موت الجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى القرآن إن الله أجاب إبليس بعدم الموت قبل يوم القيامة، فهل ذريته كذلك لا يموتون ؟
An يقول الله تعالى لما طرد إبليس من الجنة {قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم} ص : 79 -81 وقال مثل ذلك فى آيات أخرى تدل على أن إبليس لا يموت إلا يوم القيامة الذى يموت فيه كل كائن حى {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران :185 {كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإِكرام } الرحمن : 26 ، 27 .
أما ذرية إبليس فيموتون كما يموت بنو آدم ، ولكل أجل طال أو قصر، وذلك لما يأتى :
1 -أنه لا يوجد دليل على أنهم منظرون كإبليس ، فيصدق عليهم ما يصدق على كل كائن حى .
2 - قوله تعالى عن الكفار {أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس } الأحقاف : 18 فهناك أمم سبقت من الجن والإنس ، أى ماتت .
3-وردت أخبار عن جن ماتوا ودفنوا وكان بعضهم ممن لقى النبى صلى الله عليه وسلم " آكام المرجان للمحدِّث الشبلى ص 38 - 44 " .
4 -وردت آثار تدل على أن ابن عباس رضى الله عنه سئل عن موت الجن فقال : يموتون إلا إبليس . "المرجع السابق ص 152"(8/368)
دخول الجنة قبل الموت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نعلم أن الجنة دار النعيم يدخلها بعد القيامة المؤمنون ، فهل دخلها أحد قبل يوم القيامة وهو على قيد الحياة؟
An سبق فى ص 506 من المجلد الأول بيان أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وهو رأى جمهور العلماء ، وأن أرواح الشهداء فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة تأوى إلى قناديل تحت العرش كما رواه مسلم وغيره ، وذلك بعد مفارقة الحياة لهم بالموت فى سبيل الله ، حيث يحييهم الله وينعم عليهم كما قال سبحانه {ولا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران : 169 .
أما أن يدخل الجنة أحد فى الدنيا قبل موته فذلك ممكن إذا رأى ذلك فى المنام ،كما يرى أشياء من الصعب تحققها فى عالم اليقظة كالطيران والطواف حول الأرض وما إلى ذلك وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى منامه الجنة ، وأنه ارتقى إلى مدينة مبنية بلبنٍ ذهب ولَبِنٍ فضة فدخلها ، وقال له الملكان : هذه جنة عدن وهذا منزلك . فطلب منهما دخوله فقالا له : إنه بقى لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملته أتيت منزلك .
رواه البخارى . "رياض الصالحين ص 563 ، 565" فظاهر الحديث أنه دخل الجنة ولم يدخل منزله . وثبت فى البخارى وغيره أنه صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ليلة المعراج " الزرقانى على المواهب اللدنية ج6ص90" حيث قال كما رواه أبو ذر وأخرجه البخارى فى كتاب الصلاة "ثم أدخلت الجنة" ومعلوم أن الصحيح فى الإِسراء والمعراج أنهما كانا بالروح والجسد ولم يكونا مناما ، ليظهر امتياز الرسول على غيره ممن يُسْرى بأرواحهم مناما ويرون العجائب .
وقال صلى الله عليه وسلم عن ليلة المعراج كما ذكره أنس ورواه البخارى ومسلم "بينما أنا أسير فى الجنة" "المرجع السابق ص 91" .
فالخلاصة أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ليلة المعراج بروحه وبجسده على الصحيح ، كما دخلها فى الرؤيا المنامية ورؤيا الأنبياء حق . وذلك فضل كرَّم الله به رسوله ، ونرجو أن ننعم بدخولها معه بعد الحساب ، وذلك عن طريق الإِيمان والعمل الصالح والأمل فى رحمة الله وفضله(8/369)
حساب العلماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى بعض الكتب أن الله لا يحاسب العلماء يوم القيامة، فهل هذا صحيح ؟
An هناك تحذير شديد فى القرآن والسنة من عدم عمل الإِنسان بعلمه ، وبخاصة إذا كان يعلِّم الناس الخير والبر، وينسى نفسه فلا يعمل الخير والبر، وكذلك من يعلِّم الناس غير مخلص لله فى ذلك ، بل للرياء والسمعة ، وهو من أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة كالذى يقاتل ليقال : إنه شجاع ، ويتصدق ليقال : إنه جواد . والآيات والأحاديث فى ذلك معروفة .
لكن ذكر السفارينى فى كتابه غذاء الألباب "ج 1 ص 29 " أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة ثم يقول : يا معشر العلماء، إنى لم أضع علمى فيكم إلا لعلمى بكم ، ولم أضع علمى فيكم لأعذبكم ، اذهبوا فقد غفرت لكم " قال ابن القيم فى كتابه " مفتاح دار السعادة " ص 128 : وهذا وإن كان غريبا فله شواهد حسان ، فقد ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن داود قال : إذا كان يوم القيامة عزل الله سبحانه العلماء عن الحساب ، فيقول :
ادخلوا الجنة على ما فيكم ، إنى لم أجعل علمى فيكم إلا لخير أردته بكم قال ابن عبد البر : وزاد غيره فى هذا الخبر : إن الله يحبس العلماء يوم القيامة فى زمرة واحدة ، حتى يقضى بين الناس ، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يدعو العلماء فيقول : يا معشر العلماء إنى لم أضع حكمتى فيكم وأنا أريد أن أعذبكم ، قد علمت أنكم تخلطون من المعاصى ما يخلط غيركم ، فسترتها عليكم وغفرتها لكم ، وإنما كنت أُعْبَدُ بفتياكم وتعليمكم عبادى ، ادخلوا الجنة بغير حساب ، ثم قال : لا معطى لما منع اللّه ولا مانع لما أعطى الله . قال ابن عبد البر : وروى نحو هذا المعنى بإسناد متصل مرفوع . وقال ابن القيم عن بعض السلف قال : بلغنى أنه إذا كان يوم القيامة توضع حسنات الرجل فى كفة وسيئاته فى كفة، فتميل سيئاته ، فإذا أيس وظن أنها النار جاء شىء مثل السحاب حتى يقع مع حسناته فتميل حسناته ، قال : فيقال له : أتعرف هذا من عملك ؟ فيقول : لا، فيقال : هذا ما علَّمت الناس من الخير فعمل به من بعدك. انتهى ما نقله السفارينى .
إن حساب العلماء على التقصير ثابت بالقرآن والسنة الصحيحة، والأخبار المذكورة لا تصل فى القوة إلى درجة القرآن والسنة الصحيحة ، فهى لا تفيد فى الأمور الغيبية من جهة الاعتقاد ، وقد يقصد به الترغيب فى نشر العلم ، وتجاوز الله عن بعض الهفوات فى مقابل ذلك كما قال سبحانه { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود :
114 مع العلم بقول الله سبحانه { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء : 48 وهذه المغفرة المقيدة بالمشيئة تفيد فى الكبائر والصغائر، ومن الذي يدرى بأنه سيكون ممن تشملهم المشيئة بالمغفرة؟ فالواجب هو الالتزام بمنهج الله تعالى وتغليب الخوف على الرجاء، حتى لا تتغلب الشهوات والمغريات ، وعند ضعف هذه المؤثرات وبخاصة فى أواخر العمر-الذى لا يعلم تماما- ينبغى تقوية الرجاء، كما قال علماء التوحيد، فيقوى الأمل فى الله ورحمته ليختم له بالحسنى(8/370)
الغسل من غسل الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قمت بغسل ولدى المتوفى ، ثم توضأت وصليت عليه ، فقال البعض : إن صلاتى عليه باطلة لأننى لم أغتسل بسبب قيامى بغسله ، فهل هذا صحيح ؟
An الغسل لمن غسل ميتا مستحب وليس بواجب ، كما قاله جمهور العلماء ، وذلك لحديث رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم "من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ" وقد طعن جماعة فى صحة هذا الحديث ، لكن الحافظ ابن حجر قال : حسَّنه والترمذى وصححه ابن حبان ، وهو بكثرة طرقه أقل أحواله أنه حسن يحتج به ، والأمر فى الحديث للندب لما روى عن عمر رضى الله عنه قال : كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل . رواه الخطيب بإسناد صحيح ، ولما غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضى اللّه عنه حين توفى خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إن هذا يوم شديد البرد ، وأنا صائمة ، فهل علىَّ من غسل ؟ فقالوا : لا، رواه الإِمام مالك(8/371)
غسل من مات جنبا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مات رجل فجأة ثم علمنا أنه كان جنبا ولم يغتسل من جنابته ، فهل نغسله مرتين ، مرة لرفع الجنابة، ومرة للموت ، أو يكتفى بغسل واحد؟
An يستحب للجنب أن يبادر بالغسل ، ولا يحرم عليه تأخيره بل يكره له فقط ، وقد دلت الأحاديث على ابتعاد ملائكة الرحمة عنه حتى يغتسل ، وهذا الغسل واجب من أجل الصلاة لقوله تعالى عند الأمر بالقيام إلى الصلاة { وإن كنتم جنبا فاطهروا } المائدة : 6 . ولو مات الجنب قبل أن يغتسل فقد حدث أمران موجبان للغسل ، الجنابة والموت ، وإذا تعددت الأسباب فلا يلزم لكل سبب غسل ، بل يكفى غسل واحد، وقد قال الشافعية والمالكية : إن الشهيد لا يغسل لو مات جنبا، ورأى الحنفية وجوب غسله ، والخلاف مبنى على استشهاد حنظلة وهو جنب حيث لم يغسله النبى صلى الله عليه وسلم وأخبر أن الملائكة تغسله .
وعليه فإن الجنب إذا مات ولم يغتسل يكفى لصحة الصلاة عليه غسله بعد موته مرة واحدة على ما رآه الشافعية والمالكية، ولو فاتته صلاة بخروج وقتها ولم يغتسل سيحاسب على تركها، لأنها وجبت عليه ولم يصلها ، فالحساب على ترك الصلاة وليس على ترك الغسل(8/372)
أهل الأعراف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعرن . وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قلوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما اغنى عنكم جمعكم وما كنتا تستكبرون } الأعراف : 46 _ 48 ؟
An المعنى باختصار أن بين الجنة والنار سورا ، وعلى أعراف السور أى أعاليه أناس يعرفون أهل الجنة بعلامات ، وهى بياض الوجوه وحسنها ، وأهل النار بعلامات ، هى سواد الوجوه وقبحها ، وينادون أهل الجنة بالتحية ويهنئونهم بالسلام من النار أى السلامة من عذابها .
إن أهل الأعراف لم يدخلوا الجنة ويطمعون فى دخولها ، منتظرين رحمة الله لهم ، وهؤلاء هم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وهو احسن الأقوال العشرة فيهم ، وذلك لحديث رواه خيثمة عن جابر عن النبى صلى الله عليه و سلم بهذا المعنى .
عندما ينظر أهل الأعراف إلى أهل النار يدعون ربهم ألا يكونوا معهم فيها ، ويتفرسون فى جماعة من أهل النار كانوا مستكبرين على اللّه بما يملكون من متاع الحياة الدنيا فكفروا به ، ويقولون لهم مبَكِّتيَن :
لم يُغْنِ عنكم ما جمعتم من الدنيا وما أستكبرتم به على الله .
والخلاصة أن أهل الجنة هم المؤمنون الصالحون حتى لو كانوا فقراء ، وما دامت حسناتهم أكثر من سيئاتهم ، فلن يدخلوا النار لأن الحسنات يذهبن السيئات وأن أهل النار هم الكفار حتى لو كانوا أغنياء ما دامت سيئاتهم أكثر من حسناتهم ، مع العلم بأن حسنات الكفار صارت فى الآخرة هباء منثورا كما قال رب العزة { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان : 23 أما من استوت حسناتهم وسيئاتهم من المؤمنين فينتظرون على الأعراف رحمة الله بهم ليلحقهم بأهل الجنة(8/373)
ستر الأضرحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى ستر الأضرحة بالأقمشة الفاخرة؟
An ستر الأضرحة لم يرد فيه حديث خاص ، وإنما جاء حديث عام ينهى عن كسوة الحجارة، فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج فى غزاة، فأخذت نمطا -النمط ضرب من البسط له خمل رقيق -فسترته على الباب ، فلما قدم رأى النمط فجذبه حتى هتكه ثم قال : " إن اللّه لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين " .
والسر فى ذلك أن فيه ضياعا للمال بدون فائدة وفى الحديث أن الله كره إضاعة المال كما رواه البخارى ومسلم .
ويستثنى من عموم عدم كسوة الحجارة كسوة الكعبة فإنها كانت معهودة قبل الإسلام ، على الخلاف فى أول من كساها " تاريخ الكعبة المعظمة لحسين عبد الله باسلامه " ص 244 ولم ينه الإسلام عن كسوتها ، بل جاء فى الروايات أن النبى صلى الله عليه و سلم كساها بالقباطى والحبرات ، كما كساها أبو بكر وعمر وعثمان وما زالت تكسى إلى الآن دون معارض . وتفصيل ذلك فى الكتاب المذكور. وعلى هذا فمن نذر إن قضى الله حاجته أن يكسو ضريح الشيخ الفلانى لا ينعقد نذره ، لأن النذر لا يكون إلا فى طاعة(8/374)
الصيام عن الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q توفى والدى وعرفنا انه افطر شهر رمضان فى بعضى السنوات ولم يقض ما فاته ، فماذا نفعل ، هل نصوم عنه أو نخرج فدية؟
Anأجاب: روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه و سلم قال " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " وصح عنهما أيضا أن .امرأة قالت : يا رسول الله إن أمى ماتت وعليها صيام نذر، أفأصوم عنها؟ فقال " أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها"؟ قالت : نعم قال " فصومى عن أمك " .
هذان الحديثان حجة قوية للذين يرون من الفقهاء أن من مات وعليه صيام ، سواء أكان صيام رمضان أم صيام نذر، يصوم عنه وليه ، والولى هو كل قريب ، سواء أكان وارثا أم غير وارث ، وقيل : يجوز أن يصوم عنه غير وليه من الأصدقاء مثلا، كالدَّين لا يختص بسداده القريب .
وذهب أبو حنيفة ومالك الشافعى فى القول الجديد إلى أن الميت لا يصام عنه مطلقا، متمسكين بقول ابن عباس رضى الله عنهما الذى رواه النسائى بإسناد صحيح : لا يصل أحد عن أحد ، ولا يصم أحد عن أحد . وبقول عائشة رضى الله عنها : لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم : وقد أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه . لكن هذين الأثرين لايعارضان ما هو أقوى منهما ، وهو رواية البخارى ومسلم عن النبى صلى الله عليه و سلم أن ولى الميت يصوم عنه . وقال عبد الحق فى أحكامه : لا يصح فى الإطعمام شىء ، يعنى مرفوعا ، وكذا قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى ، ومن أراد توضيحا أكثر فليرجع إلى " نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 248- 251"(8/375)
الدَّين على الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من مات وعليه دين لم يقم أهله بسداده ، هل تحجب الرحمة عن الميت ؟
An إذا مات الإنسان وعليه دين لغيره وجب أن يقوم ورثته بسداد الدين قبل تقسيم التركة كما قال تعالى فى آية المواريث { من بعد وصية يوصى بها أو دين } النساء : 11 وذلك إذا كان عنده مايسدُّ به الدين ، فإن لم توجد له تركة تفى بسداد الدين فلا يجب على الورثة شىء ، وإن كان من السنة أن يقوموا هم بذلك حتى تنزل عليه رحمة الله . فهى لا تزال محبوسة عنه . ويمكن لغير أهله أن يتصدقوا بسداد دينه حتى يرحمه الله .
ومحل حجب الرحمة عنه حتى يسد دينه إذا كان ناويا قبل الموت ألا يسد الدين ، أما إذا كان ناويا السداد فنرجو ألا يحجب الله عنه رحمته ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه ، ومن أحنها يريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخارى .
وروى مسلم عن أبى هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل " هل ترك لدينه قضاء"؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه ، وإلا قال " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله عليه الفتوح قال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفى وعليه دين فعلىَّ قضاؤه ، ومن ترك مالا فهو لورثته " وفى حديث الطبرانى " من دان بدين فى نفسه وفاؤه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء " وروى أحمد وأبو نعيم والبزار والطبرانى عن النبى صلى الله عليه وسلم " يدعى صاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدى الله عز وجل فيقول : يا ابن آدم ، فيمَ أخذت هذا الدين ، وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول : يا رب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ، ولكن أتى علىَّ إما حرق وإما سرق وإما وضيعة ، فيقول الله : صدق عبدى، وأنا أحق من قض عنك ، فيدعو الله بشىء فيضه فى كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته ، فيدخل الجنة بفضل رحمته " .
والميت الذى عليه دين لم ينو الوفاء به تحجب عنه الرحمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "نفس الميت معلَّقة بدينه حتى يقض عنه " رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن ، وإذا كان الشهيد نفسه ، وهو من هو منزلة عند الله ، لا ينال هذه الدرجة إذا كان عليه دين للعباد ، كما صح فى الحديث " يغفر للشهيد كل شىء إلا الدين " رواه مسلم ، فكيف بغير الشهيد؟ وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن المفلس يوم القيامة فقال " إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقض ما عليه أخذ من خطاياها فطرحت عليه ثم طرح فى النار " رواه مسلم وروى البخارى مثله بلفظ " من كانت عنده مظلمة لأخيه ، من عِرضه أو من شىء ، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " .
إن الدين خطير تجب المبادرة بسداده قبل الموت وقبل أن تكون المواجهة بين المدين وأصحاب الحقوق يوم القيامة فربما لا يسامحون ، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تذكو فى الصلاة أن فى بيته بعض الأموال لم تسلم إلى أصحابها ، فتوجه بعد الانتهاء منها بسرعة لافتة للنظر وأمر بدفعها إلى أصحابها وعاد إلى المسجد ولما سألوه قال " تذكرت مالاً فخشيت أن يحبسنى " أى يحبسه اللّه يوم القيامة ويسأله : لمَ لم تؤده.رواه البخارى .
ومن أراد التوسعة فى معرفة خطر الدين على الميت فليراجع " نيل الأوطارج 4 ص 5 2 ، وتفسير القرطبى ج 4 ص 272 "(8/376)
الإنسان وقت الاحتضار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن معرفة ما يعانيه الميت عند الاحتضار؟
An إن أمر الروح والآحوال الآخرة من الأمور المغيبة التى لا تُعْلمُ إلا بالأخبار الصادقة من القرآن الكريم وقد كثرت الأقوال عنها وتعددت الاجتهادات ، والتمس البعض لآرائهم واجتهاداتهم سندا من تأويل القرآن فى نصوصه التى تحتمل أكثر من معنى ولا تفيد القطع فى الدلالة ، ومن روايات ضعيفة أو مكذوبة على النبى صلى الله عليه و سلم .
وخروج الروح من الإنسان انتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ، ومن الدنيا إلى الآخرة ، وقد يكون خروج ، أو فجأة لا تسبقها معاناة ، وقد يكون خروجها مصحوبًا بالكرب والشدة ، ولكن لا يصح أن يكون هناك ربط بين سهولة خروجها وكرامة صاحبها فقد يكون العكس ، ولا بين المعاناة عند خروجها وهوان صاحبها عند الله فقد يكون العكس ، فكثيرا ما نرى أشرارا انسلت أرواحهم فى لحظات وكثيرا ما نرى صالحين ظلوا أياما أو ساعات طوالا وهم يجودون بأنفاسهم الأخيرة حا ففى الترمذى عن عائشة رضى الله عنها قالت : رأيت رسول الله في صلى الله عليه و سلم وهو بالموت وعنده قد يدخل يده فى القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول " اللهم أعنىِّ على سكرات الموت " وحكمة هذه الشدة على ا الابتلاء والاختبار ورفع الدرجات .
أما ملك الموت فتقول الروايات إنه كان يأتى للمحتضر عِيانًا ويعرفه ، فرحم الله الأمة المحمدية ومنع ظهو تدخل الرعب فى قلوب المؤمنين ، ومن الثابت أن الملائكة الموكلة بقبض الروح تنزل إلى المحتضر، ويراها وتب مؤمنا على ما فسر به قوله تعالى { {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخاف بالجنة التى كنتم توعدون } [فصلت :30 ] .
وأخوج الطبرانى فى الأوسط عن أبى بكر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم دخل على أبى سلمة رضى فى الموت فلما شق بصره ، أى شخص مدَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم يده فأغمضه ، فلما أغمضه صاح أهل ا فسكَّتهم وقال " إن النَّفْس إذا خرجت يتبعها البصر، وإن الملائكة تحضر الموت ، فيؤمنون على ما يقول أهل اللهم ارفع درجة أى سلمة فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الآخرين ، واغفر لنا وله يوم الدين " .
ذلك شئ مما جاء فى الكتب المعنية بأمور الصوت ، ومع ذلك نكرر ما قلناه من أن كل الأحوال الأخروية ومقدما إلا بخبر صادق ، فينبغى عدم الإكثار من الجدال فيها ، ولنهتم بالعمل الصالح الذى يختم الله به حياتنا ب بالله كلما اقترب الأجل ، فهو سبحانه عند حسن ظن عبده به ، وبخاصة عند القدوم عليه ، ومن أحب لقاء الله لقاءه(8/377)
دفن موتى الرجال والنساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى دفن الرجال مع النساء فى قبر واحد؟
An الأصل فى الدفن أن يكون لكل ميت قبر خاص به ، أما دفن أكثر من واحد فى قبر واحد فهو حرام عند جمهور الفقهاء ، ومكروه فقط عند أبى حنيفة ، ومحل ذلك إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة .
فإن وجدت ضرورة ككثرة الموتى وتعسر إفراد كل بقبر، أو وجدت حاجة كالمشقة فى حفر قبر لكل ميت جاز جمع أكثر من واحد فى قبر، سواء أكانوا من جنس واحد أم من جنسين ، على أن يقدم الذكر على الأنثى فى دفنه جهة القبلة .
والدليل على ذلك ما رواه أحمد و الترمذى وصححه أن الأنصار جاءوا إلى النبى صلى الله عليه و سلم يوم أحد، وقالوا : يا رسول الله أصابنا جرح وجهد، فكيف تأمرنا؟ قال وأعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة فى قبر قالوا : فأيهم نقدم ؟ قال : " أكثرهم قرآنا ". . . وروى عبد ال عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد ، فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه . ذكر ( ج 3 ص 251) .
وجاء فى كتاب " الإقناع " للخطيب فى ففه الشافعية "ج 1 ص 182 " ما يأتى :
ولا يجمع رجل وامرأة فى قبر إلا لضرورة ، فيحرم عند عدمها ويعنى عدم الضرورة ـ كما فى الحياة ـ يعنى كما لو كانوا أحياء ـ قال ابن الصلاح : محله إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع . قال الأسنوى: وهو متجه ـ يعنى كلا والذى فى المجموع ـ كتاب للنووى ـ لا فرق ، فقال إنه حرام حتى فى الأم مع ولدها ، وهذا هو الظاهر، إذ ا الجمع هى الإيذاء ، لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره ، ولا بين أنا يكونا من جنس واحد أم بينهما بتراب حيث جمع بينهما ـ وذلك على سبيل الندب ـ حتى لو اتحد الجنس. . . انتهى .
وجاء فى فتوى لدار الإفتاء بتاريخ 6 2 من أكتوبر 963 1 ( الفتاوى الإسلامية مجلد 7 ص 2426 ) يجوز دفن الرجل مع المرأة فى قبر واحد عند الضرورة بشرط الحيلولة بينهما بحائ وخلاصة الكلام أن دفن الرجل مع المرأة حتى لو كانت أمه أو زوجته لا يجوز إلا عند الضرورة(8/378)
غسل ملابس الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت أن غسل ملابس الميت فى اليوم الثالث من الوفاة يطرى على روحه لأن روحه تكون معلقة بملابسه ، فهل هذا صحيح ؟
An روح الميت إذا خرجت ذهبت إلى ربها ، وأنزلها المنزلة التى تستحقها، ولم يأت خبر صحيح من قرآن أو سنة بأنها تكون معلَّقة بملابس الشخص بعد موته ، فذلك من أنباء الغيب التى لا تثبت بكلام لا أصل له ، وعليه ، فلا بأس بغسل ملابس الميت فى أى وقت بعد وفاته ، وينبغى أن نتحرر من الأفكار والعادات التى لم يدل عليها دليل صحيح(8/379)
أنهار الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيحا لأوصاف أنهار الجنة ؟
An جاء فى القرآن الكريم وصف نعيم الجنة بأوصاف فيها بعض الغرابة ، بالنسبة لما نراه فى عالم الدنيا ، حيث تختلف طبيعة الأشياء ويختلف الحكم المنوط باستعمالها إباحة ومنعا ، فهناك زواج بلا تناسل ، وأكل وشرب بلا مخلفات وخمر بلا سكر ولا غول ، ولا لغو ولا تأثيم ، وهناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والحق -كما قيل -أن كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك ، فقوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، وقد يكون هناك تشابه فى الأسماء مع اختلاف المسميات شكلا وموضوعا كما يقولون ، قال تعالى {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها} البقرة : 25 .
وقد جاء فى القرآن الكريم أن فى الجنة أنهارا لم تعهد صورتها فى الدنيا كما قال تعالى {مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفَى} محمد: 15 ، وهى كلها مشروبات تهفو إليها النفس ، كثيرة لا ينضب معينها، طيبة لا يخشى فسادها ، هنيئة لا تخاف عاقبتها ، فالماء غير اَسن لم تتغير ريحه ، واللبن طازج لم يفسد طعمه ، والخمر لذيذة مستساغة ، والعسل نقى مصفَّى من الشوائب .
ويجئ فى القرآن وصف هذه الأنهار بأنها تجرى تحت الجنة ، قال تعالى{مثل الجنة التى وعد المتقون تجرى من تحتها الأنهار أُكلها دائم وظلها} الرعد :35 .
فكيف يتصور أن تجرى الأنهار تحت الجنة ؟ إن الصورة الحقيقية لا يعلمها إلا الله سبحانه ، ومن أخبره بها، وسيعلمها علم اليقين من يتفضل الله عليه بدخول الجنة ، ولكن المفسرين حاولوا تقريب هذه الصورة بما يعهدونه فى الدنيا ، فقالوا : إن الجنات بساتين على ربوات عالية بقصورها الشاهقة وأشجارها السامقة ، والأنهار تجرى حولها منخفضة عند قاعدة الربوات ، والمعهود أن الأرض إذا كانت فوق مستوى الماء كانت أصلح وأطيب ، وفى الوقت نفسه توجد الفرصة لمن ينعمون بالجنات وغرفها العالية أن يتمعتوا بالنظر إلى هذه الأنهار بألوانها المختلفة .
ذلك تصوير بالقدر المستطاع للعقل البشرى ، وليس فيه ما يخالف نصًّا قاطعا ولا حكما مقررا، ويكفينا من أوصاف الجنة ما جاء فى القراَن وثبت فى السنة ، وهو كاف لإغرائنا بالجد والعمل حتى نفوز بهذا النعيم ، وحتى نرى بأنفسنا كيف تجرى الأنهار من تحتها ، وقد صح فى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بينما أنا أسير فى الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوَّف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذى أعطاك ربك ، قال : فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر - أى فى أعلى الدرجات من طيب الرائحة"(8/380)
ثواب الآخرة للمؤمن فقط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يدخل الجنة من أهل الديانات الأخرى من لم يفعل الفاحشة وكان مستقيما فى حياته ومعاملاته مع الناس ؟
An معلوم أنه لا يعتد بدين بعد مجئ الإسلام كما قال تعالى : {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } آل عمران :85 .
والجنة لا يدخلها بعد مجئ الإسلام إلا من آمن بالإسلام ما دام قد بلغته دعوة الإسلام ولم يؤمن به والأعمال الصالحة لغير المسلم لا ثواب عليها فى الآخرة قال تعالى : {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان :
23 .
وقال فى حق المنافقين {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين } التوبة : 53 .
أما فى الدنيا فيثاب عليها ، روى مسلم أن عائشة رضى الله عنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم - : إن ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه ؟ قال : "لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين " يقول القرطبى فى تفسيره (ج 8 ص 161) روى عن أنس أن النبى-صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها فى الدنيا ويجزى بها فى الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها فى الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " فالإيمان شرط للثواب فى الآخرة .
قال تعالى : {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} الإسراء : 19 .
وقد يعترض على إحباط عمل الكافر بحديث رواه مسلم أن العباس قال للنبى- صلى الله عليه وسلم -إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك ؟ قال "نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " وأجيب عنه بأن تخفيف عذاب أبى طالب كان بشفاعة أما غيره فقد أخبر عنه القرآن بقوله : {فما تنفعهم شفاعة الشافعين } المدثر : 48 .
وقوله مخبرا عن الكافرين : {فما لنا من شافعين . ولا صديق حميم } الشعراء : 100 ، 101 .
وقد روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ذكر عنده عمه أبو طالب فقال " لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه " ومن حديث العباس "ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار" .
هذا، ولو أسلم الكافر ومات على الإسلام قال بعض العلماء : يرجى أن يثيبه الله فى الآخرة على الحسنات التى فعلها وهو كافر، فقد روى مسلم عن حكيم بن حزام أنه سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم -عن الصدقة والعتق وصلة الرحم التى كان يتعبد بها فى الجاهلية فقال له "أسلمت على ما أسلفت من خير" .
ورأى بعض العلماء أنه لا يثاب ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم هذا معناه أن الأعمال الخيرة التى عملتها فى الجاهلية تدل على أن معدنك طيب وأن فيك خيرا ، وهذا الخير هو الذى قادك إلى الإسلام فالعبارة محتملة وليس فيها تصريح بأن حسنات الكافر قبل إسلامه يثاب عليها عند الله والذى يقصد بعمله دنيا يصيبها ماديا أو أدبيا ولا يريد وجه الله يحرم من ثواب الآخرة سواء أكان مسلما أم غير مسلم ، لعموم قوله تعالى : {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } هود :
15 ، 16 .
وقوله : {من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الآخرة من نصيب } الشورى:20 .
وقوله :{من كان يريد العاجلة عجَّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} الإسراء : 18 .
وحديث . .. الثلاثة الذين تسعَّر بهم النار معروف رواه مسلم ، وهم المجاهد الذى قصد أن يقال إنه شجاع ، والكريم الذى قصد أن يقال إنه كريم والعالم الذى قصد أن يقال إنه عالم ، وقد قيل : ثم يسحبون على وجوههم ويلقون فى النار"راجع ص 274 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى "(8/381)
دواب الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل فى الجنة حيوانات وطيور كالتى نراها فى الدنيا ؟
An الإجابة على السؤال ذات شقين الشق الأول دخول الحيوانات والطيور فى الجنة، والشق الثانى وجودها فى الجنة .
أما الأول فإن بعض المفسرين قال : هناك عشرة من دواب الدنيا تدخل الجنة وهى : البراق الذى ركبه النبى صلى الله عليه وسلم و ليلة الإسراء ، وناقة صالح التى عقرها المكذبون ، وحمار العزيز الذى أماته الله مائة عام ثم بعثه فوجد حماره بجواره كما هو، والعجل الذى ذبحه إبراهيم لضيفه من الملائكة ، والكبش الذى فدى اللّه به إسماعيل من الذبح لرويا أبيه ، والهدهد الذى أتى بالأخبار لسليمان عن ملكة سبأ، والنملة التى قالت {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } وكلب أهل الكهف والحوت الذى التقم يونس ، وبقرة بنى إسرائيل التى دلت على القاتل لما ضرب بعض أجزائها .
ونقل الألوسى عند تفسير {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} أن سائر الحيوانات المستحسنة فى الدنيا كالظباء والطواويس وما ينتفع به المؤمن كالغنم تدخل الجنة على كيفية لائقة ولكن ليس فى ذلك خبر يعول عليه .
وأما الشق الثانى فمن الجائز أن يخلق اللّه حيوانات وطيورا لمتعة أهل الجنة تشبه ما فى الدنيا فى الصورة وتخالفها فى المادة، فقد صح فى مسلم أن أرواح الشهداء فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى تلك القناديل ، وروى الترمذى بإسناد ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأعرابى "إن دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة لها جناحان فتحمل عليها فتطير بك فى الجنة حيث شئت " وذكر ابن عدى بإسناد ضعيف حديثا جاء فيه " إن أهل الجنة يتزاورون على نجائب بيض كأنهن الياقوت " كما نقل الدميرى (808 ط ) فى "حياه الحيوان الكبرى" مادة خيل حديثا فيه لا إن فى الجنة شجرة يخرج من أعلاها حلل ومن أسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت لا تروث ولا تبول ، لها أجنحة خطوالَها مد بصرها يركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا، وأنها للصائمين القائمين المنفقين المجاهدين . وأحاديث الآحاد وإن كانت لا تثبت بها عقيدة لكن لا مانع من أن يخلق الله فى الجنة خلقا على صفة خاصة لمتعة أهلها كالحور العين ، أما دخول حيوانات فى الجنة فلا دليل عليه ، حيث إنها غير مكلَّفة لا ثواب لها، ومن لم يصدق ذك فلا يخدش إيمانه(8/382)
المرور على الصراط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يمر الناس على الصراط يوم القيامة ؟
An الصراط فى اللغة هو الطريق الواسع ، وفى الشرع -كما قال الدردير فى شرح خريدته - جسر ممدود على متن جهنم بين الموقف والجنة أرق من الشعرة وأحد من السيف ، وأنكر الإمام الغزالى والعز بن عبد السلام كونه أرق من الشعرة وأحد من السيف ، بل هو متسع لورود ما يدل على ذلك ، وعلى فرض صحة هذا الوصف يؤول على أنه كناية عن شدة المشقة، فهو مختلف فى الضيق والاتساع بحسب الأعمال كما قال الدردير، فالمارون عليه منهم سالم بعمله ناج من نار جهنم - لأنه منصوب على متنها كما فى الحديث -وهم على أقسام : منهم من يجوزه كلمح البصر، ومنهم من يجوزه كالبرق الخاطف ، ومنهم كالريح العاصف أو كالطير أو كالجواد السابق ، ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشى ومنهم من يمر عليه حبوًا ومنهم من تخدشه كلاليب فيسقط ولكن يتعلق بها فيعتدل ويمر ويجاوزه بعد أعوام ، ومنهم غير السالم من الوقوع فى النار، وهم متفاوتون بقدر تفاوتهم فى الجرائم ، فمنهم من يخلد فى النار وهم الكفار، ومنهم من يخرج منها بعد مدة على حسب ما شاء الله وهم عصاة المؤمنين ، والصراط ثابت بالقرآن والسنة والإجماع - كما ذكره العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار ص 171 " قال تعالى {فاستبقوا الصراط } يس : 66 ، وقال صلى الله عليه وسلم "ينصب الصراط على متن جهنم فأكون أول من يجوزه وأمتى" .
والحق تفويض معرفة حقيقته إلى اللّه تعالى ، ويمر عليه الأولون والآخرون حتى من لا حساب عليهم قال العلاَّمة الأمير-وكلهم سكوت إلا الأنبياء -وقولهم إذ ذاك : اللهم سلَّم سلَّم ، كذا فى الصحيح الذى رواه مسلم "الترغيب والترهيب للمنذرى ج 4 ص 149 " ثم ذكر العدوى أخبارا لا تبنى عليها عقيدة ، وقال الفاكهانى : إنه موجود الآن والأخبار عنه صحيح، وأهل السنة أبقوها على ظاهرها من تفويض علم حقيقته إلى اللّه تعالى، وقال بعضهم : إنه يوجد عند الحاجة إليه . وذكر حديثا أخرجه ابن مردويه فى تفسيره بسند لا بأس به عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدميه إلى عنان السماء يضف له إلى يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " وهذا النور يكون على الصراط كما فى حديث رواه الطبرانى، وفى حديث للديلمى "الصلاة نور على الصراط " وكلها أحاديث للترغيب فى العمل الصالح . والحقيقة هناك يعلمها الله سبحانه وتعالى(8/383)
دواب الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن هناك دواب ستدخل الجنة ؟
An معلوم أن أمور الغيب ومنها أحوال الآخرة لا تعرف إلا عن طريق الخبر الصحيح الثابت فى القرآن والسنة ، ولم يرد دليل يعتمد عليه فى دخول الحيوانات الجنة ، وإن كان هناك حشر لها كما سبق الكلام عليه فى صفحة 409 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى .
وقد جاء فى حاشية الدردير على قصة الإسراء والمعراج للقيطى أن عشرة من الحيوانات قد تدخلها وهى : البراق وناقة صالح وحمار العزيز وعجل إبراهيم وكبش إسماعيل وهدهد سليمان ونملته وكلب أهل الكهف وحوت يونس وبقرة بنى إسرائيل ، وسئل المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى المفتى الأسبق عن ذلك فقال : راجعنا معظم كتب التفسير والحديث والتوحيد فلم نجد ما يثبت ذلك من حديث صحيح يعتمد عليه ، بل رأينا ما ينفى دخول تلك الحيوانات العشرة الجنة، ونقل عن بعض كتب التفسير أقوالا فى دخولها ، بل ودخول سائر الحيوانات المستحسنة فى الدنيا كالظباء والطواويس وما ينتفع به المؤمن كالغنم ، ولكن على كيفية تليق بذلك المكان وتلك النشأة ، وليس فيما ذكر خبر يعول عليه فيما أعلم "الآلوسى" نعم فى الجنة حيوانات مخلوقة فيها، وفى خبر يفهم من الترمذى صحة التصريح بالخيل منها والله أعلم وقال : وقد اشتهر القول بدخول كاب أهل الكهف الجنة حتى إن بعض الشيعة يسمون أولادهم بكلب على، ويؤمل من سمى بذلك النجاة بالقياس الأولوى على ما ذكر، وينشد :
فتية الكهف نجا كلبهم * كيف لا ينجو غدا كلب على؟ ولعمرى إن قبله على كرم الله وجهه كلبا له نجا، ولكن لا أظن يقبله لأنه عقور، انتهى . ونقل عن تفسير ابن كثير أنهم اختلفوا فى لون هذا الكلب على أقوال لا حاصل ل مما ، ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ، ولا حاجة إليها، بل هى مما ينهى عنه ، فإن مستندها رجم بالغيب .
"مجلة الإسلام - المجلد الثالث - العدد 25 "(8/384)
الذبح للميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رأينا فى بعض البلاد أن أهل الميت يذبحون ذبيحة ساعة خروج نعشه من البيت ، فهل لهذا الذبح من أصل فى الشريعة الإسلامية ؟
An جاء فى حديث رواه أبو داود "لا عقر فى الإسلام " قال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة . وقال الخطابى : كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد ، يقولون : نجازيه على فعله ، لأنه كان يعقرها فى حياته فيطعمها الأضياف فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير، فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما فى حياته ، ومنهم من كان يذهب فى ذلك إلى أنه إذا عقم في راحلته عند قبره حشر فى يوم القيامة راكبا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا ماشيا وهذا على رأى من كانوا يؤمنون بالبعث .
إن ذبح الأغنام أو غيرها عند خروج الميت من البيت صورة شبيهة بالصورة التى تقدم ذكرها ، لكن لو ذبحت الماشية بقصد توزيع لحمها على الفقراء صدقة على روح الميت فلا مانع منه ، لأنه جاء فى الحديث عن بر الأبوين بعد موتهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل "الصدقة عليهما والدعاء لهما" .
وإذا كان الذبح لإطعام من يحضرون للعزاء فهو مناف لهدى النبى صلى الله عليه وسلم فى إعداد الناس طعاما لأهل الميت لا العكس ، فقد أمر بإعداد الطعام لآل جعفر لأنه نزل بهم ما شغلهم . أما سرادقات العزاء فقد مرت الإجابة عليها فى المجلد الثالث ص 175(8/385)
أين يصلى على الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الأفضل أن يصلى على الجنازة فى المسجد أو خارج المسجد، وهل تجوز الصلاة عليها فى المقبرة ؟
An الصلاة على الجنازة جائزة غير محرمة فى أى مكان من الأرض لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "جعلت لى الأرض مسجدا فأينما أدركتك الصلاة فصل " .
لكن الخلاف هو فى المكان الأفضل لها ، فقال الشافعية : تندب الصلاة على الجنازة فى المسجد ، لأنه خير بقاع الأرض ، وروى مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا فى المسجد. وصلى الصحابة على أبى بكر وعمر فى المسجد بدون إنكار من أحد ، لأنها صلاة كسائر الصلوات . والحنفية والمالكية قالوا بكراهتها فى المسجد ، واستدلوا بقول النبى صلى الله عليه وسلم -كما رواه أبو داود-"من صلى على جنازة فى المسجد فلا شىء له " أى ليس له ثواب ، لكن هذا الحديث ضعيف ومعارض لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصحح بعضهم هذا الحديث لأنه جاء فى بعض النسخ "فلا شىء عليه "يعنى من الوزر، وكما كرهوا الصلاة عليه فى المسجد كرهوا إدخاله ولو من غير صلاة .
والحنابلة أباحوها فى المسجد إن لم يخش تلويثه ، وإلا حرمت وحرم إدخاله ولو لغير الصلاة عليه ، يقول ابن القيم : ولم يكن من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت فى المسجد ، وإنما كان يصلى على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر، وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه وكلا الأمرين جائز ، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد، وقد أطال فى الكلام على حديث أبى داود ومقابلته بحديث عائشة فيرجع إليه "ج 1 ص 140 " .
أما الصلاة على الميت فى المقبرة فكرهها الجمهور، وفى رواية لأحمد أنه لا بأس بها ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلَّى على المرأة التى كانت تنظف المسجد بعد أن دفنت ، وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع وحضر ذلك ابن عمر وغيره ، لأن صلاة الجنازة أساسها الدعاء للميت ، وليست كالصلوات الأخرى ذات الركوع والسجود التى يتعبد بها إلى الله سبحانه "انظر ص 600 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى " .
وسهيل بن بيضاء قديم فى الإسلام ، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرا وغيرها ومات بها سنة تسع ، وأخوه سهل كان ممن أظهر الإسلام بمكة ، ومشى إلى النفر الذين قاموا بنقض الصحيفة التى كتبها مشركو مكة، ضد بنى هاشم حتى نقضوها وأنكروها "أسد الغابة "(8/386)
ثواب الصلاة على الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كثير من المشيعين للجنازة لا يصلون عليها، فهل هم مقصرون ، وهل يؤثر ذلك على الجنازة نفسها ؟
An صلاة الجنازة فرض كفاية، بمعنى أنه لو صلاها بعض الناس سقط الطلب عن الباقين ، أى لا يعذبون ، ولكن فاتهم ثواب كبير، والمؤمن الصادق لا ينبغى أن تفوت منه فرصة يكسب فيها ثوابا مهما كان حجمه . فقد جاء أن كل مؤمن سيندم يوم القيامة، إن كان مسيئا ندم ألا يكون قد أحسن ، وإن كان محسنا ندم ألا يكون قد ازداد إحسانا .
ومع مراعاة أن كل المشيعين ربما لا يكونون متطهرين للصلاة ، وفى التطهر بعض المشقة أو تأخير لدفن الجثة ، فإن المتطهر ينبغى أن يشارك فى الصلاة ، فقد روى الجماعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
"من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط ، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ، أصغرهما - أو أحدهما - مثل أحد" وروى مسلم عن خبَّاب رضى الله عنه قال : يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة - وذكر الحديث - فأرسل ابن عمر رضى الله عنهما خبابا إلى عائشة رضى الله عنها يسألها عن قول أبى هريرة، ثم يرجع فيخبره ما قالت : فقال :
قالت عائشة : صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر رضى الله عنهما: لقد فرطنا فى قراريط كثيرة . هذا فيما يعود من الثواب على المصلى، أما المصلَّى عليه وهو الميت فإنه يستفيد من كثره المصلين عليه ، لأن المهم فيها هو الدعاء له بعد التكبيرة الثالثة ، وذلك إذا استجاب الله الدعاء ، وكلما كان عدد الداعين فى الصلاة كبيرا كانت فرص الاستجابة أكثر، وفى هذا جاءت الأحاديث التى منها ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه عن مالك بن هبيرة"ما من مؤمن يموت فيصلِّى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له " فكان مالك بن هُبيرة يتحرى إذا قلَّ أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف .
وأخذ بظاهر الحديث أحمد بن حنبل وقال : أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف ، قالوا : فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم ؟ قال :
يجعلهم صفين ، فى كل صف رجلين ، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون فى كل صف رجل واحد .
وما رواه مسلم وأحمد والترمذى عن عائشة رضى الله عنها "ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفَعوا" وما رواه مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما"ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفَّعهم الله فيه " أى قبل الله دعاءهم وشفاعتهم .
هذا ، وكثرة المصلين على الجنازة يدفع إليها حب الميت أو تكريمه ومحاولة عمل شىء ينفعه ، والغالب أن ذلك لا يكون إلا من استقامته وحسن معاملته للناس . فهم يترحمون عليه ويذكرونه بالخير، وذلك إمارة على حب الله له ، والحديث يشهد لذلك ، فقد مرت جنازة أمام النبى صلى الله عليه وسلم فأثنى الصحابة عليها خيرا، فقال "وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فتحدثوا عنها شرا ، فقال "وجبت " ولما سألوه عن الإجابتين المتحدثين مع اختلاف حديثهم عن الجنازتين قال "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض " رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه ، وحدث مثل ذلك لعمر رضى الله عنه . حين مرت عليه ثلاث جنازات واختلف الناس فى الكلام عليها فقال كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الجنة"قال : فقلنا وثلاثة، فقال "وثلاثة" فقلنا : واثنان قال "واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد . رواه البخارى . وروى أبو يعلى وابن حبان فى صحيحه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين انهم لا يعلمون إلا خيرا ، إلا قال الله : قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون " .
كل هذا يؤكد قيمة ثناء الصالحين على الميت ، ويدعو إلى كثرة المصلين على الجنازة(8/387)
تكرار صلاة الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجور صلاة الجنازة على ميت سبق أن أقيمت عليه الصلاة ؟
An تكرار الفرد لصلاة الجنازة على الميت غير حرام ، لعدم وجود دليل يحرمه ، وإنما هو مكروه فقط ، بمعنى أن من صلى على جنازة يكره له أن يصلى عليها مرة أخرى، أما من لم يصل على جنازة فيجوز له أن يصلى عليها بعد أن يصلى عليها غيره .
جاء فى فقه المذاهب الأربعة "نشر أوقاف مصر " ما نصه ، يكره تكرار الصلاة على الجنازة، فلا يصلى عليها إلا مرة واحدة ، حيث كانت الصلاة الأولى جماعة ، فإن صلى عليها أولا بدون جماعة أعيدت ندبًا فى جماعة ما لم تدفن ، والشافعية قالوا : تسن الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصل عليها أولا ولو بعد الدفن ، وقال الحنابلة : يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصل أولا ولو بعد الدفن ، ويكره التكرار لمن صلى أولا .
هذا ، وفى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم يقول ابن عباس -كما رواه ابن ماجه - لما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء [توفى يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء ليلا، أى ليلة الأربعاء] وضع على سريره فى بيته ، ثم دخل الناس عليه صلى الله عليه وسلم أرْسالا - جماعات متتابعين - يصلون عليه ، حتى إذا فرغوا دخل النساء ، حتى إذا فرغن دخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحد ، يقول ابن كثير: هذا أمر مجمع عليه ، وهو عدم الصلاة عليه جماعة ، وعلل الشافعى ذلك - كما فى كتابه الأم - بأنه لعظم أمره صلى الله عليه وسلم وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه "الزرقانى على المواهب ج 8 ص 291"(8/388)
غطاء النعش
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q والدى أوصى قبل وفاته أننا لا نغطى جثته وهى على النعش حتى لا يكون بينه وبين الله ستار، فما حكم الدين فى ذلك ؟
An ستر النعش لم يرد فيه نص يأمر به أو ينهى عنه ، لكن الفقهاء قالوا : يسن ستر نعش المرأة حتى لا يظهر جسمها، وذلك بغطاء من خشب أو نحوه كما قال الجمهور، وعليه فلو كشف الميت وهو على النعش فلم يوضع عليه غطاء فلا مانع منه ولا حرمة ولا كراهة .
أما تعليل كشفه بألا يكون بينه وبين الله ستار فلا وجه له ، فالله سبحانه عليم بكل شىء، ولا ينفع الميت إلا عمله ،ولا يجب تنفيذ هذه الوصية(8/389)
من آداب تشييع الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اضطر شخص أن يخرج لتشييع جنازة ثم تذكر انه لم يغتسل من الجنابة ، فهل فى هذا إثم ؟
An لا يحرم على الجنب إلا أمور معروفة وهى الصلاة والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله والمكث فى المسجد . وما عدا ذلك فهو حلال غير حرام ، سواء أكان فى أمور الدنيا كالأكل والشرب أم فى أمور الآخرة كالذكر والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والدعاء ، وإن كان الأفضل ألا يمارس هذه الأشياء وهو جنب . ففى حديث رواه البزار بإسناد صحيح "ثلاثة لا تقربهم للملائكة : الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق " وهو طيب خاص بالنساء ، وكذلك كراهة النوم مع الجنابة إلا أن يتطهر ولو بالوضوء .
ومعلوم أن الملائكة قد تشيع بعض جنازات الصالحين . واشتراكهم فى التشييع دليل رحمة الله ورضائه عنه . ومن هنا يكره للجنب أن يسير فى الجنازة حتى تشترك فيها الملائكة ، وحتى لا يحرم الميت من الرحمة ، وبخاصة إذا كان من الصالحين ، ففى حديث رواه أبو داود وغيره "إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ولا المتضمخ بزعفران ولا الجنب "(8/390)
العيد وزيارة القبور
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كثير من المسلمين يحرصون على زيارة المقابر عقب صلاة العيد ، فما مدى مشروعية هذه الزيارة ؟
An زيارة المقابر فى الأصل سنة لأنها تُذكر الإنسان بالآخرة، وقد جاء فى ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : زار النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال "استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يؤذن لى، واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " وروى ابن ماجه بإسناد صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة .
وليس لهذه الزيارة وقت معين وإن كان بعض العلماء يجعل ثوابها أكبر فى أيام معينة كيوم الخميس والجمعة لشدة اتصال الأرواح بالموتى ، وإن كان - الدليل على ذلك غير قوى ، ومن هنا نعلم أن زيارة الناس للمقابر عقب صلاة العيد إن كانت للموعظة وتذكر من ماتوا وكانوا معهم فى الأعياد ينعمون بحياتهم ، وطلب الرحمة لهم بالدعاء فلا بأس بذلك أبدا للرجال ، أما النساء فقد مر حكم زيارتهن للمقابر فى صفحة 588من المجلد الأول من هذه الفتاوى .
أما إذا كانت الزيارة بعد صلاة العيد لتجديد الأحزان ولتقبل العزاء على القبر أو إقامة سرادق أو تهيئة مكان لذلك فهو مكروه ، لأن التعزية بعد دفن الميت بثلاثة أيام ممنوعة على جهة الحرمة أو الكراهة . ولأنة يوم عيد وفرح وسرور فينبغى عدم إثارة الأحزان فيه(8/391)
البناء على المقابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى المقابر والأضرحة المرتفعة عن الأرض ؟
An روى مسلم وغيره أن ثمامة بن شُفَى قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم "رودس " فتوفى صاحب لنا ، فأمر فضالة بقبره فسوى ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يأمر بتسويتها، وروى عن أبى الهياج الأسدى قال : قال لى على بن أبى طالب : ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته قال الترمذى : بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض إلا بمقدار ما يعرف أنه قبر، لكيلا يطأه الناس ولا يجلسوا عليه .
قال الشافعى : وأحب ألا يزاد فى القبر تراب من غيره ، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه ، وأحب ألا يبنى ولا يجصص ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة ، وقد رأيت من الولاة من يهدم ما يبنى فى المقابر، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك ، وقد صرح بتحريم الزيادة على ذلك أصحاب أحمد ومالك وبعض الشافعية . جاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو حيطان تحدق ، "كالحيشان " إذا لم يقصد بها الزينة والتفاخر وإلا كان ذلك حراما ، ويحرم ذلك إذا كانت الأرض مسبلة أو موقوفة للدفن ، لأن فى البناء تضييقا وتحجيرا على الناس ، والشافعية قالوا : يجوز أن تُبنى قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ، وأن ترفع عليها القباب ولو فى الأرض الموقوفة ، وذلك إحياء لذكرهم .
يؤخذ مما سبق أن البناء على القبور ورفعها فوق ما تتميز به مكروه وليس بحرام إلا إذا كان للتفاخر أو فى الأرض المسبلة والموقوفة للدفن فيكون حراما ، واستثنى الشافعية من الكراهة والحرمة قبور الأنبياء والشهداء والصالحين فأجازوا البناء عليها لإحياء ذكرهم ورأى الجمهور أقوى(8/392)
فرش القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مات رجل عظيم بين أهله فأكرموه عند دفنه فوضعوا له مخدة وفرشوا قبره ووضعوا فيها الحناء، فهل هذا جائز ؟
An أما وضع الحناء فى القبر فهو كوضعها فى الكفن لا غبار عليه كما قال جمهور الأئمة، أما وضع فراش فى القبر أو وسادة فقد جاء فى " المواهب اللدنية للقسطلانى ج 2 ص 380" فى الكلام على وفاه النبى صلى الله عليه وسلم أنه روى أنه بنى فى قبره تسع لبنات وفرش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطى بها، فرشها مولاه "شُقران " فى القبر وقال :
والله لا يلبسها أحد بعدك . قال النووى : وقد نص الشافعى وجميع أصحابه وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت فى القبر، وشذَّ البغوى من أصحابنا فقال فى كتابه "التهذيب " لا بأس بذلك ، لهذا الحديث ، والصواب كراهة ذلك كما قاله الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن "شُقران " انفرد بفعل ذلك ولم يوافقه أحد من الصحابة ولا علموا بذلك ، وإنما فعله "شُقران " لما ذكرناه عنه من كراهية أن يلبسه أحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم انتهى . ثم يقول القسطلانى : وفى كتاب "تحقيق النصرة" للزين المراغى قال ابن عبد البر: ثم أخرجت -يعنى القطيفة-من القبر لما فرغوا من وضع اللبنات التسع ، حكاه ابن زَبَالَة ، يقول الزرقانى عنه : كذبوه ومات قبل المائتين ، روى له أبو داود "ج 8 ص 293 " .
ويؤخذ من هذا أن مجرد وضع الحناء فى القبر لتخفيف رائحة الجثة لا مانع منه ، أما ،في وضع فراش فى القبر فمكروه ، لأنه إضاعة مال دون حاجة ، والفراش الذى ينفع الميت ويريحه هو عمله الصالح .
وفى الحديث "يتبع الميت ثلاثة : أهله وماله -عبيده -وعمله . فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ويبقى معه عمله " رواه البخارى ومسلم(8/393)
البهرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع عن طائفة مسلمة تعيش فى الهند تسمى بالبهرة، فما أصل هذه الطائفة وما صلتها بالأمة الإسلامية ؟
An 1 - البهرة - طائفة من الشيعة مركزها الآن " بومباى " بالهند يقرب عددهم من مليون ونصف المليون ، والبهرة هى الوسط من كل شىء ، أو الوسط من الطريق ، وهو فى الأصل اسم لقبيلة من اليمن ، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين " أمير الجامعة السيفية" : الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربى للهند " ساحل بحر العرب " سألهم أهل الهند : من أنتم ؟ قالوا :
جئنا للتجارة . والتجار فى اللغة الهندية المحلية كانوا يسمون " وهرة " وبلغة الهند حيث الواو والباء مترادفتان سموا " البهرة " فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية " الجو جاراتيه " السائدة فى غربى الهند .
2 - البهرة أصلهم فاطمى، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة ، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين " العامر بالله " سنة 1130 م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لابد أن يكون فى الستر والخفاء ، وقد ورث عنه ابنه الأوسط " الطيب " الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن ، وقد تسلسل الدعاة فى اليمن أربعة قرون تقريبا ، ثم نقلوا مركز الدعوة إلى الهند .
ويحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميا ، فقد كانوا أولا فى المدينة إلى أيام جعفر الصادق ثم انتقلوا إلى عدة مراكز فى " سلمية " بسوريا ، وأرادوا أن يقيموا دولة ، فأقاموها أولا فى " أبكجان " بالجزائر، ثم بنوا عاصمتهم " المهدية " فى تونس ، واختاروا " المنصورية " عاصمة لهم ، ثم القاهرة ، وقد تم ذلك فى عهد أربعة أئمة : المهدى بالله ، القائم بأمر الله ، المنصور بالله ، ثم المعز لدين الله الذى نقل العاصمة إلى القاهرة .
بعد المعز لدين الله ت جاء العزيز بالله ، والحاكم ، والظاهر، والمستنصر، والمستعلى ، والآمر بأحكام الله ، والأخير هو الإمام العشرون فى عداد الأئمة الفاطميين بعد على بن أبى طالب . وابنه "الطيب " هو الحادى والعشرون ، والإمام الآمر هو الذى أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أخفوها عن الناس ، ثم أقاموا لهم فى اليمن نائبا ، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيب ، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا ، فوجود الداعى يدل على وجود الإمام .
وسوف يأتى يوم يظهر فيه الإمام . يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين : نحن نختلف مع الاثنى عشرية ، فالذى اختفى عندهم هو الإمام الثانى عشر والذى سيظهر بشخصه يوما ما ، أما نحن فنقول : إن الذى اختفى هو " الطيب " وحين انتهى عمره الطبيعى خلفه ابنه إماما، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعى .
وسلاطين البهرة هم النواب ، ورتبهم الدينية هى رتبة الداعى المطلق ، واشتهروا بالسلاطين فى اليمن والهند ، وهم دون الأئمة رتبة . ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم . والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب .
3-جاء فى الحديث عنهم : أن العامر بالله المتوفى سنة ،1130 م عين قبل وفاته مجلسا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه "الطيب " كما عين أخاه " عبد الماجد " لرعاية شئون الجماعة الدنيوية نيابة عن الطيب ، ولكن بعد موت " العامر " اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش ، فلما شعر أعضاء المجلس بتعرض " الطيب " للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يعرف عنه شىء بعد ذلك ، واعتبروا هذا بداية عهد الستر ، وقد نشطت الدعوة فى اليمن منذ أواخر القرن الحادى عشر حيث كانت مقرا لداعيهم ، وانتشرت عن طريق التجارة فى شرقى أفريقيا وغربى الهند ، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم .
ولابد أن يدفع كل بالغ مبلغا من المال للجماعتين على دفعتين فى العام ، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة، وغالبا ما يكون من 5 - 1 ، شلنا . يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان ، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمال فى الأقاليم بالباقى، ويحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقر لإقامته بالمجان ، فضلا عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة ، ولهذا يطمع الكثيرون فى هذه المناصب .
4 - أركان الإسلام عندهم سبعة : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والولاية ، والطهارة ، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام ، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين : قولنا بالطهارة احتياط ، لأننا فى وسط بيئة غير مسلمة -بالهند- وهم فى صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء ، ولا يصلون الجمعة ، بل يصلونها ظهرا ، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات ، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام ، ويحتفلون بيوم " غديرخم " فى يوم 18 من ذى الحجة حيث تمت الوصية للإمام على ، يصومون فيه ويجددون العهد للداعى المطلق فى بومباى أو الدعاة المبايعين وهم نوابه فى الأقاليم . وأتباع الداعى يطيعونه طاعة عمياء ، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعى المطلق عندهم معصوم فى كل تصرفاته .
5 - زعيمهم الراحل هو الدكتور: ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين ، كان شاعرا ، ورأس جامعة " عليكره " واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمى، وهو الداعية رقم 51 فى سلسلة الدعاة الفاطميين ، وتولى هذه الدعوة من 1915 - 1965 م وطور الدراسة فى الجامعة " السيفية " فى مدينة " سورت " وهى حصن الثقافة الإسلامية والعربية ، وكان يلقى محاضرات باللغة العربية فى رمضان وتطبع بعنوان " الرسالة الرمضانية " . والزعيم الحالى هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52 . وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدا وضريحا فى قلب الحى التجارى فى بومباى فى منطقة : "بهاندى بازار " واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395 هـ (9 / 4 / 1975 م ) فى شارع إبراهيم رحمة الله . ودعى إليه علماء كثيرون ، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتى مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصرى وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن ، والشيخ محمد الطوخى للأناشيد .
ويوجد فى مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفبة مخطوطات فاطمية نقلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها ، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشر بعضها .
والضريح مبنى على الطراز الفاطمى حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه " يحيى مرتد" وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يسمى " روضة طاهرة" مساحته ثلاثة آلاف متر مربع ، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدما ، رمزا لرقم الداعية المتوفى ، والارتفاع ثمانون قدما ، رمزا لعمره ، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهى لمرمر "تاج محل " من منطقة " راجستان " بالهند ، ومن مميزاته أنه يظل باردا على الرغم من حرارة الجو، ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 كل لوح 3x 2 من الأقدام ، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت ، المرجان ، الدر الزمرد ، الماس .
وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثمانى سنوات منها أربع لحفر القرآن وطلائه [ سنتان للحفر وسنتان للنقش، والطلاء والترصيع ] .
المراجع :
1 -استطلاع مجلة العربى عدد سبتمبر 1975 م بقلم محمد حسنى زكى .
2 - الأهرام 2/5/1975 بقلم الدكتور ياسين مراد .
3-مجلة المصور 20/1/1978 تحقيق أحمد أبو كف(8/394)
إخوان الصفا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع عن إخوان الصفا وأن لهم رسائل فمن هم هؤلاء وهل هم مسلمون ؟
An إخوان الصفا جماعة دينية سرية عنيت بالسياسة والفلسفة، ويرجح بعض الكاتبين أنهم من الشيعة الباطنية وكانوا حريصين على إخفاء نسبتهم إليها وقد ظهرت بالبصرة فى النصف الثانى من القرن العاشر الميلادى " الرابع الهجرى" وسموا أنفسهم " إخوان الصفا وخلاَّن الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد" . وزعموا أن جماعتهم تجمعت بالعشرة وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنه يقربهم إلى فوز برضوان اللَّه ، وقالوا : لا سبيل إلى إصلاح الشريعة إلا بالفلسفة ، كتبوا خمسين رسالة قى جميع أجزاء الفلسفة العلمية والعملية ونشروها بين الناس دون أن يصرحوا بأسمائهم ، وفيها ضروب من المعارف محشوة بخرافات وكنايات وتلفيقات بين الفلسفة والأحاديث التى تحشى قى طياتها حشوا بلا اتساق وتعاليمهم فيها لا تتقيد بواجبات الشريعة ، وإن كانت اراؤهم الطبيعية والعلمية دقيقة إلى حد كبير وتنقسم رسائلهم إلى أربعة أقسام : الرياضيات ، الجسمانيات أو الطبيعيات ، النفسيات أو العقليات ، الناموس أو الإلهيات . إلى جانب الرسالة الجامعة التى توضح وتجمع كل مسألة تعرضت لها الرسائل الأصلية، كما ذكر الكاتبون أسماء مؤلفيها الخمسة، لكن لا تهمنا معرفتهم(8/395)
العلمانية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يتحدث الناس كثيرا عن العلمانية، فما هو أصلها وما هو موقف الإسلام منها ؟
An مما هو مقرر أن الحكم على الشىء فرع عن تصوره ، فلابد من تحديد المفاهيم حتى يمكن الحكم عليها حكما صحيحا ، والعلمانية لفظ وجد فى كتبنا العربية حديثا عند ترجمة ما يقابلها فى اللغات الأجنبية عن طريق الإدارة العامة للتشريع والفتوى بمجلس الأمة المصرى - آنذاك - كما هو ثابت فى الموسوعة العربية للدساتير العالمية التى أَصدرها المجلس المذكور سنة 1966 م . وبعيدا عن صحة النطق بهذه الكلمة ، الذى ذهب فيه الكاتبون مذاهب شتى، وكان فرصة استغلت للدعوة إلى وجهة نظر معينة كما هو شأن المتشابه من النصوص الذى جاء فيه قول اللّه تعالى : { فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله . . . } آل عمران : 7 ، . بعيدا عن ذلك ، فإن نسبة العلمانية إلى العلم أو العالم ليست على قياس لغوى، وهى ترجمة للكلمة الإفرنجية " لاييك " أو" سيكولا ريسم " وتعنى " لا دينية" على أى وجه تكون ، وفى أى ميدان تطبق ، وعلى أى شىء تطلق . وهى نزعة أو اتجاه أو مذهب اعتنقه جماعة فى أوروبا فى مقابل ما كان سائدا فيها فى العصور المظلمة ، التى تسلط فيها رجال الدين على كل نشاط فى أى ميدان ، مما تسبب عنه ركود وتخلف حضارى بالنسبة إلى ما كان موجودا بالذات عند المسلمين من تقدم فى كل المجالات . وكان معتنقو هذا المذهب فى أول الأمر فى القرنين السابع عشر والثامن عشر قد وقفوا من الدين موقف عدم المبالاة به ، وتركوا سلطانه يعيش فى دائرة خاصة ، واكتفوا بفصله عن الدولة . ومن أشهر هؤلاء "توماس هوبز " الإنجليزى المتوفى سنة 1679 م ، " جون لوك " الإنجليزى المتوفى سنة 1704 م ، " ليبنيتز" الألمانى المتوفى سنة 1716 م ، " جان جاك روسو" المتوفى سنة 1778 م . وفى القرن التاسع عشر كانت المواجهة العنيفة بين العلمانية والدين ، وذلك لتغلغل المادية فى نفوس كثير ممن فتنوا بالعلم التجريبى ، إلى حد أنكروا فيه الأديان وما جاءت به من أفكار، واتهموها بتهم كثيرة كرد فعل للمعاناة التى عانوها من رجال الدين وسلطانهم فى زمن التخلف الذى نسبوه إلى الدين ، ذلك الدين الذى كان من وضع من تولوا أمره ، والدين الحق المنزل من عند اللّه برىء منه . ومن أشهر هؤلاء المهاجمين " كارل ما كس " الألمانى المتوفى سنة 1883 م ، " فريدريك أنجلز " الألمانى المتوفى1895 م ، " فلاديمير أوليانوف لينين " الروسى المتوفى سنة 1924 م . هؤلاء لم يقبلوا أن تكون هثاك سلطة ثانية أبدا ، حتى لو لم تتدخل فى شئون الدولة ، وإن كانت هذه العداوة للدين بدأت تخف ، وتعاونت السلطات السياسية والاستعمارية على تحقيق أغراضها . لقد تأثر بهذا المذهب كثيرون من الدول الغربية ، وقلدها فى ذلك بعض الدول الشرقية ، ووضعت دساتيرها على أساس الفصل بين السياسة والدين ، مبهورة بالتقدم والحضارة المادية الغربية ، اعتقادا أنها وليدة إقصاء الدين عن النشاط السياسى والاجتماعى .
إن العلمانية بهذا المفهوم ، وهو عدم المبالاة بالدين ، يأباها الإسلام ، الذى هو من صنع اللّه وليس من صنع البشر، فهو منزه عن كل العيوب والمآخذ التى وجدت فى الأديان الأخرى التى لعبت فيها الأصابع وحرفتها عن حقيقتها . ذلك لأنه دين الإصلاح الشامل ، الذى ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالمجتمع الذى يعيش فيه ، ويوفر له السعادة فى الدنيا والاَخرة على السواء ، فهو كما يقال ، دين ودنيا ، أو دين ودولة ، أو عبادة وقيادة . . . ومن مظاهر ذلك ما يأتى :
1 - عقائد الإسلام ليست فيها خرافات ولا أباطيل ، فهو يقدس العقل ويأمر بتحكيمه إلى حد كبير .
2 - الإسلام ليس منغلقا على معلومات معينة يتلقاها بنصها من الوحى، بل هو كما يقال ، دين منفتح على كل المعارف والعلوم ما دامت تقوم على حقائق وتستهدف الخير .
3 - الإسلام يمقت الرهبنة التى تعطل مصالح الدنيا ، ويجعل النشاط الذى يبذل لتحقيق هذه المصالح فى منزلة عالية ، لأنه جهاد فى سبيل اللّه ، والتاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين ، فهو دين يعمل للدنيا والآخرة معا .
4 - الإسلام يقرر أن السلوك الاجتماعى مقياس لقبول العبادة ، فمن لم تثمر عبادته ، بمفهومها الخاص من العلاقة بين العبد وربه ، استقامة فى السلوك فهى عبادة مرفوضة لا يقبلها اللَّه { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون } الماعون : 4 - 7 .
ه - الإسلام ليس فيه كهنوت يتحكم فيه بعض من الناس فى مصائر الناس بإدخالهم الجنة أو حرمانهم منها ، بناء على اعتبارات خاصة ، فمدار ذلك على العقيدة الخالصة والعمل الصالح ، وليس المشتغلون بعلوم الدين إلا معلمين ومرشدين ، والأمر متروك بعد ذلك لمن شاء أن يستفيد أو لا يستفيد بالتطبيق .
وقد يكون المتعلم أقرب إلى اللّه من معلمه ، بالتزام الطريق المستقيم الذى رسمه اللّه لهم جميعا ، فما دامت العبادة للَّه وحده فهو وحده الذى يقبل منها ما يشاء .
6 -الإسلام ليس فيه سلطة مقدسة مستمدة من سلطة اللَّه ، وليس فى البشر من هو معصوم من الخطأ، إلا من اصطفاه اللّه لرسالاته ، والحكم من ذوى السلطان ليس لذواتهم ، بل الحكم للدين أولا واَخرا ، فكل شىء فيه اختلاف رأى يرد إلى اللَّه وإلى الرسول ، أى الكتاب والسنة .
7- مبادىء الشريعة تستهدف تحقيق المصلحة ، فإذا لم يوجد نص واضح فى أمر تعددت فيه وجهات النطر من أهل النظر وكان يحقق المصلحة العامة كان مشروعا ، وبخاصة فى أمور الدنيا ، فالناس أعلم بشئونها .
8 - الإسلام دين تقدم وتطور وحضارة ، ليس جامدا ولا متمسكا بالقديم على علاته فهو ينهى عن التبعية المطلقة فى الفكر أو السلوك الذى يظهر بطلانه ، بل يقرر أن اللّه يبعث مجددين على رأس كل قرن ، يوضحون للناس ما أبهم ، ويصححون لهم ما أخطأوا فيه ويوائمون بين الدين والحياة فيما تسمح به المواءمة ، لأنه دين صالح لكل زمان ومكان ، ومن مبادىء التربية المأثورة عن السلف :
لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم . والمراد بالأخلاق العادات التى تقبل التغيير، أما أصول الأخلاق فثابتة .
بهذا وبغيره نرى الإِِسلام يرفض العلمانية ، وأن المسلمين ليسوا فى حاجة إليها ، وإنما هم فى حاجة إلى فهم دينهم فهما صحيحا، وتطبيقه تطبيقا سليما كاملا، كما فهمه الأولون وطبقوه ، فكانوا أساتذة العالم فى كل فنون الحضارة والمدنية الصحيحة ، وضعف المسلمين وتأخرهم ناتجان عن الجهل بحقائق الدين وبالتالى عدم العمل بما جاء به من هدى، وبالجهل قلدوا غيرهم فى مظاهر حضارتهم ، وآمنوا بالمبادىء التى انطلقوا منها دون عرضها على مبادىء الإِِسلام ، لأنهم لا يعرفون عنها إلا القليل . ولئن رأينا بعض دول المسلمين الآن قد نقلوا معارف غيرهم ممن يدينون بالعلمانية ، فليس ذلك دليلا على أنهم آمنوا بما آمنوا به ، وإنما هو للاطلاع على ما عندهم حتى يعاملوهم على أساسه ، وإذا كانوا قد قبسوا من مظاهر حضارتهم فذلك للاستفادة من نتائج علمهم وخبرتهم فيما يقوى شوكة المسلمين ويدفع السوء عنهم ، والتعاون فى المصالح أمر تفرضه طبيعة الوجود، وهو مشاهد فى كل العصور على الرغم من اختلاف العقائد والأديان . والمهم ألا يكون فى ذلك مساس بالعقيدة أو الأصول المقررة وأن يستهدف الخير والمصلحة . هذا ، والأدلة على ما قلناه مما جاء به الإِِسلام كثيرة تركتاها للاختصار، والمقصود هو إلقاء بعض الضوء على هذا المصطلح وموقف الدين منه(8/396)
الماسونية وموقف الدين منها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الماسونية وما موقف الدين منها ؟
An الماسونية جمعية سرية يهودية يرجع تاريخها إلى العصر الرومانى ، تأسست فى مدينة " أورشليم " زمن الوالى " هيرودوس أغريبا " ملك اليهودية من سنة 37 - 44 بعد الميلاد ، وهو حفيد "هيرودوس الكبير " الذى قتل أطفال بيت لحم ، خشية أن يكون فيهم المسيح الذى سيقضى على ملكه .
وكان الغرض من تأسيسها مناهضة الدين المسيحى ، ثم تطور غرضها إلى مناهضة الأديان عامة وإعادة مجد إسرائيل والعودة إلى أرض فلسطين ، ثم عدل اسمها وظهرت بنشاطها فى المحاربة وسميت " الجمعية الماسونية " أو البنائين الأحرار ، وكان ذلك سنة 1717 م وشعارهم : المثلث والفرجار ، وأسسوا فى بريطانيا أول محفل ماسونى ، جعلوا شعاره : الحرية والإخاء والمساواة ، وأصدر فى لندن القرار التالى الذى يبين حقيقة أغراضهم :
1 - المحافظة على اليهودية .
2 - محاربة الأديان عامة والكاثوليكية خاصة .
3- بث روح الإلحاد والإباحة بين الشعوب .
ثم تأسست لها محافل فى أمريكا وغيرها ، وقد اغتر بشعارها بعض المسلمين فانضم إليها ، حتى إذا ما ظهر له هدفها تبرأ منها ، وخاف أكثرهم أن يذيع أسرارها حتى لا يقتل ، وتوجد شهادات لكبار الكتاب الغربيين ونشرات رسمية يهودية وأبحاث من مختصين ، تبين تخطيط اليهود الواسع لإفساد العالم تحت شعارات براقة يجب أن يتنبه إليها المسلمون ، فمن أكبر شعاراتهم :
الأديان تفرقنا والماسونية تجمعنا .
جاء فى دائرة المعارف الماسونية الصادرة فى "فيلادلفيا" سنة 1906 م : يجب أن يكون كل محفل رمزا لهيكل اليهود ، وهو بالفعل كذلك ، وأن يكون كل أستاذ على كرسيه ممثلا لملك اليهود ، وكل ماسونى تجسيدا للعامل اليهودى .
وجاء فى نشرة ماسونية صادرة فى لندن سنة 1935 : إن أمنيتنا هى تنظيم جماعة من الناس يكونون أحرارا جنسيا ، نريد أن نخلق الناس الذين لا يخجلون من أعضائهم التناسلية ، ولذلك أسسوا نوادى للعراة فى دول كثيرة ، وسعوا بكل وسيلة لتدمير مقومات الشعوب غير اليهودية والقضاء على القيم الأخلاقية .
وحتى لا يفتضح أمرها أكثر ، وللحرص على انتشارها بشكل أوسع ظهرت الماسونية تحت عناوين مختلفة ، وأنشأت فروعا متعددة ، منها : البناى برث ، والكيوانى ، والليونز ، والاكستشانج ، وشهود يهوه ، ومنها الاتحاد والترقى ، ونادى القلم ، ونادى الصلبان الزاهرة ، وكذلك الروتارى .
وقد ذكر بعضها " تشارلس ماردن ، فى كتابه " الروتارى وأخوته " الذى نشر سنة 1936 م ، وهذه نبذة بسيطة عنها :
1 - بناى برث ، أو أبناء العهد ، أنشئت فى نيويورك سنة 1843 م على نظام الماسونية ، واقتصرت فى قبول الأعضاء بمحافلها على اليهود ، ثم انتشرت فروعها فى العالم كله . يقول " فوستر دالاس " فى حفل أقامته هذه المؤسسة فى 8 من مايو سنة 1956 م : إن مدنية الغرب قامت فى أساسها على العقيدة اليهودية ، ولذلك يجب على الدول الغربية أن تعمل بعزم أكيد من أجل الدفاع عن المدنية فى معقلها الحالى "إسرائيل " .
2 - الكيوانى ، أصل التسمية من الكلمة الهندية " كى-وانى " أى اعرف بنفسك كيف تجعل صوتك مسموعا ، ومع عدم وضوح العلاقة بين العنوان والهدف ، فقد أسسه بعض الماسونيين فى "ديترويت " بأمريكا ، ورخص لهم به فى 21 من يناير سنة 1915 م . وفى مايو سنة 1917 م ظهرت المنظمة العالمية لنوادى الليونز إلى الوجود وعقدت اجتماعاتها الأولى فى شيكاغو ، الوطن الأم لنوادى الروتارى وجاء فى جريدة الأهرام الصادرة فى 2 / 12 / 1985 م أن وزيرة التأمينات والدولة للشئون الاجتماعية تدشن اليوم فى فندق شيراتون القاهرة أحدث ناد لسيدات الليونز ويحمل رقم 19 فى قائمة نوادى الليونز سيدات ورجال ، ويتم فى حفل التدشين تسليم الإشارات والشهادات للمؤسسات البالغ عددها 27 مؤسسة ، وذكر الخبر أسماء هيئه النادى ، الذى أطلق عليه اسم " نادى سيدات ليونز شمال القاهرة " .
4 - الاكستنشانج ، تأسس فى ديترويت فى 27 / 3 / 1916 م بمساعى تاجر المجوهرات " تشارلس بركى " . وفى أغسطس سنة 1917 م عقد المؤتمر الوطنى الأول .
5 - شهود يهوه مؤسسة يهودية ترتدى ثوبا مسيحيا ، أخذت اسم "يهوه " كما جاء فى التوراة ، تأسست فى ولاية بنسلفانيا بأمريكا سنة 1884 م ثم انتقلت إلى نيويورك سنة 1909 م . ومن طرق دعوتها اقتحام البيوت لإلقاء دروس دينية من التوراة ، وهى من أخطر الجمعيات اليهودية ، لأنها تخدع الجماهير المسيحية الساذجة وتدخل نبوءات التوراة المحرفة فى النفوس بعودة اليهود إلى أرض الميعاد .
لقد كشف أمر الماسونية سنة 1951 م فى مجلة القوات المسلحة حين تظاهر صحفى باعتناقها وعرف أسرارها . وفى صحف سرية كانت مرسلة إلى جهة ما بمعرفة ضابط أمريكى ، عبث ولده برباطها فتبعثرت ، فقرأ ما فيها ونشرها ، فقتلوه ، و الظابط اسمه " سبير سفيتش " ألف كتابا بالعنوان "الدنيا لعبة إسرائيل " ترجم إلى العربية ، وقدم له وزير التعليم بالسعودية .
وكان للماسونية محافل وجمعيات فى مصر صدر قرار وزارة الشئون الاجتماعية بحلها فى 18 / 4 / 1964(8/397)
الروتارى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع عن تشكيل يطلق عليه اسم " الروتارى " فهل فيه تعاليم تخالف تعاليم الإسلام ؟
An جاء فى المصادر التى كتبها المنتسبون إلى الروتارى ، والمعلقون عليه أن المحامى اليهودى " بول هاريس " الذى كان يعيش فى شيكاغو أحس بالوحدة وبحاجته الملحة إلى الزمالة والصداقة ، ففكر فى جمع بعض الأصدقاء فى مكتبه فى روح أخوية، ليتدارسوا كيفية رفع مستوى كل منهم .
وأول اجتماع كان فى 23 من فبراير سنة 1905 م حضره أربعة من الأصدقاء ، واتفقوا على أن يكون الاجتماع أسبوعيا فى مكان عمل واحد منهم ، ومن هنا جاء اسم : " الروتارى " . ولما كثر عددهم وضاقت بهم أماكن العمل أصبحت اجتماعاتهم حول موائد للطعام ، مع مناقشة ما يرون من مسائل .
ثم أنشأوا ناديا ثانيا فى " فرنسيسكو " سنة 1908 م ، وتكونت نواد خارج أمريكا ، كان أولها نادى " وينينج " فى كندا سنة 1912 ، ثم انتشرت فى كثير من البلاد ، حتى صار عددها 17800 فى 154 دولة ومنطقة جغرافية حسب إحصاء نوفمبرسنة 1978 م .
وهذه النوادى تعقد مؤتمرات كان أولها فى شيكاغو سنة 1910 م وكان أول مؤتمر خارج أمريكا سنة 1921 م فى " أدنبرة " باسكوتلاندا حيث أطلق عليه اسم : الروتارى الدولى . وفى سنة 1922 م عقد المؤتمر فى " لوس أنجلوس " بأمريكا ، واستمرت المؤتمرات تنعقد سنويا منذ ذلك التاريخ ، وكان آخرها رقم 69 فى طوكيو سنة 1978 م .
ونوادى الروتارى تعتبر أعضاء فى مؤسسة الروتارى الدولية ، ومقرها مدينهَ " أفنسنون " بولاية " ألينوى " بالولايات المتحدة الأمريكية .
تبين أن فكرة النادى نبعت من الحاجة إلى، طرد شبح الوحدة والعزلة وإلى الاندماج مع الناس ، والتفكير فى تحسين حال الزملاء الذين يجمعهم النادى ، ثم وضح نادى الروتارى فى مصر الغرض من إنشائه وركزه فى أمور أربعة :
1 - توسيع مدى التعارف لإتاحة الفرصة للخدمة .
2- بلوغ مستوى خلقى سام فى الأعمال والمهن .
3 - تمسك كل روتارى بمبدأ الخدمة فى حياته الشخصية العملية والاجتماعية .
4 - تعزيز روح التفاهم الدولى والنية الصادقة وحب السلام ، وذلك بتوثيق أواصر الزمالة فى العالم بين الروتاريين أصحاب الأعمال والمهن .
وهذه الأغراض فى شكلها وفى جملتها قد تغرى بالانضمام إلى هذه النوادى ، أو على الأقل عدم التعرض لنشاطها ما دام يستهدف تحقيق هذه الأغراض .
ومن المعلوم أن هناك صلة بينها وبين الماسونية ، ومن شواهد ذلك :
1 - أن شعار جميع الأعضاء هو " الأديان تفرقنا و الروتارى يجمعنا" وهو شعار الماسونية . وقد قرر مجلس إدارة الروتارى الدولى فى اجتماع عام 40 / 1941 م أن نوادى الروتارى تضم أعضاء من مختلف الأديان والمبادئ ، ولكل أن يتمسك بعقيدته الدينية ، مع الاحترام الكامل لعقيدة الآخرين .
وقد وضع الأديان كلها فى مستوى واحد من الاحترام ، بصرف النظر عما هو سماوى أو أرضى ، وفى ذلك -كما يقال -غسل القلوب والعقول تمهيدا لغرس ما يراد فيها مما تخطط له الماسونية من سيطرة الدين اليهودى وأفكار التلمود التى استغنوا بها عن التوراة .
2 - أن المجموعة الأولى التى اشتركت مع "بول هاريس " فى تأسيس الروتارى كانت أعضاء فى المحافل الماسونية ، بل إنه فى بعض الحالات قصرت عضوية النادى على الماسون فقط مثل نادى "أدنبرة " فى بريطانيا سنة 1921 م .
3 - يقول الصحفى التركى ( شهاب طان )-كما جاء فى كتاب "فى زنزانات إسرائيل " - . ولكن المحافل الماسونية غيرت اسم بعضها إلى جمعيات الروتارى بعد أن عرفت أسرارها وأهدافها .
4 - حذر الفاتيكان من خطر هذه الأندية ، فصدر مرسوم من المجلس الأعلى فى 0 2 من كانون أول سنة 1950 م قرر فيه الكرادلة ما يأتى : " دفاعا عن العقيدة والفضيلة تقرر عدم السماح لرجال الدين بالانتساب إلى الهيئة المسماة بنوادى الروتارى ، وعدم الاشتراك فى اجتماعاتها " .
5 - أن بعض الجمعيات والتنظيمات الحديثة التى دخلت المحيط الإسلامى ظهر أن لها صلة قوية بتنظيمات غربية تستهدف مصالح الغرب وبخاصة اليهود ، كجمعية : " أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية " التى يعمل " هوبكنز " نائبا لرئيسها ، وقد كان قسيسا ومنتسبا لطائفة خطيرة ، وله نشاط واسع فى السياسة لصالح أمريكا وبريطانيا ، وقد قاطعت شخصيات إسلامية هامة مؤتمره الذى عقد سنة 1954 م . فى " بحمدون " بلبنان ، معلنة أن الإسلام ليس فى حاجة إلى توجيهات أجنبية .
إن أقل ما يقال فى الروتارى وأمثاله أنها تشكيلات تحوم حولها الشبهة لما يأتى :
1 - أن المؤسسين الأول يهود ، ونحن نعرف ماضيهم وما ارتكبوه من جرائم فى حق الإنسانية كلها ، وسجل القرآن كثيرا منها ، وما يزال العرب والمسلمون يعانون منهم إلى اليوم .
2 - هل عقمت تعاليم الإسلام وأفكار المسلمين أن تضع أهدافا إنسانية كالتى يدعيها المؤسسون للروتارى ؟ وهل نحن فى حاجة إلى ما يضعه لنا الأجنبى المعروف بعدائه ، والذى يصبغه بألوان ينخدع بها المصابون بعقدة الخواجة ؟ .
3 - إن اللمسة الروحية تنقص هذه النوادى فالاهتمام كله فى الخدمة بالمفهوم الذى يعرفه من تورط فيها وقتا أو راقب نشاطها ، دون اهتمام بالثواب الأخروى فهو أمر ثانوى ، وقد فطن لخطرها آباء الكنيسة المسيحية ، فقد خطب " تشيسترون " فى حفل أقيم سنة 1931 م فى نيويورك ، ووصف منظمة الروتارى بأنها تنقصها اللمسة الروحية وأن شيئا غير أخلاقى يهيمن عليها وعلى علاقات أفرادها . انتهى .
4 - جاء فى جريدة "الشهاب " بتاريخ 13 / 5 / 1964 م أن أول مؤتمر ماسونى روتارى عقد فى " رامات غان " بفلسطين المحتلة ، وامتدحوا فيه إسرائيل .
هذه هى نوادى الروتارى من كلام أعضائها والمتصلين بها ، والمسلمون بالذات ليسوا فى حاجة إليها ، وإذا كان لبعض أعضائها نشاط دينى فهو ليس نتيجة الانتساب إليها ، وإذا كان لبعض الشخصيات اتصال بها فى مناسبة ما فليس ذلك شهادة بأنها بعيدة عن الشبهة ، ومن أراد أن يباشر نشاطا اجتماعيا لا شبهة فيه فما أكثر ميادينه البريئة ، ولتكن لنا شخصية مستقلة فى فكرها وسلوكها ، تتخذ مقوماتها من الدين الذى أكمله الله وأتم به النعمة ، ووعد على التمسك به حياة طيبة فى الدنيا والأخرى .
الروتارى فى مصر :
فى مطلع سنة 1928 م زار مصر المستر " جلاكستين " وهو من أعضاء نادى " هامر سميث " بانجلترا ، وتقابل مع مجموعة من الرجال كانوا يجتمعون على الغداء مرة فى كل أسبوع ، فدعاهم إلى إنشاء أول ناد للروتارى فى المنطقة ، فوافقوا وأصبح عددهم 16 وفى يناير 1929 م بعث الروتارى الدولى مندوبا عنه هو المستر دافيد سن من كالجرى بكندا لحضور أول اجتماع للنادى فى 2 من يناير سنة 1929م فى فندق شبرد وكان عدد الأعضاء 22 عضوا ، وبعث الروتارى الدولى مندوبا عنه هو المستر " كوك بونينج " من هولندا ليسلم رئيس النادى وقتذاك المستر "مارتن " شهادة تأسيس النادى المؤرخة فى 11 من مارس 1929 م . وتمت تلك المراسم على متن السفينة " مصر " فى 8 / 12 / 1929 م .
وفى الفترة من سنة 29- 1939 م كان أغلب الأعضاء من الأجانب ولم يكن من بين الأعضاء المؤسسين ، وعددهم 22 ، إلا خمسة من المصريين ، منهم اثنان فقط من المسلمين ، وكانت اللغة المستعملة هى الإنجليزية ، ولم يشترك أحد من المصريين فى مجلس الإدارة حتى عام 1931 م ، وكانت رئاسة النادى لغيرهم حتى سنة 1934 م ، ومنذ سنة 1939 م أنشئت نواد فى الإسكندرية و بورسعيد والمنصورة والزقازيق وأسيوط ، والمشتركون فيها خليط من المسلمين والمسيحيين واليهود .
والمقر الدائم لنادى الروتارى المصرى رقم 3 شارع بهلر ، افتتح فى 21 من مارس 1955 م . ومن 14 من أبريل سنة 1959 م انتقلت اجتماعاته من فندق سميراميس إلى فندق النيل هيلتون وهو تابع لوزارة الشئون الاجتماعية .
ومن أراد أن يعرف أسماء الأعضاء والرؤساء فليرجع إلى كتاب "العيد الذهبى للروتارى فى مصر " 1929 -1979 م فى 13 من مارس 1979 - 15 من مارس 1979 م .
هذا مختصر من بحث طويل عن الروتارى ربما أنشره فى فرصة أخرى(8/398)
الدروز
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم الدروز وهل هم مسلمون ؟
An هم أتباع أبى محمد الدرزى - بفتح الدال المشددة - وكانوا أولا من الإسماعيلية ثم خرجوا عليهم ، ويسكنون سوريا ولبنان .
تقوم عقيدتهم على تأليه الحاكم بأمر الله الفاطمى وبرجعته ، ويتخذون سنة 408 هجريه مبدأ لتاريخهم الذى أعلن فيه الدعاة الوهية الحاكم ، وهم يعتبرون فى الرسميات مسلمين ، وإن كانت مبادئهم الدينية سرية لا يصرحون بها ، فنشأت شائعات عن عقائدهم وعباداتهم ، حتى كانت حملة الجيش السورى على جبل الدروز فى أواخر عهد "الشيشكلى" فعثر على بعض مخطوطاتهم التى شرحت مذهبهم ، وألف بعض مؤرخى العصر الحديث كتابا عليهم .
يقولون بالتقية أى التظاهر بموافقة الآخرين ، ويقولون أيضا بالتناسخ وهم ثلاث درجات : الأولى : العقل أو العقال -بتشديد القاف المفتوحة - وهم رجال الدين ذوو النفوذ الكبير، والثانية : الأجاويد المطلعون على تعاليم الدين والملتزمون بها ، والثالثة : العامة أو الجهال .
وليس لهم مساجد بل خلوات خاصة لا يدرى ما يجرى فيها ،ولا يصومون إلا ما يقال عن الشيوخ العقَّل من صيام أيام غير رمضان ، ولا يحجون إلى الكعبة ، بل إلى خلوة البياضية فى بلدة "حاصبية" التابعة لبيروت ، ويقال إنهم لا يقرون تعدد الزوجات ولا الرجعة فى الطلاق ، ولا يورثون البنات .
هذا بعض ما تسرب من المعلومات عنهم فى الكتب والأخبار، ونظرا للسرية التامة ولتشددهم فى مبدأ التقية فإن حقيقة مذهبهم لا يعرف منها إلا القليل ، لكن كتب عنهم ، عصام الجيتاوى كلاما تفصيليا نشرته مجلة " المجتمع " التى صدرت بالكويت بتاريخ 25/ 4 /1978 م ، فيرجع إليه .
وقد صدرت عن دار الإفتاء المصرية فتوى فى15 من ديسمبر سنة 1934 م مأخوذة عن ابن عابدين ( رد المختار - الجزء الثالث - باب المرتد ) نصها :
تنبيه ، يعلم مما هنا حكم الدروز والنيامنة فإنهم فى البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح ، وحل الخمر والزنا ، وأن الألوهية تظهر فى شخص بعد شخص ، ويجحدون الحشر والصوم والصلاة والحج ، ويقولون : المسمى بها غير المعنى المراد، ويتكلمون فى جناب نبينا صلى الله عليه وسلم كلمات فظيعة، وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادى فيهم فتوى مطولة ، وذكر فيهم أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقَّبون بالقرامطة والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف ، ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم فى ديار الإسلام بجزية ولا غيرها ، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم - انتهى .
وقال ابن عابدين أيضا فى رد المحتار فى فصل المحرمات عند قول المصنف :
وحرم نكاح الوثنية بالإجماع ما نصه : قلت : وشمل ذلك الدروز والنصيرية والنيامنة فلا تحل مناكحتهم ولا تؤكل ذبيحتهم ، لأنهم ليس لهم كتاب سماوى . انتهى (الفتاوى الإسلامية - المجلد الأول صفحة 202 )(8/399)
الشياطين ...... لماذا ؟
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا خلق الله الشياطين ؟
An خلق الله الشياطين ليمتحن بها بنى آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان ، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة ، فإن استقر الإيمان بعد الانتصار فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين كان جزاء هذا المؤمن عظيما ، لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة ، دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له .
والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لأدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية ، وقد تزعَّم الشيطان ، هذه المعركة انتقاما من آدم الذى طرد من الجنة بسبب عدم السجود له فقال :
{قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } الأعراف : 16 ، 17 .
\\\وحذر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال ، { ألم أعهد إليكم يا بنى اثم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } وقال : {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} فاطر: 6 .
فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب ، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات ، والحركة سر الحياة ، وقد سئل أحد العلماء : لماذا خلق الله إبليس فقال : لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه ، فكل شر فيه خير ولو بقدر(8/400)
خلق الأصنام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى :{ أم خلقوا السماوات والأرض} الطور: 36 ؟
An هذه آية من سورة الطور جاء قبلها قوله تعالى : {أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون . أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون } الطور: 35 ، 36 .
وهما من ضمن الأساليب التى ترد على المشركين الذين كذَبوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعوته أن هناك إلهًا واحدًا خلقهم جميعًا ، وأن الأصنام التى يعبدونها عاجزة عن خلق أى شىء .
فتستنكر الآية الأولى أنهم خلقوا من غير شىء أى من غير إله خلقهم وقدرهم كما قال ابن عباس ، ولم يعرفوا المادة التى خلقوا منها وهى ماء مهين سواه الله ونفخ فيه من روحه ، فهل خلقوا هم أنفسهم أو خلقتهم الأصنام التى يعبدونها .
والآية الثانية تستنكر أن الأصنام خلقت أى شىء ، بل هى نفسها مخلوقة وصنعها من يعبدونها بأيديهم ، وأين كان هؤلاء الأصنام حين خلق السموات والأرض ، وما داموا لم يخلقوا السموات والأرض ولم يخلقوا أنفسهم فبأى شىء يستحقون العبادة؟ إن المشركين لا يؤمنون بالحق الذى جاءهم به محمد-صلى الله عليه وسلم - ولا يوقنون بإجابة صحيحة عن هذه التساؤلات(8/401)
الجن والتوراة والإنجيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى القرآن الكريم قول الجن للرسول صلى الله عليه وسلم {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى}فلمَ لم يذكروا الكتاب الذى أنزل على عيسى، وهل آمن هؤلاء الجن بسيدنا موسى وكانوا من اليهود؟
An من المعلوم أن الرسالات السابقة كانت خاصة لأقوام دون آخرين ولعصر دون آخر، وهنا يقال : لماذا لم يذكر الجن الكتاب الذى نزل على عيسى وهو الإنجيل ، واقتصروا على ذكر كتاب موسى وهو التوراة مع أن الإنجيل نزل بعدها وهو أقرب عهدا بالقراَن ؟ قال المفسرون : هؤلاء الجن من منطقة لم يرسل إليها عيسى، وكانت داخلة ضمن حدود الرسالة الموسوية فهم آمنوا بموسى ولم يبلغهم دعوة عيسى :
وقيل إن التوراة كانت مشهورة لأن كثيرا من أنبياء بنى إسرائيل تتابعوا على الحكم بها، فعرفها الجن أكثر من معرفتهم للإنجيل وقيل : إن كلام الجن ليس فيه حصر لما أنزل من الكتب ، وبالتالى ليس فيه نفى لنزول الإنجيل بعد ما ذكروا التوراة .
وقيل : إن التوراة كتاب شريعة مفصَّلة فالجن الذين آمنوا بها كانوا أشد اتصالا بمعرفة ما فيها أكثر من الإنجيل الذى كان أكثره مواعظ وأخلاقا .
هذا بعض ما ظهر لى من الإجابة على هذا السؤال(8/402)
الشيعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم الشيعة وما هى أهم فرقهم الموجودة الآن ؟
An الشيعة هم أتباع سيدنا على رضى الله عنه والموالون لاَل البيت ، والمسلمون جميعا مأمورون بحب آل البيت وتكريمهم وقد وردت فى ذلك عدة نصوص ، منها قول اللّه تعالى{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى} الشورى : 23 ، وقوله : {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب : 33 ، وذلك على خلاف للمفسرين فى تحديد القربى وأهل البيت . وقوله صلى الله عليه وسلم "أذكركم الله فى أهل بيتى" ثلاث مرات رواه مسلم وقوله :"يا أيها الناس ارقبوا محمدا فى أهل بيته " رواه البخارى .
غير أن بعضا من المسلمين اشتد حبهم لسيدنا على وذريته ، وتغالوا فى تكريمهم لدرجة أن بعضهم اعتقد ألوهية سيدنا على،وبعضهم اعتقد أنه النبى المرسل وغلط جبريل فنزل بالوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال ، إنهما شريكان فى النبوة، وقالوا إنه الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنص الجلى أو الخفى ، دون أبى بكر وعمر وعثمان وان الإمامة لا تخرج عنه ولا عن أولاده ، وإن خرجت فبظلم أو بتقية .
وأشهر فرقهم الموجودة الآن خمسة :
1 - الزيدية :
وهم أتباع زيد بن على بن الحسين ، لما دعى الشيعة لحرب الأمويين سألوه رأيه فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، فأثنى عليهما فرفضوه وسموا بالرافضة وهم يوجدون الآن فى اليمن ، ومذهبهم قريب من مذهب أهل السنة ، وهم وإن اعتقدوا أفضلية على على أبى بكر وعمر أجازوا إمامة المفضول مع قيام الفاضل .
2 - الإمامية :
وهم الذين قالوا بإمامة اثنى عشر من آل البيت ، ويسمون بالاثنى عشرية وبالموسوية ، لأن الأئمة عندهم هم : على، الحسن ، الحسين ، على زين العابدين بن الحسين ، وكانت الإمامة لابنه الأكبر "زيد" فلما رفضوه كما تقدم ولوا بدله أخاه محمدا الباقر، ثم جعفر الصادق ، وكان له ستة أولاد ، أكبرهم إسماعيل ثم موسى ، ولما مات إسماعيل فى حياة أبيه أوصى والده بالإمامه إلى ابنه موسى الكاظم ، وبعد وفاة جعفر انقسم الأتباع فمنهم من استمر على إمامة إسماعيل وهم : الإسماعيلية أو السبعية، والباقون اعترفوا بموسى الكاظم ، وهم الموسوية ، ومن بعده على الرضا ، ثم ابنه محمد الجواد ، ثم ابنه على الهادى ، ثم ابنه الحسن العسكرى نسبة إلى مدينة العسكر "سامرا" وهو الإمام الحادى عشر، ثم ابنه محمد الإمام الثانى عشر، وقد مات ولم يعقب فوقف تسلسل الأئمة وكانت وفاته سنة265 هـ .
ويقول الإمامية : إنه دخل سردابا فى "سامرا" فلم يمت ، وسيرجع بعد ذلك باسم المهدى المنتظر .
وهذه الطائفة منتشرة فى إيران والعراق وسوريا ولبنان ، ومنهم جماعات متفرقة فى أنحاء العالم ، ولهم كتب ومؤلفات كثيرة من أهمها كتاب "الوافى" فى ثلاثة مجلدات كبيرة جمعت كثيرا مما فى كتبهم الأخرى ، كتب عليه أحد أهل السنة نقدا سماه "الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة" وكان ذلك فى فبراير سنة1935 م كما كتب رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسوى" رسالة فى ذلك .
ومن أهم أصولهم :
1 - تكفير الصحابة ولعنهم ، وبخاصة أبو بكر وعمر رضى الله عنهما إلا عددا قليلا جدا كانوا موالين لعلى رضى الله عنه . وقد رووا عن الباقر والصادق : ثلاثة لا يكلَّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . من ادعى إمامة ليست له ومن جحد إماما من عند اللّه ، ومن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب فى الإسلام .
ويقولون : إن عائشة وحفصة رضى الله عنهما كافرتان مخلدتان ، مؤولين عليهما قول الله تعالى{ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط } التحريم : 10 .
2 - ادعاء أن القرآن الموجود فى المصاحف الآن ناقص ، لأن منافقى الصحابة (هكذا) حذفوا منه ما يخص عليا وذريته ، وأن القرآن الذى نزل به جبريل على محمد سبعة آلاف آية ، والموجود الآن 6263 والباقى مخزون عند آل البيت فيما جمعه على، والقائم على أمر آل البيت يخرج المصحف الذى كتبه على ، وهو غائب بغيبة الإمام .
3-رفض كل رواية تأتى عن غير أئمتهم ، فهم عندهم معصومون بل قال بعضهم : إن عصمتهم أثبت من عصمة الأنبياء .
4 - التقية : وهى إظهار خلاف العقيدة الباطنة ، لدفع السوء عنهم .
5 - الجهاد غير مشروع الآن ، وذلك لغيبة الإمام ، والجهاد مع غيره حرام ولا يطاع ، ولا شهيد فى حرب إلا من كان من الشيعة، حتى لو مات على فراشه .
وهناك تفريعات كثيرة على هذه الأصول منها :
عدم اهتمامهم بحفظ القرآن انتظارا لمصحف الإمام ، وقولهم بالبداء بمعنى أن الله يبدو له شىء لم يكن يعلمه من قبل ويتأسف على ما فعل ، والجمعة معطَّلة فى كثير من مساجدهم وذلك لغيبة الإمام ، ويبيحون تصوير سيدنا محمد وسيدنا على وصورهما تباع أمام المشاهد والأضرحة، ويدينون بلعن أبى بكر وعمر . . .
3 - الإسماعيلية :
وهى تدين لإسماعيل بن جعفر الصادق ، وهم أجداد الفاطميين والقرامطة ، يعتقدون التناسخ والحلول ، وبعضهم يدعى ألوهية الإمام بنوع من الحلول ، وبعضهم يدعى رجعة من مات من الأئمة بصورة التناسخ .
وهذه الفرقة طائفتان ، إحداهما فى الهند وتسمى " البهرة" ويتركزون فى بومباى ، يعترفون بالأركان الخمسة الواردة فى الحديث وهو: " بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللّه ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" رواه البخارى .
ويزيدون عليه ركنا اسمه " الطهارات " ويتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام ، وهم فى صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، ولا يصلون الجمعة ويحتفلون بغدير "خم " فى 18 من ذى الحجة كل عام ، حيث تمت فيه الوصية لعلى(مجلة العربى سبتمبر 1975 ، المصور 20/1/ 1978 ) .
والطائفة الأخرى فى "سلمية" بسوريا وفى زنجبار وشرقى أفريقيا وتسمى "الأغاخانية" نسبة إلى زعيمهم " أغاخان " .
4 - النصيرية :
وهم أتباع أحد وكلاء الحسن العسكرى واسمه محمد بن نُصير، والذين تسموا فى عهد الاحتلال الفرنسى بسوريا باسم "العلويين " .
ومن كتاب "تاريخ العلويبن " لمحمد أمين غالب الطويل ، وهو نصيرى ومن غيره من الكتب والمراجع نوجز أهم مبادئهم فيما يلى :
(1) الولاية لعلى ، زاعمين أن النبى صلى الله عليه وسلم بايعه ثلاث مرات سرًّا ، ومرة رابعة جهرا .
(ب ) عصمة الأئمة ، لأن الخطايا رجس وقد قال الله فى أهل البيت :
"ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " .
وبناء على ذلك يعتقدون أن الإمام أعلى من بعض الوجوه من الأنبياء ، لأنهم معرضون للخطأ ولم يرد فى القرآن ما ينزههم عنه ، أما الأئمة فمعصومون بنص القرآن .
(ج ) التقية : أو التكتم فى الدين فإخفاء عقيدتهم من كمال الإيمان .
(د) علم الباطن : فهو فى زعمهم مختص بهم ،وهم على صواب دائم فى تفسير القرآن وعلم أسراره لأنهم معصومون .
وبناء على هذه الأصول قالوا بألوهية متحدة الحقيقة مثلثة الأجزاء فالألوهية معنى وحقيقة ، وهو علي ، ولها اسم وحجاب ، وهو محمد، ولها باب يوصل إليها، وهو سلمان ، فعلي رب العالمين ، والقرآن منه ، وكل نبى بعث فهو الذى بعثه ليتكلم بلسانه ، وكان هو مع كل رسول متجسدا فى صورة وصى له ، ويرمزون إلى هذا الثالوث برمز" ع . م. س " .
ولهم تفريعات على ذلك : فالعبادات الواردة فى القرآن بما فيها من أوامر ونواه ، هى أسماء أماكن ، والأشهر الحُرم عندهم هى : فاطمة والحسن والحسين وعلى ابنه ، والقيامة عندهم فى قيامة المحتجب صاحب الزمان .
والمنتسبون إلى هذا المذهب طبقات ، منهم متعلمون لا يدينون به ، لكن لا يجدون عوضا عنه ، ومنهم الشيوخ والرؤساء المتمسكون ، ومنهم العامة الذين يعيشون على غير هدى، والحكم عليهم مذكور مع الدروز(8/403)
ذرية إبليس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ذرية إبليس نتجت عن زواج ، وهل فى الجن ذكر وأنثى ؟
An يقول الله تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} . الكهف : 50 ، تفيد هذه الآية الكريمة أن إبليس له ذرية ، ولكن كيف أتت هذه الذرية؟ ومع أن معرفة الجواب ليست مهمة لكن العلماء شغلوا أنفسهم به ، فنقلوا من الأقوال ما نقلوا واستنبطوا ما شاء لهم الاستنباط وذكر القرطبى حديثا فى ذلك قال إنه صحيح وهو "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها ، فبها باض الشيطان وفرَّخ " ذكره الحميدى فى الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبى بكر الباقلانى أنه خرجه فى كتابه عن سلمان عن النبى صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا الحديث يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه كما قال القرطبى وهو موافق لما جاء فى الآية الكريمة فإن عبارة "باض الشيطان وفرخ " ليست نصا قاطعا فى أن الذرية نتجت عن وضع الشيطان للبيض ثم التفريخ كما يحدث للطيور ، فقد يكون المراد ذرية إبليس يكثر وجودها فى الأسواق من أجل الإفساد .
يقول القشيرى أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعا وذرية وأنهم يوسوسون إلى بنى آدم وهم أعداؤهم ، ولا يثبت عندنا كيفية فى كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس ، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح . انتهى، وهذا هو الكلام الصحيح . يقول الشعبى : سألنى رجل فقال : هل لإبليس زوجة؟ فقلت : إن ذلك عرس لم أشهده . ثم ذكرت قوله تعالى {أفتتخذونه وذريته أولياء}فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة، فقلت نعم . وينقل القرطبى "ج 10 ص 420 " عن مجاهد أن إبليس أدخل فرجه فى فرج نفسه فباض خمس بيضات ، فهذا أصل ذريته ، وقيل : أن الله تعالى خلق له فى فخذه اليمنى ذكرا، وفى اليسرى فرجا، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات ، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة ، فهو يخرج وهو يطير. . . ذلك بعض ما فى الكتب وغيره كثير مما أربأ بالمسلمين اليوم أن يعنوا به(8/404)
الوضوء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كان الوضوء للصلاة مشروعا فى الأديان السابقة ؟
An هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء وضحه الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى " الجزء الخامس " وخلاصة ما جاء فيه :
قيل إنه خاص بالأمة الإسلامية، وكان من قبل ذلك للأنبياء خاصة وليس للأفراد، ولكن عورض هذه القول بأن "سارة " زوج إبراهيم عليهما السلام لما استدعاها الطاغية توضأت وقامت تصلى فعصمها اللَّه منه ، والحديث رواه البخارى ومسلم .
وهذا الطاغية مختلف فيه ، فقيل : هو عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصركما ذكره السهيلى وهو قول ابن هشام فى التيجان ، وقيل : اسمه صادق وكان على الأردن ، كما حكاه ابن قتيبة ، وقيل : سنان بن علوان . . . بن سام بن نوج ، حكاه الطبرى، ويقال : إنه الضحاك الذى ملك الأقاليم .
ولا تهمنا معرفته ، بل المهم أن سارة تحصنت بالوضوء والصلاة فمنعها اللَّه من شر ،وهى لم تكن نبية كما قال الجمهور، وعلى هذا فالوضوء كان للأفراد أيضا كما كان للأنبياء .
وفى قصة جريج الراهب الذى اتهمته المرأة بالزنا بها ونسبت إليه غلاما منها ، قام وتوضأ وصلى وسأل الغلام فنطق باسم والده الحقيقى، وبرأ اللَّه جريجا ، والحديث رواه أحمد عن أم سلمة .
فالظاهر أن خصوصية أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى الغرة والتحجيل ، لا فى أصل الوضؤ . وحديث هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى ضعيف . وروى الطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا بوَضُوء ، فتوضأ واحدة واحدة وقال " هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به "، ثم توضأ مرتين مرتين وقال "( هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى " . " الزرقانى على المواهب ج 5 ص 368 "(8/405)
نقض الوضوء بمس الفرج ؟
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ينتقض الوضوء بمس الفرج ؟
An 1 -عن بُسْرَة بنت صفوان قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " من مس ذكره فلا يصلى حتى يتوضأ " رواه الخمسة وصححه الترمذى، قال البخارى : هو أصح شىء فى هذا الباب .
2 -وعن بسرة أيضا قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ويتوضأ من مس الذكر" رواه أحمد والنسائى .
3-وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت : " ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضأون " . أخرجه الدارقطنى .
4 -وعن أم حبيبة رضى اللَّه عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه وصححه أحمد .
5 -سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره : أعليه وضوء ؟ فقال : "إنما هو بضعة منك " رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وأحمد، وصححه عمر بن القلاس ، وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة ، وصححه ابن حبان .
بناء على الأحاديث الأربعة الأولى قال جماعة من الصحابة والتابعين بنقض الوضوء بمس الفرج ، وعليه جمهور الفقهاء، على أن يكون المس بغير حائل ، لحديث رواه أحمد وابن حيان والحاكم وصححاه " من أفض بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء" وإليك بعض التفصيل لأقوال الفقهاء :
أ- قالت المالكية : ينتقض الوضوء بمسي الإنسان ذكر نفسه المتصل به ، فلو مس ذكر غيره يكون لامسا يجرى عليه حكم اللمس - وقد تقدم ذلك فى نقض الوضوء باللمس -ويشترط أن يكون بدون حائل وببطن الكف أو باطن الأصابع أو جنبها أو رأس الأصبع ، ولا ينتقض بمس امرأة فرجها ولو أدخلت فيه إصبعها ولو التذت ، ولا بمس حلقة الدبر، ولا بإدخال أصبعه فيه على الأصح وإن كان حراما لغير حاجة، أما مس دبر غيره أو فرج امرأته فهو لمس يجرى عليه حكم الملامسة- وقد تقدم .
ب - وقالت الشافعية : مس الذكر المتصل أو المنفصل الذى لم يتجزأ ينقض الوضوء بشرط عدم الحائل ، وأن يكون ببطن الكف أو الأصابع ، ولا فرق بين ذكر نفسه أو غيره ، ولو صغيرا أو ميتا ، ومثله مس حلقة الدبر وقبل المرأة .
ج - وقالت الحنابلة : ينتقض الوضوء بمس ذكر الآدمى من نفسه ومن غيره صغيرا أو كبيرا ، حيا أو ميتا ، بشرط الاتصال وبغير حائل وباليد ظهرا أو بطنا إلا الأظافر، وينتقض بمس حلقة دبره أو دبر غيره ، وبمس فرج الأنثى ، ولا ينتقض بمس امرأة فرج نفسها ، إلا إذا أولجت إصبعها إلى الداخل .
وبناء على الحديث الخامس ذهب بعض الصحابة والتابعين ، وعليه أبو حنيفة والثورى إلى أن مس الذكر غير ناقض للوضوء وردوا على رأى الجمهور بأن الوضوء الوارد فى الأحاديث الأولى هو الوضوء اللغوى أى غسل اليدين .
أما الجمهور فردوا رأى الأحناف بأن الحديث الخامس الذى اعتمدوا عليه ضعفه الإمام الشافعى وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطنى والبيهقى وابن الجوزى ، وادعى ابن حبان والطبرانى واَخرون أنه منسوخ ، وقالوا : إن راوى هذا الحديث وهو طلق بن على روى أيضا حديث " من مس فرجه فليتوضأ " كما صححه الطبرانى، فقيل سمع . أولا عدم النقض ، ثم سمع آخرا النقض .
وبهذا يظهر رجحان رأى الجمهور وهو النقض(8/406)
ما يخرج من القبل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب الغسل نتيجة لنزول سائل أبيض عند الاستيقاظ من النوم ؟
An السائل الذى يخرج من القبل - الذكر أو الفرج - عادة أربعة أنواع : البول والمذى والودى والمنى ، والبول نجس لابد من تطهير ما يصيبه بغسله ، والمذى سائل أبيض لزج يخرج عند التفكير فى الناحية الجنسية أو الملاعبة ، وربما لا يحس الإنسان بخروجه ، وهو يكون من الرجل والمرأة إلا أنه منها أكثر، وهو نجس بالاتفاق ، يجب غسل ما أصاب البدن أو الثوب منه ، ولا يجب الاغتسال أى غسل الجسم كله منه ، روى البخارى وغيره أن عليا رضى اللَّه عنه كان مذاء واستحيا أن يسأل النبى عن حكمه لأنه زوج بنته فاطمة، فأمر رجلا أن يسأله فقال له " توضأ واغسل ذكرك " غسل الذكر يكون قبل الوضوء . والودى ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول ، وهو كالمذى والبول نجس باتفاق ولا يجب منه الاغتسال ، روى البيهقى ذلك عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما .
والمنى ماء يخرج بلذة وتدفق ويعرف برائحته كالعجين أو طلع النخل ، وهذا يوجب الغسل باتفاق ، ففى الحديث الذى رواه مسلم "الماء من الماء " أى الاغتسال بالماء يكون من نزول الماء أى المنى. وفى حديث البخارى ومسلم أن أم سليم قالت : يا رسول اللَّه ، إن اللَّه لا يستحى من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : "نعم ، إذا رأت الماء " .
ولكن مع وجوب الغسل هل يكون المنى طاهرا بحيث لو أصاب الملابس مثلا لا تنجس ويمكن أن يصلى فيها ، أو يكون نجسا كالبول لابد من تطهير ما يصيبه ؟ جمهور العلماء على أنه طاهر، لأنه الأصل الذى خلق منه الإنسان الطاهر الذى لا ينجس حيا ولا ميتا ، ولا يوجد دليل على نجاسته ، فعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن المنى يصيب الثوب فقال " إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة" رواه الدارقطنى والبيهقى ، واختلف فى رفعه إلى النبى ووقفه على ابن عباس ، والإذخر نوع من الحشائش .
وقال جماعة : إن المنى نجس ، واستدلوا بحديث رواه الدارقطنى والبزار وأبو عوانة عن عائشة رضى الله عنها قالت : كنت أفرك المنى من ثوب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا ، وأغسله إذا كان رطبا .
ورد عليه الجمهور ، بأن فرك النجاسة لا يطهرها، وإنما فعلت عائشة ذلك من باب الحياء أن يظهر النبى صلى الله عليه وسلم أمام الناس وفيه آثار الجماع ، وهو أمر مستحب فليس عملها نصا فى نجاسته(8/407)
الوضوء فى الحمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى الأبنية الحديثة يوجد حوض الغسل وأدوات الاستحمام وقضاء الحاجة فى حجرة واحدة. فهل يجوز أن أتوضأ فى هذا المكان . وهل يجوز أن أسمى وأذكر الله أثناء الوضوء ؟
An من المعروف عند الفقهاء أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأن الكراهة تراعى قبل الندب والاستحباب ، كما تراعى الحرمة قبل الوجوب ، وذلك للاحتياط على الأقل 0 ومعلوم أن المكان الواحد الذى يجمع هذه المرافق يغلب عليه التلوث والتعرض للنجاسة إن لم تكن هناك عناية بالغة بالنظافة 0 والوضوء من الصنبور " الحنفية " داخل الحمام مكروه إن خشى الإنسان النجاسة من تساقط المياه على الأرض المنتجسة، ووجد مكانا آخر يتوضأ فيه غير هذا المكان ، فإن أمن النجاسة أو لم يوجد مكان آخر للوضوء فلا بأس بالوضوء فى الحمام 0 ومن آداب قضاء الحاجة عدم الكلام ومنه الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، حتى لو عطس لا يحمد الله ، ولو سلَّم عليه إنسان لا يرد عليه السلام .
ولو سمع الأذان لا يجيب المؤذن ، أى لا يقول مثل قوله . فقد روى مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رجلا مر على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام .
ورأى العلماء أن هذا المنع لا يقتصر على حالة قضاء الحاجة "التبول والتغوط " بل يشمل وجود الإنسان فى هذا البيت المعد لقضاء الحاجة . وعليه فإن المتوضئ فى الحمام لا يسمى ولا يذكر الله أثناء الوضوء ولا قبله ولا بعده حتى يخرج منه ، والحكم هو الكراهة لا الحرمة، فليس فى المخالفة عقوبة ، والأفضل عدمها . .
مع التنبيه على أن النية الواجبة فى الوضوء أو الغسل محلها القلب ، ولا يجب التلفظ بها باللسان ، فلا داعى لهذه النية القولية ما دام فى الحمام ، ويكتفى بالنية القلبية عند من يقول بوجوبها .
ومحل كراهة الكلام إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة تدعو إليه ، كالتنبيه على خطر أو الرد على من ينادى ونحو ذلك ، فإن وجدت فلا كراهة ، والضرورة تقدر بقدرها(8/408)
الحمامات العامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الإسلام فى دخول الحمامات العامة ؟
An الحمامات أماكن خاصة للاستحمام ، وكانت للبيوت الموسرة حمامات خاصة بها ، ثم اقيمت حمامات عامة للناس ، وهى قديمة موجودة قبل الإسلام ، يقول المقريزى ، فى خططه " ج 3 ص 129 " : قال محمد بن إسحاق فى كتاب " المبتدى" : إن أول من اتخذ الحمامات والطلاء بالنورة سليمان وإنه لما دخله ووجد حميمه قال : أوَّاه من عذاب الله أواه ! ! وذكر المستحى فى تاريخه أن أول من بنى الحمامات فى القاهرة " العزيز باللَّه نزار بن المعز " وكان بها ثمانون حماما فى سنة 685 ط . وأقل حمامات كانت ببغداد زمن الناصر أحمد بن المستنصر ألفا حمام . انتهىـ . .
ولهذه الحمامات آثار باقية إلى الآن بالشام . وهى آخذة فى الانقراض . وقد ألف الحافظ ابن كثير كتابا فى الحمام . ووردت فيه أحاديث كثيرة لم يتفق على صحة شىء منها ، قال المنذرى :
وأحاديث الحمام كلها معلولة ، وإن ما يصح منها فهو عن الصحابة "نيل الأوطار ج 1 ص 277 " .
ومن هذه الأحاديث ما يأتى :
1 - روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنها ستفتح لكم أرض العجم ، ،ستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات . فلا يدخلها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء ، إلا مريضة أو نفساء " نيل الأوطار ج ا ص 178 والترغيب والترهيب ج ا ص 65 . وقد تكلم فى هذا الحديث بما يضعف حجيته .
2 -وأخرج المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب "ج ا ص 66 أن نساء من أهل حمص ، أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت : أنتن اللاتى تدخلن نساءكن الحمامات ؟ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " رواه الترمذى وقال : حديث حسن وأبو داودو وابن ماجه والحاكم وقال : صحيح على شرطهما . وروى معنى هذا الحديث عن أم سلمة حين دخل عليها نساء حمص . رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم .
3- وعن طاووس عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " احذروا بيتا يقال له الحمام " . قالوا : يا رسول اللَّه ينقى الوسخ . قال " فاستتروا " رواه البزار وقال : رواه الناس عن طاووس مرسلا . قال الحافظ المنذرى : رواته كلهم محتج بهم فى الصحيح . ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم . ورواه الطبرانى فى الكبير بنحو ما رواه الحاكم " الترغيب ج ا ص 65 " وصححه الألبانى .
4 -عن عائشة قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " الحمام حرام على نساء أمتى " رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد " الترغيب ج 1 ص 65" .
د -وعن جابر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئرر. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام " . رواه النسائى والحاكم وصححه ، وحسنه الترمذى "المرجع السابق " وفي ص 66 روى مثله عن طريق أبى سعيد الخدرى .
قال القرطبي فى تفسيره "ج 12 ص 224 ": حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجُحْفَة ، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك النساء للضرورة، والأولى بهن البيوت إن أمكن . وذكر حديثا لم يصح : أن النبى صلى الله عليه وسلم لقى أم الدرداء عندما خرجت من الحمام فقال لها " والذي نفسى بيده ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهى هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل " وذكر حديثا هو أصح إسنادا عن طاووس عن ابن عباس " تقدم تحت رقم 3 " .
ثم يقول القرطبي : دخول الحمام فى زماننا حرام على أهل الفضل والدين ، لعدم مراعاة الأدب فى ستر العورة ، لا سيما بالديار المصرية ، ثم ذكر أن العلماء اشترطوا لدخوله عشرة شروط :
أ - أن يدخل بنية التداوى أو التطهر من العرق إثر الحمى .
2 -أن يتعمد أوقات الخلوة أو قلة الناس .
3-أن يستر عورته بإزار صفيق .
4 -أن يكون نظره إلى الأرض أو الحائط ، لئلا يقع على محظور .
د -أن يغير ما يرى من منكر برفق ، نحو، استتر سترك الله .
6 -إن دلكه أحد فلا يمكنه من عورته ، من سرته إلى ركبته .
7 - أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس .
8 -عدم الإسراف فى الماء .
9 -إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع أمناء على الدين على كرائه .
10 -أن يتذكر به جهنم .
وذكر حديثا فيه مدح دخوله الحمام ، لانه يذكر الإنسان بالنار، فيستعيذ منها ويسأل الجنة ، وفيه ذم دخول بيت العروس ، لأنه يرغبه فى الدنيا وينسيه الآخرة، ولكن الحديث ليس صحيحا .
وجاء فى القرطبي أيضا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة :
إنه بلغنى أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين ، فامنع من ذلك ، وحُلْ دونه ، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة . فقام أبو عبيدة وابتهل وقال : أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسوَّد الله وجهها يوم تبيض الوجوه . انتهىـ . "ج 12 ص 224 ". وفى الشوكانى "ج 1 ص 145 " أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل الحمام ويتنور ، أى يستعمل النورة لإزالة الشعر، ولم يبين درجة هذا الحديث ، مع أن الحمام لم يكن معروفا ببلاد العرب ، أو لم يكن شائعا على الأقل ، ويبدو-إن صح هذا الحديث - أن المراد به مكان منعزل يستحم فيه الشخص ، وليس حماما عاما بالمعنى المعروف .
وإذا كانت الحمامات المبنية لا يرغب فى دخولها ، فما بالك بالحمامات المكشوفة فى النوادى والساحات ، وعلى الشواطىء التى لا يلتزم فيها حجاب يستر العورة ولا يعزل الجنسين بعضهما عن بعض ؟ إنها أشد نكرا(8/409)
سلس البول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندى مرض فى المسالك البولية ولا أتحكم في البول فكيف أصل ووضوئى لا يستمر إلا دقائق بسيطة لا تسع أداء الصلاة ؟
An قال العلماء: إن الوضوء ينتقض بالخارج من السبيلين إن كان خروجه فى حال الصحة فإن خرج حال المرض كالسلس كان صاحبه معذورا، وللفقهاء فى ذلك خلاف :
1 -فالشافعية قالوا: ما خرج على وجه السلس يجب على صاحبه التحفظ منه ، بأن يحشو محل الخروج ويعصبه ، فإن فعل ذلك ثم توضأ ثم خرج منه شىء فهو غير ضار فى إباحة الصلاة وغيرها بهذا الوضوء ، وذلك بشرط أن يقدم الاستنجاء على الوضوء، وأن يوالى بين الاستنجاء وبين الوضوء والصلاة، وأن تكون هذه الأعمال بعد دخول الوقت ، ويصلى بهذا الوضوء فرضا وما شاء من النوافل ، وتكون النية فى الوضوء هى الاستباحة، لا رفع الحدث لأنه لا يرفع بل مستمر .
2 - والمالكية قالوا: لا ينتقض الوضوء بما خرج حال المرض كالسلس ، بشرط أن يلازم أغلب أوقات الصلاة أو نصفها ، وأن يكون غير منضبط ، وألا يقدر على رفعه بعلاج ونحوه ، وذلك على المشهور من مذهب مالك ، وهناك رأى بأن السلس لا ينتقض وضوءه ولكن يستحب منه الوضوء إذا لم يلازم كل الزمن ، ومن استوفى السلس هذه الشروط ندب الوضوء منه ، ويصلى صاحب السلس بوضوئه ما شاء إلى أن ينتقض بناقض آخر .
3 - والحفنيه قالوا: من به سلس بول أو ريح أو استحاضة مثلا يقال له معذور، إذا استمر عذره وقتا كاملا لصلاة مفروضة ، ويتوضأ لوقت كل صلاة ويصلى ما شاء من الفرائض والنوافل ، وينتقض وضؤه بخروج الوقت على تفصيل فى ذلك ، وعلى المعذور أن يدفع عذره بكل ما يستطيع .
4 -والحنابلة قالوا: لا ينتقض وضوء من به سلس ، بشرط أن يغسل المحل ويعصبه جيدا ، وأن يكون الحدث دائما ، وأن يكون الوضوء بعد دخول الوقت ، وعليه أن يتوضأ لكل وقت ، ويصلى بوضوئه مع الفرض ما شاء من فروض ونوافل " ملخص من الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف "(8/410)
أذكار الوضوء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع بعض من يتوضأون يأتون بأذكار خاصة تتناسب مع أعضاء الوضوء، فهل لهذه الأذكار أصل صحيح ؟
An 1 -ليكن معلوما أن من لم يذكر اللَّه أثناء الوضوء فوضوءه صحيح ، ومن تكلم بكلام الدنيا فوضوءه أيضا صحيح .
2 - لكن هل الأفضل السكوت أو ذكر اللَّه ؟ قال جماعة : الأفضل السكوت ، وذلك لاتباع النبى صلى الله عليه وسلم . وقال جماعة : الذكر أفضل ، وذلك للأمر بالذكر عموما ، وعدم ورود نهى عنه من النبى صلى الله عليه وسلم .
والخلاف جاء بسبب الحديث " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخارى ومسلم .
فالقائلون بالسكوت قالوا : إن إحداث ذكر يعتبر إحداثا لأمر ليس من الدين ، والقائلون بالذكر قالوا : الذكر مطلوب بوجه عام دون التقيد بزمان أو مكان كما قال تعالى { يا أيها الذين أمنوا اذكروا اللَّه ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا } الأحزاب : 41 ، 42 ، فالذكر أثناء الوضوء داخل تحت الأمر العام ، وعليه فليس فيه إحداث أمر فى الدين ليس منه 3-تسن التسمية فى أول الوضوء ، لحديث " كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم اللَّه الرحمن الرحيم فهو أقطع " وفى رواية بالحمد للَّه . رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره ولحديث " لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه " رواه أبو داود وغيره ، ولأحاديث أخرى فى سنن البيهقى وحكم هو وغيره بضعفها . ومن تركها سهوا أو عمدا فوضوءه صحيح على رأى جمهور العلماء . وقال الحنابلة بوجوبها لو تركت عمدا بطل الوضوء .
ويسن بعد الانتهاء من الوضوء قول : أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ففى حديث مسلم أن من قالها فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . وقى رواية الترمذى زيادة " اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين " وفى رواية ضعيفة للنسائى زيادة " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " . كما رويت أحاديث ضعيفة فى تكرار الشهادة ثلاث مرات " الأذكار للنووى ص 32 " أما الذكر أثناء الوضوء ، فقد ورد فيه حديث صحيح عن أبى موسى الأشعرى أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بوَضوء-بفتح الواو أى الماء الذى يتوضأ به -فسمعته يقول "اللهم اغفر لى ذنبى، ووسع لى فى دارى، وبارك لى فى رزقى " وفيه اختلاف فى مكان هذا الذكر، فرواه ابن السنى على أنه فى خلال الوضوء ، ورواه النسائى على أنه بعد الوضوء ، وفيه أن أبا موسى قال : يا نبى اللَّه سمعتك تدعو بكذا وكذا ، قال " وهل تركن من شىء "؟ .
4 -أما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يرد فيه شىء عن النبى صلى الله عليه وسلم . يقول النووى فى كتابه " الأذكار" . قال الفقهاء : يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصل مما قالوه : أن يقول بعد التسمية :
الحمد للَّه الذى جعل الماء طهورا، ويقول عند المضمضة: اللهم اسقنى من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم كأسا لا أظمأ بعده أبدا ، ويقول عند الاستنشاق :
اللهم لا تحرمنى رائحة نعيمك وجناتك ، ويقول عند غسل الوجه : اللهم بيض وجهى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، ويقول عند غسل اليدين : اللهم أعطنى كتابى بيمينى وحاسبنى حسابا يسيرا، اللهم لا تعطنى كتابى بشمالى ولا من وراء ظهرى، ويقول عند مسح الرأس اللهم حرم شعرى وبشرى على النار، وأظلنى تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك .
ويقول عند مسح الأذنين : اللهم اجعلنى من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ويقول عند غسل الرجلين : اللهم ثبت قدمى على الصراط المستقيم .
فهذه الأدعية وإن لم يرد بها حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم لا بأس بها ، وبخاصة أنها وردت عن السلف ، وداخلة تحت الأمر العام بذكر اللَّه ولم يرد نهى عنها(8/411)
التيمم لضيق الوقت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قمت من النوم قبل شروق الشمس بدقائق ولو توضأت أو اغتسلت فاتنى وقت الصبح ، فهل يجوز لى أن أتيمم لإدراك الصلاة أو لا يجوز؟
An إذا وجد الماء وكان الإِنسان قادرا على استعماله ولكنه خشى باستعماله خروج الوقت بحيث لو تطهر لا يدركه ، ولو تيمم لأدركه ، فللعلماء فى ذلك خلاف .
1 - فأبو حنيفة يقول : لا يجوز التيمم إذا خاف فوات الوقت ، ويجوز إذا خاف فوت صلاة الجنازة أو العيد ، وقال : الصلاة فى هذه الحالة ثلاثة أنواع ، نوع لا يخشى فوته أصلا، وذلك لعدم توقيته ، كالنوافل المطلقة غير المؤقتة، ونوع يخشى فواته بدون بدل عنه ، كالجنازة والعيدين ، ونوع يخشى فواته مع وجود بدل عنه كالجمعة والصلوات المكتوبة المفروضة ، فان للجمعة بدلا هو الظهر، وللمكتوبات المفروضة بدلا هو قضاؤها فى غير وقتها . فأما النوافل فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء ، إلا إذا كانت مؤقتة كالسنن الراتبة بعد الظهر والمغرب والعشاء ، فإن أخرها بحيث لو توضأ فات وقتها فإن له أن يتيمم ويدركها وأما الجنازة والعيد فإنه يتيمم لهما مع وجود الماء إن خاف فواتهما لحديث " إذا فاجأتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم ". وأما الجمعة والمكتوبة فإنه لا يتيمم لهما مع وجود الماء، بل يجب الوضؤ ولو خاف فوت الوقت ، ويصلى بدلها ظهرا، ويقضى المكتوبة ، فإن تيمم وصلاها فى الوقت وجبت عليه إعادتها .
2 -والشافعى يقول : لا يتيمم مطلقا خوف خروج الوقت ، أو خوف فوات الجنازة أو العيد، لأنه يكون قد تيمم مع فقد شرط التيمم ، وهو عدم وجود الماء ، فالجمعة لو فاتت تقضى ظهرا، والصلوات المفروضة لو فاتت تقضى فى غير وقتها ، والصلوات الأخرى غير واجبة أو غير مؤقتة فلا داعى لصلاتها بالتيمم .
3-وقال مالك : إذا خشى باستعمال الماء فى الأعضاء الأربعة فى الحدث الأصغر، وتعميم الجسد بالماء فى الحدث الأكبر-خروج الوقت ، فإنه يتيمم ويصلى ، ولا يعيد الصلاة على المعتمد ، أما صلاة الجنازة فإنه لا يتيمم لها إلا إذا كان فاقدا للماء وتعينت عليه بأن لم يوجد شخص متوضىء يصلى عليها بدله ، وإذا كان تيمم للفرض فإنه يصح له أن يصلى بتيممه على الجنازة تبعا ، وأما الجمعة ففى صحة التيمم لها قولان والمشهور لا يتيمم لها .
4 -وقال الحنابلة : لا يجوز التيمم لخوف خروج الوقت إلا إذا كان المتيمم مسافرا وعلم وجود الماء فى مكان قريب ، وأنه إذا قصده وتوضأ منه يخاف خروج الوقت ، فإنه يتيمم فى هذه الحالة، ويصلى ولا إعادة عليه ، وكذلك لو وصل إلى الماء وقد ضاق الوقت عن الطهارة به ، أو لم يضق لكنه علم أنه يوزع بالنوبة و أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت ، فإنه فى هذه الحالة يتيمم ويصلى ولا إعادة عليه . " الفقة على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف "(8/412)
الكولونيا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول نجسة ، فهل هذا صحيح ؟
An الحكم فى استعمال الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول متوقف على حكم الكحول نفسه . هل هو نجس أو طاهر ، وقد اختلفت أنظار العلماء فيه ، بناء على أنه من قبيل المسكرات كالخمر أو من قبيل المواد السامة أو شديدة الضرر ، والكل متفقون على حرمة شربه ، فهو مسكر وكل مسكر خمر وكل خمر حرام ، كما جاء فى السنة النبوية والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار كما جاء فى السنة أيضا بنصوص كثيرة .
والقائلون بأنه كالخمر اختلفوا فى نجاسته ، فالأئمة الأربعة على أن الخمر نجسة ، بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة : 90 ،حيث قالوا : إن الرجس هو النجس أو المستقذر والخبيث ، والشرع قد حكم عليها بأنها رجس وأمر باجتنابها فتكون مع حرمتها نجسة ، وعلى هذا يكون الكحول نجسا .
وخالف فى هذا الحكم الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك ، والليث بن سعد ، والمزنى صاحب الإمام الشافعى ، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين ، فقالوا : إن الخمر طاهرة ، واستدل سعد بن الحداد القروى على طهارتها بِسَكْبِها فى طرق المدينة عند ما جاء النص بتحريمها ، حيث قال : لو كانت نجسة ما فعل الصحابة ذلك ، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلى فى الطرق -أى البول والغائط فيها-وعلى هذا يكون الكحول طاهرا .
وهؤلاء ردُّوا دليل الجمهور على نجاستها-وهو الآية المذكورة - فقالوا : إن الرجس إذا أريد به النجس فالنجاسة هنا حكمية ، كنجاسة المشركين الواردة فى قوله تعالى { إنما المشركون نجس } التوبة : 28 ،ولا شك أن كل محرم نجس حكما ، ويقوى ذلك أن الرجس وصف به كل ما ذكر فى الآية مع الخمر ، وهو الميسر والأنصاب والأزلام ، ولم يقل أحد بنجاسة هذه الأشياء نجاسة عينية ، فالخمر لذلك ليست نجاستها عينية بل هى حكمية ، ويبقى القول بنجاستها العينية محتاجا إلى دليل ، وأجاب الجمهور على ادعاء أن نجاسة الخمر لا نص فيها ، وعلى أنه لا يلزم من كونها محرمة أن تكون نجسة، فقالوا :
إن قوله تعالى{ رجس } يدل على نجاستها ، لأن الرجس فى اللسان -أى اللغة العربية - النجاسة ، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم إلا إذا وجدنا فيه دليلا منصوصا لتعطلت الشريعة ، فإن النصوص فيها قليلة .
لكن كما قدمنا إذا كان الرجس هو النجاسة فهو محتمل للنجاسة الحسية والمعنوية كما ذكر فى المشركين ، فالدلالة اللفظية هنا ظنية ، وليست قطعية ، ولو صح قولهم -كما قدمنا-للزم عليه نجاسة الميسر والأنصاب والأزلام ، ولم يقل أحد بنجاستها نجاسة حسية ،- وقد يرد عليهم بأن الأصل فى الأشياء الإباحة والطهارة ما لم يدل دليل على غير ذلك ، ولا يوجد دليل على نجاستها ، أما الدليل على حرمتها فثابت بالكتاب والسنة ومن هنا يعوزكم الدليل الخالى من الاحتمال على نجاستها .
كما أجاب الجمهور القائلون بنجاسة الخمر على دليل القائلين بطهارتها وهو سَكْبُها فى طرق المدينة ، بأن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب - حفر تحت الأرض -أى المجارى ، ولا آبار يريقون الخمر فيها ، لأن الغالب من أحوالهم اْنهم لم يكن لهم (كُنُف ) فى بيوتهم . والضرورات تبيح المحظورات .
وهذا الخلاف كله فى الخمر المتخذة من عصير العنب ، أما باقى المسكرات المتخذة من .الشعير والعسل والتين وغيرها فالأئمة الثلاثة على نجاستها ، والمذهب المفتى به عند الحنفية أنها نجسة أيضا وإن قال بعضهم بطهارتها .
والخلاصة أن الخمر نجسة عند الجمهور ، فيكون الكحول نجسا أيضا عندهم ، أما عند غير الجمهور فهى طاهرة ، وبالتالى يكون الكحول طاهرا أيضا .
هذا عند من جعل الكحول من المسكرات ، أما من جعله من المواد السامة والضارة فهو طاهر كطهارة الحشيش والأفيون وكل ضار ، حيث لم يقل أحد بنجاستها نجاسة عينية ، وإن كانت نجسة حكما بمعنى أنها محرَّمة .
ومن القائلين بطهارة الخمر من المتأخرين الشوكانى والصنعانى صاحب " سبل السلام " وصدِّيق حسن خان فى كتابه " الروضة البهية " ذاهِبَا إلى أن الأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح ، والشيخ محمد رشيد رضا فى تفسير " المنار " مال إلى القول بعدم نجاسة الكحول والخمر ، وكذلك العطور المختلطة به ، لعدم وجود الدليل الصحيح على النجاسة ، ولأن الرجس فى الخمر رجس حكمى بمعنى التحريم ، والكحول موجود فى كثير من المواد الغذائية بنسب متفاوتة وهو غير مستقذر لأنه يستعمل فى التطهير ، وشيوع استعماله فى الأغراض الطبية والنظافة وغيرها يجعل القول بنجاسته من باب الحرج وهو منفى بنص القرآن ، كما حكى الغزالى وجها فى الخمر المحترمة وهى التى اعتصرت بقصد أن تتخذ خلا . ثم ذكر القول بأن ما اعتصره أهل الكتاب من المحترمة ، بناء على عدم تكليفهم بفروع الشريعة ، فكل خمور أهل الكتاب طاهرة على هذا الوجه .
وينتهى الشيخ محمد رشيد رضا فى تفسيره إلى أن الخمر مختلف فى نجاستها عند علماء المسلمين ، وان النبيذ طاهر عند أبى حنيفة وفيه الكحول قطعا ، وأن الكحول ليس خمرا ، وأن الأعطار الإفرنجية ليست كحولا ، وإنما يوجد فيها الكحول كما يوجد فى غيرها من المواد الطاهرة بالإجماع ، وأنه لا وجه .
للقول بنجاستها حتى عند القائلين بنجاسة الخمر " انظر تفسير المنار- المجلد الرابع ص 505 ، 821 ، 866 " .
هذا بعض من المعركة التى ، دارت حول نجاسة الكحول وطهارته بسطناها فى كتابنا " الإسلام ومشاكل الحياة "ج 1 . وما دام الأمر خلافيا فلعل من التيسير بعد شيوع استعماله فى الطب والتطهير والتحاليل المختلفة والعطور وغيرها - الميل إلى القول بطهارته إن جعل من المواد السامة والضارة ، وإن كان يستعمل أحيانا كالخمر فإن نجاستها غير متفق عليها ، وبخاصة إن كانت من غير عصير العنب ، وهو يستخرج الآن من مواد مختلفة .
وعليه فلا يجب غسل ما أصابته الكولونيا من البدن والملابس وغيرها ، وتصح الصلاة مع وجودها . " انظر الفتاوى الإسلامية المجلد الخامس ص 1652 "(8/413)
الدواجن التى تتغذى بالنجاسات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم أكل الطيور والحيوانات التى تتغذى على النجاسات ؟
An ثار الجدل فى هذه الأيام حول لحم الدجاج الذى يضاف إلى علفه بعض المواد النجسة أو الكيماوية التى تسرع نموها وتزيد حجمها أو وزنها ، وكان محور الجدل فى نقطتين ، إحداهما صحية والأخرى دينية .
وقد اختلف ذوو الاختصاص والخبرة فى تأثير ذلك على صحة الإنسان ، ما بين مثبت للضرر ، وبخاصة فى علاقته بالفشل الكلوى والسرطان ، وناف لهذا الضرر ، وبخاصة بهذه الصورة الرهيبة ، مع إشارة بعضهم إلى أن ما يمكن أن يكون من ضرر فهو ليس بهذا الحجم الذى يحرم تناول هذه اللحوم .
ومبدئيا نقول : مادام لم يجزم أهل الذكر بوجود الضرر البيِّن الذى يؤثر تأثيرا بالغا بالصحة والمال والعقل وسائر ما حاطه الإسلام بالرعاية من أجل تأدية الإنسان وظيفته فى الحياة على الوجه المطلوب ، فلا وجه للقول شرعا بمنع تناوله لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، فما دامت العلة ، وهى الضرر المذكور غير محققة فالأصل فى الأشياء الحل ، فإن تحققت كان المنع ، وقد جاء الشرع لتحقيق المصلحة ومنع المفسدة ، والله سبحانه يقول { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة :195 والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث " لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه والدارقطنى وغيرهما مسندا :
ورواه مالك فى الموطأ مرسلا ، كما قال النووى فى متن " الأربعين حديثا النووية " وقال : حديث حسن .
وعلماء الإسلام تحدثوا عن هذا الموضوع من قديم الزمان بناء على نصوص وردت فى ذلك منها :
1 - عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تحبس .
أخرجه الدارقطنى والحاكم والبيهقى ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال البيهقى : ليس بالقوى .
2 - عن ابن عمر أيضا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها ، رواه الخمسة إلا النسائى . وقال الشوكانى " نيل الأوطار ج 8 ص 128 " : حسَّنه الترمذى ، واختلف فيه على لد ابن أبى نجيح " فقيل :
عن مجاهد عنه ، وقيل : عن مجاهد مرسلا، وقيل : عن مجاهد عن ابن عباس .
3 - عن ابن عباس رضى الله عنهما : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلاَّلة ، رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، وصححه الترمذى ، وقال الشوكانى : ،وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقى ، وصححه أيضا ابن دقيق العيد ، ولفظه : وعن الجلالة وشرب ألبانها .
4 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحُمر الأهلية ، وعن الجلالة ، عن ركوبها وأكل لحومها رواه أحمد والنسائى وأبو داود- وقال الشوكانى : أخرجه أيضا الحاكم والدارقطنى والبيهقى ، وفى الباب عن أبى هريرة مرفوعا ، وفيه النهى عن الجلالة ، قال فى التلخيص : إسناده قوى .
هذا بعض ما ورد عن الجلالة ، والكلام فى هذا الموضوع يدور حول تعريف الجلالة ومناط النهى ، ودرجة هذا النهى وما ينبغى أن يتخذ حيالها . وما هو المنهى عنه منها .
أ- فالجلالة هى كل ما يتناول العَذِرَة - بكسر الذال - و الأرواث ، مأخوذ من الجَلَّة-بفتح الجيم -وهى البعرة ، وهى تشمل الإبل والبقر والغنم والدجاج و الأوز وغيرها من كل ما يتناول هذه المواد .
قال العلماء : ولا يطلق عليها وصف الجلاَّلة إلا إذا كان غالب علفها من النجس ، كما جزم به النووى فى تصحيح التنبيه ، يقول الخطابى : فأما إذا رعت الكلأ و اعتلفت الحب ، وكانت تتناول مع ذلك شيئا من الجلة فليست بجلالة ، وإنما هى كالدجاج المخلاّة ونحوها من الحيوان الذى ربما نال الشىء منها وغالب غذائه وعلفه من غيره ، فلا يكره أكلها ، وجاء فى حياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة سخلة " قوله واختلفوا فيما يناط به الحرمة و الكراهة ، فقال الرافعى عن " تتمة التتمة " : إنه إن كان أكثر أكلها الطاهرات فليست بجلالة ، والأصح أنه لا اعتبار بالكثرة ، بل بالرائحة ، فإن كان يوجد فى مرقتها أو فيها أدنى ريح النجاسة وإن قلَّ فالموضع موضع النهى ، وإلا فلا ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن موضع النهى ما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو كانت تقرب من الرائحة ، فأما إذا كانت الرائحة التى توجد يسيرة فلا اعتبار بها ، والصحيح الأول ، إلحاقا لها بالتغير اليسير بالنجاسة فى المياه :
فإن علفت الجلالة علفا طاهرا مدة حتى طاب لحمها وزالت النجاسة زالت .الكراهة ، ولا تقدر مدة العلف عندنا بزمن ، بل المعتبر زوال الرائحة بأى وجه كان .
ب - يؤخذ من هذا أن مناط النهى هو وجود رائحة النجاسة وتغير اللحم أو اللبن أو البيض ، وذلك تابع فى الغالب إلى كثرة ما تعلف به الدابة من النجاسة أو قوة تأثيره ، يقول الدميرى : ثم إن لم يظهر بسبب ذلك تغير فى لحمها فلا تحريم ولا كراهة ، ويقول القرطبى فى تفسيره "ج 7 ص 122" بعد ذكر الجلالة : هذا نهى تننزيه وتنظف ، وذلك أنها إذا اغتذت الجلة وهى العذرة وجدنتن رائحتها فى لحومها .
ب - فإذا وجدت الرائحة أو تغير اللحم طعما وقال العلماء بمنع تناول لحمها وما ينتج عنه . فما هى درجة هذا المنع هل هى الحرمة أو الكراهة ؟ يقول الشوكانى : والنهى حقيقة فى التحريم فأحاديث الباب ظاهرها تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وركوبها ، وقد ذهبت الشافعية إلى تحريم أكل لحم الجلالة ، وحكاه فى البحر عن الثورى وأحمد بن حنبل ، وقيل : يكره فقط ، كما فى اللحم المذكى إذا أنتن قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : لو غذَّى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره ، وهذا أحد احتمالى البغوى .
قال الدميرى فى السخلة المرباة بلبن كلبة أن لها حكم الجلالة ، فيكره أكلها كراهة تنزيه على الأصح فى الشرح الكبير والروضة والمنهاج ، وبه جزم الرويانى والعراقيون . وقال أبو إسحاق المروزى و القفال : كراهة تحريم ، ورجحه الإمام الغزالى والبغوى والرافعى فى المحرر .
ثم قال الدميرى: وسئل سحنون "من فقهاء المالكية "عن خروف أرضعته خنزيره فقال : لا بأس بأكله ، وقال الطبرى : العلماء مجمعون على أن الجَدى إذا اغتذى بلبن كلبة أو خنزيره لا يكون حراما ولا خلاف فى أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة ، وقال غيره : المعنى فيه أن لبن الخنزيرة لا يدرك فى الخروف إذا ذبح بذوق ولا شم ولا رائحة ، فقد نقله الله تعالى وأحاله كما يحيل الغذاء ، وإنما حرم الله تعالى أكل أعيان النجاسات المدركات بالحواس ، كذا قاله أبو الحسن على بن خلف بن بطال القرطبى فى شرح البخارى [ووفاته سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وهو أحد شيوخ أبى عمرو بن عبد البر رحمة الله تعالى عليه ] انتهى ما فى الدميرى .
د - وإذا كان المنع من أكل لحم الجلالة وشرب لبنها منوطا بوجود النتن والتغير فى الطعم والرائحة ، فكيف تزول هذه العلة حتى يزول المنع ؟ قال جماعة : يكفى زوال الرائحة والطعم بأية وسيلة من الوسائل ، و قال آخرون : لابد من حبس الدابة مدة حتى تزول الرائحة . وقال جماعة من هؤلاء لابد مع الحبس من العلف الطيب ، وبدون ذلك يكره أكل اللحم وشرب اللبن ، جاء فى تفسير القرطبى : وقال أصحاب الرأى والشافعى وأحمد : لا تؤكل حتى تحبس أياما وتعلف علفا غيرها ، - يعنى غير الجلة - فإذا طاب لحمها أكلت . وكان ابن عمر يحبس الدجاج ثلاثا ثم يذبح ، وقال إسحاق : لا بأس بأكلها بعد أن يغسل لحمها غسلا جيدا ، وكان الحسن لا يرى بأسا بأكل لحم الجلالة ، وكذلك مالك بن أنس .
ويقول القرطبى : ومن هذا الباب نهُى أن تلقى فى الأرض العذرة عن ابن عمر أنه كان يكرى أرضه ويشترط ألا تُدْمن - تُسَمَّد - بالعذرة ، وروى أن رجلا كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر : أنت الذى تطعم الناس ما يخرج منهم . انتهى .
يقول الدميرى فى كتابه حياة الحيوان " مادة دجاج " و فى الكامل والميزان فى ترجمة غالب بن عبد الله الجزرى وهو متروك -عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها بعد ذلك . وذكر فى مادة " سخلة " حديث ابن عمر فى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تحبس .
وجاء فى" نيل الأوطار "للشوكانى : قال ابن رسلان فى شرح السنن : وليس للحبس مدة مقدرة ، وعن بعضهم : فى الإبل والبقر أربعين يوما ، وفى الغنم سبعة أيام ، وفى الدجاج ثلاثة ، واختاره فى المهذب والتحرير ، قال الإمام المهدى فى البحر : فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها ما لم يستحل ما فيه استحالة تامة ... وقد اختلف فى طهارة لبن الجلالة ، فالجمهور على الطهارة ، لأن النجاسة تستحيل فى بلطنها ، فيطهر بالاستحالة ، كالدم يستحيل فى أعضاء الحيوانات لحما ويصير لبنا .
ويقول الدميرى فى " مادة سخلة " بعد نقل ما قيل عن مدة الحبس وأنها محمولة على الغالب عندهم : فإن لم تعلف لم يزُل المنع بغسل اللحم بعد الذبح .ولا بطبخه وشَيَّه وتجفيفه فى الهواء وإن زالت الرائحة بمرور الزمان عند صاحب التهذيب ، وقيل بخلافه .
ر- هذا ، والممنوع فى الجلالة بوصف كونها جلالة ، هو أكل لحمها وشرب لبنها وكذلك أكل البيض ، وأيضا حمل الأمتعة عليها ، وركوبها بغير حائل بين ما يحمل عليها وبين جلدها ، وذلك على سبيل الكراهة فى الركوب .
بعد العرض لأحاديث الجلالة وأقوال العلماء نستخلص أن الدواب التى يخلط علفها بمادة نجسة ولم يظهر فساد فى لحمها أو لبنها أو بيضها ، ولا ضرر فى تناوله لا يحرم أكل ذلك ولا يكره ، لزوال علة النهى وهى الفساد ، أما إن كان علفها كله من مادة نجسة وظهر فساد اللحم واللبن والبيض فالخلاف موجود بين الحكم بالحرمة أو الكراهة التحريمية أو الكراهة التنزيهية ، وإن لم يكن فساد فلا حرمة ، والأولى علفها بمادة طيبة مدة من الزمان حتى تقبل النفس عليها ، فإن بعض النفوس لا تقبل الحلال الذى لا شك فى حله ، فقد امتنع النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الضب وهو حلال ، وجاء فى الصحيحين أنه قيل له : أحرام هو ؟ قال " لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه " وفى رواية مسلم " لا آكله ولا أحرمه " وفى رواية " كلوه فإنه حلال ، ولكنه ليس من طعامى " . وكلام الأطباء والمختصين فى هذا المقام له وزنه إن أجمعوا عليه(8/414)
الفسيخ
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم أكل الفسيخ والأسماك المملحة ؟
An نشرت مجلة الأزهر فى المجلد الخامس صفحة 243 إجابة للمرحوم الشيخ يوسف الدجوى عن الأسماك المحفوظة بالتمليح جاء فيها ، مع زيادة للتوضيح :
إن السمك لا شك فى طهارته حيا أو ميتا لحديث " أحلت لنا ميتتان ودمان :
السمك والجراد والكبد والطحال " رواه أحمد والشافعى وابن ماجه والبيهقى والدارقطنى، وهو ضعيف ، وصحح الإمام أحمد وقفه على ابن عمر ، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم ، ومثل هذا له حكم المرفوع ، لأن قول الصحابى : أحل لنا كذا وحرم علينا كذا ، مثل قوله أمِرْنا ونُهينا . ولحديث الخمسة أى أحمد وأصحاب السنن الأربعة وقد سئل الرسول عن الوضوء بماء البحر فقال لا هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
لكن الدم المسفوح نجس ، وهو السائل عن مقره فى حال الحياة بنحو الفصد أو بعد الموت ولو بعد التذكية الشرعية من سائر الحيوانات ولو من السمك ، خلافا للقابسى وابن العربى ، حيث قالا : إن الدم المسفوح من السمك طاهر .
فالسمك إذا مُلِّح ووضع بعضه على بعض صار فسيخا ، فإن لم يتحلل منه دم مسفوح كان طاهرا وحل أكله ، أما إن خرج منه دم مسفوح بواسطة الضغط عليه بمثقل مثلا فقد صار نجسا لا يحل منه إلا الصف الأعلى ، مع غسله قبل أكله ، أما الطبقات السفلى فلا يحل أكلها على القول المشهور ، وذلك لنجاستها بمرور الدم عليها وعدم إمكان تطهيرها لامتزاجها بالدم . ويحل أكل جميعه على رأى القابسى وابن العربى ، وعلى المشهور إن شك فى كونه من الصف الأعلى أو غيره جاز أكله ، لأن الطعام لا يطرح بالشك .
هذا هو حكم الفسيخ على مذهب الإمام مالك ، ومذهب الحنفية أن السمك لا دم له ، فإذا ملِّح حتى صار فسيخا حَل أكله ، سواء أكان من الصف الأعلى أم من غيره ، وذلك كله ما لم يخش ضرره ، وإلا حرم أكله من أجل الضرر لا من أجل النجاسة . انتهى .
بعد هذا العرض يكون أكل الفسيخ حلالا عند الأحناف وبعض المالكية ، فليست الحرمة متفقا عليها ، والدين يسر ، وذلك بشرط عدم الضرر من أكله ، ويختم الشيخ الدجوى كلامه بقوله : والورع تركه(8/415)
دخول بيت الخلاء بما فيه قرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دخول بيت الخلاء بحلية أو كتاب فيه اسم الله أو شىء من القرآن ؟
An روى أصحاب السنن وصححه الترمذى عن أنس رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ، وقد صح أن نقش خاتمه كان " محمد رسول الله " وذلك أن بيوت الخلاء مستقذرة وتأوى إليها الشياطين والحشرات والهوام ، ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخلها يقول " اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث " رواه البخارى ومسلم ، والخبث -بضم الخاء والباء-جمع خبيث ، والخبائث جمع خبيثة ، والمراد بهم ذكور الشياطين وإناثهم ، وليس من اللائق أن توضع الأشياء الكريمة أو يدخل بها فى مثل هذه الأمكنة .
هذا هو حكم الدخول بأى شىء فيه اسم الله مثل " ما شاء الله " أما الدخول بالقرآن أو بأية منه فقال الأحناف والشافعية بكراهته ، وقال المالكية والحنابلة بحرمته ، وذلك لمجرد الدخول إذا كان حامله طاهرا أما إذا كان غير طاهر من الحدثين فانه يحرم حمله بصرف النظر عن الدخول وعدم الدخول به فى بيت الخلاء ، وذلك عند الشافعية .
ثم قالوا : محل حرمة الدخول أو كراهته إذا لم يكن القرآن مستورا بما يمنع وصول الرائحة الكريهة إليه ولم يخف الضياع عليه ، فإن اتخذ كحجاب مجلد ، أو خاف ضياعه أو ضياع الحلية المكتوب عليها القرآن جاز الدخول به .
فالمرأة الحاملة لحلية فيها القرآن إن كانت فى بيتها يجب أو يستحب أن تخلعها عند دخول بيت الخلاء ، وذلك للأمن عليها . أما إذا كانت فى سفر أو محل عام أو فى محل عمل فيه غيرها وخافت عليها الضياع لو خلعتها فلا بأس بدخول بيت الخلاء وهى لابسة لها .
" انظر : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف ، و نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 85 ، 86 ، والفتاوى الإسلامية ، المجلد الخامس ص 1599(8/416)
نقض الوضوء بخروج الدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ينتقض الوضوء بخروج الدم ؟
An عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصابه قىء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ، ثم لِيَبن على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم " رواه ابن ماجه والدارقطنى ، وهو حديث ضعيف كما قاله غير واحد ، وقال الحفاظ من أصحاب ابن جريح : يروونه عن ابن جريح عن أبيه عن النبى مرسلا ، أى سقط منه الصحابى ، وصحح كونه مرسلا الدارقطنى وأبو حاتم والبيهقى .
2 - وورد أيضا حديث لا إذا رعف أحدكم فى صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ثم لِيُعدْ وضوءه وليستقبل صلاته لا وهو ضعيف أيضا .
3 - وعن ابن عمر رضى الله عنهما عند مالك فى الموطأ : أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ ولم يتكلم ثم يرجع ويبنى .
الرعاف هو الدم الذى ينزل من الأنف . والقىء ما يخرج من المعدة إلى الحلق .
و القلس -بفتح القاف وسكون اللام أو فتحها - ما خرج من الحلق أو الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقىء ، قاله الجوهرى فى الصحاح وابن الأثير فى النهاية . و المذى هو الماء الأبيض الرقيق الذى ينزل من القبل عقب ثوران الشهوة بدون لذة أو تدفق .
4 - أصيب عباد بن بشر بسهام وهو يصلى فاستمر فى صلاته ، رواه البخارى تعليقا بدون سند ، ورواه أبو داود وابن خزيمة .
5 - عن أنس قال : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ ، ولم يزد على غسل محاجمه ، و هو حديث ضعيف .
بناء على هذه المرويات اختلف الفقهاء فى نقض الوضوء بالدم الخارج من الجسم ، فقال الشافعى وأصحابه بعدم نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين لا القُبل والدبر" إلا إذا كان من ثقبة تحت المعدة تقوم مقام السبيلين فى خروج الفضلات ، وكذلك قال مالك بعدم النقض بخروج الدم من غير السبيلين إلا إذا كان من ثقبة تحت المعدة أو من الفم إذا صار ذلك مخرجا للفضلات يقوم مقام السبيلين مع بعض التوضيحات عندهما فى الخارج من الثقبة .
وسند هؤلاء فى عدم النقض للوضوء بالرعاف والحجامة والجرح أن الأصل عدم النقض للمتوضئ إلا بما يدل عليه دليل مقبول ، ولا يوجد هذا الدليل .
يقول الشوكانى : لا يصار إلى القول بأن الدم أو القئ ناقض إلا بدليل ناهض ، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل ، والكل من التقول على الله بما لم يقل [ يشير بهذا إلى قوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } النحل : 116 ،ويؤيد قول هؤلاء الحديث عباد بن بشر ، فإنه يبعد ألا يطلع النبى صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن وضوءه بطل كما يؤيد هذا القول حديث احتجام النبى صلى الله عليه وسلم وعدم وضوئه وإن كان ضعيفا .
أما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا بنقض الوضوء بالرعاف وبنزول الدم من أى مكان فى الجسم ، بشرط السيلان الذى يجاوز به الدم محل خروجه ، وكذلك قال أحمد بن حنبل بشرط كثرة الخارج من الدم .
وسند هؤلاء هو المرويات الثلاثة الأولى ، وهى ضعيفة . أما المذى فهو نافض للوضوء باتفاق لخروجه من القبل .
فإذا خرج بعض الدم من الأسنان أو من أثر الحلافة أو من سكين أو غير ذلك فالوضوء صحيح على مذهب جمهور الفقهاء ، والواجب هو تطهير المحل الذى أصابه الدم .
" نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 257 - 209 ، الفقه على المذاهب الأربعة "(8/417)
قص الشعر وتقليم الظفر للجنب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز قص الشعر أو الظفر أثناء الجنابة قبل الغسل ؟
An جاء فى شرح الإقناع لمتن أبى شجاع "ج 1 ص 60 "فى فقه الشافعية : قال فى الإحياء-أى إحياء علوم الدين للأمام الغزالى- لا ينبغى أن يحلق أو يقلم أو يستحد-يحلق عانته -أو يخرج دما ، أو يُبين -يقطع -من نفسه جزًا وهو جنب ، إذْ ترد سائر أجزائه فى الآخرة فيعود جنبا ، ويقال : إن كَل شعرة تطالبه بجنابتها .
لكن هذا الكلام لا دليل فيه على منع ذلك أثناء الجنابة ، ولا فى مطالبة الجز المفصول بجنابته يوم القيامة ، وقد وُجِّه مثل هذا السؤال لابن تيمية كما قال السفارينى فى كتابة " غذاء الألباب ج 1 ص 382 " فأجاب : قد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الجنب قال " إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا " فال : وما أعلم لكراهة إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا ، بل قد قال النبى صلى الله عليه وسلم للذى أسلم " ألق عنك شعر الكفر واختتن " فأمر الذى أسلم بذلك ولم بأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر حتى يغتسل ، فإطلاق كلامه يقتضى جواز الأمرين ، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط فى غسلها مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر ، فعلمنا عدم كراهة ذلك . وأن ما يقال فيه مما ذكر لا أصل له . قال عطاء : يحتجم الجنب ويقلم أظفاره ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ ، رواه البخارى .
وعلى هنا فلا كراهة فى قص الشعر والظفر أثناء الجنابة . أما دفن قلامة الظفر ومشاطة الشعر فله موضع آخر(8/418)
الدراسة الدينية أثناء الجنابة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سألت مدرسة للدين عن حمل كتاب الدين وفيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأحيانا تقرأ بعض الآيات وهى فى عادتها الشهرية، وأحيانا تقرأ القرآن وهى مكشوفة الرأس ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An يحرم على الجنب - ومن الجنابة الحيض والنفاس - الصلاة والطواف والمكث فى المسجد وقراءة القراَن ومس المصحف وحمله .
كما يحرم على الحائض و النفساء الصيام ، وعلى الرجل اعتزالها حتى تطهر .
أما حملها لكتاب الدين فليس ممنوعا ، لأنه ليس بمصحف ولا ينطبق عليه قول الله تعالى { إنه لقرآن كريم . فى كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 77-79 ، وأما قراءتها للقرآن من غير مس المصحف ولا حمله فممنوعة أيضا عند جمهور الفقهاء ، وذلك للحديث الذى رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة ، وصحح الترمذى هذا الحديث ، وقيل : إنه حديث حسن يصلح للاحتجاج به ، وكذلك للحديث الذى رواه أحمد عن على رضى الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ، ثم قال " هكذا لمن ليس بجنب ،. أما الجنب فلا ولا آية " قال الهيثمى : رجاله موثقون قال الشوكانى : فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال به على التحريم .
كما تمسكوا بحديث رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضعف هذا الحديث وغير الجمهور أجازوا للحائض والجنب قراءة القراَن ، ومنهم أهل الظاهر والطبرى والبخارى الذى قال : لا بأس أن تقرأ الحائض الآية ، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا .
قال ابن حجر : لم يصح عند البخارى شىء من الأحاديث الواردة فى منع الجنب والحائض وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره ، لكن أكثرها قابل للتأويل .
هذا ، وذهب أبو حنيفة،إلى قراءة ما دون الآية ( انظر الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ) .
وبعد عرض هذه الآراء يختار قول الجمهور فى المنع ، ولا يجوز للحائض أن تقرأ شيئا من القرآن عند دراسة لدين ما دامت لا توجد ضرورة لقراءتها .
كالامتحان مثلا ، ويمكنها أن تؤجل دراسة الباب الذى فيه القرآن حتى تطهر ، فإن تحتمت القراءة جازت قراءة آية أو أقل أى الاقتصار على الضرورى ، محافظة على قدسية القرآن .
أما قراءة الأحاديث النبوية وذكر الله بما ليس بقرآن ، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وإجابة المؤذن فلا حرمة ولا كراهة فيها مع الجنابة .
وقراءة القرآن جائزة ورأس المرأة مكشوف أو كانت بملابس البيت ما دام لا يوجد اْجنبى يراها ، وإن كان الأفضل الستر الكامل والطهارة واستقبال القبلة ، وذلك لزيادة الأجر .
ولا يجوز لمن عندها العذر الموجب للغسل أن تدخل المسجد وتمكث فيه لحضور مجلس علم حتى تطهر ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما رواه أبو داود وابن ماجه ، ويمكنها أن تتلقى العلم بعيدا عن المسحد أو فى مكان ملحق به لا يصلى فيه .
أما حمل المصحف ومسه ففى موضع آخر .
توجيهات للجنب من المستحب أن يبادر الجنب بالطهارة بالغسل لأنها كمال ولأن فيها تنشيطا للبدن وتعويضا لما فقد من قوة ، ويكره له أن يؤخرها إلا إذا كان هناك عذر ، وهنا يستحب له أن يتوضأ بدل الغسل لمزاولة أعمال غير التى حرمت عليه كالأكل والشرب والنوم والسفر وإن ترك الطهارة بالغسل أو الوضوء عند التمكن من أحدهما كانْ ذلك مكروها لأنه يدل على الاستهانة وقد يصير عادة له .
ومما ورد فى استحباب المبادرة بالطهارة ما ثبت فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ ، وما رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب " وما رواه البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " ثلاثة لا تقربهم الملائكة الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق " وهو طيب كان خاصا بالنساء . وما روى من أن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر والجنب .
ويكره للجنب تشييع الجنازة لأن الملائكة تشيع بعض الجنازات كما ثبت فى الصحيح ، وربما لا تشيع لوجود جنب مع المشيعين فيمنع الرحمة عن الجنازة .
يقول العلماء : إن الملائكة التى لا تقرب الجنب حتى يغتسل أو يتوضأ هم ملائكة الرحمة ، أما الحفظة وغيرهم فلا يفارقونه أبدا ، والمراد بالصورة المجسمة وبالكلب غير ما أذن فيه كالحراسة والصيد ، ولا بأس من الذبح مع الجنابة وذكر اسم الله ، وإن كان الأولى الطهارة(8/419)
التيمم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هي فروض التيمم ، وما أسباب نزول آياته في القرآن الكريم ؟
An يجوز للإنسان أن يتيمم بدلا من الوضوء أو الغسل في عدة حالات ، منها :
إذا لم يجد الماء أصلا، أو وجده ولكن لا يكفيه للطهارة ، أو كان به جراحة أو مرض وخاف من الماء زيادة المرض أو تأخر الشفاء أو كان الماء شديد البرودة وغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله وقد عجز عن تسخينه ، أو كان الماء قريبا منه وخاف من طلبه فوت الرفقة أو خاف على نفسه أو عرضه أو ماله ضرر من عدو أو حيوان مفترس مثلا، وكذلك إذا عجز عن استخراج الماء من العمق ، أو خاف تهمة له يتضرر بها عند استعمال الماء في الغسل ، كمن بات عند صديق متزوج وأصبح جنبا بالاحتلام مثلا أو كان محتاجًا إلى الماء في شرب أو طبخ أو عجن أو إزالة نجاسة ، أو خاف من استعماله خروج وقت الصلاة .
والتيمم يكون بالتراب الطاهر وكل ما كان من جنس الأرض كالرمل والحجر والجص ، وكيفيته : أن يقدم النية ثم يضرب الصعيد الطاهر بيديه ويسمح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين ، ويكفى في ذلك ضربة واحدة كما تدل عليه الأحاديث القوية . وقال بعض الأئمة ، لابد من ضربتين ، إحداهما للوجه ، والأخرى لليدين ، على أن يكون مسحهما إلى المرفقين لا إلى الرسغين .
ويصلي بالتيمم الواحد للوقت ما شاء من الفرائض والنوافل ، وقال بعض الأئمة : لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فرضا واحدًا وما شاء من النوافل ، واشترط بعضهم لصحة التيمم دخول وقت الصلاة ولم يشترط البعض الآخر .
والتيمم ينتقض بكل ما ينتقض به الوضوء والغسل ، وكذلك ينتقض بوجود الماء أو القدرة على استعماله لمن عجز عنه .
أما سبب نزول آية التيمم في القرآن الكريم فقد ورد فيه حديث السيدة عائشة رضي اللَّه عنها الذي رواه البخارى ومسلم وغيرهما ، قلت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لى ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معه ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ فجاء أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم على فخذي قد نام ، فعاتبني وقال ما شاء اللَّه أن يقول ، وجعل يطعن بيده خاصرتي فما يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل اللَّه تعالى آية التيمم {فتيمموا صعيدًا طيبًا} قال أسيد بن حضير: ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته(8/420)
حمل كيس البول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عملت لى عملية جراحية تحول بها مجرى البول إلى أنبوبة تصب فى كيس أحمله ، وقد تتسرب منه بعض النقط ، فكيف أصلى ؟
An معلوم أن الصلاة لا تقبل بغير طهارة من الحدث والنجس ، وخروج شىء من السبيلين المعتادين وهما القبل والدبر، من بول أو غائط أو ريح يبطل الوضوء أما الخارج من غير السبيلين كفتحة فى البطن ، فقد اختلف فيه العلماء ، فالشافعية والمالكية يقولون : إذا انقطع الخروج من السبيلين أو من أحدهما ، أو انسد المخرج المعتاد لعارض ، فإن الخارج ينقض الوضوء، والحنابلة يقولون بالنقض فى كل الأحوال .
أما الحنفية فيقولون : إن الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء إذا سال وتجاوز موضع خروجه واستمر نزوله وكان صاحبه معذورا . والحالة الواردة فى السؤال ينطبق عليها حكم سلس البول ، فصاحبها يوالى بين الاستنجاء والوضوء والصلاة ويصلى بالوضوء فى الوقت ما شاء من الفرائض والنوافل ، " فتاوى معاصرة للشيخ جاد الحق على جاد الحق ص 81 ، 82"(8/421)
الصبيان والمساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يصحب بعض المصلين أولادهم إلى المساجد فيعارضهم آخرون لما يحدث منهم من تشويش ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An نحن مأمورن بأن نعود أولادنا منذ الصغر على الصلاة والصيام وسائر أعمال الخير، حتى إذا بلغوا حد التكليف كانت ممارستها سهلة عليهم ، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم فى المضاجع " . رواه أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وثبت أن الصحابة عندما فرض الصيام كانوا يصومون أطفالهم ، ويحضرون لهم كرات الصوف ليتسلوا بها حتى يحين وقت الإفطار ، كما رواه البخارى ومسلم عن الربيِّع بنت معوِّذ .
وكما يندب تدريب الأولاد على الصلاة والطاعات فى المنازل ، يندب تدريبهم على الأعمال الجماعية لتقوية روح الاجتماع فى نفوسهم ، ومن ذلك شهودهم لصلاة الجمع والجماعات فى المساجد، وتحدث الفقهاء عن ترتيب صفوف الجماعة فقالوا : يكون الرجال فى الصفوف الأولى ثم يليهم الصبيان ثم يليهم النساء .
ومع ذلك جاء حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول : "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخدوا على أبوابها المطاهر وجمروها فى الجمع " رواه ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير عن أبى الدرداء وأبى أمامة وواثلة، ورواه أيضا فى الكبير بتقديم وتأخير من رواية مكحول عن معاذ ولم يسمع منه . هكذا قال الحافظ المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب " .
وإذا كان فى الحديث ضعف فإن هناك مرويات قوية بخصوص ما جاء فيه ، ويمكن قبوله فى فضائل الأعمال التى منها المحافظة على نظافة المساجد وتوفير الجو الهادى الذى يليق بمكانتها ويساعد المتعبدين على أداء عبادتهم فى خشوع ، ومن أجل هذا نهى الحديث عن الأمور المذكورة فيه .
وقد جاء فيه تجنيب الصبيان والمجانين للمساجد لأن الغالب منهم صدور أعمال تتنافى مع كرامة المسجد وتؤذى المتعبدين ، وحتى لا يكون هناك تعارض بين صلاة الصبيان فى المساجد والأمر بإبعادهم عنها قال العلماء : إن التجنيب يكون للأطفال غير المميزين الذين يكثر منهم العبث ، أما المميزون العقلاء فلا بأس باصطحابهم إلى المساجد ومشاركتهم للكبار فى الصلاة والعبادة وأعمال الخير، مع متابعة تنبيههم على المحافظة على آداب المساجد والآداب الاجتماعية بوجه عام .
وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن معه إلى المسجد فكان يركب على ظهره وهو ساجد فى الصلاة فيطيل السجود رحمة به ، كما جاء فى روايات لأحمد والنسائى والحاكم وغيرهما ، وحمل العلماء ذلك على ضمان ألا يكون فى دخولهم المسجد تشويش وعبث ، أما ترك الأطفال يعبثون بدون رقابة فهو الممنوع .
وكذلك لم يكن اصطحاب النبى للأطفال اعتياديا ومستمرا ، بل فلتات أو فى بعض الأحيان(8/422)
الكلام أثناء الوضوء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الحديث أثناء الوضوء ؟
An الحديث أثناء الوضوء لا يبطله وإن كان مكروها، فالمستحب الانصراف إلى العبادة ومقدماتها وذلك لإتقانها ، وإن كان هناك كلام فليكن بذكر اللّه وبالخير، وسوف يجىء الكلام عن الأذكار التى تقال عند الوضوء ، قبله أو أثناءه أو بعده(8/423)
التطهير بالمسح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن يكتفى فى تطهير السكين من أثر الدم بمسحها دون غسلها ؟
An كان الصحابة رضى اللَّه عنهم يصلون وهم حاملو سيوفهم وقد أصابها الدم فكانوا يمسحونها ويجتزئون بذلك ، ويقاس على السيوف كل صقيل ليست له مسام مثل المرآة والسكين والظفر والعظم والزجاج والأوانى، فيكتفى بالمسح الذى يزول به أثر النجاسة "فقه السنة ص ا 3 من المجلد الأول نشر دار الكتاب العربى-بيروت "(8/424)
الوشم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت من أحد العلماء أن الرجل الذى بيديه وشم لا يصح أن يكون إماما فى الصلاة فهل هذا صحيح ؟
An قال الخطيب الشافعى : الوشم -وهو غرز الجلد بالإبرة-حرام للنهى عنه ، فتجب إزالته وذلك إذا لم يخف ضررا من الأضرار التى تبيح التيمم - بإحداث مرض أو زيادته - فإن خاف لم تجب إزالته ولا إثم بعد التوبة .
وهذا كله إذا فعله برضاه بعد بلوغه ، وإلا فلا تلزمه إزالته ، وتصح صلاته وإمامته لغيره ، ولا ينجس ما وضع يده فيه مثلا إذا كان عليها وشم .
ومن هذا يعلم أن الرجل المذكور فى السؤال تجب عليه إزالة الوشم الذى فعله باختياره بعد البلوغ ، وهذا إن كانت إزالته بطريقة لا تضر العضو الموشوم ، فإن كانت الإزالة تضره فلا حرج وتصح صلاته ، أما من وُشِمَ صغيرا فلا يجب عليه إزالة الوشم وبالتالى تصح صلاته وإمامته .
والوشم منهى عنه بحديث "لعن اللَّه الواشمة والمستوشمة" والصحيح أن حرمته مرتبطة بقصد الغش والتدليس ، أو الفتنة والإغراء ، وإن كان البعض حرمه لأن فيه تغييرا لخلق اللَّه ، ولأن الدم النجس انعقد بسبب اللون الموشوم به ،ولا تزول نجاسته بالغسل كسائر النجاسات ، ومن هنا حكم بعدم صحة الصلاة إلا بعد إزالته إن أمكن بدون ضرر كما تقدم توضيحه .
وكان الوشم معروفا عند العرب قبل الإسلام كغيرهم من الأمم . وكان يقصد به الجمال إن كان فى شفتى المرأة ، ويعرف باللَّمَى، فاللمياء حسنة فى أعين الرجال عندهم ، كما قصد به فى بعض البلاد تمييز القبائل بعضها عن بعض ، بخطوط ذات اتجاهات وأعداد متنوعة ، كالموجودة فى بلاد النوبة جنوبى مصر، كما يعمل لأغراض أخرى فى مواضع معينة من الجسم من أجل الجمال فى عرف بعض القبائل ، أو إظهار البأس والقوة وغير ذلك من الأغراض .
ولزيادة المعلومات عنه انظر ص 298 من الجزء الثالث من كتابنا "الأسرة تحت رعاية الإسلام"(8/425)
احتلام الضيف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن ينزل إنسان ضيفا على إنسان آخر ويعتريه فى نومه الاحتلام الذى يوجب الغسل ، فكيف يتصرف منعا للشبهة ؟
An إذا علم الضيف من صلته القوية وصداقته المتينة لصاحب البيت أنه لا يظن به سوءا كان عليه أن يطلب الاستحمام للصلاة ، أما إذا تيقَّن أو غلب على ظنه أنه سيتهمه بسوء فإنه يمكن بأسلوبه اللبق أن يطلب ذلك ، كأن يدعى أنه يريد النظافة لطول عهده مثلا بالاستحمام أو يريد التبرد من شدة الحر مثلا، وذلك محاولة أن يصرف ذهن صاحبه عن الظن السيئ به ، وذلك على مثال ما قال العلماء للمصلى الذى يخرج منه ناقض "للوضوء" وهو فى الصلاة فإنه ينصرف منها واضعا يده على أنفه لإيهام الناس أن به رعافا لا أنه أحدث فى الصلاة .
على أن جماعة من العلماء قالوا : يجوز له التيمم عند ضيق الوقت ويصلى حتى لا تفوته الصلاة ، ثم يتصرف فى الغسل بعد ذلك بطريقة تنقذه من هذا الحرج . هذا وخوف اتهام الضيف بالسوء يكون لو نام فى الدور أو الشقة التى فيها حريم ، أما لو كان نائما فى مكان منعزل عن الحريم فالواجب عليه أن يغتسل فى البيت أو خارجه ، ولا يعبأ بشك صاحب البيت ، لأنه حينئذ يكون متجنيا عليه وظالما له ، وبخاصة إذا كان الضيف معروفا بالخلق الطيب واستقامة السلوك ، فلا يخشى بأسا من الاغتسال ، فالمؤمن المستقيم جدير بأن يدفع اللَّه عنه قالة السوء .
وإذا أعيته الحيل لدفع الشكوك والظنون السيئة عنه قال بعض العلماء : إنه صار كالسجين فى بيت صديقه ، فيسقط عنه الغسل اتقاء للتهمة، ولأن الضرورات تبيح المحظورات ، وهنا يقول بعض علماء الحنفية: يجب عليه أن يصلى بدون غسل فى الوقت ، لحرمة الوقت ولكن صلاة غير حقيقية، بل يتشبه بالمصلين فى الحركات ولا ينوى ولا يقرأ ولا يصلى إماما ، ثم يعيد الصلاة بعد التمكن من الغسل .
وقال بعض المحققين : يستحسن له أن يتوضأ عقب الاحتلام ويصلى الصلاة الصورية رمزا لمواظبته على طاعة اللَّه ثم يعيدها بعد الغسل "نور الإسلام - مايو - 1949 م "(8/426)
نجاسة الخنزير
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الفراجين "الفُرش " التى تصنع من شعر الخنزير ؟
An معلوم أن لحم الخنزير يحرم أكله كما قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } المائدة : 3، وتحريم أكل اللحم يشمل تحريم كل أجزائه من الشحم والكبد والطحال وغيرها، لقوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } الأنعام :145 ، لأن الضمير فى قوله {فإنه رجس } عائد على لفظ الخنزير لا على لفظ "لحم " لأن تحريم اللحم معلوم بالنص عليه ، فلو عاد الضمير عليه لزم خلو الكلام من فائدة التأسيس ، فوجب عوده إلى كلمة "خنزير" ليفيد الكلام تحريم بقية أجزائه .
ومع تحريم أكل أى جزء منه فهو نجس ، لأن الله وصفه بأنه رجس ، والرجس هو النجس ، وجمهور الفقهاء على نجاسته حيا وميتا بدليل هذه الآية ، وإن كان فى الدليل مناقشة ، فقد يراد بالنجاسة النجاسة الحكمية وهى حرمة الأكل ، وليس النجاسة العينية ، كنجاسة المشركين فى قوله تعالى {إنما المشركون نجس } فالمراد نجاسة الاعتقاد وليس النجاسة العينية ، حيث لم يقل أحد بأن المشرك ينجس . على مثل ما جاء فى قوله {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } فنجاسة الأنصاب والأزلام حكمية وهى الحرمة وليست نجاسة عينية .
ولما كانت الآية لا تدل دلالة قطعية على نجاسة الخنزير نجاسة عينية استدل بعض العلماء على ذلك بالقياس على نجاسة الكلب ، لأنه أسوأ حالا منه حيث لا يجوز الانتفاع به ، لكن هذا الدليل غير مسلَّم ، لأن الحشرات لا ينتفع بها ومع ذلك هى طاهرة .
ومن هنا قال النووى : ليس لنا-أى الشافعية-دليل على نجاسة الخنزير، بل مقتضى المذهب طهارته كالأسد والذئب والفأر، وقال ابن المنذر الإجماع على نجاسة الخنزير، لكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن مالكا يخالف فيه ويقول بطهارته .
نخلص من هذا إلى أن الخنزير يحرم أكله ، أما طهارته فالجمهور على أنه نجس ، والبعض قال إنه طاهر كالحمار والذئب يحرم أكلهما ومع ذلك طاهران .
وكل حيوان لم يذبح ذبحا شرعيا أو كان مما يحرم أكله حتى لو كان طاهرا حال حياته كالحمار فإنه يعتبر "ميتة" ولحم الميتة مع حرمة أكله نجس ، والنجاسة تشمل الجلد والشعر وكل ما يتصل به ، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ عند الجمهور، إلا جلد الكلب والخنزير فلا يطهره الدباغ ، ومثله الفراء والشعر، ومذهب داود الظاهرى وأبى يوسف أن الدباغ يطهر كل جلود الميتة حتى الكلب والخنزير، لأن الأحاديث الواردة فى ذلك (من هذه الأحاديث ما رواه مسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر" وما رواه الدارقطنى " طهور كل أديم دباغه ". ) لم يفرق فيها بين الكلب والخنزير وما سواهما ، ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم ونقله الشوكانى فى نيل الأوطار " ج 1ص 75" . وعليه فلا يجوز استعمال جلد الخنزير وشعره فى ملابس أو أحذية أو غيرهما على رأى جمهور العلماء .
هذا هو حكم شعر الخنزير إذا أخذ بعد موته ، أما إذا أخذ حال حياته فإن حكمه كحكم ميتته ، وميتته نجسة فشعره بالتالى نجس ، وذلك لحديث رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين "ما قطع من حى فهو كميتته " [الإقناع للخطيب ج 1 ص 24] واستثنى العلماء من هذا الحديث شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة ، وعلى هذا لا يجوز استعمال شعر الخنزير إذا قص منه وهو حى فى عمل الفراجين "الفرش " حتى لو غلى هذا الشعر وعقم سواء أخذ حال الحياة أو بعد الموت ، لأن هذه الإجراءات الصحية لا تطهره ، بل هى للتأكيد من خلوه من الأمراض المعدية، والنجاسة باقية، لأنها نجاسة عين لا تطهر بهذه الوسائل مطلقا ، بخلاف الشيء الطاهر الذى لاقته النجاسة فإنه يقال عنه إنه متنجس ، ويطهر بالغسل بالماء على ما هو مفصل فى كتب الفقه .
هذا ، وقد يُقرأ فى بعض الكتب أن شعر الخنزير يجوز الانتفاع به فى خرازة النعال ، لما روى أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس ، كما رواه ابن خويز منداد، فكانت الخرازة به موجودة فى عهد النبى وبعده ، ولم يعلم أنه أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده .
لكن جواز خرازة النعال بشعر الخنزير لا ينفى نجاسته ، ولذلك لا يجوز المسح على النعل المخروز به ولا الصلاة فيه ، وإن أجاز بعضهم ذلك فهو عند الضرورة "حياة الحيوان الكبرى للدميرى-خنزير برى"(8/427)
الوضوء من لحوم الإبل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وردت أحاديث تأمر بالوضوء من لحوم الإبل ومما مسته النار، وتنهى عن الصلاة فى مبارك الإبل دون مرابض الغنم ، فهل هذا صحيح وما الحكمة فى ذلك ؟
An روى مسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" قال الرجل : أتوضأ من لحوم الإبل ، قال : "نعم فتوضأ من لحوم الإبل " قال الرجل : أصلى فى مرابض الغنم ؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم "نعم " قال الرجل : أصلى فى مبارك - الإبل ؟ قال "لا" .
وروى مسلم أيضا "إنما الوضوء مما مست النار، توضأوا مما مست النار" .
وروى أبو داود عن جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار"؟ ذهب أكثر العلماء إلى أن أكل لحوم الإبل لا ينقض الوضوء ، قال النووى : ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبى بن كعب وابن عياض . . . وجماهير من التابعين ، ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأصحابهم ، محتجين بحديث جابر المذكور وهو عام يشمل لحوم الإبل وغيرها ، وذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ويحيى ابن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة، ، وحكى عن أصحاب الحديث وعن جماعة من الصحابة ، إلى انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل اعتمادا على الحديثين الأولين . والجمع بين أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحوم الإبل وما كان عليه فى آخر الأمر من ترك الوضوء مما مست النار-هذا الجمع فيه كلام كثير لعلماء الأصول لا يتسع له المقام ، وقد رأى بعض العلماء أن الأمر بالوضوء يراد به غسل اليدين ، أى الوضوء اللغوى .
وإن كان هذا الرأى فيه مناقشة عند إيراده للجمع بين الوضوء وعدمه . والمختار للفتوى هو رأى جمهور الفقهاء من عدم نقض الوضوء بأكل لحوم الإبل أو ما مسته النار... . أما الصلاة فى مبارك الإبل فهى حرام عند أحمد، وقال : لا تصح ،فإن صلى فعليه الإعادة ، وسئل مالك عمن لا يجد إلا عطن إبل هل يصلى فيه ؟ فقال : لا يصلى فيه ، قيل :
فإن بسط عليه ثوبا؟ قال : لا، وقال ابن حزم : لا تحل فى عطن إبل .
أما جمهور الفقهاء فقالوا : إن الصلاة تصح فى مبارك الإبل ، وحملوا النهى على الكراهة إذا لم تكن هناك نجاسة ، وعلى التحريم إن وجدت النجاسة ، وليست علة قولهم هى النجاسة ، فإنها موجودة فى مرابض الغنم ، بل لأن الإبل فيها نفور، فربما نفرت والإنسان يصلى فيؤدى نفورها إلى قطع الصلاة أو إلى أذى يحصل له منها ، أو يشوش بخاطره ويلهيه عن الخشوع ، ويؤيد هذا التعليل حديث أحمد بإسناد صحيح "لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن ، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت " أما الصلاة فى مرابض الغنم فهى جائزة بنص الحديث لعدم وجود العلة الموجودة فى مبارك الإبل(8/428)
التيمم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو القدر الواجب مسحه من اليدين بالتراب عند التيمم ؟
An روى البخارى ومسلم عن عمار بن ياسر رضى الله عنه أنه لما أصابته الجنابة ولم يجد ماء تمرغ فى التراب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بكفيه الأرض "ونفخ فيهما " ثم مسح بهما وجهه وكفيه . وجاء فى رواية الدارقطنى أنه قال له "ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين " .
يفيد هذا أن ضرب الأرض بالكفين كان مرة واحدة، وأنه مسح بهما وجهه وكفيه إلى الرسغين وليس إلى المرفقين .
وجمهور الفقهاء على أن الضرب يكون مرتين ، مرة للوجه ومرة لليدين ، وذلك لورود حديث بذلك "التيمم ضربتان " والشافعية والحنفية قالوا : مسح اليدين يكون إلى المرفقين ، أما المالكية والحنابلة فقالوا : الفرض هو المسح إلى الكوعين "الرسغين ". وأما المسح إلى المرفقين فهو سنة ، كما فى "فقه المذاهب الأربعة " .
وفى نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 286 ، 287 مناقشة للأدلة ظهر منها أن حديث " التيمم ضربتان ، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ضعيف ، ونقل عن النووى فى شرح مسلم أن المسح إلى المرفقين هو قول مالك وأبى حنيفة ، وأن المسح إلى الكفين هو مذهب أحمد، الأمر يحتاج إلى توفيق بين ما فى فقه المذاهب والنقل عن النووى ، لكن الخلاصة أن هناك رأيين فى عدد الضربات أحدهما يكتفى بضربة واحدة ، والآخر يوجب ضربتين ، وكذلك هناك رأيان فى القدر الواجب مسحه من اليدين ، أحدهما إلى الرسغين والآخر إلى المرفقين(8/429)
إزالة النجاسة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك رأى يقول : إن إزالة النجاسة وتطهير البدن والثوب منها أمر مستحب غير واجب ، بحيث تصح الصلاة مع النجاسة ؟
An جاء فى تفسير القرطبى"الجامع لأحكام القرآن "ج 8 ص 262 :
اختلف العلماء فى إزالة النجاسة من الأبدان والثياب - بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش - على ثلاثة أقوال :
الأول : أن إزالتها واجبة مفروضة، فلا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا ، وهو قول الشافعى وأحمد ، ورواه ابن وهب عن مالك ، وهو قول أبى الفرج المالكى والطبرى ، إلا أن الطبرى قال : إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة ، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف فى مراعاة قدر الدرهم ، قياسا على حلقة الدبر .
الثانى : أن إزالة النجاسة واجبة بالسنة من الثياب والأبدان ، وجوب سنة وليس بفرض ، قالت بذلك طائفة ، فمن صلى بثوب نجس أعاد الصلاة فى الوقت فإن خرج الوقت فلا شىء عليه ، هذا قول مالك وأصحابه إلا أبا الفرج ورواية ابن وهب عنه ، وقال مالك فى يسير الدم :
لا تعاد منه الصلاة فى الوقت ولا بعده . وتعاد من يسير البول والغائط ، ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث .
الثالث : قال ابن القاسم : تجب إزالة النجاسة فى حال الذّكْر دون النسيان ، وهى من مفرداته .
والقول الأول أصح ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال "إنهما ليعذبان ، وما يعذبان فى كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " رواه البخارى ومسلم ، ولا يعذب الإنسان إلا على ترك واجب . وروى أحمد وابن ماجه والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أكثر عذاب القبر من البول " .
واحتج من قال بأن إزالتها سنة والصلاة بها صحيحة بخلع النبى نعليه فى الصلاة لما أعلمه جبريل عليه السلام أن فيهما قذرا وأذى كما رواه أبو داود وغيره ، قالوا : ولمَّا لم يعد الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى دل على أن إزالتها سنة وصلاته صحيحة ، ويعيد ما دام فى الوقت ، طلبا للكمال .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن إزالة النجاسة واجبة عن بدن المصلى وثوبه ومكانه ، إلا ما عفى عنه لتعذر إزالته أو عسر الاحتراز منه ، دفعا للحرج ، أما عن ثوب المصلى فلقوله تعالى : {وثيابك فطهر } المدثر: 4 ، وأما عن البدن فلأن البدن أولى بالطهارة من الثوب المنصوص على طهارته فى الآية .
والمالكية لهم قولان مشهوران فى إزالة النجاسة ، أحدهما أنها تجب شرطا فى صحة الصلاة، وثانيهما أنها سنة، وشرط وجوبها أو سنيتها أن يكون ذاكرا للنجاسة قادرا على إزالتها ، فإن صلى أحد بالنجاسة وكان ناسيا أو عاجزا عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين ، ويندب له إعادتها فى الوقت ، أما إن صلى بها عامدا أو جاهلا فصلاته باطلة على القول الأول وصحيحة على القول الثانى، فتجب عليه إعادة الصلاة أبدا ، فى الوقت أو بعده على القول الأول لبطلانها ، ويندب له إعادتها أبدا على القول الثانى . انتهى .
2 - وجاء فى كتاب المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 717" .
أن الطهارة من النجاسة فى البدن والثوب شرط لصحة الصلاة فى قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعى وأصحاب الرأى [الأحناف ] .
ويروى عن ابن عباس أنه قال : ليس على ثوب جنابة، ونحوه عن سعيد بن جبير والنخعى ، وقال ابن أبى ليلى : ليس فى ثوب إعادة ، ورأى طاوس دمًا كثر فى ثوبه وهو فى الصلاة فلم يباله ، يقول ابن قدامة : ولنا -أى الحنابلة- قول الله تعالى {وثيابك فطهر } قال ابن سيرين : هو الغسل بالماء، وعن أسماء بنت أبى بكر قالت : سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون فى الثوب فقال "اقرصيه وصلى فيه " . وفى لفظ قالت : سمعت امرأة تسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف تصلى إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر، أتصلى فيه ؟ قال : "تنظر فيه ، فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشىء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتصل فيه "رواه أبو داود ثم ذكر حديث صاحبى القبرين ، وقال : لأنها - أى طهارة الثوب - إحدى الطهارتين - الحدث والنجس - فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث . انتهى .
والخلاصة أن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة عند جمهور الأئمة وليست شرطا عند بعض التابعين كسعيد بن جبير وطاوس وبعض العلماء كالنخعى وابن أبى ليلى ، وعن ابن عباس روايتان .
ودليل الجمهور "فى الثوب "" قوله تعالى {وثيابك فطهر } والمراد غسل النجاسة بالماء كما قال ابن سيرين ، ويؤيده قول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة عن دم الحيض فى الثوب " اقرصيه وصلى فيه " وفَسَّر القرص بالغسل كما فى رواية لأبى داود " فلتقرصيه بشىء من ماء" .
وفى بعض روايات أبى داود : بلَّته بريقها ثم قصعته بظفرها . وهو يدل على العفو، لأن الريق لا يطهر به ودليل الجمهور "فى البدن " حديث الاستبراء أو الاستنزاه من البول ، وقياسه على طهارته من الحدث .
وشبهة المخالفين عدم وجود آية فى ذلك ، أى فى غسل الثياب ، وأن الثياب ليس عليه جنابة ، وعدم مبالاة طاوس بالدم الكثير فى الصلاة .
والرد عليهم أن الآية موجودة وهى { وثيابك فطهر } وأن عدم الجنابة على الثوب لا ينافى نجاسته ، وعدم مبالاة طاوس لا تدل على صحة الصلاة ، فهو رأى له ، ولعل الدم الكثير كان دم براغيث يشق الاحتراز عنه .
أما طهارة المكان فقد يستدل عليها بصب الماء على بول الأعرابى فى المسجد(8/430)
التطهير بماء زمزم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نحن نعلم أن ماء زمزم مقدس ، فهل يجوز التطهر منه بالوضوء والغسل ؟
An جاء فى فتاوى النووى المسماة بالمسائل المننثورة ، فى المسألة الخامسة : لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا-الشافعية-وبه قال العلماء كافة، إلا أحمد فى رواية . دليلنا أنه لم يثت فيه نهى، وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " الماء طهور لا ينجسه شىء"-أخرجه أحمد من حديث أبى سعيد الخدرى - وأما ما يقال عن العباس من النهى عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه . انتهى(8/431)
الإسراف فى الماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نحن نعلم أن الإسراف بوجه علم مذموم ، فهل الإسراف فى الماء عند الوضوء أو الغسل مذموم على الرغم من توافر الماء ؟
An من المعلوم أنه من السنة فى الوضوء والغسل أن يكون ثلاث مرات ، حتى يتأكد الإنسان من طهارة ما يغسل ، مع العناية بالأماكن التى تحتاج إلى مزيد من النظافة .
وما زاد على المرات الثلاثة التى عمت العضو كله أو البدن كله كان إسرافا منهيا عنه ، بالنصوص العامة المعروفة . ذلك إلى جانب نصوص خاصة بذلك :
جاء فى "كشف الغمة" للشعرانى "ج 1 ص 61 " حديث "لا تسرف فى الماء ولو كنت على طرف نهر جار"وحديث "لا تسرف " قيل : يا رسول اللّه : وفى الوضوء إسراف ؟ قال "نعم ، وفى كل شىء إسراف لما رواه الحاكم وابن عساكر مرسلا . وحديث "لا تسرف " رواه ابن ماجه عن ابن عمر .
وجاء فى "المغنى لابن قدامة ج 1 ص 228" عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبى وقاص وهو يتوضأ،فقال " ما هذا السرف "؟ فقال : أفى الوضوء إسراف ؟ قال " نعم وإن كنت على نهر جار" رواه ابن ماجه . وعن أبى بن كعب قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "إن للوضوء شيطانا يقال له "ولهان " فاتقوا وسواس الماء" رواه أحمد وابن ماجه .
هذا ، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد . وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد . وتحدث ابن قدامة فى صفحة 226 عن الصاع والمد بالتقديرات المعروفة قديما. ورأى الفقهاء فيها . والمهم أن الزيادة على ما يعم العضو ثلاث مرات يعد إسرافا .
وحكم هذا الإسراف أنه مكروه إذا كان الماء مملوكا أو مباحا ، أما الماء الموقوف على من يتطهر. ومنه ماء المرافق العامة-فإن الزيادة فيه على الثلاث حرام ، لكونها غير مأذون فيها . أخرج أحمد والنسائى وابن ماجه وأبو داود وابن خزيمة من طرق صحيحة أن أعرابيا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا وقال "هذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم " قال ابن المبارك : لا آمن إذا زاد فى الوضوء على الثلاث أن يأثم .
وقال أحمد وإسحاق : لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى " نيل الأوطار ج 1 ص 190 "(8/432)
البول قائما
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن التبول والإنسان واقف منهى عنه ، مع أن كثيرا من دورات المياه فى الأماكن العامة يكون التبول فيها عن قيام ؟
An جاء فى "زاد المعاد" لابن القيم "ج 1 ص 43" أن أكثر ما كان يبول النبى صلى الله عليه وسلم وهو قاعد ، يرتاد لبوله اللين الرخو من الأرض ، وإذا كانت هناك أرض صلبة أخذ عودا من الأرض فنكت به حتى يثرى، يعنى حتى يكون فيه ثرى ورماد، وقالت عائشة رضى الله عنها: من حدثكم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا .
وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث حذيفة أنه بال قائما، فقيل هذا بيان للجواز، وقيل : إنما فعله من وجع كان بمأبطه ، وقيل : فعله استشفاء .
قال الشافعى رحمه الله : والعرب تستشفى من وجع الصلب بالبول قائما ، والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزها وبعدا من إصابة البول ، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم - وهو ملقى الكناسة ، ويسمى المزبلة وهى تكون مرتفعة - فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله ، وهو صلى الله عليه وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط ، فلم يكن بد من بوله قائما ، والله أعلم .
ثم قال ابن القيم : وقد ذكر الترمذى عن عمر بن الخطاب قال : رآنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما ، فقال " يا عمر لا تبل قائما" فما بلت قائما بعد، قال الترمذى : وإنما رفعه عبد الكريم بن أبى المخارق ، وهو ضعيف عند أهل الحديث .
وفى مسند البزار وغيره من حديث عبد اللّه بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من الجفاء ، أن يبول الرجل قائما ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ فى سجوده " ورواه الترمذى وقال : هو غير محفوظ ، وقال البزار: لا نعلم من رواه عن عبد اللّه بن بريدة إلا سعيد بن عبيد اللّه ، ولم يجرحه بشىء ، وقال ابن أبى حاتم ، هو بصرى ثقة مشهور .
فالخلاصة أن التبول من قيام مكروه وليس بحرام ، لما يترتب عليه من خوف التلوث من الرشاش ، واطلاع الغير على العورة(8/433)
الاستنجاء من الريح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب الاستنجاء من الريح الخارج من الدبر ؟
An شرع الاستنجاء لإزالة النجاسة الخارجة من السبيلين ، القبل والدبر، وهى البول والغائط وما فى حكمهما من مائع وجامد ، والريح الخارج من اسبر ليس نجسا، وبالتالى لا يجب الاستنجاء منه ، حيث لم يرد نص فيه ، والبلوى تكثر به ، ولعدم حصر ما يصيبه من الجسم أو الثوب ، بل قال بعض الأئمة بكراهة الاستنجاء منه ، والدين يسر، فلو خرج الريح بعد الاستنجاء لا يجب الاستنجاء مرة ثانية حتى لو كان المحل لا يزال رطبا .
جاء فى كتاب "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع " للشربينى الخطيب ما نصه : نقل الماوردى وغيره الإجماع على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح . قال ابن الرفعة : ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطبا أو يابسا ، ولو قيل بوجوبه إذا كان المحل رطبا لم يبعد، كما قيل به فى دخان النجاسة . وهذا مردود، فقد قال الجرجانى : إن ذلك مكروه ، وصرح الشيخ نصر الدين المقدسى بتأثيم فاعله ، والظاهر كلام الجرجانى "ج 1 ص 47 " .
وجاء فى المغنى لابن قدامة"ج 1 ص 141 "ما نصه : وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء ، ولا نعلم فى هذا خلافا، قال أبو عبد الله :
ليس فى الريح استنجاء فى كتاب الله ولا فى سنة رسوله إنما عليه الوضوء ، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "من استنجى من ريح فليس منا" رواه الطبرانى فى معجمه الصغير، إلى أن قال : لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة . النجاسة ولا نجاسة هاهنا . أى فى النوم والريح(8/434)
مآذن المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن المآذن الموجودة فى المساجد بدعة لا يقرها الدين فهل هنا صحيح ؟
An من المعلوم أن الأذان شرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة وندائهم لشهود صلاة الجماعة فى المسجد ، وهو علامة على أن أهل هذا الحى الذى أذن فيه مسلمون ، وللمؤذن ثواب عظيم لأنه يدل الناس على الخير، والدال على الخير كفاعله كما صح فى الحديث ، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخارى وأحمد والنسائى وابن ماجه .
ومن أجل كثرة من يستجيبون للأذان فيصلون ، وكثرة من يسمعون ليشهدوا للمؤذن كان من السنة رفع الصوت بأقصى ما يمكن ، ولهذا استعان الأولون عليه بأن يؤذن المؤذن على مكان مرتفع ، وحدث فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم أن بلالا كان يؤذن من فوق بناء مرتفع بجوار المسجد، روى أبو داود والبيهقى أن امرأة من بنى النجار قالت : كان بيتى من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، وجاء فى كتاب "خلاصة الوفا" للسمهودى "ص 192 " أن دار عبد الله بن عمر كان فيها اسطوانة فى قبلة المسجد يؤذن عليها بلال ، يرقى إليها بأقتاب .
والقتب هو رحل البعير الذى يوضع على ظهره ليركب الراكب .
فاتخاذ مكان عال للأذان عليه مشروع ومستحب ، وتبعا لسنة التطور بنيت أبراج عالية فى المساجد للأذان ، وهى التى تسمى بالمآذن أو المنارات ، لأن الأنوار كانت ترفع عليها فى مناسبات الأفراح ، أو لأنها منارات وعلامات تدل على المساجد أو إسلام أهلها ، كما أن للإسلام صُوًى ومنارات هى شرائعه التى تدل عليه كما قال ابن الأثير فى النهاية .
وجاء فى خلاصة الوفا للسفهودى "ص 191" أن عمر بن عبد العزيز جعل لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم أربع منارات فى زواياه الأربع ، طول كل منها نحو ستين ذراعا ، وعرضها ثمانية أذرع فى ثمانية ، وأن إحداها جددت سنة 706 هـ أيام الناصر محمد بن قلاوون ، وكان طول بعض المنارات فى بعض التجديدات قد بلغ مائة وعشرين ذراعا فى عهد الأشرف قايتباى 892 هـ .
وجاء فى خطط المقريزى "ج 4 ص 27" أن معاوية بن أبى سفيان أمر ببناء منار لمسجد الفسطاط "عمرو بن العاص " وإن كان عمر بن الخطاب نهى عَمْرًا عن اتخاذ المنابر والمآذن كما فى صبح الأعشى "ج 3 ص 341" لكن بعد وفاة عمر اتخذت "مساجد مصر ج 1 ص 64" .
وعلى مدى التاريخ بنيت المآذن وارتفعت شامخة ، وأذِّن من فوقها وامتلأت الأجواء بإعلان الشهادتين والدعوة للصلاة ، فأى ضرر فى ذلك ؟ ومهما يكن من شىء فإن لم تكن فيها فائدة فليس فيها ضرر، وإذا كانت للمشيدين لها نيات فالله يجزيهم بما نووا ، لكنها على كل حال مظهر من المظاهر الإسلامية ، وبخاصة فى هذه الأيام التى تحتاج إلى تكثيف للدعوة للإسلام بكل الوسائل الممكنة .
فالمآذن ليست بدعة منكرة ، وإذا كان المؤذن يرقى فوقها لإبلاغ صوته لأكبر عدد ممكن ، فإن مكبرات الصوت الآن ساعدت كثيرا على بلوغ الصوت مدى بعيدا، مع الرجاء ألا نقنع برفع المآذن ونقصر فى ارتياد المساجد ، بل ينبغى أن يكون هناك تناسب بين المظهر والمخبر، والإعلان والواقع(8/435)
كشف الجبهة عند السجود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب أن تكون الجبهة مكشوفة عند السجود، وما الحكم فيما لو جاء طرف الخمار على موضع السجود فسجدت عليه ؟
An الأعضاء التى يسجد عليها الإنسان سبعة هى اليدان والركبتان والقدمان والجبهة ، وهى كلها من العورة فى الصلاة بالنسبة إلى المرأة يجب سترها على خلاف فى القدمين عند بعض الفقهاء، وذلك فيما عدا الجبهة فلا يجب سترها ، لأن الوجه ليس بعورة فى الصلاة . لكن هل يجوز سترها أو لا يجوز؟ الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل قالوا : يجوز سترها بحيث لا تلمس موضع السجود وهى مكشوفة . والإمام الشافعى قال : يجب كشفها ولا يجوز أن يحول بينها وبين موضع السجود حائل .
وعلى رأى الجمهور يجوز السجود على جزء من الملبوس الذى يتحرك بحركة المصلى، كالكم وطرف الثوب وطرف الخمار ، وكور العمامة التى يلبسها الرجال . ودليلهم على هذا ما رواه البخارى ومسلم عن أنس قال :
كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود . كما قاسوا الجبهة على بقية أعضاء السجود حيث يصح السجود وهى مستورة .
وممن رخص فى السجود على طرف الثوب عطاء وطاوس من التابعين ، وكذلك النخعى والشعبى والأوزاعى، وذلك لاتقاء شدة الحر والبرد من الرمل أو الحصباء التى يسجدون عليها .
ورخص أيضا فى السجود على كور العمامة ومثله -طرف الخمار الحسن البصرى ومكحول وعبد الرحمن بن زيد . وسجد شريح القاضى على برنسه ، والبرنس : كل ثوب رأسه منه ملتزق به ، من دُراعة أو جبة أو مِمْطر أو غيره ، وقال الجوهرى : هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها فى صدر الإسلام . وهو من البرس -بكسر الباء -وهو القطن والنون زائدة ، وقيل : إنه غير عربى كما فى النهاية لابن الأثير: وما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد على كور العمامة فسنده ضعيف ، والاستدلال هو القياس على طرف الثوب المتقدم ذكره .
ودليل الشافعى على وجوب كشف الجبهة حديث رواه مسلم عن خباب قال : شكونا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فى جباهنا وأكفنا فلم يُشكنا-يعنى لم يُزل شكوانا بالترخيص بالسجود على حائل يقينا حرارة الأرض -كما قال فى الاستدلال على ذلك : لو سجد على ما هو حامل له لأشبه ما إذا سجد على يديه -أى وضع جبهته على يديه وهو ممنوع .
قال ابن قدامة فى "المغنى ج 1 ص 561 ، 652" : المستحب مباشرة المصلى بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة .
قال أحمد : لا يعجبنى-أى الستر . إلا فى الحر والبرد . وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة . وكان عبادة بن الصامت إذا قام إلى الصلاة يحسر عمامته ، أى يكشف جبهته بإزاحة العمامة عنها . وقال النخعى :
أسجد على جبهتى أحب إلىَّ .
فالخلاصة : أن الجمهور على جواز السجود على طرف الثوب والكم والخمار وكور العمامة ، ولكن يكره إلا عند الحاجة كَشدة الحر والبرد فى موضع السجود . أما الشافعى فلا يرى جواز ذلك أبدا، ورخص فى المنديل الذى يحمله فى يده أن يضعه ليسجد عليه ، كما رخص فى ستر الجبهة لعذر كجراحة يخاف من نرغ العصابة أو الساتر حصول مشقة .
أما السجود على اليد أو اليدين فلا يجوز، وتبطل الصلاة به عند الجمهور .
وأبو حنيفة رخص فيه مع كراهة "الفقه على المذاهب الأربعة "(8/436)
المسبوق وتحمل الإمام الفاتحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا دخل الإنسان فوجد الجماعة قائمة فنوى الصلاة ولم يدرك الفاتحة أو بعضها فركع الإمام هل يركع أو ينتظره لقراءة الفاتحة أو ما بقى منها، وإذا ركع هل تحسب له ركعة أم لا تحسب لأنه لم يقرأ الفاتحة ؟
An ثبت فى الحديث الذى رواه الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد : قراءة الفاتحة لا بد منها لصحة الصلاة، فلو تركت كلها أو ترك بعضها بطلت الصلاة، وعند أبى حنيفة : الفرض هو قراءة ما تيسر من القرآن ولا يتحتم أن يكون الفاتحة ، ومناقشة هذا الرأى ليس محلها هنا، ويمكن الاطلاع عليها فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 218" وكل ذلك فيمن يقدر على القراءة .
وقراءة الفاتحة مفروضة فى كل ركعة كما علم النبى صلى الله عليه وسلم المسىء لصلاته ، وكما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقروها فى كل ركعة ورأى أبو حنيفة أنها تقرأ فى الركعتين الأوليين ، وفيما زاد تجوز قراءتها أو التسبيح أو السكوت .
ولو نسى المصلى قراءتها بطلت صلاته عند الشافعية والحنابلة، أما المالكية فقالوا : إن كان النسيان فى صلاة ثنائية بطلت ، وإن كان فى ثلاثية أو رباعية ففى ذلك روايات عن مالك ، رواية بالبطلان ، ورواية بالصحة مع سجود السهو ، ورواية بإعادة الركعة التى نسى فيها الفاتحة مع سجود السهو بعد السلام .
هذا هو الحكم بالنسبة للمنفرد وللإمام ، أما المأموم فقد ذكرنا حكمه فى إجابة سابقة عن القراءة خلف الإمام ، وملخصها : أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم عند الشافعية ومكروهة كراهة تحريم عند الحنفية ، فى الصلاة السرية والجهرية ، ومندوبة فى السرية مكروهة فى الجهرية عند المالكية ، وكذلك قال الحنابلة : إنها مستحبة فى السرية وفى سكتات الإمام من الجهرية وكره حال قراءة الإمام فى الصلاة الجهرية .
وبعد استعراض الآراء ومناقشة الأدلة انتهى الشوكانى إلى قوة الرأى القائل بوجوب قراءتها على الإمام والمأموم فى كل ركعة . ثم قال : ومن هنا يتبين لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة، واستدلوا على ذلك بحديث أبى هريرة "من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة فى صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى" رواه الدارقطنى من طريق ياسين بن معاذ وهو متروك ، وأخرجه الدارقطنى بلفظ "إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك ، وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى" وقال الشوكانى : فى أحد السندين راو متروك وفى الآخر راو ضعيف ، وأن الحديث هو فى الجمعة وذلك يشعر بأن غيرها مخالف لها ، ثم وضح بطلان رأى الجمهور. وذكر أن السبكى كان يختار عدم الاعتداد بالركعة لمن لا يدرك الفاتحة . وأن حديث أبى بكرة الذى ركع ليدرك الرسول فى الركوع ، وأن الرسول قال له " لا تعد" فيه مناقشة فى معنى "لا تعد" وأن حديث "ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا" يشمل فوت الركعة والركن والذكر المفروض لأن الكل فرض لا تتم الصلاة إلا به ، فلا يجوز تخصيص شىء من ذلك بغير نص آخر، ثم انتهى الشوكانى إلى القول بأن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير ألَّف رسالة رجح فيها مذهب الجمهور ، وكتب هو أبحاثا فى الجواب عليها .
فخلاصة الموضوع : أن المسبوق إن أدرك مع الإمام الركوع ولم يقرأ الفاتحة أو شيئا منها فاتتة الركعة خلافا للجمهور الذى قال بالاعتداد بالركعة ، وحجتهم ضعيفة، ودعوى الإجماع غير صحيحة "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 218 ت 228 "(8/437)
الكلام فى دورات المياه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمتوضىء فى دورة المياه أن يستعيذ بالله من الشيطان ؟
An من الأماكن التى يكره ذكر اسم اللّه فيها، بل يكره الكلام مطلقا بيوت الخلاء "المراحيض" وإذا أراد الإنسان أن يتوضأ فليكن فى مكان غير المرحاض ، وذلك خشية التعرض للنجاسة، فإذا لم يجد غيره توضأ فيه وأخذ الحيطة حتى لا يتلوث بالنجاسة . ومع الوضوء يكره ، له أن يذكر الله ، وإذا نوى الوضوء فالنية بالقلب لا باللسان .
والاستعاذة بالله لا تكون داخل المرحاض ، وإنما قبل دخوله كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ، حيث كان يقول "اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث" رواه البخارى ومسلم .
وجاء فى كتاب " الأذكار للنووى ص 20" أن الذكر والكلام فى بيوت الخلاء وعند قضاء الحاجة فيها مكروه إلا للضرورة ، حتى إذا عطس لا يحمد الله ، ولا يرد السلام ، ولا يجيب المؤذن . والكراهة تنزيهية لا تحريمية ، أى لا عقاب فيها .
ومهما كانت دورات المياه الحديثة نظيفة ومجهزة بآلات طرد النجاسة فالأفضل عدم الوضوء فيها إذا وُجد مكان آخر، وكذلك يكره الكلام والذكر أيًّا كان(8/438)
تطهير حبل الغسيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن بعض الطيور تنجس بروثها الحبال التى ننشر عليها الثياب المغسولة لتجف ، وقد يصعب علينا معرفة مكان النجاسة فكيف نتصرف ؟
An قال بعض العلماء وهم المالكية : إن فضلات مأكول اللحم طاهرة فلا حاجة إلى غسل ما يصاب بها ، ولو تنجس الحبل بغير ذرق الطيور المأكولة فإن جفافها بالشمس أو الريح يطهرها ، ولا حاجة لصب الماء عليها(8/439)
غسل دهن الشعر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب على المرأة عند الغسل أن تزيل الزيوت والمواد التى فى شعرها؟
An روى أحمد وأبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار " .
قال العلماء : لابد من وصول الماء إلى كل جزء من الجسم من جلد أو ظفر أو شعر، ولو لم يصل الماء إلا بنقض الضفائر المشدودة فلابد من نقضها ، أما إذا كانت غير مشدودة بقوة ويمكن للماء أن يصل إلى كل الأجزاء والمواضع فلا داعى لنقضها كما صح فى حديث مسلم عن أم سلمة ، وفى سنن ابن ماجه عن عائشة .
وعليه فلابد من إزالة الدهن أو غسله جيدا حتى يزول . ورخص الإمام مالك للعروس فى أيامها الأولى إن كان فى شعرها دهن أو طيب له جرم ألا تغسل رأسها ، لما فى ذلك من إتلاف المال ، ويكفيها المسح على الشعر. ولا يترخص فى ذلك لغير العروس . وفى أيامها الأولى فقط ، بل قال : إذا كان الطيب فى جسمها كله تيممت "الفقه على المذاهب الأربعة" .
لكن جاء فى فتوى الشيخ أحمد هريدى بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1966 م أن المالكية قالوا : يجب على المرأة عند الغسل جمع الشعر المضفور وتحريكه ليعمه الماء ، وطبقا لما ذكر فإنه يجب على المرأة عند الغسل من الجنابة إزالة ما على الشعر من الطيب مما يمنع من وصول الماء إلى باطنه ولو عروسا، ولا يمنع من هذا الوجوب أن تكون المرأة قد صففت شعرها على أى وجه كان ، وأنفقت فى ذلك مالا قليلا أو كثيرا .
"الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1648 ،1649"(8/440)
تطهير المصقول بمسحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن السكين التى عليها دم يمكن أن تطهر بمسحها بقطنة دون غسل بالماء؟
An فى فقه المذاهب الأربعة عند الحنفية أن من وسائل تطهير النجاسة المسح الذى يزول به أثر النجاسة، ويطهر به الصقيل الذى لا مسام له كالسيف والمرآة والظفر والعظم والزجاج والآنية المدهونة ونحو ذلك ، وفيه أيضا عندهم أن القطن إذا تنجس يطهر بندفه ولا حاجة إلى غسله(8/441)
الفراء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الفراء الذى تلبسه النساء نجس فهل هذا صحيح ؟
An الفراء الذى يتخذ من جلود بعض الحيوانات اختلف العلماء فى طهارته ونجاسته تبعا لاختلافهم فى حل أكل الحيوان المأخوذ منه وحرمته ، وفى حكم طهارة جلد الميتة عن طريق الدباغ .
فقال الشافعى : يحل أكل الثعلب ولكن إذا ذبح ذبحا شرعيا ، فلو مات بدون ذلك فلحمه نجس وكذلك جلده ولكنه يطهر بالدباغ ، وحرمه أحمد بن حنبل ، وكرهه أبو حنيفة ومالك . على أن بعض القائلين بحرمة أكله أجازوا استعمال فروه للبس لا للصلاة فيه .
وقد ذكر النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 4 ص 54" سبعة مذاهب فى طهارة جلد الميت بالدباغ ، وجاء فى أحد الأقوال أنه يطهر كل الجلود حتى جلود الخنازير والكلاب . وذلك ظاهرا وباطنا ، أى تستعمل للصلاة عليها والصلاة فيها ، وهو مذهب الظاهرية ، وحكى عن أبى يوسف صاحب الإمام أبى حنيفة .
وعلى هذا فلا مانع من لبس الفراء والصلاة فيه .
وجاء فى كتاب "غذاء الألباب " للسفارينى ج 2 ص 220- 222 كلام كثير عن حكم الفراء من هذه الحيوانات . وذكر أن أول من اتخذ الفراء والجلود من مثل السنجاب ولبسها وألبسها هو"شيخ شاه " الملقب عند العجم "بيش داديان " كان ملكا عادلا، وله كتاب فى الإلهيات ، حتى قال العجم بنوته ، وهو أول من ترك الملك وتخلى للعبادة ، فقتل فى معبده ، وانتقم له "طمهورث " من القتلة ، وبنى موضعه مدينة "بلخ "(8/442)
الوضوء بالماء المالح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز الوضوء من ماء البحر الملح ؟
An نعم يجوز فقد روى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وقال الترمذى حسن صحيح ، والميتة هى السمك الذى يموت(8/443)
دخول الخلاء بما فيه قرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ألبس "دَلاَّية" منقوشا عليها اسم الله ، فهل يجوز دخول الحمَّام بها؟
An روى أحمد وأصحاب السنن عن أنس رضى الله عنه قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ، قال الترمذى : حديث صحيح وقد صح أن نقش خاتمه "محمد رسول الله " .
بيوت الخلاء مستقذرة طبعا، وهى أكثر الأمكنة التى تردها الحشرات والهوام بل والشياطين ، كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء "اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث " أى ذكور الشياطين وإناثها . رواه الجماعة .
وليس من اللائق أن توضع الأشياء الكريمة أو يدخل بها فى مثل هذه الأمكنة، وذلك إن لم يكن تشريعا منصوصا عليه فهو ذوق واحترام .
وبناء على هذا قال الحنفية والشافعية : يكره دخول المرحاض بالمصحف أو بعضه ولو آية واحدة ، وقال مالك وأحمد : يحرم ذلك ، ومحل المنع إذا لم يتخذه حرزا، بأن يكون مستورا بما يمنع وصول الرائحة إليه ، أو لم يخف عليه الضياع ، فإن كان مصونا أو خاف ضياعه لو تركه خارج المرحاض جاز الدخول به .
هذا فى القرآن ، أما فيما ينقش عليه اسم كريم فقالوا : يكره دخول بيت الخلاء بما فيه اسم الله ، من أوراق وغيرها كالحلية التى نقش عليها اسم الله ، ومعنى الكراهة ، عدم العقوبة على الدخول بذلك ، ومحله أيضا إذا لم يكن مغَّلفا بما يمنع وصول الرائحة إليه ، أو لم يخف عليه الضياع إذا تركه خارجا "نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 85 ، 86 ، غذاء الألباب للسفاريني ج 2 ص 246 ، الفقه على المذاهب الأربعة(8/444)
الوضوء مما تشرب منه المواشى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أعمل راعيا للمواشى ، وأحيانا يصيبنى بعض رشاش من بولها ، وقد تشرب من ماء واحتاج إلى الوضوء مما بقى منه ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An قال تعالى{وثيابك فطهر } المدثر: 4 وقال صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان " رواه مسلم . أكثر الفقهاء على أن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة ، ونقل عن الإمام مالك قول بأن إزالة النجاسة سنة وليست بفرض ، وفى قول قديم للشافعى أنها غير شرط لصحة الصلاة "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 123 " .
فعلى هذين القولين تجوز الصلاة فى الثوب إذا كانت فيه نجاسة ، وهذا الحكم فى النجاسة المتفق على أنها نجاسة كالبول والغائط وهناك أشياء مختلف فى نجاستها منها أبوال الحيوانات التى يؤكل لحمها وكذلك أرواثها ، مثل البقر والإبل والغنم والدجاج والحمام والعصافير، فقد قال الإمام مالك : إنها ليست نجسة ، وعلى هذا يجوز لراعى المواشى أن يصلى بالملابس التى أصيبت ببعض البول أو الروث من مأكول اللحم ، وليس منه الحمار والكلب ، وإن كان الأفضل تطهيرها مراعاة للنظافة والصحة .
أما الوضوء من الماء المتبقى من شرب الحيوانات ، فقد جاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُصغى إلى الهرة الإناء حتى تشرب -أى يميل الإناء الذى فيه ماء لتشرب منه القطة : ثم يتوضأ بفضلها ، أى بما بقى فى الإناء وقال "إنها ليست بنجس " رواه أحمد وأصحاب السنن وقال الترمذى : حسن صحيح .
وروى أنه سئل : أنتوضأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال "نعم وبما أفضلت السباع كلها" أخرجه الشافعى والدارقطنى والبيهقى . وقال : له أسانيد يقوي بعضها بعضا .
بناء على هذا قال العلماء : إن الحيوانات الطاهرة -غير الكلب والخنزير-إذا شربت من الماء وكان كثيرا لا ينجس مطلقا ، أما إذا كان قليلا كملء دلو أو قِدْرٍ فإنه لا ينجس أيضا ما دمنا لا نعلم أنها وضعت فى فمها شيئا نجسا ، وغالب حيوانات الحقل كالبقرة والغنم لا تأكل نجسا، وعلى هذا فإن الماء المتبقى من شربها تجوز الطهارة به ، ومع ذلك لو وجد ماء غيره أنظف منه يكون الوضوء منه أفضل(8/445)
القبلة وقضاء الحاجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أنه لا يجوز أن يكون الإنسان متوجها إلى القبلة وهو يقضى حاجة البول ، فماذا نفعل وبعض البيوت قد يكون الاتجاه فى ذلك إلى القبلة دون قصد؟
An روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها" .
يدل هذا الحديث على احترام القبلة ، فلا يكون الإنسان أثناء قضاء حاجته المعروفة متوجها إليها ولا موليا ظهره إياها ، وذلك أمر مندوب إليه وليس واجبا ، فلو لم يفعل ذلك لم يرتكب إثما ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يلتزمه ، فقد روى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : رقيت يوما بيت حفصة -وهى أخته أم المؤمنين -فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة ، ورأى جماعة من الفقهاء أن حرمة استقبال القبلة واستدبارها أو كراهته إنما يكون فى الصحراء والخلاء ، حيث لا يوجد بناء ولا حواجز، أما إذا كان ذلك فى البنيان فلا حرمة ولا كراهة .
ومعلوم أن أماكن قضاء الحاجة فى المدن وغيرها توجد فى أبنية مستورة ، فلا ينطبق عليها هذا الحديث . ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم بسند حسن -كما فى فتح البارى لابن حجر-أن ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقال له مروان : أليس قد نُهى عن ذلك ؟ قال : بلى، إنما نُهى عن هذا فى الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شىء فلا بأس(8/446)
تطهير الملابس فى الغسالة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن نضع ملابس الأطفال المتنجسة مع الملابس الأخرى فى غسالة واحدة لتصير طاهرة؟
An جاء فى الأحاديث النبوية وأقوال الفقهاء ما يفيد أن الماء الكثير لا ينجس بملاقاة النجاسة له إلا إذا غيرت طعمه أو لونه أو رائحته ، أما الماء القليل فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة له ، سواء غيرت شيئا من طعمه أو لونه أو رائحته أو لم تغير، والماء يكون قليلاً إذا كان في حدود خمسمائة رطل والماء الذى يكون فى الغسالة العادية فى البيوت يعتبر ماءً قليلا، وعليه فلو وضعت فيه ملابس متنجسة فإنه ينجس ، وكذلك ينجس كل شىء أصابه هذا الماء .
والإمام الشافعى يرى أن الماء القليل ينجس إذا وضعت الملابس المتنجسة فيه، أى كانت واردة عليه، أما لو وضعت الملابس قبل الماء ثم صب عليها كان الماء واردا فإن الغُسالة بضم الغين -وهى الماء المتخلف عن الغسل لا يكون نجسا، وتكون الملابس قد تطهرت إذا كان الماء خاليا من المنظفات التى تضاف إليه ، أى كان ماء مطلقا لا يتغير بشىء آخر من الطاهرات وزالت عين النجاسة ولونها ورائحتها .
وتيسيرًا للغسل ووقاية من النجاسة يمكن وضع الملابس المتنجسة -وهى ملابس الأطفال فى الغالب- فى "البانيو" أو فى وعاء كبير ثم يصب عليها الماء وتزال عين النجاسة ، وتعصر بعد ذلك فتكون طاهرة من النجاسة ولأجل التنظيف أكثر تغسل فى الغسَّالة مع المنظفات مرة أو أكثر، وفى النهاية تشطف بماء صافٍ فيتم غسلها وتطهيرها على هذه الصورة .
ومن الأفضل غسل ملابس الكبار إذا كانت طاهرة وحدها ، ثم تغسل ملابس الأطفال على النحو الذى ذكرناه ، لتستريح النفس ويبعد الوسواس(8/447)
متى فرضت الطهارة للصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لفت نظرى أن آية الوضوء التى فى سورة المائدة مدنية، مع أن الصلاة فرضت فى مكة، فهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يصليها بغير وضوء؟
An يقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ...} المائدة : 6 نزلت هذه الآية بغسل هذه الأعضاء فقط -وهى المعتبرة فى الوضوء- بالمدينة . ، وفيها أيضا الطهارة من الجنابة ، كما نزلت بالمدينة آية سورة النساء : 43 الموجبة للغسل من الجنابة ، ومعه التيمم بدل الغسل وبدل الوضوء الذى ينتقض بالبول والغائط .
والمعروف أن الصلاة فرضت بمكة،وتحددت بخمس فى اليوم والليلة فى ليلة المعراج قبل الهجرة، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى فى مكة بغير وضوء وبدون غسل من الجنابة؟ يقول ابن عبد البر: إن أهل السِّير- التاريخ - اتفقوا على أن غسل الجنابة فرض على النبى صلى الله عليه وسلم بمكة لما افترضت الصلاة وأنه لم يصل قط إلا بوضوء ، وهذا ما لا يجهله أحد .
وفى مستدرك الحاكم حديث ابن عباس : دخلت فاطمة على النبى صلى الله عليه وسلم وهى تبكى فقالت : هؤلاء الملأ من قريش تعاهدوا ليقتلوك فقال "ايتونى بوضوء ، فتوضأ ... قال فى الفتح - فتح البارى لابن حجر- وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه .
فالمتفق عليه أن الوضوء ومثله الغسل للصلاة كان موجودا بمكة، لكن الخلاف فى : هل كان وجوده على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب ؟ قال جماعة بالندب ، بناء على أن الأمر به فى آيتى المائدة والنساء هو للوجوب ، وهما نازلتان بالمدينة ، وجزم بذلك ابن الجهم المالكى وقال آخرون بالوجوب . قال القرطبى-كما نقله ابن مفلح -: إن آية الوضوء - النازلة بالمدينة- إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم -يعنى على إنزالها-متلوًّا فى التنزيل أى أن الوضوء كان مفروضا بمكة ولكن بغير القرآن ثم نزل به القرآن فى المدينة .
وابن حزم جزم بأن الوضوء لم يشرع -لا وجوبا ولا ندبا- إلا فى المدينة، ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلوا فى مكة بغير وضوء ، وكلامه مردود بمرويات ليست قوية ، منها ما أخرجه ابن لهيعة فى المغازى أن جبريل علَّم النبى الوضوء عند نزوله عليه بالوحى، وهو حديث مرسل سقط منه الصحابى ، وما رواه أحمد والدارقطنى من رواية ابن لهيعة أيضا مرفوعا وليس مرسلا : أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم فى أول ما أوحى إليه فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه .
هل يفهم من هذا أنه استنجى بعد الوضوء ، وأن النضح ليس فيه مس للفرج ، أو أن مس الفرج غير ناقض للوضوء؟ معروف أن ابن لهيعة وضعه العلماء فى الضعفاء، قيل مطلقا وقيل بعد أن مرض .
ومن المرويات ما أخرجه ابن ماجه من حديث أسامة عن أبيه ، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق الليث بن سعد عن عقيل موصولا، وهو أن جبريل علَّم النبى الوضوء بمكة . وفى ثبوت هذا كلام .
فالخلاصة أن الفقهاء أجمعوا على أن الطهارة للصلاة بالوضوء والغسل واجبة ، وأن آية الوجوب نزلت بالمدينة ، والصلاة التى صلاها الرسول وأصحابه بمكة أو قبل نزول الآية فى المدينة فيها خلاف : هل كانت بوضوء أو لا ؟ والجمهور على أنها كانت بوضوء، وابن حزم هو الذى قال بعدم مشروعيته إذ ذاك ، ومن قال بمشروعية الوضوء بمكة اختلفوا هل كان واجبا أو مندوبا؟ قيل بالندب وقيل بالوجوب .
ونحن لا يهمنا من ذلك إلا ما استقر عليه العمل بعد الأمر به فى آيتى النساء والمائدة فى وجوب الطهارة للصلاة بالوضوء والغسل ، أما ما حدث قبل ذلك فالخلاف فيه لا أثر له فى حياتنا نحن . يراجع الشوكانى فى نيل الأوطار ، والمواهب اللدنية للقسطلانى فى باب الخصائص لمعرفة إن كان الوضوء خاصا بأمة محمد أو كان قبل ذلك - وانظر ص 83 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى(8/448)
الحمل والحيض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا حامل وفى بعض الأحيان ينزل علىَّ دم ، هل يعتبر حيضا فأمتنع عن الصلاة والصوم ،أو يعتبر نزيفا لا يمنع من الصلاة والصوم ؟
An اختلف العلماء فى الدم الذى ينزل من الحامل هل هو دم حيض أم لا، فرأى أبو حنيفة ومن قبله عطاء والشعبى أنه ليس حيضا ولا يأخذ حكمه ، لقوله تعالى : {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد} الرعد : 8 على معنى أن الحيض هو انقطاع دم الحيض أثناء الحمل ، والازدياد هو دم النفاس بعد الوضع ، وهو رأى الأمام أحمد أيضا .
ورأى مالك والشافعى فى أحد قوليه أن الحامل تحيض ، وهو تأويل ابن عباس للآية بأنه حيض الحبالى ، وكذلك روى عكرمة ومجاهد وهو قول عائشة وأنها كانت تفتى النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة والصحابة إذ ذاك متوافرون ، ولم ينكر منهم أحد عليها ، فصار كالإجماع قاله ابن القصار، وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 9 ص 286" حادثة أيام عمر استدل بها على أن الحامل تحيض ، ثم قال : احتج المخالف -وهو أبو حنيفة ومن معه- بأن قال : لو كانت الحامل تحيض وكان ما تراه المرأة فى الدم حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض ، وهو إجماع وروى عن مالك فى كتاب محمد : ما يقتضى أنه ليس بحيض .
انتهى .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن من شروط الحيض أن يكون الرحم خاليا من الحمل ، فما تراه الحامل من الدم يكون دم فساد، لكن المالكية والشافعية قالوا : إنه يكون دم حيض ، إلا أن الشافعية قالوا : تعتبر مدة حيضها فى الحمل كعادتها فى غيره ، أما المالكية فإنهم قالوا : إن رأت الحامل الدم بعد شهرين من حملها إلى ستة أشهر فإن مدة حيضها تقدر بعشرين يوما إن استمر الدم ، وفى ستة أشهر إلى آخر الحمل تقدر بثلاثين يوما ، أما إذا رأت الدم فى الشهر الأول أو الثانى من حملها كانت كالمعتادة ، وفسروا ذلك بأن حيضها يقدَّر بثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها استظهارا ، فإن اعتادت خمسة أيام ثم تمادى حيضها مكثت ثمانية أيام ، فإن استمر بها الدم فى الحيضة الثالثة كانت عادتها ثمانية ، لأن العادة تثبت بمرة ، فتمكث أحد عشر يوما ، فإن تمادى فى الحيضة الرابعة تمكث أربعة عشر يوما ، فإن تمادى بعد ذلك فلا تزيد على الخمسة عشر يوما ، ويكون الدم الخارج بعد الخمسة عشر، أو بعد الاستظهار بثلاثة أيام على أكثر العادة قبل الخمسة عشر يوما -دم استحاضة . انتهى .
هذا هو الحكم الشرعى فى رأى الفقهاء فى الدم الذى ينزل على الحامل هل هو حيض أو لا؟ ولعل الطب له كلام فى هذا الموضوع ، يمكن به التمييز بين دم الحيض والنزيف ، بناء على ما قيل : إن دم الحيض أعداد للرحم لاستقبال البويضة الملقحة فإن استقرت فيه يقال لا توجد فرصة لاستقبال بويضة أخرى ليوجد حملان فى الرحم بينهما مدة ، ولو وجدت بويضتان معا كان الحمل توأما ، فهل يمكن أن تحل بالرحم بويضة ثم بعد فترة تحل بويضة أخرى فيكون هناك حملان ، أحدهما قبل الآخر؟ وقد يولدان معا أو يوجد فاصل بينهما فى الوضع ، لعل هناك جوابا يوضح ذلك عند المختصين .
هذا ، وقد جاء فى المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 375" أن الحامل لا تحيض ، إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس ، وهو مذهب أحمد وأبى حنيفة ورأى جمهور التابعين . وقال مالك والشافعى :
ما تراه من الدم حيض إذا أمكن ، لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغير الحامل ، واستدل لمذهب أحمد بالحديث "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل -أى غير حامل- حتى تستبرأ بحيضة" موجها ذلك بأن وجود الحيض علامة على براءة الرحم ، فدل على أنه لا يجتمع مع الحمل وقال : إن الحامل لا يعتادها الحيض غالبا ، فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة، قال أحمد إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم . وحمل رأى عائشة فى أنه حيض على ما تراه الحامل من الدم قريبا من ولادتها فهو نفاس لا تصلِّى فيه .
ورأيى أن مذهب أبى حنيفة وأحمد أيسر فى التطبيق فلا يعدُّ دم الحامل حيضا، إلا ما يرى قبيل الولادة فيكون نفاسا لا تصلى ولا تصوم - فيه ، ومذهب مالك فيه صعوبة بالصورة التى ذكرت فى كتاب الفقة على المذاهب الأربعة ، ولا يجب التعصب لرأى فى الفروع ودين الله يسر(8/449)
سن اليأس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا بلغت من العمر خمسين سنة، والعادة الشهرية غير منتظمة ،فقد يمر شهران وثلاثة دون أن أرى دما، وإذا نزل كان بسيطا ثم ينقطع مدة طويلة، فما حكم الشرع فى هذه الحالة ، هل يعتبر الدم بعد هذه السن حيضا؟
An سن اليأس هو السن الذى لا يكون معه للمرأة حيض ولا حمل ، ومن الأحكام الشرعية الخاصة به أن عدة المطلقة تنتهى بثلاثة أشهر، مثلها مثل الصغيرة التى لم تر الحيض ، قال تعالى{واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن} الطلاق : 4 .
واختلف الفقهاء فى سن اليأس فهو عند الحنفية خمس وخمسون سنة على المختار، وعند الحنابلة خمسون سنة، وعند المالكية من خمسين إلى سبعين ، بمعنى أنه يرجع فى هذه المدة إلى ذوى الخبرة من النساء أو غيرهم فيما إذا كان الدم الذى ينزل من المرأة دم حيض أو غيره ، وعند الشافعية لا آخر له ، والغالب أن ينقطع الدم بعد اثنتين وستين سنة ، فهو سن الإياس من الحيض غالبا "فقه المذاهب الأربعة" .
وفى فقه الحنفية الذى يجرى عليه العمل فى المحاكم المصرية -أن القول قول المرأة فى انقطاع الحيض أو نزوله عليها ، وتصدق إذا ادعت رؤيتها دم الحيض مع هذه السن ومع ذكر علاماته وتُحلف اليمين بطلب خصمها إذا لم يصدقها فيما ادعت . "الفتاوى الإسلامية المجلد التاسع ص 3287"(8/450)
سلس المنى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل ينزل منه المنى كثيرا على الرغم من علاج نفسه ، فهل كلما نزل عليه منى يجب عليه الغسل ؟
An قال العلماء : إذا خرج المنى من غير شهوة ، كأن نزل لمرض أو برد فلا يجب عليه الغسل ، وذلك لحديث رواه أحمد عن على رضى اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له "فإذا فضخت الماء فاغتسل " أى خرج منك المنى بشدة .
ويروى عن مجاهد أنه كان فى حلقة بالمسجد ومعه أصحاب ابن عباس : طاوس وعكرمة وسعيد بن جبير، وكان ابن عباس قائما يصلى، فسألهم رجل وقال : إنى كلما بُلْتُ تبعه الماء الدافق ، وهو المنى ، فقالوا : عليه الغسل ، ولكن الرجل لم يقتنع ، ولما انتهى ابن عباس من الصلاة استدعى الرجل ، وعجب من إفتائهم إياه بما لم يرد فى الكتاب والسنة ، بل بالرأى، وذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد" ثم سأل الرجل : أرأيت إذا كانت ذلك منك ، أتجد شهوة فى قبلك ؟ قال : لا، قال : فهل تجد خدرا فى جسدك ؟ قال : لا، قال : إنما هذه أبردة يجزيك منها الوضوء ، يعنى إصابة بالبرد لا يجب منها الغسل . نقل هذا الحكم الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 1 ص 240" .
وحكم سلسل المنى وسلسل البول والريح مقيس على حكم الاستحاضة التى تزيد على أكثر مدة الحيض [ عشرة أيام عند الحنفية وخمسة عشر يوما عند غيره ] وذلك لورود النص فيها، فالحنفية والحنابلة يكتفون بوضوء واحد لوقت كل صلاة، والشافعية يوجبون الوضوء لكل فريضة(8/451)
الماء المتنجس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الماء الذى وقعت فيه نجاسة هل تنجسه حتى لو كان كثيرا؟
An قال العلماء : إن غيرت النجاسة طعم الماء أو لونه أو ريحه صار نجسا ، لا يجوز استعماله فى الطهارة إجماعا ، نقل ذلك ابن المنذر وغيره ، وإن لم تغير النجاسة شيئا من ذلك ، أى من أوصافه الثلاثة، فهو طاهر فى نفسه، ومطهر لغيره، سواء أكان الماء قليلا أو كثيرا، ودليل ذلك حديث "الماء طهور لا ينجسه شىء" رواه أحمد والشافعى وأبو داود والنسائى والترمذى وحسّنه .
وهذا الحديث جاء عند سؤال الصحابة عن التوضؤ من بئر بضاعة -وهى بئر بالمدينة يبلغ عمق الماء فيها نصف قامة الرجل تقريبا، من وقف فيها وصل الماء إلى عانته إذا كان الماء كثيرا، فإذا نقص وصل الماء إلى ما دون العورة، وكان الماء فيها متغيرا .
ومن هنا قال العلماء : لا يضر تغير الماء بما فى مقره وممره .
والإمام مالك أخذ بذلك كما أخذ به الحسن البصرى والثورى والنخعى وداود الظاهرى . وقال الإِمام الغزالى : وددت لو أن مذهب الشافعى فى المياه كان كمذهب مالك ، ذلك أن الشافعى أخذ بحديث ابن عمر مرفوعا "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" رواه الخمسة .
وطعن فيه ابن عبد البر .
القلتان بالرطل المصرى أربعمائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع الرطل ، وبالمساحة ذراع وربع ذراع طولا وعرضا وعمقا بذراع الآدمى المتوسط ، وفى المكان المدور كالبئر تكون المساحة ذراعا عرضا ، وذراعا ونصف ذراع عمقا ، وثلاثة أذرع وسبع ذراع محيطا ، وفى المكان المثلث ذراع ونصف عرضا ومثل ذلك طولا وذراعان عمقا " فقه المذاهب الأربعة " .
ومهما يكن من الخلاف فى تنجس الماء بما يلقى فيه من المواد النجسة فإن عدم التطهر به أقرب إلى المحافظة على الصحة ، وأبعد عن الضرر الذى نهى عنه الدين(8/452)
تشريع الوضوء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كان المسلمون يصلُّون قبل الهجرة بدون وضوء حيث فرضى الوضوء فى سورة النساء وهى سورة مدنية؟
An شرع الوضوء للصلاة بالآية السادسة من سورة المائدة، وأما الآية الثالثة والأربعون من سورة النساء فهى لمشروعية الغسل من الجنابة، وكلتا الآيتين نزلتا بالمدينة، والصلاة فرضت بمكة، فهل كان الرسول يصليها بدون وضوء؟ ابن حزم يقول : الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة، بناء على آية المائدة، وقال العلماء إنه كان مشروعا بمكة، مع الخلاف فى كونه كان واجبا أو مندوبًا ، والجمهور على وجوبه وجزم ابن الجهم المالكى بأنه كان مندوبًا . ونقل ابن عبد البر اتفاق أهل ا الجنابة فرض على النبى صلى الله عليه و سلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة بمكة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء ، يجهله عالم بالأخبار .
ومما يدل على أن الوضوء كان مشروعًا بمكة ما وراه الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس رضى الله عنهما أن فاط صلى الله عليه و سلم دخلت عليه وهى تبكى لأن الملأ من قريش تعاهدوا على قتله ، فقال " ائتونى بوضوء .. .
.
ومن الأدلة أيضًا ما رواه أحمد و الطبرانى أن جبريل عليه السلام علَّم النبى صلى الله عليه و سلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحى {اقرأ باسم ربك } [العلق : 1 ]. وقيل ب جبريل بقوله {يا أيها المدثر} التى فيها { وثيابك فطهِّر}[المدثر: 4 ] .
فالخلاصة أن الوضوء كان مشروعًا بمكة، والتشريع كما يكون بالقرآن يكون بالسنة .
ولما نزلت أية المائدة تأمر بالوضوء للصلاة اختلف العلماء فى مدى هذا الأمر فقيل للوجوب عند كل صلاة حتى لو لم ينتقض الوضوء فلا تصح صلاته بوضوء واحد، وقيل للوجوب إذا انتقض ، وللندب إذا لم ينتقض حيث يسن تجديد الوضوء لكل صلاة .
وكان من عادة النبى صلى الله عليه و سلم تجديد الوضوء لكل صلاة ، ولكن خالف هذه العادة يوم الفتح فصلَّ بوضوء واحد، ولما سأله عمر عن ذلك قال " تعمدته يا عمر " ، وذلك حتى لا يظن الناس أنه واجب فيشق عليهم ، مثل ذلك فى خيبر، النصوص المثبتة لذلك يرجع إليها فى فتح البارى لابن حجر: كتاب الوضوء ، وفى كتاب الموا بشرح الزرقانى ( ج 7 ص 6 4 2 ، 47 2)(8/453)
التطهر بالماء المستعمل وبالماء الفائض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى استعمال الماء الفائض من اغتسال المرأة فى الوضوء أو الاغتسال من الجنابة ؟
An روى أحمد وأصحاب السنن الأربعة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة .
وروى مسلم وأحمد أنه كان يغتسل بفضل ميمونة، وفى رواية لأحمد وابن ماجه أنه توضأ بفضل غسلها من الجنابة .
وروى أحمد وأبو داود والنسائى والترمذى وقال : حديث حسن صحيح :
" أن بعض أزواج النبى @ اغتسلت فى جفنة -إناء كبير-فجاء النبى @ ليتوضأ منها يغتسل ، فقالت له : يا رسول اللّه إنى كنت جنبا فقال "إن الماء لا يجنب " .
وفى هذه الأحاديث تضارب فى الظاهر بعضها ينهى عن التطهر بفضل طهور المرأة وبعضها يجيزه .
وبعيدا عن الترجيح بين الروايات من جهة السند، أقول : إن التطهر بفضل الماء الذى تطهر به الغير يطلق على معنيين :
الأول : التطهر بالماء الذى استعمل قبل ذلك فى التطهر .
الثانى : التطهر بالماء الباقى من كمية الماء الذى سبق التطهر ببعضه ، ويصور بأن كمية من الماء فى جفنة أو إناء مثلا أخذ واحد منها بعضا وتطهر به وبقى فى الإناء بعض اَخر دون استعمال له .
أما بالنسبة للإطلاق الأول : فالماء الذى استعمل من قبل فى الطهارة لا يجوز التطهر به فى إزالة نجاسة أو وضوء أو غسل ، وهو ما عليه جمهور الفقهاء، وإن كان هو طاهرا فى نفسه لا يتنجس ما يصيبه ، وأجاز مالك فى رواية عنه جواز استعماله مرة أخرى فى الطهارة .
وبالنسبة للإطلاق الثانى : يجوز التطهر بالماء الباقى فى الإناء بعد أن أخذ منه شخص بعضه وتطهر به ، لأن الماء الباقى لا يجنب كما صرح به الحديث الأخير أى لا يصير جنبا .
وبهذا التوضيح يمكن الجمع بين الأحاديث الناهية عن التطهر بفضل الماء والأحاديث المجيزة له .
وهذا ما قام به الخطابى وذكره الشوكانى فى "نيل الأوطار"ج 1 ص 37 ونص عبارته "وقد جمع بين الأحاديث بحمل أحاديث النهى على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملا، والجواز على ما بقى من الماء" .
وينبغى ألا تحمل أحاديث النهى على احتقار المرأة ، التى تطهرت بماء فلا يجوز التطهر بفضله ، فذلك شامل للرجال والنساء ، غاية الأمر أن الحادثة التى وردت فيها الأحاديث كانت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته .
وخلاصة الحكم أن الماء الذى استعمل مرة فى الطهارة برفع الحدث الأصغر بالوضوء أو الحدث الأكبر بالغسل لا يجوز استعماله مره أخرى فى الطهارة ، وهو ما عليه جمهور الفقهاء ، وأجازه مالك فى رواية، أما الماء الباقى بعد التطهر فيجوز التطهر به مرة أخرى ما دام باقيا على طهوريته(8/454)
حكم بول الصبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تقول سائلة يحدث أن طفلى الرضيع يبول على ملابسى وأجد مشقة فى قلعها وغسلها من أجل الصلاة، فهل يكفى المسح عليها دون حاجة إلا غسلها؟
An جاء فى صحيح البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنِّكهم بالتمر، فأتته أم قيس بنت محصن بابن لها لم يأكل الطعام ، فبال في حجره صلى الله عليه وسلم فلم يزد على أن دعا بماء فنضحه ، أى رشه على ثوبه ولم يغسله غسلا، وروى أحمد وأصحاب السنن إلا النسائى قوله صلى الله عليه وسلم " بول الغلام ينضح عليه وبول الجارية يغسل " قال قتادة : وهذا ما لم يطعما ، فإن طعما غسل بولهما .
ذكر النووى فى شرح صحيح مسلم اختلاف العلماء فى كيفية طهارة بول الولد والبنت وقال إن القول بوجوب غسلهما، والقول بالاكتفاء بنضجهما شاذان ضعيفان ، واختار القول الصحيح المشهور عند الشافعية والحنابلة وما ذهب إليه ابن وهب من أصحاب مالك ، وروى عن أبى حنيفة-وهو نضح بول الولد وغسل بول البنت كما يدل عليه حديث أحمد ومن معه ، وحكم بصحته الحافظ ابن حجر فى الفتح .
(أبو حنيفة ومالك يقولان بوجوب غسلهما فى المشهور عنهما) مسلم ج 3 ص 193 .
والنضح -كما اختاره النووى من أقوال العلماء - هو غمر الثوب بالماء غمرا كثيرا لا يبلغ درجة جريانة وتقاطره ، ولا يشترط عصره ، والشرط فى الاكتفاء بالنضح كما قال قتادة إلا يطعم الرضيع شيئا غير لبن المرضع ، فلو تناول طعاما على جهة التغذية فإنه يجب غسل بوله بلا خلاف ، وعليه فإن الأولاد الذين يعتمدون الآن على الغذاء الصناعى أكثر من لبن المرضع يجب غسل بولهم ولا يكتفى بالنضح والرش ، ولا يجوز المسح كما يقول السؤال(8/455)
الحكمة من التفريق بين بول الصبى والصبية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك من حكمة للتفريق بين بول الصبى وبول الصبية؟
An مبدئيا أقول : تنفيذ الأحكام الشرعية لا يشترط له النص على حكمة مشروعيتها، ولا فهم هذه الحكمة، فإن كانت منصوصة فبها، وإلا كان علينا الاتباع ولا بأس من البحث لالتماس حكمة للتشريع ، وسواء صح ما وصل إليه البحث أو لم يصح فذلك لا يؤثر على الحكم الشرعى، وقد حاول العلماء أن يجدوا حكمة لهذا التفريق فأتوا بوجوه ذكر صاحب كفاية الأخيار فى فقه الشافعية عن الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد أنها ركيكة جدًا لا تستحق أن تذكر، وهى راجعة إلى اختلاف طبيعة البول لكل منهما تحتاج فى تحقيقها إلى ذوى الخبرة، ومن أقرب الوجوه أن النفوس أشد تعلقا بالصبيان ولذلك يميلون إلى حملهم كثيرا فخفف الله عنهم طهارة بولهم ، وهذا المعنى مفقود غالبا بالنسبة للإناث ، فجرى الغسل فيهن على القياس ، هذا ما قالوه فىَ ذلك(8/456)
بول الطفل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن طفلى الرضيع يبول على ملابسى وأجد مشقة فى خلعها وغسلها من أجل الصلاة، فهل يكفى المسح عليها دون حاجة إلى غسلها، وهل هناك فرق بين بول الطفل وبول الطفلة ؟
An جاء فى صحيح البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم يدعو لهم بالبركة - ويحنكهم بالتمر، فأتته أم قيس بنت محصن بابن لها لم يأكل الطعام ، فبال فى حجره صلى الله عليه وسلم فلم يزد على أن دعا بماء فنضحه ، أى رشه على ثوبه ولم يغسله غسلا .
وروى أحمد وأصحاب السنن إلا النسائى قوله صلى الله عليه وسلم "بول الغلام ينضح عليه ، وبول الجارية يغسل " قال قتادة : وهذا ما لم يطعما ، فإن طعما غسل بولهما .
يؤخذ من هذا أن بول الطفل والطفلة نجس ، ويجب تطهير الثوب منهما، فقد ثبت ذلك من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ومن قوله ، والتطهير يكون بنضح بول الطفل الذكر، وبغسل بول الطفلة الأنثى ، والشرط فى ذلك عدم تغذيهما بالطعام كما قال قتادة .
والإمام النووى ذكر فى شرح صحيح مسلم " ج 3 ص 193 " اختلاف العلماء فى كيفية طهارة بول الولد والبنت -وقال إن القول بوجوب غسلهما والقول بالاكتفاء بنضحهما شاذان ضعيفان -أى القول بوجوب الغسل مطلقا فيهما، والقول بالاكتفاء بالنضح مطلقا فيهما شاذان ضعيفان -واختار القول الصحيح المشهور عند الشافعية والحنابلة وما ذهب إليه ابن وهب من أصحاب مالك ، وروى عن أبى حنيفة، وهو نضح بول الولد وغسل بول البنت ، كما يدل عليه حديث أحمد ومن معه ، وحكم بصحته الحافظ ابن حجر فى الفتح . [ أبو حنيفة ومالك يقولان بوجوب غسلهما فى المشهور عنهما ] .
والنضح -كما اختاره النووى من أقوال العلماء -هو غمر الثوب بالماء غمرا كثيرا لا يبلغ درجة جريانه وتقاطره ولا يشترط عصره ، والشرط فى الاكتفاء بالنضح -كما قال قتادة - ألا يطعم الرضيع شيئا غير لبن المرضع . فلو تناول طعاما على جهة التغذية فإنه يجب غسل بوله بلا خلاف . وعليه فإن الأولاد الذين يعتمدون الآن على الغذاء الصناعى أكثر من لبن المرضع يجب غسل بولهم ، ولا يكتفى بالنضح والرش ، ولا يجوز المسح كما جاء فى السؤال .
أما عن الفرق فى الحكم بين الصبى والصبية فأقول : إن تنفيذ الأحكام الشرعية لا يشترط له النص على حكمة مشروعيتها . فإن كانت منصوصة فبها ، وإلا كان علينا الاتباع ولا مانع من البحث لمعرفة حكمة التشريع وسواء صح ما وصل إليه البحث أو لم يصح فذلك لا يؤثر على الحكم الشرعى .
وقد حاول العلماء أن يجدوا حكمة لهذا التفريق فأتوا بوجوه ذكر صاحب "كفاية الأخيار" فى فقه الشافعية عن الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد أنها ركيكة جدا لا تستحق أن تذكر، وهى راجعة إلى اختلاف طبيعة البول لكل من الولد والبنت تحتاج فى تحقيقها إلى ذوى الخبرة .
ومن أقرب الوجوه أن النفوس أشد تعلقا بالصبيان الذكور، ولذلك يميل الناس وبخاصة الآباء والأمهات إلى حملهم كثيرا، فخفف الله عنهم فى طهارة بولهم . وهذا المعنى مفقود غالبا بالنسبة للإناث فجرى الغسل فيهن على القياس .
هذا ما قالوه ، والله أعلم بصحته ، وإن كان الحكم لا يتغير(8/457)
تجديد الوضوء لكل صلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للإنسان ان يصلِّى بالوضوء الواحد فرضين أو ثلاثة ، أو لابد من الوضوء لكل فرض ؟
An إذا توضأ الإنسان ولم ينتقض وضوءه يجوز أن يصلى به أكثر من فرض من فروض الصلاة ، ولكن الأفضل أن يجدد هذا الوضوء الذى لم ينتقض أما إن نقض فالواجب أن يتوضأ للصلاة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك " رواه أحمد بإسناد حسن ، ويقول "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات " رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه "الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى"ج 1 ص 73 . وقال بعد ذلك . وأما الحديث الذى يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء على الوضوء نور على نور" فلا يحضرنى له أصل من حديث النبى صلى الله عليه وسلم ولعله من كلام بعض السلف .
هذا، وقد كان من عادة النبى صلى الله عليه وسلم تجديد الوضوء لكل صلاة ولكن خالف هذه العادة يوم الفتح ، فصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، ولما سأله عمر عن ذلك قال " تعمدته يا عمر" وذلك حتى لا تظن أنه واجب فيشق عليهم ، وفعل مثل ذلك فى خيبر، والنصوص المثبتة لذلك يرجع إليها فى فتح البارى لابن حجر "كتاب الوضوء" وفى كتاب المواهب اللدنية بشرح الزرقانى "ج 7 ص 246 ، 247 "(8/458)
النوم والوضوء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ينتقض الوضوء بالنوم ؟
An من الأمور التى ينتقض بها الوضوء النوم المستغرق الذى لا يبقى معه إدراك مع عدم تمكن المقعدة من الأرض ، فالذى ينام على جنبه أو على ظهره ينتقض وضوءه ، أما الذى ينام جالسا فإن كان متمكنا من المقعد لا يميل يمنة ولا يسرة مثلا فإن وضوءه لا ينتقض .
وبهذا يمكن التوفيق بين النصوص التى فيها نقض الوضوء بالنوم مطلقا، والنصوص التى ليس فيها نقض الوضوء بالنوم .
فمما جاء بالنقض مطلقا حديث رواه أحمد والنسائى والترمذى وصححه عن صفوان بن عسال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرًا - مسافرين - ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم . والمراد أن الخف لا ينزع عند انتقاض الوضوء بالغائط أو البول أو النوم وينزع عند الحنابلة الموجبة للغسل والسفر جمع سافر كصاحب وصحب ، وهو الخارج للسفر .
ومما جاء بعدم النقض بالنوم حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذى كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ، ثم يصلون ولا يتوضئون ، وفى رواية أخرى، لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى لأسمع لأحدهم غطيطا ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون .
ومن الأحاديث الواردة فى النقض ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه " العين وكاء السه ، فمن نام فليتوضأ" والوكاء هو الخيط الذى يربط به الكيس ، والسه هو الدبر. ومما ورد فى عدم النقض ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : بتُّ عند خالتى مميونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى للصلاة-فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدى فجعلنى من شقه الأيمن ، فجعلت إذا أغفيت - نمت أو نعست - يأخذ بشحمة أذنى قال : فصلى إحدى عشرة ركعة .
والنووى فى شرحه لصحيح مسلم "ج 4 ص 73" ذكر ثمانية مذاهب فى نقض الوضوء بالنوم :
الأول -أنه لا ينقض الوضوء على أى حال كان .وهو محكى عن أبى موسى الأشعرى من الصحابة، وسعيد بن المسيب من التابعين وغيرهما .
الثانى-أنه ينقض الوضوء بكل حال ، وهو مذهب الحسن البصرى والمزنى وإسحاق بن راهويه ، وهو قول غريب للشافعى، وأخذ به ابن المنذر وروى معناه عن ابن عباس وأنس وأبى هريرة .
الثالث - أن كثير النوم ينقض بكل حال ، وقليله لا ينقض بحال ، وهذا مذهب الزهرى وربيعة والأوزاعى ، ومذهب مالك وكذلك أحمد فى إحدى الروايتين .
الرابع -أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوءه ، سواء كان فى الصلاة أو لم يكن ، وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض .وهذا مذهب أبى حنيفة وداود ، وهو قول للشافعى غريب .
الخامس -أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد ، روى هذا عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .
السادس - أنه لا ينقض إلا نوم الساجد ، وروى أيضا عن أحمد رضى الله عنه .
السابع -أنه لا ينقض النوم فى الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة ، وهو قول ضعيف للشافعى رحمه الله تعالى .
الثامن -أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض ، وإلا انتقض ، سواء قل أو كثر سواء كان فى الصلاة أو خارجها ، وهذا مذهب الشافعى ، وعنده أن النوم ليس حدثا فى نفسه ، وإنما هو دليل على خروج الريح ، فإذا نام غير ممكن المقعدة غلب على الظن خروج الريح . فجعل الشرع هذا الغالب كالمحقق .
ثم قال النووى : قال أصحابنا : وكان من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعا للحديث الصحيح عن ابن عباس قال : نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه ، ثم صلى ولم يتوضأ .
ثم ذكر النووى فروعا فيها حكم النعاس وهو النوم الخفيف الذى تفتر فيه الحواس من غير سقوطها وفيها حكم القاعد المحتبى إذا نام وفيه ثلاثة أقوال ، فيرجع إليها فى المرجع المذكور(8/459)
وضع اليدين فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الوضع الصحيح لليدين أثناء القيام فى الصلاة ؟
An اتفق العلماء على أنه لم يرد ما يوجب على المصلى أن تكون يداه فى وضع معين وهو في قيام الصلاة، فليس ذلك ركنا ولا شرطا من شروط صحة الصلاة . وحجتهم فى ذلك حديث المسىء صلاته ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لما علمه كيفية الصلاة لم يتعرض فيها لوضع اليدين . فدل ذلك على عدم وجوبه . ولكن اختلفوا بعد ذلك فى الوضع المختار لليدين أثناء القيام فى الصلاة .
1 -فقيل : يسن وضع إحدى اليدين على الأخرى، وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . روى ذلك عن علي وأبى هريرة ، وعن النخعى وسعيد بن جبير، وعن الثورى والشافعى وأصحاب الرأى .
. وحكاه ابن المنذر عن مالك ، كما نقله ابن الحكم عنه أيضا .
2 - وقيل : يسن إرسال اليدين . أى تركهما إلى الجانبين ، رواه ابن المنذر عن ابن الزبير، وعن الحسن البصرى ، كما نقله النووى عن الليث بن سعد، ونقله ابن القاسم عن مالك ، وهو ظاهر مذهبه الذى عليه أصحابه ، كما نقله المهدى فى البحر عن القاسمية والناصرية والباقر " من الشيعة" .
3 - وقيل : يخير المصلى بين وضع يديه وبين إرسالهما دون ترجيح واحد منهما . نقله ابن سيد الناس عن الأوزاعى وجاء فى كلام الشافعى ما يشير إليه .
وأصحاب الرأى الأول الذين قالوا بسنية وضع اليدين إحداهما على الأخرى قالوا : إن ذلك يكون بوضع اليد اليمنى على اليد اليسرى .
وحجتهم فى ذلك ما ياتى :
(أ) عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة . قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . رواه البخارى .
(ب ) عن وائل بن حجر أنه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال فى وصفه ، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد . رواه مسلم وأحمد . وفى رواية لأحمد وأبى داود : ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد .
(ج ) عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به وهو واضع شماله على يمينه . فأخذ يمينه فوضعها على شماله . رواه أبو داود .
(د) عن غطيف قال : ما نسيت من الأشياء فلم أنس أنى رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله فى الصلاة : رواه أحمد فى مسنده .
(هـ ) عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه . رواه الترمذى وقال :
حديث حسن .
إلى غير ذلك من الأحاديث التى أوصلها بعضهم إلى عشرين حديثا مروية عن ثمانية عشر من الصحابة والتابعين . وحكى الحافط عن ابن عبد البر أنه قال : لم يأت عن النبى صلى لله عليه وسلم فيه خلاف .
وأصحاب هذا القول اختلفوا فى أمرين ، الأمر الأول في كيفية وضع اليد اليمنى على اليسرى ، والأمر الثانى فى مكان وضعهما على الصدر .
أما الأمر الأول فقد ورد فى حديث وائل بن حجر الذى سبق ذكره ، وجاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسر والرسغ والساعد. وصور الفقهاء ذلك ، كما فى شرح المنهاج وغيره ، فقالوا : بأن يقبض بيمينه كوع يساره وبعض ساعدها والرسغ . روى بعضه مسلم ، وبعضه ابن خزيمة ، والباقى أبو داود . وقيل يخير بين بسط أصابع اليمنى فى عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد . والمعتمد الأول . ويفرج بين أصابع يسراه وسطا . قال الإمام الشافعى :
والقصد من القبض المذكور تسكين اليدين ، فإن أرسلهما ولم يعبث بهما فلا باس ، كما نص عليه فى " الأم " والكوع هو العظم الذى يلى إبهام اليد ، والرسغ هو المفصل بين الكف والساعد ، أما البوع فهو العظم الذى يلى إبهام الرجل .
وأما الأمر الثانى فقد ورد فيه ما يأتى :
(أ) عن وائل بن حجر قال : صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره . أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه .
(ب ) عن أبى جرير الضبى عن أبيه قال : رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة . وفى إسناده أبو طالوت عبد السلام بن أبى حازم . قال أبو داود : يكتب حديثه .
(ب ) أخرج أبو داود عن طاوس قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى . ثم يشد بهما على صدره وهو فى الصلاة . وهذا الحديث مرسل ، أى سقط منه الصحابى .
(د) عن على رضى اللَّه عنه : أن من السنة فى الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة . رواه أحمد وأبو داود وفى إسناده عبد الرحمن ابن إسحاق الكونى . قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يضعفه . وقال البخارى : فيه نطر. وقال النووى : هو ضعيف بالاتفاق .
وإزاء هذه النصوص اختلف فى مكان وضع اليدين :
1 -فقال كثيرون : يسن أن يكون وضعهما تحت الصدر وفوق السرة . اعتمادا على النصوص الثلاثة الأولى، وهو قول سعيد بن جبير، وعليه أحمد فى رواية عنه ومالك فى روايته التى قال فيها بمشروعية وضع اليدين لا إرسالهما . وعليه الشافعى أيضا . قال فى شرح المنهاج : ويسن جعل يديه تحت صدره وفوق سرته فى قيامه ، لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم . وحكمة جعلهما تحت صدره أن يكون فوق أشرف الأعضاء وهو القلب ، فإنه تحت الصدر مما يلى الجانب الأيسر. والعادة أن من احتفط على شىء جعل يديه عليه .
2 -وقال جماعة : يسن وضعهما تحت السرة، استنادا إلى الأثر الرابع المروى عن على . وقد علمت أنه ضعيف ، وعليه أبو حنيفة وسفيان الثورى ، وإسحاق بن راهويه وأبو إسحاق المروزى من أصحاب الشافعى . وعليه أحمد فى رواية ثانية عنه .
3-وهناك قول ثالث بالتخيير بينهما بلا ترجيح ، وهو قول الأوزاعى وابن المنذر الذى قال فى بعض تصانيفه : لم يمبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك شىء فهو مخير. وكذلك هو قول أحمد فى رواية ثالثة عنه كما قال ابن قدامة فى " المغنى " لأن الجميع مروى ، والأمر فى ذلك واسع . قال الشوكانى فى " نيل الأوطار " : ولا شىء فى الباب أصح من حديث وائل بن حجر أ هـ . وهو قول الأكثرين .
أما أصحاب الرأى الثانى وهو إرسال اليدين إلى الجانبين لا وضعهما على الصدر فحجتهم فى ذلك ما يأتى :
(أ) حديث جابر بن سمرة ، قال : خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال : "مالى أراكم رافعى أيديكم كأنها أخناب خيل شمس ؟ اسكنوا فى الصلاة " رواه مسلم وأبو داود . قالوا : إن وضع اليدين على الصدر رفع لهما ، ورفعهما منهى عنه 0 ورد ذلك بان هذا الحديث ورد على سبب خاص ، فإن مسلما رواه أيضا عن جابر بلفظ : كنا إذا صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم وقلنا :
السلام عليكم ورحمة اللَّه ، السلام عليكم ورحمة اللَّه ، وأشار بيديه إلى الجانبين ، فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم " علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شُمس ، إنما يكفى أحدكم أن يضع يديه على فخذه . ثم يسلم على أخيه من على يمينه ومن على شماله " .
كما رد هذا الحديث بأن قياس وضع اليدين على الصدر على رفعهما عند السلام قياس مع الفارق ، فإن وضعهما على الصدر ضم وتسكين لهما . أما رفهما عند السلام فحركة واضحة لا تناسب الخشوع .
(ب ) قالوا : إن وضع اليدين على الصدر مناف للخشوع المأمور به فى الصلاة ، ورد قولهم هذا بأن المنافاة للخشوع ممنوعة . بل أن وضعهما على الصدر هو المساعد على الخشوع قال الحافظ : قال العلماء : الحكمة من هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل ، وهو أمنع للعبث وأقرب إلى الخشوع . قال المهدى فى البحر: ولا معنى لقول أصحابنا " الشيعة " : ينافى الخشوع والسكون .
(ج ) كما احتجوا أيضا على أن إرسال اليدين سنة بأن النبى صلى الله عليه وسلم علم المسىء صلاته كيف يصلى، ولم يذكر وضع اليمين على الشمال . كذا حكاه ابن سيد الناس عنهم .
قال الشوكانى : وهو عجيب ، فإن النزاع فى استحباب الوضع لا وجوبه ، وترك ذكره فى حديث المسىء صلاته إنما يكون حجة على القائل بالوجوب . وقد علم أن النبى صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذكر الفرائض فى حديث المسىء أنتهى . هذا وعدم ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لوضع اليدين فى حديث المسىء صلاته لا ينفى استحبابه الذى دل عليه قوله وفعله كما مر ذكره .
أما أصحاب الرأى الثالث وهو التخيير بين وضع اليدين على الصدر وإرسالهما إلى الجانبين فاحتجوا بأن عدم ذكر شىء عنهما فى حديث المسىء صلاته يدل على عدم تعين كيفية خاصة، ورد ذلك بأن المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله وفعله يعين استحباب وضعهما لا إرسالهما .
وخلاصة الموضوع أن أرجح الأقوال هو استحباب قبض اليد اليمنى على رسغ اليد اليسرى، ووضعهما على أسفل الصدر فوق السرة، ويجوز إرسالهما عند السكون ، وذلك هو قول الشافعية ، هذا وليس هناك دليل صحيح على أن اليدين يسن وضعهما لأعلى الصدر عند العنق وأن أخذ بعض الناس من قوله تعالى{ فصل لربك وانحر } أن المراد : ضع يدك اليمنى على اليسرى تحت النحر، تفسير لا أصل له يعتمد عليه ، يقول ابن كثير : ويروى هذا عن على ولا يصح . كما ذكره الشوكانى، لأن المعنى-الصحيح للآية : اجعل يا محمد صلاتك وتقربك بنحر الإبل للَّه لا للأصنام كما يفعل المشركون .
وأنبه إلى أن الأمر واسع كما قال ابن قدامة ،. ولا يجوز التعصب لرأى من الآراء ، والخلاف والتنازع فى هذه الهيئة البسيطة مع عدم الاهتمام بالخشوع الذى هو روح الصلاة والأساس الأول فى قبولها عند اللَّه ، هو ظاهرة مرضية لا صحية . والإسلام قد نهى عن الجدل وبخاصة فى هذه الهيئات البسيطة(8/460)
قراءة البسملة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم قراءة البسملة فى الصلاة ؟
An بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، آية من القرآن الكريم باتفاق العلماء ، وهى آية من النمل { إنه من سليمان وإنه بسم اللَّه الرحمن الرحيم } أما كونها آية من كل ومن الفاتحة بالذات ففيه خلاف بين الفقهاء، بعضهم جعلها فاصلة بين كل سورتين ، وبعضهم جعلها آية من كل ، وعلى هذا لو لم يقرأها المصلى مع الفاتحة هل تصح صلاته أو لا تصح ؟ هناك ثلاثة مذاهب مشهورة فى هذه المسالة ، المذهب الأول أنها آية من الفاتحة ومن كل ، فقراءتها واجبة فى الفاتحة، وحكمها حكم الفاتحة فى السر والجهر، وأقوى دليل لهذا المذهب حديث نعيم قال : صليت وراء أبى هريرة فقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن -أى الفاتحة- وجاء فى آخر الحديث قوله : " والذى نفسى بيده إنى لأشبهكُمْ صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " . رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان ، وقال الحافظ ابن حجر: هو أصح حديث ورد فى البسملة .
المذهب الثانى أنها آية مستقلة نزلت للتبرك والفصل بين السور، وقراءتها فى الفاتحة جائزة بل مستحبة، لكنها غير واجبة وتصح الصلاة بدونها، وهذا المذهب يقول : لا يجهر بالبسملة، ولكن تقال سرا .
والدليل عليه قول أنس : صليت خلف الرسول وأبى بكر وعمر وعثمان وكانوا لا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم ، رواه النسائى وابن حبان بإسناد على شرط الشيخين .
والمذهب الثالث أنها ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها ، وتصح الصلاة بدونها ، وقراءتها مكروهة فى الفرض دن النافلة ، وليس لهذا المذهب دليل قوى .
ويمكن أن يقال :أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها أحيانا وأحيانا كان يسر بقراءتها ، وما دام الأمر خلافيا فلا يجوز التعصب لرأى من الآراء، وأرى أن الإتيان بها ينفع ولا يضر، وأن عدم الإتيان بها لا يفسد ا لصلاة(8/461)
قول آمين بعد الفاتحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب على من يقرا الفاتحة فى الصلاة أن يقول بعدها " آمين " وهل يجهر بها أو يسر ؟
An كلمة آمين معناها : اللهم استجب ، وفيها لغتان مشهورتان : المد على وزن فاعيل مثل ياسين ، والقصر على وزن يمين . وهى ليست من القراَن ، ويسن قولها بعد كل دعاء ، روى أبو داود عن أبى زهير النميرى أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد رجلا يلح فى المسألة ، أى الدعاء ، فوقف يسمع منه ثم قال " أوجب إن ختم " وسئل عن الختم فقال "بآمين " .
وفى الخبر " لقننى جبريل آمين عند فراغى من فاتحة الكتاب وقال : إنه كالخاتم على الكتاب .
وثبت فى الحديث " إذا أمنَ الإمام فأمنوا ، فإنه مَنْ وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخارى ومسلم وغيرهما بعبارات مختلفة ويستحب التأمين فى الصلاة للإمام والمأموم والمنفرد .
يقول النووى فى " الأذكار " : ويجهر به الإمام والمنفرد فى الصلاة الجهرية ، والصحيح أن المأموم أيضا يجهر به ، سواء كان الجمع قليلا أو كثيرا ، ويستحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده - للحديث المتقدم - وليس فى الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإمام إلا فى قوله آمين . وأما باقى الأقوال فيتأخر قول المأموم .
وجاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 129" أن العلماء اختلفوا: هل يقولها الإمام وهل يجهر بها فذهب الشافعى ومالك فى رواية المدنيين إلى ذلك ، وقال الكوفيون وبعض المدنيين : لا يجهر بها . وروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقولها بل يقولها المأمون ، والدليل حديث مسلم " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ، يحبكم اللَّه " والصحيح قول الإمام لها لحديث أبى داود والدارقطنى عن وائل بن حُجْر: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قرأ "ولا الضالين " قال " آمين " يرفع بها صوته .
وقال عطاء "آمين " دعاء ، أمَّن ابن الزبير ومن وراءه ، حتى إن للمسجد للجَّة أى صوتا أو دويا، قال الترمذى : وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين لا يخفيها ، وبه يقول الشافعى وأحمد وإسحاق ، وفى الموطا والصحيحين قال ابن شهاب : وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول "آمين " وفى سنن ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قال " غير المغضوب عليهم ولا للضالين " قال " آمين " حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد .
يقول القرطبى : قال أصحاب أبى حنيفة : الإخفاء بآمين أولى من الجهر بها، لأنه دعاء وقد قال اللَّه تعالى " ادعوا ربكم تضرعا وخفية " ورد عليه بأن إخفاء الدعاء أفصل لما يدخله من الرياء . أما صلاة الجماعة فشهودها إشهار شعار ظاهر، وإظهار حق يُنْدَبُ العباد إلى إظهاره ، وقد ندب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء والتأمين فى آخرها ، فإذا كان الدعاء مما يُسنُّ الجهر فيه فالتأمين على الدعاء تابع له وجارٍ مجراه . وهذا بيِّن .
ثم تحدث القرطبى عن أن كلمة " آمين " لم تكتب قبلنا إلا لموسى وهارون عليهما السلام . ذكر حديث ابن ماجه " ما حسدتكم اليهود على شىء ما حسدتكم على السلام والتأمين " والمراد بالسلام هو تحية المسلمين لأنها تحية أهل الجنة ، هذا وذكر الحافظ المنذرى هذا الحديث وقال : رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن خزيمة فى صحيحه وأحمد ولفظه : أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود فقال " إنهم لم يحسدونا على شىء كما حسدونا على الجمعة هدانا اللَّه لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التى هدانا اللَّه لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين " .
يؤخذ من هذا أنه يندب قول آمين لكل مصلٍّ قراءة الفاتحة كما يندب الجهر بها للإمام والمأموم وتحرى موافقة المأموم للإمام فيها ، وذلك على رأى جمهور الفقهاء وفيه إظهار لشعيرة الصلاة والاجتماع عليها ، وهو أولى بالأتباع من رأى أبى حنيفة لأمرين : أنه رأى الأغلبية الذى تؤيده النصوص القوية ، وأن فيه إشهارًا وإعلامًا بشعيرة إسلامية ومظهرا من مظاهر الوحدة(8/462)
ركعتان قبل المغرب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك ركعتان سنة قبلية لصلاة المغرب ؟
An هناك أحاديث عامة يؤخذ من عمومها مشروعية صلاة ركعتين قبل المغرب ، وهناك أحاديث خاصة بمشروعيتها .
فمن الأحاديث العامة ما رواه البخارى ومسلم " بين كل أذانين - الأذان والإقامة - صلاة لمن شاء " وما رواه ابن حبان فى صحيحه " ما من صلاة مفروضة إلا وببن يديها ركعتان " .
ومن الأحاديث الخاصة ما رواه البخارى ومسلم أن الصحابة كانوا يصلون ركعتين قبل المغرب قبل أن يخرج إليهم النبى صلى الله عليه وسلم . وفى رواية لمسلم وأبى داود ، وقال أنس رآنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا ولم ينهنا ، وقال عقبة : كنا نفعل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم ، وجاء حديث البخارى وأحمد وأبى داود " صلوا ركعتين قبل المغرب لمن شاء " .
يؤخذ من هذا أن مشروعية صلاة ركعتين قبل المغرب ثابتة بقول النبى صلى الله عليه وسلم وبإقراره ، وكون الرسول لم يصلها لا ينفى الاستحباب ، كما أن مشروعيتها ثابتة بفعله أيضا كما رواه ابن حبان .
وبعض الفقهاء لم يستحبها بناء على ما روى عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما أنه لم ير أحدا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يصليهما . لكن رواية المثبت ، وهو أنس ، تقدم على رواية النافى وهو ابن عمر ذلك إلى جانب أن الأحاديث السابقة لم يرد ما ينسخها، فتبقى محكمة . وما يقال من أن صلاتهما تؤدى إلى تأخير صلاة المغرب قول مردود بأمر النبى بهما وبإقراره لهما ، وبأن زمنهما يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها " نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 8 " .
وجاء فى المواهب اللدنية القسطلانى (ج 2 ص 272 ، 273 ) أنهما مستحبتان عند الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأصحاب الحديث ، وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونها، رواه عنهم محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعى عنهم ، وهو منقطع كما قال الزرقانى شارح المواهب ، فادعى بعض المالكية نسخهما ، وتُعُقِّب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها .
وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين . ويتابع القسطلانى كلامه فيقول : وعن مالك قول أخر باستحبابهما ، وهو عند الشافعية وجه رجحه النووي ومن اتبعه ، وقال فى شرح مسلم : مجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما، وقال المحب الطبري : لم يرد نفى استحبابهما لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب ، بل هذا الحديث من أول الأدلة على استحبابهما .
وروى مسلم عن أنس : كنا بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السوارى فركعوا ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت ، من كثرة من يصليهما .
وبعد ، فأرجو من المسلمين ألا يثيروا فتنة بسبب التعصب لمسائل فرعية خلافية. فمن شاء صلاهما ومن شاء لم يصلهما كما أرجو ألا يبادروا بالحكم على الأشياء قبل دراستها والتثبت منها ومعرفة آراء العلماء فيها، وأن تكون دعوتهم إلى ما يريدون دعوة قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة(8/463)
عدد ركعات التراويح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم التراويح عشرين ركعة ؟
An روى البخارى وغيره عن السيدة عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى ثلاثا .
وقولها : " يصلى أربعا " لا ينافى أنه كان يسلم من ركعتين ، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى " . وقولة " يصلى ثلاثا" معناه أنه يوتر بواحدة والركعتان شفع . روى مسلم عن عروة عن السيدة عائشة قالت : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، وجاء فى بعض الطرق لهذا الحديث : يسلم من كل ركعتين .
وروى ابن حبان وابن خزيمة فى صحيحيهما عن جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثمانى ركعات والوتر، ثم انتظروه فى القابلة فلم يخرج إليهم .
هذا هو ما صح من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يصح عنه شىء غيرذلك .
لكن صح أن الناس كانوا يصلون على عهد عمر وعثمان وعلى رضى اللَّه عنهم عشرين ركعة، وهو رأى جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة وداود .
قال الترمذى : وأكثر أهل العلم على ما روى عن عمر وعلى وغيرهما من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة . وهو قول الثورى وابن المبارك والشافعى . وقال : هكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة، وذهب مالك إلى أنها ست وثلاثون ركعة غير الوتر. قال الزرقانى فى شرح المواهب اللدنية : وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولا إحدى عشرة ركعة، وكانوا يطيلون القراءة ، فثقل عليهم ، فخففوا القراءة وزادوا فى عدد الركعات . فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة . ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستا وثلاثين غير الشفع والوتر. ومضى الأمر على ذلك .
هذا ، وقد قال الحافظ فى الجمع بين الروايات : أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث تطؤل القراءة تقلل الركعات ، وبالعكس .
وبه جزم الداودى وغيره .
ثم ذكر الحافظ أن أهل المدينة كانوا يصلونها ستا وثلاثين لمساواة أهل مكة، فإنهم كانوا يطوفون سبعا بين كل ترويحتين ، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات(8/464)
اختلاف الصلاتين بين الإمام والمأموم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تصح صلاة الظهر خلف إمام يصلى العصر؟
An لو صلى المأموم الظهر خلف إمام يصلى العصر مثلا، أو صلى خلف إمام يصلى نافلة، أو صلى أداء خلف قضاء فهل تصح الصلاة ؟ الإمام الشافعى أجاز الإقتداء بأى إمام يصلى أية صلاة ، فرضا كانت أو نافلة قضاء أو أداء ، ما دامت صلاة الإمام ذات ركوع وسجود ، والممنوع هو صلاة فرض أو نفل خلف من يصلى صلاة الجنازة لخلوها من الركوع والسجود . وخلف صلاة الكسوف .
أما عند غير الشافعى فقد جاء فى فقه المذاهب الأربعة : أنه لا يجوز إقتداء المفترض بالمتنقل إلا عند الشافعية، وأن من شروط صحة الإمامة اتحاد فرض الإمام والمأموم ، فلا تصح صلاة ظهر خلف عصر ، ولا ظهر أداء خلف ظهر قضاء ولا عكسه ، ولا ظهر يوم السبت خلف ظهر يوم الأحد وإن كان كل منهما قضاء ، وذلك عند الأحناف والمالكية، أما الشافعية والحنابلة فقالوا : يصح الإقتداء فى كل ما ذكر، إلا أن الحنابلة قالوا : لا يصح ظهر خلف عصر ولا عكسه ونحو ذلك ، والشافعية قالوا : يشترط اتحاد صلاة المأموم وصلاة الإمام فى الهيئة والنظام ، فلا يصح ظهر مثلا خلف صلاة جنازة لاختلاف الهيئة، ولا صلاة صبح مثلا خلف صلاة كسوف ، لأن صلاة الكسوف ذات قيامين وركوعين ومذهب الشافعى أيسر المذاهب فى هذا الموضوع(8/465)
انفراد المأموم عن الصف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم المأموم الذى يصلى منفردا خلف الصفوف ؟
An 1 - عن أنس رضى اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " رواه البخارى ومسلم ، وفى رواية للبخارى عن أبى هريرة " فإن إقامة الصف من حسن الصلاة " .
2 - وعن أنس رضى اللّه عنه قال ، كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول " تراصوا واعتدلوا " رواه البخارى ومسلم .
3- وعن أبى أمامة رضى اللّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " سووا صفوفكم ، وحافوا بين مناكبكم ، ولينوا فى أيدى إخوانكم ، وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيها بينكم بمنزلة الحذف " يعنى أولاد الضأن الصغار. رواه أحمد .
4 - وعن جابر بن سمرة رضى اللَّه عنه قال : خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها " فقلنا يا رسول اللَّه كيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال " يتمون الصف الأول ، يتراصون فى الصف " رواه الجماعة إلا البخارى والترمذى .
التسوية والاعتدال والإقامة والاستقامة معناها : اتخاذ سمت واحد وعدم الاعوجاج ، والتراص عدم وجود فرج ، وقد يراد به التسوية .
تدل هذه الأحاديث على ندب التسوية فى الصفوف وسد الفرج وإتمام الصف الأول ، وجاءت أحاديث صحيحة بفضل الصلاة فى الصف الأول ، وأنه خير من الصف الذى يليه .
وبهذا يعلم أن المصلى لو دخل فوجد الجماعة مقامة وأن الصف الأول غير تام أو فيه فرجة فانفراده بصف مكروه ، ولا خلاف فى ذلك ، لكن هل مع الكراهة تصح صلاته أو تبطل وعليه إعادتها ؟ الجواب عن ذلك يترتب على بيان الحكم فيمن لم يجد فرصة فى الصف الأول فصلى وحده ، وقد وردت فى ذلك أحاديث منها :
1 - عن على بن شيبان أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له " استقبل صلاتك ، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف " رواه أحمد وابن ماجه ، وقال أحمد : انه حديث حسن .
2 - عن وابصة بن معبد أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده ، فأمره أن يعيد صلاته . أخرجه الخمسة إلا النسائى ، ورواه الدارقطنى وابن حبان وحسنه الترمذى .
3 - عن أبى بكرة أنه انتهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو راكع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " زادك اللَّه حرصا ولا تعد " ، أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والنسائى وابن حبان .
إزاء هذه الأحاديث اختلف السلف فيمن لم يجد فرجه ولا سعة فى الصف الأول فصلى وحده .
أ - فقالت طائفة : لا يجوز ولا تصح صلاته . وممن قال به النخعى وأحمد وإسحاق ، وحجتهم الحديثان الأولان ، وعلى قولهم هذا يكون الحكم من باب أولى على من تمكن من الدخول فى الصف الأول ولم يدخل بل صلى وحده .
ب - وقالت طائفة أخرى : تجوز صلاته ولا إعادة عليه ، ومنهم الحسن البصرى والأوزاعى ومالك والشافعى وأصحاب الرأى ، وحجتهم فى ذلك الحديث الثالث ، حيث لم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكرة بالإعادة، ومثل هذا الحكم فيمن صلى وحده مع وجود فرجة فى الصف الأول .
ورد هؤلاء على حجة الأولين بأن الأمر بالإعادة فى حديث وابصة هو للندب ، للمبالغة فى المحافظة على الأولى والأحسن . ومن متمسكاتهم ما روى أن الشافعى كان يضعف حديث وابصة ويقول : لو ثبت لقلت به ، ولكن البيهقى-وهو من الشافعية- قال : إن الخبر ا لمذكور ثابت وهناك اتجاه للجمع بين الأخبار، وهو: أن الأمر بالإعادة يحمل على من انفرد عن الصف لغير عذر، والأمر على سبيل الوجوب عند أحمد والندب عند غيره ، ويحمل عدم الأمر بالإعانة على من انفرد عن الصف لعذر، مع خشية الفوات لو انضم إلى الصف . وفسّر الشراح قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكرة " ولا تعد " بمعنى لا تعد إلى التأخر عن الصلاة ، أو لا تعد إلى الإتيان إلى الصلاة مسرعا ، وذلك مبنى على الخلاف فى التاء من " تعد" هل هى مفتوحة أو مضمومة .
وعلى هذا من لم يجد فرجة ولا سعة فى الصف فما الذى يفعله ؟ قيل : يقف منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا ، لأنه لو جذبه إليه لفؤت عليه فضيلة الصف الأول ، ولأوقع الخلل فى الصف . وبهذا قال الطبرى ، وحكاه عن مالك . وقال أكثر أصحاب الشافعى : يجذب إلى نفسه واحدا ، ويستحب للمجذوب أن يساعده ، وروى عن عطاء والنخعى أن الداخل إلى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز أن يجذب إلى نفسه واحدا ليقوم معه ، واستقبح ذلك أحمد وإسحاق ، وكرهه الأوزاعى ومالك . وقال بعضهم : جذب الرجل فى الصف ظلم .
واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى من حديث وابصة : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف " أيها المصلى، هلا دخلت فى الصف أو جررت رجلا من الصف ، أعد صلاتك " وهو ضعيف ورواه أبو داود مرسلا، وما رواه الطبرانى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما فى جذب رجل إليه إسناده واه .
" انظر نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 226 "(8/466)
القراءة خلف الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم قراءة المأموم خلف الإمام ؟
An قراءة المأموم خلف الإمام فيها خلاف كبير للفقهاء، نشرت خلاصته فى كتاب " الإسلام ومشاكل الحياة " جاء فيها :
أن القراءة إما أن تكون للفاتحة أو للسورة والآية، فقراءة المأموم للفاتحة واجبة عند الإمام الشافعى إلا إذا كان مسبوقا بجميع الفاتحة أو بعضها فإن الإمام يتحمل عنه ما سبق به فى الركعة الأولى إن كان الإمام أهلا للتحمل ، ودليله حديث " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " رواه البخارى ومسلم .
وعند الحنفية مكروهة كراهة تحريم فى الصلاة السرية والجهرية لحديث " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له " وهو حديث ضعيف وقد أثر هذا المنع عن ثمانين من كبار الصحابة ، وإعمالا للنصين قال الشافعى : إن عدم قراءة المأموم خاص بالسورة لا بالفاتحة .
وعند المالكية أن القراءة خلف الإمام مندوبة فى الصلاة السرية ، مكروهة فى الصلاة الجهرية ، إلا إذا قصد مراعاة الخلاف فتندب .
وكذلك قال الحنابلة إنها مستحبة فى السرية وفى سكتات الإمام فى الجهرية ، وتكره حال قراءة الإمام فى الصلاة الجهرية .
هذا حكم قراءة الفاتحة، أما قراءة غيرها فهى سنة عند الشافعية إذا لم يسمع المأموم قراءة الإمام ، أما إذا سمع فلا تسن له . وقال الحنفية :
لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف الإمام مطلقا لا الفاتحة ولا السورة، وقال المالكية : تكره القراءة للمأموم فى الجهرية وإن لم يسمع أو سكت الإمام .
وقد روى فى ذلك حديث عبادة بن الصامت ، قال : صلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال : " إنى أراكم تقرءون وراء إمامكم " قال : قلنا يا رسول اللَّه إى واللَّه ، قال : " لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن يقرأ بها " رواه أبو داود والترمذى . وفى لفظ : " فلا تقرءوا بشىء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن " رواه أبو داود والنسائى والدارقطنى وكلهم ثقات .
هذا وروى أبو داود وأحمد والترمذى وقال حديث حسن ، عن الحسن بن سمرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتتين ، إذا استفتح الصلاة - يعنى بعد تكبير الإحرام -وإذا فرغ من قراءة الفاتحة .
قال الخطابى : إنما كان يسكت فى الموضعين ليقرأ من خلفه فلا ينازعونه القراءة إذا قرأ .
وفى الحديث المتقدم الذى رواه أبو داود وغيره قال النووى ، عن أصحاب الشافعى : يسكت قدر قراءة المأمومين للفاتحة ، وقد ذهب إلى استحباب هذه السكتات الثلاثة - قبل دعاء الاستفتاح ، وبعد الفاتحة ، وقبل الركوع - الأوزاعى والشافعى وأحمد وإسحاق . وقال أصحاب الرأى- أبو حنيفة وأصحابه -ومالك : السكتة مكروهة .
وللمأموم أن يختار من هذه الآراء ما يشاء دون تعصب ضد من يختار رأيا آخر، والموضوع مبسوط فى تفسير القرطبى " ج 1 ص 117 -127 " لمن أراد الإطلاع على أدلة الأقوال ومناقشتها ، فيرجع إليه(8/467)
إمامة الفاسق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يجوز لرجل يتعاطى المخدرات أن يكون إماما فى الصلاة ؟
An روى البخارى أن عبد اللَّه بن عمر كان يصلى خلف الحجاج ابن يوسف الثقفى، وروى مسلم أن أبا سعيد الخدرى صلى خلف مروان صلاة العيد، وصلى عبد اللّه بن مسعود خلف الوليد بن عقبة بن أبى معيط وكان يشرب الخمر، وفى مرة صلى الصبح بالمصلين أربع ركعات فجلده عثمان بن عفان على ذلك ، وكان الصحابة و التابعون يصلون خلف ابن عبيد، وكان متهما بالإلحاد وداعيا إلى الضلال .
فكل من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره ما لم يكن أقل منه .
ولكن الصلاة خلف المنحرفين مكروهة، فقد حدث أن رجلا أمَّ قوما فبصق جهة القبلة والرسول ينظر إليه فقال : " لا يصلى لكم " فمنعوه من الصلاة من أجل ذلك ، ولما شكا للرسول قال له " نعم ، إنك آذيت اللَّه ورسوله " رواه أبو داود وابن حبان ، وسكت عنه أبو داود والمنذرى فهو حديث مقبول .
فإذا وجد شخص مستقيم كانت الصلاة خلفه أولى . أما إذا تحتم المشبوه أو المنحرف لأن وظيفته الإمامة مثلا جازت الصلاة خلفه مع القيام بواجب نصحه ليرضى عنه الناس ويستريحوا لإمامته ، فقد جاء فى الحديث الذى رواه ابن ماجه وابن حبان فى صحيحه " ثلاثة لا يقبل اللَّه منهم صلاة : إمام قوم وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان ، وأخوان متصارمان " .
هذا ، ومع كون الصلاة خلف الفاسق مكروهة فهى صحيحة غير باطلة ، ويؤيد ذلك إلى جانب ما سبق من روايات البخارى ومسلم حديث البيهقى " صلوا خلف كل بر وفاجر، صلوا خلف كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر" .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 326 " قوله : وأما أهل البدع من أهل الأهواء كالمعتزلة والجهمية وغيرها فذكر البخارى عن الحسن : صَل وعليه بدعته ، وقال أحمد لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعية إلى هواه ، وقال مالك : ويصلى خلف أئمة الجور، ولا يصلى خلف أهل البدع من القدرية وغيرهم ، وقال ابن المنذر: كل من أخرجته بدعته إلى الكفر لم تجز الصلاة خلفه ، ومن لم يكن كذلك فالصلاة خلفه جائزة ، ولا يجوز تقديم مَنْ هذه صفته .
ثم قال القرطبى : وأما الفاسق بجوارحه كالزانى وشارب الخمر ونحو ذلك فاختلف المذهب - المالكى-فيه ، فقال ابن حبيب : من صلى وراء من شرب الخمر فإنه يعيد أبدا-حتمًا -إلا أن يكون الوالى الذى تؤدى إليه الطاعة ، فلا إعادة على من صلى خلفه إلا أن يكون حينئذ سكران ، قاله من لقيت من أصحاب مالك . ثم ذكر القرطبى حديثا فيه " ولا يؤمَّن فاجر برًا إلا أن يكون ذا سلطان " وحكم بأنه ضعيف(8/468)
الأذان والطهارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن المؤذن إذا لم يكن طاهرا يكون سببا فى كثرة الأمراض ؟
An لم يقل أحد من الفقهاء بأن المؤذن يجب أن يكون متطهرا من الحدث والنجس ، وأن الأذان بغير طهارة باطل ، ولكن الطهارة أفضل ، وما يقال من أن الأذان بغير وضوء يكثر الآفات فلا أصل له ، وهو كلام يقصد منه الحث على الطهارة(8/469)
القيام للأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الناس إذا سمعوا الأذان يظلون واقفين ولا يجلسون ، فما هو رأى الدين فى ذلك ؟
An إذا سمع الإنسان الأذان وهو واقف لا يلزمه الاستمرار فى الوقوف حتى ينتهى الأذان ، فله أن يجلس ويتحرك كما يشاء ، ولم يرد بذلك حديث صحيح ولا ضعيف ، كما أنه لا يشرع له الجلوس عند سماع الأذان إذا كان مضطجعا ، فله أن يحكى ألفاظ الأذان مع المؤذن وهو مضطجع ، لأن الآية وردت فى جواز ذكر الله تعالى على كل حال لأولى الألباب قال تعالى { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض } آل عمران : 191 ، وروى مسلم فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه(8/470)
تقبيل الأصابع عند الأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض من يسمعون الأذان يقبلون أصابعهم ويمسحون بها عيونهم عند ذكر النبى صلى الله عليه وسلم ، فهل هذا مشروع ؟
An مسح العينين بالأصابع عند سماع الشهادة برسالة النبى صلى الله عليه وسلم فى الأذان ، وقول : مرحبا بحبيبى محمد بن عبد الله وقرة عينى، والدعاء بالشفاعة -لم يرد به نص صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم . وقد عزا الديلمى فى الفردوس هذا الفعل لأبى بكر الصديق رضى الله عنه وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال - لما رآه فعل ذلك "من فعل مثل ما فعل خليلى فقد حلت له شفاعتى" وهو غير صحيح كما قال الحافظ السخاوى ، بل اخترعت أحاديث تذكر أن من فعل ذلك لم ترمد عيناه أبدا ، منها ما ذكره أحمد بن أبى بكر الرداد اليمنى فى كتابه " موجبات الرحمة وعزائم المغفرة " بسند فيه انقطاع ومجاهيل أن الذى قال ذلك هو الخضر عليه السلام . وما ذكره شمس الدين محمد بن صالح المدنى فى تاريخه مرويا عن الحسن رضى الله عنه .
وما ذكره صاحب " المسائل الملقوطة " أن نور الدين الخراسانى العالم المشهور بمدية شيراز كان يفعل ذلك من غير رواية حديث ، ولما تركه مرضت عيناه ، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم فى المنام فأمره أن يعود لمسح عينيه ففعل فبرئت عيناه .
ذكر ذلك الشيخ عبد الله محمد الصديق الغمارى الحسنى " مجلة الإسلام - المجلد الرابع - العدد 29 " وذكر فى حاشية الصعيدى على كفاية الطالب الربانى على رسالة أبى زيد القيروانى فى مذهب الإمام مالك (ج 1 ص 165 المطبعة العثمانية) وانظر المنحة الوهبية ج 2 ص 36(8/471)
الأوقات التى تكره فيها الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الأوقات التى تحرم أو تكره فيها الصلاة ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس " وروى مسلم أن عمرو بن عبسة سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال له " صل صلاة الصبح ثم اقعد عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع ، فإنها تطلع بين قرنى شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فان الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم اقعد عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم ، فإذا أقبل الفىء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر، ثم اقعد عن الصلاة حتى تغرب ، فإنها تغرب بين قرنى شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار " . وروى الجماعة إلا البخارى عن عقبة بن عامر قال :
ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى فيهن وأن نقبر فيها موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة ، وحين تضَيَّفُ - تميل - للغروب حتى تغرب .
فالأوقات المذكورة فى هذه الأحاديث خمسة : بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، وعند طلوعها حتى ترتفع قدر رمح ، وعند استواء الشمس فى وسط السماء، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، وعند غروبها .
وهناك وقت آخر جاء فى صحيح مسلم وهو عند إقامة الصلاة " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" .
والصلاة المنهى عنها فى هذه الأوقات هى النافلة عند الجمهور، وقصرها الشافعى على النافلة التى لا سبب لها ، أو التى لها سبب متأخر كالاستخارة . وأبو حنيفة منع كل أنواع الصلاة حتى المفروضة ، ما عدا عصر اليوم وصلاة الجنازة .
هذا هو الحكم إجمالا، وهناك تفصيلات فى المذاهب نلخصها فيما يلى :
أولا : مذهب الحنفية :
قالوا : يكره التنفل تحريما فى أوقات هى :
1 - بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح ، إلا سنتها فلا تكره .
2-بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس ، فلا يصلى فى هذا الوقت نافلة ولو سنة الفجر إذا فاته ، لأنها متى فاتت وحدها سقطت ولا تعاد .
3-بعد صلاة فرض العصر إلى غروب الشمس .
4 - بعد الغروب قبل صلاة المغرب إذا أطال ، أما صلاة ركعتين خفيفتين فهى مباحة لأنه لم يثبت دليل على الكراهة .
5-عند خروج الخطيب من خلوته للخطبة .
6 - عند إقامة المؤذن للصلاة المكتوبة ، إلا سنة الفجر إذا أمن فوت الجماعة فى الصبح .
7 -قبل صلاة العيد وبعدها .
8-بين الظهر والعصر المجموعتين فى عرفة جمع تقديم ، ولو سنة الظهر .
9 -بين المغرب والعشاء المجموعتين فى المزدلفة جمع تأخير، ولو سنة المغرب .
10 -عند ضيق وقت المكتوبة .
وإذا وقع النفل فى وقت من هذه الأوقات انعقد مع الكراهة التحريمية ، ويجب قطعه وأداوه فى وقت الجواز .
ولا تنعقد صلاة الفريضة والجنازة وسجدة التلاوة فى ثلاثة أوقات :
1-وقت طلوع الشمس حتى ترتفع ، فلو شرع فى صلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس أثناءها بطلت صلاته .
2-وقت توسط الشمس فى كبد السماء إلى أن تزول .
3-عند احمرار الشمس حتى تغيب ، ويستثنى من ذلك عصر اليوم الحاضر، فإنه يصح أداؤه عند غروب الشمس مع الكراهة التحريمية .
ثانيا - مذهب الحنابلة :
قالوا : يحرم التنفل ولا ينعقد ولو كان له سبب فى أوقات ثلاثة :
1 -من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قدر رمح ، ما عدا ركعتى الفجر فإنها تصح فى هذا الوقت قبل صلاة الصبح ، وتحرم ولا تنعقد بعده .
2 -من صلاة العصر ولو مجموعة مع الظهر تقديما إلى غروب الشمس .
إلا سنة الظهر فإنها تجوز بعد العصر المجموعة مع الظهر .
3- عند توسط الشمس ، فى كبد السماء حتى تزول ، ما عدا ركعتى الطواف فإنها تصح فى هذه الأوقات مع كونها نافلة، ومثلها تحية المسجد حال خطبة الإمام ، أما صلاة الجنازة فتحرم وقت توسط الشمس فى كبد السماء ، وفى وقت شروعها فى الغروب حتى يتكامل ، وفى وقت طلوعها حتى يتكامل ، ولا تنعقد إلا لعذر .
ثالثا - الشافعة :
قالوا : تكره النافلة التى ليس لها سبب تحريما، وكذلك التى لها سبب متأخر، ولا تنعقد فى خمسة أوقات :
1 - بعد صلاة الصبح أداء إلى أن تطلع الشمس .
2 -عند طلوعها إلى ارتفاعها قد رمح .
3-بعد صلاة العصر أداء ولو مجموعة مع الظهر فى وقته .
4 - عند اصفرار الشمس حتى تغرب .
هـ -عند استواء الشمس فى كبد السماء حتى تزول .
ويستثنى من ذلك الصلاة بمكة ، فإنها تنعقد بلا كراهة فى أى وقت من الأوقات كما يستشنى أيضا من الاستواء يوم الجمعة .
نعم تحرم الصلاة مطلقا بعد جلوس الخطيب على المنبر يوم الجمعة إلا تحية المسجد ، ويكره تنزيها التنفل عند إقامة الصلاة المكتوبة غير الجمعة ، أما هى فيحرم التنفل عند إقامتها إن ترتب عليه فوات ركوعها الثانى مع الإمام .
رابعا - المالكية :
قالوا : يحرم التنفل فى سبعة أوقات :
1 -من ابتداء طلوع الشمس إلى تمامه .
2 -من ابتداء غروب الشمس إلى تمامه .
3-حال خطبة الجمعة اتفاقا ، والعيد على الراجح .
4 - حال خروج الإمام للخطبة .
5 - حال ضيق الوقت الاختيارى أو الضرورى للمكتوبة .
6 - حال تذكر الفائتة .
7 - حال إقامة الصلاة للإمام الراتب .
ويكره التنفل فى خمسة أوقات :
1 -بعد طلوع الفجر إلى قبيل طلوع الشمس ، ما عدا سنة الفجر وصلاة الشفع والوتر إذا لم يصلهما حتى طلع الفجر، وصلاة الجنازة وسجود التلاوة فى أحوال خاصة .
2-بعد طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح .
3-بعد أداء صلاة العصر إلى قبيل الغروب ، ما عدا بعض أشياء .
4 -بعد تمام الغروب إلى أن تصلى المغرب .
5 - قبل صلاة العيد أو بعدها بالمصلى .
هذه هى أقوال المذاهب الأربعة ، وأيها يطمئن إليه القلب فلا حرج فى أتباعه . ولا يجوز أن يخطئ بعضنا بعضا فى ذلك ، وإن كان مذهب الشافعى فى رأيى أقرب إلى الحق .
هذا وجمهور العلماء على جواز قضاء الصلاة الفائتة فى الوقت الذى بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، لحديث البخارى ومسلم "من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "(8/472)
صلاة غير المحجبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا غير محجبة ولكن أصوم رمضان 0 فهل يقبل الله صلاتى وصيامى ؟
An العبادة إذا صحت يرجى أن يقبلها الله إذا كانت خالصة لوجهه ، ولا ينبغى أن نجزم بالقبول ، فالأمر مفوض إلى الله سبحانه وهو القائل "إنما يتقبل الله من المتقين " والراجح أن المراد بالمتقين هنا المؤمنون لا المشركون ، لأنها وردت فى قصة هابيل وقابيل ، أما المتقون من المؤمنين فهم الذين لا يعصون الله ، وإن عصوه بادروا بالتوبة ، وهؤلاء أعمالهم الصالحة مقبولة كما أخبر الله ، وذلك من باب التفضل منه ، وليس من باب الوجوب عليه وهم فى الدرجة العليا من القبول .
أما المؤمنون الذين يعصون الله فإن أعمالهم الصالحة لا يحرمهم الله من قبولها ، كما قال سبحانه { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف : 30 ، إلى جانب أن يعاقبهم الله على سيئاتهم كما قال سبحانه { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } الزلزلة : 7 ، 8 .
فالتى تصلى وتصوم صوما صحيحا خالصا لوجه الله يرجى قبول عملها ، ومع ذلك تعاقب على خلع الحجاب لأنه معصية ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود :
114 ، فهو أعلم بحجم المعصية وهل يمكن لثواب الطاعة أن يذهب عقابها ، ذلك أمر موكول إليه سبحانه .
والمؤمن لا ينبغى أن يركن إلى العفو ويؤمل المغفرة ، وينزع من قلبه الخشية والخوف من الله حتى لا يتمادى فى العصيان . بل الواجب عليه إذا فعل معصية أن يبادر بالاستغفار والتوبة حتى يغفر الله له . قال تعالى { وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه : 82 ، وفى الحديث الذى رواه الترمذى " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .
وأنبه إلى أن المتمردة على الحجاب غير خائفة من الله ، لا تبالى بأمره ولا تخشى عقابه ، فهل إذا صلت أو صامت تكون خائفة من عقاب الله إذا لم تصل ولم تصم ؟ لو كانت صلاتها أو صيامها مع هذا الخوف اللازم للقبولا لكان لهذا الخوف أثره على سلوكها فالتزمت الحجاب ، فتمردها على الحجاب أمارة على أنها كانت تصلى وتصوم بدون خوف من الله ، وبالتالى لا يقبل الله منها صلاتها ولا صيامها . قال تعالى { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت : 45 ، وفى المأثور: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا .
روى من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح . ورواه الطبرانى وأسنده ابن مردويه فى تفسيره بإسناد لين ، والطبرانى من قول ابن مسعود : من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وإسناده صحيح " العراقى على الإحياء ج 1 ص 134 " وفى الحديث الصحيح أن امرأة ذكرت عند الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة صيامها وصلاتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها فأخبر أنها لا خير فيها وأنها فى النار .
فالخلاصة أن علامة قبول الطاعة استقامة السلوك ، مع العلم بأن قبول العبادة شىء وصحتها شىء آخر، فقد تكون الصلاة صحيحة بأركانها وشروطها ولكنها غير مقبولة عند الله ولا يحكم عليها بأنها باطلة فليس هناك ربط بين الصحة والقبول . وقد جاء فى الحديث " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها أو خمسها أو ربعها أو ثلثها أو نصفها " رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه .
ومع كل ما تقدم لا ننسى قوله الله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء : 48 ، لكن لا ينبغى أن نرتكن على المشيئة فربما لا يشاء الله المغفرة للإنسان ، كما لا ينبغى الارتكان على قوله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ، إن الله غفور رحيم } التوبة : 102 ، بل ينبغى أن نبادر بالتوبة من المعصية رجاء أن يختم الله لنا بالخير(8/473)
القراءة فى الصلاة من المصحف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى كثيرا ممن يصلون التراويح يمسكون المصحف بأيديهم ويقرءون منه ثم يضمونه ويضعونه فى جيوبهم أو على كرسى ، ثم يأخذونه مرة ثانية، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An معلوم أن قراءة بعض القرآن بعد الفاتحة سنة فى الركعتين الأوليين من الصلاة ، وذلك للإمام والمنفرد، ولو تركت القراءة فالصلاة صحيحة وإن قلَّ ثوابها . وإذا أحب المصلى أن يقرأ فليقرأ ما يحفظه ولو كرره فى الركعات والصلوات ، ولا يلزمه تغيير ما يحفظه ، فإذا أراد أن يقرأ ما لم يحفظ احتاج إلى مصحف أو مكتوب فيه قرآن ، فهل يجوز ذلك ؟ أخرج الإمام مالك أن ذكوان مولى السيدة عائشة رضى الله عنها كان يؤمها فى رمضان ويقرأ من المصحف ، ولا بأس بذلك كما ذهب إليه الشافعية ، والشرط ألا يفعل حركات تبطل الصلاة ، كوضع المصحف ثم حمله وفتحه ليقرأ منه ، فإن ثلاث حركات ليس بينها فاصل طويل تبطل الصلاة، وقد يستعان على عدم كثرة الحركات بوضع المصحف ذى الخط الكبير على شىء مرتفع أمام المصلى ليقرأ منه الصفحة والصفحتين ، ولا يحتاج إلى تقليب الأوراق كثيرا، والقليل من التقليب لا يبطل الصلاة، قال النووى فى المجموع : ولو قلَّب أوراق المصحف أحيانا فى صلاته لم تبطل .
من هذا نرى أن القراءة فى الصلاة من المصحف جائزة عند المالكية ، ولكن محل ذلك هو فى التراويح والنوافل ، أما فى صلاة الفرض ، فمكروهة، لكن الصلاة صحيحة، وكذلك جائزة عند الشافعية والحنابلة كالمالكية فى الجواز فى النفل والكراهة فى الفرض مع صحة الصلاة ، أما الحنفية فقد نقل عن الإمام أبى حنيفة أنها تبطل الصلاة إذا لم يكن حافظا، لأنه عمل طويل . ولأن التلقُّن من المصحف كالتلقن من غيره ، ومثل الحنفية الظاهرية فى البطلان . ومن أدلة المجيزين ما سبق ذكره عن مولى السيدة عائشة وأخرجه مالك . وسئل الزهرى عن رجل يقرأ فى رمضان فى المصحف فقال : كان خيارنا يقرءون فى المصحف ، ومن أدلة المانعين ما رواه ابن أبي داود فى " كتاب المصاحف " أن ابن عباس قال : نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس فى المصاحف . وروى عن بعض التابعين كراهته . والشرط عند الجواز عدم الفعل الكثير . والأولى أن يكون ذلك لغير الحافظين وفى النوافل ، واختلافهم رحمة(8/474)
الذكر بين ركعات التراويح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q للذين يصلون التراويح جماعة بعض أذكار يقولونها بين كل ركعتين أو أربع ركعات ، ويرى بعضهم أنها بدعة غير مشروعة، فما هو رأى الدين فى ذلك ؟
An ليس هناك نص يمنع من الذكر أو الدعاء أو قراءة القراَن فى الفصل بين كل ركعتين من التراويح أو كل أربع منها مثلا ، وهو داخل تحت الأمر العام بالذكر فى كل حال . وكون السلف الذين يؤخذ عنهم التشريع لم يفعلوه لا يدل على منعه ، إلى جانب أن النقل عنهم فى منع الذكر المذكور غير موثوق به . وهذا ا الفاصل يشبه ما كان يفعله أهل مكة من قيامهم بالطواف حول البيت سبعا بين كل ترويحتين ، الأمر الذى جعل أهل المدينة يزيدون عدد التراويح على العشرين ، تعويضا عن هذا الطواف ، وهو أسلوب تنظيمى يعرفون به عدد ما صلوه ، إلى جانب ما فيه من تنشيط للمصلين ، فلا مانع مطلقا ، وبهذا لا يدخل تحت اسم البدعة، فالنصوص العامة تشهد له ، فضلا عن عدم معارضته لها، ولئن يسمى بدعة فهو على نسق قول عمر رضى الله عنه : نعمت البدعة هذه ، عند ما رأى تجمع المسلمين لصلاة التراويح خلف أبى بن كعب(8/475)
حكم صلاة الجماعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن صلاة الجماعة واجبة ، ومن صلى منفردا أثم وبطلت صلاته ؟
An وردت عن النبى صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث صحيحة فى صلاة الجماعة تحث عليها وتبين فضلها وتحذر من تركها والتهاون فيها . وللعلماء إزاء هذه الأحاديث آراء ألخصها فيما يلى :
الرأى الأول : قال أحمد بن حنبل : إنها فرض عين على كل قادر عليها، وذهب إلى ذلك عطاء والأوزاعى وأبو ثور، ومن أهل الحديث ابن خزيمة ، وابن حبان ، كما ذهب إليه الظاهرية الذين يأخذون بظاهر النصوص . ومع قول هؤلاء بفريضة الجماعة اختلفوا. هل الفرضية شرط فى صحة الصلاة فتبطل بدونها، أو ليست شرطا فتصح بدون جماعة مع الإثم ؟ والمجال لا يتسع لتفصيل ذلك . ومن أدلة الموجبين وجوبا عينيا للجماعة فى الصلاة ما يأتى :
1 - حديث مسلم والنسائى وغيرهما عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال : أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال : يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد ، فسأله أن يرخص له ليصلى فى بيته ، فرخص له ، فلما ولى الرجل دعاه فقال " هل تسمع النداء بالصلاة" ؟ قال : نعم . قال " فأجب " .
وجاء مثل هذا فى رواية أحمد وابن حبان والطبرانى ، وفيها أن الأعمى هو عبد الله ابن أم مكتوم . ووجه الاستدلال فى هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرخص فى تركها للأعمى-وله عذره -فكيف بالصحيح الذى لا عذر له ؟ .
2 -حديث مسلم وغيره عن أبى الشعثاء المحاربى قال : كنا قعودا فى المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشى، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم . ووجه الاستدلال أن تارك الصلاة مع الجماعة عاص ، وهذا يدل على وجوب الجماعة .
3- حديث مسلم وغيره عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لقد هممت أن آمر فتيتى فيجمعوا لى حزما من الحطب ، ثم آتى قوما يصلُّون فى بيوتهم ليست بهم علة فأحرِّقها عليهم " فقيل ليزيد بن الأصم : الجمعة عنى أو غيرها ؟ قال : صمت أذناى إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جمعة ولا غيرها . ووجه الاستدلال أن هم النبى صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة يدل على معصيتهم وهذا يدل على وجوبها . الرأى الثانى : قال مالك وأبو حنيفة وكثير من الشافعية : إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة ، ومما استدلوا به ما يأتى :
1 -حديث ( إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم ، فإنها لكما نافلة) رواه الخمسة عن يزيد بن الأسود إلا ابن ماجه . ووجه الاستدلال أنه حكم على الصلاة جماعة بأنها نافلة ، ويلزمه أن الصلاة الأولى وقعت صحيحة وأجزأت عن الفريضة .
2 - حديث ( والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام فى جماعة أعظم أجرا من الذى يصليها ثم ينام ) رواه البخارى ومسلم . ووجه الاستدلال أن التفضيل فى الأجر يدل على أن الصلاة مع غير الإمام لها أجر، ويقتضى ذلك أن تكون صحيحة ، غير أن أجر الجماعة أعظم ، ذلك أن أفعل التفضيل يقتضى المشاركة وزيادة ، كما هو معروف . وهناك أحاديث أخرى ترغب فى صلاة الجماعة بما يفيد أن ثوابها أعظم من الصلاة المنفردة وإن صحت . وقد أجاب هؤلاء على أدلة الموجبين للجماعة فقالوا :
(أ) إن عدم ترخيص النبى صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم بالتخلف عن الجماعة ليس دليلا على وجوبها حتى على ذوى الأعذار ، وإنما ذلك لما يعلمه من حرص عبد الله على الخير مهما كلفه من جهد، ولما يعلمه أيضا من ذكائه وفطنته واستطاعته حضور الجماعة بغير قائد ، ويدل على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام رخص لغيره ممن له عذر أن يصلى في بيته ولا يذهب للجماعة فى المسجد، فقد روى البخارى ومسلم أن عتبان بن مالك -وهو ممن شهد بدرا - قال : يا رسول الله قد أنكرت بصرى - أى ضعف نظرى - وأنا أصلى لقومى ، فإذا كانت الأمطار سال الوادى بينى وبينهم ، لم أستطع أن آتى مسجدهم فأصلى بهم ، ووددت يا رسول أنك تأتينى فتصلى في بيتى فاتخذه مصلى فاستجاب له وصلى فيه ركعتين . ولا يقال إن الترخيص لعتبان -وهو لعذر-دليل على أن الجماعة واجبة على غير المعذورين ، لأنها لو كانت واجبة لقال له : انظر من يصلى معك فى بيتك ، فعدم أمره بذلك دليل على أن الجماعة سنة .
(ب ) إن حديث الهم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة لا يدل على وجوبها ، بل يدل على عدم الوجوب لأمرين ، الأول : أن همه بترك الصلاة وإنابة واحد يصلى بالناس دليل على عدم وجوبها ، وإلا فكيف يترك واجبا ؟ ولا يقال إنه لو عاد من تحريق البيوت لأمكنه أن يجد جماعة يصلى بهم ، لأن وجود جماعة غير مضمون ، والثانى أن الجماعة لو كانت واجبة تستحق تحريق بيوت المتخلفين ، ما تأخر عن تحريقها معاقبة لهم على المعصية، لكنه لم يفعل فدل ذلك على عدم وجوبها وغايته أنها هامة .
3 -إن أحاديث الهم بالتحريق وردت فى شأن المنافقين لتخلفهم كثيرا عن الفجر والعشاء ، وذلك فى رواية أبى هريرة نفسه التى اتفق عليها البخارى ومسلم ، فقد جاء فى آخرها ( والذى نفسى بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) والعرق بقية لحم أو عظم عليه لحم ، والمرماتان ما بين ظلف الشاة من اللحم . فالحديث منصب على من يكثرون التخلف وبخاصة عن الفجر والعشاء ، وهذا دأب الذين فيهم نفاق ، جاء فى بعض روايات الشيخين ( إن أثقل صلاة على المنافقين هى الفجر والعشاء) .
4 -إن الوعيد بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة يراد به الزجر لا حقيقته لأن الإحراق لا يكون إلا للكفار والإجماع على منع إحراق المسلمين .
5 -إن فريضة الجماعة يراد بها صلاة الجمعة كما جاء عن ابن مسعود فى صحيح مسلم ، لكن رد هذا بأن التهديد يجوز أن يكون للتخلف عن الجمعة وعن الصلوات الأخرى وبخاصة الفجر والعشاء .
6 -إن فريضة الجماعة كانت فى أول الأمر لحرص النبى صلى الله عليه وسلم على حضور الناس جميعا معه لتبليغ الوحى وإرشادهم ثم نسخ الوجوب . قال الحافظ ابن حجر: ويدل على النسخ الأحاديث الواردة فى تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ، أى المنفرد لأن الأفضلية تقتضى الاشتراك فى أصل التفضيل ، ومن لازمه الجواز، هذا بعض ما قيل فى مناقشة أدلة الموجبين ، إلى جانب أن الوجوب فيه حرج ، والأرض كلها مسجد .
الرأى الثالث : قال الشافعى فى أحد قوليه وجمهور المتقدمين من أصحابه وكثير من المالكية والحنفية :
إن صلاة الجماعة فرض كفاية ، يجب على أهل كل محلة أن يقيموها ، وإذا أقامها بعضهم سقط الطلب عن الباقين ، وكانت فى حقهم سنة - وذلك لإظهار شعيرة الإسلام بإجابة المؤذن وإقامة الصلاة ، وسند هذا القول ما ورد من الأحاديث المؤكدة لفضلها والمحذرة من تركها، ويوضحه أو يبين حكمته ما قاله ابن مسعود-كما رواه مسلم - : ولو أنكم صليتم فى بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، وفى رواية أبى داود لكفرتم . والمراد بسنة النبى دينه وطريقته لا السنة بمعنى المندوب ، فإن ترك المندوب لا يؤدى إلى الكفر والضلال .
وهذا الرأى الثالث له وجاهته وهو كون الجماعة فرض كفاية على المجموع يسقط بأداء بعضهم ، وسنة مؤكدة فى حق الجميع أى فى حق كل واحد على حدة . وأداء الجماعة فى المسجد أفضل من أدائها فى البيت أو السوق بنص حديث البخارى ومسلم " صلاة الرجل فى جماعة تفضل صلاته فى بيته وفى سوقه خمسا وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت تحبسه ، وما تزال الملائكة نصلى عليه ما دام فى مجلسه الذى صلى فيه ، اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ما لم يحدث فيه " .
وقد رأى جماعة أن من له زوجة أو أولاد يصلى بهم فى بيته ولو تركهم وصلى فى المسجد مع الناس لتركوا الصلاة فإن صلاته جماعة بهم أفضل من تركهم وصلاته فى المسجد ما دام هناك من يقيم صلاة الجماعة فيه غيره ، وأما حديث " لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد " فليس بصحيح ، ولو صح لكان المراد به نفى الكمال لا تفى صحة الصلاة - ذكره المناوى فى " فيض القدير " على " الجامع الصغير" للسيوطى .
وكان المسلمون الأولون حريصين على صلاة الجماعة وإقامتها فى المسجد مضاعفة الثواب ، حتى إن الرجل منهم كان يؤتى به يهادى بين الرجلين -أى يسندانه -حتى يقام فى الصف كما رواه مسلم عن ابن مسعود .
وقد اخترنا الرأى الثالث جمعا بين الأحاديث التى يشعر ظاهرها بالوجوب وبين الأحاديث التى تدل على الندب لما فيها من الفضل ، والجمع بين الأحاديث أفضل من إهدار بعضها .
وهذا كله فى حق الرجال أما صلاة الجماعة للنساء فى المسجد فليست واجبة ولا مندوبة ، لأن صلاة المرأة فى بيتها أفضل ، كما نصت على ذلك الأحاديث المقبولة، ولو صلت فى بيتها جماعة كان أفضل على ألا تكون إماما لرجل .
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى تفسير القرطبى "ج 1 ص 348 " والمغنى لابن قدامة ج 2 ص 2(8/476)
المصافحة بعد الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الشرع فى مصافحة المصلين بعضهم لبعض عقب الانتهاء من صلاة الجماعة، وقولهم " حرما " وهل هذه بدعة محرمة ؟
An مصافحة المسلم لأخيه عند اللقاء أصلها مستحب ، وذلك لتوكيد الألفة والمحبة بين المسلمين ، وقد وردت فى ذلك نصوص تدل على أنها كانت عادة جارية فعلها الصحابة كما أخرجه البخارى وغيره ، وأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل حبب فيها بمثل قوله " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا " رواه أبو داود والترمذى وقال : حديث حسن .
ولم تكن المصافحة عقب الانتهاء من صلاة الجماعة معروفة أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولكن حدثت بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، بتأويل أن المصلين جماعة كانوا مع الله فى رحلة روحية، حطوا الرحال منها بالتسليم الذى برره البعض بأنه تحية لمن على يمين المصلى من الملائكة وغيرهم ، لأنه كان منصرفا عنهم أثناء الصلاة .
ومع السلام عليهم كانوا يتصافحون بهذا المفهوم ، ويدعو بعضهم لبعض أن يكون اللقاء فى الصلاة فى الحرم الشريف الذى تشد الرحال إليه لمضاعفة ثواب الصلاة وغيرها من الطاعات ، ويختصرون هذا الدعاء بقولهم " حرما " كما يدعون لبعضهم بعد الوضوء أن يمن الله عليهم بالوضوء من ماء زمزم فى حج أو عمرة .
وتضاربت الأقوال فى هذا العمل الذى لم يكن أيام الرسول والصحابة وهم من يؤخذ عنهم التشريع فقال بعضهم إنه بدعة بالمعنى المذموم وهو كل بدعة ضلالة وقال بعضهم : إنه بدعة ولكن لا يوجد ما يصفها بأنها مذمومة وضلالة . حيث لم يرد نهى عنها، وكم من الأمور الحسنة حدثت بعد عهد التشريع ورأى الناس حاجتهم إليها فأخذوا بها وحرصوا عليها .
جاء فى كتاب " غذاء الألباب " للسفارينى ج 1 ص 283 أن ابن تيمية سئل عن المصافحة بعد العصر والفجر هل هى سنة مستحبة أم لا ؟ فأجاب بقوله : أما المصافحة عقب الصلاة فبدعة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستحبها أحد من العلماء انتهى، قال السفارينى : ظاهر كلام العز بن عبد السلام من الشافعية أنها بدعة مباحة ، وظاهر كلام الإمام النووى أنها سنة قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخارى : قال النووى : وأصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها فى بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة . قال الحافظ : وللنظر فيه مجال ، وبعضهم أطلق تحريمها انتهى . ويتوجه مثل ذلك عقب الدروس ونحوها من أنواع مجامع الخيرات .
والوجه المختار أنها غير محرمة ، وقد تدخل تحت ندب المصافحة عند اللقاء الذى يكفر الله به السيئات ، وأرجو ألا يحتد النزاع فى مثل هذه الأمور. التى تفيد ولا تضر، وحديث مسلم صريح فى أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة(8/477)
أين يصلى العيد ؟
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الأفضل صلاة العيد فى الخلاء أم فى المسجد ؟
An عن أبى هريرة رضى الله عنه أنهم أصابهم مطر فى يوم عيد فصلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة العيد فى المسجد ، رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم ، وسكت عنه أبو داود والمنذرى ، أى لم يبينا درجته ، وهو حديث ضعيف فى إسناده رجل مجهول ، وهو عيسى بن عبد الأعلى، قال فيه الذهبى لا يكاد يعرف وقال هذا حديث منكر .
وأكثر الأحاديث الواردة فى صلاة العيد تذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها فى " المصلى " والمراد به غير المسجد وعبر عنه أحيانا بالجبانة . وهذا الحديث على الرغم من ضعفه ، يفيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلاها فى المسجد لعذر المطر، حيث لا يوجد فى المصلى ما يتقى ومن هنا اختلف العلماء فى أفضلية صلاة العيد، هل تكون فى المصلى أو فى المسجد ، فالإمام مالك يقول إن فعلها فى الجبانة أى فى غير المسجد، أفضل ، واستدل بما ثبت من مواظبته عليه الصلاة والسلام على الخروج إلى الصحراء ، فإن كان هناك عذر كمطر فالأفضل المسجد .
والأمام الشافعى ذهب إلى أن المسجد أفضل ، لأنه خير البقاع فى الأرض ، والأحاديث واردة بكثرة فى فضل التردد عليها والصلاة فيها ، قال فى الفتح : قال الشافعى فى الأم : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج فى العيدين إلى المصلى بالمدينة ، وهكذا من بعده إلا من عذر مطر ونحوه ، وكذا عامة أهل البلدان إلا أهل مكة ، ثم أشار الشافعى إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة ، قال : فلو عمر بلد وكان مسجد أهله يسعهم فى الأعياد لم أر أن يخرجوا منه ، فإن لم يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة قال الحافظ : ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الخروج إلى الصحراء ، لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع ، فإذا حصل فى المسجد مع أولويته كان أولى .
فأنت ترى أن حجة الأولين هى فعله صلى الله عليه وسلم وهو قدوة حسنة، لكن يقال : إن الفعل واقعة حال لا تنفى غيرها ، ولم يرد من الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بفعلها فى غير المسجد عند الاختيار، ولا نهى عن فعلها فى المسجد، ولعل اختيار الرسول فعلها فى غير المسجد كان لأمرين ، الأول ضيق المسجد لأنه دعا النساء أيضا لشهود صلاة العيد، كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما، حتى الحيض منهن ، والحيض لا يدخلن المسجد ، والثانى إظهار شعيرة من شعائر الإسلام وإعلان الفرح بيوم العيد لما فيه من فضل الله على المسلمين ، والاجتماع الواسع شعار كل الناس فى أعيادهم ، والتوجيهات التى يلقيها على الحاضرين تعم أكبر عدد من المسلمين لم يكن ليوجد لو حضروا فى المسجد، ولذلك عندما حث على الصدقات توجه إلى حيث يجتمع النساء وذكرهن ووعظهن فجمع منهن خيرا كثيرا لمساعدة من لا يجدون سعة ولا يستطيعون التمتع ببهجة العيد لضيق ذات أيديهم .
ويقع فى نفسى بناء الحكم على نتيجة إقامة الصلاة وأثرها، فإن كان هناك مسجد واحد كبير فى محلة يسع كل الناس بما فيهم من لا يصلون العيد كانت صلاتها فيه أفضل ، وذلك لأفضلية المسجد على غيره ، ولحصول التجمع وفرصة التلاقى ، تبادل التهانى بين كل أهل ا لبلدة .
فإذا تعددت المساجد وضاق مسجد واحد عن استيعاب أهل البلد كان فعلها فى الخلاء أفضل ، وذلك لأن التعارف وتبادل التهانى وشهود التوجيهات العامة الموحدة يحدث فى المصلى بشكل لا يوجد فى كل مسجد على حدة ، حيث لا يتم التعارف الشامل ، والإسلام يحب من المسلمين أن يظهروا وحدتهم وتعاونهم ، وفى تجمعهم على شكل واسع إعلان عن قوة الإسلام ودعاية تجتذب لها قلوب غير المسلمين ، والمظاهر إذا كانت تستهدف خيرا كانت مشروعة ، وشواهد ذلك كثيرة(8/478)
اجتماع العيد والجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا وافق أول أيام العيد يوم جمعة فهل يسقط أداء الجمعة عمن صلى العيد ؟
An روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى أن زيد بن أرقم شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا ، فصلى العيد أول النهار ثم رخص فى الجمعة وقال " من شاء أن يجمع فليجمع " فى إسناده مجهول ، فهو حديث ضعيف .
وفى رواية لأبى داود وابن ماجه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون " فى إسناده كلام ، وصحح أحمد بن حنبل أنه مرسل ، أى سقط منه الصحابى .
وروى النسائى وأبو داود أنه اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرح فخطب ثم نزل فصلى، ولم يصل للناس يوم الجمعة ، أى لم يصل العيد ، ولما ذكر ذلك لابن عباس قال : أصاب السنة .
يلاحظ أنه صلى الجمعة بدليل تقديم الخطبة على الصلاة .
وجاء فى رواية لأبى داود أنه فى عهد ابن الزبير اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر، فجمعهما جميهعا فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر. رجالهما رجال الصحيح .
إزاء هذه النصوص الخاصة باجتماع يوم الجمعة والعيد، قال الأحناف والمالكية :
لا تجزئ صلاة منهما عن صلاة الأخرى ، فكل منهما مطلوب ، ولا تجزئ صلاة عن صلاة بل لا يجوز الجمع بينهما . فالجمع رخصة خاصة بالظهر مع العصر، وبالمغرب مع العشاء .
والحنابلة يقولون : من صلى العيد سقطت عنه الجمعة، إلا الإمام فلا تسقط عنه إذا وجد العدد الكافى لانعقاد الجمعة ، أما إذا لم يوجد فلا تجب صلاة الجمعة . وفى رواية عن أحمد أن الجمعة لو صليت أول النهار قبل الزوال أغنت عن العيد، بناء على أن وقتها يدخل بدخول وقت صلاة العيد .
والشافعية قالوا : إن صلاة العيد تغنى عن صلاة الجمعة لأهل القرى التى لا يوجد فيها عدد تنعقد بهم الجمعة ويسمعون الأذان من البلد الذى تقام فيه الجمعة ، فيذهبون لصلاتها ، ودليلهم قول عثمان فى خطبته : أيها الناس إنه قد اجتمع عيدان فى يومكم ، فمن أراد من أهل العالية- قال النووى : وهى قريبة من المدينة من جهة الشرق - أن يصلى معنا الجمعة فليصل ، ومن أراد أن ينصرف فليفعل .
وجاء فى فتاوى ابن تيمية أن أقوال الفقهاء فى اجتماع يوم الجمعة ويوم العيد ثلاثة :
أحدها : أن الجمعة على من صلى العيد ومن لم يصله ، كقول مالك وغيره .
الثانى : أن الجمعة سقطت عن السواد الخارج عن المصر، كما يروى ذلك عن عثمان بن عفان واتبع ذلك الشافعى .
الثالث : أن من صلى العيد سقطت عنه الجمعة ، لكن ينبغى للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من أحب ، كما فى السنن عن النبى صلى الله عليه وسلم .
وعليه أحمد .
ثم قال : وهذا المنقول هو الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه ، وهو قول من بلغه من الأئمة كأحمد وغيره ، والذين خالفوه لم يبلغهم ما فى ذلك من السنن والآثار .
فالموضوع خلافى، لكن القول بالاكتفاء بصلاة العيد عن صلاة الجمعة أقوى ويستوى فى ذلك أهل القرى والأمصار، والإمام وغير الإمام ، فالمقصود من الصلاتين قد حصل ، وهو صلاة جمعتين مع الخطبة ، اجتمع الناس لأداء صلاة الجماعة وسماع الموعظة، فبأى من الصلاتين حصل ذلك كفى . " انظر : نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 299 والفتاوى الإسلامية-المجلد الأول ص 71 وفتاوى ابن تيمية -المجلد 24 ص 212 "(8/479)
زخرفة المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن زخرفة المساجد من علامات الساعة، فهل هذا صحيح ؟
An روى أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فى المساجد " .
قال العلماء : تكره زخرفة المساجد باللونين الأحمر والأصفر، ونقشه وتزيينه ، لئلا تشغل قلب المصلى، وهذا واضح فى الزخرفة من الداخل ، أما من الخارج فقد تدخل تحت التباهى بمظهرها ، والتباهى بفعل الخير حرام يبطل الثواب .
وهذا الحكم بالكراهة مقرر عند المالكية والحنابلة . وأجاز الحنفية نقش المسجد بالمال الحلال ، ، ما عدا المحراب فيكره ، لأنه يلهى المصلى، وما دامت العلة هى الإلهاء فيكره النقش فى أى مكان فيه إلهاء .
وروى عن أبى حنيفة الترخيص فى ذلك ، كما روى عن أبى طالب المكى عدم الكراهة فى تزيين المحاريب . فالمنع من التزيين لا يتعدى الكراهة إلى الحرمة ، وذلك من أجل توفير الجو المناسب للمصلى والمتعبد لتحقيق الخشوع ، أما الشكل الخارجى للمسجد فإن حان القصد به مجرد الفخر والتباهى كان ممنوعا ، لكن لو كان لإظهار عناية المسلمين بمساجدهم فى مقابل تنافس غيرهم فى ذلك فلا مانع ، كما أثر أن عمر رضى الله عنه لما زار الشام وقابله عامله معاوية بحفاوة غير معهودة سأله عن ذلك فقال :
نحن فى بلد يهتم بهذه المظاهر، فقال : لا آمرك ولا أنهاك . من هنا نعرف أن للظروف دخلا فى بعض أنواع السلوك .
أما الكتابة على جدران المسجد وسقفه فهى داخلة ضمن الزخرفة، وكرهها الجمهور من أجل شغل المصلى عن الخشوع ، وإذا كانت الكتابة آيات قرآنية فحكمها فى مكان آخر(8/480)
الآكل فى المسجد والتدخين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تناول الأكل فى المسجد؟ وما حكم التدخين فيه ؟
An تناول الطعام فى المسجد لا مانع منه ما لم يكن هناك تلويث له أو انبعاث رائحة كريهة بسببه ، والذين يعتكفون في المساجد يتناولون طعامهم فيها ، ويقدم الإفطار للصائمين فى كثير من المساجد دون نكير ولا اعتراض ، جاء فى فتاوى الإمام النووى " الفتوى رقم 76 " أن الأكل فى المساجد جائز ولا يمنع منه لكن ينبغى أن يبسط الآكل شيئا ويصون المسجد ويحترز من سقوط الفتات والفاكهة وغيرها فى المسجد ، وذلك فيما ليس له رائحة كريهة كالثوم والبصل ، وإلا كره .
2 -أما التدخين فى حد ذاته فيتلخص حكمه فى أنه حرام إن حصل منه ضرر كبير على الصحة والمال ، وإلا كان مكروها ، والأولى صرف ثمنه فى مصارف الخير ، " انطر رسالتى الخاصة بذلك -مطبوعة ملحقة بمجلة الأزهر " . ولما كان التدخين يؤذى غير المدخن برائحته ، والملائكة تتأذى مما يتأذى به الإنسان كان التدخين فى المسجد بالذات مكروها بل أشد كراهة، كالثوم والبصل اللذين جاء النهى عن دخول من يأكلهما المسجد حتى لو حرم من ثواب صلاة الجماعة، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، والمسجد ينبغى أن يصان عن كل خبيث ، كما ينبغى أن نحرص على حضور الملائكة ، وهم ملائكة الرحمة ففى ذلك خير كثير(8/481)
المؤذن والمقيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يشترط أن يكون مقيم الصلاة غير المؤذن ، أو يجوز أن يقوم بهما شخص واحد ؟
An لا يوجد دليل يحتم أن يكون المؤذن هو المقيم للصلاة، كما لا يوجد دليل يمنع أن يكون الأذان من شخص والإقامة من شخص آخر(8/482)
المساجد تحت العمارات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الصلاة بالمساجد الموجودة أسفل العمارات ؟ وهل الصلاة فى المساجد الأخرى أفضل ؟
An مما اختص الله به الأمة الإِسلامية أنه جعل الأرض كلها مسجدا ، فأينما أدركت الإنسان الصلاة صلى ، وما دامت الأرض قد خصصها صاحبها للصلاة وصلى الناس فيها صارت مسجدا وله أحكام كل المساجد ، وتكون الصلاة فيه أفضل من الصلاة فى أية بقعة أخرى من الأرض . والمساجد نفسها بينها تفاضل ، فأفضلها المسجد الحرام بمكة، لأن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة فيما سواه ، ثم مسجد المدينة لأن الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، ثم المسجد الأقصى لان الصلاة فيه بخمسمائة صلاة ، وفى كل ذلك وردت أحاديث . أما باقى المساجد فهى سواء فى الثواب . وبعض العلماء قال : المسجد الكبير أولى من المسجد الصغير للصلاة ، وقال البعض : المسجد البعيد أولى لكثرة الخطا إليه ، وكل ذلك خلاف فى الأفضلية ، أما الصلاة فى أى مسجد منها فهى صلاة صحيحة لا غبار عليها . وتقام فيها الجماعات والجمع والأعياد وغيرها ، على رأى الجمهور الذى يسوى بين المساجد فى صحة الجمعة، لا فرق بين القديم والجديد(8/483)
الصلاة فى الطائرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تصح الصلاة أثناء تحليق الطائرة فى الجو وهى غير ملامسة للأرض وماذا يعمل لو كان الإنسان غير متطهر؟
An الصلاة جائزة فى الطائرة وهى محلقة فى الجو، وبالأولى إذا كانت رابضة على الأرض ، والمالكية لا يجيزونها فيها وهى فى الجو ، لأن شرط السجود عندهم أن يتصل المسجود عليه بالأرض اتصالا حقيقيا ، ورأى الجمهور أقوى ، والإنسان يضطر إلى الصلاة فى الطائرة إذا لم يأخذ برخصة الجمع بين صلاتى الظهر والعصر، وبين صلاتى المغرب والعشاء ، أو كان تحليقها فى وقت الفجر الذى لا يجمع مع غيره .
ومهما يكن من شىء فإن التطهر للصلاة لابد منه إن أمكن بالماء فيها ، وإلا فيكون بالتيمم ، و يتحرى اتجاه القبلة - والملاحون يعرفون ذلك بالتقريب -إن لم تكن معه " بوصلة " يتعرف بها القبلة ، وزمن أداء الصلاة قصير، لأن الرباعية تصلى ركعتين قصرا ، فإن لم يستطع الصلاة من وقوف -لحصول دوار مثلا- فليصل قاعدا، والمهم أن الصلاة ممكنة فى الطائرة إن أراد أن يحافظ على الصلاة ، وليست فيها مشقة حتى يجوز تأخيرها إلى حين الهبوط وانتهاء الرحلة(8/484)
الدعاء فى التشهد فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك دعاء مخصوص يقوله المصلى بعد التشهد الأخير ، وهل هو فرض أو سنة ؟
An الدعاء بعد التشهد الأخير فى الصلاة وقبل السلام ليس ركنا ولا فرضا ولا واجبا ، بل هو سنة فقط ، لو ترك لا تبطل ا الصلاة . وقد وردت أحاديث كثيرة ترغب فيه ، منها ما جاء عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد ثم قال فى آخره " ثم لتختر من المسألة ما تشاء " رواه مسلم . وإذا استحب الدعاء بما يشاء الإنسان فالأفضل أن يكون بالمأثور فى القرآن والسنة ، مثل " ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : " اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منى، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت " وما رواه أيضا " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ باللَّه من أربع ، يقول : اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة ألمسيح الدجال " .
أما الدعاء بغير المأثور فإليك ما قال فيه الفقهاء ، منقولا من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة :
قال الأحناف : لا يجوز أن يدعو بما يشبه كلام الناس ، كأن يقول : اللهم زوجنى فلانة ، أو أعطنى كذا من الذهب والفضة والمناصب ، لأنه يبطلها قبل القعود بقدر التشهد، ويفوت الواجب بعده قبل السلام .
وقال المالكية : له أن يدعو بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة . وقال الشافعية :
يسن الدعاء بخيرى الدين والدنيا، ولا يجوز أن يدعو بشىء محرم أو مستحيل أو معلق ، فإن دعا بشىء من ذلك بطلت صلاته .
وقال الحنابلة : له أن يدعو بما ورد أو بأمر الآخرة ولو لم يشبه ما ورد ، وله أن يدعو لشخص معين بغير كاف الخطاب ، وتبطل الصلاة بكاف الخطاب مثل :
اللهم أدخلك الجنة يا والدى . أما لو قال : اللهم أدخله الجنة فلا بأس به ، وليس له أن يدعو بما يقصد منه ملاذ الدنيا وشهواتها ، كأن يقول : اللهم ارزقنى جارية حسناء ، أو طعاما لذيذا ونحوه ، فإن فعل ذلك بطلت صلاته ، ولا بأس بإطالة الدعاء ما لم يشق على مأموم(8/485)
مرور الحيوانات أمام المصلى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حديث يقول إن مرور الكلب أو الحمار أمام المصلى يبطل الصلاة ؟
An روى مسلم وغيره عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ، ويقى ذلك مثل مؤخرة الرحل " وعن أبى ذر قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم يصلى فإنه يستره مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود" قال عبد اللَّه بن الصامت : يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال : يا ابن أخى سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال " الكلب الأسود شيطان " .
وروى البخارى ومسلم عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلى صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة ، ورويا عن ابن عباس أنه قال : أقبلت راكبا على حمار أتان والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى، فمررت على بعض الصف ونزلت فأرسلت الأتان ترتع فدخلت فى الصف فلم ينكر علىَّ أحد . وروى أبو داود عن الفضل بن عباس قال : أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونحن فى بادية فصلى فى صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالى ذلك . أمام هذه الأحاديث التى وردت فى كتب الصحاح من رواية البخارى ومسلم . رأى الأئمة الثلاثة أن الصلاة لا تبطل بمرور شىء من هذه الثلاثة المذكورة ولا من غيرها ، فقد روى أبو داود عن أبى سعيد قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقطع الصلاة شىء " ورأى أحمد بن حنبل بطلان الصلاة بها . استنادا إلى حديثى أبى هريرة وأبى ذر، ورُدَّ على حديث عائشة بأن البطلان بالمرور لا باللبث ، وهو فى التطوع بصلاة الليل وهو أسهل .
وعلى حديث ابن عباس بأن سترة الإمام سترة لمن خلفه . وعلى حديث أبى سعيد بأنه ضعيف . وإن كانت تفرقته بين الفرض والنفل لم يسلَم بها أتباعه " المغنى لابن قدامة ج 2 ص 80 - 85 " وتمسك الحنابلة بهذا الحكم بشدة ، لدرجة أنهم رووا حديثا عن أبى داود عن ابن عباس - قال الروى أحسبه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكر فيه غير الثلاثة وهو " إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير والمجوسى واليهودى والمرأة ، ويجزى عنه إذا مروا بين يديه قذفة بحجر" لكن ابن قدامة رفض هذا الحديث لعدم الجزم برفعه وفيه ما هو متروك بالإجماع وهو ما عدا الثلاث : المرأة والكلب والحمار، وفى هامش المغنى عن هذا الحديث : إن زيادة الخنزير والمجوسى واليهودى فيها نكارة . وأرى أن الحديث الخاص بهذه الثلاثة لا يقصد منه إبطال الصلاة ، بل قد يكون المقصود إبطال الخشوع فيها أو نقصه ، لما يحدث للمصلى من خوف من هذين الحيوانين واشتهاء للمرأة. وفيه حث على اتخاذ السترة حتى لا تسمح بمرور هذه الأشياء أمامه ، ولفت نظرى ما ذكره ابن قدامة أن عائشة قالت معترضة على هذا الحكم : عدلتمونا بالكلاب والحمر، مع أن الرسول كان يصلى وهى معترضة أمامه . وأقول : ليست تسوية فى ألتحقير أبدا ، فالفرق كبير، ولكن الموضوع أساسه الاحتياط لعدم الانشغال فى الصلاة رَهَبًا بمثل الكلب الأسود والحمار، ورَغَبًا بمثل المرأة ، وأثرها فى الانشغال لا ينكر، ومقام الرسول يأبى الانشغال بمثل ذلك ، فما كان يبالى كما تذكر الروايات ولكن غيره .يتأثر فى أغلب الأحوال على الوجه المذكور(8/486)
الاقتداء بالمسبوق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مأموم مسبوق قام ليكمل صلاته بعد سلام الإمام هل يصح أن يقتدى به أحد ؟
An للفقهاء فى ذلك خلاف : فالحنفية قالوا : لا يصح الاقتداء بالمسبوق بعد قيامه لإِتمام صلاته . والمالكية وافقوهم : على ذلك ، إذا كان المسبوق أدرك ركعة مع إمامه ، لكن لو أدرك أقل من ركعة ، صح الاقتداء به . والشافعية قالوا : من اقتدى بمأموم مسبوق بعد أن سلم الإِمام ، أو نوى مفارقته : صح الاقتداء ، وهذا فى غير الجمعة أما فى صلاتها فلا يصح الاقتداء . الحنابلة وافقوهم : على ذلك . " الفقه على المذاهب الأربعة " . وما دام هناك اختلاف فلا يصح التعصب لرأى(8/487)
السفر الدائم واداء الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز قصر الصلاة والإِفطار فى رمضان لمن تكون مهمتهم دوام السفر ؟
An من المعلوم أن قصر الصلاة رخصة للمسافر كما قال تعالى {وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء : 101 ، وأن الإِفطار رخصة للمسافر كما قال سبحانه { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } البقرة : 185 ، كما روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن اللّه وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة" . وذلك كله مع الشروط التى اشترطها الفقهاء لاستعمال هذه الرخصة .
والسفر قد يكون مؤقتا وقد يكون دائما ، والسفر الدائم يطلق على معنيين ، أولهما أن يكون معه أهله وكل ما يحتاجه ، وثانيهما ألا يكون معه أهله ولكنه كثير الأسفار أو مهنته هى السفر كسائقى القطارات والطيارين والبحارين .
والسفر المؤقت يرخص فى القصر والفطر، أما مديم السفر الذى معه أهله وكل حاجاته فهو كالمقيم لا يجوز له قصر الصلاة ولا الفطر فى رمضان ، اللهم إلا إذا كان الصيام يضره فله الفطر وقد يجب إذا كان الضرر بالغا يؤدى إلى هلاك النفس .
جاء فى " المغنى لابن قدامة ج 2 ص 14 " فى فقه الحنابلة أن الأثرم قال : سمعت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل - يسأل عن الملاح أيقصر ويفطر فى السفينة ؟ فقال :
أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم . قيل له : وكيف تكون بيته ؟ قال :
لا يكون له بيت غيرها ، معه فيها أهله ، وهو فيها مقيم ، وهذا قول عطاء .
وجاء فى شرح الشرقاوى على التحرير "ج 1 ص 441 " فى فقه الشافعية أنه لا يباح الفطر لمديم السفر، لأنه يؤدى إلى إسقاط الوجوب كلية ، إلا أن يقصد القضاء فى أيام أخر فى سفره . أما الذى يسافر كثيرا بحكم عمله ، وليس معه أهله فله قصر الصلاة والفطر، لأنه ستكون له أيام يقيم فيها فيقضى الصيام هذا ، والقصر عزيمة عند الحنفية ، ومن أتمَّ لا يجوز له الجمع "فتاوى الشيخ جاد الحق ج 5ص 53"(8/488)
البسملة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى عدم ذكر البسملة فى الصلوات التى تصلى جهرا ؟
An البسملة فى الفاتحة فيها ثلاث مذاهب ، مذهب يقول : إنها لمجرد الفصل بين السور، فلا تجب قراءتها فى الفاتحة، والصلاة بدون قراءتها صحيحة، بل قال : قراءتها مكروهة فى الفرض دون النافلة ، وليس لهذا المذهب دليل قوى .
ومذهب يقول : إنها اَية من الفاتحة، وقراءتها واجبة فيها، ولا تصح الصلاة بدونها ، وتعطى حكم الفاتحة فى الإِسرار أو الجهر بها . وأقوى دليل لهذا المذهب حديث يقول راويه : صليت وراء أبى هريرة فقرأ " بسم اللّه الرحمن الرحيم " ثم قرأ بأم القراَن -الفاتحة-وجاء فى اَخر الحديث قوله : والذى نفسى بيده إنى لأشبهكم صلاة برسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما ، وقال الحافظ ابن حجر: هو أصح حديث ورد فى البسملة .
ومذهب يقول : قراءتها فى الفاتحة جائزة، بل مستحبة ، ولكنها غير واجبة، فتصح الصلاة بدونها ، لكن هذا المذهب يقول : لا يجهر بالبسملة ولكن تقال سراً، والدليل عليه قول أنس صليت خلف الرسول وأبي بكر وعمر وعثمان وكانوا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم . رواه النسائى وابن حبان بإسناد على شرط الشيخين .
ويمكن أن يقال : إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها أحيانا ، ويسر بها أحيانا أخرى ، وما دام الأمر خلافيا فلا يجوز التعصب لأى رأى .
وأرى أن الإِتيان بها ينفع ولا يضر، وأن عدم الإِتيان بها لا يبطل الصلاة(8/489)
تحية المسجد والقرآن يقرأ
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q دخلت المسجد فوجدت قارئاً يقرأ القرآن ، فهل أصلى تحية المسجد أو أجلس لاستماع القرآن ؟
An لو دخل أحد المسجد والقرآن يقرأ بصوت مرتفع ، سواء أكان ذلك فى يوم الجمعة قبل صلاتها أو فى غير يوم الجمعة، فهو مطالب بشيئين ، أولهما تحية المسجد وثانيهما الاستماع إلى القرآن ، فهل يضحى بأحدهما أو يمكنه أن يجمع بينهما ؟ .
قال تعالى { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الأعراف :
204 ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين " .
قال العلماء : إن الاستماع إلى القرآن واجب فى حالتين اثتين فقط هما إذا كان الإنسان فى الصلاة مَأمُومًا فإنه يجب عليه الاستماع إلى قراءة الإِمام ، وخطبة الجمعة ، لأنها فى الغالب تشتمل على قرآن ، وفى غير هاتين الحالتين يكون الاستماع مندوبا ، فالداخل للمسجد والقرآن يقرأ أمامه أمران مندوبان أحدهما له وقت محدود يفوت بفواته وهو تحية المسجد، لأنها تفوت بالجلوس ، وهنا يبدأ بالتحية حتى لا تفوته ، ثم يستمع بعد ذلك للقرآن ، وقد رأينا أن الرسول أمر بالتحية للداخل وهو يخطب الجمعة مع أن الإنصات إليها واجب ، فصلاتها مع القراءة مشروعة من باب أولى(8/490)
الكلام فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الكلام فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ؟
An جاء فى كتاب " غذاء الألباب " للسفارينى قوله : وأما ما اشتهر على الألسنة من قولهم إن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الحديث فى المسجد- وبعضهم يزيد المباح - يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " فهو كذب لا أصل له ، قال فى المختصر: لم يوجد، وذكره القاضى فى موضوعاته ، كما ذكر العراقى على الإِحياء : أنه لا أصل له .
لكن روى ابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " سيكون فى آخر الزمان قوم يكون حديثهم فى مساجدهم ، ليس للّه فيهم حاجة " وظاهر الحديث أن الكلام فى المسجد أيا كان نوعه ممنوع ، لكن المحققين من العلماء قالوا :
إنه يجوز فى الأمور المهمة فى الدين والدنيا من كل ما لا حرمة فيه ولا باطل .
وقد رأى الإِمام النووى جواز الحديث العادى وإن صحبه ضحك خفيف ، لما رواه مسلم : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذى صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام ، وقال : كانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم . وفى رواية لأحمد عن جابر: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة فى المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما يبتسم معهم . وهو حديث صحيح " نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 166 " . فالحديث الممنوع هو الباطل أو الذى يشوش على المصلين أو الذى يذهب بكرامة المسجد إذا تناوله جماعة فى شكل حلقات كما نص عليه . وقد أذن النبى صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت أن يقول الشعر فى المسجد ليرد على الكافرين ما يفترونه من كذب على اللَّه ورسوله كما ثبت فى الصحيحين .
وعليه فالكلام المباح غير محرم فى المساجد ، وإن كنا ننصح بأن يكون فى أضيق الحدود وليكن شغل الجالسين فيها ذكر اللَّه والعبادة ، فذلك هو ما بنيت له المساجد .
هذا، وقد جاء النهى عن رفع الأصوات فى المساجد بغير ذكر اللَّه والعبادة ، مثل نشدان الضالة والبيع والشراء ، وجاء فى " مشارق الأنوار" للعدوى حديث نقله عن المعارف لللشعرانى رواه الترمذى عن على مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " إذا فعلت أمتى خمسة عشر حل بها البلاء " ومنها ارتفاع الأصوات فى المساجد .
وذكر الكتاب بقية العلامات الصغرى للقيامة وقال عن رفع الأصوات فى المساجد :
إنه من علامات الساعة حتى لو كان بالعلم ، لقول الإمام مالك : ما للعلم ورفع الصوت ؟ والمراد ما يكون فيه تشويش على المتعبدين ، أو كان للرياء والفخر .
وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة " ص 204 ، 205 " :
أن الحنفية قالوا : يكره رفع الصوت بالذكر فى المسجد إن ترتب عليه تشويش على المصلين أو إيقاظ للنائمين ، وإلا فلا يكره ، بل قد يكون أفضل إذا ترتب عليه إيقاظ قلب الذاكر وطرد النوم عنه وتنشيط للطاعة . أما رفع الصوت بالكلام فإن كان بما لا يحل فإنه يكره تحريما ، وإن كان بما يحل فإن ترتب عليه تهويش على المصلى أو نحو ذلك كره ، وإلا فلا كراهة ومحل عدم الكراهة إذا دخل المسجد للعبادة ، أما إذا دخله لخصوص الحديث فيه فإنه يكره مطلقا ، والشافعية قالوا :
يكره رفع الصوت بالذكر فى المسجد إن هوش على مصل أو مدرس أو قارئ أو مطالع أو نائم لا يسن إيقاظه ، وإلا فلا كراهة أما رفع الصوت بالكلام فإن كان بما لا يحل كمطالعة الأحاديث الموضوعة ونحوها فإنه يحرم مطلقا ، وإن كان بما يحل لم يكره إلا إذا ترتب عليه تهويش ونحوه .
والمالكية قالوا : يكره رفع الصوت فى المسجد ولو بالذكر والعلم ، واستثنوا من ذلك أموراً أربعة ، الأول ما إذا احتاج المدرس إليه لإسماع المتعلمين فلا يكره ، الثانى ما إذا أدى الرفع إلى التهويش على مصل فيحرم ، الثالث رفع الصوت بالتلبية فى مسجد مكة أو منى فلا يكره ، الرابع رفع صوت المرابط بالتكبير ونحوه فلا يكره .
والحنابلة قالوا : رفع الصوت بالذكر فى المسجد مباح إلا إذا ترتب عليه تشويش على المصلين ، وإلا كره ، أما رفع الصوت فى المسجد بغير الذكر فإن كان بما يباح فلا كراهة إلا إذا ترتب عليه تهويش فيكره ، وإن كان بما لا يباح فهو مكروه ، مطلقا . انتهى(8/491)
دخول المسجد لغير المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض السائحين يدخلون المساجد، وقد ذكر القرآن أن المشركين نجس ، وحرم عليهم دخول المسجد الحرام ، فكيف نفسر السماح لهم بدخول مساجد المسلمين ؟
An قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } التوبة : 28 ، وقال { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا } النساء :
43 ، . تفيد الآية الأولى أن المشرك لا يدخل المسجد الحرام فى مكة ، لأنه نجس ، وهذا رأى إمام أهل المدينة مالك وغيره ، وعليه الإمام الشافعى ، أما الكتابى - وهو اليهودى والنصرانى - فلا مانع من دخوله . والمراد بالمسجد الحرام الحرم كله .
وقال أبو حنيفة بجواز دخول غير المسلم مطلقا المسجد الحرام والحرم ، وحمل نجاسته على أنها نجاسة معنوية ، وحمل قربان المسجد على المكث فيه ، كما حمل دخول الحرم على الاستيطان ، حيث لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان ، كما فى الحديث الذى أخرجه مالك فى الموطأ عن ابن شهاب وغيره ، وأخرجه أحمد عن عائشة .
أما مساجد الحل -أى غير الحرم - فمنع أهل المدينة دخولها لغير المسلم أيضا ، لأنه نجس بنص القرآن ، ولأن الآية الثانية تفيد أن الجنب لا يمكث فى المسجد، وإنما يكون له العبور فقط ، والكافر جنب فلا يجوز له المكث فى أى مسجد . وفى الحديث " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " رواه أبو داود ويؤيد هذا ما روى أن أبا موسى الأشعرى دخل على عمر رضى اللّه عنه ومعه كتاب كتب فيه حساب عمله ، فقال له عمر: ادع الذى كتب ليقرأه ، فقال : إنه لا يدخل المسجد ، لأنه نصرانى . فَدَلَ هذا على أنه كان حكما معروفا لديهم ، وهو رواية عن أحمد . وفى رواية عنه أيضا أنه لا يجوز له الدخول إلا بإذن المسلمين ، ويؤيدها أن عليا رضى اللّه عنه رأى مجوسيا وهو على المنبر وقد دخل المسجد، فنزل وضربه وأخرجه من أبواب كندة ، فإن أذن له المسلمون جاز دخوله ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم أنزل أهل الطائف فى المسجد قبل أن يسلموا ، وقال سعيد بن المسيب :
كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شركه ، واستقبل النبى صلى الله عليه وسلم " نصارى نجران فى مسجد المدينة، ولما حان وقت صلاتهم صلوا فى المسجد إلى المشرق ، وقال فيهم عليه الصلاة والسلام " دعوهم " .
وقد ترجم البخارى فى صحيحه دخول المشرك المسجد، وأورد حادثة ربط ثمامة بن أثال بسارية من سوارى المسجد النبوى ، وكان ثمامة كافرا من بنى حنيفة ، وعلى هذا الرأى أكثر الأئمة ، وقصره الشافعى على الضرورة أو الحاجة ، وليس بصفة مستمرة ، ولعل هذا هو الرأى المناسب للفتوى .
قال ابن حجر فى فتح البارى "ج 2 ص 107 " عن هذه المسألة :
فيه مذاهب ، فعن الحنفية الجواز مطلقا ، وعن المالكية والمزنى المنع مطلقا ، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره ، للآية ، وقيل : يؤذن للكتابي خاصة ، وحديث الباب يرد عليه ، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب انتهى .
وأرى أنه لا مانع من دخول الزوار الأجانب غير المسلمين لمساجد المسلمين إذا كانوا فى برنامج سياحى ، أو لعمل هام ، ما دام ذلك بإذن المسلمين ، وفى ثورة 1919 م دخل القمص سرجيوس الجامع الأزهر وخطب فيه خطبة سياسية على مشهد من علماء المسلمين . دون إنكار منهم ، وذلك مراعاة للظروف ، واختلاف الآراء فيه رحمة . وننبه إلى وجوب احترامهم للمساجد وعدم التبذل فيها أو عمل شىء لا يوافق عليه الدين(8/492)
قضاء الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا بعض الآراء تقول : من ترك الصلاة عمدا لا يجب عليه قضاؤها، فهل هذا صحيح ؟
An يقول جمهور العلماء : إن الصلاة إذا خرج وقتها دون أن يؤديها المسلم المكلف وجب عليه أن يقضيها ، قال تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} الإِسراء : 78، يقول القرطبى، مقتضى ظاهر الآية أنه لو فعلها فى غير وقتها تكون باطلة ولا ثواب عليها .
وإذا كانت باطلة فلا داعى لقضائها ، مع أن فواتها معصية ، ولولا حديث " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " لم ينتفع أحد بصلاة وقعت فى غير وقتها ومن هنا كان لابد من قضاء الصلاة في غير وقتها المحدود لها .
وخروج الصلاة عن وقتها قد يكون لعذر أو لغير عذر، ومن العذر النوم والسهو فمن فاتته بعذر وجب عليه قضاؤها ، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك " وفي رواية " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها " فإن اللَّه عز وجل يقول { وأقم الصلاة لذكرى } طه : 14 .
وكذلك يجب قضاؤها لأنها صارت دينا له ، وقد روى الشيخان أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن أمه التى ماتت وعليها صوم شهر هل يقضيه عنها ؟ فقال له " نعم ، فدين اللَّه أحق أن يقضى " وفي رواية أن امرأة سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن أمها التى نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، هل تحج عنها ؟ فقال : " حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا ، فالله أحق بالقضاء " .
فالحديث الأول يوجب القضاء على الناسى بالنص ، والحديث الثانى يدل على وجوبه بعموم قضاء دين اللّه . ويؤكد وجوب القضاء التعبير بالكفارة ، كأن النسيان ذنب فيه كفارة ، مع أن القلم رفع عن الناسى .
أما من ترك الصلاة حتى خرج وقتها بدون عذر، فالقضاء واجب عليه أيضا كما قال جمهور العلماء ، وحجتهم فى ذلك ما يأتى :
1 - قول اللَّه تعالى { وأقيموا الصلاة } ولم يفرق بين أن تكون في وقتها أو بعده ، وهذا أمر يقتضى الوجوب ، فى الوقت وغير الوقت .
2 -ثبت الأمر بالقضاء على النائم والناسى، مع أنهما غير آثمين ، ك لها عمدا أولى بوجوب القضاء .
3 - الحديث يقول " من نام عن صلاة أو نسيها " وهو يدل على وجوب القضاء مطلقا، لأن النسيان ترك ، وهو يشمل الترك المتعمد وغير المتعمد بدليل قول اللّه تعالى { نسوا اللَّه فنسيهم } التوبة : 67، واللّه لا ينسى فمعناه أنه تركهم وقوله { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم } السجدة : 14 ، والمعنى إنا تركناكم ومثله قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } البقرة : 106 ، فمعنى ننسها نتركها .
4 - يقول الحديث " فليصلها إذا ذكرها" وهو يشمل الذكر بعد النسيان وبعد غيره ، ومنه حديث " من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى" وهو سبحانه لا ينسى حتى يكون ذكر بعد نسيان ، بل المراد علمت ، فمعنى ذكرها علمها .
5-أن ديون الآدميين المرتبطة بوقت ، ثم جاء الوقت لم يسقط قضاؤها بعد وجوبها، وهى مما تسقط بالإبراء، فديون اللَّه لا يصح فيها الإِبراء ، وأولى ألا يسقط قضاؤها إلا باذن منه ، ولا يوجد هذا الإذن .
6 -أن العلماء اتفقوا على أن الفطر فى رمضان يوجب القضاء فى غير رمضان ، فكذلك الصلاة إذا لم تؤد فى وقتها وجب قضاؤها فى وقت اَخر .
هذا هو رأى الجمهور فى وجوب قضاء الصلاة على من تركها متعمدا ، وقال أهل الظاهر وبعض علماء الشافعية بعدم وجوب القضاء عليه ، تمسكا بظاهر الحديث الذى شرط للقضاء النوم أو النسيان ، بل عليه أن يتوب توبة نصوحا من معصيته بترك الصلاة ، وذلك بالإِقبال على أدائها والمحافظة عليها ، قال تعالى { وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه : 82 . وردوا على أدله الجمهور، بما يأتى :
1 - لا يصح قياس المتعمد على الناسى، وذلك لوجود الفارق بينهما ، فالناسى مأمور بالقضاء ، والقضاء كفارة بمنطوق الحديث . مع أن الناسى لا إثم عليه لرفع القلم عنه ، وكان مقتضى رفع الإِثم عدم وجوب القضاء ، لكن الحديث نص على وجوبه ، فكان هنا حكما خاصا بنسيان الصلاة ، فلا يقاس عليه التعمد لتركها ، وذلك للزوم الإثم له ، ولا فائدة من القضاء فى رفع هذا الاثم ، بل عليه التوبة .
2 -لو وجب القضاء على العامد لوجب أمر جديد له بالقضاء، ولا يوجد هذا الأمر. والحافظ ابن حجر رد على الدليل الأول بأن الكفارة لا يلزم أن تكون عن إثم ، فقد تكون على الآثم كالقاتل عمدا ، وعلى غيره كالقاتل خطأ، وحيث كانت كفارة الناسى هى القضاء ، فكفارة المتعمد هى القضاء أيضا مع التوبة .
كما رُدَّ على الدليل الثانى، بأن وجوب القضاء لا يحتاج إلى أمر جديد ، فهو مأمور بأداء الصلاة بالخطاب التكليفى الأول ، وتاركها صار مدينا ، والدين لا يسقط إلا بأدائه . هذا ، وجاء فى تفسير القرطبى أن ما روى عن مالك من قوله : من ترك الصلاة متعمدا لا يقضى أبدا ، هو إشارة إلى أن ما مضى لا يعود، أو هو كلام خرج مخرج التغليظ ، كما روى عن على وابن مسعود أن من أفطر فى رمضان عامدا لم يكفره صيام الدهر وإن صامه .
ومع هذا فلا بد من توفية التكليف حقه بإقامة القضاء مقام الأداء ، وإتباعه بالتوبة ، ويفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء ، وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم " من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه " فهو حديث ضعيف خرجه أبو داود ، وإن صح حمل على التغليظ .
وهل يقال : إن حديث رَفْعَ القلم عن النائم حتى يستيقظ ، فلماذا يأمر الرسول من نام عن الصلاة بقضائها ؟ والجواب أن المراد رفع الإِثم لا رفع الفرض عنه ، وليس هذا من باب قوله " وعن الصبى حتى يحتلم " وإن كان ذلك جاء فى أثر واحد، لأن رفعها عن الصبى رفع للوجوب ، وبالتالى رفع للإِثم . أو يقال : إن حديث الصلاة مخصص لحديث رفع القلم ، بمعنى أن حديث رفع القلم - أى عدم المؤاخذة -إن صدق على الصبى وعلى المجنون ، فالصلاة مستثناة من رفع القلم ، فالنائم عنها مؤاخذ وآثم ، وكفارة ذلك هى قضاء الصلاة ، اهـ .
وهناك قول عند الحنابلة بعدم وجوب القضاء على من ترك الصلاة عمدا ، وذلك إذا طلبها منه الحاكم ودعاه إلى فعلها ، لأن فى هذه الحالة يكون مرتدا عندهم ، لكن هذا القول - مع ، كونه أحد القولين وليس بأرجحهما-مقيد بحالة مخصوصة، وهى طلب الحاكم .
والخلاصة أن تارك الصلاة سهوا يجب عليه القضاء باتفاق العلماء، وتاركها عمدا يجب عليه القضاء عند الجمهور وهو الصحيح ، والإِنسان حر فى كيفية القضاء من حيث الترتيب وعدمه على ما رآه بعض الفقهاء -وربما وضحناه فى موضع اَخر- ونختار هذا الرأى للتيسير، كما أنه يقضى ما علم أو غلب على ظنه تركه بعد الاجتهاد فى حصر المتروك ، ولا معنى لانشغاله بالنوافل التى لا يحاسب عليها مع الإهمال فى القضاء .
وعلى تارك الصلاة عمدا - مع وجوب القضاء - أن يتوب إلى اللَّه ويواظب عليها ويندم على تقصيره ويعزم عزما صادقا على عدم التهاون فيها . كما يُسَنُّ له أن يبادر بالقضاء قبل مباغتة الأجل أو تغير الظروف التى يعجز معها عن القضاء . ومن مات وهو يقضى ولم يتم الوفاء فأمره مفوض إلى ربه ، وبحسب نيته تكون آخرته ، والرجاء فى رحمة اللَّه كبير(8/493)
ترك الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم تارك الصلاة، هل هو كافر أو مؤمن عاص ؟
An الصلاة ركن من أركان الإسلام ، ومنزلتها من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، والنصوص كثيرة فى وجوب المحافظة عليها ، وفى التحذير من تركها أو التهاون فيها ، ومن أخطر ما ورد قى تركها حديث رواه مسلم " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " .
وهذا الحديث يدل ظاهره على ما ذهب إليه من قال إن الإِيمان عقيدة وعمل ، يقول النووى فى شرح هذا الحديث ما ملخصه :
تارك الصلاة إن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإِسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه . وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه ، فذهب مالك والشافعى وجماهير السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن ، ولكنه يقتل بالسيف ، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروى عن على وإحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وهو وجه لبعض أصحاب الشافعى ، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنى صاحب الشافعى إلى أنه لا يكفر-ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلى .
ثم ذكر حجة القائلين بكفره وهى ظاهر الحديث والقياس على - كلمة التوحيد، وحجة القائلين بعدم قتله وهى حديث " لا يحل دم امرىء إلا بأحد ثلاث " وليس فيه ترك الصلاة، ومن قال لا يكفر احتج بقوله تعالى { إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .
وبحديث " من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة " وحديث " حرم على النار من قال لا إله إلا اللّه " وغيرها من الأعمال كالصلاة ونحوها .
ومع قولهم بعدم كفره قالوا بقتله حدا إن لم يتب محتجين بقوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة واَتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " أى لا تقتلوهم إن فعلوا ذلك ، ومفهومه يقتلون إن لم يفعلوا . وبحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا منى دماءهم وأموالهم " .
وأجاب هؤلاء الذين لا يكفرون تارك الصلاة عن الحديث " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " بأن المعنى أنه يستحق عقوبة الكفر وهى القتل ، أو أنه محمول على المستحل ، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو أن فعله فعل الكفار انتهى .
ذكر السبكى فى طبقات الشافعية أن الشافعى وأحمد تناظرا فى تارك الصلاة فقال الشافعى : أحمد أتقول أنه يكفر؟ قال نعم ، قال إذا كان كافرا فبم يسلم ؟ قال : يقول لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه ، قال الشافعى : فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه ، قال : يسلم بأن يصلى قال : صلاة الكافر لا تصح ، ولا يحكم له بالإِسلام بها، فسكت أحمد .
ومن ترك الصلاة كسلا مع الإِيمان بوجوبها عليه يجب نصحه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن لم يتب وجبت مقاطعته وكراهيته وحَرُمَ حبه ومودته .
فذلك مظهر الإِنكار بالقلب الوارد فى حديث تغيير المنكر، وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم هجر المتخلفين عن غزوة تبوك بغير عذر وأمر أصحابه بهجرهم ، على أن يكون الهجر بدافع دينى لا لغرض شخصى ، والأعمال بالنيات .
ولو أن المؤمنين الطائعين قاطعوا العصاة وهجروهم لكان ذلك من أكبر العوامل على مراجعة أنفسهم وتوبتهم إلى اللَّه ، ضرورة حاجتهم إلى التعامل مع إخوانهم(8/494)
جمع التبرعات أثناء الخطبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز جمع التبرعات أثناء خطبة الجمعة ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مسَّ الحصا فقد لغا" . قال العلماء : لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اللغو حال خطبة الجمعة، وحكمته أن فيه تشويشا على الخطيب بالكلام أو بأى عمل آخر، وأن فيه انصرافا عن الاستماع إليه . قال أبو حنيفة ومالك والشافعى وعامة العلماء : يجب الإنصات للخطبة، وبخاصة إذا تلى فيها قرآن ، قال تعالى { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الأعراف : 204 ، وقال أيضا { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } فصلت : 26 ، وقال أبو حنيفة : يجب الإنصات حتى قبل الخطبة ، من حين خروج الإمام إليها . وقول الحديث : " ومن مس الحصا فقد لغا" يشير إلى أن كل ما يصرف الإنسان عن الاستماع إلى الخطبة يبطل ثواب الجمعة ، وذلك كمس الحصا الذى كان يفرش به المسجد النبوى، ومثله اللهو بالمسبحة وبأى شىء آخر، فهو لغو أى باطل مذموم . ولما كان حامل صندوق التبرعات منصرفا عن الاستماع ومشوشا على غيره بصوت النقود المعدنية التى تقرع قاع الصندوق ، وبمشيه بين الصفوف الذى قد يكون معه تخطً للرقاب وهو منهى عنه نهيا شديدا، وقد يشغل المتبرع بإخراج النقود فينصرف عن سماع الخطبة-لما كان ذلك كان جمع التبرعات بهذه الطريقة منافيا لواجب الاستماع إلى الخطبة، وليست هذه حالة ضرورة حتى يباح لها المحظور، فإن جمع التبرعات ممكن بعد الانتهاء من الصلاة .
وقد جاء النهى عن تخطى الرقاب يوم الجمعة مقيدا بأنه يكون بعد خروج الإمام للخطبة ، كما فى رواية أحمد والطبرانى ، أو يكون أثناء الخطبة كما فى رواية لأحمد وأبى داود والنسائى وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما ، حيث رأى النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يتخطى رقاب الناس وهو يخطب ، فقال له " اجلس ، فقد آذيت " وجاء النهى مطلقا لم يقيد بهذين القيدين كما فى رواية ابن ماجة والترمذى " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم " وقال الترمذى : حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط والعمل عليه عند أهل العلم .
واعتمادا على هذه الروايات يمكن أن يقال : لو كان جمع التبرعات قبل خروج الإمام للخطبة وليس فيه تخط للرقاب لم يكن ذلك ممنوعا .
والأفضل -كما قلنا-أن يكون ذلك بعد الانتهاء من الصلاة(8/495)
تحية المسجد والإمام يخطب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا دخل رجل المسجد والإمام يخطب الجمعة فهل يجوز له أن يصلى تحية المسجد، مع أن الاستماع للخطبة واجب ؟
An روى مسلم أن سليكا الغطفانى جاء يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجلس ، فقال له " يا سليك ، قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما " ثم قال " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " وفيه عدة روايات .
يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 6 ص 164 ": هذه الأحاديث كلها صريحة فى الدلالة لمذهب الشافعى وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإِمام يخطب ، استحب له أن يصلى ركعتين تحية المسجد، ويكره الجلوس قبل أن يصليهما ، وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدها الخطبة، وحكى هذا المذهب أيضا عن الحسن البصرى وغيره من المتقدمين .
قال القاضى : وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثورى وجمهور السلف من الصحابة والتابعين : لا يصليهما . وهو مروى عن عمر وعثمان وعلى رضى اللَّه عنهم ، وحجتهم الأمر بالإِنصات للإِمام ، وتأولوا هذه الأحاديث على أنه -يعنى سليكا - كان عريانا فأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه .
وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإِمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " وهذا نص لا يتطرق إليه أى تأويل لأنه عام لا يخص سليكا وحده ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ صحيحا فيخالفه .
ثم قال النووى : وفى هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام فى الخطبة لحاجة ، وفيها جوازه للخطيب وغيره ، وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح فى كل حال وموطن .
وفيها أن تحية المسجد ركعتان ، وأن نوافل النهار ركعتان وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس فى حق جاهل حكمها، وقد أطلق أصحابنا - الشافعية - فواتها بالجلوس ، وهو محمول على العالم بأنها سنة ، أما الجاهل فيتداركها عن قرب لهذا الحديث .
والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك فى أوقات النهى عن الصلاة، وأنها ذات سبب تباح فى كل وقت ، ويلحق بها كل ذوات الأسباب ، كقضاء الفائتة ونحوها ، لأنها لو سقطت فى حال لكان هذا الحال أولى بها ، فانه مأمور باستماع الخطبة فلما ترك لها استماع الخطبة وقطع النبى صلى الله عليه وسلم لها الخطبة وأمر بها بعد أن قعد وكان هذا الجالس جاهلا حكمها -دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا فى وقت من الأوقات .انتهى .
وبعد، فقد تحدث العلماء قديما وحديثا فى هذا الموضوع ، وقد علمنا مما تقدم اْنه من الأمور الخلافية ، فلا ينبغى التعصب لرأى خلافى ، فمن صلى تحية المسجد قبل أن يجلس والإِمام يخطب لم يرتكب إثما، وكذلك من دخل وجلس ولم يصل التحية لم يرتكب إثما، ومن جلس ولم يصل ثم قام يصلى أثناء الخطبة وكان جاهلا بذلك فيوجه برفق لا شوشرة فيه(8/496)
قصر الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو حد السفر الذى يبدأ منه قصر الصلاة، هل هو مغادرة المنزل أو مغادرة الحى أو مغادرة المدينة ؟
An من المعلوم أن قصر الصلاة الرباعية فى السفر بأدائها ركعتين أمر مشروع ، سواء جُعِلَ ذلك رخصة لا يضر الأخذ بها أو عزيمة يجب الأخذ بها ، قال تعالى { وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } النساء : 100 ،. وقد وضع الفقهاء لذلك شروطا منها مجاوزة محل الإِقامة، وذلك لتحقيق السفر الذى بنى قصر الصلاة على أساسه . وكلهم متفقون على ذلك ، مع اختلافهم فى تحديد المجاوزة، هل تكون بمجاوزة سور البلد أو عمرانها أو مينائها البحرى أو الجوى ، أو خيام البادية . أو الملاعب والمرافق المتصلة بالبلد ولم يقل واحد من الفقهاء الأربعة بجواز قصر الصلاة عند نية السفر وهو يجهز أدواته فى بيته ، أو عند مغادرة بيته قبل أن ينفصل عن العمران ، فالمسافر من القاهرة مثلا لا يجوز له قصر الصلاة وهو منتظر فى محطة السكة الحديد أو فى المطار، بل ولا هو راكب للقطار أو الطائرة قبل التحرك ، فلا بد من تحقق ما يطلق عليه العرف اسم السفر، وذلك إلى جانب الشروط الأخرى ككون السفر طويلا وكونه مباحا .
هذا، وقد جاء فى نيل الأوطار للشوكانى(ج 3 ص 220 ) ما نصه : وقد اختلف أيضا فيمن قصد سفرا يقصر فى مثله الصلاة على اختلاف الأقوال من أين يقصر؟ فقال ابن المنذر: أجمعوا على أن لمريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التى يخرج منها ، واختلفوا فيما قبل الخروج من البيوت ، فذهب الجمهور إلى أنه لابد من مفارقة جميع البيوت ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلى ركعتين ولو فى منزله . ومنهم من قال : إذا ركب قصر إن شاء . ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت ، واختلفوا فيما قبل ذلك ، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر. قال : ولا أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قصر فى سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة(8/497)
صلاة التسابيح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى صلاة التسابيح ، وهل هى مشروعة أو غير مشروعة ؟
An حديث صلاة التسابيح رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة فى صحيحه والطبرانى، وقد روى من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة كما قاله الحافظ ابن حجر، ومن أمثلتها حديث عكرمة بن عباس الذى قال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب " إن استطعت أن تصليها فى كل يوم مرة فافعل ، فان لم تستطع ففى كل جمعة مرة، فان لم تفعل ففى كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففى عمرك مرة " وقد صحح هذا الحديث جماعة من الحفاظ . وقال بعض الرواة : إن صح الخبر فإن فى القلب من هذا الإِسناد شيئا .
وذكر الإمام النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" أن الترمذى قال : قد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم غير حديث فى صلاة التسابيح ، ولا يصح منه كبير شىء . ورأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسابيح ، وذكروا الفضل فيها : ثم روى الترمذى حديث العباس الذى نقله أبو رافع وقال عنه : حديث غريب . ثم قال الإِمام أبو بكر بن العربى فى كتابه " الأحوذى فى شرح الترمذى " حديث أبى رافع هذا ضعيف ليس له أصل فى الصحة ولا فى الحسن ، وإنما ذكره الترمذى لينبه عليه لئلا يُغْتر به ، وقول ابن المبارك ليس بحجه .
هذا كلام أبى بكر بن العربى ، وذكر أبو الفرج بن الجوزى أحاديث صلاة التسابيح وطرقها ، ثم ضعَّفها كلها وبيَّن ضعفها ، وقال النووى : وقد نص جماعة من أئمة أصحابنا - الشافعية - على استحباب صلاة التسابيح ، منهم البغوى والرويانى الذى نقل عن عبد اللَّه بن المبارك أنها مرغب فيها ، يستحب أن يعتادها فى كل حين ولا يتغافل عنها والحافظ المنذرى أورد فيها روايات كثيرة ذكر أن بعضها صحيح وأن فيها اختلافا كثيرا وجاء فى كتاب المغنى 0 لابن قدامة أن أحمد بن حنبل قال عنها: ما تعجبنى، قيل له :
ولم ؟ قال : ليس فيها شىء يصح ونفض يده كالمنكر .
وبعد عرض هذه الأقوال والآراء يمكن أن يقال : إنه لا مانع من صلاتها ، فإنها فضيلة ، والأحاديث الضعيفة تقبل فى فضائل الأعمال كما قاله كثير من العلماء . وهى من جنس الصلوات ، وفيها ذكر للّه ، ولم تشتمل على ما يتعارض مع الأصول الثابتة . أما كيفيتها فهى أربع ركعات ، تصلى ركعتين ركعتين ، أو تصلى أربعا بنية واحدة . يقرأ المصلى فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة ، وبعد السورة وقبل الركوع يسبح خمس عشر مرة، وفى الركوع يسبح عشرا وفى الاعتدال منه يسبح عشرا ، وفى السجود الأول كذلك ، وبين السجدتين كذلك ، وفى السجود الثانى كذلك ، وعقب السجود الثانى كذلك ، فالجملة فى الركعة الواحدة خمس وسبعون تسبيحه ، وفى الركعات الأربعة ثلاثمائة تسبيحة، وليست هناك صيغة معينة للتسبيح ، ومن أمثلها " سبحان اللَّه والحمد للّه ولا إلا إله اللَّه واللَّه أكبر " .
وأؤكد أن صلاتها ليست بدعة ضلالة ، فهى كصلاة أى تطوع زيدت فيه هذه التسبيحات ، وتسبيح اللّه مأمور به بكرة وأصيلا، والصلاة خير موضوع ، وما دام بعض الفقهاء قال بها فلا وجه للإنكار عليها .
وفضل هذه الصلاة كما فى الحديث الذى رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة ، وقول النبى للعباس فيه " يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحْبُوكَ ألا أفعل لك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر اللَّه لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته عشر خصال أن تصلى أربع ركعات . . . " .
وينبغى أن نعلم أن الذنوب التى تكفرها صلاة التسابيح هى الصغائر، أما الكبائر فلابد لتكفيرها من التوبة النصوح ، ويقال مثل ذلك فى الصلوات النافلة التى يجازى عليها بالمغفرة(8/498)
التنكيس فى القراءة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الأئمة يصلون التراويح بآيات متناثرة من القرآن ، وقد يقرأ فى الركعة الأولى آيات من آخر السورة، وفى الثانية آيات من أولها، أو من سورة متقدمة على السورة الأولى، فهل يسمى هذا تنكيسًا وما حكمه ؟
An ورد في الصحيح أن حذيفة صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمعه قرأ فى الركعة الأولى البقرة ، ثم افتتح آل عمران ، ثم ركع ... رواه مسلم "ج 6 ص 61" . قال القاضى عياض : إن ترتيب السور ليس بواجب فى الكتابة ولا فى الصلاة ولا فى الدرس ولا فى التلقين والتعليم ، وإنه لم يكن من النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك نص ، ولا تحرم مخالفته .
ثم قال : ولا خلاف أنه يجوز للمصلى أن يقرأ فى الركعة الثانية سورة قبل التى قرأها فى الأولى . وإنما يكره ذلك فى ركعة ، ولمن يتلو فى غير الصلاة .
قال : وقد أباحه بعضهم ، وتأويل نهى السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها ، ولا خلاف فى أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من اللّه تعالى على ما بنى عليه الآن فى المصحف . وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 237 " .
وبهذا يعلم أن مخالفة ترتيب المصحف فى قراءة السور ليست محرمة ، بل هى مكروهة فقط ، والكراهة مرتبة أقل من الحرمة، بمعنى أنها لا مؤاخذة عليها .
أما مخالفة الترتيب فى قراءة الآيات فلم أر حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم فيها ، بل الوارد إنما هو عن السلف . وقد جاء فى نهاية ابن الأثير- مادة نكس -: وفى حديث ابن مسعود قيل له : إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا .
فقال : ذلك منكوس القلب . قيل هو أن يبدأ من آخر السورة حتى يقرأها إلى أولها ، وقيل : هو أن يبدأ من آخر القرآن فيقرأ السور، ثم يرتفع إلى البقرة . اهـ .
وقد علمت أن الثانى ليس بمحرم ، والأول هو المنهى عنه(8/499)
أذانان للفجر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك أذان واحد للفجر أم أذانان ، وما هو الأذان المعتبر للصلاة والصيام وهل التوقيت الموجود حاليا فى النتائج صحيح ؟
An يقول اللَّه سبحانه فى شأن الصيام ، {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة : 187 ، ويقول فى شأن الصلاة {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ، الإسراء: 78 ، وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال "لا يمنعنكم أذان بلال عن سحوركم فإنه ينادى بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" . ورويا أيضا عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم " وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له : أصبحت أصبحت .
وروى الحاكم عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال "الفجر فجران ، فأما الفجر الذى يكون كذنب السرحان - الذئب - فلا يحل الصلاة ويحل الطعام ، وأما الذى يذهب مستطيلا- أى ممتدا فى الأفق - فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام " ومن رواية البخارى أنه صلى الله عليه وسلم مد يده عن يمينه ويساره .
يؤخذ من هذا أنه كان هناك أذانان للفجر أيام النبي صلى الله عليه وسلم الأذان الأول كان للتنبيه والاستعداد للصيام ، والثانى كان للامتناع عن الطعام والشراب وبدء الصوم وحل صلاة الفجر .
كما يؤخذ أن هناك ضوأين فى آخر اليل ، أحدهما يظهر فى الأفق من أعلى إلى أسفل كالعمود، والثانى كان يظهر بعده ممتدا فى الأفق عرضا يمينا ويسارا ، والثانى هو الفجر الصادق المعول عليه فى الصيام وصلاة الفجر، وجاء فى رواية لمسلم عن المدة التى بين الأذانين ما نصه : ولم يكن بينهما -أى بلال وابن أم مكتوم -إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا .
وجاء فى رواية للبخارى ومسلم أن مهمة أذان بلال أن يرجع القائم ويوقظ النائم .
وهنا تثار عدة استفهامات :
1-هل هذان الأذانان للفجر فقط أو لكل الأوقات ؟ 2-وهل هما لرمضان فقط أو لكَل الشهور؟ .
3-وما هو مبدأ الأذان الأول ؟ 4-وهل ألفاظ الأذانين واحدة ، أو أن للأول ألفاظا خاصة؟ 5-وهل يجوز اتخاذ أكثر من مؤذن للمسجد الواحد؟ وللإجابة على ذلك نقول :
1-الجمهور على أن الأذانين هما للفجر خاصة ، ولا يجوز أن - يكون هناك أذان سابق على دخول الوقت فى غير الفجر .
2- والجمهور أيضا على أن الأذانين للفجر لا تختص مشروعيتهما بشهر رمضان . فكما يكون الأول للسحور يكون للاستعداد لصلاة الفجر، أو تنظيم قيام الليل .
3- وبدء الأذان الأول مختلف فيه . فقيل يشرع وقت السحر، ورجحه جماعة من أصحاب الشافعى، وقيل يشرع من النصف الأخير، ورجحه النووى وتأول القول الذى يخالفه ، وقيل يشرع للسبع الأخير فى الشتاء، أما فى الصيف فلنصف السبع ، وقيل وقته الليل جميعه ، وقيل بعد آخر وقت الاختيار للعشاء .
لكن قد يؤخذ تعيين مبدئه من رواية النسائي والطحاوى من حديث عائشة : أنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا ، وكانا يؤذنان فى بيت مرتفع كما أخرجه أبو داود ، فيكون الأذان الأول قبل الفجر بقليل ، لكن جاء فى شرح النووى لصحيح مسلم :
قال العلماء : معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ،.ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم ، فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع فى الأذان مع أول طلوع الفجر. اهـ .
وهذا يدل على أن الأذان الأول كان قبل الوقت بوقت طويل لا يمكن تحديده 4- وألفاظ الأذانين واحدة عند الجمهور. وقال بعض الحنفية : إن النداء الأول لم يكن بألفاظ الأذان المعروفة ، وإنما كان تذكيرا كما يقع للناس اليوم ، ورده الجمهور بأن التذكير محدث قطعا ولم يكن أيام النبي صلى الله عليه وسلم وقد تضافرت الأحاديث على التعبير بلفظ الأذان قطعا ، فحمله الجمهور على معناه الشرعى . ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين ولما قال لهم الرسول " لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال " كما رواه مسلم . وأما التواشيح المعتادة اليوم فحكمها مذكور فى موضع اَخر .
5- والحديث يدل على جواز اتخاذ مؤذنين فى وقت واحد أما الزيادة عليهما فليس فى الحديث تعرض لها ، ونقل عن بعض أصحاب الشافعى أنه يكره الزيادة على أربعة ، لأن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه اتخذ أربعة ، ولم تنقل الزيادة عن أحد من الخلفاء الراشدين . وجوزه بعضهم من غير كراهة ، لأن الزيادة إذا جازت لعثمان على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم جازت لغيره ، قال أبو عمر بن عبد البر وإذا جاز اتخاذ مؤذنين جاز أكثر من هذا العدد ، إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له "يعنى نص أو خبر يعتمد عليه " . والمستحب أن يتعاقبوا واحدا بعد واحد كما اقتضاه الحديث إن اتسع الوقت لذلك كصلاة الفجر، فإن تنازعوا فيمن يبدأ منهم أقرع بينهم "ملخص من نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 51 - 53 " . هذا ، وقد خالفت بعض الجماعات التقويم المعمول به لأوقات الصلاة وبخاصة الفجر وقالوا : إنه بعد التوقيت المنشور "بالنتائج " بثلث ساعة ورد على ذلك المكتب الفنى لوزارة الأوقاف المصرية بأن التقويم المعمول به الاَن صادر عن أصحاب الاختصاص من علماء الفلك والتقويم ،ويجب اتباعه حتى لا يكون هناك فارق بين ما جاء به الدين وما يقول به العلم .اهـ .
وفد أفتت دار الإفتاء المصرية بتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1981 م بما نصه : إن الحساب الفلكى لمواقيت الصلاة الذى تصدره هيئة المساحة المصرية عرض على لجنة متخصصة من رجال الفلك والشريعة فانتهت إلى أن الأسلوب المتبع فى حساب مواقيت الصلاة فى جمهورية مصر العربية يتفق من الناحية الشرعية والفلكية مع رأى قدامى علماء الفلك المسلمين .
واستئنافا لذلك ستشكل لجنة أخرى لمتابعة البحث . وقرر المفتى الالتزام بالمواقيت المذكورة، لأنها موافقة لما جاء فى الأحاديث التى رواها أصحاب السنن مما علَّمه جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم . وأمر المفتى من يقولون فى الدين بغير علم أن يتقوا اللّه حتى لا يضلوا الناس فى دينهم ، وألا يلبسوا الدين بأغراض أخرى يبتغونها ، فالحق أحق أن يتبع "الفتاوى الإسلامية مجلد 8 ص 2733 "(8/500)
أذان النبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن للصلاة ، وما الحكمة من ذلك ؟
An جاء فى كتاب "نور الأبصار للشبلنجى ص 49" قال النيسابورى :
الحكمة فى كونه صلى الله عليه وسلم كان يؤم ولا يؤذن أنه لو أذن لكان من تخلف عن الإجابة كافرا ، وقال أيضا : ولأنه كان داعيا فلم يجز أن يشهد لنفسه . وقال غيره : لو أذن وقال : أشهد أن محمدًا رسول اللّه لتوهم أن هناك نبيا غيره . وقيل لأن الأذان رآه غيره فى المنام فوكله إلى غيره . وأيضا ما كان يتفرغ إليه من أشغال . وأيضا قال الرسول صلى الله عليه وسلم "الإمام ضامن والمؤذن أمين " رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، فدفع الأمانة إلى غيره .
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : إنما لم يؤذن لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ، أى جعله دائما ، وكان لا يتفرغ لذلك ، لاشتغاله بتبليغ الرسالة ، وهذا كما قال عمر: لولا الخلافة لأذنت .
وأما من قال : إنه امتنع لئلا يعتقد أن الرسول غيره فخطأ ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول فى خطبته : وأشهد أن محمدا رسول اللَّه .
هذا، وجاء في نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 36" خلاف العلماء بين أفضلية الأذان والإمامة وقال فى معرض الاستدلال على أن الإمامة أفضل : إن النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أمُّوا ولم يؤذنوا ، وكذا كبار العلماء بعدهم(9/1)
الإعلان فى ميكروفون المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إعلام الناس عن موت أحد الأشخاص باستخدام مكبرات الصوت بالمساجد ؟
An يقول اللَّه سبحانه {فى بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} النور: 360 ، 37 ، وروى مسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فليقل لا ردها اللَّه عليك ، فان المساجد لم تبن لهذا" وروىَ النسائى والترمذى بطريق حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال : "إذا رأيتم من يبيع أو يتباع - أى يشترى - فى المسجد فقولوا له : لا أربح اللَّه تجارتك " .
يؤخذ من هذه النصوص أن المساجد بيوت اللَّه جعلت للعبادة وعمل الخير، وينبغى أن يتوافر فيها الهدوء حتى لا يكون إيذاء أو مضايقة للمتعبدين فيها، كما ينبغى أن تصان حرمتها ولا يزاول فيها ما يخل بكرامتها، كالتخاصم والنداء على الأشياء المفقودة وغيرها .
فإذا لم يكن شيء من ذلك جاز رفع الصوت فى المسجد، وجاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج 5 ص 55 " أن أبا حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك أجازا رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة - أى التقاضى- وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجتمعهم ولا بد لهم منه .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود فى المسجد، ويتلقى فيه تبرعات المحسنين ، ويوزع فيه الأموال المستحقة، بل سمح بنصب خيمة فى غزوة الأحزاب لاستقبال الجرحى وتمريض المجاهدين ،كما سمع إنشاد الشعر فيه من حسان بن ثابت ، فالحكم مبنى على عدم التشويش على المصلين والمتعبدين وعدم الإخلال بحرمة المسجد ، ولا شك أن ما سمح به الرسول كان مراعى فيه هذه الحكمة، أما ما منعه كالتجارة ونشدان الضالة فكان مراعى فيه أنه يتنافى مع هذه الحكمة، ومعروف أن البيع والشراء فيه مساومة وكلام يشوش على من فى المسجد ، وكذلك نشدان الضالة فيه مساومة على الجعل الذى يدفع عند إحضار الضالة ، وفيه استفسار عن مواصفاتها .
والاستدلال على المنع بقوله تعالى{وأن المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا} ، الجن : 18 ، لا محل له هنا ، لأن الآية ورادة فيمن يشركون مع اللَّه غيره فى العبادة ، كما كان المشركون يفعلون ذلك فى المسجد الحرام عندما كان مملوءا بالأصنام .
والسيوطى فى كتابه "الحاوى للفتاوى" وضح ذلك بما لا يحتاج إلى مزيد ، وقال : نص النووى فى شرح المهذب على أنه يكره رفع الصوت بالخصومة فى المسجد ولم يحكم عليه بالتحريم وكذا رفع الصوت بالقراءة والذكر إذا أذى المصلين والقيام نصوا على كراهته لا تحريمه ، والحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإسناد غير معارض ، ثم إلى نص من أحد أئمة المذاهب ، وكل من الأمرين لا سبيل إليه . انتهى .
ومن هنا يمكن أن نقول : إن الإعلان عن الوفاة ليس مصلحة شخصية بقدر ما هو مصلحة عامة، فإذا كان مكبر الصوت - الميكروفون - لا يشوش على المصلين والمتعبدين فلا وجه لمنع الإعلان فيه عن الوفاة ، أما إذا كان فيه تشويش فيكون ممنوعا ودرجة المنع هى الكراهة لا الحرمة(9/2)
الصلاة بالثياب اللاصقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز صلاة الرجل أو المرأة بملابس لاصقة بالجسد ؟
An ستر العورة فى الصلاة لا يقصد منه بالذات منع الفتنة، فقد يصلى الإنسان وحده دون رؤية أحد له ، بل القصد منه هو الأدب مع اللّه سبحانه ، وتنفيذ أمره بقوله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} ، الأعراف : 31 ،وبالمأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك .
ومن هنا قال جمهور العلماء : لا مانع من ستر العورة فى الصلاة بما يحدد شكلها بالملابس اللاصقة ما دامت العورة لا تراها العين . وقال مالك : تعاد الصلاة فى الوقت بثوب غير محدد(9/3)
هل قدم المرأة عورة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى صلاة المرأة وقدماها عاريتان ؟
An جسم المرأة كله عورة فى الصلاة ما عدا وجهها وكفيها، فلو ظهر شيء منه بطلت الصلاة، والتى تصلى بملابس قصيرة كشفت عورتها المخففة عند مالك ، فتصح صلاتها وإن كان كشفها حراما أو مكروها . ولكن تنبغى إعادتها بستر كامل ما دام وقت الصلاة باقيا ، فإن خرج وقتها فلا إعادة مع بقاء المؤاخذة عليها .
وقدم المرأة من العورة المخففة عند مالك ، وحكم كشفه هو ما ذكر، وبطن القدمين عورة يجب سترها عند الشافعية والأحناف ، وظاهرهما عورة عند الشافعية يجب سترها، وليس بعورة عند الأحناف لو انكشف لا تبطل الصلاة .
وستر القدمين قد يكون بالجورب غير الشفاف ، وقد يكتفى فيه بالثوب الطويل السابغ المغطى لهما عند السجود بالذات(9/4)
القنوت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل القنوت فى الصلاة مشروع ، وإذا كان مشروعا فهل هو فى كل الصلوات ، وهل له صيغة محدودة ؟
An القنوت وهو الدعاء مشروع في الصلوات الخمس عند النوازل ، لحديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما : قنت الرسول صلى الله عليه وسلم فى الصلوات الخمس مدة شهر، يدعو على حى من بنى سليم : رعل و ذكوان وعصية ، لأنهم قتلوا بعض الصحابة الذى أرسلهم ليعلموهم .
رواه أبو داود وأحمد ، كما روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع . وجاء فيه : قال : يجهر بذلك ويقول فى بعض صلاته وفى صلاة الفجر "اللهم العن فلانا وفلانا " حيبن من أحياء العرب ، حتى أنزل اللّه تعالى {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } آل عمران : 128 .
والقنوت فى الصبح على هذا مشروع عند النوازل كبقية الصلوات ، أما فى غير النوازل فللفقهاء فيه أقوال خلاصتها .
قال الحنفية والحنابلة بعدم مشروعيته ، مستدلين بما رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه عن أنس : : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت فى صلاة الصبح إلا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم .
وقال المالكية والشافعية بمشروعيته . ودليلهم ما رواه الجماعة إلا الترمذى أن أنس بن مالك سثل هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح ؟ فقال : نعم ، ورواه أحمد والبزار و الدارقطنى والبيهقى والحاكم وصححه عن أنس قال : ما زال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقنت فى الفجر حتى فارق الدنيا .
ومناقشة هذه الأدلة وبيان الأرجح من الأقوال يمكن الرجوع إليه فى كتاب "زاد المعاد لابن القيم " الذى بين فى سرده للروايات أن أهل الحديث توسطوا بين من ينكرون القنوت مطلقا حتى فى النوازل وبين من يستحسنونه مطلقا عند النوازل وغيرها ، فهم لا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهونه فعله ، ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفا للسنة ،كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفا للسنة، بل من قنت فقد أحسن ، ومن تركه فقد أحسن ، وهذا من الاختلاف المباح الذى لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه ، وذلك كرفع اليدين في الصلاة وتركه . وأنا أقول : إن الخلاف بسيط ، وهو فى سنة وليس فى فرض ، والدين يسر .
هذا وقد روى أحمد وأصحاب السنن عن أبى مالك الأشجعى أنه قال عن قنوت الفجر إنه بدعة ، لأنه صلى خلف النبي وأبى بكر وعمر وعلى فلم يرهم يقنتون ، كما روى الدارقطنى أن ابن عباس كان يقول : إن القنوت فى صلاة الفجر بدعة . ويمكن الجمع بين روايات الإثبات وروايات النفى بأن هؤلاء المروى عنهم كانوا يقنتون أحيانا ولا يقنتون أحيانا أخرى ، لأنه سنة وليس بفرض ولا واجب ، والمثبت مقدم على النافى كما هو معلوم ، وإذا كان بعض الصحابة لم يقنت لأنه لم يره من النبى صلى الله عليه وسلم فإن عدم الرؤية لا يدل على النفى المطلق ، وقد ذكر ابن حزم أن ابن مسعود الذى كان لا يقنت خفى عليه وضع الأيدى على الركب فى الركوع ، وأن ابن عمر الذى لم يحفظه عن أحد من الأصحاب كما رواه البيهقى خفى عليه المسح على الخفين .
هذا فى قنوت الصبح ، أما فى قنوت الوتر فهو سنة عند الشافعية فى النصف الثانى من شهر رمضان ، أما فى غير ذلك ، فهناك خلاف :
فعند الحنابلة أن القنوت مسنون فى الوتر فى الركعة الواحدة فى جميع السنة، وعند المالكية والشافعية لا يسن ، ووافقهم الحنابلة فى رواية عن أحمد . وعند الحنفية مسنون فى كل أيام السنة، يقول ابن تيمية فى فتاويه "مجلد 22 ص 264 -269 " . . وأما قنوت الوتر فلعلماء فيه ثلاثة أقوال :
1- قيل لا يستحب بحال ، لأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قنت فى الوتر .
2- قيل : بل يستحب فى جميع السنة كما نقل عن ابن مسعود وغيره، ولأن فى السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الحسن بن على دعاء يدعو به قنوت الوتر .
3- وقيل بل يقنت فى النصف الأخير من رمضان كما كان أُبى بن كعب يفعل .
وقنوت النوازل مشروع فى غير صلاة الصبح أيضا قال النووى - وهو شافعى المذهب فيه ثلاثة أقوال ، والصحيح المشهور الذى قطع به الجمهور أنه مشروع فى كل الصلوات ما دامت فيه نازلة ، وإلا فلا، ولم يقل بمشروعيته غيرهم ، ورأى المالكية أنه إن وقع لا تبطل به الصلاة وهو مكروه .
ومحل القنوت بعد الركوع عند الشافعية والحنابلة ، وفى رواية عن أحمد أنه قال : أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع ، فإن قنت قبله فلا بأس .
والمالكية والحنفية ، يقنتون قبل الركوع . والقنوت عند الشافعية يحصل بأية صيغة فيها دعاء وثناء مثل (اللهم اغفر لى يا غفور) وأفضله :(اللهم اهدنى فيمن هديت ، وعافنى فيمن عافيت ، وتولنى فيمن توليت ، وبارك لى فيما أعطيت ، وقنى شر ما قضيت ، فانك تقضى ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت ، تباركت وتعاليت ) وقد روى عن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم علمه إياه ، كما رواه أبو داود والنسائى والترمذى وغيرهم ، وقال الترمذى : حديث حسن ، ولا يعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم شيء أحسن من هذا .
ولفظه المختار عند الحنفية كما رواه ابن مسعود وعمر رضى اللَّه عنهما : اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ، ونثنى عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار ملحق .
يقول النووى : يستحب الجمع ين قنوت عمر وما روى عن الحسن ، وإلا فليقتصر على رواية الحسن ، وتسن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد القنوت(9/5)
الصلاة مع نسيان النجاسة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الشرع فيمن صلى ثم اكتشف أن فى ثوبه نجاسة لم يكن يعلم بها هل تصح صلاته أم لا ؟
An من المعلوم أن الطهارة من النجس شرط لصحة الصلاة عند جمهور الفقهاء فلو صلى وفى بدنه أو ثوبه نجاسة، وكان عالما بها بطلت صلاته ، وهناك رأيان للمالكية في حكم الطهارة من النجاسة، هل هى واجبة لصحة الصلاة أم سنة ، فعلى القول بالوجوب كانت الصلاة باطلة عند العلم بالنجاسة ، وعلى القول بالندب لا تبطل الصلاة ، فتجب إعادتها فى الوقت أو بعده على القول الأول وتندب إعادتها على القول الثانى .
فإذا صلى بالنجاسة ناسيا لها ، أو جاهلا بها ، أو عاجزا عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين عند المالكية ، وتندب الإعادة فى الوقت المسموح به للصلاة . "الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف حكم إزالة النجاسة" وفى فقه الحنابلة يقول ابن قدامة فى المغنى "ج 1 ص 718" : وإذا صلى ثم رأى عليه نجاسة فى بدنه أو ثيابه لا يعلم هل كانت عليه فى الصلاة أو لا-فصلاته صحيحة ، لأن الأصل عدمها فى الصلاة .
وإن علم أنها كانت فى الصلاة لكن جهلها حتى فرغ منها ففيه روايتان ، إحداهما لا تفسد صلاته ، هذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد بن المسيب ، وآخرين ، والثانية يعيد ، وهو قول أبى قلابة والشافعى، لأنها طهارة مشترطة للصلاة فلم تسقط بجهلها كطهارة الحدث ، وقال ربيعة ومالك :
يعيد ما كان فى الوقت ولا يعيد بعده .
وجه الرواية الأولى- عدم الفساد-ما روى أبو سعيد قال : بينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فخلع الناس نعالهم ، فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال " ما حملكم على إلقائكم نعالكم "؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا ، قال " إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيهما قذرا " رواه أبو داود . ولو كانت الطهارة شرطا مع عدم العلم بها لزمه استئناف الصلاة ، وتفارق طهارة الحدث لأنها آكد ، لأنها لا يعفى عن يسيرها وتختص البدن .
وإن كان قد علم بالنجاسة ثم أُنسيها وصلى فقال القاضى : حكى أصحابنا فى المسألتين روايتين ، وذكر هو فى مسألة النسيان أن الصلاة باطلة ، لأنه منسوب إلى التفريط ، بخلاف الجاهل بها ، قال الآمدى :
يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة ، والصحيح التسوية بينهما . لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان ، بل النسيان أولى لورود النص بالعفو عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم "عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان " .
وإن علم بالنجاسة فى أثناء الصلاة فإن قلنا : لا يعذر بالجهل والنسيان فصلاته باطلة ، ويلزمه استئنافها ، وإن قلنا يعذر فصلاته صحيحة .
ثم إن أمكنه طرح النجاسة من غير زمن طويل ولا عمل كثير ألقاها وبنى ، كما خلع النبى صلى الله عليه وسلم نعليه حين أخبره جبريل بالقذر فيهما ، وإن احتاج إلى أحد هذين - الزمن الطويل والعمل الكثير- بطلت صلاته ، لأنه يفضى إلى أحد أمرين : إما استصحاب النجاسة مع العلم بها زمنا طويلا، أو يعمل فى الصلاة عملا كثيرا فتبطل به الصلاة فصار كالعريان يجد السترة بعيدة عنه . انتهى .
وفى فقه الشافعية جاء فى "كفاية الأخيار" ج 1 ص ا 8 : إذا صلى بنجاسة لا يعفى عنها وهو جاهل بها حال الصلاة، سواء كانت فى بدنه أو ثوبه أو موضع صلاته ، فإن لم يعلم بها ألبته فقولان ، الجديد الأظهر يجب عليه القضاء ، لأنها طهارة واجبة فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث ، والقديم أنه لا يجب ، ونقله ابن المنذر.عن خلائق واختاره ، وكذا النووى اختاره فى شرح المهذب .
وإن علم بالنجاسة ثم نسيها فطريقان ، أحدهما على القولين - أى الجديد والقديم كما لو لم يعلم بها - والمذهب القطع بوجوب القضاء لتقصيره .
ثم إذا أوجبنا الإعادة فيجب عليه إعادة كل صلاة صلاها مع النجاسة يقينا، فإن احتمل حدوثها بعد الصلاة فلا شيء عليه ، لأن الأصل عدم وجدانها فى ذلك الزمن ، ولو رأى شخصا يريد الصلاة وفى ثوبه نجاسة والمصلِّى لا يعلم بها لزم العالم إعلامه بذلك ، لأن الأمر بالمعروف لا يتوقف على العصيان ، بل هو لزوال المفسدة ، قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وهى مسألة حسنة واللَّه أعلم . انتهى .
هذا ، والحديث الذى دار عليه هذا الحكم وهو حديث خلع الرسول لنعليه ، حديث ضعيف ، والأقوال كلها اجتهادية ، ويمكن الرجوع إلى كتاب "نيل الأوطار للشوكانى"ج 2 ص 123 ، حيث لخص الموضوع فيما سبق ذكره من أن طهارة الثوب شرط لصحة الصلاة عند الأكثرين ، وذكر رأى مالك فى قوليه ، وقولى الشافعى وقال : إن حجة الجمهور هى قوله تعالى {وثيابك فطهر} المدثر: 4 ، وتحدث عن كون الأمر للوجوب أو الندب ، وأن الوجوب لا يستلزم الشرطية، وفيه كلام طويل(9/6)
المرور بين يدى المصلى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم المرور بين يدى المصلى وما حكم اتخاذ ساتر أمامه ، وبما يتحقق ، وهل للمصلى أن يدفع المار أمامه حتى لا يمر ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أين يمر بين يديه " .
وفى رواية البزار بسند صحيح "لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه كان لأن يقوم أربعين خريفا خير له من أن يمر بين يديه " .
قال المحققون : إن التحريم يكون إذا صلى الإنسان أمام ساتر اتخذه أمامه . أما إذا لم يتخذ ساترا فلا يحرم المرور، وإن كان الأولى تركه .
ومن ذهبوا إلى تحريم المرور سواء اتخذ المصلى ساترا أم لم يتخذ قالوا : إن المنطقة المحرمة هى التى بين قدمى المصلى إلى موضع سجوده ، أما ما بعد ذلك فلا حرمة فى المرور فيه .
هذا وحرمة المرور أمامه من الكبائر، والأربعون تحتمل أربعين يوما أو شهرا أو سنة لأن الراوى لم يستفسر ممن سمع الحديث ، وقال الحافظ ابن حجر: ظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقا ولو لم يجد مسلكا، بل يقف حتى يفرغ المصلى من صلاته .
وقد استثنى الحنابلة من الحرمة ما لو كان ذلك فى المسجد الحرام بل فى مكة كلها والحرم ، وذلك لحاجة الناس إلى المرور .
وبخاصة من يريدون الطواف ، وخصه المالكية بمن لم يتخذ سترا ، ومما يشفع لهذا ما رواه ابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم حين فرغ من الطواف صلى جمعتين عند حاشية المطاف وليس بينه وبين الطوافين أحد، وفى رواية : صلى حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه ، ما بينهم وبينه سترة .
هذا، ويستحب للمصلى أن يجعل بين يديه سترة تمنع المرور أمامه ، لحديث رواه أبو داود وابن ماجه "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولْيَدْنُ منها" وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلى إليها والناس وراءه ، وكان يفعل ذلك فى السفر، ثم اتخذها الأمراء .
واستحباب جعل السترة يستوى فيه خشية مرور أحد وعدم الخشية كما قال الشافعية والحنابلة وقال الحنفية والمالكية : إذا أمن مرور أحد فلا يستحب ، لأن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى فضاء وليس بين يديه شيء . رواه أحمد وأبو داود ورواه البيهقى وقال : له شاهد بإسناد أصح من هذا عن الفضل بن عباس .
ويشرع للمصلى الذى أخذ سترة أن يدفع المار بين يديه ، إذا كان مروره بينه وبين السترة، أما إذا كان بعد السترة فلا يدفعه ولا يضر المرور. روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فان أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان " .
هذا ويشترط فى السترة أن يكون طولها ذراعا فأكثر، وجعل الشافعية حدها الأدنى ثلثى ذراع ، كها يستحب ألا يجعلها مقابلة له تماما ، بل تكون على اليمين أو اليسار وأن يكون بينها وبين قدمى المصلى قدر ثلاثة أذرع أو أكثر قليلا .
والوضع الطبيعى للسترة هو غرزها لتكون منتصبة، وذلك إن أمكن ، وإلا وضعت بين يديه عرضا عند الجمهور، وهو أولى من وضعها بالطول فإن لم يجد خط خطا بالأرض عند غير المالكية، واشترط الشافعية فى الخط أن يكون مستقيما طولا أو عرضا واكتفى غيرهم بأن يكون مقوسا كالهلال .
ويصح اتخاذ السترة النجسة عند غير المالكية .
وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية ، خلاف بين المذاهب فى القدر الذى يحرم المرور في بين يدى المصلى ، ملخصه :
أن الحنفية قالوا : إن كان يصلى فى مسجد كبير أو صحراء حرم المرور بين يديه من موضع قدمه إلى موضع سجوده ، وإن كان يصلى فى مسجد صغير حرم المرور أمامه إلى جدار القبلة (حوالى أربعين ذراعا ) .
وقال المالكية : إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبينها، ولا يحرم من ورائها، وإن صلى لغير سترة حرم المرور فى موضع ركوعه وسجوده فقط .
وقال الشافعية : يحرم المرور بين المصلى وسترته فى مسافة ثلاثة أذرع فأقل ، وقال الحنابلة : إن اتخذ سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت ، وإن لم يتخذ سترة حرم المرور فى ثلاثة أذرع من قدمه(9/7)
هل المسجد شرط لصحة صلاة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كنا فى عمل خارج البلد و أدركتنا صلاة الجمعة وليس فى المكان مسجد وكنا حوالى خمسين شخصا، فهل يجوز لنا أن نقيم صلاة الجمعة فى أى مكان ؟
An جاء في فقه المذاهب الأربعة أن المالكية قالوا : لا تصح الجمعة فى البيوت ولا فى الفضاء ، بل لا بد أن تؤدى فى الجامع ، ويشترط فى الجامع شروط أربعة الأول أن يكون مبنيا فلا تصح فى مسجد حُوِّط عليه بأحجار أو طوب من غير بناء ، والثانى أن يكون بناؤه مساويا على الأقل للبناء المعتاد لأهل البلد، فلو كان البلد أخصاصا صح بناء المسجد من البوص ، أما إذا كانت عادتهم البناء بالطوب المحروق وبنوا المسجد بالطوب التى فلا تصح الجمعة فيه ، والثالث أن يكون فى البلد أو خارجا عنها قريبا منها بحيث يصل إليه دخانها ، والرابع أن يكون متحدا ، فلو تعدد فى البلد الواحد فلا تصح الجمعة إلا فى الجامع القديم ، وهو الذى أقيمت فيه الجمعة أولا فى البلد، ولو تأخر بناؤه ، ولا تصح فى المسجد الجديد الذى لا حاجة إليه ما دام القديم موجودا ، ولم يحكم بصحتها فيه حاكم .
أما المذاهب الأخرى فلا تشترط لصحة الجمعة أن تكون فى مسجد ، بل تصح فى أى مكان داخل البلد أو خارجها ، ولهم خلاف فى العدد الذى تنعقد به الجمعة ، سيكون الكلام عنه فى موضع آخر .
ومما يدل على مذهب الجمهور ما رواه ابن أبى شيبة أن عمر رضى اللَّه عنه كتب إلى أهل البحرين "أن جَمِّعوا حيثما كنتم " وإسناده جيد كما قال أحمد . وروى عبد الرزاق بسند صحيح أن ابن عمر كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم(9/8)
قضاء الصلاة والتنفل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فاتتنى صلوات كثيرة وعزمت على قضائها، فهل الأفضل أن أشغل كل وقتى بالقضاء أم أصلى النوافل وأقضى ما فات متى على قدر استطاعتى ؟
An اتفق الأئمة الأربعة على أن قضاء الصلاة الفائتة واجب على الفور إذا فاتت بغير عذر، واستثنى الشافعية من الفورية ثلاث حالات ، الأولى إذا تذكر الفائتة وقت خطبة الجمعة فإنه يجب تأخير القضاء حتى يصلى الجمعة ، والثانية إذا ضاق وقت الحاضرة ، بحيث لا يسع القضاء مع الحاضرة، والثالثة إذا تذكر الفائتة بعد شروعه فى الصلاة الحاضرة .
أما إذا فاتت الصلاة بعذر، فالأئمة الثلاثة على أن القضاء واجب على الفور أيضا ، والشافعية قالوا : القضاء واجب على التراخى .
ولعل مما يؤيد رأى الجمهور أن الحديث صرح بالقضاء عند التذكر حتى لو كان الفوات بعذر، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك " وفي رواية "إذا رقد أحدكم عن الصلاة او غفل عنها فليصلها إذا ذكرها ، فإن اللَّه عز وجل يقول {وأقم الصلاة لذكرى} طه : 14 ، .
وقد تجاوز اللَّه لأمة النبى صلى الله عليه وسلم عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
وقد استثنى الأئمة من الوجوب الفورى ما لو كان هناك عذر كالسعى فى تحصيل الرزق وتحصيل العلم الواجب وجوبا عينيا ، وكالأكل والنوم .
وبناء على قولهم بوجوب القضاء فورا قالوا : إن مما ينافى الفورية الاشتغال بصلاة النوافل ، واختلفت آراؤهم في ذلك على النحو الآتى :
1 -الحنفية قالوا : الاشتغال بصلاة النوافل لا ينافى القضاء فورا، وإنما الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا السنن الراتبة ، وصلاة الضحى وصلاة التسبيح وتحية المسجد وصلاة أربع قبل الظهر وست بعد المغرب .
2 -والمالكية قالوا: يحرم على من عليه فوائت أن يصلى شيئًا من النوافل إلا فجر يومه والشفع والوتر، وإلا السنة كصلاة العيد ، فإذا صلى نافلة غير هذه كالتراويح كان مأجورا من جهة كون الصلاة فى نفسها طاعة، وكان آثما من جهة تأخير القضاء . ورخصوا فى يسير النوافل كتحية المسجد والسنن الرواتب .
3- والشافعية قالوا : يحرم على من عليه فوائت يجب عليه قضاؤها فورا- وقد تقدم ذكرها-أن يشتغل بصلاة التطوع مطلقا، سواء كانت راتبة أو غيرها حتى تبرأ ذمته من الفوائت .
4 - والحنابلة قالوا : يحرم على من عليه فوائت أن يصلى النفل المطلق ، فلو صلاه لا ينعقد، وأما النفل المقيد كالسنن الرواتب والوتر فيجوز له أن يصليه فى هذه الحالة ، ولكن الأولى تركه إن كانت الفوائت كثيرة، ويستثنى من ذلك سنة الفجر فإنه يطلب قضاؤها ولو كثرت الفوائت وذلك لتأكدها وحث الشارع عليها "فقه المذاهب - نشر وزارة الأوقاف المصرية "(9/9)
قضاء الصلاة فى السفر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم ما لو كنت مسافرا سفر قصر وفاتت منى صلاة الظهر هل أقضيها تامة أم مقصورة، وما حكم ما لو فاتت منى صلاة الظهر قبل السفر هل أقضيها فى السفر مقصورة أم تامة؟
An المسألة الأولى : إذا كان الإنسان مسافرا سفر قصر "حوالى خمسة وثمانين كيلو مترا" وفاتته صلاة الظهر مثلا، وأراد أن يقضيها ، إذا أراد أن يقضيها وهو مسافر قضاها مقصورة ، أى صلاها ركعتين فقط ، لأن رخصة القصر وهى السفر كانت موجوده أثناء وجوب الظهر عليه ، وهى أيضا موجودة عند قضائها .
أما إذا أراد أن يقضيها بعد أن انتهى من سفره فهناك رأيان للعلماء .
(ا) رأى يقول بقضائها مقصورة أى ركعتين فقط ، نظرا لأن الرخصة وهى السفر كانت موجودة عندما فاتت منه ، وعليه الحنفية والمالكية .
(ب ) ورأى يقول : بقضائها تامة أى أربع ركعات ، نظرا لأن الرخصة وهى السفر غير موجودة عند القضاء، وعليه الشافعية والحنابلة . ولا مانع من الأخذ بأحد الرأيين .
والمسألة الثانية : إذا فاتت صلاة الظهر فى الحضر- أى فى غير السفر-ثم سافر سفر قصر وأراد أن يقضيها وهو مسافر وجب عليه أن يصليها تامة أى أربع ركعات ، وذلك باتفاق الأئمة ، لأنها دين والدين لا بد أن يقضى بتمامه دون نقص منه "الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف المصرية"(9/10)
المسبحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن التسبيح على السبحة بدعة، فهل هذا صحيح ؟
An السبحة "بضم السين المهملة وسكون الباء الموحدة" هى الحرز المنظوم والتى يعد بها الذكر والتسبيح ، وقيل : إنها غربية وتجمع على "سبح " بضم السين وقيل إنها مولدة .
وإحصاء الذكر بالسبحة من اختراع الهند، كما يقول الأستاذ السيد أبو النصر أحمد الحسينى "مجلة ثقافة الهند -سبتمبر1955 " اخترعه الدين البرهمى فيها ، ثم تسرب إلى البلاد والأديان الأخرى ، وتسمى السبحة فى اللغة السنسكريتية القديمة فى الهند "جب ما لا " أى عقد الذكر .
ثم يقول : وتختلف الفرق البرهمية فى عدد حباتها وفى ترتيبها، فالفرقة الشيوائية سبحتها أربع وثمانون حبة ، والفرقة الوشنوية سبحتها مائة وثمان حبات . والخلاف راجع إلى حاصل ضرب 12 "عدد الأبراج السماوية" فى 7 "عدد النجوم الظاهرة بما فيها الشمس والقمر عند الفرقة الأولى" أو فى 9 "عدد النجوم الظاهرة عند الفرقة الثانية بإضافة أحوال القمر الثلاثة" وكل سبع حبات فى مجموعة متميزة .
وعند ظهور البوذية فى الهند بعد البرهمية اختار رهبانها السبحة الوشنوية "108 " من الحبات . وعند تفرق طوائفها فى البلاد قلد رهبان النصرانية هؤلاء فيها ، وكل ذلك قبل ظهور الإسلام .
جاء الإسلام فأمر بذكر اللّه كما أمر بسائر العبادات والقربات والطاعات ، وإذا كان الأمر بالذكر قد ورد مطلقا بدون حصر فى عدد معين أو حالة خاصة كما فى قوله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } آل عمران : 191 ، وقوله أيضا {يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللَّه ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب : 41 ، 42 ، فقد وردت أحاديث تحدد عدده ووقته ، كما فى ختام الصلاة بثلاث وثلاثين تسبيحة ، وثلاث وثلاثين تحميدة ، وثلاث وثلاثين تكبيرة، وتمام المائة : لا إله إلا اللّه وحده ... وكما جاء فى نصوص أخرى فى فضل بعض الذكر عشر مرات أو مائة مرة ، وهنا يحتاج الذاكر إلى ضبط العدد ، فبأى وسيلة يكون ذلك ؟ ليس فى الإسلام وسيلة معينة أمرنا بالتزامها حتى لا يجوز غيرها، والأمر متروك لعرف الناس وعاداتهم فى ضبط أمورهم وحصرها ، والإسلام لا يمنع من ذلك إلا ما تعارض مع ما جاء به . والمأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده ، كما رواه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم وصححه عن ابن عمر، وأرشد أصحابه إلى الاستعانة بالأنامل عند ذلك ، فقد روى أبو داود والترمذى والحاكم عن " بسرة " وكانت من المهاجرات ، أنها قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين التوحيد ، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات " .
غير أن الأمر بالعد بالأصابع ليس على سبيل الحصر بحيث يمنع العد بغيرها ، صحيح أن العد بالأصابع فيه اقتداء النبى صلى الله عليه وسلم لكنه هو نفسه لم يمنع العد بغيرها ، بل أقر ه ، وإقراره من أدلة المشروعية .
ا-أخرج الترمذى والحاكم والطبرانى عن صفية رضى اللّه عنها قالت : دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدى أربعة آلاف نواة أسبح بهن ، فقال "ما هذا يا بنت عمى "؟ قلت : أسبح بهن ، قال "قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا" قلت علمنى يا رسول اللّه ، قال : " قولى سبحان اللَّه عدد ما خلق من شيء " .
والحديث صحيح .
ب - وأخرج أبو داود والترمذى وحسنه والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن سعد بن أبى وقاص أنه دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم على امرأة ، وبين يديها نوى أو حصى تسبح ، فقال " أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل ؟ قولى : سبحان اللّه عدد ما خلق فى السماء ، سبحان اللَّه عدد ما خلق فى الأرض سبحان اللّه عدد ما بين ذلك . وسبحان اللَّه عدد ما هو خالق ، اللّه أكبر مثل ذلك ، والحمد للّه مثل ذلك ، ولا إله إلا اللّه مثل ذلك " .
وإلى جانب إقرار النبى صلى الله عليه وسلم لهذا العمل وعدم الإنكار عليه ، اتخذ عدد من الصحابة والسلف الصالح النوى والحصى وعقد الخيط وغيرها وسيلة لضبط العدد فى التسبيح ولم يثبت إنكار عليهم .
1 -ففى مسند أحمد - فى باب الزهد-أن أبا صفية-وهو رجل من الصحابة-كان يسبح بالحصى وجاء فى معجم الصحابة للبغوى أن أبا صفية ، وهو مولى النبى صلى الله عليه وسلم ، كان يوضع له نطع - فراش من جلد- ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع ، فإذا صلى الأولى أتى به فيسبح به حتى يمسى .
2 - وروى أبو داود أن أبا هريرة كان له كيس فيه حصى أو نوى يجلس على السرير، وأسفل منه جارية سوداء ، فيسبح حتى إذا نفد ما فى الكيس فدفعته إليه يسبح ، ونقل ابن أبى شيبة عن عكرمة أن أبا هريرة كان له خيط فيه ألفا عقدة، فكان لا ينام حتى يصبح به اثنى عشر ألف تسبيحة .
3- وأخرج أحمد أيضا في باب الزهد أن أبا الدرداء كان له نوى من نوى العجوة فى كيس ، فإذا صلى الغداة - الصبح - أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدن .
4 -وأخرج ابن أبى شيبة أن سعد بن أبى وقاص ، كان يسبح بالحصى أو النوى ، وأن أبا سعيد الخدرى كان يسبح أيضا بالحصى .
5 -وجاء فى كتاب "المناهل المسلسلة لعبد الباقى " أن فاطمة بنت الحسين كان لها خيط تسبح به .
6 - وذكر المبرد فى "الكامل " أن على بن عبد اللَّه بن عباس المتوفى 110 هـ -كان له خمسمائة أصل شجرة من الزيتون ، وكان يصلى كل يوم إلى كل أصل ركعتين ، فكان يدعى "ذا النفثات " فكأنه كان يعد تركعه بالأشجار .
[لا يهمنا من هذا الخبر الذى لم تتوفر له مقومات الصدق عدد ما كان يصليه صاحب هذه الأشجار فى اليوم الواحد ، وهو ألف ركعة ، إنما يهمنا هو أن وسيلة الإحصاء كانت الشجر، . وبناء على هذه الأخبار لم تكن "السبحة" المعهودة لنا معروفة عند المسلمين حتى أوائل القرن الثانى الهجرى ، ويؤيد ذلك ما نقله الزبيدى فى "تاج العروس " عن شيخه أن السبحة ليست من اللغة فى شيء ولا تعرفها العرب ، إنما حدثت فى الصدر الأول إعانة على الذكر وتذكيرا وتنشيطا .
يقول الأستاذ الحسينى فى المجلة المذكورة : ويظهر أن استعمالها تسرب بين المسلمين فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى، فإن أبا نواس ذكرها وهو فى السجن ، فى قصيدة خاطب بها الوزير ابن الربيع فى عهد الأمين "193-198" .
أنت با ابن الربيع ألزمتنى النسك وعودتنيه والخير عادة فارعوى باطلى وأقصر حبلى وتبدلت عفة وزهادة المسابيح فى ذراعى والمصحف فى لبتى مكان القلادة وهو أقدم ذكر للسبحة بالشعر العربى فيما يعلم .
ولما شاعت بين المسلمين استعملها بكثرة العامة من المشتغلين بالعبادة ، ولم يستحسنها علماؤهم ، ولذلك لما رؤيت فى القرن الثالث الهجرى فى يد "الجنيد" اعترض عليه وقيل له : أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة؟ فقال : طريق وصلت به إلى ربى لا أفارقه " الرسالة القشيرية " .
وذكر أبو القاسم الطبرى فى كتاب "كرامات الأولياء" أن أبا مسلم الخولانى كانت له سبحة، وأن كثيرا من الشيوخ كانت لهم سبح يسبحون بها ، وذكروا فى فوائدها أنها تذكر الإنسان باللّه كلما رآها أو حملها ، وتساعده على دوام الذكر، وعلى ضبط العدد .
وبقى استعمالها بين المسلمين بين راض ،عنها وكاره لها ، حتى كان القرن الخامس فانتشرت بين النساء المتعبدات ، إلى أن عمت بين الناس جميعا، ويحتفظ فى أضرحة بعض الأولياء بسبحهم التى ينتظم بعضها ألف حبة ذات حجم كبير .
ولم يصح فى مدحها خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم كالذى أخرجه الديلمى مرفوعا "نعم المذكر السبحة" كما لا يصح ما نقل عن الحسن البصرى أنه ، عندما قال له : أنت مع السبحة مع حسن عبادتك ؟ قال :
هذا شيء استعملناه فى البدايات ما كنا لنتركه فى النهايات .
ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من عد الذكر بالسبحة، ولا يعدون ذلك مكروها، وقد سئل بعضهم ، وهو يعد بالتسبيح : أتعد على اللَّه ؟ فقال : لا، ولكن أعد له .
وجعل حبات السبحة اليوم مائة أو ثلاثا وثلاثين راجع إلى الحديث الصحيح فى ختم الصلاة .
وبناء على ما سبق ذكره يكون التسبيح بغير عقد الأصابع مشروعا، لكن أيهما أفضل ؟ يقول السيوطى : رأيت فى كتاب "تحفه العباد " ومصنفه متأخر عاصر الجلال البلقينى فصلا حسنا فى السبحة قال فيه ما نصه : قال بعض العلماء : عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمرو، لكن يقال : إن المسبح إن أمن الغلط كان عقده بالأنامل أميل وإلا فالسبحة أولى . والسنة أن يكون باليمين كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء ذلك فى رواية لأبى داود وغيره .
"انظر : الحاوى للفتاوى للسيوطى رسالة "المنحة فى السبحة" ونيل الأوطار للشوكانى" .
هذا ، وقد تفنن الناس اليوم فى صنع السبحة من حيث المادة والحجم والشكل واللون والزخرفة وعدد الحبات ، وعنى باقتنائها كبار الناس سواء أكان ذلك للتسبيح أم للهواية أم لغرض آخر، ولا يمكننا أن نتدخل فى الحكم على ذلك ، فاللّه أعلم بنياتهم ولكل امرىء ما نوى .
وأقول : إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قال : "واعقدن بالأنامل فانهن مسئولات مستنطقات " فإن حبات المسبحة لا تحركها فى يد الإنسان إلا الأنامل ، وهى ستسأل وتستنطق عند اللّه لتشهد أنه كان يسبح بها، ولا يجوز التوسع فى إطلاق اسم البدعة على كل ما لم يكن معروفا فى أيام الرسول ولا أن يجر الخلاف فى السبحة إلى جدل عقيم قد يضر، والأهم من ذلك هو الإخلاص فى الذكر ولا تضر بعد ذلك وسيلته ، واللّه ينظر إلى القلوب كما صح فى الحديث(9/11)
رفع الأيدى عند الدعاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا ترفع الأيدى إلى السماء عند الدعاء ؟
An يقول اللّه سبحانه :{وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللّه } البقرة :115 ، فى صحيح مسلم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال :
كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه ، قال : وفيه نزلت {فأينما تولوا فثم وجه اللّه} وذلك فى صلاة النافلة ، والمعنى أن الجهات كلها للَّه ، فمن توجه بعبادته إلى أية جهة فإن اللّه مطلع عليه وعالم به . والتعبير بوجه اللّه يراد به ذاته ، لأن الوجه يعبر به عن الذات لأنه أشرف الأعضاء ، وفى مثل قوله تعالى{إنما نطعمكم لوجه اللَّه } يراد به قاصدين إياه بعملنا ، لا نقصد غيره من المخلوقات ، أى نحن موحدون لا نشرك به أحدا ، ومخلصون لا نرائى بما عملنا .
ومن العبادة التى يتقرب بها إلى اللّه الدعاء . فإذا توجه الإنسان به إلى ربه فى أى اتجاه فإن اللّه حاضر لا يغيب -عالم لا يغفل ، وهو سبحانه قريب لا بعيد ، بمعنى أنه - وإن كانت له المنزلة العليا - قريب من الناس بعلمه {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن اللَّه بكل شيء عليم } المجادلة : 7، ولذلك قال سبحانه {وإذا سالك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } البقرة : 186 ، ولقربه من عباده لا داعى لرفع الصوت عند دعائه ، فإنه يعلم السر وأخفى ، قال تعالى {ادعوا بكم تضرعا وخفية إنه لايحب المعتدين } الأعراف : 55، وإذ تبين أن اللَّه قريب من الداعى ، وهو فى الوقت نفسه فى مكانته العالية وسموه اللائق بجلاله ، ظهر معنى مد اليدين عند الدعاء ، طلبا واستجداء لخيره وبره ، كأنه سبحانه ، وهو الأعلى ، أمام الداعى ، وهو الأدنى ، يمد إليه يديه ، فاليد المعطية هى العليا والآخذة هى السفلى .
وهذه الصورة الرمزية للمواجهة يشير إليها قول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا كان أحدكم فى الصلاة فإنه يناجى ربه ، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ... " رواه مسلم .
وقوله أيضا "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فينخع أمامه ، أيحب أحدكم أن يستقبل فينخع فى وجهه " رواه مسلم أيضا . فمد اليدين عند الدعاء تعبير عن المعتاد بين الناس عند طلب الأدنى من الأعلى ، مستجديا متضرعا، وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة أحاديث أنه رفع يديه عند الدعاء ، فى الاستسقاء وغيره ، وقد ساق البخارى عدة أحاديث فى ذلك فى آخر كتاب الدعوات وصنف المنذرى فى هذا جزءا . وقال النووى فى شرح صحيح مسلم ، هى أكثر من أن تحصر قال : وقد جمعت فيها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما . قال : وذكرتها فى آخر باب صفة الصلاة فى شرح المهذب "نيل الأوطار ج 4 ص 9 " .
من هذه الأحاديث ما رواه البخارى عن أبى موسى الأشعرى قال : دعا النبى صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ، ورأيت بياض إبطيه ، وما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن سلمان الفارسى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن ربكم حيى كريم يستحيى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا" أو قال " خائبتين " . "الترغيب والترهيب ج 2 ص 195 " .
ومن هنا قال العلماء بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء بل بالندب اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم غير أن جماعة كرهوا رفع اليدين فى غير الاستسقاء ، لحديث أنس "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا فى الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه " . رواه البخارى ومسلم . والقائلون بالجواز فى غير الاستسقاء ردوا على هؤلاء بأن كون أنس نفى الرؤية عنه لا يستلزم نفى رؤية غيره ، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة ، والمثبت مقدم على النافى . أو يحمل حديث أنس على الرفع البليغ الذى يرى فيه بياض الإبطين وهو لا ينافى الرفع بغير ذلك ، كمجرد مد اليدين وبسطهما عند الدعاء .
والبعض كره رفع اليدين مطلقا فى الاستسقاء وغيره ، لحديث مسلم عن عمارة بن رويبة ، وقد رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه ، فقال :
قبح اللَّه هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بأصبعه المسبحة "تفسير القرطبى ج 7 ص 255 " ويرد عليهم بما رد على غيره .
يقول القرطبى "المرجع السابق " : والدعاء حسن كيفما تيسر،وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه عز وجل والتذلل له أو الخضوع ، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن وإن شاء فلا، فقد فعل ذلك النبى صلى الله عليه وسلم حسبما ورد فى الأحاديث وقد قال تعالى{ادعو ربكم تضرعا وخفية} الأعراف :55، ولم ترد صفة من رفع يدين وغيرهما ، وقال تعالى{الذين يذكرون اللّه قياما وقعودا} آل عمران : 191، فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة . آه .
وكذلك روى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال " اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد" وفى صحيح مسلم عن عمر: رفع النبى(صلى الله عليه وسلم ) يديه بالدعاء يوم بدر .
وعلى القول بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء رويت عدة حالات فى كيفية الرفع ، منها جعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلى وجهه .
وروى عكس ذلك . ومنها جعل كفيه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض ، وروى عكس ذلك وكان ذلك فى الاستسقاء كما رواه مسلم "نيل الأوطار ج 4 ص 9 " .
قال ابن حجر فى الفتح :قال العلماء : السنة فى كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء . وكذلك قال النووى فى شرح صحيح مسلم ، حاكيا لذلك عن جماعة من العلماء . وقيل : الحكمة فى الإشارة بظهر الكفين قى الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل فى تحويل الرداء "المرجع السابق " .
هذا ، ويكره عند الدعاء النظر إلى السماء ، لحديث مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء ، أو ليخطفن اللَّه أبصارهم " .
وقد يحمل النهى على رفع البصر فى الصلاة، أما فى غيرها فلا مانع ، لرواية للبخارى جاء فيها : فنظر إلى السماء، وكان ذلك فى الاستسقاء " نيل الأوطار ج 4 ص 10 " . ومسح الوجه باليدين بعد رفعهما فى الدعاء ورد فيه عن عمر بن الخطاب أنه قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه فى الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه . رواه الترمذى وقال : غريب ، أى رواه راو واحد فقط . وعن ابن عباس نحوه كما فى سنن أبى داود . قال النووى : فى إسناد كل واحد ضعف "الأذكار للنووى ص 399" وجاء فى "بلوغ المرام " شرح "سبل السلام "ج 4 ص 219 لابن حجر ، بعد ذكر حديث عمر: أخرجه الترمذى وله شواهد منها عند أبى داود من حديث ابن عباس وغيره ، ومجموعها يقضى بأنه حديث حسن فالوارد من ذلك ليس بصحيح ، بل ضعيف ، ولكن مجموع الشواهد يرفع درجتها إلى الحسن فتقبل . اهـ .
نكرر التنبيه فنقول : إن مد اليدين عند الدعاء يشبه ما يحدث عند طلب الفقير إحسانا من الغنى فعند شدة الحاجة قد يجثو السائل على ركبتيه ، يستدر بهذا الوضع عطف المسئول ، وهو فى هذا الوضع المتذلل يرفع يديه إلى أعلى يتلقى بهما الإحسان فالمسلم الذى يدعو ربه يرفع يديه دليلا على تذلله وشدة حاجته ، ولذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ذلك ويبالغ فيه فى الاستسقاء ونحوه ، وليس ذلك مستلزما وجود اللَّه فى السماء ، فهو سبحانه ، منزه عن المكان ، بل ذلك دليل على علو مكانته سبحانه وتعالى فى أذكار النووى عن رفع اليدين ومسح الوجه ثلاثة أوجه للشافعية أصحها استحباب الرفع وعدم مسح الوجه ، والثانى الرفع والمسح والثالث عدم الاثنين(9/12)
صلاة أربعين فرضا بالمدينة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كنت فى زيارة للمدينة المنورة وحرصت على أن أصلى فى مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم أربعين صلاة، لكن موعد سفرى منعنى من صلاة هذا العدد فما رأى الدين فى ذلك ؟
An روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه و سلم قال "صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " . وروى أحمد بسند صحيح أنه قال "من صلى فى مسجدى أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتبت له براءة من النار وبراءة من العذاب ، وبرىء من النفاق " فإذا كان الإنسان حرا فى إقامته وفى سفره فالأفضل أن يصلى هذا العدد ، بل وأكثر منه نظرا للثواب العظيم ، فإذا كان مضطرا إلى السفر قبل أن يصلى الأربعين فلا حرج عليه ، فهذا أمر مندوب وليس بواجب ، والأمل كبير فى أن يعطى الله للإنسان هذا الثواب إذا كان حريصا عليه لكن منعه مانع خارج عن إرادته كما يقولون ، بناء على الحديث الشريف "من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة" وقد قال العلماء : إن ذلك محله إذا كان عدم العمل بغير اختياره ، أما لو تركها مختارا فلا ثواب له(9/13)
شَدُّ الرحال
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك ثواب اكبر فى الصلاة فى بعض المساجد ، أو أنها متساوية فى الثواب ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدى هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " .
إن حصر شد الرحال فى هذه الثلاثة لا يمنع شدها -أى السفر- لأى عمل مشروع كالجهاد وطلب العلم وابتغاء فضل الله من الرزق وزيارة الإخوان وصلة الرحم وغير ذلك من القربات ، وكل ذلك وردت به النصوص القوية من القراَن والسنة ، وإنما الحصر الوارد فى الحديث .
هو حصر إضافى بالنسبة إلى المساجد بمعنى أن المساجد كلها متساوية فى فضل الصلاة ما عدا هذه المساجد الثلاثة فهى أفضلها والصلاة فيها يضاعف ثوابها ، فقد روى أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين أن الصلاة فى المسجد الحرام بمكة تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه وروى البخارى ومسلم أن الصلاة فى مسجد المدينة بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وروى الطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه ، والبزار بإسناد حسن أن الصلاة فى المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة .
ونصت رواية أحمد وابن أبى شيبة بسند حسن على أن شد الرحال هو من أجل الصلاة فيها ، وذلك لفصلها ، فعن أبى سعيد الخدرى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " لا ينبغى أن تشد رحالها إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى " .
ومن أجل هذا يُسَنُّ -أو على الأقل لا يمنع - السفر إليها وتحمل المتاعب البدنية والمالية من أجل الحصول على ثواب الصلاة فيها ، أما المساجد الأخرى فلا داعى للسفر وتحمل المشقة من أجل الصلاة فيها فقط ، بل إن بعض العلماء قال يحرم ذلك " انظر خلاصته الوفا للسمهودى ص 70 " . أما الذهاب لزيارة الصالحين أحياء أو أمواتا فلا بأس من شد الرحال والسفر إليها(9/14)
الصلاة فى مسجد فيه قبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الصلاة فى مسجد فيه قبر ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قاتل الله اليهود ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وروى مسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إنى أنهاكم عن ذلك " وروى الجماعة إلا البخارى وابن ماجه قوله " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" .
تحدث العلماء عن هذه الأحاديث فقال بعضهم : محل الذم أن تتخذ المساجد على القبور بعد الدفن ، وليس ذلك مذموما إذا بنى المسجد أولا وجعل القبر فى جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره .
لكن العراقى قال : الظاهر أنه لا فرق ، وأنه إذا بنى المسجد لقصد أن يدفن فى بعضه أحد فهو داخل فى اللعنة ، بل يحرم الدفن فى المسجد ، وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط ، لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدا .
وإذا كان بعض العلماء قد حمل النهى على التحريم فإن البعض الآخر حمل على الكراهة ، بمعنى أن الصلاة إلى القبر صحيحة لكن مع الكراهة .
والذين قالوا بصحتها مختلفون ، فقال بعضهم : هى مكروهة سواء أكان القبر أمام المصلى أم خلفه أم عن يمينه أم عن يساره . وقال آخرون : محل الكراهة إذا كان القبر أمامه ، لأن هذا الوضع هو الذى يراد من اتخاذه مسجدا ومن الصلاة فيه أو إليه . أما إذا كان القبر خلفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة .
والأئمة الثلاثة قالوا بصحة الصلاة وعدم كراهتها ، اللهم إلا إذا كان القبر أمام المصلى فتكون مكروهة مع الصحة . أما أحمد بن حنبل فهو الذى حرم الصلاة وحكم ببطلانها - ومحل هذا الخلاف إذا كان القبر فى المسجد ، أما إذا كان مفصولا عنه والناس يصلون فى المسجد لا فى الضريح أو الجزء الموجود فيه القبر فلا خلاف أبدا فى الجواز وعدم الحرمة أو الكراهة .
وأختار أنه إذا كان القصد من الصلاة إلى القبر تعظيمه فهى حرام وباطلة بصرف النظر عن وضع القبر ، وإذا انتفى هذا القصد كانت مكروهة مع الصحة إذا كان القبر أمام المصلى وإلا فلا كراهة(9/15)
الصلاة على النبى بعد الأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الآذان ؟
An الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم مطلوبة بوجه عام لقوله تعالى { إن الله وملائكته يصلُّون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الأحزاب : 56 ،ومن مواضع تأكدها يوم الجمعة وعقب الأذان لورود الحديث الصحيح بذلك ، فقد روى مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علىَّ، فإنه من صلى علىَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ... " وإذا كان الأمر فى هذا الحديث لمن يسمعون الأذان فإنه لم يرد نهى عنها للمؤذن ، فيبقى طلبها منه مؤكدا كطلبها من غيره قائما كما قال بعض العلماء ، ورأى آخرون أن نحافظ على ما كان عليه العمل أيام الرسول وصحابته من عدم رفع المؤذن صوته بها وإن لم يمنعوا أن يقولها سرا فهى قربة فى كل وقت . وما خالف ذلك فهو بدعة ضلالة تؤدى إلى النار وقال ابن حجر فى الفتاوى الكبرى : قال المشايخ : الأصل سنة والكيفية بدعة .
فهناك اجتهادان أو رأيان فى كونها ممنوعة أن يجهر بها المؤذن أو غير ممنوعة ، ولهذا لا يجوز التعصب لأحد الرأيين ، فالتعصب لغير القطعى منهى عنه ، لأنه يحدث فتنة ، مع العلم بأن الجهر بالصلاة على النبى بعد الأذان لا يحدث ضررا ، ولم يرد عنه نهى بخصوصه كما قدمنا .
ومما هو جدير بالذكر أن المفتى الأسبق للديار المصرية المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى المتوفى سنة 1935 م قال فى كتابه "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام " أن أمير مصر فى القرن الثامن الهجرى أمر بها ، ونحن مأمورون بطاعة ولى الأمر فيما ليس بمعصية ، وهى ليست بدعة هوى بل سنة هدى ، لأن الحديث يقول " من سَنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " وفى رواية مسلم " من سَنَ سنة حسنة فى الإسلام فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شىء " .
ومع ذلك نقل الشيخ محمد عبده عن "الخانية " فى فقة الحنفية أنها بدعة ، وقال : لا عبرة بقول من قال إنها بدعة حسنة ، لأن كل بدعة فى العبادات سيئة .انتهى .
هذا مع العلم بأنها ليست من الأذان الشرعى ، بل هى زائدة عليه ، وإطلاق أن كل بدعة فى العبادات ضلالة غير مسلَّم عند كثير من العلماء .
فالخلاصة أن الجهر بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فيه رأيان الجواز والمنع ، ولا ينبغى التعصب لرأى من الآراء ، وأنصح كل مسلم أن يتريث فى الحكم على الأشياء ، وأن يطلع على أقوال المجتهدين ليكوِّن من ذلك رأيا ، وإذا دعا إليه فليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما أنصح بعدم الإكثار من الزيادات بعد الأذان مما ليس له أصل يعتمد عليه ، كذكر المشايخ والأولياء وغيرهم ، وأشدد التنبيه على الاهتمام بالمسائل الأصلية وعلاج القضايا والمشكلات الضاغطة وبخاصة فى أيامنا الحاضرة ، بدلا من بذل الجهد الكبير والمال الوفير فى الدعوة إلى سنة لو تركناها أصلا ما كان لها ضرر فى عبادتنا ولا فى سلوكنا .
وأرجو ألا يفهم أحد من ذلك أننى أقلل من شأن السنة ، ولكن الأمر أمر أولويات ، وبُعد عن الخلافات التى تنتهى إلى أمور محرمة كالاتهام الكاذب واحتقار الغير ومقاطعته ، وفى احترام سلفنا الصالح من العلماء لأراء غيرهم ما يدل على بعد نظرهم وفهمهم الصحيح للدين(9/16)
سنة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يرى بعض للناس أن صلاة ركعتين بعد أذان الجمعة بدعة فهل هذا صحيح ؟
An صلاة النافلة بعد صلاة الجمعة لم يُختلف فى أنها مندوبة وراتبة للجمعة كراتبة الظهر لقول النبى صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات " رواه مسلم . ولقول عبد الله بن عمر : كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف من المسجد إلى بيته فيصلى فيه ركعتين . رواه البخارى . وابن عمر كان إذا صلى فى المسجد صلى أربعا وإذا صلى فى بيته صلى ركعتين رواه أبو داود .
2 - أما صلاة النافلة قبل صلاة الجمعة فقد يراد بها التطوع المطلق ، وقد يراد بها أنها سنة الجمعة راتبة قبلية كراتبتها البعدية .
فإذا أريد بها التطوع المطلق فهى جائزة بل مستحبة ، سواء فعلت قبل الزوال وهو وقت صلاة الجمعة أو فعلت بعد الزوال قبل أن يخرج الإمام ليخطب الجمعة . وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصله ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه البخارى " ج 2 ص 4 طبعة الشعب " وفى رواية لمسلم "ج 6 ص 146 " " من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدِّر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام " .
وفى رواية لأخمد عن عطاء الخراسانى فال : كان نبيشة الهذلى رضى الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذى أحدا ، فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له ، وإن وجد الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقض. الإمام جمعته ... " الترغيب والترهيب للمنذرى ج 1 ص 194 ، قال المنذرى : وعطاء لم يسمع من نبيشة فيما أعلم . وقال الشوكانى وثقه الجمهور " نيل الأوطار ج 3 ص 27 " فيظهر من قوله : ما كتب له ، وما قدر له ، أن الصلاة تطوع مطلق وليست راتبة ، لأن الراتبة محدودة بعدد من الركعات . كما يظهر من قوله : فإن لم يجد الإمام قد خرج صلى . . أن صلاة الجمعة تبدأ شعائرها بخروج الإمام ليخطب ، وقد يتأخر خروجه عن الزوال الذى يدخل به وقت الجمعة إما -انتظارا لكمال حضور المصلين ، الذين كان بعضهم يأتى من مناطق بعيدة ، حيث كانوا يتناوبون الحضور إليها، والباقون يصلون فى مساجدهم ، وإما لظروف الجو كما جاء فى البخارى "ج 2 ص 8 طبعة الشعب " عن أنس :كان النبى صلى الله عليه وسلم " إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة ، يعنى يوم الجمعة . وفى رواية لم يذكر الجمعة . فهناك فترة بين دخول الوقت بالزوال وبين خروج الإمام حيث كان أذان الجمعة وهو على المنبر .
3 - وقد يراد بصلاة النافلة قبل صلاة الجمعة سنتها الراتبة كسنتها الراتبة التى تصلى بعدها . وهذه هى التى وقع فيها الخلاف بين الفقهاء فى كونها مشروعة أو غير مشروعة .
وأحب لن يتنبه المسلمون إلى أن الخلاف فى هذه المسألة خلاف فى أحد الفروع الاجتهادية ، التى لا ينبغى أن يتعصب أحد لرأيه فيها ، أو ينكر على الآخر رأيه ، فإن شرط الإنكار أن يكون المنكر مجمعا على انه منكر ، كما لا ينبغى أن يُرمى صاحب الرأى الآخر بأنه عاص أو مبتاع . ولتكن لنا قدوة بما كان عليه الأئمة المجتهدون ، فقد أثر عن غير واحد منهم أنه قال : رأى صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب . وما دار بينهم من نقاش كأن موضوعيا بعيدا عن المهاترات ملتزما أدب المجادلة بالحسنى ، لأنهم كانوا يبغون الوصول إلى الحق من أجل الحق ، وقد يسر أحدهم إذا ظهر الحق على يد غيره .
كما أحب أن يتنبه المتجادلون إلى القاعدة الأصولية المعروفة :
الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فلا يتمسك بالدليل لإثبات الوجوب أو الحرمة إذا احتمل الندب لو الكراهة ، والاحتمال قد يكون فى ثبوت الدليل وقد يكون فى دلالته . ويكفى المتعبد أن يصل إلى معرفة الحكم ولو بطريق الظن ، فذلك وسعه الذى لا يكلفه الله إلا وأعوذ إلى حكم هذه الصلاة التى يصليها-بعض المسلمين اليوم بعد الأذان الأول للجمعة وقبل الأذان الثانى بين يدى الخطيب . فأقول : إن الخلاف فى مشروعيتها قديم وليس جديدا ، ولم يأت المتكلمون اليوم عنها بأكثر مما جاء به الأولون . قال بمشروعيتها أبو حنيفة وأصحاب الشافعى فى أظهر الوجهين عندهم والحنابلة فى غير المشهور ايضا . ولم يقل بمشروعيتها مالك والحنابلة فى المشهور عنهم . ومن أشد المتعصبين لعدم مشروعيتها ابن قيم الجوزية الحنبلى الذى خالف إمامه ابن تيمية فيها ، وكذلك شهاب الدين أبو شامة الشافعى الذى خالف ابن حجر العسقلانى وعموم الأصحاب ورجال المذاهب . [عند الأحناف يسن صلاة أربع قبلها وأربع بعدها وعند الشافعية كالظهر ] .
4 - حجة القائلين بمشروعيتها :
احتج هؤلاء بما يأتى :
1 - حديث " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " رواه ابن حبان وصححه من حديث عبد الله بن الزبير ، وهاتان الركعتان سنة راتبة للفريضة ، فالحديث يدل بعمومه على مشروعية صلاة ركعتين سنة قبل صلاة فريضة الجمعة . وليس هناك مخصص لهذا العموم ، ولا يقال إنه مخصص بغير الجمعة لأن النبى كان إذا خرج لم يصلهما قبل أن يرقى المنبر ، لأن العام لا يخصصه إلا منع خاص من صلاة ركعتين أو أربع بعد الزوال قبل الأذان للخطبة ، ولم يوجد ذلك .
وصلاة النبى لهما سيأتى الكلام عليها .
2 - حديث " بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة لمن يشاء " رواه البخارى ومسلم من حديث عبد الله ابن مغفل . والمراد بالأذانين الأذان والإقامة ، من باب التغليب ، أو لأن فى كل منهما إعلاما ، والتعبير عنهما بذلك كثير . والصلاة بينهما لمن يشاء هى تطوع من رواتب الصلاة المفروضة التى يؤذن ويقام لها .
ولا يقال : إن المراد بالأذانين أذان الفريضة وأذان الفريضة التى بعدها بمعنى أن وقت أى فريضة متسع يمكن أداؤها فى أى فترة من أول الوقت إلى آخره - لا يقال هنا لأن الصلاة المفروضة لا يقال عنها لمن يشاء ، فذلك شأن التطوع . هذا هو الظاهر وإن كان يمكن أن يفسر لا لمن يشاء " لمن يريد تأخيرها عن أول الوقت ، ولكنه بعيد .
وهذان .الحديثان أقوى ما يتمسك به فى مشروعية السنة القبلية للجمعة كما قال ابن حجر فى الفتح "ج 4 ص ه 3 " وذكر النووى فى المجموع "ج 4 ص 10 " أن العمدة فى مشروعيتها حديث عبد الله ابن مغفل المذكور .
3- فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، فعن على رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يصلى قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ، يجعل التسليم فى آخرهن ركعه . رواه الطبرانى فى الأوسط وهو حديث حسن وإن كان فيه محمد بن عبد الرحمن السهمى وهو مختلف فيه . على أن عليَا القارى قال فى المرقاة : وقد جاء فى إسناد جيد-كما قال الحافظ العراقى - أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبلها أربعا . وفى الأوسط للطبرانى عن أبى هريرة : كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين . وقد ساقه ابن حجر فى التلخيص وسكت عنه ، فهو حديث صحيح أو حسن على قاعدته المشهورة . وروى أبو داود والترمذى عن أبى أيوب الأنصارى قال : كان عليه السلام يصلى بعد الزوال أربع ركعات ، فقلت :
ما هذه الصلاة التى تداوم عليها ؟ قال " هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لى فيها عمل صالح ... " وهذا عام فى كل يوم لا يخرج منه يوم الجمعة إلا بنص عليه . وفى هذا الحديث أيضا مقال .
4 - فعل -ابن مسعود وابن عمر وغيرهما . فقد جاء فى الأثر عن ابن مسعود بسند صحيح أنه كان يصلى قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا ، قاله الترمذى فى جامعه : وكان يأمر الناس ويعلِّمهم ذلك كما جاء فى "إطفاء الفتن على إعلاء السنن " لحكيم الهند " أشرف على التهانوى " وجاء فى نصب الراية : كان عبد اللّه يأمرنا أن نصلى قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا . رواه عبد الرزاق فى مصنفه اهـ. وفى "الدراية " : رجاله ثقات . وفى " آثار السنن " : إسناده صحيح .
لا يقال : إن هذا نفل مطلق لا سنة راتبة للجمعة ، فالنفل المطلق يرغب فيه ترغيبا عاما ولا يعتَم ولا يؤمر به أمر إرشاد بهذه العناية وهذا التأكيد من ابن مسعود . وهذا الأثر الموقوف له حكم المرفوع لأن الظاهر أنه قد ثبت عنده من النبى صلى الله عليه وسلم فيه شىء ، وإلا لما أمر به .
يقول الكمال بن الهمام تعليقا على قول صاحب " الهداية " " ولم يكن على عهد رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) إلا هذا الأذان " : إن ما روى عن ابن مسعود ذهب إليه ابن المبارك والثورى .
وروى أبو داود من طريق أيوب السختيانى عن نافع قال : كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ، ويصلى بعدها ركعتين فى بيته ويحدِّث أن رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يفعل ذلك . قال العراقى : إسناده صحيح . يقول الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 8 ص 29" : واحتج به النووى فى الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التى قبلها ، لأن اسم الإشارة ( ذلك ) يرجع إلى الأمرين - الصلاة قبلها والصلاة . بعدها فى البيت - لكن الصحيح أن اسم الإشارة راجع إلى الثانى- الصلاة البعدية- لما رواه الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين فى بيته ثم قال : كان النبى يفعل ذلك . رواه مسلم . وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فإما أن يكون بعد دخول الوقت ، وذلك لا يصح أن يكون مرفوعا ، لأن النبى كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة ولا يتنفل ، وإما أن يكون قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التى قبلها ، وقد ورد الترغيب فى التنفل قبل وقت الجمعة اهـ . لكن يرد على هذا بأن النبى صلى قبل الجمعة أربعا كما سبق فى بند (3) وكان ذلك فى بيته فيل أن يخرج إلى الناس لخطبة الجمعة .
وذكر الزيلعى " ج 1 ص 31 " أن ابن سعد روى فى الطبقات أن صفية بنت حُيَيٍّ صلت أربع ركعات قبل خروج الإمام للجمعة ثم صلت الجمعة مع الإمام ركعتين . وذكره ابن حجر فى الفتح "ج 3 ص 553 " فهو صحيح أو حسن كعادته . وصفية زوج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) والغالب أنها رأت النبى يفعل ذلك قبل خروجه إلى المسجد .
5- الجمعة بدل الظهر فى يومها فهى مثلها فى راتبتها وإن لم تكن مثلها تماما فى عدد ركعات الفريضة . ويؤخذ هذا من صنيع البخارى فى الترجمة " باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها " ولم يذكر شيئا عن الصلاة قبل الجمعة ، كأنه -كما حكاه ابن حجر فى الفتح عن ابن المنير-يقول : الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه ، لأن الجمعة بدل الظهر .
هذا هو أهم ما استند عليه القائلون بأن للجمعة سنة قبلية إلى جانب النفل المطلق الذى ورد الترغيب فى الإكثار منه كما سبق ذكره .
وكلها أدلة ليست قطعية الثبوت والدلالة ، وإن كان أقواها حديث عبد اللّه بن مغفل .
5 - حجة القائلين بعدم مشروعيتها :
أقوى ما يستدل به القائلون بعدم مشروعية السنة القبلية للجمعة هو الحديث الذى رواه الجماعة إلا مسلما عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما فلما كان عثمان رضى اللَّه عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء . وفى رواية للبخارى زاد النداء الثانى . وزاد ابن ماجة : على دار فى السوق يقال لها الزوراء .
وتسميته ثالثا لأن الإقامة تسمى أذانا كما فى الحديث " بين كل أذانين صلاة " . يقول ابن القيم " زاد المعاد ج 1 ص 118 " فى بيان وجه الاستدلال : كان النبى يخرج من بيته ، فإذا رقى المنبر أخذ بلال فى أذان الجمعة ، فإذا أكمله أخذ النبى صلى الله عليه وسلم فى الخطبة من غير فصل ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة .
وهذا الحديث وإن كان قويا إلا أنه ليس قطعى الثبوت ، كما أنه ليس قطعى الدلالة على أن سنة الجمعة القبلية غير مشروعة ، فيحتمل أن النبى كان يصلى بعد الزوال فى البيت قبل خروجه إلى الناس ، وقد جاءت الروايات مؤكدة لهذا الاحتمال كما سبق . وبخاصة إذا علمنا أن الجمعة كانت تؤخر أحيانا عن بدء وقتها بالزوال . فوقتها ممتد إلى دخول وقت العصر . والفرصة سانحة للناس أن يصلوا بعد الزوال وقبل خروج الإمام كما دل عليه حديث أحمد عن عطاء الخراسانى السابق .
هذا ، وعدم رؤية السائب بن يزيد لصلاة النبى لها لا يدل على عدمها ، لما هو معروف أن عدم العلم بالشىء لا يدل على عدمه أو نفيه . فمن الجائز أنه يصليها ولم يعلم به السائب ، والروايات التى تقدمت تؤيد ذلك .
ومن هذا نرى أن أدلة الطرفين ليست قطعية ، ولكل مجتهد أن يرى ما أداه إليه اجتهاده ، ولا ينبغى أن ينكر أحد على أحد ، ويعجبنى فى هنا قول ابن تيمية فى فتاويه : إن صلاة ركعتين قبل الجمعة جائزة وحسنة وإن لم تكن راتبة ... ثم قال : فمن فعل ذلك لم يُنكر عليه ، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه ، وهذا أعدل الأقوال وكلام الإمام أحمد يدل عليه .اهـ .
حديث سُلَيْك سُليك بن هدية ، وقيل : ابن عمرو الغطفانى رجل رقيق الحال دخل المسجد النبوى والنبى يخطب ، وكان فى هيئة بذة أى رثة بالية فجلس يستمع الخطبة دون أن يصلى ، فقال له النبى ( صلى الله عليه وسلم ) : أصليت ركعتين قبل أن تجلس فقال : لا ، فأمره أن يصلى ركعتين . وقال " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" وفى رواية " إذا أتى أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين " والحديث رواه البخارى ومسلم .
وجاء فى روايات غيرهما أن النبى نبه المسلمين على أن سُليكا يستحق الصدقة وأنه أمره بالصلاة ليراه الناس ، كما جاء أن النبى أخبره ألا يعود لذلك .
رأى بعض العلماء أن صلاة سليك هى السنة القبلية للجمعة ، ورأى بعض آخر : أنها صلاة خاصة بحال سليك للحث على الصدقة عليه وليست تشريعا عاما . ورأى آخرون : أنها تحية المسجد ، وعلى هذا فلا يصلح حديثه حجه لأحد الطرفين المتنازعين فى السنة القبلية للجمعة . والكلام على تحية المسجد له فرصة أخرى إن شاء اللّه .
المراجع 1 - البخارى وشرحه فتح البارى .
2- مسلم وشرحه للنووى .
3- الزرقانى على المواهب اللدنية .
4 - زاد المعاد لابن القيم . .
5 - نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 270- 275 .
6 - مجلة الأزهر : مجلد 4 ص 714 .
7- مجلة الإسلام : مجلد 2 عدد 48 ومجلد 3 عدد 4 .
8 - مجلة نور الإسلام : عدد 7 بتاريخ 11 / 6 / 1945 ، عدد 8 بتاريخ 10/7 /945 1 .
9 - الفقه على المذاهب الأربعة ص 328 - 240(9/17)
تبرع الكافر للمسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أقمنا مسجدا بالجهود الذاتية فتبرع بعض المواطنين من الأقباط بمبلغ من المال مساهمة فى بنائه ، فهل نقبل هذا التبرع ؟
An قال العلماء : إن الكافر لا يثاب على عمل الخير كما قال سبحانه { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } الفرقان : 23 ، وثوابه يكون فى الدنيا بمثل حب الناس له وتكريمه وما يتبعه من نفع مادى .
ولو تبرع الكافر للمسجد ببناء أو تجهيز أو غيرهما هل يقبل المسلمون منه هذا التبرع ؟ لقد نص فقهاء المذاهب الأربعة على إباحة التعامل مع غير المسلمين حتى فى التبرع لعمارة المساجد ، وما جاء فى الحديث إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا لا تدخل تحته هذه المسألة ، لأن قبول الله للطيب يعنى الثواب عليه ، ولا ثواب لغير المسلم فى الآخرة كما نصت عليه الآية المذكورة .
وصرح الإمام الشافعى بجواز وصية غير المسلم ببناء مسجد للمسلمين ، وكذلك الوقف منه للمسجد ، حتى لو لم يعتقده من القربات ، وذلك لاعتبارنا نحن أن الوقف للمسجد قربة ، قال صاحب كفاية الأخيار (ج 2 ص 30 ) : ويجوز للمسلم والذمى الوصية لعمارة المسجد الأقصى وغيره من المساجد .
وفى كتب الأحناف أن وصايا غير المسلم ووقفه على إعمار وإنارة بيت المقدس جائزة ، وكذلك بناؤه مسجدا لقوم معينين من المسلمين ولو جعل داره مسجدا للمسلمين وأذن لهم بالصلاة فيها جازت الصلاة فيها .
وجاء فى المغنى لابن قدامة صحة وصية الذمى للمسلم ، وفى فقه المالكية خلاف فى قبول وقف غير المسلم على المساجد وأمثالها ، وصحح العدوى جواز ذلك على القرب " انظر فتاوى الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق -نشر مجلة الأزهر- فى رجب 1412"(9/18)
ختم الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الأفضل ختم الصلاة سرا أو جهرا ؟
An وردت نصوص فى فضل الإسرار بالذكر والدعاء عامة ، منها قوله تعالى { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال } الأعراف :205 ، وقوله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } الأعراف :55، وروى مسلم عن أبى موسى قال : كنا مع النبى @ فى سفر-وفى رواية فى غزاة -فجعل الناس يجهرون بالتكبير-وفى رواية :
فجعل رجل كلما عَلاَ ثَنِيه قال : لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم " وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " خير الذكر الخفى "وقال " السر بالقرآن كالسر بالصدقة " .
كما وردت نصوص فى فضل الجهر بالذكر عامة ، منها الحديث القدسى الذى رواه البخارى " أنا عند ظن عبدى بى ، وأنا معه إذا ذكرنى ، فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه " والذكر فى الملأ لا يكون غالبا إلا عن جهر ، كما صح فى مسلم وغيره أن الملائكة تحف مجالس الذكر ، وبخاصة فى بيوت الله ، وأن الله يغفر لمن يجالسون الذاكرين للّه . وأخرج البيهقى أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل :
لو أن هذا خفض من صوته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعه فإنه أوَّاه " وأخرج الحاكم عن عمر رضى الله عنه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة ، وبنى له بيتا فى الجنة " .
وقد جمع النووى بين نصوص الجهر ونصوص الإسرار فقال -: إن الإخفاء أفضل حيثما خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام ، والجهر أفضل فى غير ذلك ، لأن العمل فيه أكثر ، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ، ولأنه يوقظ قلب القارى ، ويجمع همه إلى الفكر ، ويصرف سمعه إليه ، ويطرد النوم ، ويزيد النشاط .
وقال بعضهم : يجب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها ، لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر . و الجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار انتهى .
وذلك كله فى غير التَّعْليم وفيما إذا كان الدعاء جماعيا كما فى صلاة الاستسقاء والقنوت مثلا ، فالجهر أفضل .
وما سبق هو فى الذكر والدعاء عامة ، أما بخصوص ما بعد الصلاة فقد وردت نصوص فى الجهر منها قول ابن عباس رضى الله عنهما ، كما رواه البخارى ومسلم : كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير . وفى رواية لمسلم : كنا ... وفى رواية لهما عنه أيضا أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا إذا سمعته .
ومعنى هذا أن الناس الذين كانوا يصلون خلف النبى صلى الله عليه وسلم ، وبخاصة من يكونون فى الصفوف الخلفية لا يسمعون عبارة " السلام عليكم " التى ينتهى بها الرسول من الصلاة فيظلون منتظرين حتى يفرغ الرسول منها ويشرع فى ختام الصلاة بالتكبير والتسبيح و التحميد وما إلى ذلك ، أى أن صوته كان مرتفعا فسمعوه .
وورد فى الإسرار بختام الصلاة ما رواه أحمد عن أبى سعيد الخدرى قال :
اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم فى قبة لهم ، فكشف الستور وقال " ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة " أو قال " فى الصلاة " .
وبناء على هذه النصوص اختلف الفقهاء ، فى حكم الجهر بالذكر عقب الصلوات ، فمنهم من قال : لا بأس به ، بناء على ما رواه ابن عباس ، ومنهم من قال بكراهته ، بناء على ما رواه أبو سعيد الخدرى .
قال الإمام النووى فى شرح صحيح مسلم "ج ه ص 84 " تعقيبا على حديث ابن عباس : هذا دليل لما قاله بعض السلف : إنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة ، وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهرى .
ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير . وحمل الشافعى رضى الله عنه هنا الحديث - حديث ابن عباس - على أنه جهروا وقتا يسيرا حتى يعلمهم صفة الذكر ، لا أنهم جهروا دائما . قال فأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيا ذلك ، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلَّم منه فيجهر ، حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر ، وحمل الحديث على هذا .
والذى أختاره ، بعد عرض هذا الكلام المبنى على النصوص العامة والخاصة بالذكر بعد الصلاة ، هو الإسرار بالذكر ، لأنه أعون على الإخلاص ، وفيه عدم تشويش على المصلين الآخرين ، وذلك فى الأوساط الإسلامية العارفة بختام الصلاة ، أما فى المجتمعات الإسلامية الحديثة العهد بالإسلام فإن الجهر يكون أفضل للتعليم ، وذلك بصفة مؤقتة ثم يكون الإسرار بعد ذلك هو الأفضل .
وليس المراد بالسر أن يكون همسا لا يسمع الإنسان نفسه ، ولكن المراد ألا يشوش به على غيره .
يقول المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق : وختم الصلوات بالذكر والأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مندوب مرغب فيه شرعا ما دام الذكر والدعاء منها وسطا لا إلى إفراط بحيث يجهد نفسه ويزعج غيره ، ولا إلى تفريط بحيث لا يسمع نفسه بل يكون كما قال الله تعالى { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} الإسراء :
110 ، انتهى .
وأما قوله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } الأعراف :55، فهو فى الدعاء وليس فى مطلق الذكر فإن الدعاء بالذات يفضَّل فيه الإسرار ، لأنه أقرب إلى الإجابة ، قال تعالى{ إذ نادى ربه نداء خفيا } مريم : 3 ، إلا بنا كان فى جماعة ليعلمهم أو ليكون الدعاء مطلوبا من الجميع فالجهر أفضل ، كما فى صلاة الاستسقاء والقنوت ، والاعتداء فى الدعاء فسر بأنه تجاوز المأمور به ، أو اختراع دعوة لا أصل لها فى الشرع(9/19)
الصلاة بالنعال
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يتعمد بعض الشبان دخول المساجد بالأخذية والصلاة بالنعال ، ويقولون إن ذلك سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم " ، فهل هذا صحيح ؟
An سئل أنس رضى الله عنه ، هل كان النبى @ يصلى فى نعليه ؟ .
قال : نعم . رواه البخارى . قال ابن حجر فى فتح البارى : قال ابن بطال :
إنه محمول على ما إذا لم يكن فيها نجاسة ، وهى من الرخص لا من المستحبات ، لأن ذلك لا يدخل فى المعنى المطلوب من الصلاة ، وهو وإن كان من ملابس الزينة - يقصد ما جاء فى قوله تعالى { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } - إلا أن ملامسة الأرض التى تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة ، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد ، والأخرى من باب جلب المصالح وقال :
إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر .
قال ابن حجر بعد إيراده كلام ابن بطال : قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس : " خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم " فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة وورد فى كون الصلاة فى النعال من الزينة المأمور بأخذها فى الآية حديث ضعيف جدا ، أو رده ابن عدى فى الكامل وابن مردويه فى تفسيره من حديث أبى هريرة ، و العقيلى من حديث أنس " فتح البارى ج 2 ص 41" .
نرى من هذا أن الصلاة فى النعال لا تجوز إذا كانت متنجسة ، أما إذا كانت طاهرة فلا مانع من الصلاة فيها ، وأرجح جانب الرخصة وليس الاستحباب من جهة التقرب بالعبادة فلم يصح فيه دليل ، وأنصح إذا كان المسجد مفروشا بفراش نظيف أن نصونه عن التلوث حتى لو كان بالشىء الظاهر ، ومراعاة الذوق والعرف الذى فيه خير مما يؤيده الدين ، هذا والصلاة فى النعال غير الصلاة فى الخف الممسوح عليه ، فذلك مشروع بشروطه ومنها الطهارة ، والله أعلم(9/20)
المرأة وصلاة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تذهب بعض النساء لصلاة الجمعة فى المسجد ، فهل صلاتها واجبة عليها بحيث لو لم تصلها تعاقب عليها ؟
An صلاة الجمعة غير واجبة على المرأة ، وذلك للحديث الذى رواه أبو داود والحاكم ، وصححه غير واحد " الجمعة حق واجب على كل مسلم فى جماعة ، إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبى أو مريض " ولحديث أم عطية الذى أخرجه ابن خزيمة : نهينا عن اتباع الجنائز ، ولا جمعة علينا .
لكن مع ذلك لو صلت الجمعة صحت وأغنتها عن صلاة الظهر باتفاق الفقهاء ، وهل يستحب لها صلاتها ؟ قال الأحناف : الأفضل لها أن تصلى فى بيتها ظهرا ، لمنعها عن الجمعة ، سواه أكانت عجوزا أم غيرها ، وقال المالكية : إن كانت عجوزا لا أرب للرجال فيها جاز حضورها الجمعة ، وإن كان فيها أرب كره حضورها ، أما الشابة فإن خيف من حضورها الفتنة حرم عليها الحضور ، وإلا كره .
وقال الحنابلة : يباح لها الحضور لصلاة الجمعة إن كانت غير حسناء ، فإن كانت حسناء كره .
وقال الشافعية : يكره للمرأة حضور الجماعة إن كانت مشتهاة ولو فى ثياب بالية ، وكذا غير المشتهاة إن تزينت أو تطيبت . وكل ذلك إذا أذن لها وليها بالحضور ، وإلا حرم عليها حضور الجماعة كمها يحرم حضورها إذا خيفت الفتنة " نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 241 و الفقة على المذاهب الأربعة " انظر كتابنا "س ، ج للمرأة المسلمة " ص 70(9/21)
إمامة المرأة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تكون إماما فى الصلاة ؟
An معلوم أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد ، والنصوص فى ذلك كثيرة ، وإذا كان الإسلام يفضل أن تصلى المرأة فى بيتها بدل أن تصلى فى المسجد من أجل ثواب الجماعة فإنه يمكنها أن تقيم صلاة الجماعة فى بيتها ، أو فى المدرسة التى تتعلم أو تعلم فيها ، أو العمل الذى تمارسه مع الزميلات .
فإذا كان فى البيت زوجها أو ولدها أو أبوها أو أخوها مثلا كان هو الإمام والمرأة مأمومة ، وكذلك فى المدرسة أو العمل يجوز أن يصلى بالنساء أحد المدرسين أو أحد الزملاء ، سواء أكانت الصلاة فى مسجد أو مكان مُعَدّ لذلك . فإذا لم يوجد رجل أمكن للمرأة أن تكون إماما لبناتها أو نساء أخريات فى المنزل أو للزميلات فى المدرسة والعمل . وذلك على رأى جمهور الأئمة .
والإمام مالك هو الذى يمنع أن تكون المرأة إماما مطلقا ، لا للرجال ولا للنساء ، فلا يجوز أن يقتدى بها الرجل حتى لو كان ابنها أو أباها أو أخاها ، فإمامتها على رأى الجمهور جائزة للنساء فقط .
روى أبو داود والحاكم وابن خزيمة وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل لأم ورقة مؤذنا ، وأباح لها أن تؤم أهل بيتها ، أى النساء فقط ، وذلك لحديث رواه ابن ماجه عن جابر أنه سمع النبى صلى الله عليه سلم يقول على المنبر " لا تؤمَّن امرأة رجلا ، لا فاجرا ولا مؤمنا " .
وكانت السيدة عائشة رضى اللَّه عنها تؤم النساء وتقف معهن فى الصف ، وكذلك كانت أم سلمة رضى اللَّه عنها تفعله . ويرى بعض الأئمة أن المرأة إذا كانت إماما للنساء تقف معهن فى الصف ولا تتقدم عليهن . لكن لو تقدمت فصلاتها وصلاة المأمومات صحيحة ، لعدم ورود النهى عن ذلك ( انظر س ، ج للمرأة المسلمة )(9/22)
تحريك الأصبع فى التشهد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يختلف المصلون فى تحريك إصبعهم عند التشهد فما هو الصحيح فى هذا الأمر ؟
An جاء فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى ، وعقد ثلاثا وخمسين ، وأشار بالسبابة .
وجاء فى مسند أحمد وسنن النسائى وأبى داود من حديث وائل بن حجر : ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها : وفى رواية لهم ولابن حبان فى صحيحه من طريق ابن الزبير : كان يشير بالسبابة ولا يحركها .
الإشارة بالسبابة حديثها أصح من حديثى التحريك وعدم التحريك ومن هنا قال الفقهاء : تكون الإشارة بالسبابة ، اما عند النطق بلفظ "لا" إشارة إلى النفى ثم يخفضها وعليه أبو حنيفة رضى اللّه عنه ، وأما عند لفظ الجلالة " اللَّه " إشارة إلى الوحدانية ثم يستمر رفعها دون تحريك إلى الانتهاء من الصلاة وعليه الشافعى رضى اللّه عنه . ولا يرى الإمامان تحريك الإصبع غير هذه الحركة ، وأما قول وائل : فرأيته يحركها ، قال البيهقى : يحتمل أن يكون مراده بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض حديث ابن الزبير " ولا يحركها " . لكن الإمام مالك اخذ بحديث وائل واستحب أن تحرك الإصبع من أول التشهد ، وروى فى ذلك حديث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم (تحريك الإصبع فى الصلاة مذعرة للشيطان ) لكن نقاد الحديث قالوا : إن هذا الحديث ضعيف ، فقد تفرد به الواقدى ، والأرجح أن التحريك الوارد يحمل على الإشارة حتى لا يتعارض مع ما ورد ناهيا عن التحريك وأقول : إن تحريك الإصبع أو عدمه هيئة من الهيئات ليست من الأركان ولا من الواجبات ، فأية كيفية تؤدى بها هذه الهيئة كافية ، والمهم أن نكون مخلصين خاشعين فى صلاتنا محافظين على الأركان الأساسية ، فعلى ذلك يدور القبول(9/23)
كلام لا يبطل الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن يقول المأموم " استعنت بالله " عندما يقرأ الإمام { إياك نعبد وإياك نستعين } فهل هذا جائز ؟ ويحدث أن يقرأ الإمام سورة التين وفى آخرها { أليس الله بأحكم الحاكمين } فيقول بعض المأمومين " بلى " فهل هذا يبطل الصلاة ؟
An روى الترمذى عن أبى هريرة رضى اللّه عنه قال " من قرأ سورة " التين والزيتون " فقرأ " أليس اللَّه بأحكم الحاكمين " فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين . وكان على وابن عباس يفعلان ذلك .
هذا فى خارج الصلاة أما فيها فقد اتفق الفقهاء على أن ذكر اللّه فى الصلاة لا تبطل به إذا قصد الذكر ، لأن الصلاة كلها محل لذكر اللّه ، ومَثلَ الأحناف لذلك بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكره ، وقول " جل جلاله " عند ذكر اسم اللَّه ، وقول " صدق اللَّه العظيم " عند فراغ القارى من القراءة . ومثله ما لو أخبر بخبر سيئ وهو فى الصلاة فقال "لا حول ولا قوة إلا بالله " ما دام يقصد مجرد الذكر والدعاء ، وكذلك قال بقية الفقهاء ، وجاء فى أمثلة الشافعية قول المأموم : استعنا باللَّه ، عند قراءة الإمام { إياك نعبد وإياك نستعين } ما دام يقصد الدعاء .
وعليه فإن قول المأموم " بلى " عند قول الإمام " أليس اللَّه بأحكم الحاكمين " لا يبطل الصلاة وكلمة " بلى " تفيد الإثبات بعد النفى ، وهى هنا إثبات أن اللَّه أحكم الحاكمين .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة " طبع وزارة الأوقاف المصرية " ما خلاصته : قال الحنفية : إذا تكلم المصلى بتسبيح أو تهليل أو أثنى على اللَّه تعالى عند ذكره ، كأن قال : جل جلاله ، أو صلى على النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكره ، أو قال صدق اللَّه العظيم عند فراغ القارى من القراءة أو قال مثل قول المؤذن ونحو ذلك ، فإن قصد به الجواب على أمر من الأمور بطلت صلاته ، أما إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة فإن صلاته لا تبطل .
وقال المالكية : إن الصلاة لا تبطل بالتسبيح أو التهليل أو قول لا حول ولا قوة إلا باللَّه ، حتى لو كان ذلك إجابة لأحد ، لأن الصلاة كلها محل لها .
وقال الحنابلة : لا تبطل الصلاة بالتسبيح أو التهليل أو الذكر لغرض من الأغراض ، كما إذا رأى ما يعجبه فقال : سبحان اللَّه ، أو أصابته مصيبة فقال : لا حول ولا قوة إلا باللَّه ، أو أصابه ألم فقال : بسم اللَّه ، ونحو ذلك ، فإن صلاته لا تبطل به ، وإنما يكره لا غير .
وقال الشافعية : إذا قال : صدق اللَّه العظيم عند سماع آية ، أو قال : لا حول ولا قوة إلا بالله عند سماع خبر سوء فإن صلاته لا تبطل به مطلقا ، إذ ليس فيه .سوى الثناء على اللَّه تعالى ، وإذا سمع المأموم إمامه يقول " إياك نعبد وإياك نستعين " فقال المأموم مثله محاكاة له ، أو قال : استعنا باللَّه ، أو نستعين باللَّه ، بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة ولا دعاء ، وإلا بأن قصد التلاوة أو الدعاء فلا تبطل ، والإتيان بها بدعة منهى عنها .
من هذا نرى أن قول المأموم : استعنا بالله ما دام يقصد به ذكر اللّه أو الدعاء فإن صلاته لا تبطل باتفاق الأئمة ، أما إذا لم يقصد الذكر ولا الدعاء فصلاته باطلة عند بعضهم ، ويقاس على هذا ما يقوله المأمومون حين قيام الإمام بالقنوت ، مثل آمين ، أشهد ، حقا ، يا اللَّه وقول المأمومين عقب إنتهاء الإمام من قراءة الفاتحة : اللهم اغفر لى ، ليكون تأمينه بعده موافقا لتأمين الإمام ، وثواب ذلك عظيم .
وجاء فى كتاب " الأذكار " للنووى أنه يسن لكل من قرأ فى الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل اللَّه تعالى من فضله ، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار ومن العذاب أو من الشر أو من المكروه ، أو يقول : اللهم إنى أسألك العافية أو نحو ذلك .
وإذا مر بآية تنزيه للّه سبحانه وتعالى نزَّه فقال : سبحانه وتعالى ، أو تبارك اللَّه رب العالمين أو جلت عظمة ربنا أو نحو ذلك .
ثم ساق الدليل على ذلك بحديث مسلم عن حذيفة بن اليمان وهو يصلى خلف النبى بالليل وقرأ فى الركعة الأولى سورة البقرة ثم آل عمران ثم النساء ، يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ . قال أصحابنا - الشافعية - يستحب هذا التسبيح والسؤال والاستعاذة للقارى فى الصلاة وغيرها ، وللإمام والمأموم والمنفرد لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين [ فى تعليقات ابن علان عند ذكر الصلاة قال : سواء كانت فرضا أو نفلا ، خلافا للمالكية والحنفية ] ثم قال النووى : ويستحب لمن قرأ {أليس اللَّه بأحكم الحاكمين } أن يقول : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ، وإذا قرا { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} - قال : بلى اشهد . وإذا قرأ {فبأى حديث بعده يؤمنون } قال :
أمنت باللّه ، وإذا قال {سبح اسم ربك الأعلى} قال : سبحان ربى الأعلى . ويقول هذا كله فى الصلاة وغيرها ، وقد بينت أدلته فى كتاب " البيان فى آداب حملة القرآن " . ثم يعلق ابن علان بقوله :
الأدلة مروية عن أبى داود والترمذى وهى تشهد لما قاله المصنف مما يقال عند آخر كل من سورتى التين و القيامة واللَّه أعلم ، ومثله قوله تعالى { أليس اللَّه بكاف عبده }(9/24)
الجهر والسر فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} وما هى الصلاة السرية والصلاة الجهرية ، وما هي الحكمة في ذلك ؟
An قال تعالى {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً} الإسراء : 110 ، قال بعض المفسرين : إن المراد بالصلاة هنا الدعاء ، بدليل الفقرة السابقة عليها {قل ادعوا اللَّه أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } والمراد أن يكون الدعاء وسطا بين الجهر الذي يوقظ النائم ويزعجه أو يجر إلى الرياء ، وبين الإسرار الذي لا يسمعه الداعي ، ويكون أشبه بالهمس غير المفهوم . وهذا ما رواه مسلم . وأخرج البخاري ومسلم أيضًا عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنها نزلت ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم متوار بمكة ، وكان إذا صلى بأصحابه ورفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال اللَّه تعالى{ولا تجهر بصلاتك } فيسمع المشركون قراءتك {ولا تخافت بها} عن أصحابك . أي أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر وابتغ بين ذلك سبيلاً هو بين الجهر والمخافتة .
وهذان السببان أصح ما ورد في نزول الآية . وورى أحمد وأبو داود أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مر ليلة بأبي بكر وهو يصلي يخفض صوته ، ومر بعمر وهو يصلي رافعًا صوته . فلما اجتمعا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال "يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك "فقال : يا رسول اللَّه قد أسمعت من ناجيت . وقال لعمر"مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك " فقال يا رسول اللَّه أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان . فقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئًا" وقال لعمر"اخفض من صوتك شيئًا" ولعل هذه المحادثة كانت بعد نزول الآية ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرشدهما إلى تطبيقها .
أما الصلاة المفروضة التي يجهر فيها فهي الصبح والجمعة والركعتان الأوليان من المغرب والعشاء، والتي يسر فيها ما عدا ذلك ، وهي الظهر والعصر والركعة الثالثة من المغرب والركعتان والأخيرتان من العشاء .
والجهر يكون في قراءة الفاتحة وفي السورة أو الآية التي تليها ، أما الأذكار والأدعية فيها فهي سرية إلا في قنوت الصبح ، والذي يجهر هو المنفرد وكذا الإمام ، أما المأموم فهو يسرُّ أبدًا في قراءته .
والحكمة في السر في الصلاة ما كان عليه الحال في مكة من إيذاء المشركين لمن كانوا يصلون ويجهرون بالقراءة فيها، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين ، فبقيت في السفر على ذلك وزيدت في الحضر .
والكفار كانوا مشغولين عن المصلين قبل طلوع الشمس لأنهم نائمون ، فبقي الجهر في صلاة الصبح كما كان . وكذلك كانوا مشغولين بعد غروب الشمس بالنوم أو السهر الخاص ، فبقي الجهر في المغرب والعشاء كما كان .
وصلاة الظهر وصلاة العصر في وضح النهار فشرع السر فيهما خشية إيذاء الكفار أما الجمعة فشرعت صلاتها في المدينة أو بعد الهجرة وكان شرعها بقوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع } الجمعة : 9 ، والنداء لها وللصلوات الأخرى بالأذان شرع في المدينة .
على أن كثرة عدد المصلين للجمعة فيها قوة ترهب عدوهم أن ينالهم بسوء كما كان الحال في مكة وإذا كان الأمن قد استتب في المدينة ولم يعد هناك خوف من المشركين عند الجهر بالقراءة نهارا فإن التشريع بقى كما كان تسجيلاً لفترة من التاريخ ، وشكرا للّه على النعمة كلما تذكرنا ما كان عليه المسلمون في مكة وما آل إليه الإسلام بعد ذلك من نصر وقوة(9/25)
الوتر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء كتب الفقه أن الحنفية قالوا : الوتر واجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منى " وأن المذاهب الأخرى قالت : إنه سنه فهل معنى ذلك أن السنة تلغى الفرض ، وأن من لم يوتر فليس من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ؟
An إذا قال أبو حنيفة بوجوب الوتر، وقال غيره بأنه سنة فليس معنى هذا أن السنة تلغى الفرض ، وإنما المعنى أن الوتر مطلوب في كل المذاهب ، إلا أن درجة الطلب عند أبي حنيفة أقوى مما عند غيره من فقهاء ، المذاهب ، على معنى أن التقصير في أدائه عند أبي حنيفة موجب للمسئولية أمام اللَّه ، معتمدا على الحديث المذكور، أما عند غيره فإن الوتر ليس بالدرجة في الطلب بحيث يكون التقصير فيه مفضيا للمسئولية كالفرض ، بل هو مطلوب طلبًا مؤكدًا لمحافظة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، لكنه ليس من الفروض المحتمة ، فليس بعد الصلوات الخمس المعروفة صلاة مفروضة كل يوم ، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، من أقواها قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عما افترضه اللَّه عليه "خمس صلوات كتبهن اللّه في اليوم والليلة " قال : هل علىَّ غيرها؟ قال "لا، إلا أن تطوع " فولى الرجل وهو يقول : واللَّه لا أزيد عليهن ولا أنقص ، فقال صلى الله عليه وسلم "أفلح إن صدق " رواه مسلم .
وقد حمل هؤلاء حديث " فمن لم يوتر فليس منى" على الترغيب الشديد في الإتيان به ، وأن من قصر فيه لا يكون من عداد المسلمين الكاملين ، فهو مسلم وليس بكافر، وهو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وليس من أتباع غيره ، وذلك على نحو ما قالوا في حديث "لا صلاه لجار المسجد إلا في المسجد " على معنى " لا صلاة كاملة لجار المسجد إلا في المسجد" وليس المعنى أن صلاته باطلة إذا صلاها في بيته ، فإن الأرض كلها مسجد كما ورد في الأحاديث الصحيحة ، ولا شك أن الصلاة في المسجد أكمل ، لما فيها من صلاة الجماعة وكثرة الثواب بالخطا إلى المسجد ، وبانتظار الصلاة ، وبدعاء الملائكة وهذا الحديث رواه الدارقطنى بسند ضعيف .
وحديث "فمن لم يوتر فليس منى " رواه أحمد وأبو داود ، وفي إسناده راو ضعفه النسائي وقال البخاري : عنده مناكير ووثقه بعضهم(9/26)
تحويل القبلة وموقف اليهود منها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى المراحل التى تم بها تحديد القبلة واستقرت بها على الوضع الأخير ؟
An روى أحمد بن حنبل عن السيدة عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن اليهود لا يحسدوننا على شىء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التى هدانا اللَّه إليها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التى هدانا اللّه إليها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين " .
على عادة اليهود فى الأثرة والأنانية النابعة من العنصرية الجامحة المعروفة فيهم كانوا يحبون أن يكون كل مجد لهم ، سواء فى ذلك المجد الدينى والدنيوى، كما جعل اللَّه فيهم الأنبياء وجعلهم ملوكا .
قال تعالى { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللَّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا واَتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } المائدة :
20 ، ولما سمعوا بظهور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى مكة كانوا يستفتحون به على أهل المدينة ، لكنهم أبوا الانضمام إليه ، لأنه من نسل عمهم إسماعيل دون أبيهم إسحاق .
وقد حدث أن اللّه سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم باستقبال بيت المقدس فى الصلاة ، وظل على ذلك نحو سنة ونصف السنة بالمدينة ، ثم صرفه اللَّه عن هذه القبلة إلى استقبال الكعبة ، فقال اليهود : اشتاق محمد إلى بلد أبيه بمكة، وهو يريد أن يرضى قومه قريشا ولو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبى الذى يأتى آخر الزمان .
وهذا القول منهم يدل على أنهم انتهازيون لا يجرون إلا وراء المصلحة ، دون اعتبار للعقائد والقيم ، فهم كفروا بالرسول لمجرد أنه حول وجهه - بأمر ربه -إلى البيت الحرام ، ناسين أن الأرض كلها للّه ، وأن الجهات جميعها واحدة بالنسبة لوجود اللَّه واطلاعه على عباده والتوجه إليه بالطاعة ، قال تعالى { وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللَّه } البقرة : 115 ، وقال فى حقهم { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها، قل للَّه المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم } البقرة : 142 .
وندد اللّه بهم فى كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على الرغم من الأخبار المبشرة به فقال : { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } البقرة : 144 ، وقد أيأسه اللَّه من إيمانهم به ما دامت قبلته للصلاة غير قبلتهم فقال { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم ، وما بعضهم بتابع قبلة بعض } البقرة : 145 ، ومن هنا انقطع أملهم فى ضم محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، فجاهروه بالعداوة ، وكانت له معهم التحامات وقصص مذكورة فى كتب التاريخ .
إن بيت المقدس لم يتخذه بنو إسرائيل قبلة تبعا لوحى من اللَّه ، بل باختيار منهم على ما يذكره المحققون ، والحديث المذكور يدل على أن الصخرة التى يستقبلونها لم يؤمروا بها من اللَّه بعينها، فإن القبلة الحقيقية هى أول بيت وضع للناس فى مكة ، روى أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن خالد بن يزيد بن معاوية قال : لم تجد اليهود فى التوراة القبلة، ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة، فلما غضب اللّه على بنى إسرائيل رفعه ، وكانت صلاتهم إلى الصخرة عن مشورة منهم .
وفى البغوى عند تفسير قوله تعالى { واجعلوا بيوتكم قبلة } يونس : 87، روى ابن جريج عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه وبه قطع الزمخشرى والبيضاوى، قال النسفى فى تفسير هذه الآية : اجعلوا بيوتكم مساجد متوجهة إلى القبلة وهى الكعبة، وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة .
وكما ضلوا عن القبلة ضلوا عن الجمعة، لأن اللّه فرض عليهم يوما من الأسبوع وكَلَه إلى اختيارهم ، فاختلفوا ولم يهتدوا إلى الجمعة ، قال الطبرى عن مجاهد فى قوله تعالى { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } النحل :
124 ، قال : أرادوا الجمعة فأخطئوا وأخذوا السبت مكانه ، وروى ابن أبى حاتم عن السدى التصريح بأنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فقال : إن اللَّه فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا : يا موسى إن اللّه لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعله عليهم ، وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم ، كما وقع لهم فى قوله { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة } البقرة : 58 ، فغيروا و بدلوا .
واستطرادًا للحديث فى شأن القبلة وتحويلها أتناول الموضوع فى عدة نقاط ، تنويرًا للأذهان وعونا على الوصول إلى الحقيقة فى فهم حكمة التشريع :
1 -كل أمة من الأمم لها مكان مقدس تتعبد فيه بكل أنواع العبادة من صلاة وحج وذبح وغير ذلك ، قال تعالى { لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه } الحج : 67 ، وقال تعالى { ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم اللَّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج : 34 ، وسواء أكان هذا الجعَلْ تَشريعا من اللّه أراده ورضيه لعباده ، أم جعْلَ تكوين لا يشترط أن يكون مرضيا عنه ، كما فى قوله تعالى { كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم } الأنعام : 108 ، فإن لكل جماعة من الناس مكانا مقدسا يتقربون فيه إلى إلههم ، ومن التقرب التوجه إليه عند الدعاء والصلاة .
والوثنيون كانوا يتوجهون إلى أصنامهم فى الأرض ، أو إلى الكواكب فى السماء ، كما توجه المصريون إلى الشمس فى بعض عهودهم فى الدعاء والمناجاة، وكما توجه البابليون إلى النجوم على ما حكاه القرآن الكريم فى محاجة إبراهيم لهم فى سورة الأنعام ، حيث رأى كوكبا ثم رأى القمر ثم رأى الشمس وافترض أنها هى الإله الذى يعبدونه فلما غابت ألزمهم الحجة بأن الإله لا يجوز أن يغيب ، ثم بنوا بيوتا رمزية - لآلهتهم يعبدونها فيها عند اختفائها وقت غروبها ، فكانت البيوت قبلتهم ومنسكهم الذى يرتضون .
2 -أول بيت وضع للعبادة هو بيت اللَّه الحرام فى مكة " الكعبة " قال تعالى { إن أول بيت وضع للناس . للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين } آل عمران :
96، وكما تقول الروايات إنه موضوع من أيام آدم عليه السلام ، وكانت الأنبياء تحج إليه ، وكان دور إبراهيم عليه السلام إبراز معالمه التى عفى عليها الزمن أو جرفتها السيول على ما يفهم من التعبير بالرفع فى قوله تعالى { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } البقرة : 127 ، وقوله تعالى { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } الحج : 26 ، أى البيت المعهود سابقا فى التاريخ ، أو الذى سيبنى بعد ، ذلك جائز محتمل .
والحديث الصحيح ورد فى أن أول بيت وضع فى الأرض هو الكعبة ثم المسجد الأقصى ، وبينهما أربعون سنة ، فإن كان الوضع يعنى الاختيار للعبادة - وهو الظاهر-كان ذلك الاختيار من اللَّه موجودا قبل إبراهيم بالنسبة للكعبة وقبل سليمان وداود بالنسبة للمسجد الأقصى .
وإن كان الوضع يعنى الإقامة والبناء فإن المسافة بين بناء إبراهيم للكعبة وبين بناء المسجد الأقصى وهى أربعون سنة لا تكون إلا إذا قيل : إن الأنبياء بعد إبراهيم شرعوا فى بناء المسجد الأقصى على عهد يعقوب بن إسحاق كما قال بعض الباحثين ، ولم يتم إلا فى عهد سليمان الذى كان أبوه داود معتزما بناءه ، لكن اللّه لم يوفقه لذلك ، وادخره لابنه سليمان كما تحكى التوراة .
وقد تقدم فى ذلك ما نقله البغوى عن ابن جريج عن ابن عباس وما قرره المفسرون من أن الكعبة كانت قبلة موسى ومن معه ، وقال أبو داود فى الناسخ والمنسوخ فى قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة } قال : أعلم قبلته فلم يبعث نبى إلا وقبلته البيت وهذا القول قواه الحافظ العلائى فقال فى تذكرته : الراجح عند العلماء أن الكعبة قبلة الأنبياء كلهم كما دلت عليه الآثار .
قال بعضهم وهو الأصح ، ويؤكد هذا الرأى حديث حسد اليهود لنا إذ هدانا اللَّه إلى القبلة وضلوا عنها ، فقد كانت الكعبة قبلتهم لكنهم لم يهتدوا إليها .
.
غير أن ابن العربى وتلميذه السهيلى اختارا أن قبلة الأنبياء هى بيت المقدس ، وصححه بعضهم وقال إنه المعروف ، لكن هذا يمكن أن يحمل على أن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء بعد بناء الهيكل فى عهد سليمان ، ارتضوها بعد أن ضلوا عن الكعبة، وأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أول الأمر بالتوجه إلى بيت المقدس وهو ما يزال فى مكة على ما سيأتى بيانه ، وقد تقدم أنهم كانوا يستقبلون الصخرة التى كان عليها تابوت السكينة حتى بنى المسجد الأقصى .
ونظرا إلى أن المسيحية مكملة لليهودية جاءت مصلحة لليهود وداعية للعودة إلى أصولها الحقيقية كانت قبلتها هى قبلة اليهود فى المسجد الأقصى .
3-فرضت الصلاة فى الإسلام أولا بمكة، واستقرت خمس صلوات ليلة الإسراء قبل الهجرة بحوالى سنتين أو أكثر، فإلى أية قبلة كان يتجه المصلون بمكة ؟ قيل : لم تكن هناك قبلة معينة، فالجهات كلها قبلة على ما فهمه البعض من قوله تعالى { وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللَّه } البقرة :115 ، وإن كان هناك ميل إلى التوجه إلى الكعبة لأنها البيت المقدس عند العرب ، وهو أثر سيدنا إبراهيم الذى قال اللَّه له فى إحدى السور المكية { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } النحل : 123 ، على ما يفيده عموم اللفظ ، وكما حكت السيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم اختار التحنث فى غار حراء ، لأنه يشرف على الكعبة .
وقيل : إن قبلة المسلمين فى مكة كانت الكعبة أولا، لقوله تعالى {وما جعلنا القبلة التى كنت عليها } البقرة : 143 ، أى حولناك فى المدينة من بيت المقدس إلى الكعبة وهى القبلة التى كنت عليها من قبل ، فهذا نص على أن القبلة فى مكة كانت الكعبة ، لكن ذلك كان لفترة ، ويدل عليه ما أخرجه الطبرى عن ابن جريج : صلى النبى صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلى ثلاث حجج ، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا، ثم وجه إلى الكعبة .
وقيل : إن القبلة فى مكة كانت بيت المقدس أولا، لحديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما الذى رواه أحمد : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ، لكن هل يدل هذا على أن بيت المقدس كان هو القبلة الأولى فى مكة وكان النبى يحب أن يستقبل معه الكعبة ، فيجعلها بينه وبين بيت المقدس ليجمع بين القبلتين ، أو أن بيت المقدس كان قبلة لاحقة بعد أن كانت هى الكعبة؟ ذلك كله جائز .
ولعل من التوفيق القريب بين الأحاديث التى يتضارب ظاهرها أن يقال : إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بمكة أولا إلى الكعبة، ثم صرف عنها إلى بيت المقدس ثلاث حجج ، فكان يحب أن يجمع بينهما على النحو المذكور، ولما هاجر أمره اللّه بالاستمرار فى استقبال بين المقدس ، وكان يشتاق لاستقبال الكعبة نحو سنة ونصف السنة فوجه بعد ذلك إليها .
4 -هل كانت قبلته فى مكة [ الكعبة أو بيت المقدس ] بوحى من اللَّه أو باجتهاد منه ؟ أما استقبال الكعبة فقيل إنه بوحى، على ما يفهم من قوله تعالى { وما جعلنا القبلة التى كنت عليها } فالتى كان عليها هى الكعبة ، لكن هل كان هذا بأمر من اللَّه أم باجتهاد من الرسول أقره عليه ؟ لم يرد فى ذلك نص واضح صريح ، وقيل إنه باجتهاد على ما سبق بيانه من اقتفائه أثر أبيه إبراهيم ، وتقديسه للبيت الذى يقدسه كل العرب ولتحرى النظر إليه فى خلوته بغار حراء .
وأما استقبال بيت المقدس فى مكة، فقيل بوحى، على ما تفيده رواية الطبرى عن ابن جريح أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى أولا بمكة إلى القبلة ، ثم صرفه اللّه إلى بيت المقدس . وقيل باجتهاد كما قال القاضى عياض : الذى ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن ، وحكى الوجهين الماوردى فى " الحاوى " .
5 -والصلاة التى صلاها الرسول عند مقدمه إلى المدينة متوجها إلى بيت المقدس ، هل كانت بوحى أم باجتهاد ؟ .
ذلك راجع إلى الكلام فى استقبال بيت المقدس بمكة ، فهو مستصحب للقبلة فى مهجره .
1 -الراجح أنه كان بوحى لما رواه ابن جرير الطبرى عن ابن عباس ، قال :
لما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود أكثرهم يستقبلون بيت المقدس أمره اللَّه تعالى أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود لظنهم أنه استقبله اقتداء بهم ، مع أنه كان لأمر ربه ، فاستقبلها سبعة عشر شهرا ، وكان يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم ، وروى الطبرى أيضا عن ابن عباس قال : إنما أحب النبى أن يتحول إلى الكعبة ، فكان يدعو ربه ( كما نصحه بذلك جبريل عندما قال له : وددت أن اللَّه صرف وجهى عن قبلة يهود ، فقال له جبريل :
إنما أنا عبد، فادع ربك وسله ) وكان ينظر إلى السماء فنزلت { قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } البقرة : 144 ، وهذا ما عليه الجمهور كما قال القرطبى، ولحديث البراء بن عازب عند البخارى فى كتاب الإيمان : أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى قِبَلَ بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرًا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت ، فاستقباله لبيت المقدس مع شوقه لقبلة إبراهيم دليل على أنه بأمر من اللَّه .
ب - وقيل إن استقباله لبيت المقدس بالمدينة كان باجتهاد منه ، كما قال الحسن البصرى، وكما قال الطبرى : كان محمد مخيرا بينه وبين الكعبة ، فاختاره طمعا فى إيمان اليهود ، لكن يرده سؤاله لجبريل ، إذ لو كان مخيرا لاختار الكعبة دون حاجة إلى سؤال جبريل أن يصرف إليها .
6 -كم من الزمن صلى النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى بيت المقدس ؟ جاءت الروايات مختلفة فى ذلك ، وهى كلها ليست من كلام الرسول ، بل من كلام الصحابة، فقيل ستة عشر شهرا، وقيل سبعة عشر، وقد جاء ذلك فى روايتين للبخارى ومسلم عن البراء بن عازب على ما سيأتى، وقيل تسعة عشر شهرا، وقيل بضعة عشر بدون تحديد لمقدار البضع ، والاختلاف راجع إلى الخلاف فى تعيين الشهر الذى حولت فيه القبلة ، مقيسا بشهر الهجرة إلى المدينة ، وبحساب جمله من أيام الشهر شهرا ، أو بغير ذلك من الاعتبارات .
7-فى أى شهر وفى أى يوم حولت القبلة ؟ هنا لك أقوال :
أ-قيل إنها حولت فى منتصف شهر رجب من السنة الثانية، وكان ذلك يوم الاثنين ، وقد رواه أحمد عن ابن عباس بإسناد صحيح ، قال الواقدى : وهذا أثبت ، قال الحافظ : وهو الصحيح ، وبه جزم الجمهور، وقاله ابن إسحاق .
ب - وقيل إن التحويل كان فى شهر جمادى الآخرة ، كما رواه الزهرى عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك ، قال أبو جعفر النحاس فى كتابه " الناسخ والمنسوخ " : وهو أولاها بالصواب ، لأن الذى قال به أجل ، ولأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فى شهر ربيع الأول ، فإذا صرف اَخر جمادى الآخرة إلى الكعبة صار ذلك ستة عشر شهرا كما قال ابن عباس وأيضا إذا صلى إلى الكعبة فى جمادى الآخرة فقد صلى إليها فيما بعدها .
ج -وقيل فى نصف شعبان وفى يوم الثلاثاء منه ، قاله محمد بن حبيب ، وجزم به فى الروضة ، وقاله الواقدى .
8 -ما هى الصلاة التى صلاها النبى صلى الله عليه وسلم بقبلتين وما هى أول صلاة كاملة للقبلة الجديدة ؟ .
كان النبى صلى الله عليه وسلم يزور أم بشر بن معرور بعد موته ، فلما حان وقت صلاة الظهر صلى بأصحابه ركعتين ، ثم أمر بتحويل القبلة ، فتحول فى ركوع الركعة الثالثة، وسمى هذا المسجد مسجد القبلتين ، لأن التحويل نزل فيه أولا ، وكان فى بنى سلمة -بكسر اللام فى شرح الزرقانى على المواهب ، وضبطت فى تفسير القرطبى بفتحها - وهى أول صلاة صلاها ، وهو الأثبت كما قال الواقدى ، وكانت هذه الصلاة هى الظهر على ما رواه النسائى من رواية أبى سعيد بن المعلى ، وكذا عند الطبرانى والبزار من حديث أنس فهذا الحديث يدل على أن مكان التحويل هو مسجد بنى سلمة " مسجد القبلتين " وأن الصلاة هى الظهر قال ابن سعد : صلى النبى صلى الله عليه وسلم ركعتين من الظهر فى مسجده النبوى بالمسلمين .
وقال بعضهم إن الصلاة هى العصر، مستدلين برواية البراء بن عازب فى البخاري فى كتاب الإيمان : أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر- أى متوجها إلى الكعبة ، لكن هذا لا يدل على أنها صليت بقبلتين ، والأقرب أنها بقبلة واحدة هى الكعبة ، وكانت أولى صلاة تامة بعد التحويل إلى الكعبة ، ويبقى ادعاء أن صلاة الظهر هى التى أديت بقبلتين باقيا دون معارض .
قال ابن حجر فى كتاب الإيمان : التحقيق أن أول صلاة صلاها فى ، بنى سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور هى الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوى هى العصر .
9 - ما هى الصلاة التى صلاها المسلمون الذين لم يكونوا مع الرسول - بقبلتين ، وأين كانت ؟ إن خبر التحويل وصل كل جماعة فى مواعيد مختلفة ، ولعل عددا من الجماعات وقع منهم صلاة لقبلتين ، قد تكون هى العصر وقد تكون غيرها، ومن الثابت ما يلى :
1 -صلاة العصر كانت بقبلتين وكانت فى بنى حارثة ، دليله حديث البراء بن عازب : صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم"إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا-وفى رواية له سبعة عشر شهرا-حتى نزلت الآية التى فى البقرة {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } فنزلت بعدما صلى النبى ، فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهو يصلون ، فحدثهم فولوا وجوههم قبل البيت ، رواه البخارى ومسلم .
وقوله : " بعدما صلى " فسره الشراح بأنه دخل فى الصلاة، لا أنه انتهى منها، وقالوا : إنها صلاة الظهر وقد صلى منها ركعتين ، وقال بعضهم إنها صلاة العصر، كانت فى مسجد بنى سلمة ، والرجل الذى نقل الخبر قيل : اسمه عبَّاد بن بشر بن قيظى " القرطبى-سيقول السفهاء " كما رواه ابن منده وابن أبى خيثمة، وقيل : اسمه عَبَّاد بن نَهيك .
والناس الذين أخبرهم هم بنو حارثة وكانوا يصلون العصر وعلى القول بأن الصلاة التى كان يصليها الرسول وحُوِّل فيها هى العصر يمكن أن ينقل خبرها بسرعة إلى جماعة آخرين هم بنو حارثة ما زالوا فى الصلاة، سواء أكان عباد بن بشر ناقل الخبر صلى مع النبى وهو الغالب -أم لم يصلِّ ورأى حاله فأبلغها إلى غيره .
2 -صلاة الفجر أو الصبح كانت بقبلتين ، وكانت فى " قباء " موطن بنى عمرو بن عوف ، وقد نص عليها فى حديث ابن عمر: بينما الناس -بنو عمرو بن عوف -فى صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال : إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ، رواه البخارى ومسلم .
والشخص الذى أخبرهم قيل : هو رجل من بنى سلمة كما يدل عليه حديث أنس الآتى وهو الأصح ، واسمه عباد كما تقدم .
يقول أنس رضى اللّه عنه : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلى نحو بيت المقدس فنزلت { قد نرى تقلب وجهك فى السماء . . . } فمر رجل من بنى سلمة وهم ركوع فى الفجر وقد صلوا ركعة فنادى : ألا إن القبلة قد حولت ، فمالوا كما هم نحو القبلة ، رواه مسلم غير أن رواية أنس لا تدل على أن هؤلاء كانوا فى قباء .
3 - صلاة الظهر ، فقد ذكر أبو عمرو فى " التمهيد " عن نويلة بنت أسلم - وكانت من المبايعات - قالت : كنا فى صلاة الظهر فأقبل عباد بن بشر بن قيظى فقال : إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد استقبل القبلة ، أو قال :
البيت الحرام ، فتحول الرجال مكان النساء وتحول النساء مكان الرجال .
هذا ، ولم يسم مسجد قباء ولا مسجد بنى حارثة بمسجد القبلتين لأن مسجد بنى سلمة هو الذى نزلت فيه أولا آية التحويل ، وصليت فيه صلاة إلى جهتين كان النبى إماما فيها .
10-حكمة جعل القبلة إلى الشام فى المدينة فيها آراء :
أ-رأى يقول : إن ذلك تكريم من اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم، ليجمع له بين القبلتين ، كما عده السيوطى من خصائصه التى تميز بها على الأنبياء والمرسلين ، ونظهر هذه الحكمة إذا كان استقبال الشام بوحى وهو الظاهر .
ب -ورأى يقول : كان التوجه تأليفا لليهود، كما قاله أبو العالية ، وقد يكون ذلك مرادا للَّه بالوحى أو مرادا للنبى باجتهاد على الخلاف فى ذلك .
ج -ورأى يقول : إن فيه تنبيها للرسول على أن المسجد الأقصى له منزلته وقداسته ، فلابد من الحفاظ على هذه المنزلة والقداسة له .
11 -حكمة تحويل القبلة فى المدينة من الشام إلى مكة فيها وجهات نظر :
أ- امتحان المؤمنين الصادقين وتمييزهم عن غيرهم ، كما قال سبحانه { وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللَّه } البقرة : 143 ، كما قاله ابن عباس .
ب -تنبيه للرسول على عدم طمعه فى إيمان اليهود .
ج - العودة بالدعوة إلى أصلها ، وهو عالميتها القائمة على قواعد إبراهيم ، درن تمييز بين أبناء إسحاق " اليهود " وأبناء إسماعيل " العرب " { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين } آل عمران : 67 .
د-الإيحاء بأن مكة لا بد أن تعود إلى الإسلام ، ففيها قبلة المسلمين ، وأن يجاهد أهلها حتى يخضع البيت للمسلمين ، وبشارة بنصر الرسول على قريش واستخلاص البيت منهم ، لتطهيره من الأصنام وجعل الدين خالصا للّه .
هذا ، ومن الحكمة العامة لتحديد قبلة الصلاة تجميع أهل الدين وتوحيد اتجاههم ومشاعرهم وتقوية الرابطة بينهم .
ومن الأحكام التى تتصل بالقبلة :
أ- أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الانصراف عن التوجه إليها فى الدعاء ، فقد روى البخارى ومسلم عن أنس أن النبى قال : " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء فى صلاتهم " فاشتد قوله فى ذلك حتى قال "لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم " ورواه مسلم عن أبى هريرة بلفظ "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء فى الصلاة أو لتخطفن أبصارهم " .
ب - عدم بصق المصلى أمامه ، فقد ورد عن ابن عمر: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب يوما إذ رأى نخامة فى قبلة المسجد، فتغيظ على الناس ثم حكها ، قال : وأحسبه قال : فدعا بزعفران فلطخت به وقال " إن اللَّه عز وجل قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبصق بين يديه " رواه البخارى ومسلم .
أما تحديد اتجاه القبلة ووضع علامات تدل عليها ، والصلة بين المحاريب وبينها ، فسيكون له بحث آخر إن شاء اللّه(9/27)
عورة المرأة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض السيدات يصلين بملابس تكشف عن القدم وعن بعض الذراع ، ويدعين أن صلاتهن صحيحة على بعض المذاهب ، نرجو بيانا لحقيقة الموضوع ؟
An ستر العورة مطلوب لصحة الصلاة باتفاق العلماء، حتى لو كان الإنسان يصلى وحده لا يراه أحد، فهو حق للّه سبحانه ، وعورة الرجل هى ما بين السرة والركبة تبطل الصلاة بانكشاف أى جزء منها عند الأئمة الثلاثة ، أما عند مالك فتبطل الصلاة إذا انكشفت السوأتان وهما القبل والخصيتان وحلقة الدبر، ولا تبطل إذا انكشف سواهما مما هو بين السرة والركبة ، ولا تسن إعادة الصلاة إلا إذا انكشفت العانة أو الإليتان أو ما بينهما حول حلقة الدبر، فيعيد فى الوقت ، وإن كان كشف العورة حراما أو مكروها .
وقد جاء فى عورة المرأة قوله صلى الله عليه وسلم "لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار " رواه احمد وأصحاب السنن ، والمراد بالحائض المرأة البالغة حد التكليف ، وروى أبو داود عن أم سلمة رضى اللَّه عنها أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم أتصلى المرأة فى درع وخمار وليس عليها إزار؟ فقال "إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها" ، الخمار هو غطاء الرأس ، والإزار ما يستر الجزء الأسفل من الجسم ، والدرع ما يستر أعلاه ، وهو للمرأة ما يغطى بدنها ورجليها .
وإليك اَراء الفقهاء فى تحديد عورتها، مع العلم بأنه لا مانع من الأخذ بأحد هذه الآراء :
فعورة المرأة الحرة فى الصلاة عند الحنفية جميع بدنها ، ويستثنى من ذلك باطن الكفين فإنه ليس بعورة ، بخلاف ظاهرهما ، كما يستثنى ظاهر القدمين فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما فإنه عورة عكس الكفين .
وعورتها عند الشافعية جميع بدنها، ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط ، ظاهرهما وباطنهما .
وعورتها عند الحنابلة جميع بدنها، ويستثنى فقط الوجه وما عداه منها فهو عورة، وعورتها عند المالكية قسمان ، مغلظة ومخففة، ولكل منهما حكمه ، فالمغلظة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر والمخففة لها هى الصدر وما حاذاه من الظهر والذراعين والعنق والصدر ، ومن الركبة إلى آخر القدم ، [ هذا التحديد يقارب التحديد بأن المغلظة هى ما بين السرة والركبة، والمخففة ما عدا ذلك ، كعورة الرجل ] أما الوجه والكفان ظهرا وبطنا فهما ليسا من العورة مطلقا .
فإن انكشف شىء من العورة المغلظة بطلت الصلاة إن كان قادرا ذاكرا وإعادتها وجوبا ، أما إن انكشف شىء من العورة المخففة فلا تبطل الصلاة وإن كان كشفها حراما أو مكروها فى الصلاة ويحرم النظر إليها ، ولكن يستحب لها أن تعيد الصلاة بعد ستر العورة إذا كان الوقت باقيا .
والساتر للعورة لابد أن يكون كثيفا لا يصف لون البشرة التى تحته ، ولا يضر إن كان محددا لها لاصقا بها عند الجمهور، وتبطل باللاصق عند المالكية وتعاد الصلاة فى الوقت .
هذا ، وستر العورة لابد من دوامه إلى آخر الصلاة ، فلو انكشف شىء منها قبل إتمام الصلاة وكان بقصد بطلت الصلاة، أما إن كان بغير قصد فلا تبطل إن كان يسيرا وسترها فى الحال بدون عمل كثير عند بعض الأئمة "الفقه على المذاهب الأربعة - نشر وزارة الأوقاف المصرية "(9/28)
الطهارة لصلاة الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن صلاة الجنازة تجوز بدون طهارة ، فهل هذا صحيح ؟
An صلاة الجنازة كأية صلاة لابد لها من شروط لصحتها ومنها الطهارة من الحدث والنجس ، فى البدن والثوب والمكان ، وذلك باتفاق العلماء ، روى مالك عن نافع أن عبد اللَّه بن عمر رضى اللّه عنهما كان يقول : لا يصلى الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر ، لكن جاء فى كتاب الزواجر لا بن حجر الهيتمى"ج 2 ص 361" أنه حكى عن الشعبى وغيره من السلف جواز صلاتها بغير وضوء ، ونسب إلى الشافعى ، وهو غلط وفى حاشية الشرقاوى على التحرير "ج 1 ص 312" فى فقه الشافعية ، أن هذا القول حكى أيضا عن ابن جرير، كما حكى عن أبى حنيفة الاكتفاء بالطهارة لها بالتيمم حتى لو كان بجوار النهر .
ومن هذا يعلم أن من يصلى على الجنازة وهو لابس للحذاء ، إن كان الحذاء طاهرا صحت صلاته ، وإن كان متنجسا فلا تصح عند جمهور العلماء ، أما الدعاء للميت بدون طهارة فلا مانع منه(9/29)
خطيب الجمعة والإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يشترط أن يكون خطيب الجمعة هو الذى يؤم الناس فى صلاتها ، أم يجوز أن يؤمهم غيره ؟
An لا مانع أن يكون الخطيب غير الإمام حيث لا يوجد نص يمنع ذلك ولا يجوز عند المالكية كما فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة(9/30)
حكم النوم فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى بعض الأوقات ينام الإنسان فى المسجد لاتقاء شدة الحر أو البرد مثلا، أو لعدم وجود مكان يستريح فيه ليستأنف السفر أو لغرض آخر فما حكم هذا النوم ؟
An معروف أن بيوت اللَّه جعلت للعبادة ومزاولة أعمال الخير التى لا تخل بحرمتها ولا تؤذى من يتعبد فيها، ومعروف أيضا أن الملائكة تحب التردد على المساجد لما فيها من ذكر للّه وقراءة القرآن ومدارسته كما ثبت فى الحديث ، وأنها تحب الرائحة الطيبة وتنفر من الرائحة الكريهة ، ومعروف أن الحديث نهى من أكل ثوما أو بصلا أن يؤذى من فى المسجد برائحته .
ومن المعروف أن النائم فى المسجد قد يخرج منه ما يؤذى ويضايق ، وقد تبدو منه فى نومه بعض مواضع يستحيا من كشفها، أو أصوات شخير وغير ذلك مما فيه إيذاء، ومن هنا تحدث العلماء عن حكم النوم فى المسجد من واقع ما ورد من الآثار فى ذلك .
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم رؤى فى المسجد مستلقيا واضعا إحدى رجليه على الأخرى، كما صح أن عمر وعثمان كانا يستلقيان أحيانا بالمسجد النبوى ، وروى البخارى وغيره أن ابن عمر كان ينام فى المسجد النبوى وهو أعزب ، ومعه بعض الشبان ينامون ليلا ويقيلون وقت الظهيرة ، كما أخرج البخارى أن عليا غاضب فاطمة فذهب إلى المسجد ونام فيه وسقط رداؤه عنه وأصابه تراب ، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمسحه ويقول : " قم أبا تراب " .
وكان فى المسجد النبوى صفَّة ، أى مكان مظلل يأوى إليه المساكين وينزل فيه ضيوف الرسول عليه الصلاة والسلام ، وصح فى البخارى ومسلم أنه ضرب قبة أى خيمة فى المسجد على سعد بن معاذ لما أصيب يوم الخندق وذلك ليمرَّض فيها ، وأنه جعل خيمة فى المسجد للمرأة السوداء التى ترفع القمامة منه ، ولما أسر ثمامة بن أثال - وهو مشرك -ربط مدة بسارية فى المسجد النبوى .
وبناء على هذا قال العلماء : إذا كانت هناك حاجة إلى المبيت بالمسجد فلا حرج ومن ذلك المعتكف ، وكذلك مالا يستدام كبيتوتة الضيف الذى لا أهل له . والمريض والمسافر والفقير الذى لا بيت له ، ومن يشرف على المسجد من نظافة وخدمة وأذان وإمامة إذا لم تكن لهم بيوت خاصة .
وعلى هذا الحكم جمهور العلماء ، وإن كان ابن مسعود كره النوم فى المسجد مطلقا ، وسئل ابن عباس عن المبيت بالمسجد فقال : إن كان لحاجة كالغريب الذى لا أهل له أو الفقير الذى لا بيت له إذا كان يبيت بمقدار الحاجة ثم ينتقل فلا بأس وأما من اتخذه مبيتا ومقيلا فينهى عن ذلك ، والإمام مالك أباح النوم فى المسجد لمن ليس له مسكن ، أما من له مسكن فيكره نومه فى المسجد .
والخلاصة أن النوم فى المسجد ليس بحرام ، ولكنه مكروه لغير حاجة، فإن كانت هناك حاجة سواء أكانت دائمة أو مؤقتة فلا كراهة "غذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 257 " .
موضوع (396) المساجد التى بها أضرحة .
سئل :
ما هو رأى الدين فى المساجد التى بها أضرحة ؟ أجاب :
يوجد فى العمارة الإسلامية ما يسمى بالأضرحة ، جمع ضريح ، وهو الشق فى وسط القبر، وعرف بهذا الاسم إذا دفن فيه شخص له مكانة دينية أو علمية أو غيرهما من القيم، واتخذت الأضرحة شكلاً معينا من البناء تعلوه قبة، وكثرت فى مصر فى عهد الفاطميين الذين أقاموا كثيرا منها لآل البيت وكبار رجال الدولة، وعرفت بالمشاهد أسوة بما أطلق على أضرحة الأئمة العلويين، ثم جاءت الدولة الأيوبية وأقامت مثلها لكبار الرجال من أهل السنة، كان من أكبرها ضريح الإمام الشافعى المتوفى سنة 204 هـ والذى أقامته أم السلطان الكامل سنة 608 هـ، ثم أصبحت القاعدة بعد ذلك إلحاق القباب بالمدارس والمساجد والخانقاوات .
وأول قبة على ضريح فى تاريخ الإسلام هى قبة الصليبية فى مدينة "سمارا" بالعراق على الضفة الغربية من نهر دجلة، وأنشئت سنة 284 هـ ومن أقدمها ضريح الإمام على فى النجف الذى أقامه الحمدانيون سنة 317 هـ [مساجد مصر وأولياؤها للدكتورة سعاد ماهر] .
2- والمسجد كل مكان يسجد فيه للصلاة، ثم أطلق على المكان الذى يتقرب إلى الله فيه بالعبادة، وفيما قبل الإسلام كانت العبادات لا تؤدى إلا فى أماكن خاصة اختار لها الناس مكانا محترما عندهم، كالمكان الذى يدفن فيه الأنبياء والصالحون ، أما فى الإسلام فإن العبادات وعلى رأسها الصلاة تؤدى فى أى مكان من الأرض ، اللهم إلا ما كان من عبادة الحج فلها أماكن خاصة يقصدها المسلمون من كل فج عميق عند الاستطاعة ، صح فى الحديث الذى فضل اللّه فيه سيدنا محمدا على الأنبياء السابقين أن اللَّه جعل له الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا .
لقد تحدث القرآن الكريم عن أهل الكهف الذين كانوا قبل الإسلام ، بأن من عثروا عليهم بنوا مسجدا على قبورهم كما قال تعالى{فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} الكهف : 21، وصح فى البخارى ومسلم "مسلم ج 5 ص 11 " أن أم حبيبة وأم سلمة- وكانتا من المهاجرين إلى الحبشة - ذكرتا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها فى الحبشة فيها تصاوير للرسول ، فقال "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند اللَّه يوم القيامة" وجاء فى صحيح مسلم عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الأخير "لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت عائشة :
فلولا ذلك أُبرز قبره ، غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا .
وفى بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يموت بخمس كما قاله جُنْدَب ، ولما احتاج الصحابة إلى الزيادة فى مسجده وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة مدفن الرسول وصاحبيه أبى بكر وعمر -بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر فى المسجد فيصلى إليه العوام ، ويؤدى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركنى القبر الشماليين حتى التقيا ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر .
3- يؤخذ من هذا أن الإسلام لا يوافق على ما فعله اليهود والنصارى من بناء المساجد على القبور، واتخاذها أماكن للعبادة ، واتخاذ القبر مسجدا يصور بصورتين : جعل مكان السجود على القبر ذاته ، أو جعل القبر أمام المصلى ليتجه إليه بالعبادة ، وبذلك يفسر قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم "لا تصلوا على القبور ولا تجلسوا عليها" وللحيلولة دون تقديس القبور وأصحابها بالصلاة عليها أمر النبى صلى الله عليه وسلم بعدم البناء على القبور أو رفعها، ففى صحيح مسلم عن على رضى اللَّه عنه أن الرسول قال له لما بعثه "ولا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا صورة إلا طمستها " يقول القرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 379" قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة بالأرض ، أى لاصقة ، وبه قال بعض أهل العلم ، وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضى اللّه عنهما، على ما ذكره مالك فى الموطأ، وقبر أبينا آدم على ما رواه الدارقطنى من حديث ابن عباس ، وأما تعلية البناء الكثيرة على ما كانت تفعله الجاهلية تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ، فالزيادة حرام ، والتسنيم فى القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير[ يراجع نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 89 ] .
ومما ورد فى النهى عن اتخاذها مساجد قول ابن عباس رضى اللّه عنهما : لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ، رواه أبو داود والترمذى وحسنه ، قال القرطبى : قال علماؤنا :
هذا يحرِّم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد، وروى الأئمة عن أبى مرثد الغنوى أنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول "لاتصلوا على القبور ولا تجلسوا عليها" .
4- ومن احتياطات العلماء لعدم الصلاة على المقابر نهوا عن الدفن فى المساجد أو عمل مسجد على القبر، قال النووى فى شرح المهذب ص 316 ما نصه : اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء أكان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره ، لعموم الأحاديث ، قال الشافعى والأصحاب : تكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحا أو غيره ، قال الحافظ أبو موسى : قال الإمام الزعفرانى رحمه اللَّه : ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا ولا إعظاما ، للأحاديث .
وأفتى ابن تيمية بأنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدا ، وقال : لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق ، كما نقله عنه ابن القيم فى زاد المعاد [فتوى الشيخ عبد المجيد سليم سنة 1940 م -الفتاوى الإسلامية ج 2 ص 650] .
حكم الصلاة فى المسجد الذى فيه قبر: إذا كان القبر فى مكان منعزل عن المسجد أى لا يصلى فيه ، فالصلاة فى المسجد الذى يجاوره صحيحة ولا حرمة ولا كراهة فيها أما إذا كان القبر فى داخل المسجد، فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب أحمد بن حنبل ، جائزة وصحيحة عند الأئمة الثلاثة ، غاية الأمر أنهم قالوا : يكره أن يكون القبر أمام المصلى ، لما فيه من التشبه بالصلاة إليه ، لكن إذا قصد بالصلاة أمام القبر تقديسه واحترامه كان ذلك حراما وربما أدى إلى الشرك ، فليكن القبر خلفه أو عن يمينه أو عن يساره(9/31)
العطاس فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للإنسان إذا عطس وهو يصلى أن يقول : الحمد لله ، وإذا عطس غيره ، هل يقول له : يرحمك الله ؟
An العطاس أمر قهرى فى الغالب لا يتحكم فيه الإنسان ، وهو نعمة يسن حمد الله عليها، حتى لو كان فى الصلاة، ويسمع نفسه بالحمد كما قال النووى فى كتابه "الأذكار" وذلك على مذهب الإمام الشافعى ، وبالتالى لا تبطل الصلاة بالحمد ، فهى كلها موضع لذكر الله ، وقال النووى : لأصحاب مالك ثلاثة أقوال ، أحدها هذا ، واختاره ابن العربى ، والثانى يحمد فى نفسه ، والثالث قال سحنون ، لا يحمد جهرا ولا فى نفسه .
وأما أحكام العطاس خارج الصلاة فلها موضع آخر، ويمكن الرجوع إليه فى كتاب "غذاء الألباب " للسفارينى ج 1 ص 383 .
2 -روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ، وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله . فإذا قال له :
يرحمك الله فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم " وهذا خارج الصلاة، أما فى أثناء الصلاة فلا يسن تشميته ، وإن شمته بطلت صلاته عند جمهور الفقهاء، سواء قال : "يرحمك الله " أو "يرحمه الله " أو " يرحمنا الله " والشافعى يبطل الصلاة إذا كان التشميت بكاف الخطاب ، أى بالصيغة الأولى من هذه الصيغ الثلاثة، ولا تبطل بالصيغتين الأخريين ، والأولى اتباع رأى الجمهور(9/32)
المسافر وصلاة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجب صلاة الجمعة على المسافر ؟
An من المعلوم أن صلاة الجمعة مفروضة بالكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } الجمعة : 9، وقال صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن آمر رجلا يصلى بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم "رواه مسلم . والإجماع قائم على الوجوب .
وقد أعفى الله منها جماعة نص عليهم حديث رواه أبو داود، "الجمعة حق واجب على كل مسلم فى جماعة، إلا أربعة هم العبد المملوك والمرأة والصبى والمريض " وكما استثنى هؤلاء من وجوب صلاتها استثنى المسافر ما دام مسافرا حتى لو كان نازلا للاستراحة وقت إقامة الجمعة ، إقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى كان فى سفر فصلى الظهر والعصر جمع تقديم ولم يصل الجمعة، وكذلك فعل الخلفاء وغيرهم .
ويستمر سقوطها عن المسافر ما دام مسافرا ولم يقطع سفره بالعودة إلى وطنه أو الإقامة أربعة أيام فأكثر عند الشافعية والحنابلة حيث لا يشترط عندهم الاستيطان الدائم إلا للانعقاد ، وأوجبها المالكية على المستوطن المقيم بنية التأبيد، كما لا تصح إلا بذلك ، فلو نزل جماعة كثيرة فى مكان نووا فيه الإقامة شهرا مثلا فلا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم ، والأحناف قالوا : الاستيطان ليس شرطا للوجوب ، وإنما الشرط هو الإقامة ولو من مسافر خمسة عشر يوما .
ومن هنا تحدَّث العلماء عن حكم السفر يوم الجمعة وهو الخروج من البلد حتى لو كان السفر قصيرا ، وبينوا حكمه إن كان قبل طلوع الفجر أو بعده .
ا - فقال الشافعية : إن كان سفره قبل الفجر فهو مكروه ، وذلك لسقوط الجمعة عنه وضياعها منه دون وجود مبرر للسفر، وضربوا لذلك مثلا بالحصادين ونحوهم من العمال الذين يخرجون للعمل فى الحقول والمنشآت قبل الفجر فلا تجب عليهم الجمعة إلا إذا كانوا فى مكان يسمعون فيه النداء من بلدهم ، وإن كان سفره بعد الفجر فهو حرام ، إلا إذا ظن أنه يدركها فى طريقه أو كان السفر واجبا كالسفر للحج الذى ضاق وقته وخاف فوته ، أو كان لضرورة كخوفه فوات رفقة يلحقه ضرر بفوتهم .
2 - وقال المالكية : يجوز السفر قبل الفجر، ويكره بعده إذا كان لا يدركها فى طريقه ، فإن كان يدركها فلا كراهة .
3-وقال الحنابلة : يكره السفر قبل الفجر إذا لم يأت بها فى طريقه ، ويحرم بعد الزوال إلا عند خوف الضرر كتخلفه عن الرفقة .
4 -وقال الحنفية : لا يكره السفر قبل الزوال .
وهذا ما قاله العلماء فى حكم صلاة الجمعة بالنسبة للمسافر، وعن السفر فى هذا اليوم ، يتلخص فى عدم وجوبها على المسافر الذى أنشأ السفر قبل يوم الجمعة حتى لو كان سفرا قصيرا، أما من أنشأ السفر بعد الفجر فأوجبها بعضهم ولم يوجبها البعض الآخر .
وأرى الحرص عليها فى السفر حتى لو كانت غير واجبة، فثوابها عظيم ، وهى إن سقطت عنه كمسافر فلا تسقط عنه صلاة الظهر فى السفر القصير أو الطويل ، وعليه الصلاة قصرا أو جمعا إذا كان السفر طويلا كما هو مقرر فى الفقه(9/33)
قضاء الصلاة عن الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لأهل الميت الذى كان لا يواظب على الصلاة أن يصلوا عنه أو يعملوا ما يسمى بإسقاط الصلاة ؟
An الصلاة عبادة بدنية محضة، لم يرد نص خاص عن النبى صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت ، والوارد هو عن بعض الصحابة ، فقد روى البخارى أن ابن عمر رضى الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء - يعنى ثم ماتت -فقال : صلى عنها وروى ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى الله عنهما : إن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء ، أى للصلاة ، فأفتى ابنتها أن تمشى لها ، وأخرجه مالك فى الموطأ أيضا .
والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها فى قباء فوجبت ولزمت ، ومن هنا رأى بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت ، سواء أكانت مفروضة أصلا أم منذورة . لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة . نقل ابن بطال الإجماع على ذلك ، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع ، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف : فقد جاء فى موطأ مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول . ولكن لعل المنع فى حق غير المنذورة .
وقال الحافظ : يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات وجعل النفى فى حق الحى (نيل الأوطار ج 9 ص 155 )وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمى بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع ، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز، حتى أنه لم يسقطها عن المجاهد وهو فى ساحة القتال أثناء المعركة، وعن المقيد بالأغلال ، واكتفى بما يستطاع ولو بالإيماء . قول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره ، حتى لا يكون هناك تهاون بعمود الدين .
أما حكم الصلاة للميت فقد جاء فى رواية الدارقطنى "أن من البر بعد الموت أن تصلى لهما-للوالدين -مع صلاتك - وأن تصوم لهما مع صيامك " وذلك فى النوافل المهداة لا فى الفروض من حيث القضاء، وسيبين ذلك فى صلة الأحياء بالأموات وانتفاع الميت بما يهديه الحى إليه من قُربٍ(9/34)
صلاة الاستخارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى صلاة الاستخارة وعدد ركعاتها والدعاء الخاص بها ؟
An صلاَة الاستخارة ركعتان ، والدعاء الذى يقال بعدها جاء فى الحديث الذى رواه البخارى عن جابر رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعلمنا الاستخارة فى الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل :
اللهم إنى أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، إنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب .
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى- أو قال عاجل أمرى واَجله - فاقدره لى ويسره لى ، ثم بارك لى فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى - أو قال عاجل أمرى وآجله - فاصرفه عنى واصرفنى عنه ، واقدر لى الخير حيث كان ، ثم رضنى به " قال ويسمى حاجته : يعنى يقول بدل عبارة -أن هذا الأمر-يعين هذا الأمر مثل السفر أو الزواج ونحو ذلك .
وسيحس بأمور وعلامات يدرك بها النتيجة ، إما أن يكون ذلك بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء فى حال اليقظة أو برؤيا منامية ، وربما تتأخر العلامات بعض الوقت ، فإن لم ير شيئا من ذلك يكرر الصلاة ويحاول أن يؤديها تامة وبخشوع ، وكذلك الدعاء يكون بتضرع وحضور ذهن ، فقبول الصلاة والدعاء وترتب آثارهما مرتبط بذلك . قال تعالى بعد ذكر أيوب وذى النون وزكريا ودعائهم الذى استجابه الله لهم { إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } الأنبياء : 90، والمسارعة فى الخيرات تستلزم الطاعة والحرص عليها والتسابق إليها ، والبعد عن كل ما حرَّم الله ، وبالتالى لا تقبل صلاة الاستخارة ولا دعاؤها من المقصر فى حق الله ولا يعرفه إلا عندما يحتاج إليه ليعرفه المشروع الذى يقدم عليه إن كان خير أو شرا ، ومن المقرر أن اللقمة من الحرام فى بطن الإنسان تمنع قبول الدعاء ، كما صح فى حديث رواه مسلم .
هذا ، وصلاة الاستخارة تؤدى فى غير الأوقات التى تكره فيها الصلاة وأنسب الأوقات لها بعد منتصف الليل ، فالدعاء يكون أقرب إلى الإجابة . ويسن أن يبدأه بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ، ويختمه بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ولا تتعين قراءة بعد الفاتحة ، مع مراعاة أن الاستخارة لا تكون إلا فى الأمور المباحة ، أما الواجبات والمندوبات فلا استخارة فى عملهما ، وكذلك المحرمات والمكروهات لأن المطلوب تركها ، ومع مراعاة أن قلب الإنسان إذا مال إلى فعل الشيء أو الانصراف عنه قبل صلاة الاستخارة فلا معنى لهذه الصلاة ، بل ينبغى ترك الاختيار لله سبحانه ويصلى من أجل ذلك .
وهذه الصلاة تغنينا عما يتورط فيه بعض الناس من قراءة الكف وضرب الرمل والوسائل الأخرى التى حذر الإسلام منها ، أو لم يشرعها ، فالعلم الحقيقى عند الله سبحانه والدعاء مع العبادات خير وسيلة لمساعدة الإنسان على ما يريد .
مع مراعاة أن الدعاء الذي تسبقه الصلاة قد يستجاب وقد يرد، والمدار هو على إتقان الصلاة والدعاء مع توافر عامل الخشوع والرهبة والرغبة، ومع كون العبد مطيعا للّه قريبا منه بعيدًا عن المعاصى وبخاصة أكل الحرام الذى يحول دون قبول الدعاء ، ولا يلزم أن يرى الإنسان بعدها رؤيا منامية ، فقد يحصل القبول أو النفور بدونها(9/35)
ترجمة القرآن فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز قراءة القرآن مترجما فى الصلاة ؟
An من المعلوم أن قراءة شيء من القرآن فى الصلاة ركن من أركانها لا تصح بدونه ، وقد حدد جمهور الفقهاء هذا الركن بقراءة الفاتحة، لعدة نصوص منها قوله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " رواه الجماعة وقوله " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن -وفى رواية بفاتحة الكتاب - فهى خِدَاج ، هى خداج غير تمام " رواه البخارى ومسلم .
وإلى جوار هذا الركن تسن القراءة لما تيسر من القرآن بعد الفاتحة فى الركعتين الأوليين ، وقال العلماء : لابد أن تكون القراءة باللغة العربية لمن قدر عليها، فإن عجز عن القراءة باللغة العربية فلا يجوز أن يقرأها مترجمة بلغة أخرى، فلو فعل ذلك بطلت صلاته عند جمهور الفقهاء ، يقول النووى فى "المجموع " ترجمة القرآن ليست قرآنا بإجماع المسلمين ، ومحاولة التدليل لها تكلف ، فليس أحد يخالف فى أن المتكلم بمعنى القرآن بالهندية ليس قرآنا ، وليس ما لفظ به قرآنا، ومن خالف فى هذا كان مراغما جاحدا ، وتفسير شعر امرئ القيس ليس بشعره ، فكيف تفسير القرآن يكون قرآنا؟ ولا خلاف فى أن القرآن معجز، وليست الترجمة معجزة ، مجلة الأزهر- المجلد السابع ص 129 .
ونقل عن أبى حنيفة جواز القراءة بالترجمة فى الصلاة لمن كان قادرا على القراءة باللغة العربية أو غير قادر. مستدلا ببعض آيات ليست نصًا فى المدعى ، ولا داعى لذكرها ، وبأن سلمان الفارسى كتب لأهل الفرس - الفاتحة -بالفارسة فكانوا يقرؤون بها حتى لانت ألسنتهم للعربية وبعدما كتب لهم ذلك عرضه على النبى صلى الله عليه وسلم فأقره ووجهوا كلام أبى حنيفة بأن القراءة بالفارسية لمن يحسن العربية للرخصة، ولمن لا يحسنها للعذر، ولكن الإمامين محمدا وأبا يوسف لا يجيزان القراءة بها فى الصلاة إلا للمعذور فقط ، لأن القرآن معجز باللفظ والمعنى ، فإذا قدر عليهما لا يتأدى الواجب بغيرهما ، وإن عجز عن النظم أتى بما يقدر عليه وهو المعنى كمن عجز عن الركوع والسجود يصلى بالإيماء .
وقال المحققون : أن أبا حنيفة رجع عن رأيه ، فلم يجز القراءة بغير العربية، إلا لمن عجز عنها . وممن نقل رجوعه أبو بكر الرازى ونوح بن مريم وعلى بن الجعد . وقال أيضا : إن خبر سلمان مطعون بأنه لم يخرِّجه كبار رجال الحديث مع أهميته ، وأن هناك اختلافا فى بعض رواياته بالزيادة والنقص ، لأن النووى ذكره فى المجموع دون قراءتهم بالترجمة فى الصلاة .
وعلى هذا فلا يكون عند الأحناف إلا قول واحد، وهو جواز قراءة القرآن بغير العربية فى الصلاة للعاجز عن العربية ، أما القادر عليها فلا يجوز له باتفاق الفقهاء .
يقول الشيخ محمود أبو دقيقة : إن الأئمة الأربعة اتفقوا على أن القادر على العربية إذا قرأ بغيرها فى الصلاة فسدت صلاته ، وعلى أن العاجز عنها إذا قرأ بغيرها ما كان قصة أو أمرا أو نهيا فسدت صلاته ، لأن ما أتى به ليس قرآنا وهو من كلام الناس فيفسد الصلاة ، ولم يختلفوا إلا فيما إذا كان المقروء ذكرا أو تنزيها فالأئمة الثلاثة قالوا بفساد الصلاة وأبو حنيفة وأصحابه قالوا بجواز الصلاة ، لأن العاجز عن العربية حكمه حكم الأمى فلا قراءة عليه ، وإذا أتى بذكر بأى لغة لا تفسد صلاته ، فكذلك من كان فى حكمه "مجلة الأزهر-المجلد الثالث ص 34"(9/36)
وقت الفجر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الفجر الكاذب هو المدون توقيته بالنتائج ، أما الفجر الصادق فهو بعده بعشر دقائق أو عشرين دقيقة، ولذلك لا يصلون الصبح ولا يمسكون عن الطعام فى الصيام إلا بعد طلوع هذا الفجر فما حكم الشرع فى ذلك ؟
An مبدئيا : نقول : هناك فجر كاذب وفجر صادق ، فقد روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال - أو قال نداء بلال - من سحوره ، فإنه يؤذن - أو قال ينادى بليل - ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم " وقال "إن الفجر ليس الذى يقول هكذا - وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض - ولكن الذى يقول هكذا... " ووضع المسبحة على المسبحة ، ومد يده . وجاء توضيح ذلك بقوله "هو المعترض وليس بالمستطيل " وبقوله "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا" يعنى معترضا .
إن تعيين الفجر الصادق والكاذب تعيينا مستمدا من الحديث النبوى والأرصاد الحديثة قام به المختصون ، وانتهوا إلى أن الفجر الصادق هو الذى يرفع له الأذان ، ولا بد من اتباع ذلك ما لم يظهر شيء آخر يقوم على حقائق علمية وأرصاد يقينية صحيحة .
والكلام الذى جاء فى السؤال حدث منذ سنوات قليلة، ولعل من قالوا به قرؤوا ما جاء فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 319" من أن طائفة قالت : إن حل الصلاة تحريم الطعام يكون بعد طلوع الفجر وتبينه فى الطرق والبيوت ، وروى ذلك عن عمر وحذيفة وابن عباس وطلق بن على وعطاء بن أبى رباح . وروى النسائى عن عاصم عن زر قال : قلنا لحذيفة : أى ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع .
وقال أبو داود : هذا مما تفرد به أهل اليمامة : قال الطبرى : والذى دعاهم إلى هذا أن الصوم إنما هو فى النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس ، وآخره غروبها .
هذا وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية بتاريخ 22 من نوفمبر 1981 م بما نصه : إن الحساب الفلكى لمواقيت الصلاة الذى تصدره هيئة المساحة المصرية عُرِضَ على لجنة متخصصة من رجال الفلك والشريعة فانتهت إلى أن الأسلوب المتبع فى حساب مواقيت الصلاة فى جمهورية مصر العربية يتفق من الناحية الشرعية والفلكية مع رأى قدامى علماء الفلك من المسلمين .
واستيثاقا لذلك ستشكل لجنة أخرى لمتابعة البحث ، وقرر المفتى الالتزام بالمواقيت المذكورة، لأنها موافقة لما جاء فى الأحاديث التى رواها أصحاب السنن مما علمه جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم وأمر المفتى من يقولون فى الدين بغير علم أن يتقوا الله حتى لا يضلوا الناس فى دينهم ، وألا يلبسوا الدين بأغراض أخرى يبتغونها ، فالحق أحق أن يتبع "الفتاوى الإسلامية ج 8 ص 2733 "(9/37)
ترك العمل لصلاة الجماعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى العمال الذين يتركون أعمالهم ليصلوا الظهر جماعة ؟
An لا شك أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد ، وأن الصلاة فى أول الوقت أفضل من الصلاة في غيره ، فيسن للإنسان أن يبادر بالصلاة فى أول وقتها، وأن يصليها فى جماعة . وذلك إذا لم يكن مرتبطا بعمل آخر له أهميته ، ولو تركه لفسد العمل أو نقص أثره نقصا واضحا، وهذا فى عمله أما عمله لغيره فلا يحل له أن يتركه لهذه الفضيلة التى لا عقاب على تركها إلا إذا أذن له صاحب العمل لأن أداء العمل لقاء أجر عقد واجب التنفيذ لا يجوز التقصير فيه ، أما الجماعة وأول الوقت فسنة ، والواجب مقدم على السنة ، فإذا سمح صاحب العمل فى فسحة من أجل الصلاة جاز ذلك ، على ألا يساء استعمال هذه الفسحة، فتتخذ وسيلة إلى التزويغ أو قضاء مصالح أو غير ذلك أكثر من الصلاة .
والنبى صلى الله عليه وسلم حينما حدد جبريل له أوقات الصلاة - صلى به فى أول الوقت ، ثم صلى ثانيا فى آخر الوقت وقال "الوقت ما بين هذين الوقتين " وذلك من باب التيسير، فإذا كان الإنسان حرا غير مرتبط بعمل لغيره فمن السنة المبادرة بالصلاة جماعة فى أول وقتها ، أما إذا كان مرتبطا فيتوقف ذلك على إذن صاحب العمل .
وأعتقد أن أصحاب الأعمال المسلمين لا يمنعون أحدا من ذلك ، فالمتدين سيحافظ على العمل ويتقنه ولا يتهاون فيه ، غير أنه - كما قلت - لا ينبغى إساءة استعمال هذا الإذن ، فالعمل نفسه طاعة لله ما دامت النية فيه طيبة ، وليتعاون أرباب العمل مع العمال على المصلحة المشتركة .
هذا كله ما دام فى الوقت متسع ، أما إذا ضاق الوقت وخيف أن تفوت الصلاة وجب ترك العمل من أجل إدراك الصلاة، ولا يتوقف ذلك على إذن صاحب العمل ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
ولو فرض أن صاحب العمل شديد لا يسمح لأحد بترك العمل لأجل الصلاة ، وإن تركه عاقبه عقوبة تؤثر تأثيرًا شديدا على العامل فيجوز له أن يجمع فرضين بعضهما مع بعض يصليهما بعد الانتهاء من العمل ، الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء كما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل(9/38)
صفوف الجماعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو توضيح النصوص الواردة فى فضيلة الصفوف الأولى للرجال والصفوف الأخيرة للنساء فى صلاة الجماعة ؟
An روى البخارى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" وروى البخارى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لو يعلم الناس ما فى الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" أى لو يعلم الناس ثواب الصف الأول لحكَّموا القرعة بينهم عند كثرة من يرغبون فيه . وروى مسلم وغيره أنه قال "ألا تصفُّون كما تصف الملائكة عند ربها"؟ قلنا : يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ فقال " يتمون الصف الأول ويتراصون فى الصف " وروى أحمد بإسناد جيد أنه قال " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول " وصلاة الله رحمة وصلاة الملائكة استغفار، وروى مسلم وغيره أنه قال "ليَلنى منكم أولوا الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " وروى أحمد وأبو داود عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه .
تدل هذه الأحاديث على فضل الصفوف الأولى للرجال فى صلاة الجماعة، وعلى فضل الصفوف الأخيرة للنساء، وعلى أفضلية الصف الأول من هذه الصفوف ، وعلى أفضلية أن تكون الصفوف الأولى من ذوى العقول المستنيرة والمتفقهين فى الدين .
والحكمة فى كون هؤلاء أولى بالصفوف الأولى تظهر فى أمور، منها أنهم أقدر على الأخذ والفهم لما يقوله الرسول ويفعله ، وأقدر على تعليم غيرهم ما تعلموه منه ، وأنهم يستطيعون تنبيهه إذا حدث ما يدعو إلى التنبيه ، أو الفتح عليه عند التوقف عن القراءة وأنهم أولى بالإمامة إذا أراد استخلاف أحد لعذر من الأعذار .
والحكمة فى جعل النساء فى الصفوف الخلفية تظهر فى أمور، منها :
ا - أن المرأة ليست فى مستوى الرجال وبخاصة أولوا الأحلام والنهى فيما يتميزون به مما سبق ذكره .
2 -أن تقدمها أمام الرجال فيه صورة إمامتها لهم ، وهى ممنوعة باتفاق الأئمة .
3- أنها تشغل الرجال عن الخشوع فى الصلاة بمجرد وجودها أمامهم ، وذلك أمر طبيعي وعند ركوعها وسجودها يكون الانشغال أشد ، وهو ما يفسر به حديث قطع المرأة للصلاة إذا مرت أمام المصلى عند جمهور الفقهاء .
4 -ألا تختلط صفوف الرجال بالنساء إذا تخللن صفوفهم فيكون انصرافهن بعد انتهاء الصلاة أيسر، وكان من المأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا ينصرف عقب الصلاة مباشرة بل ينتظر هو وأصحابه حتى ينصرف النساء أولا .
هذا، وكان من المتبع فى ترتيب الصفوف فى الجماعة أن يكون الرجال فى الصفوف الأولى ثم يليهم الصبيان ثم يليهم النساء ، كما رواه أحمد . وتوسط الصبيان فيه شدة حيطة من انشغال الرجال بالنساء، فمن الجائز أن بعض من فى الصف الذى يليه صف النساء إذا ركع لمح بنظره بعض النساء ، ولا شك أن الخشوع فى الصلاة أساس قبولها كما قال تعالى{قد أفلح المؤمنون . الذين هم فى صلاتهم خاشعون} المؤمنون : 1 ، 2(9/39)
صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ورد سؤال من مدينة سعرت بتركيا يقول : فى مدينتنا تؤدى فريضة الظهر جماعة بعد أداء صلاة الجمعة . فهل هذا من الدين ؟
An المعروف أن صلاة الجمعة بدل من صلاة الظهر، فلو أديت الجمعة على وجهها الصحيح أغنت عن صلاة الظهر، وإذا لم تؤد ، أو أديت على غير وجهها الصحيح وجبت صلاة الظهر .
والأصل أن تقام جمعة واحدة فى مكان واحد ، لسماع الخطبة الموحَّدة من الإمام حيث يستمعون إلى نصائحه وتوجيهاته ، وتبلغهم دعوة الدين فلا يكون لهم عذر فى التقصير .
وكان العمل على ذلك أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فى المدينة ، حيث كان المسجد النبوى يسع المصلين ، وحيث كان الخليفة هو الذى يؤمهم ويخطبهم ، ولما اتسع العمران وانتشر المسلمون وضاق المسجد الجامع فى الأمصار عن استيعاب كل المصلين أقيمت جمعة أخرى فى مسجد آخر، وهنا اختلف العلماء فى هذا الوضع ، هل هو جائز أو لا وإذا جاز هل صحت الجمعتان أو صحت جمعة واحدة؟ وعلى فرض صحتهما أو صحة إحداهما هل هناك محل لصلاة الظهر أو لا ؟ جاء فى كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" الذي أخرجته وزارة الأوقاف المصرية ما يأتى :
1- الحنفية قالوا : تصح إقامة الجمعة فى مواضع كثيرة فى المصر أو فى فنائه على الأصح ، فتعدد الجمعة فى المساجد لا يضر، ولو سبق أحدها الآخر فى الصلاة على الصحيح . إلا أن الأحوط أن يصلى أربع ركعات بنية آخر ظهر، والأفضل أن يصليها فى منزله حتى لا يعتقد العامة فرضيتها ، فإن تيقن أنه سُبِق بالصلاة فى مسجد آخر كانت هذه الصلاة واجبة ، وإن شك كانت هذه الصلاة مندوبة .
2 - والشافعية قالوا : إن تعددت الجمعة لحاجة كضيق المسجد الواحد عن استيعاب عدد المصلين فكلها صحيحة، وتسن مع ذلك صلاة الظهر ولا تجب ، أما إن تعددت الجمعة لغير حاجة ، فإن تيقن سبق واحدة صحت وبطل غيرها ، وعلى من بطلت صلاتهم أن يصلوها ظهَرا إن لم يمكنهم أداؤها خلف الجمعة السابقة - والعبرة فى السبق بتكبيرة الإحرام ، وإن تيقن أن الجمع كلها متقارنة ليس فيها سبق واحدة على الأخرى بطلت الجُمَعُ كلها، ويجب عليهم الاجتماع لإعادتها إن أمكن ، وإلا صلوها ظهرا وكذلك الحكم لو حصل الشك فى السبق والمقارنة . .
3- والمالكية قالوا : لا تصح الجمعة إلا فى الجامع القديم ، وتصح فى المسجد الجديد الذى ينشأ بعد القديم بشرط ألا يُهجر القديم ، وأن تكون هناك حاجة لبناء هذا المسجد الجديد ، كضيق القديم وعدم إمكان توسعته وكعداوة فى ناحيتين من البلد يخشى من اجتماع الناس فى مسجد واحد أن تكون فتنة ، وكذلك تصح فى المسجد الجديد إن حكم الحاكم بصحتها فيه ، ولو اختل شرط بطلت الجمعة ووجبت صلاة الظهر .
4 - والحنابلة قالوا مثل ما قال الشافعية أو قريبا منه .
وعلى هذا لو تعددت الجمعة لحاجة فهى صحيحة ، ومع ذلك قال الحنفية : الأحوط صلاة الظهر بعدها فى المنزل ، وقال الشافعية : تسن صلاة الظهر. ولم يقل أحد تبطل صلاة الظهر وتحرم فى هذه الحالة ، فمن شاء صلاها ومن شاء تركها .
هذا هو ما فى كتب الفقه ، وهو اجتهاد غير منصوص عليه فى قرآن أو سنة، فمتى صحت الجمعة بالشروط المنصوص عليها فى القرآن والسنة وما تركه الخلفاء الراشدون فلا تجب صلاة الظهر عند تعدد الجمعة ولا عند عدم تعددها(9/40)
صلاة الاستخارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف تؤدى صلاة الاستخارة، وما دعاؤها ؟
An صلاة الاستخارة ركعتان يُدْعَى بعدهما بالدعاء الذى جاء فى حديث البخارى عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة فى الأمور كلها كالسورة من القرآن ، يقول " إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إنى أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى- أو قال عاجل أمرى وآجله - فاقدره لى ويسره لى ثم بارك لى فيه -وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى- أو قال عاجل أمرى واجله - فاصرفه عنى واصرفنى عنه ، واقدر لى الخير حيث كان ثم رضِّنى به " قال : ويسمى حاجته . يعنى يقول مثلا: إن كنت تعلم أن زواجى من فلانة . . . أو سفرى إلى بلد كذا . . . أو التحاقى بكلية كذا . . .
والركعتان عاديتان ليس فيهما سور مخصوصة، وقال العلماء :
يستحب قراءة " قل يا آيها الكافرون " فى الركعة الأولى، وفى الثانية "قل هو الله أحد" .
قال النووى فى كتابه " الأذكار" : وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره ، وينبغى ألا يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة ، وإنما يترك اختياره رأسا . وإلا فلا يكون مستخيرًا للّه . بل يكون غير صادق فى طلب الخيرة وفى التبرى من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق فى ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه .
مع مراعاة أن الدعاء الذى تسبقه الصلاة قد يستجاب وقد يردُ، والمدار هو على إتقان الصلاة والدعاء مع توافر عامل الخشوع والرهبة والرغبة ، ومع كون العبد مطيعا قريبا منه ، بعيدا عن المعاصى وبخاصة أكل الحرام الذى يحول دون قبول الدعاء .
ولا يلزم أن يرى الإنسان بعدها رؤيا منامية ، فقد يحصل القبول أو النفور بدونها(9/41)
سجدة التلاوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q حين يقرأ الإنسان القرآن ثم تصادفه آية فيها كلمة السجود، هل يترك المصحف ويقوم ليسجد، أم يفعل ذلك بعد الانتهاء من قراءة القرآن ؟
An من قرأ آية فيها سجدة أو سمعها يستحب له أن يسجد للتلاوة، ولو لم يسجد لا عقوبة عليه ،وأوجبها أبو حنيفة فلو تركها عوقب عليها .
ويرى جمهور الفقهاء أن السجود يكون عقب قراءة الآية مباشرة أو عقب سماعها ، فإن أخَّر السجود وطال الفصل سقطت السجدة ولا تقضى ، وإن كان الفصل قليلا شرعت السجدة .
ومن هذا يعلم أن القارئ إذا وصل إلى آية السجدة وقرأها يترك المصحف أو القراءة ويسجد ، ثم بعد ذلك يتم قراءته إذا أراد، ويدل عليه ما جاء فى البخارى أن عمر رضى الله عنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل ، حتى جاء السجدة-يعنى الآية التى فيها السجدة رقم 49 -فنزل وسجد و سجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس ، إنا لم نؤمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه .
هذا، ويشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة ، من الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة، وذلك ما رآه جمهور الفقهاء. وكان ابن عمر يسجد بدون وضوء كما رواه البخارى ولم يوافقه عليه إلا الشعبى كما قال صاحب الفتح ، أما الطهارة من الجنابة فلازمة لأن القراءة بدونها ممنوعة .
أما ما يقال فى سجود التلاوة من الذكر فلم يصح فيه إلا حديث رواه الخمسة إلا ابن ماجه . فعن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول صلى الله عليه وسلم يقول فى سجود القرآن : سجد وجهى للذى خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ، فتبارك الله أحسن الخالقين(9/42)
سجدة الشكر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى صلاة الشكر ، وكيف تصلى ؟
An المشروع عند الجمهور هو سجود الشكر إذا حصل للإنسان نعمة ينبغى أن يشكر الله عليها، ومن مظاهر الشكر السجود لله سبحانه ، وهو سجود واحد، فعن أبى بكرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو بُشَر به خر ساجدًا شكرًا لله تعالى ، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى وحسنه ، كما روى البيهقى أنه سجد شكرًا للّه عندما وصل خبر إسلام همدان . وروى أحمد والحاكم أنه سجد شكرًا للّه عندما بشره جبريل بأن الله يصلى ويسلم على من يصلى ويسلم عليه .
ويشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود الصلاة من طهارة واستقبال للقبلة وستر للعورة .. . وذلك عند جمهور الفقهاء ، وهى تكبيرة مع النية ثم سجود ثم سلام . والمالكية قالوا : ليس هناك سجود للشكر، ولكن المستحب .هو صلاة ركعتين عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة .
هذا، ولم يشترط بعض العلماء لسجود الشكر ما يشترط لسجود الصلاة، قال فى فتح العلام : وهو الأقرب . وقال الشوكانى : وليس فى أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثوب والمكان لسجود الشكر، وليس فيه ما يدل على التكبير ، وقال بعضهم :
يُكبِّر. ولا يكون سجود الشكر فى الصلاة أبدا(9/43)
الصلاة بين موسى ومحمد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى بعض المجلات بمناسبة كلام موسى مع النبى حين أخبره بأن الصلاة فرضت عليه خمسين [ أن موسى لم يكن وصيا على الرسول حتى يقول له ارجع إلى ربك اكثر من مرة ، فهذا الحديث دخيل إسرائيلى يبين أن منزله موسى رفيعة ، وأنه هو الذى وجّه نبيكم محمدا - عليه الصلاة والسلام - للتخفيف عنكم ] فما رأى الدين فى ذلك ؟
An حديث الإسراء والمعراج رواه البخارى ومسلم وغيرهما، وهو بهذا فى أعلى درجات الصحة، وجاء فيه أن الله عندما فرض على النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة خمسين أشار عليه سيدنا موسى أن يسأل ربه التخفيف ، فخففت حتى صارت خمسا فى العمل وخمسين فى الأجر .
ويجب أن يلاحظ أن هذا الحديث فى موضوع خارق للعادة وفوق مستوى العقل البشرى ، ويجب التصديق به وعدم تكذيبه ، كما عليه أكثر العلماء من أن الخبر يفيد العلم اليقينى إذا كان متواتراً ، أو كان حديث آحاد ثبتت صحته .
كما يلاحظ أن الواجب هو تصديق الخبر من هذا النوع بجملته ، وإن ترك -وهذا ما لا يجوز-يترك كله ، ولا يصدق بعضه ويرفض بعضه الآخر .
إن فرض الصلاة ليلة الإسراء والمعراج على هذا النحو لم يعارض فيه أحد من شراح الحديث ، وما جرؤ واحد منهم على أن يقول : إن تردد محمد صلى الله عليه وسلم بين ربه وموسى لسؤاله التخفيف -أمر دخيل على السنة وأنه من صنع اليهود ليثبتوا به الوصاية لموسى على محمد-بل إنهم آمنوا به إيمانا عميقا جعلهم يبنون على هذه الفقرة من الحديث قاعدة أصولية ، وهى هل يجوز النسخ قبل الفعل أو لا يجوز؟ .
ثم لماذا يقال : إن هذه الفقرة تسلل إسرائيلى لصالح اليهود، ولا يقال إنها ترتيب إلهى يسجل صورة من تمرد اليهود على موسى من ضمن صور التمرد، التى حدثت منهم ، وهذا ما يدل عليه قول موسى للرسول عليه الصلاة والسلام فى الحديث "فإنى قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم "يقول الشراح : أى علمت منهم عدم الوفاء بذلك مع قوة أجسادهم وطول أعمارهم فلم أجد لهم صبرا على ذلك فكيف حال أمتك .
وقال القرطبى : الحكمة فى تخصيص موسى بمراجعة النبى صلى الله عليه وسلم فى أمر الصلوات يحتمل أن تكون لكون أمة موسى عليه السلام كلفت من الصلوات ما لم يكلف به غيرها من الأمم قبلها فثقلت عليهم ، فأشفق موسى على أمة محمد من مثل ذلك ، ويشير إليه قوله : إنى جربت الناس قبلك .
"الزرقانى على المواهب اللدنية ج 6 ص 123 " . وهناك توضيحات كثيرة لهذه النقطة لم يجر فيها نقد لها أو مجرد شبهة أنها دخيل إسرائيلى .
إن الأنبياء جميعا إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وليس بعيدا أن يشير أخ على أخيه بما يحقق له ولأمته المصلحة ، ثم ماذا يقول من يرفضون هذه القطعة من الحديث خوفا أن يظن أن هناك وصاية من موسى على محمد فى تكريم محمد لموسى وعيسى ويونس وغيرهم من الأنبياء، وقد ثبت فى الحديث الصحيح قوله "وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه ليس بينى وبينه نبى" وقوله عن موسى "لا تخيرونى على موسى فان الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق قبلى أم كان ممن استثنى الله " وقوله "ما ينبغى لعبد أن يقول : أنا خير من يونس" وماذا يقول فى قول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الأنبياء فى سورة الأنعام : 90 ، {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده }هل كانت لهم وصاية عليه صلى الله عليه وسلم ؟ .
ليس هناك وجه صحيح أبدا لرفض هذه المحادثة التى جرت بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، إن وجدنا فهما ممكنا وقريبا على وجه يبعد هذه الشبهة عن علاقة موسى بمحمد، وأخشى أن تتحكم بعض الأفهام فى النصوص الثابتة فترفضها لوجهة نظر قد غلبتها ظروف قائمة، مع أن مخارج الفهم الصحيح لها كثيرة، ولولا أن القرآن الكريم قطعى الثبوت لقال بعض الناس فى قوله تعالى : عن القرآن الكريم{وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربى مبين . وإنه لفى زبر الأولين . أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى إسرائيل } الشعراء : 192 - 197 ، كيف يحيل الله التصديق بالقرآن أو بمحمد على علماء بنى إسرائيل ، أليس فى ذلك وصاية منهم على القرآن ومحمد؟ وكيف يجعل لهؤلاء سلطانا وشهادة على ذلك فى قوله تعالى {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } النحل : 43 ، ومهما قيل فى هؤلاء فإن المقصود بهم من آمنوا منهم بالرسول والقرآن ، فيكفى أن الله شهيد على صدق محمد فى رسالته ومعجزته ، ولا حاجة لهؤلاء .
إن حديث الإسراء والمعراج حديث الغرائب ، وهو صحيح فى جملته وتفصيله كما رواه البخارى ومسلم ، ولم يجرحه أحد من المحدثين لا فى متنه ولا فى سنده ، ولم يقل أحد من الشراح إن فيه تسللا إسرائيليا فى مشهد من مشاهده أو موقف من مواقفه بل إن إعجابهم بهذا الموقف جعلهم يكثرون من التعليق عليه بألوان شتى تؤكد صدقه وحكمته المقصودة من ورائه ليفهمها من يصعب عليهم الفهم بعد أربعة عشر قرنا وضع فيها هذا الحديث على بساط البحث أمام مئات وآلاف عباقرة الإسلام المتخصصين الغيورين ولم يدر بخلد واحد منهم ما يدور اليوم بخلد غيرهم ممن يعجزون عن إقامة الدليل الصحيح المقنع على ما يدعون {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم : 28 .
لئن كان هذا فهما لغير مسلم لهان الأمر وقلنا "شنشنة أعرفها من أخزم " وجزء من حملة التشكيك فى السنة ذريعة للتشكيك فى القرآن ، فكيف إذا كان هذا فهما لمسلم ؟ لئن كان القصد سليما فإن رد الفعل على عقول وأفهام الكثيرين رد يخشى منه على نظرة البسطاء للسنة وللدين بوجه عام {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } النمل : 64(9/44)
المرأة والمسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أيهما أفضل للمرأة ، صلاتها فى بيتها أم صلاتها فى المسجد ؟
An وردت عدة أحاديث ترغِّب المرأة فى صلاتها فى بيتها ، منها :
1 - قالت أم حميد امرأة أبى حميد الساعدى : يا رسول الله إنى أحب الصلاة معك فقال "قد علمت أنك تحبين الصلاة معى، وصلاتك فى بيتك خير من صلاتك فى حجرتك ، وصلاتك فى حجرتك خير من صلاتك فى دارك وصلاتك فى دارك خير من صلاتك فى مسجد قومك ، وصلاتك فى مسجد قومك خير من صلاتك فى مسجدى "قال الراوى "فأمرت فبنى لها مسجد فى أقصى شيء من بيتها وأظلمه وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله عز وجل " رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما وبوَّب عليه ابن خزيمة "باب اختيار صلاة المرأة فى حجرتها على صلاتها فى دارها وصلاتها فى مسجد قومها على صلاتها فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وإن كانت الصلاة فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة فى غيره من المساجد ما عدا المسجد الحرام " .
وفيه دليل على أن قول النبى صلى الله عليه وسلم "صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد" إنما أريد به صلاة الرجل دون صلاة النساء ، انتهى كلامه .
2 - "خير مساجد النساء مقر بيوتهن " رواه أحمد والطبرانى وابن خزيمة والحاكم وصححه .
3-"صلاة المرأة فى بيتها خير من صلاتها فى حجرتها، وصلاتها فى حجرتها خير من صلاتها فى دارها ، وصلاتها فى دارها خير من صلاتها فى مسجد قومها " رواه الطبرانى بإسناد جيد، وهو قريب من الحديث الأول .
4 -"ما صلت المرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان فى بيتها ظلمة" رواه الطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه .
5 - "لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " رواه أبو داود عن ابن عمر .
هذه الأحاديث وغيرها تدل على جواز صلاة المرأة فى المسجد لكن صلاتها في بيتها أفضل ، وكلما كانت بعيدة عن العيون كان أفضل .
هذا فى الصلاة ، أما ذهابها إلى المسجد لتعلم العلم أو سماع خطبة الجمعة مثلا فذلك شيء آخر، فإذا لم يتيسر لها التعلم فى بيتها عن طريق القراءة أو سماع الأحاديث الدينية أو مشاهدتها فى الإذاعة المسموعة والمرئية كان لها أن تذهب إلى المسجد أو المدرسة للتعلم وعليه يحمل الحديث الأخير فى النهى عن منع النساء من الذهاب إلى المساجد ، ومثله حديث رواه مسلم " إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن " وكل ذلك بشرط إذن الزوج وعدم الخوف عليها من الفتنة والتزامها الآداب الشرعية المعروفة ، وكانت المرأة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ملتزمة ذلك . لكن بعد وفاته قصر بعضهن ولذلك قالت السيدة عائشة رضى الله عنها-كما رواه مسلم -لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بنى إسرائيل . ويفسر النووى ما أحدثه النساء بالزينة والطيب وحسن الثياب ، ولذلك جاء فى حديث رواه أحمد وأبو داود "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات " أى غير متزينات ، وفى حديث مسلم " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا" وفى حديث ابن خزيمة فى صحيحه "لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل "(9/45)
الصلاة الوسطى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الصلاة الوسطى ؟
An قال الله تعالى{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } البقرة : 238 .
اختلف العلماء فى تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال ، يمكن الرجوع إليها فى كتب التفسير، ومن أصح الأقوال أنها صلاة العصر، وعليه جمهور الفقهاء ، محتجين بأحاديث رواها مسلم وغيره ، ومنها حديث الترمذى الذى قال : إنه حديث حسن صحيح عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر" .
وسائر الأقوال أدلتها استنباطية وليست منصوصة ، ولهذا قال ابن عمر والربيع بن هيثم إنها غير معينة ، خبأها الله فى الصلوات كما خبأ ليلة القدر فى رمضان ، وساعة يوم الجمعة وساعات الليل المستجاب فيها الدعاء .
روى مسلم فى صحيحه عن البراء بن عازب قال : نزلت هذه الآية "حافظوا على الصلوات وصلاة العصر" فقرأناها ما شاء الله ، ثم نسخها الله فنزلت{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فقال رجل : هى إذًا صلاة العصر؟ قال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى .
وقد ارتضى القرطبى فى تفسيره أنها مبهمة لتعارض الأدلة وعدم الترجيح ، فلم يبق إلا المحافظة على جميعها وأدائها فى أوقاتها(9/46)
درجات المنبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q انتشرت فى المساجد الصغيرة منابر ذات درجات ثلاثة ، فهل المنابر العالية بدعه منكرة ؟
An صح فى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر نجارا أن يعمل له منبرا يجلس عليه إذا خطب ، فلما عمل من طرفاء الغابة يقول سهل بن سعد الساعدى : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد فى أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال : أيها الناس ، إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتى "ج 2 ص 12 " .
لقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بجوار جذع من النخل يستند إليه ، ولما كان طول الوقوف شاقا عليه أمر بصنع المنبر، وكان ثلاث درجات ، إلى أن زاد فيه مروان ست درجات ، وجدد أكثر من مرة بعد احتراق المسجد، وكان لأمراء مصر فضل كبير فى تجديد المنابر، واستمر الناس يخطبون على هذه المنابر بدرجاتها التسع دون أن ينكر عليهم أحد ، وحاول الخليفة العباسى سنة : 165 هـ أن يعيد المنبر كما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنصحه الإمام مالك بعدم التغيير فيه ، ولو كانت المنابر الجديدة بدعة وضلالة ما كان للإمام مالك أن يقرها وينهى الخليفة عن تغييرها .
لقد اتخذ الرسول المنبر من أجل المصلحة، ولم يكتف بالخطبة عليه . بل استعمله للصلاة ليكون بارزا وظاهرا لمن يصلون خلفه ، وقال المؤرخون : إن الزيادة فى درجاته كانت بسبب كثرة الناس وحاجتهم إلى سماع الخطبة ، حيث كان يستعان على ذلك بارتفاع مكان الخطيب ، ومن هنا نعلم أن كل ما يؤدى إلى خير عام ولا يصادم نصا صريحا ولا حكما مقررا ، لا ينبغى أن نبادر بالإنكار عليه ووصفه ببدعة الضلالة المؤدية إلى النار، وهل كان المسلمون طوال هذه القرون على جهل بدينهم ، وفيهم أئمة كبار حين أقروا ارتفاع المنابر فوق ما كان عليه المنبر النبوى؟ .
إن درجات المنبر لم يرد فى تحديدها قول من النبى صلى الله عليه وسلم حتى نلزم به ونعصى عند مخالفته ، فالأمر يدور على المصلحة ، وإذا وجدت المصلحة ، فثم شرع الله كما قال المحققون . إن درجات المنابر فى أيامنا الحاضرة تساوى قليلها بكثيرها ، لوجود مكبرات الصوت التى وفرت على الخطيب كثيرا من الجهد، ومكنت من الاستماع إلى الخطبة أكبر عدد من المسلمين ، فهل نحكم على هذه المكبرات بأنها بدعة وضلالة فى النار، وهى تؤدى الغرض الذى من أجله أمر رسول الله أن يقام له المنبر؟ إن الدين يحتاج إلى من يفهمه على وجهه الصحيح ، وليست العبرة بالمنابر ودرجاتها الصامتة إنما العبرة بما يلقى من فوقها من علم يجب أن يرقى عشرات الدرجات فى الصدق والإجادة والإتقان . نسأل الله أن يلهمنا الرشد والصواب إنه سميع مجيب ، ومنه الهداية والتوفيق(9/47)
ساعة يوم الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هناك اعتقاد شائع بين العامة أن فى يوم الجمعة ساعة نحس ،فهل هذا صحيح ؟
An وردت أحاديث كثيرة تبين أن يوم الجمعة قد هدانا الله إليه وأضل عنه من قبلنا وأن له فضلا على غيره من أيام الأسبوع ، ففيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة كما رواه مسلم ، وفيه تاب الله على آدم وفيه مات كما رواه مالك فى الموطأ وفيه غير ذلك مما وردت به أحاديث لم يُجزم بصحتها .
ولم يرد دليل يعتد به على أن فيه ساعة نحس ، بل العكس هو الصحيح ، فقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن فيه ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه كما رواه مسلم .
وهذه الساعة ليست ساعة زمنية "60 دقيقة" بل هى فترة من الزمن لا يعلم قدرها إلا الله ، وقد كثرت الأقوال فى تعيينها بناء على النصوص الواردة فيها، حتى أوصلها ابن القيم إلى أحد عشر قولا. ومن أقوى النصوص أنها ما بين أن يجلس الخطيب على المنبر إلى انتهاء صلاة الجمعة كما رواه مسلم . ولعل الحكمة فى النص على هذه الفترة التنبيه على وجوب الإنصات والاستماع للخطبة التى قد يكون فيها دعاء يطلب له التأمين فترجى الاستجابة .
وقيل إنها بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس كما رواه الترمذى ، أو آخر ساعة بعد العصر كما رواه أبو داود والنسائى، وقيل بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وقيل غير ذلك ويمكن الرجوع فى معرفة الأقوال إلى صحيح مسلم بشرح النووى "ج 6 ص 40 " وزاد المعاد لابن القيم "ج 1 ص 104 " ونيل الأوطار للثسوكانى "ج 3 ص 255" والترغيب والترهيب للمنذرى "ج 1 ص 193 " .
ولعل الحكمة فى عدم تعيينها بالضبط أن نجعل يومنا كله طاعة لله ودعاء ، وهذا يتنافى مع اعتقاد بعض العامة أن فى يوم الجمعة ساعة نحس ، يفتعلون فيها الغضب والمشاجرات ويلصقون سببها بيوم الجمعة، وذلك غير صحيح(9/48)
تكبير العيدين والإجازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا نكبر فى عيد الأضحى أكثر مما نكبر فى عيد الفطر وما هى أيام التشريق ولماذا سميت بذلك ؟
An التكبير فى العيدين سنة عند جمهور الفقهاء ، قال تعالى فى آيات الصيام { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } البقرة : 18 ، وحمل التكبير على تكبير عيد الفطر، وقال فى آيات الحج {واذكروا الله فى أيام معدودات } البقرة : 203 ، وقال {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج : 28 ، وقال تعالى {كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم } الحج : 37 ، وحمل الذكر والتكبير على ما يكون فى عيد الأضحى .
وجمهور العلماء على أن التكبير فى عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة ، وبه قال مالك وأحمد، وقال قوم : إن التكبير يكون من ليلة الفطر حتى يخرج الإمام إلى الصلاة أو حتى يدخل فيها .
ووقت التكبير فى عيد الأضحى من صبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق وهى الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر من ذى الحجة ، ولم يثبت فى ذلك تحديد عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود : إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام مِنًى ، وبهذا أخذ الشافعى وأحمد .
وإذا كان أصل التكبير فى عيد الأضحى هو للحُجاج ، لأنهم يذبحون الهدى والفداء ، ويكبرون الله ويذكرونه عند الذبح وكذلك عند رمى الجمرات ، فإن غير الحجاج يكبرون أيضا كما هو وارد عن النبى صلى الله عليه وسلم ففى حديث مسلم عن أم عطية فى خروج النساء إلى مصلى العيد فى الفطر والأضحى، تقول : والحيِّض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس ، وللبخارى عنها أيضا : كنا نؤمر أن نخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهم .
يؤخذ من هذا أن التكبير فى العيدين سنة ، وكانت مدته فى الفطر أقل من الأضحى لأن القربة إلى الله فى عيد الفطر كان أهمها الصلاة وإخراج زكاة الفطر، أما فى عيد الأضحى فالقربة برمى الجمار والذبح ممتدة إلى ثلاثة أيام بعد يوم العيد .
وسميت أيام التشريق بذلك الاسم لأن العرب كانوا يشققون اللحم لكثرته ويعرضونه لحرارة الشمس حتى يجف ، ثم يحملونه معهم بعد عودتهم من الموسم ، وتلك كانت طريقة حفظ اللحوم إذ ذاك . وقيل : سميت بهذا الاسم أخذا من قولهم : أشرق ثبير كيما نغير. وثبير جبل بمنى كما يقول ابن الأثير فى النهاية ، والمعنى : ادخل أيها الجبل فى الشروق وهو ضوء الشمس ، كيما نغير، أى ندفع للنحر، وقيل : لأن الهدى لا ينحر حتى تشرق الشمس ، وقيل غير ذلك .
أما الإجازة أى تعطيل الأعمال فى المصالح بمناسبة العيدين ، فهى تنظيم متروك لأولياء الأمور، يعطون الفرصة للعاملين ليتمكنوا من الاحتفال بالعيدين بالفرح والسرور وبالمظاهر التى أباحها الشرع ، أو جعلها شعارا للعيدين .
واختلافها راجع لكمية مظاهر الاحتفال بهما . ففى عيد الفطر شرع الله الصلاة وإخراج زكاة الفطر، وذلك فى يوم واحد ، وجعل من تمام الفرح عدم صيام هذا اليوم لأننا فى ضيافة الله يكرمنا بعد اجتيازنا امتحان الصيام بنجاح ، وفى عيد الأضحى تشرع فى يومه الصلاة والأضحية ، وقبله الوقوف بعرفة ، وبعده رمى الجمرات وذبح الهدى فكانت المدة المناسبة أكبر من مدة عيد الفطر، والصيام حرام فى يوم العيد وثلاثة أيام بعده نكبر ونذبح ونفرح بما أنعم الله علينا . فالحجاج فى ضيافة الله فى يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق ، ونحن هنا نشارك الحجاج فرحتهم بما نقدر عليه من مظاهر مشروعة .
والإجازة كما سبق ، تنظيم دنيوى تقرره البلاد الإسلامية للمشاركة فى الاحتفال بالأعياد، ومنها يوم الجمعة : وهو عيد أسبوعي ، له صلاة مخصوصة ، ويحرم أو يكره إفراده بالصيام(9/49)
المصافحة بعد الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم مصافحة المصلين بعضهم لبعض بعد الصلاة وقولهم "حرما " ؟
An المصافحة فى حد ذاتها مباحة ، بل قيل إنها مسنونة كمظهر من مظاهر الحب والاحترام والألفة وتقوية الرابطة ، وقد رويت فى فضلها عدة أحاديث ، بعضها بطريق حسن ، من أمثلها ، عن قتادة قلت لأنس بن مالك رضى الله عنه : أكانت المصافحة فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال :
نعم . رواه البخارى والترمذى ، وعن حذيفة بن اليمان عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن المؤمن إذا لقى المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر" رواه الطبرانى فى الأوسط . يقول المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب : ورواته لا أعلم فيهم مجروحا . وعن سلمان الفارسى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن المسلم إذا لقى أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة فى يوم ريح عاصف ، وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر" رواه الطبرانى بإسناد حسن .
أما كون المصافحة بعد الانتهاء من الصلاة فلم تكن موجودة أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى أيام الخلفاء الراشدين ، والأحاديث المذكورة هى فى لقاء الأخ لأخيه ، ولذلك قال ابن تيمية بكراهتها، لكن قال العز بن عبد السلام بإباحتها لعدم وجود ما ينهى عنها ، بل قال النووى : أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها فى بعض الأحوال لا يخرجها عن الندب ، لكن جاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى "ج ا ص 283 أن بعضهم يحرمها .
وأرى أن الخلاف فى الآراء راجع إلى الخلاف فى تعريف البدعة ، وقد سبق بيانه وما دام الأمر خلافيا فلا ينبغى التعصب فيه لرأى .
أما قول "حرما" فهو اختصار من دعاء هو "ندعو الله أن نلتقى فى الحرم لنصلى فيه " لأن الصلاة فى الحرم يضاعف ثوابها . فهى دعاء بزيارة الحرم للحج أو العمرة والصلاة فيه ، وليس هناك دليل يحرم هذا القول ، فلا داعى للإنكار عليه(9/50)
سجود التلاوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ماذا يجب علينا إذا سمعنا آية قرآنية بها سجود ونحن نسير فى الطريق العام ؟
An من قرأ أو سمع آية فيها سجود يسن له عند جمهور الفقهاء أن يسجد سجدة التلاوة، فإن لم يسجد فلا عقوبة عليه ، لأنها سنة وليست واجبة إلا عند أبى حنيفة فقد جعلها واجبة . فإن كان طاهرا حين سمعها أو قرأها وجب عليه أن يسجد ، وإلا فهى فى ذمته يجب عليه أن يسجد بعد أن يتطهر .
فلو كان الإنسان ماشيا فى الطريق العام وهو متوضئ وسمع آية فيها سجدة يسن له أن يسجد على أى مكان طاهر يكون قريبا منه ، فإن لم يسجد فلا ذنب عليه ويقوم مقامها عند الشافعية أن يقول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ) أربع مرات ، فذلك يجزئه عن سجدة التلاوة حتى لو كان متطهرا . وعلى رأى أبى حنيفة إن لم يتمكن من السجود فى الطريق فليسجد عندما يصل إلى مكان يسهل عليه أداؤه فيه ، فإن وجوبها موسع عنده فى هذه الحالة ، والعمر كله فرصة لأدائها .
"انظر صفحة 168 من هذا المجلد"(9/51)
صلاة الحاجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأت حديثا عن صلاة الحاجة وفيها قراءة للقرآن الكريم أثناء السجود مع أننى قرأت أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة فى الركوع والسجود، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An إن اللّه سبحانه هو خالقنا والمنعم علينا ، لا نعبد إلا إياه ، ولا نستعين بأحد سواه ، وقد أمرنا أن ندعوه ليحقق مطلبنا ، ووعدنا بالإجابة كما قال سبحانه {وقال ربكم ادعونى أستجب لكم } وللدعاء أوقات وأماكن يكون فيها أقرب إلى الاستجابة ، ومنها وقت السجود فى الصلاة كما صح فى الحديث " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء" ومن الخير أن نقدم للدعاء بعمل صالح كصدقة أو صلاة كما دعا أصحاب الغار ربهم بصالح أعمالهم ففرَّج عنهم ، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال كما رواه أحمد "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه الله ما يسأل معجلا أو مؤخرا) وفى حديث عثمان ابن حنيف أن الرسول قال للأعمى الذى طلب منه أن يدعو اللّه ليكشف عن بصره : انطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ، وعلمه الدعاء الذى يدعو الله به .
وقد رويت أحاديث فى كيفية صلاة الحاجة تتناقض مع الأحاديث الصحيحة، منها حديث ابن مسعود الذى جاء فيه صلاة ثنتى عشرة ركعة، يقرأ فى السجود فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسى سبع مرات ، مع ذكر ودعاء ، وقد جرب الناس هذه الصلاة فوجدوها حقا .
والناظر فى هذا الحديث يجده متعارضا مع النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود ، فقد روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ألا وإنى نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ، أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فى الدعاء فقمن - بفتح القاف وكسر الميم - أن يستجاب لكم " وروى مسلم وغيره أيضا عن على رضى اللّه عنه قوله :
نهانى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا .
يقول الشوكانى : هذا النهى يدل على تحريم قراءة القرآن فى الركوع و السجود . وفى بطلان الصلاة بذلك خلاف .
وما دام الحديث الصحيح ينهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود فهو مقدَّم على حديث صلاة الحاجة الذى تقدم ذكره عن ابن مسعود ، وقال الحاكم الذى رواه : تفرد به عامر وهو ثقة مأمون ، يقول الحافظ المنذرى : أما عامر فهو النيسابورى قال شيخنا الحافظ أبو الحسن :
كان صاحب مناكير، وقد تفرد به عن عمر بن مهدى وحده فيما أعلم ، والاعتماد فى مثل هذا على التجربة لا على الإسناد .
بعد هذا أنصح بالتثبت مما يعبد الإنسان به ربه ، وعدم الجرى وراء أى شيء يظن أن فيه تحقيق رغبته ، فالله لا يُعبد إلا بما شرع ، ولا يُطلب ما عنده إلا بما صح فى القرآن والسنة، وهو كثير، وبالله التوفيق(9/52)
صلاة الضحى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى الحديث الذى قاله النبى صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل : " ابن آدم اركع لى من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره "
An روى أحمد والترمذى وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "قال الله عز وجل : يا ابن آدم صل لى أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " وجاء بألفاظ أخرى متقاربة .
والمراد بذلك الترغيب فى صلاة الضحى، وجاء مثل ذلك فى حديث رواه مسلم "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة . ، وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" .
وقد يوضح هذا الحديث الحديث الأول بل يوضحه أكثر رواية أحمد وأبى داود وابن خزيمة وابن حبان ، "فى الإنسان ستون وثلثمائة مفصل ، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة" قالوا : فمن يطيق ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : "النخامة فى المسجد تدفنها والشيء تنحِّيه عن الطريق ، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزىء عنك "(9/53)
الإسراء وفرض الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كان الإسراء فى أول البعثة، وهل فرضت الصلاة من أول عهد النبوة ؟
An الصلوات الخمس المعروفة فرضت ليلة الإسراء وهذا باتفاق ، لكن متى كان الإسراء ،وهل كانت هناك صلاة قبل الإسراء؟ أما الإسراء فقد اختلف فى وقته اختلافا كبيرا، فقيل إنه كان قبل البعثة، كما فهم من رواية شريك عن أنس .
ولم يرتضى هذا القول الأكثرون ، وحملوه على أنه كان إسراء بالروح فقط ، كما كانت الرؤيا الصالحة سابقة للوحى فى أول عهد النبوة .
وصحت أحاديث برؤى منامية فيها مشاهد كالتى تروى فى قصة الإسراء ، وقيل كان بعد البعثة ولكن فى أى عام ؟ الأقوال كثيرة .
والذى عليه الجمهور أنه كان قبيل الهجرة بعام أو نحوه ولم يكن فى مبدأ البعثة، وفى هذا الإسراء وحده فرضت الصلوات المعروفة .
وأما أن هناك . صلاة كانت قبل المفروضة ليلة الإسراء فنعم ، ولكن يجب أن يعلم أن الصلاة فى القرآن قد تطلق على معناها اللغوى وهو الدعاء ومنه قوله تعالى{وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } التوبة : 153 ، وقوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب : 56 .
فالصلاة فى هذه الآية لا يمكن أن تكون هى الصلاة المعروفة ذات الركوع والسجود، وإنما هى دعاء أو استغفار أو رحمة .
والعرب فى الجاهلية كانت لهم صلاة وهى دعاء يدعون به عند التلبية والحج .
كما كانت لهم صلاة من نوع آخر يدل عليه قوله تعالى{وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} الأنفال : 35 ، والمكاء هو الصفير، والتصدية هى التصفيق .
فقيل : إن ذلك كان عبادة يتقربون بها ، وقيل : إنه ضرب من التشويش على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى .
ويحتمل أن يكون الدعاء هو المراد من الصلاة فى قوله تعالى {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} الإسراء : 115 .
كما يحتمل أن يراد بها القراءة، وقد جاء هذا التفسير فى روايات صحيحة ، ومن إطلاق الصلاة على القراءة الحديث القدسى الصحيح "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل ، فإذا قال :
الحمد لله رب العالمين ... } فأطلق الصلاة على قراءة الفاتحة .
وكان قيام الليل فى أول مشروعيته بالقراءة ، كما فى صدر سورة المزمل .
وحملوا الصلاة على الدعاء أو القراءة أيضا ما جاء فى حديث أحمد بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بمنى حين مالت الشمس وصلت خلفه خديجة وعلى ، ذلك أن الثابت من حديث عائشة أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وكانت وفاتها على الصحيح فى السنة العاشرة من النبوة .
ورأى جماعة أنه كانت هناك صلاة قبل الخمس التى فرضت ليلة الإسراء ، وهى ركعتان بالعشى وركعتان بالإبكار، على ما يدل عليه قوله سبحانه {وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار} غافر:55 .
لكن ليس هناك دليل قوى على أن هذا التسبيح يراد به الصلاة ذات الركوع والسجود فلم لا يكون تسبيحا باللسان فقط ويدخل ضمن الدعاء الذى يطلق عليه اسم الصلاة .
وورد أن النبى صلى الله عليه وسلم عقب عودته من الطائف بموضع يقال له "نخلة" صلى الفجر مع بعض أصحابه ، وذلك كان قبل ليلة الإسراء فما هذه الصلاة ؟ قيل إنها من المفروضة أول النهار وآخره ، وتسميتها بالفجر لوقوعها فى حينه أو قريبا منه ، أو كانت صلاة ليل وقعت حول هذا الوقت ، وقد يراد بها الدعاء ، فليس ذلك دليلا على أن الصلوات الخمس فرضت قبل ليلة الإسراء .
يقول بعض الكاتبين : إن ابن مسعود حفظ سورة الإسراء التى فيها :
{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} وكان قد هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى سنة خمس من النبوة .
وعليه يكون الإسراء قد حصل قبل هذا التاريخ .
وبنوا هذا على أن ابن مسعود لم يتصل بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى الحبشة إلا بعد الهجرة إلى المدينة حيث شهد غزوة بدر معه .
لكن ما الذى يقطع بعدم اتصاله به بعد هجرته إلى الحبشة؟ لقد جاء فى سيرة ابن هشام أن المهاجرين الأولين -إلى الحبشة عادوا لما جاءتهم أخبار بهدوء الحالة فى مكة، ولكن لما عرفوا أن الخبر غير صحيح رجعوا إلى الحبشة مرة ثانية، ومكث بعضهم فى مكة ولم يعد واستمر مع النبى حتى هاجر معه إلى المدينة .
وابن مسعود كان ممن بقى بمكة فلعله حفظ سورة الإسراء بعد عودته من الحبشة .
وابن هشام قال إنه بقى ولم يعد إلى الحبشة ، وإن كانت بعض كتب السيرة والرجال تقول : إن هناك قولا أنه هاجر هجرتين إلى الحبشة .
والاحتجاج بحفظ ابن مسعود لسورة الإسراء وفيها الآية المذكورة قد يفيد إذا تعين أن الصلاة هى الصلاة المعروفة ، ولكن تقدم أنه أريد بها الدعاء أو القراءة .
وقال بعض أيضا إن الزهرى قال : إن الإسراء وقع بعد البعثة بخمس سنين فالصلاة فرضت فى هذا الوقت ، لكن النقل عن الزهرى مختلف ، ففى نسخ أخرى غير ذلك .
وجاء فى فتح البارى لابن حجر عن الزهرى، أن الإسراء قبل الهجرة بخمس سنين فيكون بعد البعثة بثمان ، وصحح بعضهم ذلك بأن السنوات الثلاث التى كانت الدعوة فيها سرا لم تحسب . وعلى هذا يكون الإسراء بعد البعثة بإحدى عشرة سنة .
بعد هذا أقول : إن تحديد عام الإسراء أو شهره أو ليلته ليس فيه كبير فائدة فى حياتنا الدينية . ، فالإسراء قد حدث قطعا والصلوات الخمس قد فرضت قطعا، والخلاف فيما وراء ذلك لا طائل تحته .
واختيار المسلمين ليلة السابع والعشرين من رجب لذكرى الإسراء لا داعى للعدول عنه إلى موعد آخر، فالسؤال وارد أيضا على الاختيار الجديد .
ونحن على كل حال لم نكلف بمناسبة الإسراء بعبادة خاصة، وهى ليلة كانت مزيدا لتشريف النبى صلى الله عليه وسلم وصدق دعوته ، واللّه أعلم(9/54)
الجمع بين صلاتين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الناس يجمعون بين الصلاتين بدون سفر ولا مرض ولا مطر ويقولون إن الدين يسر فهل لذلك أصل فى الشرع ؟
An روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه قال :
صلى النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة سبعا وثمانيا ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وفى لفظ الجماعة إلا البخارى وابن ماجه : جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر. وعند مسلم فى هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال : فقلت لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أحدا من أمته . وأخرج الطبرانى مثله عن ابن مسعود مرفوعا ، ولفظه : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له فى ذلك فقال "صنعت هذا لئلا تحرج أمتى" .
والحديث ورد بلفظ : من غير خوف ولا سفر، وبلفظ : من غير خوف ولا مطر، ولم يقع مجموعا بالثلاثة فى شيء من كتب الحديث أى بلفظ : من غير خوف ولا سفر ولا مطر. والمشهور من غير خوف ولا سفر .
وجاء فى رواية البخارى ومسلم عن ابن عباس فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة سبعا وثمانيا أن أيوب السختيانى سأل أبا الشعثاء جابر بن زيد الراوى عن ابن عباس وقال له : لعله فى ليلة مطيرة : قال عسى .
وابن عباس كان يفعل كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فإن أبا الشعثاء يقول -كما رواه النسائى - إن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى " الظهر" والعصر ليس بينهما شيء ، والمغرب والعشاء ليس بينهما شىء، فعل ذلك من شغل . وفيه رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفى رواية مسلم أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة. وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم "دخل الليل " ثم جمع بين المغرب والعشاء ، وفيه تصديق أبى هريرة لابن عباس فى رفعه .
هذا بعض ما ورد من -الأحاديث والآثار فى الجمع بين الصلاتين والعلماء فى ذلك فريقان :
(ا) فذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر حديث ابن عباس فجوزوا الجمع فى الحضر ، أى فى غير السفر، للحاجة مطلقا ، ولكن بشرط ، ألا يتخذ عادة وخلقا ، قال ابن حجر فى فتح البارى : وممن قال به ابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال الكبير، وحكاه الخطابى عن جماعة من أصحاب الحديث ، وقال الشوكانى فى نيل الأوطار :
رواه فى البحر عن الإمامية ، وروى عن على وزيد بن على . والحجة فى ذلك نفى الحرج ما دامت هناك حاجة ، وكان منها شغل ابن عباس بالخطبة .
(ب ) وذهب جمهور الأئمة إلى منع الجمع بين صلاتين إلا لعذر، وحكى عن البعض أنه إجماع ، ولا عبرة بمن شذ بعد الإجماع الأول ، وحجتهم فى ذلك أخبار المواقيت التى حددت أوقات الصلاة ، ولا يخرج عنها إلا لعذر ، ومن الأعذار ما هو منصوص عليه كالسفر، وقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين فى السفر وكالمرض ، فقد ثبت أنه عليه الصلاة و السلام قال للمستحاضة -والاستحاضة نوع مرض - "وإن قويت على أن تؤخرى الظهر وتعجلى العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين " ومثله بين المغرب والعشاء، وكالمطر فقد جاء فى موطأ مالك عن نافع عن ابن عمر، كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء فى المطر جمع معهم ، وأخرج الأثرم فى سننه عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء . وهناك أعذار أخرى قيست على هذه الأعذار، أو هى فى معناها . كما سيأتى .
وأجاب الجمهور على حديث ابن عباس الذى يقول بالجمع من غير عذر بأجوبة لا يسلم بعضها من المناقشة وعدم التسليم ، لكن أحسنها هو أن الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب و العشاء ، الذي فعله النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير سفر ولا مرض ولا مطر، كان جمعا صوريا ، بمعنى أنه أخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها فصلاها ثم جعل صلاة العصر فى أول وقتها ليس بينهما إلا قدر يسير، فيظن الرائى أنه جمع بين الصلاتين فى وقت واحد لإحداهما ، والحقيقة أن كل صلاة وقعت فى وقتها المحدود لها ، لأن لكل صلاة وقتا له أول وله آخر، ولما كان أداء الصلاة في وقتها له فضله كان يحرص عليه الصحابة ، لكن ربما تكون هناك أعذار تمنع من المبادرة إلى الصلاة أول الوقت ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أحيانا ليرفع الحرج عن أمته ، وليعرفوا أن الصلاة في آخر وقتها وقعت أداء ولا حرج فى التأخير ما دامت هناك حاجة .
وهذا الجواب ارتضاه ابن حجر فى "الفتح " وقال : قد استحسنه القرطبى ورجحه إمام الحرمين ، وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوى ، وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء ، - وهو راوى الحديث عن ابن عباس -قد قال به . ثم قال ابن حجر: ويقوى ما ذكر من الجمع الصورى أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع فإما أن يحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث ، فالجمع الصورى أولى اهـ .
ومما يدل على أن هذا الجمع بالمدينة لغير عذر كان صوريا ما أخرجه النسائى عن ابن عباس بلفظ جاء فيه : صليت -مع النبى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، فابن عباس راوى الحديث صرح بأنه جمع صورى ، وكذلك ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال : يا أبا الشعثاء ، أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء . قال : وأنا أظنه :
وأبو الشعثاء هو راوي حديث ابن عباس في الجمع ، ومما يؤيد أن الجمع كان صوريا ما أخرجه مالك فى الموطأ والبخارى وأبو داود والنسائى عن ابن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين ، جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة .. .
فحصر ابن مسعود الجمع فى مزدلفة ، مع أنه روى حديث الجمع بالمدينة ، وهذا يدل على أنه كان صوريا وإلا لتناقضت روايتاه ، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب . كما يؤيده ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما، وهذا جمع صورى وابن عمر هو ممن روى جمع الرسول بالمدينة كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه فيحمل عليه .
هذا بعض ما قيل فى بيان أن الجمع كان صوريا، وأنه لا يجوز تقديم صلاة على وقتها ولا تأخيرها عن وقتها إلا لعذر، وقد عنى بعض العلماء بتوضيح هذه المسألة وأطال فى ذلك كما فعله ابن القيم فى كتابه " تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع " .
وتكميلا لهذا الموضع أذكر رأى الأئمة الأربعة فى الجمع باختصار :
ا - فعند المالكية يجوز الجمع للسفر طال أو قصر، وللمريض الذى يخاف حصول إغماء أو دوخة تمنعه من أداء الصلاة عند دخول وقت الثانية فيجوز له تقديمها وكذلك الجمع للمطر والطين مع الظلمة آخر الشهر، فيجمع بين المغرب والعشاء تقديما بشرط أن تكون الصلاة فى المسجد جماعة ، وكذلك يجوز الجمع للحاج بعرفة أو مزدلفة .
2 - وعند الشافعية ، يجوز الجمع بسبب السفر الطويل ، وبسبب المطر تقديما فقط ، إذا كانت الصلاة للجماعة فى مسجد بعيد- عرفا -مشقة بالذهاب إليه -ما عدا الإمام فله الجمع ولو لم يتأذ بالمطر- ولا يجمع بسبب المرض على المشهور، لكن الراجح جواز الجمع للمريض تقديما وتأخيرا .
3-وعند الحنفية . لا يجوز الجمع تقديما إلا فى عرفة للحاج بشرط الجماعة مع الإمام العام أو نائبه ، ولا يجوز تأخيرا إلا فى المزدلفة للحاج أيضا، فيصلى العصر فى وقت الظهر بعرفة، والمغرب فى وقت العشاء بالمزدلفة .
4 -وعند الحنابلة يسن الجمع تقديما بعرفة وتأخيرا بالمزدلفة ، ولا يجمع فى السفر إلا إذا بلغ مسافة القصر، ويجوز للمريض الجمع إذا شق عليه الصلاة فى وقتها ، وكذلك للمرضع المستحاضة دفعا لمشقة الطهارة عند كل صلاة "ومثلهما من به سلس بول " ويجوز الجمع للعاجز عن معرفة أول الوقت كالأعمى أو الساكن تحت الأرض كعمال المناجم مثلا، ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو يخاف ضررا يلحقه فى معيشته بترك الجمع -وفى ذلك تيسير على العمال الذين يستحيل عليهم ترك العمل لأداء كل صلاة فى وقتها- كما قالوا : يجوز الجمع بين المغرب والعشاء خاصة بسبب الثلج والبرد والجليد والوحل والريح الباردة والمطر الذى يبل الثوب وتحصل به المشقة، ولا فرق فى ذلك بين أن يصلى فى داره أو بالمسجد ولو كان طريقه مسقوفا ، والأفضل أن يختار الأسهل عليه من التقديم والتأخير، مع شروط وضعوها لجواز التقديم والتأخير كالترتيب ونية الجمع والموالاة ودوام العذر... لا مجال لتوضيحها هنا .
انظر فتح البارى لابن حجر ج 2 ص 164 " ونيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 264 والفقه على المذاهب الأربعة(9/55)
صلاة الغائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يسأل كثيرون عن صلاة الجنازة على الغائب ، هل هى مشروعة أم لا ؟
An صلاة الغائب هى صلاة الجنازة على ميت غائب عن المصلى وقد اختلف الفقهاء فى مشروعيتها .
فقال الشافعى وأحمد وابن حزم : إنها مشروعة ، ولهم فى ذلك أدلة :
(ا) ما رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشى حين نعى إليه ، وصلى معه أصحابه .
(ب ) أن صلاة الجنازة قوامها الدعاء ، والدعاء لا يشترط فيه حضور المدعو له .
(ج) ما قاله ابن حزم من أنه لم يرد عن الصحابة منع منها .
وقال أبو حنيفة ومالك وآخرون بعدم مشروعيتها ، والحجة عندهم أنه لا يدل عليها دليل ، لكن كيف يعملون برواية الصحيحين فى حادث النجاشى؟ أولوها بأنه يجوز أن النجاشى لم يصلِّ عليه أحد فصلى عليه النبى ، أو بأن هذه الصلاة على الغائب من خصوصيات النبى . أو بأنه لم يصل على غائب ، بل رفعت له الجنازة فشاهدها وصلى عليها صلاة الحاضر .
لكن الأولين ردوا على ذلك بأن الدليل ثابت ، وبعدم التسليم بهذه التأويلات ، فإن عدم صلاة أحد عليه لا يمنع صلاتها لمن صلى عليه ، وادعاء خصوصية النبى بالصلاة على الغائب لا دليل عليه ، وكونها رفعت له وشاهدها لا دليل عليه أيضا .
ويتبين من هذا رجحان القول بمشروعيتها، وما دام لم يثبت نهى عنها فتبقى على جوازها لأن المقصود منها الدعاء(9/56)
وقت صلاة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كنت فى بعض دول الخليج فرأيت جماعة يقيمون صلاة الجمعة قبل الزوال بنحو ساعة ولما ناقشتهم فى ذلك قالوا: إن هذا جائز ، فهل هذا صحيح ؟
An اتفق الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة والشافعى على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، الذى يدخل بزوال الشمس ، وانفرد أحمد بن حنبل بالقول بدخول وقتها قبل الزوال .
وحجة الجمهور: أن فريضة الجمعة بدل فريضة الظهر، فهى خامسة يومها وليست فريضة زائدة، فوقتها هو وقت ما كانت بدلا عنه وهو الظهر. ويؤكد ذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدليل ما يأتى :
(ا) عن أنس رضى اللّه عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الجمعة حين تميل الشمس . رواه البخارى وأحمد وأبو داود والترمذى .
(ب ) عن أنس أيضا قال : كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم نرجع القائلة فنقيل . رواه البخارى وأحمد ، والقائلة هى القيلولة ، أى النوم أو الاستراحة بعد الظهر .
(ب ) عن سلمة بن الأكوع قال : كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتبع الفىء ، رواه البخارى ، والفىء هو الظل .
(د) عن سويد بن غفلة أنه صلى مع أبى بكر وعمر حين تزول الشمس ، رواه ابن أبى شيبة وإسناده قوى .
(هـ ) صحت الروايات عن على والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضى الله عنهم أن صلاة الجمعة بعد الزوال .
وقد جاء فى بعض الروايات: أحيانا نجد فيئا، وأحيانا لا نجد، فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن صلاة الجمعة يدخل وقتها بالزوال كالمعتاد فى وقت صلاة الظهر. وتتبعهم الفىء الذى يجدونه أحيانا وأحيانا لا يجدونه يشير إلى مبادرتهم بصلاتهم الجمعة عقب الزوال ، وأن الظل كان قصيرا لقصر البيوت ، ولقصره كأنه غير موجود لعدم وقايته من حرارة الشمس .
واستدل الحنابلة بظاهر بعض الروايات الصحيحة ، وبروايات أخر. . . ليست قوية منها :
(ا) عن أنس قال : كنا نبكر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة، رواه البخارى، وفى لفظ له أيضا : كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم تكون القائلة ، فظاهر الحديث أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار، أى أوله ، قال الحافظ ابن حجر ردا على هذا الاستدلال ليلتقى مع الروايات الأخرى : لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض ، وقد تقرر أن التبكير يطلق على فعل الشيء فى أول وقته أو تقديمه على غيره ، وهو المراد هنا ، والمعنى أنهم كانوا يبدءون الصلاة قبل القيلولة ، بخلاف ما جرت عادتهم فى صلاة الظهر فى الحر، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون ، لمشروعية الإبراد ، أى تأخير صلاة الظهر حتى يتلطف الجو .
(ب) عن أنس قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة ، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعنى الجمعة ، رواه البخارى ، قالوا :
إن التبكير يفهم من فعلها قبل الزوال ، وأجيب بما أجيب به فى الحديث السابق ، وقوله يعنى الجمعة ، يحتمل أن يكون من كلام التابعى الذى روى عن أنس ، أو من هو دون التابعى، فهو ليس من كلام أنس ، لأن الروايات عن أنس ، أنه كان يبكر بها مطلقا ، كما أخرجه الإسماعيلى وليس فيه قوله :
يعنى الجمعة .
(ي ) عن سهل بن سعد قال : ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة ، رواه الجماعة وزاد أحمد ومسلم والترمذى ، فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم قالوا : إن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال ، وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال :
لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال . وأجيب بأن القيلولة هى نوم نصف النهار بسبب شدة الحر، وذلك يكون بعد الزوال ، وكيف يكون غداء قيلولة قبل الزوال . وقد اختلف أصحاب أحمد فى الوقت الذى تصح فيه قبل الزوال ، هل هو الساعة السادسة أو الخامسة ، أو وقت دخول صلاة العيد فى أول النهار؟ (د) عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس ، رواه مسلم وأحمد والنسائى قالوا : إن راحة الجمال حين الزوال بعد صلاة الجمعة دليل على أنها صليت قبل الزوال . وأجيب بأن قوله : حين تزول الشمس أى فى أول وقت زوالها أو قريبا منه مما يدل على شدة التبكير بالصلاة فى أول وقتها .
(ط ) ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين ويجلس بينها يقرأ القرآن ويذكِّر الناس ، كما فى صحيح مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة أخت عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت : ما حفظت "ق والقرآن المجيد" إلا من فى "فم " رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها على المنبر كل جمعة، وعند ابن ماجه من حديث أبي بن كعب أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة "تبارك " وهو قائم يذكر بأيام الله . وكان يصلى بسورة الجمعة والمنافقين كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث على وأبى هريرة وابن عباس ، قالوا : لو كانت خطبته وصلاته بعد الزوال ما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظل يستظل به . وأجيب بعدم التسليم بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب دائما بسورة "ق أو تبارك " وإن كان قد تكرر منه ، لكن الغالب أنه كان ينتهى من الصلاة مبكرا حتى لا يشتد الحر على المصلين وهم عائدون إلى بيوتهم .
(و) عن عبد الله بن سيدان السلمى قال : شهدت الجمعة مع أبى بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ، ثم شهدتها مع عمر، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول : انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول : زال النهار ، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره ، رواه الدارقطنى وأحمد فى رواية ابنه عبد الله ، وأجيب بأن ابن سيدان غير معروف العدالة على الرغم من أنه تابعى كبير، قال ابن عدى عنه : شبه المجهول ، وقال البخارى :
لا يتابع على حديثه. وحكى فى الميزان عن بعض العلماء أنه قال : هو مجهول لا حجة فيه . على أنه لو سلم بصحة الرواية ما معنى أن خطبة عثمان وصلاته استمرتا حتى زوال النهار، هل تعدى بهما الوقت حتى دخل وقت العصر وغابت الشمس أو كادت ؟ إن الكلام فيه مبالغة ظاهرة ، فينبغى أن يحمل التبكير على أنه فى أول وقتها وهو الزوال ، والتأخير على أنه قبيل دخول وقت العصر .
(ز) روى عن ابن مسعود أنه صلى الجمعة ضحى وقال : خشيت عليكم الحر، كما أخرجه ابن أبى شيبة من طريق عبد اللّه بن سلمة، ورد بأن شعبة وغيره قالوا : إن عبد الله هذا وإن كان صدوقا إلا أنه تغير لما كبر كما روى عن معاوية أنه صلى الجمعة أيضا ضحى، كما أخرجه ابن أبى شيبة من طريق سعيد بن سويد ، ورد بأن سعيدا هذا ذكره ابن عدى فى الضعفاء . ومثل ذلك قيل فيما روى عن جابر وسعيد بن زيد وسعد بن أبى وقاص ، فإن الروايات عنهم لا تعارض ما هو أقوى منها .
(ح ) قال الحنابلة : إن النبى صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة "إن هذا يوم جعله اللّه عيدا للمسلمين " فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه وقت صلاة العيد "الفطر والأضحى" ورد بأن التسمية لا تقتضى التشبيه فى كل شىء ، ألا ترى أن يوم العيد يحرم صومه ، أما يوم الجمعة فلا وبخاصة إذا سبق بصيام يوم الخميس أو أتبع بصيام يوم السبت ؟ هذه هى أدلة الجمهور وأدلة أحمد ، وقد رأيت أن أدلة الجمهور أقوى ، وإن كان الشوكانى قال فى الجمع بين الرأيين : إن أدلة الجمهور لا تنفى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال ، أى ليس فيها أسلوب الحصر الذى يمنع ما عداه ، وأنا أميل إلى أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وإن كان من الممكن صلاتها قبل الزوال بوقت قصير عند الضرورة كالحر الشديد ونحوه ، والضرورة تقدر بقدرها . ولكل بلد ظروفه ولكل زمن ما يناسبه ، والله أعلم ، "راجع فتح البارى لابن حجر ج 3 ص 37 ونيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 330 والمغنى لابن قدامة "(9/57)
تشبيك الأصابع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا جلس الإنسان فى المسجد وشبك بين أصابعه هل هذا منهى عنه وما الحكمة فى ذلك ؟
An ثبت فى صحيح البخارى وغيره عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه وجاءت رواية تبين أن التشبيك كان فى معرض البيان والتمثيل لإبراز المعنى بصورة واضحة محسوسة فعن أبى موسى الأشعرى رضى اللّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه ، كما جاءت رواية أخرى عن أبى هريرة فى حديث السهو فى الصلاة حيث قال : فصلى بنا ركعتين ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه .
يقول الحافظ ابن حجر "فتح البارى ج 2 ص 111 " تعليقا على ذلك : فيه جواز التشبيك فى المسجد وغيره ، وهناك مراسيل -سقط منها الصحابى-ومسندة من طرق غير ثابتة فى النهى عن التشبيك فى المسجد، ومن ذلك حديث أبى داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن كعب بن عجرة . وفى إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه ، فإنه فى صلاة" وروى ابن أبى شيبة حديث "إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه ، فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال فى صلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج منه " وفى إسناده ضعيف ومجهول .
ثم قال ابن حجر نقلا عن ابن المنير: التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض ، إذ المنهى عنه فعله على وجه العبث ، والذى فى الحديث - المؤمن للمؤمن -إنما المقصود هو التمثيل وتصوير المعنى فى النفس بصورة الحس ، وجمع الإسماعيلى بأن النهى مقيد بما إذا كان فى الصلاة أو قاصدا لها إذ منتظر الصلاة فى حكم المصلى وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية من ذلك لأن حديث أبى هريرة كان تشبيك النبى صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء الصلاة وليس فى صلاة أو قبلها ، والرواية التى فيها النهى عن ذلك ما دام فى المسجد ضعيفة .
ثم قال أخيرا : والحكمة فى النهى قيل لكونه من الشيطان ، وقيل : لأنه يجلب النوم وهو من مظان الحدث ، وقيل لأن التشبيك فيه صورة الاختلاف اهـ .
وأقول : إن الأمر أهون من أن يثار حوله خلاف والنية لها دخل فى الحكم ، والعرف كذلك ينبغى أن يراعى فى الآداب العامة غير المنصوص عليها ، وقد علمت أن أحاديث النهى عن التشبيك غير صحيحة، ولذا قال البعض إن التشبيك مكروه وليس بمحرم وسيأتى مزيد كلام عليه(9/58)
الزينة لدخول المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين . قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الأعراف : 31 ، 32
An أمر الله المؤمنين إذا ذهبوا للصلاة أن يستروا عوراتهم بالملابس، خلافا لما كان عليه العرب من خلع ملابسهم والطواف حول البيت عراة .
وقيل أن المراد بالزينة هو ما زاد على ستر العورة من التطيب وحسن الهندام واختيار الملابس النظيفة ذات اللون الأبيض الذى حث عليه النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحاديث ، أو أى لون آخر، كما يتزين بتقليم الأظافر وتهذيب الشعر وتنظيمه حسب العرف الذى لا يخالف الشرع .
وفى هذا التشريع جمع بين مطالب الروح والجسد فى اعتدال وتوسط ، وقد أنكر الله على من يحرمون التزين والتمتع بالمباحات فى الحدود المعقولة ، من أكل وشرب ولبس وغيرها . والرسول صلى الله عليه وسلم " نفسه كان - على رقة حاله - نموذجا صالحا فى التزين بما يتاح ويباح .
ومأثوراته فى ذلك كثيرة لا يتسع لها المقام . ويكفى من ذلك حديث صلاة الجمعة " من اغتسل يوم الجمعة ومَسَّ من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتى المسجد فيركع ما بدا له ، ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت حتى يصلى كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى" رواه أحمد ورواته ثقات ، وكتب التفسير فيها مزيد لمن أراد(9/59)
مسجد الضرار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو مسجد الضرار، وهل ينطبق عر بعض مساجدنا فى هذا العصر ؟
An قال تعالى { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقاً بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهد إنهم لكاذبون } التوبة : 107 .
نزلت فى جماعة من المدينة أرادوا أن يبنوا مسجدا يصلى فيه الرسول ويباركه كما صلى فى مسجد قباء وباركه ، فلما بنوه دعوا الرسول للصلاة فيه ، وكان خارجا لغزوة تبوك فوعدهم إن عاد ، فأخبره اللّه بأن المسجد ليس خالصا للّه ، بل بنى للضرار والانصراف عن الصلاة فى مسجد الرسول واستقبال أبى عامر الراهب الذى فر إلى الروم وتنصر وطلبوا عودته ، فأمر الرسول بإحراق المسجد وهدمه .
يقول القرطبى فى تفسيره : قال علماؤنا-أى المالكية- لا يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد، ويجب هدمه والمنع من بنائه لئلا يصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرا، إلا أن تكون المحلة كبيرة فلا يكفى أهلها مسجد واحد، فيبنى حينئذ إذا لم يتيسر له مكان بعيد عنه يبنى فيه .
وقالوا : كل مسجد بنى على ضرار أو رياء وسمعة-فهو فى حكم مسجد الضرار لا يجوز الصلاة فيه . ثم ذكر القرطبى أن من فعل أى شىء بقصد الإضرار بالغير وجب منعه .
وهدم مسجد الضرار له حيثيات ، وهى الإضرار والكفر والتفريق وإيواء المحاربين للّه ورسوله ، ومن هنا إذا بنى مسجد فى منطقة- وبخاصة إذا كانت مساجدها كافية - يراد بذلك تفريق كلمة المسلمين والإضرار بالناس بأى لون من ألوان الضرر عقيدة أو سلوكا ، وتجتمع فيه جماعة خارجة عن حدود الدين ، لأنهم يكفِّرون غيرهم مثلا أو يستحلون حرماتهم ، أو يريدون بذلك رياء وسمعة-فهو فى حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه على ما رآه علماء المالكية كما ذكره القرطبى .. .
وبهذا لابد من اعتبار النية والنظر إلى الأثر المترتب على بناء هذه المساجد .
والأمر يحتاج إلى دقة وحكمة فى المعالجة . والتوعية لها دخل كبير فى هذا الموضوع(9/60)
الزيادة فى الأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الزيادة فى الأذان بعد "لا إله إلا الله "؟
An الزيادة على الأذان أكثرها الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ، ويلحق بها الدعاء لبعض الأولياء .
ا -أما الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فقد سبقت الإجابة عليها، وقلنا : ليس هناك نص صحيح بمنعها من المؤذن ، وهناك رأيان اجتهاديان ، أحدهما يقول : لا مانع منها، والآخر يقول : إنها ممنوعة حتى لا يُظن أنها من الأذان ، ولا داعى للتعصب لأحد الرأيين .
2 - أما الزيادة على ذلك فينبغى عدم فعلها وعدم الإكثار من ذكر المشايخ وغيرهم .
وقد جاء فى كتاب " بلغة السالك لأقرب المسالك " فى فقه المالكية "ج 1 ص 86" أنه قيل : إن الصلاة على النبى بدعة حسنة ، وكان أول حدوثها زمن الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 781 هـ فى ربيع الأول .
وكانت أولا تزاد بعد أذان العشاء ليلتى الاثنين والجمعة . ثم بعد عشر سنين زيدت عند كل أذان إلا المغرب . لكن ذكر الشيخ أحمد البشبيشى فى رسالته " التحفة السنية فى أجوبة الأسئلة المرضية "أن أول ما زيدت الصلاة والسلام على النبى بعد كل أذان على المنابر زمن السلطان المنصور حاجى بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر بن محمد بن المنصور قلاوون ، وذلك فى شعبان سنة 791 هـ ، وكان قد حدث قبل ذلك فى أيام صلاح الدين بن أيوب أن يقال قبل أذان الفجر فى كل ليلة بمصر والشام : السلام على رسول الله ، واستمر ذلك إلى سنة 777 هـ فزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين البرلسى أن يقال : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، ثم جعل ذلك عقب كل أذان سنة 791 هـ " حاشية الدسوقى ج 1 ص 193 "(9/61)
موعد ختم الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يفضل ختم الصلاة بعد أداء الفريضة مباشرة أم بعد ركعتى السنة ؟
An ختم الصلاة جاءت فيه أحاديث بعبارة " دُبُر الصلاة أو خلف الصلاة" وجمهور العلماء على أن ختم الصلاة بالذكر الوارد فيه هذه العبارة يكون عقب الانصراف من الصلاة المكتوبة بالتسليم مباشرة ، لدلالة العبارة عليه ، ويقويها فعل النبى صلى الله عليه وسلم ، حيث كانت الصفوف الأخيرة فى صلاة الجماعة تعرف انتهاء النبى منها بالتكبير أى بالذكر بعد الصلاة .
ورأى بعض العلماء أن الختم يكون له فضله إذا كان بعد الانتهاء من السنة الراتبة التابعة للفريضة . وهم الحنفية كما فى فقه المذاهب الأربعة جاء فى فتح البارى "ج 2 ص 382" فى باب الذكر بعد الصلاة قوله : ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرا بحيث لا يُعَدُ مُعْرِضًا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآية الكرسى فلا يضر ، ثم قال : هل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل نظر، والله أعلم(9/62)
قطع الصلاة للخطر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز قطع الصلاة إذا تعرض المصلى للخطر من حيوان مؤذ كالعقرب والثعبان مثلا، وهل للإنسان أن يكمل الصلاة بعد التخلص من الخطر أو عليه أن يصليها من جديد ؟
An من رأى عقربا تقترب وهو مصلٍّ ويخشى أن تلدغه وجب عليه أن يقتلها ، لحديث "اقتلوا الأسودين فى الصلاة ، الحية والعقرب " رواه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح . ولا تبطل الصلاة بهذا العمل لأنه للضرورة .
وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 354" أن الحديث يدل على جواز قتل الحية والعقرب فى الصلاة من غير كراهة، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء كما قال العراقى. وعن قتادة أنه قال : إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها، بل روى عن ابن عمر أنه رأى ريشة وهو يصلى فحسب أنها عقرب فضربها بنعله . ومنع بعض العلماء ذلك محتجين بحديث "اسكنوا فى الصلاة " وحديث " إن فى الصلاة لشغلا" رواه أبو داود . ولكن الجمهور ردوا عليهم بأن هذه الأحوال مخصصة لعموم هذا الحديث .
وهكذا يقال فى كل فعل كبير ورد الإذن به ، كحديث حمله صلى الله عليه وسلم لأمامة فى الصلاة، وكذلك خلعه لنعله ، وصلاته على المنبر ونزوله للسجود ورجوعه بعد ذلك ، وحديث أمره بدرء المار أمام المصلى وإن أفضى إلى المقاتلة ، وحديث مشيه لفتح الباب لعائشة وكان مغلقا ، وكان الباب جهة القبلة ، وبعد الفتح عاد إلى مقامه(9/63)
صلاة من يسبق الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى المصلين الذين يسبقون الإمام فى الركوع والسجود ؟
An فى حديث رواه أحمد وأبو داود " إنما الإمام ليؤتم به ، فإذا كبَّر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا قبل أن يركع ، وإذا سجد فاسجدوا ، ولا تسجدوا حتى يسجد" وفى حديث رواه الجماعة " أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار، أو يحول الله صورته صورة حمار" .
وللفقهاء خلاف فى حكم السبق ، ففى مذهب الحنفية لو ركع المأموم قبل الإمام وانتظر حتى ركع الإمام وشاركه معه فى الطمأنينة لا تبطل الصلاة ، أما إذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل أن يركع الإمام ولم يركع معه بطلت صلاته . وكذلك قال المالكية، والشافعية قالوا : إن السبق المبطل لصلاة المأموم يكون بركنين لا بركن واحد ، فلو سجد المأموم وكان الإمام ما يزال قائما للقراءة بطلت صلاته إن كان متعمدا ، فإن كان ناسيا أو جاهلا وجب أن يعود لموافقة الإمام عند الذكر أو العلم ، وإلا بطلت صلاته .
واختر لنفسك من هذه الأقوال ما يطمئن إليه قلبك " الفقه على المذاهب الأربعة"(9/64)
تنبيه الخطيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تصفيق أحد المصلين لتنبيه الإمام لأنه أطال فى خطبة الجمعة ؟
An مبدأ الاعتراض على الخطيب بأى وجه من الوجوه ليس ممنوعا ، ولكن ينبغى أن يكون بأسلوب حكيم . وقد ثبت أن امرأة اعترضت على عمر رضى اللّه عنه فى خطبته وهو ينهى عن المغالاة فى المهور، وأن رجلا قال له : والله لا سمعنا قولك ولا أطعنا أمرك ، عندما قال لهم : اسمعوا قولى وأطيعوا أمرى، إلى غير ذلك من الحوادث .
ومن هنا لا نجد مانعًا من تصحيح خطأ أو وضع وقع فيه الخطيب ، سواء أكان ذلك بالكلام أو التصفيق أو غيرهما، بشرط ألا يترتب عليه لغط أو تشويش يتنافى مع جلال الموقف ، فإن استجاب فبها ، وإلا فلا يجوز الإلحاح فى التنبيه فقد يكون لذلك رد فعل سيئ بأى وجه يكون .
ونوصى الخطيب بتقصير الخطبة كما هو هدى النبى صلى الله عليه وسلم، وليس للتطويل ولا للتقصير حد معين ، فهما يرجعان إلى أهمية الموضوع وإلى الظروف الأخرى كالحر والبرد والمطر والسفر وغيرها . مع العلم بأن فى المستمعين ذوى أعذار، فالتقصير أفضل ، وإذا كان للموضوع توضيح فليكن بعد الصلاة لمن أراد أن يستزيد من المعرفة(9/65)
الجهر بالنية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن التلفظ بالنية فى الصلاة بدعة، فالنية محلها القلب ، فهل لو تلفظ بها المصلى تبطل صلاته أو يضيع ثوابها ؟
An النية معناها القصد، والقصد عمل قلبى، فلا يجب التلفظ بها فى الصلاة وغيرها ، ولا يتوقف قبول الصلاة على التلفظ بها سرا أو جهرا .
وقد قال الشافعية : لا بأس بالتلفظ بها ، بل يُسَنُّ ، وذلك ليساعد اللسان القلب ، فلو ترك التلفظ بها فالصلاة صحيحة ومقبولة إن شاء الله ، إذا توافرت فيها عوامل القبول بعد الأداء الشكلى، ومنها الخشوع والإخلاص .
وجاء فى "فقه المذاهب الأربعة" أن المالكية قالوا : التلفظ بالنية خلاف الأولى إلا للموسوس فإنه مندوب ، دفعا للوسوسة . وقال الأحناف : إن التلفظ بدعة . إذ لم يثبت عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " ولا عن أصحابه .
ويستحسن دفعا للوسوسة .
فالخلاصة أن النية فى الصلاة محلها القلب ، ولا يشترط التلفظ بها . بل قال الأحناف : إنه بدعة، وقال المالكية : إنه خلاف الأولى، وذلك لغير الموسوس فيكون التلفظ مندوبا أو مستحسنا . وقال الشافعية : إنه سنة .
وابن القيم فى كتابه "زاد المعاد" ج 1 ص 51 نعى بشدة على من يقول بجواز النطق بالنية ، وصحح رأى الشافعية فى ذلك فقال : كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال : اللّه أكبر، ولم يقل شيئا قبلها ، ولا يلفظ بالنية البتة ، ولا قال : أصلى له صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما، ولا قال : أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت .
وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابه ، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة ، وإنما غرَّ بعض المتأخرين قول الشافعى رضى الله عنه فى الصلاة إنها ليست كالصيام ولا يدخل أحد فيها إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفظ المصلى بالنية ، وإنما أراد الشافعى رحمه اللّه بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا، وكيف يستحب الشافعى أمرا لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة واحدة ولا أحد من خلفائه وأصحابه ؟ هذا هو رأى ابن القيم ، وللأئمة آراؤهم ، والحكم على ما ذكر بأنه بدعة ليس مسلَّما على طول الخط أنه ضلالة، فقد قال به علماء أفاضل ، وجعلوه سنة أو مستحبا ومندوبا فى بعض الحالات كالوسوسة، مع العلم بأن التلفظ بها لا يضر وقد ينفع(9/66)
إمامة اللقيط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تربى ولد فى الملجأ حتى تخرج فى المدارس ونال قسطا من التعليم الدينى ، فأراد جماعة بنوا مسجدًا أن يجعلوه إماما لهم فى الصلاة، فقيل لهم : هذا لا يجوز، فما هو رأى الدين فى ذلك ؟
An اللقيط يغلب أن يكون نتاج علاقة جنسية غير مشروعة، وأوجب الفقهاء التقاطه ورعايته ، لأنه لا ذنب له فى هذا المصير، وقد يكون له شأن فى التاريخ .
والقرطبى فى تفسيره "ج 1 ص 355" أثار مسألة إمامته فى الصلاة ، وقال :
إن الإمام مالكا يكره أن يكون راتبا ، أى إماما دائما معينا لذلك ، وكذلك كرهه عمر بن عبد العزيز، وكان عطاء بن أبى رباح يقول : له أن يؤم إذا كان مرضيا ، وهو قول الحسن البصرى والزهرى والنَخعى وسفيان الثورى والأوزاعى وأحمد بن حنبل وإسحاق. وتجزىء الصلاة خلفه عند أصحاب الرأى "أبى حنيفة وأصحابه" وغيره أحب إليهم ، والشافعى قال : أكره أن ينصَّب إماما راتبا مَن لا يُعرف أبوه ، ومن صلى خلفه أجزأه . وقال عيسى بن دينار: لا أقول بقول مالك فى إمامة ولد الزنى، وليس عليه من ذنب أبويه شىء ، ونحوه قال ابن عبد الحكم إذا كان فى نفسه أهلا للإمامة ، قال ابن المنذر: يؤم ، لدخوله فى جملة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤم القوم أقرؤهم " وقال أبو عمر : ليس فى شىء من الآثار الواردة فى شرط الإمامة ما يدل على مراعاة نسب ، وإنما فيها الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح فى الدين .
بعد هذا العرض لآراء الفقهاء نرى أن إمامته جائزة والصلاة خلفه صحيحة بالاتفاق ، وأن الجمهور على ذلك إذا كان حسن السير والسلوك متفقها فى الدين ، فليست العبرة فى الإمامة بالأنساب بل بالفقه والصلاح ، وهو متفق مع قوله تعالى {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} وعموم الحديث الذى يقدم فى الإمامة من هو أفقه وأقرأ .
والقليلون كرهوا أن يكون إماما راتبا ، ولم يكرهوا أن يؤم الناس فى بعض الأحيان ، وهو إحساس عاطفى أكثر منه عقليا(9/67)
كوب ماء لخطيب الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للإمام أن يطلب كوب ماء إذا شعر بالتعب فوق المنبر ؟
An لا مانع من طلب الخطيب ماء ليشربه أو دواء ليتناوله ، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم نزل من فوق المنبر وأخذ الحسن الذى كان يتعثر فى قميصه وأجلسه إلى جواره وهو يخطب ، فالخطبة لا تبطل بشىء من ذلك ، لا بالأكل والشرب ، ولا بالكلام العادى ولا بالحركة مطلقا ، والأولى أن يكون ذلك عند الحاجة وفى أضيق الحدود ، وللعرف دخل كبير فى هذا الموضوع(9/68)
قراءة سورة المسد فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل حرام أن يقرأ الإنسان فى الصلاة سورة المسد ؟
An لم يرد دليل يمنع قراءة المسد فى الصلاة ، فالقرآن كله كلام الله يتلى فى كل حين ، سواء أكان داخل الصلاة أم خارجها ، وعاطفة بعض الناس التى تقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم يتأذى من قراءتها لأنها فى حق عمه أبى لهب -عاطفة لا وزن لها أبدا ، فما لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم منه لم يلقه من أحد من أقاربه ، ولم يرد عنه أنه لم يقرأها فى الصلاة أو أنه نهى الناس عن قراءتها فيها(9/69)
سلطة الحاكم فى تعيين الخطباء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى فى بعض المساجد، وبخاصة الزوايا الصغيرة ، بعض الخطباء يتناولون موضوعات فيها إثارة كاد بعض المستمعين أن يقاطعه فيها، فلماذا لا توجد رقابة على من يقومون بالإرشاد والتوجيه ؟
An إن بعض من يعتلى المنابر أو يتصدر مجالس الوعظ قد يكونون على غير دراية صحيحة بما يتحدثون فيه فيُضلون ويُضَلُّون .
وقد يكونون على دراية ولكن يختارون موضوعات خلافية يقصدون بها الإثارة أو لفت الأنظار إليهم والالتفاف حولهم ، وهؤلاء مراءون أو مجافون لأسلوب الدعوة كما وجه اللّه رسوله إليه {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن } النحل :125 .
وغير العالم بالحكم الصحيح يجب أن يمنع حتى يتعلم ويفقه، ومثير الفتنة يجب أن يمنع من إثارتها والمساجد أو الزوايا التى تحتضن هؤلاء يجوز أن تمنع إقامة الجمعة ودروس الوعظ منها . ولا يصح أن يقال : إن ذلك المنع منهى عنه لقوله تعالى {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها} البقرة : 114 ، فقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بإحراق مسجد الضرار الذى اتخذه بعض المنافقين لمناهضة الدعوة وتفريق الصفوف كما قال سبحانه {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون} التوبة : 107 .
وقد أمر علىّ رضى الله عنه بإخراج القُصَّاص الذين لا يتحرون الدقة فى قصصهم -من مسجد البصرة ، ولم يترك إلا الحسن البصرى لاستقامة كلامه .
ويرى الإمام أبو حنيفة أنه لا يجوز أن يخطب الجمعة إلا من هو أهل لذلك ، والذى يقدِّر هذه الأهلية هو الحاكم أو ولى الأمر أو المسئول عن المنابر، الذى يعطى الخطيب إذنا أو شهادة بذلك .
وقد وضح ذلك الماوردى فى "الأحكام السلطانية" ص 188 ، 248 وجاء فى تفسير القرطبى "ج 8 ص 254" ما نصه : قال علماؤنا: وكل مسجد بنى على ضرار أو رياء وسمعة فهو فى حكم مسجد الضرار ، لا تجوز الصلاة فيه(9/70)
مساجد وأسماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إطلاق أسماء بعض الحكام والأغنياء وذوى الشهرة على المساجد التى أنفقوا على إنشائها ، وهل هذا يتنافى مع قول اللّه تعالى {وأن المساجد لله } الجن : 18 ؟
An لا مانع من إطلاق أسماء بعض الناس على المساجد ، وهذا الإطلاق قد يكون من غير من بنى المسجد، وذلك لتخليد اسم شخص عالم أو حاكم أو مصلح ، وقد يكون هو الذى بنى المسجد وميزه باسمه .
أما تخليد أسماء بعض الناس بنسبة المساجد إليهم فلا مانع منه إذا كان هذا الشخص يستحق ذلك ، وإذا كانت نية من قاموا بهذا العمل حسنه .
وأما كتابة بانى المسجد اسمه عليه فيرجع فيه أيضا إلى نيته ، فإن كان لمجرد تمييزه عن غيرة وسهولة الاستدلال عليه أو عمل الإجراءات اللازمة له فلا مانع ، وإن كان للفخر والرياء فممنوع ، والنصوص فى وجوب الإخلاص للّه وتحريم الرياء كنيرة ، والحديث معروف " إنما الأعمال بالنيات " .
وإذا كان القصد من إطلاق اسم بانى المسجد عليه إثارة الحماس فى نفوس الأغنياء أن يقيموا منشأة دينية مثله فربما يكون أهلا للتقدير والاحترام ، واللّه سبحانه هو الذى يقدر نيته ، على غرار ما كان من تنافس الصحابة فى تمويل غزوة العسرة ، ومحاولة بعضهم أن يكون نصيبه فيها أكثر، ومدح الرسول لعثمان الذى قدم كثيرا، واللّه يقول فى مثل هذه الظروف {إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } البقرة :
271 .
ولا صلة لنسبة المسجد لبعض الناس بقوله تعالى {وأن المساجد لله } فالمعنى أن المساجد بيوت اللّه لا يعبد فيها سواه كما كان يعبد المشركون الأصنام فى مسجد مكة، وهو بيت اللّه سبحانه(9/71)
الصلاة بحضرة الطعام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إذا وضع العشاء فقدموه على العِشاء " ؟
An روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا وضع العَشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعَشَاء" .. .
وروى البخارى عن نافع أن عبد اللّه بن عمر رضى الله عنهما كان يوضع الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه يسمع قراءة الإمام .
يقول الخطابى : إنما أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يُبْدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه ، فيدخل المصلى فى صلاته وهو ساكن الجأش - القلب - لا تنازعه نفسه شهوة الطعام ، فيُعْجِلُه ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها . اهـ فالحديث ليس خاصا بصلاة العشاء ، وإنما هو عام فى كل صلاة ينبغى أن يدخلها الإنسان خاليا من المؤثرات التى تشده عن الخشوع فيها، وقد مر شرح ذلك فى شرود الذهن فى الصلاة وعلاجه(9/72)
نسيان الفاتحة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من نسى قراءة الفاتحة فى الركعة الأولى من الصلاة ؟
An قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة عند جمهور الفقهاء، للحديث الصحيح "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ومن تركها عمدا بطلت صلاته ، فإن تركها ناسيا وتذكر قبل أن يصل إلى مثلها من الركعة التالية وجب عليه أن يعود إلى القيام ويقرأها ، فإن تذكر وهو يقرؤها فى الركعة التالية ضاعت عليه الركعة السابقة وعليه أن يأتى ببدلها .
وعند أبى حنيفة لو تركها سهوا يجب عليه أن يسجد للسهو، فإن لم يسجد وجبت عليه إعادة الصلاة ، فإن لم يعدها كانت صحيحة وعليه الإثم .
هذا ، وإذا كانت الصلاة باطلة فهى غير مقبولة .
ولو صحت عند أبى حنيفة عند عدم إعادتها أو عدم سجود السهو كان عليه ذنب يذهب بثواب الصلاة أو يقلله .
كل هذا فى الإمام والمنفرد ، أما المأموم فإن نسيان الفاتحة أو تركها عمدا لا يبطل الصلاة عند أبى حنيفة لتحريمه قراءتها خلف الإمام ، وكذا عند بعض الأئمة، وقد مر ذلك واضحا(9/73)
الصلاة والزينة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف : 21 ، فهل يجوز للمرأة أن تصلى بالماكياج ؟
An جاء فى سبب نزول هذه الآية ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهى عريانة وتقول : من يعيرنى تِطْوافًا؟ تجعله على فرجها، وتقول .
اليوم يبدو بعضُه أو كلُّه * وما بدا منه فلا أُحِلُّه فنزلت هذه الآية {خذوا زينتكم عند كل مسجد } وقال القاضى عياض :
هذه المرأة هى ضُباعة بنت عامر بن قُرْط ، وفى صحيح مسلم أيضا : كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحُمْس : قريش وما ولدت ، كانوا يطوفون بالبيت عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا ، فيعطى الرجالُ الرجالَ ، والنساءُ النساءَ، وكانت الحمس يخرجون من المزدلفة ، وكان الناس كلهم يقفون بعرفات .
وفى غير مسلم : ويقولون : نحن أهل الحرم ، فلا ينبغى لأحد من العرب أن يطوف إلا فى ثيابنا ، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا ، فمن لم يكن له من العربى صديق بمكة يعيره ثوبا ، ولا يسارٌ يستأجره به كان بين أحد أمرين : إما أن يطوف بالبيت عريان ، وإما أن يطوف فى ثيابه ، فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسه أحد ، وكان ذلك الثوب يسمى اللَّقَى، قال قائل من العرب :
كَفَى حَزَنًا كَدِّى عليه كأنه * لَقًى بين أيدى الطائفين حريم فكانوا على تلك الجهالة والبدعة والضلالة حتى بعث اللّه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الآية . وأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا يطوف بالبيت عريان .
ومعنى هذا أن الطواف بالمسجد الحرام لابد فيه من أخذ الزينة ، وهى ستر العورة ، لكن الآية لا تتحدث عن المسجد الحرام الذى لا يصح الطواف إلا فيه ، بل قالت "كل مسجد" ولهذا قال بعض المفسرين : المراد إذا ذهبتم للصلاة فى أى مسجد فخذوا زينتكم .
ويصح أن يراد بالزينة ستر العورة فى الصلاة ، وكانوا لا يهتمون بها ، فقد صح فى البخارى والنسائى عن عمرو بن سلمة قال : لما رجع قومى من عند النبى صلى الله عليه وسلم قالوا : قال "ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن " قال :
فدَعَوْنى فعلَّمونى الركوع والسجود ، فكنت أصلى بهم - وكان صبيًّا - وكانت علىَّ بردة مفتوقة-ثوب مشقوق -وكانوا يقولون لأبى : ألا تغطى عنا است ابنك -ألا تغطى عورته -هذا لفظ النسائى .
وثبت عن سهل بن سعد قال : لقد كان الرجال عاقدى أزرهم فى أعناقهم من ضيق الأزر، خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة كأمثال الصبيان ، فقال قائل : يا معشر النساء لا ترفعن رءوسكن حتى ترفع الرجال . أخرجه البخارى والنسائى وأبو داود .
ورأى جماعة أن زينة الصلاة هى النعال ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم "خذوا زينة الصلاة " فسألوه : وما زينة الصلاة؟ قال " البسوا نعالكم فصلوا فيها" قال القرطبى : رواه أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يصح "ج 7 ص 189 ، 190 " وذكر ابن كثير أن تفسير الزينة بالنعال فيه نظر فى صحته عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وذكر أن من السنة التجمل عند الصلاة ولاسيما يوم الجمعة، ومنه الطيب والثياب البيض .
وأورد فيها حديثًا بإسناد حسن رواه أهل السنن وكان بعض السلف إذا توجه إلى المسجد أخذ كل أدوات الزينة تنفيذًا لأمر اللّه تعالى .
بعد هذا نقول :
إن من زينة المرأة ما تستعمله من أصباغ ودهون وعطور، فهل يجوز لها أن تصلى بها؟ نعم يجوز ما دامت صلاتها فى بيتها أو فى مكان ليس فيه رجال أجانب . بشرط أن يكون " الماكياج " بعد الوضوء أو الغسل ، أما قبل ذلك فلابد من إزالته حتى يصح التطهر ولا يجوز بعد الصلاة أيضا أن تظهر للأجانب بهذه الزينة حتى لا يضيع ثواب الصلاة أو يقل(9/74)
الترقية بين يدى الخطيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى بعض المساجد إذا أذن المؤذن بين يدى خطيب الجمعة نصح الناس بالإنصات والخشوع ، وتلا حديثا فى ذلك ، فهل هذا بدعة مذمومة ؟
An لم يثبت أن ذلك كان أيام النبى صلى الله عليه وسلم أو فى عهد التشريع ، ويدخل فى باب النصيحة ، وذلك قبل أن يشرع الخطيب فى الخطبة ، ولا أجد نصا ينهى عن ذلك ، فالإنصات المطلوب هو أثناء إلقاء الخطبة عند الجمهور .
جاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة :
أن أبا حنيفة قال : إن الترقية مكروهة كراهة تحريم ، لأن الكلام ممنوع بعد خروج الإمام من خلوته إلى أن ينتهى من الصلاة، حتى لو كان ذكرا ، أما صاحباه فقالا: لا يكره الكلام إلا حال الخطبة ، وعليه فالترقية جائزة عندهما .
والشافعية قالوا : إن الترقية بدعة حسنة، لأنها لا تخلو من حث على الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وتحذير من الكلام أثناء الخطبة .
والمالكية قالوا : إنها بدعة مكروهة لا يجوز فعلها ، إلا إذا شرطها الواقف فى وقفه فتجوز. .
والحنابلة قالوا : لا بأس بالكلام مطلقا قبل الخطبتين ، وعليه فالترقية جائزة .
والخلاصة أن الترقية جائزة عند صاحبى أبى حنيفة وعند الشافعى وأحمد ، ومكروهة عند المالكية إذا لم يشترطها الواقف ، فالجمهور على الجواز. وابن الحاج تعجب من مالك حيث يعمل بعمل أهل المدينة مع أنهم كانوا يقلدون فيها أهل الشام ، تعجب كيف ينكرها هو وهم يجيزونها "الزرقانى على المواهب اللدنية ج 7 ص 394 " .
هذا ، والشيخ محمد عبده تعصب لمذهب أبى حنيفة ، وحمل حملة عنيفة على من يقولون بجوازها، مع أنها بدعة، وكل بدعة فى الدين ضلالة ، ولا عبرة بمن يقول : إن البدعة قد تكون حسنة "الفتاوى الإسلامية ج 1 ص 39 والتاريخ 14من رمضان 1321 هـ " ولم هذا التعصب وجمهور الأئمة قال بالجواز ، وليس فيها ضرر؟(9/75)
السلام وتحية المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا دخل الإنسان المسجد ووجد شخصًا أو جماعة جالسين هل يبدأ بالسلام عليهم ، أم يبدأ بتحية المسجد ؟
An يقول النووى فى كتابه "الأذكار ص 249" : السنة أن المسلم يبدأ بالسلام قبل كل كلام ، والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة فهذا هو المعتمد فى دليل الفصل ، يعنى البدء بالسلام قبل كل شىء .
ثم قال : وأما الحديث الذى رويناه فى كتاب الترمذى عن جابر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السلام قبل الكلام " فهو حديث ضعيف ، قال الترمذى : هذا حديث منكر .
يقول ابن علان شارح كتاب الأذكار فى تعليل البدء بالسلام : أى لأنه تحية يبدأ به ، فيفوت بالافتتاح بالكلام ، كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس وتفوت به . انتهى يؤخذ من هذا أن الداخل للمسجد الذى فيه شخص أو جماعة مطلوب منه سُنتان : تحية المسجد وتحية المسلم ، فبأيهما يبدأ؟ لعل البعض يقول : تحية المسجد أوَّلاً لأنه بيت اللّه فكأنها تحية لله ، وتحية الله مقدمة على تحية الإنسان . لكن لا يغيب عنا أن السلام يفوت بالانشغال بأى شىء قبله ، سواء أكان كلاما أم عملا، كما تقدم من الاستدلال على ذلك ، فلو صلى تحية المسجد فلا معنى لتحية المسلم بالسلام بعدها لأنها فاتت ، ومن هنا يكون الأفضل البدء بتحية السلام ثم يأتى بتحية المسجد لأنها لا تفوت إلا بالجلوس ، والداخل ما زال قائما لم يجلس ، فيسلم على الحاضرين ثم يصلى تحية المسجد، وهنا يكون قد جمع بين التحيتين ، والأساس كما قلت :إن تحية السلام تفوت بالانشغال بأى شىء ، وتحية المسجد لا تفوت إلا بالجلوس .
هذا ، وما كنت أحب أن أشغل القارئ بهذه المسألة لولا أن كثيرا يثيرونها واللّه أعلم بغرضهم من ذلك ، وأمامنا ما هو أهم بالبحث(9/76)
المؤذن والمقيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن يقوم بالأذان شخص، وأن يقيم للصلاة شخص آخر ؟
An تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 6 ص 229" عن اختلاف العلماء فى هذه المسألة ، فقال : ذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أنه لا بأس بأن يؤذن شخص ويقيم غيره . لحديث محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره إذ رأى النداء فى النوم -أن يلقيه على بلال ، فأذن بلال ، ثم أمر عبد اللّه بن زيد فأقام . رواه أحمد وأبو داود .
وقال الثورى والليث والشافعى : من أذن فهو يقيم ، لحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنْعُم عن زياد بن نُعَيْم عن زياد بن الحارث الصدائى قال . أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان أول الصبح أمرنى فأذنت ، ثم قام إلى الصلاة فجاء بلال ليقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أخا صداء أذَّن ، ومن أذَّن فهو يقيم " قال أبو عمر: عبد الرحمن بن زياد هو الإفريقى ، وأكثرهم يضعِّفونه ، وليس يروى هذا الحديث غيره ، والأول أحسن إسنادا إن شاء الله .
والمناقشات طويلة فى نيل الأوطار "ج 2 ص 58 " .
ثم انتهى القرطبى إلى قوله : ومع هذا فإنى أستحب إذا كان المؤذن واحدا راتبا أن يتولى الإقامة ، فإن أقامها غيره فالصلاة ماضية بإجماع .
يؤخذ من هذا أن العلماء فريقان ، وذلك كله فى الأفضلية، أما الصحة فهى متفق عليها ، سواء أقام المؤذن أم أقام غيره ، والأمر لا يحتاج إلى تعصب ولا طول بحث(9/77)
أفراح العيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى اللعب واللهو والسهر أيام العيد ؟
An فى الأعياد المشروعة كعيد الفطر وعيد الأضحى لا بأس بالتمتع بالطيبات المشروعة وإظهار الفرح والسرور على تمام النعمة بالصيام وبالحج .
ومن المتع المشروعة الغناء الطيب العفيف الذى لا يثير فتنة عقلية أو خلقية ، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم استمع وأجاز لعائشة أن تسمع الأغانى فى يوم العيد . ولما استنكر أبوها أبو بكر ذلك بيَّن له الرسول صلى الله عليه وسلم أن اليوم عيد ، ولكل قوم عيد ، وفى بعض الروايات "لتعلم يهود أن فى ديننا فسحة " .
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم نظر هو والسيدة عائشة إلى لعب الحبشة بالحراب فى مسجده ، وفى الحديث "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لحنظلة الذى يكون عنده فى روحانية، فإذا خرج من عنده شغل بأهله وماله "يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا .
فالمتعة إذا كانت فى حدود المشروع لا مانع منها أبدا ، على أن تكون بقدر، أما الخروج على الآداب والانطلاق فى التمتع بما يتنافى مع الدين والأدب فهو ممنوع قطعا .
وتوضيح ذلك موجود عند الحديث عن الموسيقى والغناء(9/78)
الهوى إلى السجود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الأفضل عند الهوى إلى السجود هل نقدم اليدين أم الركبتين ؟
An أخرج أحمد وأبو داود والنسائى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه " .
وروى الخمسة إلا أحمد عن وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه .
جمهور الفقهاء على وضع الركبتين قبل اليدين ، ومالك والأوزاعى والشيعة يميلون إلى وضع اليدين قبل الركبتين .
قال ابن القيم فى كتابه "زاد المعاد" حديث أبى هريرة انقلب متنه على بعض الرواة، ولعله "وليضع ركبتيه قبل يديه " وقد جاء مرويا فى مسند أبى بكر بن أبى شيبة "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ، ولا يبرك كبروك الفحل " وقال ابن القيم أيضا : حديث أبى هريرة متناقض أوله مع آخره ، لأنه نهى عن بروك البعير، ووضع اليدين أولا هو كبروك البعير .
قال النووى : لا يظهر له ترجيح أحد المشاهدين . وابن القيم رجح حديث وائل وأطال الكلام فى ذلك ، وذكر عشر مرجحات .
وما دام الأمر خلافيا بين الفقهاء فلا يصح التمادى فى التعصب لرأى من الآراء(9/79)
الصلاة فى زيادات الحرمين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحرص كثير من زوار المسجد الحرام والمسجد النبوى على الصلاة فى المساحة التى كانت أيام النبى صلى الله عليه وسلم لأنها المقصودة بزيادة الثواب فيها، ولكن الواقع لا يمكِّنْ كل الزوار من ذلك ، فهل لو صلينا فى الزيادات المضافة للمسجد الأصل يكون ثوابنا مضاعفا أيضا ؟
An صح فى الحديث أن الصلاة فى المسجد الحرام بمكة بمائة ألف صلاة فيما سواه ، كما رواه الطبرانى وابن خزيمة ، وفى المسجد النبوى بالمدينة بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام كما رواه مسلم .
وهذا واضح فى مساحة المسجد التى كانت موجودة فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم لكن طرأت على المسجدين زيادات فى عصور متعددة ، كما كثر عدد المترددين عليهما للصلاة، فكيف يفعل من لم يستطع أن يجد له مكانا فى المساحة المحدودة؟ اختلف العلماء فى فضل الصلاة فى الزيادة الطارئة على الأصل ، فقال النووى : الفضل خاص بالأصل دون الزيادة ، مستدلا بقول النبى صلى الله عليه وسلم "فى مسجدى هذا" فالإشارة إلى ما بناه هو وحدده ، لا ما بناه غيره فيما بعد . لكن قد يُرَدُّ عليه بأن الحديث قال هذه العبارة ليخرج المساجد الأخرى ، لا ليخرج الزيادة فى مسجده والنووى وحده هو صاحب هذا الرأى ، وقيل : رجع عنه .
وجمهور العلماء على أن كل زيادة فى المسجدين لها هذا الحكم ، فقد سئل مالك رحمه اللّه عن ذلك فقال : النبى صلى الله عليه وسلم تحدث بما سيكون بعده فزويت له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها ، ولولا تحدثه بما يكون بعده ما استجاز الخلفاء أن يزيدوا فى مسجده بحضرة الصحابة ، دون أن ينكر عليهم أحد "خلاصة الوفا للسمهودى " ص 97 . قال ابن تيمية : وهو الذى يدل عليه كلام المتقدمين وعملهم ، وكان الأمر عليه زمن عمر وعثمان ، فزادوا فى قبلة المسجد ، وكان وقوفهما فى الصلوات وفى الصف الأول فى الزيادة ، وما بلغنى عن أحد من السلف خلاف هذا ، ويشهد له روايات للديلمى وغيره "لو مُدَّ هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدى" وسنده واهٍ ، وعن عمر رضى الله عنه : لو زدنا فيه حتى بلغ الجبانة كان مسجد الرسول .
وفى سنده متروك . ويقاس على مسجد المدينة مسجد مكة .
هذا فضل الصلاة فى المسجد وزياداته ، أما الصلاة خارج هذه الزيادات فلا تعطى هذا الثواب ، وإلا لصلَّى الناس فى بيوتهم ، وبخاصة أن الحرم يتجاوز مكة التى قد يتسع عمرانها ، ويدخل فيه المزدلفة ، وله حدود معينة .
وأرى أن صفوف المصلين خارج المسجد لو اتصلت بالصفوف التى داخله يرجى لها ثواب الصلاة فى المسجد ، وإن كان الحرص على الصلاة داخل المسجد يجعل الإنسان يبادر بالذهاب إليه حتى يجد مكانا فيه ، والمبادرة لحضور الصلاة مطلوبة(9/80)
هدم المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندنا مسجد آيل للسقوط ، هل يجوز هدمه وتعطيله ؟
An إذا كان المسجد آيلا للسقوط وأريد ترميمه أو هدمه وبناء غيره فلا مانع من ذلك ، لكن لو كان المسجد صالحا للصلاة فيه بدون ضرر فلا يجوز هدمه ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة كما يقول علماء المالكية "تفسير القرطبى ج 2 ص 78 " .
ويجوز منع بناء المسجد، وهدمه بعد بنائه إذا قصد به الشقاق والخلاف ، كبنائه بجوار مسجد أو بقربه دون حاجة إليه ، كما يقول المالكية "المرجع السابق " ولذلك لا يجوز عندهم أن يكون فى المصر جامعان ، ولا لمسجد واحد إمامان ، ولا يصلى فى مسجد جماعتان .
يؤخذ من أقوال الفقهاء أنه يجوز الانتفاع بالمسجد القديم الآيل للسقوط فى إعادة بنائه أو فى مسجد آخر فى مكان آخر، أما استعماله لغير ذلك فلا يجوز، ويبقى متعطلا " الفتاوى الإسلامية - المجلد السادس ص 2156 والسابع ص 3256 ، 3260"(9/81)
الرقابة على المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لأحد من المسئولين أن يمنع أحدا من الخطابة والوعظ فى المساجد ؟
An جاء فى كتاب الأحكام السلطانية للماوردى "ص 188 "قوله : وأما جلوس العلماء والفقهاء فى الجوامع والمساجد والتصدى للتدريس والفتيا فعلى كل واحد منهم زاجر من نفسه ألا يتصدى لما ليس به بأهل ، فيضل به المستهدى ويزل به المسترشد، وقد جاء فى الأثر "أجروكم على الفتيا أجروكم على جراثيم جهنم " - حديث مرسل رواه الدارمى عن عبد الله بن أبى جعفر .
وللسلطان فيهم من النظر ما يوجبه الاختيار من إقرار أو إنكار، فإذا أراد من هو لذلك أهل أن يترتب - يوظف - فى أحد المساجد لتدريس أو فتيا نُظِرَ حال المسجد، فإن كان من مساجد المحال - الأهلية - التى لا يترتب الأئمة فيها من جهة السلطان لم يلزم من ترتب فيه للتدريس والفتيا استئذان السلطان فى جلوسه ، كما لا يلزم أن يستأذنه فيه من ترتب للإمامة . وإن كان من الجوامع وكبار المساجد التى ترتب الأئمة فيها بتقليد السلطان روعى فى ذلك عرف البلد وعادته فى جلوس أمثاله ، فإن كان للسلطان فى جلوس مثله نظر لم يكن له أن يترتب للجلوس فيه إلا عن إذنه ، كما لا يترتب للإمامة فيه إلا عن إذنه ، لئلا يفتات عليه فى ولايته ، وإن لم يكن للسلطان فى مثله نظر معهود لم يلزم استئذانه للترتيب فيه وصار كغيره من المساجد .
وإذا ارتسم بموضح من جامع أو مسجد فقد جعله الإمام مالك أحق بالموضع إذا عرف به ، والذى عليه جمهور الفقهاء أن هذا يستعمل فى عرف الاستحسان ، وليس بحق مشروع ، وإذا قام عنه زال حقه منه ، وكان السابق إليه أحق ، لقول الله تعالى {سواء العاكف فيه والباد} الحج :25 .
ويمنع الناس فى الجوامع والمساجد من استطراق - اختراق - حلق الفقهاء والقراء، صيانة لحرمتها، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "لاحمى إلا فى ثلاث : ثُلَّة البئر، وطَوْلُ الفرس ، وحلقة القوم " فأما ثلة البئر فهو منتهى حريمها ، وأما طول الفرس فهو ما دار فيه بمقوده إذا كان مربوطا ، وأما حلقة القوم فهو استدارتهم فى الجلوس للتشاور والحديث .
وإذا تنازع أهل المذاهب المختلفة فيما يسوغ فيه الاجتهاد لم يعترض عليهم فيه ، إلا أن يحدث بينهم تنافر فيكفوا عنه ، وإن حدث منازع ارتكب مالا يسوغ فيه الاجتهاد كف عنه ومنع منه ، فإن أقام عليه وتظاهر باستغواء من يدعو إليه لزم السلطان أن يحسم بزواجر السلطنة ظهور بدعته ، ويوضح بدلائل الشرع فساد مقالته ، فإن لكل بدعة مستمعا ، وكل مُستغو متبعا ، وإذا تظاهر بالصلاح من استبطن ما سواه ترك ، وإذا تظاهر بالعلم من عرى منه هتك ، لأن الداعى إلى صلاح ليس فيه مصلح ، والداعى إلى علم ليس فيه مضل . انتهى .
وقال فى صفحة 100 : إن المساجد ضربان : مساجد سلطانية ومساجد عامية - أهلية - فأما المساجد السلطانية فهى المساجد والجوامع والمشاهد ، وما عظم وكثر أهله من المساجد التى يقوم السلطان بمراعاتها ، فلا يجوز أن ينتدب للإمامة فيها إلا من ندبه السلطان لها ، وقلَّده الإمامة فيها ، لئلا يفتات الرعية فيما هو موكول إليه ، فإذا قلد السلطان فيها إماما كان أحق بالإمامة فيها من غيره وإن كان أفضل منه وأعلم ، وهذه الولاية طريقها طريق الأولى لا طريق اللزوم والوجوب .
ثم قال : وإذا صلى إمام هذا المسجد بجماعة وحضر من لم يدرك تلك الجماعة لم يكن لهم أن يصلوا فيه جماعة وصلَّوا فيه فرادى، لما فيه من إظهار المباينة والتهمة بالمشاقة والمخالفة .
ثم قال : وإذا قلد السلطان لهذا المسجد إمامين وأطلق التقييد من غير تخصيص كل واحد منهما ببعض الصلوات كانا فى الإمامة سواء ، وأيهما سبق إليها كان أحق بها ، ولم يكن للآخر أن يؤم فى تلك الصلاة بقوم آخرين ، لأنه لا يجوز أن يقام فى المساجد السلطانية جماعتان فى صلاة واحدة .
ثم ذكر أن للإمام أن يعمل برأيه واجتهاده فى أحكام صلاته ، ولم يكن للسلطان أن ينهاه عن ذلك ، ولا للمأمومين أن ينكروه عليه ، كالشافعى الذى يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ويقنت فى الصبح ، والحنفى الذى يترك البسملة والقنوت .
ثم ذكر أنه يجوز أن يأخذ الإمام رزقا على الإمامة من بيت المال من سهم المصالح ، ومنع أبو حنيفة من ذلك .
وأما المساجد العامية التى يبنيها أهل الشوارع والقبائل فى شوارعهم وقبائلهم فلا اعتراض للسلطان عليهم فى أئمة مساجدهم ، وتكون الإمامة فيها لمن اتفقوا على الرضا بإمامته ، وإذا اختلف أهل المسجد فى اختيار إمام عمل على قول الأكثرين ، فإن تكافا المختلفون - أى تساووا - اختار السلطان لهم إماما يكون أحسن دينا وقراءة وتفقها وأكبر سنا ، وذلك لقطع تشاجرهم .
وهذا فى الإمامة فى الصلوات اليومية ، أما فى صلاة الجمعة فقال الماوردى :
ذهب أبو حنيفة إلى أنها من الولايات الواجبة ، فلا تصح صلاة الجمعة إلا بحضور السلطان أو من يستنيبه فيها ، وذهب الشافعى وفقهاء الحجاز إلى أن التقليد-أى التعيين - فيها ندب ، وأن حضور السلطان ليس بشرط فيها ، فإن أقامها المصلون على شرائطها انعقدت وصحت .
بعد هذه النقول عن الماوردى المتوفى سنة 450 هجرية : نرى أهمية التدريس والخطابة والوعظ فى المساجد ، وأهمية الإمامة فيها ، وبخاصة المساجد الحكومية ، فلا يعين فيها ولا يتصدر لهذه المهمة إلا من كان أهلا لها ، وإذا كان للمساجد الأهلية حرية فى تعيبن الإمام جاز لولى الأمر التدخل فى ذلك للمصلحة .
ونرى أن حرية الرأى مكفولة فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، مع المحافظة على وحدة الصف وعدم تفرق الجماعة ، وإمام المسجد هو المسئول عن ذلك ، ولا يُعترض على ما يراه هو، وعلى المأمومين أن يتبعوه .
وإذا تعدد الأئمة فى المسجد الواحد وجبت عليهم مراعاة الوحدة وعدم الخلاف .
هذه تنظيمات مشروعة قال بها العلماء منذ ألف سنة وهى جديرة بمراعاتها فى عصرنا الحاضر، من أجل المعرفة الصحيحة بأمور الدين ، والحيلولة دون المغرضين أو الجاهلين أن يشوهوا الوجه المشرق للإسلام ، أو يفرقوا كلمة المسلمين(9/82)
إعراب الأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا مؤذنا يقول : الله اكبر الله أكبر فى نفس واحد، ولكن بفتح الراء من " أكبر " فهل أذانه صحيح ؟
An عبارة "الله أكبر" يجوز الوقف على أخرها وذلك بإسكان الراء، فإذا وصلها بغيرها مثل "اللّه أكبر الله أكبر" يجوز إسكان الراء ، لأن الوقف هو الأصل وهو يكون بالإسكان . ويجوز أن تحرك الراء بالضم ، على الإعراب ، لأن "أكبر" خبر لمبتدأ وهو مرفوع . ويجوز أن تحرك الراء بالفتح ، إما بنقل حركة الحرف الذى بعدها ، وإما للتخلص من التقاء الساكنين ، وإن كان الأصل فيه أن يكون بالكسر، لكن اختير الفتح بدل الكسر للتفخيم ، هكذا قال الإمام الراغب فى كتابه "بغية الراغب ودفينة الطالب " ص 5(9/83)
أعضاء السجود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الناس أثناء السجود يكون أحد قدميه نائما غير منتصب وأحيانا يكون القدمان نائمين ، فهل صلاتهم صحيحة ؟
An السجود فى الصلاة ركن من أهم أركانها، وهو فرض بالنص والإجماع ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا . . . } الحج : 77 ، ولا بد فيه من الطمأنينة كما علَّم النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة لرجل رآه يسىء صلاته ، حيث قال له "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا" رواه البخارى ومسلم . وأجمعت الأمة على ذلك والطمأنينة أقلها زمن يسع " سبحان اللّه " ولم يقل بفرضيتها أبو حنيفة ، لعدم ذكرها فى القرآن ، ولم يعتد بالحديث المذكور .
والحد الأدنى فى السجود أن يضع جزءا من جبهته على الأرض عند الجمهور، وأوجب أبو حنيفة وضع أكثر الجبهة مع التحامل عليها ، للحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيحه "إذا سجدت فمكِّن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا " ولا بد أن تكون الجبهة مكشوفة غير مغطاة وقد تقدم الكلام فى ذلك .
وهل يجب السجود على أعضاء أخرى غير الجبهة؟ روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "أمرت بالسجود على سبعة أعظم : اليدين والركبتين والقدمين والجبهة " هناك للشافعية قولان ، الأظهر عند الرافعى لا يجب السجود على غير الجبهة ، والأظهر عند النووى الوجوب ، وعلى ما صححه النووى ، الاعتبار بباطن الكف فى اليدين ، وببطون الأصابع فى القدمين ، ولا يكفى ظهر الكف ولا ظهر الأصابع ، ويكفى وضع جزء من كل هذه الأعضاء كإصبع واحدة .
والحنفية قالوا : الواجب هو إحدى اليدين وإحدى الركبتين وإحدى القدمين . والسنة أن يكون السجود بالكل .
والمالكية قالوا : السجود على غير الجبهة سنة غير واجب ، والحنابلة قالوا مثل ما قال الشافعية ، فإذا عجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء سجد على بقيتها "الفقه على المذاهب الأربعة" .
وفى السجود على طرف الأنف خلاف . فالجمهور على عدم الوجوب ، وعند أحمد روايتان ، إحداهما بالوجوب بدليل حديث البخارى ومسلم فى الأمر بالسجود على سبعة أعظم أن النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكر الجبهة أشار بيديه إلى أنفه ، والثانية بعدم الوجوب "المغنى ج 1 ص 560 ، النووى على مسلم ج 4 ص 207 ، 208" .
من هنا نرى الاتفاق على وجوب السجود على الجبهة، وما عدا ذلك من الأعضاء فيه خلاف ، قيل بالندب ، وقيل بوجوب إحدى اليدين وإحدى الركبتين وإحدى القدمين ، والدين يسر(9/84)
التنكيس فى السجود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يشترط فى صحة السجود ألا يكون مكان الجبهة أعلى من مستوى الركبتين ؟
An قال الحنفية : ارتفاع موضع الجبهة يكون ضارا إذا زاد على نصف ذراع ، إلا لضرورة، كسجود المصلى على ظهر المصلى الذى أمامه عند الزحام ، وذلك بشرط ألا يجد مكانا خاليا لوضع جبهته . على الأرض وأن يكون فى صلاة واحدة ، وأن تكون ركبتاه على الأرض .
والشافعية قالوا : إن ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين مبطل للصلاة إلا إذا رفع عجيزته وما حولها عن رأسه وكتفيه فتصح الصلاة، فالمدار عندهم على تنكيس البدن وهو رفع الجزء الأسفل من البدن على الجزء الأعلى منه فى السجود ، وذلك حيث لا عذر، كالحامل ، فالتنكيس غير واجب عليها إذا خافت الضرر .
والمالكية قالوا : إذا كان الارتفاع كثيرا ككرسى متصل بالأرض فالسجود لا يصح على المعتمد، وإن كان قليلا فلا يضر، "الفقه على المذاهب الأربعة"(9/85)
التفريج بين القدمين فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض المصلين يفرجون بين أقدامهم بدرجة كبيرة، وإذا كانوا فى جماعة ألصقوا أرجل بعضهم بأرجل البعض الآخر فتتسع المسافة بين قدمى المصلى بصورة لافتة للنظر، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An إذا كان الإنسان يصلى إماما أو منفردا كان من السنة ألا يضم قدميه عند القيام فى الصلاة ، بل يفرج بينهما ، وذلك باتفاق الأئمة ، أما المسافة بين القدمين فقدرها الحنفية بأربع أصابع ، فإن زاد أو نقص كان مكروها ، وقدرها الشافعية بشبر، وقال المالكية والحنابلة يكون التفريج متوسطا، بحيث لا يضم القدمين ولا يوسعهما كثيرا حتى يتفاحش عرفا .
وإذا كان المصلى مأموما فى صف فمن السنة سد الفرج وتراصُّ الصفوف ، وجاء فى ذلك حديث رواه البخارى ومسلم عن أنس رضى اللّه عنه قال :
أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال " أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإنى أراكم من وراء ظهرى " وجاء فى رواية البخارى : فكان أحدنا يلزِقُ منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه .
وجاء فى رواية أبى داود وابن خزيمة فى صحيحه عن النعمان بن بشير قوله :
فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه . والكعب هو العظم الناتئ فى جانبى الرِّجْل عند ملتقى الساق بالقدم ، لأنه هو الذى يمكن أن يلزق بالذى بجنبه ، والقول بأن الكعب هو مؤخر القدم قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم كما جاء فى الفتح لابن حجر"ج 3 ص 147" .
وإلزاق أو لزق المناكب يتبعه بسهولة إلزاق الكعوب ، لكن لو تباعدت المناكب اقتضى إلزاق الكعوب التفريج بين الأقدام بمسافة كبيرة تتفاحش عرفا كما يقول المالكية والحنابلة ، وتزيد على الشبر كما يقول الشافعية وعلى الأصابع الأربعة كما يقول الحنفية ، وذلك مكروه .
وقد يحرص بعض الأشخاص على إلزاق الكعوب ، على الرغم من تفاحش المسافة بين قدميه ، فهو يريد فعل سنة فيقع فى مكروه ، إلى جانب مضايقته لمن بجواره الذى يحاول ضم قدميه لكنه يلاحقه ويفرج بين قدميه بصورة لافتة للنظر وقد يضع رجله ويضغط عليها ومضايقة المصلى تذهب خشوعه أو تقلله ، والإسلام نهى عن الضرر والضرار .
وتضرُّر بعض المصلين من إلزاق جاره رجله برجله ذكره أحد رواة الحديث وهو معمر فيما أخرجه الإسماعيلى ، حيث قال : ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس . فأرجو التنبه لذلك ، إبقاءً على المودة ومساعدة على الخشوع فى الصلاة(9/86)
مخالفة الطريق إلى المسجد يوم العيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يندب للإنسان إذا صلى العيد فى مكان أن يعود إلا بيته من طريق آخر ؟
An نعم يسن للإنسان إذا ذهب لصلاة العيد من طريق أن يعود من طريق آخر إلى بيته أو غيره ، وذلك ليشهد له الطريقان ، فقد روى البخارى عن جابر رضى اللّه عنه أنه قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق ، وروى مسلم وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال :
كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع فى غير الطريق الذى خرج وهذه المخالفة سنة ولست بواجبة ، إن فعلها أخذ ثوابا ، وإن لم يفعلها فلا عقاب عليه . وكان بعض الصحابة يرجع من الطريق الذى ذهب منه دون إنكار عليه(9/87)
فتح المأموم على الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى فتح المأموم على الإمام ، وهل هو جائز أو غير جائز ؟
An معنى فتح المأموم على الإمام تنبيهه إلى ما يقروه من السور أو الآيات بعد قراءة الفاتحة، وهذا التنبيه قد يكون تصحيحا لخطأ فى القراءة ، وقد يكون تذكيرا له بما يريد أن يقرأه ، وهو مشروع .
والأصل فى ذلك حديث رواه أبو داود عن مُسَوَّر بن يزيد المالكى قال :
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك آية، فقال له رجل : يا رسول الله آية كذا وكذا، قال "فهلاَّ ذكرتنيها" وفى رواية له عن عبد اللّه بن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه ، فلما انصرف قال لأبى "أصليت معنا"؟ قال : نعم ، قال "فما منعك "؟ . وإسناده جيد كما قال الخطابى .
والمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك آية فظن مسور أنها نسخت ، فذكر له النبى صلى الله عليه وسلم أنها لم تنسخ وكان يود أني يذكره إياها . ومعنى "لبس " بفتح اللام والباء ، التبس واختلط .
جاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 339 " أن الحديثين يدلان على مشروعية الفتح على الإمام ، على خلاف فى ندبه أو وجوبه عند الشيعة، وقال أبو حنيفة فى رواية عنه : إنه مكروه ودليله ما أخرجه أبو داود عن على رضى اللّه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا على لا تفتح على الإمام فى الصلاة " وأخرجه عبد الرزاق فى مصنفه ، وهو مطعون فيه ، ولا يعارض ما ورد فى مشروعية الفتح .
وجاء فى المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 711" أن الفتح على الإمام إذا أرتج عليه أو غلط فرُدَّ عليه لا بأس به فى الفرض والنفل ، روى ذلك عن عثمان وعلى وابن عمر رضى الله عنهم ، وكذلك بعض التابعين كالحسن وابن سيرين ، وكرهه ابن مسعود من الصحابة، وشريح والشعبى . وقان أبو حنيفة : تبطل الصلاة به ، وذكر الأحاديث السابقة ثم ذكر ابن قدامة أن الإمام إذا أرتج عليه فى الفاتحة لزم مَن وراءه الفتح عليه ، كما لو نسى سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح ، فإن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلى بهم لأنه عذر كما لو سبقه الحدث .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة ما خلاصته :
1 -أن الحنفية قالوا : إذا نسى الإمام الآية كأن توقف فى القراءة أو تردد فيها فإنه يجوز للمأموم الذى يصلى خلفه أن يفتح عليه ، ولكنه ينوى إرشاد إمامه لا التلاوة، لأن القراءة خلف الإمام مكروهة تحريما .
ويكره للمأموم المبادرة بالفتح على الإمام ، كما يكره للإمام أن يلجئ المأموم على إرشاده ، بل ينبغى له أن ينتقل إلى آية أخرى أو سورة أخرى ، أو يركع إذا قرأ القدر المفروض والواجب .
2 -والمالكية قالوا : يفتح المأموم على إمامه إذا وقف عن القراءة وطلب الفتح بأن تردد فى القراءة، أما إذا وقف ولم يتردد فإنه يكره الفتح عليه ، ويجب الفتح عليه فى الحالة الأولى إن ترتب عليه تحصيل الواجب لقراءة الفاتحة ، ويُسَنُ إن أدَّى إلى إصلاح الآية الزائدة عن الفاتحة ، ويندب إن أدى إلى إكمال السورة الذى هو مندوب .
3- والشافعية قالوا : يجوز للمأموم أن يفتح على إمامه بشرط أن يسكت عن القراءة، أما إذا تردد فى القراءة فإنه لا يفتح عليه ما دام مترددا ، ولا بد لمن يفتح على إمامه أن يقصد القراءة وحدها ، أو يقصد القراءة مع الفتح ، أما إن قصد الفتح وحده ، أو لم يقصد شيئا أصلا فإن صلاته تبطل على المعتمد .
4 - والحنابلة قالوا : يجوز للمصلى أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه (أى منع من القراءة) أو غلط فيها ، ويكون الفتح واجبا إذا منع الإمام من القراءة أو غلط فى الفاتحة ، لتوقف صحة الصلاة على ذلك .
هذا ، ولعل ما نقلته من فقه المذاهب الأربعة يوضح ما نقلته عن نيل الأوطار للشوكانى وعن المغنى لابن قدامة . واختلاف الآراء رحمة، لأنه يتيح الفرصة للأخذ بأحدها دون تعصب(9/88)
التبليغ خلف الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى قيام أحد المأمومين برفع صوته بالتكبير ليسمع المأمومون ويتابعوا الإمام ؟
An من السنة أن الإمام يجهر بالتكبير والتسميع والسلام ، وذلك لإعلام المأمومين حتى يتابعوه ، فإن كان المأمومون يسمعون ذلك منه كان التبليغ من غيره مكروها لعدم الحاجة إليه . فإن كان صوته ضعيفا لا يسمعهم فيُسَنُ لأحد المأمومين أن يقوم بالتبليغ ، ففى حديث البخارى لما مرض النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالناس وأبو بكر يصلى بصلاته والناس يصلون بصلاة أبى بكر، فكان النبى إذا كبر كبر أبو بكر وكبر الناس بتكبيره ، أى يقتدون بصوته .
وجاء مثل ذلك فى رواية مسلم أن النبى صلى قاعدا وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره ، وفى رواية له : فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر ليسمعنا . وذكر النووى فى شرحه أن رفع الإمام صوته بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه ، وأن اتباع المقتدى صوت المكبر جائز فى مذهب الشافعية ومذهب الجمهور، ونقلوا فيه إجماع الصحابة والتابعين عليه وجرى العمل على هذا قديما . ويجب أن يقصد المبلغ ، سواء أكان إماما أم غيره ، الإحرام للصلاة بتكبيرة الإحرام ، فلو قصد الإعلام والتبليغ فقط لم تنعقد صلاته .
بل قال الشافعية: لا تنعقد صلاته لو قصد الإعلام والإحرام .
هذا فى تكبيرة الإحرام ، أما التكبيرات الأخرى وقول : سمع اللّه لمن حمده ، والتحميد فإن قصد بها التبليغ فقط فلا تبطل صلاته ، لكن فاته الثواب ، لأن التبليغ مكروه ، والشافعية يقولون فى غير تكبيرة الإحرام : إن قصد بهذه الأشياء مجرد التبليغ ،أو لم يقصد شيئا بطلت صلاته ، أما إن قصد التبليغ مع الذكر فصلاته صحيحة .
وللحنفية ملخص آخر فى هذا التبليغ فقالوا : إذا رفع المبلغ صوته بذلك وكان لصوته نغم وتفنن فيه قاصدا بذلك إعجاب الناس به فصلاته تفسد على الراجح . "فقه المذاهب الأربعة ، "القول البليغ " للحموى(9/89)
متى يبدأ قصر الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جعل الله لنا رخصة فى قصر الصلاة بسبب السفر، فمتى يتحقق السفر ومتى يجوز القصر؟
An يقول اللّه سبحانه : {وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء :
101 ، تفيد هذه الآية أن السفر يبيح للمسافر أن يصلى الصلاة الرباعية ركعتين ، وهذا أمر مجمع عليه ، فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون ، وكل المسلمين فى جميع العصور .
ومع اختلاف العلماء فيما يتحقق به السفر المبيح للقصر، هل هو أى سفر ولو كان قصيرا أو هو السفر الطويل ، وهل هناك تحديد للطول ، مع اختلافهم فى ذلك قالوا : متى شرع فى السفر جاز القصر ولو بعد زمن قصير أو مسافة قصيرة جدا من البلد الذى بدأ منه السفر، وقالوا : إن مفارقة البلد تكون بتجاوز مبانيها كلها وتجاوز المرافق الملحقة بها . وهذه المفارقة فيها آراء .
ا - فالشافعية قالوا : لا بد أن يصل إلى محل يُعدُّ فيه مسافرا عرفا ، وابتداء السفر لساكن الأبنية يحصل بمجاوزة سور مختص بالمكان الذى سافر منه إذا كان السور صوب الجهة التى يقصدها المسافر، ومثل السور الخندق والقنطرة ، فإن لم يوجد سور ولا خندق ولا قنطرة فالعبرة بمجاوزة العمران أى المبانى ، ومنها المقابر المتصلة بها ، ولو تعددت القرى وهى متصلة فى وحدة محلية واحدة فلا بد من تجاوزها كلها ، فإن لم تكن متصلة فالعبرة بمجاوزة القرية التى يسكنها .
هذا ، إذا كان السفر برا ، أما لو كان بحرا فالسفر يبدأ من أول تحرك السفينة من الميناء ، وإذا كانت السفينة تسير محاذية للأبنية فلا يقصر حتى يجاوز الأبنية، ولو كان السفر جوا فلا يقصر حتى تتحرك الطائرة وتجاوز البلد .
2 - والحنفية قالوا : مثل ذلك فى مجاوزة الأبنية، ولم يشترطوا غيابها عن بصره ما دامت المجاوزة قد تحققت ، كما نصوا على مجاوزة المرافق المتصلة بالبلد كالمدافن والملاعب وأمكنة القمامة ، فإن كانت هذه المرافق منفصلة بمزرعة أو فضاء قدره أربعمائة ذراع فلا تشترط مجاوزته . ولم يأت فى فقه المذاهب الأربعة عنهم كلام على السفر فى البحر أو غيره .
3- والمالكية قالوا : لا بد من مجاوزة الأبنية والفضاء الذى حواليها والبساتين المسكونة بأهلها ولو فى بعض العام ، بشرط اتصالها بالبلد حقيقة أو حكما بأن كان ساكنوها ينتفعون بأهل البلد . والعِزب المتصلة بالبلد لا بد من مجاوزتها ما دام بين سكانها ارتفاق بأهل البلد، لأنها كبلد واحد .
4 -والحنابلة قالوا : كلاما قريبا من هذا، وكلها أقوال اجتهادية لا نص فيها، وقد يكون للعرف دخل فى اعتبار السفر قد بدأ أو لم يبدأ . غير أنه روى عن بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو فى بيته ، ولم يوافق أحد من أصحاب المذاهب المشهورة عليه ، لأنه ما دام فى بيته كيف يتحقق السفر، والنية ليست سفرا ، فقد ينوى الإنسان قبل مغادرة البيت أو البلد بيوم أو ساعات طوال . فالأولى عدم العمل بهذا الرأى(9/90)
نقل المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تخرب مسجد وليس له ما يعمر به واستغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، أو تهدم فى زلزال أو سيول ، فهل يجوز التصرف فى أرضه لغرض آخر ، أو لبناء مسجد بدله ؟
An إذا تحققت المسجدية فى أرض بالبناء والصلاة أصبح المسجد ملكا للّه لا يجوز لأحد أن يتملكه أو يتصرف فيه بما يخرجه عن مهمته الدينية ، لكن لو تخرب المسجد ولا يوجد ما يعمره ، أو هاجر الناس من حوله واستغنوا عنه ، إما قهرا واضطرارا كزلزال أو سيول ، أو اختيارا كهجرة إلى مكان آخر، هنا اختلف الشيخان محمد وأبو يوسف صاحبا أبى حنيفة فى الحكم ، فقال محمد : إنه يعود إلى ملك الواقف أو المتبرع إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا ، لأنه عينه لقربة مخصوصة ، فإذا انقطعت رجع إلى المالك ، وإذا لم يعلم صاحبه ولا ورثته أو كان ملكا للجميع أقاموه بالجهود الذاتية جاز بيعه وصرف ثمنه فى مسجد آخر .
وقال أبو يوسف : على الرغم من ذلك فهو ما يزال مسجدا إلى يوم القيامة ، ولا يعود إلى ملك أحد من الناس ، لأنه صار ملكا لله وحده ، ولا يجوز نقل أنقاضه ولوازمه إلى مسجد آخر، وبالطبع لا يجوز الانتفاع بأرضه فى أى عمل آخر، وللناس أن يبنوا فوق الأرض مسجدا جديدا .
وأكثر المشايخ على قول أبى يوسف ، ورجحه الكمال بن الهمام ، لكن روى عن أبى يوسف أيضا أنه وإن لم يعد المسجد إلى المالك يجوز أن تحول الأنقاض واللوازم إلى مسجد آخر، أو يباع ذلك بإذن القاضى ويصرف ثمنه فى أقرب مسجد له ، وقد جزم بهذه الرواية صاحب "الإسعاف " وأفتى بها كثير من المتأخرين ، لأن ترك الأنقاض وخلافها بدون صرفها إلى مسجد آخر يؤدى إلى ضياعها إذا طال الزمان .
أما أبو حنيفة فنقل عنه مثل قول محمد، ونقل أيضا عنه مثل قول أبى يوسف . انتهى ملخصا من فتوى الشيخ حسن مأمون فى 24 من مايو سنة 1960 "الفتاوى الإسلامية ج 6 ص 2156" .
هذا ، ووجه سؤال إلى الشيخ جاد الحق على جاد الحق سنة 1981م عن هدم مسجد آيل للسقوط لبناء مسجد جديد على قطعة منه وبناء عمارة على الباقى من أرضه فأجاب بتاريخ أول أبريل سنة 1981 م بما ملخصه :
أن الفقه الشافعى : نعى كما فى كتاب إعلام الساجد للزركشى- على أنه إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد أو خرابها أو خراب المسجد فلا يعود مملوكا، ولا يجوز بيعه ولا التصرف فيه ، خلافا لمحمد بن الحسن الحنفى .
والفقه المالكى : جرى على مثل ما ذهب إليه فقه الشافعية -كما فى كتاب التاج والإكليل على مختصر خليل ، غير أنه أجاز فى المسجد إذا تخرب وخيف على أنقاضه من الفساد ولم ترج عمارته أن تباع ويوجه الثمن إلى مسجد آخر .
وأجاز فقه الحنابلة -كما فى المغنى لابن قدامة - بيع المسجد إذا صار غير صالح للغاية ال مقصودة منه ، كأن ضاق على أهله ولم يمكن توسيعه ليسعهم ، أو خربت الناحية التى فيها المسجد وصار غير مفيد، ويصرف ثمنه فى إنشاء مسجد آخر فى مكان يحتاج إليه فيه .
وفى الفقه الحنفى : أن المسجد إذا خرب ولم يكن له ما يعمر به واستغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، أو خرب ما حوله واستغنى عنه - يبقى مسجدا أبدا إلى يوم القيامة وذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف ، وأما عند محمد بن الحسن فيعود إلى ملك من بناه ، ونصوا على أنه إذا أراد أهل محلة نقض المسجد وبناءه أحسن من الأول إن كان من يريد بناءه من أهل المحلة كان لهم ذلك ، وإلا لم يجز ، كما نصوا على أن للقائم على المسجد أن يؤجر فناءه للتجار لصالح المسجد، ولفقراء المسلمين بإذن القاضى، أما فناء المسجد وحرمه فأعطاها بعضهم حكم مسجد آخر، وأتبعها آخرون للمسجد ذاته .
وبعد سرد أقوال المذاهب قال : يجوز هدم المسجد الآيل للسقوط أو المتخرب وجعل ثمن أنقاضه فى مصاريف تجديده لبقاء المسجدية له ، ويجوز توسيعه من الفناء الملحق به ، وإقامة عمارة على بعض الفناء يصرف عائدها أو تستعمل لصالح المسجد ولصالح الفقراء ، وذلك بإذن القاضى . "الفتاوى الإسلامية ج 9 ص 3254"(9/91)
المنبر النبوى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى أوصاف المنبر الذى كان يخطب عليه النبى صلى الله عليه وسلم وما عدد درجاته ؟
An جاء فى الصحيح أن مسجد النبى صلى الله عليه وسلم كان مسقوفا على جذوع من نخل ، وكان النبى إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صُنع له المنبر فكان عليه سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار، وللنسائى : اضطربت تلك السارية فحنت كحنين الناقة الخلوج ، أى التى انترغ ولدها، ولأحمد وابن ماجه : فلما جاوز الجذع خار حتى تصدع وانشق ، وفيه : فأخذ أبى بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد ، فلم يزل عنده حتى بلى وعاد رفاتا . وعند الدارمى : فأمر به صلى الله عليه وسلم أن يحفر له ويدفن . ولابن زبالة : تحت المنبر، وقيل عن يساره وقيل شرقيه ، وقيل فى موضعه الذى كان فيه .
وجاء فى مسند الدارمى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب فطال القيام عليه استند فاتكأ على الجذع ، فبصر به رجل ورد المدينة فقال : لو أعلم أن محمدا يحمدنى فى شىء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه ، فإن شاء جلس ما شاء، وإن شاء قام . فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال "ائتونى به " فأتوه فأمره أن يصنع له المراقى الثلاث أو الأربع ، وهى الآن فى مسجد المدينة ، فوجد النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك راحة .
وبعد أن ذكر السمهودى هذا الكلام فى كتابه خلاصة الوفا "ص 162 وما بعدها" قال فى "ص 164 " : وأشهر الأقوال أن الذى صنع المنبر "باقوم " الذى بنى الكعبة لقريش ، وقيل غيره ، وذكر بعض أهل السير أنه كان يخطب على منبر من طين ، وأن الصحابة صنعوا له مقعدا من طين يجلس عليه ليعرفه الناس الوافدون إليه ، وكان يخطب عليه ، وكان ذلك فى أول الهجرة ، وفى قصة الإفك عبارة "ورسول الله قائم على المنبر" . وذكر ابن سعد أن المنبر كان سنة سبع وأن ابن النجار جزم أنه كان سنة ثمان ، كما ذكر آراء فى أنه كان درجتين أو ثلاثة ، يجلس الرسول على الثالثة ويضع رجله على الثانية، فلما ولى أبو بكر كان يجلس على الثانية ويضع رجله على الدرجة السفلى وجاء عمر فجلس على الأولى ووضع رجله على الأرض ، ولما جاء عثمان فعل ذلك ست سنوات ثم علا إلى موضع النبى صلى الله عليه وسلم فلما ولى معاوية جعل للمنبر ست درجات زيادة على الثلاثة ، ولما قدم المهدى الخليفة العباسى إلى المدينة استشار الإمام مالكا أن ، يعيده إلى ما كان عليه أيام الرسول فلم يوافق .
وكان ذلك سنة 160 هـ ، واحترق المسجد سنة 654 هـ واشتركت مصر فى تعميره .
وفى عهد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى كملت عمارة المسجد ، ومن بعده الناصر قلاوون .
وأرسل الظاهر منبرا عدد درجاته تسع ، كما أرسل من بعده منابر أخرى . " انظر الزرقانى على المواهب اللدنية ج 1 ص 371" .
كما بنى أهل المدينة منبرا من الآجر والنورة بسبب حريق بالمسجد حتى سنة 688 هـ فبنى الأشرف قايتباى منبرا من الرخام ، وتوالى التغيير على مدى الأزمان ، ولم يعد للمنبر النبوى ذى الدرجات الثلاث أثر، واستمر الناس يخطبون على المنابر الجديدة ولم ينكر عليهم أحد .
إن أصل اتخاذ المنبر كان لظهور الخطيب أمام الناس ، وكلما ارتفع أمكن أن يسمع صوته بوضوح ،وظهرت فى مصر وغيرها منابر عالية فى مساجد واسعة يجتمع فيها الآلاف الذين لا يكاد البعيد منهم عن المنبر يسمع من يتحدث ، وكان يخطب عليها كبار الشيوخ والعلماء ، ومنبر مسجد الأزهرنفسه له درجات كثيرة، وما سمعنا مثل الصيحة فى السنوات الأخيرة التى ترمى المنابر العالية بانها بدعة ، وبالتالى ضلالة ، مع أنه لم يرد نهى عنها وليست من العبادات التى يتقرب بها إلى الله .
وأرى أن رفع المنابر إذا كان لإبلاغ الصوت هو الوسيلة الوحيدة فى الماضى فإن مكبرات الصوت أغنت عن ذلك ، وليس أثر المنبر فى السامعين وفى تبليغ الدعوة مرتبطا بعدد درجاته بقدر ارتباطه بصحة المعلومات والحكمة فى إيصالها للسامعين .
وإذا كان ارتفاع المنابر لإسماع الناس بدعة فلماذا لا يكون استعمال مكبر الصوت بدعة أيضا وهو لم يكن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ؟ أرجو أن نفهم الدين فهما صحيحا ، وألا نتسرع بإصدار أحكام لا تخدم الدين بقدر ما تسىء إليه(9/92)
الشهيد تارك الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مات أحد الجنود فى معركة إسلامية ولم يكن يصلى، فهل يغفر الله له ؟
An معلوم أن ترك الصلاة ورد فيه حديث مسلم "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" وأحسن ما قيل فيه ما ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 2 ص 70" أن تارك الصلاة إن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين ، خارج من ملة الإسلام ، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه ، وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها ، كما هو حال كثير من الناس ، فقد اختلف العلماء فيه :
فذهب مالك والشافعى رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن ، ولكنه يقتل بالسيف -لابالرجم- وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله ، وبه قال عبد اللّه بن المبارك وإسحاق بن راهويه ، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعى رضوان اللّه عليه . وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنى صاحب الشافعى رحمهما الله إلى أنه لا يكفر ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلى .
احتج من قال بكفره بظاهر الحديث المذكور، وبالقياس على كلمة التوحيد . واحتج من قال لا يقتل بحديث "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث " وليس فيه الصلاة .
واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 48 وبقوله صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" و"من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" "لا يلقى الله تعالى عبد بهما -أى الشهادتين- غير شاك فيحجب عن الجنة" و"حرم الله النار على من قال لا إله إلا الله " وغير ذلك .
واحتجوا على قتله بقوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } التوبة : 5 وقوله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :
لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم " وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهى القتل ، أو أنه محمول على المستحل ، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفار. والله أعلم .
وذكر النووى أن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات ، مع اعترافهم بالله تعالى ، ككفار قريش ، فيكون الكفر أعم من الشرك ، والله أعلم . وقال الماوردى فى "الأحكام السلطانية " ص 221 :
تارك الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها يسأل عن تركه لها، فإن قال : تركتها لنسيان أمر بها قضاء فى وقت ذكرها، ولم ينتظر بها مثل وقتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نام عن صلاة أو نسيها عنها فليصلها إذا ذكرها ، ولا كفارة لها إلا ذلك " رواه مسلم وإن تركها لمرض صلاها بحسب طاقته من جلوس أو اضطجاع ، قال تعالى {لا يكلف الله نفسا الا وسعها} البقرة : 286 وإن تركها جاحدا لوجوبها كان كافرا ، حكمه حكم المرتد ، يقتل بالردة إذا لم يتب ، وإن تركها استثقالا لفعلها مع اعترافه بوجوبها فقد اختلف الفقهاء فى حكمه ، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يضرب فى وقت كل صلاة ولا يقتل . وقال أحمد بن حنبل وطائفة من أصحاب الحديث . يصير بتركها كافرا يقتل بالردة . وذهب الشافعى إلى أنه لا يكفر بتركها ولا يقتل حدا ولا يصير مرتدا .
ولا يقتل إلا بعد الاستتابة ، فإن تاب وأجاب إلى فعلها ترك وأمر بها فإن قال : أصليها فى منزلى وكلت إلى أمانته ولم يجبر على فعلها بمشهد من الناس ، وإن امتنع من التوبة ولم يجب إلى فعل الصلاة قتل بتركها فى الحال على أحد القولين ، وبعد ثلاثة أيام فى القول الثانى ، ويقتل بسيف صبرا . وقال أبو العباس بن سريج ، بقتله ضربا بالخشب حتى يموت ، ويعدل عن السيف ليستدرك التوبة بتطاول المدى .
واختلف أصحاب الشافعى فى وجوب قتله بترك الصلوات الفوائت إذا امتنع من قضائها ، فذهب بعضهم إلى أن قتله بها كالمؤقتات ، وذهب آخرون إلى أنه لا يقتل بها ، لاستقرارها فى الذمة بالفوات ، ويصلى عليه بعد قتله ، ويدفن فى مقابر المسلمين ، لأنه منهم ، ويكون ماله لورثته .
وإذ قد عرفنا حكم ترك الصلاة بأنه يدور بين الكفر والفسق ، فإن الشهيد لو تركها جحدا كان كافرا ، ولا تفيده الشهادة شيئا ، فالجنة ونعيمها للمؤمنين خاصة وإن تركها كسلا كان فاسقا آثما ، يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى : {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وإذا لم يشأ الله له المغفرة يعاقب على ترك الصلاة، وبخاصة اذا علمنا أنها دين له أى حق له ، والحقوق لا تسقط فلابد من قضائها كما قال الترمذى "المواهب اللدنية للقسطلانى ج 2 ص 338" . وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم "يغفر للشهيد كل شىء إلا الدَّيْن " فهل هو عام فى كل دين للّه وللعباد ، أو خاص بدين العباد لا يغفر إلا برده اليهم ؟ .
قال النووى "شرح صحيح مسلم ج 13 ص 29" : وأما قوله صلى الله عليه وسلم "إلا الدين " ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدمبين ، وأن الجهاد والشهادة وغيرمما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين ، وإنما يكفر حقوق الله تعالى .
فنرجو أن يغفر الله للشهيد ترك الصلاة ، لأنها ليست دينا وحقا للآدميين ، ولعموم مغفرة ما دون الشرك لمن يشاء(9/93)
محاريب المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل المحاريب الموجودة الآن بالمساجد بدعة؟
An يقول الله تعالى{يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات } سبأ : 113 ، وذلك خبر عن تسخير الجن لسيدنا سليمان عليه السلام وقيامهم بهذه الأعمال التى منها المحاريب .
والمحاريب جمع محراب ، ومعناه فى اللغة كما فى القاموس المحيط : الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه ، ومقام الإمام من المسجد، والموضع ينفرد به الملك فيتباعد عن السلطان ، وجاء فى نهاية ابن الأثير: المحراب هو الموضع العالى المشرف ، وهو صدر المجلس أيضا ، ومنه محراب المسجد ، وهو صدره وأشرف موضع فيه . وجاء فى تفسير القرطبى -إلى جانب المعانى المذكورة- أنه ما يرقى إليه بالدرج كالغرفة الحسنة ، كما قال "إذ تسوروا المحراب " وقوله "فخرج على قومه من المحراب " أى أشرف عليهم .
وفى نهاية ابن الأثير أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل عروة بن مسعود إلى قومه بالطائف ، فأتاهم ودخل المحراب محرابا له ، فأشرف عليهم عند الفجر، ثم أذن للصلاة . وجاء فيها أيضا ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يكره المحاريب ، أى لم يكن يحب أن يجلس فى صدر المجلس ، ويترفع عن الناس ، كما جاء فيها أنه أتى برجل ارتد عن الإسلام فقال كعب :
أدخلوه المذبح ، وضعوا التوراة ، وحلفوه باللّه ، المذبح واحد المذابح وهى المقاصير، وقيل : المحاريب .
والمذبح عند أهل الكتاب مقصورة مرتفعة نحو متر ونصف المتر ذات أعمدة ليس بينهما حواجز، وفوقها سقف تحته خلاء توضع فيه القرابين . وهذه المقصورة داخل حجرة فسيحة أمام المعبد ، يصعد إليها بسلم ذى درجات قليلة تسمى الهيكل ، لا يدخله إلا الكهنة وأرباب الخطايا الذين يريدون المغفره .
وهذه المحاريب للكنائس وبيوت العبادة لأهل الكتاب ، وكانت تتعبد فيها مريم كما جاء فى قوله تعالى : {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجدعندها رزقا} آل عمران : 37 وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عنها، فقد جاء فى حديث رواه البيهقى : "اتقوا هذه المذابح " وفى رواية ابن أبى شيبة "لا تزال هذه الأمة -أو قال أمتى- بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح كمذابح النصارى " .
فهل محاريب المساجد الإسلامية الآن مثل محاريب النصارى؟ لا، لأنها ليست غرفا، وليست مرتفعة عن أرض المسجد، ولم يتميز بالجلوس فيها جماعة من المسلمين ، وإنما هى علامات على اتجاه القبلة ، وقد تكون مجوفة وغير مجوفة ، تبين مقام الإمام من المأمومين ، لأن السنة أن يقف الإمام إزاء وسط الصف .
فالحكم بكراهة اتخاذ المحاريب "مقاصير ومذابح النصارى " أساسه إما اختفاء الإمام عن المأمومين ، وإما ارتفاعه عليهم بدون مبرر، وكان الصحابة يكرهون أن يكون الإمام مرتفعا عليهم ، لأنه يوحى بالكبر .
ومحاريب المسلمين الآن لا صلة لها بهذه الأسباب ، فهى -كما سبق- علامة على القبلة ، وتعليم جهتها أمر مشروع ، وقد غرز النبى صلى الله عليه وسلم خشبة فى مسجد قوم أسامة بعد أن خطه لهم ، ليكون دليلا على القبلة . فدل هذا على مشروعية إرشاد المصلى إلى القبلة .
ولم يكن لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى زمنه محراب ، وأحدثه عمر بن عبد العزيز .
فهو ليس بدعة مذمومة "مجلة الأزهر- مجلد 6 ص 469 ، تفسير القرطبى ج 11 ص 84، 85" .
وجاء فى "إعلام الساجد بأحكام المساجد" للزركشى ص 364 : كره بعض السلف اتخاذ المحاريب فى المسجد ، وفى مصنف عبد الرزاق عن الحسن أنه صلى واعتزل الطاق ان يصلى فيه ، والطاق هو المحراب الذى يقف فيه الإمام .
وفى شرح الجامع الصغير للحنفية : لا بأس أن يكون مقام الإمام فى المسجد ، وسجوده فى الطاق ، ويكره أن يكون فى الطاق ، لأنه يشبه اختلاف المكانين ، ألا ترى أنه يكره الانفراد . اهـ والمشهور الجواز بلا كراهة، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير .
بعد هذا أقول ، إن محاريب المساجد اليوم ليست هى المحاريب والمقاصير التى فى معابد أهل الكتاب ، وعلى هذا فلا كراهة فى عملها ولا فى الصلاة فيها، ويوجد فى بعض الكتب حملة عنيفة على المحاريب ، لكن المقصود منها محاريب أهل الكتاب بأوصافها التى لا توجد فى محاريب المساجد "انظر كتاب غذاء الألباب للسفارينى الحنبلى ج 2 ص 273 " .
" تراجع مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1411 هـ ، والمجلد السادس ص 469 " .
والمحراب المجوف فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم قيل أول من اتخذه عثمان ابن عفان سنة 26 هـ عند بنائه ، وقيل مروان بن الحكم سنة 65 هـ أثناء تجديده ، وقيل عمر بن عبد العزيز أيام إمارته على المدينة وتجديده للمسجد سنة 90 هـ(9/94)
النظر أثناء الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان الإنسان فى الصلاة هل ينظر أمامه أم إلى موضع سجوده أم إلى مكان آخر؟
An تحدث القرطبى فى تفسيره لقوله تعالى : {فول وجهك شطر المسجد الحرام } ج 2 ص 160 عن هذه المسألة فقال : فى هذه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه فى أن المصلى حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده ، وقال الثورى وأبو حنيفة والشافعى والحسن بن حَىٍّ : يستحب أن يكون نظره إلى موضع سجوده ، وقال شريك القاضى : ينظر فى القيام إلى موضع السجود ، وفى الركوع إلى موضع قدميه ، وفى السجود إلى موضع أنفه ، وفى القعود إلى حجره . قال ابن العربى : إنما ينظر أمامه ، فإن حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه فى الرأس وهو أشرف الأعضاء ، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج ، وما جعل علينا فى الدين من حرج ، أما أن ذلك أفضل فهو لمن قدر عليه . انتهى .
جاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 196 " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس فى التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته ، رواه أحمد والنسائى وأبو داود ، وجاء فيه أيضا بعد حديث النهى عن رفع الأبصار إلى السماء أن ابن بطال قال : فيه حجة لمالك فى أن نظر المصلى يكون إلى جهة القبلة، وقال الشافعى والكوفيون : يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع . ويدل عليه ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة بنت أبى أمية ، زوج النبى صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت : كان الناس فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلى يصلى لم يَعْدُ بصر أحدهم موضع قدميه ، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد موضع جبهته فتوفى أبو بكر فكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ، فكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا .
ثم قال عن هذا الحديث : فى إسناده موسى بن عبد الله بن أبى أمية لم يخرج له من أهل الكتب الستة غير ابن ماجه .
فالإجابة على السؤال ليس فيها دليل يعتمد عليه ، وإنما هى اجتهادات وآ راء ، ومن وجهة نظرى أقول : كل مصل حر فى نظره ولكن يختار ما يساعد على الخشوع فى الصلاة، مع العلم بأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع البصرإلى السماء فقد روى مسلم والنسائى وأحمد أنه قال "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم فى الصلاة أو لتُخطفن أبصارهم " .
ونفى عن النظر إلى ما هو يلهى ويشغل المصلى عن صلاته . فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى اللّه عنها أنه صلى فى خميصة -كساء من خز أو صوف- لها أعلام ، أى بها ألوان مخالفة ، فقال "شغلتنى أعلام هذه ، اذهبوا بها إلى أبى جهم -هو عامر ابن حذيفة- وأتونى بأنبجانيته " والأنبجانية كساء غليظ له وبر وليس له علم . وكان أبو جهم أهدى إلى الرسول الخميصة فطلب بدلها الأنبجانية .
وروى البخارى عن أنس قال : كان قِرام لعائشة -ستر رقيق- سترت به جانب بيتها فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم " أميطى قرامك ، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لى فى صلاتى" .
ومع العلم أيضا بأن تغميض العينين كرهه البعض وجوزه بعضهم بلا كراهة، لأن الحديث المروى فى الكراهة لم يصح .
قال ابن القيم : الصواب أن يقال : إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع -لما فى قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه- فهناك لا يكره التغميض قطعا . والقول باستحبابه فى هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بكراهته .
///(9/95)
الاعتكاف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد من الاعتكاف ، وما الدليل على مشروعيته ، وما هو الثواب المترتب عليه ؟
An الاعتكاف معناه لزوم الشىء وحبس النفس عليه ، سواء أكان خيرا أم شرا ، قال تعالى : {ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون } الأنبياء : 52 أى مقيمون على عبادتها ، والمراد به شرعا لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله .
والإجماع منعقد على مشروعيته ، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذى قبض فيه اعتكف عشرين يوما كما رواه البخارى ، واعتكف أزواجه من بعده كما روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى اللّه عنها .
وحكمه أنه سنة ، ويكون واجبا عند النذر، ويتأكد فضله فى رمضان وفى العشر الأواخر منه .
والأحاديث التى وردت فى فضله لم يتفق على صحتها ، وإن كانت تقبل فى فضائل الأعمال منها ما رواه الطبرانى والبيهقى والحاكم وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما "ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاتة خنادق ، أبعد مما بين الخافقين " وما رواه البيهقى "من اعتكف عشرا فى رمضان كان كحجتين وعمرتين " .
وهناك ترغيب فى الاعتكاف أقل من يوم ، فقد روى الخطيب وابن شاهين عن ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من اعتكف نفسه ما بين المغرب والعشاء فى مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة وقرآن كان حقا على الله تعالى أن يبنى له قصرا فى الجنة "(9/96)
الاعتكاف فى المنزل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل مريض بالشلل هل يجوز له أن يعتكف فى بيته لمشقة اعتكافه فى المسجد وهل يجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها بدل أن تعتكف فى المسجد أيضا؟
An الاعتكاف سنة للرجال والنساء ، على أن يكون اعتكافهن بإذن أزواجهن ، فإن لم يأذن الأزواج جاز لهم إخراجهن من المسجد كما ذهب إليه الشافعى وأحمد ، وقد صح أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اعتكفن فى المسجد النبوى ، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن الاعتكاف لا يصح إلا فى المسجد، كما قال تعالى : {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد} البقرة : 187 وإن كان الإخبار عن واقع الحال لا يفيد الشرطية وأى مسجد من المساجد يجوز فيه الاعتكاف ، لعدم الدليل على تخصيص بعضها بالجواز .
وهذا ما رآه مالك والشافعى ، لكن أبا حنيفة وأحمد اشترطا أن يكون المسجد جامعا عاما تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجماعة .
والحديث الذى اعتمد عليه ضعيف ، وهو ما رواه الدارقطنى "كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح " ومفهومه أن المسجد الخاص الذى لا يستقيم فيه الأذان وصلاة الجماعة لا يصح الاعتكاف فيه .
والمسجد الجامع على كل حال إن لم يكن مشروطا لصحة الاعتكاف فالاعتكاف فيه أفضل لإحراز ثواب الجماعة .
قال جمهور العلماء : لا يصح للمرأة أن تعتكف فى مسجد بيتها، لأنه لا يطلق عليه اسم المسجد عرفا ، حيث يجوز بيعه ، وهذا يصدق بالمكان المخصص فى البيت للصلاة، أما غير المخصص فلا يجوز فيه الاعتكاف من باب أولى .
لكن الحنفية أجازوا للمرأة بوجه خاص أن تعتكف فى مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة، وفيه قول قديم للشافعى ، وجاء فى وجه للمالكية صحته للرجال والنساء فى مسجد البيت .
والمريض بالشلل يصح اعتكافه فى مسجد بيته على وجه للمالكية وأصحاب الشافعى، وكذلك على رأى محمد بن عمر بن لبابة المالكى كما ذكره ابن حجر فى "الفتح " ونقله الشوكانى فى "نيل الأوطار ج 4 ص 283" عند شرح حديث رواه أبو داود من قول عائشة "ولا اعتكاف إلا فى مسجد جامع "(9/97)
النوم فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم النوم فى المسجد ؟
An قال الله تعالى{فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال . رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" النور: 36 ، 37 . المساجد بيوت للعبادة يجب أن يحافظ فيها على الهدوء لتمكين المتعبدين من الخشوع ، وأن تصان عن العبث واللهو احتراما لقدسيتها ، وقد ثبت أن الملائكة تحب التردد على المساجد والأماكن التى يذكر فيها الله ويقرأ القرآن ويدرس العلم ، وأنهم يرتاحون إلى الرائحة الطيبة وينفرون من الرائحة الكريهة ، وإذا حضروا حضرت معهم الرحمة والبركة وإذا انصرفوا شهدوا عند ربهم بالخير لهؤلاء المتعبدين .
وأما النوم فى المسجد فقد جاء فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم رؤى مستلقيا فيه واضعا إحدى رجليه على الأخرى، كما صح أن عمر وعثمان كانا يستلقيان أحيانا بالمسجد النبوى، وروى البخارى وغيره أن ابن عمر كان ينام فى المسجد النبوى وهو عزب ومعه بعض الشبان ينامون ليلا ويقيلون وقت الظهيرة ، كما أخرج البخارى أن عليا رضى الله عنه غاضب فاطمة رضى الله عنها فذهب إلى المسجد ونام ، وسقط رداوه عنه وأصابه تراب ، فجعل النبى يمسحه ويقول "قم أبا تراب " وكان فى المسجد النبوى صُفَة ، أى مكان مظلل يأوى إليه المساكين ، وينزل فيه ضيوف الرسول ، كما صح فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ضرب قبة-أي خيمة-في المسجد على سعد بن معاذ لما أصيب يوم الخندق ليمرض فيها ، وأنه جعل خيمة في المسجد للمرأة السوداء التي كانت ترفع القمامة منه ، ولما أسر ثمامة بن أثال ، وهو مشرك ، ربط مدة بسارية فى المسجد النبوى .
وبناء على هذه الروايات ذهب جمهور العلماء إلى جواز النوم فى المسجد ، وإذا جاز للكافر فجوازه للمسلم أولى ، لكن ابن عباس كره النوم فى المسجد إلا لمن يستريح وقتا للاستعداد للصلاة ، لكن ابن مسعود كره النوم فيه مطلقا ، والإمام مالك أباح النوم فى المسجد لمن ليس له مسكن ، أما من له مسكن فيكره نومه فى المسجد .
هذه هى الآراء فى حكم النوم ، لكن ينبغى أن يصان المسجد عن الروائح الكريهة التى تطرد الملائكة ، وعن التضييق على المصلين ، كما ينبغى التحرز عن تعرض العورات للانكشاف ، وخلاصة الموضوع أن النوم فى المسجد ليس حراما ، لكنه مكروه . إن ترتب عليه تشويش أو تضييق ، وليس مكروها عند الحاجة كالاعتكاف ، والراحة اليسيرة ، وعدم وجود مسكن(9/98)
البيع فى المسجد وعند النداء للجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى البيع والشراء وعقد الصفقات داخل المسجد وكذلك عند النداء لصلاة الجمعة، وهل المكسب من البيع عند النداء يعتبر مالآ حراما ؟
An جاء فى تفسير القرطبى(ج 12 ص 269) فى المسألة السادسة قوله وتصان المساجد أيضا عن البيع والشراء ، وذكر حديث مسلم "إنما بنيت المساجد لما بنيت له " وقال : وهذا يدل على إن الأصل إلا يعمل فى المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن ، كما جاء منصوصا عليه من قول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الأعرابى الذى بال فى المسجد وذكر فى ص . 27 من رواية الترمذى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تناشد الأشعار وعن البيع والشراء فيه . ثم قال : وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء فى المسجد وبه يقول أحمد وإسحاق . ثم قال فى الصفحة نفسها :
وقال الترمذى : وقد روى عن بعض أهل العلم من التابعين رخصة فى البيع والشراء فى المسجد وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى غير حديث رخصة فى إنشاد الشعر فى المسجد .
هذا ما جاء فى القرطبى ، وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن الحنفية كرهوا إيقاع عقود للمبادلة بالمسجد كالبيع والشراء والإجارة ، أما عقد الهبة ونحوها فإنه لا يكره . - والمالكية قالوا مثل الحنفية تقريبا .
أما الحنابلة فقالوا : يحرم البيع والشراء والإجارة فى المسجد، وإن وقع فهو باطل .
والشافعية قالوا: يحرم اتخاذ المسجد محلا للبيع والشراء على الدوام ، وأما إن وقع ذلك نادرا فهو خلاف الأولى إلا إذا أدى إلى التضييق على مصلِّ فيحرم .
فالخلاصة أن عقد الصفقات فى المسجد فى بعض الأحيان مكروه أو خلاف الأولى عند الجمهور وحرام وباطل عند أحمد ، واتخاذه لذلك على الدوام حرام عند الشافعية والحنابلة ، وكذلك إذا أدى إلى التضييق على المصلى، وأرى حرمته إذا أخل بحرمه المسجد سواء أكان أحيانا أو على الدوام .
2 -أما عقد الصفقات عند النداء لصلاة الجمعة فقد جاء فيه قول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } الجمعة : 9 .
جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآية : أن البيع عند النداء الصلاة الجمعة حرام على من كان مخاطبا بفرض الجمعة، أما من لا يجب عليه حضور الجمعة فلا ينهى عن البيع والشراء . ثم قال : وفى وقت التحريم قولان . الأول أنه من بعد الزوال إلى الفراغ منها .
والثانى أنه من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة كما قاله الشافعى .
ومذهب مالك أن يترك البيع إذا نودى للصلاة ، ويفسخ عنده ما وقع من ذلك من البيع فى ذلك الوقت ، ويرى ابن العربى فسخ كل العقود فكل أمر يشغل عن الجمعة حرام شرعا مفسوخ ردعا .
وقال الشافعى : إن البيع فى ذلك الوقت ليس بحرام لكنه مكروه ، وهو ينعقد ولا يفسخ ، ثم أنهى القرطبى ذلك بقوله ، قلت : والصحيح فساده وفسخه ، لقوله عليه الصلاة والسلام "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" أى مردود .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن الحنفية قالوا : يحرم البيع عند الأذان الواقع بعد الزوال إلى انتهاء الصلاة ، وقال المالكية : إن عقد البيع فاسد ويفسخ .
وقال الحنابلة : لا ينعقد .
فالخلاصة : أن عقد الصفقات بعد أذان الجمعة حرام عند الجمهور والمال خبيث ، ولا ينعقد عند بعضهم ، مكروه عند الشافعية وينعقد(9/99)
دخول المسجد لمن بها عذر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة فى عادتها الشهرية أن تدخل المسجد لحضور مجالس العلم ؟
An الحائض والنفساء ومن عليه جنابة ولم يغتسل يحرم عليه المكث فى المسجد أما العبور فلا حرج فيه ، بناء على قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا} النساء : 43 ولحديث عائشة رضى الله عنها الذى رواه أبو داود، قالت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة فى المسجد فقال "وجهوا هذه البيوت عن المسجد"ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا، رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال "وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإنى لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب " ولحديث أم سلمة رضى الله عنها الذى رواه ابن ماجه والطبرانى ، قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد-أى فناءه -فنادى بأعلى صوته "إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب " وعن جابر رضى الله عنه قال : كان أحدنا يمر فى المسجد جنبا مجتازا . رواه ابن أبى شيبة وسعيد بن منصور فى سننه ، وجاءت روايات تدل على أن الذين كانت تصيبهم جنابة ولا يجدون طريقا إلى الماء إلا المسجد فكانوا يمرون منه .
ويؤكد أن المحرم هو المكث فقط وليس العبور ما رواه مسلم وغيره عن عائشة رضى اللّه عنها قالت : قال لى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "ناولينى الخمرة منى المسجد" فقلت : إنى حائض فقال "إن حيضتك ليست فى يدك " يعنى لن تلوث المسجد لأن يدك التى تتناولين بها الخمرة ليس بها دم .
وما رواه أحمد والنسائى عن ميمونة رضى الله -عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهى حائض . فيضع رأسه فى حجرها فيقرأ القرآن وهى حائض ، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها فى المسجد وهى حائض والخمرة هى السجادة التى يضعها تحت جبهته عند السجود .
فهذه النصوص تدل على حرمة دخول الحائض والنفساء ومن به جنابة- المسجد لسماع درس علم وغيره ، فالمكث لذلك ممنوع ، والعبور فقط لحاجة لا مانع منه ، ولم يجوز مكث الحائض فى المسجد إلا زيد بن ثابت إذا أمن تلويثها للمسجد يقول الشوكانى "نيل الأوطار ج 1 ص 249 " :
وحكاه الخطابى عن مالك والشافعى وأحمد وأهل الظاهر ، ومنع من دخولها سفيان وأصحاب الرأى وهو المشهور من مذهب مالك(9/100)
الصلاة فى وقت العمل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى منع صاحب العمل للعامل من الذهاب إلى المسجد للصلاة حتى لا يتعطل العمل ، وإذا كان العامل وحده هل يجوز له ترك مكان العمل للصلاة وقد يتسبب فى قطع أجره ؟
An لا يجوز لصاحب العمل منع أحد من العمال من أداء فرض الله تعالى ، سواء أكان صلاة أم غيرها ، ما دام أداء الفريضة ممكنا فى وقت العمل وغير ضارّ به .
فإذا جاء وقت الظهر مثلا، ووقته معروف يمتد حوالى ثلاث ساعات إلى العصر فى فصل الصيف ، فصلاة الظهر تقع أداء فى أى وقت من هذه الساعات كما بينه النبى صلى الله عليه وسلم للأمة من واقع بيان جبريل له ، وإن كانت المبادرة بأدائها فى أول الوقت أفضل للحديث الوارد فى ذلك . فإذا أمكن للعامل أن يصلى الظهر فى وقتها حاضرا قبل العصر، سواء أكان فى أثناء العمل أو بعد الانصراف منه وليس فى ذلك ضرر للعمل لم يجز لصاحب العمل أن يمنعه من الصلاة . أما إذا كان أداء العامل للصلاة يضر بالعمل فلابد من إذن صاحب العمل ، فإن أذن فبها ونعمت ، وإن لم يأذن جاز للعامل تأخير صلاة الظهر حتى يصليها مع العصر عند الانصراف من العمل . وذلك على مذهب الإمام أحمد بن حنبل .
ومثل ذلك إذا كان صاحب العمل متشددا وهدد العامل بالفصل أو بخصم جز من أجره يتضرر منه إذا ذهب إلى الصلاة جاز جمع الصلاتين جمع تأخير .
ولى رجاء حتى تكون العلاقة طيبة بين صاحب العمل والعاملين أن يقتصر العاملون على أداء الصلاة فى أقل وقت ، وألا ينتهزوا فرصة ترك العمل للصلاة بقضاء بعض مصالحهم أو تضييع بعض الوقت فى راحة أو تناول طعام أو شراب مثلا، فإن الوقت ثمين ، وصاحب العمل يعطيهم الأجر على كل الوقت المخصص للعمل -ومن حقه أن يستوفى منهم العمل كاملا فى كل الوقت لكنه -إن كان طيبا-يسمح ببعض الوقت للصلاة فلا يجوز أن يكون هناك ضرر لأحد الطرفين والتفاهم ورقابة الضمير والإحساس بحاجة الوطن والأمة للعمل وزيادة الإنتاج - كل ذلك يساعد على تعاون الطرفين على الخير المشترك . وصاحب العمل إذا علم أن أداء الصلاة ، ومثلها طاعة الله تساعد على إخلاص العامل فى عمله وعلى إتقانه وإجادته سيسمح بسخاء نفس ببعض الوقت لأداء الصلاة وبالتالى ينبغى أن يشكر العامل صاحب العمل على ذلك ويرد له المعروف زيادة فى الإخلاص فى العمل ، واستغلال كل الوقت للإنتاج المثمر الذى ينتفع به الجميع(9/101)
عذاب المتكاسل عن الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكاسل عن الصلاة فى الإسراء والمعراج مع أن الصلاة المكتوبة لم تكن فرضت بعد ؟ .
وما نوع الصلاة من قبل ؟
An الحديث الذى رأى فيه النبى صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة يعذب كان فى رويا رآها مناما-ورويا الأنبياء حق -وقد روى البخارى عن سمرة بن جندب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحد منكم من رويا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وأنه قال لنا ذات غداة : إنه أتانى الليلة آتيان وإنهما استتبعانى وانهما قالا لى :
انطلق ، وإنى انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه ، فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصلح رأسه كما كان ، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال قلت : سبحان الله ما هذا؟ . .. وبعد تمام قصة الرؤيا قالا له : أما الرجل الأول الذى أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .
فهذه الصورة كانت فى رؤيا ، وكانت بعد فرض الصلاة ، لكن هناك رواية للبزار وغيره عن أبى هريرة أن ذلك كان فى قصة الإسراء والإسراء كان فى مكة وحديث الرؤيا كان فى المدينة ، حيث لم تكن فى مكة فرصة لحكاية ذلك فى جمع من أصحابه .
وعليه فتقدم رواية البخارى على رواية البزار والبيهقى والطبرانى .
ولو فرضنا أن ذلك كان ليلة الإسراء فقد تؤول على المستقبل ، يعنى عندما تفرض الصلاة بعدُ ، وقد تؤول على أن الصلاة كانت مفروضة قبل الإسراء ركعتين أول النهار وركعتين آخره ، وما كان ليلة الإسراء فهو تحديدها بخمس صلوات .
وفى حديث البزار أيضا : عذاب من يبخلون بالزكاة ، ويأكلون الربا وكل ذلك شرع فى المدينة بعد حادث الإسراء الذى وقع بمكة ، فيؤول على المستقبل عندما تفرض هذه الأمور إن قبلنا هذه الروايات .
وهناك أيضا كلام كثير فى الصلاة التى صلاها الرسول بالأنبياء فى المسجد الأقصى ليلة الإسراء ، لا مجال لذكره الآن(9/102)
إمامة مقطوع اليدين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز إمامة شخص مقطوع اليدين ؟
An الصلاة خلف إمام مقطوع اليدين صحيحة وإن كانت مكروهة إذا وجد غيره ، جاء فى تفسير القرطبى"ج 1 ص 354"ما نصه :ولا بأس بإمامة الأعمى والأعرج والأشل والأقطع والخصى والعبد إذا كان كل واحد منهم عالما بالصلاة ، وقال ابن وهب : لا أرى أن يؤم الأقطع والأشل ، لأنه منتقص عن درجة الكمال وكرهت إمامته لأجل النقص .
وخالفه جمهور أصحابه وهو الصحيح ، لأنه عضو لا يمنع فقده فرضا من فروض الصلاة ، فجازت الإمامة الراتبة مع فقده كالعين . وقد روى أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى، وكذا الأعرج والأقطع والأشل والخصى قياسا ونظرا وقد روى عن أنس ابن مالك أنه قال فى الأعمى : وما حاجتهم إليه ؟ وكان ابن عباس وعتبان بن مالك يؤمان وكلاهما أعمى، وعليه عامة العلماء . انتهى(9/103)
اعتماد الخطيب على السيف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى فى بعض البلاد أن خطيب الجمعة يمسك فى يده سيفا، فما هو الأصل فى ذلك ؟
An جاء فى زاد المعاد لابن القيم "ج 1 ص 117 " أن النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبة الجمعة لم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره ، وإنما كان يعتمد على قوس وعصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان فى الحرب يعتمد على قوس وفى الجمعة يعتمد على عصا ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائما وأن -ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله ، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا ألبتة ، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس .
وجاء فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 7 ص 384" أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب متوكئا على قوس تارة أو عصا تارة أخرى . وفى سنن أبى داود : كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر، وفى سنن ابن ماجه وسنن البيهقى ومستدرك الحاكم أنه كان إذا خطب فى الحرب خطب على قوس وإذا خطب فى الجمعة خطب على عصا ، وأشار إلى ما ذكره ابن القيم من رفض التعليل بأن الإسلام قام بالسيف .
وجاء فى مجلة الإسلام -المجلد الثالث -العدد 26 أن بعض العلماء قال : إن الخطيب يتقلد السيف ولا يمسكه كما عليه خطباء زماننا ، وبعض العلماء قال : إنه يمسكه بيساره ، أى يتقلده ويمسكه بيساره عند الحنفية ، وعند الأئمة الثلاثة السنة الاعتماد وقت الخطبة على سيف أو عصا أو قوس أو نحو ذلك ، ولا يتعين السيف عندهم .
هذه صورة من آراء العلماء . وفى إمساك الخطيب بسيف أو عصا أو اعتماده على أى شيء ، وذلك كله لمعاونة الخطيب وشد أزره ، وذلك بأى شىء يحقق ذلك ولو بالإمساك بحرف المنبر، وربما لا يحتاج إلى الاعتماد على أى شىء ، والأمر أيسر وأهون من أن نختلف فيه أو نتعصب ، والمهم أن ننفى فكرة أن الإسلام انتشر بالسيف وإذا كان لحمل السلاح أهميته فى الدعوة فى الأيام الأولى . فإن الدعوة الآن تحتاج إلى أسلحة مناسبة للعصر، ومنها سلاح العلم وتطبيقه فى كل المجالات على أساس من العقيدة الصحيحة والخلق الكريم(9/104)
زمن قيام الليل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا} المزمل : 1 - 14 . فهل هذا أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم إلى المسلمين كافة، ولماذا حدد الله تعالى هذا الوقت خاصة؟
An هذا النداء للنبى صلى الله عليه وسلم وكان قيام الليل واجبا عليه أول الأمر ، وقيل : بقى بالنسبة له على الوجوب ، وقيل نسخ ، وصار قيام الليل سنة للجميع كما قال تعالى : {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرض وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه } المزمل : 20 .
فليس هناك فرض على المسلمين إلا الصلوات الخمس .
وهذا التقدير بالزمن تخيير من الله للرسول أن يقوم نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه وما يستطيع أن بقومه ، دون إجهاد .
"إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا" .
جاء فى تفسير القرطبى أن الراجح أن قيام الليل كان فرضا ، واختلف هل على الرسول فقط أو عليه وعلى أمته ، والصحيح ما ورد عن عائشة أن الله عز وجل افترض قيام الليل فى أول سورة المزمل فقام هو وأصحابه حوله ، وأمسك الله خاتمة السورة التى فيها : {إن ربك يعلم . . . } اثنى عشر شهرا فى السماء حتى أنزل الله عز وجل فى آخر السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة . . . رواه مسلم .
وقيام الليل يكون بعد صلاة العشاء وبعد النوم ولو ثلث الليل ، ففى حديث مسلم ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يمض ثلث الليل الأول فيقول : "أنا الملك أنا الملك ، من ذا الذى يدعونى فأستجيب له ، من ذا الذى يسألنى فأعطيه ، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يضىء الفجر" .
وهذا الحديث يدل على فضل قيام ثلثى الليل . . .
وهناك حديث رواه مسلم أيضا . . . يدل على فضل قيام نصف الليل وثلثه وهو إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله . . . " .
وجاء فى رواية النسائى النص على النصف "أن الله عز وجل يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول : هل من داع يستجاب له .. . " وجاء فى رواية ابن ماجه النص على الثلث "ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول من يسألنى فأعطيه .. . " .
من هذه الروايات تعلم أن تحديد هذه الأوقات وارد عن الرسول ، وكانت له حالات مختلفة ، أحيانا يقوم الثلث وأحيانا النصف وأحيانا الثلثين(9/105)
التنفل لمن عليه فوائت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لمن عليه قضاء صلوات مفروضة أن يشتغلا بصلاة النافلة ؟
An فى هذا السؤال نقطتان :
الأولى: هل تجزئ صلاة النوافل عن قضاء الصلوات المفروضة .
والثانية : هل يجوز لمن عليه فوائت أن ينشغل عنها بصلاة النافلة .
أما الأولى : فإن صلاة النافلة مهما كثرت لا يمكن أن تغنى عن قضاء الصلوات المفروضة ، فالنفل لا يسد مسد الفرض أبدا ، وقد أخطأ بعض الناس فهم حديث ورد فى ذلك فقالوا : إن النوافل فيها تعويض عن الصلاة الفائتة ، وهو حديث رواه الترمذى وغيره ، وقال : حديث حسن غريب ذكره أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حريث بن قبيصة يقول عليه الصلاة والسلام "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت خاب وخسر، وإن انتقص من فريضته قال الله تعالى : انظروا هل لعبدى من تطوع يكمل به ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك " فالمعنى الصحيح أن بعض أعمال الصلاة إذا لم يؤدها المصلى أى كانت ناقصة يعوض النقص بالنوافل ، وقيل إن النوافل تعوض نقص الخشوع لا نقص عمل أعمال الصلاة .
فالمهم أن النوافل لا تغنى عن الفريضة التى تركت ، بل تجبر نقص الفريضة التى أديت ، والجبر إما لعمل أو لخشوع .
وأما النقطة الثانية : فى السؤال ، فإن من عليه صلوات مفروضة ووجب عليه قضاؤها الأفضل له أن يشغل كل وقته بأداء الدين الذى عليه ، لأنه سيحاسب إن لم يقم بأدائه وأما النوافل فلا يحاسب على تركها ، فالاشتغال بالواجب مقدم على الاشتغال بالمندوب ، ذلك أن العمر ربما لا يكفى لأداء الصلوات المتروكة بقضائها، فليعجل بها بدلا من التنفل ، فإذا فرغ من كل ما عليه من قضاء كانت الفرصة سانحة له بالتنفل كما يشاء ومع ذلك لا يحرم عليه أن يصلى النوافل مع أن عليه قضاء ، وبخاصة النوافل المؤكدة كالعيدين والضحى والوتر والسنن الراتبة والتراويح ، والحكم هنا اجتهادى لا يوجد فيه نص صريح ، وإن كان يدل عليه حديث مسلم لمن نام عن صلاة أو سها عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك " كما رواه بعضهم من أن القضاء فورى وليس على التراخى(9/106)
الصلاة مع كشف الرأس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز الصلاة للإمام أو المنفرد وهو عارى الرأس ؟
An تغطية الرأس فى الصلاة لم يرد فيها حديث صحيح يدعو إليها ، ولذلك ترك العرف تقديرها ، فإن كان من المتعارف عليه أن تكون تغطية الرأس من الآداب العامة كانت مندوبة فى الصلاة نزولا على حكم العرف فيما لم يرد فيه نص ، وإن كان العرف غير ذلك فلا حرج فى كشف الرأس "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " .
وروى ابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه وهو يصلى حتى لا يمر أحد أمامه . والقلنسوة غطاء الرأس .
وعند الأحناف لا بأس بصلاة الرجل حاسر الرأس أى مكشوفا ، واستحبوا ذلك إذا كان الكشف من أجل الخشوع(9/107)
تسوية الصفوف فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع الإمام يوصى المأمومين بتسوية الصفوف ووصل الأقدام والأكتاف ، وكثيرا ما أحاول ذلك مع جارى فى الصف فيبتعد عنى ، فما رأى الدين فى ذلك؟
An تسوية الصفوف فى الصلاة مندوبة ، رغَّب فيها النبى صلى الله عليه وسلم كثيرا ، وكذلك سَدُّ الفُرج ، أو تضييق المسافة بين المصلى وجاره ، وقد صح فى ذلك قوله "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدى إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان" رواه أبو داود بسند صحيح ، وصح عند البخارى عن أنس : وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه .
إن المطلوب بهذه الإشارات أمران : أحدهما أن يكون الصف مستويا ، وذلك يكون بمحاذاة المناكب والأقدام بعضها ببعض ، أى تكون على خط واحد ، وثانيهما سد الفرج وعدم وجود مسافة بين المصلى وأخيه ، وهو التراص ، وذلك يكون بقرب المناكب والأقدام بعضهما من بعض .
وليس المراد بلزق القدم وضع إحداهما على الأخرى ، أو الضغط عليها ليتم أو يشتد الالتصاق ، فإن هذه الحركة تذهب خشوع المصلى وتضايقه ، والمبالغة فى ذلك تؤدى إلى نفور وغضب .
جاء في فقه المذاهب الأربعة -نشر أوقاف مصر- أنه يُسنُّ تفريج القدمين حال القيام ، بحيث لا يقرن بينهما ولا يوسع إلا بعذر كَسِمَنٍ ونحوه ، وقد اختلف في تقديره في المذاهب ، فالحنفية قدروا التفريج بينهما بقدر أربع أصابع ، فإن زاد أو نقص كره ، ، والشافعية قدروه بقدر شبر، ويكره أن يقرن بينهما أو يوسع أكثر من ذلك ، والمالكية : قالوا : إن التفريج مندوب لا سنة ، وقالوا : المندوب هو أن يكون بحالة متوسطة بحيث لا يضمهما ولا يوسعهما كثيرًا حتى يتفاحش عرفا، ووافقتهم الحنابلة على هذا التقدير، إلا أنه لا فرق عند الحنابلة بين تسميته مندوبا أو سنة(9/108)
قضاء الصلاة النافلة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q استيقظت من النوم بعد طلوع الشمس ، فهل يجب علىَّ أن أصلى ركعتى الفجر مع قضاء صلاة الصبح ؟
An الصلوات المفروضة هى التى يجب قضاؤها إذا خرج وقتها ، سواء أكان ذلك عن سهو ونسيان ونوم أم عن قصد وتعمد، وذلك لحديث مسلم "من نام عن صلاة أو سها عنها فليصلها إذا ذكرها ،لا كفارة لها إلا ذلك " وإذا كان القضاء بسبب السهو أو النوم واجبا فإن القضاء بسبب التعمد فى الترك أولى ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم "فدين الله أحق أن يقضى " وفى رواية البخارى "اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء" أما قضاء النوافل وهى الصلوات غير المفروضة فإن قضاءها غير واجب ، لأنها فى الأصل غير واجبة الأداء، ولكن إذا لم يكن قضاؤها واجبا فهل يكون مندوبا يثاب عليه؟ للفقهاء فى ذلك خلاف ، خلاصته أنهم أجمعوا على ندب قضاء ركعتى الفجر وذلك لأهميتهما، فقد ورد فيهما حديث "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم وحديث عائشة :"لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم على شىء من النوافل اشد تعاهدا منه على ركعتى الفجر" رواه البخارى ومسلم ،ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى قضائهما، "من لم يصل ركعتى الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما" رواه البيهقى وإسناده جيد، وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم كان فى مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس -ارتفعت- ثم أمر مؤذنا فأذن ، فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام ثم صلى الفجر، أما غير ركعتى الفجر فقال الحنفية والمالكية لا يقضى ، وقال الشافعية :كل صلاة لها وقت إذا خرج وقتها يُسْنُّ أن تقضى ، والحنابلة قالوا : تقض الرواتب فقط والوتر(9/109)
التردد على المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل التردد على المساجد يتنافى مع وجوب العمل والسعى لكسب العيش ؟
An وردت نصوص فى فضل التردد على بيوت الله ، كقوله تعالى : {فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال . رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ... } النور: 36 : 37 وقوله صلى الله عليه وسلم فى السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله "ورجل قلبه معلق بحب المساجد" رواه البخارى ومسلم ، وإخباره عن الذين يخرجون من بيوتهم لصلاة الجماعة فى المسجد أن بكل خطوة حسنة، وأنهم فى صلاة ما دامت الصلاة تحبسهم فى المسجد منتظرين الجماعة ، كما رواه البخارى ومسلم ، وقوله فيما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع الدرجات "وانتظار الصلاة بعد الصلاة" كما رواه مسلم .
، وقوله "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له فى الجنة نزلا كلما غدا أو راح " رواه البخارى ومسلم .
والغرض من هذه النصوص أولا المحافظة على الصلوات ، وثانيا أداؤها فى جماعة لتقوية الرابطة الاجتماعية ، وثالثا تعمير المساجد وعدم هجرها ، ورابعا البعد عن أماكن اللهو واستغلال وقت الفراغ فى الخير .
فإذا لم يكن هناك ما يشغل الإنسان من جهاد فى سبيل اللّه أو كسب عيش أو عمل خير فأفضل له أن يمضى أكثر وقته فى بيوت الله ، لأنها خير البقاع كما جاء فى صحيح مسلم وغيره .
ولا يقصد بذلك ترك الواجبات الدينية الأخرى والدنيوية التى تحقق الخير للفرد والمجتمع ، وداوم الصلاة فى المساجد فهو سبحانه القائل {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله} الجمعة: 10 والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعجبه لزوم أبى أمامة للمسجد فى غير أوقات الصلاة ، بسبب همومه وديونه ، ولكن علَّمه ذكرا يقوله وهو يسعى حتى يحقق الله له ما يريد . رواه أبو داود .
ولا يعنى فضل التردد على المساجد أن كل من يتردد عليها يكون مكرَّما عند اللّه ، فإن العبرة بالنية كما نص الحديث ، وكم من الناس يلازمونها ولهم أغراض غير مشروعة كما كان المنافقون أيام الرسول ، والله قال فيمن يعمر مساجد الله {ولم يخش إلا الله} التوبة :
18 وقال فى المرائين بها{فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون . ويمنعون الماعون } الماعون : 4 - 7 أى لم يستفيدوا منها شيئًا من الأخلاق الحسنة لأنهم لم يحسوا معناها الحقيقي وسهوا عن سر تشريعها {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} العنكبوت :45(9/110)
الأحق بإمامة الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يتنافس بعض المصلين على أن يكون إماما، فمن أحقهم بذلك ؟
An بعد الشروط التى لا تصلح أى صلاة بدونها ، وبعد الشروط التى يجب أن تتوافر فيمن يكون إماما مثل : السلامة من الأعذار، وصحة القراءة وغير ذلك مما اشترطه الفقهاء ، هناك أولوية لمن يتقدم للإمامة، جاء فى حديث مسلم وغيره عن أبى سعيد الخدرى مرفوعا "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " والمراد بالأقرأ الأكثر حفظا للقرآن ، لما جاء فى حديث عمرو بن سلمة "ليؤمكم أكثركم قرآنا" وفى رواية أخرى لمسلم وغيره عن ابن مسعود مرفوعا "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سنا، ولا يؤمَّن الرجل الرجل فى سلطانه ، ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه" وفى رواية "لا يؤمن الرجل الرجل فى أهله ولا سلطانه " فالسلطان وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا إذا أذن لغيره بها ، ففى رواية أبى داود "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم" وهو عام فيما إذا وجد مثله أو أفضل منه ، وما إذا لم يوجد .
وترتيب من لهم الأولوية فيه خلاف للفقهاء، لكن من المتفق عليه أن المتفقه فى دينه ، العالم بأحكام الصلاة بالذات وحسن السيرة والمرضى عنه من قومه -ويجمع ذلك قراءة القرآن والعمل به- هو أولى من غيره ممن ليس له هذه المواصفات ، ولو تقدم هذا صحت الصلاة خلفه وإن كان ثوابها أقل ، روى ابن ماجه وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا، رجل أمَّ قوما وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وأخوان متصارمان" إن الذى ينافس غيره على الإمامة يدخله العجب والزهو، وذلك يقلل من ثواب الصلاة إن لم يذهب به أصلا، مع العلم بأن صلاة الجماعة ينال ثوابها كل من الإمام والمأمومين ، فلا فضل لأحد منهم على الآخر ، إلا بمقدار إخلاصه وخشوعه(9/111)
الغفلة عن سماع خطبة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل حضر لصلاة الجمعة فأخذته سنة من النوم ولم يسمع من الخطبة شيئا، فهل تصح صلاته أو تبطل لأنه لم يسمع الخطبة؟
An قال الله تعالى : {فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الأعراف : 204 تأمرنا الآية بالاستماع والإنصات لخطبة الجمعة لأن القرآن يتلى فيها، ووجوب الإنصات قال به جمهور العلماء ، وجعله بعضهم سنة من آكد السنن ، ومن هنا قالوا : إن الغفلة أو النوم وقت الخطبة منهى عنه ، يقول ابن سيرين -وهو من كبار التابعين- كانوا يكرهون النوم والإمام يخطب ويقولون فيه قولا شديدا ،يقولون : مثلهم كمَثل سرية أخفقوا، يعنى كمن رجعوا من الغزو بدون فائدة من قتال أو غنيمة ، وروى فى الحرص على اليقظة عند الخطبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا نعس أحدكم فليتحول إلى مقعد صاحبه وليتحول صاحبه إلى مقعده " ويؤخذ من هذا أن الذى ينبه جاره فى المسجد بغير كلام إذا غفل عن سماع الخطبة لا حرج عليه فى ذلك ، لأنه لم ينصرف عن سماع الخطبة، ولم يشوش على أحد ، بخلاف من يقول لغيره : أنصت ، فإن فى الكلام تشويشا ، وربما أثار عنادا عند الآخر فيكثر اللغو. أخرج القرطبى هذا الحديث فى تفسير سورة الجمعة من رواية سمرة بن جندب رضى الله عنه(9/112)
السجود مرتان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حكمة فى كون الركوع واحدا والسجود اثنين فى الصلاة؟
An العبادات نظام اختاره الله ووضحه الرسول لنتقرب به إلى رب العزة سبحانه ، ولذلك يجب فيها الاتباع والالتزام ، وإذا كانت هناك حكمة منصوص عليها لهذا النظام كان بها ، وإلا فإن عقل المؤمن يمكن أن يفكر ويستنبط الحكمة، وقد يصيب فيها وقد يخطىء، وذلك لا يغير من الحكم شيئا .
ولعل فى كون السجود فى الصلاة مرتين والركوع مرة واحدة إرغاما للشيطان ، وإظهارا له أن ابن آدم الذى هو أبو البشر، والذى أمره الله بالسجود تحية له واحتراما - ابن آدم هذا أمره الله فى الصلاة أن يسجد فسجد ، وكان سجوده مرتين تأكيدا لطاعته لله سبحانه ، وعدم استكبار عليه كما استكبر إبليس ورفض أمر اللّه ، فتكرار السجود تأكيد للامتثال ، وذلك كما قال فى التلبية : لبيك اللهم لبيك ، يعنى إجابة بعد إجابة .
ومن أجل ظهور الخضوع له بقوة فى السجود بكونه مرتين كان فضل الله عظيما للساجدين جاء فيه الحديث الذى رواه مسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا من الدعاء" .
ويؤكد أن تكرار السجود فيه إغاظة للشيطان قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم أيضا "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلاه ، أمر هذا بالسجود فسجد ، وأمرت أنا بالسجود فعصيت ، فلى النار" "الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 2 ص 137 " .
وإذا كان هذا حال الشيطان عندما يسجد ابن آدم للّه سجدة واحدة إذا قرأ آية فيها سجدة -وربما لا تتيسر له هذه القراءة إلا فى فترات متباعدة- فكيف يكون حال الشيطان فى ذلته وحسرته إذا تكرر سجود ابن آدم فى اليوم الواحد أربعا وثلاثين مرة فى الصلوات المفروضة بل يتكرر أكثر من ذلك إذا صلى النوافل ؟ ومن هنا نعلم أهمية السجود الذى جاء التعبير به أحيانا كمن الصلاة كلها .
فقد روى مسلم وغيره أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن أحب الأعمال إلى الله ، أو عن عمل يدخله الجنة فقال له "عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك خطيئة" وروى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لربيعة بن كعب ، لما سأله الدعاء لله بمرافقته فى الجنة "فأعنِّى على ذلك بكثرة السجود" والمراد الصلاة .
وإذا كان الركوع مرة واحدة فهو كسائر أركان الصلاة يكون مرة واحدة فى كل ركعة ، وذلك كله اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم القائل "صلوا كما رأيتمونى أصلى" رواه البخارى(9/113)
التنافس على الأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لما علم بعض الحاضرين فى المسجد ثواب المؤذن تنافسوا وتسابقوا من أجل الأذان ، وكادت تقوم معركة، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An من المعلوم أن الأذان له فضل عظيم يكفى في بيانه قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "لو يعلم الناس ما فى النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" والاستهام هو عمل القرعة .
وقوله فيما رواه مسلم "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" وفيما رواه البخارى "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة" .
وليس من المعقول أن يمكَّن أكثر من واحد من الأذان على مئذنة واحدة أو مكبر صوت واحد ، فيكفى واحد لإقامة هذه السنة ، التى قيل : إنها فرض كفاية، لو تركه أهل البلد أو المحلة لقوتلوا على تركه لأنه من العلامات التى تدل على أن الأهل مسلمون ، وكان الرسول إذا بعث السرية يقول "إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مناديا -مؤذنا- فلا تقتلوا أحدا" رواه أحمد والترمذى وأبو داود وابن ماجه ، وكان هو إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح ، فإذا سمع أذانا أمسك ، وإذا لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح رواه البخارى .
ورعاية لحرص الكثيرين على الأذان لنيل فضله أوجد لهم الرسول مخرجا من التنافس والتزاحم فندب إلى ترديد ما يقول المؤذن ، إلا عند حىَّ على الصلاة وحىَّ على الفلاح فيقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقد روى الطبرانى حديثا حسنا يقول "من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول فله مثل أجره " وروى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علىَّ ، فإنه من صلى علىَّ صلاة صلى الله بها عليه عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لى الوسيلة حلَّت له الشفاعة"(9/114)
العطاس والتثاؤب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمصلى إذا عطس أن يقول الحمد للّه ، ولماذا يكون الحمد فى العطس، وليس فى التثاؤب مثلا؟
An جاء فى كتاب "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" للنووى ما نصه :
إذا عطس فى صلاته يستحب أن يقول : الحمد لله ويسمع نفسه ، هذا مذهبنا ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال ، أحدها هذا واختاره ابن العربى، والثانى يحمد فى نفسه والثالث قاله سحنون : لا يحمد جهرا ولا فى نفسه .
وجاء فيه أيضا : إذا تثاءب فالسنة أن يرد ما استطاع ، للحديث الصحيح الذى أخرجه البخارى : "إن اللّه تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له : يرحمك اللّه ، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان " .
وفى صحيح مسلم "إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل " يقول النووى : قلت : وسواء كان التثاؤب فى الصلاة أو خارجها يستحب وضع اليد على الفم ، وإنما يكره للمصلى وضع يده على فمه فى الصلاة إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه .
والحمد يكون فى العطاس لأنه إخراج الأبخرة التى تكون فى الدماغ ويحس بألمها الإنسان ، فإذا عطس استراح فيحمد الله على هذه النعمة وهى زوال الألم . أما التثاؤب فهو علامة الكسل والتثاقل ، عبر عنه الحديث بدخول الشيطان فى الفم ، وفيه فتح الفم الذى قد يستقبح الناس ما يرونه فيه ، فالأولى أن يستر .
وقد ذكر النووى حكمة ذلك بقوله : قال العلماء : العطاس سببه محمود وهو خفة الجسم التى تكون لقلة الاختلاط وتخفيف الغذاء وهو أمر مندوب إليه لأنه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة ، والتثاؤب بضد ذلك والله أعلم اهـ .
وهذا الكلام يحتاج إلى وقفة لعل عند المختصين طبيا ما يوضحه(9/115)
خطبة الجمعة بالكاسيت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يكفى استماع خطبة الجمعة من شريط مسجل إذا لم يتوافر الخطيب الكفء ؟
An لا يجوز الاكتفاء بسماع خطبة الجمعة من شريط مسجل أو من الإذاعة أو التليفزيون ثم تقام الصلاة ، بل لابد من خطيب يؤدى الخطبة ، وإذا تعذر من يجيدها أو من لا يخطئ فى القرآن فإن الخطبة عند بعض الأئمة تحصل بمجرد صيغة فيها ذكر لله حتى بقراءة {قل هو الله أحد} وبعضهم اكتفى بعبارة فيها ترغيب وترهيب ، مثل اتقوا الله لعلكم تفلحون ، وابتعدوا عن المعاصى حتى لا يعاقبكم الله .
فالخلاصة أن الخطبة أمرها سهل ، ولا بد أن يؤديها واحد من الناس ، حتى تصح صلاة الجمعة ، ومن أراد بعد ذلك ثقافة دينية بسماع شريط مسجل مثلا فليكن بعد الانتهاء من الصلاة أو قبل الصلاة(9/116)
خطبة الجمعة شرط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل خطبة الجمعة شرط أساسى فى صحة صلاتها؟
An قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الجمعة : 9 وقال بعد ذلك {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} .
يؤخذ من هذا أن من مقاصد تشريع صلاة الجمعة الاستماع إلى ذكر الله بالخطبة التى تلقى، أو ذكر الله بالصلاة نفسها ، ففيها ذكر كثير، وذمَّ الله جماعة تركوا الرسول قائما يخطب وانصرفوا عنه إلى التجارة واللهو، وكانت الخطبة بعد الصلاة، ثم جعلت قبلها حتى يحبس الناس لسماعها .
وكل اجتماع سابق قبل الإسلام عند العرب فى المواسم والأسواق كان -لا يخلو غالبا من خطابة نثرية أو شعرية ، فهو فرصة لعرض الآراء وطرح المشكلات واقتراح الحلول . وكعب بن لؤى أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب فى قريش يوم العروبة وهو يوم الجمعة ، ويذكرهم بمبعث رسول .
ولأهمية خطبة الجمعة حرص عليها النبى صلى الله عليه وسلم لأنها وسيلة من وسائل التبليغ الجماعى، وقال جمهور العلماء بأنها واجبة، لا تصح صلاة الجمعة بدونها ، بناء على الأمر بالسعى إلى ذكر الله إذا نودى لصلاة الجمعة وعلى مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليها ولقوله :
"صلوا كما رأيتمونى أصلى" رواه البخارى .
لكن قال الحسن البصرى وداود الظاهرى والجوينى وبعض علماء المالكية : إنها سنة لا واجبة ، أى تصح صلاة الجمعة بدون الخطبة، لأن أدلة الوجوب ليست قاطعة الدلالة عليه فلا تفيد أكثر من الندب .
ومهما يكن من شىء فلا ينبغى تركها، وهى فى بعض المذاهب يسيرة، فالحنفية اكتفوا فيها بمجرد ذكر الله ، كقول الخطيب ، الحمد لله ، قاصدا بذلك الخطبة والمالكية، قالوا : يكفى اشتمالها على موعظة من ترغيب ترهيب ، مثل : اتقوا الله حتى يرضى عنكم ، ولا تعصوه حتى لا يعذبكم ، ولا داعى إلى التمسك بمذهب الشافعى الذى يحتم أن تكون مشتملة على خمسة أمور، حمد الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، والأمر بالتقوى فى كل من الخطبتين ، وقراءة آية فى إحداهما والأولى أولى ، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات فى الثانية ودين الله يسر(9/117)
جلسة الاستراحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض الناس يعيبون المصلى إذا لم يأت بجلسة الاستراحة، فما جزاء من يتركها؟
An الصلاة بأقوالها وأفعالها تشتمل على أركان واجبة الأداء لا تصح الصلاة إذا ترك واحد منها ، وذلك كالركوع والسجود ، كما تشتمل على سنن يندب ويستحب فعلها ، وتصح الصلاة بدونها كالتسبيحات وتكبيرات الانتقال من ركن لآخر، فالأركان أساسية والمندوبات كمالية ، وقد قسم العلماء المندوبات الكمالية إلى أقسام بعضها أهم من بعضها الآخر، ورأى بعضهم أن الأهم منها يعوَّض عند عدم الإتيان به بسجود السهو، وذلك كالقنوت فى الصبح والتشهد الأول ، ومنها ما لا يعوَّض إن ترك كدعاء الاستفتاح ورفع اليدين عند التكبير للركوع وعند الرفع منه .
وذلك كله مأخوذ من أقوال النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وهو القائل "صلوا كما رأيتمونى أصلى" رواه البخارى، والجلوس فى الصلاة قد يكون ركنًا أساسيا ، كالجلوس بين السجدتين ، والجلوس للتشهد الأخير، و قد يكون غير أساسى ومنه جلسة الاستراحة .
وهذه الجلسة تكون بعد الرفع من السجدة الثانية عند القيام للركعة التالية، وقد اختلف العلماء فى حكمها ، بناء على اختلاف الأحاديث الواردة بشأنها ، فقال بعضهم إنها من سنن الصلاة فيستحب للمصلى أن يأتى بها لينال ثوابا، ومن لم يأت بها لا تبطل صلاته ، وقال بعضهم الآخر ليست من سنن الصلاة فلا ثواب على فعلها، ولكنها مباحة لمن يحتاج إليها ، كالمتعب لمرض أو لكبر سن أو لسبب آخر .
والنبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها قولا، ولكن كان يفعلها أحيانا ويتركها أحيانا أخرى ، بدليل أن الذين رووا صفة صلاته ذكرها بعضهم ، ولم يذكرها بعضهم الآخر، ولو كانت هى من عادة النبى دائما فى صلاته ما أهمل هؤلاء الرواة ذكرها .
من هذا نرى أن جلسة الاستراحة مرخَّص فيها لمن احتاج إليها، أما ترتب ثواب على فعلها أو عدم ترتبه فليس فيه نص يعتمد عليه ، وعلى هذا لا يجوز التعصب لها ولا عيب من يتركها بأنه مخالف للسنة، ولعل ترك النبى صلى الله عليه وسلم لها أحيانا دليل على سماحة الإسلام ويسره، مادامت الأساسيات مؤداة، ولكل أن يزداد من الخير بما يشاء مما شرعه الدين(9/118)
لا صلاة لحابس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "لا صلاة لحابس " وإن كان حديثا فما معناه ؟
An روى أحمد وأبو داود والترمذى وقال : حديث حسن ، عن ثوبان أن النبى قال "ثلاث لا تحل لأحد أن يفعلهن : لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم ، ولا ينظر فى قعر بيت قبل أن يستأذن ، فإن فعل فقد دخل -أى صار فى حكم الداخل بلا إذن- ولا يصلى وهو حاقن حتى يتخفف" وروى مسلم وغيره عن عائشة قالت :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يصلى أحد بحضرة الطعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان " ومعنى حاقن : حابس البول ، والأخبثان هما : البول والغائط .
وجاء فى الإقناع فى فقه الشافعية "ج 1 ص 131 " تكره الصلاة حاقنا بالبول - أو حاقبا بالغائط - أو حاذقا بالريح - أو حاقما بالبول والغائط .
والمقصود أن يكون الإنسان فى صلاته خاشعا متفرغا لفهم معنى ما يقول ويفعل ومدركا مقام الوقوف أمام الله ، لا يشغل عن ذلك بأى شاغل من هذه الأمور ، حتى لا يتوزع فكره ويذهب خشوعه أو يقل ،بل ينبغى التخفيف بإزالة هذه الضواغط والشواغل(9/119)
البناء فوق المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز البناء فوق المسجد لأعمال الخير مثل تحفيظ القرآن الكريم أو عيادة طبية؟
An جاء فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم فى 20/ 11/ 1944 م أنه بعد تمام المسجدية لا يجوز البناء على المسجد ولو لمصالحه ، حتى صرحوا بأنه لا يوضع الجذع ، على جدار المسجد وإن كان من أوقافه " الفتاوى الإسلامية - المجلد 11 ص 3965 " .
وجاء فى فتوى الشيخ حسنين مخلوف فى5/12/1949 م أن ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناء لينتفع به لم يصر بهذا مسجدا ، وله أن يبيعه ويورث عنه ، أما لو كان البناء لصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدا ، وهذا قبل أن يصير مسجدا، أما بعده فلا يمكن أحد من البناء عليه مطلقا، ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون أسفل المسجد أو علوه ملكا بكل حال ينتفع به البانى أو يخصص لصالح المسجد إذا اقتضت الضرورة ذلك ، كما فى البلاد التى تضيق منازلها بسكانها .
وعلى هذا إذا كانت هناك ضروره تدعو إلى المشروع المسئول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين فى الرواية المذكورة عنهما ، لأنها تتفق مع قواعد المذهب ، كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات وقاعدة: المشقة تجلب التيسير، وغيرهما، وهذا مقرر فى قول الله عز وجل {وما جعل عليكم فى الدين من حرج} الحج : 78 "الفتاوى الإسلامية - المجلد الثانى ص 652 "(9/120)
الدفن فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بنى رجل مسجدا وأوصى أن يدفن فيه فهل تصح الوصية ويلزم تنفيذها؟
An أجاب الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ 22 من يونية 1940 م على مثل هذا السؤال بأن ابن تيمية أفتى بأنه لا يجوز أن يدفن فى المسجد ميت ، لا صغير ولا كبير ولا جليل ولا غيره ، فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر، وأن المسجد لو كان موجودا ثم دفن فيه ميت وجب أن يسوى القبر و ينبش ويخرج منه الميت إن كان جديدا، وعلَّل ذلك بأن الدفن فى المسجد إخراج لجزء منه عما جعل له من الصلوات والذكر وتدريس العلم ، وذلك غير جائز شرعا ، وبأن إنشاء قبر فيه يؤدى إلى الصلاة إليه أو عنده ، وذلك منهى عنه ، وأورد فى كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم " ص 158 بعض الأدلة على النهى عن الصلاة عند القبور مطلقا واتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها ، منها حديث مسلم "لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها" وقال ابن تيمية أيضا : لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق .
إن هذا الحكم مبنى على مذهب الإمام أحمد الذى يأخذ به ابن تيمية وابن القيم ، وعند الشافعية أن ذلك ليس بحرام ولكنه مكروه ، قال النووى فى شرح المهذب "ص 316" قال الشافعى والأصحاب : وتكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحا أو غيره ، قال الحافظ أبو موسى : قال الإمام الزعفرانى رحمه الله : ولا يصلى إلى قبر ولا عنده ، تبركا به ولا إعظاما له ، للأحاديث .
فالحكم عندهم هو الكراهة التنزيهية لا التحريمية ولا الحرمة ، ومناط الحكم بذلك هو التبرك والإعظام ، فإذا لم يكن تبرك ولا إعظام فلا كراهة على هذا .
أما الحنفية فالدفن فى المسجد أولى بالحظر من الصلاة على الجنازة فى المسجد، الوارد فيها حديث "من صلى على جنازة فى المسجد فلا أجر له" لأن فيها كما قال صاحب الهداية -إخراجا لجزء من المسجد عما جعل له من العبادة بالصلاة والذكر والعلم ، وصلاة الجنازة فى المسجد مكروهة كراهة تحريم كما هو إحدى الروايتين وهى التى اختارها العلامة قاسم وغيره "الفتاوى الإسلامية المجلد الثانى صفحة 655" وهى سنة عند الشافعية وجائزة عند الحنابلة إن لم يخش تلويث المسجد .
هذا إذا كان الدفن داخل المسجد أما إذا كان بجواره خارجا عنه فلا حرمه ولا كراهة(9/121)
صلاة البردين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذا القول من الحديث النبوى "من صلى البردين دخل الجنة" وما المقصود منهما؟
An هذا حديث صحيح رواه البخارى ومسلم ، والبردان هما الصبح والعصر ، لوقوعهما فى أول النهار وآخره ، والمقصود هو الحث على المحافظة عليهما ، فهما الوقتان اللذان تتبادل فيهما ملائكة الليل وملائكة النهار كما صح فى حديث البخارى ومسلم ، حيث يسألهم ربهم : كيف تركتم عبادى؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون ، فاغفر لهم يوم الدين . وليس المراد من الحديث أن الذى يصليهما ولو مرة واحدة يدخل الجنة ، بل المراد التأكيد على المحافظة عليهما كما قال سبحانه {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} البقرة : 238 وكما قال فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم على صلواتهم يحافظون} المؤمنون :9 .
ومن حافظ على هاتين الصلاتين سيحافظ على غيرهما لأن الأولى تكون بعد النوم والنفس تتراخى عن القيام منه ، فمن قام وأدَّاها فى وقتها الضيق خشية أن تفوته دل ذلك على عنايته بالصلاة وعدم تهاونه فيها ، وكذلك الثانية تؤدى بعد جهد كبير طول النهار قد يكون طلب الراحة من العمل داعيا إلى إهمالها، فمن حافظ عليها كانت محافظته على غيرها أيسر، وقد نص على أنها هى الصلاة الوسطى التى ركز الله على الاهتمام بها والمحافظة عليها .
ومما جاء فى التأكيد على هاتين الصلاتين حديث رواه مسلم "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعنى الفجر والعصر" وحديث البخارى ومسلم "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " وفى رواية "فكأنما وتر أهله وماله "(9/122)
الإمام الأبكم والأصم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز الصلاة خلف إمام أصم أبكم ؟
An الإمام الأبكم الذى لا يقدر على الكلام لا يقرأ الفاتحة ولا يكبر للإحرام ، فلا تصح إمامته ، لأنه أنقص من المأمومين .
جاء فى فقه المذاهب الأربعة فى شروط الإمامة : القراءة بحيث يحسن الإمام قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به إذا كان المأموم قارئا يحسن ذلك ، فلا يجوز أن يقتدى قارئ بأمى ، أما اقتداء أمِّى بمثله فصحيح . هذا ، والأبكم أشد نقصا من الأمى الذى لا يحسن القراءة ، فعدم إمامته أولى، أما الأصم فهو فاقد السمع فقط ، وليس السمع شرطا فى صحة الجماعة ، فيجوز أن يكون إماما(9/123)
قضاء الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فاتتنى صلاة رباعية وأنا فى السفر فهل أقضيها بعد السفر مقصورة أو تامة، ولو فاتتنا صلاة العصر وأردت قضاءها الليل هل أسر فيها أم أجهر؟
An من فاتته صلاة رباعية فى السفر له أن يقضيها ما دام السفر قائما، فيصليها مقصورة كما كانت تؤدى فى وقتها مقصورة، أما إذا لم يقضها حتى انقطع سفره فإن الحنفية والمالكية يقولون :
يقضيها مقصورة ، أى على الحالة التى فاتته عليها ، أما الشافعية والحنابلة فيقولون : يقضيها تامة، لأن سبب القصر قد زال بالإقامة فتعود إلى الحكم الأصلى وهو الإتمام .
أما إذا فاتته صلاة رباعية فى الحضر وأراد قضاءها فى السفر المبيح للقصر فيجب قضاؤها تامة غير مقصورة، وذلك باتفاق جميع المذاهب .
وإذا فاتته صلاة سرية كالظهر أو العصر وأراد قضاءها بالليل قال الحنفية والمالكية تقضى سرا ، أى لا يجهر فيها القراءة، وإذا فاتته صلاة جهرية كالصبح أو المغرب أو العشاء وأراد قضاءها نهارا قضاها جهرا، فالعبرة عندهم بوقت فواتها لا بوقت قضائها والشافعية قالوا : العبرة بوقت القضاء سرا أو جهرا، فممن صلى الظهر قضاء بالليل جهر بالقراءة ، ومن صلى المغرب قضاء بالنهار أسرَّ بالقراءة، والحنابلة قالوا : إذا كان القضاء نهارا فإفه يُسر مطلقا ، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية ، وسواء أكان إماما أم منفردا ، وإن كان القضاء ليلا فإنه يجهر فى الجهرية إذ ا كان إماما ، وذلك لشبه القضاء بالأداء فى هذه الحالة، أما إذا كانت سرية فإنه يسر مطلقا ، وكذلك إذا كانت جهرية وهو يصلى منفردا فإنه يسر "الفقه على المذاهب الأربعة" إنها وجهات نظر مختلفة لا مانع من الأخذ بأىٍّ منها(9/124)
الاستخلاف فى الإمامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا أصيب الإمام أثناء الصلاة بألم ولم يستطع أن يكمل الصلاة فهل يجوز أن يختار من المصلين من يحل محله لإتمام صلاة المأمومين ؟
An نعم ، يجوز للإمام إذا أحس بألم أن يستخلف أحد المأمومين ليكمل الصلاة بدليل ما رواه البخارى أن عمر رضى الله عنه لما ضرب وهو يصلى أخذ عبد الرحمن بن عوف فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة، وكذلك روى سعيد بن منصور أن عليا كرم الله وجهه صلى ذات يوم فرعف - نزل دم من أنفه- فأخذ بيد رجل فقدمه ، ثم انصرف(9/125)
إجازة المدارس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا كانت إجازة المدارس فى البلاد الإسلامية بعد ظهر الخميس ويوم الجمعة ؟
An يقال : إن عمر رضى الله عنه لما شجع الكتاتيب لتحفيظ القرآن ومدارسته بإنشاء أول كُتَّاب بجوار الحرم النبوى كلف عامر بن عبد الله الخزاعى بتعليم الأولاد، على أن يكون ذلك بدرس بعد صلاة الصبح إلى الضحى ، ، ودرس بعد صلاة الظهر إلى العصر، ولما خرج إلى الشام وغاب شهرا خرج المسلمون على مسيرة يوم للقائه ومعهم الصبيان ، فكان يوم الخميس ، فتأخر عنهم إلى الغروب ، ثم تعبوا يوم الجمعة ولم يحضروا إلى الكتَّاب فلما علم عمر بذلك أجازهم هذين اليومين من كل أسبوع (ص 2 من كتاب : نظام التعليم العربى ، لآدم الألورى، وربما نقله من المدخل لابن الحاج ج 2 ص 227)(9/126)
حد السرقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تقطع يد السارق فى كل حالات السرقة، وكيف يكون القطع ؟
An قطع يد السارق فى السرقة عقوبة حَديَّة وليست تعزيرية، ولابد من الاحتياط والتأكد من توافر أركان الجريمة ، بناء على قوله صلى الله عليه وسلم "ادرءوا الحدود بالشبهات " وفى رواية "ادرءوا الحدود ما وجدتم لها موقعا" وفى موضع آخر من هذا الكتاب تخريج هذا الحديث .
ومن الشروط التى تتحقق بها السرقة الموجبة للحد بالنسبة للسارق البلوغ والعقل والاختيار وعدم وجود شبهة للسارق فى الشىء المسروق - وتوضيح الشبهة يطول ، وأن يكون المسروق مما يتمول ويملك ، مع اختلاف الفقهاء فى هذا المعنى، وأن يبلغ المسروق نصابا فى الزكاة "ثمن خمسة وثمانين جراما من الذهب عيار ( 21) أو ثمن ستمائة جرام من الفضة تقريبا" وأن يكون المسروق فى حرز يناسبه ، وفى تحديده خلاف .
ويثبت الحد بإقرار السارق أو شهادة عدلين ، وإذا ثبت الحد فلا شفاعة فيه ، وحديث المخزومية التى سرقت فقطع النبى صلى الله عليه وسلم يدها معروف ، حيث رفض الشفاعة فيه ، وأقسم أن فاطمة بنته لو سرقت لقطع يدها .
وعند عدم وجود الشهود يندب للقاضى أن يلقن السارق المعترف ما يمنع عنه إقامة الحد ، كإنكاره السرقة ، أو ادعاء أن المسروق ملكه ، فإن أصر على اعترافه أقيم عليه الحد، وإن رجع لا يقام عليه الحد ولكن توقع عليه عقوبة تعزيرية .
والعقوبة إذا استوفت السرقة شروطها وأركانها هى الحد وهو قطع اليد، كما قال تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللّه والله عزيز حكيم} المائدة : 38 فتقطع يده اليمنى من المفصل وهو الكوع ، فإذا سرق مرة ثانية تقطع رجله اليسرى ، فإذا سرق مرة ثالثة قال أبو حنيفة : يعزر ويحبس ، وقال الشافعى وغيره :
تقطع يده اليسرى فإن عاد قطعت رجله اليمنى، فإن عاد عزر وحبس .
قال العلماء : ومن التنكيل بالسارق وزجر غيره أمر الشارع بتعليق يده المقطوعة فى عنقه ، روى أبو داود والنسائى والترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت فى عنقه(9/127)
قول : فداك أبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل قول الإنسان لآخر يحبه أو يحترمه : فداك أبى جائز ؟
An قال النووى فى كتابه "الأذكار" ص 369 : المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره : فداك أبى وأمى ، أو جعلنى الله فداك ، وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة فى الصحيحين وغيرهما ، وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين . وكره بعض العلماء ذلك إذا كانا مسلمين ، وكره مالك بن أنس أن يقال : جعلنى الله فداك . وأجازه بعضهم ، وقال القاضى عياض : ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك ، سواء كان المفدَّى به مسلما أو كافرا ، وأيد النووى ذلك لوجود أحاديث صحيحة كثيرة فى جوازه(9/128)
الطريقة الرفاعية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الطريقة الرفاعية وما هو منهجها ؟
An الطريقة الرفاعية نسبة إلى الشيخ أحمد بن الحسين الرفاعى الذى ولد سنة 512 هـ فى بلدة "أم عبيدة" بأرض البطائح بالعراق ، ومات بها يوم الخميس 12 من جمادى الأولى سنة 570هـ كما يقول الشعرانى فى" الطبقات الكبرى ج 1 ص 140 - 145 " أو سنة 572هـ كما تقول الدكتورة سعاد ماهر ، ودفن هناك ، أما الرفاعى الموجود فى مصر فمن نسله . وجاء فى الجزء الأول ص 304 من كتاب "مساجد مصر وأولياؤها" للدكتورة سعاد ماهر أنه ولد يتيما ، وحفظ القرآن صغيرا ، وتردد على مجالس العلماء والصوفية، وكسب قوته بعمله ويده ، وكان يشترط على تلاميذه ومريديه أن يكون لهم عمل يكسبون منه العيش ، وفى سن الخامسة والعشرين توفى خاله الشيخ منصور البطائحى بعد أن ولاه خلافة طريقته التى عبر عنها فى أقوال صريحة منها : طريقى دين بلا بدعة، وهمة بلا كسل ، وعمل بلا رياء، وقلب بلا شغل ، ونفس بلا شهوة .
أما ما ينسب إلى طريقته من إمساك الثعابين ووضع الأسياخ فى الجسد بدون دم ولا جرح فيقول ابن خلكان : لم نعثر فى ترجمة الرفاعى على ذلك أو إشارة لها من قريب أو بعيد . وعلق محمد فريد وجدى على أكلهم الحيَّات والجلوس على النار بأن ذلك لدخول الإنسان فى حالة غير اعتيادية ، كما هو موجود عند الديانات الهندية القديمة . وذكر الصوفى ابن العربى نوعا من الرياضة الجسمانية والروحية تؤهل مزاوليها للقيام بأعمال خارقة .
ترك الرفاعى مؤلفات فى التوحيد والتفسير والحديث والتصوف والفقه ، مثل كتاب : البهجة وشرح التنبيه فى الفقه الشافعى . ويمكن الرجوع إلى كتاب الطبقات للشعرانى لمعرفة كثير من الأقوال المأثورة عنه(9/129)
الغيبة والزنا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تعتبر الغيبة أشد جرما من الزنا؟
An جاء فى "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذرى : روى عن جابر ابن عبد الله وأبى سعيد الخدرى رضى الله عنهما قالا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الغيبة أشد من الزنا" قيل كيف ؟ قال "الرجل يزنى ثم يتوب فيتوب الله عليه ، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه" رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الغيبة ، والطبرانى فى معجمه الأوسط والبيهقى، ورواه البيهقى أيضا عن رجل لم يُسَمَّ عن أنس ، ورواه عن سفيان بن عيبنة غير مرفوع وهو الأشبه .
يعنى هذا الحديث ليس منسوبا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ، وهو من قول بعض الصحابة ولعله يريد بذلك التنفير والتحذير، والتعليل بعدم مغفرة الغيبة إلا بمغفرة من اغتيب موجود أيضا فى الزنا إذا كان بالغصب ، فلا يغفر إلا بمسامحة المزنى بها أو من له حق من زوج أو ولى .
هذا ، والمحرمات كلها معاصٍ يجب البعد عنها دون تفريق بين الصغائر والكبائر، ولا بين كبيرة وما هو أكبر منها ، وعند التوبة من المعاصى لكل منها طريقة تختلف عن الأخرى وبخاصة الكبائر مع التنبيه على أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة(9/130)
تطويل الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للإمام أن يطيل فى الركعة حتى يدركه من يسمعه يقول : إن الله مع الصابرين ؟
An لا مانع من إطالة الإمام فى الركعة الأولى حتى يدركه من يريدون الاقتداء به عند شعوره بقدومهم أو سماع قولهم : إن الله مع الصابرين . ففى حديث أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يطول فى الأولى ، قال : فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى . وعن أبى سعيد قال : لقد كانت الصلاة تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضى حاجته ثم يتوضأ ثم يأتى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى الركعة الأولى مما يطولها، رواه مسلم وأحمد والنسائى وابن ماجه(9/131)
ستر العورة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يشاهد فى بعض الأندية الرياضية توجُّهُ الشبان للصلاة بالشورت ، فهل تصح بهذه الملابس ؟
An الصلاة وقفة من العبد أمام الله سبحانه ، يسبحه ويمجده ويطلب الهداية منه فى مناجاة بقراءة القرآن ، وفى تذلل بالركوع والسجود ، ومن أدب هذه العبادة ستر العورة إلى جانب الطهارة واستقبال القبلة ، قال تعالى {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف : 21 والمراد بالزينة ما يستر العورة ، وبالمسجد الصلاة فى بعض أقوال المفسرين ، أى عليكم أن تستروا عوراتكم عند كل صلاة، وسترها يكون بشىء يحجب لون الجلد حتى لو كان ضيقا يحددها .
وتحديد العورة يختلف فيه الرجل عن المرأة ، أما المرأة فعورتها جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ، لقوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} النور: 31 فصلاتها مع انكشاف شىء منها باطلة وتجب إعادتها ، والمالكية جعلوا لها عورة مغلَّظة تبطل الصلاة بعدم سترها ، وهى ما عدا الأطراف من جسمها ، أما المخففة كالرأس وما تحت الركبة فتصح الصلاة مع كشفها وإن كان كشفها حراما أو مكروها ، ويستحب إعادتها مستورة فى الوقت ، وأما عورة الرجل فى الصلاة فالسوأتان تبطل الصلاة بعدم سترهما ، وأما عداهما من الفخذ والسرة والركبة، فقد اختلفت فيه الآراء ، فجمهور الفقهاء على أنه عورة يجب ستره لحديث رواه أحمد والحاكم والبخارى فى تاريخه أن النبى صلى الله عليه وسلم مرَّ على معمرٍ وفخذاه مكشوفتان فقال له "غطِّ فخذيك فإن الفخذين عورة" وقال مثل ذلك لرجل آخر كما رواه مالك وحسنه الترمذى .
ومن هنا يرى جمهور الفقهاء أن الصلاة بالشورت الذى يكشف عن الفخذين باطلة . ومعنى هذا أن الذين يمارسون الألعاب الرياضية بالملابس القصيرة لا تصح صلاتهم إلا بملابس ساترة عند الجمهور، ومن أجل الحاجة أو الضرورة يمكن أن يتبعوا رأى من يقول : إن الفخذ ليس بعورة استنادا إلى حديث رواه البخارى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه أى كشفها حتى إنى لأنظر إلى بياض فخذه ، وبهذا أخذ الإمام مالك رضى الله عنه .
لكن الأدب مع الله يقضى باتباع رأى الجمهور لأنه الأحوط ، ولا يلجأ إلى غيره إلا عند الضرورة أو الحاجة كضيق الوقت وعدم وجود ثوب سابغ(9/132)
صلاة الجماعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أسكن فى عمارة فى أسفلها زاوية للصلاة، هل يجوز لى أن أصلى وأنا فى مسكنى خلف الإمام الذى يصلى فى الزاوية مع العلم بأنى أعلم بكل أعماله فى الصلاة عن طريق مكبر الصوت ؟
An صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد ببضع وعشرين درجة، وقد بيَّن الحديث سبب مضاعفة الثواب بقوله "وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه ما دام فى مُصَلاَّه ما لم يحدث : اللهم صَلِّ عليه اللهم ارحمه ، ولا يزال فى صلاة ما انتظر الصلاة" فالحديث يحث على صلاة الجماعة فى المسجد حتى يضاعف الثواب بالخطوات والانتظار فيه حتى تقام الصلاة ، وبعد الصلاة لختامها .
وهذه المضاعفة لا توجد فى صلاة المنفرد فى بيته بل لو صلاها جماعة فى بيته سيضيع منه ثواب الخطوات والمكث فى المسجد، إن كان للجماعة أيَّاً كان ثواب إن شاء الله .
وقد شرط العلماء لصحة صلاة الجماعة التمكن من ضبط أفعال الإمام إذا كان المأموم خارج المسجد الذى يصلى فيه الإمام وألا تزيد المسافة بينهما على ثلثمائة ذراع ، وألا يكون بينهما حائل يمنع وصول المأموم إلى الإمام لو أراد بدون انحراف عن القبلة ، بمعنى أن الذى يريد أن يصلى جماعة فى مسكن بالعمارة التى فى أسفلها مسجد فيه إمام يصلى هل يستطيع النزول إليه على السلم دون انحراف عن القبلة؟ إن أمكن صحت الجماعة وإلا فلا ، هكذا قال الإمام الشافعى . ولكن الإمام مالكا يحكم بصحة الجماعة ما دام المأموم متمكنا من ضبط أفعال الإمام عن طريق مكبر الصوت .
والإمام أحمد يشترط رؤية المأموم للإمام أو مَن وراء الإمام ، وهذا لا يحصل فى الصورة الواردة فى السؤال .
فالخلاصة أن صلاة الجماعة فى صورة السؤال صحيحة عند الإمام مالك ، باطلة عند غيره(9/133)
إمامة الصبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندنا مسجد فى القرية ليس له إمام مخصوص، ولكن يوجد صبى يحفظ بعض القرآن الكريم يصلى بنا جماعة أحيانا فقال بعض المصلين : إن صلاته بهم لا تجوز لأنه صغير ولأن المأمومين أكبر منه ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم" والمراد بالقراءة هنا كثرة الحفظ ومعرفة أحكام الدين ، أى أفقههم كما قال بعض العلماء .
وروى البخارى وغيره أن عمرو بن سلمة نقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا" فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى فقدمونى بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين ، وجاء فى رواية النسائى أنه ابن ثمان سنين ، وجاء فى رواية أحمد وأبى داود أنه قال : فما شهدت مجمعا من جَرْمٍ - وهم قومه- إلا كنت إمامهم إلى يومى هذا .
بناء على ما تقدم يجوز للصبى أن يكون إماما لمن هم أكبر منه سنًا ، وبخاصة إذا تميز عنهم بالتفقه فى الدين ، وهذا ما قال به الإمام الشافعى رضى اللّه عنه ، أما الإمام مالك فقد كره أو منع ذلك فى الفرائض وأما أبو حنيفة وأحمد ، فقد اختلفت الرواية عنهما ، والمشهور عنهما كما قال ابن حجر فى كتابه "فتح البارى" أنهما يجوزان أن يكون الصبى إمامًا فى النوافل كالتراويح والعيدين دون الفرائض ، لكن هذه التفرقة لا معنى لها ، لأن حديث عمرو فيه أذان للصلاة ثم الإمامة ، والأذان لا يكون إلا للفريضة دون النافلة .
والذين منعوا إمامة الصبى أو كرهوها فى الفريضة استندوا إلى أثر عن ابن مسعود بأنه لا يؤم الغلامُ حتى تجب عليه الحدود ، أى حتى يكلَّف بالبلوغ ، وكذلك أثرٌ مثله عن ابن عباس رواهما الأثرم فى سننه ، وليسا مرفوعين إلى النبى صلى الله عليه وسلم بل هما رأيان لهما ، وفى مثل هذا المقام يقدم الحديث المرفوع على الكلام الموقوف على الصحابى، كما يقدم ما رواه البخارى ومسلم على ما رواه الأثرم .
والموضوع موضح فى نيل الأوطار للشوكانى، وخلاصته أن إمامة الصبى فى الفرائض جائزة وصحيحة عند الشافعى ويمكن الأخذ به في الصبى يصلى بوالدته وإخوته وأخواته ، والتلميذ يصلى بزملائه ، لكنها غير جائزة عند الأئمة الاخرين ، والبالغ إن وجد أولى من الصبى(9/134)
تغير المكان لكل صلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض الناس إذا انصرفوا من صلاة الجماعة لصلاة السنة تبادلوا الأمكنة التى كانوا فيها، ولا يصلون السنة فى المكان الذى صلوا فيه الفريضة، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An روى أحمد وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يوطِّن الرجلُ المكان فى المسجد كما يوطن البعير (فعله: أوْطَن أو وطَّن.) .
تحدث العلماء عن هذا الحديث وقالوا : يكره للرجل أن يتخذ له مكانا خاصا فى المسجد لأداء الصلاة فيه ، بحيث يمنع غيره أن يصلى فيه ، وقد يكون هذا المكان مفضلا كالروضة الشريفة فى المسجد النبوى، فلا يصح استئثار جماعة أو واحد به ، بل يدع الفرصة لغيره أن ينال شرف الصلاة فيه .
والذى يغير مواضع صلاته فى المسجد ولا يلتزم مكانا معينا قد يخشى أن يقع تحت طائلة هذا الحديث . ولكن المعقول أنَّ تنقل المصلى فى عدة أماكن من المسجد يُقصد منه كثرة ما يشهد له يوم القيامة بعمل الخير، فإن الثابت أن أشياء كثيرة تكون شاهدة للإنسان أو عليه يوم القيامة ، كما قال تعالى{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} النور: 24 وقال : {وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء} صح فى الحديث الذى رواه البخارى وغيره أن المؤذن لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة .
والرجل الذى يريد أن يصلى فى مواضع متعددة من المسجد أو من غيره يريد أن تكثر الشهود له يوم القيامة بالصلاة ، والإنسان فى هذا اليوم محتاج إلى كل شاهد يشهد له بالخير ويشفع له . قال تعالى {إذا زلزلت الأرض زلزالها . وأخرجت الأرض أثقالها . وقال الإنسان مالها . يومئذ تحدث أخبارها . بأن ربك أوحى لها} يقول المفسرون : أى تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرٍّ يوم القيامة ، وروى الترمذى بسند حسن صحيح ، أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الأية قال "أتدرون ما أخبارها"؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول : عمل يوم كذا، كذا وكذا" .
هذا وقد روى أبو داود وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يصلى الإمام فى مقامه الذى صلَّى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه" كما رويا أنه قال "أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله" يعنى فى النفل ، وفى إسناده هذين الحديثين مقال . "نيل الأوطار ج 3 ص 209" ولكن تغيير مكان الصلاة للنوافل مشروع رجاء تعدد مواضع السجود التى تشهد للمصلى(9/135)
إضافات للأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أنه كان فى زمن السلف سلام بعد الأذان على الخلفاء والأمراء؟
An الوارد فى التاريخ أن بلالا كان إذا فرغ من الأذان يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : السلام عليك يا رسول الله .
وربما قال : السلام عليك بأبى أنت وأمى يا رسول اللّه ، حى على الصلاة ، حى على الصلاة السلام عليك يا رسول اللّه . قاله الأستاذ الكتانى فى كتابه "التراتيب الإدارية" ج 1 ص 75 .
فلما ولى أبو بكر رضى الله عنه كان المؤذن سعد القرظى يقف على بابه فيقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة اللّه وبركاته ، حى على الصلاة، حى على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول اللّه ، فلما استخلف عمر رضى الله عنه كان سعد يقف على بابه ويقول مثل ما يقول لأبى بكر. فلما قال عمر للناس : أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فدُعى أمير المؤمنين ، صار المؤذن إذا أذن يقول بعد الأذان : السلام عليك يا أمير المؤمنين... فلما ولى عثمان بن عفان رضى الله عنه كان العمل على هذا .
وما برح المؤذنون إذا أذنوا سلَّموا على الخلفاء ، ثم يقيمون الصلاة بعد السلام ، فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلى بالناس ، هكذا كان العمل مدة أيام بنى أمية وبنى العباس فى مصر والشام والحجاز وسائر الأمصار .
وفى مصر ، عندما ملك الفاطميون أمر جوهر الصقلى أن يكون الأذان على عمل آل البيت ، فزيد فيه "حى على خير العمل " وأصله فى مسند ابن أبى شيبة ، فكان المؤذن بعد الأذان يقف على باب القصر ويقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين . وربما قال بعد ذلك : الصلاة والسلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى آبائك الطاهرين . فلما زالت دولة الفاطميين وجاءت الدولة الأيوبية نبذ صلاح الدين كل ما كان لهم من شعار، فبدَّل السلام على الخليفة بالسلام على رسول الله ، فكان المؤذن بعد الأذان يقول : السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة الله وبركاته .
وربما قال : الصلاة والسلام .
كان هذا العمل قاصرا على قصر الإمارة فقط ، يعنى فى المسجد السلطانى ونحوه فلما كان أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الأيوبيين أمر جميع المؤذنين فى مصر والقاهرة أن يقولوا على المنابر عقب الأذان : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، وأن يقتصر فى ذلك بعد أذان العشاء الأخيرة، فظل العمل على هذا إلى زمن المنصور حاجى بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون ، فأمر أن يقال ذلك بعد أذان الفجر وبعد كل أذان ما عدا المغرب ، فما برح المؤذنون على ذلك إلى وقتنا هذا "مجلة الإسلام المجلد الثانى ، العدد الحادى والأربعون ، بقلم حسن محمد قاسم" .
يؤخذ من هذا أنه لا بأس من الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم عقب الأذان ويكون من باب التثويب الذى استحسنه المتأخرون ، مبالغة فى إعلام الناس بدخول الوقت وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن . وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة أن بعض الخلف زادوا عقب الأذان وقبله أمورا، منها : الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عقبه ، ومنها التسابيح والاستغاثات قبله بالليل ونحو ذلك ، وهى بدع مستحسنة، لأنه لم يرد، فى السنة ما يمنعها، وعموم النصوص يقتضيها، وقال الشافعية والحنابلة : إن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عقب الأذان سنة. وأكرر التنبيه على أنه لا تجوز المسارعة بالحكم بالبدعة على الشىء والواجب هو التريث والتأنى والبحث والدرس ، حتى لا يتفرق المسلمون شيعا من أجل حكم شرعى فرعى فى أمر اختلفت فيه آراء الفقهاء الأعلام منذ القرون الأولى .
"راجع مقال الشيخ عبد الرحمن خليفة المنشور فى مجلة الإسلام المجلد الثانى - العدد 48 "(9/136)
التبليغ خلف الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى رفع بعض المأمومين صوته ليعلم المأمومون حركات الإمام ؟
An التبليغ خلف الإمام مشروع ، ودليله ما رواه مسلم عن جابر: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، وروى ذلك عن عائشة أيضا ، وعلق النووى فى شرح صحيح مسلم على ذلك بجواز رفع الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه ، وأنه يجوز للمقتدى اتباع صوت المكبر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ونقلوا الإجماع فيه ، وأراه يصح الإجماع فيه ، فقد نقل القاضى عياض عن مذهبهم أن منهم من أبطل صلاة المقتدى ، ومنهم من لا يبطلها ، ومنهم من قال : إن أذن له الإمام فى الإسماع صح الاقتداء به ، وإلا فلا ، ومنهم من أبطل صلاة المستمع ومنهم من صححها، ومنهم من قال : إن تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته . وهذا كله ضعيف والصواب جواز كل ذلك وصحة صلاة المسمع والسامع ولا يعتبر إذن الإمام . انتهى .
ذكر هذا السيد الحموى فى رسالته "القول البليغ فى حكم التبليغ" مجلة الإسلام -العدد 22 فى 30 أغسطس 1935 .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة "نشر أوقاف مصر" أن من سنن الصلاة جهر الإمام بالتكبير والتسميع - سمع الله لمن حمده - والسلام ، لإعلام من خلفه ، فإن كان من خلفه يسمعه كره التبليغ من غيره ، لعدم الاحتياج إليه . ويجب أن يقصد المبلغ -سواء كان إماما أو غيره - الإحرام للصلاة بتكبيرة الإحرام ، فلو قصد الإعلام فقط لم تنعقد صلاته - الشافعية قالوا : إذا قصد بتكبيرة الإحرام الإعلام والإحرام لا تنعقد صلاته أيضا .
أما غير تكبيرة الإحرام من تكبيرات الانتقال والتسميع والتحميد فإن قصد بها التبليغ فقط فلا تبطل صلاته ، وإنما يفوته الثواب والشافعية قالوا : إذا قصد بهذه الأشياء مجرد التبليغ أو لم يقصد شيئا بطلت صلاته .
أما إن قصد التبليغ مع الذكر فإن صلاته صحيحة ، بخلاف تكبيرة الإحرام كما تقدم(9/137)
الدعاء فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى أحسن الأدعية التى تقال فى الصلاة؟
An الصلاة فى اللغة معناها الدعاء ومنه قوله تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} أى ادع لهم بالبركة والنماء عند أخذ الزكاة، وهى فى الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
فالصلاة التى نُصليها فيها إلى جانب الأفعال كالركوع والسجود أقوال كقراءة الفاتحة والتشهد والتسبيح والتكبير والدعاء فى السجود وغيره ، فهناك علاقة وثيقة بين الدعاء والصلاة لأنها مناجاة لله مع حركات تشهد بالإخلاص فى هذه المناجاة .
وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة بما فيها من أقوال وأفعال ، بيَّنها بفعله ، وبقوله ، وقال "صلوا كما رأيتمونى أصلى" رواه البخارى ونظم الدعاء والذكر وجعل له مواطن هو أولى وأجدر بها ، وكتب السنة مملؤة بما كان يقوله صلى الله عليه وسلم فى كل ركن من أركان الصلاة .
وفى السجود بالذات حث النبى صلى الله عليه وسلم على كثرة الدعاء وقال فى سبب ذلك كما رواه مسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء" لكن هل هناك دعاء فى غير السجود؟ نعم هناك دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام وصح منه : اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .
وفى الركوع ثبت أن النبى كان يقول "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى" رواه البخارى ومسلم وفى الاعتدال من الركوع دعاء هو قنوت الصبح وقنوت الوتر، وفى الجلوس بين السجدتين كان يقول "رب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى وارزقنى واهدنى وعافنى" رواه البيهقى، وبعد التشهد الأخير ثبت أنه كان يقول : " اللهم إنى ظلمت نفسى ظلما كثيرا كبيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم" رواه البخارى ومسلم ، وهناك أدعية أخرى غير ذلك جمعها كتاب الأذكار للنووى .
فالصلاة من أولها إلى آخرها محل للدعاء ، وأولى بالدعاء المواطن التى بيَّنها النبى صلى الله عليه وسلم كما سبق ، وقد ثبت أنه فى صلاة طويلة كان يقرأ القرآن فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ومع ذلك لو دعا الله فى أى مكان فصلاته لا تبطل . غير أنى أنبه إلى أن بعض الفقهاء قال إن الصلاة تبطل لو دعا الإنسان بما يشبه كلام الناس ، مثل اللهم زوجنى فلانة، فالأولى أن يكون بغير ذلك ، سواء أكان مأثورا عن النبى صلى الله عليه وسلم أم غير مأثور مع مراعاة الخشوع فى الصلاة كلها ، فهو أرجى لقبولها وقبول ما فيها من دعاء(9/138)
صلاة الصبح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قول النبى صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فهو فى ذمة الله ، فلا يطلبنه اللّه من ذمته بشىء، فإنه من يطلبه من ذمته بشىء يدركه ، ثم يكبه على وجهه فى نار جهنم"؟
An روى هذا الحديث مسلم فى صحيحه ، وجاء فى رواية لابن ماجه والطبرانى بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فى جماعة فهو فى ذمة اللّه فمن أخفر ذمة اللّه كبه الله فى النار لوجهه " .
والذمة هى الأمان والعهد والضمان ، والذى يصلى الصبح فى جماعة هو فى ضمان الله ووقايته ، وكلمة خفر الثلاثية تفيد الحراسة والأمن والضمان ، يقال : خفر الرجل الرجل إذا حرسه وأمنه وأخفر، بزيادة الهمزة تفيد عكس ما تفيده خفر الثلاثية، يقال : أخفر الرجل الرجل إذا أزال ضمانه ونقض عهده .
والحديث يبين فضل صلاه الصبح وبخاصة إذا كانت فى جماعة ، والذى يحرص عليها يستيقظ مبكرا ليدركها قبل فوات وقتها بطلوع الشمس . والبكور فيه الخير والبركة وهو فترة النشاط التى يجب أن تستغل استغلالا طيبا، وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم لأمته أن يبارك اللّه لها فى بكورها .
فالذى يبكِّر ويصلى الصبح يكون فى حماية اللّه وحراسته من السوء جزاء محافظته على الصلاة التى يعارضها هوى النفس فى الكسل والتباطؤ وعدم مغادرة الفراش ، ومن جاهد نفسه أول النهار استطاع أن يجاهد ما يعترضه طول النهار من فتن ومغريات ، واللّه سبحانه يقول {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن اللّه لمع المحسنين} :
العنكبوت : 69 فالله سبحانه يحذر أى إنسان أن ينال هذا الشخص بسوء لأنه فى حماية الله ،ومن تعدى عليه طعن فى حراسة الله له ولم يحترم حماه ،واللّه يغضب لذلك غضبا شديدا ومن غضب عليه أنزل به عقابه ولن يفلت منه ، فهو يتعقبه كما يتعقب صاحب الدم من قتل قريبه ، ليثأر له أو من أهان شرفه ليغسل العار عنه وعقاب الله لمن يخفر ذمته بالتعدى على من صلَّى الصبح سيكون بإذلاله وإهانته وكبه على وجهه فى النار .
واحتراما لهذا الحديث وخوفا من التهاون فيما جاء به ذكر التاريخ أن الحجاج بن يوسف الثقفى ، وهو المعروف بشدة بطشه وجبروته أمر سالم بن عبد الله بن عمر أن يقتل رجلا، فسأل سالم هذا الرجل وقال له : هل صليت الصبح ؟ قال نعم ؟ فقال له : انطلق فلن أمسك بسوء، فلما سأله الحجاج : لِمَ لم تقتله ؟ قال لأنه صلَّى الصبح فكان فى جوار الله فكرهت أن أقتل رجلا أجاره الله .
والحديث إذا كان يحثنا على المحافظة على الاستيقاظ المبكر لأداء صلاة الصبح فى وقتها فهو يحثنا أيضا على أداء كل الصلوات فى أوقاتها ، ويحثنا على احترام من يحافظون على الصلوات فأولئك هم المؤمنون ، واللّه سبحانه يقول : {إن اللّه يدافع عن الذين آمنوا} الحج : 38(9/139)
الحركة أثناء الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض المصلين يحرك يديه عدة مرات ، فهل تبطل صلاته ؟
An المفروض فى المصلِّى أن يحسَّ بأنه واقف بين يدى الله يناجيه بالمدح والثناء ويدعوه بالهداية والمغفرة، ويظهر له عمليا خضوعه وخشوعه وتواضعه بالركوع والسجود، ولا يوجد موقف للإنسان يستحق الاهتمام كهذا الموقف ، ومن هنا كان عليه أن يكون ساكن الجوارح فى غير ما شرع له ، لا يعبث بلحيته ولا ينسق من ملبسه مثلا، ولا يبرح مكانه ولا يعمل إلا ما أذن له فيه من مثل رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه ، ومثل الركوع والسجود والالتفات عند الانصراف من الصلاة بالتسليم .
وللفقهاء كلام فى ضبط الأفعال التى تبطل الصلاة، فاتفقوا على أن من المبطلات العمل الكثير الذى ليس من جنس الصلاة ، وهو ما يخيل إليه أن فاعله ليس فى الصلاة، وهذا العمل الكثير مبطل للصلاة سواء وقع عمدا أو سهوا، وأما ما دون ذلك فلا يبطلها، وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : أن الشافعية حددوا العمل الكثير بنحو ثلاث خطوات متواليات يقينا وما فى معنى هذا، كوثبة واحدة كبيرة، ومعنى تواليها ألا تُعدَّ إحداها منقطعة عن الأخرى على الراجح .
وأن الحنفية قالوا : العمل الكثير ما لا يشك الناظر إليه أن فاعله ليس فى الصلاة فإن اشتبه الناظر فهو قليل على الأصح .
وأن المالكية قالوا : ما دون العمل الكثير قسمان : قسم متوسط كالانصراف من الصلاة ، وهذا يبطل عمده دون سهوه ، وقسم يسير جدًّا كالإشارة وحك البشرة، وهذا لا يبطل عمده ولا سهوه(9/140)
تعدد الجماعات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز تعدد الجماعة فى وقت واحد وفى مسجد واحد؟
An جاء فى تفسير القرطبى "ج 8 ص 257 " عند الكلام على مسجد الضرار الذى يفرق بين جماعة المسلمين أن الإمام مالكا ، قال : لا تصلَّى جماعتان فى مسجد واحد بإمامين ، خلافا لسائر العلماء : وقد روي عن الشافعى المنع ، حيث كان تشتيتا للكلمة .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة "نشر وزارة الأوقاف المصرية" عن تكرار الجماعة فى المسجد الواحد -أن الحنابلة قالوا : إذا كان الإمام الراتب يصلى بجماعة فيحرم على غيره أن يصلى بجماعة أخرى وقت صلاته ، كما يحرم أن تقوم جماعة قبل صلاة الإمام الراتب ، بل لا يصح صلاه جماعة غير الإمام الراتب فى كلتا الحالتين ، ومحل ذلك إذا كان بغير إذن الإمام الراتب ، أما إذا كان بإذنه فلا يحرم .
والشافعية قالوا : تكره إقامة الجماعة فى مسجد بغير إذن إمامه الراتب مطلقا ، قبله أو بعده أو معه ، إلا إذا كان المسجد مطروقا أو ليس له إمام راتب أو له وضاق المسجد عن الجميع أو خيف خروج الوقت ، وإلا فلا كراهة .
والمالكية قالوا : تحرم إقامة جماعة مع جماعة الإمام الراتب ، لأن القاعدة عندهم أنه متى أقيمت الصلاة للإمام الراتب فلا يجوز أن تصلَّى صلاة أخرى ، فرضا أو نفلا، لا جماعة ولا فرادى . ويتعين على من فى المسجد الدخول مع الإمام إذا كان لم يصل هذه الصلاة المقامة أو صلاها منفردا .
أما إذا كان قد صلاها جماعة فيتعين عليه الخروج من المسجد لئلا يطعن على الإمام .
وإذا وجد بمسجد واحد أئمة متعددة مرتبون ، فإن صلوا فى وقت واحد حرم ، لما فيه من التشويش ، وإذا ترتبوا ، بأن يصلى أحدهم فإذا انتهى من صلاته صلى الآخر وهكذا فهو مكروه على الراجح(9/141)
تشبيك الأصابع فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى أثناء انتظارى للصلاة فى المسجد شبكت أصابعي وأنا جالس فقال لي بعض الحاضرين : إن التشبيك ممنوع ، فهل هذا صحيح ؟
An روى البخارى عن أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبَّك بين أصابعه .
وروى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشاء ، فصلى بنا ركعتين ثم سلَّم فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى علي اليسرى وشبك بين أصابعه . قال ابن حجر: حديث أبي موسى دالّ على جواز التشبيك مطلقًا ، وحديث أبي هريرة دالٌّ على جوازه فى المسجد، فهو فى غيره أجوز، ووقع فى بعض نسخ البخارى قبل هذين الحديثين حديث آخر عن ابن عمر قال : شبَّك النبى صلى الله عليه وسلم أصابعه . قال مغلطاى : هذا الحديث ليس موجودا فى أكثر نسخ البخارى ، وقال ابن حجر: هو ثابت فى رواية حماد بن شاكر عن البخارى . قال ابن بطال : المقصود من هذه الترجمة معارضة ما ورد فى النهى عن التشبيك فى المسجد، وقد وردت فيه مراسيل ومسند من طرق غير ثابتة . وقال ابن المنير: التحقيق أنه ليس بين الأحاديث تعارض ، إذ النهى عنه فعله على وجه العبث . وجمع الإِسماعيلي بأن النهى مقيد بما إذا كان فى الصلاة أو قاصدا إليها ، إذ منتظر الصلاة فى حكم الصلاة .
وقيل : إن حكمة النهى لمنتظر الصلاة أن التشبيك يجلب النوم ، وهو من مظان الحدث ، وقيل : إن صورته تشبه صورة الاختلاف ، فكره ذلك لمن هو فى حكم الصلاة حتى لا يقع في النهى عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين "ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" .
وفى البخارى والبيهقى فى شعب الإِيمان عن ابن عمر رضى الله عنهما :
رأيت رسول اللّه بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا - زاد البيهقى: وشبَّك بين أصابعه ، وقد شبك النبى صلى الله عليه وسلم بين يديه فى عدة أحاديث ليس هذا محل إيرادها. وثبت فى الصحيحين فى قصة ذى اليدين أنه صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه ، وجزم فى "الإقناع" بأنه يكره له أن يشبك بين أصابعه من حين يخرج -يعنى للصلاة قال : وهو فى المسجد أشد كراهة ، وفى الصلاة أشد وأشد . انتهى . ونقل فى الفروع كراهة تشبيك الأصابع فى الصلاة وأنها باتفاق الأئمة الأربعة .
واستدلوا بما رواه الترمذى وابن ماجه عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه فى الصلاة ففرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه .
قال السيوطى فى كتابه "حسن التسليك فى حكم التشبيك" :
رخص فى التشبيك ابن عمر وسالم ابنه ، فكانا يشبكان بين أصابعهما فى الصلاة ، وقال مغلطاى : والتحقيق أنه ليس بين حديث النهى عن التشبيك وبين تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه معارضة ، لأن النهى إنما ورد عن فعله فى الصلاة أو فى المضى إليها ، وفعله صلى الله عليه وسلم للتشبيك ليس فى صلاة ولا فى المضى إليها ، فلا معارضة إذن ، وبقى كل حديث على حياله . انتهى .
وقسم بعض المتأخرين التشبيك إلى أقسام :
أحدها : إذا كان الإنسان فى الصلاة ، ولا شك فى كراهته .
ثانيها : إذا كان فى المسجد منتظرًا للصلاة ، أو وهو عامد إلى المسجد يريدها بعدما تطهر، والظاهر كراهته ، كما رواه أحمد عن مولى لأبى سعيد الخدرى : بينما أنا مع أبى سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد ، فإذا رجل جالس وسط المسجد محتبيا مشبكا أصابعه ، بعضها فى بعض ، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإِشارته ، فالتفت إلى أبى سعيد فقال "إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكن ، فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال فى صلاته ما كان فى المسجد حتى يخرج منه" ولحديث كعب بن عجرة " إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بيده فإنه فى صلاة" رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد ، ورواه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة وقال : صحيح على شرطهما، ورواه الترمذى وكذا ابن حبان .
ثالثها - أن يكون فى المسجد ، بعد فراغه من الصلاة ، وليس يريد صلاة أخرى ولا ينتظرها فلا يكره ، لحديث ذى اليدين .
رابعا : فى غير المسجد فهو أولى بالإباحة وعدم الكراهة . انتهى . وبعد، فإن الموضوع لا يعْدُو مرتبة الكراهة، فهو ليس بمحرم ، ومن شبك لا يعاقب على ذلك ، ولا يجوز الإِنكار بشدة على من فعله ، انظر: غذاء الألباب للسفارينى "ج 2 ص 263-266 "(9/142)
حديث عن الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : من بكَّر وابتكر وغسل واغتسل ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام ولم يتكلم ، فله بكل خطوة يخطوها درجة وأجر سنة كاملة صيامها وقيامها؟
An قال النبى صلى الله عليه وسلم "من غسل يوم الجمعة واغتسل ، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" رواه أحمد وأبو داود والترمذى عن أوس بن أوس الثقفى وقال : حديث حسن . ورواه النسائى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما والحاكم وصححه . ورواه الطبرانى فى معجمه الأوسط من حديث ابن عباس .
قال الخطابى : قوله عليه الصلاة والسلام " غسل واغتسل وبكر وابتكر" اختلف الناس فى معناه فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المتظاهر الذى يراد به التوكيد ، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين ، وقال : ألا تراه يقول فى هذا الحديث "ومشى ولم يركب" ومعناهما واحد .. .
وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد بن حنبل .
وقال بعضهم : قوله "غسل" معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأن العرب لهم لِمَمٌ وشعور -واللمم جمع لمة، وهى الشعر الذى يجاوز شحمة الأذن- وفى غسلها مؤنة ، فأراد غسل الرأس من أجل ذلك ، وإلى هذا ذهب مكحول .
وقوله "واغتسل" معناه غسل سائر الجسد. وزعم بعضهم أن قوله "غسل " معناه أصاب أهله -بالجماع- قبل خروجه إلى الجمعة ، ليكون أملك لنفسه وأحفظ فى طريقه لبصره . وقوله "وبكر وابتكر" زعم بعضهم أن معنى "بكر، أدرك باكورة الخطبة وهى أولها ، ومعنى "ابتكر" قَدِم فى الوقت ، وقال ابن الأنبارى : معنى " بكر " تصدق قبل خروجه ، وتأول فى ذلك ما روى فى الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم "باكروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها" ذكر ذلك الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب" فى كتاب الجمعة(9/143)
صلاة الكفارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قام بعض الناس بتوزيع ورقة مكتوب فيها: صلاة الكفارة، مع حديث طويل فى كيفيتها منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم ، جاء فيه أن من فاتته صلاة فى عمره ولم يحصها يصلى فى آخر جمعة من رمضان أربع ركعات بتشهد واحد يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة القدر خمس عشرة مرة وسورة الكوثر كذلك ، وهى كفارة أربعمائة سنة فى رواية أبا بكر وألف سنة فى رواية على، ولما كان ابن آدم يعيش ستين أو مائة سنة فالصلاة الزائدة تكون لأبويه وزوجته وأولاده وأقاربه وأهل البلد، وبعد الصلاة يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم مائة مرة، ويدعو بهذا الدعاء، وهو دعاء بطلب المغفرة .. فهل هذا الحديث بما جاء فيه صحيح ، وما الذى يكفر الصلاة؟
An لم أعثر على هذا الحديث فى الكتب الصحيحة ، وعلامة الوضع فيه ظاهرة ، فالصلاة التى تفوت الإنسان لا يكفرها إلا قضاؤها ، وقد مر فى ص 612 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى أن من ترك الصلاة ناسيا لا يكفرِّها إلا قضاؤها كما صح فى الحديث ، وإذا كان هذا فى الصلاة التى نام عنها أو سها عنها الإنسان فكيف بالصلاة المتروكة عمدا؟ إن قضاءها أولى بالوجوب .
إن الكلام المذكور يغرى الناس بترك الصلاة حيث يكفيهم عنها صلاة واحدة فى آخر جمعة من رمضان ، ولم يقل بهذا أحد من العلماء ، بل إنهم على الرغم من قبولهم الأحاديث التى تقول إن الصلاة الواحدة فى مسجد مكة بمائة ألف صلاة فيما سواه ، وفى مسجد المدينة بألف وفى المسجد الأقصى بخمسمائة ، يقولون بأنها لا تغنى عن الصلوات المفروضة ولا تقوم مقام الصلوات الفائتة ، وإنما المراد كثرة ثواب الصلاة فى هذه الأماكن المقدسة .
وأحذّر من يقومون بترويج هذه المنشورات من تبعة العمل بما يروجونه ، فهو أولا كذب على الله وعلى رسوله ، واللّه تعالى يقول { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } النحل : 116 والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخارى ومسلم .
وهو ثانيا سيتحمل وزر من يتهاونون فى الصلاة اكتفاء بصلاة الكفارة المزعومة{ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } العنكبوت : 13 "ومن سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" رواه مسلم . والذين وضعوا هذا الكذب والمشاركون فى طبعه وتوزيعه داخلون فى هذه المسئولية(9/144)
التسول فى المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يدخل المسجد فى يوم الجمعة أو فى المناسبات ، ويطلب من الناس معونة متظاهرًا بالمرض أو الحاجة، هل يجوز له ذلك وهل يجوز أن نتصدق عليه ؟
An لقد ألف الإِمام السيوطى رسالة فى هذا الموضوع بعنوان " بذل العسجد لسؤال المسجد" ولخص الحكم فى قوله : السؤال فى المسجد مكروه كراهة تنزيه ، وإعطاء السائل قُربة يثاب عليها ، وليس بمكروه فضلا عن أن يكون حراما . هذا هو المنقول والذى دلت عليه الأحاديث ، وأورد حديثا رواه أبو داود بإسناد جيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا"؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه . ففيه دليل على أن السؤال فى المسجد ليس بحرام ، وأن الصدقة عليه ليست مكروهة، حيث اطلع النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك بإخبار أبى بكر ولم ينكره ، ولو كان حراما لم يقر عليه ، بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال بالمسجد، ولو ثبت أن هناك نهيا عن السؤال بالمسجد لكان محمولا على الكراهة التنزيهية وكان حديث أبي بكر صارفًا له عن الحرمة .
وقد نص النووى فى شرح المهذب على أنه يكره رفع الصوت بالخصومة فى المسجد ولم يحكم عليه بالتحريم ، وكذا رفع الصوت بالقراءة والذكر إذا آذى المصلين والنيام نصوا على كراهته لا تحريمه . فالحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإِسناد غير معارض ، ثم إلى نص من أحد أئمة المذاهب ، وكل من الأمرين لا سبيل إليه .
وهذا الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك وقال : صحيح على شرط مسلم ، قال المنذرى : وقد أخرجه مسلم فى صحيحه والنسائى فى سننه ، والبخارى فى أحكام المساجد للزركشى .
ومن الأدلة حديث آخر رواه الطبرانى فى الأوسط عن عمار بن ياسر قال : وقف على علىٍّ بن أبى طالب سائل وهو راكع فى تطوع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فنزلت { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } المائدة : 55 وذكر السيوطى طرقا أخرى لنزول هذه الآية وفيها تصدق علىٍّ وهو راكع ، ثم ذكر حديثا للحاكم والبيهقى عن حذيفة بن اليمان قال : قام سائل على عهد النبى فسأله ، فسكت القوم ، ثم إن رجلا أعطاه فأعطاه القوم ، فقال صلى الله عليه وسلم " من سَنَّ خيرا فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقص من أجورهم " وذكر أن الحديث الذى ذكره ابن الحاج فى كتابه "المدخل" وهو "من سأل فى المسجد فاحرموه" لا أصل له ، وقال إن حكمنا بالكراهة مأخوذ من حديث النهى عن نشدان الضالة فى المسجد وقوله " إن المساجد لم تُبْن لهذا" قال النووى فى شرح مسلم : فى هذا الحديث النهى عن نشدان الضالة فى المسجد، ويلحق به ما فى معناه من البيع والشراء والإِجارة ونحوها وكراهة رفع الصوت فى المسجد بالعلم وغيره ، وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج الناس إليه لأنه مجمعهم فلا بد لهم منه اهـ .
وجاء فى " غذاء الألباب للسفارينى" "ج 2 ص 267" أن ابن تيمية سئل عن السؤال فى المسجد فقال : أصل السؤال محرَّم فى المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كانت ضرورة وسأل فى المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز(9/145)
التكبير فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q متى يجب رفع اليدين عند التكبير فى الصلاة؟
An التكبير فى الصلاة إما واجب وإما مندوب ، فالواجب أو الفرض أو الركن هو تكبيرة الإحرام للدخول فى الصلاة ، أما فى غير ذلك فمندوب عند الركوع والهوى إلى السجود والرفع منه والقيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة .
أما رفع اليدين فهو سنة فى كل الأحوال ، وليس بواجب ، وذلك فى أربع حالات : الأولى عند تكبيرة الإِحرام ، وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ، الذى رواه خمسون صحابيا منهم العشرة المشهود لهم بالجنة ، وقال الحاكم -كما رواه البيهقى- لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة ثم العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أصحابه -مع تفرقهم فى البلاد الشاسعة- غير هذه السنة .
والثانية والثالثة عند الركوع وعند الرفع منه ، وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه اثنان وعشرون صحابيا ، ففى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذْوَ منكبيه ، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد .
قال البخارى : ولا يفعل ذلك -أى رفع اليدين- حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود وقال مسلم مثل ذلك ، أى لا يرفع يديه حين يرفع رأسه من السجود ولا بين السجدتين ، وقال البيهقى : فما زالت تلك صلاته حتى لقى الله تعالى .
وأما الحالة الرابعة فعد القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة كما رواه البخارى وغيره(9/146)
ما تعرف به القبلة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يشترط بعض الفقهاء استقبال عين الكعبة فى الصلاة، فكيف يعرفها من كان بعيدا عنها؟
An من كان فى القرى والأمصار التى فيها مساجد وبها محاريب لمعرفة القبلة كان عليه أن يلتزم الاتجاه إلى حيث تتجه المحاريب ، وذلك خاص بالمحاريب التى نصبها الصحابة والتابعون ، ولا يجوز الاتجاه إلى غيرها ، وإلا بطلت صلاته ، ومثلها المساجد التى اعتمد المسلمون محاريبها كما قال جمهور الفقهاء .
والمالكية خصصوا المحاريب التى لا يجوز التحرى مع وجودها بأربعة ، التى هى : مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومسجد بنى أمية بالشام ، ومسجد القيروان بشمالى أفريقيا ومسجد عمرو بن العاص بمصر القديمة .
أما غير هذه المحاريب ، فإن كانت بالمصر -أى بالمدينة- وأقرها العارفون بالقبلة جاز لمن كان أهلا للاجتهاد والتحرى أن يقلدها ، أما من لم يكن أهلا لذلك فيجب عليه أن يقلدها .
وإن كانت المحاريب بالقرى فلا يجوز لمن كان أهلا للاجتهاد والتحرى أن يقلدها ، أما غيره فيقلدها وجوبا إن لم يجد مجتهدا يقلده .
والشافعية يجوِّزون -مع وجود المحاريب- الاستدلال على القبلة بالطرق المعروفة .
هذا الحكم هو بالنسبة للمحاريب الموجودة فى المساجد ، فإذا لم توجد محاريب قال جمهور العلماء : يجب عليه أن يسأل أهل الثقة والخبرة إن وجدوا ، وإلا اجتهد هو بنفسه ، ولعل من أهل الثقة والخبرة " البوصلة " الحديثة المعتمدة من الخبراء ، ومن وسائل الاجتهاد النظر فى مواقع الشمس والنجوم إن كان عالما بدلالتها ، وللعلماء كلام كثير فى ذلك يطلب من مظانه .
والاجتهاد مهما كانت وسيلته ظنى لا يقينى، ولو تبين خطؤه بعد الصلاة فلا إعادة ولو كان التبين يقينا عند الجمهور، وتجب الإعادة عند الشافعية، أما تبين الخطأ أثناء الصلاة فإنه يضر، وهل يبطل الصلاة أو يلزم إتمامها على الظن الجديد؟ خلاف .
ثم قال العلماء : من ترك الاجتهاد وهو قادر عليه فصلاته باطلة عند الجمهور. هذا ملخص ما قاله العلماء فى فقه المذاهب ، وجاء فى كتاب المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 460 ، 461" قوله : قال بعض أصحابنا -أى الحنابلة- الناس فى استقبالها -أى القبلة- على أربعة أضرب :
1- فمنهم من يلزمه اليقين ، وهو من كان معاينا للكعبة، أو كان بمكة من أهلها، أو ناشئا بها من وراء حائل محدث كالحيطان ، ففرضه التوجه إلى عين الكعبة يقينا ، وهكذا إن كان بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم ، لأنه متيقن صحة قبلته ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ .
2- ومنهم من فرضه الخبر -أى العلم- وهو من كان بمكة غائبا عن الكعبة من غير أهلها ووجد مخبرا يخبره ، أو كان غريبا نزل بمكة فأخبره أهل الدار، وكذلك لو كان فى مِصْرٍ أو قرية ، ففرضه التوجه إلى محاريبهم وقبلتهم المنصوبة ، لأن هذه القبل ينصبها أهل الخبرة والمعرفة ، فجرى ذلك مجرى الخبر فأغنى عن الاجتهاد، وإن أخبره مخبر من أهل المعرفة بالقبلة ، إما من أهل البلد أو من غيره صار إلى خبره ، وليس له الاجتهاد، كما يقبل الحاكم النص من المجتهد ولا يجتهد .
3-ومنهم من فرضه الاجتهاد، وهو من عدم هاتين الحالتين ، وهو عالم بالأدلة .
4 -ومنهم من فرضه التقليد، وهو الأعمى ومن لا اجتهاد له وعدم الحالين ، ففرضه تقليد المجتهدين . والواجب على هذين وسائر من بعد من مكة طلب جهة الكعبة دون إصابة العين .
قال أحمد : ما بين المشرق والمغرب قبلة . فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يعد، ولكن يتحرى الوسط ، وبهذا قال أبو حنيفة . وقال الشافعى فى أحد قوليه كقولنا ، والآخر: الفرض إصابة العين ، لقول اللّه تعالى : { وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} ولأنه يجب عليه التوجه إلى الكعبة فلزمه التوجه إلى عينها كالمعاين .
ولنا -أى دليل الحنابلة- قول النبى صلى الله عليه وسلم " ما بين المشرق والمغرب قبلة" رواه الترمذى وقال : حسن صحيح ، وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة ، ولأنه لو كان الغرض إصابة العين لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة ، فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها ، وشطر البيت نحوه وقِبَلَه ثم ذكر ابن قدامة فى صفحة 495 أن دلالة المشرك على القبلة لا تتبع بحال من الأحوال ، وذلك لأن الكافر لا يقبل خبره ولا روايته ولا شهادته ، لأنه ليس بموضع أمانة ، انتهى .
فهل معنى ذلك أن الآلات التى يعرف بها اتجاه القبلة ، ومنها "البوصلة" والتى صنعها غير المسلمين لا يجوز الاعتماد عليها؟ الأمر يحتاج إلى نظر، وبخاصة أنها منتشرة إلى حد كبير .
وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 175" بعد ذكر حديث "ما بين المشرق والمغرب قبلة" قوله : والحديث يدل على أن الفرض على من بعد عن الكعبة هو الجهة لا العين ، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد، وهو ظاهر ما نقله المزنى عن الشافعى ، وقد قال الشافعى أيضًا : إن شطر البيت وتلقاءه وجهته واحد فى كلام العرب . ثم ذكر أن أظهر القولين للشافعى أن فرض من بعد عن مكة هو العين ، وأنه يلزمه ذلك بالظن(9/147)
الصلاة والسلوك
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أى الشخصين أفضل ، رجل لا يصلى ولكن أخلاقه وخدماته للناس كثيرة، أو رجل يصلى، ولكن معاملته مع الناس سيئة على الرغم من محافظته على الصلاة؟
An كلا الرجلين مخطئ ، وتارك الصلاة معروف حكمه ، إن تركها جحدا وإنكارا أو استهزاء فهو كافر، وأعماله الطيبة لا تنفعه فى الآخرة كما قال سبحانه { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان : 23 وإن كانت خيراته عادت عليه بالخير فهو فى الدنيا فقط ، وإن تركها كسلا وتهاونا فقد حكم بعض العلماء بكفره ، وحكم بعضهم بفسقه ، وإن مات على ذلك ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه ، وإن عذبه فى النار فمصيره الجنة .
وذلك كله بناء على حديث مسلم " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " .
والذي يصلى ولا يستقيم سلوكه مؤمن عاص أضاع ثواب صلاته ، وردَّها الله عليه لأنها لم تثمر طيبا فى أخلاقه ، واللّه سبحانه يقول { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت : 45 فالصلاة - كبقية العبادات - ليست علاقة خاصة بين العبد وربه ، بل لابد أن ينعكس أثرها على السلوك الشخص والاجتماعى . وقد نعى الله على من يسهو عن الصلاة فيقصِّر فى أدائها ، أو من يسهو عن معناها وحكمة مشروعيتها فلا يكون لها أثر فى حياته مع الناس ، قال تعالى { فويل للمصلِّين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون . ويمنعون الماعون } الماعون : 4 - 7 .
وقد أكدت الأحاديث هذا المعنى ، فقد صح أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها ، قال " هى فى النار" رواه أحمد والبزار وابن حبان فى صحيحه والحاكم وصححه . وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يستطل على خلقى، ولم يبت مصرًّا على معصيتى، وقطع النهار فى ذكرى ، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب . ذلك نوره كنور الشمس ، أكلؤه بعزتى، وأستحفظه ملائكتى، أجعل له فى الظلمة نورا، وفى الجهالة حلما، ومثله فى خلقى كمثل الفردوس فى الجنة " رواه البزار من رواية عبد الله بن واقد الحرانى ، وبقية رواته ثقات .
ومن هنا نحلم أهمية الصلاة فهى أهم أركان الإِسلام وأفضلها ، والحديث يقول : " لا دين لمن لا صلاة له ، إنما موضع الصلاة من الدين موضع الرأس من الجسد" رواه الطبرانى ، ولم يتسامح فيها الرسول عليه الصلاة والسلام كما تسامح فى غيرها من التكاليف لمن أراد الدخول فى الإِسلام. فعندما جاء وفد ثقيف اشترطوا عليه ألا يخرجوا للجهاد، ولا تؤخذ منهم صدقة ، ولا يجتمعوا للصلاة، ولا يولى عليهم أحد من غيرهم ، فأجابهم إلى طلبهم مبدئيا ما عدا الصلاة حيث قال أخيرا " ولا خير فى دين لا ركوع فيه " رواه أحمد ، ولما كان للصلاة أثرها القوى فى تثبيت الإِيمان فى القلوب وفى تقويم السلوك قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن هؤلاء الذين رضوا بالصلاة " إنهم سيصَّدقون ويجاهدون " أى أن الصلاة ستحملهم على عمل الخير الذى كانوا قد رغبوا عنه ، وقد كان .
وبهذا يكون التارك للصلاة أو المتهاون فيها ، والمستغنى عنها بعمل البر- مغرورا مخدوعا ، وكذلك الذى يؤدى الصلاة شكليا دون إحساس بروحها، غير خاشع فيها ولا فاهم لمعناها ولا لهدفها، هو مغرور بظاهره ، يخدع الناس برؤيتهم له محافظًا على الصلاة حتى يثقوا فيه ، مع أنه لو طلبت منه معونة منع إعطاءها، لأن قلبه القاسى لم يتأثر بوقوفه أمام الله ، فهو يناديه ويدعوه وهو غافل شارد الذهن ، محروم من اللذة التى قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم " وجعلت قرة عينى فى الصلاة " رواه النسائى والطبرانى والحاكم وصححه ، وقال الحافظ : إسناده جيد . ولحلاوتها وأثرها فى نفسه كان إذا حزَبه أو حزنه أمر فزع إلى الصلاة .
وبعد ، فإن العبادات فُرضت لتقوية العلاقة بين الإِنسان وربه ، وبينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس ، فإن لم تثمر هذه العلاقات لم يكن لها عند الله وزن .
وفى تقديرى أن من يصلى-على الرغم من سوء معاملته - أقل خطرا ممن لا يصلى -على الرغم من حسن معاملته- فالأول مع الله ولو بسبب مَّا فعسى أن يتوب عليه والثانى منقطع عن الله فهل يصل نفسه به ؟ "راجع قول ابن عطاء الله فى شرود الذهن فى الصلاة- المجلد الأول ص 72"(9/148)
علو الإمام أو المأموم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q توجد مساجد لها عدة طوابق يصلى الإمام فى أحدها والمأمومون يصلون فى طابق آخر فهل الجماعة صحيحة؟
An السنة أن يكون المأمومون مع الإمام فى طابق واحد لسهولة متابعته بالنظر أو السماع ، وإن كان الصوت يصلهم عن طريق المبلغ أو مكبرات الصوت . روى الدارقطنى عن أبى مسعود الأنصارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الإمام فوق شىء والناس خلفه . يعنى أسفل منه . وروى أبو داود والشافعى والبيهقى وابن خزيمة وابن حبان أن حذيفة أمَّ الناس بالمدائن -مدينة كانت بالعراق- على دكان -مكان مرتفع- فأخذه أبو مسعود بقميصه فجبذه -أخذه بشدة- فلما فرغ من صلاته قال ، ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال : بلى ، فذكرت حين جذبتنى .
قال العلماء : إن كان فى علو الإِمام عن المأمومين فائدة فلا كراهة ، فقد روى البخارى ومسلم عن سهل بن سعد الساعدى أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر أول يوم وضع ، فكبَّر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقَرَى -إلى الخلف- وسجد فى أصل المنبر، ثم عاد . فلما فرغ أقبل على الناس فقال " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتى" .
هذا فى ارتفاع الإِمام أنه مكروه إلا لحاجة، أما ارتفاع المأموم على الإمام فهو جائز، فقد صلى أبو هريرة على ظهر المسجد بصلاة الإِمام كما رواه الشافعى والبيهقى وسعيد بن منصور، وذكره البخارى تعليقا، وروى سعيد بن منصور أن أنس بن مالك كان يجمع فى دار أبى نافع عن يمين المسجد فى غرفة قدر قامة منها، لها باب مشرف على مسجد بالبصرة ، فكان أنس يجمع فيها ويأتم بالإمام ، وسكت عليه الصحابة .
يقول الشوكانى " نيل الأوطار ج 3 ص 207 " : وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلثمائة ذراع ، على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإِمام فهو ممنوع بالإِجماع من غير فرق بين المسجد وغيره ، وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع ، ويعضد هذا الأصل فعل أبى هريرة المذكور ولم ينكر عليه انتهى .
يؤخذ من هذا أن المدار فى الجواز وعدمه هو علم المأموم بأفعال الإِمام ، فلو حصل العلم بأية وسيلة ومنها مكبرات الصوت الآن صحت الجماعة فى أى طابق من الطوابق ، أو فى أى مكان ما دامت الصفوف متواصلة فى المسجد وخارج المسجد، وعليه فلا مانع من صلاة الجماعة فى أى طابق من طوابق المسجد عند العلم بأفعال الإِمام .
وجاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج 5ص 34" عند الكلام على اتخاذ المنبر فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحديث فيه فوائد، منها : جواز صلاة الإمام على موضع أعلى من موضع المأمومين . ولكنه يكره ارتفاع الإمام على المأموم وارتفاع المأموم على الإمام لغير حاجة ، فإن كان لحاجة لم يكره ، بل يستحب ، وكذا إن أراد المأموم إعلام المأمومين بصلاة الإمام واحتاج إلى الارتفاع(9/149)
مسافة القصر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يزعم بعض الناس أن أى سفر ولو كان عشرة كيلومترات يجيز للإنسان قصر الصلاة فهل هذا صحيح ؟
An يقول الله تعالى { وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء: 101 والخوف من الفتنة ليس شرطا لقصر الصلاة كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، فهو صدقة تصدق اللّه بها علينا فلنقبل صدقته .
والسفر المبيح للقصر اختلف فى تقديره العلماء ، يقول القرطبى فى تفسيره " ج 5 ص 353" قال داود : تقصر الصلاة فى كل سفر طويل أو قصير ولو كان ثلاثة أميال ، متمسكا بحديث رواه مسلم عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شك من أحد رواة الحديث واسمه شعبة- صلى ركعتين . يقول القرطبى : وهذا لا حجة فيه ، لأنه مشكوك فيه -أى فى المسافة التى رواها شعبة- وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التى بدأ منها السفر، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك .
ولم يذكر حد السفر الذى يقع به القصر لا فى القرآن ولا فى السنة ، وإنما كان كذلك لأنها لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن ، فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا ، وإن مشى ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا، كما أنَّا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم منها" وهذا هو الصحيح ، لأنه وسط بين الحالين ، وعليه عوَّل مالك ، ولكنه لم يجد هذا الحديث منفقا عليه ، وروى مرة " يوما وليلة " ومرة " ثلاثة أيام " فجاء إلى عبد الله ابن عمر فعوَّل على فعله ، فإنه كان يقصر الصلاة إلى " رئمْ " -واد بالمدينة- وهى أربعة بردٌ : لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم . قال غيره : وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا، والتخفيف إنما يكون فى السفر الطويل الذى تلحق به المشقة غالبا ، فراعى مالك والشافعى وأصحابهما والليث والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما ، وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام ، لأنه لم يرد بقوله " مسيرة يوم وليلة " أن يسير النهار كله والليل كله ، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم . وفى البخارى : وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران فى أربعة بُرد، وهى ستة عشر فرسخا ، وهذا مذهب مالك . وقال الشافعى والطبرى : ستة وأربعون ميلا ، وعن مالك روايتان ، خمسة وأربعون ميلا، وستة وثلاثون ميلا .
وبعد كلام طويل فى تقدير المسافة قال أبو عمر: اضطربت الآثار المرفوعة فى هذا الباب كما ترى فى ألفاظها ، ومجملها عندى -والله أعلم- أنها خرجت على أجوبة السائلين ، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع -وذلك فى حديث سفر المرأة بغير محرم- .
هذا ما نقلته من تفسير القرطبى باختصار وتصرف ، وذكر ابن قدامة فى " المغنى "ج 2 ص 92 روايات عن جماعة من السلف أن القصر يجوز فى أقل من هذه المسافة ، لكنها روايات مردود عليها .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المسافة التى تقصر فيها الصلاة فى السفر هى ستة عشر فرسخا ذهابا فقط ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد ، وهذه المسافة تساوى ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين مترا - مسيرة يوم وليلة بسير الإِبل المحملة بالأثقال سيرا معتادا - ولا يضر نقصان المسافة عن المقدار المبين بشىء قليل ، كميل أو ميلين .
وأبو حنيفة لم يقدر المسافة بهذه المقاييس ، بل قدرها بالزمن وهو ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة يكفى أن يسافر فى كل يوم منها من الصباح إلى الزوال ، والمعتبر السير الوسط .
والمالكية قالوا : إن نقصت المسافة عن القدر المبين بثمانية أميال وقصر الصلاة صحت صلاته ولا إعادة عليه على المشهور .
ويستثنى من اشتراط المسافة أهل مكة ومِنى ومزدلفة والمحصب إذا خرجوا فى موسم الحج للوقوف بعرفة فإنه يسن لهم القصر فى حال ذهابهم .
وكذلك فى حال إيابهم إذا بقى عليهم عمل من أعمال الحج التى تؤدى فى غير وطنهم ، وإلا أتموا .
ثم قال العلماء : لا يشترط قطع المسافة المذكورة فى المدة المذكورة والمقدرة بالأيام ، فلو قطعها فى أقل منها ولو فى لحظة صح القصر- كما هو الشأن فى السفر بالطائرات والقطارات والسيارات .
يؤخذ من هذا أن الرأى المتفق عليه بين الأئمة الأربعة أن يكون السفر طويلا، لا يقل عن ثمانين كيلو مترا تقريبا . هذا ، وقد ذكر ابن قدامة فى " المغنى "ج 2 ص 96 أنه حكى عن عطاء وسليمان بن موسى أنهما أباحا القصر فى البلد لمن نوى السفر وكذلك حكى عن غيرهما ولا يوجد دليل صحيح لذلك .
[ يضاف كلام ابن قدامة إلى ص 537 من المجلد الثانى ](9/150)
التنفل قبل صلاة العيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ذهبت إلى المسجد لصلاة العيد فأردت أن أصلى ركعتين تحية للمسجد فمنعنى بعض الناس وقالوا: لا تجوز أى صلاة قبل صلاة العيد، فهل هذا صحيح ؟
An هناك خلاف بين الفقهاء فى جواز التنفل قبل صلاة العيد يتلخص فيما يلى :
1 - قال المالكية : يكره ذلك قبل صلاة العيد وبعدها إن أديت الصلاة فى الصحراء كما هو السنة، وأما إذا أديت بالمسجد -على خلاف السنة- فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها .
2 - والحنابلة قالوا : بكراهة التنفل قبلها وبعدها بأى مكان صليت فيه صلاة العيد، أى فى المسجد وغيره .
3-والحنفية قالوا: يكره قبل صلاة العيد، فى المصلَّى وغيره ، ويكره بعدها إذا كان فى المصلى فقط ، أما فى البيت فلا يكره .
4 - والشافعية قالوا : بالتفصيل بين الإِمام والمأموم ، فيكره للإمام أن يتنفل قبلها وبعدها، سواء أكانت الصلاة فى الصحراء أم فى غيرها، ولا يكره للمأموم التنفل قبلها مطلقا ، ولا بعدها إن كان ممن لم يسمع الخطبة لصمم أو بُعْدٍ ، وإلا كان التنفل له مكروها .
إن سبب الخلاف هو روايات لم يرد فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وإنما الثابت ما رواه ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام لم يصلِّ قبل العيد ولا بعده ، فالذين قالوا بالمنع كان دليلهم فعل الرسول لا قوله ، والذين قالوا بالجواز استندوا إلى أنه لم يرد نهى عن ذلك ، والحكم على الروايات وبيان وجهات النظر فى التنفل مشروح فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 3 ص 319" مع الاتفاق على أنه لم تشرع سنة قبل صلاة العيد ولا بعدها ، وإنما الخلاف فى صلاة التطوع أو سنة الوضوء أو تحية المسجد أو قضاء أو غير ذلك ، فى الوقت الذى لا تكره فيه الصلاة .
ومن أحسن ما يقوى رأى القائلين بالجواز ما قاله العراقى فى شرح الترمذى من أنه ليس فيها نهى عن الصلاة فى هذه الأوقات ، ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم يتأخر فى مجيئه إلى الوقت الذى يصلى بهم فيه ويرجع عقب الخطبة روى عنه من روى من أصحابه أنه كان لا يصلى قبلها ولا بعدها، ولا يلزم من تركه لذلك لاشتغاله بما هو مشروع فى حقه من التأخر إلى وقت الصلاة -أن غيره لا يشرع ذلك له ولا يستحب ، فقد روى عنه غير واحد من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلى الضحى، وصح ذلك عنهم ، وكذلك لم ينقل عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة الجمعة قبلها ، لأنه إنما كان يؤذن للجمعة بين يديه وهو على المنبر، قال البيهقى : يوم العيد كسائر الأيام ، والصلاة مباحة إذا ارتفعت الشمس حيث كان المصلى . ويدل على عدم الكراهة حديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الصلاة خير موضوع ، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل " رواه ابن حبان فى صحيحه .
قال الحافظ فى الفتح : والحاصل أن صلاة العيد لم تثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النقل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص ، إلا إن كان ذلك فى وقت الكراهة فى جميع الأيام .
بعد هذا نقول : لم يرد حديث بِمنْع مطلق النفل قبل صلاة العيد، ولا بمنع ما ورد فيه دليل يخصه كتحية المسجد إذا أقيمت صلاة العيد في المسجد . وبهذا يعلم جواب السؤال(9/151)
وضع الإمام بعد الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من السنة إذا انتهى الإِمام من الصلاة أن يختم الصلاة وهو متوجه إلى القبلة أو يتحول عنها نحو المأمومين ؟
An روى أبو داود وابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن ، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤم الناس فينصرف على جانبيه جميعا ، على يمينه وعلى شماله ، وعن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " رواه مسلم وأحمد والترمذى وابن ماجه ، وروى البخارى وأحمد عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضى تسليمه ، وهو يمكث فى مكانه يسيرا قبل أن يقوم . قالت : فنرى -والله أعلم- أن ذلك كان لكى ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال .
من هذا نرى أن بقاء الإمام بعد السلام على هيئة استقبال القبلة ليختم الصلاة لا مانع منه ، وأن تحوله عن القبلة جهة اليمين أو الشمال جائز أيضا لا مانع منه ، ولا يصح أن نتعصب لحالة من الحالات ، وقال العلماء : من السنة بعد سلام الإِمام أن يلتزم مجلسه مستقبلا للقبلة بعد صلاة المغرب والصبح ، وذلك ليقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير، وذلك عشر مرات كما فى الحديث ، لأن الفضيلة المترتبة على ذلك مقيدة بقولها قبل أن يثنى رجله .
والحديث هو ما رواه الترمذى وغيره عن أبى ذر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال فى دبر صلاة الصبح وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير، عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان يومه ذلك فى حرز من كل مكروه ، وحرس من الشيطان ، ولم ينبغ لذنب أن يدركه فى ذلك اليوم ، إلا الشرك بالله تعالى " قال الترمذى : هذا ، حديث حسن وفى بعض النسخ صحيح وفى سنن أبى داود عن مسلم بن الحارث التميمى الصحابى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسَرَّ إليه فقال : " إذا انصرفت عن صلاة المغرب فقل : اللهم أجرنى من النار سبع مرات : فإنك إذا قلت ذلك ثم مت من ليلتك كتب له جوار منها، وإذا صليت الصبح فقل كذلك فإنك إن مت من يومك كتب له جوار منها "(9/152)
صلاة التوبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك صلاة تسمى صلاة التوبة؟
An روى أبو داود والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال :
حديث حسن عن أبى بكر رضى الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى -أى ركعتين- ثم يستغفر اللّه إلا غفر له " ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } آل عمران :135، 136 .
وروى الطبرانى فى معجمه الكبير بسند حسن عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى ركعتين أو أربعا، مكتوبة أو غير مكتوبة، يحسن فيهن الركوع والسجود ثم استغفر الله غفر له " .
هذه هى صلاة التوبة ، والمهم فيها أن تكون التوبة والاستغفار عقب أية صلاة، فإن الدعاء وطلب المغفرة إذا كان بعد طاعة كصلاة أو قراءة قرآن كان مرجو القبول(9/153)
تعدد الوتر وقضاؤه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا وتران فى ليلة" وهل يقضى الوتر إذا فات ؟
An نعم ، روى أبو داود والنسائى والترمذى وقال حديث حسن ، أن عليًّا رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا وتران فى ليلة" وروى أحمد وأبو داود والترمذى عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس .
قال العلماء : من صلى الوتر بعد العشاء ثم أراد أن يقوم الليل فليصل ما شاء ولكن لا يجوز له أن يوتر ، لأنه أوتر قبل ذلك . ومن المعلوم أن الوتر يمكن أن يصلى فى أى جزء من الليل بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وإذا خشى الإِنسان أن تفوته صلاة الوتر يستحب له أن يصليها فى أول الليل ، وذلك لحديث رواه مسلم وأحمد والترمذى وابن ماجه "من ظن منكم ألا يستيقظ آخره -أى الليل- فليوتر أوله ، ومن ظن منكم أنه يستيقظ آخره فليوتر آخره ، فإن صلاة آخر الليل محضورة وهى أفضل " ومعنى محضورة تحضرها الملائكة . ولما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه " متى توتر "؟ قال : أول الليل بعد العتمة-أى العشاء ، ولما سأل عمر رضى الله عنه قال : آخر الليل ، فقال " أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثقة -أى الحزم والحيطة- وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة " أى العزيمة على القيام آخر الليل . رواه أحمد وأبو داود ، وصححه الحاكم على شرط مسلم .
هذا ، وإذا فاتت صلاة الوتر يمكن قضاؤها كما ذهب إليه جمهور العلماء، وذلك لحديث رواه البيهقى وصححه الحاكم على شرط الشيخين "إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر" وروى أبو داود قوله صلى الله عليه وسلم "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" وإسناده صحيح كما قال العراقى .
ووقت القضاء مفتوح ليلا ونهارا عند الشافعى، ومنعه أبو حنيفة فى أوقات النهى عن الصلاة ، وقال مالك وأحمد :
يقضى بعد الفجر ما لم تصل الصبح(9/154)
التشهد الأول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسيت التشهد الأول فى صلاة الظهر فهل تبطل صلاتى؟
An التشهد الأول فى الصلاة سنة عند جمهور العلماء، لو ترك عمدا أو سهوا لا تبطل الصلاة ، وذلك شأن كل السنن ، وعند تركه يجبر بسجود السهو، روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قام فى صلاة الظهر وعليه جلوس -أى نسى جلوس التشهد الأول- فلما أتم صلاته سجد سجدتين ، يكبر فى كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم ، وسجدهما الناس معه مكان ما نسى من الجلوس .
وعليه فمن ترك التشهد الأول سهوا صحت صلاته ، ويجبر بسجود السهو، لأن ذلك هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل "صلوا كما رأيتمونى أصلى" رواه البخارى وقد أخذ جماعة من هذا وجوب التشهد الأول لا سنيته ، وقال الحافظ ابن حجر : قال ابن بطال : والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نسى تكبيرة الإِحرام لم تجبر فكذلك التشهد، ولأنه ذكر لا يجهر فيه بحال فلم يجب كدعاء الاستفتاح . وممن قال بوجوبه الليث بن سعد وأحمد بن حنبل فى المشهور، وهو قول للشافعى وفى رواية عند أبى حنيفة .
والخلاصة أن التشهد الأول قيل إنه سنة وقيل إنه واجب ، وعلى كلا القولين لو ترك سهوا يجبر بسجود السهو، ولا تبطل الصلاة .
هذا ، والتشهد الأول إذا ترك وصار الإِنسان إلى القيام أقرب منه إلى القعود لا يعود إليه ، حتى لو نبهه المأمومون ، بل يتم صلاته ثم يسجد للسهو، والدليل عليه حديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه " إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس ، وإن استتم قائما فلا يجلس وسجد سجدتى السهو" ويسجد معه المأمومون " نيل الأوطار ج 3 ص 127 " .
أما التشهد الأخير فهو فرض باتفاق والاستدلال عليه مستوفى فى كتب الفقه ويراجع " نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 287 - 292"(9/155)
الصلاة قبل الصبح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعد أن صليت ركعتى الفجر وقبل الإقامة لصلاة الصبح قمت لأصلى ركعتين أشغل بهما الوقت فقال بعض الناس : إن الصلاة قبل الصبح ممنوعة، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك ؟
An معلوم أنه إذا دخل وقت الصبح بطلوع الفجر كان المطلوب صلاتين ، صلاة الفريضة وهى الصبح ، وصلاة السنة وهى الفجر، التى قال بعض الأئمة بوجوبها ، وأية صلاة أخرى غير هاتين الصلاتين كالنفل والقضاء اختلف فى جوازها ، فكره جماعة التطوع بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتى الفجر، بناء على حديث رواه أحمد وأبو داود، وهو ضعيف ، لكنهم أخذوا به لتعدد طرفه فيقوى بها، وذهب الشافعى إلى جواز التنفل مطلقا بلا كراهة ، وقصر مالك الجواز لمن فاتته صلاة الليل لعذر، لأنه بلغه أن عبد الله بن عباس وغيره أوتروا بعد الفجر. وكما قلنا كثيرا : ما دام هناك خلاف فى الرأى جاز الأخذ بأحد الآراء دون تعصب له أو ضده(9/156)
تأخير صلاة العشاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "من صلى العشاء فى جماعة كأنه قام نصف الليل" وما يقال " لو لم أشق على أمتى لأمرتهم بتأخير العشاء "؟ وهل هناك تعارض بينهما؟
An الحديث الأول رواه مسلم وغيره ، وهو يدل على فضل صلاة العشاء فى جماعة، وأنه يعدل فى الثواب قيام نصف الليل ، حتى لو كانت صلاتها فى أول وقتها أو فى آخر وقتها قرب طلوع الفجر .
أما الحديث الثانى فيدل على فضل التأخير لصلاة العشاء عن أول وقتها، وذلك ليتسنى للناس بعد الانتهاء من أعمالهم بعد غروب الشمس أن يجتمعوا ليصلوها فى جماعة معه صلى الله عليه وسلم ، والحديث رواه أحمد وابن ماجه والترمذى " لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يواظب على التأخير لما فيه من المشقة على المصلين ، فأحيانا كان يعجل ، وأحيانا كان يؤجل ، فقد روى البخارى ومسلم عن جابر رضى اللّه عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل ، وإذا رآهم - أى الصحابة - اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطئوا أخر .
فالأمر متروك للظروف ، ووقت العشاء يدخل بمغيب الشفق الأحمر، وينتهى بطلوع الفجر، ووقت الاختيار هو ثلث الليل أو نصفه ، ووقت الجواز ممتد حتى طلوع الفجر، فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال " أما إنه ليس فى النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجىء وقت الصلاة الأخرى" وهذا الحديث يدل على كل أوقات الصلوات المفروضة ما عدا صلاة الصبح فإن وقتها ينتهى بطلوع الشمس لا بوقت الظهر وذلك بالإجماع(9/157)
وضع المنبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز وضع المنبر فى غير يمين القبلة، فى أى موضع من المسجد؟
An تحدث العلماء عن مصلَّى النبى صلى الله عليه وسلم ، أى المكان الذى كان يلازم فيه الصلاة أو يكثرها فيه ، وكان كثير من الناس وبخاصة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يحرصون على الصلاة فى مصلاه .
أما المنبر فنحن نعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب أول الأمر واقفا ، وإذا تعب استند إلى جذع نخلة، ثم انتهى الأمر إلى بناء منبر له يستريح عليه ، وحدث تطور فى هذا المنبر، ولكن أين وضع ؟ هل على يمين مصلى الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ يقول المطرى أحد المؤرخين للمسجد النبوى : ورد أن الواقف فى مصلى النبى صلى الله عليه وسلم تكون رمانة المنبر الشريف حذو منكبه الأيمن ، وجاء فى "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالى أن المصلِّى فى مصلَّى الرسول -عليه الصلاة والسلام- يجعل عمود المنبر حذو منكبه الأيمن .
من هذا نرى أن منبر الرسول صلى الله عليه وسلم كان على يمين المصلَّى -القبلة أو المحراب- لكن هل هذا الوضع واجب الالتزام ؟ لم يرد نص بالالتزام وإنما الكلام الوارد هو بيان موضع المنبر وهو لا يدل على الوجوب ، وإن كان يدل على الندب اقتداء بما كان عليه الحال فى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس بحرام أن يوضع المنبر فى أى مكان .
والمهم هو وجود شىء مرتفع يساعد الخطيب على إسماع الناس ، وقد يستغنى عنه بمكبر الصوت ، وتؤدى الخطبة من وقوف على الأرض وجلسة على كرسى كما يحصل أحيانا فى بعض المساجد فى خطبة العيد .
إن الأمر سهل لا ينبغى أن يشتد فيه الخلاف ، وإن كان من الأوفق أن يراعى المأثور عن السلف فى ذلك ، وهو وضع المنبر على يمين المحراب(9/158)
ثواب مساجد الحكومة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان من بنى مسجدًا للّه بنى الله له بيتا فى الجنة، فمن الذى يثاب عن بناء المساجد التى تقيمها الدولة وبعض المصالح الحكومية والهيئات ؟
An يقول النبى صلى الله عليه وسلم " من بنى مسجدا يبتغى به وجه الله بنى الله له بيتا فى الجنة " رواه البخارى ومسلم .
وإذا كان تمويل بناء المسجد من خزينة الدولة أو خزينة هيئة عامة فإن المنفذ يكون شخصا مسئولا عن عمله مسئولية مباشرة أمام الله تعالى ، ومن المنفذين المهندسون والمقاولون والصناع والعمال الذين أسهموا فى إقامة المسجد، فلا مانع أن يتفضل الله عليهم برحمته ، ويعطيهم أجرا على المعاونة فى بناء بيوت الله ، إلى جانب الأجر الدنيوى على جهودهم ، فهو قليل بالنسبة إلى ثوابه سبحانه . والنية لها دخل كبير فى استحقاق الثواب ، فإذا قصد المساهم فى بنائها وجه الله وأتقن عمله بناء على ذلك صدق عليه حديث " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " رواه البخارى ومسلم . وهنا نقطة ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار، وهى أن المسئول فى الوزارة أو المصلحة قد يكون ممن يتحمسون لبناء المسجد فيدرجه فى الميزانية ويسهل الإجراءات للتنفيذ ، وقد يكون من غير هؤلاء فيتجاهل أو يتعمد عدم بناء مسجد فيكره عليه ، ويضطر إلى عمل الإِجراءات وقد يعرقل أو يتهاون ، فهناك فرق بينهما، فالأول يعتبر بانيا للمسجد بطريق مباشر أو غير مباشر، والثاني لا يستحق أى أجر على ذلك ، بل يجازيه الله بحسب نيته .
وعلى العموم نحن لا نستطيع أن نحدد معاملة الله للممولين والمشاركين والمنفذين لبناء المساجد، فله سبحانه تقديره لعلمه بالنيات ، وفضله واسع يغرى بالإِقبال على عمل الصالحات والإسهام فى كل خير ولو بأدنى نصيب وبأى جهد يبذل .
وأما الشخص الاعتبارى وهو الدولة أو الهيئة فهو بأجهزته والعاملين بها وكلاء عن الممولين لبناء المساجد، ذلك ما أراه باجتهادى، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمن نفسى، وأرجو المعذرة فما أردت إلا الخير(9/159)
تاريخ بناء المسجد الأقصى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو تاريخ بناء المسجد الأقصى ، ومن الذى أمر ببنائه ؟
An الكلام عن تاريخ بناء المسجد الأقصى طويل ، ولكن ألخص ما كتبه عنه ابن خلدون فى مقدمته ، بادئًا بذكر حديث رواه مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم فقد سأله أبو ذر عن أول مسجد وضع فى الأرض فقال "المسجد الحرام " أى الذى فى مكة ثم سأله عن غيره فقال "المسجد الأقصى " فسأله :
كم بينهما؟ قال " أربعون عامًا" .
وفى تفسير القرطبى أن المسجد الأقصى بناه سليمان عليه السلام كما أخرجه النسائى بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو .
ثم قال القرطبى : هناك إشكال بين الحديثين ، لأن بين إبراهيم الذى رفع قواعد الكعبة وسليمان آمادا طويلة ، قال أهل التاريخ أكثر من ألف سنة ، فقيل إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جددا ما كان أسسه غيرهما ، وقد روى أن أول من بنى البيت -فى مكة-آدم عليه السلام ، فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عامًا ، ويجوز أن تكون الملائكة أيضا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله .
وكلّ محتمل . انتهى ما نقل من القرطبى .
وجاء فى مقدمة ابن خلدون ( ص 246) أن بيت المقدس قام داود وسليمان عليهما السلام ببنائه ونصب هياكله ودفن كثير من الأنبياء من ولد إسحاق عليه السلام حواليه ، ثم قال : لما خرج موسى ببنى إسرائيل من مصر لتمليكهم بيت المقدس كما وعد الله أباهم إسرائيل وأباه إسحاق من قبله وأقاموا بأرض التيه أمره الله باتخاذ قبة من خشب السنط ، فنصبوها بين خيامهم يصلون إليها ، ولما ملكوا الشام وبقيت تلك القبة قبلتهم وضعوها على الصخرة ببيت المقدس ، وأراد داود عليه السلام بناء مسجده على الصخرة مكانها فلم يتم له ذلك وعهد به إلى ابنه سليمان فبناه لأربع سنين من ملكه ولخمسمائة سنة من وفاة موسى عليه السلام . ثم خربه بختنصر بعد ثمانمائة سنة من بنائه ، ولما أعادهم ملوك الفرس بناه عزير نبى بنى إسرائيل لعهده بحدود دون بناء سليمان . ثم تداولتهم ملوك يونان والفرس والروم ، وبنى هيرودوس المسجد على بناء سليمان ، فلما جاء طيطوس من ملوك الروم وغلبهم خرب المسجد، ثم دان الروم بعد ذلك بالمسيحية حتى جاء قسطنطين وتنصرت أمه هيلانه وارتحلت إلى بيت المقدس تطلب الخشبة التى صلب عليها المسيح بزعمهم ، فاستخرجتها من القمامات وبنت مكانها كنيسة القمامة ، ثم بنوا بإزاء القمامة بيت لحم وهو الذى ولد فيه عيسى .
وبقى الأمر على ذلك إلى أن جاء الإسلام وحضر عمر لفتح بيت المقدس وسأل عن الصخرة فرأى عليها زِبْلاً وترابًا فكشف عنها وبنى المسجد بطريقة مبسطة .
ثم احتفل الوليد بن عبد الملك فى تشييد مسجده على سنن مساجد الإسلام بما شاء الله من الاحتفال كما فعل بالمسجد الحرام والمسجد النبوى ومسجد دمشق .
- ولما ضعف أمر الخلافة أعوام الخمسمائة من الهجرة فى آخرها وكانت فى ملك العبيديين خلفاء القاهرة من الشيعة واختل أمرهم - زحف الفرنجة إلى بيت المقدس فملكوه وملكوا معه عامة ثغور الشام ، وبنوا على الصخرة المقدسة كنيسة كانوا يفتخرون ببنائها حتى قيَض الله للإسلام صلاح الدين الأيوبى فجاهد الفرنجة وطردهم من تلك المنطقة حوالى سنة 580من الهجرة، وهدم الكنيسة وأظهر الصخرة وبنى المسجد على النحو الذى هو عليه اليوم ( أيام ابن خلدون ) وقد انتهى من وضع مقدمته فى منتصف عام 799 كما دونه فى آخر المقدمة .
هذه صورة تاريخية موجزة للمسجد الأقصى حتى القرن الثامن الهجرى، وما بعد ذلك يطلب من كتب التاريخ ، وقد رأينا كيف تقلب به التاريخ حتى نكب بالاحتلال الصهيونى فى القرن الحاضر، ولا يعلم إلا الله ماذا سيكون أمره بعد ذلك(9/160)
الصلاة وقضاء الحاجات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى صلاة قضاء الحاجة ؟
An قضاء الحاجة وبخاصة حاجة الدنيا له وسيلتان ، الأولى طاعة الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ، فهى فى حد ذاتها إن قبلت قض الله بها ما يتمناه المؤمن من خير، قال تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) الطلاق : 2 ، 3 وقال { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} النحل : 97 وقال { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} الأعراف : 96 وفى الحديث " ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه " رواه مسلم إلى غير ذلك من النصوص ، والوسيلة الثانية هى الدعاء بشروطه وآدابه التى من أهمها الخشوع والإخلاص والبعد عن الحرام ، قال تعالى { وقال ربكم ادعونى أستجب لكم } غافر: 60 وقال { وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوه الداع إذا دعان } البقرة : 156 وفى الحديث القدسى " يا عبادى كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم ، يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم . . . " رواه مسلم وهناك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وهم فى الغار ، فدعوا ربهم بصالح أعمالهم فنجاهم الله ، وهاتان الوسيلتان مؤكدتان لا خلاف فيهما .
وقد روى أحمد بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجَّلا أو مؤخرا" والناظر فى هذا الحديث يرى أن قضاء الحاجة وسيلته : عمل صالح وهو صلاة الركعتين -وكذلك الدعاء والسؤال ، وأن قضاء الحاجة قد يكون معجلا وقد يكون مؤخرا، فينبغى عدم التعجل ، ففى الحديث "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل " رواه أحمد وأبو داود والترمذن وقد يصرف الله بالدعاء من السوء ما يكون خيرا من الشىء الذى دعا به الداعى كما روى فى الحديث .
وهل هناك دعاء مخصوص لقضاء الحاجة؟ هناك حديث عثمان بن حنيف الذى رواه الترمذى وقال حسن صحيح كما رواه ابن ماجه والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه ، أن رجلا أعمى طلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الله ليكشف له عن بصره، فعلَّمه أن يقول بعد الوضوء وصلاة ركعتين " اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيى محمد نبى الرحمة ، يا محمد-إنى أتوجه إلى ربى بك أن يكشف لى عن بصرى ، اللهم شفِّعه فى وشفعنى فى نفسى " فرجع وقد كشف الله عن بصره وعلَّمه عثمان لرجل كانت له حاجة عند عثمان بن عفان -وذكر اسم حاجته حين الدعاء فقض الله له حاجته ، وهناك دعاء آخر بعد صلاة الركعتين والثناء على الله والصلاة على رسوله وهو: " لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ، لا تدع لى ذنبا إلا غفرته يا أرحم الراحمين ، ولا هماً-إلا فرجته ، ولا حاجة هى لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين " ومع أن هذا الدعاء طيب إلا أن نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم فيها كلام ، ويمكن الرجوع إلى أدعية أخرى فى كتب الحديث ، كالترغيب والترهيب للمنذرى والأذكار للنووى(9/161)
النية سرا أو جهرا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تكفى النية سرا عند أداء الصلاة أم يجب التلفظ بها حتى يقبلها الله ؟
An النية محلها القلب ، ولا يجب التلفظ بها فى الصلاة وغيرها، ولا يتوقف قبول الصلاة على التلفظ بها .
وقد قال الشافعية : لا بأس بالتلفظ بها بل يُسَنَ ، وذلك ليساعد اللسان القلب ، فلو ترك التلفظ بها فالصلاة صحيحة ومقبولة إن شاء الله إن توافرت فيها عوامل القبول بعد الأداء الشكلى ، ومنها الخشوع والإخلاص ، وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المالكية قالوا : التلفظ بالنية خلاف الأولى إلا للموسوس فإنه مندوب دفعا للوسوسة .
وقال الأحناف إن التلفظ بدعة ، إذ لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ويستحسن دفعا للوسواس .
فالخلاصة أن النية فى الصلاة محلها القلب ولا يشترط التلفظ بها ، بل قال الأحناف إنه بدعة وقال المالكية إنه خلاف الأولى ، وذلك لغير الموسوس ، وقال الشافعية سنة وابن القيم فى كتابه " زاد المعاد"ج 1ص 51 نعى بشدة على من يقول بجواز النطق بالنية وصحح رأى الشافعية فى ذلك فقال :
كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال : الله أكبر، ولم يقل شيئا قبلها ، ولا يلفظ بالنية البتة، ولا قال : أصلَّى لله صلاة كذا مستقبل القبلة .
أربع ركعات إماما أو مأمومًا ، ولا قال : أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت ، وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولامرسل لفظ واحدة منها ألبته ، بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة ، وإنما غرَّ بعض المتأخرين قول الشافعى رضى الله عنه فى الصلاة إنها ليست كالصيام ولا يدخل أحد فيها إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفُّظ المصلى بالنية ، وإنما أراد الشافعى رحمه الله بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا، وكيف يستحب الشافعى أمرا لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة واحدة ولا أحد من خلفائه وأصحابه .
هذا هو رأى ابن القيم ، وللائمة آراؤهم ، والحكم على ما ذكر بأنه بدعة ليس مسلما على طول الخط أنه ضلالة(9/162)
الصلاة المعادة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لى أن أصلِّى فى المنزل إماما لوالدتى و أخواتى و أن أعتبر أن هذه صلاة نافلة ، ثم أصلى نفس ا
An يجوز لك أن تصلى فى المنزل إماما والدتك وأخوتك . . . وقد سقطت عنك الفريضة بهذه الصلاة وإذا صليتها فى جماعة كانت الثانية نافلة لك ، فهى صلاه معادة .
والدليل ما رواه الترمذى وأبو داود والنسائى أن النبى صلى الله عليه و سلم قال لرجلين : " إذا صليتهما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة " .
قال ابن عبد البر: قال جمهور الفقهاء : إنما يعيد الصلاة مع الإمام فى جماعة من صلى وحده فى بيته أو فى غير بيته وأما من صلى فى جماعة وإن قلت فلا يعيد فى أخرى قلت أو كثرت ، وممن قال بهذا مالك وأبو حنيفة والشافعى و أصحابهم ، ومن حجتهم قوله صلى الله عليه و سلم : " لا نصلِّى صلاة فى يوم مر بن حنبل بالجواز لأنها سنة ، وردَّ على هذا الحديث بأن المنع إذا صلاها مرة ثانية على أنها فريضة أما صل فجائز لأن الحديث الأول جعلها نافلة .
وفى لفظ لأبى داود : " إذا صلى أحدكم فى رحله ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معه فإنها له نافلة " وروى مسلم عن أبى ذر حديثا فيه " كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها "؟ وفيه فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة " .
والحديث صريح فى أن الصلاة المعادة تكون نافلة والأولى هى الفريضة ، بصرف النظر عن كون الأولى جماعة أو وأخرج الترمذى وحسنه وابن حبان والحاكم والبيهقى عن أبى سعيد قال :
صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل رجل فقام يصلى الظهر فقال " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 99 وراجع أيضا تفسير القرطبى ( ج 1 ص 1 35 ) .
وهناك شروط لجواز إعادة الصلاة فيها اختلاف بين الفقهاء يمكن الرجوع إليها فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة منها مثلا عند الشافعية أن تكون الصلاة الثانية كلها فى جماعة وألا ينفرد وقت الإحرام بالصلاة الثانية عن الصف مع إمكان دخوله فيه فإن انفرد فلا تصح الإعادة وعند المالكية مثلا أن يصلى الثانية مأموما وليس إماما لمن لم يصل هذه الصلاة(9/163)
الصلاة التى لا تنهى عن الفحشاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حديث معناه أنه لا خير فى الصلاة ما لم تنه عن الفحشاء والمنكر وإذا كان هذا صحيحا فهل يترك الشبان الصلاة لأنهم لا يستطيعون عصمة أنفسهم من المنكرات ، أم الأفضل أن يصلوا حتى لو كانوا يرتكبون المعاصى ؟
An قال الله تعالى: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } إن الصلاة إذا وقعت تامة ومعها خشوع صحيح ملأت قلب صاحبها نورا وأورثته الخوف من الله فلا يقع فى المعاصى وإن عصى بادر بالتوبة والله سبحانه بفضله لا يضيع كل ثوابها إذا خلت من الخشوع ، ولكن أثرها فى تربية السلوك يكون ضيفا، وعلى قدر ما يكون فيها من خشوع يكون الثواب ، ويكون الأثر فى السلوك . وعلى كل مصلٍّ أن يجتهد فى أداء الصلاة بعيدا عن الرياء والشواغل التى تصرف عقله وقلبه عن الإحساس بجلال الموقف مع الله . ولكل مجتهد نصيب .
ولا يجوز أبدا لمن يصلى ويعصى الله أن يترك الصلاة لأنها لم تؤثر فى تقويم سلوكه ، فالصلاة واجبة وترك المعاصى واجب ، وعلى كل إنسان أن يجتهد فى أداء هذين الواجبين ، ولعل المحافظة على الصلاة تؤدى إلى الخشوع فيها وبالتالى إلى ترك المعاصى، وكل شىء بالتدريب والتمرين يمكن أن يتم على الوجه المطلوب ، واللّه سبحانه يقول {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم } التوبة : 102 .
هذا، وهناك قول مأثور يقول "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا" ويمكن أن يكون معناه صحيحا وروى على أنه حديث مرسل صحيح إلى الحسن البصرى ، رواه الطبرانى من قول ابن مسعود بإسناد صحيح وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومهما يكن من شىء فهو حث على إتقان الصلاة والمحافظة عليها وعلى ربط العبادة بالسلوك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا . "راجع ص 555 من المجلد الأول "(9/164)
إمامة المفضول للفاضل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندما أقيم للصلاة وكان الإمام الراتب غائبا تقدم أحد الناس لإمامة المصلين ، وبعد الإحرام للصلاة حضر الإمام وأحس به الإمام فخرج من الصلاة لياخذ الإمام الراتب مكانه فما حكم الدين فى ذلك ؟
An إن صلاة الجماعة تصح خلف من تصح صلاته لنفسه بشرط ألا يكون أنقص من المأمومين بعيب يتجاوز عنه لتعذر إصلاحه ، كالألثغ أو الفأفاء الذى لا يحسن القراءة فإن إمامته لا تجوز إلا لمن هو مثله ، ولا تجوز للسليم من هذه الحالة .
وإذا كانت هناك سلامة من مثل هذه العيوب فيسن أن يقدم أفضلهم أو أحسنهم ، كما صح فى الاحاديث التى منها ما رواه مسلم "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقروهم " ولو خولف ذلك فالصلاة صحيحة ، (انظر ص 611 من المجلد الرابع ) وبخصوص ما جاء فى السؤال روى البخارى ومسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال : أتصلى بالناس فأقيم ؟ قال : نعم ، قال : فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فى الصلاة فتخلص حتى وقف فى الصف ، فصفق الناس ، وكان أبو بكر لا يلتفت فى الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله ، أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى فى الصف ، وتقدم النبى صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال "يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك " فقال أبو بكر: ما كان لابن أبى قحافة أن يصلَّى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما لى رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من نابه شىء فى صلاته فليسبح ، فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإنما التصفيق للنساء" .
وجاء فى "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 158 " أن هذا الحديث فيه من العلم أن المشى من صف إلى صف يليه لا يبطل ، وأن حمد الله لأمر يحدث والتنبيه بالتسبيح جائزان وأن الاستخلاف فى الصلاة لعذر جائز من طريق الأولى، لأن قصاراه وقوعها بإمامين .
ومن فوائد الحديث جواز كون المرء فى بعض صلاته إماما وفى بعضها مأموما ، وجواز رفع اليدين فى الصلاة عند الدعاء والثناء ، وجواز الالتفات للحاجة ، وجواز مخاطبة المصلى بالإشارة ، وجواز الحمد والشكر على الوجاهة فى الدين ، وجواز إمامة المفضول للفاضل وجواز العمل القليل فى الصلاة وغير ذلك من الفوائد(9/165)
القراءة فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل استحسن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض السور أو آيات من القرآن الكريم فى الصلوات الخمس أو النوافل ؟
An جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى : السنة أن تكون السورة-التى بعد الفاتحة - فى الصبح والظهر من طوال المفصل ، أى السور الأخيرة من المصحف .
وتبدأ من سورة [ق أو الحجرات ] على خلاف بلغ اثنى عشر قولا فى تعبين المفصَّل .
والمفصَّل أقسام منه طوال إلى سورة (عم ) وأوساط إلى سورة الضحى، وقصار وهى إلى آخر سورة الناس .
وفى العصر والعشاء أوساط المفصل .
وفى المغرب من قصار المفصل .
والسنة أن يقرأ فى الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة الم (السجدة) وفى الثانية ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر) وأن يقرأ فى الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفى الثانية سوره المنافقون . أو فى الأولى سورة الأعلى وفى الثانية سورة الغاشية .
والسنة أن يقرأ فى ركعتى سنة الفجر فى الأولى{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} البقرة : 136 .
إلى آخر الآية ، وفى الثانية : {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} آل عمران :64 ، إلى آخر الآية، وإن شاء فى الأولى : {قل يا أيها الكافرون } الكافرون : 1 ، وفى الثانية {قل هو الله أحد} الإخلاص : 1 ، فكلاهما صح ، ففى صحيح مسلم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعله . يقرأ فى سنة المغرب وركعتى الطواف والاستخارة . فى الأولى{قل يا أيها الكافرون } الكافرون : 1 .
وفى الثانية : {قل هو الله أحد} الإخلاص : 1 .
وفى الوتر فى الأولى سوره (الأعلى) وفى الثانية سوره ( الكافرون ) وفى الثالثة {قل هو الله أحد } والمعوذتين .
يقول النووى : وكل الذى ذكرناه جاءت به أحاديث فى الصحيح وغيره مشهورة .
وليكن معلوما أن سنة القراءة تحصل بآية مفهمة أو بعض آيات من أية سورة ، ثم هو بالخيار أن يقرأ سورة أو يقرأ بعض السورة ، والسورة القصيرة أفضل من آيات يقرؤها من السورة الطويلة .
والسنة أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف ، ولو خالف هذا جاز مع الكراهة ، وقال الحافظ لم أقف على دليل ذلك(9/166)
صلاة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q متى فرضت صلاة الجمعة وما هو العدد المشروط لصحتها، وهل يشترط لإقامتها وجود مسجد ؟
An الجمعة فيها معنى الاجتماع ، والاجتماع لابد فيه من عدد ، ويوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين ، كما أن السبت عيد لليهود، والأحد عيد للنصارى، وله 32 خصوصية كما فى زاد المعاد لابن القيم نقل ابن حجر فى الفتح 26 منها .
وقد خص الله المسلمين بفضل هذا اليوم كما جاء فى مسند أحمد عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت عنده اليهود قال :"إنهم لن يحسدونا على شىء كما يحسدونا على الجمعة التى هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التى هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام اَمين " .
ويوم الجمعة كان يسمى فى الجاهلية يوم العَروبة "بفتح العين " والعروبة معناها الرحمة ، وجاء فى "الروض الأنف " للسهيلى على سيرة ابن هشام ، ان كعب بن لؤى - أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم - هو أول من جمَع يوم العروبة ولم تسم العروبة الجمعة إلا منذ جاء الإسلام فى قول بعضهم وقيل : هو أول من سماها الجمعة، فكانت قريش تجتمع إليه فى هذا اليوم ، فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم ويعلمهم أنه من ولده ، ويأمرهم باتباعه والإيمان به ، وقد ذكر الماوردى هذا الخبر عن كعب فى كتاب الأحكام السلطانية .
وصلاة الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة كما أخرجه الدارقطنى عن ابن عباس رضى الله عنهما ، ولم يتمكن النبى صلى الله عليه وسلم من إقامتها بها ، وذلك لقلة عدد المسلمين ، أو لضعف شوكتهم أمام قوة المشركين ، فلما هاجر من هاجر من الصحابة إلى المدينة . كتب إلى مصعب بن عمير - وهو أول من أوفده النبى صلى الله عليه وسلم من مكة مع المسلمين من الأنصار ليعلمهم ، ثم قدم بعده عبد اللّه بن أم مكثوم -: أما بعد فانظر اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم ، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين .
وعلى هذا يكون مصعب أول من صلى بهم الجمعة فى المدينة ، وكان عددهم اثنى عشر رجلا، كما فى حديث الطبرانى عن أبى مسعود الأنصارى ، وهذا الحديث ضعيف .
وهناك قول آخر بأن أول من جمع بهم هو أبو أمامة أسعد بن زرارة الذى نزل عليه مصعب بن عمير، يقول عبد الرحمن بن كعب بن مالك - الذى كان يقود أباه كعبا إلى المسجد - : كان أبى إذا توجه لصلاة الجمعة وسمع الأذان استغفر لأبى أمامة ، ولما سأله لماذا يستغفر له قال : كان أول من جمع بنا فى المدينة فى هزم النبيت من حرة بنى بياضة فى نقيع يقال له نقيع الخضمات ، وكانوا يومئذ أربعين رجلا، والقول بهذا رواه أبو داود وابن حبان وابن ماجه والبيهقى وصححه ، وقال ابن حجر: إسناده حسن .
والهزم المكان المطمس من الأرض ، والنبيت أبو حشمن اليمن اسمه عمرو بن مالك ، وحرة بنى بياضة قربة على ميل من المدينة، وبنو بياضة بطن من الأنصار والنقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا نضب نبت الكلا .
وقد جمع بين الحديثين -على فرض صحة الأول -بأن مصعبا يقال : إنه أول من جمع باعتباره كان إماما للمصلين وبأن أسعد هو أول من جمع لأنه الأمير للقوم ، وكان مصعب فى ضيافته فنسب الأمر إليه وبخاصة أنه أطعم المصلين غداء وعشاء كما فى رواية أخرى .
واجتماع المسلمين فى يوم من أيام الأسبوع قيل : كان باجتهادهم قبل أن تفرض عليهم صلاة الجمعة، فقد جاء فى حديث مرسل عن ابن سيرين قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقبل أن تنزل الجمعة ، قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك ، فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلى ونشكره ، فجعلوه يوم العروبة ، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة ، فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم ، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها ، وذلك لقلتهم فأنزل اللّه تعالى فى ذلك {يا أيها الذين امنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع . . . } الجمعة : 9 ، قال ابن حجر: رجاله ثقات ، إلا أنه مرسل ، أى سقط منه الصحابى [يلاحظ أن هذا الحديث يبين قلة عدد المصلين للجمعة فى أول مرة بحيث تكفيهم الشاة غداء وعشاء ، أما الحديث الذى فيه استغفار كعب بن مالك لأسعد بن زرارة فيذكر أن عددهم أربعون ، وهؤلاء لا تكفيهم الشاة غداء وعشاء ، فالظاهر أن رواية حديث ابن سيرين كانت عن أول صلاة ، وحديث كعب كان بعد اشتهار صلاة الجمعة وكثرة الحاضرين .
وقيل كان اجتماع المسلمين لصلاة الجمعة بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ، كما يدل عليه كتابه إلى مصعب بن عمير الذى أخرجه الدارقطنى عن ابن عباس .
ولما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم نزل "قباء" عند بنى عمرو بن عوف ، ثم توجه إلى المدينة يوم جمعة فأدركته صلاتها فى بنى سالم بن عوف ، فصلاها فى المسجد الذى فى بطن الوادى وسمى مسجد الجمعة وهى أول جمعة صلاها بأصحابه وكانوا مائة وقيل أربعون "الزرقانى 7/ 382" وأول خطبة خطبها بالمدينة فى المرجع المذكور نقلا عن تفسير القرطبى وذكر وجوه محاسنها .
[لعل كل جماعة أسلمت قبل هجرة النبى إليهم كانت تتخذ لها مسجدا خاصا .
هذا فى تاريخ التشريع لصلاة الجمعة ، أما العدد المشروط لإقامتها ففيه أقوال كثيرة ، أوصلها الحافظ ابن حجر فى "فتح البارى" إلى خمسة عشر قولا، ونقلها الشوكانى فى نيل الأوطار وعلَّق عليها، وفيما يلى تلخيص لذلك .
القول الأول -تصح بواحد، ولا دليل عليه ، وهو لا يتفق مع معنى الاجتماع الموجود فى الجمعة ، نقله ابن حزم ، وحكاه الدارمى عن الكاشانى .
القول الثانى - تصح باثنين ، إمام ومأموم ، لأن العدد واجب بالحديث والإجماع ، ولم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص ، فتقاس على صلاة الجماعة، حيث تصح باثنين ، فقد صح عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : بت عند خالتى ميمونة-أم المؤمنين - رضى الله عنها ، فقام النبى صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ، فقمت أصلى معه ، فقمت عن يساره ، فأخذ برأسى وأقامنى عن يمينه ، رواه الجماعة ، وفى لفظ : صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر، وقمت إلى جنبه عن يساره فأقامنى عن يمينه ، قال : وأنا يومئذ ابن عشر سنين . رواه أحمد .
والشوكانى يرجح هذا القول . ، وهو قول النخعى وأهل الظاهر .
القول الثالث -تصح باثنين غير الإمام ، ودليله أن العدد واجب كالجماعة ، وشرط العدد فى المأمومين المستمعين للخطبة ، وأقل عدد يحصل به الاجتماع هو اثنان . وهو قول أبى يوسف ومحمد بن الحسن صاحبى أبى حنيفة .
القول الرابع -تصح بثلاثة والإمام رابعهم ومستنده حديث أم عبد الله الدوسية الذى أخرجه الطبرانى وابن عدى عنها مرفوعا "الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة" وفى رواية "وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم الإمام " وقد ضعَّفه الطبرانى وابن عدى ، وهو قول أبى حنيفة ، وحكى عن الأوزاعى وأبى ثور، واختاره المزنى والسيوطى وحكاه عن الثورى والليث بن سعد .
القول الخامس - تصح بسبعة ولا مستند له ، وحكى عن عكرمة .
القول السادس -تصح بتسعة ، ولا مستند له أيضا ، وحكى عن ربيعة .
القول السابع -: تصح باثنى عشر بما فيهم الإمام ، ودليله حديث : كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عِير قد قدمت ، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأنزل الله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . .. } الجمعة : 11 ، رواه البخارى ومسلم .
ووجه الاستدلال أن الجمعة صحت بهذا العدد، لكن يرد عليه بأنه دليل على أنها تصح باثنى عشر فما فوقهم ، أما إنها لا تصح بأقل من ذلك فلا يدل عليه هذا الدليل .
كما استدل من قال بذلك بحديث الطبرانى عن أبى مسعود الأنصارى : أول من قدم من المهاجرين مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة قبل أن يقدم النبى @ وهم اثنا عشر رجلا لكن هذا الحديث ضعيف ، وهو قول ربيعة فى رواية وحكاه الماوردى أيضا عن الزهرى والأوزاعى ومحمد بن الحسن .
القول الثامن -تصح باثنى عشر غير الإمام ، أى بثلاثة عشر، ومستنده مستند القول السابع ، وهو قول إسحاق .
القول التاسع -تصح بعشرين ، ولا مستند له وهو رواية عن مالك .
القول العاشر- تصح بثلاثين ، ولا مستند له أيضا وهو رواية أخرى عن مالك .
القول الحادى عشر -تصح بأربعين بما فيهم الإمام ، ومستنده حديث أبى داود المتقدم فى أن أسعد بن زرارة أول من جمَّع فى هزم النبيت ، وفيه ان عددهم يومئذ كان أربعين رجلا .
ووجه الاستدلال أن الإجماع على اشتراط العدد فى صلاة الجمعة ، فلا تصح إلا بعدد ثابت بدليل ، وقد ثبت جوازها بأربعين ، فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صحيح ، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "صلوا كما رأيتمونى أصلَّى" قالوا : ولم تثبت صلاته لها بأقل من أربعين ، لكن أجيب عنه أنه لا دليل فى الحديث على اشتراط الأربعين ، بل هو يدل على صحتها بأربعين فمن فوقهم ، وأما عدم صحتها بأقل من ذلك فلا يدل عليه هذا الحديث ، لأنه واقعة عين ، وواقعة العين لا تدل على نفى غيرها، ففى القواعد الأصولية، وقائع الأحوال لا يحتج بها على العموم ، فالمعروف أن الجمعة لما فرضت بمكة لم يتمكن النبى صلى الله عليه وسلم من أدائها ، فلما هاجر من هاجر كتب إليهم بأدائها ، فاتفق أن عددهم إذ ذاك كان أربعين فى رواية الطبرانى عن ابن عباس .
ومن أدلة هذا القول ما أخرجه البيهقى عن ابن مسعود قال : جمعنا النبى صلى الله عليه وسلم وكنت اَخر من أتاه ونحن أربعون رجلا، فقال "إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم " ورد عليه باحتمال أن تكون هذه الواقعة قد قصد بها النبى @ أن يجمع أصحابه ليبشرهم لا ليصلى بهم جمعة، فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد ، قال السيوطى : وإيراد البيهقى لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدل للمسألة صريحا ، وهذا هو قول الشافعية .
القول الثانى عشر- تصح بأربعين غير الإمام ، وروى عن الشافعى أيضا ، ، وبه قال عمر بن عبد العزيز، ولعل دليله هو دليل القول السابق .
القول الثالث عشر-تصح بخمسين ، ومستنده حديث الطبرانى مرفوعا "الجمعة على الخمسين رجلا ، وليس على ما دون الخمسين جمعة"وقد ضعَّفه السيوطى ، ومع ضعفه محتمل للتأويل ،لأن ظاهره أن هذه العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة، وهو قول أحمد بن حنبل ، وفى رواية عن عمر بن عبد العزيز .
القول الرابع عشر-تصح بثمانين ولا مستند له .
القول الخامس عشر - تصح بجمع كبير بغير قيد، ومستنده أن الجمعة شعار، وهو لا يحصل إلا بكثرة تغيظ أعداء المسلمين ، ونوقش ذلك بأن كونها شعارا لا يستلزم أن ينتفى وجوبها بانتفاء العدد الذى يحصل به ذلك .
على أن طلبها من العباد كتابا وسنة مطلق عن الشعار، فما الدليل على اعتباره ؟ وكتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير فى نظر يوم اليهود .
. . غاية ما فيه ان ذلك سبب أصل المشروعية، وليس فيه أنه معتبر فى الوجوب ، فلا يصح التمسك به لاعتبار عدد يحصل به الشعار، وإلا لزم قصر مشروعيتها على بلد يشارك المسلمين فى سكنه اليهود، وأنه باطل - انتهى .
لكن هذه المناقشة غير واردة لأن الشأن فى الجمعة أنها شعار وإن لم ينص عليه ، ولا يشترط فى الشعار وجود يهود مع المسلمين ، فقد يزول السبب ويبقى الحكم كالرمل فى الأشواط الأولى فى الطواف لإظهار أن بالمسلمين قوة تدحض زعم المشركين أن المدينة أصابتهم بوبائها ، وبقى الرمل مسنونا إلى عهدنا هذا مع انتقاء السبب الأول فى مشروعيته ، وهذا القول حكاه السيوطى عن مالك ، قال الحافظ ابن حجر: ولعل هنا الأخير ارجحها من حيث الدليل .
هذه هى الأقوال فى اعتبار العدد الذى تنعقد به الجمعة ، وقد رأيت أن بعض الأئمة كمالك حكيت عنه عدة روايات فى هذا الصدد ، وأن بعضها ليس له دليل والبعض الآخر دليله مناقش غير مسلَّم تماما .
وأرى انعقادها بأى عدد يوجد ، محافظة على الشعيرة ، وكلما كان العدد كبيرا كان أفضل وبخاصة إذا كان هناك مخالفون لنا فى الدين ، ففى انعقادها بالعدد الكبير إظهار لاهتمام المسلمين بالعبادة وتقوية الروح الجماعية، وإعطاء مظهر رائع له تأثيره النفسى على من يشاهد هذا الجمع الكبير، فى صلاته المنظمة ووحدته الروحية القوية .
قال الشوكانى بعد عرض الأقوال السابقة ومناقشة أدلتها : إن الاجتماع هو لذكر الله وشكره ، وهو حاصل بالقليل والكثير، بل من الواحد لولا ما قدمناه من أن الجمعة يعتبر فيها الاجتماع ، وهو لا يحصل بواحد ، وأما الاثنان فبانضمام أحدهما إلى الاَخر يحصل الاجتماع ، وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليهما فقال " الاثنان فما فوقهما جماعة" كما تقدم فى أبواب الجماعة وقد انعقدت فى زمانه الصلوات بهما بالإجماع ، والجمعة صلاة، فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل ، ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر فى غيرها، وقد قال عبد الحق : إنه لا يثبت فى عدد الجمعة حديث وكذلك قال السيوطى: لم يثبت فى شىء من الأحاديث تعبين عدد مخصوص - انتهى .
انظر: الحاوى للفتاوى للسيوطى : نيل الأوطار للشوكانى ، فتح البارى لابن حجر، والروض الأنف للسهيلى .
أما مكان صلاه الجمعة فقال فيه أبو حنيفة : الجمعة لا تقام إلا فى المدن دون القرى والدليل ما روى عن على مرفوعا "ولا جمعة ولا تشريق إلا فى مصر جامع " وقد ضعف أحمد رفع هذا الحديث ، وصحح ابن حزم وقفه ، وللاجتهاد فيه مجال فلا ينتهض للاحتجاج به .
وعن ابن عباس : أول جمعة بعد جمعة جمعت فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد عبد القيس بجؤاثى من البحرين ، رواه البخارى وأبو داود ، وقال : جؤاثى قرية من قرى البحرين وروى ابن أبى شيبة عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم ، ، وهذا يشمل المدن والقرى ، وصححه ابن خزيمة وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم ويؤيد عدم اشتراط المدن حديث الدوسية المتقدم فى بيان العدد الذى تصح به الجمعة .
أما المسجد فذهب أبو حنيفة والشافعى وأحمد إلى أنه غير شرط ، إذ لم يفصل دليلها ذلك ، وهو قوى إن صحت صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى ، وقد رويت صلاته فى بطن الوادى ولو لم يسلم بصحته فإن فعلها فى المسجد لا يدل على اشتراطه .
وجاء فى المجموع للنووى أنه لا يشترط إقامتها فى مسجد ، ولكن تجوز فى ساحة مكشوفة بشرط أن تكون داخلة فى القرية أو البلدة معدودة فى خطتها فلو صلاَّها خارج البلدة لن تصح بلا خلاف ، سواء كان بقرب البلد أو بعيدا عنها، وسواء صلوها فى ركن أم ساحة .
أما المالكية فذهبوا إلى اشتراط المسجد للوجوب والصحة ، أو للصحة فقط ، ولا تصح فى براحٍ أحيط بأحجار من غير بناء ، لأنه لا يسمى مسجدا ، فالمسجد ماله بناء وسقف .
وبناء على ما تقدم فى بيان العدد والمكان لإقامة صلاة الجمعة نرى وجوب الحرص على إقامتها بأى عدد كان لمن وجدوا فى محلة لا يتوفر فيها العدد الكبير، ولا يشترط أن تكون المحلة مستوفية لمقومات القرية أو المدينة ، والأرض كلها مسجد(9/167)
الكلام أثناء خطبة الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيمن قاطع الخطيب على المنبر فى تصحيح حديث نبوى أو آية قرآنية ؟
An من أجل احترام المسجد وتوفير الجو الهادئ للحاضرين فى يوم الجمعة لسماع الخطبة شرع السكوت والإنصات ، ونهى عن اللغو والعبث والانصراف عن الخطيب بأى وجه يكون . قال تعالى{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الأعراف : 204 ، وذلك لاشتمال الخطبة على كثير من القرآن الكريم كما قال بعض المفسرين ، وجاء فى الحديث المتفق عليه "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت " ومن لغا فلا جمعة له كما فى حديث أحمد "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذى يقول له أنصت ليست له جمعة" والإمام أبو حنيفة كره الكلام تحريما من وقت خروج الإمام من خلوته حتى يفرغ من الخطبة ولا يعترض عليه حتى لو حصل منه لغو بذكر الظلمة ، وحرم الحنابلة أى كلام حتى لو كان الخطيب غير عدل ، وأجازه المالكية إن حصل منه ما لا يجوز كمدح من لا يستحق المدح ، وذم من لا يجوز ذمه ، هذا ما قاله الفقهاء .
وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقطع خطبته إذا وجه إليه سؤال من أحد الحاضرين ، فيجيبه إلى خطبته فيتمها ، وفى الحديث المتفق عليه أن رجلا طلب منه وهو يخطب الجمعة أن يدعو الله لينزل عليهم المطر فدعا فنزل المطر مدرارا واستمر أسبوعا ، فجاء رجل فى الجمعة المقبلة وسأله وهو يخطب الجمعة أن يدعو اللّه ليمسك المطر حفاظا على الأموال من التلف ، فدعا قائلا: اللهم حوالينا ولا علينا، يقول الشوكانى : فى الحديث جواز مكالمة الخطيب حال الخطبة ومعروف أن امرأة اعترضت على عمر وهو يخطب فى المغالاة فى المهور فلم ينهها بل قال : أصابت امرأة وأخطأ عمر، وفى إحدى الجمع قال للناس اسمعوا قولى وأطيعوا أمرى، فرد عليه سلمان : واللّه لا سمعنا قولك ولا أطعنا أمرك ذلك أنه قسم ثياب الصدقة .
فأصاب كل واحد قطعة صغيرة لا تكمل ثوبا، وظهر عمر أمامهم على المنبر بثوب كامل ، فكيف يميز نفسه على بقية الناس ؟ فقام ابنه عبد الله وبيَّن أن والده أخذ من نصيبه ليكمِّل به ثوبا يقف به أمام الناس ، وهو يخطب ، فقال سلمان : الآن قل نسمع وأمر نطع وصح أن عمر اعترض على تأخر بعض الحاضرين إلى الجمعة(مسلم ج 6 ص 130 وما بعدها 164 ) .
ومن هنا لا نجد مانعا من تصحيح خطأ حدث من الخطيب فى اَيه أو حديث إذا كان المصحح واثقا من ذلك على أن يكون بأسلوب حكيم لا يحدث لغطا ولا تشويشا، وأن يغلب على الظن أن الخطيب يسمع ويستجيب ، فإن لم يستجب فلا يجوز الإلحاح فى التصحيح ، فلعله لم يسمع ، وقد يكون فيه رد فعل سيئ بأى وجه يكون .
ومع جواز ذلك فلعل من الخير أن يرجأ التصحيح حتى ينتهى المصلون من الصلاة، ثم ينبه الخطيب إلى ما أخطأ فيه وهو بدوره ينبغى أن يعلنه للناس ، والنقاش الهادى فيه إثراء للمعرفة، وبعد عن التهمة ، وتحاش للظنون ، وحفاظ على قدسية المسجد وكرامة العلماء(9/168)
الكلام فى المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " الكلام فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " ؟
An جاء فى كتاب "غذاء الألباب " للسفارينى قوله : وأما ما اشتهر على الألسنة من قوهم إن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الحديث فى المسجد- وبعضهم يزيد المباح - يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " فهو كذب لا أصل له .
قال في المختصر: لم يوجد . وذكره القاضى فى موضوعاته كما ذكر العراقى على الإحياء : أنه لا أصل له . لكن روى ابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "سيكون فى اَخر الزمان قوم يكون حديثهم فى مساجدهم ليس لله فيهم حاجة" وظاهر الحديث أن الكلام فى المسجد أيا كان نوعه ممنوع ، لكن المحققين من العلماء قالوا: إنه يجوز فى الأمور المهمة فى الدين والدنيا من كل ما لا حرمة فيه ولا باطل .
وقد رأى الإمام النووى جواز الحديث العادى وإن صحبه ضحك خفيف ، لما رواه مسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاة الذى صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام . وقال : كانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم .
وفى رواية احمد عن جابر: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة فى المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية ، فربما يبتسم معهم ، وهو حديث صحيح "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 166 " .
فالحديث الممنوع هو الباطل الذى يشوش على المصلين ، أو الذى يذهب بكرامة المسجد إذا تناوله جماعة فى شكل حلقات كما نص عليه .
وقد أذن @ لحسان بن ثابت أن يقول الشعر فى المسجد ليرد على الكافرين ما يسترونه من كذب على اللّه ورسوله كما ثبت فى الصحيحين .
وعليه فالكلام المباح غير محرَّم فى المساجد ، وإن كنا ننصح بأن يكون فى أضيق الحدود .. . وليكن شغل الجالسين فيها ذكر اللّه والعبادة فذلك ما بنيت له المساجد(9/169)
تعمير المسجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بعمارة المساجد؟
An عمارة المساجد يقصد بها إقامتها وتهيئتها بالنظافة والخدمة وغيرها لأداء العبادة ، كما قال سبحانه : {فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه } النور: 36 .
وقد كان العرب يعمرون المسجد الحرام بالخدمة والسقاية والحجابة ويعتقدون أنها أفضل من الإيمان برسالة محمدصلى الله عليه وسلم .
{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الاخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله واللّه لا يهدى القوم الظالمين } التوبة : 19 .
وهذه عمارة فى المبنى ، وقد وردت فيها أحاديث كثيرة ترغب فيها .
أما عمارة المعنى فتكون بالتردد عليها وإقامة الجماعات والجمع والاعتكاف فيها ، وغير ذلك من الأنشطة الدينية ، كما قال تعالى{إنما يعمر مساجد الله من امن باللّه واليوم الآخر وأقام الصلاة وانى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسف أونئك أن يكونوا من المهغدين } ا لتوبة : 18 .
وقد نهى الإسلام عن تخريب المساجد إما بهدمها وإما بإغلاقها حتى لا تقام فيها إبشعائر ، وإما بإهمال نظافتها . قال تعالى {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعئ فى خرابها} البقرة: 114 .
وفى الحديث : للأ ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا فى الجنة ، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين " رواه الطبرانى .
والتخريب للمساجد بمعنييه المادى والأدبى أشار إليه القرطبى فى تفسيره فقال : خراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بختنصَّر والنصارى بيت المقدس ، ويكون مجازا كمنع المشركين للمسلمين حين صدوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام .
وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها (ج 2 ص 77)(9/170)
الجمع بين الصلاتين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q متى يجوز جمع الصلوات ! وكيف تؤدى؟
An لا يجوز جمع الصلوات كلها فى وقت واحد، وإنما الجائز هو جمع صل! الظهر مع العصر فقط ، وجمع صلاة المغرب مع العشاء فقط ، تقديما فى وقت الأولى منهما أو تأخيرا نى وقت الثانية منهما .
وذلك يكون بسبب السفر الطويل كما يكون الجمع فى يوم عرفة للحجاج ، حيث يصلون الظهر مع العصر فى وقت الظهرتقديما، وحيث يصلون المغرب مع العشاء فى المزدلفة تأخيرا .
وإذا أراد تأخير الظهر ليصليها مع العصر نوى فى وقت الظهر أنه يؤخرها ، حتى لا يكون تأخيره لها إهمالا أو سهوا ، وإذا أراد تقديم العصر ليصليها مع الظهر نوى فى قلبه وهو يصلى الظهر انه سيجمع معها العصر، كما قال الشافعية . (انظر ص 423 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى) .
وعند الشافعية لو أراد المسافر تأخير صلاة الظهر مثلا ليجمعها مع العصر يشترط أن يكون السفر موجودا فى وقت صلاة العصر أيضا أما لو انتهى السفر قبل انتهاء صلاة العصر كانت صلاة الظهر قضاء ، ويقال مثل ذلك فى المغرب والعشاء (انظر الفقه على المذاهب الأربعة طبع لزارة الأوقاف )(9/171)
عند وفاة الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ماذا يفعل المصلون خلف الإمام إذا توفى أثناء الصلاة؟
An إذا توفى الإمام أثناء الصلاة كان حكمه حكم من انتقض وضوءه ووجب على المأمومين أن يتموا صلاتهم إما فرادى وإما بأن يتقدم أحدهم ليكمل الصلاة جماعة ، ولا يجوز لهم قطع الصلاة والخروج منها ، فإنهم لن يستطيعوا أن يردوا إليه روحه وذلك بخلاف ما إذا كان هناك خطر يهدد حياة المصلى فإنه يجوز له أن يخرج من الصلاة(9/172)
خطبة الجمعة وخطبة العيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن تكون خطبة العيد كخطبة الجمعة؟
An الفرق بين خطبة الجمعة وخطبة العيد، أن خطبة الجمعة ركن ، أما خطبة العيد فسنة . وخطبة الجمعة تكون قبل الصلاة، وخطبة العيد بعدها ، وخطبة العيد يسن افتتاحها بالتكبير. أما خطبة الجمعة فلا، وخطبة العيد يندب لمن استمع إليها أن يكبِّر عند تكبير الخطيب ، أما خطبة الجمعة فيحرم الكلام فى أثنائها، وخطبة الجمعة يشترط لها الطهارة وستر العورة بخلاف خطبة العيد على خلاف للفقهاء فى ذلك(9/173)
لماذا فرضت صلاة الصبح مبكرة ؟
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا فرض الله سبحانه وتعالى على الناس صلاة الصبح فى وقت قد لا يستطيع كل الناس أداءها فيه نظرا لاختلافهم فى حالات توقيت العمل فى الصباح ، وعدد ساعات النوم التى لا يستطيع كل إنسان التحكم فيها؟
An الله سبحانه له حكمة فى توزيع الصلوات على الأوقات المعروفة فلا بد من المحافظة على ذلك حتى لو لم نفهم الحكمة، فالأمر قائم على الاتباع ، ففى الحديث "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وقد عين جبريل للرسول عليه الصلاة والسلام مواقيت الصلاة ، بعد أن فرضت عليه ليلة الإسراء ، وحدد له أول الوقت وآخره ، وقال له : " الوقت ما بين هذين الوقتين " .
ولعل الحكمة فى تضييق وقت صلاة الصبح هى الحرص على البكور واستئناف النشاط اليومى من أول النهار، فقد أجمع ذوو الاختصاص على أن الساعات الأولى من النهار فيها خير كبير للإنتاج الذهنى والبدنى ، والرسول دعا أن يبارك الله لأمته فى البكور .
وقال بعض المفكرين إن صلاة الصبح تؤدى بعد راحة طويلة بالنوم بالليل ، ومع ذلك جعلها الله ركعتين ولم يجعلها أربعا أو أكثر، وذلك للسرعة فى استئناف العمل من أجل الرزق والمهمات الأخرى .
وقد كره العلماء السهر الطويل بعد العشاء لغير حاجة وذلك من أجل راحة الجسم بالنوم وعدم فوات صلاة الصبح التى قال الله فيها : {إن قراَن الفجر كان مشهودا} الإسراء : 78 .
وإذا كانت هناك قلة من الناس يعملون بالليل فيتعرضون لضياع صلاة الصبح ، فإن القلة لا تحكم على الكثرة ومع ذلك فمن الممكن أن تنظم أوقات العمل حتى لا يضيع أى فرض من فروض الصلاة ليلا أو نهارا .
وفى الصحيحين أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها : عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " .
وفى الصحيحين أيضا أن رجلا ذُكِر عند النبى صلى الله عليه وسلم فقيل : ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة ، فقال "ذاك رجل بال الشيطان فى أذنه "(9/174)
حكمة مشروعية الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو السر فى تكليف الله لنا بالصلاة أكثر من مرة فى اليوم والليلة ، الأمر الذى يشغلنا عن الكفاح لطلب الرزق والاستمتاع الكامل بالحياة؟
An على ضوء الحكمة العامة للتشريع وهى ربط المخلوق بالخالق ، وإعداده لحمل الأمانة وتحقيق الخلافة يمكن أن تظهر حكمة التشريع فى الصلاة التى هى أفضل العبادات وأقواها أثرا فى إظهار العبودية لله ، وفى إعداد الشخص نفسيا وخلقيا وتهيئته لحياة سعيدة كريمة . وقد ورد فى بيان سرها ومغزاها آيتان كريمتان هما قوله تعالى {وأقم الصلاة لذكرى} طه : 14 ، وقوله {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }العنكبوت :45 .
وعلى ضوء الحكمة العامة للتشريع يمكن بيان بعض أسرارها فيما يلى :
1 - الصلاة فيها ذكر لله يربط المخلوق بالخالق ، فالمصلِّى يدخل صلاته بالتكبير لله ، الذى يشعر بالوحدانية المطلقة والإقرار بسلطان الله الواسع وعزته البالغة ، وهو فى الفاتحة يحمده ويثنى عليه بمحامد الصفات ويقر له وحده بالعبادة ويطلب منه وحده المعونة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو يركع خاضعا ويسجد خاشعا ويوحده متشهدا .
وفيما بين ذلك يقرأ ويدعو ويسبِّح ويكبِّر. وكل ذلك مظاهر واضحة لربط المصلى بربه . يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله :
حمدنى عبدى . وإذا قالى : الرحمن الرحيم قال أثنى علىَّ عبدى ، وإذا قال : مالك يوم الدين قال : مجِّدنى عبدى ، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين . قال : هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم ، قال هذا لعبدى ولعبدى ما سأل " رواه مسلم .
ومن أجل قوة هذا الرباط الروحى كانت م الصلاة من أكبر ما يكفِّر الذنوب ، على ما جاء فى قوله تعالى {وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } هود : 114 ، وكما قال صلى الله عليه وسلم " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شىء؟" قالوا لا يبقى من درنه شىء قال " فكذلك الصلوات الخمس يصححه يمحو الله بهن الخطايا " رواة البخارى ومسلم .
2- الصلاة فيها إشراق للروح وتطهير للقلب ، وأنس بالله وطمائنينة للنفس بمناجاة تذهب اللهم وتفسح الصدر بالأمل ، وتبعده عن العقد النفسية ، وتقوى العزيمة على العمل ، ولهذا كانت ملجأ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحزبه أمر أو يهمه موضوع . ففى الحديث : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أو حزنه أمر فزع إلى الصلاة ، رواة أحمد . وجاء عنه قوله "وجُعلت قُرة عينى فى الصلاة" رواه النسائى والطبرانى والضحاك وصححه ، وقال الحافظ : إسناده جيد .
وفى الصلاة تصفية للنفس من الكبر والغرور، بالذلة لله والضراعة وطأطأة رأسه التى طالما ارتفعت على الناس ، ولمس التراب بأشرف شىء فى الإنسان تواضعا وخضوعا لخالق هذه الأعضاء .
والصلاة بما اشتملت عليه من أقوال وأفعال تعوَّد الإنسان أن يقرن العلم بالعمل ، وألا يقتصر فى حياته على العلم بالحقائق ، بل لابد من تطبيقها والإفادة منها فى الحياة ، ويبدو ذلك واضحا فى الركوع والسجود، اللذين هما تطبيق عملى للإقرار بعظمة الله ووحدانيته ولطلب المعونة والهداية منه ، فهما يشعران بذلة الإنسان وتواضعه واحتياجه لربه .
وفى الصلاة تقوية لعامل الخوف من الله يدعو إلى-الإخلاص فى العمل ، وإلى مراقبته فى جميع الشئون ، وفى الصلاة أيضا تمرين على النظام فى الحياة العامة، بما فيها من ضبط لأوقاتها وتنسيق لأداء أركانها ، وترتيب الإنسان لمواعيد نومه ، ويقظته واعماله الأخرى .
بحيث يساعد هذا الترتيب على أداء الصلوات فى أوقاتها المحدودة لها ، كما أن الصلاة تعوَّد النظافة بما اشترط لها من طهارة ، وفى حركاتها المختلفة رياضة تفوق التمرينات التى يحرص عليها كثير من الناس ، ذلك لأنها تجمع إلى رياضة الجسم رياضة الروح بالذكر والدعاء .
3-الصلاة تصقل نفس صاحبها وترقق قلبه وترهف حسه وتهذَّب غرائزه فيخرج منها ليعامل الناس بعفة اللسان ولين الكلام وخفض الجناح ورحمة الضعفاء ومواساة المحتاجين ، ويؤيد فائدتها فى الميدان الاجتماعى النعى على الذين يصلون ولا يفيدون من صلاتهم ، بل يخرجون منها ولا تمتد أيديهم بالخير إلى الناس ، لأنهم دخلوها رياء لا قلب يخشى ولا عقل يفهم ، قال تعالى{فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون ويمنعون الماعون } الماعون : 4 - 7 .
والصلاة الكاملة الخاشعة تنأى بالإنسان عن اقتراف المنكر وإتيان الفواحش ، سواء أكان ذلك بينه وبين نفسه أم بينه وبين الناس ، يدل على ذلك قوله تعالى{وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت : 45 ، وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها قال "هى فى النار" رواه أحمد والبزار وابن حبان فى صحيحه والحاكم وصححه ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قال الله عز وجل : إنما أتقبَّل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يستطل على خلقى، ولم يبت مصرًّا على معصيتى ، وقطع النهار فى ذكرى ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ، ورحم المصاب ذلك نوره كنور الشمس ، أكلؤه بعزتى وأستحفظه ملائكتى، وأجعل له فى الظلمة نور، وفى الجهالة حلما، ومثله فى خلقى مثل الفردوس فى الجنة" رواه البزار من رواية عبد الله بن واقد الحرانى وبقية رواته ثقات .
وفى الصلاة مع الجماعة تطبيق عملى للديمقراطية السلوكية ، بما فيها من مساواة وتعويد لطاعة الرؤساء وتمرين على النظام بربط حركات المأمومين بحركات الإمام وبتسوية الصفوف وسد الفرج بين المصلين ، وفيها دعوة عملية للاتحاد والتعاون ، وفرصة للتجمع والتعارف وما ينشأ عن ذلك من تبادل الآراء والمنافع وحل المشكلات وتقوية رابطة الألفة والمحبة بين الناس .
هذا ، ولن تثمر الصلاة ثمرتها المطلوبة إلا إذا أديت بخشوع يقوم على حضور القلب وتفرغه مما سوى الصلاة، وعلى تفهم ما يقول المصلى ويفعله ، وعلى استشعاره لعظمة الله وهيبته مع رجاء ثوابه وخشية عقابه ومع حياء يشعر معه بالقصور عن أداء ما يجب لله المعبود وحده بحق وصاحب النعم كلها {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } الأعراف : 54 ، قال تعالى فى مدح المؤمنين المفلحين {الذين هم فى صلاتهم خاشعون } المؤمنون : 3 ، وفى نهيه عن الغفلة فيها بتعاطى أسبابها {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } النساء : 43 .
ولما كانت الصلاة بهذه المنزلة التربوية العظيمة كانت أهم أركان الإسلام وأفضلها يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لا دين لمن لا صلاة له إنما موضع الصلاة من الدين موضع الرأس من الجسد" رواه الطبرانى ومن هنا جاءت فارقا بين المسلم والكافر كما ورد فى الحديث الصحيح "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" رواه مسلم وأصحاب السنن بألفاظ متقاربة .
ولم يتسامح فيها الرسول عليه الصلاة والسلام ، كما تسامح فى غيرها من التكاليف لمن أراد الدخول فى الإسلام فنعدما جاء إليه وفد ثقيف اشترطوا عليه ألا يخرجوا للجهاد ولا تؤخذ منهم زكاة، ولا يجتمعوا للصلاة ولا يول عليهم أحد من غيرهم ، فأجابهم إلى طلبهم مبدئيا ما عدا الصلاة ، حيث قال "لكم ألا تحشروا - للجهاد - ولا تعشروا- بأخذ العشر للزكاة - ولا يستعلى عليكم غيركم لا خير فى دين لا ركوع فيه " رواه أحمد . ولما كان للصلاة أثرها القوى فى تثبيت الإيمان فى القلوب وفى تقويم السلوك قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن هؤلاء "إنهم سيصدقون ويجاهدون " كما جاء فى رواية ابى داود أى أن الصلاة ستحملهم على عمل الخير الذى كانوا قد رغبوا عنه .
بهذا العرض لحكمة مشروعية الصلاة يتضح للمؤمن أنها لمصلحته هو، فالله غنى عن عبادتنا وأن أية فائدة لا تأتي الا ببذل جهد مهما كانت درجته ، وبمقارنة الثمرات الطيبة التى تخم عن الصلاة بما يتكلفه الإنسان من جهد تنشط نفسه للمحافظة عليها وتأبى التقصير فيها . ويحس بأنها غنم لا غرم ، فالجلسة فى روضة مع الحبيب ليست كوقفة أمام محقق فى تهمة أو دفع غرامة(9/175)
ألفاظ الأذان والإقامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت بعض المؤذنين يقول فى أول الأذان " الله اكبر " مرتين فقط كما سمعت بعض من يقيمون للصلاة يقول "أشهد أن لا إله إلا الله " مرتين وكذلك بقية الكلمات فهل هذا صحيح ؟ وهل المؤذن هو الذى يقيم ؟ ومتى يقوم الناس للصلاة عند الإقامة ؟
An معلوم أن الأذان الذى هو الإعلام بدخول وقت الصلاة سنة ، وكذلك الإقامة لاستنهاض الحاضرين لأداء الصلاة سنة أيضا .
وألفاظ الأذان هى : الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . حى على الصلاة . حى على الفلاح . الله أكبر . لا إله إلا الله . ويمكن أن تؤدى بإحدى كيفيات ثلاث هى :
الأولى - تربيع التكبير الأول (أى يقال أربع مرات ) وتثنية باقى الكلمات (أى تقال مرتين ) بلا ترجيع ، أى قول اشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول اللّه سرًّا قبل الجهر بهما ، ما عدا كلمة التوحيد وهى الأخيرة فتقال مرة واحدة فيكون عدد الكلمات خمس عشرة كلمة ، كما جاء فى حديث عبد الله بن زيد الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح .
الثانية - تربيع التكبير الأول ، مع ترجيع الشهادتين (كل شهادة مرتين سرا) والباقى كالكيفية الأولى، فيكون عدد الكلمات تسع عشرة كلمة، كما جاء فى حديث أبى محذورة الذى رواه الخمسة أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذى : حسن صحيح .
الثالثة : - تثنية التكبير الأول مع ترجيع الشهادتين ، والباقى كالكيفية الأولى، فيكون عدد الكلمات سبع عشرة كلمة، كما جاء فى حديث أبى محذورة الذى رواه مسلم .
وألفاظ الإقامة هى ألفاظ الأذان بزيادة "قد قامت الصلاة" قبل التكبير الأخير ويمكن أن تؤدى بكيفيات ثلاثة هى :
الأولى-تربيع التكبير الأول مع تثنية جميع كلماتها ، ما عدا الكلمة الأخيرة وهى كلمة التوحيد فيكون عدد الكلمات سبع عشرة كلمة، كما جاء فى حديث أبى محذورة الذى رواه الخمسة وصححه الترمذى .
الثانية - تثنية التكبير الأول والأخير وقد قامت الصلاة ، وإفراد سائر الكلمات فيكون عددها إحدى عشرة كلمة، كما فى حديث عبد الله بن زيد المتقدم وفيه "ثم تقول إذا أقمت : الله اكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ، اشهد أن محمدا رسول الله ، حى على الصلاة ، حى على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله اكبر اللّه أكبر، لا إله إلا الله " .
الثالثة-هذه الكيفية كالكيفية الثانية ما عدا كلمة "قد قامت الصلاة" فتقال مرة واحدة فيكون عدد الكلمات عشر كلمات . وقد أخذ مالك بهذه الكيفية لأنها عمل أهل المدينة ، وإن لم يصح عن الرسول إفراد كلمة "قد قامت الصلاة" كما قال ابن القيم . من هذا العرض نرى أن كيفيات الأذان والإقامة مختلفة ، وكلها صحيحة ولا داعى للتعصب لأية كيفية .
أما كون المؤذن هو المقيم فلم يرد فيه حديث ، فيجوز أن يقيم المؤذن وأن يقيم غيره ، وذلك باتفاق العلماء لكن الأولى أن يتولى المؤذن الإقامة . قال الشافعى : وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة ، وقال الترمذى والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم . ويمكن الرجوع إلى صفحة 681 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى ففيه توضيح لهذه المسألة .
وإذا سمع الناس الإقامة للصلاة متى يقومون إليها؟ قال النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 5ص 103 ، اختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس للصلاة ومتى يكبِّر الإمام ، فمذهب الشافعى رحمه الله تعالى وطائفة انه يستحب ألا يقوم أحد حتى يفرغ المؤذن من الإقامة ونقل القاضى عياض عن مالك رحمه اللّه تعالى وعامة العلماء أنه يستحب أن يقوموا إذا أخذ المؤذن فى الإقامة وكان أنس رحمه الله تعالى يقوم إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، وبه قال أحمد رحمه الله تعالى، وقال أبو حنيفة والكوفيون يقومون فى الصف إذا قال حى على الصلاة فإذا قال : قد قامت الصلاة كبِّر الإمام .
وقال جمهور العلماء من السلف والخلف : لا يكبر الإمام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة(9/176)
وضع الأصابع على الأذنين فى الأذان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يلاحظ أن اكثر المؤذنين يضعون أصابعهم على آذانهم أثناء الأذان فهل هذا سنة؟
An جاء فى المغنى لابن قدامة وشرحه "ج 1 ص 438" أن المشهور عن أحمد بن حنبل أن المؤذن يجعل إصبعه فى أذنيه ، وعليه العمل عند أهل العلم وهو مستحب قال الترمذى لما روى أبو جحيفة أن بلالا أذن ووضع إصبعيه فى أذنيه ، متفق عليه ، وعن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه فى أذنيه قال "إنه أرفع لصوتك " .
وروى أبو طالب عن أحمد أنه قال : أحب إلىَّ أن يجعل يديه على أذنيه ، لحديث أبى محذورة وضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه ، وحكى أبو حفص عن ابن بطة قال :
سألت أبا القاسم الخرقى عن صفة ذلك فأرانيه بيديه جميعا فضم أصابعه على راحتيه ووضعهما على أذنيه واحتج لذلك القاضى بما روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا بعث مؤذنا يقول له : اضمم أصابعك مع كفيك ، واجعلهما مضمومة على أذنيك ، وبما روى الإمام أحمد عن أبى محذوفي أنه كان يضم أصابعه ، والأول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل أهل العلم به وأيهما فعل، فحسن وإن ترك الكل فلا بأس . انتهى .
هذا ما جاء فى المغنى عن استحباب وضع الإصبعين فى الأذنين أو وضع الأصابع الأربع كلها على الأذنين وكما قال ابن قدامة : وضع الإصبعين فى الأذنين هو الأصح والحكمة فى ذلك -كما ذكر فى الحديث - أنه أرفع للصوت : والعلاقة بين الصوت وسد الأذنين بالإصبعين تحتاج إلى تأصيل من المختصين. - إن الموضوع لا يحتاج أكثر من هذا ، ولا ينبغى الجدل فيه كما ختم ابن قدامة به الإجابة : أيهما فعل فحسن وإن ترك الكل فلا بأس(9/177)
أذان المرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للمرأة أن تؤذن للصلاة إذا كانت الجماعة من النساء؟
An يكره للمرأة رفع صوتها بالأذان إذا سمعه رجل أجنبى ، فإن كانت تؤذن لنساء فلا مانع بحيث لا يسمعه أجنبى، وكذلك لو أذنت لنفسها، جاء فى المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 437" أنه لا خلاف فى أنه لا أذان ولا إقامة على المرأة، لكن هل يسن لها ذلك ؟ قال أحمد : إن فعلن فلا بأس وان لم يفعلن فجائز، وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم كما رواه البيهقى وقد مر فى صفحة 428 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل لأم روقة مؤذنا وأباح لها أن تؤم أهل بيتها(9/178)
الأذان المسجل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز فى صلاة الجماعة الاكتفاء بالأذان المسجل على شريط أو المذاع بأجهزة الإذاعة أم لابد من قيام أحد برفع الأذان ؟
An لا يكتفى بالأذان المسجل أو المذاع فإن المسلمين مطالبون به كما صح فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أقرؤكما" رواه البخارى ومسلم . والأذان سنة مؤكدة كما رآه أبو حنيفة والشافعى . وقال أبو بكر بن عبد العزيز: هو من فروض الكفاية وهو قول أكثر أصحاب أحمد بن حنبل وقول بعض أصحاب مالك . ويدل علي فرضيته أمر النبى صلى الله عليه وسلم به كما سبق ومداومته هو وخلفاؤه عليه والأمر هنا للوجوب والمداومة عليه تدل عليه ، ولأنه شعار الإسلام "المغنى لابن قدامة ج 1 ص 431 " ومن أوجبه من الحنابلة أوجبه على أهل المصر"، وقال مالك : يجب فى مساجد الجماعة ، ويكفى فى العصر أذان واحد إذا كان يسمعهم .
وبهذا يعلم أنه واثب أو سنة بالنسبة للفرد أو بالنسبة للجماعة ، ويكره تركه ويأثم من تركه على رأى من يوجبه ، ولابد أن يكون من مسلم ولا يكفى إذاعة تسجيله(9/179)
فضل الصلاة فى المسجد البعيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يوجد بجوار منزلى مسجد صغير، وهناك مسجد آخر كبير يبعد عنه بمسافة نصف كيلو متر، فأى المسجدين يفضل أن أصلى فيه ؟
An لا شك أن الأرض كلها مسجد ، فأينما أدركت الإنسان الصلاة صلَّى، وذلك من خصوصيات الأمة الإسلامية كما صح فى الحديث ، لكن الصلاة فى المسجد المقام من أجل ذلك أفضل ، وذلك لخيرية البقعة نفسها كما جاء فى الحديث الصحيح "خير البقاع فى الأرض المساجد" ولرجاء أن يصلى جماعة ، ولتقوية الرابطة الاجتماعية بكثرة من يلتقى بهم الإنسان ، مع وجود فرصة لقراءة قرآن أو سماعه أو حضور مجلس علم ، وللأمر بعمارة المساجد وفتحها للمصلين وممارسة الشعائر فيها .
وإذا كانت هذه الآثار تترتب على الذهاب إلى مسجد ، صغيرا كان أو كبيرا ، قريبا من منزله أو من محل عمله أو بعيدا ، فإن الفضل يزيد فى المسجد الكبير وذلك لكثرة المصلين معه " روى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه وغيرهم عن أُبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى :
وكذلك يزيد الفضل فى المسجد البعيد . . .
ذلك أن خطوات الإنسان من بيته إلى المسجد لها ثوابها كما صح فى الحديث الذى رواه مسلم "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات " ؟ قالوا بلى يا رسول اللّه قال : "إسباغ الوضوء على المكاره ،كثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط. فذلكم الرباط " والحديث الذى رواه مسلم أيضا "من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت اللّه ليقض فريضة من فرائض اللّه كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة" والحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن جابر قال : خَلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال لهم " بلغنى أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد" ؟ قالوا : نعم يا رسول اللّه قد أردنا ذلك فقال "بنى سلمة ، دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم " فقالوا : ما يسرنا أنا كنا تحولنا . والحديث الذى رواه البخارى ومسلم "إن أعظم الناس أجرا فى الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم ، والذي ينتظر الصلاة ، حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذى يصليها ثم ينام " هذا ، وأرى أن يدخل فى الاعتبار مدى الاستفادة العلمية من خطبة الجمعة أو الدروس الدينية ، فيفضل أكثرها فائدة .
لأن المساجد ليست للصلاة فقط . جاء فى " كفاية الأخيار" فى فقه الشافعية أن الجماعة فى القريب أفضل إذا ترتب على الجماعة فى البعيد تعطيل لها فى المسجد القريب ، أو كان البعيد إمامه معتزلى أو غيره من المبتدعين والفساق أو مذهبه غير مذهبه(9/180)
رفع الصوت فى الصلاة لطارئ
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى أثناء الصلاة قد يطرق الباب أحد الأشخاص ،فهل يجوز للمصلى أن يرفع صوته عند التكبير للركوع أو غيره ليعلم الشخص أن صاحب المنزل موجود فى المنزل ؟
An فى فقه المذاهب الأربعة نشر أوقاف مصر ما يأتى :
قال الحنفية : تبطل الصلاة إذا رفع صوته بالتسبيح أو التهليل يريد - بذلك زجر الغير عن أمر من الأمور، أما إذا رفع صوته بالقراءة قاصًا - الزجر برفع الصوت لا بالقراءة فإن صلاته لا تفسد ، وكذلك لو سبَّح - للإعلام بأنه فى الصلاة لا تبطلَ الصلاة .
وقال المالكية : لو استأذن شخص فى الدخول عليه وهو يصلى فأجابه بالتسبيح أو التهليل أو بقول : لا حول ولا قوة إلا بالله فإن صلاته لا تبطل بذلك فى أى محل من الصلاة . وقال الحنابلة : لا تبطل الصلاة بأى ذكر أو بأى آية من القرآن الكريم ، كقوله " ادخلوها بسلام آمنين " لمن يستأذنه .
وقال الشافعية : إذا استأذنه شخص فى أمر فسبَّح له يعنى قال سبحان الله لا تبطل الصلاة إن قصد الذكر ولو مع ذلك الغرض ، فإن قصد إعلام المستأذن فقط بطلت صلاته .
من هذا يعلم أن رفع الصوت لإعلام من يطرق الباب أنه يصلى لا تبطل به الصلاة عند الجمهور(9/181)
الصلاة فى وقت الدرس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أثناء المحاضرات فى الجامعة هل يخرج الدارسون للصلاة عند سماع الأذان ، وقد تكون المحاضرة لمدة ساعتين وبالتالى قد تفوت صلاة المغرب ؟
An وقت الصلاة موسَّع بين أوله وآخره وإن كان التعجيل بالصلاة فى أول وقتها أفضل .
لكن محل ذلك إذا لم يكن الإنسان مشغولا بشىء هام يفوت منه لو تركه وذهب إلى الصلاة فى أول الوقت ، وهنا يمكن أن يؤخر الصلاة إلى قبيل دخول وقت الصلاة الثانية .
أما إذا كان زمن المحاضرة يشغل الوقت كله بحيث لو استوعبها الطالب فاتت منه الصلاة فيجب عليه أن يتركها ويؤدى الصلاة ، ويمكن تدارك ما فات منه بوسيلة أو بأخرى وبخاصة إذا كانت المحاضرة فى موضوع ليس واجبا حتما تعرف به الواجبات الأساسية على الإنسان نحو ربه ونحو مجتمعه ، بل هو موضوع من الدرجة الثانية التى يكون تعلمها نافلة وليس فرضا .
ثم أقول لصاحب السؤال الذى يجب عليه أن يترك المحاضرة ليؤدى الصلاة حتى ، لا تفوت منه يجب عليه أيضا أن ينبه الأستاذ إن كان مسلما كما ينبه الطلاب إلى حرمة تضييع الصلاة وإلى وجوب ترك المحاضرة حتى يؤدوا الصلاة ، لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولكن يجب أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة .
أرجو أن يمكِّن الأساتذة الطلاب من أداء الصلاة فى وقتها كما يجب عليهم هم أن يصلوا وأن يؤجلوا ما بقى من المحاضرات إلى وقت آخر، حتى يبارك الله لهم جميعا فيما يتعلمون فتقوى الله أكبر عامل على السعادة فى الدنيا والآخرة .
وأؤكد أن وقت الصلاة متسع ولا يتحتم على الطالب أن يترك المحاضرة ليؤدى الصلاة فى أول وقتها ، فأداؤها فى أول وقتها سنة وطلب العلم سنة ، وبهذه المناسبة ذكر ابن القيم فى كتابه "مفتاح دار السعادة ص 25 " أن كثيرا من الأئمة صرَّحوا بأن أفضل الأعمال بعد الفرائض طلب العلم ، فقال الشافعى : ليس شىء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، وهذا الذى ذكر أصحابه عنه أنه مذهبه وكذلك قال سفيان الثورى وحكاه الحنفية عن أبى حنيفة ، وأما أحمد فحكى عنه ثلاث روايات ، إحداهن أنه العلم ، فإنه قيل له : أى شىء أجب إليك ، أجلس بالليل أنسخ أو أصلى تطوعا؟ قال تعلم به أمور دينك فهو أحب إلىَّ ، وذكر الخلاَّل عنه فى كتاب العلم نصوصا كثيرة فى تفضيل العلم وأما مالك فقال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : إن أقواما ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم فخرجوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأسيافهم ، ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك ! وذكر ابن القيم أيضا أن أبا نُعيم وغيره نقلوا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "فضل العلم خير من نفل العمل وخير دينكم الورع "وقد روى هذا مرفوعا من حديث عائشة رضى الله عنها، وفى رفعه نظر. . . [الرفع أى الإسناد إلى النبى صلى الله عليه وسلم ] هذا الكلام هو فصل الخطاب فى هذه المسألة فالعلم يعم نفعه صاحبه والناس معه ، والعبادة يختص نفعها بصاحبها ، ولأن العلم تبقى فائدته بعد موته والعبادة تنقطع ، والحديث فى ذلك معروف "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم(9/182)
حمل الصبى فى الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم حمل طفلا وهو يصلي ؟ وإذا كان صحيحا فكيف تصح الصلاة مع حمل النجاسة، وغالب الأطفال ثيابهم نجسة؟
An قال العلماء يشترط فى صحة الصلاة طهارة الثوب والبدن والمكان ، فلو حمل المصلى شيئا نجسا أو أمسك بشىء نجس وكان يتحرك بحركته بطلت صلاته والحديث موضوع السؤال صحيح . ففى صحيح مسلم بشرح النووى "ج 5ص 31" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن الربيع .
فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها .
يقول النووى : فيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانًا طاهرا من طير وشاة وغيرهما ، وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها ، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة . وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال بل تفرقت لا تبطل الصلاة . وفيه تواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم .
ثم يقول : هذا يدل لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر فى صلاة الفرض وصلاة النفل ، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد وحمله أصحاب مالك رضى الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة . وهذا التأويل فاسد . لأن قوله "يؤم الناس " صريح أو كالصريح فى أنه كان فى الفريضة وادعى بعض المالكية أنه منسوخ ، وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة ، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها ، بل الحديث صحيح صريح فى جواز ذلك ، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع ، لأن الآدمى طاهر، وما فى جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا والأفعال فى الصلاة لا تبطلها إذا قلَّت أو تفرقت .
وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا للجواز وتنبيها به على هذه القواعد التى ذكرتها ، وهذا يرد ما ادعاه الإمام أبو سليمان الخطابى أن هذا الفعل يشبه أن يكون كان بغير تعمد فحملها فى الصلاة لكونها كانت تتعلق به صلى الله عليه وسلم فلم يدفعها ، فإذا قام بقيت معه ، قال : ولا يتوهم أنه حملها مرة بعد أخرى عمدا لأنه عمل كثير ويشغل القلب . هذا كلام الخطابى وهو باطل ودعوى مجردة ومما يردها قوله فى صحيح مسلم "فإذا قام حملها" وقوله : "فإذا رفع من السجود أعادها" . . . ثم انتهى النووى إلى قوله : إن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين .
هذا ، ويلاحظ فى كلام النووى أن المفروض فى ثياب الطفل وبدنه الطهارة حتى تتحقق النجاسة ومعنى هذا أن النجاسة إذا تحققت لا يجوز حملها، وهو المعقول المتفق مع قول العلماء باشتراط الطهارة للصلاة .
مع مراعاة هذا الرأى ينبغي ألا يستغل استغلالا سيئا بكثرة حمل الصبيان فى الصلاة لأن ذلك يشغل القلب عن الخشوع ، فأرى أنه يكون عند الضرورة أو الحاجة ، أى فى حدود ضيقة ، مع التأكد أن جسم الصبى وثوبه طاهران(9/183)
صلاة المحدث
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q انتقض وضوئى ثم نسيت فصليت قبل أن أتوضأ ، فهل صلاتى صحيحة ؟
An رأى جمهور الفقهاء أن الإنسان لو اكتشف أنه لم يغتسل من الجنابة أو لم يتوضأ من الحدث وصلى فصلاته باطلة ، وعليه أن يعيدها ، لأن من شروط صحة الصلاة الطهارة من الحدث والنجس وأبو حنيفة يقول بصحة الصلاة مع نسيان الطهارة بناء على حديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
وإذا كان المحدث إماما ناسيا أنه محدث ولم يعلم المأمومون حتى انتهت الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة ، وصلاة الإمام باطلة ، روى ذلك عن عمر وعثمان وعلى وابن عمر من الصحابة رضى الله عنهم ، ومن الأئمة روى عن مالك والشافعى ، أما أبو حنيفة فيقول بإعادة الصلاة للإمام والمأمومين "المغنى لابن قدامة ج 1 ص 745" ودليل جمهور الأئمة -كما يقول ابن قدامة -إجماع الصحابة وروى عن عمر رضى الله عنه أنه صلَّى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد فى ثوبه احتلاما فأعاد ولم يعد الناس . وحدث مثل ذلك لعثمان رضى الله عنه . وروى عن على أنه قال : إذا صلى الجنب بالقوم فأتم الصلاة بهم آمره أن يغتسل ويعيد . ولا آمرهم أن يعيدوا ، وابن عمر صلَّى بهم الصبح بغير وضوء فأعاد ولم يعيدوا . رواه كله الأثرم وهذا في محل الشهرة ولم ينقل خلافه فكان إجماعا، ولم يثبت ما نقل عن على فى خلافه -وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم " أخرجه أبو سليمان الحرانى فى جزء .
ثم قال ابن قدامة : والحكم فى النجاسة كالحكم فى الحدث سواء ، لأنها إحدى الطهارتين فأشبهت الأخرى ، ولأنها فى معناها فى خفائها على الإمام والمأموم ، بل حكم النجاسة أخف وخفاؤها أكثر، إلا أن فى النجاسة رواية أخرى أن صلاة الإمام تصح أيضا إذا نسيها .
هذا هو الحكم فيما لو علم بالحدث بعد الصلاة أما لو علم الإمام بحدث نفسه فى الصلاة أو علم المأمومون لزمهم استئناف الصلاة ، وفيه رواية أخرى عن أحمد أنهم يبنون على صلاتهم ويستأنف هو، وقال الشافعى : يبنون على صلاتهم سواء علم بذلك أو علم المأمومون . كما لو قام لخامسة فسبحوا به فلم يرجع(9/184)
صلاة المسافر لغير القبلة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q صلينا فى القطار متجهين إلى جهة السفر وليس إلى القبلة فما حكم هذه الصلاة؟
An من المعلوم أن استقبال القبلة . شرط لصحة الصلاة لقوله تعالى{فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } البقرة : 144 ، سواء أكانت الصلاة فى الحضر أم فى السفر، وهذا فى صلاة الفرض ، أما فى صلاة النافلة فلا تصح فى الحضر إلا مع استقبال القبلة ، لكن فى السفر يجوز أن تصلى إلى حيث اتجاه المسافر، فقد روى البخارى ومسلم عن عامر بن ربيعة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلَّى على راحلته حيث توجهت به ، وزاد البخارى : يومئ ، أى يشير برأسه إلى السجود. وفى الترمذى : ولم يكن يصنعه فى المكتوبة أى المفروضة . يعنى كان ذلك فى صلاة النفل ، وفى ذلك نزل قوله تعالى{فأينما تولوا فثمَّ وجه الله } البقرة : 115 ، كما جاء فى صحيح مسلم وغيره عندما رأوا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ، يعنى كان ظهره إلى الكعبة .
هذا فى الصلاة لراكب الدابة . أما راكب القطار والسفينة والطائرة وما يمكن التحرك فيه بسهولة فقد جاء فى فقه المذاهب الأربعة أن عليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك ، وليس له أن يصلى إلى غير جهتها حتى لو دارت السفينة وهو يصلى وجب عليه أن يدور إلى جهة القبلة حيث دارت ، فإن عجز عن استقبالها صلى إلى جهة قدرته ويسقط عنه السجود أيضا إذا عجز عنه ، ومحل ذلك إذا خاف خروج الوقت قبل أن تصل السفينة أو القاطرة إلى المكان الذى يصلى فيه صلاة كاملة ولا تجب عليه الإعادة ، ومثل السفينة القطر البخارية البرية . انتهى .
وراكب السيارة التى لا يمكنه التحرك فيها كراكب الدابة ، إن استطاع النزول وأمن على نفسه وماله وأمن الانقطاع عن الرفقة لا تجوز له الصلاة فيها ، أما إذا لم يستطع النزول ولم يأمن على ما ذكر صلى إلى أية جهة وسقطت عنه الأركان التى لا يستطيعها ولا إعادة عليه .
وكل ذلك إذا خاف خروج الوقت قبل الوصول إلى مكان يمكنه أن يصلى فيه ، أما إذا لم يخف فلا تجوز الصلاة إلا كاملة(9/185)
الإمام ونية الجماعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كنت أصلى بمفردى فى المسجد ثم وقف خلفى بعض الناس لتكون الصلاة جماعة، فهل يجب علىّ تغيير النية من الصلاة الفردية إلى صلاة الجماعة؟
An فى صلاة الجماعة تجب نية الجماعة على المأمومين ، لأنهم ربطوا صلاتهم بصحة الإمام ، أما الإمام فهو كالمنفرد لا يجب عليه أن ينوى الجماعة حتى لو صار إماما بعد أن بدأ الصلاة منفردا ، وهذا كله فى غير الصلاة التى تتوقف على الجماعة كالجمعة .
جاء فى فقه المذاهب الأربعة نشر أوقاف مصر، أن الحنابلة قالوا :
يشترط فى صحة الاقتداء نية الإمام فى كل صلاة ، فلا تصح صلاة المأموم إذا لم ينو الإمام الإمامة .
وأن الشافعية قالوا : يشترط فى صحة الاقتداء أن ينوى الإمام الجماعة فى الصلوات التى تتوقف صحتها على الجماعة ، كالجمعة للمطر والمعادة .
وأن الحنفية قالوا : نية الإمامة شرط لصحة صلاة المأموم إذا كان إماما لنساء ، فتفسد صلاة النساء إذا لم ينو إمامهن الإمامة ، وأما صلاته هو فصحيحة ولو حاذته امرأة . وأن المالكية قالوا : نية الإمام ليست شرطا فى صلاة المأموم ، ولا فى صحة صلاة الإمام إلا فى أربعة مواضع ، صلاة الجمعة والجمع ليلة المطر وصلاه الخوف والمستخلف الذى قام مقام الإمام لعذر(9/186)
صفوف الصلاة خلف الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يبدأ المصلون فى إتمام الوقوف للصلاة ، وهل يكون إتمام الصف من اليمين أو من المنتصف ؟
An جاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة نشر أوقاف مصر، أنه لو كان المأموم رجلا واحدا وقف عن يمين الإمام مع تأخره قليلا ، وذلك ندبا لا وجوبا عند جمهور الفقهاء .
فإن كان المأمومون اثنين فأكثر وقفوا خلف الإمام ، ويندب أن يكون فى وسط القوم .
فإن وقف عن يمينهم أو عن يسارهم فقد خالف السنة وإن كانت الصلاة صحيحة، وعلى هذا إذا جاء مأمومون للصلاة ووجدوا الصف الأول ناقصا صف بعضهم عن اليمين والبعض عن الشمال ليكون الإمام فى الوسط ، وإذا وجدوه كاملا قال جماعة يبدأ الصف من جهة اليمين .
لما رواه أبو داود وابن ماجه "إن اللّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " وقال آخرون يبدءون الوقوف خلف الإمام ثم يكمل من اليمين أولا ثم من اليسار ، أما إذا حضر الشخص ولم يجد سعة ولا فرجة فى الصف الأول فإنه يقف منفردا ويكره له جذب أحد، وقيل : يجذب واحدا من الصف عالما بالحكم بعد أن يكبر تكبيرة الإحرام ، ويستحب للمجذوب موافقته ، ويبدأ الصف من جهة اليمين أو من خلف الإمام على ما سبق ذكره .
وأنبه إلى أن الأمر سهل لا ينبغى زيادة الخلاف فيه (راجع صفحة 157 من المجلد الثاني من هذه الفتاوى فى حكم انفراد المأموم عن الصف )(9/187)
بين الجماعة والخشوع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أحس بالخشوع فى الصلاة إذا صليتها وحدى، وفى صلاة الجماعة لا يكون خشوع فهل الأفضل صلاتا منفردا أو فى جماعة؟
An جاء فى " الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع "ج 1 ص 141 فى الفقه الشافعى ما نصه :
أفتى الغزالى أنه لو كان إذا صلى منفردا خشع ، وإذا صلى فى جماعة لم يخشع فالانفراد أفضل ، وتبعه ابن عبد السلام ، قال الزركشى : والمختار بل الصواب خلاف ما قالاه .
وهو كما قال . انتهى . يعنى أن صلاة الجماعة أفضل حتى لو كانت بدون خشوع على ما اختاره الزركشى ، اعتمادا على حكمة صلاة الجماعة .
وكلام الغزالى وابن عبد السلام يتفق مع حكمة مشروعية الصلاة أصلا، ولعله يكون أصوب(9/188)
النافلة عند إقامة الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة "؟
An نعم ، هذا حديث صحيح ورد فى صحيح مسلم ، وفى رواية له أن النبى صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلَّى وقد أقيمت صلاة الصبح فقال "يوشك أن يصلى أحدكم الصبح أربعا" يقول النووى :فيها النهى الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها ، وهذا مذهب الشافعى والجمهور ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا لم يكن صلى ركعتى سنة الصبح صلاهما بعد الإقامة فى المسجد ما لم يخش فوت الركعة الثانية . وقال الثورى ما لم يخش فوت الركعة الأولى .
وقالت طائفة يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد الإقامة فى المسجد .
والحكمة فى هذا النهى أن يتفرغ الإنسان للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام ، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام وفاته بعض مكملات الفريضة ، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها ، وقيل إن الحكمة ألا يتطاول الزمان على النافلة فيظن وجوبها ، وهو رأى ضعيف . ثم قال النووى بعد ذكر رواية للحديث : فيه دليل على أنه لا يصلِّى بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام ، ورد على من قال : إن علم أنه يدرك الركعة الأولى أو الثانية يصلى النافلة .
أما إذا شرع فى صلاة النافلة ثم أقيم للصلاة فهل يجوز له أن يخرج من الصلاة أولا ؟ ذلك أمر يرجع فيه إلى حديث "المتطوع أمير نفسه " المذكور فى صفحة 219 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى .
وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 3 ص 91 ، 92" أن ابن عباس كان يصلى وأخذ المؤذن فى الإقامة فجذبه الرسول وقال " أتصلى الصبح أربعا " رواه البيهقى والطبرانى وأبو داود وغيرهم ، وجاء فى رواية للطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل يصلى ركعتى الغداة - الصبح - حين أخذ المؤذن يقيم " ألا كان هذا قبل هذا ، وإسناده جيد كما قال العراقى " .
وفى هذا دليل على أن المصلى للنافلة يقطعها ليدرك الجماعة حين يسمع الإقامة ، ويحتمل أن معنى " فلا صلاة إلا المكتوبة" لا يشغل بها وإن كان قد شرع فيها . وبعد أن ذكر الشوكانى تسعة أقوال فى معنى الحديث قال : قال الشيخ أبو حامد من الشافعية : إن الأفضل خروجه من النافلة إذا أداه تمامها إلى فوات فضيلة التحريم ، وهذا واضح(9/189)
تقدم المأموم على الإمام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث في المساجد التى لا تسع المصلين فى صلاة الجماعة أو الجمعة أن يصلى بعض المأمومين خارج المسجد متقدمين على الإمام ، لعدم إمكانهم الوقوف خلفه ، فهل تصح صلاتهم ؟
An تقدم المأموم على الإمام يبطل الصلاة عند الأئمة الثلاثة ، ولا يبطلها عند الإمام مالك .
جاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، ما نصه : المالكية قالوا : لا يشترط فى الاقتداء عدم تقدم المأموم على الإمام ، فلو تقدم المأموم على إمامه ولو كان المتقدم جميع المأمومين صحت الصلاة على المعتمد .
وعلى هذا فلا مانع من الصلاة فى أى مكان حتى لو تقدم المأمومون على الإمام وبخاصة عند الزحام ، على رأى الإمام مالك رضى اللّه عنه(9/190)
إمامة القاعد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن يكون الرجل القاعد إماما فى الصلاة لشخص واقف أو جماعة واقفين ؟
An روى البخارى ومسلم عن عائشة وأنس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اشتكى من إصابة فذهب بعض الصحابة لعيادته ، لما حضرت الصلاة صلَّى بهم قاعدا وهم واقفون . فلما انتهى من الصلاة بيَّن لهم أن الإمام إذا صلى قاعدا قعدوا ، وإذا صلى قائما صلوا قياما وبيَّن العلة فى ذلك فى رواية لمسلم وغيره أن صلاتهم قياما وهو قاعد يشبه فعل أهل فارس بعظمائها ،وقد نهى عن الوقوف لأى شخص تعظيما له وهو جالس . وروى البخارى ومسلم عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم لما وجد خفة فى نفسه وهو مريض خرج إلى الصلاة بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر فجعل أبوبكر يصلِّى وهو قائم بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبى بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد . وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إزاء هذه النصوص اختلف الفقهاء فى صلاة القائم خلف القاعد فقال بعضهم بالجواز بناء على الحديث الأخير، وقال بعضهم بالمنع فيجب عليه القعود بناء على الحديث الأول وأحاديث أخرى، وقال بعضهم : إن ابتدأ الإمام الصلاة جالا جلسوا ، وإن ابتدأها واقفا وقفوا، فإن طرأ عليه عذر بعد ذلك فجلس صلوا هم قياما . والنقاش بين أصحاب الآراء فى هذه المسألة طويل يرجع إليه فى الكتب مثل : نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 180 ، المغنى لابن قدامة ج 2 ص 47 .
هذا، وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المالكية قالوا : لا يصح اقتداء القائم بالقاعد العاجز عن القيام ولو كانت الصلاة نفلا ، إلا إذا جلس المأموم اختيارا فى النفل فتصح صلاته خلف الجالس فيه . وأن الحنفية قالوا : يصح اقتداء القائم بالقاعد الذى يستطيع أن يركع ويسجد، أما العاجز عن الركوع والسجود فلا يصح اقتداء القائم به إذا كان قادرا ، وأن الشافعية قالوا : تصح صلاة القائم خلف القاعد والمضطجع العاجز عن القيام والقعود ولو كانت صلاتهما بالإيحاء ، وأن الحنابلة قالوا : لا يصح اقتداء القائم بالقاعد الذى عجز عن القيام ، إلا إذا كان العاجز عن القيام إماما راتبا وكان عجزه عن القيام بسبب علة يرجى زوالها. انتهى .
وما دام الأمر فيه خلاف فيجوز الأخذ بأى رأى دون تعصب كما هو الشأن فى الأمور الخلافية(9/191)
الجلوس بين الخطبتين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رأيت خطيب الجمعة خطب خطبة واحدة ولم يجلس على المنبر كما يجلس الخطباء فهل هذه الخطبة صحيحة ؟
An من المعروف أن خطبة الجمعة خطبة واحدة ولها ركن واحد عند أبى حنيفة وهو مطلق الذكر قليلا كان أو كثيرا ، فيكفى أن يسبح مرة واحدة أو يحمد اللّه مرة واحدة ، وكذلك عند مالك لها ركن واحد وهو نصيحة تشتمل على تحذير أو تبشير كقوله :
اتقوا الله ولا تعصوه .
أما عند الشافعى فخطبتان ولهما أركان خمسة ، حمد الله والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والوصية بالتقوى ، وقراءة آية فى إحداهما والأولى أولى والدعاء للمؤمنين والمؤمنات فى الثانية، وعند أحمد ، الأركان أربعة ، حمد الله ، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وقراءة آية والوصية بالتقوى .
والجلوس بين الخطبتين جاء فى صحيح مسلم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ثم يقوم . وعن جابر بن سمرة قال : كانت للنبى صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس . وقال أيضا . كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما . فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب .يقول النووى فى شرحه لصحيح مسلم "ج 5 ص 149 " فى هذه الرواية دليل لمذهب الشافعى والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح ، من القادر على القيام إلا قائما فى الخطبتين ، ولا يصح حتى يجلس بينهما . وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين . قال القاضى ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة، وعن الحسن البصرى وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة، وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائما لمن أطاقه ، وقال أبو حنيفة : يصح قاعدا وليس القيام بواجب ، وقال مالك : هو واجب لو تركه أساء وصحت الجمعة .
وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط ومذهب الشافعى أنه فرض وشرط لصحة الخطبة .
قال الطحاوى : لم يقل هذا غير الشافعى ، ودليل الشافعى أنه ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتمونى أصلى " ثم ذكر النووى ما تحقق به الخطبة على النحو الذى جاء فى صدر الإجابة على السؤال .
واختلاف الفقهاء رحمة فى هذا الموضوع -وغيره كما نبهت عليه أكثر من مرة(9/192)
الخطبة بلغة غير عربية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الأقلية المسلمة فى بلاد لا تتكلم اللغة العربية ، هل يصح أن يخطب الجمعة أحدهم باللغة القومية التى يفهمونها، أم لابد من اللغة العربية على الرغم من عدم فهمهم للخطبة بها ؟
An اشتراط كون خطبة الجمعة باللغة العربية قال عنه أبو حنيفة : تجوز بغير اللغة العربية .
حتى لو كان قادرا عليها سواء كان السامعون عربا أو غيرهم ، أما أحمد فاشترط اللغة العربية إن كان الخطيب قادرا عليها ، فإن عجز عن الإتيان بها أتى بغيرها مما يحسنه سواء كان القوم عربا أو غيرهم ، لكن الآية التى هى ركن من أركان الخطبتين لا يجوز أن ينطق بها بغير العربية . فيأتى بدلها بأى ذكر شاء باللغة العربية، فإن عجز سكت بقدر قراءة الآية .
والشافعى اشترط أن تكون أركان الخطبتين باللغة العربية إن أمكن تعلمها . فإن لم يمكن خطب بغيرها ، هذا إذا كان السامعون عربا ، أما إن كانوا غير عرب فإنه لا يشترط أداء الأركان بالعربية مطلقا ولو أمكنه تعلمها . ما عدا الآية . فلا بد أن ينطق بها بالعربية، إلا إذا عجز فيأتى بدلها بذكر أو دعاء عربى، فإن عجز عن هذا أيضا وقف بقدر قراءة الآية ولا يترجم ، أما غير أركان الخطبة فلا يشترط لها اللغة العربية، باللغة العربية . ولو كان السامعون لا يعرفونها ، فإن لم يوجد خطيب يخطب بالعربية سقطت عنهم الجمعة .
هذا ما قاله الأئمة ، وإذا كان أكثرهم حريصا على اشتراط اللغة العربية لأن فيه تشجيعا على تعلمها ونشرها وتيسيرًا لفهم القرآن والحديث ، فإن بعضهم وهو الإمام مالك بلغ الذروة فى الحرص حتى أسقط الجمعة عمن لا يوجد فيهم من يخطب بالعربية . وأنا أختار التوسط فى هذه الآراء الاجتهادية فأميل إلى مذهب الشافعى فى تمسكه باللغة العربية ، فى الأركان فقط ، أما باقى الخطبة فتؤدى بأية لغة ، ولو تعذرت العربية فى الأركان خطب بغيرها للعرب أما غيرهم فيخطب بلغتهم حتى لو أمكنته الخطبة بالعربية .
وكما قررت كثيرا أن التعصب لرأى اجتهادى لا يجوز، ويختار الرأى المناسب للظروف(9/193)
قضاء صلاة العيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فاتتنى صلاة العيد يوم النحر ، فهل يجوز قضاؤها منفردا ؟
An صلاة عيد الأضحى-كعيد الفطر-وقتها محدود بما بعد الشروق بقليل - عند بعض الأئمة -إلى الزوال ، أى وقت الظهر، فتكون صلاتها فى هذه الفترة أداء ، ولو فاتته هل يقضيها أو لا ؟ قال الأحناف : الجماعة شرط لصحة صلاة العيدين . فمن فاتته مع الإمام فليس مطالبا بقضائها ، لا فى الوقت ولا بعده . وإن أحب قضاءها منفردا صلى أربع ركعات بدون تكبيرات الزوائد ، كالذى تفوته صلاة الجمعة، يقضيها ظهرا .
والمالكية قالوا : الجماعة شرط لكونها سنة، فمن فاتته مع الإمام ندب له فعلها إلى الزوال ، ولا تقض بعد الزوال .
والشافعية قالوا : الجماعة فيها سنة لغير الحاج ، ويسن لمن فاتته مع الإمام أن يصليها فى أى وقت قبل الزوال وتكون أداء ، أما بعد الزوال فيسن صلاتها وتكون قضاء لأن قضاء النوافل سنة عندهم إذا كان لها وقت .
هذا، وقد روى أحمد والنسائى وابن ماجه بسند صحيح أن هلال شوال غم على الصحابة وأصبحوا صياما ، فجاء جماعة أخر النهار وشهدوا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يخرجوا إلى عيدهم من الغد .
وهذا الحديث حجة للقائلين بأن الجماعة إذا فاتتها صلاة العيد بسبب عذر من الأعذار فلها أن تخرج من الغد لتصلى العيد .
هذه هى أقوال العلماء ، والأمر اجتهادى يجوز فيه تقليد أى قول منها، مع العلم بأن صلاة العيد سنة غير واجبة لا أداء ولا قضاء عند الشافعية والمالكية ، وواجبة عند الأحناف فى الأصح مع الجماعة .
وفرض كفاية عند الحنابلة وسنة لمن فاتته مع الإمام حيث يسن له أن يصليها"الفقه على ، المذاهب الأربعة ، نيل الأوطار للشوكانى"(9/194)
دعاء قيام الليل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك دعاء مخصوص لقيام الليل يكرره الإنسان حتى يقضى اللّه حاجته ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن فى الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه ، وذلك كل ليلة" وفى البخارى ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعونى فأستجيب له ، من يسألنى فأعطيه ، من يستغفرنى فأغفر له "وروى الترمذى بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال "أقرب ما يكون الرب من العبد فى جوف الليل الأخر، فان استطعت أن تكون ممن ذكر الله تعالى فى تلك الساعة فكن " .
وليس هناك دعاء مخصوص لقضاء الحاجات فى هذه الساعة المباركة ، ، فادع اللّه بما تريد ، مع الخشوع والحضور بقلبك وذهنك ، ومع مسارعتك إلى مرضاة ربك وعدم معصيته والبعد عن الحرام ، فإن الحرام يحول دون استجابة الدعاء "راجع صفحة 318 من المجلد الثالث وصفحة 516 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى"(9/195)
الذكر عند الشدائد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يشعر الإنسان أحيانا بالضيق وتكثر عليه الأزمات ويحاول أن يتناول مهدئات ويتردد على بعض الأطباء فلا يجد الشفاء المطلوب ، فهل هناك آيات فى القرآن أو توجد أحاديث أو ذكر لله يمكن أن يعالج هذه الأزمات ؟
An من المعلوم أن الإيمان بالقضاء والقدر، والصبر على الشدائد، وتقوية الصلة بالله بالطاعة يساعد على مقاومة الأزمات النفسية ووساوس الشيطان ، وعلى حل المشكلات والهداية إلى الصراط المستقيم فى أمور الدين والدنيا ، والنصوص فى ذلك كثيرة . ومع ذلك وردت آثار صحيحة بالدعاء والذكر تساعد على التخلص من الأزمات أو تدفعها ، والمهم فيها أن يكون الإنسان مطيعا لله بعيدا عن الحرام ، مخلصا خاشعا حتى يقبل الله منه الدعاء .
وهذا بعض ما ورد بطريق صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم وهو مأخوذ من كتب مختصة بذلك مثل "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" للإمام النووى ، ومثل "عمل اليوم والليلة" لابن السنى ، وهو أجمعها كما قال النووى .
1-عند الخروج من البيت : روى أصحاب السنن عن أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال : "بسم الله توكلت على الله ، اللهم إنى أعوذ بك أن أَزِل أو أُزَل ، أو أَضِل أو أضَل أو أظْلم أو أُظلم ، أو أَجْهل أو يُجهل علىَّ " قال الترمذى : حديث حسن صحيح . وروى الترمذى وقال حسن صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "من قال -يعنى إذا خرج من بيته -بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله " يقال له : كُفيت ووقيت وهُديت ، وتنحَّى عنه الشيطان " 2-عند دخوله البيت : روى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأعوانه ، لا مبيت لكم ولا عشاء " .
3- فى الصباح والمساء روى أبو داود والترمذى قوله صلى الله عليه وسلم "ما من عبد يقول فى صباح كل يوم ومساء كل ليلة : باسم الله الذى لا يضر مع اسمه شىء فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شىء" قال الترمذى : حسن صحيح ، وفى رواية أبى داود "لم تصبه فجأة بلاء" وروى أبو داود وابن ماجه بأسانيد جيدة حديث " من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير كان له عدل عتق رقبة من ولد إسماعيل ، وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان فى حرز من الشيطان حتى يمسى . وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح " وروى مسلم أن رجلا شكا إلى النبى صلى الله عليه وسلم لدغة عقرب فقال له " أما لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضرك شىء إن شاء الله " .
4- عند كثرة الهموم والديون : روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فى غير وقت الصلاة فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فسأله عن جلوسه فى غير وقت الصلاة فقال : هموم لزمتنى وديون ، قال "أفلا أعلَّمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك ؟ قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " يقول أبو أمامة . ففعلت ذلك فأذهب الله تعالى همى وغمى وقضى عنى دينى .
وروى الترمذى حديثا حسنا "لو كان عليك مثل جبل دَينا أدَّاه الله عنك قل :اللهم اكفنى بحلالك عن حرامك وأغننى بفضلك عمن سواك " .
5- عند النوم . أخرج البخارى حديث الشيطان الذى كان يسرق الزكاة التى يحرسها أبو هريرة . وأنه علَّمه كلاما يقوله ليحرسه من الشيطان ، فعرضه أبو هريرة على الرسول فأقره وقال "صدقك وهو كذوب " وهذا كلام الشيطان : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى فلن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان . وروى البخارى ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما فى ليلة كفتاه " أى من الآفات ، أو كفتاه عن قيام الليل .
6- عند الكرب : روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا اله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم .
7- عند وسوسة الشيطان : قال تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } فصلت : 36 ، ويستحب قول لا إله إلا الله لمن ابتلى بالوسوسة فى الوضوء أو الصلاة أو غيرهما ، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس أى تأخر وبعد ، ولا إله إلا الله رأس الذكر "النووى فى الأذكار ص 132 " 8- عند تعويذ الصبيان : فى صحيح البخارى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذّ الحسن والحسين : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامة .
والهامة هى كل ذات سم يقتل كالحية وغيرها ، والجمع الهوام .
وروى البخارى ومسلم أنه كان يعوذ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ويقول : "اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، اشف أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاءً لا يغادر سقما " .
9- عند المرض : روى مسلم أن عثمان بن أبى العاص رضى الله عنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده فى جسده ، فقال له "ضع يدك على الذى يألم من جسدك وقل بسم الله "ثلاثا" وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" وروى مسلم وغيره أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اشتكيت ؟ قال :
"نعم " قال : بسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد. الله يشفيك .
باسم الله أرقيك " .
10- عند هياج الريح : روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال "اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به " .
11- عند نزول المطر: روى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال "اللهم صيِّبا نافعا" وإذا نزل المطر وخيف معه الضرر قال كما رواه البخارى ومسلم "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر" والآكام جمع أكمة وهى التراب المجتمع ، والظِّراب جمع ظَرِب ، أى الرابية الصغيرة .
12- عند الخوف من جماعة : روى أبو داود والنسائى بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال : "اللهم إنا نجعلك فى نحورهم ، ونعوذ بك من شرهم " .
13- عند النزول فى مكان يخاف منه : روى مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم " من نزل منزلا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شىء حتى يرتحل من منزله ذلك " .
14- عند الرؤيا المفزعة : روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وليتحول عن جنبه الذى كان عليه " .
هذا بعض ما اخترته من الروايات الصحيحة والحسنة، ومن أراد الزيادة فليرجع إلى أذكَار النووى وابن السنى(9/196)
الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وردت من السيد/ ب. أ. د. ب ./ من رابن باخ بألمانيا الاتحادية أسئلة متنوعة عن الابتهالات نوردها مع الإجابة عليها فيما يلى :
ما مفهوم الابتهال فى نظر الشرع الإسلامى ، وهل هناك فرق بينه وبين الدعاء؟
An مفهوم الابتهال فى نظر الشرع لا يختلف عن مفهومه فى اللغة العربية، فالبهل والابتهال فى اللغة الاسترسال والاجتهاد . قال لبيد :
فى كهول ساعة من قومه * نظر الدهر إليهم فابتهل أى اجتهد الدهر فى إهلاكهم .
والابتهال فى الدعاء معناه الاسترسال والاجتهاد فيه ، ومنه قوله تعالى { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } آل عمران : 61 ، أى نجتهد فى الدعاء باللعن على الكاذبين .
"تفسير القرطبى ج 4 ص 104 " . ومن هذا يعلم أن الدعاء طلب من العبد لله ، والابتهال اجتهاد فى هذا الطلب . أى أن الابتهال أخص من مطلق الدعاء . والابتهالات المعروفة الآن مزيج من دعاء وثناء ومديح وذكر لله تعالى ، ونغمة التضرع فى ذلك واضحة(9/197)
تابع الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل مصطلح الابتهال الدينى يمكن أن يفهم منه نص الابتهال المكتوب فقط . أو لا بد أن يكون النص مجوَّدًا بصوت حسن ؟
An الابتهال الدينى تضرع إلى الله سبحانه ، ودعاء مشفوع بشدة الرغبة فى قبوله والرهبة من عدم قبوله . وحتى يكون مرجو القبول ينبغى أن تلتزم فيه أداب الدعاء ، التى جاء بعضها فى قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } الأعراف :55 ، والمراد بالخفية الإسرار به ليكون أقرب إلى الإخلاص وعدم الرياء وفى قوله تعالى { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال } الأعراف : 205 ، والمراد بالخيفة الخوف من الله أن يرد الدعاء . وفى قوله تعالى { إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } الأنبياء : 90 ، والخشوع هنا عدم انشغال الفكر بغير الله حين الدعاء ، والتزام الأدب والسكون عند مناجاته . والابتهال بما فيه من تضرع ورغبة ورهبة وخشوع ، يغلب أن يكون بصوت فيه تحزن قد يسلم إلى البكاء، على نحو ما يكون فى قراءة القرآن الكريم من التحيير والتجويد والتحزن الذى يؤثر فى القلوب . وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف يستمع إلى قراءة أبى موسى الأشعرى دون أن يحس به ، ولما أخبره قال : لو علمت أنك تسمعنى لحبَّرته لك تحبيرا .
وهو صلى الله عليه وسلم كان يتأثر لسماع القراَن ويبكى أحيانا، كما حدث عند سماعه لقراءة عبد الله بن مسعود لقوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} النساء : 41 ، وإذا كان من آداب الدعاء والابتهال الإسرار به فقد يكون الجهر به مناسبا لظروف معينة، كما إذا كان جماعيا يشترك فيه غير المبتهل بالتأمين على الدعاء كما فى صلاة الاستسقاء ، حيث تكون الخطبة مشتملة على استغاثة وتضرع أن ينزل الله عليهم المطر، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم .
ولاشك أن الصوت الحسن الخاشع لله يؤثر أكثر مما يؤثر الصوت العادى فى مثل هذه المواقف . وذلك مع التزام القراءة الصحيحة فيما يتخلل الابتهالات من قرآن ، بعيدًا عن الألحان التى تؤدى بها الاغانى والأناشيد الأخرى(9/198)
تابع الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن الحكم على الابتهالات الدينية بأنها دعاء مجود بصوت حسن ؟
An نعم ، يمكن الحكم عليها بذلك فى عرف الناس ، وإن كانت تؤدى شرعا بدون ذلك فهى دعاء سبحانه ، قد يؤدى سرا دون حاجة إلى صوت حسن يؤثر فى السامعين(9/199)
تابع الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يعتبر الابتهال الدينى عبادة ، وهل هناك آثار أو نصوص شرعية خاصة به ؟
An الابتهال الدينى دعاء ، والدعاء عبادة أمر الله بها فى مثل قوله تعالى { وقال ربكم ادعونى أستجب لكم } غافر : 60 ، إلى جانب الآيات السابقة فى البند رقم 2 وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "الدعاء هو العبادة " رواه أبو داود والترمذى وقال :
حسن صحيح .
وإذا كان المراد من السؤال عن الآثار والنصوص الشرعية ، ما يدل على أنه عبادة فقد ذكرنا ذلك ، أما إذا كان المراد نصوصا شرعية مأثورة فى ابتهالات وأدعية خاصة فإن الوارد من ذلك كثير، وهو مذكور فى القراَن والسنة ، اقرأ من سورة البقرة الآيات : [ 1 5 2 ، 286] ومن سورة آل عمران الآيات : [ 8 ، 53 ، 147 ، 191 ، 194 ] ومن سورة إبراهيم الآيتين : [40 ، 41 ] ومن سورة الفرقان الآيتين : [65 ،74 ] .
وكتب الأحاديث النبوية فيها كثير من الأدعية ، ومن أجمعها كتاب "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" للامام النووى . والدعاء بالمأثور أفضل من الدعاء المصنوع إن كان يغنى عنه(9/200)
تابع الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان الشرع الإسلامى يبيح الابتهال فما الصورة التى يجب أن يكون عليها ، وهل هناك شروط لصحته أو قبوله ؟
An سبق فى البند رقم 2 شروط وآداب الدعاء ، ويزاد عليها البعد عن تناول المحرمات ، فإن تناول المحرمات يمنع قبول الدعاء ، وقد ثبت فى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل أشعث أغبر يمد يده إلى السماء ويقول : يارب يارب ، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذَى بالحرام فأنَى يستجاب له ؟ فمن أراد أن يكون مستجاب الدعوة فليكن مطعمه من الطيبات مما أحل الله ، إلى جانب البعد عن المحرمات الأخرى(9/201)
تابع الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الشرع على أنواع الابتهالات التى تشاهد الآن مثل الابتهال الفردى والابتهال مع البطانة، والابتهال مع الآلات الموسيقية، والابتهالات فى أذكار الصوفية؟
An الابتهالات الفردية والابتهالات مع البطانة باقية على الأصل فى أنها حلال ولا يوجد نص يمنعها لذاتها ، فإن عرض لها عارض من رياء أو سمعة أو تشويش على المصلين أو إيذاء لمريض أو إخلال بحرمة المسجد أو نحو ذلك كانت ممنوعة لهذه العوارض .
أما الآلات الموسيقية فهى فى أصلها حلال ولا يحرمها إلا عارض لها ، مثل الاستعانة بها على محرم كحفلات الخمر والرقص ، أو كانت ملهية عن واجب أو مسببة لضرر كإزعاج الآمنين والتشويش على المتعبدين .
والمشاهد أن الذين يشهدون مجالس الابتهالات مع الآلات الموسيقية يشدهم الإعجاب بأمرين الابتهال نفسه مادة وأداء ، والنغمات الموسيقية . والابتهال من حيث كونه تضرعا لله تقل فيه الرغبة والرهبة والخشوع مع وجود الأصوات الموسيقية المؤثرة عليه {ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه } الأحزاب : 4 ، ومن هنا تكون الابتهالات مع الموسيقى أقل أثرًا دينيا فى نفس المبتهل ومن يستمعون إليه ، ولهذا تكون الموسيقى مكروهة مع الابتهال إن قصد به التقرب إلى الله .
اما إذا قصد به امتناع النفس بكلام حسن وأداء جميل فحكمه حكم الأغانى والأناشيد العادية وهى غير محرمة لذاتها بل لما يعرض لها من اشتمالها على مادة ممنوعة ، أو أدائها بلحن فيه فتنة وإثارة ، أو مصاحبتها لمحرم من اختلاط مريب أو شرب محرم ونحوهما أو إلهائها عن واجب .
والابتهالات فى أذكار الصوفية أى الأناشيد التى تنظم بها حلقات الذكر ما دام لم تصحبها آلات طرب وما دام الذكر ملتزمًا لآداب العبادة فلا مانع منها شرعًا ، فقد كانت الأغانى مشجعة للصحابة وهم يعملون فى حفر الخندق وغيره ، ولا ينكر عليهم النبى صلى الله عليه وسلم(9/202)
تابع الابتهالات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تذاع بعد قراءة القرآن وقبل أذان الفجر بعض الابتهالات الدينية، وبخاصة فى شهر رمضان . فهل هذا تقليد أو له أصل شرعى ؟
An لم تكن هذه الابتهالات موجودة فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد السلف الصالح ، بل هى أمر مستحدث ، والعلماء فيه فريقان ، بعضهم قال بمنعها لأنها بدعة فى الدين والحديث يقول " من أحدث فى أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه البخارى ومسلم ، ، وبعضهم قال بعدم منعها، لأن كل أمر مستحدث لا يحكم عليه بالرد. فمن المستحدثات المفيدة غير الضارة ما قبله الصحابة ، كاجتماع المسلمين على إمام واحد فى صلاة التراويح فى المسجد وقال عمر:نعمت البدعة هذه وجاء فى كتاب الفقة على المذاهب الأربعة الذى نشرته الأوقاف المصرية ( ص 238) أن التسابيح والاستغاثات قبل الأذان بالليل ونحو ذلك بدع مستحسنة . لأنه لم يرد فى السنة ما يمنعها، وعموم النص يقتضيها . انتهى .
وهى على كل حال دعاء فى وقت السحر، والله يقول عن المتقين {وبالأسحار هم يستغفرون } الذاريات : 18 ، وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم " ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل : من يدعونى فأستجيب له ؟ من يسألنى فأعطيه ؟ من يستغفرنى فأغفر له ؟ " .
هذا هو رأى الجمهور، وعند الحنابلة هى بدعة سئية ، قال فى " الإقناع " وشرحه من كتب الحنابلة : وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك فى المآذن فليس بمسنون . وما من أحد من العلماء قال : إنه مستحب -لعله يقصد علماء الحنابلة-بل هو من جملة البدع المكروهة، لأنه لم يكن فى عهده صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد أصحابه ، وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه ، فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه .
وجاء فى كتاب " تلبيس إبليس " لابن الجوزى قوله : ولقد رأيت من يقوم بليل كثير- أى جزء كبير من الليل -على المنارة فيعظ ويذكِّر ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ، ويخلط على المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات .
وقد ذكر المقريزى فى خططه "ج 4 ص 43 " وما بعدها أن التسبيح ليلا على المآذن لم يكن من فعل السلف ، وأول ما عرف ذلك كان فى أيام موسى عليه السلام ، وهم فى التيه بعد غرق فرعون . ثم ذكر تطوره وما يصحبه من نشيد وآلات حتى نهاية عهد بنى إسرائيل فى القدس .
وذكر أن أصله فى مصر بدأ من أول عهد الفتح الإسلامى فى ولاية مسلمة بن مخلد ، وإشارة شرحبيل بأن يبدأ الأذان من منتصف الليل إلى قرب الفجر، حتى لا يضرب بالنواقيس فى الكنائس فى هذه الفترة ، وذكر أن الطولونببن رتبوا المكبِّرين والمسبحين ليلا . ومن ذلك اتخذ الناس عادة التسبيح على المآذن قبل الفجر .
فالخلاصة أن الابتهالات قبل الفجر لا يوجد ما يمنعها شرعًا عند جمهور العلماء، فهى وإن كانت تقليدًا موروثًا لم يكن فى عهد السلف الصالح -هى من البدع المستحسنة وإذا كان بعض الناس يسيئون استعمالها عن طريق إذاعتها بمكبرات الصوت التى تزعج بعض ذوى الأعذار فإن ذلك لا يمنع أصل إباحتها ، وذلك بإنصات المستمعين إليها فى المساجد بخشوع محافظة على حرمة المسجد ، ويمنع إيذاء ذوى الأعذار من جراء إذاعتها بمبكرات الصوت(9/203)
تفريج اليدين فى السجود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض المصلين إذا سجدوا باعدوا بين اليدين وأخذوا مساحة كبيرة لدرجة يتضايق بها من يصلون بجوارهم فى الجماعة ، فهل هذا من السنة؟
An روى البخارى ومسلم عن عبد الله بن بُحينة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح فى سجوده حتى يرى وضح إبطيه والتجنح هو التفريج ، والمراد أنه ينحى كل يد عن الجنب ولا يلصقها به ، ومن هنا يرى بياض إبطيه ، يقول القرطبى : والحكمة فى استحباب هذه الهيئة أن يخف اعتماده على وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته ، وقال غيره هو أشبه بالتواضع مع مغايرته لهيئة الكسلان .
والمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفرج بين يديه عند السجود ويجافيهما جنبيه . وينبغى أن يكون التفريج والمجافاة بحيث لا يتأذى أحد كمن يصلى بجواره فى الجماعة مثلا، فالضرر منهى عنه ، وذلك على غرار ما قلناه فى التفريج بين القدمين عند الوقوف فى الصلاة، حيث اتفق الجميع أنه إذا كان متفاحشا أى واسعا جدا كان مكروها فيرجع إليه(9/204)
التسليم من الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض المصلين يختمون صلاتهم عند الخروج منها بتسليمة واحدة ، وبعضهم يقول فى التسليمة الأولى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفى الثانية لا يذكرون كلمة " وبركاته " فما هو الحكم الصحيح فى ذلك ؟
An الخروج من الصلاة بعد إتمامها يكون يالتسليم عند جمهور الفقهاء ، وأبو حنيفة يكتفى بأى شىء مناف للصلاة، والتسليم الواجب هو مرة واحدة ، أما المرة الثانية فسنة ، والصيغة المختارة فى حدها الأدنى "السلام عليكم " ومن السنة الزيادة عليها "السلام عليكم ورحمة الله " كما يسن الالتفات إلى اليمين فى المرة الأولى ، وإلى اليسار فى المرة الثانية ، وذلك لحديث عن ابن مسعود قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله . رواه الترمذى وقال :
حديث حسن صحيح .
وهل من السنة أن يزيد على ذلك "وبركاته " ؟ يرى بعض العلماء ذلك لحديث رواه أبو داود عن وائل بن حجر قال : صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ويرى بعضهم أن هذه الزيادة ليست سنة . يتول النووى فى كتابه " الأذكار ص 74" لا يستحب أن يقول "وبركاته " لأنه خلاف المشهور عن النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان قد جاء فى رواية لأبى داود ، وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين وزاهر السرخسى والرويانى فى الحلية ، ولكنه شاذ، والمشهور ما قدمنا .
هذا ، وأما حكمة التسليم وكونه على اليمين واليسار للإمام والمأموم والمنفرد ففيها كلام كثير للائمة يرجع إليه فى "فقه المذاهب الأربعة " والمغنى لابن قدامة ج 1 ص 592 - 598 " وبخصوص عدم زيادة "وبركاته " فى التسليمة الثانية لم أعثر على مبرر مقبول لذلك ، والمخلوقات من الملائكة والجن والإنس لا فرق فى التسليم عليهم بين من هم على اليمين ومن هم على اليسار، وأرجو عدم التعصب لذلك(9/205)
صلاة الجمعة فى مسجد خاص
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هناك مؤسسات أو منشآت لا يدخلها أحد إلا بتصريح ، والذين يصلون الجمعة فيها هم العاملون بها دون غيرهم إلا من يحمل تصريحا بالدخول ، فهل صلاة الجمعة تصح فى هذه الأماكن الخاصة؟
An الأئمة الثلاثة قالوا : تصح الجمعة فى أى مكان يجتمع فيه العدد الذى تنعقد به الصلاة على اختلافهم فى هذا العدد . سواء أكان هذا المسجد عاما لكل من يريد الصلاة فيه أو خاصا بجماعة معينة ، والإمام أبو حنيفة هو الذى اشترط أن يكون مسجد عامًّا ، جاء فى فقه المذاهب الأربعة - نشر أوقاف مصر، ما نصه - الحنفية قالوا : لا يشترط فى صحة الجمعة أن تكون فى مسجد، إنما يشترط فيها الإذن العام من الإمام ، فلو أقام الإمام الجمعة فى داره بحاشيته وخدمه تصح مع الكراهة ، ولكن بشرط أن يفتح أبوابها ، ويأذن للناس بالدخول فيها ، ومثلها الحصن والقلعة ، على أنه لا يضر إغلاق الحصن أو القلعة لخوف من العدو، فتصح الصلاة فيها مع إغلاقها متى كان مأذونا للناس بالدخول فيها من قبل .
وبناء على هذا تصح الجمعة فى المعسكرات الخاصة والمؤسسات التى لا تسمح بدخولها إلا للعاملين بها ، وذلك على رأى جمهور الفقهاء(9/206)
الزكاة والضرائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن أحسب الضرائب المفروضة على مالى من ضمن الزكاة الواجبة ؟
An الضرائب فريضة فرضها ولى الأمر لحاجة البلد إليها ، وطاعته فى المصلحة واجبة ، ولا تجوز مخالفته قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } النساء : 59 ، على أن تكون عادلة فى تقديرها وجبايتها وإنفاقها ، يقول ابن حزم : وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ، ولا فى سائر أموال المسلمين . وفى حديث مسلم " على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" حتى لو أحس الإنسان أنها ظالمة فالواجب دفعها ، وله الحق فى الشكوى ، روى مسلم أن مسلمة بن يزيد الجعفى قال للنبى صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ثم سأله فقال له صلى الله عليه وسلم " اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " .
وجاء فى تفسير القرطبى "ج 16 ص 42 " قوله : اختلف علماؤنا فى السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما يأخذهم به ، يؤدونه على قدر أموالهم ، هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم ؟ .
فقيل : لا، وهو قول سُحْنون من علمائنا .
الضرائب لا تغنى عن الزكاة ، لأن الزكاة فرض الله وإحدى الدعائم الخمسة للإسلام ، ولها مصارف معينة، ووعاء معين . أما الضرائب فتشريع وضعى قابل للخفض والرفع والإلغاء، ولا يختص بوعاء معين ولا بمصرف معين . وقد ذم ابن حجر الهيتمى ج 1 ص 183 " التجار الذين يحسبون المكس - الضريبة - من الزكاة ، وإن كان قد ذم المكس إذا كان لغير حاجة .
وقرر المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى مايو 1965 م أن ما يفرض من الضرائب لمصلحة الدولة لا يغنى القيام بها عن أداء الزكاة المفروضة(9/207)
ثعلبة ومنع الزكاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى قصة ثعلبة الذى منع الزكاة ؟
An يذكر كثير من المفسرين لقوله تعالى : { ومنهم من عاهد اللَّه لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين . فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون . فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } التوبة : 75 - 77 .
أقول ذكر كثير منهم : أن المراد به هو ثعلبة بن حاطب ، ويظن الكثير من الناس أنه هو ثعلبة، أحد من شهد بَدْرًا ثم يجىء السؤال :
كيف يصح أن يكون ثعلبة من أهل بدر ثم ينقلب منافقا يسجل نفاقه فى القرآن ؟ .
وقد ذكر المحققون أن ثعلبة هذا غير ثعلبة البدرى ، والتشابه إنما هو فى الاسم فقط .
ولما ذكر البارودى وابن السكن وابن شاهين وغيرهم أنه هو البدرى أنكر الحافظ ابن حجر ذلك وقال فى كتابه " الإصابة" ولا أظن الخبر يصح ، وإن صح ففى كونه هو البدرى نظر .
وقد ذكرا بن الكلبى أن ثعلبة بن حاطب الذى شهد بدرا قتل بأحد، فتأكدت المغايرة بينهما ، فان صاحب القصة تأخر إلى خلافة عثمان .
قال : ويقوى ذلك أن فى تفسير ابن مردويه اتفقوا على أنه ثعلبة بن حاطب ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرا و الحديبية " وحكى عن ربه أنه قال لأهل بدر " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه اللّه نفاقا فى قلبه وينزل فيه ما ينزل ؟ فالظاهر أنه غيره .
فالواجب عند ذكر هذه القصص المثيرة : التحرى فى ثبوت ذلك وعدمه ، ومثل هذا ما روى فى سبب نزول قوله تعالى : { وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللَّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } الأحزاب : 53 ، حيث قالوا : إن طلحة بن عبيد اللَّه قال : يتزوج محمد بنات عمنا ويحجبهن عنا ، لئن مات لأتزوجن عائشة(9/208)
الزكاة فى مال الصبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نعرف أن التكليف بالعبادات يكون عند البلوغ ، فلو ترك والد لولده الصغير مالا يبلغ النصاب ، هل تجب فى ماله زكاة ؟
An العلماء فريقان فى حكم الزكاة فى مال الصبى الذى لم يبلغ حد التكليف ، فريق لا يرى وجوب الزكاة ومنهم أبو حنيفة وأصحابه ، وقصدوا الزكاة فى الزروع والثمار كما جاء فى كتاب بدائع الصنائع للكاسانى ، وحجتهم فى ذلك أن الزكاة عبادة محضة كالصلاة تحتاج إلى نية، والصبى لا تتحقق منه النية ، وقد سقطت عنه الصلاة لفقدان النية فتسقط الزكاة كذلك ، كما احتجوا بحديث " رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبى حتى يبلغ .
. . " وبقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} التوبة :
103 ، ولكن هذه الأدلة تصلح لمن لا يوجب الزكاة على الصبى أصلا ، ولا تصلح لمن أوجبها فى بعض المال .
وضموا إلى هذه الأدلة النقلية دليلا عقليا وهو: أن مصلحة الصغير فى إبقاء ماله ، والزكاة تنقصه وقد تستهلكه ، لعدم تحقيق النماء الذى هو علة وجوب الزكاة . وهذه العلة العقلية تساعد من يقول بوجوب الزكاة فى ماله النامى بنفسه كالزروع والمواشى ، أو الذى ينمى بالعمل والتثمير كالنقود التى يتجر فيها بالمضاربة .
والفريق الثانى من العلماء يرى وجوب الزكاة فى مال الصبى، ومنهم مالك والشافعى وأحمد ، ومن أدلتهم عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة فى مال الأغنياء ، دون استشاء صبى أو غيره ، وحيث إن الصبيان يعطون من الزكاة إذا كانوا فقراء فلتؤخذ منهم إذا كانوا أغنياء كما يدل عليه حديث معاذ لما أرسله النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حيث قال له " أعلمهم أن اللَّه افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد فى فقرائهم " .
ومن أدلتهم حديث رواه الطبرانى مرفوعا " اتجروا فى أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة " ومثله حديث الترمذى وإن كان فيه مقال ، غير أن معناه صحيح موقوف على عمر، فقد صحح البيهقى عنه : ابتغوا فى أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة ، والمراد بها الزكاة . وكما صح الحكم عن عمر صح عن غيره من عدد من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف ، إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس لا يحتج بها .
وإلى جانب هذه الأدلة قالوا : إن مقصود الزكاة سَدُّ خلة الفقراء من مال الأغنياء شكرًا للّه وتطهيرا للمال ، ومال الصبى قابل لأداء النفقات والغرامات فلا يضيق عن الزكاة .
وعلى هذا القول : ولى الصبى يخرج الزكاة عنه من ماله ، وتعتبر نية الولى فى الإخراج ، وبعض المالكية قال : يخرجها الولى إذا أمن أن يطالبه وجعل له ذلك ، وإلا فلا .
ويؤخذ من هذا أن الجمهور يوجبون الزكاة فى مال الصبى(9/209)
دفع الزكاة لغير المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دفع الزكاة لغير المسلم ؟
An لا يجوز إعطاء الزكاة المفروضة لغير المسلم ، للنص على أنها تؤخذ من أغنياء المسلمين لترد على فقرائهم . قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الذمى لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ، ويستثنى من ذلك المؤلفة قلوبهم .
أما الصدقة التطوعية فيجوز أن يعطى منها غير المسلم ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبى بكر " صلى أمك " وكانت مشركة، والآية تقول { لا ينهاكم اللَّه عن الدين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اللَّه يحب المقسطين } الممتحنة : 8 .
وهناك رأى للزهرى وأبى حنيفة ومحمد وابن شبرمة بجواز إعطاء زكاة الفطر للذمى، بناء على الآية المذكورة(9/210)
إخراج قيمة الزكاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز إخراج القيمة بدل العين فى الزكاة ؟
An الزكاة واجبة فى أصناف حددها القرآن والسنة ، حدد أوعيتها كما حدد مقاديرها ومن أوعيتها الإبل والبقر والغنم والزروع والثمار ، فهل تخرج الزكاة من جنس هذه الأوعية ، أو يجوز إخراج قيمتها نقدا أو من نوع آخر؟ .
جمهور الفقهاء على أن الزكاة تخرج من جنس المال المزكى، لكن أبا حنيفة أجاز إخراج القيمة بدل العين ، كما أجازه مالك فى رواية وكذلك الشافعى فى قول له ، وفى قول آخر هو مخير بين الإخراج من قيمتها وبين الإخراج من عينها . ومن الأدلة على ذلك :
1 -أن زكاة الإبل قد تخرج من غيرها، وهى الغنم ، ففى خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان كما هو معروف .
2 - النص على جواز القيمة النقدية أو نوع آخر فى حديث البخارى " من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده الجذعة ، وعنده الحقة فإنه يؤخذ منه وما استيسرتا من شاتين أو عشرين درهما " .
3- ما رواه الدارقطنى وغيره أن معاذ بن جبل قال لأهل اليمن .
ايتونى بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير فى الصدقة ، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة . والخميس هنا هو الثوب الذى طوله خمسة أذرع ويقال سمى بذلك لأن أول من عمله هو الخمس أحد ملوك اليمن ، ولم يثبت أن النبى أنكر عليه أن يأخذ القماش بدل الذرة والشعير .
4 - قول النبى صلى الله عليه وسلم فى زكاة الفطر " أغنوهم عن سؤال هذا اليوم " رواه البيهقى أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم ، فأى شىء سد حاجتهم جاز .
5 - قول اللَّه تعالى { خذ من أموالهم صدقة} التوبة : 103 ، ولم يخص شيئا من شىء .
هذه هى أدلة جواز إخراج القيمة بدل العين فى الزكاة كما ذكرها القرطبى فى تفسيره "ج 8 ص 175 " :
وأورد دليل الرواية الثانية عن مالك بعدم الجواز- وهو ظاهر المذهب - بأن الحديث يقول " فى خمس من الإبل شاة، وفى أربعين شاة شاة " وقال القرطبى : نص على الشاة ، فإذا لم يأت بها لم يأت بمأمور به ، وإذا لم يأت بمأمور به فالأمر باق عليه .
ونوقش هذا الدليل بأنه قد يظهر فى أخذ شاة عن أربعين شاة، ولكن لا يظهر فى أخذ شاة عن خمس من الإبل ، فالجنس مختلف وفد يُردُّ ذلك بأن الجنس واحد وهو الأنعام ولا يضر اختلاف النوع ، فيؤخذ من الغنم بدل الإبل .
والاستدلال ضعيف لا يقوى أمام أدلة المجيزين ، وبخاصة الدليل الثانى والثالث ، حيث النص فى الأول على البدل وهو شاتان وعلى القيمة " أو عشرين درهما " وفى الثانى على البدل وهو القماش بدل الحبوب . فما استيسر من أى شىء بَدَلَ ما نص عليه فلا مانع منه ، لأنه صدقة خرجت من ماله لا تنقص عن قيمة ما نص عليه ، وقد تكون القيمة أنفع للفقير أو من يستحق الزكاة ، والزكاة فى عروض التجارة تكون من القيمة ، لأنها تقوم عند آخر الحول ، ودليله ما رواه أحمد وأبو عبيد عن أبى عمرو بن حماس عن أبيه قال : أمرنى عمر رضى اللَّه عنه فقال " أدِّ زكاة مالك . فقلت : ما لى مال إلا جِعَابٌ وأَدَم ، فقال : قومها ثم أدِّ زكاتها " . والجعاب جمع جَعْبة ، وهى كنانة النبال أى كيسها ، والأدم هو الجلد، يقول صاحب المغنى "ج 3 ص 58 " : وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا .
وأجاز أبو حنيفة إخراج الزكاة من عين السلع كسائر الأموال .
وبناء على هذه الأقوال أرى أن يراعى مصلحة المزكى فى تجارته الراكدة فيجوز أن يخرجها من السلع ، وقد أشار ابن تيمتة فى فتاويه (ج 1 ص 299 ) إلى مراعاة المصلحة والدين يسر، وحيث توجد المصلحة فثم شرع اللَّه(9/211)
الزكاة فى سبيل الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دفع جزء من الزكاة فى بناء المساجد، وبخاصه للجاليات الإسلامية فى البلاد الأجنبية ؟
An سبيل الله فى اللغة هو الطريق الموصل إلى مرضاته ، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهى ، وعند إطلاقه فى الشرع ينصرف إلى الجهاد ، حتى صار لكثر الاستعمال كأنه مقصور عليه كما قال ابن الأثير فى " النهاية " .
وكون الجهاد من مصارف الزكاة الثمانية الموجودة فى قوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } التوبة : 60 ، أمر متفق عليه بين الفقهاء ، مريدين بسبيل الله الجهاد لكن ما وراء الجهاد من أعمال الخير فالمذاهب مختلفة فيه :
فالأحناف يقصرون سبيل الله على الجهاد ، تصرف على المجاهدين تمليكا لهم . مشترطين فيهم الفقر والحاجة، وقد أخذ عليهم هذا الشرط لأنهم به داخلون تحت اسم الفقراء ، ولم تعد هناك حاجة إلى مصرف ( سبيل الله ) فى الآية . والكاسانى فى " بدائع الصنائع " جعل جميع القرب والطاعات من سبيل الله ، لكنه اشترط أيضا تمليك الزكاة للشخص المستحق لها .
وعلى هذا لا يجوز صرفها فى بناء المساجد وتكفين الموتى وقضاء الديون عنهم " رد المحتار ج 2 ص 85 " .
والمالكية متفقون على أن سبيل الله فى الزكاة هو الجهاد وما يتعلق به من إعداد ومرافق ، ولا يشترطون فيها تمليكا للأشخاص ، ولا يشترطون الفقر ليكون سبيل الله صنفا متميزا عن الفقراء والمساكين .
والشافعية أرادوا بسبيل الله المجاهدين المتطوعين لا من ترتب لهم أرزاق لعملهم هذا ، ولا يشترطون الفقر فى هؤلاء المتطوعين ، فهم كالمالكية فى قصر سبيل الله على الجهاد ، لكن أرادوا بالمجاهدين المتطوعين .
والحنابلة كالشافعية فى هذا الرأى ، لكن جاء فى رواية عن أحمد جعل الحجاج كالمجاهدين داخلين فى سهم سبيل الله لحديث أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكرا فى سبيل الله وأنها أرادت العمرة فسألت زوجها البكر فأبى ، فأتت النبى صلى الله عليه وسلم وذكرت له ذلك فأمره أن يعطيها البكر وقال ( الحج والعمرة فى سبيل الله ) رواه أحمد وأبو داود برواية أخرى ، والروايتان ضعيفتان .
فالمتفق عليه بين الفقهاء أن سبيل الله هو الجهاد، مع الاختلاف فى اشتراط الفقر وعدمه ، وفى تمليكها للشخص أو عدم تمليكه ، وفى قصره على المتطوعين أو تعميمه على جميع المجاهدين . وما نقل عن الكاسانى فى جعل أنواع القربات الأخرى من سبيل الله شرط فيه التمليك للشخص لا أن تصرف فى بناء المساجد وغيرها .
وابن قدامة الحنبلى فى " المغنى " صوب رأى الجمهور ولم يرتض رواية أحمد فى صرفها على الحجاج وقال معللا لذلك : إن الزكاة تصرف لأحد رجلين : محتاج كالفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم ، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعاملين على الزكاة والغزاة والمؤلفة قلوبهم والغارمين لإصلاح ذات البين . أما الحج للفقير فلا نفع للمسلمين فيه ، ولا حاجة به إليه أيضا فهو غير واجب عليه ولا مصلحة له فى إيجابه عليه وتكليفه مثقة خففها الله عنه ، وتوفير هذا القدر على ذوى الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه فى مصالح المسلمين أولى .
وهناك بعض العلماء توسعوا فى معنى" سبيل الله " ليشمل جميع أنواع القربات ، منهم الفخر الرازى حيث نقل عن القفال فى تفسيره أن بعض الفقهاء أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه البر من تكفين الموتى وعمارة المساجد وغيرها، ولم يعين من هم هؤلاء الفقهاء المجيزون ، وإن كان لا يوصف بالفقيه إلا المجتهد . ونسب ابن قدامة فى " المغنى " هذا الرأى إلى أنس بن مالك والحسن البصرى ولكن المحققين بينوا أن هذه النسبة خطأ لعدم فهم ما نقله أبو عبيد عنهما فى كتابه " الأموال " .
ومن المتوسعين فى سبيل الله الإمامية الجعفرية كما ذكر فى كتاب "المختصر النافع " وكتاب " جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام " فى فقه الشيعة . ومنهم أيضا السيد صديق حسن خان فى كتاب " الروضة الندية " الذى يقول : ليس هناك دليل على تخصيص سبيل الله بالجهاد . فليبق على معناه اللغوى واسعا ، وكونه انصرف إلى الجهاد فى العهود الأولى لا يمنع من شموله لكل ما يوصل إلى رضاء الله من أنواع القربات ، ومال إلى هذا الرأى جمع من العلماء المتأخرين والمعاصرين .
وعلى هذا الرأى يجوز صرف جزء من الزكاة فى بناء المساجد والمعاهد وتحفيظ القرآن وإيواء اللاجئين ونشر الثقافة الدينية ، وكل عمل يعز الإسلام ويقوى شوكة المسلمين ويدفع عنهم غائلة الاستعمار والسيطره بأى شكل من الأشكال(9/212)
تعجيل الزكاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز إخراج الزكاة قبل وقت وجوبها ؟
An ذهب الشافعى وأبو حنيفة وأحمد إلى جواز إخراج الزكاة قبل وقت وجوبها ، وهو الحول فى النقود والتجارة والأنعام ، والدليل على ذلك ما ورد عن على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها وإن كان فى السند مقال . وسئل الحسن عن رجل أخرج ثلاث سنين هل يجزيه ؟ قال : يجزيه ، وعن الزهرى أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل الإنسان زكاته قبل الحول وقال مالك : لا يجزى إخراجها حتى يحول الحول [ للأحاديث التى ربطت وجوبها بالحول كحديث على الذى رواه أبو داود وفيه مقال ] وقال بذلك ربيعة وسفيان الثورى وداود . يقول ابن رشد : وسبب الخلاف ، هل هى عبادة أو حق للمساكين ؟ فمن قال : إنها عبادة وشبهها بالصلاة لم يجز إخراجها قبل الوقت ، ومن شبهها بالصلاة الواجبة المؤجلة - أى التى لها أجل - أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع .
ومثل الزكاة العامة زكاة الفطر- فالجمهور على جواز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين كما كان يفعل عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، وأما قبل ذلك ففيه خلاف .
فعند أبى حنيفة يجوز إخراجها قبل شهر رمضان ، وعند الشافعى يجوز من أول شهر رمضان ، أما عند مالك وأحمد فلا يجوز إلا قبل العيد بيوم أو يومين(9/213)
توزيع الزكاة على فترات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أنا أقدر زكاة مالى عند آخر الحول ، وأعرف فقراء هم أولى بدفعها إليهم ، لكن أعرف أنهم إذا أخذوها دفعة واحدة أنفقوها بسرعة واشتدت حاجتهم بعد ذلك ، ورأيت أن من المصلحة أن أعطيهم كل شهر مقدارا منها حتى ينتهى العام وقد برئت ذمتى من الزكاة تماما، فهل فى هذا ما يخالف الشرع ؟
An عندما يحين وقت وجوب الزكاة يجب إخراجها ومن الخير التعجيل بإعطائها للجهات المستحقة ، فقد روى البخارى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما انصرف من صلاة العصر قام سريعا فدخل بعض بيوت أزواجه ، ثم عاد، فوجد فى وجوه القوم تعاجبا لسرعته فقال "ذكرت وأنا فى الصلاة تبرا عندنا ، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا ، فأمرت بقسمته " وروى الشافعى والبخارى فى التاريخ عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته " رواه الحميدى وزاد، قال " يكون قد وجب عليك فى مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال " .
وهذا شأن كل دين واجب ينبغى التعجيل بأدائه ، ومن هنا قال جمهور الفقهاء بجواز تعجيل إخراج الزكاة قبل وقت وجوبها .
لكن مع فصل الزكاة أو تعيين قدرها إذا رأى الإنسان أن من المصلحة توزيعها على فترات فلا مانع ، كانتظار وصول المستحقين أو السفر إليهم ، أو جعلها كراتب شهرى لأسرة فقيرة لو أخذتها مرة واحدة أنفقتها فى غير ما يلزم ، وبعد ذلك تحتاج إلى مساعدة .
وما دام الانسان يبغى المصلحة فلا مانع من توزيعها على فترات ، مع التوصية لأوليائه بمعرفة ما يجب عليه وما بقى من غير توزيع ، حتى يقوموا بتوزيعه عند اللزوم(9/214)
الزكاة والزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن أدفع جزءا من زكاة أموالى مساعدة فى زواج أحد أقاربى أو إحدى قريباتى ؟
An حدد اللَّه سبحانه مصارف الزكاة فى قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل اللّه وابن السبيل فريضة من اللَّه واللَّه عليم حكيم } التوبة :65 ، فلا يجوز دفعها لغير هؤلاء كما تفيده أداة الحصر وهى " إنما " وكل هذه الأصناف حددها العلماء دون خلاف بينهم يذكر ، إلا في قوله تعالى { وفى سبيل اللَّه } ففسره الجمهور بالجهاد وفسره سره بعضهم بمنقطعى الحجيج ، وجعله آخرون شاملا لكل القربات ومع ذلك لا يدخل التزويج فيه كما قال المحققون ، فكما قالوا :
لا يجوز صرف الزكاة للاستعانة بها على الحج لأن اللّه فرضه على المستطيع فقط ، قالوا : لا يجوز صرفها من أجل التزويج الذىَ ندب اللَّه له من يستطيع أن يقوم بمسئولياته ، فقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم اللَّه من فصله } النور: 33 ، وقال صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحْصَنُ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " رواه البخارى ومسلم ، والباءة هى تكاليف الزواج .
والزواج فى هذه الأيام بالذات أخذ صورة مظهرية أكثر منها أدبية ودينية ، سواء فى المهور الغالية أو الأثاث الفاخر أو حفلات الزفاف وما إليها ، فلا ينبغى أن توجه الزكاة إليها ، وفى المجتمع حالات هى أحوج ما تكون إليها ، روى مسلم أن رجلا تزوج على صداق قدره أربع أواق لا يستطيع دفعها ، ذهب إلى النبىصلى الله عليه وسلم يستعينه ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم فى حالته الخاصة لا يمكنه أن يساعد بمثل هذا القدر، وليس فى مال المسلمين حق يعين هذا الرجل ، فقال له مستنكرا " كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، لكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه " . ولو تعين الزواج عصمة من المنكر للفتى أو الفتاة لا يتحمل معها الانتظار إلى وقت اليسار وجب عليه أن يتزوج بقدر يناسب وضعه الذى هو فيه ، ما دام يقصد الخير من العفة والشرف ، ولا يعدم أى مجتمع أن يكون فيه من يحقق له غرضه ، فالخير موجود فى المسلمين إلى يوم القيامة . هذا ، وإذا كانت للزكاة مصارف متعددة فينبغى مراعاة الأولوية فيها ، والمسلمون كأمة واحدة يجب أن يتضامنوا فى تحقيق الخير ودفع الشر، وفيهم الآن من هم فى أشد الحاجة للعون الذى يحفط كرامتهم كآدميين ومسلمين ، فأولى أن تدفع الزكاة إليهم ، ولو كان للزكاة جهاز منظم يشرف عليها بصدق وإخلاص جمعا وتوزيعا لظهر أثرها الذى شرعت من أجله ، سواء فى الوطن الصغير أو فى الوطن الإِسلامى الكبير(9/215)
إعطاء الزكاة للأقارب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت أن إعطاء الزكاة للأقارب لا يجوز ، فهل هذا صحيح ؟
An الأقارب هنا قسمان ، قسم تجب على الإنسان نفقته كالأبوين والأولاد والزوجة وقسم لا تجب عليه نفقته ، كالعم والخال والعمة والخالة .
وقد اتفق الفقهاء على جواز إعطاء الزكاة للقسم الثانى، بل هم أولى بها من غيرهم ، لأنها تكون زكاة وصلة رحم فى وقت واحد كما رواه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وحسنه ، وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما عن النبى صلى الله عليه وسلم "الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذى الرحم ثنتان ، صدقة وصلة" .
أما القسم الأول : وهو من تجب عليه نفقته فالإجماع على أنه لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة ، لأن المفروض فى المزكى أن ينفق عليهم النفقة الكافية التى لا تجعلهم فقراء ولا مساكين يستحقون الزكاة ، والمزكى عنده مال كثير زائد عن حاجته وحاجة من يعولهم فهم فى غير حاجة إلى الزكاة . فالوالدان لا يجوز إعطاء الزكاة لهما ، وكذلك الأولاد الصغار، أو البالغون إذا كانوا غير قادرين على الكسب ، فإن قدروا على الكسب فلا تجوز الزكاة لهم .
وكذلك الزوجة نفقتها واجبة على الزوج فلا يعطيها من زكاته ، لأنه لو أعطى هؤلاء الذين تجب عليه نفقتهم فهو يعطى نفسه ، لأن الزكاة ستخفف من عبء النفقة الواجبة عليه . روى الأثرم فى سننه عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال : إذا كان ذو قرابة لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك ، وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 189 " .
والشوكانى يرى جواز إعطاء الزكاة للقريب ، بصرف النظر عن كون نفقته واجبة على المزكى أو غير واجبة ، مستندا إلى حديث البخارى ومسلم فى شأن زينب امرأة عبد اللَّه بن مسعود الثقفى وشأن امرأة معها، حيث سئل النبى صلى الله عليه وسلم : أتجزى الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام فى حجورهما؟ فقال "لهما أجران ، أجر القرابة وأجر الصدقة" وفى رواية البخارى عن أبى سعيد "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم " .
يقول الشوكانى فى وجه الاستدلال : إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن الصدقة إن كانت واجبة أو تطوعا ، وترك الاستفصال فى مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم فى المقال ، والأصل عدم المانع ، فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعان من إجراء الزكاة فعليه الدليل ، ولا دليل .
وقد أجاز الشوكانى ذلك لأن الأم لا يلزمها أن تنفق علي ابنها مع وجود أبيه ، لكن قد يقال : إن الأيتام ربما لا يكونون أولادها فتصح الزكاة عليهم .
وقد روى عن مالك أن الممنوع من أخذ الزكاة هم الأب والأم والأولاد ، أما الجد والجدة ومن علا، وبنو البنين ومن نزل فيجوز صرف الزكاة إليهم ، أما غير الأصول والفروع ممن تجب نفقتهم -كالزوج والزوجة - فذهب مالك والشافعى إلى أنه لا يجزئ صرف الزكاة إليهم .
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز ويجزئ ، وذلك لعموم الدليل فى التصدق على الأقارب ، حيث لم يفصل، بين قرابة وقرابة، ولا بين وجوب النفقة وعدم وجوبها ، كما وضحه الشوكانى . وهذا كله فى الصدقة الواجبة كالزكاة ، أما صدقة التطوع فالأقارب بوجه عام أولى بها كما سبق ذكره ، ومما يرغب فى ذلك أيضا حديث رواه مسلم "دينار أنفقته فى سبيل اللَّه ، ودينار أنفقته فى رقبة-يعنى تحرير رقبة من الرق -ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك لما وجاء في تفسير القرطبى "ج 8 ص 190 "جواز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير بناء على حديث زينب الثقفية، حتى لو كان يستعين بها على النفقة عليها كما كان يفعل ابن حبيب ، وقال أبو حنيفة لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا يجوز، وذهب الشافعى وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك إذا لم يصرفه إليها فيما يلزمه لها ، وإنما يصرف ما يأخذه منها فى نفقته وكسوته على نفسه ، وينفق عليها ماله .
وفى الفتاوى الإسلامية "مجلد 1 ص 115 " لو دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه جاز إذا لم يحسبها من النفقة، وذلك فى غير الزوجة والأبوين والفروع ، كما وضحتها فتوى فى المجلد الخامس ص 1799 "(9/216)
زكاة الجنين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم ما لو ذبحت البقرة الحامل بجنينها كامل النمو، هل يجوز أكل هذا الجنين إذا مات فى بطن أمه ؟
An روى أحمد والترمذى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الجنين "ذكاته ذكاة أمه " وفى رواية لأحمد وأبى داود : قلنا يا رسول الله ، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفى بطنها الجنين ، أنلقيه أم نأكل ؟ قال "كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " .
يؤخذ من هذا أن الحيوان المأكول اللحم إذا ذبح وفى بطنه جنين ، فإن ذبح أمه ذبح له ما دام قد تم بالطريقة الشرعية ، وأكل لحمه حلال ولا يحتاج إلى ذبح ، وهذا ما رآه الإمام الشافعى والإمام مالك ، وإن كان مالك اشترط أن يكون الجنين قد أشعر، أى نبت له شعر، لكن دليله فى ذلك ضعيف ، فإنه قطعة من أمه ، سواء نبت له شعر أولا .
وأبو حنيفة خالف مالكا والشافعى، كما خالف صاحبيه ، فحرم أكل الجنين إذا خرج ميتا ، لأن ذكاة أمه لا تغنى عن ذكاته أى ذبحه ، محتجا بعموم قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة} وهى التى لم تذبح ولكن هذا الاحتجاج ضعيف ، لأنه من ترجيح العام على الخاص ، والمعمول به هو العكس .
فالمعتمد أو الراجح هو مذهب الجمهور فى أن ذكاة الجنين هى ذكاة أمه ، أى لا حاجة إليها بعد ذكاة أمه(9/217)
زكاة الزروع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تحتاج الزراعة إلى مصاريف كثيرة فى الرى والتسميد والحصاد وغير ذلك ، فهل تخصم هذه المصاريف من جملة المحصول وتخرج الزكاة عن الباقى بعد الخصم ؟
An 1-الزكاة واجبة على المحاصيل الزراعية كما جاء فى قوله تعالى { وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المشرفين } الأنعام : 141 .
وبعيدا عن التى تجب فيها الزكاة من الزروع ، فإن ما يورد منها إلى الجمعيات أو جهات أخرى يدخل ضمن النصاب ولا يخصم ، ولا يكتفى بتزكية ما بقى بعد الخصم ، فالآية تأمر بإخراج الزكاة عند الحصاد .
ومعلوم أن المحاصيل قد تصرف عليها مصاريف فى الرى والتسميد والتنقية والحصاد وغير ذلك ، فهل تخصم هذه المصاريف من المحصول ، وتخرج الزكاة عن الباقى ؟ .
لا يجوز هذا الخضم عند جميع الأئمة المعروفين ، وهم أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد رحمهم اللَّه تعالى ، لكن جاء عن عبد اللّه بن عمر وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهم أجمعين أن الزكاة تكون على ما بقى بعد استقطاع التكاليف ، ونقله ابن حزم عن عطاء بن يسار .
ولعل وجهة نظرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الزكاة على الزروع والثمار التى تسقى بماء السماء العشر أما التى تسقى بتعب ومصاريف للسواقى والماكينات وغيرها فالزكاة نصف العشر .
ويحصل فى بعض المناطق التى تعتمد على المطر فى زراعة القمح والشعير أن يشتط العمال المدربون على أعمال الزراعة ، فى تقدير أجرهم كنصف المحصول ، وهنا يمكن العمل برأى ابن عمر وابن عباس وعطاء فى هذه الحالة ، وكل هذا مع مراعاة قول اللَّه تعالى { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللَّه من فضله هو خيرا لهم ، بل هو شر لهم } آل عمران : 130 ، وقوله تعالى{ وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه وهو خير الرازقين }سبأ : 39(9/218)
الزكاة على الراتب والعمارة والسيارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجب الزكاة على الراتب أو الأجر الذى يأخذه الإنسان على عمله ؟
An لقد حدد القرآن الكريم والسنة النبوية الأصناف التى تجب فيها الزكاة ، ولم يرد نص خاص فى وجوبها فيما عداها ، ما عدا قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض }البقرة : 267 .
وقد رأى الأئمة الثلاثة عدم وجوب الزكاة فى غير ما حدده بخصوصه القرآن والسنة ، وحملوا هذه الآية على الإنفاق العام الذى يدخل فيه صدقة التطوع ، والأمر فيها للإرشاد والاستحباب ، أو منصب على اختيار الصالح والجيد ، بدليل مقابلته بالنهى عن الإنفاق من الخبيث بأسلوب قوى مؤثر " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ، ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " والصدقة من الطيب المحبوب للنفس ، فيها جهاد للنفس وإيثار للغير ، ولو كان الإنسان آخذا شيئا من الغير لا يقبل إلا الطيب منه ، أما الردى فلا يقبله إلا مع امتعاض وعند شدة الحاجة إليه ، والإيمان الصادق يدفع إلى أن يحب الإنسان للناس ما يحبه لنفسه أما الإمام أبو حنيفة فقد أخذ بظاهر العموم فى الآية وأوجب الزكاة فى كل ما ينبت من الأرض حتى الخضر غير مقيد بالأنواع الواردة فى الحديث ، كما أوجبها فى كل ما يكسب -الإنسان من وجوه الحلال .
وعلى هذا تجب الزكاة عنده فى عائد الممتلكات من العمارات والسيارات وفى الرواتب والأجور .
ولو وجبت الزكاة اشترط فيها الحول والزيادة عن الحاجة ، كما اشترطه فى زكاة المال ، فلو استغلت العمارات والسيارات للتجارة وجبت فيها زكاة التجارة ، ولو استغلت للإيجار ونتج عن ذلك مال مدَّخر فائض وحال عليه الحول وجبت الزكاة باتفاق الأئمة ، لأنها زكاة مال كالنقدين .
هذا فى الوجوب ، أما التطوع بالصدقة وشكر اللَّه على النعم فلا حد لنصابه ولا لقدره ولا لزمنه ، بل إن ميدان البر يتسع فيتجاوز حدود المال كما صح فى الحديث " تعدل بين اثنين صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وتبسمك فى وجه أخيك صدقة ، وكل معروف صدقة"(9/219)
الزكاة وحكمة التشريع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا تفرض الزكاة على المسلمين فى حين أن الدولة تحصل الضرائب من جميع المواطنين على السواء، أريد إجابة منطقية لأنى لا اقتنع بقوله تعالى{وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } ؟
An سبقت الإجابة على الفرق بين الزكاة والضرائب ، ولا تغني الضرائب عن الزكاة وأحب أن يعلم كل مسلم أن التكاليف الشرعية لابد من تقبلها والعمل بها بصرف النظر عن فهم حكمة التشريع ، فإن الحكمة قد تذكر مع الحكم وربما لا تذكر، ولا يترتب على عدم ذكرها أو عدم فهمها رفض الحكم وإنكاره . فالواقع أن أفعال اللَّه خالية عن العبث ، ولكل فعل من أفعاله حكمة ، فهو الحكيم الخبير وإن كنا لا ندرك هذه الحكم {واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون } .
وإذا كانت معرفة حكمة التشريع تبعث في النفس النشاط للعمل وتشرح الصدر للقبول ، وتساعد على رد الشبه وتحمى من الأباطيل ، فإن مجرد الامتثال لأنه أمر من اللَّه فقط - وهو الموصوف بالحكمة البالغة -يدل على قوة الإيمان وتمام الخضوع لأوامر اللَّه ، ومهما يكن من شيء فإن إنكار أي تكليف وارد في النصوص الصحيحة يؤدي إلى الكفر ، لأنه تكذيب لما ثبت بالتواتر وبخاصة القراَن الكريم المجمع على أنه كلام اللَّه تعالى .
والزكاة فرضت على المسلمين بالأوامر الصريحة في القرآن والسنة ، منها قوله تعالى {وأتوا الزكاة} البقرة : 403 ، وكثير من السور، وقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } التوبة : 103 ، إلى غير ذلك من النصوص .
والإيمان بفرضيتها واجب ، بصرف النظر عن معرفة حقها ، وقد أشارت الآية إلى الحكمة وهي التطهير والتزكية ، أي تخليص النفوس من شوائب البخل والشح والأنانية والحرص والطمع والفردية وأسر المادة وعبودية الشهوة ، وتحليتها بالرحمة والحنان والغيرية والتعاون والرضا والقناعة وراحة الضمير، والحيلولة دون الوقوع فيما تجر إليه الأنانية وحب المال من كذب وزور وغش واحتكار وسرقة وما إلى ذلك ، كما أن الزكاة أساس العدل الاجتماعي الذي يدعو إلى رعاية الحقوق والمبادرة إلى أداء الواجبات والحفاظ على الحرمات ، وتقوية روابط المجتمع بوجه عام .
وإذا كانت المقادير المفروضة في الزكاة تعد رمزًا لامتثال أوامر اللَّه في التعاون فإن مطالب الحياة الاجتماعية في الدول المنظمة ربما لا يعطيها هذا المورد الرمزي ، وقد أجمع العلماء على أن للحاكم أن يفرض من الضرائب ، والواجبات الأخرى ما يراه محققًا لمصلحة الجماعة ، فلا تنافي بين فرض الزكاة وجباية الضرائب أبدًا ، وبخاصة إذا عرفنا أن بعض الاحتياجات العصرية ربما لا تدخل تحت المصارف المحددة للزكاة ، ولا نحتاج إلى التعسف في تطويعها حتى تشمل هذه الاحتياجات ما دام عندنا مورد أخر مشروع وهو ما يفرضه ولى الأمر من الضرائب وغيرها . "انظر رسالتى عن الزكاة "(9/220)
الزكاة فى المضاربة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجب الزكاة فى المضاربة على صاحب المال أو على المال أو عليهما معا ؟
An المضاربة أن يدفع شخص مالا لشخص آخر يتاجر فيه على أن يقسم الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها كالنصف أو الثلث مثلا .
والعامل فى المضاربة ليس شريكا فى رأس مال التجارة ، فهو كله لصاحب المال ، ولا يشاركه إلا فى الربح الناتج من رأس المال ، فهو بمثابة الأجير الذى يؤدى عملا لصاحب المال ، وبدل أن يحدد له أجرا معلوما كل شهرا و كل سنة أو كل صفقة تجارية جعل له نسبة من الربح أيا كان قدرها ، ولئن كان فى ذلك بعض الجهالة من جهة المقدار فالأجر معلوم من جهة النسبة ، ويغتفر ذلك لحاجة الناس إلى هذه المعاملة فقد يملك الشخص مالا ولا يعرف كيف يستثمره ،ويملك شخص آخر المعرفة والخبرة ولكن لا يملك المال ، فيتعاونان على خيرهما وعلى خير المجتمع وكانت هذه المعاملة معترفا بها أيام النبى صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا تكون الزكاة على صاحب المال زكاة تجارة ، يخرج ربع العشر على الأصل والربح بعد خصم الديون والمصاريف التى منها حصة العامل ، على ما رآه ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم ، وأخذ به ابن حزم فى خصم القرض والنفقة من محصول الزروع والثمار، وتكون الزكاة على ما بقى . وهذه الزكاة فى آخر الحوْل ، أما العامل فليست عليه زكاة لأنه لا يملك شيئا من رأس المال ،وإنما زكاته على حصته من الربح إن بلغت نِصابا وحال عليها الحول(9/221)
موعد زكاة الفطر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لا يوجد فى البلد الذى أعمل فيه فقراء يستحقون الزكاة يوم العيد، وقد أكون فى بلدى قبل يوم العيد وفيها فقراء، فهل يجوز أن أدفع إليهم الزكاة قبل يوم العيد ؟
An يجوز إخراج زكاة الفطر من أول يوم من رمضان على ما رآه الشافعية، ويجوز أن تؤدى قبل يوم العيد بيوم أو يومين عند بعض الأئمة ، بل يجوز ذلك قبل رمضان ، أخرج البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال :
فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر. . . إلى أن قال : وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين .
ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد . والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد، لما روى البخارى ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال ابن عباس رضى اللّه عنهما : فمن أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات . وفى حديث الدارقطنى : أغنوهم عن الطواف فى هذا اليوم ، أى أغنوا الفقراء عن الطواف والسعى فى الأسواق ونحوها بطلب الرزق فى هذا اليوم ، وهو يوم العيد، وذلك بإعطائهم الزكاة . وحرمة التأخير عن يوم العيد محلها إذا وجد المستحقون لها ولم يكن هناك غائبون أولى منهم ، فإذا عدموا ، أو كان هناك غائب أولى كالأرحام مثلا فلا يحرم التأخير(9/222)
شروط هدى التمتع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك مذهب يقول بعدم وجوب الهدى على المتمتع ؟
An يقول اللّه سبحانه { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} البقرة : 196، وقد اشترط العلماء شروطا يتحقق بها التمتع الموجب للهدى واتفقوا منها على ما يأتى :
ا -ألا يكون المتمتع من حاضرى المسجد الحرام كما نصت عليه الآية "ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام " وهم أهل مكة ومن يسكن قريبا منها دون مسافة القصر على خلاف للعلماء فى تحديدهم .
2 - أن تقع العمرة فى أشهر الحج ، وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة، وشذ عن هذا الشرط طاووس فقال : من اعتمر فى رمضان ثم أقام حتى حج فهو متمتع .
3- أن تقع العمرة فى العام الذى وقع فيه الحج ، فلو اعتمر فى أشهر الحج ثم لم يحج سواء أقام بمكة أو سافر، وحج فى عام آخر فليس متمتعا . وشذ عن هذا الشرط الحسن فقال : لا يشترط للتمتع أن يقع النُّسُكَان فى عام واحد . "المغنى لابن قدامة ج 3 ص 499 " .
4 -ألا يسافر بين العمرة والحج سفرا بعيدا تقصر فيه الصلاة ، وشذ الحسن عن هذا الشرط .
5 -ألا يعود إلى الميقات ليحرم بالحج منه . فإن عاد وأحرم منه فلا دم عليه .
6 - أن يحل من إحرامه بالعمرة قبل أن يحرم بالحج ، فلو استمر على إحرامه حتى أحرم بالحج لم يكن متمتعا ، بل يكون قارنا ، وعلى كل حال فالمتمتع والقارن عليهما دم .
7- اشترط مالك فقط زيادة على ذلك أن تكون العمرة والحج عن شخص واحد ولا يقول الأئمة الثلاثة بذلك ، ويوضحه ما جاء فى حاشية قليوبى وعميرة على منهاج النووى فى فقه الشافعية "ج 2 ص 129 " أنه لا يشترط أن يقع النسكان أى العمرة والحج عن شخص واحد فلو استأجره واحد للحج واستأجره آخر للعمرة فتمتع عنهما أو اعتمر عن نفسه وحج عن غيره أو عكسه فهو متمتع .
ويمكن العمل بمذهب مالك عند الحاجة أو الضرورة كمن يتكرر حجه ويريد التمتع دون هدى أن يجعل واحدا منهما عن أحد والديه المتوفيين وجوبا ، أو لهما ندبا أو نيابة عن عاجز عن الحج ، والدين يسر(9/223)
الأكل من الهدى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لمن وجب عليه ذبح هدى أن يأكل منه ، أو لابد من توزيعه كله على المحتاجين ؟
An قال الله تعالى فى شأن الهدى {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } الحج :
28 .
يدل ظاهر هذا الأمر على إباحة الأكل من أى هدى كان ، سواء أكان واجبا أم مندوبا وقد اختلف الفقهاء فى هذا الحكم ، وفرقوا بين هدى التطوع المندوب فجوزوا الأكل منه ، وبين الهدى الواجب فحرموه ، وإن كان بعضهم أجاز الأكل من بعض الهدى الواجب دون البعض الآخر فذهب أبو حنيفة وأحمد إلى جواز الأكل من هدى التمتع وهدى القران وهدى التطوع ولا يأكل مما سواها، وقال مالك : يأكل من الهدى الذى ساقه لفساد حجه ولفوات الحج ، ومن هدى التمتع ، ومن الهدى كله إلا فدية الأذى وجزاء الصيد والنذر للمساكين وهدى التطوع إذا عطب قبل محله .
وعند الشافعي: لا يجوز الأكل من الهدى الواجب مثل الدم الواجب فى جزاء الصيد وإفساد الحج ، وهدى التمتع والقران ، كذلك ما كان نذرا أوجبه على نفسه ، أما ما كان تطوعا فله أن يأكل منه ويهدى ويتصدق .
وللتوضيح يمكن الرجوع إلى المغنى لابن قدامة " ج3 ص 565 " .
وأقول: إن غالب ما يذبح هناك جزاء هو عن التمتع والقران ، وعموم الآية يجيز الأكل منه ، إلى جانب أحاديث تفيد أن النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع كان معه نساؤه وكن متمتعات أي محرمات بالعمرة أولا، أو قارنات أى محرمات بالحج والعمرة معا ، وأكلن من اللحم ، وفى صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام أمر من كل بدنة -جمل - بضعة -قطعة-فى قِدر، فأكل هو وعلى رضى الله عنه من لحمها وشربا من مرقها .
هذا والأولى أن تطعم كلها للفقراء وبخاصة بعد الاستعدادات الجديدة لتنظيم الذبح والتوزيع ، والأكل منها أفضل من أن ترمى وتضيع دون توزيع(9/224)
الزواج أم الحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إنى شاب لم أتزوج ، فأيهما أفضل الحج أم الزواج ؟
An لاشك أن الحج فرض لازم على كل مستطيع كما قال تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران : 97 .
ووجوبه على الفور عند جمهور الفقهاء ، يحرم تأخيره عن أول فرصة له ، والزواج مشروع ومرغب فيه بالآيات والأحاديث الكثيرة ، غير أن الفقهاء قالوا : إنه قد يكون واجبا وقد يكون مندوبا، فهو واجب على من وجد نفقته وقدر على كل تبعاته وخاف العنت أى الوقوع فى الفاحشة إن لم يتزوج ، ويكون مندوبا إن قدر عليه ولم يخف العنت إن لم يتزوج ، بأن كانت حالته طبيعية وعنده من القدرة ما يكف به نفسه عن الفاحشة إن أخر الزواج .
وعلى هذا نقول : إن كان الزواج واجبا قدمه على الحج لأنه لو لم يتزوج وقع فى الفاحشة، والحج يكون واجبا على المستطيع ، ومن الاستطاعة وجود مال زائد على حاجاته الضرورية ، ومن حاجاته الضرورية الزواج فى مثل هذه الحالة وبخاصة أن الحج واجب على التراخى عند بعض الأئمة ، يعني لو أخره سنة لا يأثم .
وإن كان الزواج مندوبا له قدم الحج عليه ، ضرورة تقديم الواجب على المندوب(9/225)
الصدقة على الكافر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندنا جار فقير لكنه غير مسلم فهل يجوز أن أعطيه من الزكاة ؟
An اتفقت الأئمة على عدم جواز إعطاء الزكاة لغير المسلمين ، فيما عدا المؤلفة قلوبهم - وهم الذين يرجى إيمانهم أو يخشى شرهم ، وإن كان هناك خلاف فى وجودهم الآن وفى جواز إعطائهم إن كانوا - والدليل على عدم إعطاء الكفار من الزكاة قول النبى صلى الله عليه وسلم {صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم } فى حديث معاذ لما أرسله إلى اليمن . والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم ، رواه البخارى ومسلم .
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمى لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ، واختلفوا فى زكاة الفطر فجوزها أبو حنيفة، وعن عمرو بن ميمون وغيره أنهم كانوا يعطون منها الرهبان ، وقال مالك والليث وأحمد وأبو ثور لا يعطون ، ونقل صاحب البيان عن ابن سيرين والزهرى جواز صرف الزكاة إلى الكفار "المجموع للنووى ج 6 ص 246" لكن صدقة التطوع يجوز أن يعطى منها غير المسلم ، لما صح من إجازة النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبى بكر أن تبر أمها وكانت مشركة وقال لها "صِلى أمك " ويؤيد هذا قوله تعالى :{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم } الممتحنة : 8 .
وقال تعالى : {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} الإنسان : 8 ، فالآية مطلقة والأسير بالذات قد يبقى على دينه ولا يسلم ، قالوا : ومنه إعطاء عمر صدقة لليهودى الذى وجده يسأل .
وأختار أنه لا يجوز لك أيها السائل أن تعطى من زكاتك لغير المسلم ويجوز أن تساعده بصدقة تطوع ، رعاية لحق الجوار(9/226)
زكاة المال المدخر لحاجة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندى مال أدخره لمشروع ينفذ بعد سنتين ، ولو أخرجت عنه الزكاة نقص المال وتعطل المشروع . فما رأى الدين فى ذلك ؟
An ما دام المبلغ وصل إلى حد النصاب وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة ما دام فائضا عن حاجاتك الحالية أما المستقبلة فلا عبرة بها، لأن المستقبل غيب لا يعلمه إلا اللّه ، والزكاة نسبتها قليلة جدا (5 ، 2%) لا تؤثر على المشروع تأثيرا واضحا ، والمبادرة إلى أداء حق الله يبارك اللّه بها المال {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} الطلاق : 4 .
هذا، ولو نقص المال المدخر فى أثناء الحول عن النصاب لا تجب فيه الزكاة حتى يكمل النصاب ، وهنا يبدأ حول جديد وإذا كان النقص عن النصاب مقصودا به سقوط الزكاة كان من الحيل المحرمة، أما إذا زاد المال المدخر فى أثناء الحول فإن الزيادة تأخذ حول النصاب حتى لو وضعت فى آخر الحول ، وذلك على رأى بعض الفقهاء ، ورأى بعضهم أن يبدأ للزيادة حول جديد تزكى عند انتهائه ، والرأى الأول أسهل فى الحساب ، ويدخل تحت جواز إخراج الزكاة قبل موعدها ، والرأى الثانى أدق وأضبط للحساب ، ولا مانع من الأخذ بأحد الرأيين(9/227)
دفع الزكاة للمدين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دفع الزكاة لإنسان عليه دين عاجز عن الوفاء به ؟
An قال اللّه تعالى فى مصارف الزكاة {والغارمين } التوبة : 60 ، يقول القرطبى عنهم : هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به ، ولا خلاف فيه ، اللهم إلا من ادَّان فى سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب ، ويعطى منها من له مال وعليه دين محيط به ما يقضى به دينه -يعنى دين مستغرق لما يملكه -فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير وغارم فيعطى بالوصفين . روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال : أصيب رجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "تصدقوا عليه " فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال رسول صلى الله عليه وسلم لغرمائه " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " .
ويجوز لمن تحمل مالاً فى إصلاح وصلاح أن يعطى من الصدقة ما تحمل به إذا وجب عليه ، وإن كان غنيا إذا كان ذلك يجحف بماله كالغريم .
واختلفوا هل يقضى منها دين الميت أم لا، فقال أبو حنيفة : لا، ولا يعطى منها من عليه كفارة ونحو ذلك من حقوق الله ، وإنما الغارم من عليه دين يسجن فيه -وقال علماؤنا وغيرهم : يقض منها دين الميت لأنه من الغارمين ، قال صلى الله عليه وسلم "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضَيَاعًا-عيالا-فإلىَّ وعلىَ" .
وذكر الماوردى فى "الأحكام السلطانية" ص 123 أن الغارمين صنفان ، صنف منهم استدانوا فى مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم ، وصنف منهم استدانوا فى مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر والغنى قدر ديونهم من غير فضل(9/228)
إسقاط الدين من الزكاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اقترض منى رجل مبلغا من المال ثم عجز عن أدائه ، هل يجوز أن أسقط عنه هذا الدين وأجعله من الزكاة الواجبة علىَّ ؟
An يقول النووى فى كتابه "المجموع ": لو كان على رجل معسر دين ، فأراد الدائن أن يجعله من زكاته وقال له : جعلته عن زكاتى فهناك وجهان صحيحان ، أصحهما أنه لا يجزئه ، وهو مذهب أحمد وأبى حنيفة ، لأن الزكاة فى ذمة صاحبها فلا يبرأ إلا بإقباضها ، والوجه الثانى يجزئه ، وهو مذهب الحسن البصرى وعطاء بن أبى رباح ، لأنه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز، فكذلك إذا لم يقبضه . كما لو كانت له دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة فإنه يجزئه ، سواء قبضها أم لم يقبضها .
وإذا دفع إليه الزكاة وشرط عليه أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة، ولا يصح قضاء الدين بذلك ، لكن لو نويا ذلك ولم يشترطاه جاز وأجزأه عن الزكاة ، وإذا رده إليه عن الدين برىء هذا ، وهذه الصورة هى من صور الغارمين الذين لهم سهم فى الزكاة وقد مر توضيحها فى سؤال سابق(9/229)
سقوط زكاة الفطر على الزوجة الناشز
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب على الزوج أن يخرج زكاة الفطر عن زوجته الناشز ؟
An قال جمهور الفقهاء : إن الزوج يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تجب عليه نفقتهم ، ومنهم الزوجة ما دامت الزوجية قائمة حقيقة أو حكما كالمطلقة، وأبو حنيفة لا يوجب هذه الزكاة على الزوج ، فهى التى تخرج زكاتها ، لكن لو تبرع هو بإخراجها عنها أجزأت ولو كان ذلك بغير إذنها .
فإذا لم تكن الزوجية قائمة بسبب الموت أو الفراق فللنفقة أحكام مذكورة فى مواضعها ، لكن النفقة تسقط بالنشوز، الذى يتحقق بأخذ أمرين ، امتناعها عن تمتع الزوج بها ، وخروجها من منزل الزوجية بغير إذنه وبغير ضرورة .
وزكاة الفطر تابعة للنفقة وفى وجوبها خلاف فقد تجب النفقة ولا تجب الزكاة (انظر زكاة الفطر عن الزوجة غير المسلمة) لكن إذا سقطت سقطت زكاة الفطر إذا كان النشوز فى وقعت وجوب الزكاة ، وهو آخر ليلة من رمضان أو أول يوم من شوال . وعلى الزوجة أن تخرج زكاتها هى عن نفسها حينئذ(9/230)
الزكاة فى العسل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل عسل النحل فيه زكاة ؟
An معلوم أن عسل النحل من نعم الله على عباده ، وجاء فى ذلك قوله تعالى { فيه شفاء للناس } النحل : 169 ، وتحدث العلماء قديما وحديثا فى معنى الشفاء الموجود فيه ، ويراجع فى ذلك كتاب "الطب النبوى" لابن القيم أو "زاد المعاد" له . أما الزكاة فيه فقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 10 ص 140 " أن الإمام مالكا وأصحابه ذهبوا إلى أنه لا زكاة فيه وإن كان مطعوما مقتاتا ، واختلف فيه قول الشافعى ، ففى القديم أن فيه زكاة ، وفى الجديد قطع بأنه لا زكاة فيه ، وقال أبو حنيفة بوجوب الزكاة فيه قليله وكثيره ، لأن النصاب عنده ليس بشرط ، وقال محمد بن الحسن : لا شىء فيه حتى يبلغ ثمانية أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلا عراقيا ، وقال أبو يوسف : فى كل عشرة أزقاق زق ، متمسكا بما رواه الترمذى عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "فى العسل فى كل عشرة أزقاق زق " قال أبو عيسى : فى إسناده مقال ، ولا يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب كبير شىء، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول أحمد وإسحاق . وقال بعض أهل العلم : ليس فى العسل شىء . انتهى، فالخلاصة : أن جمهور العلماء لا يوجبون الزكاة فى عسل النحل ، لعدم وجود الدليل الصحيح ، قال ابن المنذر : ليس فى وجوب الصدقة فى العسل خبر يثبت ولا إجماع ، فلا زكاة فيه ، وهو قول الجمهور .
والذى قال بالزكاة فيه أحمد وأهل الرأى ، وهم أبو حنيفة وأصحابه .
على خلاف فى نصابه ، ومقدار الزكاة . وإذا لم تجب الزكاة فصدقة التطوع مندوبة(9/231)
زكاة الفطر عن الزوجة غير المسلمة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تزوج مسلم مسيحية وله منها أولاد ، هل يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنها ؟
An زكاة الفطر يجب على الرجل أن يخرجها عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم ومنهم الزوجة ، والزوجة غير المسلمة وإن وجبت على الزوج نفقة الزوجية لها باتفاق العلماء فإن إخراج زكاة الفطر عنها فيه خلاف ، فالجمهور من الأئمة وهم مالك والشافعى وأحمد يرون عدم وجوب إخراجها ، لأنها لم تجب عليها أصلا لعدم إسلامها ، بناء على الرأى القائل بأن الكافر غير مكلف بفروع الشريعة، وللحديث : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل حر وعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين . ولأن من حكم زكاة الفطر أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث كما رواه أبو داود بإسناد حسن عن ابن عباس رضى الله عنهما ، والكافر لم يصم فلا معنى لتطهير الزكاة له .
والقيد المذكور فى الحديث وهو "من المسلمين " يحتمل أن يقصد به المؤدَّى عنه وليس المؤدَّى ، فلا يجب على الرجل إخراج زكاة الفطر عن عبده غير المسلم مع وجوب نفقته عليه ، وكذلك عن زوجته غير المسلمة "المغنى لابن قدامة ج 2 ص 646، 647 " .
ويرى أبو حنيفة وأصحاب الرأى إخراج الزكاة عن الابن الصغير إذا ارتد - مع مراعاة أن الردة تكون من المكلف البالغ -كما يخرجها عن عبده الذمى ، أى غير المسلم ، بناء على وجوب إنفاق الوالد على ولده الصغير، وإنفاق السيد على عبده . ورووا فى ذلك حديثا يقول "أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير يهودى أو نصرانى أو مجوسى نصف صاع من بر" ورد عليهم الجمهور برفض هذا الحديث ، حيث لم يذكره أصحاب الدواوين وجامعو السنن . وقد يقال : إن زكاة الفطر إن لم تكن طهرة للصائم من اللغو والرفث -والكافر لم يصم -فهى طعمة للمساكين كما نص عليه حديث أبى داود، فتخرج عمن لم يصم كأصحاب الأعذار ومنهم الكفار كالزوجة والعبد ، ويرد عليه بأن المسلم إذا لم يصم - ولو بغير عذر - مكلف بأمرين ، الصيام والزكاة ، فإذا قصر فى أحدهما طولب بالآخر .
فالخلاصة أن الزكاة عن الزوجة غير المسلمة غير واجبة على رأى الجمهور، وواجبة عند أبى حنيفة وأصحابه "كفاية الأخبار ج 1 ص 173 "(9/232)
دفع الزكاة لتارك الصلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دفع الزكاة إلى مسلم بالغ عاقل لكنه تارك للصلاة ؟
An وجه هذا السؤال وذكرت إجابته فى فتاوى الإمام النووى عن المسألة " 104 " فقال : إن كان بالغا تاركا للصلاة واستمر على ذلك إلى حين دفع الزكاة لم يجز دفعها إليه ، لأنه محجور عليه بالسفه فلا يصح قبضه ، ولكن يجوز دفعها إلى وليه فيقبضها لهذا السفيه وإن كان بلغ مصليا رشيدا ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر القاضى عليه جاز دفعها إليه وصح في قبضه لنفسه كما تصح جميع تصرفاته . انتهى لكن هذا الحكم فيمن ترك الصلاة كسلا وهو معتقد وجوبها عليه ، أما من تركها عمدا جاحدا لوجوبها فهو كافر، والكافر لا يعطى من الزكاة، ومهما يكن من شىء فإن دفع الزكاة للفقير المستقم المواظب على الصلاة والطاعة أولى من دفعها إلى غير المستقيم ، وذلك تشجيعا على الطاعة ، ومقاومة للعصيان(9/233)
زكاة التجارة من السلع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز إخراج زكاة صيدلية الدواء فى صورة أدوية للمستشفيات التى تعالج غير القادرين ؟
An الصيدلية التى تشترى وتبيع الأدوية نشاطها تجارى ، فتجب فيها الزكاة آخر الحول بمقدار ربع العشر، وجمهور العلماء يقول : تُقوَّم الأدوية والسلع التي هى موضع التجارة وتخرج الزكاة من القيمة وليس من عين السلع ، للخبر المشهور عن عمر وهو يفرض الزكاة على تاجر الجلود بأن يقومها ويخرج من ثمنها ، وعلى رأيهم لا يجوز إخراج الزكاة من الأدوية والسلع نفسها ، فقد يكون الفقير غير محتاج إلى السلعة .
وعند أبي حنيفة والشافعى فى أحد قوليه جواز إخراج الزكاة من عين السلع التى يتاجر فيها ، ولا مانع من الأخذ بهذا الرأى ، والأولى اعتبار ما فيه مصلحة المحتاج من نقود أو دواء كما أشار إليه ابن تيمية فى فتاويه .
وإذا كنا نعتبر المستشفيات من سهم "سبيل الله " المنصوص عليه فى آية {إنما الصدقات .. . } فإن العلماء قالوا : لابد أن تصرف الزكاة للمسلمين ، فإذا كان هناك مريض مسلم أو جماعة مرضى منهم يعالجون فى مستشفى علاجا تلزمه أدوية خاصة لا طاقة لهم بشرائها، كان صرف الأدوية لهم قد وقع موقعا صحيحا من الزكاة(9/234)
زكاة الماس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عرفنا أن الذهب والفضة فيهما زكاة، فهل الماس والأحجار الكريمة فيها زكاة أيضا؟
An روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المعدن جبار ، وفى الرِكاز الخمس " الركاز هو المدفون من كنوز الجاهلية ولا يحتاج العثور عليه إلى نفقة وكبير عمل ، كالذهب والفضة والحديد والياقوت والماس والزبرجد ، والواجب على من وجده أن يخرج عنه زكاة ، ومقدارها الخُمس ، وهو قول جمهور الفقهاء . وهناك قول للشافعى أن الخمس لا يجب إلا فى الذهب والفضة فقط .
أما المعدن فهو كل ما استخرج من الأرض مما له قيمة ببذل جهد كبير وإنفاق مال . ومعنى "جُبار" فى الحديث أن من استأجر شخصا ليحفر له حتى يستخرج المعدن فسقط عليه شىء منه فلا دية له .
والمعدن لا زكاة فيه عند بعض الفقهاء ، لأنه استخرج بجهد بدنى ومالى، وقال أحمد بن حنبل ، كل ما استخرج من الأرض ففيه زكاة إذا بلغ نصابا بنفسه أو بقيمته وجعل منه الياقوت والزبرجد والنفط والكبريت ، وكذلك منه الماس .
وذهب أبو حنيفة إلى أن الذى تجب فيه الزكاة هو ما يُدقُّ عليه ويتمدد ويذوب بالنار كالذهب والحديد . أما المائع كالنفط والجامد الذى لا يذوب بالنار كالياقوت وكذلك الماس فلا زكاة فيه .
والزكاة فى النوع الأول كالحديد لا يشترط فيها النصاب ، بل تجب فى القليل والكثير عنده . والزكاة الواجبة هى الخمس .
وذهب مالك والشافعى إلى أن الزكاة فى المعدن لا تجب إلا فى الذهب والفضة، فلا تجب فى الماس ولا فى غيره من الأحجار الكريمة والمعادن ، والزكاة الواجبة عند مالك والشافعى وأحمد هى ربع العشر .
هذا، وليس هناك دليل خاص من قرآن أو سنة على وجوب الزكاة فى المعادن والأحجار الكريمة وغيرها مما يستخرج من الأرض بجهد ونفقة، وإنما هى آراء اجتهادية ولذلك اختلفت أقوال الفقهاء فيها، ولا بأس بالأخذ من الآراء بما فيه المصلحة، وللحاكم أن يختار منها ما يحققها ، هذا هو حكم استخراجها ، أما التجارة فيها فهى كسائر التجارات لابد فيها من إخراج الزكاة(9/235)
الزكاة لفك الأسرى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للحاكم أن يجمع أموال الزكاة ويدفعها إلى الأعداء نظير الإفراج عن جنود المسلمين من أسرى الحرب ؟
An كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر بجباية الزكاة ويقوم بتوزيعها فى مصارفها ، وفعل ذلك أبو بكر وعمر من بعده ، ثم رؤى أن يتولى كل إنسان إخراج زكاة أمواله الباطنه وتوزيعها بنفسه على المصارف الثمانية المعروفة ، التى منها "سبيل الله " وسبيل الله وإن كان العلماء السابقون قد قصروه على الجهاد فى سبيل الله لنشر الدين وحماية المقدسات فقد رأى العلماء المحدثون سعة مجاله وتعدد ميادينه تبعا لتطور الظروف ، ليشمل كل خير تعم منفعته المسلمين ، والأمثلة على ذلك كثيرة .
وفداء الأسرى على التفسير القديم والحديث داخل فى سبيل الله لأنه مرتبط بالجهاد الذى يدفع به العدو عن الوطن ، فلا مانع من دفع حصة من الزكاة من أجل ذلك(9/236)
زكاة أوراق النقد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q معلوم أن زكاة النقدين هى فى الذهب والفضة ، فهل فى أوراق النقد زكاة؟
An تحدَّث العلماء عن الأوراق التى تحمل قيمة مالية، وقالوا: إنها سندات دين لحاملها ، وهى ليست ذهبا ولا فضة ولا عروض تجارة ، فهى من قبيل الدين القوى الذى تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول ، والورقة ضامنة لقيمتها عند أى شخص ، فعوملت معاملة النقدين فى وجوب الزكاة ، لجريان التعامل بها ، إلا أنه بمقتضى النص المرقوم عليها وعدم دفع قيمتها نقدا ممن يعطيها وهو المدين اعتبرت حوالة على الغير بقيمتها، فيراعى فى التعامل بها شروط الحوالة وأركانها .
فمن يرى جواز المعاملة بالمعاطاة كالصيغة المخصوصة يوجب فيها الزكاه بشروطها ، وذلك لصحة الحوالة فيها ، وهذا رأى الحنفية والمالكية والحنابلة ، ومن يرى تحتم الصيغة فى الحوالة وأنها ركن فيها وأنه لا تجوز الحوالة بالمعاطاة -كما هو الأصح عند الشافعية- يقول بعدم صحة الحوالة فى الأوراق المالية "البنك نوت "وعلى هذا القول لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قبض قيمتها ذهبا أو فضة وبلغت نصابا وحال عليه الحول .
وقد نشرت فتوى للشيخ محمد بخيت المطيعى فى مجلة الإرشاد - العدد الثامن لسنة 1351 هـ جاء فيها ما يؤدي هذا الكلام ، من أن المعاملة بهذه الأوراق تتخرج على الحوالة بالمعاطاة من غير اشتراط صيغة الحوالة كالبيع ، فهى من الدَّين القوى الذى هو فى حكم العين المقبوضة ، لتمكنه من استبدالها فى أى وقت شاء ، والحوالة بالمعاطاة جائزة عند الأئمة الثلاثة ، ومن هنا تجب فيها الزكاة ، ويجوز أن يدفع ربع العشر من عينها على طريق الحوالة للفقير بما يأخذه "مجلة الإسلام - السنة الثالثة ، العدد الرابع والثلاثون " .
هذا فى الأوراق التى يكتب عليها التعهد بدفع قيمتها ، أما الأوراق التى تكتب عليها القيمة فهى عملة غير ذهبية ولا فضية ولا سند حوالة، والزكاة فى غير النقدين غير واجبة إلا فى مذهب الإمام مالك ، حيث جعلها بمنزلة النقدين . وهو رأى فيه مصلحة للفقير فيرجَّح العمل به(9/237)
زكاة البترول والمعادن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت أن البترول فيه زكاة ومقدارها الخمس، فهل هذا صحيح ؟
An بناء على عموم قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} البقرة:267 وعلى ما رواه الجماعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "والمعدن جُبار وفى الركاز الخمس " تحدث الفقهاء عما يوجد فى باطن الأرض وحصل عليه الإنسان بدون بذل مال أو جهد، وأسموه الركاز وأوجبوا فيه الزكاة بمقدار الخمس ، كما تحدثوا عن المعادن المستخرجة من الأرض بجهد كالذهب والبترول والكبريت ، وأوجبوا فيها الزكاة على خلاف بينهم فى أنواعها ومقدارها ، فقال الشافعى ومالك : لا زكاة إلا فى الذهب والفضة فقط ، وقال أحمد بن حنبل : تجب الزكاة فى كل ما يستخرج من الأرض حتى القار والنفط والكبريت ، وخص أبو حنيفة الزكاة فى الجامد الذى يتمدد أويذوب بالنار كالحديد والذهب ، أما المائع كالقار والنفط فلا زكاة فيه ، وكذلك ما لا يتمدد بالنار أو يذوب كالياقوت وكل ما يسمى بالأحجار الكريمة فلا زكاة فيه .
والقدر الواجب فى المعدن عند مالك والشافعى وأحمد هو ربع العشر عند العثور عليه ، دون اشتراط لحولان الحول . أما عند أبى حنيفة فهو الخمس ، قلَّ أو كثر .
ثم إن جمهور العلماء على أن الخمس إذا وجب فى الركاز فهو على كل من وجده ، سواء أكان مسلما أم غير مسلم ، وقصره الشافعى على من توفرت فيه شروط الزكاة ويصرف فى الوجوه التى تصرف فيها الزكاة ، لكن الجمهور جعله كالفىء ، مستندا فى ذلك إلى أثر عن عمر رضى الله عنه .
بعد ذلك يمكن أن يقال : إن فى البترول زكاة على رأى أحمد بن حنبل ، ولا زكاة فيه عند بقية الأئمة . ولو كان تشريع الزكاة معمولا به كبقية القوانين جاز لأولى الأمر أن يفرضوا عليه زكاة وبخاصة إذا كان له تأثير فعال فى الاقتصاد القومى .
وإذا كان الذى يملك البترول هم المسئولون أى إنه ملك للدولة فهل تجب الزكاة فيه ؟ إن ما شرع بخصوص الركاز والمعادن هو بالنسبة إلى الأفراد والشركات المستقلة ، أما إذا كانت الدولة هى التى تملك البترول ، فهو مالها الذى هو مال الشعب كله يُنفَق فى مصالحه ، ولا معنى لفرض زكاة عليه فالزكاة من أجل الأصناف والمجالات التى تحتاج إليها ، والمملوك للدولة داخل ضمن الميزانية العامة كمورد من الموارد التى تصب فى بيت المال أو خزانة الدولة يترك لولى الأمر التصرف فيه بما يحقق المصلحة المشروعة(9/238)
المؤلفة قلوبهم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جعل الله من مصارف الزكاة المؤلفة قلوبهم ، فما هى مواصفاتهم ، وهل يوجد أحد منهم الآن ؟
An قال الله تعالى : {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله} التوبة : 60 .
المؤلفة قلوبهم منهم مسلمون ومنهم كافرون، والمسلمون أقسام أربعة :
القسم الأول - قوم من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، إذا أعطيناهم من الزكاة يُرجى إسلام نظرائهم ، كعدى بن حاتم والزبرقان ابن بدر حيث أعطاهما أبو بكر مع حسن إسلامهما .
القسم الثانى- زعماء ضعفاء الإيمان لكنهم مطاعون فى أقوامهم ، ويرجى بإعطائهم من الزكاة تثبيت الإيمان فى قلوبهم ، كمن أعطاهم النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين ، وهم مسلمة الفتح ، أى الذين دخلوا فى الإسلام حديثا عند فتح مكة التى كانت غزوة حنين عقب الفتح قبل أن يعود النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
القسم الثالث - قوم من المسلمين يخشى أن يستميلهم العدو لمصلحته ، وهم العملاء الذين ينشطون حين يرون الفائدة ميسرة لهم .
القسم الرابع - قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجباية الزكاة ، لأنهم ذوو نفوذ فى أقوامهم ، لا تجبى إلا بسلطانهم أو بقتالهم ، فيرتكب أخف الضررين ويعطون شيئا من الزكاة بدل أن تضيع كلها .
أما الكافرون من المؤلفة قلوبهم فهم قسمان :
القسم الأول : من يرجى إيمانه ، كصفوان بن أمية الذى أعطاه الرسول من غنائم حُنين .
القسم الثانى : من يخشى شره فيعطى من الزكاة ليكف شره عن المسلمين كأبى سفيان ، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس .
ويقال : إن هؤلا أسلموا فى فتح مكة قبل أن يعطيهم النبى صلى الله عليه وسلم من حنين ، فهم داخلون فى القسم الثانى من المسلمين .
والإمام الشافعى قال : لا تعطى الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم إلا إذا كانوا مسلمين ، فلا تعطى لكافر، وأما الفاسق فلا مانع من إعطائه .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بانتشار الإسلام ، كما فعل عمر رضى الله عنه ، فلا تعطى الزكاة لأحد منهم ، مسلما كان أوكافرا .
والمختار الآن عدم إعطاء الكفار من هذا السهم لدفع شرهم ، وإن جاز إعطاؤهم من سهم "سبيل الله" لأنه جهاد ، والجهاد وسائله كثيرة ، منها المال . ويمكن الرجوع إلى تفسير المنار لمن يريد مزيدا من التوضيح ، وكذلك إلى " المغنى لابن قدامة" باب الزكاة(9/239)
الزكاة للزوج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q زوجى مريض ويحتاج إلى علاج لا يملك نفقته فهل يجوز أن أساعده على العلاج من زكاة مالى ؟
An سبق فى صفحة 616 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى حديث البخارى أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: يا نبى الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندى حُلى ، فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم ، فقال صلى الله عليه وسلم "صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " .
فإعطاء الزكاة للزوج جائز عند الشافعى، وأبى يوسف ومحمد صاحبى أبى حنيفة ، وعند أحمد بن حنبل فى رواية . أما أبو حنيفة فذهب إلى أنه لا يجوز للزوجة أن تدفع لزوجها من زكاتها ، وحمل حديث زينب على صدقة التطوع لا على الزكاة المفروضة ، ومالك قال : إن كان الزوج يستعين بزكاة امرأته على نفقتها فلا يجوز، أما إن كان يستعين بها على غير الإِنفاق عليها فيجوز .
ومن هنا نقول لصاحبة السؤال : ما دام زوجك يحتاج إلى نفقة لعلاج نفسه فيجوز أن يأخذ من زكاتك عند الأئمة الثلاثة(9/240)
عذاب مانع الزكاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا خص الله الجنب والجبهة والظهر بالكى فى قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم . يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم }؟
An هاتان الآيتان من سورة التوبة : 34، 35 وقال القرطبى فى التفسير : الكى فى الوجه أشهر وأشنع ، وفى الجنب والظهر آلم وأوجع . فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء .
وقال علماء التصوف : لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم ، ولما طووا كشحا من الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم والكشح هو الجنب ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها كويت ظهورهم .
وقال علماء الظاهر -أى غير الصوفية- : إنما خص هذه الأعضاء لأن الغنى إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه ، وإذا سأله طوى كشحه ، وإذا زاده فى السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره ، فرتب اللّه العقوبة على حال المعصية .
هذه آراء اجتهادية لا مانع من قبولها فى تفسير هذه الآية، وفى عذاب مانعى الزكاة نصوص كثيرة فى القرآن والسنة يسهل الرجوع إليها(9/241)
زكاة التجارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف تُقَّوَّم السلع التجارية عند إخراج زكاتها، هل تقوَّم بثمنها عند الشراء، أو بقيمتها عند انتهاء الحول ؟
An إن الزكاة ركن من أهم الأركان التى بنى عليها الإسلام وهى واجبة فى كل ما فيه نماء من النقد والثروة الحيوانية والثروة الزراعية، والتجارة إحدى وسائل التنمية ، لأنها تقليب للمال بالمعاوضة لغرض الربح ، ويكاد الإجماع يكون منعقدا على وجوب الزكاة فيها ، والدليل على وجوبها قبل الإجماع مع القياس على الثروات النامية، ما رواه أبو داود والبيهقى عن سمرة بن جندب قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذى نُعِدُّه للبيع ، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطنى والبيهقى عن أبى ذر " فى الإبل صدقتها ، وفى الغنم صدقتها ، وفى البز صدقته " والبز الثياب المعدة للبيع ، وكذلك ما رواه الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى وعبد الرزاق عن أبى عمرو عن أبيه قال : كنت أبيع الأدم - أى الجلود - والجعاب - أى أوعية السهام - والجفان - أى أوعية الطعام - فمرَّ بى عمر بن الخطاب ، فقال : أدِّ صدقة مالك ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنما هو الأدم ، قال : قومه ثم أخرج صدقته . يقول صاحب المغنى : وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر، فيكون إجماعا .
وقول عمر عن الأدم : قوِّمه ، يدل على أن زكاة التجارة ليست فى عين السلع والعروض ، وإنما فى قيمتها ، وعلى ذلك عند إخراج زكاة التجارة تقوَّم السلع وتخرج الزكاة من قيمتها ، وهى ربع العشر ، اثنان و نصف فى المائة وتقويم السلعة لا يكون بالسعر الذى اشتريت به ، وإنما بالسعر الذى يكون عند انتهاء الحول ، وهو وقت وجوب الزكاة، ولا عبرة بالنقص أو الزيادة عن ثمنها الأصلى .
ولا تجب زكاة التجارة إلا بعد مرور الحول ، وبعد أن تبلغ قيمتها نصابا، وهو ما يستوى ثمن خمسة وثمانين جراما من الذهب تقريبا ، وهو نصاب الذهب ، على أن يضم إليها الربح الذى حققته التجارة أثناء الحول ، وبقى متداولاً حتى آخر الحول ، وتخصم الديون التى عليه ، أما التى له عند الغير، فلا تزكىَّ إلا عند قبضها، على ما يراه الإمام مالك رضى الله عنه ، وذلك عن سنة ، وفى ذلك تيسير على من يبيعون بالأجل ، مع النصيحة بالرحمة والقناعة .
هذا ، وندعو للتجار الحريصين على إخراج الزكاة ، بالبركة والنماء ، ونذكرهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذى وحسنه " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"(9/242)
زكاة الخضر والفواكه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى كيفية إخراج الزكاة عن القصب والموز والطماطم ؟
An أوجب الله سبحانه وتعالى الزكاة على الثروة الزراعية بقوله تعالى : { وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } الأنعام :
141 وبقوله : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} البقرة : 267 .
وقد اختلفت أراء الفقهاء الأربعة أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد فى الأصناف التى تجب فيها الزكاة ، فأوجبها أبو حنيفة فى كل ما تنبته الأرض ما دام قد قصد بزراعته استغلالها :
ولم يستثن من ذلك إلا أنواعا قليلة كالحطب والشجر الذى لا ثمر له . وعلى رأيه تجب الزكاة فيما ذكر فى السؤال ، وهو القصب والموز والطماطم ، أما صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: ما يبقى سنة بلا علاج كبير فيه زكاة، وما لا يبقى سنة كالبطيخ والخيار فلا زكاة فيه .
والإمام مالك حصر الزكاة فيما يبقى وييبس ويستنبته الآدميون ، ولم يوجب الزكاة فى الخضراوات والفواكه الطرية كالتين والرمان والموز، وقال الشافعى كقول مالك فى عدم الزكاة فى هذه الأصناف وأحمد بن حنبل لا يوجب الزكاة فيما لا يبقى ولا ييبس ، فلا زكاة فى الخضر والفواكه الطرية .
بعد عرض هذه الأقوال نرى أن جمهور الفقهاء لا يوجبون الزكاة فى القصب والموز و الطماطم ، وأوجبها أبو حنيفة بناء على عموم قوله تعالى فى الآية السابقة { ومما أخرجنا لكم من الأرض} وعموم الحديث الذى رواه البخارى " فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " واستند الجمهور إلى أحاديث وآثار تحصر الزكاة فى أصناف معينة مما يقتات ويدخر .
وإذا كانت زراعة الخضراوات والفواكه الأخرى غير التمر والزبيب قد كثرت وصارت تدرُّ ربحا كبيرا، فهل من سلطة ولى الأمر أن يفرض فيها الزكاة مراعاة للصالح العام ؟ إن وعاء الزكاة على النحو المذكور موضع اجتهاد من الفقهاء ، وللفرد أن يختار منها ما يشاء ، لكن لو رأى ولى الأمر اختيار مذهب أبى حنيفة فى جمع الزكاة من الخضراوات وسائر الفواكه وسائر الزروع ، مراعاة للمصلحة العامة، جاز له ذلك وعلينا أن نطيع أمره فهو ليس فى معصية، وهو يحقق المصلحة التى يراها الخبراء والمختصون على أساس من الشورى واستهداف الخير العام(9/243)
الزكاة لمن لا يستحق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مر بى سائل فظننت أنه محتاج فدفعت له قسطا من زكاتى ، ثم ظهر بعد ذلك أنه من المحترفين الذين يملكون مالا كثيرا لا يستحقون معه الزكاة فهل زكاتى عليه صحيحة؟
An سبق القول بالتحرى لدفع الصدقة ، كأية عبادة يؤديها الإنسان لابد أن تكون كما قرر الشرع فى حجمها وكيفيتها ووقتها وغير ذلك وقلنا : إن حسن الظن بطالب الصدقة يشفع فى قبولها عند الله لو ظهر خلاف الظن ، وأوردنا فى ذلك حديث البخارى الذى أخذ فيه معن ابن الصحابى "يزيد " صدقة أبيه وكان ينوى إعطاءها لغيره : وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن " وحديث الصحيحين فيمن ظهر أن صدقته وقعت فى يد سارق ويد زانية ويد غنى، وأن الله تقبلها .
وإذا حمل ذلك على صدقة التطوع وهى النافلة فهل يصدق على الزكاة الواجبة إذا ظهر أنها وقعت فى غير موقعها؟ جاء فى المغنى لابن قدامة "ج 2 ص 528" قوله وإذا أعطى من يظنه فقيرا فكان غنيا فعن أحمد فيه روايتان ، إحداهما يجزئه وذكر أنه مذهب أبى حنيفة ، واستشهد بحديث رواه النسائى وأبو داود : أن رجلين طلبا من النبى صلى الله عليه وسلم صدقة مما كان يوزعه فى حجة الوداع فراهما قويين ، فقال لهما "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ لغنى ولا لقوى مكتسب " قال الخطابى : هذا الحديث أصل فى أن من لم يُعْلَم له مال فأمر محمول على العدم ، كما استشهد بحديث الصحيحين فى الرجل الذى تصدق فظهر أن المتصدَّق عليه غنى ، وتحدث الناس بذلك ، وأن الرسول أخبره أن صدقته قبلت . لعل الغنى يعتبر، والرواية الثانية لأحمد أنها لا تجزى ، وهو قول أبى يوسف . وأما الشافعى فله قولان كالروايتين الواردتين عن أحمد . وذكر ابن قدامة تعليلا للرواية بالجواز أن الفقر والغنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته . قال الله تعالى{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم } البقرة: 273 ، فاكتفى بظهور الفقر ودعواه .
وأقول للسائل : زكاتك وقعت موقعها على رأى أبى حنيفة واحد قولين لأحمد والشافعى(9/244)
الزكاة للغارمين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل تكاثرت عليه الديون ولا يستطع الوفاء بها فهل يمكن أن نعطيه من الزكاة ليسد ديونه ؟
An يقول الله تعالى فيمن تعطى لهم الزكاة "والغارمين " والغارمون هم الذين ركبهم الدين ولا يملكون وفاء به كما ذكره القرطبى فى تفسيره ، وجاء فى المغنى لابن قدامة أن الغارمين وهم المدينون ضربان ، ضرب غرم لغيره كإصلاح ذات البين ، وضرب غرم لنفسه لإصلاح حاله فى شىء مباح "ج 2 ص 699" والشرط فى استحقاق الغارم الزكاة ألا يكون دينه فى سفاهة أو محرم . فإن تاب أخذ منها . ويقول القرطبى : إن الغارم يعطى من الزكاة من له مال وعليه دين محيط به -ما يقض به دينه -فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير فيعطى بالوصفين ، كونه غارما وكونه فقيرا .
وقد صح فى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رجلا أصيب فى ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تصدقوا عليه " فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال عليه الصلاة والسلام لغرمائه - أصحاب الديون - " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " . وروى مسلم حديثا عن قبيصة بن مخارق بين فيه النبى صلى الله عليه وسلم من تحل لهم المسألة ويطيب لهم ما يأخذونه ، وهم ثلاثة :
( أ ) رجل تحمَّل حمالة ، أى دفع دية القتيل حتى لا يقتل القاتل ، فيعطى من الزكاة مقدار الدية فقط ويمسك عن المسألة . (ب ) رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله ، فيعطى حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش . (ج ) رجل أصابته فاقة أى فقر وشهد ثلاثة من العقلاء على فقره ، فيعطى حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش . وجاء فى رواية"إن المسألة تحل لأحد ثلاثة : ذى فقر مدقع - شديد أفض به إلى الدعقاء أى التراب - أو لذى غرم مفظع - شديد شنيع - أو لذى دم موجع لا أى تحمل الدية عن القاتل حتى لا يقتل .
وجاء فى فقه المذاهب الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية أن الحنفية قالوا : الغارم هو الذى عليه دين ولا يملك نصابا كاملا بعد دينه ، وأن المالكية قالوا : إنه المدين الذى لا يملك ما يوفى به دينه بشرط ألا يكون دينه فى فساد ، ويعطى إن تاب ، وأن يكون الدين لآدمى وليس لله كالكفارة . وأن الشافعية قالوا : الغارم هو المدين وأقسامه ثلاثة :
1- مدين للإصلاح بين المتخاصمين .
2 - من استدان لمصلحة نفسه فى مباح أو غير مباح بشرط التوبة .
3 - مدين بسبب ضمان لغيره وكان معسرا هو والمضمون .
ومهما يكن من شىء فإن المدين لنفسه أو لغيره وكان الدين بسبب مباح يعطى من الزكاة بمقدار دينه ، ومن استدان لمعاص أو لهو لا يعطى إلا إذا تاب . والقرطبى تحدث عن دين المتوفى هل يقضى من الزكاة أو لا ، فقال : إن أبا حنيفة منعه ، فالغارم من عليه دين يسجن فيه . والمالكية وغيرهم جعلوا الميت من الغارمين فيقضى دينه من الزكاة ، وكما قلنا أكثر من مرة : إن الأمور الخلافية لا يجوز فيها التعصب ، وللإنسان أن يختار ما فيه المصلحة(9/245)
تقدير الزكاة بالمعايير الحديثة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نقرا فى كتب الفقه أن الزكاة يقدر نصابها بالمكاييل والأوزان القديمة فهل يمكن أن نعرف ذلك بالمعايير الحديثة ؟
An فى حديث رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال {ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا فى أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة ، ولا فى أقل من خمس أواق من الورق صدقة" والذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر. وفى حديث رواه البخارى وغيره أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير . الأوسق جمع وسق ، الوسق ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمد رطل وثلث -بالرطل العراقى- وهو 130 درهما ، فيكون المد 174 درهما ، ويكون الصاع بالدراهم 696 درهما .
والصاع يقدر بالكيلو جرام هكذا : الصاع يساوى 696 درهما ، والكيلو جرام يساوى 324 درهما ، وبقسمة دراهم الصاع وهو 696 على دراهم الكيلو جرام ، وهى 324 يساوى الصاع اثنين من الكيلو جرامات ، 48 درهما . أى أربع أوقيات .
والوسق ستون صاعا فى 2 من الكيلو جرامات وأربع أوقيات فيكون الوسق 129 كيلو جرامًا تقريبًا ، والنصاب وهو خمسة أوسق يضرب فى 129 كيلو جراما فيكون 645 كيلو جراما ، وهذا هو الذى عليه العمل الآن بمصر بالنسبة لغالب الحبوب كالقمح وتقدير النصاب بالكيل المصرى هو خمسون كيلة ، أى أربعة أرادب وكيلتان .
وبالنسبة للنقود المعبر عنها فى الحديث بالورق أى الفضة ، وهى تقدر بالدراهم ، فالنصاب خمس أواق والأوقية أربعون درهما ، كما ثبت فى كتب السنة فيكون النصاب مائتى درهم ، أى حوالى ستمائة جرام ، وجاء فى بعض التقديرات أنه ستمائة وأربعة وعشرون جراما .
هذا فى نصاب الفضة ، أما نصاب الذهب فهو عشرون مثقالا، يساوى بالجرامات حوالى خمسة وثمانين جراما . وهذا التقدير تقريبى ، وذلك لكثرة الاختلاف بين الأوزان فى البلاد وعلى توالى العصور، وقد جاء فى بعض التقديرات أنه سبعة وثمانون جراما .
والفروق البسيطة فى الوزن أو الكيل ينبغى أن يؤخذ فيها بالأحوط .
ليطمئن الإنسان على إبراء ذمته من هذه الحقوق التى كثر الوعيد فى عدم الوفاء بها(9/246)
زكاة الفطر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q متى شرعت زكاة الفطر وما مقدارها، وما هى حكمة مشروعيتها وهل تجب على من لم يصم رمضان ؟
An شرعت زكاة الفطر فى السنة الثانية من الهجرة مع فرض صيام رمضان ، فقد روى البخارى وغيره عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين . كما روى أبو داود وابن ماجه أن ابن عباس رضى الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات .
تقدم فى المجلد الثالث من هذه الفتاوى "ص 309" بيان موعد إخراج زكاة الفطر ويبين الحديث الأول مقدار هذه الزكاة وهو صاع من غالب قوت البلد، وكان الغالب فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة هو التمر والشعير، وأئمة الفقه على إخراجها عينًا ، لكن أبا حنيفة رأى جواز إخراج القيمة، وهى تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن ، وتقدم فى المجلد الثانى من هذه الفتاوى "ص 123 " الكلام عن إخراج القيمة بدل العين فى الزكاة .
والمقدار هو نصف صاع من القمح عن كل فرد عند أبى حنيفة . أما من الأصناف الأخرى فصاع كامل ، وهو قدحان وثلث القدح ، وعند الشافعية صاع من أى صنف من الأقوات وهو قدحان ، وعند المالكية صاع أيضا، لكن مقداره عندهم قدح وثلث القدح بالكيل المصرى، فتكفى الكيلة عن ستة أشخاص ، ورأى الجمهور فى كونها صاعا من أى قوت أقوى من رأى أبى حنيفة فى المفاضلة بين القمح وغيره ، فإن معاوية هو الذى قال عند قدومه من الشام إلى الحجاز :
إنى أرى أن مُدَّين من سمراء الشام -أى القمح -تعدل - صاعا من تمر، فأخذ بعض الناس برأيه ، لكن الأكثرين بقوا على ما كان عليه أيام النبى صلى الله عليه وسلم رواه الجماعة عن أبى سعد الخدرى ، ولا مانع من الأخذ برأى أبى حنيفة فى إخراج القيمة مع مراعاة عدم التقيد بالسعر الرسمى، فإن الفقير ربما لا يستطيع أن يحصل على القوت بهذا السعر، فيؤخذ بالسعر العادى الجارى بين عامة الناس ، وكلما زاد عليه كان أفضل ، هذا ، والصاع يساوى اثنين من الكيلو جرامات ، 48 درهما ، أى أربع أوقيات .
وبالنسبة لحكمة مشروعية هذه الزكاة قد أشار إليها الحديث الثانى ، فهى تتمثل فى فائدتين ، فائدة تعود على المزكى وفائدة تعود على من يأخذون الزكاة .
أما الأولى : فهى تطهير الصائم مما عساه يكون قد وقع فيه مما يتنافى مع حكمة الصوم وأدبه ، كالسباب والنظر المحرم والغيبة والتمتع بما دون الاتصال الجنسى حتى من زوجته كاللمس والقبلة ، وقليل من الناس من يسلم له صومه من كل المآخذ ، فتكون زكاة الفطر بمثابة جبر لهذا النقص ، أو تكفير له إلى جانب المكفرات الأخرى من الاستغفار والذكر والصلاة وغيرها .
وهى فى الوقت نفسه برهان على أنه استفاد من دروس الجوع والعطش رحمة بمن يعانون منهما من الفقراء والمساكين ، فقد قاسى كما يقاسون ، وهنا لا يجوز له أن يقسو قلبه وتجمد عاطفته عندما يرى غيره ممن لا يجد ما يسد به جوعته أو يطفئ ظمأه ، يسأله شيئا من فضل الله عليه . وكأن هذه الزكاة ، وهى رمز متواضع ، بمثابة الرسم المفروض على الصائم ليتسلم جائزة التقدير من الله يوم العيد، كما جاء فى حديث ابن عباس بسند مقبول فى مثل هذه المواطن ، حيث يشهد الله تعالى ملائكته على رضاه ومغفرته لعباده جزاء صيام رمضان وقيام لياليه .
ومن قسا قلبه ولم يخرجها، على الرغم من يسرها، دل على أنه لم يستفد من دروس الصيام رحمة، وكان صيامه صياما شكليا قد يكون مرغما عليه حياء، لا من الله ولكن من الناس ، فهو عمل مرفوض مردود عليه ، وذلك ما يشير إليه الحديث الذى رواه أبو حفص بن شاهين فى فضائل رمضان وقال : إنه حديث جيد الإسناد "صوم شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر " وأما الفائدة الثانية لزكاة الفطر فهى للمحتاجين إلى المعونة ، وبخاصة فى يوم العيد ، كى يشعروا بالفرح والسرور كما يفرح غيرهم من الناس ، ولذلك كان من الأوقات المتخيرة لإخراج زكاة الفطر صبيحة يوم العيد وقبل الاجتماع للصلاة، حتى يستقبل الجميع يومهم مسرورين ، ولا يحتاج الفقراء إلى التطواف على أبواب الأغنياء ليعطوهم ما يشعرهم ببهجة هذا اليوم ، وقد جاء ذلك فى حديث رواه البيهقى والدارقطنى " أغنوهم عن طواف هذا اليوم " ولهذه الفائدة التى تتصل بإشاعة الفرح والسرور والتخفيف عن البائسين كانت الزكاة مفروضة حتى على من لم يصم شهر رمضان لعذر أو لغير عذر، فإن كان قد قصَّر فى واجب فلا يجوز أن يقصر فى واجب آخر، وإن كان قد حرم من الفائدة الخاصة للصيام فلا يجوز أن يؤثر ذلك على واجبه الاجتماعى(9/247)
المذاكرة والامتحان فى رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للطالب أن يفطر فى رمضان للمساعدة فى المذاكرة وفى الامتحان ؟
An قال تعالى فى أعذار الفطر فى رمضان : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة : 185 ، والمرض الذى يبيح الفطر هو الذى يطرأ أو يزداد بالصيام أو يحول دون الشفاء أو يترتب عليه ضرر آخر، ومثل المريض من يقوم بعمل شاق هو مورد رزقه الوحيد لا يستطيع الصوم معه ، كالخباز الواقف أمام الفرن والحر شديد ، وعمله بالنهار وقت الصيام . على أن يكون المرض أو التعب واقعا بالفعل لا متوهما ولا متوقعا والطالب الذى يذاكر لا تتحتم مذاكرته بالنهار، وعليه أن ينسق بين واجباته وبين الوقت المناسب ، فله أن يجعل مذاكرته بالليل إذا كان النهار في رمضان طويلا وحارا ، ولا يجوز له الفطر لمجرد اختياره أن تكون مذاكرته بالنهار، وكل ذلك إذا ترتب على الصيام ضعف شديد في الجسم أو التفكير، أما إذا لم يكن ذلك فلا يجوز التفكير في الفطر .
وإذا كان الامتحان يعقد بالنهار وفى وقت الحر الشديد - قبيل الظهر إلى قبيل المغرب - ولو أصبح صائما أحس بالجوع أو أحس بالعطش الشديد الذى يؤثر على تفكيره فله الفطر عند الإحساس بالتعب ، بمعنى أن ينوى الصيام ليلا ويتناول سحوره ويستريح أو يذاكر، فإذا دخل الامتحان في الوقت المذكور ولم يحس تعبا فلا يجوز له الفطر أما إذا أحس بالتعب فيفطر عند الإحساس به ، أما ألا ينوى الصيام ولا يتسحر ويصبح مفطرا ليستعد للامتحان فى فترة الحر فذلك لا يجوز مطلقا فالتعب المتوقع متوهم غير واقع بالفعل .
وكذلك لو كان الامتحان فى الساعات الأولى من النهار حيث الجو يكون مناسبا ولا يوجد إحساس بالجوع أو العطش أو كان الامتحان فى وقت الشتاء أو اعتدال الجو فلا يجوز أن يصبح مفطرا ، أى لا بد أن ينوى الصيام ليلا ويتسحر ويبدأ الصيام ويدخل الامتحان صائما حيث لا يكون تعب .
وأقول لمن يذاكر ويدخل الامتحان عليك بتقوى الله واحرص على طاعته { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا } الطلاق : 4(9/248)
صوم الجنب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q طلع الفجر علىّ فى رمضان وأنا فى جنابة، ولم اغتسل إلا بعد ساعة. فهل صومى صحيح ؟
An الجنابة إما حيض ونفاس ، وهى خاصة بالنساء ، وإما بالاتصال الجنسى أو نزول المنى فى اليقظة أو النوم بالاحتلام . وهى مشتركة بين الرجال والنساء .
فإذا طلع الفجر والحيض أو النفاس موجود حرم الصيام ، ولو صامت المرأة فالصوم باطل مع الإثم ، لكن لو انقطع الدم قبل الفجر انقطاعا تاما ولم تغتسل إلا بعد الفجر فالصوم صحيح . وذلك كالجنابة بشىء آخر غير الحيض والنفاس . فالصوم صحيح مع عدم الاغتسال ، والاغتسال شرط للصلاة ولأمور أخرى وليس للصيام ، فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم .كان يصبح جنبا وهو صائم ، يعنى يطلع الفجر وهو لم يغتسل بعد، ثم يغتسل بسرعة ليصلى الصبح جماعة مع الناس وذلك فيما رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها(9/249)
خطأ الظن فى عدم طلوع الفجر وغروب الشمس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q صحوت من النوم فظننت أن الفجر لم يطلع ، فأكلت وشربت ، ثم تبين أن النهار قد طلع فهل يصح صومى ؟
An ذكر ابن قدامة فى كتابه " المغنى " أن من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب -أن عليه القضاء ، وذلك مع وجوب الإِمساك على من أكل ظانا عدم طلوع الفجر ، وقال ابن قدامة : إن هذا الحكم هو قول أكثر أهل العلم ، ثم حكى عن بعض التابعين أنه لا قضاء عليه ، وذكر فى ذلك أثرا عن عمر رضى اللّه عنه ، ولكن الرأىَ الأول هو المعول عليه ، وذلك لحديث البخارى أنهم أمروا بقضاء يوم أفطروا فيه لوجود غيم ثم طلعت الشمس. هذا فى الظن - وهو إدراك الطرف الراجح - أما الشك وهو إدراك الطرفين على السواء ، والطرفان هما طلوع الفجر وعدم طلوعه ، فقد قال فيه ابن قدامة أيضا : وإن أكل شاكًّا فى طلوع الفجر ولم يتبين الأمر فليس عليه قضاء ، لأن المدار على تبين طلوع الفجر، قال تعالى {وكلوا واشربو حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} البقرة : 187 ، وقال : إن هذا هو رأى الشافعى وأصحاب الرأى - الحنفية - ولكن مالكا أوجب القضاء ، لأن الأصل بقاء الصوم فى ذمته فلا يسقط بالشك ، وذكر أن الأكل عند الشك فى غروب الشمس ولم يتبين الامر يوجب القضاء . فعلى صاحب السؤال أن يمسك بقية يومه ويقضى هذا اليوم ، وهو الرأى المختار(9/250)
متى يفطر المسافر بالطائرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث إذا كان المسافر بالطائرة صائما أن وقت الغروب يحين حسب توقيت البلد الذى سافر منه ، أو الذى يمر عليه فى الجو ومع ذلك تكون الشمس ما زالت ظاهرة، فهل يفطر وهى ما زالت لم تغرب ، وإذا انتظر غروبها فقد يطول اليوم ويشق عليه دوام الصيام ؟
An قال اللَّه تعالى{ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة : 187 ، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر مع أصحابه فى رمضان ، فلما غربت الشمس طلب من بلال أن يعد طعام الإفطار، فلما أعده شرب منه وقال مشيرا بيده "إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم " أى حل له الفطر .
تدل الآية والحديث على أن الإفطار لا يحل للصائم إلا إذا جاء الليل ، والليل يجىء إذا غربت الشمس . فلو سافر صائم فى طائرة وكانت على ارتفاع شاهق فإن المعروف أن الشمس تغيب عن الأرض قبل غيابها عن ركاب الطائرة ، وذلك بحكم كروية الأرض ، وبهذا لا يجوز له أن يفطر ما دامت الشمس ظاهرة له .
وقد يحدث أن يكون متجها إلى الشرق فيقصر النهار، أو يكون متجها إلى الغرب فيطول النهار، فالعبرة بمغيب الشمس عنه فى أى اتجاه ، ولا عبرة بتوقيت المنطقة التى يمر عليها ، ولا بتوقيت البلد الذى سافر منه .
فإن شق عليه الصيام لطول النهار فله رخصة الإفطار للمشقة ، وإن لم يشق عليه وآثر إتمام الصيام فلا يفطر حتى تغيب الشمس(9/251)
هلال رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q في الحديث " صوموا لرؤيته وافطروا لرويته " هل يجوز أن تفسر الرؤية بالروية العلمية لا البصرية حتى يمكن توحيد أوائل الشهور العربية ؟
An موضوع توحيد بدء الصيام وبالتالي توحيد العيد في البلاد الإسلامية، موضوع ناقشه الفقهاء في القرون الأولى، كما ناقشه علماء مجمع البحوث الإسلامية في السنوات الأخيرة ، وهم جميعًا متفقون على أنه لا تعارض بين الدين والعلم أبدًا ، فالدين نفسه يدعو إلى العلم ، وفي مسألتنا هذه علق الحديث الصوم والإفطار على رؤية الهلال ، فإن لم تكن الروية بالبصر لجأنا إلى العلم ، والإرشاد إلى إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا توجيه لاحترام الحساب الذي هو مظهر من مظاهر العلم ، والراصدون للهلال يستعينون بالمناظر وهي أدوات علمية ، كما يستعينون بمصلحة الأرصاد في أجهزتها وإمكانات الأخرى .
والموضوع له بحث طويل علمي وديني فى الجزء الثاني من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " أكتفى هنا بذكر أن مؤتمر مجمع البحوث الثالث المنعقد سنة 1966 م قرر بشأنه ما يأتي :
1 -أن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري ، كما يدل عليه الحديث الشريف ، فالرؤية هي الأساس ؟ لكن لا يعتمد عليها إذا تمكنت منها التهم تمكنًا قويًّا .
2 -يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة ، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو اثنى إذا لم تتمكن التهمة في إخباره بسبب من الأسباب ، ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يؤثق به .
3-خبر الواحد ملزم له ولمن يثق به ، أما إلزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية عند من خصصته الدولة الإسلامية للنظر في ذلك .
4 -يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا .
5 - يرى المؤتمر أنه لا عبرة باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قل ، ويكون اختلاف المطالع معتبرًا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة .
6 - يهيب المؤتمر بالشعوب والحكومات الإسلامية أن يكون في كل إقليم إسلامى هيئة إسلامية يناط بها إثبات الشهور القمرية مع مراعاة اتصال بعضها ببعض والاتصال بالمراصد والفلكيين الموثوق بهم .
وبناء على هذه القرارات سار العمل في مصر على إعلان مبدأ الصيام ونهايته بعد الاتصال بالدول الأخرى .
هذا وأود أن يتنبه المسلمون إلى أن هناك عوامل أخرى لها أهميتها البالغة وأثرها القوى في وحدة الأمة الإسلامية من أهمها توحيد التشريع والقضاء والنظم الدستورية والاقتصادية و الثقافية على أساس من الدين الذي يدينون به جميعًا ، فإن عدم توحيد هذه الأمور وغيرها هو الذي باعد بين المسلمين وجعلهم نهبًا لغيرهم من الدول ، وجعل رابطتهم مفككة وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقى عنه إذ يقول "ولا نقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب اللَّه إلا جعل بأسهم بينهم "(9/252)
تقييد الشياطين فى رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى بعض الأحاديث أن الشياطين تصفد فى رمضان ، فكيف يتفق هذا مع وقوع جرائم كثيرة فى رمضان من الصائمين وغير الصائمين ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين " وروى ابن خزيمة فى صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين مردة الجن . . . " .
إن الواقع يشهد بأن المعاصى ما تزال ترتكب فى رمضان وغير رمضان ، ومن أجل التوفيق بين الحديث الثابت وبين الواقع المشاهد قال الشراح : إن المراد بتقييد الشياطين فى رمضان عدم تسلطها على من يصومون صوما صحيحا كاملا رُوعيت فيه كل الآداب التى منها عفة اللسان والنظر والجوارح كلها عن المعصية ، استجابة للحديث الذى رواه البخارى : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس للَّه حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " أو المراد بالشياطين التى تصفد المردة والجبابرة منهم كما فى رواية ابن خزيمة، أما غيرهم فلا يقيدون ولذلك تقع من الناس بعض المعاصى ، أو المراد أن الشياطين كلها تُغَلُّ بمعنى يضعف نشاطها ولا تكون بالقوة التى عليها بدون أغلال وقيود ، أو المراد :
أن المعاصى التى تكون بسبب الشياطين تمنع ، ولكن تقع المعاصى التى يكون سببها النفوس الخبيثة الأمارة بالسوء أو العادات القبيحة أو شياطين الإنس ، ومن هنا نرى أن الحديث لا يصطدم مع الواقع عند فهمه فهما صحيحا ، وذلك ما نحب أن نلفت الأنظار إليه فى فهم نصوص الدين حتى لا يكون هناك شك فى الدين أو انحراف فى الفكر أو السلوك(9/253)
شهر رجب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اتخذ كثير من الناس فضل شهر رجب ذريعة للصيام والصلاة وزيارة المقابر وأوردوا فى ذلك أحاديث كثيرة، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك ؟
An الحافظ أحمد بن على بن محمد بن حجر العسقلانى وضع رسالة بعنوان : تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب ، جمع فيها جمهرة الأحاديث الواردة فى فضائل شهر رجب وصيامه والصلاة فيه .
وقسمها إلى ضعيفة وموضوعة .
وذكر له ثمانية عشر اسما ، من أشهرها "الأصم " لعدم سماع قعقعة السلاح فيه لأنه من الأشهر الحرم التى حرم فيها القتال ، و "الأصب " لانصباب الرحمة فيه ، و "منصل الأسنة" كما ذكره البخارى عن أبى رجاء العطاردى قال : كنا نعبد الحجر ، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا الشاء - الشياة- فحلبنا عليه ثم طفنا به ، فإذا دخل شهر رجب قلنا :
منصل الأسنة فلم ندع رمحا فيه حديدة ، ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه .
وفضل رجب داخل فى عموم فضل الأشهر الحرم التى قال الله فيها{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } التوبة : 36، وعينها حديث الصحيحين فى حجة الوداع بأنها ثلاثة سَرْد " أى متتالية "ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وواحد فرد ، وهو رجب "مضر" الذى بين جمادى الآخرة وشعبان ، وليس رجب "ربيعة" وهو رمضان .
ومن عدم الظلم فيه عدم القتال ، وذلك لتأمين الطريق لزائرى، المسجد الحرام ، كما قال تعالى : بعد هذه الآية {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } التوبة : 5، ومن عدم الظلم أيضا عدم معصية الله ، واستنبط بعض العلماء من ذلك -دون دليل مباشر من القرآن والسنة نص عليه - جواز تغليظ الدية على القتل فى الأشهر الحرم بزيادة الثلث .
ومن مظاهر تفضيل الأشهر الحرم -بما فيها رجب -ندب الصيام فيها . كما جاء فى حديث رواه أبو داود عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له - بعد كلام طويل - " صم من الحرم واترك " ثلاث مرات ، وأشار بأصابعه الثلاثة ، حيث ضمها وأرسلها والظاهر أن الإشارة كانت لعدد المرات لا لعدد الأيام . فالعمل الصالح فى شهر رجب كالأشهر الحرم له ثوابه العظيم ، ومنه الصيام يستوى فى ذلك أول يوم مع آخره ، وقد قال ابن حجر: إن شهر رجب لم يرد حديث خاص بفضل الصيام فيه ، لا صحيح ولا حسن .
ومن أشهر الأحاديث الضعيفة فى صيامه "إن فى الجنة نهرا يقال له رجب ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر "وحديث "من صام من رجب يوما كان كصيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلَّقت عنه أبواب الجحيم السبعة ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، ومن صام منه عشرة أيام بدلت سيئاته حسنات " ومنها حديث طويل جاء فى فضل صيام أيام منه ، وفى أثناء الحديث "رجب شهر الله وشعبان شهرى ورمضان شهر أمتى" وقيل إنه موضوع وجاء فى الجامع الكبير للسيوطى أنه من رواية أبى الفتح بن أبى الفوارس فى أماليه عن الحسن مرسلا .
ومن الأحاديث غير المقبولة فى فضل صلاة مخصوصة فيه "من صلى المغرب فى أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة، يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مرة ويسلم فيهن عشر تسليمات حفظه الله فى نفسه وأهله وماله وولده ، وأجير من عذاب القبر، وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب " وهو حديث موضوع ، ومثلها صلاة الرغائب .
وقد عقد ابن حجر فى هذه الرسالة فصلا ذكر فيه أحاديث تتضمن النهى عن صوم رجب كله ، ثم قال : هذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية ، أما إن صامه لقصد الصوم فى الجملة من غير أن يجعله حتما أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها ، أو ليالى معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به . فإن خص ذلك أو جعله حتما فهذا محظور، وهو فى المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام "رواه مسلم . وإن صامه معتقدا أن صيامه أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره ففى هذا نظر، ومال ابن حجر إلى المنع . ونقل عن أبى بكر الطرطوشى فى كتاب "البدع والحوادث " أن صوم رجب يكره على ثلاثة أوجه أحدها أنه إذا خصه المسلمون بالصوم فى كل عام حسب العوام ، إما أنه فرض كشهر رمضان وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقى الشهور، ولو كان من هذا شيء لبينه النبى صلى الله عليه وسلم قال ابن دحية : الصيام عمل بر، لا لفضل صوم شهر رجب فقد كان عمر ينهى عنه . انتهى ما نقل عن ابن حجر .
هذا، وحرص الناس -والنساء بوجه خاص ، على زيارة القبور فى أول جمعة من شهر رجب ليس له أصل من الدين -ولا ثواب لها أكثر من ثواب الزيارة فى غير هذا اليوم .
والأولى فى شهر رجب أن نتذكر الأحداث التاريخية التى وقعت فيه مثل غزوة تبوك لنأخذ منها العبرة ، ونتذكر تخليص صلاح الدين الأيوبى للقدس من أيدى الصليبيين (فى رجب 583هـ 1187 م ) ليتوحد العرب والمسلمون لتطهير المسجد الأقصى من رأس الغاصبين .
كما نتذكر حادث الإسراء والمعراج ونستفيد منه ، على ما ارتضاه المسلمون فى كونه حدث فى شهر رجب(9/254)
صوم يوم عرفة للحجاج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم صوم يوم عرفة ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال "يكفر السنة الماضية والباقية "وروى النسائى بإسناد حسن أن صيامه يعدل صيام سنة، وفى رواية حسنة للطبرانى أنه يعدل صيام سنتين ، وفى راوية حسنة للبيهقى أنه يعدل صيام ألف يوم .
تدل هذه الأحاديث على فضل صيام يوم عرفة ، لكن هذا لغير الواقف بعرفة ، فقد روى أبو داود والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه والطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن صومه .
وإن كان هذا النهى للكراهة لا للتحريم ولذلك اختلف الفقهاء فى حكم صيام هذا اليوم للواقف بعرفة ، فقال الشافعى : يُسَن الفطر فيه ليقوى الحاج على الدعاء ، وقال أحمد : إن قدر الحاج أن يصوم صام .
وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة .
قال الحافظ المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب : اختلفوا فى صوم يوم عرفة بعرفة فقال ابن عمر: لم يصمه النبى صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه وكان مالك والثورى يختاران الفطر، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة ، وروى ذلك عن عثمان بن أبى العاصى، وكان إسحاق يميل إلى الصوم ، وكان عطاء يقول : أصوم فى الشتاء ولا أصوم فى الصيف ، وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء .
رواه أحمد والنسائى وأبو داود والترمذى وصححه .
ومهما يكن من شىء فإن الأولى الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه لم يصم هذا اليوم فى حجة الوداع . روى البخارى ومسلم عن أم الفضل أنهم شكوا فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة . وثبت أنه قال " إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا - أهل الإسلام - وهى أيام أكل وشرب " وثبت عنه أنه نهى عن صيام يوم عرفة بعرفات .
كما رواه أبو داود والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه(9/255)
عاشوراء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن صوم يوم عاشوراء كان مفروضا قبل رمضان ، وما هى حكمة صيامه ، وهل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى بالتوسعة على العيال فيه ؟
An يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم أول شهور التقويم الهجرى-دخل التاريخ من أوسع أبوابه منذ بدء الخليقة كما تحكى الروايات التى لا يصمد أكثرها أمام النقد العلمى عند رجال الحديث .
ويهمنا من هذه الأبواب بابان كان لكل منهما أثره فى-تحول مجرى التاريخ الدينى والتشريعى فى اليهودية والإسلام ، أحدهما يوم أن نجى الله موسى عليه السلام وجماعته الإسرائيليين ، وأغرق فرعون وقومه الظالمين ، وكان يوما فاصلا بين عهدين فى تاريخ اليهود ، عهد ذاقوا فيه العذاب ألوانا حين كانوا تحت حكم فرعون ، كما يذكرهم الله به فى قوله {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم . وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون } .
البقرة : 49 ، 50، وعهد التحرر والاتجاه إلى تأسيس مجتمع مستقل ما لبث أن تقلبت به الأحداث ما بين صعود وهبوط واجتماع وتفرق كما قضى بذلك رب العزة فى كتابه وسجله القرآن الكريم فى أوائل سورة الإسراء {وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} روى البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون عاشوراء فقال لهم " ما هذا الذى تصومونه " فقالوا : هذا يوم عظيم ، نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه ، فصامه وأمر بصيامه حتى جاء فرض صيام رمضان فبقى صيام يوم عاشوراء مندوبا .
وإذا كان الخبر الصحيح يشرع صومه شكرا لله على نجاة موسى، فإن تحديد هذا اليوم وربطه بنجاة آبائهم هو خبر اليهود كما جاء فى كتبهم التى توارثوها ، والثابت فى الصحيحين أيضا عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء قبل هجرته من مكة إلى المدينة اتباعا لقريش فى صيام هذا اليوم فى الجاهلية ، ويعلل عكرمة صيام قريش له بأنهم أذنبوا ذنبا فى الجاهلية فعظم فى صدورهم فقيل لهم :
صوموا عاشوراء يكفر ذلك الذنب ، فهل كان ذلك تقليدا لليهود فى صيام يوم الكفارة "يوم كبور" أو بناء على شرع سابق ؟ والمعروف أن شرعة إبراهيم وإسماعيل التى كانت فى مكة هى أسبق من الشريعة التى جاءت بها توراة موسى الذى نجاه الله من فرعون وقومه . روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه . فلما قدم المدينة صامه ، وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال "من شاء صامه ومن شاء تركه " .
إن الذى يهمنا كمسلمين أن صوم يوم عاشوراء بقى مندوبا كسائر الأيام التى يندب فيها الصيام ، ولم يكن يأبه له أحد من المسلمين بأكثر من أن الصيام فيه له فضله الذى ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم "يكفر السنة الماضية " وجرى الأمر على ذلك فى عهد الخلفاء الراشدين حتى كان يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة، وهو اليوم الذى استشهد فيه الحسين بن على رضى الله عنهما فى كربلاء ، فدخل يوم عاشوراء التاريخ مرة أخرى من باب واسع عمَّق الشعور بالتشيع لآل البيت .
وعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرنا على هذا الحادث فإن آثاره ما زالت باقية تظهر فى الاحتفال بذكراه ، فهو فى إيران والعراق وغيرهما يوم حزن عميق لا داعى لوصف مظاهره ، وهو فى بلاد المغرب وغيرها من البلاد التى تبرر ما صنعه رجال البيت الأموى للاحتفاظ بالسلطان يوم فرح وهدايا وتوسعة وترفيه بالحلوى وكل ما لذَّ وطاب [مجلة العربى التى تصدر بالكويت 1962 ، مجلة الإيمان التى تصدر بالمغرب - محرم وصفر 1384 هـ] .
وفى ظل هذه العواطف ظهرت بدع واخترعت أقاويل وحكايات ، بل وضعت أحاديث على النبى صلى الله عليه وسلم تشجع الأولين على المبالغة فى الأسى والحزن ، وتشجع الآخرين على المبالغة فى الفرح والسرور، ونكتفى بهذا القدر فى بيان استغلال يوم عاشوراء استغلالا سياسيا لنعرف مدى صحة ما يقال إن التوسعة على العيال فى يوم عاشوراء أثر من آثار النزاع بين البيت الأموى والهاشمى فنقول :
جاء فى كتاب شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 8 ص 123 " أن الحديث الذى يقول : "من وسع على عياله فى يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها" رواه الطبرانى والبيهقى وأبو الشيخ ، وقال البيهقى إن أسانيده كلها ضعيفة ، ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض أفاد قوة ، قال العراقى فى أماليه : لحديث أبى هريرة طرق صحح بعضها ابن ناصر الحافظ ، وأورده ابن الجوزى فى الموضوعات .
وذلك لأن سليمان بن أبى عبد الله الراوى عن أبى هريرة مجهول ، لكن جزم الحافظ فى تقريبه بأنه مقبول ، وذكره ابن حبان فى الثقات والحديث حسن على رأيه . قال العراقى : وله طرق عن جابر على شرط مسلم أخرجها ابن عبد البر فى "الاستيعاب " وهى أصح طرقه .
رواه ابن عبد البر والدارقطنى بسند جيد عن عمر رضى الله عنه موقوفا عليه .
قد يقال : إذا كان الصوم شعيرة عاشوراء ، وهو يقوم على الزهد والتقشف فكيف يتفق ذلك مع التوسعة على العيال والأهل ؟ لئن كانت هناك توسعة فلتكن على الفقراء كالبر فى رمضان ، ومهما يكن من شىء فان التوسعة مندوبة وأفضل دينار ينفقه الإنسان بعد نفسه هو على أهله ، وكل ذلك فى حدود الوسع ، ورأى بعض المفكرين أن " العيال " المذكورين فى هذا الحديث هم عيال الله وهم الفقراء ، وهنا تظهر الحكمة فى التوسعة مع الصيام . وجاء فى الزرقانى أيضا أن ما يذكر من فضيلة الاغتسال فيه والخضاب والادهان والاكتحال ونحو ذلك فبدعة ابتدعها قتلة الحسين كما صرح به غير واحد .
هذا ، والأولى الاقتصار على ما جاء فى الحديث من أن صيامه يكفر ذنوب سنة ، كما يسن صيام يوم التاسع أيضا لحديث رواه مسلم عن ابن عباس قال : لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال - "إذا كان العام المقبل -إن شاء الله -صمنا اليوم التاسع " قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى أحمد "خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده " .
وقد ذكر العلماء أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى صوم ثلاثة أيام : التاسع والعاشر والحادى عشر .
والمرتبة الثانية صوم التاسع والعاشر، والمرتبة الثالثة صوم العاشر وحده .
وموضوع صيام عاشوراء مبسوط فى كتاب "زاد المعاد لابن القيم ج ا ص 164 وما بعدها .
هذا، وقد جاء فى الترمذى بإسناد حسن أنه قد يكون هو اليوم الذى تاب فيه على قوم ويتوب على آخرين ، ولكن ليس فى الحديث تعيين لهذا اليوم ولا لهؤلاء الأقوام ، وصح من حديث أبى إسحاق عن الأسود ابن يزيد قال : سألت عبيد بن عمير عن صيام يوم عاشوراء فقال :
المحرم شهر الله الأصم ، فيه يوم تيب فيه على آدم ، فإن استطعت ألا يمر بك إلا وأنت صائم فافعل [تفسير القرطبى ج ا ص 324] وهو حديث غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
وجاء فى مسند أحمد أنه ربما يكون هو اليوم الذى استوت فيه سفينة نوح على الجودى .
ولا أعلم درجة هذا الحديث ،كما جاء فى الكتب حوادث أخرى فى يوم عاشوراء ليس لها سند صحيح ، منها مولد الخليل إبراهيم ومولد موسى ومولد عيسى ، وبردت فيه النار على إبراهيم ، ورفع العذاب عن قوم يونس ، وكشف الضر عن أيوب ، ورد البصر على يعقوب ، وأخرج يوسف من الجب ، ويوم الزينة الذى غلب فيه موسى السحرة .
تتمات .
ا -صيام النبى يوم عاشوراء فى مكة كان كصيام قريش لمتابعتهم فى الخير كمتابعتهم فى الحج ولم يأمر به أصحابه ، وصامه بعد الهجرة لما وجد اليهود يصومونه قال العلماء : إن صيامه فى المدينة كان بوحى أو باستدامة صيامه فى مكة وزاد تأكيده بشكر الله على نجاة موسى . وليس صيامه متابعة لليهود فى شريعتهم ، وقال بعضهم :
إنه اجتهاد من النبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ولعل هذا من باب تأليف قلوبهم كالتوجه إلى بيت المقدس فى الصلاة . وكانت هذه الموافقة فى أول الإسلام ، فلما فتحت مكة وقوى الإسلام خالف أهل الكتاب ، بل أمر بمخالفتهم فى شكل الصيام لا فى أصله ، ودليل ذلك أنه فى أواخر حياته - وكان يصوم عاشوراء استحبابا ويصومه أصحابه -قيل له : إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال - كما رواه مسلم - "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع " فلم يأت العام المقبل حتى توفى .
2 -تكفير الذنوب بصيام عاشوراء المراد بها الذنوب الصغائر، وهى ذنوب سنة ماضية أو آتية إن وقعت من الصائم ، فإن لم تكن صغائر خفف من الكبائر، فإن لم تكن كبائر رفعت الدرجات . أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة النصوح ، وقيل يكفرها الحج المبرور، لعموم الحديث المتفق عليه "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " .
3-قال النووى : اختلف فى حكم صوم عاشوراء فى أول الإسلام حين شرع قبل رمضان ، فقال أبو حنيفة كان واجبا لظواهر الأحاديث ، ولأصحاب الشافعى وجهان : وجه كأبى حنيفة ، والأشهر أنه لم يزل سنة حين شرع ، لكن كان متأكد الاستحباب ، فلما فرض رمضان صار استحبابه أقل من الأول ، ويظهر الخلاف فى النية هل يجب تبييتها أو تمكن قبل الزوال ؟ الله أعلم بما كان عليه الصحابة حينذاك ، ولا أثر له الآن .
هذا ، وقد ثبت فى الصحيحين أن ابن مسعود أفطر يوم عاشوراء ، ولما سئل قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل صوم رمضان ، فلما نزل رمضان تركه ، والتفسير الصحيح لفعل ابن مسعود وقوله أن صوم عاشوراء ترك النبى صلى الله عليه وسلم وجوبه بعد فرض صيام رمضان ، وبقى مستحبا كما تدل عليه الروايات الأخرى ، والموضوع طويل يراجع فى زاد المعاد لابن القيم "ج ا ص 164 "(9/256)
الأكل مع النسيان للصائم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من تناول مفطرا مع النسيان ، هل يبطل صومه ، وماذا يجب عليه ؟
An روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الله رفع عن أمتى الخطأ وما استكرهوا عليه " رجاله ثقات وليست فيه علة قادحة، " فيض القدير" وروى الجماعة إلا النسائى أنه صلى الله عليه وسلم قال "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه " وروى الدارقطنى بإسناد صحيح أنه قال "إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه " .
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا فإن صيامه صحيح وهذا موافق لقوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } البقرة :225، والنسيان ليس من كسب القلوب ، وما دام صومه صحيحا فعليه أن يمسك عن الطعام ويتم صومه .
وهذا واضح فى صيام رمضان تعظيما لحرمة الشهر، أما فى غير أداء رمضان كالنذر المعين أو غير المعين وكصيام الكفارات وقضاء رمضان وصوم التطوع فلا يجب عليه الإمساك بقية اليوم ويجوز له أن يفطر عند الجمهور ولكن الإمام مالكا قال : يجب الإمساك فى النذر المعين ، أما فى غير المعين وباقى الصوم الواجب فإن كان التتابع واجبا فيه كصوم كفارة رمضان وما نذره متتابع فلا يجب الإمساك إذا أفطر عمدا ، لأنه بطل ، ولأنه يجب استئنافه من أوله ، وإن أفطر سهوا فإن كان فى غير اليوم الأول وجب الإمساك ، وإن كان فى اليوم الأول ندب الإمساك ولا يجب . وإن كان التتابع غير واجب كقضاء رمضان وكفارة اليمين جاز الإمساك وعدمه ، سواء أفطر عمدا أم لا، وإن كان الصوم نفلا فإن أفطر ناسيا وجب الإمساك لأنه لا يجب عليه القضاء بالفطر نسيانا ، وإن كان عمدا فلا يجب الإمساك ، لوجوب القضاء عليه بالفطر عمدا .
وقد تحدث العلماء عن سند قول مالك فى وجوب القضاء على من تعمد الفطر فى صيام النفل ، وعن وجوب الإمساك إن أفطر ناسيا مع عدم القضاء ، فوجدوه ضعيفا وليس المجال مجال تفصيل لهذه المناقشة ، والمهم أن نعرف أن دليل الجمهور قوى فى أن النسيان لا يؤثر على الصيام حتى لو كان الأكل كثيرا . ويؤيده ما أخرجه أحمد عن أم إسحاق أنها كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد، فأكلت معه ثم تذكرت أنها صائمة-وهذا لم يكن فى رمضان قطعا لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل معها-فقد يكون صيام نذر أو قضاء أو نفل ، فلما تذكرت أنها صائمة قال لها ذو اليدين :
الآن بعدما شبعت ؟ فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم "أتمى صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك "(9/257)
نقط الأنف وأنبوبة الربو للصائم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يبطل الصوم بوضع النقط فى الأنف أو الاستنشاق من أصبع الربوة ؟
An قال العلماء : إن الصوم يبطل بذلك لدخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح ويصدق عليه اسم الأكل أو الشرب الذى بنى عليه القرآن بطلان الصيام ، حيث أباحهما بالليل حتى مطلع الفجر فقط فقال سبحانه {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة : 187 ، .
وقد سبق أن بينت أن الأكل والشرب فسرا بعدة تفسيرات ، وبنيت عليها أحكام فى الصيام ، وكانت كلها اجتهادات اختلفت نتائجها ، واخترت من ذلك ما اطمأنت إليه نفسى بعد استهداف الحكمة فى مشروعية الصيام بالامتناع عن شهوتى البطن والفرج .
ولا مانع من الأخذ برأى العلماء فى أن نقط الأنف والبخار الذى يشم من أصبع الربو يبطل بهما الصيام .
وإذا كان المريض لا يستغنى عنهما فى الصيام جاز له الفطر وعليه القضاء بعد الشفاء من المرض ، فإن كان مزمنا لا يرجى شفاؤه كان له الفطر وعليه الإطعام عن كل يوم مسكينا(9/258)
الحقن فى الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يبطل الصوم بالعلاج بالحقن ؟
An قال العلماء : حقنة الشرج مفطرة لدخولها إلى الجوف من منفذ مفتوح واشترط مالك أن تصل إلى المعدة أو الأمعاء ، فإن لم تصل فلا يبطل بها الصيام .
أما حقن العضل والتى تحت الجلد فقد أفتى الشيخ محمد بخيت المطيعى فى مايو 1919 م بأنها لا تفطر بناء على أنها لم تصل إلى الجوف من منفذ معتاد، وعلى فرض الوصول فإنها تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفا ولا فى حكم الجوف . "الفتاوى الإسلامية -المجلد الأول ص 89" والشيخ طه حبيب عضو المحكمة العليا الشرعية قال فى فتواه المنشورة بمجلة الأزهر "المجلد الثالث ص 553 " ما نصه : ولا شك فى أن الحقنة التى تعطى تحت الجلد أو فى العضلات أو فى الوريد أو فى قناة النخاع الشوكى تصل إلى الجوف ، لأنها تصل عند إعطائها إلى الدورة الدموية ، وهذه توزعها إلى أجزاء الجسم كل بحسب طلبه ، وعلى هذا يتبين أن الحقن التى يعطيها الأطباء للصائمين فى نهار رمضان مفسدة لصومهم ، وإذا لوحظ أن إعطاءها قد يكون للتغذية وللتقوية وإكثار الدم ولتخدير الأعصاب ، فإن الأطباء أنفسهم يقرون أن هذه الحقن تمتصها الأوعية الليمفاوية ومنها إلى الدورة الدموية ثم توزعها هذه الأخيرة إلى أجزاء الجسم كل بحسب طلبه ... إلى أن قال : هذا ما يمكن أخذه من مذهب أبى حنيفة فى هذا الموضوع ، أما مذهب المالكية والشافعية فهو ما يأتى :
مذهب المالكية أن الصوم يفسد عندهم بوصول مائع إلى الحلق من الفم أو الأنف أو الأذن أو العين وإن لم يصل إلى المعدة .
وبوصول جامد إلى المعدة من منفذ عال . فلو ابتلع الصائم حصاة ووصلت إلى المعدة فسد الصوم ، ويفسد بوصول دواء إلى المعدة أو الأمعاء بواسطة الحقنة إذا جعلت فى منفذ واسع . أما إذا كان المنفذ غير واسع لا يمكن وصول شىء منه إلى المعدة فلا. ومن هذا يؤخذ أن الحقنة تحت الجلد إن وصل الدواء المجعول فيها إلى المعدة أو الحلق أو الأمعاء أفطر الصائم ، وإلا فلا . والمعدة عندهم ما تحت منخسف الصدر إلى السرة .
ومذهب الشافعية يرى أن وصول عين الشىء قليلا كان الواصل أو كثيرا مأكولا أو غير مأكول إلى الجوف من منفذ مفتوح كحلق ودماغ وباطن أذن وبطن وإحليل ومثانة مفسد للصوم .
ومنه يعلم حكم الحقنة تحت الجلد، وقد علمت أنها تصل إلى داخل الجوف قطعا .
هذه صورة من الآراء الاجتهادية فى الحقن ، وقد رأيت أن حقن الدواء يمكن العمل فيها برأى الشيخ محمد بخيت ، وهو عدم الإفطار لأنها لم تدخل من منفذ مفتوح ، وأن حقن الغذاء يمكن العمل فيها برأى الشيخ طه حبيب وهو الإفطار لأنها دخلت إلى الجوف عن طريق الدم ، وتتنافى مع حكمة الصيام من الشعور بالجوع والعطش للمعانى التى تترتب عليه(9/259)
نقل الدم فى الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل نقل الدم يبطل الصيام ؟
An هذا السؤال له طرفان ، طرف يتصل بالمنقول منه ، وطرف يتصل بالمنقول إليه ، أما المنقول منه فيقاس أخذ الدم منه فى نهار رمضان على الفصد وهو أخذ الدم من غير الرأس ، وعلى الحجامة وهى أخذ الدم من الرأس ، وقد سبق أن الجمهور يقولون بعدم بطلان الصيام بهما ، لأن حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" الذى أخذ به من قال بالإفطار، لم يسلم من النقد، إن لم يكن من جهة السند فمن جهة الدلالة "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 212 ، 216 " .
وأما المنقول إليه فيعطى نقل الدم حكم الحقنة وقد تقدم الكلام فيها وإذا كان للعلاج لا للغذاء وأدخل عن طريق الوريد فأختار عدم بطلان الصيام ، ومع ذلك أقول إن هذا المريض الذى نقل إليه الدم يحتاج إلى ما يقويه فله أن يفطر بتناول الأطعمة وعليه القضاء عند الشفاء .
واختلاف آراء الفقهاء فى مثل هذه الفروع رحمة يمكن الأخذ بأيسرها عند الحاجة إليه(9/260)
صيام الأيام البيض وستة من شوال
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما أصل تسمية الأيام بالبيض وما هى ، وهل منها الستة من شوال كما يشاع بين الناس ؟
An الأيام البيض موجودة فى كل شهر قمرى . وهى التى يكون القمر موجودا فيها من أول الليل إلى آخره ( 13 ، 14 ، 15 ) وسميت بيضا لابيضاضها ليلا بالقمر ونهارا بالشمس .
وقيل لأن الله تاب فيها على آدم وبيَّض صحيفته " الزرقانى على المواهب ج 8 ص 133 " .
وجاء فى الحاوى للفتاوى للسيوطى : يقول الناس إن آدم لما أهبط من الجنة اسودَّ جلده ، فأمره الله بصيامها من الشهر القمرى، فلما صام اليوم الأول ابيض ثلث جلده ولما صام اليوم الثانى ابيض الثلث الثانى ، وبصيام اليوم الثالث ابيض كل جلده ، وهذا القول غير صحيح ، فقد ورد فى حديث أخرجه الخطيب البغدادى فى أماليه ، وابن عساكر فى تاريخ دمشق من حديث ابن مسعود مرفوعا ، وموقوفا من طريق آخر، وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات من الطريق المرفوع ، وقال إنه حديث موضوع وفى إسناده جماعة مجهولون لا يعرفون .
وبصرف النظر عن كون سيدنا آدم صامها أو لم يصمها فإن الإسلام شرعَّ صيامها وجعله مندوبا ومستحبا، وجاء فى الزرقانى على المواهب المذكور سابقا أن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر .
ورواه النسائى . وعن حفصة أم المؤمنين : أربع لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يدعهن -يتركهن - صيام عاشوراء والعشر أيام البيض من كل شهر وركعتى الفجر، رواه أحمد، وعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة أم المؤمنين : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت : نعم ، فقلت لها : من أى أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالى من أى أيام الشهر يصوم . رواه مسلم .
ثم قال الزرقانى : والحكمة فيها أنها وسط الشهر، ووسط الشيء أعدله ، ولأن الكسوف أى خسوف القمر- غالبا يقع فيها ، وقد ورد الأمر بمزيد من العبادة إذا وقع فإذا اتفق الكسوف صادف الذى يعتاد صيام الأيام البيض صائما ، فيتهيأ له بأن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة، بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتهيأ له استدراك صيامها .
هذا ما جاء فى صيام الأيام البيض الثلاثة من كل شهر، أما الستة الأيام من شهر شوال فإن تسميتها بالبيض تسمية غير صحيحة، وبصرف النظر عن التسمية فإن صيامها مندوب مستحب وليس واجبا ، وقد ورد فى ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم كما جاء فى فضلها حديث رواه الطبرانى "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . ومعنى صيام الدهر صيام العام ، وجاء بيان ذلك فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة روايات لابن ماجه والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه ، ومؤداها أن الحسنة بعشر أمثالها ، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والأيام الستة من شوال بستين يوما أى شهرين ، وهما تمام السنة اثنا عشر شهرا .
وهذا الفضل لمن يصومها فى شوال ، سواء أكان الصيام فى أوله أم فى وسطه أم فى آخره ، وسواء أكانت الأيام متصلة أم متفرقة ، وإن كان الأفضل أن تكون من أول الشهر وأن تكون متصلة . وهى تفوت بفوات شوال .
وكثير من السيدات يحرصن على صيامها، سواء أكان عليهن قضاء من رمضان أم لم يكن عليهن قضاء . وهذا أمر مستحب كما قرره جمهور الفقهاء ونرجو ألا يعتقدن أنه مفروض عليهن ، فهو مندوب لا عقوبة فى تركه .
هذا، ويمكن لمن عليه قضاء من رمضان أن يصوم هذه الأيام الستة من شوال بنية القضاء ، فتكفى عن القضاء ويحصل له ثواب الستة البيض فى الوقت نفسه إذا قصد ذلك ، فالأعمال بالنيات ، وإذا جعل القضاء وحده والستة وحدها كان أفضل ، بل إن علماء الشافعية قالوا :
إن ثواب الستة يحصل بصومها قضاء حتى لو لم ينوها وإن كان الثواب أقل مما لو نواها، جاء فى حاشية الشرقاوى على التحرير للشيخ زكريا الأنصارى "ج 1 ص 427 " ما نصه : ولو صام فيه -أى فى شوال - قضاء عن رمضان أو غيره أو نذرا أو نفلا آخر حصل له ثواب تطوعها ، إذ المدار على وجود الصوم فى ستة أيام من شوال وإن لم يعلم بها أو صامها عن أحد مما مر-أى النذر أو النفل الآخر، لكن لا يحصل له الثواب الكامل المترتب على المطلوب إلا بنية صومها عن خصوص الست من شوال ، ولا سيما من فاته رمضان أو صام عنه شوال ، لأنه لم يصدق عليه أنه صام رمضان وأتبعه ستا من شوال .
ويشبه هذا ما قيل فى تحية المسجد، وهى صلاة ركعتين لمن دخله ، قالوا : إنها تحصل بصلاة الفريضة أو بصلاة أى نفل وإن لم تُنو مع ذلك ، لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس ، وقد وجدت بما ذكر، ويسقط بذلك طلب التحية ويحصل ثوابها الخاص وإن لم ينوها على المعتمد كما قال صاحب البهجة .
وفضلها بالفرض والنفل حصل ، والمهم ألا ينفى نيتها، فيحصل المقصود إن نواها وإن لم ينوها .
وبناء على ما تقدم يجوز لمن يجد تعبا فى قضاء ما فاته من رمضان وحرص على جعل هذا القضاء فى شوال ، ويريد أن يحصل على ثواب الأيام الستة أيضا أن ينوى القضاء وصيام الستة، أو القضاء فقط دون نية الستة، وهنا تندرج السنة مع الفرض ، وهذا تيسير وتخفيف لا يجوز التقيد فيه بمذهب معين ولا الحكم ببطلان المذاهب الأخرى .
والحكمة فى صيام ست من شوال بعد الصيام الطويل فى شهر رمضان - والله أعلم - هى عدم انتقال الصائم فجأة من الصيام بما فيه من الإمساك المادى والأدبى إلى الانطلاق والتحرر فى تناول ما لذ وطاب متى شاء ، فالانتقال الفجائى له عواقبه الجسمية والنفسية ، وذلك أمر مقرر فى الحياة(9/261)
تاريخ تشريع الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q متى وكيف شرع الصيام فى الإسلام ؟
An يقول اللّه تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } البقرة : 183 ، تدل هذه الآية على أمرين ، أولهما أن الصيام من فرائض الإسلام وثانيهما أنه كان مفروضا فى الشرائع السماوية السابقة .
أما فرضه فى الإسلام فكان على مرحلتين ، الأولى صيام يوم عاشوراء ، والثانية صيام رمضان ، وصيام رمضان نفسه كان على مرحلتين : اختيارية وإجبارية .
وبيان ذلك فيما يلى :
فى حديث البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى اللّه عنها أن يوم عاشوراء كانت تصومه قريش فى الجاهلية ،وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصومه فى الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه -وذلك عندما رأى اليهود يصومونه شكرا لله على نجاة موسى وقومه من الغرق ، فقال "نحن أحق بموسى منكم " كما رواه الشيخان -فلما فرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه .
وظاهر هنا أن صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه بفرض رمضان كما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض الشافعية ، وقيل كان صومه مندوبا مؤكد الندب غير واجب فلما فرض رمضان بقى مندوبا ندبا غير مؤكد وهو الوجه الأشهر عند الشافعية .
وبصرف النظر عن وجوبه أو ندبه ، فإن صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة ربما كان موافقة لقريش فيما بقى من شريعة سابقة كالحج ، أو بإذن من اللّه سبحانه على أنه فعل من أفعال الخير، وصيامه فى المدينة ليس نزولا على إخبار اليهود له بسببه فقد كان يصومه قبل ذلك ، ولكنه استئلاف لهم فيه مع إذن الله له ، كما استألفهم باستقبال بيت المقدس وقد كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به من الخير .
استمر وجوب صوم عاشوراء سنة واحدة، فقد فرض صيام رمضان فى السنة الثانية من الهجرة فى شهر شعبان لليلتين خلتا منه ، وصام النبى صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنوات كما قاله ابن مسعود فى رواية أبى داود والترمذى ، وكما قالته عائشة أيضا فى رواية أحمد بسند جيد ، وصام منها ثمانية رمضانات تسعة وعشرين يوما ، وواحدا ثلاثين يوما .
وصوم رمضان أخذ مرحلتين فى فرضه . الأولى مرحلة التخيير بينه وبين الفدية والثانية مرحلة الإلزام بالصيام مع استثناء بعض من لهم أعذار، والمرحلة الإلزامية أيضا كانت على صورتين ، وبيان ذلك :
أن قوله تعالى{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } البقرة : 184 ، رأى بعض العلماء أنه منسوخ ، مفسرين "يطيقونه " بمعنى : يقدرون عليه فهو فى طاقتهم ووسعهم فمن قدر على الصيام ولا يريد أن يصوم فعليه أن يفعل خيرا وهو إخراج فدية طعام مسكين عن كل يوم ، ومن زاد على هذا القدر، فهو خير له ومن صام ولم يخرج فدية فهو خير له .
ولما جرب الناس فائدة الصيام ومرنوا عليه اختاروه على الفِطر مع الفدية ، وعندما تهيأت نفوسهم لحتميته فرضه الله على كل قادر ، ومن كان له عذر من مرض أو سفر فرض عليه قضاء ما أفطره ، وبهذا صار التخيير منسوخا ، إلا أن أقوال العلماء مضطربة فى تعيين النص الناسخ ، فقال بعضهم إنه {وأن تصوموا خير لكم } وقال بعضهم الآخر إنه قوله تعالى فى الآية التالية للآية التى فيها المنسوخ {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} .
روى البخارى أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ، ورخص لهم فى ذلك فنسختها {وأن تصوموا خير لكم } .
ولكن هنا وقفة فى مجىء الناسخ والمنسوخ فى آية واحدة نزلت فيما يبدو مرة واحدة أى دفعة واحدة لا تتجزأ، ولو كان الناسخ آية أخرى تكون قد نزلت بعد فترة لكان ذلك أقرب إلى المعقول ، ولعل هذا يتفق مع قول من قال : إن الناسخ هو قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه } الموجود فى الآية التالية لآية الحكم المنسوخ .
ويكون قوله تعالى {وأن تصوموا خير لكم } من مكملات التخيير لبيان أفضلية الصوم على الفطر مع الفدية .
وهناك جماعة من المفسرين قالوا : إن آية{وعلى الذين يطيقونه فدية . . . } محكمة وليست منسوخة ، والمعنى أن الذين يتكلفون الصيام بمشقة شديدة كأنه طوق فى أعناقهم لا يصومون وعليهم الفدية، ومن زاد على مقدارها أو تكلف الصيام فهو خير، وهؤلاء هم كبار السن ومن فى حكمهم .
ومهما يكن من شيء فإن الأمر قد استقر عند المجتهدين على أن كبار السن الذين لا يقدرون على الصيام أداء ولا قضاء ، وكذلك المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم لا يجب عليهم الصيام ، وإنما الواجب عليهم هو إخراج الفدية عن كل يوم .
أما المرضى الذين يرجى شفاؤهم فيرخص لهم فى الفطر وعليهم القضاء بنص الآية الكريمة{ ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} .
هذا ، وكانت مدة الصيام أول الأمر هى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، فإذا لم يفطر الصائم عند الغروب ونام لا يجوز له إذا استيقظ من نومه أن يتناول أى مفطر ويظل صائما إلى غروب شمس اليوم التالى، كما كان قربان النساء ليلا محرما على الصائمين طول الشهر، فشق عليهم ذلك فأباح الله لهم التمتع بالنساء ليلا، ومد لهم فترة الإفطار حتى مطلع الفجر، لا يؤثر على ذلك نوم ولا غيره . . . روى البخارى عن البراء قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى، وأن قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما-وفى رواية كان يعمل فى النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها :
أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك . وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته ، فلما رأته قالت :
خيبة لك ! ! -يعنى تأسفت لنومه -فلما انتصف النهار غشى عليه ، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ففرحوا فرحا شديدا . ، ونزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } .
وفى البخارى أيضا عن البراء قال : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل اللّه تعالى {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ... }والخيانة هنا ارتكاب المعصية .
وجاء فى تفسير القرطبى فى رواية أبى داود أن عمر رضى اللّه عنه أراد امرأته فقالت : إنى نمت ، فظن أنها تعلل بالنوم فباشرها ، كما ذكر الطبرى أن ذلك وقع من كعب بن مالك أيضا ، ولما رفع الأمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية .
هذا فى تشريع الصيام فى الإسلام ، أما قبل الإسلام ، فقال بعض المفسرين إن تماثل صيامنا مع صيام من قبلنا هو فى أصل الوجوب وليس فى الكيفية ، وقال بعضهم الآخر إن المفروض عليهم كان رمضان ولكنهم غيروا وبدلوا ، والأمر لا يعدو مجرد أقوال وآراء دون سند صحيح يعتمد عليه ، وقد أورد القرطبى فى تفسيره حديثا لم يبين درجته ولكن أسنده عن دغفل بن حنظلة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن عشرة، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه ، فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان ملك آخر فقالوا : لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا فى الربيع ، فصار خمسين " .
وغاية ما يعرف بعد الاطلاع على كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد أن قدماء اليهود كانوا لا يكتفون فى صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء ، بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصى والتراب فى حزن عميق ، واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام فى السنة ، وأتقياؤهم يصومون شهرا كاملا، وهم الآن يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم .
والنصارى يصومون فى كل سنة أربعين يوما اقتداء بالمسيح عليه السلام ، وكان الأصل فى صيامهم الامتناع عن الأكل والشرب بتاتا، والإفطار كل أربع وعشرين ساعة ، ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذى روح وما ينتج منه "مجلة الأزهر المجلد الخامس ص 622" .
وذلك إلى جانب صيام آخر مندوب ، وكذلك الصيام عند من ليس لهم دين سماوى ، وذلك -مبسوط فى المرجع السابق(9/262)
صيام الصبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لى ولد يبلغ من العمر عشر سنوات وصحته ضعيفة، ويصمم على أن يصوم ، ولخوفى عليه أحاول منعه من الصيام ،فهل عليَّ إثم ؟
An الصوم كسائر التكاليف لا يجب على المسلم إلا عند البلوغ ، وذلك لحديث "رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبى حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق " رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ، ولكن بعض العلماء أوجب على الصبى إذا بلغ عشرا أن يصوم ، وذلك لحديث "إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان " رواه ابن جريج ، " المغنى لابن قدامة ج 3 ص 16 " وكذلك قياسا على الصلاة التى أمر النبى صلى الله عليه وسلم بضرب الغلام عليها إذا بلغ عشرا ، لكن الرأى الأول هو الصحيح ، وهو عدم وجوب الصوم إلا بالبلوغ .
ومن هو دون العشر ليس هناك خلاف فى عدم وجوب شيء عليه من صلاة وصيام وغيرهما-إلا ما قيل فى الزكاة وسنبينه فى موضعه - ولكن مع ذلك يستحب أن يمرن على العبادات ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين ، كما رواه أبو داود بإسناد حسن . وكان الصحابة يمرنون أولادهم على الصيام أيضا ، روى البخارى ومسلم عن الربيِّع بنت معوِّذ بن عفراء أنهم كانوا يصومون عاشوراء، ويصوِّمون صبيانهم الصغار، ويذهبون بهم إلى المسجد ، ويجعلون لهم اللعبة من الصوف ، فإذا بكى أحدهم من أجل الطعام أعطوه إياها حتى يحين وقت الإفطار .
وكل هذا فى الأولاد الذين يطيقون الصيام ، أما من كان بهم مرض أو صحتهم ضعيفة يزيدها الصوم ضعفا فليس على الآباء والأمهات أن يأمروهم بالصيام ، لكن لا ينبغى أيضا أن ينهوهم عنه ، بل يتركونهم يجربون ذلك بأنفسهم ، فإن أطاقوا استمروا ، وإلا فإنهم سيتركونه باختيارهم . وعلى الآباء والأمهات أن يمدحوا فى أولادهم عزمهم على الصيام وأن يبينوا لهم حكمة تشريعه بلباقة وكياسة، وسيكون استمرارهم فى هذه التجربة أو عدولهم عنها باقتناع ، وهذا منهج تربوى سليم(9/263)
السواك فى الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q معلوم أن تنظيف الأسنان مطلوب شرعا فهل يتنافى ذلك مع الأحاديث التى تمدح خلوف فم الصائم ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " كما روى أبو داود والترمذى حديثا حسنا عن عامر بن ربيعة قال :"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسوك ما لا أحصى وهو صائم " .
استنتج الشافعى من الحديث الأول كراهة استعمال السواك للصائم -ومثله فرشاة الأسنان -وخص ذلك بما بعد الزوال ، إبقاء على رائحة الفم التى مدحها النبى صلى الله عليه وسلم . وتغير رائحة الفم ناتج عن عدم تناول الطعام والشراب ، ويظهر عادة بعد الزوال ، ولم يعمل الشافعى بالحديث الثانى لأنه أقل رتبة من الحديث الأول . ويؤيد رأيه حديث البيهقى "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشى" والغداة أول النهار والعشى آخره .
وقال الأئمة الثلاثة ، مالك وأبو حنيفة وأحمد : لا يكره السواك للصائم مطلقا سواء قبل الزوال وبعده ، ودليلهم فى ذلك هو حديث عامر بن ربيعة المذكور، وحملوا الحديث الأول الذى يمدح الخلوف على الترغيب فى التمسك بالصيام وعدم التأذى من رائحة الفم ، وليس على الترغيب فى إبقاء الرائحة لذاتها ، ثم قالوا : إن رائحة الفم تزول أو تقل بالمضمضة للوضوء، الذى يتكرر كثيرا، ولم يثبت نهى الصائم عنها، وقالوا أيضا : إن حديث البيهقى ضعيف كما بينه هو .
وإذا لم يكن من الأئمة الأربعة إلا الشافعى الذى قال بكراهة تنظيف الأسنان أثناء الصيام بعد الزوال - فإن من كبار أئمة المذهب من لم يرتضوا ذلك . فقد قال النووى فى المجموع "ج 1 ص 39" إن المختار عدم الكراهة . وقال ابن دقيق العيد معقبا على قول الشافعى : ويحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت -أى بعد الزوال -يخص به ذلك العموم - وهو حديث الخلوف -وعلى هذا فلا كراهة فى استعمال السواك فى رمضان "انظر أيضا كتاب : طرح التثريب فى شرح التقريب ، للعراقى وأبى زرعة ج 2 ص 65 " .
وبعد استعراض ما قيل فى السواك فى الصيام أختار القول بعدم كراهة تنظيف الأسنان بأية وسيلة ، شريطة ألا يصل إلى الجوف شيء من المعجون أو الدم ونحوها ومن الأحوط استعمال ذلك ليلا(9/264)
صوم الحائض والنفساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا يحرم الصوم مع العادة الشهرية للمرأة ؟
An أجمع الفقهاء على أمرين بالنسبة للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء وهما، عدم وجوب الصوم عليها، وعدم صحته إذا صامت بل على حرمة صومها . يقول الخطيب الشافعى فى كتابه الإقناع "ج1 ص 205 " قال الإمام : وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه : لأن الطهارة ليست مشروطة فيه ، وهل وجب عليها ثم سقط ، أو لم يجب أصلا وإنما يجب القضاء بأمر جديد .
وجهان أصحهما الثانى ، قال فى البسيط: وليس لهذا الخلاف فائدة فقهية ، وقال فى المجموع : يظهر هذا وشبهه فى الأيمان والتعاليق بأن يقوله : متى وجب عليك صوم فأنت طالق انتهى كلام الخطيب .
ليس هناك دليل قولى من القرآن والسنة يحرم الصيام على المرأة عند وجود الدم فالإجماع فقط هو الدليل وحاول بعض العلماء أن يأخذ عليه دليلا من حديث الصحيحين عن عائشة رضى اللّه عنها قالت : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، فقال : الأمر بقضاء الصوم يستلزم بطلانه لو حدث منها فى رمضان ، لكن ليس ذلك مطردا ، فإن القرآن أوجب القضاء على المريض والمسافر، ومع ذلك يجوز أن يصوم كل منهما ويقع الصوم صحيحا .
فلعل عدم وجوب الصوم على المرأة مع وجود الدم تشريع سابق متعارف عليه وأقره النبى صلى الله عليه وسلم والحكمة فى ذلك ليست بوجود الجنابة، فالجنابة بغير الدم لا تمنع الصوم ولا تبطله ، فلو حدثت جنابة باتصال جنسى قبل الفجر، أو باحتلام ليلا أو نهارا ، ثم استمر من عليه الحدث طول النهار بدون غسل فإن صومه صحيح وإن كانت هناك حرمة لترك الصلوات التى تحتاج إلى طهارة ، وقد ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى اللّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم "كان يصبح جنبا وهو صائم ثم يغتسل .
كما أن الحكمة ليست المرض الذى يسببه نزول الدم فإن المرض لا يمنع من الصيام ويجزئ، لأن الفطر رخصة لا عزيمة، وفطر صاحبة الدم عزيمة لا رخصة .
والخلاصة أن دليل بطلان الصوم ممن عليها الدم هو الإجماع ، والحكمة غير متيقنة ، والمتيقن هو وجوب. الإعادة عليها كما فى الصحيحين من دلالة خبرهما على العلم اليقينى فى أحكام الفروع(9/265)
نية الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسيت نية الصيام بالليل ، ثم تذكرت بعد الفجر أننى لم أنو ، فهل يصح صومى ؟
An النية للصوم لابد منها ، ولا يصح بدونها ، وأكثر الأئمة يشترط أن تكون لكل يوم نية ، واكتفى بعضهم بنية واحدة فى أول ليلة من رمضان عن الشهر كله ... ووقتها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. فإذا نوى الإنسان الصيام فى أية ساعة من ساعات الليل كانت النية كافية ، ولا يضره أن يأكل أو يشرب بعد النية ما دام ذلك كله قبل الفجر، روى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجة والترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " . .
ولا يشترط التلفظ بالنية، فإن محلها القلب ، فلو عزم بقلبه على الصيام كفى ذلك . حتى لو تسحر بنية الصيام ، أو شرب حتى لا يشعر بالعطش فى أثناء النهار، كان ذلك نية كافية، فمن لم يحصل منه ذلك في أثناء الليل لم يصح صومه . وعليه القضاء. هذا فى صوم رمضان أما صوم التطوع فتصح نيته نهارا قبل الزوال(9/266)
الصيام فى رجب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحرص الكثيرون على صيام أول يوم من رجب ، أو صيام أيام معينة منه ، وبعضهم يصومه ويصوم شعبان ورمضان ثلاثة أشهر متواليات ، فهل هذا مشروع ؟
An شهر رجب من الأشهر الحرم ، والصيام فيها مندوب ، كما ورد فى حديث الباهلى الذى قال له النبى صلى الله عليه وسلم "صم من الحرم واترك " كما رواه أبو داود . والنبى عليه الصلاة والسلام كان يرغب فى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما فى الصحيحين ، بل كان يرغب فى الصيام مطلقا . فصيام أيام من رجب مندوب بدليل هذه الأحاديث العامة ولكن لم يرد نص صحيح خاص بفضل الصيام فى أولى يوم منه أو غيره من أيامه ، ومن غير الصحيح الوارد فى ذلك حديث أنس "إن فى الجنة نهرا يقال له رجب ، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر" وهو حديث ضعيف .
وحديث ابن عباس "من صام من رجب يوما كان كصيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب الجحيم السبعة، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، ومن صام منه عشرة أيام بدلت سيئاته حسنات " وهو ضعيف أيضا كما ذكره السيوطى فى " الحاوى للفتاوى " .
وصيام رجب كله مع شعبان ليكمل بهما مع رمضان ثلاثة أشهر لم يرد ما يمنعه . وإن قال بعض العلماء : إن التزام ذلك لم يكن على عهد السلف فهو مبتدع ، فالأولى الصيام بقدر المستطاع مع عدم الالتزام بنذر ونحوه حتى لا يقع الصائم فى محظور(9/267)
تأخير قضاء الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أفطرت أياما من رمضان لعذر ، ولم أتمكن من قضائها حتى دخل رمضان التالى، فهل على كفارة للتأخير ؟ وعند القضاء هل يجب أن يكون متواليا أم يجوز أن يكون مفرقا ؟
An جمهور العلماء يوجب فدية على من أخر قضاء ما فاته من رمضان حتى دخل رمضان الذى بعده ، وتتأكد هذه الفدية ، وهى إطعام مسكين عن كل يوم بما يكفيه غداء وعشاء، إذا كان تأخير القضاء لغير عذر، واستدلوا على هذا الحكم بحديث موقوف على أبى هريرة ، أى أنه من كلامه هو، ونسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أى رفعه إليه ضعيف ، كما أن هذا الحكم مروى عن ستة من الصحابة ولم يعلم يحيى بن أكثم مخالفا لهم ، منهم ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا فدية مع القضاء ، وذلك لأن الله تعالى قال فى شأن المرضى والمسافرين : {فعدة من أيام أخر} ولم يأمر بفدية، والحديث المروى فى وجوبها ضعيف لا يؤخذ به .
قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 318" منتصرا لهذا الرأى : ليس هناك حديث ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيها ، وأقوال الصحابة لا حجة فيها ، وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق ، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالتكاليف حتى يقوم الدليل الناقل عنها ، ولا دليل هنا ، فالظاهر عدم الوجوب .
وقال الشافعى : إن كان تأخير القضاء لعذر فلا فدية، وإلا وجبت ، وهذا الرأى وسط بين الرأيين السابقين ، لكن الحديث الضعيف أو الموقوف الوارد فى مشروعية الكفارة لم يفرق بين العذر وعدمه . ولعل القول بهذا الرأى يريح النفس لمراعاته للخلاف بصورة من الصور، ثم إن قضاء رمضان واجب على التراخى وليس على الفور وإن كان الأفضل التعجيل به عند الاستطاعة فدين الله أحق بالقضاء العاجل ، وثبت فى صحيح مسلم ومسند أحمد أن عائشة رضى اللّه عنها كانت تقض ما عليها من رمضان فى شعبان ولم تكن تقضيه فورا عند قدرتها على القضاء .
ولا يلزم فى القضاء التتابع والموالاة، فقد روى الدارقطنى عن ابن عمر رضى اللّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى قضاء رمضان "إن شاء فرق وإن شاء تابع "(9/268)
شهر رجب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا من بعض المتحدثين انهم يصفون شهر رجب بالأصم فما معنا هذه الكلمة ؟
An العرب فى زمانهم القديم كانوا يسمون أيام الأسبوع وشهور السنة بأسماء تختلف عن المعهود لنا عند مجىء الإسلام ، وكان للجو الطبيعى والنظام القبلى دخل فى تعيين هذه الأسماء. وشهر رجب كان يسمى قديما "أحلك"-كما يقول المسعودى فى كتابه "مروج الذهب " ويقول البيرونى: إن رجب كان يسمى بالأصم ، وهو أحد الأشهر الأربعة التى قال الله فيها {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم } التوبة : 16 ، وهذه الأشهر الحرم قد عينها النبى صلى الله عليه وسلم بأسمائها فى خطبته فى حجة الوداع ، وقال عنها : ثلاثة سرد وواحد فرد : والثلاثة السرد هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، والفرد هو رجب .
ولفظ رجب فيه معنى التعظيم ، حيث كان العرب فى الجاهلية يعظمونه ولا يستحلون فيه القتال ، كما لا يستحلونه فى الأشهر الثلاثة الأخرى، غير أنه لما كان وحده بعيدا عن أشهر الحج أعطوه اسما فيه معنى التعظيم حتى يتذكره الناس ولا ينسوه ، وكان الكثيرون يعتمرون فيه قبل دخول موسم الحج .
ولعل وصف رجب بالأصم مأخوذ من السكوت حيث لا تُسمع فيه قعقعة السلاح بالقتال ولا الصيحة بالاستنفار إليه ، يقول القرطبى فى تفسيره : كانت العرب تسميه -أى رجب -منصل الأسنة، أى مخرجها من أماكنها ، كانوا إذا دخل رجب نزعوا أسنة الرماح ونصال السهام إبطالا للقتال فيه وقطعا لأسباب الفتن لحرمته ، وقد ورد ذكر ذلك فى البخارى عن أبى رجاء العطاردى، واسمه عمران بن ملحان ، قال :
كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاء فحلبنا عليه ثم طفنا به ، فإذا دخل شهر رجب قلنا : منصل الأسنة فلم ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه .
وكان من عادة العرب النسىء ، وهو تأخير بعض الأشهر الحرم إلى غير موعدها استعجالا للقتال ، وكان للقلمس وأولاده زعامة النسىء لا يرد كلامهم وكانت ربيعة بن نزار تؤخر رجب وتجعل بدله رمضان ، وكان من العرب من يحلون رجبا ويحرمون شعبان ، لكن "مضر" كانت تحافظ على حرمة شهر رجب لا تستحله أبدا، وجاء ذلك فى قول النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع كما رواه الشيخان ، وهو يخبر أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض ، وعين الأشهر الحرم ، وعند ذكر رجب قال "ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " فأضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب .
قال ابن حجر فى فتح البارى : أضافه إليهم لأنهم كانوا يتمسكون بتعظيمه بخلاف غيرهم ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم موضع رجب بأنه هو ما بين جمادى وشعبان ، وليس هو ما كان فى نسيئهم الذى يؤخرونه به عن موضعه الحقيقى .
هذا هو شهر رجب الأصم الذى ندب الرسول صلى الله عليه وسلم صيام ما يستطاع منه ومن غيره من الأشهر الحرم ، ولم يرد فيه بخصوصه حديث باستحباب الصيام يرتقى إلى درجة الصحة(9/269)
كفارة الجماع فى صيام رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن هناك رأيا فيمن أفسد صومه فى رمضان بالجماع أنه لا كفارة عليه ، فهل هذا صحيح ، وما دليله على ذلك ؟
An الفقهاء الأربعة بالذات ، مجمعون على أن من أفطر فى رمضان بالجماع يفسد صومه إذا كان عامدا عالما ، ويجب عليه القضاء عند الجمهور ، وقال الشافعى فى أحد قوليه : من لزمته الكفارة فلا قضاء عليه ، استنادا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابى الذى أخبره بأنه جامع زوجته فى نهار رمضان بالقضاء ، ويرده حديث رواه أبو داود بإسناده وابن ماجه انه صلى الله عليه وسلم قال للمجامع " وصم يوما مكانه " ولأن إفساد يوم من رمضان بأى مفسد كالأكل والشرب يوجب القضاء ، فكذلك الجماع .
أما كفارة الإفساد بالجماع فهى لازمة باتفاق المذاهب الأربعة إذا كان عامدا مختارا ، وذلك لحديث البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : هلكت ، قال "مالك "؟ قال : وقعت على امرأتى وأنا صائم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "هل تجد رقبة تعتقها"؟ قال : لا ، قال : "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين "؟ قال : لا، قال "فهل تجد إطعام ستين مسكينا"؟ قال : لا، وبعد مدة أعطاه النبى عَرْقا - مكتلا أى وعاء -فيه تمر، -وأمره أن يتصدق به ، فقال الرجل :
على أفقر منى يا رسول الله ؟ فو الله ما بين لابتيها - الجبلين - أهل بيت أفقر من أهل بيتى ، فضحك الرسول حتى بدت أنيابه ثم قال "أطعمه أهلك " .
لكن روى عن الشعبى والنخعى وسعيد بن جبير أنهم قالوا : لا كفارة عليه ، لأن الصوم عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها ، فلا تجب فى أدائها ، كالصلاة إذا فسدت وجب قضاؤها ولا تجب مع القضاء كفارة إذا فسدت فكذلك الأداء .
ورد العلماء هذا بأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به ، أما القضاء فهو فى الذمة، إن بطل بالجماع يوما فعليه القضاء فى يوم اَخر، ولا يصح القياس على الصلاة ، لأن الصلاة لا يدخل فى جبرانها مال ، والصوم يدخل فى جبرانه المال "المغنى لابن قدامة ج 3 ص 54،55) وعلى ذلك فالاتفاق على وجوب الكفارة بالفطر من صيام رمضان ، ولا عبرة بقول من خالف ذلك لضعف دليله بالقياس(9/270)
الترفيه فى رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم مشاهدة الأفلام وسماع الأغانى فى نهار رمضان ؟
An الحكم العام على مشاهدة الأفلام والمسرحيات والمسلسلات ، وسماع الأغانى ، أنها إن كانت هذه المشاهدات والمسموعات تحمل كلاما باطلا أو تدعو إلى محرم ، أو كانت تؤثر تأثيرا ضارا على فكر الإنسان وسلوكه ، أو صرفته عن واجب ، أو صاحبها محرم كشرب أو رقص أو اختلاط سافر كانت حراما ، سواء أكان ذلك فى رمضان أم فى غير رمضان . فإن خلت من هذه المحاذير كان الإكثار منها مكروها ، ولا بأس بالقليل منها للترويح .
وشهر رمضان له طابع خاص ، فهو قائم على صيام النفس عن شهواتها والتدريب على سيطرة العقل على رغباتها، وليس ذلك بالامتناع فقط عن الأكل والشرب والشهوة الجنسية، فذلك هو الحد الأدنى للصيام ، لا يكتفي به إلا العامة الذين يعملون فقط لأجل النجاة من العقاب ، مع القناعة بالقليل من الثواب ، أما غيرهم فيحرصون على الكمال فى كل العبادات ، فيمسكون عن كل شهوات النفس وبخاصة ما حرم الله ، كالكذب والغيبة ، ويسمو بعضهم فى الكمال فيصوم حتى عن الحلال ، مقبلا على الطاعة فى هذا الشهر بالذات .
ليخرج منه صافى النفس والسلوك من الرذائل ، متحليا بالفضائل .
فلا ينبغى أن نضيع فرصة هذا الشهر الذى يضاعف فيه ثواب الطاعة ، بصيام نهاره وقيام ليله بالتراويح وقراءة القرآن .
وضياع جزء كبير من الوقت فى مشاهدة وسماع أنواع الترفيه خسارة للمؤمن العاقل ، وعلى المسئولين جميعا أن يراعوا حرمة هذا الشهر، فيهيئوا الفرصة للصائمين والقائمين أن يتقربوا إلى اللّه بالطاعات بدل هذا اللهو الذى مللناه طول العام .
ومهما يكن من شىء فإن مشاهدة وسماع هذه الأشياء لا يبطل الصيام إلا إذا حدث أثر جنسى بسببها ، ومع عدم البطلان فاتت فرص كثيرة لشغل الوقت بالعبادة وقراءة القرآن وسماع البرامج الدينية ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبرانى "أتاكم رمضان شهر بركة،لم يغشاكم اللّه فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهى بكم ملائكته ، فأروا اللّه من أنفسكم خيرا ، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل " . فليكن تنافسنا فى رمضان فى الخير لا فى اللهو ولا فى الإقبال على الملذات(9/271)
فوانيس رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن معرفة سبب الظاهرة المنتشرة فى البلاد المصرية، وهى الفوانيس التى يحملها الأطفال فى شهر رمضان مع نشيد تقليدى مضت عليه سنوات طويلة ؟
An من بعض ما قيل بخصوص فوانيس رمضان أنها عرفت مع بداية العصر الفاطمى فى مصر، ففى يوم 15 من رمضان سنة 362 هجرية (972 م ) وصل المعز لدين الله إلى مشارف القاهرة ليتخذها عاصمة لدولته ، وخرج سكانها لاستقباله عند صحراء الجيزة ومعهم الفوانيس الملونة، حتى وصل إلى قصر الخلافة، ومن يومها صارت الفوانيس من مظاهر الاحتفال برمضان وهناك قصة أخرى تقول : فى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمى كان محرما على نساء القاهرة الخروج ليلا، فإذا جاء رمضان سمح لهن بالخروج ، بشرط أن يتقدم السيدة أو الفتاة صبى صغير يحمل فى يده فانوسا مضاء ، ليعلم المارة فى الطرقات أن إحدى النساء تمر ، فيفسحوا لها الطريق ، وبعد ذلك اعتاد الأولاد حمل هذه الفوانيس فى رمضان "الأهرام 29/4/1987 ، 7/4/1992م " .
ويقول د . حسين مجيب المصرى : ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتى ، ولم يكن يقاد فى المنازل ، بل كان يعلق فى منارة الجامع إعلانا لحلول وقت السحور. ويقول ابن بطوطة فى وصف - الاحتفال برمضان فى الحرم المكى : كانوا يعلقون قنديلين للسحور ، ليراهما من لم يسمع الأذان ليتسحر "الأخبار 18/ 4/ 1988" .
والحكم الشرعى فيها الإباحة ، لعدم ورود ما يمنعها ، وإذا قصد بها الفرح بقدوم رمضان ، أو الإعلام بوقت السحور فقد ترقى إلى درجة المستحب ، والأعمال بالنيات(9/272)
كنافة رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا يحرص كثير من الناس فى رمضان على أكل الكنافة وأنواع الحلوى الأخرى ؟
An الكنافة لون من ألوان الطعام الحلال لا حرمة فى تناوله كسائر الأطعمة الحلال ، التى ينبغى الاعتدال فيها مع شكر الله عليها كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } المائدة : 87، وكانت مما يقدمه خلفاء مصر الفاطميون على موائد الإفطار فى رمضان ، وصارت من المظاهر الواضحة فى هذا الشهر، هى ومثيلاتها من القطايف والزلابية .
يقول بعض الكتاب : بلغ من شهرة هذه الأصناف أن جلال الدين السيوطى جمع ما قيل فى الكنافة والقطايف فى كتاب سماه "منهل اللطائف فى الكنافة والقطايف " والكنافة - كما يقول ابن فضل الله العمرى - أول من اتخذها من العرب معاوية بن أبى سفيان ، وكان يأكلها فى السحور، وفيها يقول الشاعر الفكه أبو الحسين الجزار المصرى :
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر * وجاد عليها سكر دائم الدر وتبا لأوقات المخلل إنها * تمر بلا نفع وتحسب من عمرى والقطايف سميت بذلك تشبيها بخمل القطيفة التى تفرش . وفى القاموس :
القطائف المأكولة لا يعرفها العرب ، وفيها يقول الصفدى :
أتانى صحن من قطائفك التى * غدت وهى روض قد تبلل بالقطر ولا غرو إن صدقت حلو حديثها * وسكرها يرويه لى عن أبى ذر يريد بأبى ذر: السكر المسحوق .
أما الزلابية فلم يكثر فيها الشعراء من الوصف مع إنها عربية، لوجودها فى رجز قديم ، يقول ابن الرومى فى وصفها ووصف صانعها :
ومستقر على كرسيه تعب * روحى الغداء له من منصب تعب رأيته سحرا يقلى زلابية * فى رقة القشر والتجويف كالقصب يلقى العجين لجينا من أنامله * فيستحيل شبابيكا من الذهب " مجلة الهداية - البحرين - رمضان1409 هـ (أبريل 1989 م ) "(9/273)
صيام الأمم السابقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل فرض صوم رمضان على أمم أخرى قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
An الصيام بوجه عام فرض على غير المسلمين من الأمم السابقة كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } البقرة : 183 ، وليس فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية بيان كيفية صيام السابقين ، وإن كانت الآية تقول عن مريم عليها السلام كما أمرها الله {فإما ترين من البشر أحدا فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} مريم : 26 ، وهو ظاهر فى الإمساك عن الكلام وقد يكون عن أشياء أخرى . وأخبر الحديث المتفق عليه أن داود كان يصوم يوما ويفطر يوما .
والصوم فى الإسلام إمساك عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وصوم الأمم السابقة مختلف فى موقعه من شهور السنة وفى مدته وفى كيفيته .
وعرفنا من صيام السابقين صوم عاشوراء عند اليهود شكرا لله على نجاة موسى عليه السلام من الغرق كما ثبت فى الحديث الصحيح ، وما سوى ذلك يعرف من كتبهم ، واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام فى السنة ، وأتقياؤهم يصومون شهرا ، وهم يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم ، ويصومون اليوم التاسع من شهر "آب "كل سنة فى ذكرى خراب هيكلى أورشيلم .
والنصارى يصومون كل سنة أربعين يوما ، وكان الأصل فى صيامهم الامتناع عن الأكل بتاتا ، والإفطار كل أربع وعشرين ساعة ، ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذى روح وما ينتج منه ، وعندهم صوم الفصول الأربعة ، وهو صيام ثلاثة أيام من كل منها ، وصيام الأربعاء والجمعة تطوعا لا فرضا .
جاءت فى تفسير ابن كثير أقوال عن بعض الصحابة والتابعين أن صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر ولم يزل مشروعا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان ، كما ذكر حديثا عن ابن عمر مرفوعا أن صيام رمضان كتبه الله على الأمم السابقة .
وجاء فى تفسير القرطبى أن الشعبى وقتادة وغيرهما قالوا : إن الله كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا وزاد أحبارهم عليه عشرة أيام ، ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه اللّه أن يزيد فى صومهم عشرة أيام ففعل ، فصار صوم النصارى خمسين يوما، فصعب عليهم فى الحر فنقلوه إلى الربيع ، واختار النحاس هذا القول ، وفيه حديث عن دغفل بن حنظلة عن النبى صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر أقوالا فى أن تشبيه صيامنا بصيام السابقين هو فى فرضيته وليس فى صفته ولا فى مدته .
ومن مراجعة كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد رأينا أن قدماء اليهود كانوا لا يكتفون فى صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء ، بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصا والتراب فى حزن عميق .
وفى سفر الخروج أن موسى عليه السلام كان هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء ، وفى إنجيل متى أن المسيح صام أربعين يوما فى البرية .
وجاء فى كلام النبى حزقيال أن صيامه كان عن اللحوم وما ينتج عن الحيوان ، وكان النبي دانيال يمتنع عن اللحوم وعن الأطعمة الشهية مدة ثلاثة أسابيع ، وجاء فى الترجمة السبعينية أن داود قال : ركبتاى ضعفتا من الصوم ، ولحمى تغير من أكل الزيت .
والذين لا يدينون بدين سماوى كان عندهم صيام كالبراهمة والبوذيين فى الهند والتبت ، ومن طقوسهم فى نوع منه الامتناع عن تناول أى شىء حتى ابتلاع الريق لمدة أربع وعشرين ساعة ، وقد يمتد ثلاثة أيام لا يتناولون كل يوم إلا قدحا من الشاى ، وكان قساوسة جزيرة كريت فى اليونان القديمة لا يأكلون طول حياتهم لحما ولا سمكا ولا طعاما مطبوخا ، وفى مقال محمد فريد وجدى صور أخرى عن صيام السابقين "مجلة الأزهر المجلد الخامس ص 622 " .
هذه بعض الصور عن صوم أصحاب الأديان السماوية السابقة وغيرهم ممن لا يدينون بدين سماوى، لا يعنينا منها صدقها وصحتها، بقدر ما يعنينا أن الصيام بأية صورة من الصور كان موجودا قبل الإسلام ، وهل فرض صيام رمضان على اليهود والنصارى ، أو فرض صيام غيره ؟ ليس فيه خبر صحيح(9/274)
اسم رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما صحة القول بأن اسم رمضان من أسماء الله الحسنى ، ولماذا سمى بهذا الاسم ؟
An جاء فى "المواهب اللدنية" للقسطلانى وشرحها للزرقانى أن لفظ رمضان مشتق من الرمض وهو شدة الحر، لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور، وافق أن الشهر المذكور شديد الحر ، كما سمى الربيعان لموافقتهما زمن الربيع ، أو لأنه يرمض الذنوب أى يحرقها ، وهذا القول ضيف لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع الذى عرف منه أنه يرمض الذنوب .
وفى تفسير القرطبى : قيل هو من رمضت النصل رمضا إذا دققته بين حجرين ليرق ،ومنه نصل رميض ومرموض وسمى الشهر به لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم فى رمضان ليحاربوا بها فى شوال قبل دخول الأشهر الحرم ، وحكى الماوردى أن اسمه فى الجاهلية "ناتق " .
وفى القرطبى أيضا أن مجاهدا كان يقول : بلغنى أنه اسم من أسماء الله ، وكان يكره أن يجمع لفظه لهذا المعنى-يعنى لا يقال رمضانات - ويحتج بما روى "رمضان اسم من أسماء الله تعالى" وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث أبى معشر نجيح ، وهو ضعيف وبذلك ينتفى كونه من أسماء الله الحسنى المنصوص عليها فى القرآن والسنة والمأثورات الإسلامية . انتهى(9/275)
النوم فى نهار رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كثرة النوم فى نهار رمضان تبطل الصيام ، مع المحافظة على أداء الصلوات ؟
An شهر رمضان شهر عبادة ليلا ونهارا ، أما بالليل فبالقيام بصلاة التراويح وقراءة القرآن وأما بالنهار فبالصيام ، والجزاء على ذلك وردت فيه نصوص كثيرة، وفى حديث واحد جمع ثواب الصيام والقرآن فقال صلى الله عليه وسلم "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام : يا رب منعته الطعام والشهوة بالنهار فشفعنى فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعنى فيه ، فيشفعان " رواه أحمد والطبرانى والحاكم وصححه ، ولو نام الصائم طول النهار فصيامه صحيح ، وليس حراما عليه أن ينام كثيرا ما دام يؤدى الصلوات فى أوقاتها ، وقد يكون النوم مانعا له من التورط فى أمور لا تليق بالصائم ، وتتنافى مع حكمة مشروعية الصيام ، وهى جهاد النفس ضد الشهوات والرغبات التى من أهمها شهوتا البطن والفرج ، ويدخل فى الجهاد عدم التورط فى المعاصى مثل الكذب والزور والغيبة فقد صح فى الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى . .
هذا ، ولم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : نوم الصائم عبادة(9/276)
صوم يوم عرفة للحاج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صيام يوم عرفة سنة للحاج ولغير الحاج ؟
An روى مسلم وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال "يكفّر السنة الماضية والباقية" هذا أصح ما ورد فى فضل الصوم يوم عرفة ، وجاءت روايات أخرى إسنادها حسن أى أقل من درجة هذا الحديث تفيد أن صوم يوم عرفة يعدل صيام سنة كما رواه النسائى أو صيام سنتين كما رواه الطبراني ، أو صيام ألف يوم ، كما روى أن بعضهم كان يرش عليه الماء وهو صائم ، لما يعافي من شدة الحر، حرصا على ثوابه . لكن ذلك لغير الحاج الواقف بعرفة، فقد روى أبو داود والنسائي وابن خزيمة فى صحيحه والطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن صومه ، وإن كان هذا النهى ليس للتحريم ، بل للكراهة ، ولذلك اختلف الفقهاء ،فقال الشافعى : يسن الفطر فيه ليقوى الحاج على الدعاء ، وقال أحمد : إن قدر الحاج على الصوم صام ، وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة .
ومهما يكن من شيء فإن الأولى الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه لم يصم هذا اليوم فى حجة الوداع . روى البخارى ومسلم عن أم الفضل أنهم شكوا فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة ، وثبت أنه قال "إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا - أهل الإسلام - وهى أيام أكل وشرب " رواه أحمد وأصحاب السنن وابن ماجه .
نعم ،إن الواقفين بعرفة فى ضيافة الله ، حيث يباهى بهم ملائكته ، ويشهدهم أنه غفر لهم ، وذلك عيد عظيم من لوازمه البهجة والسرور كما نلاحظ أن فى الوقوف والإفاضة جهدا كبيرا يحتاج إلى قوة يساعد عليها الفطر، وذلك تخفيف من الله ورحمة(9/277)
المسافر والصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يشترط للمسافر الذى يريد أن يفطر فى رمضان أن يكون سفره قبل الفجر ولمسافة طويلة؟ وهل يجوز للصائم أن يفطر إذا اضطر إلى سفر مفاجئ ؟
An جمهور الفقهاء على أن المسافر الذى يجوز له الفطر فى رمضان لابد أن يطلع عليه الفجر وهو مسافر، وأن يكون سفره طويلا "حوالى ثمانين كيلو مترا" حتى لو كان السفر مريحا ، كالسفر بالطائرة ، فيجوز له الفطر ، فإذا كان قصيرا فلا يجوز له الفطر وإذا طلع عليه الفجر وهو غير مسافر وسافر بعده فلا يجوز له الفطر عند جمهور الفقهاء ، وأجاز أحمد بن حنبل الفطر للمسافر مطلقا حتى لو كان السفر بعد الزوال ، ولا مانع من تقليد هذا المذهب إذا كان فى الصوم مشقة .
ثم قال العلماء : إذا بيَّت نية الصيام فى السفر يجوز له الفطر ولا إثم عليه ، وعليه القضاء وهو مذهب الشافعية والحنابلة ، ومنعه المالكية وأوجبوا عليه القضاء والكفارة إذا أفطر، كما منعه الحنفية وأوجبوا عليه القضاء دون الكفارة . أما الأفضلية للمسافر فى الصوم أو الفطر فقد قال الحنفية والشافعية : إن الصوم أفضل ، وهو مندوب ما دام لا يشق عليه ، فإن شق عليه كان الفطر أفضل ، وإذا ترتب على الصوم خطر على نفسه أو تعطيل منفعة كان الفطر واجبا ، وقال المالكية :
يندب للمسافر الصوم ولو تضرر بأن حصلت له مشقة-وقال الحنابلة :
يسن له الفطر ويكره الصوم ولو لم يجد مشقة، وذلك لحديث "ليس من البر الصيام فى السفر"(9/278)
تقديم الفطر على صلاة المغرب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هناك نصوص تدعو إلى المبادرة بالإفطار عند غروب الشمس ونصوص أخرى تدعو إلى المبادرة بصلاة المغرب ، فكيف يمكن الجمع بين هذه النصوص ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر مع أصحابه فى رمضان ، فلما غابت الشمس طلب من بلال أن يعد لهم طعام الإفطار، فلما أعده شرب النبى صلى الله عليه وسلم ثم أشار بيده "إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم" أى حل له الفطر. فإذا غاب قرص الشمس حل الفطر حتى لو كان الشفق مضيئا .
وروى أبو داود عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلى المغرب ، وفطره كان على رطبات ، فإن لم يجد فتمرات ، فإن لم يجد فعلى ماء ، وهذا الإفطار الخفيف المحتوى على بعض السكريات له فوائده الطبية العظيمة .
يقول ابن القيم : وإنما خص النبى صلى الله عليه وسلم الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشىء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به لاسيما قوة البصر. وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس ، فإن رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده ، ولهذا كان الأولى للظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده .
وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم فما رواه البخارى ومسلم أنه قال "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" وفيما رواه أحمد والترمذى يقول الله عز وجل : إن أحب عبادى إلىَّ أعجلهم فطرا" فإذا تحقق الصائم غروب الشمس بادر بالإفطار الخفيف المحتوى على ماده سكرية ، لأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة .
ويؤخذ من هذا أن تقديم الفطر على صلاة المغرب هو هدى النبى صلى الله عليه وسلم لكن ليس معنى هذا أن يفطر الإنسان إفطارا كاملا ويستغرق فيه وقتا طويلا ثم يقوم لصلاة المغرب آخر وقتها ، لأن الصلاه فى أول وقتها من أفضل الأعمال . وصلاة المغرب بالذات وقتها ضيق ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود "لا تزال أمتى بخير - أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم " فلأجل الحرص على الفضيلتين - وهما تعجيل الفطر وتعجيل صلاة المغرب -يكون الإفطار خفيفا جدًّا على شراب أو طعام حلو أو ماء ، ثم تُصلَّى صلاة المغرب ، ثم يكمل الإفطار بعد ذلك فى طمأنينة وراحة بال(9/279)
نوم الصائم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حديث يقول : نوم الصائم عبادة؟
An جاء فى تخريج العراقى لأحاديث "إحياء علوم الدين للغزالى" أن هذا الحديث موجود فى "أمالى ابن منده" من رواية ابن المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر بسند ضعيف ، ولعله عبد الله بن عمرو، فإنهم لم يذكروا لابن المغيرة رواية إلا عنه . ورواه أبو منصور الديلمى فى "مسند الفردوس" من حديث عبد الله بن أبى أوفى ، وفيه سليمان ابن عمرو النخعى أحد الكذابين .
يؤخذ من هذا أن الحديث ليس صحيحا ولا حسنا عن النبى صلى الله عليه وسلم فهو إما ضعيف وإما موضوع ، وبصرف النظر عن سند الحديث فهناك وجهتا نظر عند تفسيره ، وجهة تقول : إن الصائم الذى يتعرض أثناء صيامه لأمور تتنافى مع حكمة الصيام بسبب اندماجه مع المجتمع ، كالكذب والغيبة والنظر المحرم وغير ذلك سيكفه نومه بالنهار عن هذه الأمور المنكرة ، وذلك صورة من صور العبادة ، فهو عبادة سلبية كالصدقة التى قال النبى صلى الله عليه وسلم فى وجوبها على كل مسلم لا يجد ما يتصدق به ولا معونة من أى نوع كان "فليمسك عن الشر، فإن إمساكه عن الشر صدقة" رواه البخارى ومسلم ، ومن هنا يكون نومه صوابا وعبادة .
ومن وجهة نظر أخرى، الصائم الذى يؤثر النوم على العمل الإِيجابى المنتج مخالف لأوامر الدين ، فى وجوب استغلال طاقة الإِنسان فى عمل الخير، ومخالف كذلك للأوامر الدينية التى تنفر من العجز والكسل ، فالنبى صلى الله عليه وسلم أمر بالاستعاذة منهما أبا أمامة حتى يذهب الله همه ويقضى دينه كما رواه أبو داود ، فالإِسلام دين حركة وعمل وإنتاج ، والصائم يمكنه ذلك فى حدود الوسع والطاقة ، ولم يقف الصحابة عن العمل وهم صائمون ، بل وقعت كبريات الغزوات فى شهر رمضان ، وعلى رأسها غزوة بدر، والفتح الأعظم لمكة المكرمة ، وإذا كانت بعض الدول تخفف من العمل فى شهر الصيام فلا يجوز أن يستغل ذلك لمزيد من الكسل والتهاون ، والعمل الصالح فى ظل الصيام له ثوابه الجزيل "انظر ص 510 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى" ومن هنا يكون نوم الصائم خطأ وليس عبادة(9/280)
القبلة فى الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تقبيل الرجل لزوجته يبطل الصيام ؟
An روى البخارى ومسلم وأصحاب السنن من حديث عائشة رضى اللّه عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل بعض أزواجه وهو صائم وكان أملككم لإربه ، وبعض الأزواج هو عائشة أو أم سلمة لرواية الحادثة عن كل منهما ، ومعنى أملككم لإربه ، أنه أقدركم على منع نفسه عن المباشرة الجنسية . وجاء فى رواية البيهقى عن عائشة أنه كان يقبِّلها وهو صائم ويمص لسانها . وروى مالك فى الموطأ أن عائشة بنت طلحة ابن عبيد اللّه وكانت فائقة الجمال ثقة روى لها الستة كانت عند عائشة -أم المؤمنين- فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق فقالت عائشة : ما يمنعك أن تدنو من أهلك -زوجك- فتلاعبها وتقبِّلها؟ قال : أقبلها وأنا صائم ؟ قالت : نعم .
وروي أن عمر بن الخطاب قال : هششت فقبَّلت وأنا صائم ، فقلت يا رسول اللّه صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، قال "أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم"؟ قلت : لا بأس به ، قال " فَمَهْ " رواه أبو داود والنسائى وقال : منكر، وصححه ابن خزيمة والحاكم ، ومعنى " فَمَهْ " فاسكت ، ورويت "ففيم"؟ يعنى ففيم السؤال ؟ بناء على هذه المرويات قال ابن المنذر: رخص فى القبلة عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة ، وأخذ به أحمد وإسحاق . ومذهب الأحناف والشافعية، أنها تكره على من حركت شهوته ولا تكره لغيره ، لكن الأولى تركها . وعند المالكية كما قال الزرقانى على المواهب "ج 5 ص 227" أنها تحرم إن خاف الإنزال ، وإلا كانت مكروهة . وقال الحافظ ابن حجر إنها مباحة لمن يكون مالكا لنفسه من الوقوع فيما يحرم من الإنزال والجماع .
والظاهرية أخذوا بظاهر الحديث فجعلوا القبلة للصائم سنة وقربة من القرب اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مردود بأن الرسول كان يملك إربه فليس كغيره(9/281)
معنى كلمة " وحوى "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى كلمة "وحوى" ، التى يرددها الأطفال فى رمضان وهم يطوفون بالفوانيس ؟
An تقول الكاتبة فاطمة صقر " الأخبار 12/5/1988 م " إن عبارة :
وحوى يا وحوى إيُّوحة، ترجع إلى اللغة الهيروغليفية، ومعناها :
افرحى يا أيوحة ، وأيوحة هى أم " أحمس " الذى طرد الهكسوس من مصر، فلما نجح فى طردهم خرج الناس يهنئون أمه بذلك .
والعهدة على الكاتبة فى هذا، ولكن ما هى الصلة بينها وبين رمضان ؟ المهم أنها بهذا المعنى كلمة بريئة لا غبار عليها شرعا ما لم يقصد بها غير ما قيلت فيه أو لا(9/282)
صوم يوم الشك
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو يوم الشك ولماذا يحرم صومه ؟
An يوم الشك هو يوم الثلاثين من شهر شعبان ، ذلك لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما وقد يكون ثلاثين يوما، وقد صح النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ، فقد روى الجماعة عن أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تقدَّموا - أى تتقدموا- صوم رمضان بيوم ولا يومين ، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم " وقال الترمذى : حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان بمعنى رمضان . وروى أصحاب السنن أن عمار بن ياسر رضى الله عنه قال : من صام اليوم الذى شُكَّ فيه فقد عصى أبا القاسم ، وقال الترمذى : حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول مالك والشافعى وأحمد وغيرهم ورأى أكثرهم إن صامه وكان من شهر رمضان أن يقضى يوما مكانه ، لأنه لم ينو صيامه كيوم من رمضان ، حيث لا يعلم إن كان منه أو لا، فنيته غير جازمة ، والنية المعتبرة تكون جازمة صادرة عن يقين ، فكأنه نوى صوم غد إن كان من رمضان ، ولو تبين أنه منه لا تجزىء هذه النية فيكون الصوم باطلا لا بد أن يقضى .
ولو صام هذا اليوم كعادة له كأن صادف مثلا يوم الاثنين وهو متعود صيام يوم الاثنين فهو جازم بنيته ولذلك كانت صحيحة ، فيصح صومه نفلا إن تبين أنه يوم الثلاثين ، كما يصح فرضا إن تبين أنه أول رمضان وذلك عند الحنفية .
وقد نقل عن جماعة من الصحابة جواز صيام يوم الشك ، منهم على وعائشة وعمر وابن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية وعمرو ابن العاص ، كما نقل صيامه عن جماعة من التابعين .
يقول الشوكانى " نيل الأوطار -ج 4 ص 205 " والحاصل أن الصحابة مختلفون فى ذلك ، وليس قول بعضهم بحجة على أحد .
هذا ، والحكمة فى النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين مختلف فيها ، والمعتمد ما ارتضاه ابن حجر فى فتح البارى من أن الصيام الاحتياطى محاولة للطعن فى حكم تعلق الصوم برؤية الهلال الذى ورد به الحديث الذى رواه البخارى ومسلم .
ويلاحظ أن النهى عن صوم يوم الشك لا يمنع صحة صومه عن القضاء قبل دخول شهر رمضان حتى لا تلزم الكفارة مع القضاء إن تأخر عن رمضان ، وكذلك من نذر صوم يوم معين فصادف يوم الشك لا يحرم صومه . " نيل الأوطار ج 4 ص 276"(9/283)
السحور والمسحراتى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يرى بعض الناس الآن أن قيام المسحراتى بإعلان الناس بالسحور بدعة لم تكن على أيام النبى صلى الله عليه وسلم فما حكم الدين فى ذلك ؟
An معلوم أن تناول طعام السحور سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك للتقوِّى به على الصيام ، كما جاء فى حديث البخارى ومسلم : "تسحَّروا فإن فى السحور بركة " ووقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره ، ففى البخارى ومسلم عن زيد بن ثابت : تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية .
وكان هناك أذانان للفجر، أحدهما يقوم به بلال ، وهو قبيل الوقت الحقيقى للفجر، والثانى يقوم به عبد الله بن أم مكتوم ، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذان بلال ليس موعدًا للإِمساك عن الطعام والشراب والمفطرات لبدء الصيام ، وأذن لنا فى تناول ذلك حتى نسمع أذان ابن أم مكتوم . ففى حديث البخارى ومسلم " إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وروى أحمد وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره ، فإنه يؤذن - أو قال ينادى - ليرجع قائمكم وينبه نائمكم " .
ومن هنا كان أذان بلال بمنزلة الإِعلام بالتسحير فى شهر رمضان ، وما كان الناس فى المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور. يقول المؤرخون : لما جاء إلى مصر عتبة بن إسحاق واليا من قِبل الخليفة العباسى المنتصر بالله قام هو بالتسحير سائرا على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط حتى جامع عمرو بن العاص وكان ذلك سنة 238 هـ وممن اشتهروا بالتسحير "الزمزمى" فى مكة، "ابن نقطة" فى بغداد، وكان الزمزمى يتولى التسحير فى صومعته بأعلى المسجد ومعه أخوان صغيران يقول : يا نيامًا قوموا للسحور، ويدلى حبلا فيه قنديلان كبيران ، من لم يسمع النداء يرى النور. ثم تطور التسحير فكان أهل مصر أول من ابتكروا "البازة" مع الأناشيد ، ويقوم عدة أشخاص معهم طبل بلدى وصاجات برئاسة المسحراتى ، ويغنون أغانى خفيفة ، "إبراهيم عنانى - جريدة الأخبار 15 من رمضان 1414 - 25 من فبراير 1994 م " .
ويقول الدكتور حسين مجيب المصرى : الشعر الذى كان يستخدمه المسحراتى كان يسمى " فن القوما " واشتهر به "ابن نقطة" الذى كان موكولا إليه إيقاظ الخليفة للسحور، ولا يلتزم فيه باللغة العربية . وذكر نموذجا منه . وذكر أن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتى ، وكان يعلق بالمآذن ، وشاهده ابن بطوطة فى رحلته ورأى فى الحرم المكى الاحتفال برمضان ، وقال : كانوا يعلقون قنديلين للسحور ليراهما من لم يسمع الأذان ليتسحر " الأخبار 18 / 4 /1988 ، 25/ 2/ 1994" .
نرى من هذا أن الإِعلام بوقت السحور له أصل فى الدين ، فكان فى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بأذان بلال ، وكان فى العصور التى تلت ذلك بوسائل شتى ، بإضاءة الأنوار، وبإنشاد الأشعار، وبالضرب على الآلات ، ثم بإطلاق الصفارات وضرب المدافع وغير ذلك من الوسائل .
ولا ينبغى أن نسرع -كما قلت مرارا - بإطلاق اسم البدعة وجعلها ضلالة فى النار على كل شىء جديد لم يكن بصورته الحالية موجودا فى عهد التشريع ، فقد يكون له أصل مشروع ، والصورة هى التى تغيرت ، فإن كانت الصورة غير خارجة عن الدين فلا بأس بها أبدا ، وسنة التطور تقضى بذلك ما دامت فى الإِطار العام للدين ، وفى التنبيه على السحور دلالة على الخير وتعاون على البر، والدال على الخير كفاعله ، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه .
مدفع الإفطار :
فى منتصف القرن التاسع الهجرى انطلقت أول طلقة لمدفع الإفطار فى رمضان ، وتبدأ الحكاية فى زمن والى مصر "خوشقدم" عندما أهدى إليه مدفع ، فأمر بتجربته فانطلقت أول طلقة ، وصادف الوقت أن كان عند غروب الشمس فى أول يوم من رمضان ، فظن الناس أنه تقليد جديد اتبعه الوالى للإِيذان بموعد الإِفطار، فشكروه على ذلك وصار تقليدا " جريدة مايو 26 / 5 / 1986"(9/284)
صيام رجب مع شعبان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تحرص بعض السيدات على صيام شهر رجب وشهر شعبان ووصلهما بصيام شهر رمضان ، فهل ذلك مشروع ؟
An إن الصيام المفروض هو صيام شهر رمضان ، وصيام النذر والكفارات ، وما عدا ذلك فمستحب ، والرسول صلى الله عليه وسلم رغب فى صيام التطوع بمثل ما جاء فى صحيحى البخارى ومسلم " ما من عبد يصوم يوما فى سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا" .
ومن الصيام المستحب الصيام فى الأشهر الحرم التى منها شهر رجب ، وكذلك الصيام فى شهر شعبان وقد سبق فى صفحة 442 من المجلد الثالث حكم الصوم فى شهر رجب وما نقله ابن حجر عن الطرطوشى فى كراهة الحرص على صيام رجب تشبيها برمضان ، أو لأنه ثابت مؤكد ، أو لفضل خاص يزيد على صيام باقى الشهور .
وبخصوص الصيام فى شهر شعبان وردت أحاديث صحيحة منها ما رواه البخارى عن عائشة رضى اللّه عنها : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شهر شعبان ، بل كان يصومه كله أحيانا وجاء فى رواية تقول فى سبب ذلك :
تعظيما لرمضان ، كما روى النسائى أن أسامة بن زيد سأله صلى الله عليه وسلم لم أرك تصوم فى شهر ما تصوم فى شهر شعبان ، فقال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم " وصيامه كله أو أكثره لمن وصل النصف الثانى بالنصف الأول : أما الذى لم يصله فيكره أو يحرم أن ينشئ صياما فى النصف الثانى لحديث رواه أبو داود ، وبه أخذ الشافعى، كما جاء النهى عن صوم يوم أو يومين قبل رمضان لحديث رواه الجماعة " لا تقدَّموا -تتقدموا- صوم رمضان بيوم ولا يومين ، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم " .
هذا ، ولم يرد حديث مقبول يقول : إن صيام رجب كله وشعبان كله ووصلهما برمضان بدعة مذمومة ، فالصوم فى رجب وشعبان مشروع كما قدمنا، الأول لأنه من الأشهر الحرم والثانى لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ، غير أن هناك توصية بعدم الإِرهاق وتكلف الإنسان ما لا يطيق ، ففى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله ، وكان يقول "خذوا من العمل ما تطيقون فإن اللّه لا يمل حتى تملوا " .
فإذا كان فى صيام الشهرين إرهاق يؤثر على صيام رمضان كان التتابع مخالفا للحديث ، ويكره أن يكون ذلك عن طريق النذر فقد يحصل العجز ويكون المحظور، ومن استطاع بغير إرهاق فلا مانع ، مع مراعاة إذن الزوج إذا أرادت الزوجة أن تصوم هذا التطوع ، ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه "(9/285)
فتح أماكن الطعام فى نهار رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز فتح المطاعم فى نهار رمضان ؟
An صيام رمضان من أهم الأركان التى بنى عليها الإِسلام ، وكان من رحمة الله تعالى أن خفف عن ذوى الأعذار فأباح لهم الفطر ما دام العذر قائما، على أن يصوموا قضاءً ما أفطروه كما قال سبحانه { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} البقرة :185 .
ولذلك حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التهاون فى أداء هذه الفريضة فقال فيما رواه الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة فى صحيحه "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه" بل جاء التحذير من التعجل بالفطر قبل موعده فقد روى ابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى النوم -ورؤيا الأنبياء حق- قوما معلقين بعراقيبهم مُشققةً أشداقهم تسيل دما ، وهم الذين يفطرون قبل تحلة الصوم ، أى قبل الإفطار، والذى يساعد المفطر على فطره من غير عذر شريك له فى الإثم ، فما أدى إلى الحرام يكون حراما كما أن تقديم طعام أو شراب له باختياره دليل رضائه عن فعله ، والراضى بالمعصية عاصٍ كما قرر العلماء ، وكما نص الحديث على لعن شارب الخمر وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه .
والذى يملك محلا لبيع مأكولات أو مشروبات قد تتناول بعيداً عنه أو تُعَدُّ لتناولها فى وقت يحل فيه تناولها ، لا وجه لمنعه من ذلك ما دام لم ير المنكر يرتكب أمامه بتناول المشترى له فى نهار رمضان ، والواقع يقضى بتيسير حصول الناس على ما يحتاجون ، والإِثم عليهم فى سوء استعمال ما يقع تحت أيديهم ، أما الذى يملك مطعما يتناول فيه الناس غذاءهم ، أو مقهى تتناول فيه المشروبات ، فإن كان ذلك التناول فى نهار رمضان ، وتأكد أن متناوله مفطر لا عذر له فى الإِفطار كانت مساعدته على ذلك محرمة ، وإذا كانت معرفة المعذور وغير المعذور متعسرة فى المجتمع الكبير الذى يجمع أخلاطا متنوعة قد تنتحل فيه الأعذار فالأفضل عدم القيام بهذا العمل نهارا ، وفى ممارسة نشاطه ليلا متسع له دون حرج .
ذلك أن تيسير تناول الطعام والشراب فى هذه الأماكن فى نهار رمضان فيه إغراء بالفطر وفيه تشويه لسمعة المجتمع الإِسلامى الذى يجب أن يراعى حرمة هذا الشهر الكريم ، والمتقون لربهم يستعدون قبل رمضان بما يغنيهم عن العمل فيه من أجل العيش ، ليتفرغوا للعبادة أو لمزاولة عمل آخر، والليل كله مجال واسع للعيش الكريم .
إن الأمر يحتاج إلى مراقبة الضمير، وإلى يقظة المسئولين وتعاون الجميع على مقاومة المنكر والتمكين للخير والمعروف ، وبخاصة فى هذا الشهر المبارك العظيم(9/286)
حبوب منع الحمل فى رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحرص بعض النساء على صيام كل أيام رمضان ، ولتفادى الدورة الشهرية التى تمنع الصيام يتعاطى بعضهن أقراصا تمنع الدورة، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An رمضان شهر مبارك عظيم فيه من الخيرات والنفحات ما لا يوجد فى غيره ، وقد فرض الله فيه الصيام على المكلف القادر المستطيع ، لينال الثواب العظيم ، وخفف عن ذوى الأعذار فأباح لهم الفطر حتى يزول العذر، وعليهم قضاء ما فاتهم من أيام رمضان ، قال تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة } البقرة :185. وممن خفف الله عنهم فى رمضان المرأة فى أثناء الدورة الشهرية ، وفى مدة النفاس ، فأوجب عليها الفطر كما أوجب عليها القضاء ، والقضاء سيكون فى أيام غير رمضان ، والشهر الذى يجرى فيه القضاء ليس له من الفضل وليس فيه من النفحات ما فى رمضان ، ولذلك يرى بعض النساء منع نزول الدم فى رمضان ليصح الصوم ويَفُزْنَ بفضل رمضان من صيام ومن صلاة التراويح وقراءة قرآن .
ولا يوجد دليل يُحرم ذلك فى كتاب أو سنة ، ولا فى مأثور السلف الصالح ، بل جاء فى المأثور عنهم أنهم كانوا يجيزون للنساء فى موسم الحج أن يتعاطين ما يمنع نزول الدم حتى لا يُحْرمن من أداء الشعائر التى تشترط فيها الطهارة كالطواف حول البيت والصلاة فى المسجد الحرام بمكة ومسجد الرسول بالمدينة ، وكقراءة القرآن الكريم .
وكان منقوع شجر الأراك الذى يؤخذ منه السواك مفيدا فى هذا الموضع ، فوصفوه للنساء ولم ينقل اعتراض أحد عليه ، ومع جواز ذلك أنصح باستشارة الطبيب قبل تناول أى دواء يمنع نزول الدم ، فقد يكون فيه ضرر(9/287)
حرمة الصيام مع الدورة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وما هو الحكم لو أصرت المرأة على الصيام على الرغم من وجودها فى فترة الدورة؟
An بعض ذوى الأعذار الذين يجوز لهم الفطر يجوز لهم أن يصوموا وإن كان فى الصوم مشقة وليس عليهم قضاء ، لكن المرأة فى أثناء الدورة لا يجوز لها أن تصوم حتى لو كانت قادرة على الصيام ، فيحرم عليها ذلك ولا يصح منها ما صامته ، وعليها أن تفطر، لأنها لو صامت كانت كالتى تصلى وهى غير متطهرة ، حيث تَلَبَّستْ بعبادة فاسدة وذلك محرم باتفاق العلماء .
ودليل حرمة صيامها ليس نصا صريحا فى كتاب أو سنة وإنما هو إجماع الأئمة والمجتهدين ، بناء على ما أثر عن العصر الذى يؤخذ عنه التشريع ، أما القضاء فجاء فى رواية البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة . قال بعض العلماء مفهومه أنهن ما كن يصمن ولا يصلين عند وجود الدم ، ولو جازت صلاتهن وصيامهن لنقل للحاجة إليه(9/288)
الصوم بمناسبة المولد النبوى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو اليوم الذى نصومه بمناسبة المولد النبوى الشريف ، وهل إذا صادف يوم جمعة يكون صومه حلالا؟
An صيام التطوع مندوبُ لا يختص بزمان ولا مكان ، ما دام بعيدا عن الأيام التى يحرُم صيامها ، وهى العيدان وأيام التشريق ويوم الشك على اختلاف للعلماء فيه ، والتى يكره صيامها كيوم الجمعة وحده ، ويوم السبت وحده .
وهناك بعض الأيام يستحب الصيام فيها كأيام شهر المحرم ، والأشهر الحرم ، وعرفة وعاشوراء ، وكيوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع ، والثلاثة البيض من كل شهر وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وستة من شهر شوال ، وكثير من شهر شعبان ، كما كان يفعل النبى صلى الله عليه وسلم وليس من هذه الأيام يوم ذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم، والذى اعتاد الناس أن يحتفلوا بها فى اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول ، فلا يندب صومه بهذا العنوان وهذه الصفة ، وذلك لأمرين ، أولهما أن هذا اليوم لم يتفق على أنه يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، فقد قيل إنه ولد يوم التاسع من شهر ربيع الأول وقيل غير ذلك .
وثانيهما أن هذا اليوم قد يصادف يوما يكره إفراده بالصيام كيوم الجمعة فقد صح فى البخارى ومسلم النهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم" " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة ، إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده " .
هذا بخصوص صوم يوم الميلاد النبوى فى كل عام ، أما صيام يوم الاثنين من كل أسبوع فكان يحرص عليه النبى صلى الله عليه وسلم، لأمرين ، أولهما أنه قال إن الأعمال تعرض على الله فيه وفى يوم الخميس ، وهو يحب أن يعرض عمله وهو صائم ، كما رواه الترمذى وحسَّنه ، وثانيهما أنه هو اليوم الذى ولد فيه وبعث فيه كما صح فى رواية مسلم . فكان يصومه أيضا شكرا لله على نعمة الولادة والرسالة .
فمن أراد أن يشكر الله على نعمة ولادة النبى صلى الله عليه وسلم ورسالته فليشكره بأية طاعة تكون ، بصلاة أو صدقة أو صيام ونحوها ، وليس لذلك يوم معين فى السنة ، وإن كان يوم الاثنين من كل أسبوع أفضل ، للاتباع على الأقل ، فالخلاصة أن يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول ليس فيه عبادة خاصة بهذه المناسبة، وليس للصوم فيه فضل على الصوم فى أى يوم آخر، والعبادة أساسها الاتباع ، وحبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم يكون باتباع ما جاء به كما قال فيما رواه البخارى ومسلم " من رغب عن سنتى فليس منى " وفيما رواه أبو يعلى بإسناد حسن " من أحبنى فليستن بسنتى"(9/289)
قضاء الصوم عن الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مواطنة توفيت والدتها فى رمضان هل تصوم عنها أو تخرج فدية، وهل تقضى الصلاة عنها؟
An السيدة التى توفيت فى رمضان لا تطالب بالأيام الباقية فى رمضان ، فقد انتقلت من دار التكليف بمجرد موتها ، والصيام تكليف من التكاليف يكون على الحى القادر عليه ابتداء ، فإذا كانت قد صامت أياما من رمضان قبل وفاتها فقد برئت ذمتها ولا شىء عليها ولا على من بعدها من أهلها ، أما إن كانت لم تصم أياما قبل وفاتها ، فإن فى ذمتها قضاء هذه الأيام ، وقد جاء فى ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى ومسلم " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " .
وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إن أمى ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها؟ فقال " لو كان على أمِّك دين أكنتَ قاضيه "؟ قال : نعم ، قال " فدين الله أحق أن يقض " .
وهذا هُو المذهب المختار عند الشافعية ، يقول النووى : وهذا هو القول الصحيح المختار الذى نعتقده ، وهو الذى صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة .
ولا يشترط أن يصوم عنه الولى القريب فيجوز أن يصوم عنه الأجنبى إذا أذن الولى له ، وعند أبى حنيفة ومالك : لا يصوم الولى عنه ، بل يطعم مُدًّا عن كل يوم ، لكن ليس هناك دليل قوى على ذلك(9/290)
صيام الحامل والمرضع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى بعض الكتب أن الحامل والمرضع يجوز لهما الإفطار فى رمضان مع دفع الفدية ولا يجب عليهما القضاء فهل هذا صحيح ؟
An يقول الله تعالى عن الصيام {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } البقرة : 184 ، للعلماء فى تفسير هذه الآية رأيان ، رأى يقول بأن الصيام كان فى أول أمره على التخيير، من شاء ممن يطيقونه ويقدرون عليه أن يصوموا أو يفطروا ، وعليهم بدل الإفطار أن يخرجوا فدية هى طعام مسكين ومع التخيير فالصوم أفضل ، ثم نسخ هذا الحكم وفرض على من يطيقون الصيام أن يصوموا ولا يجوز لهم الفطر والإطعام وذلك لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة : 185 ، فالناسخ هو هذه الآية كما رواه الجماعة إلا أحمد عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدى حتى أنزلت الآية التى بعدها فنسختها .
ورأى يقول بأن الصيام فرض على كل القادرين عليه فقط ، وأبيح الفطر للمريض والمسافر ومن يطيقونه أى يتحملونه بمشقة شديدة حيث فسروا الإطاقة بذلك ، وهم كبار السن ، وفرض على المريض والمسافر القضاء ، وعلى كبار السن الفدية فقط دون قضاء ، لأنه شاق عليهم كلما تقدمت بهم السن ، ومثلهم المريض الذى لا يرجى بروه ولا يرجى أن يقدر على القضاء فهؤلاء يفطرون ويخرجون الفدية .
روى البخارى عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضى الله عنهما يقرأ {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال ابن عباس : ليست بمنسوخة ، هى للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وبعض العلماء المعاصرين -كالشيخ محمد عبده -يقيس على الشيوخ الضعفاء والمرضى بمرض مزمن : العمال الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجرى من مناجمه ، وكذلك يلحق بهم المجرمون المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا قدر عليهم الصيام بالفعل ، فليس عليهم صيام ولا فدية حتى لو ملكوها .
أما الحبلى والمرضع إذا خافتا من الصيام على أنفسهما أو على أولادهما فيرى ابن عمر وابن عباس انهما يفطران ويخرجان الفدية ولا قضاء عليهما إلحاقا لهما بكبار السن .
روى أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس قال فى قوله تعالى : {وعلى الذين يطيقونه } : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام - يعنى يتحملانه بمشقة شديدة - أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا-يعنى على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا ، ورواه البزار وزاد فى آخره ، وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى : أنت بمنزلة الذى لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطنى إسناده . وروى مالك والبيهقى عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال : تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدًّا من حنطة . وفى الحديث " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة- أى قصر الصلاة- وعن الحُبلى والمرضع الصوم " رواه الخمسة أحمد وأصحاب السنن .
وعليه فإن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على أولادهما لهما أن يفطرا، أما القضاء والفدية فإن ابن حزم لا يوجب شيئا منهما، وابن عباس وابن عمر يوجبان الفدية فقط دون قضاء ، والأحناف يوجبون القضاء فقط دون فدية، والشافعية والحنابلة يوجبان القضاء والفدية معا إن خافتا على الولد فقط ، أما إذا خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولديهما فعليهما القضاء فقط دون فدية "نيل الأوطارج 4 ص 43 2 - 5 4 2 " .
وفى فقه المذاهب الأربعة : أن المالكية قالوا : الحامل والمرضع إذا خافتا بالصوم مرضا أو زيادته -سواء كان الخوف على أنفسهما أو ولدهما أو أنفسهما فقط أو ولدهما فقط -يجوز لهما الفطر وعليهما القضاء ، ولا فدية على الحامل بخلاف المرضع فعليها الفدية . أما إذا خافتا بالصوم هلاكا أو ضررا شديدا لأنفسهما أو ولدهما فيجب عليهما الفطر .
والحنفية قالوا : إذا خافت الحامل أو المرضع الضرر من الصيام جاز لهما الفطر سواء كان الخوف على النفس والولد معا، أو على النفس فقط ، أو على الولد فقط ، ويجب عليهما القضاء عند القدرة بدون فدية .
والحنابلة قالوا : يباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا الضرر على أنفسهما وولدهما أو على أنفسهما فقط ، وعليهما فى هاتين الحالتين القضاء دون الفدية، أما إن خافتا على ولدهما فقط فعليها القضاء والفدية .
والشافعية قالوا : الحامل والمرضع إذا خافتا بالصوم ضررا لا يحتمل ، سواء كان الخوف على أنفسهما وولدهما معا، أو على أنفسهما فقط ، أو على ولدهما فقط ، وجب عليهما الفطر وعليهما القضاء فى الأحوال الثلاثة، وعليها أيضا الفدية مع القضاء فى الحالة الأخيرة ، وهى ما إذا كان الخوف على ولدهما فقط .
فرأى الشافعية كالحنابلة فى القضاء والفدية ، إلا أن الحنابلة أباحوا الفطر خوف الضرر والشافعية اوجبوه والشافعى فى أحد أقواله يلزم الفدية للمرضع لا للحامل كالمالكية .
تتمة : الحديث الذى رواه الخمسة عن أنس بن مالك الكعبى ، قال المنذرى : ومن يسمى بأنس بن مالك من رواة الحديث خمسة : صحابيان هذا وأبو حمزة أنس بن مالك الأنصارى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنس بن مالك والد الإمام مالك بن أنس روى عنه حديث فى إسناده نظر، والرابع شيخ حمصى حدث ، والخامس كوفى حدَّث عن حماد ابن أبى سليمان والأعمش وغيرهما . يقول الشوكانى : وينبغى أن يكون أنس بن مللك القشيرى الذى ذكره ابن أبى حاتم سادسا إن لم يكن هو الكعبى(9/291)
يوم الجمعة ويوم عرفة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أيهما أفضل . . . الجمعة أم عرفات ، وما فضل كل منهما؟
An روى ابن حبان فى صحيحه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم -قال "لا تطلع الشمس على يوم أفضل من يوم الجمعة" وفيه أيضا حديث "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة" .
ورأى بعض العلماء تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة لهذا الحديث .
والصواب -كما قال ابن القيم فى "زاد المعاد ج 1 ص 12 ) أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام ، وكذلك ليلة القدر أفضل ليالى العام وليلة الجمعة أفضل ليالى الأسبوع ، ولذلك كانت وقفة عرفة يوم الجمعة لها مزية على سائر الأيام .
وذكر ابن القيم عشرة وجوه لهذا الفضل وهو اجتماع وقفة عرفة مع يوم الجمعة .
والفضائل التى فى يوم الجمعة كثيرة منها :
فيه خُلق آدم ، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة ، وذلك شرف لذات اليوم .
أما بالنسبة للناس ففيه ساعة الإجابة ، وفيه اجتماع الناس للصلاة وسماع الخطبة، وهو يوم عيد أسبوعى يحرم صومه أو يكره منفردا عن غيره ، وفيه زيادة فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم -وفضل قراءة سوره الكهف ومغفرة ذنوب الأسبوع وزيادة ثلاثة أيام لمن تطهر وتطيب وسعى إلى المسجد ، وأنصت للخطبة ، ولم يتخط الرقاب ولم يؤذ أحدًا وهو يوم المزيد فى الجنة حيث يدعى أهلها لروية اللّه تعالى، وفيه صلاة الصبح بسجدة التلاوة عند بعض الأئمة .
ومن فضائل يوم عرفة :
استجابة دعاء الواقفين فى عرفة ، وندب صيامه لغير الواقفين ، وهو يكفِّر ذنوب سنتين ، وفضل اجتماع المسلمين على صعيد واحد فى تضرج لله وحده ، وفيه أكمل الله الدين وأتم النعمة : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة : 3 .
وفيه يدنو الرب من عباده الواقفين بعرفة ويباهى بهم ملائكته ، ويشهدهم أنه غفر لعباده .
وقال ابن القيم : أما ما استفاض على ألسنة العوام بأن موافقة يوم عرفة ليوم الجمعة فى الحج تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولا عن أحد من الصحابة والتابعين(9/292)
تقييد الشياطين فى رمضان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى تصفيد الشياطين فى رمضان ، وما العلاقة بين ذلك وبين المسلم الذى يفعل بعض المنكرات فى رمضان ؟ وما حكم من نوى الفطر وهو صائم ولم يفطر ؟
An إن الواقع يشهد بارتكاب المعاصى ممن يصومون رمضان ومن لا يصومون من المسلمين وغيرهم ، وذلك على الرغم من الأحاديث الصحيحة من تقييد الشياطين أو تصفيدها فى رمضان .
وقد قال شراح الأحاديث : إن المراد بتقييدها عدم تسلطها على من يصومون صومًا صحيحا كاملا، روعيت فيه كل الأسباب التى منها عفة اللسان والنظر والجوارح كلها من المعصية استجابة لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الصحيح "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى .
أو المراد أن الشياطين المصفدة هى المردة والجبابرة ، وأما غيرهم فلا يقيدون ، ولذلك تقع من الناس بعض المعاصى وأكثرها غير خطير، وهذا ما نصت عليه رواية الترمذى "صفدت الشياطين مردة الجن " أو المراد أن الشياطين كلها تقيد بمعنى يضعف نشاطها ولا يكون بالقوة التى يكون عليها فى رمضان .
لكن مع احترام ما قالوه نرى كبائر المعاصى وأخطرها ترتكب فى شهر رمضان من الصائمين ، ولهذا قال بعض العلماء : إذا كانت الشياطين تقيد فى رمضان فإن هناك بواعث أخرى على المعصية غير الشيطان ، ومنها النفس الأمارة بالسوء ، أو العادات والأعراف القبيحة التى تدفع إلى الشر أو شياطين الإنس من الجبابرة المزهوين بقوتهم ، وهذه الدوافع موجودة فى كل وقت ، وهى كافية لارتكاب المعاصى فى الوقت الذى تقيد فيه الشياطين ودور النفس البشرية الأمارة بالسوء لا يقل خطرا عن دور الشياطين ، ونرى ذلك واضحا فى إقرار الشيطان يوم القيامة كما قال رب العزة : {وقال الشيطان لما قُض الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم } إبراهيم :
22(9/293)
حكمة مشروعية الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا يحرمنا الله من التمتع بنعمة الطعام والشراب ، ويحرِّم علينا المتعة الجنسية لمدة شهر فى كل عام ، وذلك بفرض الصيام فى رمضان ؟
An على ضوء الحكمة العامة للتشريع ، وهى ربط المخلوق بالخالق ، وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته فى الأرض بالأخلاق الشخصية والاجتماعية يمكن توضيح الحكمة من الصيام فيما يأتى :
1- الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس ، وتضحية بالوجود الشخص بالامتناع عن الطعام والشراب ، وبالوجود النوعى بالإمساك عن الشهوة الجنسية، وذلك ابتغاء وجه الله وحده ، الذى لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات ، ومن هنا كان ثوابه عظيما، يوضحه ويبين علته قول النبى صلى الله عليه وسلم "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى" رواه البخارى ومسلم .
وفى الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها، فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل فى كثرة الصدقات فى فترة الصيام .
وفى توقيت الصيام بشهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية ونعمة الهداية القرآنية التى يكون الشكر عليها بالاستمساك بها"لعلكم تشكرون " وفى فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذى لا يرده لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا تُرد دعوتهم ، الصائم حتى يفطر- أو حين يفطر - والإمام العادل ، ودعوه المظلوم " رواه احمد والترمذى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان ، وحسَّنه الترمذى ولعل مما يشير إلى الإغراء فى الصيام توسط قوله تعالى{وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان . .. } بين آيات الصيام سورة البقرة : 183 .
2- فى الصيام تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة ، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها ، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم ، وهذا جهاد شاق يعود الصبر والتحمل ، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة ، ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحيلة بحلوها ومرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه رجلاً كاملاً فى عقله ونفسه وجسمه ، يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة .
وقد شرعه النبى صلى الله عليه وسلم علاجا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج ، ففى الحديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء " أى قاطع رواه البخارى ومسلم .
والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جُنّة قوية تحصنه ضد الأخطار التى ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء . يقول النبى صلى الله عليه وسلم "الصوم جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إنى صائم إنى صائم " رواه البخارى ومسلم .
والصائم الذى يمتنع عن المحرمات وعن الحلالات التى تدعو لها الشهوة إنسان عزيز كريم ، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التى تسيرها الغرائز. والصيام أيضا يعوَد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب ، وبالتالى يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق .
إن الصيام إلى جانب ما فيه من صحة النفس فيه صحة بدنية أسهب المختصون فى بيانها وتأكيد آثارها الطيبة ، ففى الحديث " صوموا تصحوا" رواه الطبرانى عن رواة ثقات ، والصوم يعوَد النظام والتحرى والدقة، وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معيَّن وحرمة الإفطار قبل حلول موعده ، قال تعالى{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة : 187 ، كما أن فى الصيام الصادق اقتصادا وتوفيرا يفيد منه الصائم ، وتفيد أسرته وتفيد الأمة .
3- الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش ، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هى المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد هى زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء ، وهى بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التى تلقاها فى شهر رمضان ، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث "صوم رمضان معتَق بين السماء والأرض لا يرتفع إلا بزكاة الفطر" رواه أبو حفص بن شاهين ، وهو يقبل فى فضائل الأعمال .
الصيام بهذا المظهر يُعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب ، ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم "أجود بالخير من الريح المرسلة" رواه البخارى ومسلم .
والصيام الكامل عن كل المشتهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرَّم والغش وسائر المحرمات ، وفى الحديث الشريف من "لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى والزور هنا معناه الباطل بكل مظاهره وألوانه ، وقد رأى بعض العلماء أن الغيبة والنميمة يفسدان الصوم كما يفسده تناول الطعام ، لقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن الصائمتين المغتابتين "صامتا عما أحل الله - الطعام - وأفطرتا على ما حرَّم الله " رواه أحمد وأبو داود . وفى بيان أثر الصيام فى العلاقات الاجتماعية قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن المرأة التى تؤذى جيرانها بلسانها " إنها فى النار " بالرغم من كثرة صلاتها وصيامها رواه أحمد والحاكم وصححه .
هذا ، والصيام يعود الإخلاص فى العمل ومراقبة الله فى السر والعلن ، وإذا كان هذا طابع الإنسان فى كل أحواله أتقن عمله وأنجز ما يوكل إليه من المهام على الوجه الأكمل ، وعف عن الحرام أيًّا كان نوعه ، وعاش موفقا راضيا مرضيا عنه ، وأفادت منه أمته إفادة كبيرة(9/294)
البلغم فى الصيام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يفطر للصائم إذا بلع البلغم ، وماذا يفعل لو تعذَّر بصقه وهو فى الصلاة؟
An الريق العادى الخالى من مواد غريبة يجوز بلعه فى نهار رمضان وفى أى صيام ، وذلك لمشقة الاحتراز عنه ، وليس من الواجب بصقه كلما تجمَّع ، فإن بصقه يزيد من الإحساس بالعطش وجفاف الحلق ،إلى جانب أن ابتلاعه لا يعد أكلا ولا شربا ، وليس غذاء يتنافى مع معنى الصوم وحكمته .
أما البلغم الخارج من الصدر ومثله النخامة النازلة من الرأس ، فإن وصل إلى الفم ثم بلعه الصائم بطل صومه على ما رآه الشافعية، إذ يصدق عليه أنه شىء دخل إلى الجوف من منفذ مفتوح ، ولا يشق الاحتراز عنه . وقال بعض العلماء : إن بلعه فى هذه الحالة لا يضر ما دام لم يتجاوز الشفتين ، بل قاسه آخرون على الريق العادى فقالوا : إن بلعه لا يبطل الصوم مطلقا ، وفى هذا القول تيسير على المصابين بحالة يكثر فيها البلغم ، أما غير هؤلاء فيتبعون أحد القولين الأولين .
وعلى القول بأن بلعه يبطل يجب بصقه حتى لو كان فى الصلاة، على ألا يطرحه فى المسجد فإن تلويثه ممنوع بل يكون ذلك فى نحو منديل بحركة خفيفة لا تبطل الصلاة(9/295)
مواقيت الصيام بين بلدين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q شخص بدأ الصيام فى مصر طبقا لتحديد أول شهر رمضان فيها، وسافر إلى بلد آخر اختلف العيد فيه مع مصر فكيف يفعل فى نهاية شهر رمضان ، هل يتبع مصر فى الإفطار للعيد أو يتبع البلد الذى هو فيه حتى لو أدى ذلك إلى أن يكون صيامه ثمانية وعشرين يوما،أو واحدا وثلاثين يوما؟
An من بدأ الصيام فى رمضان فى بلد حسب الرؤية فى يوم الجمعة مثلا، ثم سافر إلى بلد بدأ الصيام فيه حسب الروية فى يوم الخميس ، ومكث هناك حتى انتهى الشهر، فمن الجائز أن يكمل الشهر فى البلد الثانى ثلاثين يوما ، فيكون العيد يوم السبت وليست هناك مشكلة إذ ذاك .
كما أن من الجائز أن البلد الثانى يجعل الشهر تسعة وعشرين يوما فيكون العيد يوم الجمعة ، وعليه يكون الشخص الذى بدأ الصيام يوم الجمعة فى البلد الأول قد صام ثمانية وعشرين يوما ، فماذا يفعل والبلد الثانى الذى هو فيه عيدهم يوم الجمعة والصيام يحرم يوم العيد، والشهر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم تسعة-وعشرون يوما أو ثلاثون ، لا يكون أبدا ثمانية وعشرين يوما؟ وعلى هذا نقول لهذا الشخص : لك الخيار فى أن تفطر يوم العيد معهم وعليك أن تصوم يوما آخر ليكمل لك الشهر تسعة وعشرين يوما ، كما أن لك الخيار فى أن تصوم العيد لتكمل به الشهر تسعة وعشرين يوما .
هذا ما أراه والموضوع اجتهادى ، وإن كنت أفضل موافقة البلد الثانى فى الإفطار يوم العيد مع صيام يوم آخر، وتلك من سلبيات تعدد ولاة الأمر والأئمة فى الوطن الإسلامى(9/296)
صيام بلا صلاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن صام رمضان ولكنه لا يصلى، فهل ذلك يفسد صيامه ولا ينال عليه أجرا ؟
An هناك فرق بين بطلان العبادة وعدم قبولها ، فقد تكون صحيحة لا تجب إعادتها لأنها مستوفية الأركان والشروط ومع ذلك تكون غير مقبولة عند الله ، كمن يصلِّى رياء أو فى ثياب مسروقة ، والذى يصوم إن كان ممسكا عن المفطرات وهى الطعام والشراب والشهوة فصومه صحيح غير باطل حتى لو ارتكب بعض المعاصى كالكذب وكترك الصلاة ، لكن مع صحة الصوم هل يكون مقبولا يؤجر عليه من الله ؟ إن الأحاديث صحت فى حرمان هذا الصائم من قبول صومه مثل حديث "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه الجماعة إلا مسلما .
وبالمثل من يصوم ولا يصلى، صومه صحيح لا تجب إعادته لتركه الصلاة ، أما قبوله فالحديث يدل على عدمه ، وعلى فرض قبوله وأخذ ثواب عليه فإن عقاب ترك الصلاة عقاب شديد ، ويظهر ذلك فى الميزان يوم القيامة إذا لم يكن عفو من الله تعالى . فلنضع أمام أعيننا وفى قلوبنا قول الله سبحانه {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره } الزلزلة : 7، 8 ، وقوله {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلاَّم للعبيد} فصلت :
46(9/297)
حج الأنبياء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن جميع الأنبياء قاموا بالحج إلى بيت الله الحرام ولم يحج هود وصالح ، ولماذا لم يحج هذان النبيان ؟
An روى يونس بن بكير عن عروة بن الزبير أنه قال : ما من نبى إلا وقد حج البيت ، إلا ما كان من هود وصالح . يقول الحافظ ابن كثير: والمقصود الحج إلى محله وبقعته وإن لم يكن تم بناؤه ا هـ .
وقد يكون عدم مرورهما لأن رسالة هود كانت فى الأحقاف بعيدا عن مكة ، ورسالة صالح كانت فى ديار ثمود فى شمالى الجزيرة العربية تقريبا .
والكلام كثير فى أول من بنى البيت . والأدلة ليست قاطعة . وسيدنا إبراهيم قد رفع قواعده ، والرفع فى ظاهره أنه لشىء موجود فى الأصل ، ومع ذلك فالكلام الذى قاله عروة بن الزبير ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم . ويمكن الرجوع إلى الكتب والتفاسير ففيها كلام كثير، ومن أحدثها تاريخ الكعبة المعظمة .
تأليف / حسين عبد الله باسلامة المطبوع بجدة 1354 هـ(9/298)
الأضحية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن من أراد يضحى يحرم عليه قص شعره وأظفاره فى العشر الأوائل من ذى الحجة ؟
An روى مسلم وغيره عن أم سلمة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحى " وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ، ثم يبعث بها، ولا يحرم شىء أحله الله له حتى ينهر الهدى .
ذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعى إلى أنه يحرم أخذ شىء من شعر الإنسان أو أظفاره إذا أراد أن يضحى حتى يضحى . وقال الشافعى وأصحابه : إنه مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام ، وقال أبو حنيفة : لا يكره الحلق والتقصير، والحديث يرُدّ عليه ، وقال مالك فى رواية : لا يكره ، وفى رواية : يحرم فى التطوع دون الواجب .
والقائلون بالتحريم استدلوا بالحديث المروى عن أم سلمة ، واحتج الشافعى بحديث عائشة لأنه أقوى . واستظهر الشوكانى الرأى الأول وهو الحرمة وتحمس له ابن قدامة الحنبلى المتوفى سنة 630 هـ ومن قبله الخرقى المتوفى سنة 334 هـ ، وأورد عدة مبررات لذلك .
والحكمة فى النهى أن يبقى بدن الإِنسان كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل للتشبه بالمحرم كما ذكره النووى، وحكى عن أصحاب الشافعى أن الوجه الثانى -وهو التشبيه بالمحرم - غلط ، لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم .
وهذا كله لمن أراد أن يضحى ، أما من لم يرد ذلك فلا شىء عليه "المغنى لابن قدامة ج 11 ص 95 " ، " نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 119 " هذه هى آراء العلماء ، ولكل وجهة ، ولا بأس من أتباع أحدها(9/299)
الاقتراض للحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل ليس عنده مال يكفيه للحج ، هل يجوز له أن يقترض ليحج ؟
An معلوم أن الحج يجب على المستطيع ، ومن الاستطاعة القدرة المالية ، فإذا وجد المال الذى يكفى لنفقات الحج زائدا على النفقات الواجبة عليه لمن يعولهم وجب الحج عليه ، وقد رأى بعض العلماء أن يكون هذا المال زائدا على نفقته ونفقة من يعولهم مدة العمر الغالب ، وليس مدة الغياب فى الحج ، فلو كان له مورد رزق ثابت يدر عليه سنويا أو شهريا ما يكفيه هو وأسرته ولو باع شيئا منه ليحج أثَّرَ ذلك على حياته وحياة أسرته تأثيرا شديد يلجئه إلى الاستدانة أو السؤال فلا يجب عليه الحج عن طريق الاستغناء عن بعض ممتلكَاته ، لكنه لو فعل ذلك وحج صح حجه وأغناه عن حجه الإِسلام وإن كان لا ينجو من المؤاخذة على ما ألجأ نفسه وأسرته إليه مما لا يرضاه الإِسلام .
وبالمثل يقال فيما إذا لم يجد ما يزيد على نفقته ونفقة أسرته فهل يقترض ليحج ؟ لا يجب عليه الاقتراض لذلك ، لكن يجوز له أن يقترض ويحج إذا اطمأن إلى أنه سيرد القرض دون تأثير كبير على دخله وعلى أسرته ، وإن كان الاقتراض للحج منهيا عنه بدليل الحديث الذى رواه البيهقى عن عبد الله بن أبى أوفى قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل لم يحج ، هل يستقرض للحج ؟ فقال " لا" ، والنهى الذى تضمنه النفى قيل للتحريم وقيل للكراهة .
ومن صورة الاقتراض تكوين جمعية أو إنشاء صندوق باشتراكات من الأعضاء ، يأخد حصيلتها شهريا أو سنويا بعض الأعضاء الذين يمكنهم الحج بهذه الحصيلة مع مداومة الاشتراك ليؤدى ما عليه(9/300)
الإحرام لدخول الحرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للإنسان أن يدخل الحرم المكى دون أن يكون محرما بحج أو عمرة ؟
An خلاصة الآراء فى هذه المسألة ما يأتى :
الذى يقصد الحجاز أى المنطقة التى فيها الحرم المكى إما أن يكون مريدا للنسك ، أى الحج أو العمرة ، وإما ألا يكون مريدا لذلك ، كأن يريد زيارة صديق أو قضاء أية مصلحة أخرى .
ولكل حكمه :
ا - فالذى يريد النسك لا يجوز له أن يجاوز الميقات المعروف للقادمين لحج أو عمرة إلا بالإحرام ، ودليله أن النبى صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت وقال فيما قال : " هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة " رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس . بأن جاوز الميقات بدون إحرام وجب عليه أن يرجع إليه ويحرم منه ، فإن لم يرجع وأحرم من مكانه يلزمه دم أى ذبح شاة .
2- أما من لا يريد النسك فهو على قسمين :
(1 ) قسم لا يريد النسك ولا يريد دخول الحرم المكى-والحرم له حدود معينة غير المواقيت -بل يريد حاجة فى غيره من المناطق ، كجدة أو المدينة المنورة مثلا، فهذا لا يلزمه الإحرام ولا يجب عليه شىء فى تركه ، وهذا باتفاق العلماء ، والدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه تجاوزوا ميقات المدينة - وهو ذو الحليفة أو آبار على - أكثر من مرة لغير النسك فى غزوة بدر وغيرها وكانوا غير محرمين ، ولم يروا بذلك بأسا .
(ب ) وقسم لا يريد النسك ولكن يريد دخول الحرم ، وهذا القسم طوائف :
1 - طائفة تريد دخوله لقتال مشروع أو للأمن من خوف ، وهذه الطائفة لا يجب عليها الإحرام ، والدليل ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح ، وعلى رأسه المغفر. قال مالك : ولم يكن رسول الله يومئذ محرما . وكذلك ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام .
2 - طائفة تريد دخوله لحاجة متكررة تقتضى كثرة التردد على الحرم ، ومثل العلماء لها بالحطابين وناقلى المؤن ومن له ضيعة أو تجارة داخل الحرم أو خارجه ومثلهم المدرسون والموظفون الذين يخرجون من الحرم أو يدخلونه عدة مرات . وهذه الطائفة كالطائفة السابقة لا يجب عليها الإحرام عند دخول الحرم ، لأن تكليفهم الإحرام لكل دخول فيه حرج ، والدين لا حرج فيه ، والنصوص فى ذلك كثيرة مشهورة . واستأنسوا بقول ابن عباس : لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين . لكن سند الرواية عنه ضعيف .
3- طائفة تريد دخول الحرم لا لقتال ولا لحاجة متكررة كالطائفتين السابقتين ، وهؤلاء كالسائحين والزائرين والمكلفين بمهمات مؤقتة .
وفيهم ثلاثة أقوال :
( 1 ) قول يلزمهم الإحرام عند دخول الحرم ، وهو مروى عن ابن عباس . أخرج البيهقى عنه : " لا يدخل أحد مكة . إلا محرما " وإسناده جيد ، ورواه ابن عدى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم من وجهين ضعيفين . وهذا مذهب أحمد فى ظاهره ، ومذهب الشافعى فى أحد أقواله .
(ب ) قول يجعلهم كالحطابين وأمثالهم لا يوجب عليهم الإحرام ، وهو مذهب الشافعى فى قوله الآخر. ومذهب أحمد فى رواية عنه .
ودليلهم أن ابن عمر رجع من ، بعض الطريق ودخل مكه غير محرم ، وإذا قيل بسقوط هذا الدليل لأنه معارض بما ورد عن ابن عباس فى لزوم الإحرام قالوا : كان المسلمون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام ، كقصة الحجاج بن علاط وقصة أبى قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال ، وكان النبى قد أرسله لغرض قبل الحج ، فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة ، فقرره صلى الله عليه وسلم . وقالوا أيضا : إن الحرم المكى أحد الحرمين - مكة والمدينة - فلا يلزم الإحرام لدخوله كما لا يلزم لدخول الحرم المدنى . ثم قالوا :
وجوب الإحرام للدخول يكون من الشارع ولم يرد منه إيجاب بذلك على كل داخل ، فيبقى الدخول على الأصل وهو الحل . وهذا القول قواه كثير من العلماء المحققين .
(ج ) قول ثالث لأبى حنيفة وهو التفصيل ، فإن كان من يريد دخول الحرم داخل المواقيت جاز دخوله بغير إحرام ، لأنه يعد كأنه داخل الحرم نفسه ، وإن كان خارج المواقيت يلزمه الإحرام لدخول الحرم ، كما ذهب إليه أصحاب القول الأول .
هذا عرض لما قيل فى هذا الموضوع ، معاملة من يدخلون الحرم لأمر مؤقت . أو من يخرجون منه لحاجة مؤقتة ثم يعودون إليه -كمعاملة الحطابين وأمثالهم هو ما يؤيده الدليل ويقتضيه رفع الحرج فى الدين . قال ابن القيم فى زاد المعاد بعد عرض الأقوال : وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم فى المجاهد-أى لا إحرام عليه - ومريد النسك - أى فى وجوب الإحرام - وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله أو أجمعت عليه الآمة(9/301)
الحجر الأسود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن الحجر الأسود من الجنة فما مدى صحة هذا القول وما حكم تقبيله ؟
An عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " نزل الحجر الأسود من الجنة ، وهو أشد بياضا من اللبن ، فسودته خطايا بنى آدم لما رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه ابن خزيمة فى صحيحه ، إلا أنه قال " أشد بياضا من الثلج " وروى الطبرانى فى معجمه الأوسط ومعجمه الكبير مثله بإسناد حسن وكذلك البيهقى .
وعن عبد الله بن عَمْرو رضى الله عنهما قال : نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبى قبيس "جبل " كأنه مهاة بيضاء-أى بلورة- فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم . رواه الطبرانى فى معجمه الكبير موقوفا على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح ، أى ليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
وجاء فى الروايات التاريخية أن إبراهيم عليه السلام طلب حجرا مميزا يضعه فى البيت فجاءه به جبريل عليه السلام .
نأخذ من مجموع هذه الروايات أن الحجر الأسود من الجنة ، وأنه كان أبيض فسودته خطايا بنى آدم ، لكن درجة الأحاديث مترددة بين الصحة والحسن ، وهى على كل حال لم تبلغ درجة التواتر، فهى أحاديث آحاد . ولو كانت ،صحيحة فإن هناك خلافا بين العلماء فى إفادة حديث الآحاد الصحيح القطع والعلم اليقين .
وما دام لا يوجد ما يمنع تصديق هذه الأحاديث فلنصدقها ، ومع ذلك فإن من لم يصدقها لا يخل ذلك بعقيدته ، ولا يخرجه من الإيمان إلى الكفر .
هذا ، وقد نشر فى " الأهرام " الصادر فى يوم الجمعة بتاريخ 8 / 10 / 1982 م بقلم محمد عبده الحجاجى مدير إدارة بالمكتبة المركزية بجامعة القاهرة أن الحجر الأسود من السماء وسقوط الأحجار من السماء ظاهرة كونية معروفة ومؤكدة، وقد قام العالم البريطانى "ريتشار ديبرتون " برحلة إلى الحجاز متخفيا فى زى مغربى ، مدعيا أنه مسلم وكان يجيد اللغة العربية ، واندس بين الحجاج واستطاع أن يحصل على قطعة من الحجر، وحملها معه إلى لندن ، وبدأت تجاربه عليها فى المعامل الجيولوجية ، فتأكد أنه ليس حجرا أرضيا ، بل هو من السماء ، وسجل هذا فى كتاب له بعنوان " الحج إلى مكة والمدينة " الذى صدر بالإنجليزية فى لندن سنة 1856 م .
وسواء أكان الحجر من السماء أم لم يكن فإن الثابت أنه حجر مبارك قَبَّلَه النبى صلى الله عليه وسلم ، وثبت فى البخارى ومسلم أن عمر رضى الله عنه قبَّله اقتداء بالرسول مقسما أنه لا يضر ولا ينفع ، ورويت أحاديث غير قاطعة تدل على أن استلامه بمثابة عهد مع الله على الطاعة .
تقبيله :
روى الحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قبَّل الحجر الأسود وبكى طويلا ، ورآه عمر فبكى لما بكى ، وقال " يا عمر هنا نسكب العبرات " وثبت أن عمر رضى الله عنه قال وهو يقبله : والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . رواه البخارى ومسلم .
والتقبيل ، سنة عند الاستطاعة وبدون إضرار بالناس . وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمر " يا أبا حفص ، إنك رجل قوى فلا تزاحم على الركن فانك تؤذى الضعيف ، ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم ، وإلا فكبرِّ وامض " رواه الشافعى فى سننه .
وما هو السر فى اهتمام النبى صلى الله عليه وسلم بتقبيله والبكاء عنده ؟ قد يقال : إن ذلك من باب التشبه بتقبيل يد السادة والكبراء ، والحجر-كما فى بعض الروايات -يمين الله فى الأرض يصافح بها عباده ، فالتقبيل إعظام وإجلال للَّه سبحانه أو تعاهد معه على الطاعة والالتزام كما يحدث بين الناس فى المبايعة والموالاة .
وقد يقال : إن الحجر هو الجزء الباقى بيقين من أحجار الكعبة التى بناها أبوه إبراهيم عليه السلام ، فالرسول يكرم هذا الأثر، ويتذكر به أصوله الأولى وما قاموا به من أمجاد وتضحيات هيأت لولادته وبعثته حول هذا الأثر الباقى وهو الكعبة .
وقد يقال : إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقبله متذكرا إكرام الله له وتهيئته من الصغر ليكون رسول هذه الأمة، حيث فصل فى نزاع خطير بين القبائل من أجل نيل الشرف بوضع الحجر الأسود فى مكانه عند تجديد بناء الكعبة قبل البعثة حيث ارتضوه -وهو الأمين -حكما فى هذا النزاع ، فأشركهم فى حمله بثوب ، ثم أخذه بيده ووضعه فى مكانه ، إنه شرف جدير بالاعتزاز به ، يتذكره الرسول بعد سنوات طوال ترك فيها مكة وحرمه أهلها من زيارة البيت ، حتى مكنه الله منه بعد أن انتصر وعز، ورفع الله ذكره .
كل ذلك يمكن أن يكون حيثيات للاهتمام الزائد من النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الحجر، مع العلم بأن تقبيل الحجر ليس عبادة له أبدا ، فالعبادة للّه وحده ، كما أن الطواف بالبيت ليس عبادة للبيت ، بل للَّه سبحانه الذى أمر به فى قوله { وليطوفوا بالبيت العتيق } الحج :29 ، وقال فى امتنانه على قريش { فليعبدوا رب هذا البيت } قريش : 3 ، فتقبيل الحجر ليس عبادة له ، ولو كان فيه خطأ لم يقر الله رسوله عليه أبدا ، والله لا يقر أحدا على شرك فى عبادته .
وشعور عمر عند تقبيل الحجر هو شعور الموحد للَّه سبحانه والمقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن الإقتداء به مطلوب .
وشعور الرسول بتقبيله هو أيضا شعور الموحد له سبحانه المعترف الشاكر لنعمه عليه وعلى أبيه إبراهيم عليه السلام ، وشعور المشتاق للجنة ، فقد قيل إن الحجر من الجنة وكان أبيض فسودته خطايا بنى آدم وإن لم يكن الخبر قطعى الثبوت كما قدمنا .
فالرسول صلى الله عليه وسلم بكل هذه المشاعر والأحاسيس يقبل الحجر الأسود، وهو فى قمة التوحيد للَّه وإخلاص العبادة له سبحانه(9/302)
وقت رمى الجمرات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الوقت المحدد لجواز رمى الجمرات فى الحج ؟
An الجمرات ثلاثة، جمرة العقبة وهى الكبرى التى تلى مكة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى التى تلى مسجد الخيف . والواجب فى يوم النحَر هو رمى جمرة العقبة فقط بسبع حصيات ، حتى يمكن بعد رميها وحلق الشعر أو تقصيره التحلل من الإِحرام ومباشرة ما كان محرما إلا قربان النساء .
ويدخل وقت الرمى عند الشافعية بمنتصف ليلة العيد ، أي قبل الفجر، بدليل ما رواه البيهقى بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت .
وبما رواه أبو داود أيضا عن عطاء قال : أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة، قلت آنا رميت الجمرة بليل ، قالت : إنا كَنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال جمهور الفقهاء: يدخل وقت رميها بطلوع الفجر، فلا يصح الرمى قبله ، إلا لذوى الأعذار، وعليهم يحمل حديث أم سلمة وأسماء، والأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس .
أما الجمرات الثلاث فترمى فى أيام التشويق ، كل منها بسبع حصيات ، ويدخل وقت رميها عند زوال الشمس ( أى ظهرا) للحديث الذى رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن ، عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رمى الجمار عند زوال الشمس ، أو بعد زوال الشمس ، وذلك باتفاق العلماء . وأجاز أبو حنيفة الرمى يوم الثالث من أيام التشريق قبل الزوال ، لحديث ضعيف فيه عن ابن عباس أيضا : إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمى والصدر، والانتفاخ هو الارتفاع ، والصدر أى الانصراف من منى .
وهناك رى لعطاء بن أبى رباح وطاووس بن كيسان بجواز الرمى قبل الزوال فى الأيام كلها ، ويمكن الأخذ بهذا الرأى عند الحاجة ، كشدة الزحام(9/303)
المبيت بمنى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندى عذر يمنعنى من المبيت فى منى ، فماذا أفعل ؟
An المبيت بمنى ليالى التشريق واجب من واجبات الحج ، لو ترك كان فيه هدى، وهو شاة فمن لم يستطع صام عشرة أيام ، ثلاثة فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وكيف يصوم الأيام الثلاثة فى الحج ؟ قيل يصومها ما دام موجودا هناك لم يعد إلى وطنه ، وقيل فى موسم الحج ، وقيل أيام التشريق الثلاثة للضرورة كما قال عبد الله بن عمر وعائشة رضى الله عنهما : لم يرخص فى أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لا يجد لهدى وترك المبيت ليلة كترك المبيت فى الليالى الثلاثة - والمراد بالمبيت الحضور بمنى معظم الليل ، سواء فى أوله أو فى آخره .
والمبيت واجب ليلتين إذا نفر قبل غروب شمس اليوم الثانى من أيام التشريق ، وهو اليوم الثانى عشر من ذى الحجة ، فإن غربت عليه الشمس بمنى وجب أن يبيت فيها ، وهو واجب عند الأئمة الثلاثة، وجعله أبو حنيفة مندوبا ، من تركه فلا شىء عليه . وأطال مدة النفر من اليوم الثانى عشر فجعلها حتى قبيل فجر اليوم الثالث عشر. وقال ابن حزم : من لم يبت فى منى فقد أساء ولا شىء عليه .
ومن قالوا بعدم وجوبه استندوا إلى ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : إذا رميت الجمار فبت حيث شئت .
والكل متفق على أن المبيت يسقط عن ذوى الأعذار، فقد روى البخارى أن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم استأذنه أن يبيت بمكة ليالى منى من أجل سقايته ، فأذن له . وروى أصحاب السنن الأربعهَ :
أبو داود وابن ماجه والنسائى والترمذى وقال الترمذى : هو صحيح - عن عاصم بن عدى أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى .
وعلى هذا لو كان المبيت بمنى فيه مشقة على مريض لا يجد علاجا أو راحة فيها فبات بمكة يمكن أن يأخذ برأى أبى حنيفة ومن معه بأن المبيت سنة لا شىء فى تركه ، وإن كان الأولى أن يذبح مراعاة لرأى الجمهور القائل بأن المبيت واجب ، وإذا قيس المرض على أعذار السقاة فلا شىء على ترك المبيت بمنى(9/304)
الحج على نفقة الدولة وبجوائز المسابقات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يزعم البعض أن أموال الدولة مصدرها حرام وبالتالى لا يجوز للفرد أن يحج على نفقتها، أو من خلال الفوز فى المسابقأت الدينية التى تنظمها الهيئات الحكومية، فما مدى صحة هذا الكلام ؟
An ليست أموال الدولة كلها من مصدر حرام ، وإذا اختلط الحلال بالحرام واستحال فصل أحدهما عن الآخر فلا مانع من الأخذ منه ، لعل ما أخذ يكون من الحلال ، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الجزية من اليهود وكانت أموالهم مشوبة بالحرام من الربا والاتجار فى المحرمات .
وعليه فيجوز الحج على نفقة الدولة، وتسقط الفريضة ، وكذلك يجوز الحج من خلال الفوز فى المسابقات الدينية التى تنظمها الهيئات الحكومية ، والأمر على ذلك منذ مئات السنين ، وعلماء الدين لا يعترضون على ذلك ، بل يقبلونه وينالون منه .
ولماذا نتشكك فى أموال الدولة هنا ونقبلها فى أجورنا ومرتباتنا ، وننتفع بها فى المساجد والمرافق العامة التى تقيمها وتتولى رعايتها وفى غير ذلك من كل ما تقوم به الدولة من الخزانة العامة التى تصب فيها الضرائب والتبرعات والقروض والبيع والتصدير وغير ذلك ؟(9/305)
حج المرأة بدون محرم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تقدمت سيدة بطلب للحج فقيل لها: لابد من محرم معها ، فماذا تفعل ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها " . ورويا أيضا أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم إنه اكتتب فى الغزو، وإن امرأته قد خرجت للحج ، فقال له "حج مع امرأتك " . إزاء هذين النصين وغيرهما اختلف العلماء فى اشتراط المحرم فى وجوب الحج على المرأة ، وبعيدا عن اختلافهم فى تقدير المسافة ، قال الحنفية : لابد من وجود الزوج أو المحرم ، إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل . وقال الشافعى فى المشهور عنه كما ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 9 ص 104 " : لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها . وقال أصحابه : يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات ، وقال بعضهم :
يلزمها -أى الحج -بوجود امرأة واحدة ، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد ، بل تسير وحدها فى جملة القافلة وتكون آمنة ، ويقول النووى : المشهور من نصوص الشافعى وجماهير أصحابه هو الأول ، أى الأمن على نفسها بالزوج أو المحرم أو النسوة الثقات . والإمام مالك لا يشترط الزوج أو المحرم فى سفر الفريضة ، وقال الباجى من المالكية : إن الكبيرة غير المشتهاة يجوز سفرها بلا زوج ولا محرم ، ورفض القاضى عياض هذا القول لأن المرأة مظنة الطمع والشهوة حتى لو كانت كبيرة، ولوجود السفهاء الذين لا يتورعون عن الفحشاء فى الأسفار. والإمام أحمد اشترط وجود الزوج أو المحرم فى وجوب الحج عليها، وفى رواية أخرى عنه : لا يشترط ذلك فى سفر الفريضة . يقول النووى بعد حكاية مذهب الشافعى : إن هذا الخلاف إنما هو فى الحج الواجب ، أما حج التطوع وسفر الزيارة والتجارة وما ليس بواجب ، فقال بعضهم : يجوز خروجها مع نسوة ثقات ، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم ، وهذا هو الصحيح ونوجه النظر إلى أن من اشترط المحرم أو الزوج اشترطه لوجوب الحج عليها ، ولرفع الإثم والحرج عنها لو سافرت بدونه ، لكن لو خرجت للحج بدون ذلك فإن حجها صحيح متى استوفى أركانه وشروطه ، وتسقط به الفريضة عنها ولا تلزمها إعادته مع محرم ، وإن كانت قد أثمت لخروجها بدون الزوج أو المحرم أو ما يقوم مقامهما على الوجه المذكور .
والحكمة فى اشتراط المحرم أو الزوج هى توفير الأمن للمرأة فى السفر، ومساعدتها على قضاء مصالحها التى تحتاج إلى اختلاط أو تعب ، وقد يكون لتطور وسائل السفر وقصر مدة الغياب عن الوطن ، مع توافر كل المستلزمات من ضروريات وكماليات ، وسهولة الحصول عليها ، ومع استتباب الأمن حيث تؤدى الشعائر بيسر، بالقياس إلى أزمان سبقت قد يكون لكل ذلك أثره فى تغير النظرة عند فهم الحديث الخاص بسفر المرأة وحدها . وقد صح فى البخارى من حديث عدى بن حاتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر له أنه قد يستتب الأمن حتى ترتحل الظعينة من الحيرة وتطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله .
وقد رأينا فى استعراض آراء الفقهاء -حتى بين علماء المذهب الواحد - اختلاف وجهات النظر فى حتمية المحرم أو الزوج وإمكان الاستعاضة عنهما بالرفقة المأمونة ، بل فى جواز حجها بدون مرافق ، حتى إن ابن حزم فى " المحلى " رجح عدم وجوب الزوج أو المحرم فى سفر الحج ، فإذا لم تجد واحدا منهما تحج ولا شىء عليها . ولذلك أرى أن المدار هو على توفر الأمن والراحة لها ، فإذا حصل ذلك بأية صورة من الصور، كزوج أو محرم أو رفقة مأمونة أو إشراف رسمى مسئول أو غير ذلك . وجب عليها الحج وسافرت ، وقد حج نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن أذن لهن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما وكان ذلك سنة لأنهن حججن مع الرسول صلى الله عليه وسلم . هذه هى خلاصة ما قرأته فى المراجع الآتية : شرح النووى لصحيح مسلم ج 9 ص 104 ، المغنى لأبن قدامة ج 3 ص ، 195 ، نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 6 30 ، 07 3 والأسرة تحت رعاية الإسلام ج 2 ص 230(9/306)
الحج أو الزواج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل يريد الحج لأول مرة وله ابن غير قادر على تكاليف الزواج ، فهل يؤدى الفريضة أم يساعد ابنه على زواجه ؟
An لا يجب على الوالد أن يزوج ولده أو يساعده فى زواجه ، فذلك مندوب فقط ، والحج للقادر عليه لأول مرة واجب . وإذا تعارض واجب ومندوب قدم الواجب ، فعلى الرجل أن يؤدى فريضة الحج أولا، لأنه مستطيع ، وفى الحديث تهديد لمن قدر على الحج ولم يحج ، وبخاصة أن جمهور الفقهاء قالوا : إن وجوب الحج على الفور وليس على التراخى ، فالتأجيل فيه إثم عندهم . وعلى الولد أن يصبر حتى يغنيه الله ويستطيع الزواج ، كما قال تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } النور: 33 ، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أى قاطع ، رواه مسلم . والباءة هى تكاليف الزواج . وإذا كان الولد محتاجا إلى الزواج ليعف نفسه فعليه أن يتزوج من وسط يتناسب مع قدرته ومستواه المادى ، وفى النساء كثيرات يوافقن على ذلك بدون مغالاة فى المهور والجهاز .
ومثل ذلك يقال فى تجهيز الوالد لبنته ، فهو سنة غير واجب ، أما الحج فهو واجب يقدم على السنة . وكذلك إذا كان الشاب مستطيعا بمال يكفيه أحد الأمرين ، الحج المفروض لأول مرة ، أو الزواج فإذا كان مستقيما يستطيع أن يبتعد عن الفاحشة كان زواجه سنة وحجه واجبا فيقدم الواجب ، أما إذا كان ضعيفا أمام شهوته -إن لم يتزوج بسرعة وقع فى الفاحشة -كان زواجه واجبا ولا يجب عليه الحج لأنه غير مستطيع ، فالاستطاعة تكون بعد كفاية الضروريات ، والزواج ضرورى له فى هذه الحالة ، والزواج فيه درء للمفاسد فيقدم على الحج الذى فيه جلب للمصلحة كما تقتضيه قواعد التشريع . أما إذا كان الحج مندوبا أى للمرة الثانية فله الخيار بين الحج والزواج ، أو مساعدة الابن أو البنت(9/307)
الحج وتكفير التبعات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من يرتكب المعاصى ويهمل فى الطاعات ثم يقول : سأحج لأن الحج يغفر كل الذنوب ؟
An قال اللّه تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء: 48، وقال صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخارى ومسلم . وقال "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه البخارى ومسلم . يقول العلماء : إن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر، كما قال تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } النساء : 31 ، وقال تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } النجم : 32 ، والصغائر مكفراتها كثيرة ، فإلى جانب التوبة والاستغفار يكفرها اللّه بأى عمل صالح ، قال تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود : 114 ، وقد نزلت فى رجل ارتكب معصية وفال له النبى صلى الله عليه وسلم " أشهدت معنا الصلاة"؟ قال : نعم ، فقال له "اذهب فإنها كفارة لما فعلت " وقال صلى الله عليه وسلم " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر" رواه مسلم ، وقال "واتبع السيئة الحسنة تمحها" رواه الترمذى بسند حسن . أما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم } التحريم : 8، وكما قال بعد ذكر صفات عباد الرحمن وأن من يفعل الكبائر يضاعف له العذاب { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل اللَّه سيئاتهم حسنات وكان اللَّه غفورا رحيما} الفرقان :
70، . أما الأعمال الصالحة غير التوبة فلا تكفر الكبائر، لأن هذه الأعمال الصالحة لا تؤثر فى تكفير الذنوب الصغيرة إلا إذا اجتنيت الكبائر كما تقدم فى حديث مسلم . وعلى هذا قالوا : إن النصوص العامة التى فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب - كحديث الحج المتقدم - مخصوصة بالذنوب الصغيرة ، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة . وليكن معلوما أن التوبة لا تكفر الذنوب التى فيها حقوق العباد لأن من شروطها أو أركانها أن تبرأ الذمة منها ، إما بردها لأصحابها وإما بتنازلهم عنها ، وبالتالى فالحج أو غيره من الطاعات لا يكفر الذنب الذى فيه حق للعباد حتى تبرأ الذمة منه ويؤيد ذلك أن الشهادة في سبيل اللَّه ، وهى فى قمة الأعمال الصالحة ، لا تكفِّر حقوق العباد، كما ورد فى حديث مسلم " يغفر اللَّه للشهيد كل شىء إلا الديْن " . أما الذنوب التى هى حق للَّه فهى قسمان ، قسم فيه بدل وعوض ، وقسم ليس فيه ذلك ، فالأول كمن أذنب بترك الصلاة أو الصيام فلا يكفر إلا بقضاء ما فاته من صلاة وصيام كما وردت بذلك النصوص الصحيحة ، والثانى كمن أذنب بشرب الخمر مثلا، فإن مجرد تركه والتوبة منه يكفره اللّه تعالى ، والتوبة تكون بإقامة الحد عليه إن كانت الحدود تقام ، وإلا فهى الإِقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العود . هذا ، وقد وردت نصوص تدل على أن التبعات والمظالم يكفرها اللَّه بالحج ، لكن هذه النصوص غير قوية فلا تعارض ما هو أقوى منها ، فالتوبة لا تكفر التبعات والمظالم إلا ببراءة الذمة، وكذلك الحج لا يكفرها إلا بذلك .
وكل ما تقدم محله إذا لم تتدخل مشيئة اللّه ، فإن تدخلت غفر اللّه كل شىء من الذنوب يقع من العبد ما عدا الإِشراك باللّه كَما قال سبحانه { إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء : 116 ، . وعلى هذا ، فالرجل الذى يفعل المعاصى اعتمادا على أن الحج يكفرها - لا يجوز له أن يرتكن على الحديث المذكور ، ولا أن يرتكن على مشيئة اللّه الذى يغفر الذنوب جميعا ، فربما لا يكون هو ممن يشاء اللّه المغفرة لهم " المواهب ج 1 ص 338 وابن تيمية ج 18 ص 141 وحاشية عوض على الخطيب ج 1 ص 216"(9/308)
طواف الوداع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كنت مريضا فى الحج وتحتم سفرى فسافرت ولم أطف طواف الوداع فهل حجى صحيح وهل من السنة ما يفعله الناس بعد الطواف من خروجهم من المسجد بظهورهم ووجوههم إلى الكعبة ؟
An من الذوق إذا زار الإنسان أخاه وأراد أن يفارقه أن يثنى عليه لكرم استقباله وضيافته ، كما يثنى عليه أخوه ويشكره لزيارته ، ومن أدب الإسلام إذا دخل الإنسان مجلس قوم أن يسلم عليهم ، فإذا فارقهم سلم عليهم أيضا ، فليست الأولى بأحق من الآخرة ، كما ثبت فى الحديث الذى رواه الترمذى .
والزائر لبيت الله زائر لربه ، وقد لقى منه أثناء الزيارة نفحات وبركات ، فليس من اللائق أن يفارق البيت دون عمل شيء يدل على تأثره لمفارقته ، وكما حيا البيت عند دخول المسجد بطواف القدوم فلتكن تحيته عند مفارقته بالطواف الذى يطلق عليه طواف الوداع .
وهو يكون عند العزم على مغادرة البيت مغادرة نهائية لا وقتية، بحيث لا يمكث بعده قى مكة إلا لقدر ما يعد للسفر إعدادا سريعا .
واتفق العلماء على أن طواف الوداع مطلوب لما رواه مسلم وأبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان الناس ينصرفون فى كل وجه ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " وروى مالك فى الموطأ عن عمر رضى الله عنه قال : آخر النسك الطواف بالبيت .
لكن ما هى درجة طلبه ؟ قال الشافعى وأبو حنيفة وأحمد إنه واجب ، يلزم بتركه دم ، وقال مالك : إنه سنة لا يجب بتركه شيء ، وهو قول للشافعى .
ومهما يكن من درجة طلبه فإن المرأة إذا كانت حائضا يسقط عنها ، لما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت . وفى رواية : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض .
ونقول لصاحب السؤال : إن أخذت برأى الجمهور وجب عليك ذبح شاة، فإن لم تجد فعليك صيام عشرة أيام فى بلدك ما دمت قد غادرت الحرم ، وإن أخذت برأى مالك فليس عليك شيء ، ولا حرج عليك ، وحجك صحيح إن شاء الله .
أما ما يفعله بعض الناس من الخروج بظهورهم فلم يرد شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وإنما هو عرف فى الأدب ، عند بعض الناس ، لا نستطيع أن نحكم عليه بالحرمة ، إلا إذا كان فيه إيذاء للغير، أو تعريض نفسه للأذى، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، كما ورد فى الحديث الذى رواه مالك وابن ماجه والدارقطنى بإسناد حسن ، والذى يسن بعد الطواف هو أن يقف الطائف عند الملتزم ويدعو ربه بالرضا عنه وبالعافية والصحة والعصمة وحسن المنقلب والتوفيق للطاعة ، و بألا تكون هذه المرة هى آخر العهد بالبيت(9/309)
الإطعام بدل الصوم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q معلوم أن المتمتع - وهو الذى يحرم بالعمرة فى أشهر الحج عليه هدى، فإن لم يجد صام عشرة أيام ، فهل يجوز له أن يطعم بدل الصيام ؟
An إن الفدية الواجبة للتمتع مقدرة مرتبة وليست مخيرة ، فلا يجوز له العدول عن الواجب إلا إذا عجز منه ، والقرآن الكريم نص على أن المتمتع يجب عليه الهدى، فإن عجز وجب عليه الصيام . ولم يأت نص فى القران أو السنة على بديل للهدى والصيام قال تعالى : {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} البقر: 196 .
فإذا كان قادرا على الصوم فلا يجوز له الإطعام ، كالقادر على صيام رمضان لا يجوز له أن يطعم ، أما إن كان عاجزا عن الصوم لكبر سن أو لمرض لا يرجى برؤه ، فيقاس على من عجز عن صيام رمضان ، ويطعم عن كل يوم مسكينا ، فإن مات ولم يطعم وكان قادرا على الإطعام ، وجب الإطعام من تركته ، لأنه دين يقدم على الميراث . أما إذا لم يكن قادرا على الإطعام فلا شىء عليه "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ولا يلزم ورثته بشىء لأنه مات فقيرا ولا ميراث له ، ولا يقاس على من مات وعليه صيام لأن الذى عليه هو الإطعام وليس الصيام .
مع أن الذى مات وعليه صيام لا يوجد نص بالإطعام عنه .
والقادر على الصيام ولم يصم حتى مات مات عاصيا ، يقاس على من مات وعليه صيام من رمضان ، لأن كلا من الصيامين وجب الشرع ، فذهب بعض الفقهاء ، ومنهم أبو حنيفة وأحمد ومالك والشافعى فى المشهور عنه إلى أن وليه لا يصوم عنه ، بل يطعم عن كل يوم مسكينا ، والمذهب المختار عند الشافعية ، أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى طعام عنه ، ولا يصح أن يصوم الأجنبى عنه بدون إذن الولى ، فقد روى البخارى وأحمد أن النبى صلى الله عليه و سلم قال "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " .
وفى رواية للبزار زيادة "إن شاء " وسندها حسن . وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه و سلم إن أمى ماتت وعليها صيام شهر، أفأقضيه عنها ؟ فقال : "لو كان على أمك دين أكنت قاضيه "؟ قال نعم ، قال : "فدين الله أحق أن يقض " .
وهذا القول هو الصحيح المختار كما قال النووى ، لأنه حكم ورد فيه دليل ، أما الرأى الاَخر فليس عليه دليل منصوص .
جاء فى المغنى لابن قدامة"ج 3 ص 509"ما نصه : ومن لزمه صوم التمتع فمات قبل أن يأتى به لعذر منعه عن الصيام فلا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم أيام من رمضان ، ولأنه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان(9/310)
تغيير نية الإحرام فى الحج والعمرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q خرجت من البلد ناويا الإحرام بالحج مفردا لأننى سأتوجه إلى مكة مباشرة من ميناء جدة أو من المطار ، ووجدت صعوبة فى التزامى بالإحرام حتى أقف بعرفة و أكون فى منى يوم العيد ، فهل يجوز لى أن أغير نية للإحرام من الإفراد بالحج إلى التمتع بأداء العمرة أولا ، ثم أحرم بالحج من مكة ، أو لا يجوز ؟
An من المعلوم أن الحج والعمرة يؤديان على كيفيات ثلاث ، الأولى التمتع بأن يحرم الإنسان بالعمرة أولا ، وبعد أن ينتهى من أعمالها يحرم بالحج ، وفى هذه الحالة يجب عليه الهدى ، والثانية القِران بأن يحرم بالحج والعمرة معا ، ويكون الطواف والسعى جهدا واحدا مغنيا عن التكرار ، وفى هذه الحالة يجب الهدى ، والثالثة الإفراد ، بأن يحرم بالحج فقط ، وبعد الانتهاء من أعماله يحرم بالعمرة وفى هذه الحالة لا يجب هدى .
ومعلوم أن الإنسان عندما يحرم يلتزم بواجبات الإحرام ويمتنع عن المحظورات المعروفة ، وهو فى الغالب يختار من الأحوال الثلاثة ما يشاء . فلو أراد أن يغير نية الإحرام بعد ما أحرم لعذر أو لغير عذر ، فهل يجوز له ذلك ؟ .
اتفق العلماء على أنه إذا لم يجاوز الميقات يجوز له تغيير النية حيث لم يشرع فى شىء عملى من أعمال الحج والعمرة ، أما بعد تجاوز الميقات فقال بعض العلماء : لا وأجاز بعضهم التغيير للنبة حتى بعد تجاوز الميقات ، واستدلوا على ذلك بما حصل للنبى صلى الله عليه وسلم "ومن معه فى حجة الوداع ، على الخلاف فى أنه كان مفردا أو قارنا أو متمتعا كما جاء فى عبارة جابر فى رواية مسلم أنهم أهَلُّوا مع رسول اللَّه وقال : لسنا نرى إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، ولكن بعد انتهاء الرسول من الطواف والسعى قال " لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدى فَلْيُحِلَّ ولْيجعلها عمرة " فقام سراقة بن مالك بن جعشم وقال : يا رسول اللَّه ، أَلِعَامِنَا هذا أم لأبد ؟ فقال " بل لأبد أبد " .
وهذا ما يطهر ترجيحه لوجود النص على ذلك ولو مع عدم قطعية الدلالة ، وعليه فيجوز تغيير نية الإحرام ولو جاوز الميقات(9/311)
الحج والعذر الشهرى للمرأة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سيدة فاجأتها الدورة أثناء الإحرام بالحج أو العمرة ، فماذا تفعل ؟
An ثبت فى الصحيح عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهى تبكى ، فقال " أنُفِسْتِ " ؟ يعنى هل جاءتك الحيضة فقالت : نعم ، قال " إن هذا شىء كتبه اللَّه على بنات آدم ، فاقض ما يقض الحاج ، غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى " رواه البخارى ومسلم .
هذا تصريح من النبى صلى الله عليه وسلم أن كل أعمال الحج يجوز أن تقوم بها المرأة وهى حائض ، ماعدا الطواف . لأنه أولا كالصلاة يشترط لكل منهما الطهارة من الجنابة بالذات ، وثانيا كونه فى المسجد ، وممنوع عليها المكث فيه .
فلها أن تقف بعرفة وترمى الجمرات ، بل لها أن تسعى بين الصفا و المروة إن فاجأها بعد الانتهاء من الطواف ، والذى تمنع منه صاحبة العذر الشهرى هو الصلاة والطواف وقراءة القرآن والمكث فى المسجد ومس المصحف وحمله . أما الذكر والدعاء ومنه التلبية والتكبير فلا يحرم شىء منه عليها .
وجمهور العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف وقال أبو حنيفة إنها ليست شرطا ، فلو طاف الإنسان وعليه نجاسة أو كان محدثا ولو حدثا أكبر صح طوافه وإن حرم عليه دخول المسجد ، واختلف أصحابه فى كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط ، فمنهم من أوجبها وقالوا : إن طاف محدثا لزمه شاة وإن طاف جنبا لزمه بدنة ، وقالوا : ويعيد ما دام فى مكة ، وعن أحمد بن حنبل روايتان ، إحداهما كمذهب الشافعى ومالك ، والثانية إن أقام بمكة أعاده ، وإن عاد إلى بلده جُبِرَ بدم .
واحتج أبو حنيفة و موافقوه قى عدم اشتراط الطهارة بقوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } وهذا يتناول الطواف بلا طهارة ، قياسا على الوقوف بعرفة وسائر أركان الحج ، واحتج غيرهم بحديث عائشة السابق ، وبأن قول النبى صلى الله عليه وسلم " لتأخذوا عنى مناسككم " بيان للطواف المجمل فى القرآن ، وقد منع عائشة من الطواف حتى تغتسل وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج ه ص 120 طبعه بيروت " روى عن عطاء : إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها ، وهو مذكور فى فتاوى ابن تيمية "ج 26 ص 08 2 " الذى ناقش هذا الموضوع بتوسع وقال :
إن الطهارة شرط فى صحة الطواف على رأى الشافعى ومالك ورواية لأحمد ، وليست شرطا فى الرواية الأخرى وعند أبى حنيفة ، وقال : إن هذا قول أكثر السلف وهو الصواب "ج 26 ص 211 " .
ومما قال "ج 26 ص 221 " : تنازع العلماء فى الطهارة هل هى شرط فى صحة الطواف كالصلاة أم هى واجبة إذا تركها جبر بدم كترك الإحرام من الميقات ؟ على قولين مشهورين ، هما روايتان عن أحمد ، أشهرهما عنه وهى مذهب مالك والشافعى أن الطهارة شرط فيها ، فإذا طاف جنبا أو محدثا ، أو حائضا ناسيا أو جاهلا ثم علم - أعاد الطواف -والثانى أنه واجب . فإذا فعل ذلك جبره بدم .
لكن عند أبى حنيفة : الجنب والحائض عليه بدنة ، والمحدث عليه شاة ، وأما أحمد فأوجب دما ولم يعين .
وأرى أن العذر الشهرى لو فاجأ المرأة أو كان واقعا ، لها أن تغتسل ثم تحرم وتلبى ، وتلتزم بكل واجبات الإحرام حتى ينتهى العزر فتغتسل ثم تطوف ، وإن انتهت من أعمال الحج وبقى عليها الطواف وأرادت أن تسافر فإن أمكن تأجيل السفر حتى تتطهر وتغتسل فالأولى الانتظار حتى تتطهر وتطوف ، أما إذا ضاق الوقت وتقرر موعد السفر وكانت هناك مشقة فى التخلف ، فلها أن تتطهر-على الرغم من وجود العزر- وتطوف ، وعليها ذبح بدنة أى جمل ، أو ذبح شاة .
وفى الفتاوى الإسلامية " المجلد 8 ص 2927" أجاز بعض الحنابلة والشافعية دخولها المسجد بعد إحكام العصب والغسل ، وتطوف دون فدية ، لعلة الاضطرار للسفر ، وهو عزر شرعى .
وهذا كله فى الطواف المفروض وهو طواف الإفاضة أو الزيارة الذى يكون بعد الوقوف بعرفة ، أما طواف القدوم فهو سنة : وكذلك طواف الوداع الأخير غير مفروض على الحائض و النفساء ، فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما ، كما رواه البخارى : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض .
هذا ، ولا مانع من تعاطى أدوية تمنع الدم حتى يتم لها نسكها وهى طاهرة فقد روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه سئل عن ذلك فلم يربه بأسا ، ووصف لهن ماء الأراك . وقال محب الدين الطبرى : إذا اعْتُدَّ بارتفاع الدم فى هذه الصورة اعْتُدَّ بارتفاعه فى انقضاء العدة وسائر الصور ، وكذلك فى شرب دواء يجلب الحيض إلحاقًا له(9/312)
الأضحية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الأصل في مشروعية الأضحية، وهل هى واجبة أو سنة، وما هى مواصفات ما يضحى به ، وهل صحيح أنه يمكن أن يضحي بديك ؟
An كلمة الأضحية فيها أربع لغات :
1 -أُضحية، بضم الهمزة مع تخفيف الياء وتشديدها .
ب -إِضحية ، بكسر الهمزة، مع تخفيف الياء وتشديدها، وجمعها أضاحي بتخفيف الياء وتشديدها .
ب -ضحية، على وزن فعيلة ، وجمعها ضحايا .
د - أضحاة ، وجمعها أضحَى ، مثل : أرْطاة وأرْطى . وبها سُمَي يوم الأضحى . وسميت الذبيحة بذلك لأنها تذبح وقت الضحى وهو ارتفاع النهار قال النووي : في الأضحى لغتان ، التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم .
2 - والأضحية في الشرع اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقربًا إلى اللَّه تعالى ، فما يذبح من غير هذه الأنواع لا يسمى أضحية، وما يذبح منها في غير هذه الأيام لا يسمى أيضًا أضحية ، وما يذبح في هذه الأيام لغير التقرب إلى اللَّه لا يسمى أيضًا أضحية .
3 -تقديم القرابين إلى الآلهة قديم ، واللَّه سبحانه يقول في هابيل وقابيل ، ولدي آدم {واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر } المائدة : 27 ، ويقول عن اليهود {الذين قالوا إن اللَّه عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى بأتينا بقربان تأكله النار} آل عمران :
183 .
يقول المفسرون : إن توأمة قابيل التي ولدت معه في بطن واحد واسمها إقليمياء كانت جميلة ، أما توأمة هابيل واسمها ليوذا فكانت غير جميلة، وكان من شريعة آدم تزويج الأخت من بطن إلى الأخ من بطن آخر فحسد قابيل أخاه هابيل وأراد أن يستأثر بتوأمته الجميلة ، وأمره أبوه فلم يأتمر، فاتفقوا على تقريب القربان ، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل ، وقربان هابيل كبشا ، فتتبل اللّه قربان هابيل ، وقالوا : إن الكبش رفع إلى الجنة حتى فدى اللّه به الذبيح إسماعيل عليه السلام قاله سعيد بن جبير وغيره واللّه أعلم بصحة ذلك "تفسر القرطبي ج 6 ص 133، 134" .
وظل تقديم القربان معروفًا عند اليهود لتصديق أي نبي يرسل إليهم ، حتى نسخ على لسان عيسى بن مريم ، كما ذكره القرطبي "ج 4 ص 296" .
يقول المؤرخون : كانت القرابين بالحيوانات ثم تعدى ذلك إلى تقديم الإنسان قربانًا ولعل رؤيا إبراهيم أن يذبح ولده إسماعيل صورة من ذلك . قال تعالى {فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين } إلى أن قال {وفديناه بذبح عظيم } الصافات : 102 -107 ، كما عرف التقرب بذبح الإنسان عند العرب قبل الإسلام ، وفي التاريخ أن عبد المطلب نذر إن رزقه اللّه بعشرة من الأولاد ليذبحن ولدًا منهم ، فوقعت القرعة على ولده عبد اللَّه والد النبي صلى الله عليه وسلم فمنعته قريش من ذبحه حتى لا يكون ذلك سنة متبعة، وانتهى الأمر بفدائه بمائة من الإبل ، وروى الحاكم عن معاوية أن أعرابيًا قال للرسول صلى الله عليه وسلم "يا ابن الذبيحين " فتبسم ولم ينكر عليه ، والذبيحان هما إسماعيل بن إبراهيم وعبد اللّه بن عبد المطلب .
وفي مصر القديمة كان بعض الرؤساء يضحى بزوجاته أو عبيده ، وتكسر الحراب والسهام عند قبره ، حتى يذهب إلى الآخرة طاهرًا بغير سلاح ولا أتباع . وتدفن معه نماذج من البيت والدكان والخدم والماشية ، ثم اختفت القرابين البشرية لتحل محلها القرابين الحيوانية أو الدمى المصنوعة من الخنزير وأسطورة تقديم عروس النيل قربانًا عند فيضانه صورة من صور التقدم للآلهة بالإنسان . ومثل مصر في ذلك مناطق الأنهار في سومر والعراق والصين والهند وفي القرن السادس قبل الميلاد ظهر بوذا في الهند وكونفوشيوس في الصين فاقتصرت القرابين على الحيوانات ، ولم تختف القرابين البشرية تماما ، فكان في روما موكب بشرى دام قدمت فيه روما فريقا من أطهر شبابها فداء للآلهة عندما اجتاح " الغال " جنوبي إيطاليا ، وذلك قبل ميلاد المسيح بقرنين ونصف القرن .
وقدم اليهود القرابين للّه شكرًا واستغفار في احتفال مهيب بالمعبد بإشراف الكهان للأله "يهوه " وكان يوم السبت - الإجازة - يشهد احتفالاً عظيمًا لذلك ، وكانت اليهودية حتى عهد الانقسام دين خوف ورعب ، فقدمت الأضاحي من البشر، حيث قدم الملك " آخاذ" ابنه قربانًا للّه ، ثم غير الكهنة القرابين بتضحية الإنسان بجزء منه ، وذلك بعملية "الختان " فذلك كاف لإرضاء الإله ، ثم تطور القربان إلى الحيوان والنبات ببركة الكهان ، والأناجيل مملوءة بأخبار التضحية ، كهابيل وقابيل ، وكذلك تقديم "يفتاح " ابنته محرقة قربانا ""سفر القضاة : 20 - 40 " وصلب المسيح عندهم أعظم تضيحة ، ويرمز لها الآن بالحمل المقدم لذلك ، والقربان المقدس عند الكاثوليك والأرثوذكس قرص من الدقيق الصافي ، كما توجد قرابين مثل الشموع والتماثيل .
وفي الجاهلية العربية كانت الأنعام تهدى إلى الكعبة وتذبح باسم الآلهة ، وقد يلطخون أحجارها بدمائها ، -وتعلق قلائد في رقاب الهدى تمييزا لها قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللَّه ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد } المائدة : 2 ، والشعائر- على قول - جمع شعيرة ، وهي البدنة التى تهدى إلى الكعبة وإشعارها أن يُجَزَّ سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنه هدى . وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فانزل اللَّه {لا تحلوا شعائر اللّه } والقلائد هي كل ما يعلق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة على أنه للّه سبحانه وتعالى، وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها الإسلام "القرطبي ج 6 ص 40 " .
4 - بعد هذه المقدمة التاريخية نقول : إن الإسلام أقر مبدأ التقرب إلى اللَّه بذبح الأنعام ونظمه تنظيمًا دقيقًا ، وحكمة مشروعيتها تتلخص في ناحيتين ،ناحية تاريخية وهي تخليد ذكرى فداء إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام ، . وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث رواه أحمد وابن ماجه والترمذى عن زيد بن أرقم أنه قيل يا رسول اللّه ، ما هذه الأضاحي ؟ قال "سنة أبيكم إبراهيم " قيل : ما لنا منها ؟ قال "بكل شعرة حسنة" قال :
فالصوف ؟ قال : "بكل شعرة من الصوف حسنة" .
والناحية الثانية اجتماعية ، وهي إطعام الطعام والتوسعة على الفقراء بمناسبة العيد، والأصل فيه نفع أهل مكة والوافدين لأداء المناسك ، قال تعالى {ولكل أمة جعلنا منسكا} - مكانا للعيادة الجماعية - {ليذكروا اسم اللَّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج : 34 ، وقال {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} الحج : 27 ، 28 .
أما الذين لا يشهدون موسم الحج فالأضاحي بالنسبة إليهم مع سنة إبراهيم توسعة على الفقراء وإشاعة للفرح والسرور، إلى جانب ما يرجى من الثواب على ذلك .
5 - الدليل على مشروعيتها في الإسلام : القرآن والسنة والإجماع ، فمن القرآن قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر . فصل لربك وانحر . إن شانئك هو الأبتر } وهذا على رأى من يقول : إن السورة مدنية ، حيث إن صلاتى العيدين شرعتا بعد الهجرة ، وهو رأى الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة . فأمر اللّه رسوله أن يجعل النحر بعد الصلاة ، حيث كان ينحر أولا ثم يصلي كما قال أنس - القرطبي ج 20 ص 218 -وقيل : نزلت السورة بالحديبية ، حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول مكة ، فأمره اللَّه أن يصلي وينحر البدن ثم ينصرف وذلك قول سعيد بن جبير .
أما من يقول : إن السورة مكية فلا تدل على مشروعية الأضحية، حيث لم يفرض الحج ولم تشرع الأضحية إلا بعد الهجرة من مكة، وما هو الارتباط بين إعطاء اللّه لرسوله الكوثر وهو النبوة أو النهر العظيم في الجنة أو الخير الكثير- وبين صلاة وذبح بعدها؟ لقد قيل : إنها نزلت لما عير مشركو مكة رسول اللّه بوفاة ابنه وسمو "الأبتر" أي المقطوع من الولد ، عزاه اللَّه بأن أعطله خيرًا من الولد وهو الكوثر ، فلا تتأثر بما يقولون وأجعل عبادتك للّه وحده ، وذبحك للأنعام والذبائح للَّه وحده ، لا كما يفعل المشركون من عبادة غير اللَّه والذبح للآلهة والأصنام ، والمعنى : دُمْ يا محمد على دعوتك وعلى طاعتك للَّه وحده ، ومن يعيبك بالأبتر فهو الأبتر المقطوع عن رحمة اللَّه ، وهذا الرأي عندي هو المقبول ، وقد قال محمد بن كعب القرظي في تفسير السورة إن ناسًا يصلون لغير اللَّه وينحرون لغير اللّه ؟ وقد أعطيناك الكوثر فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا للّه ، قال ابن العربي : والذي عندي أنه أراد : اعبد ربك وانحر له ، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر، وبالحرى - أي الأحرى والأجدر-أن يكون جميع العمل يوازى هذه الخصوصية من الكوثر، وهو الخير الكثير الذي أعطاكه اللَّه ، أو النهر الذي طينه مسك وعدد آنيته نجوم السماء . أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد في التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة "تفسير القرطبي " ومن هنا فالاستدلال بهذه السورة على مشروعية الأضحية . ليس قويًّا .
من أدلة السنة على مشروعيتها : ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال :
ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما والأملح الذي بياضه أكثر من سواده وقال : هو النقي البياض ، والأقرن ماله قرنان ، والصفاح جمع صفحة، وصفحة كل شيء وجهه وناحيته . وكذلك من الأدلة ما جاء في بيان فضلها وتحديد وقتها وقد انعقد الإجماع على مشروعيتها .
6 -حكمها، بعد بيان أن الأضحية مشروعة وليست منوعة : فما هي درجة هذه المشروعية؟ هل هي الوجوب أو الندب ؟ ومعلوم أن الوجوب يترتب عليه ثواب على الفعل وعقاب على الترك ، وأن الندب يترتب عليه ثواب على الفعل وعدم عقاب على الترك .
قال جمهور الفقهاء: إنها سنة غير واجبة، قال النووي "شرح صحيح مسلم ج 13 ص 110"واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال جمهورهم : هي سنة في حقه ، إن تركها بلا عذر لم يأثم ، ولم يلزمه القضاء ، وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور و المزني وابن المنذر وداود وغيرهم . وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث :
هي واجبة على الموسر، وبه قال بعض المالكية . وقال النخعي : واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن : واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابا واللَّه أعلم .
والقائلون بالوجوب استدلوا باية، {فصل لربك وانحر} حيث قالوا : إن الأمر للوجوب ، وأجيب عنه بأن الآية ليست نصا في الأضحية كما تقدم ذكره ، فهى عامة لكل عبادة يجب أن تكون للّه وحده ، ومن أدلة القائلين بأنها سنة : ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر قال : صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه ، فقال "بسم اللّه واللَّه أكبر، اللهم هذا عنى وعمن لم يضح من أمتى " وما رواه أحمد والبزار بإسناد حسن عن أبي رافع أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا صحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول : اللهم هذا عن أمتى جميعًا، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول : هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعًا المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما ، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحى، قد كفاه اللّه المئونة برسول اللّه صلى الله عليه وسلم والغرم .
ومن الأدلة أيضًا على أنها سنة وليست واجبة ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعًا "أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها ، وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم " وأخرجه أيضًا البزار وابن عدى والحاكم عنه بلفظ "ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع : النحر والوتر وركعتا الضحى" وهو ضعيف .
وأجاب الجمهور: على الحديث الذي احتج به القائلون بوجوب الأضحية ، وهو ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" بأن هذا الحديث -كما قال في الفتح - ليس صريحًا في الإيجاب ، مثله في ذلك مثل أحاديث ستأتي في بيان وقت الذبح وأن من ذبح قبل دخول الوقت أعاد الذبح مرة أخرى .
7 - والأضحية سنة مؤكدة على الكفاية إذا تعدد أهل البيت ، فإذا قام بها واحد منهم كفى عن الجميع ، فإن لم يتعدد أهل البيت كانت سنة عين ،ولابد أن تكون فاضلة عما يحتاجه في يومه وليلته وكسوة فصله -أي الشتاء والصيف -كما في صدقة التطوع وينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة فإنها وقتها ، كما أن يوم العيد وليلة العيد وقت زكاة الفطر .
والتضحية أفضل من صدقة التطوع للاختلاف في وجوبها ، وقال الشافعي :
لا أرخص في تركها لمن قدر عليها ، فيكره للقادر تركها ، وسيأتي مزيد توضيح للقدرة عليها .
والأضحية قد تكون واجبة بالنذر لحديث "من نذر أن يطيع اللّه فليطعه " رواه البخاري ومسلم ولقوله تعالى{وليوفوا نذورهم } الحج : 29 ، وحتى لو مات الناذر فإنه تجوز النيابة فيما عينه بنذره قبل موته ، وعند مالك إذا اشتراها ونيته الأضحية وجبت .
8-ورد في فضلها أحاديث كثيرة ، منها : ما رواه الترمذي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى اللَّه من إهراق الدم ، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من اللَّه بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا" وما سبق ذكره من حديث زيد بن أرقم في حكمة الأضحية، وكذلك حديث أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" قال الحافظ في "بلوغ المرام " رجح الأئمة غيره وقفه ، يعني ليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح : رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه ، والموقوف أشبه بالصواب .
وحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا "ما أُنفقت الورق - العملة الفضية- في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد " وأما حديث الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي اللَّه عنها : "قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك " فهو منكر، وكذلك حديث الطبراني "من ضحى طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من النار" ففي سنده كذاب .
9 -أما الوقت الشرعي لذبحها، فقد وردت فيه عدة نصوص ، منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث جندب قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم ذبح : فقال "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها ، ومن لم يذبح فليذبح باسم اللّه " وما روياه أيضًا من حديث البراء بن عازب الذي ذبح خاله أبو بردة قبل الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين " وفي رواية لمسلم عن البراء بن عازب " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء " .
قال النووي : في شرح صحيح مسلم "ج 13 ص 110 " : وأما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الإمام ، وحينئذ تجزيه بالإجماع ، قال ابن المنذر: وأجمعوا أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر، واختلفوا فيما بعد ذلك ، فقال الشافعي وداود وابن المنذر وآخرون : يدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين فإن ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى الضحى أو لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادى والمسافرين ، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، وقال عطاء وأبو حنيفة : يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر الثاني - الصادق - ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلى الإمام ويخطب ، فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه ، وقال مالك : لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه ، وقال أحمد : لا يجوز قبل صلاة الإمام ، ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام وسواء عنده أهل الأمصار والقرى ، وجاء نحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق بن راهوية ، وقال الثوري : لا يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفى أثنائها وقال ربيعة فيمن لا إمام له : إن ذبح قبل طلوع الشمس لا يجزيه ، وبعد طلوعها يجزيه 10 هـ .
ومن هذا يعلم أن الذين يذبحون يوم عرفة أو ليلة العيد قبل الفجر لا يقع ذبحهم عن الأضحية المشروعة ، أما آخر وقت الأضحية فهو متسع ، قال الشافعي : تجوز التضحية في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده ، وممن قال بهذا على بن أبي طالب وجبير بن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدى فقيه أهل الشام ، ومكحول وداود الطاهرى وغيرهم .
وقال أبو حنيفة وأحمد : تختص بيوم النحر ويومين بعده ، وروى هذا عن عمر بن الخطاب وعلى وابن عمر وأنس رضى اللّه عنهم ، وقال سعيد بن جبير: تجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة، ولأهل القرى يوم النحر وأيام التشريق . وقال محمد بن سيرين : لا تجوز لأحد إلا فى يوم النحر خاصة، وحكى القاضى عن بعض العلماء أنها تجوز فى جميع ذى الحجة واختلفوا فى جواز الذبح فى هذه المواقيت ، فقال الشافعى : تجوز ليلا مع الكراهة ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور، وقال مالك فى المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد : لا تجزيه فى الليل بل تكون شاة لحم .
من هذا نرى أن تحديد مبدأ الوقت لجواز الأضحية مستند إلى أحاديث ثابتة ، مع الاختلاف فى فهم بعضها ، أما تحديد نهاية الوقت فهو مبنى على الاجتهاد المحض ، وإن كان المعقول أنه يستمر يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة ، لأنها أيام الأكل والشرب والفرح بالعيد كالذين يبيتون فى منى وينحرون الهدى .
وأما ما ورد عن جبير بن مطعم مرفوعا " كل أيام التشريق ذبح " ورواه أحمد والدارقطنى فهو ضعيف وقيل موضوع ، وكذلك اختلافهم فى الذبح نهارا أو ليلا لا دليل يعتمد عليه ، وما أخرجه الطبرانى من النهى عن الذبح ليلا فى إسناده متروك أو هو مرسل .
هذا ، وقد سبق فى البند السابع أن الخلاف فى وجوبها أو ندبها إنما هو بالنسبة للقادر عليها، وجاء فى فقه المذاهب الأربعة :
أن الحنفية قالوا : القادر عليها هو الذي يملك مائتي درهم ، أو يملك عرضا يساوى مائتي درهم يزيد عن مسكنه ، وثياب اللبس والمتاع الذي يحتاجه .
وإن كان له عقار يستغله تلزمه الأضحية إذا دخل له منه قوت عامه ، وزاد معه النصاب المذكور وقيل : تلزمه إذا دخل منه قوت شهر وإن كان العقار وقفا تلزمه الأضحية إن دخل له منه قيمة النصاب وقتها .
والحنابلة قالوا : القادر عليها هو الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدين إذا كان يقدر على وفائه .
والمالكية قالوا : القادر عليها هو الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه ، فإذا احتاج إلى ثمنها في عامه فلا تسن ، وإذا استطاع أن يستدين استدان ، وقيل : لا يستدين .
والشافعية قالوا : القادر عليها هو الذي يملك ثمنها زائدًا عن حاجته وحاجة من يعول يوم العيد وأيام التشريق ، ومن الحاجة ما جرت به العادة من كعك وسمك وفطير ونقل ونحو ذلك . "ص 208 " .
10 -ما يضحى به : الذي يضحي به هو الإبل والبقر والغم ، قال النووي "شرح صحيح مسلم ج 13 ص 117" وأجمع العلماء على أنه لا تجزى الضحية بغير الإبل والبقر والغنم ، إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن صالح أنه قال : تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد وبه قال داود في بقرة الوحش فلا يجزئ غير ذلك من أي حيوان ، كما لا يجزى شراء لحم والتصدق به على أنه ضحية، ومثله الحيوانات المجمدة واللحوم المعلبة ، لأنها ذبحت قبل موعد ذبحها، وكانت في غير ملك من يشتريها ليضحى بها، وما ورد عن بلال أنه قال : ما أبالي ألا أضحى إلا بديك ، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه أحب إلى من أن أضحى به . فذلك محمول على أن البعض كان يرى أن التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها وبذلك قال الشعبي وهو قول لمالك وأبي ثور "القرطبي ج 15 ص 107 " فالقول لراجح أن الأضحية أفصل من التصدق بثمنها ، لأنها سنة مؤكدة وردت النصوص بفضلها .
وكذلك ما ورد من أن البعض من الصحابة أو السلف كان يشتري لحمًا ويضحى به لا يعني أن اللحم يغنى في الآخر والثواب عن الأضحية ، أو يسد مسدها في أنها واجبة . وأنما ذلك كان بقصد تعريف الناس أن الأضحية ليست بواجبة محتمة، بل هي سنة اختيارية ، قال عكرمة : كان ابن عباس يبعثنى يوم الأضحى بدرهمين ، أشترى له لحمًا، ويقول من لقيت فقل : هذه أضحية ابن عباس جاء في تفسير القرطبي "ج 15 ص 108 " أن ما روى عن ابن عباس وعن أبي بكر وعمر من ذلك يقصد به عدم المواظبة على الأضحية حتى لا يعتقد العامة أنها واجبة مفروضة ، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم ، لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته ، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم .
لكن أي سن وأى شكل تكون عليه الضحية من الإبل والبقر والغنم ، وما القدر الكافى منها ؟ وردت عدة أحاديث تحدد السن والأوصاف التي تمنع من قبول الأضحية ، منها حديث مسلم وغيره "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعه من الضأن " وحديث مسلم أن جذعه المعز لا تجزىء ، وحديث أحمد وأصحاب السنن في النهى عن التضحية بأعضب القرن والأذن ، وفي عدم التضحية بالعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعُها، والكسير التي لا تنقى ، والمقابلة والمدابرة والشرقاء والحرقاء ، وحديث أحمد وأبى داود في النهى عن المصْفرة ، والمستأصلة والبخقاء والمشيَّعة .
وقالوا في تفسير ذلك : المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم لها سنتان فأكثر والجذع من الضأن ما له سنة تامة ، وهو الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم ، وقيل : ما به ستة أشهر، وقيل سبعة، وقيل : ثمانية، وقيل عشرة وجذعه المعز لا تجزىء عند الجمهور، وتجوز عند عطاء والأوزاعي ، وهو وجه لبعض الشافعية كما حكاه الرافعى .
وقال النووي : هو شاذ أو غلط .
وأعضب القرن والأذن ، ما ذهب نصف قرنه أو أذنه ، وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أن الأضحية تجوز بمكسور القرن مطلقًا ، وكرهه مالك إذا كان يدمى وجعله عيبا . فإذا استؤصل القرن كانت البهيمة مستأصلة ، وإذا استؤصلت الأذن كانت مصفرة وقيل هي الهزيلة، والكسير أو الكسراء التي لا مخ لها ، والبخقاء هى ذاهبة البصر أو القبيحة العور، والمشيعة هي الضعيفة التي تحتاج إلى من يشيعها ، والمقابلة هى الشاة التي قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة ، والمدابرة هي التي قطعت أذنها من جانب ، والشرقاء مشقوقة الأذن طولا، والحرقاء هى التي في أذنها خرق مستدير .
كما جاء حديث أحمد بجواز التضحية بالخصى . ويبدو لى من كلام الفقهاء أن هذه العيوب تؤثر على اللحم إذا عينت الأضحية المعيبة قبل وقت ذبحها بزمن طويل ، فعيوبها تمنعها من الرعى أو تناول الطعام أو النمو كما تنمو الحيوانات السليمة من هذه العيوب ، وعدم قبولها بسبب هذه العيوب يظهر في المنذورة التى ينبغي أن تكون جيدة اللحم ، لكن لو طرأ عيب على شاة طيبة اللحم والشكل ثم ذبحت في ميعاد الأضحية فلماذا لا تقبل ؟ ولذلك أرى تناقضات غريبة في كلام الفقهاء بسبب هذه العيوب فأى ضرر في قبول مقطوعة الأذن أو مشقوقتها مع أن ذلك لا يؤثر على اللحم مطلقًا حتى لو نذرت واستمرت زمنا طويلا قبلأن تذبح ، وما معنى أن يرفض المالكية التضحية بالبكماء وهى فاقدة الصوت ، وما دخل صوتها في لحمها، وما معنى أن يرفض الشافعية التضحية بما حصل لها عرج وقت ذبحها في حال قطع الحلقوم والمرىء، هذا وتصح الشاة من الضأن أو المعز عن شخص واحد ، أو عن أسرة يعولها ، وتكفى البقرة أو الناقة عن سبعة ، وشرط الأحناف بلوغ الضأن سنة أو ستة أشهر مع وفرة اللحم ، وفي المعز لابد من بلوغ سنة والدخول في الثانية ، وفي البقر والجاموس اشترطوا بلوغ سنتين والدخول فى الثالثة ، وفى الإبل بلوغ خمس سنين والدخول فى السادسة اشترط الشافعية في المعز بلوغ سنتين كاملتين .
11 -والأضحية إذا كانت منذورة لا يحل أكل شيء منها مطلقا ، بل يتصدق بها جميعها ، كما قال الأحناف والشافعية، ويجوز بل يسن الأكل منها عند الحنابلة ، يؤكل الثلث ويهدى الثلث ويتصدق بالثلث ، أما غير المنذورة فلا يجب الصدق بشيء منها بل يسن فقط .
عن أبي سعيد أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فقال "إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا لحوم الأضاحى فوق ثلاثة أيام ليسعكم ، وإني أحله لكم فكلوا ما شئتم ، ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحى، وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها ، وإن أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم " رواه أحمد .
كان الرسول قد منعهم من ادخار لحوم الأضاحى، وألزمهم التصدق بها على المحتاجين الذين يفدون المدينة أيام العيد من أجل ذلك ، ثم أجاز لهم أن يأكلوا ويدخروا لأولادهم منها . وجاءت في ذلك عدة أحاديث متفق على صحتها " نيل الأوطار ج 5 ص 134 " ولا يجوز بيع شيء من الأضحية حتى الجلد .
وهناك إرشادات عند ذبح الأضحية قال النووى فيها " شرح صحيح مسلم ج 13 ص 120 " يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه ، ولا يوكل في ذبحها إلا لعذر وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها ، وإن استناب فيها مسلما جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت الضحية عن الموكل ، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فإنه لم يجوزها ، ويجوز أن يستنيب صبيا أو امرأة حائضا .
ولكن يكره توكيل الصبى ، وفى كراهة توكيل الحائض وجهان قال أصحابنا : الحائض أولى بالاستنابة من الصبى، والصبى أولى من الكتابى قال أصحابنا :
والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلما فقيها بباب الذبائح والضحايا ، لأنه أعرف بشروطها وسننها انتهى .
12- من الطرائف الأدبية عن خروف العيد، ما قاله محمد بن نصر اللّه الدمشقي الأنصاري :
أتاني خروف ما شككت بأنه * حليف هوى قد شفه الهجر والعذل إذا قام في شمس الظهيرة خلته * خيالا ترى من ظلمة ماله ظل فناشدته : ما يشتهي ؟ قال : حلبة * وقاسمته : ما شاقه ؟ قال لي : الأكل فأحضرتها خضراء مجاجة الثرى * مسلمة ما مس أوراقها الفتل فظل يراعيها بعين ضعيفة * وينشدها والدمع في العين منهل أتت وحياض الموت بيني وبينها * وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل ناشدته = طلبت منه أن يفصح لى عما يشتهيه ، قاسمته = أقسمت عليه أن يبوح لى بما يشتاق إليه . الفتل = الذبول .
ومن مداعبات الشاعر الراحل الشيخ محمد الأسمر في خروف العيد :
إن كان ذو القرنين عندك حاضرا * فابعث به لنرى ضياء جبينه ولكى يجاوب أو يمأمئ مثله * في بيت جارى مأمآت قرينه وليطمئن الدائنون ويعلموا * أنى امرؤ يقضى جميع ديونه ونرده لك بعد ذلك سالما * بدمقس فروته وعاج قرونه وأنا الأمين عليه وهو بمنزلى * من كل جزار ومن سكينه 13 -هناك كلمات تتردد في هذا الموضوع ينبغي التنبة للفرق بينها ، وهي :
1 - الهدى ما يتقرب به إلى اللَّه في الحرم من الإبل والبقر والغنم ، وهو يكون تارة واجبا إذا كان منذورا ، أو جزاء على فوات واجب أو ارتكاب منهى عنه ، كما قاله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} البقرة : 196 ، وتارة يكون مندوبا إذا كان تطوعا وليس جزاء على شيء .
2 - الفدية ما كانت في مقابل ارتكاب منهى عنه أو فوات واجب ، وقد تكون ذبحا أو تصدقا أو صياما أو غير ذلك ، قال تعالى{فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } البقرة :
196 ، والمراد بالنسك الذبح وقال فيمن يشق عليهم الصيام {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } البقرة : 184 .
3-الأضحية ما تذبح تقربا إلى اللّه بمناسبة عيد الأضحى(9/313)
المعتدة والحج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أثناء استعدادى للسفر لأداء فريضة الحج توفى زوجى ، فتابعت الإجراءات وسافرت ، ولكن قيل لى: إن حجك غير صحيح ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An الكلام هنا فى نقطتين ، الأولى فى شرط المحرم ، والثانية فى حق الزوج ، أما شرط المحرم مع المرأة فقد أجيب عنه ، وقلنا : إذا كان الحج لأول مرة يمكن أن يكون معها زوج أو محرم أو رفقة مأمونة كما ذهب إليه الشافعية .
وأما حق الزوج فإن التى توفى زوجها يجب عليها أن تعتد، فإن انتهت عدتها بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرة أيام كان لها السفر دون حرج ، أما إن تقرر سفرها قبل انتهاء العدة فقد تعلق بها واجبان ، واجب الحج وواجب العدة، والآراء فى حل هذه المشكلة مختلفة ، فالأئمة الأربعة قالوا : لا تخرج من عدتها ولا تسافر، فهى تعتبر غير مستطيعة، ولا يجب الحج على غير المستطيع ، ويمكنها أن تحج فى عام آخر، حتى قال بعضهم : لو سافرت بالفعل ثم جاءها خبر وفاة زوجها عادت من سفرها إن لم تصل إلى الميقات ، بدليل الحديث الذى رواه أصحاب السنن عن الفريعة بنت مالك أن أخت أبى سعيد الخدرى سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن تترك بيت زوجها الذى مات فى سفر لتذهب إلى بيت أهلها فلم يأذن لها ، وهو حديث صحيح قضى به عمر وعثمان والأكثرون .
وأجاز داود الظاهرى سفرها وهى فى العدة ، وذلك لحديث عائشة رضى اللّه عنها أنها خرجت بأختها أم كلثوم لما قتل زوجها طلحة ، خرجت بها إلى مكة لعمل عمرة ، وقال داود : المأمورة به هو الاعتداد ، وليس المكث فى البيت ، وسار عليه بعض التابعين .
ويمكن الأخذ برأى عائشة هذا فى الحج الواجب لأول مرة، وذلك لعدم تكرار الفرصة عند تعقد الأمور وتنظيم سفر الحجاج وتقييده ، أما الحج المندوب - وهو ما كان غير المرة الأولى-فلا تخرج ما دامت فى العدة(9/314)
متى يذبح هدى التمتع وأين ؟
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أحرمت فى موسم الحج بالعمرة أولا، ولما انتهيت منها ذبحت الهدى قبل أن نقف بعرفة فهل الذبح صحيح أم لابد أن يكون بعد الإحرام بالحج وأن يكون فى منى ؟
An قال الله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام } البقرة : 196 ، يعنى من أدى العمرة وانتهى منها وتحلل واستباح ما كان محرما عليه بسبب الإحرام ، وظل متمتعا إلى وقت الحج فعليه فى مقابل هذا التمتع أن يذبح شاة، فإن لم يجدها أو لم يجد ثمنها فعليه أن يصوم عشرة أيام كاملة، ثلاثة منها فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله كما نص عليه القرآن الكريم .
لكن هل هناك مكان أو وقت معين للذبح ؟ أما مكان الذبح فهو الحرم المكى ومنه منى، ولا يجوز عند جمهور العلماء ذبحه خارج الحرم المكى، ومن نسى أن يذبح وعاد إلى بلده فعليه أن يذبح فى الحرم بنفسه أو بتوكيل غيره من الحجاج أو الزوار أو غيرهم ، ولا يجوِّز الذبح فى البلد إلا قليل ، وهو مروى عن مجاهد من التابعين ، لكن رأى الجمهور هو الصحيح لتحقيق الحكمة الشرعية للذبح لمنفعة أهل مكة كما تنص عليه الآيات .
أما وقت الذبح ففيه ثلاثة آراء للعلماء .
رأى يقول : لا يصح الذبح إلا بعد الإحرام بالحج ، كما دل عليه ظاهر الآية {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } أى الدخول فيه بالإحرام ، وعلى هذا الرأى يكون الذبح فى منى أو فى مكة بعد العودة من منى، لأنه المكان الميسر للذبح ، وهو المتفق عليه فى مذهب المالكية .
ورأى ثان يقول : يصح الذبح بعد الفراغ من أعمال العمرة وقبل أن يحرم بالحج ، وذلك قياسا على تقديم كفارة اليمين على الحنث وتقديم الزكاة على الحول "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع فى فقه الشافعية ج ا ص 226 ) يقول الأُبِّى فى شرح صحيح مسلم : إنه محكى عن عياض ، وقال المازرى هو الصحيح ، وهو الذى عليه الجمهور، وهو وجه عند بعض أصحاب الشافعى .
ورأى ثالث حكاه المازرى : يجوِّز الذبح بعد الإحرام بالعمرة .
وذكر النووى فى المجموع أن الذبح الواجب بالتمتع قبل الإحرام بالحج فيه خلاف ، وجاء فى الأم للشافعى استحباب الذبح لهدى التمتع بعد الفراغ من السعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق أو يقصر .
وما دامت المسألة خلافية فالأيسر هو العمل بجواز الذبح بعد الانتهاء من العمرة ، ولا داعى لتأخيره إلى الإحرام بالحج ليذبح فى منى ، والدين يسر .
أما إن عجز عن الهدى فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام فى الحج كما نصت عليه الآية، وقد نقل عن أحمد بن حنبل أنه يجوز الصوم قبل أن يحرم بالحج ، وقال الثورى والأوزاعى : يصومهن من أول أيام العشر، وبه قال عطاء ، وقال عروة : يصومها ما دام بمكة فى أيام منى وقاله أيضا مالك وجماعة من أهل المدينة "تفسير القرطبى ج 2 ص 399" وفى ص 403 : يصوم السبعة بعد الرجوع من الحج ولو لم يذهب إلى بلده ، فيصوم فى الطريق ويصوم فى مكة . وقال جماعة :
يصوم الثلاثة وهو محرم بالحج قبل يوم عرفة .
وقال بعض آخر: يصوم قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة، وكانت عائشة تصومها فى أيام التشريق وهى الثلاثة بعد العيد كما رواه البخارى عنها وقال ابن عمر وعائشة فى أيام التشريق ألا يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى رواه الدارقطنى بإسناد صحيح وإذا فاته صيام الأيام الثلاثة فى الحج لزمه قضاؤها ، إما قبل أن يعود إلى بلده وإما بعد أن يعود ولا يشترط التتابع فى صيام هذه الأيام(9/315)