوص الحدود قال فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة : إذا غزا أمير أرض الحرب فإنه لا يقيم الحد على أحد من جنوده فى عسكره ، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك ، فيقيم الحدود فى عسكره ، وحجتهم أن إقامتها فى دار الحرب قد تحمل المحدود على الالتحاق بالكفر. وقد نص على عدم إقامتها أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعى وغيرهم ، وعليه إجماع الصحابة . وكان أبو محجن الثقفى لا يطيق الصبر عن شرب الخمر، فشربها بالقادسية فحبسه أمير الجيش سعد بن أبى وقاص وأمر بتقييده ، ثم طلب من امرأة سعد أن تطلقه ليشترك فى المعركة وتعهد بالعودة إلى الحبس ، وكان ذلك ، ولما عرف سعد بلاءه فى الحرب عفا عنه فتاب عن الحمر . ورأى جماعة آخرون عدم الفرق بين إقامة الحدود فى دار الإسلام وغيرها، ومنهم مالك والليث بن سعد .
وبعد، فهذا سؤال تقليدى عن الحدود قضت به ظروف كان المسلمون فيها أصحاب قوة وسلطان يفتحون البلاد بالإسلام ، فهل يمكن فى ظروفنا الحاضرة أن يكون لنا هذا الوضع ؟ هذا ، ويثار هنا سؤال عن حكم إقامة المسلم فى بلاد المشركين ، ورأى الإسلام فى الجاليات الإسلامية . روى أبو داود والترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " . وهذا الحديث يلتقى مع الآيات التى تحث على الهجرة من مكة إلى المدينة، وتنعى على من يستطيعون الهجرة ولا يهاجرون ، ومنها قوله تعالى { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} النساء : 97 ، . والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة ، لكن هل هى واجبة أم مندوبة؟ قال العلماء : إن خاف المسلم على دينه وخلقه أو على ماله وجب أن يهاجر، وإن لم يخف لم تجب الهجرة ، وتكون سنة . لكن قال المحققون : إذا وجد المسلم أن بقاءه فى دار الكفر يفيد المسلمين الموجودين فى دار الإسلام ، أو يفيد المسلمين الموجودين فى دار الكفر بمثل تعليمهم وقضاء مصالحهم ، أو يفيد الإسلام نفسه بنشر مبادئه والرد على الشبه الموجهة إليه - كان وجوده فى هذا المجتمع أفضل من هجره ، ويتطلب ذلك أن يكون قوى الإيمان والشخصية والنفوذ حتى يمكنه أن يقوم بهذه المهمة .
وقد كان لبعض الدعاة والتجار فى الزمن الأول أثر كبير فى نشر الإِسلام فى بلاد الكفر " انظر الجزء الأول من كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف "(10/119)
حد عمر لابنه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ضرب عمر ابنه بسبب الخمر حتى مات ؟
An هذه الحكاية تتردد كثيرا على ألسنة المتحدثين عن عدالة عمر ابن الخطاب رضى اللّه عنه وعدم محاباته فى تطبيق الشريعة ، وسيدنا عمر- وإن كان معروفا أنه يمثل العدالة فى أسمى معانيها أو يكاد ، إلا أنه وكذلك كثير من المشهورين فى التاريخ - قد نسبت إليه أمور لم يصح سندها ، يحكيها الناس توكيدا لعدله .
ونشرت فى مجلة إسلامية فتوى حول هذا الموضوع جاء فيها : إن أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوز ذكر فى كتابه " سيرة عمر بن الخطاب " أن عبد الرحمن بن عمر ومعه أبو الروعة عقبة بن الحارث ، وهو من أهل بدر، كانا فى مصر وشربا نبيذا ، وظنا أنه لا يسكر، فسكرا ، وكان يكفيهما الإحساس بخطئهما والتوبة إلى اللَّه ، غير أنهما غضبا للَّه على أنفسهما ، فذهبا إلى عمرو بن العاصى وهو والى مصر، وطلبا منه إقامة الحد عليهما . وقد كان عبد اللّه بن عمر سمع أن أخله شرب ، ثم علم أنه رفع أمره إلى عمرو بن العاصى ، فذهب معه وشهد إقامة الحد عليهما فى دار عمرو. ثم سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب إلى عمرو خطابا شديد اللهجة، يذكر فيه محاباته لابنه ، حيث لم يقم الحد عليه فى مكان عام مكشوف ، كما يقام على غيره من عامة الناس ، وطلب منه أن يرسله إليه بالمدينة فى ثوب خشن ،1717 أ وعلى مركب خشن فلما حضر مع أخيه عبد اللّه وسأله عمر عما حدث : أقر واعترف فغضب منه وضربه وعبد الرحمن يستغيث وهو لا يرحمه ، ثم حبسه بعد أن انتهى من ضربه ، ثم مرض عبد الرحمن ومات . وأخرج الديلمى فى كتابه " المنتقى " كما حكاه صاحب " الرياض النضرة " أن حادثة الحد كانت عن زنى عبد الرحمن بجارية فى حائط - بستان - بنى النجار، وكان سكران من خمر شربه عند يهودى اسمه "نسيك " كما نقله الشبلنجى فى كتابه " نور البصائر والأبصار " . والكتب الصحيحة لم تشر إلى هذه الحادثة ، وقد قال ابن الجوزى فى كتابه : إن عمر لم يقم الحد على ابنه ، فإن ضربه ليس حدا، بل غضبا وتأديبا ، لأن الحد لا يتكرر، ثم يقول : وقد أخذ هذا الحديث قوم من القصاص فبدأوا فيه وأعادوا ، فتارة يجعلون هذا مضروبا على شرب الخمر، وتارة على الزنى ويذكرون كلاما ملفقا يبكى العوام لا يجوز أن يصدر عن مثل عمر، وقد ذكرت الحديث بطرقه فى كتاب "الموضوعات " ونزهت هذا الكتاب عنه " ص 167 " . وأرى أن مثل هذه الأمور التى تمس الشخصيات الكريمة ينبغى أن يحتاط فى الحديث عنها مهما كان الغرض من الحديث ، وبخاصة الخلفاء الراشدون الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديهم(10/120)
الحدود زواجر أم جوابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا أقيم الحد على الزانى ، هل هذا الحكم يكفى لمحو الذنب عنه أم أن الله يعاقبه عليه فى الآخرة ؟
An روى البخارى ومسلم عن عبادة بن الصامت فى حديث المبايعة على عدم الشرك والسرقة والزنى والقتل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " فمن وفى منكم فأجره على اللَّه ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فى الدنيا فهو كفارة له لما وروى مسلم حديث الجهنية التى أقيم عليها حد الزنى ، وصلى عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقال جوابا عن استفهام : " لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للَّه " وروى الترمذى والحاكم وصححه حديث : " من أصاب ذنبا فعوقب به فى الدنيا فاللَّه أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده فى الآخرة " . بناء على هذه الأحاديث رأى أكثر العلماء أن الحدود كفارات للذنوب أى جوابر لا يعاقب اللَّه عليها بعد ذلك ، ولكن قال بعض التابعين والمعتزلة وابن حزم : الحدود زواجر لا جوابر، وعلى من أقيم عليه الحد أن يتوب إلى اللَّه توبة نصوحا حتى يكفر اللّه ذنبه . وتوقف جماعة فى الحكم بناء على حديث رواه الحاكم وقال عنه الحافظ ابن حجر: إنه صحيح على شرط الشيخين ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا أدرى : الحد كفارة لأهلها أم لا " .
ولكن الرأى الأول أرجح ، لأن أدلته أقوى ، وهذا كله فى الحق الخالص للَّه ، الذى ليست له علاقة بحقوق العباد ، أما ما فيه حق للعباد فمع الحد والتوبة لا بد من رد هذه الحقوق أو طلب العفو والتنازل عنها ، فإن لم يفعل ذلك طالبه أهل الحقوق بحقوقهم يوم القيامة ، وإن كان صادق التوبة فى الدنيا مع اللّه ، وحاول رد الحقوق لأصحابها ، أو طلب العفو منهم ولم يستطع فالمرجو من اللَّه - ورحمته واسعة - أن يطلب له العفو منهم ، واللّه أعلم(10/121)
دهن الخنزير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أكل ما طبخ يدهن الخنزير للضرورة، كان كان الإنسان فى الجيش أو فى طريق لا يوجد فيه أكل آخر ؟
An شحم الخنزير كلحمه محرم لقوله تعالى{ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } المائدة : 3 ، فلا يجوز أكل اللحم أو الشحم أو ما طبخ به ، وذلك بشرط الاختيار بأن يكون هناك طعام حلال آخر، ولم يكرهه على تناوله أحد . فإن لم يوجد إلا لحم الخنزير أو ما طبخ بشحمه ، أو أكرهه على تناوله من هو أقوى منه جاز أكله ، لأن هذه حالة ضرورة ، والضرورات تبيح المحظورات ، بدليل قوله تعالى فى الآية نفسها { فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن اللَّه غفور رحيم } وحكم الاضطرار هذا راجع إلى جميع المحرمات المذكورة فى الآية . والمخمصة هى الجوع الشديد والتجانف هو تجاوز الحد الأدنى فى الأكل ، أو هو العصيان فى السفر على اختلاف للفقهاء فى ذلك . فالآية تدل على تناول لحم الخنزير أو شحمه عند الضرورة بشرط ألا يزيد على ما يمسك الرمق ، فإن الضرورة تقدر بقدرها . والحال الواردة فى السؤال وهى وجود الشخص فى الجيش ، إن كان فى الجيش طعام آخر ليس فيه لحم أو شحم الخنزير، ويمكن الحصول عليه ولو بالشراء لا يجوز أكل الخنزير. فإن لم يوجد إلا هو ولا يمكن الحصول على غيره جاز له تناوله بقدر يسير. وكذلك من كان فى طريق لا يوجد فيه غير لحم الخنزير أو ما طبخ بشحمه ، يجوز له أن يأكل منه بقدر الضرورة حتى يصل إلى مكان فيه طعام حلال(10/122)
الجهاد فى الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى حكمة مشروعية الجهاد فى الإسلام ؟
An الجهاد من الكلمات التى أُسىء استعمالها لعدم فهم معناها فهما صحيحا ، فالجهاد مأخوذ من الجَهْد وهو التعب ، أو الجُهد وهو القوة، فالمجاهد يبذل جُهْدا يحس فيه بِجَهْد ، أي يبذل قوة يحس فيها بتعب ، ومعنى الجهاد بذل الجهد لنيل مرغوب فيه أو دفع مرغوب عنه ، يعنى لجلب نفع أو منع ضر، وهو يكون بأية وسيلة وفى أى ميدان حسى أو معنوى ، ومنه جهاد النفس والشيطان وجهاد الفقر والجهل والمرض وجهاد البشر. والنصوص فى ذلك كثيرة ، وجهاد البشر يكون بدفع الصائل المعتدى على النفس أو المال أو العرض ، والميت فى هذا الجهاد شهيد كما صح فى الحديث ، كما يكون الجهاد عند الاعتداء على الأوطان والحرمات ، أو الوقوف ضد الدعوة إلى الخير. والجهاد فى سبيل اللّه عرف فى الشرع بما يرادف الحرب لإعلاء كلمة اللَّه ، ووسيلته حمل السلاح وما يساعد عليه ويتصل به من إعداد وتمويل وتخطيط ، ويشترك فيه عدد كبير من الناس ، من زراع وصناع وتجار وأطباء ومهندسين وعمال ورجال أمن ودعاة وكُتَّاب ، وكل من يسهم فى المعركة من قريب أو بعيد .
وكان هذا الجهاد هو الشغل الشاغل للمسلمين فى بدء تكوين المجتمع الإسلامى وأكثر آيات القراَن وأكثر الأحاديث كانت للأمر به والتشجيع عليه : { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل اللَّه } التوبة : 41، وهو فرض عين على كل قادر عليه إن أغار علينا العدو، وفرض كفاية إن لم تكن إغارة علينا ، وإذا استنفر الإمام القوة وجب الخروج ، لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل اللّه اثاقلتم إلى الأرض . . . } التوبة : 38، وحديث البخارى ومسلم " وإذا استنفرتم فانفروا " لقد كان هناك انتقال بالدعوة لنشرها فى ربوع العالم حيث يقوم بذلك جماعة من القادرين نيابة عن غيرهم ما دامت فيهم كفاية ، وكل مسلم يجب أن يكون مستعدًّا لإجابة الداعى إلى الجهاد ، وعليهم جميعا أن يكونوا على أقصى درجات الاستعداد { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . . . . } الأنفال : 60 ، . لكن : هل حمل السلاح هو الوسيلة الوحيدة لنشر الدعوة؟ إن مهمة حمل السلاح كانت لغرضين أساسيين ، أولهما رد العدوان الواقع أو المنتظر، والثانى تأمين طريق الدعوة . ورَدُ العدوان ظهر فى غزوات بدر وأحد والخندق وغيرها ، وكان عدوانا حقيقيا واقعا ، ومنه إغاثة المظلومين : { وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر. . .
} الأنفال : 72 ، أما رد العدوان المنتظر فكان فى فتح مكة حيث نقضت قريش عهدها الذى أبرمته مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديبية ، وفى غزوة تبوك وغيرها . وتأمين الطريق كان فى تحرك المسلمين خارج حدود المدينة لنشر الدعوة فى أنحاء العالم ، لأنها دعوة عالمية للناس جميعا . إن الإسلام إذا كان قد فرض القتال ، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا أخبر أنه بعث بالسيف ، وجُعل رزقه تحت ظل رمحه ، كما رواه أحمد عن ابن عمر، فإن الواجب أن نفهم أن الإسلام أمر بالقوة ، بل دعا إلى أن يكونوا فى أعلى درجاتها ، والسبب فى ذلك أن الإسلام قوة جديدة فالمنتظر أن تحاربها القوات القائمة إذا ذاك حتى لا تزاحمها فى سلطانها ، وذلك شأن الناس فى كل العصور، فلا بد من الدفاع عن الكيان الجديد ليثبت وجوده ويؤدى رسالته ، ولو أن الإسلام كان دعوة محلية أو مؤقتة لكانت مهمة التسلح هى من أجل الدفاع ، لكنه دعوة عالمية لابد أن تبلغ للعالم كله ، والوسيلة إذ ذاك هى السفر والضرب فى الأرض ، والسفر كان وما يزال تحفُّه المخاطر، فكان لا بد من التسلح حتى لا يقف الأعداء فى طريق الدعوة .
وإذا كان السيف لابد منه لتأمين طريق الدعوة فى الماضى ، فإنه فى هذه الأيام لا مهمة له إلا الدفاع ضد من يريدون شرًّا بالإسلام وأهله ، أما نشره فله عدة وسائل لا تحتاج إلى سفر ولا تخشى معه مخاطر لطريق ، فالصحف والمكاتبات وما إليها أصبحت تتخطى الحدود ، ولئن أمكن التحكم فيها إلى حد ما ، فإن الإذاعات اليوم أصبحت من القوة والانتشار، بحيث لاحقت الناس وهم في بيوتهم وعلى أسِرّةِ نومهم لا تمنعها سلطة ولا تقف دونها حدود ولا أبواب . هذا ، وما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة قبل الهجرة " أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح " كما رواه الطبرانى- فهو حديث ضعيف يرده العقل والنقل ، أما الأول فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يصرح بذلك فى بدء الدعوة وهو منفر لها لا مرغب فيها ؟ وكيف يقوله وهو ضعيف لا يستطيع حماية نفسه فضلا عن حمايته لأتباعه القلة ؟ ولماذا تركته قريش وهم يعلمون ما جاء به من الذبح ليحقق ما يريد، ولم يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم ؟ وأما الثانى فلمنافاته لآية { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء : 107 ، وحديث " إنما أنا رحمة مهداة" رواه الحاكم والطبرانى ، وما يماثله من نصوص وأحداث تدل على رقة قلبه وعظيم رحمته . ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم متعطشا للدماء ، وبخاصة من قريش ما عفا عنهم عند فتح مكة وهو القادر على الانتقام منهم ، كما أن الحديث لا يراد به قهرهم على الإسلام فهو يتنافى مع طبيعة الدعوة. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم الذى رواه أحمد بسند صحيح " جُعل رزقى تحت ظل رمحى" أن رزقه من الغنائم التى يحصل عليها المسلمون من الحروب التى كان يباشر أكثرها بنفسه ، وكفاية رئيس الدولة توفر من الخرينة العامة بمواردها المتعددة ، ومنها الغنائم ، وهو مبدأ إسلامى أقره الصحابة لأبى بكر وعمر والخلفاء . إن الفهم السطحى لمشروعية القتال بالآيات والآحاديث ربما يوحى بأن الإسلام قد انتشر بقوة السلاح ، ولولا ذلك ما كان له وجود أو ما كان بهذه المساحة الكبيرة من الأرض ، أو من نفوس الناس ، وكيف يقال ذلك والإسلام دين الرحمة كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، وهو الذى قال { ادخلوا فى السلم كافة } البقرة : 208 ، { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه } الأنفال : 61 ، " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللّه العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " رواه البخارى ومسلم . إن الدعوة الإسلامية للعرض لا للفرض ، فما كانت العقائد تغرس بالإكراه أبدا ، لا فى القديم ولا فى الحديث ، واللّه يقول عن نوح {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون } هود : 28، ويقول لمحمد عليه الصلاة والسلام { أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } يونس : 99 ، إلى غير ذلك من النصوص . وعندما أرسل النبى صلى الله عليه وسلم عليًّا لقتال يهود خيبر قال : أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ يعنى أرغمهم على الإسلام ، فقال له " انفذ على رِسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإِسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه ، فواللَّه لأن يهدى اُللّه بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم " رواه مسلم . وإذا جاءت نصوص تدل بظاهرها على الأمر المطلق بالقتال فهناك نصوص أخرى تقيدها بما إذا كان ذلك ردًّا لعدوان وقع ، أو جزاء على نكث العهد ، أو منعا لعدوان سيحدث ، قال تعالى { وقاتلوا فى سبيل اللَّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا } البقرة : 190 ، وقال تعالى {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر } التوبة : 14 ، فيُقَيَّدُ بذلك قوله تعالى { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} التوبة : 36 ، وقوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم } البقرة : 191، { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} البقرة : 193 ، . ولو جاءت نصوص تفيد فى ظاهرها أن القتال لأجل الإِسلام فالمراد أن القتال ينتهى لو أعلن الناس ، الإِسلام ، ويسر خوض المعركة أساسا من أجل أن يسلموا ، وذلك مثل حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه ، فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه " رواه البخارى ومسلم ، وكذلك قوله تعالى : {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية . . . } التوبة : 29 ، فلم يكن أخذ الجزية باعثا على القتال ولكن كان غاية ينتهى عندها إذا دفعوها ، ويؤكد أن الغرض من القتال ليس مادة أن أبا عبيدة ردَّ على أهل المدن ما أخذه منهم جزية حين استدعوا إلى مقابلة الروم فى اليرموك ، لأنها كانت فى مقابل حمايتهم ، وحيث إنهم تخلوا عنها فلامعنى لبقائها فى حوزتهم كما ذكره أبو يوسف فى كتابه " الخراج " . هذا ، ولعل الذين ينادون بالجهاد عن طريق حمل السلاح يقصدون الجهاد لتغيير الوضع الحالى للمجتمعات الإِسلامية ، وقد قلنا : إن وسيلة الإِصلاح لن تؤمن عاقبتها إذا كانت قائمة على العنف ، فإن للقوة إعدادها وتخطيطها الكبير الجبار، وكذلك لدراسة كل الظروف القائمة أهميتها فى القيام بمثل هذه الحركة ، ولا يجوز أن يفهم من هذا أننا نهوشّ من شأن الجهاد بمعناه العام ، فإنه ماض إلى يوم القيامة فى ميادينه الواسعة وبأساليبه المتعددة ، لحديث " والجهاد ماض مذ بعثنى اللّه إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " رواه أبو داود، فإنه يدل بعمومه على بقاء الجهاد فى الميادين السلمية ، ويدخل فيه الجهاد المسلح دخولا أوليا ، وقد يرشح دلالته عليه بخاصة ذكر فتال الدجال بعد .
وإذا كان الجهاد مفروضا بالسلاح لتأمين طريق الدعوة والدفاع عن الحرمات ، فذلك واضح فى الجهاد ضد الكفار، أما الجهاد بين الدول الإِسلامية فلا يجوز مطلقا أن يكون للعدوان على الحقوق ، بل لرد العدوان ، ولا يلجأ إليه إلا إذا فشلت كل الطرق السلمية ، على حد قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر اللّه . . . } الحجرات : 9 ، وفى الدفاع يقول الحديث " من قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد . " رواه أبو داود ، ويُحَذر من العدوان على الأفراد أو الجماعات أو الدول بين المسلمين فيقول " إخا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار " قيل : يا رسول اللّه هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال " كان حريصا على قتل صاحبه " رواه البخارى ومسلم(10/123)
الانتفاع بالمشيمة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل جمع فضلات الإنسان كالدم والشعر والسن والمشيمة لاستخراج مواد طبية منها حرام أم حلال ؟
An جاء فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 102 " أن الحكيم الترمذى ذكر فى " نوادر الأصول " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قصوا أظافيركم ، وادفنوا قلاماتكم ، ونقُّوا براجمكم ، ونظفوا لثاتكم من الطعام ، وتسنَّنوا ولا تدخلوا علىَّ فُخْرًا بخْرًا " (المحفوظ -كما فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 154 " قُحْلاً وقلحا . والقُحل جمع أقلح وهو الذى اصفرت أسنانه حتى بخرت وأنتنت رائحتها والتسنن تنظيف الأسنان بالسواك .) ثم تكلم عليه فأحسن . وفى شرحه لدفن القلامات قال : إن جسد المؤمن ذو حرمة، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم ، فيحق عليه أن يدفنه ، كما أنه لو مات دفن ، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه ، كيلا يتفرق ولا يقع فى النار أو فى مزابل قذرة ، وقد أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بدفن دمه حيث احتجم كيلا تبحث عنه الكلاب .
ثم ذكر حديثا عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإِنسان : الشعر والظفر والذم والحيضة والسن والقلفة والبشيمة .
لم يذكر سند هذا الحديث حتى يمكن الاستشهاد به ، وقد تحدث العلماء عن دفن الشعر والظفر والدم فقالوا : إنه سنة، وجاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 382" نقلا عن " الإِقناع " أن الخلاَّل روى بإسناده عن مثل بنت بشرح الأشعرية قالت : رأيت أبى يقلم أظفاره ويدفنها ويقول : رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك . وعن ابن جريج عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعجبه دفن الدم . وقال مهنا :
سألت أحمد ابن حنبل عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه ؟ قال : يدفنه . قلت : بلغك فيه شىء؟ قال : كان ابن عمر يفعله .
فدفن فضلات الإِنسان سنة : لتكريم الإِنسان بتكريم أجزائه ، وللنظافة بمواراتها وعدم التلوث بها ، وصونا لها عن استخدامها فيما يضر كما كان يفعله المشتغلون بالسحر واستخدام آثار الإنسان فى ذلك .
وقد ذكر ابن حجر فى أخذ معاوية لقصة الشعر أن دفنها ليس بواجب .
لكن لو لم تدفن هذه الأشياء فلا يعاقب عليها، لأن المكروه وهو مقابل السنة لا عقاب عليه .
ومحل ذلك إذا لم تكن هناك فائدة ترجى من وراء هذه الفضلات .
وبفضل التقدم العلمى أمكن الانتفاع بهذه الفضلات ، وهذا أولى من إهدارها ، وكما يقال : إذا وجدت المصلحة فثم شرع اللَّه ، وذلك فيما لم يرد فيه نص قاطع ولم يعارض حكما مقررا .
ولذلك أرى أنه لا مانع من استغلال هذه الفضلات فى المنفعة(10/124)
الإنسان مسير أم مخير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الإنسان مسير أم مخير ؟
An اللّه سبحانه خلق الإنسان وعلم ما سيكون عليه من خير وشر، وجعله قابلا للطاعة والمعصية ، وكلفه بأمور ينفذها وترك له الحرية في اختيار التنفيذ وعدم التنفيذ ، ليكون محاسبا أمام اللَّه على ما فعله بحريته واختياره من طاعة أو معصية ، والإنسان لا يعلم ما قدر له في علم اللَّه إلا بعد وقوع المقدر، ولو أقدم على فعل محرم متعللا بأنه مقدر عليه فهو مخطئ فى هذا التعلل ، لأنه ربما يحول بينه وبين فعل المحرم حائل يمنعه ، وهنا يعلم أنه لم يُقدر عليه .
فالإنسان مخير في الأمور التكليفية التى يستطيع فعلها أو تركها بحريته واختياره ، أما الأمور التى لا تقع تحت حريته واختياره ، كالكوارث العامة من الزلازل والبراكين والعواصف والسيول وغيرها فهو فيها مسير .
ثم أقول : لماذا يكثر السؤال فى هذا الموضوع ، وبخاصة من يقول : إن المعاصى مقدرة علينا فلماذا نعاقب عليها ونحن مرغمون لا مفر لنا من القضاء والقدر؟ إن اللَّه سبحانه علم أن أبا لهب لن يؤمن بسيدنا محمد، ومع ذلك أمر اللَّه نبيه أن يطلب منه الإيمان ، ليكون إيمانه وعدم إيمانه بحريته واختياره ، فاختار أبو لهب الكفر، واستمر على ذلك حتى مات كافرا ، وهنا علم تماما أن اللَّه سبحانه قضى في علمه أن أبا لهب سيختار الكفر ويموت عليه .
ثم أقول : لماذا يسأل الناس عن تقدير المعاصى لتبرير فعلها لأنها قضاء اللَّه حتى لا يعاقب عليها، ولا يسأل عن تقدير الطاعات ، ويطالب بالثواب عليها ، مع أن المعاصى والطاعات مقدرة فى علم اللَّه ؟ إن الإنسان هنا فى الطاعات حريص على أن ينال الثواب على طاعته لأنها عمله . وفى المعاصى حريص على أن يفر من العقاب على معصيته لأنها ليست عمله - فى ادعائه -بل مقدرة عليه .
لا ينبغى أن يغالط الإنسان نفسه ، فهو مسئول عن كل شيء فعله بحريته واختياره من خير أو شر، قال تعالى{كل امرئ بما كسب رهين } الطور :
21 ، وقال تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38 ، إن الأمر لو كان كما يريد هؤلاء من تقدير كل الأمور علينا وعدم الحساب عليها ما كانت هناك حاجة إلى إرسال الرسل ولا إلى البعث ولا إلى الحساب ولا إلى الجنة والنار(10/125)
يأجوج ومأجوج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأت أن يأجوج ومأجوج خلقا من نطفة آدم التى امتزجت بالتراب ، كما قرأت عنهم أمورا غريبة. والمرجو توضيح الحقيقة حتى لا تختلط بالخيال ؟
An معرفة الحقيقة فى هذه الأمور لا تكون إلا عن طريق صحيح من القرآن والسنة ، وكونهما من نطفة آدم المخلوطة بالتراب قول حكاه النووى فى شرح مسلم عن بعض الناس ، وهو قول غريب لا دليل عليه من نقل أو عقل ، ولا يجوز الاعتماد على ما يحكيه بعض أهل الكتاب من هذه الغرائب .
و يأجوج ومأجوج من سلالة آدم كما ورد فى الصحيحين ، وجاء فيهما أن اللّه يطلب من آدم أن يبعث بعث النار، ويقول : إن فيكم أمتين ما كانتا فى شىء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج . وجاء فى الصحيحين حديث : "ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ". وذكر مسلم حديث خروجهم فى آخر الزمان وأن عيسى يدعو عليهم فيرسل اللَّه عليهم النغف -وهو دود يكون فى أنود الإبل والغنم -ثم يرسل الطير لتأكل جثثهم . .
وجاءت أحاديث موقوفة عن أشكالهم وإفسادهم عند الخروج لا يعتمد على كثير منها والخلاصة أنهم من خلق آدم ، وكانوا موجودين أيام ذى القرنين ، وسيخرجون آخر الزمان ، وهذا القدر كاف فى معرفتهم ، وما وراء ذلك لا داعى إليه ، ولا يضر الجهل به ، والاهتمام بغير ذلك مما يفيد واقع المسلمين الآن أولى ، واللَّه أعلم .
وأما السد الذى أقامه ذو القرنين فسيذكر مع السؤال الخاص بذى القرنين(10/126)
المهدى المنتظر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يوجد تضارب كبير فى ظهور المهدى المنتظر فما رأى الدين فى ذلك ؟
An سنذكر كلمة موجزة عن المهدى المنتظر ملخصة من عدة كتب ومقالات قديمة وحديثة . فنقول :
ظهور المهدى فيه أربعة أقوال :
القول الأول :
أن المهدى هو المسيح ابن مريم عليهما السلام ، ودليله حديث ابن ماجه ، "لا مهدى إلا عيسى بن مريم " وهو حديث ضعيف ، لتفرد محمد بن خالد به ، ولورود أحاديث بوجود المهدى وصلاته مع عيسى ابن مريم تمنع الحصر الوارد فى هذا الحديث فى عدم وجود مهدى إلا عيسى .
على أن هذا الحديث لو صح لم تكن فيه حجة ، لأن سيدنا عيسى عليه السلام أعظم مهدى بين يدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والساعة، فيكون الحصر إضافيا ، والمراد لا مهدى كاملا إلا عيسى عليه السلام .
القول الثانى :
أن المهدى رجل من آل البيت من ولد الحسين بن على، يخرج آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وأكثر الأحاديث تدل على هذا ، وهى وإن كانت ضعيفة يقوى بعضها بعضا ، وقد صحح بعضهم بعضها ، منها حديث أحمد وأبى داود والترمذى وابن ماجه "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث اللّه فيه رجلا من أهل البيت يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواية أبى داود هذه وثقها الهيتمى فى مجمع الزوائد القول الثالث :
أنه المهدى الذى تولى الخلافة فى الدولة العباسية فى القرن الثانى الهجرى،والأحاديث التى رويت فى هذا ضعيفة، وعلى فرض صحتها فالمهدى هذا أحد المهديين ، وهناك غيره ، ويصح أن يقال : إن عمر ابن عبد العزبز كان مهديا ، بل هو أولى بهذه التسمية من مهدى بنى العباس .
القول الرابع :
الأقوال السابقة هى لأهل السنة، وهذا القول هو للشيعة الإمامية ، حيث يقولون : إنه محمد بن الحسن العسكرى المنتظر، من ولد الحسين بن على، ويقولون فى صفته : الحاضر فى الأمصار، الغائب عن الأبصار، وأنه دخل سردابا فى "سامرا" وقيل فى مدينة تدعى "جابلقا" وهى مدينة وهمية ليس لها وجود . وزعم أحمد الأحسائى الممهد للبهائية أنه فى السماء وليس فى الأرض . .
دخلها وكان طفلا صغيرا منذ أكثر من خمسمائة عام ، فلم تره بعد ذلك عين ولن يحس فيه بخبر، وهم ينتظرونه كل يوم ، يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون بأن يخرج إليهم ثم يرجعون ، وقال فى ذلك بعض الشعراء :
ما آن للسرداب أن يلد الذى * كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم * ثلثتم العنقاء والغيلانا هذا، وهناك مهديون كثيرون ظهروا في التاريخ ، فى الشرق وفى الغرب ، واليهود ينتظرون الذى يخرج آخر الزمان ، لتعلو كلمتهم وينصروا به على سائر الأمم ، ويعتقد هذا سبعون ألفا من يهود أصفهان ، وكذلك النصارى ينتظرون المسيح يوم القيامة ، وبهذا تكون الملل الثلاثة منتظرة للمهدى .
إن المهدى وردت فيه أحاديث كثيرة صحح بعضها وضعف الكثير منها ، ويؤخذ من مجموعها أنه من اَل البيت ، وسيخرج آخر الزمان ، ويلتقى مع سيدنا عيسى عليه السلام .
فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث اللَّه فيه رجلا من عترتى يملؤها عدلا كما ملئت جورا" .
ويؤخذ من الأحاديث أن اسمه "محمد" وأن اسم والده "عبد اللّه " كاسم والد النبي صلى الله عليه وسلم وتقول الشيعة إنه اختفى بعد موت والده ، وذكر محيى الدين بن العربى فى "فتوحاته " أن والده هو الإمام حسن العسكرى ، وساق نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن حجر فى "الصواعق " أن ظهوره يكون بعد أنه يخسف القمر في أول ليلة من رمضان ، وتكسف الشمس في النصف منه ، وذلك لم يوجد منذ أن خلق اللّه السماوات والأرض كما قرره علماء الفلك ، فهل سيكون ذلك من باب الإعجاز؟ .
بل ذكر الشعرانى فى " اليواقيت والجواهر" أنه يولد فى ليلة النصف من شعبان سنة1255 هـ قائلا : إنه تلقى ذلك من الشيخ حسن العراقى ووافق عليه الخواص .
هذه صور من أفكار المسلمين عن المهدى، وفى بعضها بُعد يصعب تعقله ، ولا يجوز أن نبنى العقائد على مثل هذه القواعد غير الثابتة .
لقد استغل كثير من الناس قضية المهدى فتكونت دول وظهرت شخصيات على مسرح التاريخ ، وقامت دعوات تتمسح بها ، وكل يدعى أن آخر الزمان المقصود فى الكلام عنه هو زمانه الذى كثر فيه الظلم ، وكل زمان لا يخلو من ذلك كما يتصوره بعض الناس .
لقد استغلها الفاطميون وأقاموا دولتهم أولا بالمغرب ، ثم انتلقت إلى مصر واتسع نطاقها ، استغلها "ابن تومرت " فأسس دولة الموحدين بنى عبد المؤمن ، وفى أيام الدولة المرينية بفاس قام رجل اسمه "التوبرزى" مدعيا أنه المهدى أيضا ، كما ادعاها مغربى من طرابلس قابل نابليون بين دمنهور ورشيد ، وقيل إن المهدى صاحب ثورة السودان كان أتباعه يطلقون عليه المهدى المنتظر.. .
يقول القلقشندى فى ادعاء الشيعة الإمامية لوجود المهدى : إنهم يقفون عند باب السرداب بغلة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق ، وينادونه ليخرج حتى يقضى على الظلم الذي عم البلاد .
ويروى ياقوت أنهم كانوا فى "كاشان " من بلاد الفرس يركبون كل صباح للقائه وذلك فى أواخر القرن الخامس الهجرى ، ويروى مثل ذلك ابن بطوطة ، والكيسانية يدعون أنه "محمد ابن الحنفية " وكان من العادات فى زمن ملوك الصفوية فى فارس إعداد فرسين مسرجين دائما فى القصر لاستقبال المهدى وعيسى . .
وهذا يشبه عمل المتهوسين من الإفرنج فى القدس الذين ينتظرون مجىء المسيح يوم الدينونة . يقول "هوارت " الفرنسى فى " تاريخ العرب " :
إن إنكليزيا ذهب إلى بيت المقدس وأقام بالوادى الذى ستكون فيه الدينونة، وفى كل صباح يقرع الطبل منتظرا للحشر .
وجاءت امرأة إنكليزية إلى القدس ، وكانت تعد الشاى كل يوم لتحيى به المسيح عند ظهوره . ويقول " لامرتين " عند زيارته لجبل لبنان : إنه رأى في قرية "جفن " السيدة " استير ستاتهوب " بنت أخى"بيت " الوزير الإنكليزى الشهير، رأى عندها فرسا مسرجا، زعمت أنها تعده ليركبه المسيح .
إن ظهور المهدى ليس له دليل صريح فى القرآن الكريم ، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء فى الفصل الذى عقده فى مقدمته خاصا بذلك والشوكانى ألف كتابا سماه "التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتطر والدجال المسيح " جاء فيه أن الأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها ، منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبروهى متواترة بلا شك ولا شبهة .
ومهما يكن من شيء فإن ظهوره ليس ممنوعا عقلا، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا ثثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون . فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره ، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. .
وأولى لنا أن نتناقش فى أمر عملى يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذى هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة ، وأدلتها موفورة .
يمكن الرجوع للاستزادة إلى :
1- المنار لابن القيم .
2- صبح الأعشى للقلقشندى .
3-التوضيح للشوكانى .
4-مقالات الصديق الغمارى فى مجلة الإسلام في السنوات الأولى .
5- سيد البشر يتحدث عن المهدى المنتظر، جمع حامد ليمود .
6-القطرة من بحار ومناقب النبى والعترة والعثرة رضى الدين الموسيوى التبريزى .
7-القول المختصر فى علامات المهدى المنتظر. لابن حجر الهيتمى .
8-المشرب الوردى فى أخبار المهدى لملا على القارى(10/127)
المسيح الدجال
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو المسيخ الدجال ومتى يظهر ؟
An من أصح ما ورد بشأن المسيخ الدجال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ باللّه كثيرا من فتنته ، وفى صحيح مسلم أن خروجه هو أول علامات الساعة الكبرى وأنه يخرج من ناحية المشرق ، وسيمكث أربعين يوما يفتن الناس عن الإيمان باللَّه ، يوم منها كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ، وسائر الأيام كالأيام العادية .
وفى اليوم الذى هو كسنة لا تكفى فيه خمس صلوات ، بل يجب أن يقدر كل أربع وعشرين ساعة لخمس صلوات كما فى الحديث المذكور " اقدروا قدره " وسيقتله سيدنا عيسى عليه السلام عند باب " لُدّ " كما في صحيح مسلم "ج 18 ص 65-76 " .
وجاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للشيخ العدوى كلام كثير عنه بروايات صحيحة وغير صحيحة وتحدث عن أتباعه ، وهل ولد أيام الرسول أم سيولد قرب قيام الساعة .
وتحدث عن علامات خروجه وتشويه شكله ، والخوارق التى يقوم بها، ومكتوب بين عينيه " كافر" وأنه لا يستطيع دخول مكة والمدينة لحراسة الملائكة لهما ، وأن معه مغريات كثيرة يمتحن بها الناس ليؤمنوا به ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قابله وعرض عليه الإسلام .
فارجع إلى هذا الكتاب لتعرف كثيرا عنه ، ويكفينا ما ثبت فى الصحيح(10/128)
المبشرون بالجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم المبشرون بالجنة ، ولماذا ؟
An المؤمنون الذين سبقوا بالإيمان وتحملوا المشاق في سبيل الحفاظ على العقيدة وطاعة اللَّه فى كل المجالات مبشرون جميعا بالجنة ، كما قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار} ، البقرة: 25 ، وكما قال سبحانه {إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ، فصلت : 30 .
وأدنى تكريم بالبشارة بالجنة أن المؤمن سيموت على الإيمان وتلك هى الخاتمة الحسنة، حتى لو كانت عليه ذنوب لم يغفرها اللَّه سيعذب عليها فى النار بقدرها إن لم تكن شفاعة تحول دون دخولها أو تخفف من المدة التى سيمكثها فيها ، وسيخرج منها ويدخل الجنة ، أما التكريم الذى فوق ذلك لمن بشر بالجنة فهو أنه سيموت على الإيمان وسيغفر اللّه له ذنوبه ولن يدخل النار إلا تحلة القسم كما قال سبحانه {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} مريم : 71، 72 ، على الرأى المختار فى معنى ورود النار .
وأكثر المبشرين بالجنة هم من خير القرون ، وهو قرن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث ومع ذلك فقد بشر الرسول جماعة من أصحابه بوجه خاص بأنهم من أهل الجنة ، وهم عشرة ، وردت فى بعضهم أحاديث خاصة بهم ، كما وردت فيهم جميعا بعض الأحاديث ، منها حديث سعيد بن زيد-وهو أحدهم -الذى يقول : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "عشرة فى الجنة : أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان وعلى والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص " وسكت عن العاشر ولما سألوه أخبر عن نفسه . رواه الترمذي .
وقال البخارى : هو أصح من حديث عبد الرحمن بن عوف . والخلفاء الأربعة معروفون ، وما كتب عنهم كثير. أما الزبير فهو ابن العوام ، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم "لكل نبى حوارى وحواريى الزبير" كان أول من سَلَّ سيفا فى سبيل اللَّه ، وقال له الرسول يوم الأحزاب "فداك أبى وأمى" توفى سنة 36 هـ .
وطلحة هو ابن عبيد اللَّه ، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم على ظهره إلى صخرة فى أحد دعا له وقال "أوجب طلحة" أى وجبت له الجنة-توفى سنة 36 هـ .
وعبد الرحمن بن عوف كثر ماله بعد الهجرة وأنفق منه على الكثيرين وتوفى سنة 30 أو 32 هـ .
وأبو عبيدة هو عامر بن الجراح ، لقَّبه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمين الأمة ، عندما أرسله مع وفد نصارى نجران ، وتوفى سنة 18 هـ في طاعون عمواس .
وسعد بن أبى وقاص كان أول من رمى بسهم فى سبيل اللَّه . وكان مستجاب الدعوة ، قال له النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم أحد"ارم فداك أبى وأمى" وهو بطل معركة القادسية ، توفى سنة 55هـ .
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، كان مستجاب الدعوة، توفى سنة 51 هـ(10/129)
إفساد اليهود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وردت آيات فى القرآن تدل على أن اليهود أفسدوا مرتين ، نريد تفسير هذه الآيات ، وهل إفسادهم انتهى بالمرتين أم يمكن أن يستمر ؟
An قال الله تعالى{وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} ، الإسراء : 4 -8 ، المهم في هذه الآيات هو معرفة المرتين اللتين أفسد فيهما بنو إسرائيل ، وهناك كلام طويل وخلاف كبير بين العلماء في ذلك ، ومن أقرب الأقوال أنهم أفسدوا أولاً بقتل النبى زكريا عليه السلام كما قال ابن عباس وابن مسعود رضى اللّه عنهم ، أو بقتل النبى أشعياء كما يقول ابن إسحاق ، أو بتكذيب النبى أرمياء كما نقل عن ابن عباس ، فأرسل اللّه عليهم غزاة من فارس "سنحاريب أو بختنصر" فعذبوهم وأسروا منهم كثيرا وساقوهم إلى بابل . ولما تابوا خلصهم اللَّه من الأسر، وأمدهم بالنعيم والقوة ، محذرا لهم من العودة إلى الإفساد فأفسدوا مرة ثانية ، وذلك بقتل النبى يحيى بن زكريا ، فسلط اللَّه عليهم من انتقم منهم ، واختلف فى الذى انتقم منهم ، فقيل : أحد ملوك بابل "خردوس " وقيل كما فى حديث نسب إلى الرسول - قيصر الروم ، حيث سبى منهم وقتل ، وأخذ النساء والأموال ، وأودع حُلِىَّ بيت المقدس فى مكان ينتظر من يرده قرب قيام الساعة .
هذا ما فى تفسير القرطبى، ويدل على أن المرتين اللتين أفسد فيهما بنو إسرائيل قد انتهتا قبل ظهور الإسلام ، المرة الأولى كانت قبل رسالة عيسى ، والثانية بعدها .
ويا تُرى هل المكتوب عليهم من الإفساد هو مرتان فقط ، أو سيكون منهم إفساد آخر، لأن العبارة لا تقتضى الحصر؟ قيل بالثانى أى سيحصل منهم إفساد آخر بدليل قوله تعالى{وإن عدتم عدنا } .
وقيل فى تفسيرها : إنهم أفسدوا فسلط اللّه عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم وأجلاهم المسلمون عن جزيرة العرب ، وامتلكوا بيت المقدس ، وفر اليهود تائهين فى أقطار الأرض .
وعلى فرض أنهم سيعودون كما عادوا من قبل إلى بيت المقدس فإن القرار الإلهى {وإن عدتم عدنا} باق ، فإن أفسدوا فسيسلط اللَّه عليهم من ينتقم منهم من عباد اللَّه أولى البأس الشديد .
لكن من هم أولو البأس الشديد؟ هل يكونون هم العرب والمسلمون أو غيرهم ؟ اللَّه أعلم(10/130)
ليلة النصف من شعبان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ليلة النصف من شعبان لها فضل وهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بها،وهل هناك صلاة مخصوصة أو دعاء مخصوص يقال فيها ؟
An الكلام هنا فى ثلاث نقط :
1 -النقطة الأولى: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل ؟ والجواب : قد ورد فى فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضا منها وضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها فى فضائل الأعمال . ومنها حديث رواه أحمد والطبرانى "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من شعر غنم بنى كلب ، وهى قبيلة فيها غنم كثير" .
وقال الترمذى : إن البخارى ضعفه ، ومنها حديث عائشة رضى الله عنها ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك ، فرجعت ، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال : "يا عائشة- أو يا حميراء-ظننت أن النبى صلى الله عليه وسلم -قد خاس بك "؟ أى لم يعطك حقك .
قلت : لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضت لطول سجودك ، فقال : "أتدرين أى ليلة هذه"؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال "هذه ليلة النصف من شعبان ، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان ، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحمين .
ويؤخر أهل الحقد كما هم " رواه البيهقى عن طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال : هذا مرسل جيد. يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة .
وروى ابن ماجه فى سننه بإسناد ضعيف عن على رضى الله عنه مرفوعا- أى إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول : ألا مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر" .
بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال : إن لليلة النصف من شعبان فضلا، وليس هناك نص يمنع ذلك ، فشهر شعبان له فضله روى النسائى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله : لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر تغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم " .
ا-النقطة الثانية هل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بليلة النصف من شعبان ؟ ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتفل بشهر شعبان ، وكان احتفاله بالصوم ، أما قيام الليل فالرسول عليه الصلاة والسلام كان كثير القيام بالليل فى كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه قى أية ليلة .
ويؤيد ذلك ما ورد من الأحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها فى فضائل الأعمال ، فقد أمر بقيامها ، وقام هو بالفعل على النحو الذى ذكرته عائشة .
وكان هذا الاحتفال شخصيا، يعنى لم يكن فى جماعة ، والصورة التى يحتفل بها الناس اليوم لم تكن فى أيامه ولا فى أيام الصحابة ، ولكن حدثت فى عهد التابعين . يذكر القسطلانى فى كتابه "المواهب اللدنية"ج 2 ص 259 أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة ، وعنهم أخذ الناس تعظيمها ، ويقال أنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية . فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس ، فمنهم من قبله منهم ، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة ، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا : ذلك كله بدعة، ثم يقول القسطلانى :
اختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين ، أحدهما أنه يستحب إحياؤها جماعة فى المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان ابن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال فى قيامها فى المساجد جماعة : ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله . والثانى أنه يكره الاجتماع فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء ، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه ، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم .
ولا يعرف للإمام أحمد كلام فى ليلة النصف من شعبان ، ويتحرج فى استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه فى قيام ليلتى العيد، فإنه فى رواية لم يستحب قيامها جماعة ، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فعلها ، واستحبها فى رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك ، وهو من التابعين ، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ، انتهى . ملخصا من اللطائف . هذا كلام القسطلانى فى المواهب ، وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعة قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض الآخر، وما دام خلافيا فيصح الأخذ بأحد الرأيين دون تعصب ضد الرأى الآخر .
والإحياء شخصيا أو جماعيا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه ، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال فى هذه الليلة ليس على هذا النسق وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة ، وإنما يكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية ، وهى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة ، مع عدم الجزم بأنه كان فى هذه الليلة فهناك أقوال بأنه كان فى غيرها ، والاحتفال بالذكريات له حكمه .
والذى أراه هو عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعا ، والهدف خالصا للَّه سبحانه .
1- النقطة الثالثة : هل هناك أسلوب معين لإحيائها وهل الصلاة بنية طول العمر أو سعة الرزق مشروعة، وهل الدعاء له صيغة خاصة؟ إن الصلاة بنية التقرب إلى الله لا مانع منها فهى خير موضوع ، ويسن التنفل بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل ، أما أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه ، فليكن نفلا مطلقا .
قال النووى فى كتابه المجموع : الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، ولا تغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب - لأبى طالب المكى-وإحياء علوم الدين - للإمام الغزالى - ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك . وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتابا نفيسا فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد . "مجلة الأزهر - المجلد الثانى ص 515 " .
والدعاء فى هذه الليلة لم يرد فيه شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ، لأن مبدأ الاحتفال ليس ثابتا بطريق صحيح عند الأكثرين ، ومما أثر فى ذلك عن عائشة رضى الله عنها سمعته يقول فى السجود "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه البيهقى من طريق العلاء كما تقدم .
والدعاء الذى يكثر السؤال عنه فى هذه الأيام هو: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين ، اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا على فى الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتى وحرمانى وطردى وإقتار رزقى .. .
... وجاء فيه : إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم ، التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ... . .. وهى من زيادة الشيخ ماء العينين الشنقيطى فى كتاب "نعت البدايات " .
وهو دعاء لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء إنه منقول بأسانيد صحيحة عن صحابيين جليلين ، هما عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما ، وعمر-من الخلفاء الراشدين الذى أمرنا الحديث بالأخذ بسنتهم ، ونص على الاقتداء به وبأبى بكر الصديق فى حديث آخر، وأصحاب الرسول كالنجوم فى الاقتداء بهم كما روى فى حديث يقبل فى فضائل الأعمال .
ولكن الذى ينقصنا هو التثبت من أن هذا الدعاء ورد عن عمر وابن مسعود ولم ينكره أحد من الصحابة ،كما ينقصنا المثبت من قول ابن عمر وابن مسعود عن هذا الدعاء : ما دعا عبد قط به إلا وسع الله فى مشيئته أخرجه ابن أبى شيبة وابن أبى الدنيا .
ومهما يكن من شىء فإن أى دعاء بأية صيغة يشترط فيه ألايكون معارضا ولا منافيا للصحيح من العقائد والأحكام . وقد تحدث العلماء عن نقطتين هامتين فى هذا الدعاء، أولاهما ما جاء فيه من المحو والإثبات فى أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وهو سجل علم الله تعالى الذى لا يتغير ولا يتبدل ، فقال : إن المكتوب فى اللوح هو ما قدره الله على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق والله يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم ، والدعاء والعمل ينفع فى الأول لأنه معلق عليه ، وأما نفعه فى الثانى فهو التخفيف ، كما يقال : اللهم إنى لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء فى الحديث "إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل " والنفع هو على النحو المذكور .
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل : فيم العمل اليوم ؟ أفيم جفت به الأقلام وجرت به المقادر أم فيما يستقبل ؟ قال "بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير" قالوا : ففيم العمل ؟ قال : "اعملوا فكل ميسر لما خلق له "وفى رواية : أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال "من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ، اعملوا فكل ميسر ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى *وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} الليل 5 - 10 ، ولم يرتض بعض العلماء هذا التفسير للمحو والإثبات فى اللوح المحفوظ ، فذلك يكون فى صحف الملائكة لا فى علم الله سبحانه ولوحه المحفوظ ، ذكره الآلوسى والفخر الرازى فى التفسير .
والنقطة الثانية: ما جاء فيه من أن ليلة النصف من شعبان هى التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم . فهو ليس بصحيح ، فقد قال عكرمة :
من قال ذلك فقد أبعد النجعة ، فإن نص القرآن أنها فى رمضان ، فالليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم نزل فيها القرآن ، والقران نزل قى ليلة القدر. وفى شهر رمضان . ومن قال : هناك حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه فى الموتى" فالحديث مرسل ، ومثله لا تعارض به النصوص "المواهب اللدنية ج 2 ص 260 " وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل فى شعبان هو نقل ما فى اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة .
ولا داعى لذلك فالدعاء المأثور فى الكتاب والسنة أفضل .
وللاستزادة يمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر، المجلد الثانى ص 515 والمجلد الثالث ص 501ومجلة الإسلام المجلد الثالث ، العددان 35 ، 36(10/131)
أطفال الأنابيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الشرع فيما يسمى الآن أطفال الأنابيب ؟
An أطفال الأنابيب هم الذين تخلقوا بطريق غير طريق الاتصال الجنسى المباشر بين الذكر والأنثى ، ويسمى بالتلقيح الصناعى ، الذى أجريت تجربته الأولى بين الآدميين سنة 1799 م على يد الطبيب الإنجليزى دكتور "جون هنتر" .
وحكم الشرع في هذه العملية أنها إذا تمت بين الزوج وزوجته ، أى بين مائه وبويضتها وكان التلقيح فى رحمها مباشرة أو فى أنبوبة خارجية ثم نقل إلى رحمها لاستكمال نموه ، لا مانع منها، مع التنبيه على الحيطة والحذر عند القيام بهذه العملية فى الأنبوبة أو الحقنة أو غيرهما ، حتى لا يكون هناك اختلاط بمادة أجنبية عن الزوج والزوجة .
أما إذا كان التلقيح بغير ماء الزوج وبويضة الزوجة أو رحم آخر فهو حرام لأنه فى حكم الزنى، وإن لم يكن زنى موجبا للحد، سواء أكان ذلك برضاهما أم بغير رضاهما ولولا أن صورته تختلف عن صورة الزنى -وهو اللقاء الجنسى المباشر- لوجب فيه الحد .
ويمكن الرجوع إلى الجزء الأول من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " لمعرفة الكثير عن هذا الموضوع(10/132)
النظر إلى صورة المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم النظر إلى الصورة الشمسية للمرأة أو إلى صورتها فى المرآة ، هل هو مماثل للنظر إلى صورتها الحقيقية ؟
An معلوم أن الإسلام حرم النظر إلى أى جزء من جسم المرأة الأجنبية حتى الوجه والكفين إذا كان النظر بشهوة ، لأن النظر بريد الزنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، أما لو كان النظر بغير شهوة فيجوز فقط إلى الوجه والكفين عند بعض العلماء ، ورأى بعضهم عدم جواز النظر إليهما فى كل الأحوال ، إلا ما هو مستثنى لعلاج ونحوه مما هو مفصل فى موضعه " الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
هذا هو حكم النظر إلى الأصل ، أما النظر إلى الصورة فقد مثل لها القدامى بالنظر إلى صورتها فى المرآة أو فى المياه ، واختلفوا فى قياس الصورة على الأصل وعدم قياسها، بناء على تصورهم أن الرؤية تحصل من أشعة خارجة من العين ، أو أشعة منعكسة من المرئى على العين ، والثانى هو الرأى الصحيح الذى أثبته العلم .
ومهما يكن من شىء فإن صورة المرأة لا يجوز النظر إليها بشهوة باتفاق الجميع كما لا يجوز النظر إلى أى شيء يثير الفتنة، لأن حكمة التشريع موجودة فى الأصل والصورة .
وتشتد الحرمة إذا كان النظر إليها فى الصور المتحركة ، فإنها لا تقل فتنة عن النظر إلى الأصل ، إن لم تكن أقوى ، وبخاصة فى الأوضاع التى لا تليق ذوقا وشرعا .
يقول الشيخ طه حبيب "عضو المحكمة العليا الشرعية سابقا " ما نصه .
والذى تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب هو أن النظر إلى المرأة الأجنبية إنما كان محرما بسبب أنه داع وذريعة إلى الوقوع فيما هو أشد منه حرمة ، وهو الوقوع فى المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبية المعينة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز، لأنه ذريعة إلى محرم ، ، و كل ما كان كذلك فهو حرام ، سواء أكان ذلك مباشرة أم بواسطة المرآة ، انتهى "مجلة الأزهر- المجلد الثالث ، صفحة 393"(10/133)
الوقوف تحية للقادم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم قيام التلاميذ تحية للمدرس عندما يدخل الفصل ؟
An القيام للقادم من أجل التعظيم والاحترام إذا كان يستحقه لا بأس به ، كالإمام العادل والوالدين والعلماء ، وكذلك للقادم من السفر ولكبير السن والمدرس وغيرهم ممن ينبغى أن نوفر لهم الاحترام .
جاء فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما جاء سعد بن معاذ راكبا على حمار وكان جريحا " قوموا لسيدكم " ولم يكن القيام لأجل معاونته فقط ، فقد كان رجال من بنى الأشهل يقولون : قمنا له على أرجلنا صفين ، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقام طلحة رضى الله عنه لكعب بن مالك رضى الله عنه لما تاب الله عليه ولم ينكر عليه النبى ذلك ، كما رواه البخارى ومسلم .
وروى الترمذى بسند صحيح قوله صلى الله عليه و سلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" وروى أحمد قوله أيضا " ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " .
وروى أبو داود بإسناد جيد حديث " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والمتجافى عنه وذى سلطان مقسط " وقد صح أن النبى صلى الله عليه و سلم كان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة قام إليها وأخذ بيدها وقبلها وأجلسها فى مجلسه رواه النسائى والترمذى عن عائشة وقال : حسن صحيح . وكان يقوم لعبد الله بن أم مكتوم كلما أقبل عليه ويقول "مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى" .
ويكره القيام تحية لمن لا يستحق التكريم ، وبخاصة إذا طلبه ، اللهم إذا خاف الإنسان بطشه ، فيرفع عنه شره بالقيام له ، ويحمل على ذلك حديث حسن لأبى داود والترمذى "من أحب أن يتمثل له الرجِال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وحديث أبى داود وابن ماجه بإسناد حسن عن أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم متوكئا على عصا ، فقمنا إليه فقال :"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم -لعظم بعضهم بعضا" قال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء : فى سنده أبو العديس وهو مجهول . وذكر ابن حجر فى الفتح عن الطبرى بأنه ضعيف .
جاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 275 وما بعدها " أن أبا الوليد بن رشد قال : القيام يقع على أربعة أوجه .
الأول : محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبرا وتعاظما على القائمين إليه .
الثانى : مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر و لا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة .
الثالث : جائز، وهو أن يقع على سبيل الإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة .
الرابع : مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ، ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه ، أو مصيبة فيعزيه ، انتهى .
وجاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبى طالب لما قدم من الحبشة فالتزمه وقبل ما بين عينيه . وروى البيهقى عن الصحابى واثلة بن الخطاب أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فتحرك له النبى، فقال رجل : إن فى المكان سعة ، فقال " للمؤمن - أو للمسلم - حق لا كما روى البيهقى من طريق الواقدى بسنده مرفوعا والحاكم فى المستدرك ورواه مالك عن الزهرى مرسلا، أن عكرمة بن أبى جهل لما دخل على النبى صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا قام إليه فرحا بقدومه . وروى الترمذى وحسنه عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخل زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى فأتاه فقرع الباب ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه ، . والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبَّله .
وجاء فيه أيضا أن أبا داود روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فى المجلس يحدثنا ، فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل بيوت أزواجه . .
وروى أبو داود عن عمرو بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم عليه أبوه من الرضاعة فأجلسه على بعض ثوبه ، ثم أقبلت أمه فوضع شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه ، وهو حديث مرسل جيد .
ثم ذكر السفارينى أن مجد الدين بن تيمية تحدث فى "منتقى الأحكام " عن قيام المغيرة بن شعبة على رأس النبى صلى الله عليه وسلم بالسيف فى صلح الحديبية ، وقال : فيه استحباب الفخر والخيلاء فى الحرب لإرهاب العدو، وأنه ليس بداخل فى ذمه لمن أحب أن يتمثل له الرجال قياما ، وكذا قال غيره : وقال الخطابى :
فيه دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه فى مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن يتمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار" إنما هو فيمن قصد به الكبر وذهب مذهب النخوة والجبرية . انتهى كلامه .
وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 2 ص 268" : والقيام عند الدخول للداخل لم يكن من عادة العرب ، بل كان الصحابة رضى الله عنهم لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحوال كما رواه أنس رضى الله عنه [رواه الترمذى وقال : حسن صحيح ، ولكن إذا لم يثبت فيه نهى عام فلا نرى به بأسا فى البلاد التى جرت العادة فيها بإكرام الداخل بالقيام فإن المقصود منه الاحترام والإكرام وتطييب القلب به .
وجا فى الأذكار للنووى (ص 267) أنه قال : وأما إكرام الداخل بالقيام فالذى نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام ، لا للرياء والإعظام ، وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف .
هذا عرض لبعض ما قيل فى الوقوف للتحية، وللتوفيق بين النصوص المجيزة والمانعة أختار ما نقله السفارينى عن ابن رشد من التفصيل ، وللنيات وظرف الأحوال دخل فى تكييف الحكم(10/134)
الرد على تحية المذيع والكاتب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب رد التحية إذا سمعها الإنسان من المتحدث فى المذياع أو التلفاز أو قرأها فى كتاب أو صحيفة ؟
An ذكر النووى فى كتابه "الأذكار ص 245 " عن أبى سعد المتولى أن الإنسان إذا كتب كتابا فيه : السلام عليك يا فلان ، أو السلام على فلان فبلغه الكتاب وجب عليه أن يرد السلام ، وكذا ذكر الواحدى وغيره أيضا أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام. وقال النووى فى شرح صحيح مسلم ، لو بلغه سلام فى ورقة من غائب وجب عليه أن يرد السلام باللفظ على الفور إذا قرأه .
وهذا ظاهر فى وصول السلام مكتوبا أو مبلغا على لسان أحد إلى إنسان أو جماعة مقصودة ، فيجب الرد على من أرسل إليه الكتاب وفيه السلام ، ومثل الكتابة التسجيل على شريط ، فيجب على من يستمع إلى التسجيل أن يرد .
أما التسجيل على الشريط لحديث بدئ أو ختم بالسلام ، فهل يجب على المستمعين للسلام فيه أن يردوا التحية، وهل يجب على المشاهدين لما يعرض على الشاشة أنْ يردوا التحية؟ ومن يلقى عليهم السلام ليسوا جماعة مخصوصين ، فهل يعطون حكم الشخص المعين أو الجماعة المعينة فى شريط التسجيل ؟ لا أستطيع أن أجزم بالحكم وإن كنت قد قرأت فى فقه المذاهب الاربعة أن اَية السجدة لو كانت مسجلة على شريط أو سمعها إنسان لا ينبغى ولا يُسنُّ أن يسجد للتلاوة ، وإن كان تعليلهم مختلفا ، فقال بعضهم : السبب عدم صحة التلاوة لفقد التمييز من الآية المسجل عليها القرآن ، وقال بعضهم : السبب أن التلاوة من غير اَدمى ، وقال بعضهم : السبب أن القراءة من الحاكى - الفونوغراف -غير مقصودة .
ولو قسنا السلام على قراءة آية السجدة فلا ينبغى رد السلام على للشريط المذاع أو المعروض . وفى نفسى شيء من هذا الحكم الذى لم أعثر على دليل يؤيده .
لكن ما هو الرأى فى المذيع أو المتحدث على الهواء مباسرة دون تسجيل سابق ، ومثله ناشر الكتاب أو المقال ؟ يبدو أنه يجب الرد ، لأن الصوت صادر من إنسان قاصد للتحية ، والراديو أو التليفزيون ومثلهما الكتاب والصحيفة كلها ناقلة فقط كالميكروفون الذى يبلغ سلام المتكلم لمن يبعدون عنه ولا يرونه فى المسجد الكبير أو الحفل الكبير، فإذا أعيدت إذاعة هذا الحديث أو عرضه لأنه سجل ، أعطى حكم الشريط المسجل فلا ينبغى رد التحية بناء على ما سبق بيانه فى سجود التلاوة .
وقد يقال : إن المذيع أو المتحدث المباشر أو الناشر لا يسلم على أشخاص حقيقيين بل متخيَّلين فى ذهنه وتصوره ، لأنه لا يرى ولا يحس بأناس معه ، ومن هنا لا يجب الرد .
لكن إذا وجب رد السلام على من ألقيت عليه التحية قال العلماء :
أقل ما يؤدى به الواجب أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلِّم ، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الرد . نقله النووى فى "الأذكار" عن المتولى، ولم يعقب عليه .
وعلى هذا فإن رد المستمعين إلى الإذاعة أو المشاهدين للتلفزيون السلام على من سلَّم عليهم واجب ، حتى لو لم يسمعه المذيعون - ولن يسمعوه قطعا-كما تقدم فى أول الكلام أن من بلغه سلام فى كتاب وجب الرد ، ومعلوم أن المرسل لن يسمعه .
هذا ، ولما كان رد التحية الملقاة على جماعة واجبا وجوبا كفائيا ، فإنه لو قام به البعض سقط الطلب عن الباقين .
وأغلب الظن - إن لم يكن يقينا - أن الآلاف أو الملايين من المستمعين أو المشاهدين سيرد منهم واحد على الأقل على هذه التحية ، فيغنى ذلك عن رد الآخرين والله أعلم(10/135)
تحية السلام مع غير المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يصح أن أحيى غير المسلم بتحية الإسلام ، وهل يجب على أن أرد عليه التحية ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه و سلم قال "إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " وروى مسلم أيضا أنه قال "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " قال الإمام ابن القيم . اختلف السلف والخلف فى ذلك ، فقال أكثرهم : لا يبدءون .أى لا يلقى عليهم السلام ابتداء وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم وجواز الرد عليهم ، وروى ذلك عن ابن عباس وأبى أمامة وغيرهما ، وهو وجه فى مذهب الشافعى ، على أن يكون بلفظ "السلام عليك " بدون ذكر الرحمة وبلفظ الإفراد ، وقالت طائفة : يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه أو خوف من أذاه ، أو لسبب يقتضى ذلك .
وجاء فى "الأذكار للنووى" مثل هذا ، ثم نقل عن أبى سعد أنه لو أراد أن يحبى ذميًّا : حياه بغير السلام ، بأن يقول : هداك الله ، أو أنعم الله صباحك ، ثم قال النووى : هذا الذى قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه فيقول : صبحت بالخير أو بالسعادة أو بالعافية ، أو صبحك الله بالسرور أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرة أو ما أشبه ذلك ، وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار ألا يقول شيئا .
وما دام الأمر خلافيا فى ابتدائهم بالسلام والرد عليهم فليكن ذلك مرهونا بالظروف التى تحقق مصلحة أو تدفع مضرة ، ودين الله يسر، وكما هو معروف : إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله . ولو أن حديث النهى عن تحيتهم كان قاطعا وعاما ما حدث خلاف بين العلماء على النحو الذى ذكره ابن القيم وذكره النووى(10/136)
الإشارة باليد عند السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن يكتفى الإنسان إذا مر على شخص أو جماعة بالإشارة باليد بدلا من التلفظ بالسلام ؟
An روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت : مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نسوة فسلم علينا، وفى رواية قالت : مر رسول الله فى المسجد يوما ونحن عصبة من النساء،فلوى بيده بالتسليم ، رواه الترمذى وقال : حديث حسن . وله شاهد من حديث جابر عن أحمد .
إن التحية بالسلام تكون باللفظ ولا تكفى الإشارة دون تلفظ ، ولكنها تكون علامة عليه ومساعدة على شعور الناس بإلقاء السلام عليهم ، فلا مانع من ذلك ، أما الاكتفاء بالإشارة باليد دون تلفظ بالتحية فلا تحصل بها السنة ، ومثل ذلك رد التحية ، تكون الإشارة علامة ومساعدة ولكن لا يكتفى بها وحدها .
جاء فى كتاب "الأذكار للنووى" ص 244 روينا فى كتاب الترمذى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى . فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالكف " . قال الترمذى : إسناده ضعيفا(10/137)
التعليم فى كليات الحقوق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت أن الانتساب إلى كليات الحقوق بالجامعات حرام لأنها تدرس القوانين الوضعية ، فهل هذا صحيح ؟
An الدراسة كمعرفة لا بأس بها أبدا ، والمهم هو أثرها على العقيدة والسلوك ، وتطبيقها فى المجالات النافعة ، وموقف الدين من الحث على العلم وتكريم العلماء معروف ، والواجب هو الاستفادة منه بتعميق الإيمان بالله واستثمار خيرات الأرض لتحقيق خلافة الإنسان فيها وقد قال الله تعالى فى سورة فاطر بعد ذكر مجالات مختلفة للعلم فى السماء والأرض بالنبات والجبال والإنسان والحيوان {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فاطر: 28 .
فإذا استخدمت مواد كليات الحقوق فى التعاون على الخير، بالوصول إلى الحق ودفع الظلم كان ذلك خيرا ، بل طاعة للّه سبحانه يثاب عليها ، وإن استخدمت فى غير ذلك كانت إما عبثا وإما فسادا والحًق هو ما قرره الشرع فى مصادره المعروفة ، والظلم ما سوى ذلك ، كما أن دراستها لو كانت للمقارنة بينها وبين الشرع ليتبين الحق من الباطل ، وليظهر سمو التشريع الإسلامى فهى دراسة مشروعة يثاب عليها بمقدار النية الباعثة عليها، كما قالوا فى جواز تعلم السحر لمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة، وفى تعلم الشر من أجل البعد عنه ، كما جاء فى القول المشهور :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه .
وأنبه الدارسين للقوانين بوجه عام إلى قول الله سبحانه {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} النساء : 107 ، وقوله تعالى {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} النساء : 109، وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والطبرانى بإسناد جيد "من خاصم فى باطل وهو يعلم -وفى رواية أو أعان عليه -لم يزل فى سخط الله حتى ينزع لما وقول الله سبحانه {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة : 44 ،وفى آية أخرى {فأولئك هم الظالمون } وفى آية أخرى {فأولئك هم الفاسقون } المائدة :45 -47(10/138)
الغش فى الامتحان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى محاولات الطلاب للغش أثناء الامتحانات ، وهل يجوز للملاحظين أن يساعدوهم نظرا لصعوبة الامتحان ؟
An من المقرر أن الغش فى أى شىء حرام ،والحديث واضح فى ذلك "من غشنا فليس منا"رواه مسلم وهو حكم عام لكل شىء فيه ما يخالف الحقيقة ، فالذى يغش ارتكب معصية ، والذى يساعده على الغش شريك له فى الإثم . ولا يصح أن تكون صعوبة الامتحان مبررة للغش ، فقد جعل الامتحان لتمييز المجتهد من غيره ، والدين لا يسوى بينهما فى المعاملة، وكذلك العقل السليم لا يرضى بهده التسوية ، قال تعالى {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} ص : 28 وبخصوص العلم قال {قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الزمر: 9 .
وانتشار الغش فى الامتحانات وغيرها رذيلة من أخطر الرذائل على المجتمع ، حيث يسود فيه الباطل وينحسر الحق ، ولا يعيش مجتمع بانقلاب الموازين الذى تسند فيه الأمور إلى غير أهلها ، وهو ضياع للأمانة ، وأحد علامات الساعة كما صح فى الحديث الشريف .
والذى تولى عملا يحتاج إلى مؤهل يشهد بكفاءته ، وقد نال الشهادة بالغش يحرم عليه ما كسبه من وراء ذلك ، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وقد يصدق عليه قول الله تعالى {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم } آل عمران : 188 .
وإذا كان قد أدى عملا فله أجر عمله كجهد بذله أى عامل ، وليس مرتبطا بقيمة المؤهل ، وهو ما يعرف بأجر المثل فى الإجارة الفاسدة ، وما وراء ذلك فهو حرام(10/139)
الترضى على الصحابة والصالحين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من المشروع أن يقول الإنسان عند ذكر صحابى أو واحد من الصالحين :
رضى الله عنه ؟
An عبارة "رضى الله عن فلان " دعاء من الإنسان أن يرضى الله عن فلان ، فهى جملة خبرية تفيد الإشارة بالدعاء ، كأن الإنسان قال : اللهم ارض عن فلان ، مثل قولنا : صلى الله على محمد يعنى : اللهم صلى على محمد، أى ندعوك يا رب أن ترحم محمدا .
جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى ص 121 : يستحب الترضى والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء العباد وسائر الأخيار: فيقال : رضى الله عنه أو رحمه الله ونحو ذلك ، وأما ما قاله بعض العلماء : إن قوله رضى الله عنه مخصوص بالصحابة ويقال فى غيرهم "رحمه الله " فقط فليس كما قال ولا يوافق عليه ، بل الصحيح الذى عليه الجمهور استحبابه .
ودلائله أكثر من أن تحصر، فإن كان المذكور صحابيا ابن صحابى قال : قال ابن عمر رضى الله عنهما ، وكذا ابن عباس وابن الزبير وابن جعفر وأسامة بن زيد ونحوهم ، لتشكله وأباه جميعا .
فإن قيل : إذا ذكر لقمان ومريم هل يصلى عليهما كالأنبياء أم يترضى كالصحابة والأولياء أم يقول : عليهما السلام : فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين ، وقد شذ من قال : نبيان .
ولا التفات إليه ولا تعريج عليه . وقد أوضحت ذلك فى كتاب "تهذيب الأسماء" .
فإذا عرف ذلك فقد قال بعض العلماء كلامًا يفهم منه أنه يقول : قال لقمان أو مريم صلى الله على الأنبياء وعليه -أو عليها -وسلم . قال : لأنهما يرتفعان عن حال من يقال : رضى الله عنه ، لما فى القرآن مما يرفعهما 0 والذى أراه أن هذا لا بأس به ، وأن الأرجح أن يقال : رضى الله عنه ، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء، ولم يثبت كونهما نبيين ،وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبية ، ذكره فى الإرشاد ، ولو قال : عليه السلام أو عليها ، فالظاهر أنه لا بأس به ، والله أعلم ، انتهى ما قاله النووى وفيه كفاية(10/140)
كوافير السيدات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لى أن أقوم بقص الشعر وتزيين السيدات بالألوان وغيرها ؟
An إذا كان الرجل هو الذى يقوم بهذا العمل ، يكون آثما ، لأن فيه نظرا لعورة المرأة بالنسبة للرجل الأجنبى، ولأن فيه لمسا لما لا يحل له ، ولأن فيه إعانة على المحرم إذا كان يعرف أنها تتزين لمن لا يحل له أن يطلع عليها، وكل ذلك وردت به النصوص .
وإذا كانت المرأة هى التى تقوم بذلك للمرأة بعيدا عن أعين الأجانب ومنهم صاحب المحل الذى تزاول فيه هذه المهنة ، فلا مانع من ذلك إلا إذا علمت أنها تتزين للأجانب أو لما لا يحل لها من عمل يتطلب إظهار زينتها، فيكون ممنوعا لما فيه من الإعانة على الممنوع .
وإذا كانت المرأة تقوم بقص الشعر وتزيين الرجال فعملها حرام ، من أجل النظر لما لا يحل ولمس ما لا يحل . ومن النصوص فى ذلك ما رواه مسلم " العينان تزنيان وزناهما النظر واليد تزنى وزناها البطش " وفسر بالتلامس .
ولا يقبل تبرير ذلك بالحاجة إلى كسب العيش ، فالوسائل الحلال لكسب العيش متوفرة والرضا بالقليل من الحلال خير من الكثير من الحرام(10/141)
تغيير محل النذر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نذرت أن أتصدق على فقراء بلد معين ، أو أشخاص معينين ، فوجدت أن هناك من هم أشد حاجة منهم ، فهل يجوز لى أن أوجه النذر إليهم ؟
An ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الالتزام بما نذره الناذر فى العين وفى المصرف ، ويجوز عند أبى حنيفة تغيير محل الصرف إذا رأى فى ذلك مصلحة ، لأن المال خرج من ذمته تقربا إلى الله ، فلا فرق بين أن يعطيه لفلان أو لفلان ، إلا إذا كان فيما عيَّنه زيادة قربة كالأقارب ، فإن الصدقة عليهم صدقة وصلة رحم ، وكلك إذا رأى أن بناء مسجد أو مدرسة لتحفيظ القرآن وتعليم الدين ، أو مصحة لعلاج الفقراء أحسن من إعطاء كل فقير مبلغا ينفقه فى مصلحة وقتية غير دائمة النفع ، فإن توجيه النذر للفقراء إلى هذه المرافق العامة المفيدة أفضل ، وهو رأى طيب لا مانع من الأخذ به ، بناء على رجحان المصلحة .
ومثل ذلك ما لو نذر أن يصلى الضحى أو التراويح فى مسجد معين ، فإنه على رأى أبى حنيفة : يجوز له أن يصلى فى أى مسجد آخر، فالأرض كلها مسجد ، وكل المساجد بيوت الله ، اللهم إلا إذا نذر أن يصلى فى المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو المسجد الأقصى فإنه لا يجوز أن يصلى فى أى مسجد سواها ، لما لها من الفضل الذى وردت به الأحاديث(10/142)
الزنى لا يكفره الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن من زنى بامرأة وتزوج بها يغفر الله له هذا الذنب ؟
An ما دام الزنى قد حصل وجب فيه الحد، وهو الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن فإن أقيم عليه الحد كان ذلك توبة يرفع الله بها الإثم . كما قال النبى صلى الله عليه و سلم فى الجهنية التى رجمت للزنى وصلى عليها "إنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أعظم من أن جادت بنفسها للَّه "؟ .
وإذا لم يقم الحد على الزانى، وهو مستعد له راض به ، فلا يغفر الذنب إلا بالتوبة النصوح القائمة على الإقلاع عنه والندم عليه والعزم الأكيد على عدم العود للعصيان وطلب العفو والسماح ممن اغتصبها بغير رضاها . إذا حدث ذلك يرجى أن يغفر الله هذا الذنب ، وبدون ذلك لا يكون مجرد الزواج بها مسقطا للعقوبة، لا عقوبة الدنيا ولا عقوبة الآخرة، وإذا كان الزواج بها مظهرا من مظاهر التوبة، فالله سبحانه هو وحده الذى يقدرها .
أما حكم العقد على الزانية وحملها من الزانى فسيذكر بعد إن شاء الله(10/143)
خصاء الحيوانات ووسمه بالنار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقوم بعض الذين يربون المواشى بخصاء بعض الحيوانات من الغنم والماعز وغيرها بقصد تسمينها كما يشاهد آثار الكى على أجسام بعض الحيوانات ،فما رأى الدين فى ذلك ؟
An جاء فى تفسير القرطبى عند قوله تعالى{ولآمرنهم فليغيرن خلق الله }النساء : 119 ، عن خصاء الحيوان أنه رخص فيه جماعة إذا قصدت به المنفعة لسمن أو غيره ، والجمهور على جواز التضحية بالخصى ، واستحسنه بعضهم إذا كان أسمن . ومنهم منكره خصاء الذكر وذلك لحديث "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " ولنهى النبى صلى الله عليه و سلم عن خصاء الغنم والبقر والإبل والخيل ، وجاء فى الموطأ عن ابن عمر أنه كان يكره الإخصاء ، ويقول : فيه تمام الخلق ، أى فى ترك الإخصاء تمام الخلق ، وروى نماء الخلق ، وروى الدارقطنى"لا تخصوا ما ينمى خلق الله " .
أما خصاء الآدمى فمصيبة، لأنه يقطع النسل المأمور به وقد يفضى إلى الهلاك وفيه مثلة .
أما عن الوسم وهو الكى بالنار فقد أخرج مسلم أن النبى صلى الله عليه و سلم مر بحمار وسم فى وجهه فقال : "لعن الله الذى وسمه " فهو حرام إن كان للتعذيب ، ويجوز إن كان للتمييز والتعريف فقد قال فيه القرطبى : إن الرسول أجازه ، استثناء من تعذيب الحيوان بالنار .
ثبت فى مسلم عن أنس قال : رأيت فى يد رسول الله صلى الله عليه و سلم الميسم ، وهو يسم إبل الصدقة والفىء وغير ذلك ، حتى يعرف كل مال فيؤدى فيه حقه ولا يتجاوز به إلى غيره. ولا يجوز فى الوجه ، وذلك لشرفه ، وهو مقر الحسن والجمال ، وبه قوام الحيوان ، وقد نهى النبى صلى الله عليه و سلم من كان يضرب عبده وقال "اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " أى على صورة المضروب ، أى أن وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم ، فينبغى أن يحترم لشبهه(10/144)
قراءة كتب الفلسفة والكفر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى دراسة المواد الفلسفية لعلماء مسلمين وغير مسلمين ، وما مدى الضرر أو النفع من هذه الدراسات ؟
An لا مانع من دراسة المواد الفلسفية أبدا ، إذا كانت الدراسة للإحاطة بالأفكار ومقارنتها بالدين ، فإن كانت متفقة معه قبلت وإلا رفضت ، مع بيان وجه رفضها، وعلى هذا الأساس ألفت كتب فى الملل والنحل والعقائد المختلفة "الصحيح منها والباطل " وناقشها العلماء مناقشة علمية على ضوء الدين والعقل الصحيح .
أما دراستها لمن لا يعرف الحق من الباطل ، وترك الباطل منها دون بيان بطلانه ففيها ضرر كبير .
والقرآن الكريم نفسه ذكر عقائد المشركين ، والمنكرين لوجود الله والدهريين والمنكرين للبعث والحساب وغيرهم ، وذكر الأدلة على بطلان ما يعتقدون ، كما ذكر الأدلة على العقائد الصحيحة التى جاء بها الإسلام .
وقد أثيرت قديما مسألة تعلم علم المنطق الذى وضعه قدامى اليونان ، فكان لعلماء المسلمين منه مواقف بالجواز والمنع ، وسجل ذلك بعض المؤلفين بقوله :
فابن الصلاح والنووى حرما * وقال قوم ينبغى أن يعلما .
والقولة المشهورة الصحيحة * جوازه لكامل القريحة .
أى لمن عنده قدرة على تمييز الطيب من الخبيث من هذه المواد ، وعيب بعض المؤلفات التى تدرس فى بعض مراحل التعليم الآن أنها تعرض الأفكار ولا تناقشها مناقشة علمية على ضوء الدين ، فيحسبها البعض أنها أمور مسلمة ما دامت منسوبة لكبار العلماء ، ، وكم فى هذه الآراء مما يتنافى مع مقررات الدين ، ولا يتفق ومكارم الأخلاق .
وللإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " كلام طويل فى العلوم المحمودة والعلوم المذمومة ، وهو نفسه ألف فى الرد على الفلاسفة بعد دراسة مذاهبهم(10/145)
إبليس والجن والشياطين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين الجن والشيطان وإبليس ، ولماذا خلقهم الله سبحانه ؟
An جاء في تفسير القرطبى لسورة الجن أن أهل العلم اختلفوا فى أصل الجن ، فقال الحسن البصرى : إن الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون ، وهم شركاء فى الثواب والعقاب ، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان .
وقال ابن عباس : الجن هو ولد الجان ، وليسوا بشياطين وهم يموتون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس . انتهى .
وجاء فى تفسير سورة الناس أن قتادة قال : إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطين ، وهو يعزز رأى الحسن البصرى المذكور- قال تعالى {وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن } الأنعام : 112 .
وجاء فى "حياة الحيوان الكبرى " للدميرى عن الجن أن المشهور أن جميع الجن من ذرية إبليس وقيل : الجن جنس وإبليس واحد منهم ولا شك أن الجن ذريته بنص القرآن الكريم . يريد قوله تعالى{أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو}الكهف :55،ومن كفر من الجن يقال له شيطان .
وجاء فى " آكام المرجان فى أحكام الجان " للمحدث الشبلى "ص 6 " أن الجن تشمل الملائكة وغيرهم ممن اجتنَّ -أى استتر-عن الأبصار، قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات : 58 ، لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله وقال : الشياطين هم العصاة من الجن وهم ولد إبليس ، والمردة هم أعتاهم وأغواهم بقوا، الجوهرى : كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان ، والعرب تسمى الحية شيطانا .
هذا ما قيل عن الجن والشيطان وإبليس ، أما الحكمة من خلقهم فهى امتحان بنمط آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان ، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة ، فان استقر الإيمان بعد الانتصار فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين -كان جزاء هذا المؤمن عظيما ، لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له .
قال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }العنكبوت : 69 .
والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لآدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية، وقد تزعَّم الشيطان هذه المعركة انتقاما من آدم الذى طرد الشيطان من الجنة بسبب عدم السجود له . فقال كما جاء فى القرآن الكريم .
{قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } الأعراف : 16 ، 17 ،وحذر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } يس : 60، وقال {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا }فاطر: 6 .
فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب ، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات والحركة سر الحياة ، وقد سئل أحد العلماء :
لماذا خلق الله إبليس ؟ فقال : لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه ، فكل خير فيه شر ولو بقدره(10/146)
اللحوم المستوردة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أكل اللحوم المستوردة مع عدم العلم بأنها ذبحت على الطريقة الشرعية ؟
An اللحوم المحفوظة والمستوردة إذا علمنا بطريق موثوق به أنها ذبحت على غير الطريقة الإسلامية فلا يجوز أكلها قطعا ، أما إذا علمنا أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية جاز أكلها دون حرج ، فإذا لم نعلم طريقة ذبحها فإذا كانت هناك أمارات ترجح أن ذبحها شرعى جاز أكلها ، ومن هذه الأمارات أن يكتب عليها عبارة " مذبوح على الطريقة الإسلامية " أو تكون هذه الذبائح مستوردة من بلاد تدين باليهودية أو النصرانية ، للنص على حل ذبائحهم فى قوله تعالى { وطعام للذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } المائدة :5 . وبعض النشرات التى تحذر من تناول هذه اللحوم لا يصح أن تكون دليلا قاطعا على أنها لم تذبح على الطريقة الشرعية ، وعلى ذوى الاختصاص أن يثبتوا إن كانت هذه اللحوم مستوفية لشروط الذبح الشرعى أولا ، وإلى أن يحصل هذا التثبت يكون العمل بالقاعدة الشرعية وهى : الأصل فى الأشياء الإباحة ، واليقين لا يزول بالشك .
هذا ، ويغلب على البلاد التى تدين باليهودية أو النصرانية أن تكون صادراتها، للبلاد الإسلامية من الذبائح مذكاة حسب شريعتهم فهى حلال ، أما البلاد التى لا تدين باليهودية أو النصرانية فيقال : إن ما أعد للتصدير منها إلى البلاد الإسلامية يتولى ذبحه كتابى ، ويكتب عليه : مذبوح على الطريقة الإسلامية .
ويمكن الاعتماد على ما كتب عليه ، أما ما لا يكتب عليه ذلك فلا يطمأن إليه ، وعلى المسئولين مراقبة ذلك عند الاستيراد وزيادة فى الإيضاح لهذا الموضوع ننقل لك ما نشر فى الجزء الثانى من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " :
أثيرت فى هذا الموضوع عدة مسائل نذكر أهمها فيما يلى :
1 - تخدير الحيوان قبل ذبحه :
قال تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } المائدة : 3 ، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن اللَّه كتب الإحسان على كل شىء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم وغيره .
فإذا كانت الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير تساعد على التمكن من ذبح الحيوان بأضعاف مقاومته وقت الذبح ، وكانت لا تؤثر فى حياته ، بمعنى أنه لو ترك بعدها دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية - جاز استعمال الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير بهذا المفهوم قبل الذبح ، وحلت الذبيحة بهذه الطريقة .
أما إذا كانت تؤثر فى حياته بحيث لو ترك بعدها دون ذبح فقد حياته ، فإن الذبح وقتئذ يكون قد ورد على ميتة ، فلا يحل أكلها فى الإسلام ، لاحتمال موت الحيوان بالصدمة الكهربائية أو التخدير قبل الذبح . إذ تقضى نصوص فقه الشريعة الإسلامية أنه إذا اجتمع فى الذبيحة سبب محرم وآخر مبيح تكون محرمة ، كما إذا رمى شخص طائرا فجرحه فسقط فى الماء فانتشله الصائد ميتا فإنه لا يحل أكله لاحتمال موته غرقا لا بجرح الصيد .
2 - ضرب الحيوان على رأسه بحديدة أو تفريغ شحنة مسدس قاتل فيها ، أو صعقه بتيار الكهرباء وإلقاؤه فى ماء مغلى ليلفظ أنفاسه :
إذا مات الحيوان بهذه الطرق فهو ميتة ، والميتة محرمة بنص القرآن الكريم ، وهى ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح ، أو ما مات حكما من الحيوان حتف أنفه من غير قتل بذكاة ، أو مقتولا بغير ذكاة .
والميتة بهذه الطرق هى الموقوذة التى ورد النص بتحريمها فى آية المائدة المذكورة فى المسألة السابقة " رقم 1 " . والوقذ شدة الضرب قال قتادة : كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه ، وقال الضحاك : كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها . وفى صحيح مسلم عن عدى بن حاتم قال : قلت : يا رسول اللَّه فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب . فقال " إذا رميت بالمعراض فخزقه فكله ، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله " وفى رواية " فإنه وقيذ " المعراض سهم يصيب بعرض عوده دون حده ، خزق السهم أى نفذ فى الرمية، والمعنى نفذ وأسال الدم ، لأنه ربما قتل بعرضه ولا يجوز .
والفقهاء اتفقوا على أنه تصح تذكية الحيوان الحى غير الميئوس من بقائه ، فإن أصابه ما يوئس من بقائه مثل أن يكون موقوذا أو منخنقا فقد اختلفوا فى استباحته بالزكاة .
ففى فقه الإمام أبى حنيفة : وإن علمت حياتها -وإن قلَّت -وقت الذبح أكلت مطلقا بكل حال . وفى إحدى روايتين عن الإمام مالك ، وأظهر الروايتين عن الإمام أحمد : متى علم مستمر العادة أنه لا يعيش حرم أكله ولا تصح تذكيته ، وفى الرواية الأخرى عن الإمام مالك : أن الزكاة تبيح منه ما وجد فيه حياة مستقرة . وينافى الحياة عنده أن يندق عنقه أو دماغه . وفى فقه الإمام الشافعى : أنه متى كانت فيه حيلة مستقرة تصح تذكيته ، وبها يحل أكله باتفاق فقهاء المذهب .
والذكاة فى كلام العرب الذبح وفى الشرع عبارة عن إنهار الدم وفرى الأوداج فى المذبوح ، والنحر فى المنحور ، والعقر فى غير المقدور عليه .
واختلف العلماء فيما يقع به الذكاة ، والذى جرى عليه جمهور العلماء أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج فهو آلة للذبح ، ما عدا الظفر والسن ، إذا كانا غير منزوعين ، لأن الذبح بهما قائمين فى الجسد من باب الخنق .
كما اختلفوا فى العروق التى يتم الذبح بقطعها ، بعد الاتفاق على أن كماله بقطع أربعة ، هى : الحلقوم والمرىء والودجان .
واتفقوا كذلك على أن موضع الذبح الاختيارى ، بين مبدأ الحلق إلى مبدأ الصدر .
وإذا كان ذلك ، كان الذبح الاختيارى الذى يحل به لحم الحيوان المباح أكله فى شريعة الإسلام ، هو ما كان فى رقبة الحيوان فيما بين الحلق والصدر ، وأن يكون بآلة ذات حد تقطع أو تخزق بحدها لا بثقلها ، سواء كانت هذه الآلة من الحديد أو الحجر، على هيئة سكين أو سيف أو بلطة أو كانت من الخشب بهذه الهيئة أيضا . لقول النبى عليه الصلاة والسلام " ما أنهر الدم وذكر اسم اللّه عليه فكلوا ، ما لم يكن سنًّا أو ظفرا " فإذا ثبت قطعا أن اللحوم والدواجن والطيور المستوردة لا تذبح بهذه الطريقة التى قررها الإسلام ، وإنما تضرب على رأسها بحديدة ثقيلة ، أو يفرغ فى رأسها محتوى مسدس مميت ، أو تصعق بتيار الكهرباء ثم تلقى فى ماء مغلى تلفظ فيه أنفاسها-إذا ثبت هذا دخلت فى نطاق المنخنقة والموقوذة المحرمة بنص الآية الكريمة .
3 - المؤلفات والنشرات التى توصى بمنع استيراد اللحوم المذبوحة فى الخارج :
ما ينقل عن بعض الكتب والنشرات عن طريقة الذبح لا يكفى لرفع الحل الثابت أصلا بعموم نص الآية الكريمة : {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } المائدة : 5 ، وليس فى هذه النشرات ما يدل حتما على أن المطروح فى أسواقنا من اللحوم والدواجن والطيور مستورد من تلك البلاد التى وصف طرق الذبح فيها من نقل عنهم ، ولابد أن يثبت أن الاستيراد من هذه البلاد التى لا تستعمل سوى هذه الطرق ، ومع هذا فإن الطب - فيما أعلم -يستطيع استجلاء هذا الأمر وبيان ما إذا كانت هذه اللحوم والطيور والدواجن المستوردة قد أزهقت أرواحها بالطرق المذكورة فى المسألة السابقة " رقم 2 " .
فإذا كان الطب البيطرى أو الشرعى يستطيع علميا بيان هذا على وجه الثبوت ، كان على القائمين بأمر هذه السلع استظهار حالها بهذا الطريق أو بغيرها من الطرق المجدية لأن الحلال والحرام من أمور الإسلام التى قطع فيها بالنصوص الواضحة . فكما قال اللّه سبحانه { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } قال سبحانه قبل هذا { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } .
وقد جاء فى " أحكام القرآن " لابن عربى فى تفسيره للآية الأولى : فإن قيل : فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس ، فالجواب أن هذه ميتة ، وهى حرام بالنص .
وهذا يدل على أنه متى تأكدنا أن الحيوان قد أزهقت روحه بالخنق أو حطم الرأس أو الوقذ كان ميتة ومحرما بالنص . والصعق بالكهرباء حتى الموت من باب الخنق ، فلا يحل ما انتهت حياته بهذا الطريق .
أما إذا كانت كهربة الحيوان لا تؤثر على حياته ، بمعنى أنه يبقى فيه حياة مستقرة ثم يذبح كان لحمه حلالا فى رأى جمهور الفقهاء ، أو أى حياة وإن قلت فى مذهب الإمام أبى حنيفة .
وعملية الكهرباء فى ذاتها إذا كان الغرض منها فقط إضعاف مقاومة الحيوان والوصول إلى التغلب عليه وإمكان ذبحه ، جائزة ولا بأس ، وان لم يكن الغرض منها هذا أصبحت نوعا من تعذيب الحيوان قبل ذبحه ، وهو مكروه ، دون تأثير فى حله إذا ذبح بالطريقة الشرعية حال وجوده فى حياة مستقرة . أما إذا مات صعقا بالكهرباء فهو ميتة غير مباحة ومحرمة قطعا .
فالفيصل فى الموضوع أن يثبت على وجه قاطع أن اللحوم والدواجن والطيور المستوردة المتداولة فى أسواقنا قد ذبحت بواحد من الطرق التى تصيرها من المحرمات المعدودات فى آية المائدة . وما فى الكتب والنشرات لا يعتمد عليه فى ذلك . وعلى الجهات المعنية أن تتثبت من ذلك ، وإلى أن تتثبت يكون العمل بالقاعدة الشرعية :
الأصل فى الأشياء الإباحة ، واليقين لا يزول بالشك ، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أخرجه البزار الطبرانى من حديث أبى الدرداء بسند حسن " ما أحل اللَّه فهو حلال ، وماحرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من اللَّه عافيته ، فإن اللَّه لم يكن لينسى شيئا " .
وحديث أبى ثعلبة الذى رواه الطبرانى " إن اللّه فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها "وفى لفظ "وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها ، رحمة لكم فاقبلوها " وروى الترمذى وابن ماجه من حديث سلمان أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والغراء التى يصنعها غير المسلمين فقال " الحلال ما أحل اللَّه فى كتابه ، والحرام ما حرم اللَّه فى كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " وثبت فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة ، ولم يسألها عن دباغها ولا عن غسلها واللَّه سبحانه وتعالى أعلم .
4 - ذبائح أهل الكتاب :
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لأنهم فى الأصل أهل توحيد ، وقد جاء حكم اللّه فى الآية بإباحة طعامهم للمسلمين ، وإباحة طعام المسلمين لهم فى قوله سبحانه {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } . وكلمة طعام عامة تشمل الذبائح والأطعمة المصنوعة من مواد مباحة ، وجمهور المفسرين والفقهاء على أن المراد من الطعام فى هذه الآية الذبائح أو اللحوم ، لأنها هى التى كانت موضع الشك ، أما باقى أنواع المأكولات فقد كانت حلالا بحكم الأصل .
وتثار فى ذبائحهم نقطتان ، الأولى طريقة ذبحهم ، والثانية التسمية عند الذبح .
أما فى الأولى فقد اشترط أكثر فقهاء المسلمين لحل ذبائحهم أن يكون الذبح على الوجه الذى ورد به الإسلام . وقال بعض فقهاء المالكية : إن كانت ذبائحهم وسائر أطعمتهم مما يعتبرونه مذكى عندهم حل لنا أكله وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة صحيحة، وما لا يرونه مذكى عندهم لا يحل لنا ، ثم استدرك هذا الفرق فقال : فإن قيل : فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس ؟ فالجواب أن هذه ميتة وحرام بالنص ، فلا نأكلها نحن ، كالخنزير فإنه حلال ومن طعامهم ، وهو حرام علينا فهذه أمثله واللَّه أعلم ، وفتوى الشيخ محمد عبده لأهل الترنسفال فى 6 من شعبان سنة 1321هـ لم تذكر هذا الاستدراك " الفتاوى الإسلامية- المجلد 4 ص 1298 " .
إن من القواعد التى قررها الفقهاء " ما غاب عنا لا نسأل عنه " وهى مأخوذة من نصوص فقهية . ففى فقه الإمام أبى حنيفة : إنما تؤكل ذبيحة الكتابى إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شىء ، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده . وقد روى عن الإمام على بن أبى طالب حين سئل عن ذبائح أهل الكتاب قوله : قد أحل اللَّه ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون .
وفى فقه الإمام الشافعى : لو أخبر فاسق أو كتابى أنه ذكى هذه الشاة قبلناه ، لأنه من أهل الذكاة .
فإذا ذكرت شائعات فإنه عندئذ يلزمنا التحرى . وفى هذه الحالة استفاضت الشائعات أن أوروبا ( وهى أهل كتاب ) تستعمل وسائل غير الذبح ، فلا يصح إهمال ذلك بعدم السؤال ، بل ينبغى التحرى .
وأما فى النقطة الثانية وهى التسمية عند الذبح ، فقد جاء حديث البخارى فى اللحم الذى لا يدرى : هل سمى عليه اللَّه أو لا ، " سموا اللَّه أنتم وكلوا " . وقد حفلت كتب السنة والسيرة بأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من ذبائح اليهود دون أن يسأل هل سموا اللَّه عند الذبح أم لا ، وكذلك الصحابة رضوان اللَّه عليهم ، وقد مر قول الإمام على : قد أحل اللَّه ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون . اهـ .
هذا ، ولو سمعنا ذكر اسم غير اللّه عند الذبح فالجمهور على عدم الأكل من هذه الذبيحة ، حتى من قال منهم بأن التسمية سنة غير واجبة ، أما إذا لم نسمع تسمية فالذبيحة حلال للنصوص المذكورة .
والبلاد التى تدين باليهودية أو النصرانية يغلب أن تكون صادراتها من الذبائح مذكاة حسب شريعتهم فهى حلال ، أما البلاد التى لا تدين باليهودية أو النصرانية فيقال إن ما أعد للتصدير منها إلى البلاد الإسلامية يتولى ذبحه كتابى ، ويكتب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية ، ويمكن الاعتماد على ما كتب عليه ، أما ما لم يكتب عليه ذلك فلا يطمأن إليه ، وعلى المسئولين مراقبة ذلك عند الاستيراد ، حتى نعتمد على أنفسنا بتوفير ما نحتاج إليه دون حاجة إلى استيراد ما فيه شبهة .
ومن يعيش أو يزور بلادا كتابية يطمئن إلى ما يذبح فيها إلا إذا رأى بعينيه أنه لم يذبح وكان من المحرمات المذكورة فى آية المائدة على الوجه المبين فيما سبق ، أو أخبره بذلك ثقة وصدقه . والذى يزور بلادا ليست كتابية أو يعيش فيها يجب عليه أن يستوثق مما يأكله من ذبائحهم ، فالغالب عليه أنه لم يذبح كما يذبح الكتابيون والمسلمون . ولا يكفى عدم العلم بحال هذا المطعوم ، بخلاف البلاد الكتابية فيكفى فيها عدم العلم ، لأن الغالب أنهم يذبحون(10/147)
تحضير الأرواح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تحضير الأرواح صحيح ؟
An تقرر الأديان كلها أن الإنسان مادة وروح . قال تعالى : { إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين } ص : 71 ، 72 ، وأنه أحد العوالم الثلاثة التى كلفها الله بعبادته ، وهى : الملائكة والإنس والجن ، وكلها مادة وروح وإن كانت مادة الملائكة هى النور ، ومادة الإنس هى الطين ، ومادة الجن هى النار .
والروح سرها عجيب لا يدرك الإنسان منه إلا قليلا ، على الرغم من إدراكه الكثير من سر المادة ، قال تعالى { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } الإسراء :85 ، واهتم علماء المسلمين بدراستها وبيان أثرها فى الحياة وفى الفكر وفى السلوك وفى مصيرها بعد خروجها من البدن بالموت . ومن الكتب المؤلفة فى ذلك كتاب الروح لابن القيم .
وعلى الرغم من الاتجاه المادى للعالم الغربى نشطت أخيرا الدراسات الروحية ، فى كليات أو معاهد خاصة ، وتكونت جمعيات تمارس أنشطة متصلة بالروح ، كبعض الأنشطة التى مارسها بعض المسلمين وغيرهم ، باسم السحر وتحضير الأرواح ، وما إلى ذلك ، ونريد هنا أن نبين موقف الإسلام من تحضير الأرواح .
إن الأرواح هى لثلاثة أصناف من العوالم ، الملائكة ، والإنس ومعهم الحيوانات والطيور وكل ما يدب على الأرض ، والجن .
فما هى صلة الإنسان بهذه الأرواح ؟ .
1 - الملائكة عالم شفاف مخلوق من نور ، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة ، ولئن كان الله سخَّرهم لصالح البشر فى مهمات وكلها إليهم كتبليغ الوحى وتسجيل ما يقع من الناس من أقوال وأفعال ، ومعونة المؤمنين فى الحرب وغيرها ، فإن كل أنشطتهم بأمر الله وتوجيهه ، لا سلطان لأحد غيره عليهم ، ولا يستطيع إنسان أن يتسلط عليهم ولا أن يستعين بهم مباشرة ، إلا بأمر الله سبحانه ، ولما فتر الوحى عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشتاق لنزول جبريل عليه ، فلم ينزل إلا عندما أذن الله له . فقد روى البخارى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل : " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " ؟ فنزلت { وما تتنزل إلا بأمر ربك } مريم : 64 ، ومن هنا لا يمكن لبشر أن يحضر ملكا أو يحضر روحه .
2 - الإنسان عندما تفارق روحه جسده لا يعرف بالضبط مكانها إلا الله سبحانه ، وإن جاءت الأخبار بأن لها صلة بالميت بقدر ما يسمع ويجيب على سؤال الملكين ، ويحس بالنعيم والعذاب ويرد السلام على من سلم عليه ، أو بقدر أكبر من ذلك كما قيل عن الأنبياء فى قبورهم ، وكما قيل عن الشهداء فى قوله تعالى{ ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران : 169 ، فقد روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : "أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوى إلى تلك القناديل ، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة ، فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : أى شىء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ فعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا حتى نقتل فى سبيلك مرة أخرى . فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا" .
وستظل الأرواح محبوسة عند الله لا ترد إلى الأجساد إلا عند البعث من القبور للحساب . قال تعالى : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون .
لعلى أعمل صالحا فيما تركت ، كلا إنها كلمة هو قائلها من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } المؤمنون : 99 ،100 ، ولا يمكن لبشر أن يتسلط على روح الميت ويحضرها ويتحدث إليها لتخبره بما هى فيه من نعيم أو عذاب ، أو بأحداث فى الكون غائبة عنه ، وقد يحدث الاتصال بها-دون تسلط عليها-فى الرؤى والأحلام ، ويقول المهتمون بتعبير الرؤيا : إن أحوال الميت وما يقوله ويخبر به حق ، لأنه انتقل من دار الباطل إلى دار الحق . وقد سبق بيان قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة- أو كأنما رآنى فى اليقظة- لا يتمثل الشيطان بى " لكن هذه الرؤى ليست باختيار الإنسان ، وليس فيها تسلط على الأرواح .
3 - الجن عالم شفاف خلق من نار ، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة ، وكما لا ترى الملائكة فى حالتها النورانية ، إلا بإعجاز من الله تعالى كما قيل فى رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل فى الغار وليلة المعراج ، لا يرى الجن فى حالتهم الشفافة ، كما قال تعالى : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } الأعراف :
27 ، ولهم عالمهم الخاص من الأكل والشرب والتزاوج ، وسائر الأنشطة التى تنظم حياتهم ومنهم الصالحون وغير الصالحين ، كما قال سبحانه : { وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا } الجن : 11 ، . وقد التقى النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم واستمعوا القرآن وآمنوا ، كما جاء فى الأحقاف ( الآية : 29 وما بعدها ) .
وتسلط الإنس على الجن لم يكن لأحد إلا لسيدنا سليمان عليه السلام بأمر ربه ، حيث سخَر الله له الريح والشياطين كما فى قوله تعالى : { قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى ،إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب . والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين فى الأصفاد } ص : 35-38 ، وقد روى البخارى ومسلم ،أن عفريتا من الجن تفلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقطع عليه صلاته ، فأمسك به وخنقه ، وأراد أن يربطه فى سارية من سوارى المسجد ، لكنه تذكر دعوة أخيه سليمان ، فأطلقه . وجاء فى رواية مسلم قوله : "والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " وفى رواية النسائى بإسناد جيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده .
ومن هنا لا يمكن لبشر أن يتسلط على الجن بتحضيره وقهره على عمل معين ، لكن الجن يتسلطون على الأنس ويقهرونهم على سلوك معين ، إلا من أعطاه الله القوة فنجاه منهم ، قال تعالى على لسان إبليس : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين } ص : 82 ، 83 ، . كما أن المتمردين منهم يمكنهم بغير الوسوسة والإغواء أن يضروا الإنس بأى نوع من الضرر ، حيث لا دليل يمنع من ذلك .
وقد صح أن كل واحد من بنى آدم له قرين يلازمه من يوم ميلاده إلى أن يموت ، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان ، إلا ابن مريم وأمه " ثم قال أبو هريرة راوى الحديث : اقرءوا إن شئتم {وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } آل عمران : 36 ، . ويتسلط هذا القرين على صاحبه يحاول إفساد حياته عليه ، إلا العباد المخلصين كما التزم وهو أمام الله بقضاء منه سبحانه { إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } الحجر : 42 ، . يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن " قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : " وإياى ، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم ، فلا يأمرنى إلا بخير " أى فأسلم القرين ، أو فأسلم أنا من القرين لأن الله أعاننى عليه .
غير أن الإنسان إذا لم يستطع التسلط على الجن إلا بإذن الله ، فليس ذلك بمانع أن يتصل به ويتعاون معه ليحقق له بعض الأغراض وهذا الاتصال يتم بعدة أساليب ، ووقع ذلك لبعض الناس فى القديم والحديث ، وعرف منهم الكهان والعرافون والسحرة . وكان من هذا الاتصال ما يسمى الآن بتحضير الأرواح . وهذا التحضير كما سبق ذكره لا يكون لأرواح الملائكة ولا الآدميين بعد موتهم ، وإنما هو لهذه الأرواح المعروفة بالجن . والقرين من الجن له قدرة على تقليد صاحبه فى صوته وقد يتشكل بشكله ، وهو على دراية واسعة بحاله الظاهرة ، وقد يكون بحاله الباطنة أيضا مما تدل عليه الظواهر ، وللقرناء صلة ببعضهم يعرفون عن طريقها الأخبار التى تحدث للناس ، فيمكن لقرين سعد مثلا أن يعرف أحوال سعيد عن طريق سؤال قرينه ، ومن هنا يمكن لقرين سعد أن يخبر سعدا بحال سعيد ، إما بصوت يسمعه ولا يرى صاحبه ، وهو ما يعرف باسم الهاتف ، وإما بطريق آخر من طرق الأخبار ، وقد يكون هذا القرين مساعدا لصاحبه فى بعض الأعمال فتسهل عليه ، وقد يكون على العكس مشاكسا فيضع العراقيل فى طريقه فيحس بالضيق والألم وقد يحصل غير ذلك فإن عالم الجن عالم غريب يخفى علينا الكثير من أحواله . وكل هذه التصرفات فى دائرة الإمكان .
فإذا قام إنسان -على مواصفات معينة وبطرق مختلفة-بتحضير روح إنسان فهو يحضر روح قرينه ، الذى يستطيع أن يقلد صوته ويخبر عن كثير من أحواله ، وعن أمور غائبة عرفها القرناء وتبادلوا أخبارها ، فيحسب الإنسان أن الروح التى تتكلم هى روح آدمى ، وهى روح قرينه ، التى لا تستطيع أبدا أن تخبر عن المستقبل فمجالها هو الحاضر الذى يخفى على بعض الناس . ذلك أن الجن لا يعلمون الغيب أبدا ، قال تعالى : { قل لا يعلم من فى السماوات والأرض الغيب إلا الله } النمل : 65 ، وقال عن جن سليمان بعد موته {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين } سبأ : 14 ، وقد يكذب القرناء فى أخبارهم ، فيقول قرين الكافر مثلا إنه فى نعيم ، وهو بنص القرآن فى عذاب أليم ، والروح الحقيقية لأى إنسان لا تكذب بعد الموت ، فهو فى دار الحق التى لا كذب فيها ، ولم يحدث أن ادعى من يزاولون تحضير الأرواح أنهم أحضروا روح نبى من الأنبياء ، وذلك لأن الشياطين لا تتمثل بهم ولا تستطيع تقليد أصواتهم ، كما يحدث من القرناء مع بقية البشر .
فالخلاصة أن تحضير الأرواح هو تحضير لأرواح الجن وليس لأرواح الملائكة أو البشر ، ولا يجوز الاعتماد على ما تخبر به هذه الأرواح ، فقد تكون صادقة وقد تكون كاذبة فيما تقول . وتحضير أرواح الجن أمر ممكن غير مستحيل ، لعدم ورود ما يمنعه ، ولحدوثه واقعا والذى لا يمكن ويسمى خرافة هو تحضير أرواح الملائكة وأرواح بنى آدم .
ومن الواجب ألا يستغل إمكان تحضير الجن استغلالا سيئا ، كما يفعل الدجالون والمشعوذون ، كما أن من الواجب ألا يخرج بنا الحماس فى مقاومة الدجل والشعوذة إلى حد الإنكار لوجود الجن ، فهم موجودون ومكلفون مثل البشر ، وهم يستطيعون الإضرار بالناس بإذن الله ، كما يضر الناس بعضهم بعضا ، وليس هذا الإضرار قاصرا فقط على الوسوسة والإغواء ، بل منه ما يكون فى الماديات التى تتعلق بالإنسان فى مأكله ومشربه و ملبسه ، بل وفى جسمه ، فليس هناك دليل على منعه ، والأمر بالتسمية لطرد الشيطان معروف .
والواجب أن نتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله ، والإقبال على طاعته والبعد عن معصيته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، وأن نزن أمورنا بميزان العقل الذى كرمنا الله به ، وأن نحكمه فيما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة ، وما استعصى علينا فهمه ينبغى ألا نبادر بإنكاره ، بل علينا التريث والتدبر حتى تتضح الأمور وتظهر الأدلة القاطعة على صدقه أو كذبه(10/148)
الإضراب عن الطعام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يضرب عن الطعام إذا وقع عليه ظلم وكيف يكون التصرف معه ؟
An ليس فى الدين شىء اسمه الإضراب عن الطعام أو الشراب لتحقيق غرض من الأغراض ، فهو وسيلة سلبية يجب ألا يأخذ بها أحد ، والوسائل المشروعة كثيرة .
ومن سلك هنا المسلك فقد أضر نفسه بالجوع والعطش فى غير طاعة، والحديث معروف (لا ضرر ولا ضرار" وفى الوقت نفسه عرَّض نفسه للموت والله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة : 195 ، . ومن مات بهذا الإضراب يكون منتحرا، والانتحار من كبائر الذنوب ، فإن استحله كان كافرا ، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين(10/149)
حبس الطيور والأسماك للزينة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز حبس الطيور فى أقفاص للتمتع بمنظرها أو صوتها ؟
An بعض الطيور فيها جمال فى أصل الخلقة أو فى الألوان أو فى الأصوات أو فى غيرها ، والجمال محبب إلى كل نفس سوية ، وهو من نعم الله التى يجب أن تشكر ، كما قال تعالى { قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الأعراف : 22 ، وقال {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } النحل : 8 .
وإذا كانت الزينة التى خلقها الله وأخرجها لعباده فى الحيوانات والنباتات وغيرها مباحة وغير محرمة ، فكذلك التزين - وهو فعل الزينة - ليس ممنوعا فى كل الأحوال ، وإذا كان ممنوعا عند التكبر والخيلاء أو الإسراف فهو غير ممنوع إن خلا من هذه الأشياء جاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 97 " ليس كل ما تهواه النفس يذم وليس كل ما يتزين به الناس يكره ، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو كان على وجه الرياء فى باب الدين ، فإن الإنسان يُحِب أن يُرىَ جميلا . وذلك حظ للنفس لا يلام فيه ، ولهذا يسرح شعره ، وينظر فى المرآة ، ويسوى عمامته ، ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل و ظهارته الحسنة إلى خارج ، وليس فى شىء من هذا ما يحرم أو يذم .
وقد روى مكحول عن عائشة قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب ، فخرج يريدهم ، وفى الدار ركوة فيها ماء ، فجعل ينظر فى الماء ويسوى لحيته وشعره ، فقلت : يا رسول الله وأنت تفعل هذا ؟ قال " نعم ، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه ، فإن الله جميل يحب الجمال " .
وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال " إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق و غمط الناس " .
بعد هذه المقدمة فى الزينة وأن الأصل فيها الحل ، وفى أهمية الجمال فى حيلة الناس ، وموقف الإسلام الرائع فى تشريعه العادل الذى لا يهمل الفطرة الإنسانية إهمالا تاما ولكن يوجهها ويهذبها - بعد هذه المقدمة أقول : إن صنع الزينة واستعمالها والاتجار فيها لا بأس به فى حد ذاته ، ومن الزينة بعض الطيور والأسماك ، فيجوز اقتناؤها وبيعها ما دام ذلك فى حدود الشرع وبشروط ، ومن هذه الشروط :
1 - ألا يقصد بها التفاخر والخيلاء ، كما هو دأب المترفين ، والأعمال بالنيات .
2 - ألا يلهى التمتع بها أو الانشغال برعايتها واستثمارها عن واجب من الواجبات .
3 - ألا يهمل فى رعايتها بالتقصير فى تغذيتها مثلا ، فالحديث معروف فى تعذيب الله للمرأة التى حبست القطة دون أن تطعمها أو تسقيها. هذا ، وقد ورد فى الصحيحين عن أنس رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا ، وكان لى أخ لأمى فطيم يقال له عمير ، فكان رسول الله @ إذا جاءنا قال "يا أبا عمير ما فعل النُّغَير " ؟ وعمير تصغير عمر أو عمرو . والفطيم بمعنى المفطوم ، والنغير تصغير نُغَر وهو طير كالعصافير حمر المناقير ، وأهل المدينة يسمونه البلبل .
قال الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " : فى الحديث دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير . وقال العلامة أبو العباس القرطبى : لكن الذى أجازه العلماء هو أن يمسك له وأن يلهو بحبسه ، وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله .
وقال غيره : معنى قوله . يلعب به ، يتلهى بحبسه وإمساكه ، وفيه دليل على جواز حبس الطير فى القفص والتلهى به لهذا الغرض وغيره . ومنع ابن عقيل الحنبلى من ذلك ، وجعله سفها وتعذيبا ، لقول أبى الدرداء رضى الله عنه :
تجئ العصافير - يوم القيامة تتعلق بالعبد الذىَ كان يحبسها فى القفص عن طلب أرزاقها وتقول : يا رب هذا عذبنى فى الدنيا .
والجواب أن هذا فيمن منعها المأكول والمشروب ، وقد سئل القفال عن ذلك فقال - : إذا كفاها المؤونة جاز ، بل فى الحديث دليل على جواز قنصها - صيدها - للعب الصبيان بها ، وكان بعض الصحابة يكره ذلك ، ورأيت لأبى العباس أحمد بن القاص مصنفا حسنا على هذا ويؤخذ مما ذكره الدميرى أن حبس الطيور للزينة وغيرها جائز ما دام يكفيها مؤونتها ، وما دام لا يعذبها ، ومن كره ذلك من بعض العلماء محله عند التقصير والإيذاء ، و الكراهة على كل حال لا تعنى الحرمة ، فالحرام معصية يعاقب عليها ، والمكروه ليس معصية ولا يعاقب عليه .
وحكم الطير يسرى على الأسماك المتخذة للزينة فى أحواض ضيقة ليست فى سعة الأنهار ، والبحار ، وكذلك على الحيوانات فى الحدائق المعدة لها ، وقد حبست فى أقفاص أو أبنية ليست فى سعة الصحراء والغابات التى كانت تعيش فيها من قبل(10/150)
اقتناء الكلاب والاتجار فيها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم تربية الكلاب والاتجار فيها ؟
An أولا : حكم اقتناء الكلاب :
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل " وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من اقتنى كلبا ، إلا كلب ماشية أو ضارٍ نقص من عمله كل يوم قيراطان " وفى رواية " إلا كلب صيد أو ماشية " وفى رواية إلا كلب ضارية أو ماشية " وفى رواية "إلا كلب ماشية أو كلب صيد " وفى رواية " إلا كلب زرع أو غنم أو صيد "0 وجاء فى بعض الروايات "نقص من عمله كل يوم قيراط " .
وروى أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب " .
يؤخذ من هذا حرمة اقتناء الكلاب التى لا فائدة فيها ، كما نصت الأحاديث على استثناء ما فيه فائدة ، وهى كلاب الصيد ، وكلاب حراسة الزرع ، وكلاب حراسة الماشية ، وقد يقاس عليها الكلاب البوليسية لأن لها منفعة ، قال النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 10 ص 236 " : وأما اقتناء الكلاب فمذهبنا-الشافعية- أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة . ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية ، وهل يجوز لحفظ الدور والدروب ونحوها ؟ فيه وجهان أحدهما لا يجوز لظواهر الأحاديث فإنها مصرحة بالنهى إلا لزرع أو صيد أو ماشية ، وأصحهما يجوز ، قياسا على الثلاثة ، عملا بالعلة المفهومة من الأحاديث وهى الحاجة ، وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية ؟ فيه وجهان لأصحابنا - الشافعية - أصحهما جوازه .
والكلب الضارى هو المعلَّم الصيد المعتاد له ، ويترتب على حرمتها عدم دخول ملائكة الرحمة للبيت الذى هى فيه أما الحفظة فلا يفارقون الإنسان بأى حال من الأحوال ونقصان الثواب الذى يستحقه المرء على عمله فى كل يوم بمقدار اختلفت فيه الروايات ما بين قيراط وقيراطين ، والقيراط قدر معلوم عند الله تعالى ، وقيل عن نقص القيراط أو القيراطين أن ذلك فى نوع يكون أذاه أشد من النوع الآخر ، فيزيد نقص الثواب ، وقيل نقص القيراطين لكلاب المدن والقرى ، ونقص القيراط لكلاب البوادى ، وقيل كان النقص قيراطا فأراد النبى التغليظ فأخبر أنه قيراطان ، والمهم أن ثواب العمل ينقص سواء مما مضى أو مما يستقبل وذكر العلماء أن سبب نقصان الأجر هو امتناع الملائكة من دخول البيت بسبب الكلب لأن رائحته كريهة والملائكة تكره للرائحة الخبيثة ، ولأن بعض الكلاب يسمى شيطانا كما جاء فى الحديث ، والملائكة ضِدَّ الشياطين ، وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم ، وقيل عقوبة لاتخاذ ما نهى عن اتخاذه وعصيانه فى ذلك ، وقيل لما يبتلى به من ولوغه فى غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب " انظر : الإسلام ومشاكل الحياة ص 258 " .
ثانيا : الاتجار فيها :
روى مسلم عن أبى مسعود الأنصارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن ، وفى رواية عن رافع بن خَدِيج أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول " شر الكسب مهر البغى وثمن الكلب وكسب الحجام " وفى رواية " ثمن الكلب خبيث ومهر البغى خبيث ، وكسب الحجام خبيث " .
ومهر البغى هو ما تأخذه فى مقابل الزنا بها ، وسمى مهرا لكونه على صورته ، وهو حرام بالإجماع ، وحُلْوان الكاهن ما يعطاه على كهانته ،وسمى بذلك لأنه سهل من غير كلفة فله حلاوة معنوية ، وهو حرام بالإجماع لأنه عوض عن محرم وأكلٌ لأموال الناس بالباطل .
يقول الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " ج 2 ص 261 : لا يصح بيع الكلاب عندنا - أى الشافعية - خلاَفا لمالك فإنه ، أباح بيعها حتى قال سُحْنُون : ويحج بثمنها ، وقال أبو حنيفة : يجوز بيع غير العقور .
ويقول النووى " شرح صحيح مسلم ج 10 ص 232 " وأما النهى عن ثمن الكلب وكونه من شر الكسب وكونه خبيثا فيدل على تحريم بيعه ، وأنه لا يصح بيعه ولا يحل ثمنه ، ولا قيمة على متلفه ، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا . وبهذا قال جماهير العلماء ومنهم الشافعى وأحمد ، وقال أبو حنيفة يصح بيع الكلاب التى فيها منفعة ، وتجب القيمة على متلفها . وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء والنخعى جواز بيع كلب الصيد دون غيره . وعن مالك روايات إحداها لا يجوز بيعه ولكن تجب القيمة على متلفه ودليل الجمهور هذه الأحاديث . وأما الأحاديث الواردة فى النهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد وفى رواية إلا كلبا ضاريا ، وأن عثمان غَرَّم إنسانا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا ، وعن ابن عمرو بن العاص التغريم فى إتلافه فكلها ضعيفة باتفاق أئمة الحديث .
وجاء فى كتاب " نيل الأوطار للشوكانى "ج 5 ص 153 تعليقا على حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب : فيه دليل على تحريم بيع الكلب ، وظاهره عدم الفرق بين المعلَّم وغيره ، سواء كان مما يجوز أو مما لا يجوز ، وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة : يجوز ، وقال عطاء و النخعى : يجوز بيع كلب الصيد دون غيره .
ويدل عليه ما أخرجه النسائى من حديث جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد . وفى هذا الحديث مقال .
يؤخذ من كل ما سبق أن الاتجار فى الكلاب جائز عند الإمام مالك فى رواية كما قال سحنون . وكذلك عند أبى حنيفة فيما لا يضر ، وغير جائز عند الشافعى مطلقا .
هذا ، وحكم قتل الكلاب الضالة سيأتى بعد عند الكلام على قتل الحيوانات والطيور الضارة(10/151)
السحر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى السحر ؟
An يقول الله تعالى{ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا : إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله فى الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } البقرة :
102 .
مادة السحر التى وردت فى القرآن الكريم ستين مره تعطى فيما تعطى من المعانى : الغرابة والخروج على المألوف بما يجذب الانتباه ويثير العجب ، ومنه القول المأثور : إن من البيان لسحرا ، وله أنواع وأساليب ذكرها الفخر الرازى فى تفسيره .
وقد أشار القرآن الكريم إلى اشتهار المصريين القدماء به ، وذكر موقفهم من دعوة موسى عليه السلام ، ومعجزة العصا التى انقلبت حية وابتلعت حبال السحرة وعصيهم التى يخيل لمن يراها أنها تسعى ، كما مارسته بابل القديمة حتى ضرب به المثل فى كل جميل غريب فيقال : " سحر بابلى " . وعرفه العرب قبل الإسلام ، وما يزال معروفا إلى الآن .
وتفيد الآية الكريمة المذكورة عدة أمور :
(أ) أن السحر حقيقة تاريخية موجودة ، بصرف النظر عن كونه تخييلا يجعل الإنسان ينظر إلى الشىء على غير حقيقته ، أو كونه يقلب الشىء عن حقيقته ويحوله إلى حقيقة أخرى ، والذى يجب الإيمان به أن ما كان من انقلاَب عصا موسى إلى حية ليس سحرا، وإنما هو معجزة من صنع الله تعالى ، خرق بها العادة ، وحول حقيقة العصا الجامدة الميتة إلى حية متحركة بقدرته سبحانه ، سم أعادها بقدرته أيضا إلى حقيقتها الأولى .
وجاء تعبير القرآن الكريم عما فعله السحرة بقوله { سحروا أعين الناس و استرهبوهم وجاءوا بسحر عظيم } الأعراف : 116 ، وقوله تعالى{ يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى }سورة طه : 66 .
(ب) أن للسحر تأثيرا بالنفع والضر {يفرقون به بين المرء وزوجه } .
(ج) أن تأثيره لا يكون إلا بإذن الله "{وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } .
(د) أن السحر كفر { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} فما هو متعلق الكفر فيه ، هل هو تعليمه وتعلمه ، أو هو العمل به ، أو هو اعتقاد أنه يؤثر بنفسه دون تدخل إرادة الله ؟ .
حول هذه الأسئلة الثلاثة ثار اجدل واحتدم النقاش وتعددت الآراء وذلك مبسوط فى كتب التفسير ، وعلى الأخص تفسير الفخر الرازى ، وفى كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى من علماء القرن العاشر الهجرى .
ومن بين هذه الآراء يمكن اختيار ما يأتى :
1 - أن اعتقاد تأثيره بعيدا عن إرادة الله تعالى كفر ، وذلك محل اتفاق .
2 - أن ممارسته من أجل الإضرار بالناس حرام ، حتى مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .
3- أن ممارسته لتحقيق مصلحة مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله لا حرمة فيها .
قال القرطبى : هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور ؟ قال البخارى :
عن سعيد بن المسيب رضى الله عنه يجوز وإليه مال المارزى ، وكرهه الحسن البصرى . وقال الشعبى : لا بأس بالنشرة ، وفسرت بالرقية لعلاج المسحور (الزواجر لابن حجر : ج 2 ص 104) .
4 - أن تعلمه أو تعليمه يرجع فيه إلى المقصود منه ، فإن كان خيرا كمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة -كما جاء فى أمثلة العلماء-أو استعماله للمصلحة فلا حرمة فيه ، كنوع من الثقافة التى عبر عنها بعض الحكماء بقوله :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه .
وإن كان المقصود من ذلك شرا فهو حرام ، فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى .
وبهذا يفهم حديث البخارى ومسلم الذى جعل السحر من السبع الموبقات ، أى كبائر الذنوب ، والوسائل التى تستخدم فى السحر يعرفها الممارسون له والخبراء به - فقد تكون بالاستعانة بالجن ، وقد تكون بمعرفة خواص بعض الكائنات ، وقد تكون بالإيحاء والاستهواء ، وبغير ذلك ، فالوسائل إما من ذات الساحر ، وإما من غيره ، وهذا الغير إما كائن حى أو غير حى ، وقد ذكر الفخر الرازى منها ثمانية أنواع جاء فيها أنه قد يكون من أصحاب النفوس القوية بالتسلط على أصحاب النفوس الضعيفة ، وقد يكون بالاستعانة بالجن والعزائم والبخور ، وقد يكون بما يقال عنه الآن خفة اليد ، يلهى العين بعمل شىء ليعمل غيره ، وقد يكون بالفن والصنعة التى تخلب الألباب - ومنه حيل التصوير السينمائى - ، وقد يكون باستعمال أدوية لها خواص معينة كالتى يدهنون بها أجسادهم فلا تحرقهم النار .
هذا ، وقد تحدث العلماء عن الحديث الذى ورد فى البخارى ومسلم أن رجلا من بنى زريق حليف لليهود اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبى @ فأثبته جماعة، وقالوا : ذلك جائز ، فهو مرض من الأمراض التى تصيب الإنسان ، وهو لم يؤثر عليه من ناحية تبليغ الرسالة والتزام أحكامها ، وأولوا قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } المائدة : 67 ، بعصمة القلب والإيمان دون الجسد ، فقد شج وجهه وكسرت رباعيته وآذاه جماعة من قريش .
والجصاص من أئمة الحنفية قد نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر ، على الرغم من صحة الحديث ، وذلك استنادا إلى الآية ، ولعدم فتح الباب للطعن فيما بلغه من الرسالة .- وقد وضح ابن القيم ذلك فى كتابه : " زاد المعاد " كما وضحه النووى فى شرح صحيح مسلم بما يثبت العصمة للنبى صلى الله عليه وسلم فى أمور التبليغ ، ويجيز تأثره بما يتأثر به الناس من الأمراض التى لا تخل بهذه العصمة .
وخلاصة ما فى زاد المعاد (ج 3 ص 104) : قد أنكر هذا طائفة من الناص وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصا وعيبا ، وليس الأمر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتى نساءه ولم يأتهن ، وذلك أشد ما يكون من السحر ، قال القاضى عياض : والسحر مرض من الأمراض ، وعارض من العلل يجوز عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح فى نبوته ، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشىء ولم يفعله فليس فى هذا ما يدخل عليه داخلة فى شىء من صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ، وإنما هنا فيما يجوز طروؤه عليه فى أمر دنياه التى لم يبعث لسببها ولا فصل من أجلها ، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ، ثم ينجلى عنه كما كان انتهى .
هذا ، وقد تأثر موسى عليه السلام بما فعله السحرة ، فقال تعالى { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى . فأوجس فى نفسه خيفة موسى } وليس ذلك قادحا فى رسالته عليه السلام . ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى :
1 - تفسير الفخر الرازى وابن كثير والقرطبى فى سورة البقرة والمعوذتين .
2- زاد المعاد لابن القيم .
3- مفتاح دار السعادة لابن القيم .
4- حياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة كلب "(10/152)
الرشوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو التحديد الشرعى للرشوة و ما حكمها ؟
An الرشوة فعلها رشا يرشو ، وهى إما مصدر وإما اسم للشىء الذى يرشى به ، ويقال أيضا أرشاه يرشيه أى قدم له الرشوة ، فالفعل إما ثلاثى وإما رباعى " مختار الصحاح " .
1 - قال ابن الأثير فى " النهاية " الرشوة ما يتوصل به إلى الحاجة بالمصانعة ، وأصله من الرِّشَا الذى يتوصل به إلى الماء ، فالراشى من يعطى الذى يعينه على الباطل ، والمرتشى هو الآخذ ، والرائش هو الذى يسعى بينهما ، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا ، فأما ما يُعْطَى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه ، يروى أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة فى شىء ، فأعْطَى دينارين حتى خلى سبيله ، وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم .
جاء فى تاج العروس وحاشية الطحطاوى على الدر "ج 3 ص 177 " أن الرشوة فى الإصطلاح ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل .
وأرى أنها تطلق فى العرف الجارى على ما يدفع لنيل ما يصعب الحصول عليه ، وذلك إما لأنه ممنوع شرعا أو قانونا ، وإما لأنه غير ممنوع ولكن يحتاج إلى جهد للحصول عليه ، فالأول كالقضاء له بشىء لا يستحقه ، أو بظلم أحد لا يستحق الظلم ، والثانى كحصوله على حقه ويحتاج إلى دفع شىء للتعجيل به وعدم التسويف فيه أو محاولة منعه ، وكدفع ظلم عنه لا يمكن إلا بما يقدم لمن يستطيع دفع هذا الظلم .
2 - والرشوة فى النوع الأول حرام لأن الممنوع شرعا أو عقلا حرام ، وكل ما يوصل إلى الحرام فهو حرام ، سواء كان ذلك بين الأفراد بعضهم مع بعض ، أم بين الأفراد ومن بيدهم سلطان قضائى أو تنفيذى ، وذلك من أجل أن ينال هذا الشىء الحرام من الأول بالحكم ومن الثانى بالتنفيذ ، قال تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } البقرة : 58 ، وقال { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } النساء : 29 .
وورد فى السنة عن عبد اللَّه بن عمرو قال : لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى . رواه أبو داود والترمذى ، وقال : حسن صحيح .
وعن أبى هريرة قال : لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى و الرائش ، يعنى الذى يسعى بينهما ، رواه الترمذى وحسَّنه ، وابن حبان فى صحيحه والحاكم ، وجاء فى بعض الروايات : والمرتشى فى الحكم وفيه حديث ابن اللتبية الذى كان يعمل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصدقات ورجع بالصدقات وبهدايا ، فغضب الرسول وقال " هلا قعد فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته " ؟ ونص الحديث : عن أبى حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدى قال : استعمل النبى صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له " ابن اللتبية " على الصدقة ، فلما قدم قال هذا لكم وهذا اهدى إلى ، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال " أما بعد ، فإنى أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولانى اللَّه فيأتى ويقول : هذا لكم وهذا هدية أهديت إلى ، أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ، واللَّه لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى اللّه تعالى يحمله يوم القيامة ، فلا أعرفن واحدا منكم لقى اللَّه يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار ، أو شاة تَيْعَر " ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه فقال " اللهم هل بلَّغت " رواه البخارى ومسلم .
3- بعد هذا أنقل شيئا مما قاله العلماء فى موضوع الرشوة :
( أ ) جاء فى كتاب " الآداب الشرعية والمنح المرعية " لشمس الدين أبى عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسى الحنبلى المتوفى بتاريخ 2 من رجب سنة 762 هـ عن الهدية ما ملخصه :
حرم ابن تيمية الهدية فى كل شفاعة فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرم ، وفى شفاعة عند ولى أمر ليوليه ولاية أو يستخدمه فى المقاتلة وهو مستحق لذلك . أو ليعطيه من الموقوف على الفقراء أو القراء أو الفقهاء أو غيرهم وهو من أهل الاستحقاق ، وهذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار ، وقد رخص بعض الفقهاء المتأخرين فى ذلك ، وجعل هذا من باب الجعالة ، يعنى الشافعية .
قال : وهو مخالف للسنة وأقوال الصحابة والأئمة وهو غلط ، لأن مثل هذا من المصالح العامة التى يكون القيام بها فرض عين أو كفاية ، فيلزم من اخذ الجعل فيه ترك الحق ، والمنفعة ليست للباذل بل للناس ، وطلب الولاية منهى عنه فكيف بالعوض فهذا من بلب الفساد . انتهى كلامه .
والخبر الذى احتج به هو : روى أبو داود فى سننه " باب الهدية للحاجة " ثم روى عن أبى أمامة مرفوعا للنبى صلى الله عليه وسلم " من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا " ضعفه بعضهم [جاء فى بلوغ المرام " ص 177 " أن ابن حجر قال : فى إسناده مقال ، يعنى حديث ضعيف ] لكن نص أحمد رضى اللّه عنه .
على أنه لو قال : اقترض لى مائة ولك عشرة أنه يصح ، قال أصحابنا :
لأنه جعالة على فعل مباح ، وقالوا : يجوز للإمام أن يبذل جعلا لمن يدل على ما فيه مصلحة للمسلمين ، وأن المجعول له لا يستحق الجعل ، مسلما كان أو كافرا ، و قاسو على أجرة الدليل [ أى دليل النبى صلى الله عليه وسلم " فى الهجرة ، وكان كافرا ] .
( ب ) والإمام الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين "ج 2 ص 136 طبعة عثمان خليفة " فصَّل الموضوع تفصيلا لا مزيد عليه فى الفرق بين الرشوة والهدية ، وسأحاول تلخيص ما قال فيما يأتى :
باذل المال لا يبذله قط إلا لغرض ، ولكن الغرض إما اَجل كالثواب وإما عاجل ، والعاجل إما مال وإما فعل وإعانة على مقصود معين ، وإما تقرب إلى قلب المهدى إليه بطلب محبته ، إما للمحبه فى عينها وإما للتوصل بالمحبة إلى غرض وراءها ، فالأقسام خمسة :
الأول : ما غرضه الثواب فى الآخرة ، كأن يهدى لمحتاج أو عالم ، أو ذى نسب دينى أو صالح متدين ، فلا بأس ، وعلى هؤلاء ألا يأخذوا ذلك إلا إذا كان بهذه الصفة التى من أجلها أهدى الناس إليهم .
الثانى : ما يقصد به فى العاجل غرض معين ، كالفقير الذى يهدى إلى الغنى طمعا فى غناه ، فهذه هبة بشرط الثواب لا يخفى حكمها ، وإنما تحل عند الوفاء بالثواب المطموع فيه .
الثالث : أن يكون المراد إعانة بفعل معين . كالمحتاج إلى السلطان يهدى إلى وكيل السلطان وخاصته ومن له مكانة عنده ، فهذه هدية بشرط ثواب يعرف بقرينة الحال فينظر لهذا العمل الذى هو الثواب ، فان كان حراما ، بأخذ ما لا يستحق أو بظلم غيره حرم الأخذ ، وإن كان العمل الذى هو الثواب واجبا ، كدفع ظلم متعين على من يقدر عليه أو بشهادة متعينة فيحرم عليه ما يأخذه ، وهى الرشوة التى لا يشك فى تحريمها ، وإن كان مباحا لا واجبا ولا حراما وكان فيه تعب بحيث لو عرف لجاز الاستئجار عليه فما يأخذه حلال إن وفى بالغرض ، وهو كالجعالة ، مثل اقترح على فلان أن يعيننى فى غرض كذا أو ينعم على بكذا ، وكان ذلك يحتاج إلى كلام وجهد فهذه جعالة ، كما يأخذ الوكيل بالخصومة " المحامى " بين يدى للقاضى ، فليس بحرام إذا كان لا يسعى فى حرام ، أما إن كان مقصوده يحصل بكلمة لا تعب فيها ، ولكن تلك الكلمة أو كانت تلك الفعلة من ذى جاه تفيد ، كقوله للبواب :
لا تغلق دونه باب السلطان ، وكوضعه قصته بين يدى السلطان فقط فهذا حرام ، لأنه عوض عن الجاه ولم يثبت فى الشرع جواز ذلك ، بل ثبت ما يدل على النهى عنه ، كما سيأتى فى هدايا الملوك ، ومثل ذلك أخذ الطبيب العوض على كلمة واحدة ينبه بها على دواء ينفرد بمعرفته ، فلا يذكره إلا بعوض ، فإن عمله وهو التلفظ غير متقوم ، كحبة من سمسم ، فلا يجوز أخذ العوض عليه ولا على علمه ، إذ ليس ينتقل علمه إلى غيره ، وإنما يحصل لغيره مثل علمه ويبقى هو عالما به ، وهذا غير الحاذق فى الصناعة ، كالذى يصقل السيف أو المرآة بدقة واحدة لحسن معرفته بموضع الخلل ولحذقه بإصابته ، فقد يزيد بدقة واحدة مال كثير فى قيمة السيف والمرآة ، فهذا لا أرى بأسا بأخذ الأجرة عليه ، لأن مثل هذه الصناعات يتعب الرجل فى تعلمها ليكتسب بها ، ويخفف عن نفسه كثرة العمل (فى رأيى لا فرق بين الصانع والطبيب ، لأن الطبيب بذل جهدا فى تعلم الطب ليكتسب به أيضا كالصانع ، ولولا دلالته على الدواء لكان أخطر ) .
الرابع : ما يقصد به المحبة وجَلبها من قبل المهدى إليه لا لغرض معين ، بل لتأكيد الصحبة وتودد القلوب ، فهذا مندوب إليه عقلا وشرعا ، لحديث " تهادوا تحابوا " رواه البخارى فى الأدب المفرد ، والبيهقى ، قال الحافظ : إسناده حسن وضعفه ابن عدى كما قاله العراقى وحتى لو كانت المحبة لا تطلب لذات المحبة بل لما وراءها فان ما وراءها غير معلوم ، فتسمى هدية ويحل أخذها .
الخامس : أن يطلب التقرب إلى قلبه ليتوصل بجاهه إلى أغراض لولا جاهه ما أهداه شيئا ، فإن كان جاهه لأجل علم أو نسب فالأمر فيه أخف ، وأخذه مكروه ، فإن فيه مشابهة الرشوة ولكنها هدية فى ظاهرها فإن كان جاهه بولاية تولاها من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية مال أو غيره من الأعمال السلطانية فهذه رشوة فى شكل هدية ، ولولا سلطانه ما أهدى إليه ، بدليل أنه لو عزل من سلطانه دفعت الهدية إلى من يخلفه ، وهذا متفق على كراهته الشديدة .
لكن اختلفوا فى كونه حراما والمعنى فيه متعارضا ، لأنه دائر بين الهدية المحضة والرشوة المبذولة لغرض ، وإذا تعارضت المشابهة القياسية وعضدت الأخبار والآثار أحدهما تعين الميل إليه ، وقد دلت الأخبار على تشديد الأمر فى ذلك ، لحديث " يأتى على الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية والقتل بالموعظة ، يقتل البرئ لتوعظ به العامة" [ قال العراقى : لم أقف له على أصل ] وأورد حوادث منها : أن مسروق بن الأجدع [ من التابعين ] شفع شفاعة فأهدى له المشفوع له جارية ، فغضب وردها ، وسئل طاووس [ من التابعين ] عن هدايا السلطان فقال : سحت ، وأخذ عمر ربح مال القراض الذى أخذه ولداه من بيت المال وقال : إنما أعطيتما لمكانكما منى . وأهدت امرأة أبى عبيدة ابن الجراح إلي " ماتون " ملكة الروم خَلُوقًا - طيبا - فكافأتها بجوهر ، فأخذه عمر فباعه وأعطاها ثمن الخلوق ورد باقيه لبيت المال ولما رد عمر بن عبد العزيز هدية قيل له : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ، فقال : كان ذلك له هدية ولنا رشوة " تاريخ السيوطى ص 157 " أى كان يتقرب به إليه لنبوته لا لولايته ، ثم ذكر الغزالى حديث ابن اللتبية الذى سبق ذكره . انتهى ملخصا .
( ج ) ومما يؤثر فى هذا الموضوع أن محمد بن مسلمة عندما أرسله عمر بن الخطاب ليشاطر عمرو بن العاص ماله امتنع عن الأكل عنده وعده رشوة " العقد الفريد لابن عبد ربه ج 1 ص 14 " .
( د ) وبعث النبى صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن رواحة إلى أهل خيبر ليقدر الزكاة الواجبة عليهم ، فأرادوا أن يرشوه فقال :
تطعمونى السحت ؟ واللَّه لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى ، ولأنتم أبغض إلىَّ من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملنى بغضى لكم وحبى إياه ألا أعدل بينكم فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض " زاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 119" .
(هـ ) وجاء فى تفسير القرطبى"ج 6 ص 183 "عن عمر رضى اللَّه عنه قوله : رشوة الحاكم سحت ، وعن النبى صلى الله عليه وسلم " كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به " قالوا : يا رسول اللَّه وما السحت ؟ قال " الرشوة فى الحكم "(رواه ابن جرير عن عمر كما فى الجامع الكبير للسيوطى ولم يحكم عليه ) وقيل لوهب بن منبه : الرشوة حرام فى كل شىء ؟ قال لا إنما يكره من الرشوة أن ترشى لتعطى ما ليس لك ، أو تدفع حقا قد لزمك ، فأما أن ترشى لتدفع عن دينك ومالك ودمك فليس بحرام ، قال أبو الليث السمرقندى الفقيه : وبهذا نأخذ ، لا بأس أن يدفع الرجل -عن نفسه وماله بالرشوة ، وهذا كما روى عن عبد اللَّه بن مسعود أنه كان بالحبشة ، فرشا بدينارين وقال : إنما الإثم على القابض دون الدافع .
( و ) جاء فى فتاوى الإمام النووى المسماة بالمسائل المنثورة ( ص 85 ) ملحق مجلة الأزهر صفر 1411 ما نصه :
( 192 ) مسألة : إذا كان الإنسان فى حبس السلطان أو غيره من المتعذرين حبس ظلما ، فبذل مالا لمن يتكلم فى خلاصه بجاهه أو بغيره هل يجوز ، وهل نص عليه أحد من العلماء ؟ " والجواب " نعم يجوز ، وصرح به جماعة منهم القاضى حسين فى أول باب الربا من تعليقه ، ونقله عن القفال المروزى قال : هذه جعالة مباحة ، قال : وليس هو من باب الرشوة ، بل هذا العوض حلال كسائر الجعالات .
( ز) وجاء قى كتاب " مفيد العلوم ومبيد الهموم " للخوارزمى ص 162 بيان للفرق بين الهدية والرشوة بما لا يخرج عما قاله الإمام الغزالى فى الإحياء ، ثم قال أخيرا : متى كان هذا الفعل الحرام مثل الظلم وسماع بينة الزور وتقوية الظالم فكل ما يأخذه حرام ، وكذا إذا كان الفعل متعينا عليه مثل دفع الظالم وسماع بينة الحق فكل ما يأخذه سحت .
(ح ) وذكر ابن القيم فى كتابه " بدائع الفوائد "ج 3 ص 195 :
أن يحمى بن معين لما دخل مصر استقبلته هدايا أبى صالح كاتب الليث ، ومعها جارية ومائة دينار ، فقبلها ودخل مصر ، فلما تأمل حديثه قال لا تكتبوا عن أبى صالح ، ذكره الحاكم فى كتابه " الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار " .
( ط ) جاء فى فتاوى ابن تيمية " المجلد 31 ص 286 " أن ابن مسعود سئل عن السحت فقال هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدى لك هدية فتقبلها ، فقال له : أرأيت إن كانت هدية فى باطل ؟ فقال : ذلك كفر{ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك .هم الكافرون } .ثم قال ابن تيمية ما ملخصه : من أهدى هدية لولى أمر ليفعل معه ما لا يجوز : كان حراما على المهدى والمهدى إليه ، وهذه من الرشوة المنهى عنها ، وتسمى البرطيل .
فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت حراما على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها إليه ، كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " إنى لأعطى أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا " قيل : يا رسول اللَّه فَلِمَ تعطيهم ؟ قال " يأبون إلا أن يسألونى ويأبى اللَّه لى البخل " .
" انظر فتوى شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق . فى مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1413 سبتمبر 1992 " .
3- والرشوة فى النوع الثانى رأى جماعة حرمتها لعموم الخبر الذى جاء فيه لَعْن الراشى والمرتشى والرائش ، ونقله الشوكانى عن الإمام المهدى ، لكن قال آخرون ، وهو قول معقول ، : إن كان هذا الأمر فى يد من لا سلطان له ، وسيبذل جهدا متبرعا به غير واجب عليه ، فإعطاء شىء فى مقابل ذلك .حلال لا بأس به ، وأخذ هذا الوسيط له لا بأس به أيضا ،. فهو من باب الجعالة ، أى جعل عوض معلوم على عمل غير معلوم تفصيلا وإن كان معلوما إجمالا ، كمن يقول : من رد لى الشىء الضائع منى فله كذا ، ومن بحث لى عن عمل طيب فله كذا أما إذا كان هذا الأمر فى يد من له ولاية عليه ، كرئيس مصلحة ينجز للشخص عملا هو من حقه ، وتحت سلطان هذا الرئيس ، فإنَّ إعطاء شىء له لتسهيل الإجراءات للوصول إلى الحق جائز ، لكن أخذ الرئيس له حرام ، لأن المفروض أنه يؤدى واجبه المشروع بدون وساطة أو مقابل ورأى البعض أن إعطاءه حرام لأنه يساعده على الحرام .
ومثل ذلك ما إذا كان ذو السلطان ظالما ويريد الإنسان أن يدفع ظلمه عنه فيعطيه شيئا فذلك لا بأس به ، وعلى الظالم الإثم فى أخذه .
وكل ذلك إذا كان فيه اتفاق سابق على العمل فى مقابل الرشوة ، أما إذا لم يكن اتفاق مشروط أو معروف عرفا ، وبعد إنجاز المهمة المشروعة أعطاه صاحب الحاجة شيئا فلا حرمة فيه .
ثم قال العلماء : إن للقاضى حكما فى هذا الموضوع غير ما يكون للسلطة التنفيذية و يريدون بذلك المحافظة على نزاهة القاضى وعدم تأثره بأى شىء يجعله يميل فى الحكم ، فيمنعون عنه كل ما فيه شبهة فقالوا : إذا كانت للمهدى قضية عند القاضى فلا يجوز مطلقا أن يقبلها القاضى ، سواء أكانت هناك مهاداة سابقة بين الطرفين أم لا ، أما إذا لم تكن هناك قضية وأراد أن يهديه . هدية ، فإن لم تكن هناك مهاداة سابقة فلا يجوز للقاضى أخذها ، لأن الداعى لها هو توليه القضاء ، رجاء أن يكون فى صفِّه إذا عرضت أمامه قضية تخصه ، فإن كانت هناك مهاداة سابقة كان من الظاهر جواز دفعها وقبولها ، لكنهم قالوا أيضا من باب الاحتياط لنزاهة القاضى : إن زادت الهدية عن المعتاد السابق كانت غير جائزة ، لأن زيادتها هى لغرض ، فإن لم تزد فلا حرج فيها(10/153)
نقل الأعضاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز نقل عضو من شخص إلى آخر ؟
An اختلفت آراء الفقهاء ورجال القانون فى هذا الموضوع ، وبعد استعراض أدلتهم وما جاء فى كتب الفقه نرى ما يأتى :
أولا : إذا كان المنقول منه ميتا ، فإن كان قد أوصى أو أذن قبل وفاته بهذا النقل فلا مانع من ذلك حيث لا يوجد دليل يعتمد عليه فى التحريم وكرامة أجزاء الميت لا تمنع من انتفاع الحى بها ، تقديما للأهم على المهم ، والضرورات تبيح المحظورات كما هو مقرر .
وإن لم يوص أو لم يأذن قبل موته ، فإن أذن أولياؤه جاز ، وإن لم يأذنوا : قيل بالمنع وقيل بالجواز ، ولا شك أن الضرورة فى إنقاذ الحى تبيح المحظور . وهذا النقل لا يصار إليه إلا للضرورة .
ثانيا : إذا كان المنقول منه حيا ، فإن كان الجزء المنقول يفضى إلى موته مثل القلب كان النقل حراما مطلقا ، أى سواء أذن فيه أم لم يأذن ، لأنه إن أذن كان انتحارا ، وإن لم يأذن كان قتلا لنفس بغير حق ، وكلاهما محرم كما هو معروف .
وإن لم يكن الجزء المنقول مفضيا إلى موته ، على معنى أنه يمكن أن يعيش بدونه فينظر : إن كان فيه تعطيل له عن واجب ، أو إعانة على محرَّم كان حراما ، وذلك كاليدين معا أو الرجلين معا ، بحيث يعجز عن كسب عيشه أو يسلك سبلا غير مشروعة وفى هذه الحالة يستوى فى الحرمة الإذن وعدم الإذن .
وإن لم يكن فيه ذلك كنقل إحدى الكليتين أو العينين أو الأسنان أو بعض الدم ، فإن كان النقل بغير إذنه حرم ، ووجب فيه العوض ، على ما هو مفصل فى كتب الفقه فى الجناية على النفس والأعضاء ، وإن كان بإذنه قال جماعة بالتحريم ، واحتج بعضهم عليه بكرامة الآدمى التى تتنافى مع انتفاع الغير بأجزائه ، وبأن ما يقطع منه يجب دفنه .
يقول النووى فى حرمة وصل الشعر بشعر الآدمى : لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمى وسائر أجزائه لكرامته ، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه (المجموع ج 3 ص 149 ، شرح مسلم ج 14 ص 103) . ويمكن الرد على ذلك بأن وصل الشعر بالشعر مختلف فى حرمته إذا كان لغير الغش والتدليس أو الفتنة . وبأن وجوب دفنه ليس عليه دليل صحيح . قال ابن حجر : وفى حديث جواز إبقاء الشعر وعدم وجوب دفنه (فتح البارى ج 12 ص 497 ) ، وبأن الضرورات تبيح المحظورات .
واحتج بعض هؤلاء المحرمين أيضا بأن جسم الإنسان ليس ملكا له فلا يجوز التصرف فيه . وهذا كلام غير محرر ، وليس عليه دليل مسلم فإن الذى لا يملكه الإنسان هو حياته وروحه ، فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس فى التهلكة إلا للضرورة القصوى وهى الجهاد والدفاع عن النفس فقد أمر به الإسلام ، أما الإنسان من حيث أجزاؤه المادية فهو مالكها ، له أن يتصرف فيها بما لا يضره ضررا لا يحتمل ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .
هذا هو ملخص الحكم فى الموضوع . على أن الحكم فى بقاء الجسم وعدمه بعد نقل العضو منه يرجع فيه إلى الثقات المختصين .
وعلى أن يكون هناك يقين أو ظن غالب بانتفاع المنقول إليه بهذه الأجزاء ، وإلا كان النقل عبثا وإيلاما لغير حاجة ، ونحن نعلم أن .
بعض الأجسام ترفض الأجزاء المنقولة إليها ، ويحاول العلم أن يتغلب على هذا الرفض ، بالمنع أو الحد منه .
وإذا كنا نختار جواز النقل للأعضاء فهل يجوز أن يؤخذ عوض للعضو المنقول ؟ يرى جماعة عدم جوازه ، محتجين بحرمة بيع الآدمى الحر ، كله أو بعضه ، لحديث " قال اللّه تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته : رجل أعطى بى ثم غدر ، ورجل باع حرا وأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى ولم يوفه " (رواه البخارى وغيره) ويرى آخرون جواز أخذ العوض كثمن أو هبة ، قياسا على بيع المرضع لبنها ، ولعدم ورود دليل يحرمه ، والحديث المذكور هو للنهى عن ضرب الرق على غير الرقيق والاتجار فيه بالبيع كما كان يحصل فى الجاهلية من خطف الأحرار وبيعهم . وهل لو كان المنقول منه عبدا وباع عضوا منه لآخر هل يأخذ سيده ثمنه بناء على أنه يملك رقبته ؟ والحديث فى بيع الحر وليس فى بيع العبد ، كما أن الذى يأكَل ثمن الحر هو من اعتبده وباعه وليس هو الحر نفسه الذى يأكل ثمنه ، فالاستدلال بالحديث المذكور غير مسلم .
ومهما يكن من شىء فإن الأفضل عدم المساومة على العضو المنقول ، فإن إنقاذ حياة المحتاج إليه لا يعدله أى عوض ، لكن لا مانع من قبول الهدية التى تعطى بسخاء نفس دون شروط سابق (الإسلام ومشاكل الحياة ص 21 )(10/154)
التقبيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى التقبيل ؟
An موضوع التقبيل ، تاريخا وموضعا ، وغرضا وحكما بين الجنس الواحد وبين الجنسين موضوع طويل ذكرت كثيرا منه فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ، ورجعت فيه إلى عدة مراجع منها " غذاء الألباب للسفارينى " وكتب التفسير والأدب ، ورسالة " رحيق الفردوس فى حكم الريق والبوس " لإبراهيم الجنينى المتوفى 1108 هـ ورسالة " إعلام النبيل بجواز التقبيل " للصديق الغمارى المغربى .
وهذه خلاصة مركزة لما جاء عنه ، مجردة عن الأدلة ومناقشتها :
إن كان التقبيل بين الجنس الواحد ، كالرجل للرجل والمرأة للمرأة فلا مانع منه شرعا بشرطين ، الأول ألا يكون فيه لذة ، والثانى ألا يكون لغرض فاسد ، ومنه تقبيل يد الفاسق لتكريمه ، أما إن كان خوفا من بطشه فهو جائز للضرورة ، ومما أثر فى ذلك :
1 - أن النبى صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبى طالب عند عودته من الحبشة فالتزمه وقبل ما بين عينيه .
2 - لما دخل زيد بن حارثة عليه فى بيت عائشة قام إليه عرْيًا يجر ثوبه ، كما تقول عائشة : واللّه ما رأيته عريانا قبله ولا بعده ، فاعتنقه وقبله .
3- لما عاد الغزاة من " مؤتة " قبَّلوا يد النبى صلى الله عليه وسلم .
4 - لما تاب اللّه على الذين خلفوا عن غزوة تبوك قبلوا يد النبى صلى الله عليه وسلم 5 - سمح النبى صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس أن يقبِّلوا يده ، بل ورجله .
6- سمح لأسيد بن حضير أن يقبله حين طلب أن يكشف عن جسمه ليقتص منه لما طعنه بعود ، وكان ذلك تبركا .
7 - سأله يهوديان عن تسع آيات بينات ، فلما بينها لهما قبَّلا يده ورجله وأسلما .
8- لما قدم عمر بن الخطاب الشام قبَّل أبو عبيدة يده ، وجاء فى رواية أن أبا عبيدة أراد أن يقبلها فقبضها عمر فتناول أبو عبيدة رجله وقبلها .
9 - قبَّل زيد بن ثابت يد عبد اللَّه بن عباس حين أخذ بركابه وهو يركب احتراما للعلماء ، فقبلها زيد احتراما لآل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
10 - قبل الناس يد سلمة بن الأكوع لما علموا أنه بايع النبى صلى الله عليه وسلم بها .
والذى رخص فى التقبيل للتكريم والتدين أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة ، أما مالك وجماعة آخرون فقد كرهوه ، أى كرهوا مَدَّ اليد ليقبلها الناس ، لأن ذلك مظهر من مظاهر العجب والكبرياء ، واستأنسوا فى المنع بقبض عمر يده لما أراد أبو عبيدة تقبيلها أما التقبيل بين الجنسين فحكمه يتحدد بسبب الغرض منه ، وبحسب موضع التقبيل ، فقد يكون للعطف والحنو ، كتقبيل الوالد لبنته والوالدة لابنها ، والأخ لأخته والأخت لأخيها ، وذلك لا مانع منه ما لم يكن بشهوة ، وقد جاء من ذلك :
1 - أن النبى صلى الله عليه وسلم قبَّل بنته فاطمة حين دخلت عليه فقام إليها وقبلها وأجلسها فى مجلسه ، بل صرحت بعض الروايات أنه قبلها فى فمها ، كما قبلها وهو فى مرضه الأخير .
2 - لما دخل أبو بكر على أهله وكانت عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى ، قبلها فى خدها . وكذلك قبل خالد بن الوليد أخته .
وقد يكون التقبيل للتكريم كتقبيل الولد لأمه والبنت لأبيها ، وتقبيل الكبير من العمات والخالات . وهو يكون غالبا فى الرأس أو اليد ، ولا مانع منه ، لكنه مكروه فى المواضع الحساسة كالخد والفم إن كان بغير شهوة ، فإن كان بشهوة كان حراما .
وقد يكون التقبيل بين الجنسين للذة ، وهو بين الزوجين لا مانع منه فإن ما هو أكبر من ذلك حلال لهما . أما بين الأجانب فهو حرام .
هذا هو ملخص حكم التقبيل ، ومع كونه مباحا فى بعض الصور فيستحسن الإقلال منه ، والبعد عن الفم وما قد يكون منه ضرر صحى كما نصح الأطباء . وللاستزادة يرجع إلى المراجع المذكورة(10/155)
قتل الحيوانات الضارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قتل الحيوانات الضارة ؟
An الحيوانات الضارة منها ما يكون الضرر من طبيعته ولذلك يعيش غالبا بعيدا عن الإنسان فى الغابات والجبال كالسباع والذئاب ، أو يعيش مع الإنسان مع أخذ الحذر منه كالعقارب والحيات ، ومنها ما لا يكون الضرر من طبيعته ولذلك يعيش غالبا مع الإنسان أو قريبا منه ، ولكن قد يجئ منه الضرر لعارض يعرض له ، كالكلاب والقطط .
والحكم المبدئى العام أن النوع الأول وهو ما يكون الضرر من طبيعته يجوز قتله ، إما للدفاع عن النفس وإما للانتفاع بجلده أو عظمه مثلا ، وأن النوع الثانى الذى لا يكون الضرر من طبيعته ولكن قد يطرأ عليه يجوز قتله إذا خيف منه الضرر كالكلب العقور والكلب الكَلِب ، أى الذى يصيبه داء الكلَب ، وكالقط الخائن الذى يخطف الدجاج أو الحمام مثلا ، والدليل على ذلك هو حديث " لا ضرر ولا ضرار " فلا يجوز لأحد التعرض للضرر ولا إلحاقه بالغير ، إلى جانب وجوب أخذ الحذر وعدم تعريض النفس للتهلكة ، قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم } النساء : 71 ، وقال تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة : 195 .
وهناك أنواع من الحيوانات نص الحديث على قتلها بخصوصها ، روى مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم ، الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحُدَيَّا " أى الحدأة ، وفى رواية لأبى داود ذكر العقرب بدل الغراب ، وفى رواية لأحمد ذكر الغراب بدل الحدأة ، وليس فيها وصف الغراب بالأبقع - وقد تحدث الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " عن كل نوع على حدة وأورد ما جاء فيه من الآثار وحكم قتلها والأحكام الأخرى .
وفيما عدا ما نص على قتله نتحدث عن حكمه فيما يلى :
1- الكلاب :جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى"ج 10 ص 234 " عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، فأرسل فى أقطار المدينة أن تقتل . قال : فنبعث فى المدينة وأطرافها فلا ندع كلبا إلا قتلناه حتى إنا لنقتل كلب المُرية يتبعها ، والمُرية تصغير امرأة ، وفى رواية عن عبد اللَّه بن عمر أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية . فقيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : أو كلب زرع ، فقال ابن عمر : إن لأبى هريرة زرعا - مع ترك الخلاف فى كون أبى هريرة سمع ذلك من النبى أو كان قياسا منه لكلب للزرع على كلب الصيد والماشية .
وعن جابر قال : أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله -ثم نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال "عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان " وعن عبد اللَّه بن المُغَفَل قال : أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، ثم قال " ما بالهم وبال الكلاب " ثم رخص فى كلب الصيد والغنم .
يؤخذ من هذه الروايات أن الكلب غير الضار أى غير العقور والكلِب . إن كانت فيه فائدة فلا يقتل ، ككلب الحراسة للماشية أو الزرع أو المسكن وكلب الصيد . ومثله الكلب البوليسى لفائدته المعروفة .
أما إن لم تكن فيه فائدة ، كالكلاب الضالة فبعض الروايات تأمر بقتلها وتشدد فى التنفيذ ، وبعضها ينهى عن قتلها . ويأمر بقتل الأسود البهيم فقط . فما هو الحكم المختار الذى استقر عليه الأمر أخيرا ؟ إليكم نموذجا مما قاله شراح الحديث فى ذلك .
(ا) يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 10 ص 235 " : أجمع العلماء على قتل الكلب الكَلِب و الكلب العقور . واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه ، فقال إمام الحرمين من أصحابنا - الشافعية - : أمر النبى صلى الله عليه وسلم أولا بقتلها كلها ، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم .
ثم استقر الشرع على النهى عن قتل جميع الكلاب التى لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره ، ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل .
وقال القاضى عياض . ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث فى قتل الكلاب إلا ما استثنى من كلب الصيد وغيره ، قال : وهذا مذهب مالك وأصحابه وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهى عن اقتنائها إلا الأسود البهيم .
قال القاضى : وعندى أن النهى أولا كان نهيا عاما عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها ، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود ، ومنع - الاقتناء فى جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية . يقول النووى :
وهذا الذى قاله القاضى هو ظاهر الأحاديث ، ويكون حديث ابن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود .
(ب ) ويقول الدميرى ، بعد ذكر الأحاديث الواردة فى قتل الكلاب حمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب الكلِب والكلب العقور ، واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه منها ، فقال القاضى حسين وإمام الحرمين و الماوردى فى باب " بيع الكلاب " والنووى فى أول البيع من شرحى المهذب ومسلم : لا يجوز قتلها ، وقال فى باب " محرمات الإحرام " : إنه الأصح ، وإن الأمر بقتلها منسوخ ، وعلى الكراهة اقتصر الرافعى فى الشرح وتبعه فى الروضة ، وزاد أنها كراهة تنزيه لا تحريم . لكن قال الشافعى فى " الأم " فى باب الخلاف فى ثمن الكلاب : واقتلوا الكلاب التى لا نفع فيها حيث وجدتموها ، وهذا هو الراجح انتهى .
نستخلص من كل ما سبق أن الكلاب التى فيها فائدة كالصيد والحراسة لا يجوز قتلها ، والكلاب التى لا فائدة لها إن كانت تضر كالكلب العقور يجوز قتلها ، وإن كانت لا تضر ففيها رأيان ، رأى بعدم قتلها فيكون القتل حراما أو مكروها كراهة تنزيه ، ورأى بجواز قتلها .
والكلاب الضالة غير المقتناة إن كانت تؤذى بتخويف المارة وبخاصة الأطفال ، أو بالبول والبراز وإتلاف أشياء لها قيمتها يجوز قتلها . هذا هو حكم قتلها ، أما نجاستها فقد تقدم الحديث عنها ، وكذلك عن اقتنائها والاتجار فيها .
2 - للقطط : خلاصة أحكامها فيما بأتى :
(1) هى طاهرة ليست نجسة كالكلاب ، فقد روى أحمد والدارقطنى والحاكم و البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم دُعِىَ إلى دار قوم فأجاب ، وإلى دار آخرين فلم يجب ، فقيل له فى ذلك فقال " إن فى دار فلان كلبا " فقيل له : وإن فى دار فلان هرة ، فقال صلى الله عليه وسلم " الهرة ليست نجسة إنما هى من الطوافين عليكم والطوافات " وفى السنن الأربعة وصححه البخارى من حديث كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت تحت بعض ولد أبى قتادة-أن أبا قتادة رضى اللّه عنه دخل فسكبت له وَضُوءًا فجاءت هرة فشربت منه ، فأصغى لها الإناء حتى شربت ، قالت كبشة : فراَنى أنظر إليه ، فقال : أتعجبين يا ابنة أخى ؟ فقلت : نعم ، فقال : إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال " إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات " أى كالخدم المماليك فى البيوت ، وفى سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال " الهرة لا تقطع الصلاة ، إنما هى من متاع البيت " .
( ب ) ذكر النووى فى شرح المهذب أن بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عند الشافعية إلا ما حكاه البغوى فى شرح مختصر المزنى عن ابن القاص أنه قال : لا يجوز وهذا شاذ باطل ، والمشهور عنه جوازه وبه قال جماهير العلماء . قال ابن المنذر : أجمعت الأمة على جواز اتخاذها ، ورخَّص فى بيعها ابن عباس والحسن وابن سيرين وحماد ومالك والثورى والشافعى وإسحاق وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأى .
وكرهت طائفة بيعها ، منهم أبو هريرة وطاووس ومجاهد وجابر بن زيد روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور ، أى القط .
يقول النووى : إن النهى هنا يراد به الهرة الوحشية ، فلا يصح بيعها لعدم الانتفاع بها ، إلا على وجه ضعيف فى جواز أكلها ، أو المراد له النهى التنزيه لا التحريم .
(ج) يقول الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " : إذا كانت الهرة ضارية بالإفساد فقتلها إنسان فى حال إفسادها دَفْعًا جاز ولا ضمان عليه ، كقتل الصائل دفعا ،وينبغى تقييد ذلك بما إذا لم تكن حاملا ، لأن فى قتل الحامل قتل أولادها ولم تتحقق منهم جناية . وأما قتلها فى غير حالة الإفساد ففيه وجهان ، أصحهما عدم الجواز ويضمنها .وقال القاضى حسين : يجوز قتلها ولا ضمان عليه فيها ، وتلحق بالفواسق الخمس فيجوز قتلها ، ولا تختص بحال ظهور الشر .
وكلام الدميرى فى مسألة خطف هرة لحمامة أو غيرها وهى حيه .
لكن لو حدث من الهرة إفساد آخر بخطف الطعام أو التبرز على الفراش أو فى مكان هام ، واعتادت ذلك على الرغم من مطاردتها فلا وجه لتحريم قتلها ، لأنه من باب دفع الضرر ، مثلها فى ذلك مثل الكلاب الضالة المؤذية .
3 - الطيور : من الطيور ما هو ضار بطبيعته فيجوز قتله كما مثل له الحديث بالغراب و الحدأة . وهى بطبيعتها لا تستأنس ، وهناك طيور لسيت ضارة تطعيعتها منها ما يستأنس كالحمام ، ومنها ما لا يستأنس كالعصافير ، والنوع الأول يذبح ليؤكل وكذلك الثانى يصاد ليؤكل وما لا يحل أكله لا يقتل إن كانت فيه فائدة مثل " أبى قردان " صديق الفلاح كما يقولون .
لكن قد يثار هنا سؤالان ، أحدهما عن الحمام الذى يسقط على الأجران التى تدرس فيها الحبوب ويأكل منها كثيرا ، وثانيهما عن العصافير التى تهجم على المحصولات كالقمح والشعير وتلتهم منها كثيرا وهى مازالت فى طور نموها أو نضجها . فهل يجوز قتلها من أجل ضررها ؟ .
أما الحمام فضرره بسيط يمكن أن يطارد دون اصطياد ، ولو صيد هل يضمن ثمنه لصاحبه ؟ إن لم يعرف له صاحب بيقين فلا ضمان ، وإن عرف صاحبه بيقين ضمن ، لأن حبس الطيور أمر عسير ، فلابد لها من التجوال ، ويعتبر صاحبها غير مقصر فلا يضمن ما أتلفته من طعام غيره ، وإن اشتبه عليه أمر الحمام أو اختلط فيه المملوك لأصحابه وغير المملوك ، فالأشبه عدم الضمان .
ومع ذلك فأفضل عدم اصطياده ، لأن غالب بيوت القرى فيها حمام ، وهو يطلب رزقه من كل المواقع ، فحمام الكل يأكل من طعام الكل غالبا ، والأمر متبادل بين البيوت ، والتسامح فى ذلك من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير ، فلنحرص على هذه الروح السمحة ، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه ، مذكرا للناس بهذا الحديث الصحيح " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " رواه مسلم .
وأما العصافير-وهى غير مملوكة لأحد فيكتفى بطردها إن أمكن ، أما إذا لم يمكن طردها فلتوضع لها شباك تصاد بها وينتفع بلحمها ، أو تصاد بالرصاص الخارق -على رأى بعض العلماء -ويقوم ذلك مقام ذبحها والصيد بالشباك للانتفاع بالعصافير ، بدل إبادتها وضياع الاستفادة من لحمها هو ما أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائى والحاكم وصححه لقوله "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها لغير حقها إلا سأله اللّه عز وجل عنها " قيل : يا رسول اللَّه وما حقها ؟ قال "يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمى بها " وفيما رواه النسائى وابن حبان فى صحيحه بقوله " من قتل عصفورا عبثا عج إلى اللَّه يوم القيامة يقول : يا رب إن فلانا قتلنى عبثا ولم يقتلنى منفعة" .
وهذا توجيه اقتصادى إسلامى إلى عدم ضياع المنفعة من الشىء فى الوقت الذى يدافع فيه ضرر هذا الشىء ، وهذا كما يقال : ضرب عصفورين بحجر واحد . دفعنا الشر واستفدنا مما فيه من خير .
فإن كانت بشكل "وبائى" ولا يفيد معها الاصطياد فهل يمكن قتلها بمثل المواد الكيماوية أو بطريقة أخرى ؟ نعم لا مانع من ذلك لدفع ضررها ، وحماية لقوت الإنسان منها ، فحياته ومصلحته مقدمة على حياة أى مخلوق دونه وعلى مصلحته ، وهى كلها جعلت من أجل الإنسان لتبقى حياته ويستطيع أن يؤدى رسالته ، وبمثل ذلك قال الدميرى فى الجراد .
وفى مثل هذه الحالة الاستثنائية التى تكاثرت فيها العصافير وأكلت جزءا كبيرا من المحصولات ، قامت بعض الدول ، فى شكل جماعى بمطاردتها طول النهار حتى اضطرت إلى الأشجار العالية وباتت ليلها جائعة ، تساقط بعضها ميتا فى أوال ليلة ثم قضى عليها فى أيام قلائل .
وقد يشبه هذا الحكم فى العصافير حكم مكافحة الجراد ، وهو من نوع الحشرات الطائرة ويحل أكله كما نص عليه الحديث " أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، الكبد والطحال " رواه الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وروى موقوفا على ابن عمر وهو الأصح - وروى البخارى وغيره عن عبد اللَّه بن أبى أوفى : غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد . ولو أبيد بأية طريقة حل أكله ما لم يكن فيه ضرر بسبب المواد التى أبيد بها .
جاء فى " حياة الحيوان الكبرى- جراد " روى الطبرانى والبيهقى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الأعظم " قلت : هذا وإن صح أراد به ما لم يتعرض لإفساد الزرع وغيره ، فإن تعرض لذلك جاز دفعه بالقتل وغيره .
4 - الحشرات : الحشرات منها ما يدب على الأرض كالحيات والعقارب ومنها ما يطير فى الجو كالنحل والزنابير ، ونص الحديث على قتل الحيات والعقارب والفأرة ، وقد تحدث الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى " عن كل أنواعها ، كما تحدث عن كل ما يعرفه من المخلوقات الحية ، وبين حكم كل منها ، وبخاصة فى إبادتها وفى حث الدين على مكافحتها حماية للإنسان من شرها ، ففى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم " من قتل وزغة من أول ضربة فله مائة حسنة ، ومن قتلها فى الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها فى الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية " والوزغة هى سام أبرص المعروف بالبُرْص . " حياة الحيوان -وزغة " وجاء فى تعليل الاهتمام بقتلها حديث البخارى وابن ماجه وأحمد أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم ليزداد اشتعالها .
وهنا يثار سؤالان ، أحدهما عن النحل والثانى عن النمل . هل يجوز قتل النحل أو لا يجوز ، وهل يجوز قتل النمل بالنار أو لا يجوز ؟ .
(1) أما النحل فمن الحشرات التى تفيد الإنسان بالعسل الذى تحدثت النصوص فى القرآن والسنة عن فوائده ، لكنه مع ذلك يلسع ويؤذى فهل يجوز قتله ؟ قال الدميرى : كره مجاهد قتل النحل ، ويحرم أكلها على الأصح وإن كان عسلها حلالا ، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام . وأباح بعض السلف أكلها كالجرادة وهو وجه ضعيف فى المذهب ، ويحرم قتلها . والدليل على الحرمة نهى .
النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها . ثم قال : كان القياس جواز قتل النحل لأنه من ذوات الإبر ، وما فيه من المنفعة يعارض بالضرر ، لأنه يصول ويلدغ الآدمى وغيره ، فالمضرة التى فيها مبيحة لقتلها ولم يجعلوا المنفعة التى فيها عاصمة من القتل ، لكن الرسول نهى عن قتل النحل وليس فى قوله إلا طاعة اللَّه بالتسليم لأمره صلى الله عليه وسلم انتهى .
فالخلاصة أن بعض العلماء كره قتل النحل ، وبعضهم حرمه ، والخلاف مفرع على منع أكله ، فإن أبيح جاز قتله كالجراد ، وإن لم يبح أكله منع قتله على وجه الكراهة أو التحريم .
(ب) وأما النمل فقد جاء فى " حياة الحيوان الكبرى " أن هناك حديثا رواه البخارى ومسلم جاء فيه أن نبيا من الأنبياء نزل تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار ، فأوحى اللَّه إليه : فهلا نملة واحدة . قال الترمذى الحكيم فى نوادر الأصول : لم يعاتبه اللَّه على تحريقها وإنما عاتبه على كونه أخذ البرى بغير البرى ، وقال القرطبى : إن هذا النبى هو موسى، وليس فى الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر فى قتل النمل ، فإن من آذاك حل لك دفعه نفسك ، ولا أحد من خلق اللّه أعظم حرمة من المؤمن ، وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل ، على ما له من المقدار فكيف بالهوام والدواب التى قد سخرت للمؤمن ، وسلط عليها وسلطت عليه فإذا آذته أبيح له قتلها . وقيل إن شرع هذا النبى كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة ، وهو بخلاف شرعنا ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان بالنار ، وقال " ولا يعذب بالنار إلا اللَّه تعالى " فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق ، فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجانى .
ثم قال : وأما قتل النمل فمذهبنا لا يجوز ، لحديث ان عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب : .النملة والنحلة والهدهد والصُرَد . رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، والمراد النمل الكبير السليمانى كما قاله الخطالى والبغوى فى شرح السنة .
وأما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز ، وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل ، وأطلق ابن زيد جواز قتل النمل إذا آذت . "يراجع القرطبى فى سورة النمل " .
هذا ، وفى حالة الجواز لقتل ما يستحق القتل يراعى الإحسان الذى نبَّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله " إن اللَّه تعالى كتب الإحسان على كل شىء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة ، ولْيُحدَّ أحدكم شفرته ولْيُرحْ ذبيحته " رواه مسلم وأبو داود والترمذى وغيرهم(10/156)
الكذب الأبيض وكذبة أبريل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يتعمد بعض الناس أن يقولوا غير الحق مدعين أنه كذب أبيض، فما حكم هذا الكذب ؟
An من الأمور المتفق عليها في الأديان والعقول السليمة أن الصدق فضيلة والكذب رذيلة ، والصدق هو التعبير المطابق للواقع قولا أو فعلا، والكذب هو التعبير المخالف للواقع ، قولا أو فعلا، ومن أخطر الكذب في القول شهادة الزور، وفى الفعل النفاق ، والوعيد عليهما شديد في القرآن والسنة .
ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة شأن كل حرام ، فالضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها ، بمعنى أن يكون ذلك في أضيق الحدود إذا لم توجد وسيلة أخرى تحقق الغرض وتمنع الضرر، ومن هذه الوسائل المشروعة ما يسمى بالمعاريض حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين ، يفرض على الإنسان أن يقولها، فيقولها بالمعنى الحلال لا بالحرام ، ومثلوا لها بما إذا قيل للإنسان : اكفر باللّه ، فيقول : كفرت باللاهى، ويريد الشيطان وما يشبهه من كل ما يلهى وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للغير تذكر، وذلك فيما رواه البخارى ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا" وفى رواية زيادة هى : قالت : ولم أسمعه يرخص في شىء مما يقول الناس إلا فى ثلاث ، تعنى الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها . والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة ، والشواهد عليه كثيرة وليس في أمور أخرى تضر بالحياة الزوجية .
ورأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث ، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزى ما نصه :
وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا ، وإن كان واجبا فهو واجب . وقال ابن القيم في "زاد المعاد"ج 2 ص 145 : يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب ، ، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التى حصلت بالكذب .
إلى أن قال : ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعمال الحق ، كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدى المرأتين بشق الولد نصفين ، حتى يتوصل بذلك إلى معرفة عين أمه . انتهى .
ومنه كذب عبد اللّه بن عمرو بن العاص على الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ، فلازمه أياما ليعرف حاله ، وادعى أنه مغاضب لأبيه ، رواه أحمد بسند مقبول " الترغيب والترهيب ج 3 ص 219 " ويقاس عليه حلف اليمين لإنجاء معصوم من هلكة، واستدل عليه بخبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخذه عدو له فحلف أنه أخوه ، ثم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " صدقت ، المسلم أخو المسلم " الآداب الشرعية لابن مفلح . ويمكن الرجوع في استيضاح هذه النقطة إلى "نيل الأوطار للشوكانى ج 8 ص 85 " وإلى "إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 7 ص 119 " .
ومن هذا الباب كذبات إبراهيم عليه السلام ، وهي معاريض ، حيث قال عندما كسر الأصنام "بل فعله كبيرهم هذا " وعندما طلب لمشاركتهم في العيد "إنى سقيم " وقوله عن زوجته : إنها أخته لينقذها من ظلم فرعون "مصابيح السنة للبغوى ج 25 ص 157 " الموضوع طويل وله جوانب متعددة ، ونخلص إلى أن الكذب الأبيض هو الذي لا يترتب عليه ضرر وتتحقق به مصلحة مشروعة، وهو جائز ولكن ينبغى أن يكون في أضيق الحدود . لما فيه من ضرر للغير ولو كان بسيطا في نظر الكاذب فقد يكون كبيرا في نظر المكذوب عليه . وفي المعاريض مندوحة عنه . وكذلك في المداراة التى هي بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا ، وهى خلاف المداهنة التى يمكن معرفة الفرق بينهما من كتاب : المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 1 ص 291 " وسراج الملوك للطرطوشى "ص 79" وإحياء علوم الدين للغزالى "ج 3 ص 138 " هذا ونقل عن الغرب ما يعرف بكذبة أبريل وتورط فيها بعض المسلمين والروايات -في أصلها كثيرة ، فقيل إن أول من اخترعها أحد ملوك فرنسا في القرن السادس عشر، وهو شارل التاسع الذي قرر أن تكون بداية السنة في أول يناير بدلا من أول أبريل كما كانت ، فقابل الناس ذلك بالتذمر، لأن من عادتهم فيه تبادل الهدايا ، لأنه رأس السنة ، فاضطروا خوفا من الملك أن يتبادلوها في أول يناير مع استمرارهم في تقديمها أول أبريل التى جعلوها تافهة ، وقيل إنها في فرنسا تدعى "سمكة أبريل " لأن موسم الصيد يبدأ في أبريل ، لكن الأسماك تكون قليلة وهزيلة، وقد يرمى الصياد شبكته فلا يخرج شيئا أو يخرج شيئا تافها . ومن هناك كانت تسمية سمكة أبريل تقال للشيء التافة أو للكذب ، وقيل غير ذلك .
والمهم أن نعلم أن الكذب لا يجوز إلا في أضيق الحدود حيث تحقق المصلحة به لا بوسيلة أخرى من غير مضرة كبيرة للغير،والأولى البعد عنه حتى لا يعتاده اللسان ، وفي المعاريض مندوحة عنه كما تقدم . وأساس المعاريض حسن استخدام الألفاظ ذات المعانى المتعددة المتقابلة . كالذي يقول : أنا أحب الفتنة ، ويريد المال ، وأكره الحق ، ويريد الموت ، وكمن يصف عسل النحل بلفظ تتقزز النفس منه ، كما جاء في كتاب "مفتاح دار السعادة"ج 1 ص 141 :
تقول : هذا جنى للنحل تمدحه * وإن تشأ قلت : ذاقىء الزنابير مدحا وذما وما جاوزت وصفهما * والحق قد يعتريه سو تعبير(10/157)
الحياة على الكواكب الأخرى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول اللّه سبحانه { ومن آيايه خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} الشورى : 29 ، ألا تدل هذه للآية على أن هناك كائنات حية فى غير الأرض التى نعيش عليها ؟
An لقد نشط البحث عن الحياة فى الكواكب الأخرى خلال الأربعين سنة الماضية ، واستخدمت منذ ثمان عشرة سنة الموجات اللاسلكية لهذا الغرض ، ومنذ ستة أعوام اهتم الفلكيون بالتسمع على الكون لالتقاط الإشارات الصادرة منه ، وذلك فى مختبر الدفع النفاث فى " باسادونا " ومركز الأبحاث " آميس " التابع لمؤسسة " ناسا " بكاليفورنيا . ومؤسسة " سيتى" وهى رمز لمشروع البحث عن المخلوق الذكى الموجود خارج الأرض ، والدى يضم أكثر من مليون يد عاملة تعاون فيه الخبراء الأمريكيون والروس على تحليل ألف ساعة من الإشارات التى تم استقبالها من الفضاء الخارجى بأجهزة إليكترونية معقدة وشديدة الحساسية .
وقد قرروا أنه لا يتم لهم النجاح إلا إذا استطاعوا إرسال إشارة يمكن للعالم الخارجى التقاطها . لكن النجوم الهائلة العدد لا يمكن أن تسلط أشعة على نجم منها مرة ثانية إلا بعد مرور مائة ألف عام على المرة الأولى ، وهذا كله فى نجوم مجرتنا فقط " التبانة " فكم من الزمن يكفى لتسليط أشعة على نجوم المجرات الأخرى وما أكثرها ؟ .
ذكرت هذه المقدمة لترى أيها القارئ أن سعة الكون وتعدد نجومه والاكتفاء مرة واحدة بتسليط الأشعة على كل نجم ، كل ذلك لا يكفى للاعتقاد أو غلبة الظن أن فى الكَون حياة من جنس حياتنا البشرية ، أو من جنس آخر .
ومهما يكن من شيء فإن هذه الأبحاث متروكة لعقل الإنسان ، وموقف الإسلام منها موقف المشجع على النظر فى ملكوت السموات والأرض ، ونصوصه أشهر من أن تذكر، والإنصاف فى البحث سيؤدى إلى تعميق الإيمان باللّه ، كما قال سبحانه فى ختام الآيتين اللتين تتحدثان عن النظر فى الكون أرضه وسمائه بمائه ونباته ومعادنه وحيوانه وإنسانه { إنما يخشى اللَّه من عباده العلماء} فاطر: 27 .
والقرآن يكفيه أن يضع دستور البحث ويشجع عليه ، وليس من شأنه أن يدون جزئيات العلوم فى أكثرها ، وعلى امتداد الحياة البشرية ستكشف أمور تتطلبها حاجة الإنسان فى نموه المطرد، وما دام اللَّه هو الحق ، وهو خالق العالم على هذا النظام البديع فإن كلامه لا يتعارض مع قوانينه أبدا ، وإذا توصل الباحثون إلى ما يوهم التعارض مع القراَن فلا يجوز أن نسرع بالشك أو التأويل ما دامت النتائج لم تصل إلى مرتبة الحقائق العلمية التى لا يتطرق إليها الشك ، ولست موافقا على مسلك بعض الكتاب الذين يسرعون إلى الربط بين القرآن والعلم كلما لاح فى الأفق كشف جديد، وقد يسرفون فى التأويل والتوفيق ثم تظهر البحوث التالية فساد ما سبق من نتائج ظلمنا القراَن بحمل آياته عليها ومع إحسان ظنى بأن كثيرًا من الباحثين عندهم غيرة دينيهَ حملتهم على هذا الربط فإنى أدعوهم إلى التريث ، أو إلى جعل الأمر محل الاحتمال بعيدا عن القطع والجزم به .
والمفسرون للقرآن سلكوا فى مثل هذه المواقف مسلك الحيطة والحذر فلجأوا إلى القول بالاحتمال وعدم المانع ، يقول النسفى فى قوله تعالى { ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } الدابة تكون فى الأرض وحدها ، لكن يجوز أن ينسب الشىء إلى جميع المذكور أى السموات والأرض -وإن كان متلبسا ببعض ، كما يقال :
بنو تميم فيهم شاعر مجيد، وإنما هو فى فخذ من أفخاذهم ، ومنه قوله تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرج من الملح ، ولا يبعد أن يخلق فى السموات حيوانات يمشون فيها مشى الأناسى على الأرض ويكون للملائكة مشى مع الطيران ، فوصفوا بالدبيب كما وصف الأناسى انتهى .
انظر إلى قوله : ولا يبعد أن يخلق فى السماوات حيوانات . هذا هو الموقف العلمى الصحيح من كل ما لا يجزم به الإنسان ، فإذا تحقق أن فى السموات كائنات حية فظاهر الآية { وما بث فيهما من دابة } تحقق أن فى السموات كائنات حية فظاهر الآية { وما بث فيهما من دابة} لا يتعارض مع هذه الحقيقة ، وإذا لم يتحقق وجود كائنات حية فيها فالآية باقية على معناها على النحو الذى وضحه المفسر من أن النسبة إلى الجزء نسبة إلى الكل ، وهو أسلوب معروف عند العرب الذين نزل القراَن بلغتهم ، ففى مجموع السماوات والأرض دواب ، وفى مجموع المياه العذبة والملحة لؤلؤ ومرجان .
وإن كانت الدواب فى الأرض واللؤلؤ والمرجان من البحر الملح .
وبعد، فإن الموضوع ليس عقيدة نحاسب عليها ، ولا يترتب على الجهل بها شيء ، ونحن لم نحل مشاكل الأرض ولم نأت على نهاية العلم بأسرارها حتى نهتم بأسرار الكائنات العليا ، ويكفينا أن القرآن وهو أصدق خبر يحدثنا عما يهمنا منها ، والقرآن كلام اللَّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فإن وجد كشف جديد يزيدنا يقينا بصدقه فذاك وإلا فهو صادق على الرغم من عجزنا نحن { لكن اللَّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا}(10/158)
الصحابى الذى اهتز له العرش
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو الصحابى الذى اهتز له عرش الرحمن ، وما معنى الاهتزاز ؟
An ذلك الصحابى هو سعد بن معاذ رضى اللّه عنه زعيم الأوس إحدى قبائل الأنصار فى المدينة، روى مسلم فى صحيحه عن جابر رضى اللَّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال - وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم - "اهتز لها عرش الرحمن " وجاء مثله من رواية أنس بن مالك رضى اللَّه عنه .
قال النووى فى شرح هذا الحديث "ج 16 ص 22" : اختلف العلماء فى تأويله ، فقالت طائفة هو على ظاهره ، واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم روح سعد ، وجعل اللّه فى العرش تمييزا حصل به هذا ، ولا مانع منه ، كما قال تعالى - عن الحجارة -{ وإن منها لما يهبط من خشية اللَّه } البقرة :
74 ، ولهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار .
وقال المازرى : قال بعضهم هو على حقيقته وأن العرش تحرك لموته ، قال :
وهذا لا ينكر من جهة العقل ، لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون . قال : لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك ، إلا أن يقال : إن اللَّه تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته .
وقال آخرون : المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة ، فحذف المضاف - وهو أهل - والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول . ومنه قول العرب : فلان يهتز للمكارم ، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته ، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها .
وقال الحربى : هو كناية عن تعظيم شأن وفاته ، والعرب تنسب الشىء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون : أظلمت لموت فلان الأرض ، وقامت له القيامة .
وقال جماعة : المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش ، وهذا القول باطل يرده صريح هذه الروايات التى ذكرها مسلم : اهتز لموته عرش الرحمن ، وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التى فى مسلم ، واللّه أعلم(10/159)
الاحتفال بالأعياد القومية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى احتفال بعض الدول بأعياد مثل أعياد النصر وعيد العمال وعيد رأس السنة وغيرها ؟
An فى بحث طويل فى الجزء الثانى من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " جاء أن كلمة الأعياد تطلق على ما يعود ويتكرر ، ويغلب أن يكون على مستوى الجماعة ، سواء أكانت الجماعة أسرة أو أهل قرية أو أهل أقليم ، والاحتفال بهذه الأعياد معناه الاهتمام بها ، والمناسبات التى يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة وقد تكون دينية أو عليها مسحة دينية، والإسلام بالنسبة إلى ما هو دنيوى لا يمنع منه ما دام القصد طيبا ، والمظاهر فى حدود المشروع ، وبالنسبة إلى ما هو دينى قد يكون الاحتفال منصوصا عليه كعيدى الفطر والأضحى، وقد يكون غير منصوص عليه كالهجرة والإسراء والمعراج والمولد النبوى ، فما كان منصوصا عليه فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجه الذى شرع ، ولا يخرج عن حدود الدين ، وما لم يكن منصوصا عليه ، فللناس فيه موقفان ، موقف المنع لأنه بدعة ، وموقف الجواز لعدم النص على منعه ، ويحتج أصحاب الموقف المانع بحديث النسائى وابن حبان بسند صحيح أن أنسًا رضى اللّه عنه قال : قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال " قد أبدلكم اللَّه تعالى بهما خيرا منهما ، يوم الفطر ويوم الأضحى " فكل ما سوى هذين العيدين بدعة ، ويرد عليه بأن الحديث لم يحصر الأعياد فيهما ، بل ذكر فضلهما على أعياد أهل المدينة التى نقلوها عن الفرس ، ومنها عيد النيروز فى مطلع السنة الجديدة فى فصل الربيع ، وعيد المهرجان فى فضل الخريف كما ذكره النويرى فى " نهاية الأرب " وبدليل أنه سمى يوم الجمعة عيدا .
ولم يرد نص يمنع الفرح والسرور فى غير هذين العيدين ، فقد سجل القرآن فرح المؤمنين بنصر اللَّه لغلبة الروم على غيرهم بعد أن كانوا مغلوبين " أوائل سورة الروم " .
كما يردُّ بأنه ليس كل جديد بدعة مذمومة ، فقد قال عمر فى اجتماع المسلمين فى صلاة التراويح على إمام واحد " نعمت البدعة هذه " .
فالخلاصة أن الاحتفال بأية مناسبة طيبة لا بأس به ما دام الغرض مشروعا والأسلوب فى حدود الدين ، ولا ضير فى تسمية الاحتفالات بالأعياد ، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء(10/160)
من أدب الدعوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى جماعات تجوب البلاد وتترك عملها لتدعو إلى الله ؟
An لكل جماعة منهج ،ولا يصح الحكم عليها إلا بعد معرفته معرفة جيدة، دون الاعتماد على ما يقال عنها فقد يكون غير صحيح ، ومع ذلك فأقول بالنسبة لأى فرد أو جماعة تقوم بالدعوة إلى الله :
ا - لا يصح أن يدعو أحد بما لم يفهمه فهما صحيحا من أحكام الدين .
2 -لا يصح التعصب لرأى اجتهادى فيه خلاف بين العلماء .
3 - لا يصح أن يُغيَّر المنكر بأسلوب يؤدى إلى منكر آخر، وإلا لضاعت فائدة الدعوة التى تستهدف الإصلاح .
4 - الدعوة فرض كفاية وليست فرض عين ، فإذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين ، وذلك إذا وجد غير واحد يصلح لها ، قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } آل عمران : 104 ، وقال {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } التوبة : 122 .
5 -ترك عمل واجب مهم من أجل الدعوة التى يمكن أن يقوم بها الغير-أمر لا يجوز .
6 - العمل نفسه ما دام فى الخير فهو طاعة، والدعوة طاعة ، ويجب التنسيق والتخصص "اعملوا فكل ميسر لما خلق له " .
7-يمكن أن تمارس الدعوة أثناء العمل بين الزملاء ، فيفوز الشخص بالحسنيين .
8 - إذا كان الله يقول {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة : 71، فذلك فيما يعرفه الشخص ويستطيعه ، أما مالا يعرفه بصدق ولا يستطيعه فسيقوم به غيره ممن يعرف ويستطيع(10/161)
الرياضة البدنية فى نظر الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما مدى علاقة الدين بالرياضة البدنية، وما تأثير ذلك على الإنتاج ، وما هى أنواع الرياضات التى يحلها الإسلام ؟
An ا - الرياضة مصدر راض ، يقال : راض المهر يروضه رياضا ورياضة فهو مروض أى ذلله وأسلس قياده ، ورياضة البدن معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة، وقد قال المختصون : إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضا ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هى أحسن الطرق فى هذا المجال .
2 -والناس من قديم الزمان لهم طرق وأساليب فى تقوية أجسامهم بالرياضة ، وكل أمة أخذت منها ما يناسب وضعها ويتصل بأهدافها ، فالأمة الحربية مثلا عنيت بحمل الأثقال وبالرمى واللعب بالسلاح ، والأمة التى تكثر فها السواحل تعنى بالسباحة .
والأمة المسالمة الوادعة تعنى بالتمرينات الحركية للأعضاء بمثل ما يطلق عليه الألعاب السويدية . وهكذا ... واشتهر بين الناس هذه الأيام اسم الألعاب الأوليمبية ، وهى لقاءات تتم كل أربع سنوات بين الرياضيين من جميع أنحاء العالم ، واسمها منسوب إلى أولمبيا واد فى بلاد اليونان أقيمت فيه أول الألعاب سنة 776 قبل الميلاد ، وكانت تقام عندهم بوحى من عقيدة دينية وسياسية ، واعتبروها الوسيلة الوحيدة لقوة الجسم فى نظر الشعب وإلى حكم الشعب فى نظر الزعماء .
وكانت للعرب ، كغيرهم من الأمم -أنواع من الرياضة أمْلَتها عليهم ظروف معيشتهم التى تعتمد على الرحلات والصيد والغارات والثارات .
3- والإسلام لا يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات ، فهو يريد أن يكون أبناؤه أقوياء فى أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم لأنه يمجِّد القوة، فهى وصف كمال لله تعالى ذى القوة المتين ، والحديث الشريف يقول "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " رواه مسلم ، والجسم القوى أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية ، والإسلام لا يشرع ما فيه إضعاف الجسم إضعافا يعجزه عن أداء هذه التكاليف ، بل خفف من بعض التشريعات إبقاء على صحة الجسم ، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمن عجز عن القيام ، وأباح الفطر لغير القادرين على الصيام ، ووضع الحج والجهاد وغيرهما عن غير المستطيع ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص . وقد أرهق نفسه بالعبادة صياما وقياما " صم وأفطر وقم ونم ، فإن لبدنك عليك حقا ، وإن لعينك عليك حقا" رواه البخارى ومسلم .
وقد ذكر ابن القيم فى كتابه زاد المعاد عند الكلام على الرياضة ، أن الحركة هى عماد الرياضة، وهى تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعى ، وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتصلب المفاصل وتقوى الأوتار والرباطات وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية ، إذا استعمل القدر المعتدل منها فى دقة وكلن التدبير يأتى صوابا ، وقال : كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها ، وأما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله ، وهى قالعة لأمراض مزمنة .
3 - مظاهر الرياضة البدنية فى الإسلام كثيرة ، والتكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للروح واستقامة للسلوك ، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات لمعظم أجزاء الجسم ، والحج بمناسكه المتعددة ، وزيارة الإخوان وعيادة المرضى والمشى إلى المساجد وأنواع النشاط الاجتماعى كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت فى الحد المعقول .
وهناك فى غير العبادات والتكاليف الشرعية رياضات تشبه إلى حد كبير كثيرا مما تواضع عليه للناس فى هذا العصر، أقرها الإسلام وشجعها وإليك صورا لها :
ا -العَدْوُ: وهو تدريب على سرعة المشى، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعى لتحصيل الرزق وغير ذلك ، ويذكر التاريخ العداء المشهور " فيديبدس " من قرية ماراثون باليونان وما كان له من أثر فى إخطار البلاد بهجوم الجيش الفارسى عليهم فى سبتمبر سنة 490 قبل الميلاد وفى انتصارهم على العدو، وقد خلد اسمه بعد ذلك بسباق ماراثون .
والعدو داخل ضمنا تحت الأمر بالمسارعة إلى الخير، فهى مسارعة روحية وجسمية، وقد روى أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم سابق عائشة فسبقته ، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال : هذه بتلك ، وجاء فى بعض الروايات أن سبقه لها فى المرة الثانية كان لثقل جسمها وسمنتها، وروى الطبرانى أنه عليه الصلاة والسلام قال " من مشى بين الغرضين -علامتين لتحديد المسافة-كان له بكل خطوة حسنة" .
وقد اشتهر من العرب فى سرعة العدو حذيفة بن بدر، وكان قد أغار على هجائن النعمان بن المنذر بن ماء السماء، وسار فى ليلة مسير ثمان ، فقال قيس بن الحطيم :
هممنا بالإقامة ثم سرنا * كسير حذيفة الخير بن بدر وكذلك من العدائين المشهورين ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب فقد سار من مكة إلى المدينة فى يوم وليلة "المسافة حوالى 500 كيلو متر" ولما قدم على أبى هريرة خليفة مروان على المدينة وصلى العتمة قال أبو هريرة : حاج غير مقبول منه . فقال : ولم ؟ قال : لأنك نقرت قبل الزوال ، -ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التى يدخل وقتها بالزوال - فأخرج له كتاب مروان بعد الزوال وقال :
ألم ترنى كلفتهم سير ليلة * من آل منى نصا إلى آل يثرب فأقسمت لا تنفك ما عشت سيرتى * حديثا لمن وافى بجمع المحصب 2 - ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها ، والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية ، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل ، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا . فالموريات قدحا .
فالمغيرات صبحا . فأثرن به نقعا . فوسطن به جمعا } العاديات : ا - 5 ، فهى من أهم أدوات الحرب ، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل : 8 ، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } الأنفال : 60 ، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره ، وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التى قد أضمرت ، فأرسلها من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع والمسافة نحو ستة أميال أو سبعة ، وسابق بين الخيل التى لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق ، والمسافة نحو ميل ( تضمير الخيل هو إعطاؤها علفا قليلا بعد سمنها من كثرة العلف ، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن ، ثم ترده إلى القوت أى الأكل العادى . كما يقال إن تضمير الخيل يكون بأن تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها ، ويحمل عليها غلمان خفاف يجرونها ولا يعنفون بها إذا فعل بها ذلك أمن عليها البهر الشديد عند حضرها ، أى لا تنهج عند العدو) . وابن عمر قد سابق فى هذا السباق ، رواه البخارى ، وفى مسلم أن رسول الله قال يوم حنين : يا خيل الله اركبى ، وقال "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل " وقد سابق النبى أيضا على الجمال فسابق على ناقته العضباء وكانت لا تُسبق ، فجاء أعرابى على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه " رواه البخارى .
وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين أن عمر أرسل كتابه إلى الأمصار يقول فيه :
علموا أولادكم السباحة ، والفروسية . وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر .
3-الرماية، عن عقبة بن عامر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . .. " "ألا إن القوة الرمى، ألا إن القوة الرمى" رواه مسلم ، وعن سلمة بن الأكوع أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم ينتضلون بالسوق ، فقال : "ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا ، ارموا وأنا مع بنى فلان ، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم ، فقال رسول الله ما لكم لا ترمون ؟ فقلنا كيف نرمى وأنت معهم ؟ فقال : ارموا وأنا معكم كلكم " رواه البخارى ومسلم . وعن عقبة أيضا : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة ، صانعه يحتسب فى صنعته الخير، والرامى به ، ومنبله ، وارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا ، ومن ترك الرمى بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة تركها ، أو قال : كرها" رواه أبو داود والنسائى والحاكم وصححه . وفى رواية أن فقيما اليخمى قال لعقبة : تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك ؟ فقال عقبة : لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه ، والكلام الذى سمعه هو "من علم الرمى ثم تركه فليس منى . أو فقد عصا " رواه مسلم .
4 -اللعب بالسلاح - الشيش : وكان معروفا عند العرب باسم "النقاف " وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة فى شكلها الحالى ، وكان من صوره رقص الحبشة الذى رآه النبى صلى الله عليه وسلم منهم فى المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام ، ففى رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفنون ويلعبون بحرابهم يتلقونها . وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه فى بدر والخندق وغيرهما معروفة .
والتحطيب المعروف عندهم باسم "اللبج " أو "اللبخ " يشبه اللعب بالسيوف لأنه محاولة للأخذ قوامها هجوم ودفاع بالعصى .
5 - المصارعة ومثلها الملاكمة: وقد صارع النبى جماعة ، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب ، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم ، قال ابن إسحاق : لقيه النبى صلى الله عليه وسلم فى شعب من شعاب مكة فقال له : يا ركانة ، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه ؟ فقال : يا محمد هل لك من شاهد يدل على صدقك ؟ فقال : أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله ؟قال : نعم . وقال البلاذرى : إن السائل للمصارعة هو ركانة ، فقال له : تهيأ للمصارعة ، فقال : تهيأت ، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه ، فتعجب من ذلك ركانة ، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه ، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا : فوقف ركانة متعجبا وقال : إن شأنك لعجيب ، وأسلم عقبها ، وقيل أسلم فى فتح مكة .
رواه الحاكم وأبو داود والترمذى ، كما صارع النبى ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم ، فقال :
يا محمد هل لك أن تصارعنى؟ قال : وما تجعل لى إن صرعتك ؟ قال : مائة من الغنم ، فصارعه فصرعه ، ثم قال : هل لك فى العود؟ قال : وما تجعل ؟ قال : مائة أخرى . فصارعه فصرعه ، وذكر الثالثة، فقال : يا محمد، ما وضع جنبى فى الأرض أحد قبلك ، ثم أسلم ورد عليه غنمه ، روى عنه أنه قال : ماذا أقول لأهلى؟ شاة افترسها الذئب ، وشاة شذت منى ، فماذا أقول فى الثالثة؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك ، خذ غنمك وانصرف (ذكره الزرقانى فى شرح المواهب ج 4 ص 293) وكذلك صارع النبى أبا الأسود الجمحى ، وكان رجلا شديدا بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه ، وكان من المشهورين بالمصارعة فى الإسلام محمد بن الحنفية ، جلس كالجبل يحركه رسول الروم لمعاوية يتحدى به أقوياءه ، فأقر رسول الروم بقوة محمد، ثم رفعه محمد مرات وجلد به الأرض .
6- رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يعرف عند العرب باسم "الربع " وهو أن يُشال الحجر باليد ، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل ، والربيعة والمربوع هو الحجر الذى يرفع ، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا أو يتربعون فقال : عمال الله أقوى من هؤلاء (ذكره فى لسان العرب ) وأول من فكر فى تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري ، وكان مشهورا بقوته البدنية ، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب فإنه فى غزوة خيبر لما ضاع ترسه أمسك بباب كان عند الحصن فتترس به عن نفسه ، وكان سبعة نفر ينوءون بحمله (ذكره فى الروض الأنف ج 2 ص 239) .
7 - القفز أو الوثب العالى : وكان يعرف أيضا عند العرب باسم " القفيزى" حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافزون عليها ولها نظام خاص لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج ا ص 133 ) .
8-الكرة: وهى تشبه لعبة البولو فى هذه الأيام ، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة فى كتب الأدب ، قال الحارثة بن رافع . كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحى ، والدحو رمى اللاعب بالحجر والجوز وغيره ، والمداحى حجارة كشكل القرصة ، وتحفر حفرة فترسل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قرصته فيها فهو الغالب ، وذكر أن ابن المسيب سئل عن الدحو بالحجارة فقال لا بأس به .
9 -السباحة: عن عطاء بن أبى رباح قال : رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصارى يرميان فملَّ أحدهما فجلس فقال له الآخر :
كسلت ؟سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال . مشى الرجل بين الغرضين ، وتأديبه لفرسه وملاعبته أهله ، وتعليم السباحة" رواه الطبرانى بإسناد جيد، وروى البيهقى بسند ضعيف من حديث أبى رافع : حق الولد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمى . وعن ابن عباس قال : ربما قال لى عمر بن الخطاب : تعال أباقيك فى الماء ، أينا أطول نفسا ونحن محرمون .
وفى تاريخ الخلفاء للسيوطى (ص 264)عندما تغلب معز الدولة أحمد بن بويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة ، حتى كان السبَّاح يحمل الموقد عليه القدر باللحم إلى أن ينضج . وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم سبح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله فى المدينة ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دفن أبوه قال : هاهنا نزلت بى أمى وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطى على أن النبى عَامَ وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم سبح هو وأصحابه فى غدير، فقال ليسبح كل رجل إلى صاحبه ، فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر حتى عانقه ، وقال : أنا وصاحبى (الزرقانى على المواهب اللدنية ج ا ص 164) .
هذه نماذج للتربية الرياضية أقرها الإسلام ، وشجع عليها . تعرف بها مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكل مظاهر الحضارة الصحيحة . وفى الإطار العادل الذى وضعه للمصلحة ، ويلاحظ أن التربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية ، وإذا كانت هناك مباريات يجب أن يحافظ على آدابها ، التى من أهمها عدم التعصب الممقوت فإذا حدث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشرية، وجب أن يكون فى أدب وذوق ، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما لا يسره ، وقد تكون الجولات المستقبلة فى غير صالح الفائز الآن . ولا يحب أن تكون هناك شماتة به ، فيجب عليه أن يحب للناس ما يحبه لنفسه ، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه ، وقد رأيتم أن الأعرابى سبق بقعوده ناقة النبى التى كانت لا تُسبق ، ولما شق على المسلمين ذلك تمثلت الروح الرياضية الصحيحة-كما يعبر المتحدثون -عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال : إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ، وذلك ليهدىء من ثائرة المتحمسين له . وقد سبق أنه قال لعائشة لما سبقها : هذه بتلك .
والأدب الإسلامى عند الخصومة والمنافسة يحتم عدم نسيان الشرف والذوق ؟ وعدم الفجور فى المخاصمة فتلك من خصال المنافقين ، ففى حديث البخارى ومسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا . ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا أؤتمن خان ، وإذا حدَّث كذب ، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" .
والإسلام لا يرضى الانحراف عن هذه الآداب فى ممارسة الرياضة وفى إقامة المباريات .
(ا) لا يرضى أن يلهو الشباب بها إلى حد نسيان الواجبات الدينية والوطنية والواجبات الأخرى، ولا يرضى أن نصرف لها اهتماما كبيرا يغطى على ما هو أهم منها بكثير .
(ب ) لا يرضى أن نمارس الرياضة بشكل يؤذى الغير، كما يمارس البعض لعب الكرة فى الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس ، وفى أوقات ينبغى أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها . والإسلام نهى عن الضرر والضرار .
(جـ)لا يرضى التحزب الممقوت ، الذي فرق بين الأحبة، وباعد بين الأخوة، وجعل فى الأمة أحزابًا وشيعا ، والإسلام يدعو إلى الاتحاد ويمقت النزاع والخلاف .
(د) لا يرضى أن توجه الكلمات النابية من فريق لآخر ويكره التصرفات الشاذة التى لا تليق بإنسان له كرامته . وبشخص يشجع عملا فيه الخير لتكوين المواطن الصالح جسميا وخلقيا .
(ر ) لا يرضى عن الألعاب الجماعية التى يشترك فيها الجنسان ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور ينهى عنها الدين .
(و) لا يرضى عن الألعاب التى تثير الشهوة وتحدث الفتنة ، كرياضة الرقص من النساء حين تعرض على الجماهير .
(ز) لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تليق به ولا تتناسب مع غيره فى تكوينه وفى مهمته ورسالته فى الحياة .
ذلك أن الإسلام حين يبيح شيئا ويجيزه يجعل له حدودا تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتسق مع الحكمة العامة للتشريع ، وفى إطار هذه الحدود يجب أن تمارس الرياضة ، وإلا كان ضررها أكبر من نفعها ، وذلك مناط تحريمها ، كما هى القاعدة العامة للتشريع . ويشير إلى ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } المائدة : 87 ، فالآية بعموم لفظها تحرم الاعتداء فى كل تصرف سواء أكان ذلك مطعومًا أم ملبوسًا أم شيئا آخر وراء ذلك ، والاعتداء هو تجاوز الحد المعقول الذى شرعه الدين(10/162)
أدوات اللعب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم اللعب بالطاولة والشطرنج والكوتشينة والدومينو والسيجة ؟
An الكلام الوافى عن هذه الأشياء موجود فى كتب كثيرة من أهمها ، الزواجر لابن حجر الهيثمى ، ونيل الأوطار للشوكانى ، وحياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة عقرب " وتفسير القرطبى لآية {فماذا بعد الحق إلا الضلال } يونس :
32 ، وتواريخها أشرت إليه فى الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ، أما حكمها فهناك شبه اتفاق على أن ممارستها محرَّمة إن كان فيها قمار، أو صاحبها محرم كشرب خمر أو سفور أو خلوة أو سباب ، أو ترتب عليها ضياع واجب ، أو ضرر أيا كان هذا الضرر .
والذى ذكرته الكتب القديمة من هذه الأشياء ووضحت حكمه من واقع النصوص الواردة هو النرد "الطاولة" والشطرنج وإليك خلاصة ما قيل فيهما :
1 - النرد المعروف بالطاولة ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده فى دم خنزير " رواه مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه . وقال النووى فى التعليق عليه : قال العلماء : النردشير هو النرد ، فالنرد عجمى معرب و"شير" معناه حلو. وهذا الحديث حجة للشافعى والجمهور فى تحريم اللعب بالنرد ، وقال أبو إسحاق المروزى من أصحابنا :
يكره ولا يحرم "شرح مسلم ج 15 ص 15 " .
وجاء فيه أيضا حديث "من لعب بنرد أو نردشير فقد عصى الله ورسوله " رواه مالك عن أبى موسى الأشعرى واللفظ له ، ورواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقى ، ولم يقولوا : أو نردشير، . وقال الحاكم : صحيح على شرطهما ، أى الشيخين البخارى ومسلم "تفسير القرطبى "ج 8 ص 338"" .
وجاء فى "الترغيب والترهيب "ج 4 ص 4 قال الحافظ : ذهب جمهور العلماء إلى أن اللعب بالنرد حرام ، ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه .
2 -أما الشطرنج فقد قال فيه النووى وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه وليس بحرام ، وهو مروى عن جماعة من التابعين . وقال مالك وأحمد : حرام ، قال مالك : هو شر من النرد وألهى عن الخير، وقاسوه على النرد ، وأصحابنا يمنعون القياس ويقولون : هو دونه . "شرح صحيح مسلم ج 15 ص 15 " .
وقال الحافظ - بعد ذكر حكم النرد-: واختلفوا فى اللعب بالشطرنج ، فذهب بعضهم إلى إباحته ، لأنه يستعان به فى أمور الحرب ، ومنهم سعيد بن جبير والشعبى، ولكن بشروط ثلاثة، عدم القمار، وعدم الإلهاء عن وقت صلاة، وحفظ اللسان حال اللعب عن الفحش ، وكرهه الشافعى تنزيها ، وذهب جماعات من العلماء إلى تحريمه كالنرد، وقد ورد فى الشطرنج أحاديث لا أعلم لشيء منها إسنادا صحيحا ولا حسنا "الترغيب والترهيب ج 4 ص 4 " .
هذا، ومن تظرف الباحثين فى النرد والشطرنج قول بعض المتكلمين -علماء التوحيد والكلام -النرد مجبر والشطرنج معتزلى ، فالأول مجبر بحظه ، والثانى مختار بفعله "مختارات الأدباء للأصفهانى ج ا ص 448 "(10/163)
حكم مشاهدة التلفزيون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم مشاهدة التلفاز >؟
An التلفزيون هو جهاز الرؤية من بُعد ، ينقل الصوت والصورة معا ، بل ينقل الصورة متحركة كأنها حية، وتاريخ اختراعه مشار إليه فى الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ، وهو يعرض أمورا متعددة ، كما يذيع الراديو مواد مختلفة قد يصعب على الكثيرين الحصول عليها لو لم تكن هذه الأجهزة فما كان من هذه الأمور والمواد حلالا فى أصله ، ولم يؤثر تأثيرا سيئا على العقيدة أو الأخلاق ، ولم يترتب عليه ضياع واجب كان السماع حلالاً والمشاهدة أيضا حلالا، وما خالف ذلك كان ممنوعا يتحمل تبعته المذيعون والمستقبلون . وأكثر ما يسأل عنه هو النظر إلى النساء الراقصات أو الممثلات أو غيرهن ممن يبدين زينتهن ويكشفن ما أمر الله بستره ، فقد يقال :
إن الناظر لا ينظر امرأة ولكن ينظر صورتها، وقد تحدَّث الفقهاء قبل أن يظهر التلفزيون عن حكم النظر إلى صورة المرأة فى المرآة ، هل يعطى حكم النظر إليها أو لا ؟ ووضحه الكمال بن الهمام ، ونقله الشيخ طه حبيب فى فتوى نشرت له بمجلة الأزهر "نور الإسلام " عام 1932 فى المجلد الثالث ص 492 وقال ما نصه : والذى تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب هو أن النظر إلى المرأة الأجنبية إنما كان محرما بسبب أنه داع وذريعة إلى الوقوع فيما هو أشد منه حرمة ، وهو الوقوع فى المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبية المعينة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز لأنه ذريعة إلى محرَّم ، وكل ما كان كذلك فهو حرام ، سواء أكان ذلك مباشرة أو بواسطة المرآة . انتهى .
وإذا كانت هذه الفتوى بشأن الصورة الجامدة التى يخشى من النظر إليها الفتنة ، فإن النظر إلى الصورة المتحركة أولى بالمنع لشدة الفتنة بها ، وإذا كان المقياس هو الفتنة فالناس مختلفون فيما يفتن وما لا يفتن وكل أدرى بنفسه .
ومما يشهد لجواز مشاهدة المسرحيات والألعاب البريئة ما رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترنى بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية ، فاقدروا قدر الجارية العَرِبَة - المحبة للعب - الحديثة السن . وفى رواية فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال "تشتهين تنظرين "؟ فقلت :
نعم فأقامنى وراءه خدِّى على خده ، وهو يقول "دونكم يا بنى أرفدة" حتى إذا مللت قال "حسبك " قلت : نعم ، قال "فاذهبى" وبنو أرفدة لقب للحبشة، ولفظ "دونكم " يفيد الإغراء والاستزادة ، وكان لعب الحبشة بإلقاء الحراب وتلقيها كما ورد فى رواية أبى سلمة ويحى بن عبد الرحمن بن حاطب "صفوة التصوف للمقدسى" وجاء فى المطالب العالية لابن حجر "ج 4 ص 128 " أن عائشة كانت تتفرج على "الدركلة" وهى ضرب من لعب الصبيان ، وقيل :
هو الرقص . وفى تأكيد سماحة الإسلام فى-التمتع البرىء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وهو ينهى الجوارى عن الغناء لعائشة يوم العيد "دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد ، لتعلم اليهود أن فى ديننا فسحة ، وإنى أرسلت بالحنيفية السمحة" رواه أحمد عن عائشة ، وذكر الحافظ ابن حجر فى فتح البارى رواية ذلك عن ابن السراج عن عائشة "فتح البارى ج 2 ص 515" وما جاء فى الجامع الصغير للسيوطى أن هذا القول كان بمناسبة لعب الحبشة فضعيف .
ولا داعى للقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز لها مشاهدة لعب الحبشة وسماع الأغانى ، لأنها كانت صغيرة غير بالغة ، أو أن ذلك كان قبل أن يفرض الحجاب ويُحرم اللهو، فإن ذلك احتمال لا يفيد القطع ، وإلا ما كان هناك خلاف للفقهاء فى هذه الأحكام "انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ج 3 ص 138 "(10/164)
موقف الإسلام من السياحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو موقف الإسلام من السياحة كمورد هام للدخل القومى ؟
An السياحة وهى الانتقال من مكان إلى مكان آخر لمشاهدة ما فيه من آثار أو للتنزه والتمتع بما فيه من مناظر أو مظاهر- أمر لا يمنعه - الدين فى حد ذاته ، بل يأمر به إذا كان الغرض شريفا ، فقد أمرت الآيات الكثيرة بالسير فى الأرض للاعتبار بما حدث للسابقين {أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمِّر الله عليهم وللكافرين أمثالها} محمد: 15 ، {قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين } النمل : 69 .
والحج نفسه سياحة دينية وعبادة مفروضة، وشد الرحال إلى المسجد الحرام بمكة ، وإلى المسجد النبوى بالمدينة ، وإلى المسجد الأقصى بالشام مرغوب فيه كما جاء فى الحديث الصحيح ، وذلك للعبادة وزيادة الأجر، والأمر بزيارة الإخوان والرحلة لطلب العلم وللتجارة كل ذلك سياحة مشروعة ، ونسب إلى الإمام الشافعى- ورحلته فى طلب العلم معروفة-دعوته إلى السفر لأن فيه خمس فوائد هي :
تفرج واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد ورحلات الصحابة والتابعين والسلف الصالح للجهاد والتجارة والأغراض العلمية معروفة ، وكذلك أخبار الرحالة المسلمين كابن بطوطة وابن جبير لها كتب مدون فيها علم كثير، ولا شك أن البلاد التى يرد إليها السائحون تكسب كثيرا من الناحية المادية والناحية الأدبية ، وتحرص كثيرا على أن يفد إليها السائحون ، وإذا كان الواقع يشهد بذلك فقد أشار إليه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم : 370 .
فأمره الله بأن يؤذن فى الناس بالحج ، فأذن وأتوه من كل فج عميق ، وعمر المكان وازدهر وسيظل كذلك إلى يوم الدين . وهذا الكسب يكون حلالا إذا لم يكن فيه ضرر سواء أكان هذا الضرر من السائحين أو من الجهة التى يزورونها ، وسواء أكان الضرر ماديا أم أدبيا ، فقد يكون بعضهم جواسيس أو أصحاب فكر أو سلوك شاذ يريدون نشره ، وهنا يجب منع الضرر، فمن القواعد التشريعية : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . ومن تطبيقات هذه القاعدة قديما ، إعلان أبى بكر رضى الله عنه وكان أميرا للحج فى السنة التاسعة من الهجرة ألا يحج بعد العام مشرك ، وقد كان العرب يحرصون على الحج من أجل التجارة والمكاسب المادية وكان أهل مكة يستفيدون من ذلك كثيرا ويقومون بتسهيلات كثيرة للحجاج ، وأنشئوا خدمات ثابتة من أجل ذلك كالسقاية والرفادة كانوا يتنافسون فيها ويتوارثونها فحرم الإسلام على أهل مكة تمكين المشركين من الحج على الرغم من ضياع الكسب المادى أو الرواج التجارى أو الانتعاش الاقتصادى الذى كانوا يفيدون منه وذكر أن الله سيعوضهم خيرا مما فاتهم بسبب هذا الخطر، وجاء فى ذلك قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء الله إن الله عليم حكيم } التوبة : 28 .
قال المفسرون : لما منع المسلمون الكافرين من الموسم وكانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان فى قلوبهم . الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش ؟فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . قال عكرمة :
أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض ، فأخصبت بتَالة وجُرَش -بلدان باليمن فيهما خصب -وحملوا إلى مكة الطعام وكثر الخير وأسلمت العرب ، أهل نجد وصنعاء ، فكثر حجهم وازدادت تجارتهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم .
والواجب أن توضع قوانين لتنظيم السياحة منعا لما يكون فيها من ضرر، وأملا فى زيادة ما يكون وراءها من خير(10/165)
حكم نقل الخصية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز نقل خصية رجل إلى رجل آخر وما الحكم فيما لو كان فيها منى وحملت منه زوجة الرجل المنقول إليه ؟
An من المقرر أن نقل الخصيتين معا من شخص إلى آخر لا يجوز، لأنه خصاء للمنقول منه ، والخصاء حرام بنص حديث النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى حيث لم يأذن فيه لأبى هريرة الذى لم يجد ما يتزوج به وهو شاب يخاف الزنى . .
أما نقل خصية واحدة فهو كنقل إحدى الكليتين يجوز بشرطين هما مطلوبان فى نقل أى عضو من شخص إلى آخر، وهما عدم الضرر الكبير بالمنقول منه ، وغلبة الظن فى استفادة المنقول إليه به ، ولا شك أن الخصية هى المعمل الذى يفرز المادة المنوية ويتخلق منها الحيوان المنوى . وهذه المادة عندما تكثر لا بد من إفراغها بطريقة أو بأخرى ، فإذا نقلت الخصية بما فيها من مادة مع افتراض أن الحيوانات المنوية بعد القطع ستبقى حية وزُرعت فى شخص آخر، وباشرت عملها من توليد المادة من الجسم الجديد كان فيها خليط من مادة الشخص الأول ومادة الشخص الثانى، فلو فرض تلقيح زوجة الثانى من هذا الخليط فلا يعرف للحمل من أى الشخصين يكون ، وتحليل الدم أو الشبه فى الخلقة قد يحدد ذلك . ولو ثبت أنه للشخص الأول كان الاتصال الجنسى حراما، وتجيء هنا مشكلة نسبة المولود على فراش الزوجية وحق الزوج فى ادعائه ونفيه وما قيل فى التلقيح الصناعى .
ولذلك نختار منع عملية النقل أصلا، وذلك لعدم الضرورة إليها ، فليس عقم الرجل مفضيا إلى هلاكه أو إلى إلحاق الضرر الشديد به ، ولو تم النقل وجب أن تكون هناك فرصة لتفريغ المادة المخزونة فيها والاطمئنان إلى خلوها منها بمعرفة المختصين . وذلك أشبه بمدة الاستبراء والعدة حتى لا تختلط الأنساب بالزواج أو التمتع قبل انتهائها وما يقال فى نقل خصية الرجل يقال فى نقل مبيض المرأة(10/166)
مسئولية الطبيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل على الطبيب مسئولية إذا أخطأ فى العلاج وتسببت عن الخطأ وفاة أو أضرار ؟
An الكلام طويل فى نظرة الإسلام إلى الطب فى جناحيه الوقائى والعلاجى، ومن أهم الكتب المؤلفة فيه كتاب الطب النبوى ، وهو أحد أقسام الكتاب الكبير "زاد المعاد" لابن القيم . الذى وضع تعليمات دقيقة تتصل بمن يقوم بالعلاج وبالمريض نفسه والدواء الذى يعالج به ، لخصها فى عشرين نقطة .
وفيما يتصل بموضوع السؤال نقول : لقد حرص الإسلام على جدارة المعالج بمباشرة العلاج ، وعلى اختيار الأفضل ممن يمارسون هذه المهنة ، وذلك من باب الاطمئنان والحفاظ على الصحة والحياة ، جاء فى موطأ الإمام مالك مرسلا -أى حديثا سقط من سنده الصحابى- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجلين يمارسان مهنة الطب " أيكما أطب " ؟ فقالا: يا رسول الله : وفى الطب خير؟ فقال "أنزل الداء الذى أنزل الدواء" وفى علاقة هذا الجواب بالسؤال كلام للعلماء يرجع فيه إليهم . وفى مجال هذه الجدارة قال "من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن " وهو حديث إسناده حسن .
يقول الخطابى : لا أعلم خلافا فى أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا ، والمتعاطى علما أو عملا لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ، وسقط عنه القود-أى القصاص لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض ، وجناية المتطبب فى قول عامة الفقهاء على العاقلة أى أقارب الجانى . انتهى .
ويقول ابن القيم : إن الذين يتعاطون العلاج خمسة أقسام :
ا -طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده ، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ومن جهة من يطبه -أى يعالجه -تلف العضو أو النفس أو ذهاب صفة فهذا لا ضمان عليه اتفاقا .
2 - طبيب جاهل ، إن علم المجنى عليه أنه جاهل وأذن له لم يضمن ، وإن ظن أنه طبيب وأذن له ضمن .
3- حاذق أذن له وأعطى الصنعة حقها ، لكن أخطأت يده وتعدت إلى عضو فأتلفه ، يضمن لأنها جناية خطأ .
4 -حاذق اجتهد فوصف دواء فأخطأ فى اجتهاده فقتل ، يضمن .
5 -حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع سلعة بغير إذن ، يضمن .
هذا ، ومن لوازم الخبرة عدم الاعتماد على مؤلفات مجهولة قد تنسب زورا إلى غير المختصين ، مثل كتاب "الرحمة فى الطب والحكمة" الذى نسب إلى السيوطى وهو من وضع الشيخ حكيم المقرى مهدى الصبرى الطحاوى - "مجلة الإسلام ، السنة الخامسة عشرة ، العدد الثالث والثلاثون - بتاريخ 3/ 8/ 1945 م " .
ومن لوازم الخبرة أيضا جواز مداواة أحد الجنسين للآخر عند الحاجة أو الضرورة بمثل عدم وجود الطبيب المختص الموثوق به(10/167)
التحية بالانحناء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز انحناء الممثل على المسرح أمام الجمهور عندما يحيونه ؟
An روى الترمذى بإسناد حسن عن أنس رضى الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل منا يلقى أخاه وصديقه ، أينحنى له ؟ قال " لا " قال : أفيلزمه ويقبله ؟ قال "لا" قال أفيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال "نعم " .
جاء فى الآداب الكبرى عن أبى المعالى أن التحية بانحناء الظهر جائزة، وقيل : هو سجود الملائكة لآدم ، قال : ولما قدم ابن عمر الشام حياه أهل الذمة كذلك فلم ينههم . وقال : هذا تعظيم للمسلمين . ولعل مراده بالجواز عدم الحرمة ، فلا ينافى الكراهة . قاله السفارينى فى كتابه "غذاء الألباب ج 1 ص 286" .
يؤخذ من الحديث وما قاله العلماء أن التحية بالانحناء غير مرغوب فيها ، وأقل درجة ذلك هو الكراهة ، لعدم لياقته بالمسلم الكريم العزيز بإيمانه بالله تعالى . وقد تدخل النية فى تكييف الحكم ، فإن كان يقصد المحتفل به بانحنائه الشكر وإظهار التواضع فلا بأس ، مع التوصية بعدم المبالغة فيه .
والانحناء لون من ألوان التحية عند اللقاء فى بعض الجماعات ، يقصد به تعظيم من قابله كما يفعل للملوك والسلاطين ، أما ما يرد به الممثل على المعجبين به فليس كذلك تماما ، وهذا يخفف من الحكم عليه(10/168)
كفارة اليمين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى كفارة الحنث فى اليمين ، هل يمكن إخراج النقود بدل الطعام ، وهل يشترط أن يكون الصيام متتابعا ؟
An قال تعالى{لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون } المائدة : 89 .
تبين الآية كفارة الحنث فى اليمين ، والممكن الآن فى أغلب البلاد الإسلامية- نظرا لإلغاء الرق - هو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام .
ومقدار الإطعام هو ما يكفى غداء وعشاء لكل مسكين من متوسط ما يتغذى به الإنسان الذى وجبت عليه الكفارة ، وذلك يختلف باختلاف المستوى الاقتصادى ، ولا يراعى فى ذلك وسط المساكين الذين يأخذون الكفارة- وكذلك الأمر فى الكسوة .
وأجاز أبو حنيفة أن يخرج الإنسان قيمة الطعام أو الكسوة ، وقد يكون أحسن للمسكين فى بعض الأحوال ، وما دمنا اعتبرنا الوسط الذى يعيش فيه من يخرج الكفارة تكون القيمة مختلفة من شخص إلى شخص ، وليس لها قدر محدود يلتزمه كل إنسان .
وما جاء فى الكتب من تقدير فإنما ذلك كان بحسب الزمن الذى ألفت فيه ، والآية عامة لكل زمان ومكان ، فيرجع إلى المتعارف عليه لتقدير الوسط ، ففى الأقوال القديمة كما ذكرها القرطبى فى تفسير الآية : أن أهل المدينة كانوا يطعمون مُدا وثلثا ، وقال أبو حنيفة : يُخرج الحانث نصف صاع من البر، ومن التمر والشعير صاعا .
هذا ، والصيام يجب أن يكون متتابعا كما قال أبو حنيفة والشافعى فى قول له ، بناء على قراءة ابن مسعود "فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، ولا يجب التتابع عند مالك والقول الآخر للشافعى ، لعدم النص أو القياس على المنصوص ، وعليه فتترك الحرية لمن يصوم ، والدين يسر(10/169)
ضرب التلميذ
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ضرب المدرس للتلميذ ضربا كثيرا حرام ؟
An العقاب بالضرب موجود منذ القدم فى تأديب الأطفال فى البيوت وفى المدارس وقد رخص الإسلام فى ضرب الزوجة الناشز إذا لم تفلح الموعظة والهجر، وقد جاء فى الحديث الذى رواه أبو داود عن النبى صلى الله عليه وسلم "مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم فى المضاجع " .
غير أنه ينبغى ألا يكون الضرب مبرحا ، وأن يستعمل عند من لا يصلحه إلا ذلك ، دخل ولد لعمر بن الخطاب عليه وقد رجَّل شعره ولبس ثيابا حسنة ، فضربه بالدرة حتى أبكاه ، فقالت له حفصة : لم ضربته ؟ فقال : أعجبته نفسه فأحببت أن أصغرها إليه "تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 96"وثبت أن أمراء المؤمنين أذنوا لمؤدبى أولادهم أن يضربوهم عند اللزوم ، وينبغى أن يكون الضرب من أجل التأديب وليس لدافع شخصى .
يقول ابن حجر الهيتمى المتوفى سنة 974 هـ : إن ضرب التلميذ يكون بعد إذن ولى أمره ، وأن يظن أنه يفيد، وألا يكون مبرحا فإذا ظن أنه لا يفيد إلا الضرب الشديد الإيذاء فلا يجوز بالإجماع ، لأن العقوبة شرعت لظن الإصلاح ، فإذا جاء بها ضرر انتفت . وجاء فى مقدمة ابن خلدون "ص 399" : قال أبو محمد بن أبى يزيد فى كتابه عن المعلمين والمتعلمين : لا ينبغى لمؤدبى الصبيان أن يزيدوا فى ضربهم - إذا احتاجوا إليه - على ثلاثة أشواط شيئا "انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 333- 335 "(10/170)
ملك اليمين والخدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد بملك اليمين فى قوله تعالى{والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين } المؤمنون : 5 ، 6
An ملك اليمين هم الأرقاء الذين ضرب عليهم الرق فى الحرب الإسلامية المشروعة ، أو تناسلوا من أرقاء ، فمن ملك أَمة جاز له -بعد استبرائها -أن يتمتع بها كما يتمتع الزوج بزوجته ، دون حاجة إلى عقد أو مهر أو شهود .
وليس لهن عدد محدود يباح للرجل ألا يزيد عليه بخلاف الزواج من الحرائر فلا يزيد على أربع فى عصمة واحدة .
والتمتع بملك اليمين ربما يفهم بعض الناس من ظاهره أنه إطلاق لشهوة الرجال وزيادة فى التمتع ولكنه فى حقيقته وسيلة من وسائل تحرير الرقيق ، لأن الأمة إذا حملت من سيدها لا يستطيع أن يبيعها أو يهبها ، وإذا مات لا تورث كما يورث المتاع ، بل تصير حرة ، وابنها يكون حرا لا رقيقا .
أما المنهى عنه فهو الزواج من الإماء بعقد ومهر كالحرة، وهو لا يجوز إلا عند توفر أمرين ، أولهما العجز عن مهر الحرة ، والثانى خوف الزنا إن لم يتزوج ، قال تعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى أن قال { ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خير لكم } النساء : 25 .
وسر النهى عن نكاحهن بعقد ومهر وشهود أن الأولاد الناتجين من هذا الزواج يكونون أرقاء لا أحرارا ، والإسلام لا يريد زيادة فى الأرقاء ، بل يريد الزيادة فى الحرية ، وله أساليبه الكثيرة فى ذلك .
فالآيتان اللتان فى السؤال تقولان إن المؤمنين يصونون أنفسهم عن العلاقات النسوية المحرمة ، ولا يحل لهم إلا التمتع بالزوجات الحرائر عن طريق العقد المعروف ، أو بالإماء عن طريق ملك اليمين .
هذا ، وأما الخادمات فهن حرائر ولسن إماء ، فلا يجوز التمتع بهن إلا بالزواج الصحيح . والرق قد بطل الآن باتفاق الدول ، ولا يوجد منه إلا عدد قليل جدا فى الدول التى لم توقع على الاتفاقية الدولية(10/171)
العملية المرذولة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى ممارسة العادة السرية، وكيف يتجنبها الشباب ؟
An تحدث العلماء عن هذه العملية المرذولة فى كتب التفسير والفقه ،وبين حكمها الزبيدى فى شرحه للإحياء وتكلم عنها ابن القيم فى "بدائع الفوائد" .
وخلاصة أقوال الفقهاء فيها وهو ما نختاره للفتوى، ما يأتى :
حرمها الشافعية والمالكية (شرح الإحياء) وحرمها الأحناف إذا كانت لاستجلاب الشهوة (التشريع الجنائى جـ 2 ص 36 وما بعدها) .
وقال الحنابلة : إنه جائز عند الحاجة . قال ابن قدامة من الحنابلة فى (المغنى ص 64 من المعجم ) : من استمنى بيده فقد ارتكب محرما .
هذا ، وقد ذكرت فى الجزء الأول من كتابى-"الأسرة تحت رعاية الإسلام " كل ما قيل فى هذه المسألة ، وأكتفى الآن بإيراد فتوى الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية الأسبق نشرت فى مجلة الأزهر (المجلد 3 عدد المحرم 1391 هـ ص 91 ) انتهى فيها إلى قوله :
ومن هذا يظهر أن جمهور الأئمة يرون تحريم الاستمناء باليد، ويؤيدهم فى ذلك ما فيه من ضرر بالغ بالأعصاب والقوى والعقول ، وذلك يوجب التحريم .
ومما يساعد على التخلص منها أمور، على رأسها المبادرة بالزواج عند الإمكان ولو كان بصورة مبسطة لا إسراف فيها ولا تعقيد ، وكذلك الاعتدال فى الأكل والشرب حتى لا تثور الشهوة ، والرسول فى هذا المقام أوصى بالصيام فى الحديث الصحيح "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ومنها البعد عن كل ما يهيج الشهوة كالاستماع إلى الأغانى الماجنة والنظر إلى الصور الخليعة ، مما يوجد بكثرة فى الأفلام بالذات ، ومنها توجيه الإحساس بالجمال إلى المجالات المباحة ، كالرسم للزهور والمناظر الطبيعية غير المثيرة ، ومنها تخير الأصدقاء المستقيمين والانشغال بالعبادة عامة، وعدم الاستسلام للأفكار ، والاندماج في المجتمع بالأعمال التى تشغله عن التفكير فى الجنس ، وعدم الرفاهية بالملابس الناعمة والروائح الخاصة التى تفنن فيها من يهمهم إرضاء الغرائز وإثارتها وكذلك عدم النوم فى فراش وثير يذكر باللقاء الجنسى، والبعد عن الاجتماعات المختلطة التى تظهر فيها المفاتن ولا تراعى الحدود .
وبهذا وأمثاله تعتدل الناحية الجنسية ولا تلجئ إلى هذه العادة التى تضر الجسم والعقل وتغرى بالسوء(10/172)
تغيير المنكر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الإسلام فى الشباب الذى يدعو إلى تغيير المنكر باليد واستخدام القسوة والعنف حتى استخدام الأسلحة النارية . وهل من حقه ذلك ؟
An روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان" .
فى هذا الحديث مراتب لتغيير المنكر، إذا عجز الإنسان عن إحداها استعمل الأخرى .
والتغيير باليد لمن له سلطان على مرتكب المنكر، كالوالد مع ولده ، والزوج مع زوجته ، والراعى فى رعيته ، والوالد والزوج يغيران المنكر فى حدود سلطتهما التى لو تجاوزاها ارتكبا منكرا ، أو أدى إلى ضرر بالغ أو منكر أكبر، أما الراعى فله السلطان الكامل .
والتغيير فى أية مرتبة من مراتبه لابد أن يكون بالحكمة ، حتى لا يكون فيه ضرر على الشخص المنكِر ولا يؤدى إلى منكَر أشد أو فتنة تزيد بها المنكرات ولا تزول ، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يَقْدِر فى مكة على تغيير المنكر ، وهو عبادة الأصنام - بتحطيمها ، وإلا لقضى المشركون على الرسول والقلة المؤمنة معه ، وكانت نتيجة الدعوة عكسية، لم تحقق الغرض بل زادت الفساد .
وكم نزل من الآيات فى مكة تحث الرسول على الصبر على ما يقابل به من تكذيب واستهزاء واعتداء بأساليب مختلفة ، بل إن الصلاة لما فرضت فى مكة كان يصليها عند الكعبة والأصنام منصوبة من حوله ، لا يستطيع أن يمد يده إليها بأذى ، فلما هاجر إلى المدينة وتكونت الدولة الإسلامية وقويت وفتح الله مكة على يد الرسول وأصحابه سنة 8 هـ حطم الرسول الأصنام ولم يعترض عليه أحد، لأن أهلها أسلموا ولا يستطيعون مقاومة القوة الإسلامية .
وكبار العلماء المسلمين السابقين الذين تركوا لنا تراثا فقهيا لا مثيل له ، وعلى رأسهم حجة الإسلام الإمام الغزالى المتوفى 505 هـ وضعوا قواعد وإرشادات للدعوة مستخلصة من النصوص ومن روح الشريعة جاء فيها : أنه إذا عُلم حصول الفائدة من الدعوة ولم يخف ضررا .
وجبت الدعوة ، وإن لم يعلم فائدة وخاف الضرر حرمت الدعوة ، لأنها إلقاء للنفس فى التهلكة .
وبعض المتحمسين لتغيير المنكر لا يراعون الحكمة ولا الآداب فألقوا بأيديهم إلى التهلكة ، والمنكر لم يتغير، ووقع الضرر عليهم وعلى ذويهم والبرآء ممن يتصلون بهم ، أرجو الله أن يهديهم إلى طريق الصواب ويكفوا عن الأساليب الضارة ، وعليهم الإنكار باللسان فى إطار الحكمة إن علموا فائدة ولم يخشوا ضررا ، وإلا اكتفوا بالإنكار بالقلب الذى يترجم عنه السلوك حتى يغير الله الظروف وتأخذ الدعوة طريقا مناسبا . .
راجع رسالة الأوقاف فى هذا الموضوع ، وكتاب (بيان للناس من الأزهر الشريف ) الجزء الأول(10/173)
الرأى العام والشورى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى أهم العوامل التى تؤثر على الرأى العام ؟
An الرأى العام له مؤثرات كثيرة، قد يكون الرأى العام نابعا من قوم لهم سلطان اقتصادى أو سلطان سياسى أو سلطان عنصرى يحاولون فرض رأيهم على كثيرين من الناس . وبالدعايات يقال إن الرأى العام فى هذه الدولة أو فى هذه المنطقة هو كذا .
الرأى العام أشبه ما يكون فى الفقه الإسلامى بالإجماع ، والإجماع تكلم فيه الأصوليون كثيرا وقالوا : إن الإجماع بمعناه الحقيقى الأصيل لا يمكن أن يتحقق أبدا لأن المفروض فى الإجماع أن يؤخذ رأى كل فرد من المسلمين أو على الأقل كل فرد عنده صلاحية إبداء الرأى، ولم يحصل هذا أبدا فى المناطق الإسلامية ولذلك لم يعتبره كثير من الفقهاء ولا من الأصوليين . الرأى العام إذا قلنا إنه موجود مثلا فى الحضارة الإغريقية فمن الذى له رأى عام هناك ؟ قرأت فى فلسفتهم وفى نظمهم أنهم يقولون : إن الإنسان الجدير بالحياة هو الإغريقى فقط وما عدا الإغريقى فهو من البربر-بل إن فلاسفة الثورة الفرنسية وما قبل الثورة الفرنسية ، أثر عن بعضهم أنه قال : يستحيل مطلقا أن يجعل اللّه الروح الطاهرة الشريفة فى جسم إنسان أسود من رأسه إلى قدمه - هل الرأى العام الذى يؤخذ فى مثل هذه الأوساط له اعتباره؟ لا- الرأى العام لا يكون صحيحا ولا مطمأَنا إليه إلا إذا كان الشعب نفسه على تربية معينة تؤهله لأن يقول هذا الرأى العام - الرأى العام فى الإسلام لا بد أن يصدر عن مسلمين عندهم أصالة إسلامية فى الفكر والأمانة ، ودون ذلك لا يعتبر رأيا عاما .
ما هى مواصفات الشخص المستشار؟ والشخص الذى نأخذ منه المشورة أو يعتبر رأيه ؟ كل الصفات التى تقال فى الناخب والمنتخب فى المشير وفى من طلب المشورة كل ذلك مفصل فى كتاب اسمه الأحكام السلطانية للماوردى - ما ترك شاردة ولا واردة من أصول الحكم إلا تحدث عنها واستمد أدلتها من القرآن والسنة وعمل الصحابة وعمل السلف -وتحدث عمن يرشحون أنفسهم للخلافة وعمن يرشحهم وعن الذين يختارون هذا -وقالوا فى ضمن ما قالوا : هناك صفتان أساسيتان فى الذى يُنتخب والذى ينتخب هما العدالة والعلم أو العقل بمعنى أن يكون عند الذى يعطى المشورة ويعطى الرأى له علم وخبرة وفى الوقت نفسه عنده أمانة هذان الأساسان مأخوذان من قوله تعالى فى قول يوسف عن نفسه عندما طلب أن يجعل نفسه على خزائن الأرض لعزيز مصر {اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم } يوسف : 55 ، والحفظ معناه الأمانة والعلم معناه الخبرة ، فلا ينبغى أبدا أن نأخذ مشورة من إنسان جاهل ، هذا شيء لا يصدقه أى إنسان . إذا أردت فى خصوصيات نفسك أن تستشير أى إنسان فى مسألة رياضية أو مسألة هندسية أو مسألة دينية تطلبها من صاحب الاختصاص : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } النحل : 43 ، ومبدأ العلم بالذات ذكرنى بمجلس استشارى لسيدنا عمر. كان يجعل مجلسا استشاريا من كبار المهاجرين وكان يقحم معهم عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ، هذا الحديث ثابت فى البخارى عندما كان كبار مشايخ المهاجرين وهم الصفوة الممتازة فى مجلس عمر رئيس الدولة ومعهم عبد اللّه بن عباس صاحب السن الصغيرة الفتى الشاب من الذى أجلسه هذا المجلس !؟! كانوا ينظرون إليه نظرة فهمها سيدنا عمر فأراد سيدنا عمر أن يبين لهم أنه اختاره لصفة فيه ربما تكون مفقودة فى الكثير منهم وليست العبرة بصغر السن ولا فى السبق بالإسلام وإنما العبرة فى هذا المجلس بالعلم والخبرة ، طرح هذا السؤال ماذا تقولون فى قول اللّه تعالى : {إذا جاء نصر الله والفتح .
ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا} النصر: 1 ، 2 ، فكلهم هز رأسه وقال : هذه واضحة-الله يقول إذا جاءك يا محمد نصر الله ، وفتح عليك فسبح بحمد ربك أى أكثر من التسبيح واستغفره لأن الله تواب ، تفسير سطحى يعرفه كل إنسان ، فنظر إلى عبد الله بن عباس وقال له : ما تقول فيها، قال أقول فى هذه السورة : إنها نعى رسول الله كأن الله قال : انتهت مهمتك وستموت وتلحق بى لأن النصر جاء وفتحت عليك مكة . انتهت مهمتك أو كادت فاستعد للقائى بشكر الله على النعمة وبالاستغفار من ذنب إن كان هناك ذنب إن اللّه كان توابا .
فلما قال هذا شهدوا لحكمة سيدنا عمر فى اختيار هذا المستشار لعقله ولعلمه ، وكم فى المسلمين من لهم هذه الصفة .
وأما فى حديث مصابيح السنة للبغوى فى إيثار النبى عليه الصلاة والسلام -الاستشارة- بالرجلين العظيمين وهما سيدنا أبو بكر، وسيدنا عمر وقال : لو اتفقتما على أمر لم أخالفكما ، ثم قال: لو أننى آمر أحدا بدون مشورتكما لأمَّرت ابن أم عبد -أى عبد اللّه بن مسعود- فالرسول عليه الصلاة والسلام طلب الرأى ممن عندهم خبرة ودراية وفى الوقت نفسه ممن عندهم ذمة وأمانة - هذان الأصلان يجب أن يوضعا فى رأس القائمة فى مواصفات كل من يقدم نفسه ليكون عضوا أو نائبا وفى كل من يدلى بصوته ، إذا تحقق هذان الأصلان كانت المشورة فى موقعها(10/174)
تأمين الفكر الإسلامى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد بالفكر الإسلامى ، وما هى وسائل تأمينه ؟
An الفكر قد يراد به المعنى المصدرى وهو حركة العقل أى التفكير، وقد يراد به المعنى الحاصل بالمصدر، وهو القضايا الناتجة عن هذه الحركة وغيرها ، ويجب أن نعلم أن فى الإسلام قضايا لا يصلح أن يطلق عليها اسم الفكر الإسلامى ، وهى القضايا التى مصدرها الوحى بدءا أو نهاية ، كاجتهاد الرسول الذى أقره الوحي الإلهى، وذلك كالعقائد وما عرف من الدين بالضرورة . وفيه قضايا هى نتاج العقل والنظر، سواء فى الأصول والفروع ، كحكم مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أو كافر أو فى منزلة بينهما؟ وكالقدر الواجب مسحه من الرأس فى الوضوء ، وغير ذلك مما فى كتب الكلام والفقه .
وتأمين القضايا الأولى يكون بتعلمها والتسليم بها، والنقاش حولها لا يكون بنقضها ولكن بدعمها وبيان حكمتها ، مع التسليم بأن الجهل بالحكمة لا يغير الحكم ، كالشأن فى الآيات المتشابهات إما أن يسلم بها كما هى، وإما أن تؤول على ضوء الآيات المحكمات .
أما القضايا الاجتهادية فتأمينها فى نظرى يكون بمدارستها واختيار أوفقها لروح الشريعة ولمسايرة العصر فيما ثبتت فائدته تحقيقا لحكمة التشريع فى رعاية المصلحة ، مع بيان فضل هذا النتاج الفكرى وما ثبت من أصول على نتاج الأفكار والشرائع الأخرى .
وإذا أريد بالفكر الإسلامى حركة العقل أو منهج البحث فهناك تكون الخطورة، لأن السلوك وليد الفكر كما أثبته العلم -وسبق به الرسول فى قوله "ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب " رواه البخارى ومسلم . وتأمين هذا الفكر أو هذا التفكير فى الإسلام له مجالان ، مجال وقائى ومجال علاجى .
ففى المجال الوقائى أضع هذه الوسائل باختصار :
ا - ترك النص الواضح جانبا والنظر فى غيره ، فالحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، وهذه هى محل التفكير لبيان ما هو خير منها .
2 -عدم التقليد الأعمى فى العقائد والأفكار والسلوك لغير المعصوم ، وكم فى القرآن من آيات تنص عليه . منها قوله تعالى{وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } الزخرف : 23 ، 24 ، وقوله {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} الأحزاب : 67 .
3-طلب الدليل والبرهان لكل ما يؤخذ من قضايا ، وفى القرآن قوله تعالى {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } النمل : 64 ، وقوله{قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} الأنعام : 148 .
4 - كون المقدمات التى يستدل بها يقينية فى العقائد بالذات لأنها هى التى توجه السلوك ، قال تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم } الإسراء : 36 ، وقال {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم : 28 ، وقال {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة} الحجرات : 6 .
5 -عدم التعصب للرأى الاجتهادى فهو محتمل للخطأ ، لأنه قد يتأثر بالهوى أو بمؤثرات أخرى ، وأقوال الأئمة المجتهدين فى ذلك معروفة "إذا صح الحديث فهو مذهبى واضربوا بقولى عرض الحائط " "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب "وقال الإمام الشافعى .
كلما أدبنى الدهر أرانى نقص عقلى * وإذا ما زدت علما زادنى علماً بجهلى 6 - محاولة أن يكون الاجتهاد جماعيا وهو المعروف بالشورى تضييقا لشقة الخلاف ، وتنويرا للأذهان ومساعدة لها على الوصول إلى الحق أو القرب منه .
7-طلب العلم على المختصين ، والقضاء على فكرة الحواجز التى يحاول المنحرفون أن يضعوها بين الشباب ، وبين رجال العلم ، والله يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } النحل : 43 .
8-وضع حد للفتاوى التى تصدر من غير ذوى الاختصاص ، فمن قال فى القرآن برأيه ضل وفى الحديث المتفق عليه "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا" وأحب أن أقول هنا : إن الإسلام ليس فيه كهنوت أو عصمة جماعة عن الخطأ ينزل قولهم منزلة الوحى ، ولكن فيه اختصاصا بالعلم والمعرفة ، شأن كل علم فى أى قطاع لابد أن يؤخذ عن أهله ، وباب العلم مفتوح لكل راغب ، لكن الفتوى هى لمن بلغوا درجة منه تؤهلهم لها .
9 -الاهتمام بتحصين كل مسلم وبخاصة فى مراحل التعليم الأولى ، وذلك بالعناية بالتعليم الدينى على وجه يجعل الشاب بالذات حذرا متيقظا ناقدا كل فكر طارئ ، وبدون هذه الحصانة سيكون الانحراف والانجراف أمام التيارات العنيفة المحلية والخارجية(10/175)
مسئولية العضو المنقول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا اقترف شخص ذنبا بعد أن نقل إليه دم أو كلية ، فهل ينال المتبرع جزء من الإثم والعقاب ؟
An اعلم أن الثواب والعقاب لا يحصل لأجزاء الجسم من حيث كونها أجزاء قامت بعمل الخير أو الشر، بل مناط الجزاء هو قصد الإنسان ونيته وحريته واختياره فالأعضاء آلات مسيرة مسخرة لا اختيار لها فى العمل ما لم تدفعها إرادة الإنسان .
والشخص الذى نقل منه العضو انقطعت صلته بهذا العضو ، وليس له سلطان عليه بإرادته وحريته ، وإنما المسئول عن هذا العضو هو الشخص الذى استفاد منه ، فهو الذى يحركه ويوجهه . وعلى هذا فلا صلة بين الشخصين فيما يعمله كل منهما من خير أو شر{كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر:38 ، {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فاطر: 18 .
ومثل العضو مثل سكينة باعها شخص إلى شخص آخر، لا مسئولية عليها ولكن على من يستعملها ، وإذا كانت الأعضاء ستشهد أمام الله بما يعمل الإنسان ، كما قال تعالى{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } النور: 24 ، فهى تشهد على من كانت متصلة به من كلا الشخصين(10/176)
البدعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين البدعة الشرعية والبدعة اللغوية ؟
An جاء فى كتاب "النهاية فى غريب الحديث والأثر" لابن الأثير فى مادة "بدع " وفى حديث عمر رضى الله عنه فى قيام رمضان : نعمت البدعة هذه : البدعة بدعتان بدعة هُدَى وبدعة ضلال ، فما كان فى خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو فى حَيز الذم والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله فهو فى حيز المدح وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ، ولا يجوز أن يكون ذلك فى خلاف ما ورد الشرع به ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد جعل له فى ذلك ثوابا فقال "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها" وقال فى ضده "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وذلك إذا كان فى خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن هذا النوع قول عمر رضى الله عنه "نعمت البدعة هذه " لما كانت من أفعال الخير وداخلة فى حيز المدح سماها بدعة ومدحها ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يُسنَّها لهم وإنما صلاها ليالى ثم تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت فى زمن أبى بكر ، وإنما عمر رضى الله عنه جمع الناس عليها وندبهم إليها . فلهذا سماها بدعة وهى على الحقيقة سنة بقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى" وقوله "اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر "كل محدثة بدعة" إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة . وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا فى الذم ، انتهى ما قاله ابن الأثير .
ثم أقول : إن تحديد المفاهيم عنصر هام من عناصر البحث فى أى موضوع ، وبدونه تختلف الأحكام وتتضارب الأقوال ، ويحدث التفرق .
وتحديد مفهوم البدعة التى هى ضلالة فى النار فيه صعوبة. ومن ركام التعريفات التى ملئت بها الكتب أستطيع أن أقول : إن للعلماء فى تعريف البدعة منهجين ، أولهما لغوى عام ، والآخر اصطلاحى خاص .
ا - فأصحاب المنهج الأول نظروا إلى مادة "البدعة " التى تدل على اختراع على غير مثال سبق فعرفوها بأنها ما أحدث بعد النبى صلى الله عليه وسلم وبعد القرون المشهود لها بالخير .
وهذا التعريف يدخل فيه ما كان خيرا وما كان شرا ، وما كان عبادة وما كان غير عبادة ، والذى حملهم على هذا التعريف الشامل ورود لفظ البدعة مرة محمولا عليه الذم ، ومرة محمولا عليه المدح ، وبهذا عرف أن البدعة قد تكون ممدوحة وقد تكون مذمومة ، قال الشافعى رضى الله عنه : المحدثات من الأمور ضربان ، أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا ، فهذه البدعة الضلالة ، والثانى ما أحدث من الخير وهذه محدثة غير مذمومة .
وعلى هذه الطريقة فى تعريف البدعة وشمولها للممدوح والمذموم جرى عز الدين بن عبد السلام ، فقسم البدعة إلى واجبة كوضع العلوم العربية وتعليمها ، وإلى مندوبة كإقامة المدارس ، ومحرمة كتلحين القرآن بما يغير ألفاظه عن الوضع العربى ، ومكروهة كتزويق المساجد ومباحة كوضع الأطعمة ألوانا على المائدة .
2- وأصحاب المنهج الثانى عرفوا البدعة بأنها الطريقة المخترعة على أنها من الدين وليست من الدين فى شىء ، أو بأنها طريقة فى الدين مخترعة تضاهى الطريقة الشرعية ويقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ، ويدخل فيها العبادات وغيرها وقصرها بعضهم على العبادات ، وعلى هذا التعريف تكون البدعة مذمومة على كل حال ولا يدخل فى تقسيمها واجب ولا مندوب ولا مباح . وعلى هذا المعنى يحمل الحديث "كل بدعة ضلالة" ويحمل قول مالك رضى اللّه عنه : من ابتدع فى الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ، لأن اللّه قال {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة : 3 ، وأصحاب هذا المنهج يحملون قول عمر فى صلاة التراويح على المعنى اللغوى .
وبعد ، فإن موضوع البدعة دقيق ، وفيه كلام طويل ، ويمكن للاستزادة الرجوع إلى كتابى "قضايا معاصرة" أو "محاضرات البحوث الاجتماعية " للقسم العالى للدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، ففيه أن اسم البدعة ظهر بوضوح فى زحمة الخلافات الفكرية ، التى من أجلها ألف أبو الحسن الأشعرى المتوفى سنة 304 هـ كتابه "اللمع فى الرد على أهل الزيغ والبدع " ثم ظهرت مؤلفات فى البدع المتعلقة بالفروع وأن الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 1 ص 248" قال : كم من محدث حسن كما قيل فى إقامة الجماعات فى التراويح إنها من محدثات عمر رضى الله عنه وإنها بدعة حسنة ، وإنما البدعة المذمومة ما تصادم السنة القديمة أو ما يكاد يفضى إلى تغييرها ، وأن البدعة المذمومة ما كانت فى الدين ، أما أمور الدنيا فالناس أعلم بشئونها ، مع صعوبة الفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا ، لأن دين الإسلام نظام شامل ، الأمر الذى جعل بعض العلماء يقصرون البدعة على العبادى دون العادى ، وعممها البعض الآخر .
وفى المرجع المذكور نرى البدعة تكون فى العقيدة وفى العبادة وفى المعاملات والأخلاق ، وأن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة الحسنة ، هل تعد كلها سنة تتبع وجوبا وندبا، أو لا تعد كلها من هذا القبيل ؟ وأن ما تركه هل نتأسى به فيه أو لا نتأسى وضربت أمثلة يكثر الحديث عن البدعة فيها ، كالأذان الأول لصلاة الجمعة وزيادة درجات المنبر على ثلاث درجات ، والركعتين قبل صلاة الجمعة ، وقراءة سورة فى المسجد قبل صلاة الجمعة بصوت مرتفع ،ورفع المؤذن صوته بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ، ومصافحة المصلين بعضهم بعضا عقب الخروج من الصلاة ، وقول سيدنا محمد فى الأذان والتشهد فى الصلاة ، وحلق اللحية . ولكل من هذه الأمور بحث فى هذا الكتاب .
وأكدت على أن تقصر البدعة على ما يتصل بالدين ، وتترك أمور الدنيا لمواكبة العصر فى التطور، وعلى أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء ، كجواز الاحتفال بيوم المولد وعدم جوازه بعيد المولد ، وعلى تغيير المنكر إن أجمع على أنه منكر يكون بالحكمة والموعظة الحسنة ، وما يكون فيه اختلاف لا ينبغى أن يكون التخاصم والتنازع من أجله ، وأن من انخدع برأيه وظن أو اعتقد أنه هو وحده الناجى وأن غيره هالك فهو أول الهالكين كما فى حديث رواه مسلم(10/177)
أكل لحم الخيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل أكل لحم الخيل حلال ؟
An أكل لحم الخيل حلال لحديث البخارى ومسلم عن جابر قال :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأرخص فى الخيل ، ووردت عدة أحاديث صحيحة تدل على أن الصحابة كانوا يأكلون لحوم الخيل ، منها حديث أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما فى البخارى ومسلم ، قالت : نحرنا فرسا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأكلناها . وفى رواية : ونحن بالمدينة .
ومن القائلين بحِلِّ لحم الخيل شريح القاضى والحسن البصرى وعطاء وسعيد بن جبير والليث بن سعد وسفيان الثورى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور وغيرهم ، وذهب أبو حنفية والأوزاعى ومالك إلى أنه مكروه ، غير أن الكراهة عند مالك كراهة تنزيه لا كراهة تحريم ، واستدلوا بما فى سنن أبى داود والنسائى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير، لقوله تعالى{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل : 8 .
وقال الشافعى ومن وافقه : ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم ، بل المراد منها تعريف اللّه عباده نعمه . وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته ، وأما الحديث الذى استدل به أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما فقال الإمام أحمد : ليس له إسناد جيد وفيه رجلان لا يعرفان ، ولا ندع الأحاديث الصحيحة لهذا الحديث ، وعلى هذا فأكل لحم الخيل حلال على أكثر المذاهب(10/178)
التصفيق للإعجاب والتحية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم التصفيق لتحية الضيف الوافد على الحفل أو الإعجاب بما يقول المتحدث ؟
An يقول اللّه تعالى عن الكفار{وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} الأنفال : 35 ، المكاء هو الصفير، والتصدية هى التصفيق كما قال ابن عمر والسُدِّى ومجاهد . وهناك أقوال أخرى فى تفسيرهما لا داعى لذكرها ، قال ابن عباس : كانت قريش تطوف بالبيت عراة ، يصفقون ويصفرون ، فكان ذلك عبادة فى ظنهم .
من هذا يعرف أن الذين يتقربون إلى اللّه ويعبدونه بالتصفير والتصفيق ، مخطئون ، وقد أشار إلى ذلك القرطبى فى تفسيره ، حيث نهى على الجهال من الصوفية الذين يرقصون ويصفقون ، وقال : إنه منكر يتنزه عن مثله العقلاء ، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت . انتهى .
لكن التصفيق المذكور فى السؤال ليس عبادة ، ولا يقصد به التقرب إلى اللّه ، ليثيبهم على احترامهم لإنسان يستحق الاحترام ، بل هو عرف وسلوك اختاروه ابتداء أو قلدوا فيه غيرهم ليظهروا الإعجاب بما يثير إعجابهم ، وليس هناك ما يمنع ذلك شرعا .
وإن كنا نوصى بألا يكون ذلك فى الأحفال التى تقام فى المساجد ، تنزها عن المشاركة للمشركين فى الصورة التى كانت تقع منهم فى المسجد للتقرب ، وليكن الإعجاب بالتكبير مثلا أو بصيغة تتناسب وجلال المسجد، وقد روى بسند ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للنابغة لما أنشده شعرا أعجبه "أحسنت يا أبا ليلى، لا يفضض الله فاك " وكذلك قال لعمه العباس لما مدحه بقصيدة شعرية "العراقى على الإحياء - كتاب آداب السماع "(10/179)
التشبه بين الجنسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال ؟
An روى البخارى وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال .
وروى أبو داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل .
وروى أحمد والطبرانى أن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضى اللّه عنه رأى أم سعيد بنت أبى جهل متقلدة سيفا وهى تمشى مشية الرجال فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه من النساء بالرجال " .
يؤخذ من هذه الأحاديث تحريم تشبه أحد من الجنسين بالجنس الآخر، ومحل الحرمة إذا تحقق أمران :
أولهما : أن يكون التشبه مقصودا، بأن يتعمد الرجل فعل ما يكون من شأن النساء وأن تتعمد المرأة فعل ما يكون من شأن الرجال ، فإن هذا القصد فيه تمييع للخصائص أو إضعاف لها ، والواجب أن تكون خصائص كل جنس فيه قوية، فذلك تقسيم اللّه لخلقه وتنسيقه فيما أودع فى كل منهما من خصائص لمصلحة المجموعة البشرية ، أما مجرد التوافق بدون قصد وتعمد فلا حرج فيه ، فالناس بأجناسها تتفق فى أمور مشتركة كاستعمال أدوات الأكل وركوب الطائرات وما إلى ذلك .
وهذا ما يعنيه لفظ "تشبه " ففيه عمل وقصد، أما إذا انتفى القصد فيكون تشابها لا تشبُّها، ولا حرج فى التشابه فيما لم يقصد .
والأمر الثانى :أن يكون التشبه فى شيء هو من خصائص الجنس الآخر، والذى يحدد ذلك إما أن يكون هو الدين ، وإما أن يكون هو الطبع نفسه ، أى الجبلة التى خلق عليها الإنسان ، وإما أن يكون هو العرف والعادة، وكثير من التشبه يكون فى ذلك فى أول الأمر، حيث يوجد القصد والتعمد والإعجاب ، ثم بعد ذلك يصير شيئا مألوفا لا شذوذ فيه ، ولا يعد تشبها مذموما(10/180)
التحية بين الجنسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إلقاء المرأة السلام على الرجل أو العكس ؟
An روى مسلم أن أم هانى بنت أبى طالب أتت النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح - وهو يغتسل وفاطمة تستره -فسلمت .
وروى ابن الجوزى عن عطاء الخراسانى قول النبى صلى الله عليه وسلم "ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام " .
بناء على هذا قال جماعة من العلماء بمنع التحية بين الرجال والنساء مطلقا، استنادا إلى حديث ابن الجوزى . لكن جمهور العلماء قالوا : إن كانت هناك فتنة بالسلام فلا يجوز الابتداء ولا الرد، فالمرأة الجميلة لا يجوز إلقاء السلام عليها، ولو سلم عليها الرجل لا يجب عليها الرد بل لا يجوز، وليس لها أن تسلم عليه ابتداء، فإن سلمت لا تستحق الرد ، فإن أجابها كره له ذلك ، أما إذا لم تُخش الفتنة بالسلام فيجوز، كالسلام على العجائز وذوات المحارم ، استنادا إلى حديث أم هانىء .
هذا هو حكم السلام بين رجل واحد وامرأة واحدة ، أما سلام الرجل على جمع من النساء فهو جائز بل قيل : يندب ويجب عليهن الرد، وذلك لعدم خشية الفتنة . ودليله أن النبى صلى الله عليه وسلم مر فى المسجد على جماعة من النساء قعود ، فأشار بيده إليهن بالسلام ، رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذى .
وأما سلام الرجال على المرأة الواحدة فلا يجوز إلا عند أمن الفتنة كأن تكون عجوزا مثلا، ودليله أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز فى طريقهم فيسلمون عليها فتقدم طعاما . .. رواه البخارى .
هذا فى مجرد إلقاء السلام ، أما المصافحة بدون حائل فممنوعة كما تقدمت الإجابة على سؤالها حيث امتنع الرسول عنها عند مبايعة النساء، وهى أهم من مجرد التحية وقرر أن اليد تزنى وزناها البطش وهو مس المرأة الأجنبية بيده أو تقبيلها كما فسره النووى ولا يستثنى من ذلك إلا المحارم والعجائز، وقال البعض بالكراهة دون الحرمة ، لكن دليله ضعيف كما نقله القرطبى عن ابن عربى فى تفسير الممتحنة(10/181)
الرجوع فى الإقرار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اعترف رجل أمام الأمير بأنه زنى ، وعندما جاء موعد تنفيذ الحد عليه رجع عن إقراره ، فهل يقبل رجوعه ولا يقام عليه حد ؟
An ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية لإقرارهما بالزنى، وجاء فى بعض الروايات أن الرجل الذى أقر بالزنى أمر النبى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يذهبوا به ليرجموه ، فلما أذلقته الحجارة هرب ، فأدركوه وأكملوا رجمه حتى مات ، كما جاء فى رواية ثبتت بطريق حسن عند أحمد وابن ماجه والترمذى أن الصحابة لما أخبروا النبى صلى الله عليه وسلم بمحاولة الرجل الفرار من مس الحجارة قال لهم "فهلا تركتموه وجئتمونى به " وجاء فى "نيل الأوطار للشوكانى "ج 7 ص 108 :
أن فى هذه الرواية دليلا على أنه يقبل من المقر الرجوع عن الإقرار، ويسقط الحد .
وهذا مذهب أحمد والشافعية والحنفية : وهو مروى عن مالك فى قول له . وفى رواية أخرى عن مالك وفى قول للشافعى لا يقبل منه الرجوع عن الإقرار بعد كماله كغيره من الإقرارات .
وجاء فى كتاب "الأحكام السلطانية للماوردى" ص 224 قوله فى حد الزنى : وإذا وجب عليه الحد بإقراره ثم رجع عنه قبل الجلد سقط عنه الحد، وقال أبو حنيفة : لا يسقط الحد برجوعه عنه .
ومن هنا نرى أن الأمر خلافى ، وللحاكم - إذا كانت الحدود تقام - أن يأخذ بأحد الرأيين ؟ فحكم الحاكم يرفع الخلاف(10/182)
احتياط ضد الأخطار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما مدى صحة الحديث " أغلقوا الأبواب ، وأوكوا السقاء واكفئوا الإناء وأطفئوا المصباح " وما تفسيره ؟
An روى البخارى فى الأدب المفرد قوله صلى الله عليه وسلم "أغلقوا الباب ، وأوكوا السقاء اكفئوا الإناء ، وأطفئوا المصباح ، فإن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وعاء ، ولا يكشف إناء ، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيوتهم " ورواه ابن حبان فى صحيحه وفيه زيادة "وخمروا الإناء" بعد " اكفئوا ا لإناء " .
وجاء فى رواية لابن حبان أيضا عن جابر "أغلق بابك واذكر اسم اللّه فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ، وأطفئ مصباحك واذكر اسم اللّه ، وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو بعود تعرضه عليه " .
وجاء فى رواية لمسلم وأحمد وأبى داود والترمذى عن جابر أيضا ، "أغلقوا أبوابكم وخمروا آنيتكم وأطفئوا سرجكم وأوكئوا أسقيتكم ، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ولا يكشف غطاء ولا يحل وكاء، وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله " ذكرها السيوطى كلها فى جامع الأحاديث .
وجاء فى رواية مسلم عن جابر "غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن فى السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، وسقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الداء " ذكره ابن القيم فى "زاد المعاد" وعلق عليه بقوله :
وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم ، وقد عرفه من عرفه من عقلاء الناس بالتجربة . قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث : الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة فى السنة فى كانون الأول منها، وصح عنه أنه أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عودا، وفى عرض العود عليه من الحكمة أنه لا ينسى تخميره بل يعتاده حتى بالعود، وفيه أنه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه فيمر على العود فيكون العود جسرا له يمنعه من السقوط فيه . وصح أنه أمر عند إيكاء الإناء بذكر اسم الله ، فإن ذكر اسم اللّه عند تخمير الإناء يطرد عنه الشيطان ، وإيكاؤه يطرد عنه الهوام ، ولذلك أمر بذكر اسم الله فى هذين الموضعين لهذين المعنيين ، انتهى .
يؤخذ من كل ما سبق أن الحديث وارد بدرجة الصحة فى بعض رواياته ، وأن المراد بتخمير الإناء تغطيته إذا كان فيه طعام ، بل حتى لو لم يكن فيه طعام ، وذلك حتى لا تسقط فيه الحشرات أو يتعرض للتلوث ، فإذا لم يكن هناك غطاء يكفأ الإناء الفارغ . وإيكاء السقاء معناه ربطه ، وكان الماء يحفظ فى القرب عندهم أو المزادات - الزمزميات المصنوعة من جلد أو قماش لا ينفذ منه الماء - وذلك أيضا صيانة للماء من التلوث بأى شيء من حشرات وغيرها، وكذلك لحفظه أن ينسكب فيضيع أو يتلف شيئا، وكذلك منعا للوباء أن يصيبه فى المواعيد التى يكثر فيها كما عرف بالتجربة ونص عليه الحديث ووضَّح ابن القيم إمكان ذلك .
ومع القيام بهذه الاحتياطات يذكر اسم الله ، وذلك لطرد الشيطان .
ويجوز أن يمنعه الله من دخول البيت الذى أغلق بابه ، ومن الأكل والشرب مما فى الأوعية المغطاة والمربوطة ، أو المراد أن الله يحفظ البيت والطعام والشراب من كل سوء ويبارك فيه .
ولفظ الشيطان يطلق أحيانا على الهوام والحشرات المؤذية ، وكل ما أوصانا به النبى صلى الله عليه وسلم من باب الاحتياط والأخذ بالأسباب ، والفويسقة هى الفأرة قد تجر السراج بناره فتحرق البيت ، وكانت المصابيح تضاء بالزيت ، والفأرة قد تجر إناء الزيت أو تصاب بالشعلة وهى تتناول الزيت فتجرى وتمر على الأمتعة فتحرقها ، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإطفاء المصابيح عند النوم لهذا المعنى .
أما مصابيحنا الكهربائية فإنارتها بالبيوت ليلا لا يحصل منها الخطر المذكور، وإن كان يمكن بوسيلة أخرى ، والمهم هو الاحتياط حتى لا يحدث الخطر والناس نيام غير منتبهين فإذا استيقظوا وجدوا الخطر واقعا ، وكل بلد أو منطقة لها ظروفها الجوية والصحية ، وبالتجربة يعرف ما يلزم لاتقاء الأخطار(10/183)
القلب والروح والنفس والعقل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين القلب والروح والنفس والعقل ؟
An من أحسن من تكلم عن القلب والروح والنفس والعقل الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " فى شرح عجائب القلب ، وقال :
اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل فى هذه الأبواب ، ويقل فى فحول العلماء من يحيط بهذه الأسامى واختلاف معانيها وحدودها ومسمياتها ، وأكثر الأغاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامى واشتراكها بين مسميات مختلفة، ثم أخذ يتحدث عن كل منها بما موجزه :
1 -القلب يطلق لمعنيين :
أحدهما : اللحم المعروف الذى يضخ الدم .
والثانى : هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بهذا القلب الجسمانى وهذه اللطيفة هى حقيقة الإنسان والمدرك العام العارف منه والمخاطب بالتكليف ، والمجازى عليه ولم يستطع أن يدرك العلاقة بين هذين المعنيين للقلب لأن ذلك من علوم المكاشفة التى لا تفيد معها الحواس المعروفة ، ولأنه يؤدى إلى إفشاء سر الروح الذى لم يتكلم فيه الرسول فغيره أولى .
وقال : إذا استعملنا لفظ القلب فى الكتابة والشرح فالمراد به اللطيفة الربانية لا القلب العضوى .
2- الروح لها معنيان :
أحدهما : جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسمانى يسرى فى جميع أجزاء البدن سريان نور السراج إلى كل أجزاء البيت ، فالحياة مثل النور الواصل للجدران والروح مثل السراج ، وسريان الروح وحركته فى الباطن مثل حركة السراج فى جوانب البيت . وهذا المعنى يهتم به الأطباء .
والمعنى الثانى للروح : هو لطيفة عالمة مدركة من الإنسان ، وهو المعنى الثانى للقلب ، وما أراده الله بقوله {قل الروح من أمر ربى} الإسراء : 85 ، وهو أمر عجيب ربانى تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته .
3- النفس : لفظ مشترك بين عدة معان ، يهمنا منها اثنان :
أحدهما : أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة فى الإنسان ، ويهتم أهل التصوف بهذا المعنى ، لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فلابد من مجاهدتها .
والمعنى الثانى : هى اللطيفة التى ذكرناها ، التى هى الإنسان بالحقيقة ، وهى نفس الإنسان ذاته ، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا سكنت تحت الأمر وفارقها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة، قال تعالى{يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعى إلى ربك راضية مرضية} الفجر: 27 ، والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى اللّه فهى مبعثرة عنه وهى من حزب الشيطان .
وإذ لم يتم سكونها ودافعت الشهوات واعترضت عليها سميت النفس اللوامة ، وإن تركت المدافعة والاعتراض وأطاعت الشهوة والشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء .
4 - العقل : وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها فى كتاب العلم ، ويهمنا هنا معنيان .
أحدهما : أنه يراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون العقل عبارة عن صفة العلم الذى محله القلب .
والثانى : أنه المدرك للعلوم ، فيكون هو القلب بمعنى اللطيفة الربانية المدركة العالمة .
ثم يقول الغزالى بعد ذلك : إن معانى هذه الأسماء موجودة، وهى القلب الجسمانى والروح الجسمانى والنفس الشهوانية والعلوم "كذا" فهذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة ، ومعنى خامس وهى اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان ، والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها ، فالمعانى خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلق لمعنيين ، وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتواردها، فتراهم يتكلمون فى الخواطر ويقولون : هذا خاطر العقل وهذا خاطر الروح وهذا خاطر القلب وهذا خاطر النفس ، وليس يدرى الناظر اختلاف معانى هذه الأسماء .
ثم يقول : وحيث ورد فى القرآن والسنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذى يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء ، وقد يكنى عنه بالقلب الجسمانى الذى هو فى الصدر لأن بينهما علاقة .
هذا ملخص ما قاله الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " لنعرف أن أى لفظ من هذه الألفاظ قد يراد به أى معنى من هذه المعانى ، وللاجتهاد مجال فيه .
والذى يهتم بذلك هم العلماء النفسيون والتربويون ، وفى ذلك دراسات مستفيضة متخصصة وتكفى هذه النبذة لمعرفة بعض ما يتعلق بهذه الألفاظ ومعانيها(10/184)
تحية القادم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إن من عاداتنا فى الريف أن نفترش الأرض ونتناول طعامنا فإذا قدم إلينا ضيف هل نقوم لتحيته ، وماذا نفعل فى مثل هذا الموقف ؟
An القيام للقادم ليس واجبا ، بل هو مباح وقد يندب للتكريم إذا كان القادم والدا أو معلما أو شيخا كبيرا ، لحديث الترمذى "ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" ولحديث أبى داود "إن من إجلال اللّه تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والمتجافى عنه وذى سلطان مقسط " .
وعلى هذا لا حرج عليك فى عدم القيام للقادم عليك وأنت جالس للأكل ، والأمر كله راجع للعرف والعادة ، فإن وجدت أن القادم سيغضب وقد يضرك لو لم تقم له جاز لك القيام ، وإلا فلا حاجة إليه(10/185)
الحاكم وتوحيد المذاهب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا قامت وحدة المسلمين فى العالم كله وأصبح لهم خليفة أو إمام واحد، فهل المسلمون كلهم يتقيدون بآراء ذلك الإمام فى المسائل الفرعية التى اختلف فيها الفقهاء والأئمة المجتهدون ؟ وهل يجب حينئذ على المسلمين الذين تقيدوا بآراء إمام مذهبهم قبل الوحدة أن يتركوا مذهبهم وإلا فما معنى وحدة المسلمين حينئذ ؟
An وحدة المسلمين الآن وقيام خليفة عليهم افتراض أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة، ونحن نرى الصور المخزية تعرض علينا فى شريط طويل من زمن بعيد ملىء بمآسى التفرق والتناحر بين الدول التى تنتمى إلى الإسلام بعضها مع بعض ، وبين أفراد كل دولة بعضهم مع بعض أيضا بآرائهم المتعددة ومذاهبهم المتخالفة وتعصبهم المقيت للأهواء والجنسيات والطبقات .
وكنت أود الإمساك عن ذكر أحكام وتنظيمات لشىء متخيل حتى تبدو فى الأفق علامات تبشر بوقوعه ، وساعتها نضع الجواب على السؤال وهو ميسر فى كتب الإسلام التى لم تدع صغيرة ولا كبيرة إلا تحدثت عنها فى النظم السياسية والاقتصادية والقضائية والدولية ، إلى جانب العبادات والعقائد وأصول الدين عامة .
وهذه المسألة من الفقه السياسى الذى ظهرت مسائله على مسرح الحياة الإسلامية عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بقليل ، ووجد من المسلمين من رفضوا بعض الأئمة وخرجوا عن طاعتهم ، وكانت الاحتكاكات التى راح ضحيتها بعض من خيرة الصحابة والتابعين .
ولم يمض على الخلافة الإسلامية فى الشرق وقت طويل حتى قامت خلافة أخرى تناهضها فى الأندلس ، ثم دب الضعف إلى هذه الخلافات وقامت دويلات مستقلة انفصلت عن الخلافة شكلا وموضوعا ، وانتهت إلى الانقضاض عليها أو التآمر على تصفيتها مما وعاه التاريخ وامتلأت به بطون المؤلفات ذات الوجهات المختلفة والآراء التي داخلها كثير من الهوى، ومهما يكن من شىء فإن من المؤلفات الإسلامية ما عنى بنظام الدولة ككتاب الأحكام السلطانية للماوردى وكتب الحسبة التى ألفها علماء أجلاء، ومما جاء فيها :أن الإمام يلزمه حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة ، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود .
وأهم ما يعنى به الإمام العلاقات الاجتماعية والدولية ، أما المعتقدات والآراء الخاصة والعبادات ذات الطابع الشخصى فليس للإمام دخل فيها إلا بمقدار أثرها على الجماعة ، كما فى الحديث المعروف : من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله ، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد، فمن له رأيه ومعتقده فالله حسيبه ما دام لا يحدث به فتنة بين الناس ، وهنا يتدخل الحاكم لحفظ الأمن ووحدة الصف .
وجاء فى كلام المتحدثين عن الحسبة وهى الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهى عن المنكر إذا ظهر فعله ، أن المحتسب هل يجوز له حمل الناس فيما ينكره من الأمور التى اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا ؟ على وجهين ، أحدهما أن له حمل الناس على رأيه ، وعلى هذا يجب أن يكون عالما من أهل الاجتهاد فى أحكام الدين والثانى ليس له حمل الناس على رأيه "الأحكام السلطانية للماوردى ص ا 24" .
ثم تكلموا عن المعروف وقسموه إلى ما يتعلق بحق اللّه ، وما يتعلق بحق الآدميين ، وما هو مشترك بينهما، وذكروا أحكام كل بالتفصيل ، ويؤخذ من كلامهم أن للإمام والمحتسب حمل الناس على المجمع عليه وبخاصة فيما يتعلق بحق المجتمع كإقامة الجمعة عند توافر شروطها المتفق عليها ، وأنه لا يجوز له حمل الناس -على اعتقاده هو، ولا أن يأخذهم فى الدين برأيه مع تسويغ الاجتهاد فيه ، وكذلك فى النهى لا ينهاهم عما فيه خلاف .
هذه بعض فقرات مما جاء فى كلامهم لا تعطى الإجابة الكافية على السؤال ، وإنما أردت بذكرها أن أبين أن فى الإسلام وكتب المسلمين حلا لكل مشكل وحكما لكل قضية ، ولا فائدة من بيان ذلك هنا والكتب مملوءة به وليست الحاجة ماسة إليه وإنما الفائدة أو ما ينبغى أن نهتم به هو واقعنا الحالى ومحاولة حل مشاكله ، وما أكثر هذه المشاكل التى إن وجد لها حل فهو نظرى لم يأخذ حظه من التطبيق ... ويوم أن تحل المشاكل السياسية والاقتصادية بالذات يمكن التفكير فى وضع نظام للخلافة العامة والحكومة الواحدة بعد بذل الجهد الجبار في جمع الناس على عقيدة واحدة فى نظرتهم إلى الإمامة ومن هو أحق بها، وأنت تعلم أن أربعة عشر قرنا مضت وما يزال الخلاف على الخلافة يزداد سلطانا على كثير من المسلمين ، كلما حاول بعض الغيورين على الوحدة الإسلامية أن يقربوا فيها بين وجهات النظر أغرق بعض المتعصبين فى التعصب لرأيه ، والعدو بدوره يزيد الهوة اتساعا ، ويسد المنافذ على الوحدة إن لاحت بعض بوارقها فى الأفق ، ومع كل ذلك فلا أفقد الأمل فى رحمة الله(10/186)
الإمام وسلطة الشعب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز الخروج على الحاكم الذى لا يحكم بالشريعة الإسلامية ، وما حكم من يخرج على السلطان بالسلاح ؟
An هذه المسألة من الفقه السياسى ، وهى شائكة إلى حد كبير، فقد كان لها دورها الخطير فى انقسام الجماعة الإسلامية ونشأة الفرق والأحزاب ، وهى فى هذه الأيام بالذات أشد خطرا ، لأن الأوضاع فى أكثر الدول الإسلامية لا تحكمها الشريعة حكما كاملا، سواء أكان ذلك فى طريقة تولى الإمامة أم فى الدستور الذى تحكم به . وبيان حكم الشرع فى فرع يكون أصله الأساسى غير شرعى هو ترقيع ، أو على الأقل لا يكون له أثر عملى فى تغيير الواقع ، ذلك أن القوانين المستمدة من دستور وضعى ترى ما يخالفها خروجا على نظام الدولة وفيه إخلال بالأمن أو خيانة للوطن ... والعقوبة قد تكون الإعدام .
والنظرات السياسية قديما وحديثا كان لها أثرها البارز فى تأويل النصوص وحملها على ما يؤيدها ، بل كان لها أثرها أيضا فى وضع أحاديث وافترائها على النبى صلى الله عليه وسلم وبالأولى إلصاق أقوال وآراء بأئمة هم برآء منها ، وكذلك أنكر المختلفون أحاديث صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم لأنها تعارض رأيهم السياسى ، وقبلوا أحاديث تؤيد مذاهبهم بغض النظر عن صدق نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام .
والكتب المؤلفة فى مذاهب هذه الفرق السياسية كثيرة، والكتب الحديثة التى أحيت هذه المذاهب القديمة ، وتبناها بعض الجماعات متوافرة أيضا ، ولهذا سيكون أى رأى فى الإجابة على السؤال المطروح محل نزاع وجدل .
ومهما يكن من شىء فإنى سأعرض بعض النصوص عند أهل السنة المعتدلين وما قاله العلماء فيها دون التعرض لنقدها ، أو ترجيح بعضها على بعض .
ا- قال تعالى{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } النساء : 59 .
2 -عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله إلا إن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من اللّه برهان ، رواه البخارى ومسلم . والبواح بضم الباء هو الصراح بضم الصاد الذى جاء فى رواية الطبرانى، وهو أيضا البراح بضم الباء وبالراء بدل الواو الذى جاء فى بعض الروايات ، المراد به الظاهر البين الذى تشهد له النصوص ولا يقبل التأويل .
3-روى البخارى ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية" ومعنى ميتته جاهلية مثلها ، لأنهم كانوا على ضلال وليس لهم إمام مطاع إذ كانوا لا يعرفون ذلك ، وليس المراد أنه يموت كافرا ، بل يموت عاصيا، هكذا قالوا فى تفسيرها .
4 -روى مسلم عن عوف بن مالك الأشجعى قول النبى صلى الله عليه وسلم "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وتصلون عليهم ويصلُّون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم " قال : قلنا يا رسول الله ، أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال "لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ،ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليذكره ما يأتى من معصية اللّه ، ولا ينزعن يدا من طاعة" والصلاة فى الحديث معناها الدعاء ، والمنابذة نزغ البيعة ، أخذا من قوله تعالى {فانبذ إليهم على سواء} أى أعلمهم بنقض العهد بينك وبينهم .
5 -روى مسلم عن حذيفة بن اليمان قول النبى صلى الله عليه وسلم "يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهديى ، ولا يستنون بسنتى، وسيقوم منكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس " قال فقلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال "تسمع وتطيع وإن ضُرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " وفى الحديث إشارة إلى الثورات المغرضة التى يراد بها المصلحة الشخصية لا العامة . وفيه أمر بعدم الاشتراك فيها .
6-روى مسلم عن عرفجة الأشجعى قول النبى صلى الله عليه وسلم "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم ، فاقتلوه " أى اقتلوا الثائر على الحاكم .
هذه هى بعض النصوص التى يصعب على ذوى الميول الثورية استساغة بعض ما فيها من عبارات ، وقد استنتج العلماء منها أنه لا يجوز منابذة الأئمة والخروج عليهم ما داموا يقيمون للصلاة ، وليس المراد أنهم يصلون بالناس كما كان أئمة السلف ، بل المراد أنهم يسمحون بإقامتها ولا يضعون العراقيل فى سبيلها .
وحديث عبادة بن الصامت يدل على أنه لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر الواضح الذى ليس له فيه شبهة . كإنكار الألوهية أو الطعن فى أن القرآن من عند الله ، أو أنه غير صالح للحكم ، أو اعتقاد حل ما أجمع على تحريمه كالربا والزنى وشرب الخمر. . فهو بهذا الاعتقاد يكون كافرا ، أما ارتكاب المحرمات بغير اعتقاد حلها فهو عصيان لا يخرج به إلى الكفر، بل يكون فاسقا، فالمبرر للخروج عليه هو الكفر لا العصيان المجرد لكن النووى قال : المراد بالكفر هنا المعصية (فتح البارى ج 16 ص 114) وقال غيره : المراد بالإثم فى بعض الروايات ما يشمل المعصية والكفر. قال ابن حجر: والذى يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة فى الولاية، فلا ينازعه بما يقدح فى الولاية إلا إذا ارتكب الكفر. وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح فى الولاية نازعه فى المعصية ، بأن ينكر عله برفق ، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف . ومحل ذلك إذا كان قادرا ، وعلى ضوء ما قاله ابن حجر إن فسق الإمام ولم يكفر وجب نصحه بالأسلوب الذى يُرجى منه الخير ولا يؤدى إلى فتنة، كما قال تعالى{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم التى هى أحسن } النحل :125 ، وكان للسابقين أسلوب فى الإنكار يتناسب مع الظروف القائمة إذ ذاك ، مع مراعاة أن روح التدين كانت موجودة بقوة فى الحاكمين والمحكومين ، وهو ما أطمع بعض المعارضين فى القسوة أحيانا عند النصح ، وما جعل الحكام يصيخون إلى ما يقولون ، فهم نواب الشعب ومفاتيح السيطرة عليه ، ومن الحكمة قبول ما يوجهونهم به وإن كان فى بعض الأساليب عنف سببه شدة الغيرة على الحق .
ومن الأساليب السليمة فى توجيه الحاكم ، التى تقرها القوانين الوضعية الحالية ، الخطابة والصحافة وإثارة الموضوع فى مجالس النيابة والتنظيمات المشروعة . والخير مرجو إذا كان ذوو اللسان والقلم مخلصين لوجه الله ، وكان ممثلو الأمة مختارين على أساس دينى سليم ، ومؤدين لأمانتهم على الوجه المطلوب .
أما الخروج بالسلاح لتغيير المنكر فهو غير مجد فى أكثر الدول الإسلامية ، التى تضع مهمة التغيير والإصلاح على عاتق ممثلى الأمة، والتى تحرم حمل السلاح وتمنع التظاهر العنيف وتضع له اقسى العقوبات ، لا يجدى هذا الخروج بالسلاح بوجه خاص إذا كان التسلح غير كاف ، وقوى المواجهة غير متكافئة ، فإن القضاء على الثائرين بغير حكمة سهل ، والنتيجة أخطر مما كان يتوقعون .
ولو تحققت المنعة وتوافر السلاح المتكافئ فالطريق السليم هو التفاوض والحوار كما يقول التعبير الحديث ، حيث يكون حوارا فيه تكافؤ قد يؤدى إلى الحل المعقول . وذلك كله من أجل منع الفتنة أو بعبارة حديثة "منع الحرب الأهلية" من جراء المواجهة بالسلاح وإراقة الدماء ، وقد يذهب ضحيتها أبرياء ، فشرط تغيير المنكر-كما قال العلماء -ألا يؤدى إلى منكر أشد .
فإن لم يتوصل إلى حل بالحوار والنصح فإن الأحاديث لا تجيز المواجهة المسلحة وليكن الواجب هو الإنكار باللسان إن أمكن ، وإلا فالإنكار بالقلب ، والاجتهاد فى تربية الشعب لاختيار ممثلين صالحين يتولون "دستوريا" تغيير المنكر. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وأكثر المعتزلة والروافض يرون جواز الخروج على السلطان والوزير، فإذا أخذ ربع دينار ظلما لا تجوز طاعته عندهم .
إن عرض الجواب على السؤال المذكور بهذه الصورة ، ربما لا يرضى بعض المتحمسين لفكرة معينة، أو منهج خاص فى تعديل الأوضاع الفاسدة، ولكن واجب النصح يفرض علينا أن ننبه إلى وجوب تقدير الظروف المحيطة بنا الآن ، وإلى أن العدو المتربص بنا لا يترك فرصة ثورية إلا انتهزها لنفسه ، وإلى أن ارتباط بعض الحكام ببعض الدول الكبرى سيقضى على مثل هذه الحركات بسهولة، لأن صحوة الدين تضرهم ، وبخاصة دين الإسلام ، كما يجب أن تراعى أن قوة المسلمين الحربية بوسائلها الحديثة ليست كقوتهم وأننا لسنا مستقلين تمام الاستقلال عنهم ، فإن كل وسائل التغيير أو أكثرها ما زالت محتكرة لهم .
ولا ينبغى أن يحمل هذا التوجيه على أنه من باب التخذيل ، بل يجب أن تكون خططنا للإصلاح مدروسة دراسة وافية ، لتكون حركات التغيير مرجوة النجاح بأقل تضحيات .
ومن الخير بعد هذا أن أسوق بعض النقول :
ا - جاء فى فتح البارى لابن حجر: نقل ابن التين عن الداوادى قال :
الذى عليه العلماء فى أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب ، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء ، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا فى جواز الخروج عليه ، والصحيح المنع ، إلا أن يكفر، فيجب الخروج عليه .
وجاء فى الكتاب نفسه: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ، وأن طاعته خير من الخروج عليه ، لما فى ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح ، فلا تجوز طاعته فى ذلك ، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها ، وجاء فى الكتاب المذكور . ينعزل بالكفر إجماعا ، . فيجب على كل مسلم القيام بذلك ، فمن قوى على ذلك فله الثواب ، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض .
أقول بعد هذا النقل : إن ارتباط الخروج بالكفر يجب فيه الدقة فى الحكم بالكفر على المسلم فإن تكفير المسلم خطير، ومن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، وليس كل تصرف منه يبرر الحكم عليه بالكفر، وبيان ذلك له موضع آخر إن شاء الله .
كما أقول : إن نظرة العلماء فى الخروج على الإمام الجائر ، مع اعتمادها على النصوص ، مبنية على اعتبار الظروف وواقع المسلمين فى عهود بعض الفقهاء ، وعلى كل حال فنظرتهم ترشدنا إلى أن نكون على بصيرة عند إصدارنا للأحكام الخطيرة بالذات ، وإلى القيام بحركات الإصلاح .
2 - يقول الشوكانى فى نيل الأوطار: إن الذين خرجوا على الأئمة الظَّلمة أخذوا بمعلومات الكتاب والسنة من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا شك أن الأحاديث المذكورة مخصصة لتلك العمومات ، وهى متواترة المعنى، ولكن لا ينبغى أن يحط من قدر السلف الخارجين على أئمة الجور، فقد كان ذلك باجتهاد منهم ، كما لا ينبغى الركون إلى جمود الأحاديث كما فعل الكرامية والعيب على من قاوموا الظالمين . اهـ .
هذا ، وأكرر التنبيه إلى وجوب التخطيط السليم لكل حركة إصلاح ، وعدم اللجوء إلى العنف إن أمكن الوصول إلى الهدف سلميا ، وإلى إتيان البيوت من أبوابها ، وإلى أن القول المأثور "كما تكونون يولى عليكم " يحتم علينا إصلاح أنفسنا أولا ليكون من نرتضيهم ممثلين لنا، ومن يرتضونه حاكما علينا صالحين لأداء واجبهم ومحلا للرجاء فيهم ، ولعل دراسة الحركات الإصلاحية فى المجتمع الإسلامى دراسة واعية ، توصلنا إلى رسم الطريق الأمثل للإصلاح . والله ولى التوفيق(10/187)
إمام الدولة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تنصيب إمام للجماعة واجب ، وما هى الإجراءات الدينية لذلك ؟
An إقامة رئيس على جماعة أمر يرشد إليه العقل ويؤكده الشرع ، فالناس فى حاجة إلى من يحتكمون إليه عند التنازع ، ومن يسهر على مصالحهم بجلب الخير لهم ودفع الضر عنهم ، وقديما قال الشاعر الجاهلى "الأفوه الأودى" .
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا ومن التوجيهات الإسلامية إذا كان هناك ثلاثة أن يؤمروا عليهم أحدهم فكيف بالجماعة الكبيرة؟ وفقهاء الإسلام مجمعون على وجوب إقامة إمام . مع اختلافهم فى كون هذا الوجوب عقليا أو شرعيا ، وبصرف النظر عن أدلة كل فإن النتيجة هى وجوب إقامة إمام . وعلى من يأنس فى نفسه الأهلية أن يتولى الإمامة ، فإن لم يتولها أحد خرج من الناس فريقان : أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماما ، والثانى أهل الإمامة حتى يُنصَّب أحدهم إماما ، أى ناخبون ومرشحون . ولابد أن يكون الناخبون عدولا عالمين بمن يختارونه ، وذوى رأى وحكمة ليستطيعوا اختيار أفضل المرشحين ولابد أن يكون المرشحون عدولا أيضا ،. لديهم مقدرة علمية للحاجة إليها فى النوازل والأحكام بالاجتهاد ، وحواسهم سليمة كذلك أعضاؤهم التى يباشرون بها التنفيذ ، وعلى رأى سديد يؤدى إلى حسن السياسة وتدبير المصالح ، وقد اشترط بعض العلماء أن يكون المرشح قرشيا، للنص الوارد فى ذلك ، ولكن محله إن وجد، فإن لم يوجد بشروطه رشح لها أصلح الموجودين مراعى فيه قوة مركزه وهيبته .
هذا ما قاله العلماء فى إمام الجماعة، والمسلمون المذكورون فى السؤال إن لم يجدوا من تتحقق فيه هذه الشروط فلا ينبغى أن يتركوا أمرهم سدى، وعليهم اختيار من هو أقرب إلى الخير ليكون رئيسا لهم وعليهم أن يتعاونوا معه بالنصح والتوجيه والطاعة فى المعروف ، فإن استقام على الطريقة فبها ، وإلا كان لهم عزله وتولية غيره .
هذا ما أراه من المخرج لحالتهم ، مراعيا ارتكاب أخف الضررين ، أو عدم سقوط الميسور بالمعسور، وظنى أن ذلك لا يتم إلا إذا كانت هذه الجماعة مستقلة استقلالا تاما عن المؤثرات الأخرى التى لا تترك لهم الحرية لتولية من يشاءون ، والأمر يحتاج إلى تحرٍّ ودقة ودراسة لكل الظروف لمعرفة مدى إمكان النجاح لهذه العملية فى المناخ الواقع والجو المسيطر(10/188)
ليلة القدر وليلة المولد النبوى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أيهما أفضل ، ليلة القدر أم ليلة المولد النبوى ؟
An تحدثت كتب السيرة فى بيان هذه الأفضلية ، ورجح الكثيرون أن ليلة المولد أفضل ، لأنها السابقة على ليلة القدر وهى الأصل ، وأن ليلة القدر شرفت بنزول القرآن والملائكة ، وليلة المولد شرفت بظهور محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من الملائكة ، والقرآن نزل عليه بعد ميلاده ، وبغير ذلك من وجوه التفضيل ، ولكنى أرى أن الجدل فى مثل هذه الأمور لا ينبغى إلا إذا كان من ورائه خير للمتجادلين فيه ، وبناء على هذا أقول : إن ليلة المولد وليلة القدر باعتبار أن البعثة كانت فيها كلتاهما نعمة من الله كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشكر ربه عليهما بصيام يوم الاثنين من كل أسبوع ، كما رواه مسلم .
ولم تشرع لنا عبادة بمناسبة المولد النبوى فى حين شرع لنا قيام ليلة القدر، فهى لنا فضل وبركة من هذه الوجهة ، وإن كان مولده صلى الله عليه وسلم نعمة على العالم كله بمقتضى رسالته التى قال الله فيها : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء : 107(10/189)
منبع نهر النيل والفرات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا فى قصة الإسراء والمعراج أن النيل والفرات ينبعان من سدرة المنتهى فى السماء، فكيف يتفق ذلك مع ما هو معروف عن منابع كل منهما فى أفريقيا وآسيا ؟
An جاء فى حديث البخارى ومسلم عن الإسراء والمعراج قوله صلى الله عليه وسلم "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل فلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ، ، وإذا أربعة أنهار ، نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال أما الباطنان فنهران فى الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات " وجاء فى رواية للبخارى (فإذا فى أصلها أى سدرة المنتهى ، أربعة أنهار) وعند مسلم (يخرج من أصلها) وعند مسلم أيضا من حديث أبى هريرة (أربعة أنهار من الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان ) ووقع فى رواية شريك كما عند البخارى أنه رأى فى سماء الدنيا نهرين يطردان -يجريان - فقال له جبريل : هما النيل والفرات عنصرهما . وجاء فى رواية البيهقى :(فإذا فيها -السماء السابعة- عين تجرى يقال لها السلسبيل ، فينشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر يقال له : نهر الرحمة) وفى رواية لمسلم :
(سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة) ووقع فى حديث الطبرى عن أبى هريرة : (سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار، نهر من ماء غير آسن ونهر من لبن لم يتغير طعمه ونهر من خمر لذة للشاربين ونهر من عسل مصفى) .
هذه بعض الأحاديث بروايات مختلفة عن النيل والفرات وغيرهما من الأنهار المشهورة فى الدنيا ، وقد كثر الكلام عليها وبخاصة فى تحديد المنابع ، وهل النيل والفرات اللذان عند سدرة المنتهى هما النيل والفرات اللذان فى الأرض أو غيرهما؟ وكلام الشراح للأحاديث كله اجتهادى ، وفيه تضارب ، ومن الصعب التوفيق بين ما قالوه وبين ما يقوله علماء الجغرافيا فى تحديد منابع النيل والفرات ، وأبادر فأقول :
إن المسألة ليست من العقائد التى يتوقف عليها الإيمان ، وليست من الشريعة التى كلف بها المسلم ، فجهلها لا يضر الدين ، والقاعدة فى مثل هذه الأخبار التى يناقض ظاهرها العقل فى مسلماته الثابتة أن ينظر إلى الخبر فإن لم يكن ثبوته بوجه يقبل فى العقائد، وهو الصحة-على خلاف فى مراتبها - فلا داعى لمحاولة فهم النص والتوفيق ينه وبين العقل الذى يقدم عليه . وإن ثبت أن الخبر صحيح فيجب التسليم به ولا يجوز إنكاره وهنا يجب صرفه عن ظاهره بالتأويل ليتفق مع العقل فى قضاياه المسلمة أو الواقع فى مشاهدته المحسوسة ، ولا ينبغى تأويله لصعوبة فهمه فقد تكشف الأيام والمكتشفات عن صدقه ، وقد تسرع بعض الكُتَّاب فأنكر بعض هذه الأخبار أو أولها ثم ظهر بعد أنها صادقة فى معانيها التى جاءت بها ، وإليك بعض النماذج من شرح هذا الحديث : قال النووى فى شرحه لصحيح مسلم : أصل النيل والفرات من الجنة ، وأنهما يخرجان من أصل السدرة ، ثم يسيران حيث شاء الله ، ثم ينزلان إلى الأرض ، ثم يسيران فيها، ثم يخرجان منها .
وهذا لا يمنعه العقل ، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد . ثم يتابع النووى قوله فيقول : وقول عياض : الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى فى الأرض ، لقوله : إن النيل والفرات يخرجان من أصلها ، وهما يخرجان من الأرض فيلزم منه أن أصل السدرة فى الأرض - متعقب . أن خروجهما من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض ، والحاصل أن أصلهما من الجنة ويخرجان أولا من أصلها ثم يسيران إلى أن يستقرا فى الأرض ثم ينبعان . هذا كلام النووى الذى يقول : إن العقل لا يمنعه وما دام الخبر قد ثبت به فلنعتمده ، صحيح أن العقل لا يمنعه فالله قادر على كل شىء ، ولكنه صعب التصور، ولا نسلم به إلا لصحة الخبر به .
لكن الألفاظ الواردة فى الخبر قد تدل على معان يسهل على العقل تصورها، فقد قال القرطبى: وقيل : إنما أطلق على هذه الأنهار من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة ،. وهذا هو الذى تميل إليه النفس إذا كان المراد بالنيل والفرات نهرى مصر والعراق ، أما إذا أريد بهما وبغيرهما أنهار الجنة حملت أسماء أنهار الدنيا حقيقة أو تشبيها كما يدل عليه حديث الطبرى عن أبى هريرة، وما جاء عن كعب الأحبار عند البيهقى فلا صعوبة فى فهم الأحاديث ، ولزيادة المعلومات للترف العقلى راجع شرح الزرقانى للمواهب اللدنية للقسطلانى فى حديثه عن الإسراء والمعراج(10/190)
مرض الصرع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لى طفل تنتابه أحيانا حالة عصبية ويتشنج ثم يفيق ، وقيل لى : اقرئى عليه قرآنا ليحفظه الله من هذا الصرع ، فهل هذا صحيح ؟
An هناك أمراض عصبية ترجع إلى مؤثرات جسمية أو نفسية يعرفها الأطباء بالفحص ويعالجون مصدرها بالعقاقير والأدوية الحديثة أو الوسائل الأخرى التى يعرفها أهل الذكر ، ولا بد من عرض المريض عليهم أولا: فإن شفى فبها ، وإلا كان الصرع له مصدر آخر، وهذا المصدر الآخر يشك فيه كثير من الناس ، وإن كانت الأحوال النفسية والروحية حقيقة واقعة لا مجال للشك فيها ، ولها مدارسها المتخصصة الآن ، وقد تحدث ابن القيم فى كتابه "زاد المعاد" عن الصرع . فقال :
الصرع صرعان ، صرع من الأرواح الأرضية الخبيثة، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثانى هو الذى يتكلم فيه الأطباء سببه وعلاجه ، وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه ، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها .
ثم قال ابن القيم : لا ينكر هذا النوع من الصرع إلا من ليس له حظ وافر من معرفة الأسرار الروحية ، وأورد بعض الحوادث التى حدثت أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأثر قوة الروح وصدق العزيمة فى علاجها ، وأفاض فى النعى على من ينكرون ذلك .
هذا ، وإذا كانت للصرع عدة أسباب ، منها مادية ومنها نفسية أو روحية أو أخرى ، فلا ينبغى أن ننكر ما نجهل ، فالعالم مملوء بالأسرار، وقد بدأ العلم يكشف بعضها، وفى الوقت نفسه لا ينبغى أن يتخذ ذلك ذريعة للدجل والشعوذة واستغلال جهل الناس أو سذاجتهم ، فلنلجأ إلى الوسائل المادية أولا، وهى كثيرة وسهلة التناول ، فإن عجز المخلوق فلنتوجه إلى الخالق بالإيمان به وصدق الاستعانة والثقة به ، كما استغاثه الأنبياء فكشف عنهم الضر ونجاهم من الغم ، والقرآن خير شاهد على هذه الحقيقة -والله أعلم(10/191)
الرؤى والأحلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين الرؤيا والحلم ؟
An ا - الرؤى والأحلام ظاهرة موجودة منذ وجود الإنسان ، ومن أشهرها ما حكاه القرآن الكريم من رؤيا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده إسماعيل ، ورؤيا يوسف لسجود الكواكب له ، ورؤيا فرعون البقر والسنابل ، ورؤيا النبى صلى الله عليه وسلم دخول المسجد الحرام . .
2 - والناس مختلفون فى هذه الظاهرة كيف تحدث ؟ فقال الماديون من قدامى الفلاسفة ومن بعض المعاصرين : إنها من الطبائع الأربعة الموجودة فى الإنسان ، فإن غلبت عليه "السوداء " رأى القبور والسواد والأهوال ،وان غلبت عليه "الصفراء " رأى النار والمصابيح والمصبوغات ، وإن غلبت عليه "البلغم " رأى البياض والمياه والأمواج وإن غلبت عليه "الدم " رأى الشراب والرياحين والمزامير .
يقول النابلسى صاحب كتاب "تعطير الأنام فى تعبير المنام " : هذا الذى قالوه نوع من أنواع الرؤى وليست محصورة فيها ، فهناك ما يكون من حديث النفس ، وما يكون من غير ذلك .
ويقول النووى فى شرحه لصحيح مسلم "ج 15 ص 16"عند حديث "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان " : إن الحُلْم - بضم الحاء وسكون اللام - فعله الماضى حَلَم - بفتح اللام - والرؤيا مقصورة مهموزة ويجوز ترك همزها ، ونقل عن الإمام المازرى مذهب أهل السنة فى حقيقتها ، وهو أن الله تعالى يخلق فى قلب النائم اعتقادات كما يخلقها فى قلب اليقظان ، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة ، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها عَلَمًا - علامة - على أمور أخر يخلقها فى ثانى الحال .. ، أى فى وقت آخر لاحق - أو كان قد خلقها ، فإذا خلق فى قلب النائم الطيران وليس بطائر، فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علما -علامة -على غيره ، كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علما على المطر، والجميع خلق الله تعالى ، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التى جعلها علما على ما يَسر بغير حضرة الشيطان -حضوره - ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان ، فينسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان " لا على أن الشيطان يفعل شيئا ، فالرؤيا اسم للمحبوب ، والحلم اسم للمكروه ، هذا كلام المازرى ، وقال غيره : أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف ، بخلاف المكروهة ، وإن كانت جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما، لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها اهـ .
ويقول النابلسى : يقول بعضهم : الرؤيا ثلاثة : بشرى من الله تعالى " وهى الرؤيا الصالحة ، ورؤيا تحذير من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه ، فرؤيا تحذير الشيطان هى الباطلة التى لا اعتبار لها، وفى الحديث الصحيح -رواه مسلم -أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : رأيت كأن رأسى قطع وأنا أتْبَعه - أى أجرى وراءه - فقال : "لا تتحدث بتلاعب الشيطان بك فى المنام " وأما الرؤيا التى هى من همة النفس فمثل أن يرى الإنسان نفسه مع من يحب قلبه ، أو خاف من شىء فيراه ، أو يكون جائعا فيرى أنه يأكل ، أو ممتلئا فيرى أنه يتقايأ، أو ينام فى الشمس فيرى أنه فى نار تحرقه .
ثم ذكر النابلسى الأقسام السبعة للرؤيا الباطلة ، وهى حديث النفس والهم ،والتمنى ، والحلم الذى يوجب الغُسل ، وما يكون من تخويف الشيطان ، وما يقوم به السحرة ، ورؤيا الشيطان ، ورؤيا الطبائع إذا اختلفت وتكدرت ، ورؤيا الوجع والألم لشىء مضى .
وكلام النابلسى يلتقى مع من يفسرون ظاهرة الرؤيا فى هذه الأيام بأنها رغبات مكبوتة تطفو على السطح عند نوم الإنسان وما يتأثر به جسمه وتتطلبه طبيعته وحرم منه فى حال يقظته كالجوع والعطش والحر والبرد، وهذا ما لجأ إليه "سيجموند فرويد"! وغيره .
ثم يذكر النابلسى الأقسام الخمسة للرؤيا الحق ، وهى رؤيا الأنبياء ، وهى جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، قال تعالى عن إبراهيم {يا بُنىَّ إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى} الصافات : 102 ، وقال عن الرسول {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام . . . } الفتح : 27 ، وهذه الرؤيا صريحة لا يريها إلا الله دون وساطة ملك .
2 - والرؤيا الصالحة التى يبشر الله بها الصالحين ، كما أن المكروهة زاجرة يزجرك بها .
3-ما يريها المَلَكُ على حسب ما علَّمه الله من أم الكتاب ، وألهمه من ضرب الأمثال الحكيمة لكل شيء من الأشياء مثلا معلوما .
4-الرؤيا المرموزة وهى من الأرواح، كأن يرى الإنسان فى نومه ملكا من الملائكة فيخبره بخبر لا يدل بالصراحة بل بالرمز .
5 - والرؤيا التى تصح بالشاهد ويغلب الشاهد عليها ، فيجعل الخير شرا والشر خيرا كالذى يرى أنه يقرأ القرآن فى الحمام ، فإنه يشتهر بأمر فاحش ، لأن الحمام موضع كشف العورات ولا تدخله الملائكة ، كما أن الشيطان لا يدخل المسجد .
وتحدث النابلسى عن العملية التى تتم بها الرؤيا والأحلام - بعدما ذكرنا من كلام المازرى الذى نقلة النووى - يقول المعبرون للرؤيا من المسلمين : الرؤيا يراها الإنسان بالروح ويفهمها بالعقل ، ومستقر الروح نقطات دم فى وسط القلب ، ومستقر القلب فى رسوم الدماغ والروح معلق بالنفس ، فإذا نام الإنسان امتد روحه مثل السراج أو الشمس فيرى بنور الله وضيائه ما يريه ملك الرؤيا ، وذهابه ورجوعه إلى النفس مثل الشمس إذا غطاها السحاب وانكشف عنها ، فإذا عادت الحواس باستيقاظها إلى أفعالها ذكر الروح ما أراه . الملك وخيَّل له اهـ .
وهذه تفسيرات اجتهادية بتصويرات تقربها إلى الفهم ، لكن لا يعلم حقيقة الموضوع إلا الله سبحانه ، فهو من عالم الغيب وأحوال النفوس والأرواح وعلاقتها بالعقل للواعى-والباطن . من الأمور التى كثرت فيها الاجتهادات ولا يضرنا ذلك ما دمنا نعلم أن الرؤى والأحلام حقيقة واقعة فى الوجود بصرف النظر عن الكيفية التى تتم بها .
وتعبير الرؤيا ليست له قواعد ثابتة ، إنما هى ظنون تستخدم فيها وسائل كثيرة، وقد ألفت فيه كتب شتى، جمع أكثرها الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كتابه "تعطير الأنام فى تعبير المنام " الذى طبع وبهامشه كتابان أحدهما لابن سيرين " منتخب الكلام فى تفسير الأحلام " والثانى لابن شاهين ، "الإشارات فى علم العبارات " وأشار فى آخر مؤلفه إلى ، الكتب المؤلفة فيه . وإلى كتاب "طبقات المعبرين " للحسن بن الحسين الجلال الذى ذكر أن هناك 7500 معبِّر تخير منهم 600 سماهم فى كتابه "تعبير الرؤيا" واقتصر على 105 من مشاهيرهم ،وجعلهم 15طبقة .
وتطرق النابلسى إلى الكلام على عدة نقط ، منها أن الحائض والجنب قد تكون رؤيتهما صحيحة ، فقد عبَّر يوسف رؤيا فرعون ، كما تصح رؤيا الصبيان ، كرؤية يوسف لسجود الكواكب له ، وأن الإنسان قد يرى الرؤيا فتكون له وقد تكون لغيرة من أقاربه وزملائه ومن تسموا باسمه ، وذكر منها رؤيا أبى جهل أنه أسلم وبايع النبى صلى الله عليه وسلم فكانت لابنه عكرمة، وأن أم الفضل رأت أن قطعة من جسم النبى وضعت فى حجرها فأولها أن فاطمة ستلد ولدا من ابن عمها فولدت الحسن وأخذته أم الفضل فى حجرها .
كما تحدث عن أحسن الأوقات التى تصدقه فيها الرؤيا واختلاف الناس فيها ، هل هى السَّحر أو النهار أو القيلولة . . . ونبَّه على أن من يريد أن تصدق رؤياه فليكن ملتزما للصدق فى حياته ، وأن ينام على وضوء ، وقال : إن المعبِّر للرؤيا لابد أن يكون ذا فراسة ودراية وأن يبدأ بقوله لصاحب الرؤيا : خير إن شاء الله ، وأن تعبير الرؤيا يختلف من شخص إلى شخص ومن بيئة إلى بيئة ومن دين إلي دين ومن فصل زمنى إلى فصل آخر فالسفرجل عند الفرس عز وجمال ، وعند العرب سفر وجلاء، وأكل الميتة نكد عند من يحرمونها، ورزق عند من يستحلونها، والتدفئة بالنار والشمس خير فى الشتاء ، وشر في الصيف ،والثلج والجليد غلاء وقحط فى البلاد الحارة، وخصب وسعة فى البلاد الباردة .. .
وذكر ما ينبغى أن يعمله الشخص إذا رأى شيئا يفزعه ، وبعضها مأخوذ من أحاديث نبوية سأذكر بعضها فيما يلى كما فى صحيح مسلم "ج 15 ص 16 وما بعدها" .
10 -"الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره " وجاءت روايات تعبر عن النفث بالتفل وبالبصق ، أكثرها تعبر بالنفث ،ولعل المراد به النفخ اللطيف بلا ريق ، .ومعنى لا تضره أن الله جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليه، كما جعل الصدقة سببا لدفع البلاء ووقاية للمال .
2 - "الرؤيا الصالحة من الله ، والرؤيا السوء من الشيطان ، فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره، ليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره، ولا يخبر بها أحدا ، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب " وذلك حتى لا تقع عن تفسيره المكروهة، وحتى لا يستغلها عدوك فيفسرها بالسوء حتى يحزنك .
3- "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا - وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذى كان عليه " .
4- "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة، والرؤيا ثلاثة، فرؤيا صالحة بشرى من الله - ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه ، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس" .
جاءت روايات بأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين ، أو من سبعين، وفي روايات لغير "مسلم " من أربعين ومن تسعة وأربعين ومن خمسين، ومن ستة وعشرين ، ومن أربعة وأربعين، وتوضيح ذلك مبسوط في الكتب "النووى على مسلم ج 15 ص 21" واقتراب الزمان قيل المراد به اعتدال الليل والنهار، وقيل قرب قيام الساعة" .
5- "من رآنى فى المنام فقد رآنى فإن الشيطان لا يتمثل بى"(10/192)
موقف الإسلام من المخالف فى الرأى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز قتل الإنسان الذى يخالف رأى الدين ؟
An كلمة الرأى كلمة عامة تشمل رأى من ليس مسلما، ورأى المسلم ، ورأى المسلم قد يكون عقيدة وقد يكون حكما فى فروع الشريعة .
(أ) فرأى غير المسلم أقصاه الكفر بالإسلام ، والكفر لا يبيح قتل الكافر ابتداء . وإنما يبيح رد العدوان الصادر منه ، قال تعالى { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } التوبة : 17 وقال { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تَبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } الممتحنة : 8 ، فإن نكثوا العهد وظهرت بوادر العدوان أو بدءوه بالفعل ، أو اعترضوا طريق الدعوة أباح الإسلام قتالهم ، قال تعالى : { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون } التوبة : 12 ، وقال تعالى { وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } البقرة : 190 إلى غير ذلك من النصوص .
(ب) والمسلم المخالف فى-رأى عَقَدِى ، أو فى عقيدة من العقائد الدينية، إما أن ينكر أمرا مجمعا عليه ، أو لا، فإن أنكر أمرا مجمعا عليه كوحدانية اللّه ووجوب الصلاة وحرمة القتل كان مرتدا ، وحكمه الاستتابة مدة اختلف العلماء فى تحديدها ، فإن أصَّر على ردته قتل لقول النبى صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخارى .
وقد تقدم أن الذى ينفذ الحدود هو الحاكم أو من يأذن له ، ولو نفذه أحد غيره أثم ، وله عقوبة عند الله ، ويجوز لولى الأمر أن يعزِّره على ذلك ، والتعزير قد يكون بالقتل كما يراه الإمام أبو حنيفة .
وإذا لم ينكر أمرا مجمعا عليه فالواجب هو محاورته لبيان الحق ، قياما بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا يجوز التعدى عليه أو قتاله إذا لم يرجع عن رأيه ما دام مسالما لم يبدأ بعدوان ، لأنه ما زال مسلما ولا يخرج بخلافه عن دائرة الإيمان كالمعتزلة والخوارج ، والحديث يقول " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " رواه مسلم .
فإن بدأ بعدوان وجب رده ففى الحديث الشريف " من قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عِرضه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد" رواه أبو داود وللترمذى وقال : حديث حسن صحيح . فإن كان المخالفون جماعة وخرجوا على الحاكم فهم بغاة ، وللحاكم أن يقاتلهم بعد التفاوض معهم ، وذلك جمعا للكلمة وتوحيدا للصف ، قال تعالى :{فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله } الحجرات : 9 .
(ج) وإذا كان الخلاف فى رأى فقهى من الأحكام الفرعية فلا يجوز التعدى بأى نوع من الاعتداء على المخالف ، فضلا عن قتاله، فالإسلام عصم الدماء إلا بحقها ، والحديث يقول " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، الثَّيِّبُ الزانى ، والقاتل ، والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه مسلم .
كما أجاز محاربة المسلم حتى لو لم يخالف فى عقيدة أو رأى فقهى إذا كان مفسدا قال تعالى :{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خِلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم} المائدة : 33 .
والخلاصة أن الدماء فى الأصل مصونة، لا يجوز إهدارها إلا لمبررات قوية ، وهى محددة بيَّنها الكتاب والسنة . والقتل بدون وجه حق من أكبر الكبائر، جاء فى التحذير منه نصوص كثيرة، منها قوله تعالى {ومن يَقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابا عظيما} النساء : 93 ، وما دام هناك خلاف فى مسألة فالرأى فيها غير قطعى لا يجوز أن يكون مبررا للحكم بالردة وبالقتل فالحديث يقول : "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم . . . "رواه أحمد والترمذى .
ومن أقوى علامات الشبهة عدم القطع به والاتفاق عليه . ولو استباح كل إنسان قتل من يخالفه فى رأى لهلكت البشرية كلها ، فما يزال الاختلاف فى الأديان والعقائد والآراء سمة الناس بمقتضى طبيعتهم التى خلقهم اللّه عليها، قال تعالى{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم }هود:118 ،119 وقال تعالى{ولو شاء ربك لآمن مَنْ فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس : 99 . وإذا كان حديث البخارى المروى عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما " فما بالكم بقتل المسلم بغير وجه حق ؟ ألا إن المخالفة فى الرأى يمكن معالجتها بالحوار المخلص والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتى هى أحسن كما أمر الله نبيَّه بذلك ، وليس القتل وسيلة وحيدة للعلاج ، فزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ، كما جاء فى صحيح مسلم(10/193)
الخدمة العسكرية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو موقف الإسلام من الخدمة العسكرية ؟
An قال علماء الاجتماع قديما وحديثا إن الأمن من أهم أركان المجتمع السليم ، وأن من واجب الحاكم حراسة الأمة من عدو أو باغ على نفس أو مال أو عرض ، وهذا يقتضى تكوين جيش قوى لهذه المهمة .
والإسلام يدعو إلى ذلك من أجل إقرار الأمن والدفاع عن الحرمات ، وجاء التعبير عنه فى القرآن والسنة باسم الجهاد، والجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض من القادرين عليه سقط الطلب عن الباقين ، ويكون فرض عين على كل إنسان عند الهجوم علينا أو أمر ولى الأمر بالنَّفْر والخروج له ، والنصوص فى ذلك كثيرة منها قوله تعالى {كتب عليكم القتال وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } البقرة : 216 ، وقوله تعالى {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله} التوبة : 41 ، ورغَّب فيه بمرغبات كثيرة منها قوله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون فى سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } التوبة : 111 ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى "إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " .
وحذر من التقاعد والتقاعس عنه فقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل اللّه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل . إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا} التوبة : 38 ، 39 .
ولأهمية القوة العسكرية كان الإسهام فيها بأى نوع من الإسهام له ثوابه العظيم ، ففى الحديث "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أبو داود بسند صحيح وفيه أيضا " من جهز غازيا فقد غزا ، ومن خلف غازيا فى أهله بخير فقد غزا" رواه البخارى ومسلم .
ومن هنا جاء الأمر بالاستعداد القوى له فقال سبحانه {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم } الأنفال : 60 ، وحث على التدريب على كل الأسلحة ، وكان منها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ركوب الخيل والرمى فقال " من ترك الرمى بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها" رواه أبو داود ، وأمر بأن يعيش كل إنسان فى جو الاستعداد للطوارئ فقال " من لم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق " رواه مسلم وقال " من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " رواه مسلم . والخدمة العسكرية تدريب واستعداد وأخذ بالحذر واحتياط للمفاجآت ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم } النساء : 71 ، وقال تعالى {ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة} النساء : 102 ، والمؤدى للخدمة العسكرية مُرَابط وفى الحديث " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه " رواه مسلم . وهى أمر تنظيمى إلى جانب أنه أمر إلهى دينى ، فلابد من طاعة ولى الأمر فيه لأنه للمصلحة ولا معصية فيه .
إن المتهرب من الخدمة العسكرية واحد من اثنين ، فهو إما جبان يخاف على نفسه أو ماله أو أهله ، وإما جاسوس متواطئ على الأمة مع العدو المتربص ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهو سلبى والسلبية من أكبر عوامل الانهزام فى المعارك أيا كان ميدانها ، ومن لم يهمه أمر المسلمين فليس منهم كما فى الحديث المقبول ، فالفرار من المعركة من كبائر الذنوب ، والتحايل على عدم المشاركة فى الجهاد من صفات المنافقين الجبناء والمتواطئين على الإسلام ، فقد استأذن جماعة منهم عند خروج الرسول إلى الغزو متعللين بأسباب واهية كخوف الفتنة بنساء العدو كما قال سبحانه { ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين . إن تصبك حسنة تسوءهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} التوبة : 49 ، 50 ، وفى ذلك بيان لسوء نيتهم وكراهية الخير للمسلمين ، وذم الله تخلُّفَهم بدون عذر فقال {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } التوبة : 87 ، والخوالف هم المتخلفون الذين لم يحظوا بشرف الجهاد ، من النساء والصبيان والمرضى وذوى العاهات ، كما ذمهم بقوله {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، فَضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ... } النساء : 95 .
لعل بعض المتهربين من شرف الخدمة العسكرية يقول : إن الجيوش الآن لا تقوم بالجهاد الحقيقى لنشر دين الإسلام ، ونقول : إن الجهاد ليس هجومًا على الآمنين وإنما هو دفاع أو تأمين لطريق الدعوة، والبدء به ممنوع كما دلت على ذلك النصوص ، فهو لدفع عدوان واقع أو مترقب دلَّت عليه القرائن ونقول لهؤلاء المتخلفين : من الذى يدافع عنكم إذا أغار عليكم العدو؟ هل تنتظرون من غيركم -وأنتم ترمونهم بالكفر أو الفجور-أن يدافعوا عنكم ؟ وهل تستسلمون للعدو وأنتم لا تحسنون الدفاع عن أنفسكم ؟ كيف غاب عنكم ما رواه مسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم :
أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى ؟ فقال له "فلا تعطه مالك " قال :
أرأيت إن قاتلنى؟ ؛ قال : "قاتلْه " قال : أرأيت إن قتلنى؟ قال : " فأنت شهيد" قال أرأيت إن قتلته ؟ قال " هو فى النار " والحديث يقول أيضا "من قُتلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" رواه أبو داود والترمذى وقال :
حديث حسن صحيح .إن الخدمة العسكرية تعلمك كيف تدفع العدو وتحمى نفسك ومالك وعرضك ودينك وكل المقدسات ، وتنال بذلك شرف الشهادة .
ولعل بعض المتخلفين عن الخدمة بدون عذر يقول : إن الجهاد لا يجب تحت قيادة كافرة، ونقول له ، أين أنت من قول النبى صلى الله عليه وسلم "والجهاد ماض منذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " رواه أبو داود .
وهو يدل على صحة الجهاد تحت قيادة الفاجر، ولكل واحد جزاء عمله ، وعلى الجندى طاعة قائده فى الأوامر العسكرية منعا للتفرق {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} الأنفال : 46 ، والنبى صلى الله عليه وسلم كان يولى قيادة الجيش مَنْ هو خبير بفنون القتال ، أما عمله الخاص فهو له ، وفى حديث البخارى ومسلم " إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " وذلك بمناسبة انتحار رجل يظهر الإسلام وقد أبلى بلاء حسنا فى المعركة ، وأخبر عنه الرسول بأنه فى النار .
يقول ابن تيمية فى كتابه " السياسة الشرعية " : يقدَّم فى ولاية الحروب القوى الشجاع وإن كان فيه فجور، يقدم على الضعيف العاجز وإن كان أمينا، كما سئل أحمد بن حنبل عن رجلين فى الغزو، أحدهما قوى فاجر والآخر صالح ضعيف ، فقال : أما الفاجر القوى فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين ، فَيُغْزَى مع القوى الفاجر، والنبى صلى الله عليه وسلم وَلَّى خالد بن الوليد الذى قال عنه إنه سيف سَلَّه الله على المشركين مع أنه أحيانا كان يعمل ما ينكره عليه ، ورفع مرة يديه إلى السماء وقال "اللهم إنى أبرأ إليك مما فعل خالد "وذلك حين أرسله إلى (جُذَيْمَةَ) فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ، فتحمل النبى صلى الله عليه وسلم دياتهم .
إن الجهاد شرف عظيم لا يفر منه إلا الجبناء أو المنافقون . ولشرفه كان الصحابة يتسابقون إليه ، ومن لم يَفُز بهذا الشرف لعذر كان يحزن ويبكى ويحاول تقديم خدمة لأمته ولو بالعفو عن الحقوق التى له عندهم كما فعل عُلْبة بن زيد فى غزوة تبوك ، وكان صغار الصحابة يتنافسون أمام الرسول لإظهار قوتهم حتى يقبلهم ضمن المقاتلين ، وكان الرجل من السلف الصالح إذا خرج للغزو طلب من أهله أن يدعوا اللّه ألا يرجع إليهم ، وذلك شوقا إلى الشهادة فى سبيل اللّه .
وإذا صح أن الإمام مالكا قال : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، فإن مما صلح به الأولون حب الجهاد وخدمة الإسلام بما يمكن من قوة ومال وجهد فى أى ميدان من ميادين الخير(10/194)
العدسات اللاصقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الإسلام فى العدسات اللاصقة الملونة التى يقصد بها الزينة ؟
An أول ما سمعنا عن العدسات اللاصقة أنها بدل العدسات الموجودة فى المنظار (النظارة) يستغنى بها عن الإطارات (الشنابر) التى تؤثر على بعض مواضع فى الوجه ، وقد تقع أو تضيع فتكون الحيرة عند من يعتادها .
وفى أول استعمال العدسات اللاصقة كانت تحتاج إلى إجراءات فى تركيبها وقد تحدث مضايقات للعين كجسم غريب ليس من جنسها، وحاول المختصون تسهيل هذه الإجراءات والتقليل من المضايقات وكان استعمالها أولا لإصلاح النظر الطويل أو القصير، ولم يعلق عليها الناس بمدح ولا ذم كما لا يعلقون على (النظارة العادية) .
ولكن جاء التعليق عليها عندما روعى فيها ناحية الجمال فاختيرت لها ألوان لتبدو العين فى شكل جذاب يلفت النظر ويزيد من عدد المعجبين بالعيون الخضراء التى لا يفرق الناظر إليها بين ما هو طبيعى وبين ما هو صناعى ، فما هو موقف الدين من الإقبال على هذه العدسات اللاصقة ذات الألوان الجذابة؟ أعتقد أن الجنس الخشن إذا استعمل العدسات اللاصقة إنما يستعملها لإصلاح نظره، وهو استعمال طبى يعالج به -كما قلت - قصر النظر أو طوله ، وهذا أمر مستساغ ومشروع ، مثله مثل (النظارة العادية) وكذلك الجنس الثانى إذا استعملها طبيا فلا غبار عليها شرعا وعرفا .
لكن إذا استعملت للزينة ولفت الأنظار، فإن لهذا القصد دخلا فى تكييف الحكم عليها ، مثلها مثل النظارات العادية قد تختار لها (شنابر) غالية وترصع ببعض الفصوص البراقة مع سلك ذهبى أو من معدن ثمين ، وقد يكون أكثر من ذلك مما يَتفَنَّنُ فيه ذوو الخبرة الفاهمون لطبيعة الإنسان فى علاقته بالمجتمع .
فإذا كان القصد مباهاة وفخرا ، أو جذبا لأنظار الجنس الآخر كان ذلك ممنوعا شرعا دون خلاف فى ذلك ، والعدسات اللاصقة التى يختار لها اللون الأخضر تحرص عليها الفتيات بالذات ، وهنا يدخل عامل النية والقصد فى الحكم ، فإن كانت النية الفتنة والإغراء ، أو كانت النية التدليس والتغرير فلا شك فى حرمتها ، مثلها فى ذلك الأصباغ التى تلون بها وجهها والأهداب الصناعية والأظافر الملونة والعطور النفاذة وما يماثل ذلك .
والإسلام قد نهى عن التدليس والتغرير الذى يخفى الحقيقة ويخدع الناظر. ففى الحديث " من غشَّنا فليس منا " ونهى المرأة بالذات عن أن تبدى مفاتنها بأية صورة من الصور، وذلك لغير زوجها، مع التحفظ فيها لأقاربها ومحارمها ، كما نهاها عن الخضوع بالقول الذى يوقظ الغرائز ويلهب المشاعر {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض} الأحزاب : 32 ، ونهاها عن التعطر ليعجب بها من تمر عليهم ، والحديث يقول فى ذلك "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية" رواه أبو داود والترمذى وقال الترمذى : حسن صحيح وانظروا إلى كلمة "ليجدوا ريحها" لنعرف أن مناط الحكم فى التعطر أمام الأجانب هو قصد الإعجاب بها بشد أنوفهم إليها وبالتالى شد ما تريده من سوء ، والقرآن الكريم قد ذكر المنطلق الذى تحرم به كل المغريات وهو قصد إبراز ما خفى من زينتها إلى جانب ما ظهر منها، فقال : {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } النور : 31 .
يتلخص من كل ذلك أن الإسلام يريد أن ينظم العلاقة بين الجنسين ، ويجعلها فى حَيَزٍ ينتج الخير والمصلحة للطرفين ، فالغريزة الجنسية من أقوى الغرائز-إن لم تكن أقواها - تأثيرا على سلوك الإنسان ، والعدسات اللاصقة الملونة ومثلها كل زينة فى النظارات العادية أو فى غيرها ، إن أريد بها العلاج فقط فلا ضرر فيها ، وإن أريد بها الإغراء والفتنة أو التدليس والتغرير فهى محرمة ، وإذا كانت المرأة تحرص عليها حرصها على كل زينة لافتة للنظر فإن الرجل لا يليق به أن يهبط إلى هذا المستوى، فالله قد لعن تشبه أحد الجنسين فيما هو من خصائص الجنس الآخر، وأقول للجنسين : نحن الآن فى وضع اقتصادى واجتماعى يدعونا إلى الجد والانصراف إلى العمل المنتج ووضع كل شىء فى موضعه اللائق به ، والضرورات الملحَّة تشجب إهمالها وتشجب الانصراف عنها إلى العبث والإغراق فى المتع والكماليَّات(10/195)
العلاج عند غير المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا مريض ولا يوجد فى بلدى متخصص فى علاج مرضى إلا طبيب أجنبى ، هل يجوز أن أعالج عنده ؟
An فى كتاب " الآداب الشرعية" لابن مفلح : قال الشيخ تقى الدين ، إذا كان اليهودى أو النصرانى خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطب ، كما يجوز له أن يودعه المال وأن يعامله ، كما قال تعالى {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما} آل عمران : 75 .
وفى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر عبد الله بن أريقط وكان مشركا ، ليكون دليلا له فى الطريق لأنه ماهر خِرِّيت ، وائتمنه على نفسه وماله ، وكانت قبيلة خزاعة عينًا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ، ومنهم المسلم والكافر، وقد روى أنه أمر أن يُستطب الحارث بن كلدة وكان كافرا ، ومحل ذلك إذا كان غير متهم وليست فيه ريبة .
وإذا أمكن أن يستطب مسلما فلا ينبغى أن يعدل عنه ما دام كفءً ا للعلاج(10/196)
الفتوى بغير علم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يجترئون على الفتوى من غير أهل الاختصاص ويحدثون بلبلة بين الناس لتعصبهم لآرائهم ؟
An يقول اللّه سبحانه {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء : 88 ، ويقول {وفوق كل ذى علم عليم } يوسف : 76 ، ويقول {وقل رب زدنى علما } طه : 114 ، ويقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } النحل :
43 ، ويقول {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون } النحل : 16 .
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا" رواه البخارى ومسلم ويقول "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار " رواه الدارمى عن عبيد الله بن أبى جعفر مرسلا . ويقول "إن عيسى عليه السلام قال : إنما الأمور ثلاثة ، أمر تبين لك رشده فاتبعه ، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى عالم " رواه الطبرانى فى الكبير بإسناد لا بأس به . ويقول "ألا سألوا إذا لم يعلموا ، فإنما شفاء العى السؤال" رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطنى وصححه ابن السكن "بيان للناس " ج 1 ص 64" .
هذه بعض النصوص التى تدل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم فلن يحيط بكل شىء علما، وأن الجاهل بالحكم يجب عليه أن يسأل المختصين ، ومن أفتى بغير علم فقد كذب على الله وعلى الرسول ، ضل فى نفسه طريق الحق وأضل غيره عنه ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة كما فى الحديث الذى رواه مسلم .
ولهذا لا يجوز لأحد أن يفتى بغير علم ،أو يتعصب لرأى لم يطلع على ما يخالفه من آراء المجتهدين .
والنبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الروح وعن أهل الكهف وعن ذى القرنين فلم يجب حتى نزل عليه الوحى، غير عابئ بما يقوله المشركون والأعداء عندما تأخر الوحى عن الإجابة، ولما سئل عن خير البقاع وشرها قال : حتى أسأل جبريل ، كما رواه أحمد وهو بهذا يقف عند حد علمه ، ويرسم للناس من بعده الطريق الأمثل لنشر العلم والإجابة على الأسئلة ، وصح أنه قال لأميره "بريدة " إذا حاصر العدو أن ينزلهم على حكمه هو لا على حكم الله فإنه لا يدرى ما عند الله .
ونحن نعلم أن بعض الصحابة كانوا يسألون عن مسألة فيحيل على غيره ، وأن أبا بكر قال : أى سماء تظلنى وأى أرض تقلنى وأين أذهب وكيف أصنع إذا قلت فى حرف من كتاب الله بغير ما أراد اللّه تبارك وتعالى؟ وكان لعبارة "لا أدرى" عند القدامى منزلة وممارسة شائعة ، فقد روى فيها خبر " العلم ثلاثة، كتاب ناطق وسنة قائمة ولا أدرى " رواه الخطيب موقوفا على ابن عمر .
وروى أبو داود وابن ماجه نحوه مرفوعا "العراقى على الإحياء ج 1 ص 61 " .
وقال ابن مسعود : جُنَّةُ العالم لا أدرى ، فإن أخطأها فقد أصيبت مقاتله .
وكان ابن عمر يسأل عن عشر مسائل فيجيب عن واحدة ويسكت في تسع ، والإمام مالك سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال فى اثنتين وثلاثين منها : لا أدرى .
هذه كلها صور مشرقة عن السلف ترينا إلى أى حد كانوا يخشون الفتوى بغير علم ، على الرغم من الأمر بتبليغ الدعوة والتحذير من كتم العلم ، أرجو أن تكون نبراسا لكل من عنده بعض العلم أن يقف عند حده ، ولمن عنده رغبة فى نشر العلم أن يكون متثبتا مما يقول ، وأن من عرف رأيا اجتهاديا لا ينبغى أن يتعصب له .
وعلى أن يكون النشاط العلمى تحت مظلة الإخلاص لله ، بعيدا عن الرياء والشهرة ، وبريئا عن أغراض سيئة تضر بنفسه أو تضر بغيره أو تضر بسمعة الدين نفسه . "ملخص من بحث لى عن الفتوى ، ويمكن الرجوع إلى كتاب "الفقه الإسلامى - مرونته وتطوره " لشيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق على جاد الحق ، نشر سنة 989 ا م(10/197)
الكلب الأسود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل أرسل الله جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم ليعاتب جماعة من أصحابه بصقوا على كلب أسود ، اشمئزازا من منظره ؟
An لم أجد حديثا صحيحا عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الموضوع ، والثابت أنه عليه الصلاة والسلام كان يحذر من الكلب الأسود ، وأمر بقتله ، وأخبر أن مروره أمام المصلى يقطع الصلاة ، أى يذهب ثوابها لعدم الخشوع فيها بسبب الخوف من الكلب الأسود الذى عبر عنه بأنه شيطان(10/198)
أول من تكلم العربية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو أول من تكلم باللغة العربية ؟
An جاء فى تفسير القرطبى" ج 1 ص 283"قوله : واختلف فى أول من تكلم باللسان العربى ، فروى عن كعب الأحبار أن أول من وضع الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها وتكلم بالألسنة كلها آدم عليه السلام ، وقاله غير كعب الأحبار .
فإن قيل : قد روى عن كعب الأحبار من وجه حسن قال : أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلام ، وهو الذى ألقاها على لسان نوح عليه السلام ، وألقاها نوح على لسان ابنه سام . ورواه ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن كعب ، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين " وقد روى أيضا : أن أول من تكلم بالعربية يَعْرُب بن قحطان ، وقد روى غير ذلك .
قلنا : الصحيح أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام ، والقرآن يشهد له ، قال اللّه تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها}واللغات كلها أسماء ، فهى داخلة تحته ، وبهذا جاءت السنة ، قال صلى الله عليه وسلم " وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقُصيعة" وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام ، وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولا على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية ، بدليل ما ذكرنا ، والله أعلم، وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علَّمها اللّه آدم أو جبريل على ما تقدم .
واللّه أعلم .
وإذا كان القرطبى يرجح أن أول من تكلم بالعربية هو آدم ، فقد ذكر أنه قال الشعر العربى الموزون ، فنقل عن الثعلبى أنه قال عندما تغيرت الأحوال بسبب قتل قابيل لهابيل :
تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مُغبَرٌّ قبيح تغير كل ذى طعم ولون * وقَلَّ بشاشة الوجه المليح ثم قال : قال القشيرى وغيره قال ابن عباس : ما قال آدم الشعر، وإن محمدا والأنبياء كلهم فى النهى عن الشعر سواء ، لكن لما قتل هابيل رثاه آدم وهو سريانى، فهى مرسية بلسان السريانية أوصى بها إلى ابنه شيث وقال : إنك وصى فاحفظ منى هذا الكلام ليتوارث ، فحفظت منه إلى زمان يعرب بن قحطان ، فترجم عنه يعرب وجعله شعرا . اهـ وفى التعليق على تفسير القرطبى ، قال الآلوسى : ذكر بعض علماء العربية أن فى ذلك الشعر لحنا ، أو إقواء ، أو ارتكاب ضرورة . والأولى عدم نسبته إلى يعرب أيضا لما فيه من الركاكة الظاهرة ، وقال أبو حيان فى "البحر" :
ويروى بنصب "بشاشة" من غير تنوين على التمييز، ورفع "الوجه المليح "وليس بلحن .
هذا ما قال العلماء، وليس فيه نص صحيح ، إنما هو نقل غير مسند، واجتهاد واستنباط ، وذلك لا يوصل إلى حقيقة ، وجهلنا بأول من نطق العربية لا يضر العقيدة وعلمنا به لا يحل مشكلاتنا ، فالأولى عدم الجدال فيه(10/199)
اليمين الغموس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى اليمين الغموس ، ولم سميت بذلك ، وما هى كفارتها ؟
An اليمين الغموس هى التى تغمس صاحبها فى النار، وتسمى الصابرة كما وردت بها بعض الأحاديث ، وهى اليمين الكاذبة المتعمدة تهضم بها الحقوق ، أو يقصد بها الغش والخيانة ، وإن كان بعض الفقهاء خصها بالتى تكون فى ساحة القضاء ، لأنها تضلل العدالة .
واليمين الغموس من الكبائر ، وكفارتها التوبة النصوح التى لا تتم إلا برد الحقوق إلى أصحابها أو عفوهم عنها ، ومع التوبة قال الشافعى وأحمد : فيها كفارة ، لأنها كذب . روى أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خمس ليس لهن كفارة : الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبَهْتُ مؤمن -أى بالتهمة-ويمين صابرة يقطع بها مالا بغير حق " وروى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال "الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس " وروى أبو داود حديث "من حلف على يمين مصبورة - أى ألزم بها- كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار"(10/200)
التوبة والاستتابة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض الناس الرافضين لحد الردة يرفضون أيضا أن تطلب من المرتد توبة ، فالله وحده هو الذى يقبلها، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An هناك فرق بين طلب التوبة أى الاستتابة، وبين قبول التوبة، فطلبها من العاصى حق للّه وللرسول وحق للمؤمنين ، فاللّه سبحانه أمر بها فى مثل قوله {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم } التحريم : 8 .
وقوله {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور: 31 ، وأمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم فى مثل قوله "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه ، فإنى أتوب فى اليوم مائة مرة " رواه مسلم .
والمؤمن يجب عليه أن يطلب التوبة من العاصى قياما بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فى ظل قوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل : 125 ، وحذر الإسلام من السكوت على المعاصى ، فالرضا بها مشاركة فى الإثم ، ووضح الرسول معنى الآية {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة : 105 ، موضحا أن الاهتداء لا يكون إلا بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما رواه ابن ماجه والترمذى وحسَّنه وأبو داود "الترغيب ج 4 ص 28 " .
والمرتد ننصحه بالرجوع عن ردته ببيان الحق فيما يشك فيه لعله يهتدى ، أما قبول التوبة فهو أيضا قدر مشترك بين اللّه سبحانه وبين العباد، فقبولها من اللّه مرهون بالإخلاص فيها وصدورها من القلب لا من اللسان فقط ، فهو سبحانه لم يقبل من المنافقين ما لا يتفق ظاهرهم مع باطنهم ، وذلك بعد استكمال مقوماتها المعروفة . وقبولها بالنسبة لنا هو معاملته معاملة المسلم بحسب ظاهره فقط ، ولا شأن لنا بباطنه ، والأحاديث فى ذلك واضحة ، فالرسول قال لأسامة فى شأن من أسلم بلسانه "هلا شققت عن قلبه " مقررا أن علينا الأخذ بالظاهر لأنه المستطاع واللّه يتولى السرائر "بيان للناس من الأزهر الشريف ج 1 ص 141 - 146 " .
فقول القائل : إن التوبة حق لله يقبلها ويرفضها ، وليس لأحد سواه هذا الحق نابع من عدم الفهم الصحيح ، وتحريف للكلم عن مواضعه ، والوعيد عليه شديد(10/201)
التائب من الذنب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف تكون التوبة إلى الله توبة خالصة ، والعودة إلى الله بلا رجعة ؟
An التوبة إلى الله مطلوبة ، والآيات والأحاديث فى ذلك كثيرة، وشعور المؤمن بالنقص فى أداء الواجب لله يدعوه إلى الرجوع إليه ، حتى لو كان التقصير فى مندوبات ، فمن باب أولى تكون التوبة من التقصير فى الواجبات .
وقال العلماء : إن أركانها ثلاثة : الإقلاع عن الذنب ، والندم على ما فرط منه ، والعزم على عدم العودة إليه ، وإذا كان العصيان متعلقًا بحقوق الغير كالسرقة مثلا وجب رد المسروق إلى صاحبه أو طلب السماح منه .
ولا تقبل هذه التوبة إلا إذا كانت خالصة للّه صادرة من أعماق القلب لا يكتفى فيها باللسان فقط .
ولو وقعت التوبة بهذه المواصفات يرجى قبولها ، ويرجى استقامة السلوك بعدها .
وعدم العودة إلى المعصية أمر لا يجزم به الإنسان ، فالإنسان معرض للخطأ غير معصوم ، لكن لو صدق فى توبته ثم غلبه الشيطان وأخطأ ، ثم بادر بالتوبة الخالصة يرجى أن يعفو الله عنه ، فباب التوبة مفتوح إلى أن تقوم الساعة أو يحتضر الإنسان ، والمهم هو الإخلاص فيها ، والمبادرة بها عند المعصية(10/202)
العلاج بالزار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى حفلات الزار التى تقام كعلاج لبعض الأمراض ؟
An الزار طقس خاص يقام للتخلص من التسلط الشيطانى كما يزعم المعتقدون فيه ، وأصله عبادة وثنية قديمة تقوم على موسيقى عنيفة وحركات هيستيرية ورقص من المريض ومن يشاركه ، مع بخور وأشياء أخرى .
والمريض الذى يعالج بالزار قد يكون مرضه بسبب اعتقاد تسلط الأرواح الشريرة عليه ، أو بسبب إجهاد عقلى، أو بسبب وهْم حين تشير بعض الجاهلات على المريضة بأنها ممسوسة مثلا .
والعلاج يكون تابعا لمعرفة أسباب المرض ، فالذى يصاب بمس روح شريرة يقول ابن القيم فى كتابه "الطب النبوى " : علاجه بقوة نفسه وصدق توجهه إلى اللّه والتعوذ الصحيح الصادر من القلب واللسان معا ، وكذلك بتوسط رجل صالح يرقيه بالقرآن أو يدعو له ، ويقول :
وأكثر مرضى الأرواح الخبيثة يكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من الذِّكْرِ والتحصينات النبوية والإيمانية .
ومن عنده إجهاد عقلى يعالج بالراحة والترويح . والوهم يعالج بالتخلص منه . والموسيقى التى يقوم عليها الزار قد تكون مؤثرة على الأعصاب وطريقا للشفاء الذى قام به أطباء الغرب لعلاج الصرع البدنى والعصبى، مع الإيحاء للمريض بالشفاء ، لكن الرقص الجماعى الذى يختلط فيه الرجال بالنساء حرام ، وذبح الطيور أو الحيوانات باسم الجان ميتة أُهِلَّ لغير الله بها فهى حرام ، وشرب دمها حرام أيضا . وعلى العموم فحفلات الزار بوضعها الحالى لا يوافق عليها الدين "من المراجع التاريخية والعلمية : مجلة نهضة أفريقيا - العدد التاسع - يوليو 1951 م ، رسالة للسيدة فاطمة المصرى للماجستير بجامعة الإسكندرية1945 م ، ورسالة أخرى للسيدة هدى بدران "(10/203)
التاريخ الميلادى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى أخذ الدول الإسلامية بالتاريخ الميلادى ، فى حين لا تأخذ بالتاريخ الهجرى فى التعاملات المحلية والخارجية ؟
An ليس فى كتابة التاريخ الميلادى بأس ، وبخاصة إذا كان عالميا ، وإذا كان فى الأمور الموقوتة بزمن محدود لا يتغير، ذلك لأن التاريخ الهجرى موقوف كل شهر على رؤية الهلال ، ونحن نعلم اختلاف الناس فيه ، فقد نظن أن أول شهر هو يوم الثلاثاء فإذا به يكون - حسب الرؤية - هو الاثنين مثلا، وهذا يحدث ارتباكا فى الأمور المحسوبة بحساب دقيق من جهة الزمن . وهو نظام دنيوى لا حرج فى استعماله ، ففى الحديث "أنتم أعلم بأمور دنياكم " .
أما التاريخ الهجرى فترتبط به العبادات كالصوم والحج والأيمان والنذور وغيرها، فلا بد من الحرص عليه فيها، ومن المستحسن ذكر التاريخين معا حتى لا ننسى حرمة تاريخنا وقداسته . فى غمرة الفتنة بالدنيا .
هذا ، والتقويم الميلادى عدَّ ل عام 1582 فصار اليوم الرابع من أكتوبر هو اليوم الخامس عشر، وهو مبدأ التقويم الجريجورى وأخذت به مصر سنة 1875 "دائرة معارف الشعب -م 1 ص 224 "(10/204)
شجرة النخل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النخلة خلقت من بقايا الطينة التى خلق منها آدم فتكون عمتنا ؟
An شجرة النخل ورد فيها حديث فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ أُتى بجُمَّار نخلة فقال "إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم ، لا يسقط ورقها ، أخبرونى ما هى "؟فوقع الناس فى شجر البوادى ، ووقع فى نفسى أنها النخلة، فأردت أن أقول : هى النخلة، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سنًّا فَسَكَتُّ ، فقال رسول الله "هى النخلة " فنقل ذلك إلى أبيه عمر، فقال : لأن تكون قلتها أحب إلى من كذا وكذا .
يقول ابن القيم "زاد المعاد ج 3 ص 193 " تعليقا على هذا الحديث :
فيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه وتمرينهم واختبار ما عندهم، وفيه ضرب الأمثال والتشبيه ، وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وأجلاَّئهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم ، وفيه فرح الرجل بإصابة ولده وتوفيقه للصواب ، وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما عرف بحضرة أبيه وإن لم يعرفه الأب ، وليس فى ذلك إساءة أدب عليه .
ثم قال : وأما حديث "أكرموا عماتكم النخل ، فإنها خلقت من الطين الذى خلق منه آدم " فإن إسناده ليس صحيحا(10/205)
المسرح والسينما
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الذهاب إلى المسارح والسينما ؟
An المكان الذى يع رض فيه الموضوع يسمى المسرح إن كان العرض حيا ، ويسمى سينما أو خيالة إن كان العرض مصورا .
. وإذا تمخض الحضور لجنس واحد-كما فى بعض الدور التى يخصص فيها وقت للرجال وآخر للنساء-ينظر إلى موضوع الفيلم أو المسرحية ويعطى حكم الغناء فى مادته وأسلوبه وأثره ، فيحرم إذا كانت المادة محرمة كدعوة إلى إلحاد أو فتنة أو خمر أو غير ذلك ، أو إذا كان الأسلوب محرما ككشف العورات والتقبيل بين الجنسين أو الخضوع من المرأة بالقول أو غير ذلك من المحرمات ، أو إذا كان التأثير سيئا على الفكر والسلوك ، أو ألهى عن واجب؛ كان الذهاب إلى المسرح أو السينما حراما .
أما إذا كان الحضور مع اختلاط للرجال والنساء ، فإن كان مع سفور وكشف لما أمر الله بستره حرم ، وإن كان مع احتشام كامل وتحفظ بما هو معروف فى الحجاب الشرعى - ينظر إن ذهبت الزوجة بدون إذن زوجها حرم ، وإن كان بإذنه وهو معها أو معها محرم كأخيها وابنها فلا حرمة ، وكذلك مع الرفقة المأمونة .
والملاحظ : الآن أن دور اللهو لا تحترم هذه الآداب ، واتُخذت ذريعة للعبث وقتل الوقت . والحلال بيِّن والحرام بيِّن . وقد قلَّل الإقبال عليها انتشار أجهزة التلفاز. ودخولها كل البيوت أو أكثرها ، وصار أكثر رواد هذه الدور من الطبقات التى لا ترعى حرمة(10/206)
بين حدى الزنى والسرقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال الله تعالى { الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} النور :
2 ، وقال {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} المائدة : 38 ، لماذا قدم الزانية على الزانى وعكس فى السارق ، ولماذا لا يكون الحد هو القطع فيهما ؟
An ذكر القرطبى فى المسألة السابعة والعشرين عند تفسير آية السرقة "ج 6 ص 175 " أن البدء بالزانية لأن شهوة الاستمتاع على النساء أغلب ، وحب المال على الرجال أغلب ، وذكر فى تفسير آية الزنى "ج 12 ص 160 " أن الزانية قُدمت حيث كان فى ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات ، وكنَّ مجاهرات بذلك ، ولأن العار بالنساء ألحق ، إذ موضوعهن الحجب والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما .
وذكر أن اللّه جعل حد السرقة قطع اليد لأنها تتناول المال ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به كما هو واقع السرقة باليد ، وذلك لثلاثة معان ، أحدها أن للسارق مثل يده التى قطعت فإن انزجر بقطعها اعتاض بالثانية ، وليس للزانى مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه ، والثانى أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد فى السرقة ظاهر واضح للناس يتعظ به غيره ، أما قطع الذكر فهو باطن مستور لا يراه غير الزانى فلا يكون الزجر المطلوب للغير، والثالث إن قطع الذكر فيه إبطال للنسل ، وليس فى قطع اليد إبطاله(10/207)
قطع يد السارق والسارقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الإسلام هو الدين الوحيد الذى جاء بقطع يد السارق ، أم أنه كان معروفا من قبل؟ وما الحكم لو وصلت اليد بعد قطعها ؟
An جاء فى تفسير القرطبى "ج 6 ص 160"أن القطع كان فى الجاهلية ، وأول من حكم بذلك هو الوليد بن المغيرة ، وأقره الإسلام ، وكان أول سارق طبق عليه الحد من الرجال الخِيَار بن عَدِى بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء مُرَّة بنت سفيان بن عبد الأسد من بنى مخزوم - وهى التى قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ولم يقبل الشفاعة فيها كما كان فى الجاهلية يتركون إقامة الحد على ذوى الشرف - وأبو بكر قطع يد الرجل اليمنى الذى سرق عقدًا لأسماء بنت عميس زوجة أبى بكر. وقطع عمر يد ابن سمرة أخى عبد الرحمن بن سمرة .
ولأجل أن يكون قطع اليد عبرة للغير تعلق فى عنق السارق حتى يراها الناس ، لأن موضع قطعها قد يوارى ويستر فلا يتعظ أحد، روى أبو داود والنسائى والترمذى وقال : حديث حسن غريب ، أى رواه راو واحد فقط أن النبى صلى الله عليه وسلم جىء بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت فى عنقه .
وإذا كان قطع يد السارق حقا لله وحقا للمجتمع فهل يضيع حق المسروق منه ؟ ذكر القرطبى "ج 6 ص 165 " أن العلماء اختلفوا هل يكون مع القطع غُرْم أو لا؟ فقال أبو حنيفة لا يجتمع الغرم مع القطع ، وقال الشافعى :
يغرم قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا، وهو قول أحمد وإسحاق ، أما مالك وأصحابه فقالوا : إن كانت العين المسروقة قائمة وجب ردها ، وإن تلفت فإن كان موسرا غرم ، وإن كان معسرا فلا شىء عليه ولا تكون دينا يطالب به ، وقيل : يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو معسرا، وهو قول غير واحد من علماء أهل المدينة . لأنهما حقان لمستحقين فلا يسقط أحدهما الآخر كالدية مع الكفارة . ثم قال : والصحيح قول الشافعى ومن وافقه .
وهنا مسألة أثيرت أخيرا وهى : إذا قطعت يد السارق ثم عولجت بوصلها كما كانت هل يسقط الحد بقطعها أو لابد من قطعها ثانيا لأن حكمة القطع لم تتحقق ؟ للعلماء رأيان ، رأى بسقوط الحد بمجرد القطع ، ورأى بمنعه من وصلها وقطعها إن وصلها ، وجهة نظر الرأى الأول أن القطع تمَّ كما أمر الله وهذا كاف فى زجره هو، ولا يُهم إن كان سيتبدل بها يدا صناعية أو يصل يده التى قطعت ، فالعقوبة وقعت ولو فى حدها الأدنى ، وإذا نفذ القطع علنا كان النكال وكانت العبرة .
ووجهة نظر الرأى الثانى أن العقوبة إذا كانت زجرا له فهى زجر لغيره ، ومن أجل ذلك كان تعليق يده بعنقه ليعتبر الناس ، فلو وصل ما قطع ضاع معنى العبرة. بل ضاع المعنى فى زجر نفسه هو، إذا عرف أن إعادة يده ممكنة وإن كان فيها بعض الألم .
وقد يقال : إن الخزى حصل للسارق بإثبات السرقة بالشهود، وبإشهار القطع وإعلانه ، وهذا كاف فى التأثير عليه وعلى غيره ، ولا يهم بعد ذلك وصل يده أو تعويضها بيد صناعية، لكن أيضا يقال : إنه لو كرر السرقة تقطع اليد الأخرى لتعطيله عنها فلو صح الوصل لضاعت الحكمة .
الرأيان مطروحان للمناقشة ، وللظروف دخل فى ترجيح أحدهما على الآخر إذا أعوز الدليل القوى(10/208)
إحياء الموات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى إحياء الموات وما حكمه فى الشرع ؟
An ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "من أحيا أرضا ميتة فهى له" رواه أبو داود والنسائى والترمذى وقال : إنه حسن . وقال "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر" رواه النسائى وصححه ابن حبان .
إحياء الموات هو استغلال الأرض بالزرع وغيره من أنواع الاستغلال ، مأخوذ من قوله تعالى { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذى أحياها لمحيى الموتى} فصلت : 139 .
والحديثان يبينان فضل إحياء الأرض الموات ، وأن ما يُحيا منها فهو لمن أحيا لكن اشترط العلماء لاعتبار الأرض مواتا أن تكون بعيدة عن العمران ، حتى لا تكون مرفقا من مرافقه ، ولا يتوقع أن تكون من مرافقه . وفى الوقت نفسه اشترط بعض الفقهاء أن يأذن الحاكم فى إحيائها واستثمارها ، ابتداء قبل العمل أو بعده ، على خلاف فى ذلك .
وإحياء الموات يدل على حيوية التشريع الإسلامى بدعوته إلى الاستثمار والتعمير وإخصاب الحياة بالخير ليساعد ذلك على تحقيق خلافة الإنسان فى الأرض ، بتعميق الإيمان بالله وشكره على نعمه ، والتمتع بالحلال الطيب الذى يعطى القوة ويحقق الكرامة للإنسان .
ومن أساليب الدعوة إلى ذلك قوله تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه } الملك :15 وقوله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" رواه مسلم وقد تحدث الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية" ص 190 عن أحكام الموات وإذن الإمام فى إحيائه ، وإذا أهمل الإنسان فى ذلك بدون عذر سُلب الإذن منه ، وكان غيره أحق به ، ويمكن استيفاء معرفة أحكامه منه ومن كتب الفقه(10/209)
الحب حلال أو حرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الحب حلال أو حرام ؟
An يقول الله سبحانه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } آل عمران : 31 ، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أصحاب السنن عن حبه لعائشة رضى الله عنها "اللهم هذا قسمى فيما أملك ، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك " ويقول فيما رواه مالك فى الموطأ " قال الله تعالى : وجبت محبتى للمتحابين فى ، والمتجالسين فى، والمتزاورين فى" ويقول فيما رواه مسلم "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف " .
الحب فى دنيا الناس تعلق قلبى يحس معه المحب لذة وراحة، وهو غذاء للروح ، وشبع للغريزة ، ورى للعاطفة ، أفرده بالتأليف كثير من العلماء الأجلاء .
ومن جهة حكمه فإنه يعطى حكم ما تعلق به القلب فى موضوعه والغرض منه ، فمنه حب الصالحين ، وحب الوالد لأولاده ، وحب الزوجين ، وحب الأصدقاء ، وحب الولد لوالديه ، والطالب لمعلمه ، وحب الطبيعة والمناظر الخلابة والأصوات الحسنة وكل شىء جميل .
ومن هنا قال العلماء : قد يكون الحب واجبا ، كحب الله ورسوله ، وقد يكون مندوبا كحب الصالحين ، وقد يكون حراما كحب الخمر ولجنس المحرم .
وأكثر ما يسأل الناس عنه هو الحب بين الجنسين ، وبخاصة بين الشباب ، فقد يكون حبا قلبيا أى عاطفيا، وقد يكون حبا شهويا جنسيا، والفرق بينهما دقيق ، وقد يتلازمان ، ومهما يكن من شىء فإن الحب بنوعيه قد يولد سريعا من نظرة عابرة، بل قد يكون متولدا من فكر أو ذكر على الغيب دون مشاهدة ، وهنا قد يزول وقد يبقى ويشتد إن تكرر أو طال السبب المولد له . وقد يولد الحب بعد تكرر سببه أو طول أمده ، وهذا ما يظهر فيه فعل الإنسان وقصده واختياره .
ومن هنا لابد من معرفة السبب المولد للحب ، فإن كان من النوع الأول الحادث من نظر الفجأة أو الخاطر وحديث النفس العابر فهو أمر لا تسلم منه الطبيعة البشرية ، وقد يدخل تحت الاضطرار فلا يحكم عليه بحل ولا حرمة .
وإن كان من النوع الثانى الذى تكرر سببه أو طالت مدته فهو حرام بسبب حرمة السبب المؤدى له . وإذا تمكن الحب من القلب بسبب اضطر إليه ، فإن أدى إلى محرم كخلوة بأجنبية أو مصافحة أو كلام مثير أو انشغال عن واجب كان حراما ، وإن خلا من ذلك فلا حرمة فيه .
والحب الذى يتولد من طول فكر أو على الغيب عند الاستغراق فى تقويم صفات المحبوب إن أدى إلى محرم كان حراما ، وإلا كان حلالا، وما تولد عن نظرة متعمدة أو محادثة أو ما أشبه ذلك من الممنوعات فهو غالبا يسلم إلى محرمات متلاحقة ، وبالتالى يكون حراما فوق أن سببه محرم .
وعلى كل حال فأحذر الشباب من الجنسين أن يورطوا أنفسهم فى الوقوع فى خضم العواطف والشهوات الجنسية، فإن بحر الحب عميق متلاطم الأمواج شديد المخاطر، لا يسلم منه إلا قوى شديد بعقله وخلقه ودينه ، وقَلَّ من وقع فى أسره أن يفلت منه ، والعوامل التى تفك أسره تضعف كثيرا أمام جبروت العاطفة المشبوبة والشهوة الجامحة .
وبهذه المناسبة طُرِحَ هذا السؤال : أنا فتاة من أسرة متدينة، ولكن شعرت بقلبى يشد إلى شاب توسمت فيه كل خير، ولا أدرى إن كان يشعر نحوى بما أشعر به ، فهل هذا الحب يتنافى مع الدين ؟ إن الحب إذا لم يتعد دائرة الإعجاب ولم تكن معه محرمات فصاحبه معذور، ولكن إذا تطور وتخطى الحدود فهنا يكون الحظر والمنع. وإذا كان للفتاة أن تحب من يبادلها ذلك والتزمت الحدود الشرعية فقد ينتهى نهاية سعيدة بالزواج ، وإذا كان للزوجة أن تحب فليكن حبها لزوجها وأولادها ، إلى جانب حبها لأهلها، لكن لا يجوز أن يتعلق قلبها بشخص أجنبى غير زوجها ، تعلقا يثير الغريزة، فقد يؤدى إلى النفور من الزوج والسعى إلى التفلت من سلطانه بطريق مشروع أو غير مشروع ، والطريق المشروع هو الطلاق مع التضحية بما لها من حقوق ، وهو ما يسمى بالخُلْع ، فقد جاءت امرأة ثابت بن قيس ابن شماس -وهى حبيبة بنت سهل أو جميلة بنت سلول -إلى النبى صلى الله عليه وسلم تقول له : إن زوجها لا تعيب عليه فى خلق ولا دين ، ولكنها تكره الكفر فى الإسلام ، لأنها لا تحبه لدمامته ، وقد جاء فى بعض الروايات أنها رأته فى جماعة من الناس فإذا هو أشدهم سوادا ، وأقصرهم قامة ، وأقبحهم وجها ، فردت إليه الحديقة التى دفعها إليها مهرا وطلقها . رواه البخارى وغيره .
أما أن تستجيب الزوجة إلى صوت قلبها وغريزتها عن غير هذا الطريق فهو الخيانة الكبرى التى جعل الإسلام عقوبتها الإعدام فى أشنع صوره، وهى الرجم بالحجارة حتى تموت .
فلتتق اللّه الزوجة، . ولا تترك قلبها يتعلق بغير زوجها تعلقا عاطفيا، ولتحذر أن تذكر اسم من تحب أو تتحدث عنه أو تظهر لزوجها أى ميل نحوه ، حتى لو كان الميل إعجابا بخلق ، فإن الزوج يغار أن يكون فى حياة زوجته إنسان آ خر مهما كان شأنه ، والله سبحانه جعل من صفات الحور العين ، لتكمل متعة الرجال بهن ، عدم التطلع إلى غير أزواجهن فقال فيهن {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} الرحمن : 56 ، وقال تعالى {حور مقصورات فى الخيام } الرحمن : 77 ، وذلك لتحقق الزوجة قول الله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم : 21 .
وأنتهز هذه الفرصة وأقول للفتاة غير المتزوجة ، إذا ربطت علاقة الحب بين فتى وفتاة واتفقا على الزواج ينبغى أن يكون ذلك بعلم أولياء الأمور، لأنهم يعرفون مصلحتهما أكثر، ولأن الفتى والفتاة تدفعهما العاطفة الجارفة دون تعقل أو روية أو نظر بعيد إلى الآثار المترتبة على ذلك ، فلابد من مساعدة أهل الطرفين ، للاطمئنان على المصير وتقديم النصح اللازم ، مع التنبيه إلى التزام كل الآداب الشرعية حتى يتم العقد، فربما لا تكون النهاية زواجا فتكون الشائعات والاتهامات .
والدين لا يوافق على حب لا تُلتزم فيه الحدود(10/210)
ذبح غير المأكول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا اصطدنا نمرا وذبحناه هل يجوز الانتفاع بجلده ؟
An اتفق الفقهاء على أن جلد مأكول اللحم إذا ذبح طاهر يجوز الانتفاع به ، كجلد الغنم والمعز والبقر والأرنب ، أما إذا لم يذبح أى كان ميتة فإن جلده نجس يطهر بالدباغ لحديث مسلم " إذا دبغ الإهاب فقد طهر" وغير مأكول اللحم كالسباع والنمور إذا لم يذبح فجلده نجس يطهر بالدباغ ، لعموم الحديث السابق ، أما إذا ذبح فالجمهور على أن ذبحه لا يطهر جلده بل لا يطهر إلا بالدبغ ، والحنفية يجعلون ذبحه مسوغا لطهارة جلده وإن حرم أكله .
وكل ذلك فيما عدا جل د الكلب والخنزير، فلا يطهرهما الدبغ عند الجمهور(10/211)
الولى والكرامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو الذى يطلق عليه اسم الولى، وهل لابد أن تكون له كرامة ؟
An الولى هو الذى تولى أوامر اللّه بالتنفيذ ، وتولاه الله بالرعاية . قال تعالى {ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمَنوا وكانوا يتقون .
لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } يونس : 62 - 64 .
ففى هذه الآيات مواصفات الأولياء {آمَنوا وكانوا يتقون } حيث تولوا أوامره بالتنفيذ عقيدة وعملا، فالتقوى هى امتثال الأوامر واجتناب النواهى ، فى كل قطاعات النشاط البشرى ، فى العبادات والمعاملات والأخلاق وفى كل شىء .
وفيها جزاؤهم {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} لا يخافون من المستقبل ولا يحزنون على الماضى {لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } حيث تولاهم اللّه برعايته رعاية شاملة فى حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة .
والكرامة أمر خارق للعادة يظهره اللّه على يد شخص صالح ، أما ما يظهر على يد فاسق أو كافر فهو استدراج قال فيه رب العزة {فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملى لهم إن كيدى متين } القلم : 44 ، 45 .
والكرامة للولى غير لازمة أن تكون فى الدنيا ، فهى ليست للدعاية والكسب والتحدى، وقد يدخرها اللّه فى الآخرة، والأولياء الصالحون لا يطلبون كرامة ولا يحبون أن يعلنوها لو حدثت .
إن الحديث فى هذا الموضوع طويل ومن الكتب التى استوفته : الرسالة القشيرية(10/212)
الأظافر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيمن تطيل أظافرها وتلونها ، و فيمن يترك من أصابعه إصبعا يطيل ظفره ؟
An تقليم الأظافر من سنن الفطرة التى جاءت فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "خمس من الفطرة : الاختتان والاستحداد - حلق العانة - وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط " رواه البخارى ومسلم ، وروى مسلم أيضا :
وقَّت لنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة .
وحكمة الأمر بقص الأظافر منع تجمع الأوساخ التى هى مظنة وجود الميكروبات الضارة ، التى يسهل انتقالها بالأيدى لمزاولتها شئون الطعام والشراب ، كما أن تراكمها يمنع وصول الماء إلى البشرة عند التطهير بالوضوء أو الغسل ، وطولها يخدش ويضر ، يقول أبو أيوب الأنصارى :
جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن خبر السماء ، فنظر إليه النبى صلى الله عليه وسلم فرأى أظفاره طوالا فقال "يسأل أحدكم عن خبر السماء وأظفاره كأظفار الطير يجمع فيها الجنابة والتفث " وهو الخبث .
"تفسير القرطبى ج 2 ص 102 " .
والحد المطلوب فى قص الظفر إزالة ما يزيد على ما يلامس رأس الإصبع ، وذلك حتى لا يمنع الوسخ وصول الماء إلى البشرة فى الطهارة، ولو لم يصل بطل الوضوء .
ولم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم خبر صحيح فى استحباب القص فى يوم معين ولا بكيفية معينة كالابتداء بإصبع معين من اليد اليمنى واليد اليسرى ، وأرجحها نقلا ودليلا يوم الجمعة ، "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 214 ، 215" ، "غذاء الألباب ج 1 ص 380" ،" الإسفار فى قص الأظفار للسيوطى" وأنبه إلى عدم المبالغة فى قصها فذلك مؤلم وعائق عن العمل لمدة، بل هناك حالات تستحب فيها إطالة الأظفار إلى حد معقول كما قال عمر: وفروا الأظفار فى أرض العدو فإنها سلاح ، وفسر ذلك بالحاجة إليها فى حل عقدة أو ربطها أو ما يشبه ذلك ، وقد رفع أحمد هذا الأثر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما إطالتها إلى حد منفَر يعوق عن مزاولة الأعمال أو لطلائها للسيدات فغير مستحب . ووضع الأصباغ عليها يمنع من صحة الوضوء والغسل ، كما يمنعها من مزاولة أعمال التنظيف بالماء حرصا عليها من الزوال فلا يلجأ إلى إطالتها وصبغها إلا نسوة مترفات أو خاملات ، همهن الظهور فى المجتمعات بمظهر المتمدينات ، أو الهروب من الأعمال المنزلية .
على أن بعض الظرفاء علَّل اهتمام نساء العصر بإطالة أظفارهن بأنها كأسلحة للدفاع عن نفسها أو الهجوم على زوجها إن فكر فى إيذائها ، أو الهروب من مطالبتها ، ويعجبنى قول القائل :
قل للجميلة أرسلت أظفارها * إنى - لخوف - كدت أمضى هاربا إن المخالب للوحوش نخالها * فمتى رأينا للظباء مخالبا بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة * ونقلت عن وضع الطبيعة حاجبا وغدا نراك نقلت ثغرك للقفا * وأزحت أنفك رغم أنفك جانبا من علم الحسناء أن جمالها * فى أن تخالف خَلْقَها وتجانبا؟ إن الجمال من الطبيعة رسمه * إن شذ خطّ منه لم يك صائبا وإذا كانت المرأة تطيل أظفارها وتلونها ، فلماذا يطيل بعض الرجال بعض أظافرهم ؟ فى رأى أن السبب هو التقليد لا غير، وياليتنا نقلد فيما يفيد(10/213)
البيعة على الإسلام والهجرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى الأحاديث أن أعرابيا نقض البيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام والهجرة، فهل يعتبر ذلك ردة، وإذا كان ردة فلماذا لم يقم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الحد ؟
An روى البخارى ومسلم عن جابر بن عبد اللّه أن أعرابيا بايع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأصاب الأعرابى وعْكٌ بالمدينة ، فقال : يا رسول اللّه أقلْنى بيعتى فأبى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وتكرر الطلب والرفض ثلاث مرات ، فخرج الأعرابى فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما المدينة كالكير، تنفى خَبئَها ، وينْصعُ طيبها"والطيب بكسر الطاء هو الرائحة الحسنة ، وبفتحها وتشديد الياء هو الطاهر .
لم تصرح رواية مسلم بما بايع الأعرابى عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وصرحت رواية البخارى بأنه بايعه على الإسلام ، وجاء فى شرح النووى على صحيح مسلم أن المبايعة كانت على الإسلام والهجرة، وجاء فى فتح البارى لابن حجر أن طلب الإقالة من الأعرابى هل كان عن الإسلام والهجرة أم عن الهجرة فقط ؟ من المعلوم أن الهجرة إلى المدينة كانت واجبة قبل فتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة، ثم صارت بعد الفتح غير واجبة كما صح فى حديث البخارى ومسلم "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا" فتركها قبل الفتح معصية، وبعد فتحها ليس بمعصية .
ومن المعلوم أيضا أن جو المدينة لم يلائم كثيرا من الوافدين عليها ، وشكا بعض المهاجرين ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومنهم أبو بكر وبلال رضى اللّه عنهما ، فدعا الرسول ربه أن يبارك فى المدينة كما بارك فى مكة أو أشد، كما رواه البخارى، ورغب في الصبر على شدتها وعدم مفارقتها .
والأعرابى الساكن فى البادية لما وفد إلى النبى بالمدينة وأسلم لم يعجبه جوها فطلب من الرسول إقالته فلم يُقِلْه ، فخرج الأعرابى من المدينة، واختلف العلماء فيما طلب الإقالة منه : هل هو الإسلام والهجرة، أو الهجرة فقط ؟ رجح جماعة أنه الهجرة فقط ، وذلك بعد سقوط فرضيتها بفتح مكة، لكن قيل : إذا كانت الهجرة سقطت فرضيتها فلماذا لم يأذن له الرسول بترك المدينة؟ أجيب بأن الرسول يحب لمن سكنها ألا يتركها حتى لو كان تركها مباحا، والرجل حين خرج منها بعد طلب الإقالة لم يرتكب إثما ، وإنما ارتكب خلاف الأولى، ولا عقوبة فى ذلك لا فى الآخرة ولا فى الدنيا .
وإذا كان طلبه الإقالة من الهجرة قبل فتح مكة كان تركه للمدينة معصية، والرسول لا يسمح بارتكاب المعصية حتى لو كانت صغيرة ، وهذه المعصية لا عقوبة عليها فى الدنيا مثل كثير من المعاصى كعقوق الوالدين والغيبة والنميمة وإن كانت لها عقوبة أخروية .
وقال جماعة : إن الأعرابى طلب الإقالة من الإسلام والهجرة ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد رفض الإقالة من الهجرة على الوجه المبين من قبل ، فإنه يرفض الإقالة من الإسلام ، لأنها ردة .
وهنا يقال : لماذا لم يعاقبه الرسول على الردة؟ والجواب أن الأعرابى إذا خالف بالخروج من المدينة كما نص الحديث فإن رفضه للإسلام غير معلوم ، لأنه لا تلازم بين الإثنين ، وبخاصة أنه بيَّن فى طلبه عدم ملاءمة جو المدينة له فقط ، فيجوز أن يخرج من المدينة إلى البادية طلبا للصحة مع بقائه على الإسلام بعقيدته وشريعته .
ورفض الإسلام الذى يكون ردة أمر متعلق بالقلب والباطن ، لا يعلم إلا بقول يصرح فيه بالرفض والإنكار لأية عقيدة من عقائده ، أو بفعل يدل على ذلك كسجود لصنم أو إهانة المصحف بإلقائه مثلا فى القاذورات ، وبدون هذه الأمارات لا تعلم الردة ، كالمنافقين الذين تكفر قلوبهم ولا يصدر منهم قول أو فعل يصرح بما فى قلوبهم ، فكانوا يعاملون بظاهرهم معاملة المؤمنين .
والأعرابى لم يتبين للرسول منه ما يفيد رفضه للإسلام حتى يعامله معاملة المرتد،ومجرد خروجه من المدينة ونقض البيعة على الهجرة على فرض أنه من المعاصى الكبيرة لا يلزم منه الكفر، وحديث أبى ذر فى ذلك معروف ، فإن المؤمن مصيره الجنة ولا يخلد فى النار كالكافرين حتى لو سرق وزنا "رغم أنف أبى ذر" .
وما جاء من الأحاديث التى تنفى الإيمان عن مرتكب الكبائر مثل "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن . . . " قال فيه العلماء : إن نفى الإيمان إما أن يكون نفيا لكماله ، وإما أن يكون نفيا لأصله إذا اعتقد أن الزنا حلال ، فإن اعتقاد حِلَّ ما حرمه اللّه تحريما قاطعا كفر، ولم يُعْلَم أن الأعرابى اعتقد أن ترك المدينة حلال على فرض أنه حرام ، ومن هنا لم يقم الرسول عليه حد الردة ، ولا يصح أن تكون هذه الواقعة مُتَكأً لمن يرفضون أن الردة يعاقب عليها بالقتل ، ويَدْعُون إلى الحرية فى اختيار أى دين ، والتحول من دين إلى آخر، أو عدم التقيد بأى دين ، تحقيقا للحرية المكفولة لكل إنسان . متجاهلين قول الله تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خاسرون } البقرة : 217 ، وقوله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } آل عمران : 85 ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزانى والقاتل والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخارى ومسلم ، وقوله "من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخارى(10/214)
كتمان الشهادة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q حدث خطأ أنا شاهدته وعند التحقيق فيه بعدت عنه حتى لا أطلب للشهادة ، خوفا من تعطيل مصالحى وانقطاعى عن عملى، أو خوفا على المخطئ أن يعاقب ، فما حكم الدين فى ذلك ، وماذا أعمل لو طلبت للشهادة ؟
An شرع اللّه سبحانه فى التعامل بين الناس أن تكون هناك احتياطات لحفظ الحقوق وعدم الجحود، فإنهم ليسوا جميعا على قلب رجل واحد من الخوف من الله ، ومن حب الخير للغير كما يحبونه لأنفسهم ، ومن هذه الاحتياطات الإشهاد وكتابة الديون والدقة والأمانة وحسن اختيار الشهود، قال اللّه تعالى فى آية الدَّيْن {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} البقرة : 282 ، ثم قال تعالى { وليتق اللّه ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } البقرة : 283 هناك ثلاثة مواقف : التطوع بالشهادة ، طلب الشهادة ، أداء الشهادة .
يقول القرطبى عن الآية الأولى بالنسبة إلى الموقفين الأولين : قال ابن عطية :
والآية-كما قال الحسن -جمعت أمرين على جهة الندب ، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم ، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب ، وله أن يتخلف لأدنى عذر، وإن تخلف لغير عذر فلا إثم عليه ولا ثواب له ، وإذا كانت الضرورة وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوى الندب وقرب من الوجوب ، وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها ، لاسيما إذا كانت محصلة وكان الدعاء لأدائها ، فإن هذا الظرف آكد، لأنها قلادة فى العنق ، وأمانة تقتضى الأداء ، انتهى .
ومعنى هذا الكلام أن الإنسان يندب له أن يشهد متطوعا بدون أن يستدعيه أحد للشهادة ، وله أن يتخلف عنها لعذر أو لغير ذلك ، ومحل ذلك إذا كان هناك شهود آخرون ولا يضيع الحق بتخلفه ، أما إذا لم يكن إلا هو والحد الأدنى لقبول الشهادة ، وخيف ضياع الحق كان تقدمه للشهادة قوى الندب وقرب من أن يكون واجبا يحرم التخلف عنه ، إما إذا علم أن الحق يضيع لو تخلف عن الشهادة وجب عليه التقدم لشهادة ما دام ذلك ممكنا ، ويتأكد ذلك إذا طلب منه أن يشهد ، أى يتحمل الشهادة لإثبات الواقعة ، لأن ذلك من باب نصرة المظلوم كما ثبت فى الحديث "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ولقوله تعالى{ ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} .
وعلى هذا لا يتعلل الشاهد بالتأخر عن عمله ، أو بالخوف على المخطئ من العقوبة، إذا وجب عليه أن يشهد فى الصورة المتقدمة .
وتحمل الشهادة سواء تطوع بها أو دعى إليها لا يتنافى مع حديث الصحيحين عن خير القرون ، الذى جاء فيه "ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون " فإنه محمول على ثلاثة أوجه كما قال القرطبى : أحدها أن يراد به شاهد الزور، فإنه يشهد بما لم يستشهد ، أى بما يتحمله ولا حمله ، ويؤيد هذا الوجه حديث فى فضل الصحابة ومن بعدهم جاء فيه "ثم يفشو الكذب وشهادة الزور" والوجه الثانى أن يراد به المتطفل الشره النهم على تنفيذ ما يشهد به فيبادر بها قبل أن يسألها ، فذلك دليل على هوى غالب عليه ، والوجه الثالث أنهم الغلمان الصغار كما قال النخعى .
أما الموقف الثالث للشهادة وهو أداوها عند القاضى فله حالتان ، الأولى أن يتطوع بها أى يشهد دون أن يستدعى ، والحالة الثانية أن يستدعى لأدائها ، ففى الأولى يندب له أن يتقدم لأدائها ، وفيه حديث رواه أصحاب السنن "خير الشهداء الذى يأتى بالشهادة قبل أن يُسألها" وله ألا يشهد ما دام لم يستدع وذلك على النحو الذى سبق فى تحمك الشهادة لا فى أدائها، فإذا وجد شاهد غيره ولم يكن هناك خوف على ضياع الحق كان حضوره لأدائها مندوبا لا واجبا ، فإن تعين هو للشهادة وجب الحضور حتى لو لم يستدع ، وفى الحالة الثانية إذا استدعى فلا يجوز له التخلف ، لأن القضاء متوقف على الشهادة، والتخلف عنها ضياع للحق ، ودليل ذلك قوله تعالى {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} فهو عام فى التحمل والأداء .
قال الحسن : جمعت هذه الآية أمرين ، وهما ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة ، ولا إذا دعيت إلى أدائها ، وحملها قتادة والربيع وابن عباس على تحملها وإثباتها فى الكتاب - أى الذى بين المتعاقدين - وحملها مجاهد على أدائها بعد تحصيلها أى تحملها ، وقال : فأما إذا دعيت لتشهد أولا فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا ، وقاله جماعة آخرون وعليه فلا يجب على الشهود الحضور، عند المتعاقدين .
وإذا حضر الشاهد أمام القاضى ليشهد عند الاستدعاء وغيره وجب عليه أن يؤديها بأمانة كما تحملها ، ولا يجوز له أن يكتمها وينكر أنه تحملها ، قال تعالى {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } فالكتمان صادق بعدم أدائها ، وبعدم الصدق فيها ، أى بقول الزور .
والتعبير بقوله {آثم قلبه } إشارة إلى أن كاتم الشهادة وقع تحت تأثير قصد سيئ انطوى عليه قلبه ، وأقل ما يكون من هذا القصد السيئ عدم حب الخير لأخيه ، أو حب الشر له والإضرار به ، وذلك يتنافى مع الإيمان ففى الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخارى ومسلم .
وإذا كان الكتمان ناشئا عن طمع فى نوال شىء من أحد الطرفين ، أو عن خوف منه فإن الإيمان الحق يوجب أن يكون الرجاء هو فيما عند اللّه ، فهو خير وأبقى، وأن يكون الخوف من الله وحده فهو القاهر فوق عباده ، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم العهد على أصحابه أنَ يقولوا الحق لا يخشون فيه لومة لائم ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اللّه كان بما تعملون خبيرا} النساء :135(10/215)
الضيافة عند اليتيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لو زرت صغارا يتامى وقدموا لى تحية الضيف هل يجوز تناولها أو لا ؟
An يقول الله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} النساء : 10 .
هذه الآية تنهى عن أكل مال اليتيم ظلما أى بغير حق ، فإن كان بحق فلا مانع منه ، ويوضح هذا قوله تعالى فى آية سابقة فى السورة نفسها {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } الآية رقم : 6 ، فهى تعالج خطأ وقع فيه الناس وهو الطمع فى مال اليتيم ، حيث كان الوصى يتصرف فيه لمصلحة نفسه لا لمصلحة اليتيم ، حتى إذا كبر لم يجد له مالا، أو يجد ماله قد قَلَّ ، لأن الوصى لم يتصرف فيه لصالحه ، وقد أباح اللّه للوصى أن يأخذ من مال اليتيم ما يوازى إشرافه عليه ، على أن يكون ذلك فى الحد المعقول ، وذلك إذا كان محتاجا ، أما إذا كان مستغنيا فالأولى أن يستعفف ولا يأخذ شيئا فى مقابل الإشراف عليه .
ولما كانت النصوص فى القرآن والسنة تحذر من أكل مال اليتيم بدون وجه حق تحرج الناس عن كفالته خشية الوقوع فى المحظور، وذلك أمر يترتب عليه إهمال اليتيم وضياعه ، فأذن اللّه للناس أن يشرفوا على أموال اليتامى على أن يراقبوا الله ، فلا يتصرفوا فى غير مصلحتهم .
قال تعالى { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم } البقرة :
220 .
وإذا كان هذا فى حق الأوصياء فهو أيضا فى حق كل إنسان يطمع فى مال اليتيم ، وقد يحدث أن الذين يتركهم الميت من الأولاد يكون فيهم كبار، فلا ينطبق عليهم أحكام اليتامى، لأنه لا يُتْم بعد الحُلُم ، أى البلوغ ، ومع الكبار يوجد صغار، وأموالهم مختلطة بعضها ببعض ، وهنا نقطتان :
النقطة الأولى خاصة بمخالطة الأولاد الكبار لإخوتهم الصغار، فيجب التحرز من الطمع فى أموالهم أو التصرف فيها على وجه ليس فيه مصلحتهم ، وحيث إن الأموال مختلطة فيصعب ذلك ، ولهذا ترك الله الأمر لضمير الكبار ورقابتهم لله {والله يعلم المفسد من المصلح } .
والنقطة الثانية خاصة بعلاقة الأجانب بهؤلاء الأولاد، فى مثل زيارتهم وتناول ما يقدم تحية للزائر، وحيث إن أموال الكبار مختلطة بأموال الصغار فلا تمييز فيما يقدم للضيف ، هل هو من نصيب الكبار فيجوز تناوله ، أو من نصيب الصغار فلا يجوز ؟ لا يمكن الحكم بحرمة تناول التحية، لأن مناط التحريم هو التيقن ، ولا يوجد ، وإذا لم يمكن الحكم بالحرمة فأقل ما يحكم به هو الكراهة التنزيهية ، وذلك للشبهة ، ومن اتقى الشبهات كان لدينه أورع ، وقد يكون من المستحسن أن يتناول الضيف من التحية أقل شىء حتى لا يكون فى الامتناع الكلى بعض آلام نفسية لليتامى، وليكن أمامنا قول الله سبحانه { وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم } فلتكن هناك زيارة خالصة للّه ، تخفيفا على اليتامى ، وليكن معها هدية لهم إن أمكن ، حتى لا يرزأهم فى شىء لو تناول التحية، فالمندوب أن نعطى لهم ولا نأخذ منهم(10/216)
ضرب المتهم للإقرار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز ضرب المتهم ليقر بما ارتكبه من مخالفة، وهل يُعْتَد بهذا الإقرار؟
An جاء فى "الأحكام السلطانية" للمواردى ص . 22 أنه يجوز للأمير مع قوة التهمة أن يضرب المتهم ضرب التعزير لا ضرب الحد، ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به واتهم ، فإن أقر وهو مضروب اعتبرت حاله فيما ضرب عليه ، فإن ضرب ليقر لم يكن لإقراره تحت الضرب حكم ، وإن ضرب ليصدق عن حاله وأقر تحت الضرب قطع ضربه واستعيد إقراره ، فإذا أعاده كان مأخوذا بالإقرار الثانى دون الأول .
فإن اقتصر على الإقرار الأول ولم يستعده لم يضيق عليه أن يعمل بالإقرار الأول وإن كرهناه .
والرأى المختار عند الأحناف والإمام الغزالى من الشافعية أن المتهم بالسرقة لا يُضرب ، لاحتمال كونه بريئًا ، فترك الضرب فى مذنب أهون من ضرب برىء وفى الحديث " لأن يخطئ الإمام فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة" وأجاز أصحاب الإمام مالك ضرب المتهم بالسرقة ، وذلك لإظهار المسروق من جهة ، وجعل السارق عبرة لغيره من جهة أخرى(10/217)
أنا ونحن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا يتحدث الله عن نفسه بقوله "نحن " مع أنها للجمع ، فهل هناك معه إله آخر ؟
An إن القرآن الكريم نزل من عند الله بلغة العرب التى هى لغة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد نزل فى أرقى درجات البلاغة والفصاحة { بلسان عربى مبين } الشعراء : 195 .
ومما جرت به عادة العرب أن يعبر المتكلم عن نفسه بلفظ "أنا" فإذا كان معه غيره قال "نحن " كما أن لفظ "نحن " يستعمل عند تعظيم المتكلم لنفسه ، وتعظيم الإنسان لنفسه له دواع تدعو إليه ، فقد يكون ذا منصب أو جله أو حسب أو نسب فيتحدث عن نفسه تفاخرا وتكبرا من أجل التفاخر والتكبر، وقد يكون لإدخال الرهبة فى قلوب الآخرين ، كأنه عدة أشخاص لا شخص واحد، وقد يعبر عن نفسه بلفظ "نحن " لتعدد مآثره أو مواهبه ، كأنه عدة أشخاص فى شخص واحد ، فالكثرة والتعدد بالنظر إلى الأثر لا إلى المؤثر .
وأسلوب التعظيم للمتكلم أو المخاطب موجود فى اللغات الأخرى وليس قاصرا على اللغة العربية ، ويستعمل فى مثل الأغراض المذكورة .
فإذا كان رب العزة يقول { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} الإنسان : 28 ، فالمقام مقام امتنان بالخلق والإنعام ومقام تخويف وإرهاب للكافرين ، يتناسب معه ضمير التعظيم الذى يعطى معنى القوة والهيبة ، وإذا كان يقول { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } الحجر: 9 ، فالمقام مقام الاقتدار الذى يدخل الطمأنينة على حفظ الله للقرآن الذى أنزله بقدرته وحكمته ، وإذا كان يقول {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} غافر: 51 ، ففيه اطمئنان لحماية اللّه لرسله ونصرهم على أعدائهم ، كأنها حمايات بوسائل متعددة .
وأعتقد أن المؤمن حين يقرأ القرآن وفيه أسلوب التعظيم لله لا يتسرب إلى نفسه أى شك فى وحدانيته سبحانه ، وهو جدير بكل عظمة وإجلال لا يمكن أن يكون لغيره من القدرة والإنعام ما يصرف الناس عن عبادته وحده(10/218)
بيض الطائر الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ضرب شخص دجاجة فماتت ،ولما فتح بطنها وجد فيها بيضة، فهل يحل أكل البيضة ؟
An جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى عند كلامه على الدجاج ما نصه : "فرع " البيضة التى فى جوف الطائر الميت فيها ثلاثة أوجه حكاها الماوردى والرويانى والشاشى ، أصحها - وهو قول ابن القطان وأبى الفياض وبه قطع الجمهور-إن تصلبت فطاهرة وإلا فنجسة ، والثانى طاهرة مطلقا ، وبه قال أبو حنيفة ، لتميزها عنه ، فصارت بالولد أشبه ، الثالث نجسة مطلقا وبه قال مالك ، لأنها قبل الانفصال جزء من الطائر، وحكاه المتولى عن نص الشافعى رضى الله تعالى عنه ، وهو نقل غريب شاذ ضعيف .
وقال صاحب الحاوى والبحر: فلو وضعت هذه البيضة تحت طائر فصارت فرخا كان الفرخ طاهرا على الأوجه كلها كسائر الحيوان ، ولا خلاف أن ظاهر البيضة نجس .
وأما البيضة الخارجة فى حال حياة الدجاجة فهل يحكم بنجاسة ظاهرها ؟ فيه وجهان حكاهما الماوردى والرويانى والبغوى وغيرهم ، بناء على الوجهين فى نجاسة رطوبة فرج المرأة، قال فى المهذب : إن المنصوص نجاسة رطوبة فرج المرأة ، وقال الماوردى : إن الشافعى رضى اللّه تعالى عنه قد نص فى بعض كتبه على طهارتها، ثم حكى التنجيس عن ابن سريج ، فملخص الخلاف فيها قولان لا وجهان .
وقال الإمام النووى : رطوبة الفرج طاهرة مطلقا، سواء كان الفرج من بهيمة أو امرأة ، وهو الأصح ، وإذا فرعنا على نجاسة رطوبة الفرج فنقل النووى فى شرح المهذب عن فتاوى ابن الصباغ ولم يخالفه أن المولود لا يجب غسله إجماعا ، وقال فى آخر باب الآنية من الشرح المذكور :
إن فيه وجهين حكاهما الماوردى والرويانى ، وقد حكاهما الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فى فتاويه ، ورأيت فى "الكافى" للخوارزمى أن الماء لا ينجس بوقوعه فيه ، فيحتمل أن يكون الخلاف مفرعا على القول القديم بعدم وجوب الغسل لكونه نجسا معفوا عنه ، وأما إذا انفصل الولد حيا بعد موتها فعينه طاهرة بلا خلاف ، ويجب غسل ظاهره بلا خلاف ، وأما البلل الخارج مع الولد أو غيره فنجس كما جزم به الرافعى فى الشرح الصغير والنووى فى شرح المهذب ، وقال الإمام : لا شك فيه .
وأما الرطوبة الخارجة من باطن الفرج فإنها نجسة كما تقدم ، وإنما قلنا بطهارة ذكر المجامع ونحوه على ذلك القول لأنا لا نقطع بخروجها ، قال فى الكفاية : والفرق بين رطوبة فرج المرأة ورطوبة باطن الذكر لأنها لزجة لا تنفصل بنفسها ولا تمازج سائر رطوبات البدن ، فلا حكم لها ، قلت :
والرطوبة هى ماء أبيض متردد بين المذى والعرق ، كما قاله فى شرح المهذب وغيره ، انتهى ما قاله الدميرى فى ذلك(10/219)
الحزبية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى الأحزاب السياسية فى ظل الحكم الديموقراطى ؟
An يقول اللّه سبحانه {ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } الروم : 31، 32 ، ويقول عن الكافرين {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللّه أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } المجادلة : 19 ، ويقول عن المؤمنين {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } المجادلة : 22 ، الحزب هو الجماعة من الناس ، والحزبية التعصب للحزب ، وهذا الحزب له فكر معين يلزمه سلوك معين لتحقيق الهدف منه ، واختلاف الناس فى الفكر المؤدى إلى الاختلاف فى السلوك أمر من طبيعة البشر، كما قال سبحانه {ولو شاء ربك لجعل للناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } هود : 118 ، 119 ، وكانت رسالة الرسل هى من أجل الدعوة إلى توحيد الفكر والعقيدة ، وعلى رأسها الإيمان بإله واحد والرجوع إليه بعد الموت ، ومع اتفاق الرسالات على هذه الدعوة كان لكل رسالة شريعة خاصة فى ظل هذه العقيدة تتناسب مع استعداد القوم وظروفهم ، كما قال سبحانه {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة : 48 ، فأمر الاختلاف بين الأمم قائم ، والدعوة إلى توحيد العقيدة مستمرة والنهى عن الاختلاف والتفرق إنما هو فى مجالى العقيدة فحسب ، فمن كانوا من المؤمنين فهم حزب اللّه ، ومن كانوا كافرين فهم حزب الشيطان ، ولعدم صدق العقيدة عند الكافرين لم يجتمعوا على عقيدة واحدة ، لأنها صدى لأفكارهم البحتة ، والأفكار مختلفة ، والتعصب للفكر شديد { ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } قال تعالى للمؤمنين {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} آل عمران : 102 ، إن الذى ينعى عليه الدين هو الاختلاف فى العقيدة ، أما السلوك فإن كان منصوصا على تحديده وجب التزامه ، وإلا كان الحكم عليه بمقدار اتصاله بالعقيدة وعدم الخروج عليها ، وفى ظل هذا كان اختلاف بعض الصحابة والتابعين والفقهاء الذين جاءوا من بعدهم فى فهم النصوص واستخراج الأحكام لما لم ينص عليه ، وكانت الحرية فى الأخذ بأى رأى ما دام لا يصادم نصا ولا يعارض المقررات الأساسية المجمع عليها .
ومن تنوع الأفكار وتعدد المذاهب كان الجميع كتلة واحدة فى تحقيق الخير للأمة والدفاع عنها ، لا فرق بين عربى وغير عربى، ولا تعصب لجنس أو عرق أو قبيلة، فالله سبحانه يقول { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات : 13 ، والأحاديث كثيرة فى النهى على العصبية ، والتفرق بسبب من الأسباب الذاتية أو العارضة كالغنى والنسب والعلم والجاه .
بعد هذا نأتى إلى الأحزاب السياسية القائمة فى ظل النظم الديمقراطية ، التى من أهم مظاهرها حرية الفكر وإبداء الرأى ، فمن أجل هذه الحرية اختلفت الآراء فى خدمة الوطن ، كل جماعة ترى أن رأيها ومنهجها هو الذى يحقق الخير دون رأى غيرها .
ولو أن هذه الأحزاب تلاقت واتفقت على منهج سليم لخدمة الوطن لكان الخير مرجوا منها، لكن يعيبها أن كل حزب معتد بفكرته فى هذا المجال ، ويعتقد أنه هو الجدير وحده بتسلم الزمام لقيادة الشعب ، فالهدف أولا وبالذات هو الحكم ، ثم بعد ذلك يكون التفكير فى الإجراءات اللازمة لخدمة الوطن ، وقد توفق وقد تخفق بمقدار ما عندها من إخلاص للمصلحة العامة أو الخاصة .
مع أن كل حزب يمكنه أن يخدم وطنه بعيدا عن الحكم ، ويقدم نصائحه بالحكمة والأسلوب الحضارى لمن يتولى القيادة ، ولا يتم التوفيق لهذه الأحزاب إلا إذا صحت عقيدتها فى اللّه ، والتزمت الأخلاق التى أجمعت عليها كل الأديان ، وحافظت على الخطوط العريضة التى وضعتها الرسالات للإصلاح ، كما قال سبحانه لآدم حين أهبطه إلى الأرض {فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } طه : 123 ، 124(10/220)
تحية العلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن تحية العلم شرك بالله ، فلا يعظم إلا الله وحده ، فهل هنا صحيح ؟
An العَلَمُ رمز للوطن فى العصر الحديث ، وكان عند العرب رمزا للقبيلة والجماعة، يسير خلفه ويحافظ عليه كل من ينتسب إلى القبيلة أو الجماعة ، وكلما كان العلم مرفوعا دل على عزة أهله ، وإذا انتكس دل على ذلهم ، ويعرف عند العرب باسم الراية أو اللواء .
يقول ابن حجر فى غزوة خيبر: اللواء هو العلم الذى يحمل فى الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش ، وقد يحمله أمير الجيش ، وقد صرح جماعة بترادف اللواء والراية ، وقال آخرون بتغايرهما ، فقد روى أحمد والترمذى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ، وجزم بتغايرهما ابن العربى فقال : اللواء ما يعقد فى طرف الرمح ويلوى عليه ، والراية ما يعقد منه ويترك حتى تصفقه الرياح ، وقيل : اللواء العلم الضخم وهو علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب .
وفى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية كلام كثير عن العلاقة بين الراية واللواء "ج 1 ص 390" وذكر فى غزوة تبوك أن حامل اللواء كان زيد بن حارثة، ولما قتل تناوله جعفر بن أبى طالب وقاتل حتى قتل ، ثم تناوله عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ، فأخذ اللواء ثابت بن أقرم العَجْلاَنى وتقدم به إلى خالد بن الوليد وسلمه إياه لجدارته كما ذكر أن جعفرا لما قطعت يده اليمنى حاملة اللواء أخذه بيده اليسرى، فلما قطعت يداه احتضنه بعضديه ثم قتل ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يعوضه الله بدل اليدين جناحين فى الجنة "ج ا ص 267 وما بعدها" .
والمهم أن العلم أو الراية أو اللواء كان يحرص عليه من يحمله ، وإذا وقع رفعه غيره للدلالة على أن فى الجيش قوة، ترفع بها معنوياتهم ليصمدوا .
فتحية العلم بالنشيد أو الإشارة باليد فى وضع معين إشعار بالولاء للوطن والالتفاف حول قيادته والحرص على حمايته ، وذلك لا يدخل فى مفهوم العبادة له ، فليس فيها صلاة ولا ذكر حتى يقال : إنها بدعة أو تقرب إلى غير الله(10/221)
التوبة من المال الحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لو كان عند الإنسان مال حرام وأراد أن يتوب إلى الله فكيف يتصرف فى هذا المال ؟
An من المعلوم أن اللّه سبحانه نهانا عن أكل الحرام ، وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبل التصدق إلا بالمال الحلال ، لأن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا ، وأن القليل من الحرام فى بطن الإنسان أو على جسمه يمنع قبول الدعاء ، ويؤدى فى الآخرة إلى النار، والمال الحرام يجب التخلص منه عند التوبة ، وذلك برده إلى صاحبه أو إلى ورثته إن عرفوا ، وإلا وجب التصدق به تبرؤا منه لا تبرعا للثواب .
قال الإمام الغزالى فى كتابه "الإحياء"ج 2 ص 116 فى خروج التائب عن المظالم المادية : فإن قيل : ما دليل جواز التصدق بما هو حرام ، وكيف يتصدق بما لا يملك وقد ذهب جماعة إلى أن ذلك غير جائز لأنه حرام ، وحكى عن الفضيل أنه وقع فى يديه درهمان فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال : لا أتصدق إلا بالطيب ، ولا أرضى لغيرى ما لا أرضاه لنفسى ؟ .
فنقول : نعم ذلك له وجه احتمال ، وإنما اخترنا خلافه للخبر والأثر والقياس .
فأما الخبر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التى قدمت إليه فكلمته بأنها حرام ، إذ قال صلى الله عليه وسلم "أطعموها الأسارى" - والحديث قال فيه العراقى : رواه أحمد وإسناده جيد - ولما نزل قوله تعالى {الم . غلبت الروم } كذبه المشركون وقالوا للصحابة : ألا ترون ما يقول صاحبكم ؟ يزعم أن الروم ستغلب ، فخاطرهم - أى راهنهم - أبو بكر رضى اللّه عنه ، بإذن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فلما حقق اللّه صدقه وجاء أبو بكر بما قامرهم به قال صلى الله عليه وسلم "هذا سحت فتصدق به " وفرح المؤمنون بنصر الله ، وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن الرسول صلى الله عليه وسلم له فى المخاطرة مع الكفار .
وأما الأثر فإن ابن مسعود اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن ، فطلبه كثيرا فلم يجده ، فتصدق بالثمن وقال : اللهم هذا عنه إن رضى، وإلا فالأجر لى ، وروى أن رجلا سولت له نفسه فَغَلَّ مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه فأبى أن يقبضها وقال له : تفرق الجيش ، فأتى معاوية فأبى أن يقبض ، فأتى بعض النساك فقال ادفع خمسها إلى معاوية وتصدق بما بقى . فلما بلغ معاوية قوله تلهف إذ لم يخطر له ذلك . وذهب أحمد بن حنبل والحارث المحاسبى وجماعة من الورعين إلى ذلك .
وأما القياس فهو أن يقال : إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير، إذ قد وقع اليأس من مالكه ، وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه فى البحر، فإذا رميناه فى البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك ولم تحصل منه فائدة، وإذا رميناه فى يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه ، وحصل للفقير سَدُّ حاجته ، وحصول الأجر للمالك بغير اختياره فى التصدق لا ينبغى أن ينكر، فإن فى الخبر الصحيح أن للغارس والزارع أجرا فى كل ما يصيبه الناس والطيور من ثماره وزرعه ، وذلك بغير اختياره ، وأما قول القائل :
لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر، وترددنا بين التضييع وبين التصدق ، ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع . انتهى .
وقد أخذ برأى الغزالى هذا -إجابة دار الفتوى على مثل هذا السؤال "الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3571" .
ويستأنس للقول بجواز توجيه المال الحرام إلى منفعة المسلمين إذا لم يعرف صاحبه ، بما فعله عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع المتسول الذى طلب منه طعاما فأحاله على صحابى فأطعمه ، ثم عاد يسأل فوجده محترفا دون حاجة ، ومعه زاد كثير، فأمر بطرحه أمام إبل الصدقة لأنها منفعة عامة للمسلمين .
وجاء فى تفسير القرطبى"ج 3 ص 366"ما نصه .
قال علماؤنا : إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه ، ويطلبه إن كان حاضرا ، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه ، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك فى أمر من ظلمه ، فإن التبس عليه الأمر ولم يَدْرِ كَمْ الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده ، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه ، فإن أيس من وجوده تصدق به عنه ، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع ، إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين ، حتى لا يبقى فى يده إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة من اللباس ، ما يستر العورة وهى من سرته إلى ركبته ، وقوت يومه ، لأنه الذى يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليه وإن كره ذلك من يأخذه منه .
وفارق ها هنا المفلس فى قول أكثر العلماء ، لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء ، بل هم الذين صيروها إليه ، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه ، وأبو عبيدة وغيره يرى ألا يترك للمفلس من اللباس إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته ، ثم كلما وقع بيد هذا شىء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا ، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه(10/222)
من آداب تغير المنكر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمسلم اقتحام منزل مسلم أو مسيحى إذا علم أن به خمرا، بقصد تغيير المنكر ؟
An اشترط العلماء فى تغيير المنكر - كما جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى - أربعة شروط : أن يكون منكرا ، وأن يكون موجودا فى الحال ، وأن يكون ظاهرا من غير تجسس ، وأن يكون معلوما كونه منكرا بالاتفاق دون اجتهاد .
ودليل منع التجسس واقتحام المنزل الذى يمارس فيه منكر قوله تعالى {ولا تجسسوا} الحجرات : 12 ، وقوله صلى الله عليه وسلم "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو كان فى جوف بيته " رواه أبو داود والترمذى وقال :
حديث حسن .
قال الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية" : لا يجوز التجسس حتى للإمام والمحتسب - أى الموظف المنوط به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر-إلا إذا غلب على ظنه استمرار قوم بالمعصية لأمارة وآثار ظهرت ، ولو لم يتجسس لانتهكت حرمة يفوت استدراكها، كما لو أخبره ثقة عنده بخلو رجل بامرأة للزنى ، أو برجل ليقتله ، بل يجوز هذا لغير المحتسب(10/223)
مصارعة الثيران
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى مصارعة الثيران ، حيث يقتل المصارع الثور، وقد يصرعه الثور، وهل يتساوى هذا بالصيد فى الصحراء حيث يطارد الصياد الحيوان وقد يقتله بالرمح أو البندقية، ويمكن أن يقتل الحيوان صائده ؟
An المصارعة بين الإنسان والإنسان عمل قديم ، ولها أغراض عدة ، فإن كانت من أساليب الاستعداد للجهاد والدفاع عن الحرمات فهى مشروعة .
أما مصارعة الثيران فالظاهر فيها أنها من باب المفاخرة بالشجاعة ، لأن قصد الخير فيها غير واضح ، ولذلك فهى غير مشروعة لأمرين :
الأول : أن فيها إيذاء للحيوان بدون مبرر، بمعنى أنه سينتهى إلى موته ، ولحمه لا يؤكل شرعا لأنه لم يذبح بالطريقة الشرعية، أخرج الشافعى وأبو داود والحاكم وصححه حديث ؟" ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله اللّه عنها" قيل : وما حقها يا رسول الله ؟ قال "يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويرميها" نيل الأوطار للشوكانى "ج 8 ص 130 ، 142 " .
الثانى : أن مصارعة الثيران مخاطرة قد تؤدى إلى قتل الإنسان بدون هدف مشروع ، واللّه يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 195 .
وذلك إلى جانب ما فيها من قصد الفخر والرياء وما يصاحبها من منكرات تلزم لإعداد الحلبة والشهود الذين يحضرون ، مع عدم الحاجة إليها فإن التمرين على المصارعة الحلال موجود بدون هذه المخاطر(10/224)
النكتة والمزاح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيما يسمى بالنكتة ؟
An النكتة أو الفكاهة شىء من قول أو فعل يقصد به غالبا الضحك وإدخال السرور على النفس ، وينظر فى حكمها إلى القصد منها وإلى أسلوبها ، فإن كان المقصود بها استهزاء أو تحقيرا مثلا، أو كان فى أسلوبها كذب مثلا كانت ممنوعة ، وإلا فلا وهى تلتقى مع المزاح فى المعنى، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا كما رواه أحمد، وجاء فى سنن الترمذى : قالوا إنك تداعبنا ، قال "إى ولا أقول إلا حقا" وهو حديث حسن .
ومن حوادثه أن رجلا قال له : احملنى على بعير، فقال " بل نحملك على ابن البعير" فقال : ما أصنع به ؟ إنه لا يحملنى ، فقال صلى الله عليه وسلم " ما من بعير إلا وهو ابن بعير" رواه أبو داود والترمذى وصححه .
"الأذكار للنووى ص 322" وقيل إن السائل امرأة .
وأنبه إلى الإقلال من النكتة وعدم التمادى فيها ، فقد تجر إلى المحرم ، ففى الحديث "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوى بها سبعين خريفا فى النار" رواه الشيخان .
وقال عمر رضى الله عنه : من كثر ضحكه قلت هيبته ، ومن مزح استُخف به . وقال عمر بن عبد العزيز: اتقوا اللّه وإياكم والمزاح ، فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح . يقول النووى فى كتابه المذكور: قال العلماء : إن المزاح المنهى عنه هو الذى فيه إفراط ويداوم عليه ، لأنه يورث قسوة القلب ويشغل عن ذكر اللّه ويؤول فى كثير من الأوقات إلى الإيذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار، وما سلم من ذلك فلا مانع منه فقد كان الرسول يفعله نادرا للمصلحة وتطييب النفس والمؤانسة، وهذا لا مانع منه قطعا بل هو سنة مستحبة إذا كان بهذه الصفة ، فاعتمد ما نقلناه عن العلماء وحققناه فى هذه الأحاديث وبيان أحكامها ، فإنه مما يعظم الاحتياج إليه وباللّه التوفيق(10/225)
نسب الفاطميين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قامت فى مصر دوله باسم الدولة الفاطمية وهى التى أنشأت الجامع الأزهر وبعض الناس يشككون فى نسب هذه الدولة إلى السيدة فاطمة رضى الله عنها فما رأيكم فى هذا ؟
An هذه الدولة الفاطمية قامت بالفعل وكانت لها آثارها، ومن أهمها الجامع الأزهر الشريف ، ثم انتهت هذه الدولة كما انتهى غيرها ، والشيعة يذكرونها بالخير فى أمور خدمت مذهبهم ، وكما هى العادة لم تسلم من النقد كما لم تسلم دولة أخرى .
والأدب الإسلامى بوجه عام يقض بالشكر لمن قدم خيرا للناس وللدين بوجه خاص ، والتاريخ الإسلامى يقدر لهم هذه المأثرة وهى الجامع الأزهر الشريف ، الذى شاء الله أن يكون منارة تشع على العالم كله المعرفة الصحيحة لمبادئ الدين ، بعيدا عن التعصب لمذهب معين ، وأن يكون منتجعا لطلاب العلم من كل الأمصار، وملاذا لكل من وفد إلى مصر من العلماء .
وإذا كانت هناك بعض السلبيات لهذه الدولة فلا ينبغى أن تطغى على الإيجابيات الأخرى ، والإنصاف فى الحكم يقتضينا أن ننظر بعينين لا بعين واحدة، والذين حملوا على هذه الدولة شككوا فى نسبها الذى اتخذته منطلقا لدعوتها ومنافستها للخلافة العباسية فى مقرها بغداد .
وممن طعن فى إمامة الفاطميين الإمام السيوطى فى كتابه "تاريخ الخلفاء" وبرر ذلك بأمور منها :
1 - أنهم غير قرشيين وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام ، وإلا فجدهم مجوسى .
2 - أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام ، ومنهم من أظهر سب الأنبياء ، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسجود له .
3 -أن مبايعتهم صدرت والإمام العباسى قائم موجود سابق البيعة فلا تصح .
4 - أن الحديث ورد بأن هذا الأمر إذا وصل إلى بنى العباس لا يخرج منهم حتى يسلموه إلى عيسى بن مريم أو المهدى .
ذلك جزء مما عرفته عنهم ، وأرى أن البحث فيه ليس له كبير فائدة فى هذه الأيام ، بل قد يضر، فلنتركه لأن الله لا يحاسبنا عليه(10/226)
أوليات الخلفاء الراشدين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هناك أمور كان أول ظهورها على يد بعض الحكام المسلمين ، فهل لهم أجر على ذلك ؟
An معلوم أن الاجتماع البشرى فى تطور،تحدث فيه أشياء لم تكن من قبل .
دعت إليه الظروف واقتضتها الأحداث ، فما كان منها خيرا كان لمن أحدثها ولمن سار عليها ثواب ، وما كان غير ذلك كان فيه العقاب ، فقد صح فى الحديث "من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء" رواه مسلم وغيره .
والمسلم يطمئن بوجه عام إلى ما أحدثه الخلفاء الراشدون من خير، لأننا مأمورون باتباع هديهم كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه . وقال الترمذى : حديث حسن صحيح . وهناك أمور حدثت أول ما حدثت على أيدى الخلفاء الراشدين فصارت سنة متبعة ، منها ما ذكره السيوطى فى كتابه "تاريخ الخلفاء"ص 16 ، حيث قال :
قال العلماء : أول من اتخذ بيت المال ، وأول من سمى المصحف مصحفا أبو بكر الصديق . وأول من أرخ بالهجرة ، وأول من أمر بصلاة التراويح ، وأول من وضع الديوان عمر بن الخطاب ، وأول من زاد الأذان فى الجمعة، وأول من رزق المؤذنين عثمان بن عفان .
ثم ذكر السيوطى أوليات لكثير من الخلفاء والأمراء والملوك لا يلزم الاقتداء بهم فيها، فأكثرها دنيوى تنظيمى ، يخضع لبيان حكم الشرع فيها من الأدلة المعتبرة(10/227)
أوانى الذهب والفضة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندى بعض هدايا من الفضة، وبعض من الذهب ، أو مموه به فهل يحرم استعمالها ؟
An يحرم الأكل والشرب فى الأوانى المتخذة من الذهب والفضة ، وذلك لوجود النص فيها ، فقد روى البخارى ومسلم عن حذيفة رضى الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ، ولا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا فى صحافها ، فإنها لهم فى الدنيا ولكم فى الآخرة" ورويا أيضا عن أم سلمة رضى الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم "إن الذى يشرب فى آنية الفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم " ومعنى يجرجر يصب . وفى رواية مسلم "إن الذى يأكل أو يشرب فى إناء الذهب أو الفضة . .. " وهذا التحريم شامل للرجال والنساء، والمباح للنساء هو التحلى والتزين ، وهو نص فى تحريم الأكل والشرب ورأى بعض الفقهاء كراهة ذلك دون التحريم ، وأن الأحاديث الواردة فى النهى هى لمجرد التزهيد ، لكن الحق هو التحريم ، فالوعيد شديد فى رواية أم سلمة .
أما الاستعمالات الأخرى كأدوات التطيب والتكحل فهى ملحقة فى التحريم بالأكل والشرب عند جماعة من الفقهاء ، أما المحققون فلم يحرموها ، بل قالوا بالكراهة ، مستدلين بحديث رواه أحمد وأبو داود "عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا" وجاء فى "فتح العلاَّم "أن الحق هو عدم تحريم غير الأكل والشرب ، ودعوى الإجماع غير صحيحة ، وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوى بغيره ، لأنه ورد بتحريم الأكل والشرب ، فعدلوا عنه إلى الاستعمال ، وهجروا العبارة النبوية، وجاءوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم .
هذا فى الاستعمال أما الاقتناء دون استعمال فالجمهور على منعه أيضا، ورخصت فيه طائفة . أما الأوانى والتحف والحلى من غير الذهب والفضة، سواء من الأحجار والمعادن مهما غلت قيمتها فلا حرمة فى اقتنائها واستعمالها ، لأن الأصل فى الأشياء هو الحل ، ولم يرد دليل بالتحريم(10/228)
الثور والأرض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما زالت بعض الكتب تذكر أن الأرض محمولة على قرن ثور، وأن الزلازل تكون عندما يغيِّر حملها فيقلها إلا قرنه الآخر، فهل لهذا الكلام أصل ؟
An نعم لهذا الكلام أصل ولكنه كاذب وهو منقول عن وهب بن منبه الذى تنقل عنه أخبار عجيبة ، وذكره صاحب كتاب "مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار" وذكر فيه غرائب فى كيفية حمل الثور للأرض ، وأن له أربعة آلاف عين ومثلها أنوف وأفواه وقوائم ، واسمه "كيوثا" وهو قائم على حوت كبير لو وضعت البحار كلها فى إحدى مناخره لكانت كخردلة فى فلاة ، واسمه "بهموت " .
وكل هذا كلام لا دليل عليه من قرآن أو سنة صحيحة، ولم يقل به أحد من العلماء المختصين ، وإن كان علمنا بالكون ما يزال ضئيلا ، فنترك ذلك إلى الله ، ولنحاول أن نستفيد مما سخره الله لنا فيه ، ولنحذر كل الحذر مما تمتلئ به بطون الكتب القديمة من الخرافات والإسرائيليات "انظر مادة - ثور - فى كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميرى"(10/229)
الأكل على المائدة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q دعوت بعض زملائى إلى مأدبة ، فلما هيأت لهم الطعام غضب أحدهم وقال الأكل على المائدة بدعة محرمة، وأبى أن يأكل وجلس على الأرض يتناول الطعام ، ودار نقاش طويل حول هذا الموضوع ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An نبهنا كثيرا إلى عدم الجرأة فى الفتيا بغير علم ، وعدم الإسراع بإطلاق اسم البدعة على كل شىء جديد فقد يكون له أصل قديم ، وعدم الاستطراد فى الحكم على كل بدعة بأنها ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
وكنت ناويا عدم التحدث فى هذا الموضوع الدنيوى الذى لم يرد فيه نهى بصريح القول ، فى القرآن والسنة ، لولا أن بعض الناس يجعلون من الحبة قبة، ويشغلون الناس بأمور مضت عدة قرون على حسم الخلاف فيها ، ليضيعوا الوقت الثمين ويفرقوا بين الجماعة، ويعطوا الفرصة للأعداء لاتهام الدين بالجمود وعدم الصلاحية لقيادة الإنسانية إلى الخير كما يقول المسلمون .
وردت أحاديث فى هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى تناول الطعام ، منها ما رواه قتادة عن أنس قال : ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم خوان قط ، فقال قتادة لأنس : فعلام كانوا يأكلون ؟ قال : على السُّفَر .
وهو حديث صحيح ثابت أخرجه الترمذى وقال فيه : حديث حسن غريب ، أى رواه راو واحد فقط ، وروى مسلم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : لو كان الضب حراما ما أكل على مائدة النبى صلى الله عليه وسلم . وفى حديث خرَّجه الثقات عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "تصلى الملائكة على الرجل ما دامت مائدته موضوعة" ذكر ذلك القرطبى فى تفسيره " ج 6 ص 373 ، 4 37 " .
المائدة كل شىء يمد ويبسط ، مثل المنديل والثوب ، والخوان - بضم الخاء وكسرها-هو ما ارتفع عن الأرض بقوائمه ، والسفرة-كما قال ابن الأثير فى النهاية - هى الطعام الذى يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل فى جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمى به ، ومنه حديث عائشة رضى اللّه عنها :
صنعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر سفرة فى جراب لما هاجرا ، أى صنعنا طعاما لهما عند الهجرة .
من هذا نرى أن المائدة الشاملة للسفرة بلا قوائم كان يأكل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب فى أيامه ، أما الخوان وهو ما له قوائم ترفعه عن الأرض فلم يأكل عليه . فهل يفهم من هذا أن الأكل على الخوان - المنضدة ، الترابيزة . . . -بدعة إن لم تك محرمة فهى مكروهة ؟ .
فى بحث واسع عن البدعة اختلف العلماء فى عدم الاقتداء بالرسول فى أفعاله ، هل هو حرام أو مكروه ، أو ما تركه هل يجب تركه أو يُسَنُّ تركه ، وهل الشىء الجديد الذى لم يرد فيه أمر ولا نهى، يعتبر بدعة ضلالة تؤدى إلى النار؟ أنا أترك الحديث فى هذه النقطة لحجة الإسلام الإمام الغزالى الذى عالجها قبل أن يتوفى سنة 505 هجرية .
جاء فى كتابه الكبير "إحياء علوم الدين "ج 2 ص 3 : أن من آداب الأكل أن يوضع الطعام على السفرة - المفروشة على الأرض - وذكر أن هناك أربعة أشياء حدثت بعد النبى صلى الله عليه وسلم ، وهى الموائد والمناخل والأشنان -مثل الصابون -والشبع . ثم قال :
واعلم أنا وإن قلنا : الأكل على السفرة أولى ، فلسنا نقول : الأكل على المائدة منهى عنه نهى كراهة أو تحريم ، إذ لم يثبت فيه نهى، وما يقال : إنه أبدع بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع منهيا، بل المنهى بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته ، بل الإبداع قد يجب فى بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب ، وليس فى المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض لتيسير الأكل ، وأمثال ذلك مما لا كراهة فيه .
ثم قال :
والأربع التى جمعت فى أنها بدعة ليست متساوية ، بل الأشنان حسن لما فيه من النظافة، فإن الغسل مستحب للنظافة ، والأشنان أتم فى التنظيف ، وكانوا لا يستعملونه لأنه ربما كان لا يعتاد عندهم ، أو لا يتيسر، أو كانوا مشغولين بأمور أهم من المبالغة فى النظافة، فقد كانوا لا يغسلون اليد أيضا ، وكانت مناديلهم أخمص أقدامهم -باطن الأقدام - وذلك لا يمنع كون الغسل مستحبا .
وأما المنخل فالمقصود منه تطييب الطعام ، وذلك مباح ما لم ينته إلى التنعم المفرط ، وأما المائدة فتيسير للأكل ، وهو أيضا مباح ما لم ينته إلى الكبر والتعاظم ، وأما الشبع فهو أشد هذه الأربعة ، فإنه يدعو إلى تهييج الشهوات وتحريك الأدواء فى البطن . فلتدرك التفرقة بين هذه المبدعات .
أعتقد أنه ليس بعد كلام الإمام الغزالى كلام فى هذا الموضوع -بل وغيره من الموضوعات -فليفهم هذا من يفتون بغير علم ، حتى لا يَضِلُّوا ولا يُضَلُّوا واللّه سبحانه وتعالى يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } النحل : 43 و الأنبياء : 7 ؟(10/230)
القصاص من الذكر للأنثى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتص منه بل تجب عليه الدية ؟
An ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الرجل إذا قتل امرأة فإنه يقتل بها، وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك . ونقل عن الحسن البصرى أن الرجل لا يقتل بالأنثى ، وهو قول شاذ مردود ، لأن كتاب عمرو بن حزم الذى تلقاه الناس بالقبول جاء فيه أن الذكر يقتل بالأنثى . ولا تجب الدية إلا عند العفو عن القصاص(10/231)
نزر وفرض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نذرت للّه إن تحقق غرض أن أحج ، فتحقق ، والآن لم أكن ، قد حججت فهل يكفى حج واحد عن النذر والفرض ، أم لابد من حج لكل منهما، وبأيهما أبدا ؟
An جمهور العلماء على أن الفرضين لا يتداخلان ، بل لابد من حج لكل واحد منهما، وروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه يكفى عنهما حج وأحد .
وعلى رأى الجمهور بأيهما يبدأ؟ قال الكثيرون : يبدأ بفريضة الحج ، ثم يفى بالنذر بعد ذلك ، لأن الحج مع الاستطاعة فريضة ، والوفاء بالنذر واجب ، والفرض أقوى من الواجب فيبدأ به ، وهذا على رأى من يفرقون بينهما أما من لا يفرق فيترك الأمر فى الخيار للشخص(10/232)
نقل جزء من الخنزير إلى الإنسان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يفكر بعض العلماء فى نقل بنكرياس من خنزير بدل بنكرياس إنسان من أجل علاج مرضى السكر فما رأى الدين فى ذلك ؟
An على الرغم من قول جمهور الفقهاء بنجاسة الخنزير، وقول بعضهم بطهارته إنهم متفقون على أن ميتة الحيوانات نجسة، وهى التى لم تذبح ذبحا شرعيا أو كان أكلها حراما حتى لو ذبحت كالحمار مثلا. والنجاسة تشمل كل جزء من أجزاء الميتة، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ إلا جلد الكلب والخنزير عند الجمهور، ورأى داود الظاهرى وأبو يوسف من الحنفية تعميم الطهارة بالدبغ لكل الحيوانات ، لعموم الأحاديث الواردة فى ذلك .
أما غير الجلد من الميتة فلا يطهر بالدباغ ولا بأية مادة أخرى ويبقى على نجاسته ، كما اتفق الفقهاء على أن ما يؤخذ من الحيوان حال حياته له حكم ميتته ، مع استثناء شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة ، قال تعالى : {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } النحل :85 ، وجاء فى الحديث الذى رواه الحاكم وصححه "ما قطع من حى فهو كميتته " .
ومن هنا نقول : إن الجزء الذى ينزع من الخنزير لوصله بجسم الإنسان نجس باتفاق الفقهاء، سواء نرغ منه وهو حى - لأن ما قطع من الحى فهو كميته وميتته نجسة باتفاق -أو نرغ منه بعد موته فهو نجس أيضا ، وإذا كان رأى داود وأبى يوسف أن جلده يطهر بالدباغ ، فأى جزء آخر غير الجلد لا يطهر بالدباغ .
وإذا كان الأمر كذلك وهو الاتفاق على نجاسة ما يؤخذ من الخنزير حيا أو ميتا فهل يجوز نقل جزء منه إلى جسم الإنسان للعلاج ؟ سبق القول فى جبر عظم الإنسان بعظم نجس وخلاصته : أن فقهاء المالكية والحنابلة والشافعية قد صرحوا بأن مداواة الإنسان بشىء نجس جائز عند الضرورة التى صوروها بعدم وجود شىء طاهر، ولو فرض أنه لا توجد ضرورة وحصلت المداواة بالنجس وكان قلعه فيه ضرر لا ينزع وتصح الصلاة به ، وهناك قول بأن الجزء النجس إذا اكتسى لحما لا ينزع وإن لم يخف الهلاك . كما أن الحنفية قالوا : إذا قضت الضرورة بوصل العظم المكسور بعظم نجس فلا حرج ولا إثم ، ما دام يتعذر نزعه إلا بضرر .
بعد عرض هذه الأقوال [الملخصة من بحث الشيخ جاد الحق على جاد الحق ] أقول : زرع بنكرياس خنزير مكان بنكرياس الإنسان لأنه علاج فعال لمرض منتشر لا يقوم غيره الآن مقامه ، لا بأس به. والرأى القائل بالجواز وعدم النزع إذا اكتسى العظم لحما يؤيد ما أقول ، وبخاصة أن البنكرياس سيزرع فى باطن الجسم لا فى ظاهره ، وباطن الجسم مملوء بما نحكم عليه بالنجاسة لو خرج إلى الظاهر كالبول والبراز والدم ، ونصلى ونحن حاملون لذلك لأننا لا نستغنى عنه بالطبيعة، فكيف لا يكون ما يزرع فى الداخل من الشىء النجس كهذه الأشياء؟ وإذا تحدث البعض عند الحكم وقال : تجوز الصلاة مع الوصل بالعظم النجس ، ورتب الحكم على النجاسة، فإن من ابتلع شيئا نجسا محتاجا إليه فى العلاج كانت صلاته صحيحة ولا حاجة إلى تطهير شىء ، اللهم إلا الفم الذى ابتلع منه الدواء وما وقع على ظاهر الجسم ، بصرف النظر عن كون الابتلاع حراما أو حلالا، حسب الحاجة والضرورة وعدمها ، لأن الابتلاع أكل أو شرب ينظر فيه إلى المادة إن كانت حراما أو حلالا . ولو دخلت المادة النجسة إلى الجسم بغير طريق الأكل والشرب - كالحقن فى الوريد أو العضل ، أو تحت الجلد - هل يقال : إن ذلك حرام ؟ ربما يقال ذلك لأن الحديث يقول "لم يجعل الله شفاء أمتى فيما حرم عليها"ولكن للضرورة أحكام ، إن الأمر ما دام فيه احتمال للجواز لا ينبغى أن نجزم بحرمته ، وبخاصة إذا ثبتت فائدة الدواء بصورة فعالة فى مرض يعانى منه الكثيرون . هذا هو رأيى فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمنى ، وأرجو العفو منه سبحانه ، والأعمال بالنيات(10/233)
من أحكام الردة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لو تاب المرتد هل يقضى ما فاته من واجبات زمن الردة، وإذا لم يتب هل يقتل عاجلا أو يؤجل قتله ، وكيف يكون التصرف معه بعد قتله ؟
An معلوم أن المرتد هو من ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، ويستوى فى ذلك من ولد مسلما ومن أسلم بعد كفر. ويستوى فى ذلك أيضا من اعتنق دينا يقر عليه أهله كاليهودية والنصرانية ومن لم يعتنق هذين الدينين . وقد جاء فى عقوبته الدنيوية قوله صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخارى ومسلم .
وبصورة موجزة ألخص ما قاله الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية " ص 55 ، فقد جاء فيه : إن كان المرتدون أفرادا لم يتحيزوا بدار يتميزون بها عن المسلمين فلا نقاتلهم . وإنما نحاورهم ، فإن ذكروا شبهة فى الدين أوضحت لهم بالحجج والأدلة حتى يتبين لهم الحق . وطلبنا منهم التوبة مما دخلوا فيه من الباطل ، فإن تابوا قبلت توبتهم وعادوا إلى الإسلام كما كانوا ، وعليهم بعد التوبة قضاء ما تركوه من الصلاة والصيام فى زمان الردة ، لاعترافهم بوجوبه قبل الردة ، وقال أبو حنيفة : لا قضاء عليهم كمن أسلم عن كفر. ومن كان من المرتدين قد حج فى الإسلام قبل الردة لم يبطل حجه بها ولم يلزمه قضاؤه بعد التوبة، وقال أبو حنيفة، قد بطل بالردة ولزمه القضاء بعد التوبة .
ومن أقام على ردته ولم يتب وجب قتله ، رجلا كان أو امرأة . وقال أبو حنيفة : لا أقتل المرأة بالردة . وقد قتل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالردة امرأة كانت تكنى "أم رومان " . ولا يجوز إقرار المرتد على ردته بجزية ولا عهد، ولا تؤكل ذبيحته ، ولا تنكح منه امرأة .
واختلف الفقهاء فى قتل المرتدين هل يعجل فى الحال أو يؤجلون فيه ثلاثة أيام ؟ هناك قولان ، قول بتعجيل قتلهم فى الحال حتى لا يؤخر لله حق ، وقول بإنظارهم ثلاثة أيام لعلهم يتوبون ، وقد أنظر على كرم الله وجهه "المستورد العجلى" بالتوبة ثلاثة أيام ثم قتله بعدها ، والقتل يكون بالسيف ، وقال ابن سريج من أصحاب الشافعى : يضرب بالخشب حتى يموت ، لأنه أبطأ قتلا من السيف ، ولعله يستدرك بالتوبة، وإذا قتل لم يغسل ولم يصل عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين ، بل ولا فى مقابر المشركين ويكون ماله فيئا فى بيت مال المسلمين ، لأنه لا يرثه عنه مسلم ولا كافر. وقال أبو حنيفة : يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة، ويكون ما اكتسبه بعد الردة فيئا وقال أبو يوسف يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة وبعدها .
"تذييل " .
لا يقال إن الأمر بقتل المرتد مصادرة لحرية العقيدة ، لأن المرتد عن الدين قد دخل فيه غالبا للكيد للمسلمين {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } آل عمران : 72 ، فقتله هو دفاع عن المسلمين .
أما الكافر الأصلى فالإسلام يعرض عليه دون إكراه ، وإن لم يؤمن عاملناه على ضوء قوله تعالى { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } التوبة : 7(10/234)