اسم الله الأعظم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب ؟
An يقول الله سبحانه { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } الأعراف : 180 ويقول { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء : 110 .
الإنسان مخير فى أن يدعو ربه بأى اسم من أسمائه التى ذكرت فى القرآن الكريم ، ويزيد عددها على التسعة والتسعين التى ذكرت فى الحديث الذى رواه الترمذى ، وجاء فى فضلها حديث البخارى ومسلم " من أحصاها دخل الجنة" أى من حفظها وعمل بما فيها .
وهناك من الأسماء ما هو أقرب للاستجابة عند الدعاء به ، وهو اسم الله الأعظم ، الذى إذا دُعى به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى ، والراجح من أقوال العلماء أنه مؤلف من عدة أسماء ، بناء على الأحاديث الواردة فيه ، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو ويقول :
اللهم إنى أسألك بأنى أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . فقال والذى نفسى بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذى إذا دُعِىَ به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى، كما رووا أيضا أنه سمع رجلا يدعو بقوله : اللهم لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام . فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم " وفى بعض الروايات أن اسم الله الأعظم موجود فى آية {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} وفى فاتحة سورة آل عمران { الله لا إله إلا هو الحى القيوم } رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح والظاهر من تعدد الروايات أن القاسم المشترك بينها هو توحيد الله سبحانه ، والدعاء بالتوحيد فيه إخلاص وثقة بالله ، ونفى للشريك عنه ، وتقرير أنه لا يستحق أحد سواه أن يُلجأ إليه فلابد لكل دعاء أن يصحبه هذا الشعور حتى يكون فى موضع الرجاء للقبول .
من هذا نرى أن اسم الله الأعظم موجود فى القرآن الكريم. على أن هناك أسماء لله لم ينزل بها قرآن ولم يثبت بها حديث ، فقد جاء فى بعض أدعية النبى صلى الله عليه وسلم " أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو أنزلته فى كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب غمى " رواه ابن السنى عن أبى موسى الأشعرى ، وذكره النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار"(7/396)
وضع قدم الله فى جهنم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الله سبحانه يضع قدمه فى جهنم ، وكيف يفهم هذا ؟
An يقول الله سبحانه{يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} ق : 30 المفسرون فريقان فى قول جهنم " هل من مزيد " ففريق يقول :
المعنى ليس هناك مكان لزيادة أحد على من هم فيها، فقد امتلأت ، كقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه " هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل "يعنى ما ترك . فمعنى الكلام النفى . وفريق يقول : المعنى هل هناك أحد يزاد على من فيها، ففيها متسع لمن يلقى فيها ؟ وعلى كلا المعنيين يصح أن يُنطق الله النار فتقول هذا الكلام ، ويصح أن يراد بذلك التشبيه فقط ، يعنى كأنها تقول ذلك . والمعنى الأول أصح .
ثم جاء فى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوى بعضها إلى بعض وتقول : قَطْ قَطْ ، بعزتك وكرمك ، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " وفى رواية " وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها ، قَطْ قَطْ ، فهناك تمتلئ وينزوى بعضها إلى بعض ، فلا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا " .
فقول" قط قط " فى الرواية الأولى من جهنم، وفى الرواية الثانية من الله .
يقول القرطبى : القدم هنا قوم يقدمهم الله إلى النار، وقد سبق فى علمه أنهم من أهل النار ، وكذلك الرِّجل وهو العدد الكبير من الناس وغيرهم ، ويبين هذا المعنى ما روى عن ابن مسعود أنه قال : ما فى النار بيت ولا سلسلة ولا مِقْمَعٌ ولا تابوت - وهى أدوات التعذيب -إلا وعليه اسم صاحبه ، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذى قد عرف اسمه وصفته ، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة : قط قط ، حسبنا حسبنا . أى اكتفينا اكتفينا . وحينئذ تنزوى جهنم على من فيها وتنطبق ، إذ لم يبق أحد ينْتظر، فعبَّر عن ذلك الجمع المنتظر بالرِّجل والقدم .
لكن قال بعض العلماء : إن معنى وضع الله رجله أو قدمه فى النار إخضاعها وإسكاتها ، حتى لا تطلب زيادة على من فيها ، كمن يريد أن يعبر عن قهره وانتصاره على عدوه فيقول : وضعته تحت قدمى، وليس لله سبحانه قدم ولا رجل كما هو معهود للمخلوقات ، فليس كمثله شىء ، وإذا سكتت النار عن طلب المزيد بعث الله بخلف ليسكنهم المنازل فى الجنة ، وهذا دليل على سعة رحمة الله تعالى . وخلاصة الكلام فى القدم أنه من المتشابه الذى يؤمن به السلف ، فالله له قدم ورجل ويد وعين وإصبع كما ورد فى القرآن والسنة ، لكن هذه الأشياء ليست كالمعهودة فى المخلوقات ، أما الخلف فينفون أن لله أعضاء بالمعنى الحقيقى، والمراد منها لازمها ، فالتعبير مجازى والمراد القوة والعناية والرعاية والعلم(7/397)
أبراج المواليد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيما ينشر فى الصحف عن أبراج المواليد وتوقعات الأحداث لهم ؟
An هذه التوقعات ظنون تتخلف كثيرا ، والله وحده له العلم الشامل الكامل والصادق الدقيق ، كما قال سبحانه { وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير } لقمان : 34 .
وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التصديق والتشجيع لهذه الوسائل الكاذبة لمعرفة المستقبل ، وتقدم الكلام كثيرا عن ذلك فى عنوان "علم الغيب " .
وفى الحديث الذى رواه مسلم " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوما " والعراف كما قال البغوى : هو الذى يدَّعى معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها ، وقيل : هو الكاهن الذى يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك ، وقد جاء فى الكاهن حديث "من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أُنزل على محمد " رواه البزار بإسناد جيد قوى ، والذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو حصر علم الغيب فى الله تعالى .
وما ينشر فى الصحف من الطوالع وحظوظ أصحابها يطلق عليه اسم التنجيم ، وجاء فيه حديث أبى داود وابن ماجه وغيرهما " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" قال الحافظ :
والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمن كمجىء المطر وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك ، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان ، وهذا علم استأثر الله به ، لا يعلمه أحد غيره ، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم والذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى من الليل والنهار وكم بقى فإنه غير داخل فى النهى .
قال العلماء : من صدَّق هذه الطوالع واعتقد أنها تضر وتنفع بدون إذن الله ، أو أن غير الله يعلم الغيب فهو كافر. ومن آمن بأنها ظنية ولم يعتقد أنها تضر وتنفع فهو مؤمن عاص ينقص ذلك من حسناته .
وفى ذلك يقول الحديث الذى رواه الطبرانى " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أُنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تُقبل نه صلاه أربعين ليلة" والمداومة على قراءه هذه الطوالع قد تجر إلى أنها اطلاع حقيقى على الغيب الخاص بالله تعالى ، وهو حرام(7/398)
داروين وأصل الإنسان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قول بعض الناس : إن أصل الإنسان قرد ؟
An جاء " شارل داروين" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م بعد "لامارك " الفرنسى المتوفى سنة 1829 م بمذهبه فى أصل الخليقة الذى أثار ضجة فى الأوساط العلمية عندما ظهر كتابه " أصل الأنواع " سنة 1859م وكتابه " تسلسل الأنواع " سنة 1871م وهو يشتمل على ثلاث مسائل ، خلاصتها أن العالم نشأ بالترقى والتطور، والإنسان كذلك حدث بهذه الطريقة، وأنه لمشابهته للقرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو والإنسان من أصل واحد ، وكذلك قال : إن العقل والحياة ظاهرتان ترجعان إلى المادة .
إن " داروين " لم يقم دليلا كافيا على كلامه ، وإنما هو مجرد افتراض واحتمال ، واعتمد فى افتراضه على تطوير نوع من الزهور والنباتات ، غير شكلها ولم يغير جوهرها، ولم ينجح فى شىء من عالم الحيوان .
يقول " س . فان هو فنسفيلت " فى تفنيد هذه النظرية : إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى، بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك .
إن الأجدر بالإنسان ألا يجهد نفسه كثيرا فى محاولة الوصول إلى معرفة خلق الإنسان ، إذ أن الصانع وحده هو الذى يعرف حقيقة ما صنع ، وأما المصنوع فلا يصل ولن يصل إلى إدراك كيفية وجوده وخلقه ، وما يعرفه من ذلك قليل .
إن الكلام فى هذا الموضوع طويل ، وما قاله " داروين " مجرد احتمال ، فإن أنكر أن اللّه هو الخالق الحقيقى فهو ملحد من ملاحدة الماديين ، وقد رد عليه كثيرون من علماء الطبيعة، ونحن كمسلمين نؤمن بأن الله خلق آدم من طين ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ومن ماء . وورد أن اللّه خلق الإنسان نوعا مستقلا، لا بطريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر، وإن كان كلا الأمرين من الجائز العقلى الذى يدخل تحت قدرة اللّه تعالى، قال بعض العلماء : إنه لا يوجد فى النصوص أن الله خلق الإنسان الأول من تراب دفعة واحدة ، أو بتكوين متمهل على انفراده ، فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد الأمرين ، حتى يقوم الدليل القاطع عليه ، فنعتقده ما دام أن الذى فعل ذلك كله هو الله تعالى ، ثم إن النواميس المذكورة فى مذهب " داروين " ظواهر واضحة فى الكون ، ولا حرج فى اعتقادها ما دام أن الله هو الذى خلقها ووجهها، فهى لا تحقق وجودها من نفسها { ذلكم اللّه ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء } الأنعام :
102 ، فهو خالق المادة والنواميس .
هذا ، وقد سبق شرح الحديث الشريف : "إن اللّه خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم ، وذكرنا أن بعض الأقوال تفسره بأن الله خلق آدم على صورته التى هو عليها لم ينتقل فى النشأة أحوالا، ولا تردد فى الأرحام أطوارا كذريته ، بل خلقه رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح ، وكان على أحسن صورة كما قال سبحانه : { لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم } التين : 4 ، فيرجع إليه لتكتمل الصورة فى فهم هذا الحديث (المجلد الأول صفحة 650) ويمكن الرجوع إلى " مجلة الأزهر- المجلد الثانى - صفحة 749 ، وكتابى دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة ، وكتاب الجواب الإلهى أو الإسلام أمام العلم والفلسفة للشيخ نديم الجسر "(7/399)
إله واحد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال الله تعالى { وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله } الزخرف : 84 ، فهل يفيد ظاهر الآية تعدد الآلهة ؟
An ليس المعنى أن هناك إلهين ، واحدا فى السماء وواحدا فى الأرض ، لأن تعدد الآلهة ممنوع ، والإسلام دين التوحيد الخالص ، والنصوص فى ذلك كثيرة ، وهو سبحانه القائل {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } المؤمنون : 91 ، والقائل {قل هو اللّه أحد} الإخلاص : ا وإنما المعنى فى الآية الواردة فى السؤال أن الألوهية ثابتة للّه فى السماوات وفى الأرض ، أى فى الكون كله .
ونفى التعدد مصحوب بالدليل وهو فساد الكون ، بسبب تنازع الآلهة ، كلٌّ يزعم أنه الأحق بالألوهية ، وحتى لو اتفقا فما هو الداعى إلى الإله الثانى المعطل عن مجال تصرف الإله الأول ، والاستدلال المنطقى موجود فى كتب التوحيد(7/400)
ليس كمثله شىء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وردت بعض النصوص التى تثبت أن لله يدا ورجلا، نريد بيانا للمراد منها ؟
An وردت نصوص فى الكتاب والسنة تثبت أن لله عينا ويدا ورجلا، مثل قوله تعالى{ولتصنع على عينى} طه : 39 ، وقوله { يد الله فوق أيديهم } الفتح : 10 ، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول : قط قط " .
وقوله " الحجر الأسود يمين اللّه تعالى فى الأرض يصافح بها من شاء من خلقه " رواه الطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه ، وقوله " رأيت ربى فى أحسن صورة ووضع يده بين كتفى حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتى" أى ثديى رواه الطبرانى والترمذى وقال : حسن غريب .
وقوله فى الحديث القدسى عن اللّه سبحانه "ومن أتانى يمشى أتيته هرولة" رواه البخارى .
والعلماء إزاء هذه النصوص فريقان مع اتفاقهم على أن الله سبحانه ليس كمثله شىء ، فريق يطلق عليه اسم السلف وفريق يطلق عليه اسم الخلف ، والسلف يؤمنون بدلالة هذه الألفاظ على معانيها الحقيقية الموضوعة لها فى اللغة العربية، فيثبتون لله عينا ويدا ورجلا ولكنها ليست كأعيننا وأيدينا وأرجلنا لاستحالة التشابه بينه وبين المخلوقات ، والخلف يؤولون هذه الألفاظ التى جاءت على أصول اللغة العربية بما فيها من حقيقة ومجاز، فيريدون بالعيون لازمها وهو العناية والعلم ، وباليد لازمها وهو القدرة والإنعام ، وبالرجل والقدم القدرة والسرعة وزيادة الفضل والكرم .
وهذه الألفاظ من المتشابه الذى نزل به القرآن وقال عنه { وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } آل عمران :
7 ، فالسلف يقفون على {الله } والخلف يصلون ولا يقفون : أى يعطفون {الراسخون }على لفظ {الله } أما السلف فيجعلون الواو للاستئتاف لا للعطف . وفى هذين الموقفين جاءت العبارة : مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم(7/401)
المشيئة الربانية والعقل والهدى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } السجدة : 13 ؟
An أبسط تفسير لهذه الآية أن اللّه سبحانه وتعالى قادر مريد لو شاء أن يجعل كل الأنفس الحية من إنس وجن وغيرهما مؤمنة مطيعة لفعل .
وذلك بأن يخلقهم من مادة أو عنصر لا يكون منه الكفر والعصيان ،كالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنهم خلقوا من نور، ولكنه سبحانه وتعالى قدر أن تكون هناك مخلوقات قابلة للإيمان والكفر، يصدر منها الطاعة والعصيان وذلك بمحض إرادتها واختيارها ، دون تدخل من الله سبحانه ، إلا بمجرد الأمر والنهى وبيان الخير والشر. فمن آمن وأطاع أدخله الجنة ، ومن كفر وعصى أدخله النار، وذلك بعد الحساب الدقيق على ما قدموا فى دنياهم ، وهذه المخلوقات الحرة المختارة لما تفعل هى الإنس والجن .
ولا يجوز أن نفهم من هذه الآية أن الله هو الذى تحكم فينا فجعل منا المؤمن والكافر وقد أراد لنا ذلك فكيف يعذبنا على ما اقترفنا .
نعم إن الله هو الذى خلقنا على هذا الطراز وبالاستعداد للإيمان والكفر، ولكن بمحض إرادتنا نحن واختيارنا لما وقع منا :
{ هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } التغابن : 2 ، {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} الإنسان : 2، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } الكهف : 29 .
ولو فرض أن الله هدى كل نفس للإيمان ما كان هناك معنى لاستحقاق الجنة حيث لا يكون عمل من هذه النفس بل هو عمل الله وما كان هناك معنى لإرسال الرسل لهداية الناس إلى الخير ، فنظام الحياة الدنيا لا يصلح له إلا من يتأتى منه أن يقول : نعم وأن يقول : لا، وذلك هو الإنس والجن بما منحوا من عقل وحرية واختيار، وبما جاءهم من وحى يرشد إلى الصواب .
والموضوع فيه كلام طويل للعلماء عن مذهب الجبرية والقدرية، فيرجع إليه فى كتب التوحيد(7/402)
سب الديك
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يسبون الديك أو أى شىء آخر بدل أن يسبوا الدين ؟
An يجرى على ألسنة بعض الفساق عبارة سب الدين ، وذلك رِدة وكفر لها حكمها ، وأحيانا يقول الشخص "يلعن ديك أمك " وحكمه أنه إذا كانت نيتة سب الدين ولكن يتستر بلفظ الديك حتى لا يؤاخذه أحد عليه فهو مرتد عند اللّه سبحانه ، لأن الإنسان يحاسب عند ربه بحسب نيته ، أما بالنسبة لنا فلا نحكم عليه بالردة، لأننا مأمورون بالحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر .
وأحذر هؤلاء من هذه العبارة التى لو تعودوها فقد يصرحون بسب الدين وهنا يكون الكفر، مع أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الديك فقال : "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" وفى لفظ "فإنه يدعو إلى الصلاة" رواه أحمد وابو داود وابن ماجه باسناد جيد(7/403)
ويعلم ما فى الأرحام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q استطاع العلم الحديث أن يعرف نوع الجنين إن كان ذكرا أو أنثى، فهل يتعارض ذلك مع قول الله تعالى {ويعلم ما فى الأرحام}
An يقول الله تعالى {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار، الرعد : 8 ، ويقول {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام } لقمان : 34 .
لا يتنافى علم البشر بنوع الجنين فى بطن أمه مع علم الله بما فى الأرحام ، وذلك لأربعة أمور، أولها أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلق الجنين ، أى قبل أن تتلقح بويضة الأنثى بماء الذكر، إلى أن يولد، بل قبل أن يكون هناك الزواج بين الرجل والمرأة ، والطب لا يعرف ذلك إلا بعد إخصاب البويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال ، وما يقال : انهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكروموسومات الغالبة فيه ، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكم فيها ، وكلها تحت إرادة الله سبحانه ، وما يستنبطونه مقدما فهو لا يعدو مرحلة الظن والتخمين .
ثانيها : أن علم اللّه بنوع الجنين علم حقيقى لا يتخلف ، وعلم العلماء بذلك علم ظنى قد يتخلف ، وبخاصة فى الأيام الأولى للحمل .
ثالثها : أن علم الله بالجنين علم شامل لنوعه ورزقه وأجله وسعادته وشقائه ، وذلك غير مستطاع إلا لله سبحانه تعالى، الذى قدر كل شىء قبل أن يخلقه .
رابعها : أن علم الله لا يسبقه جهل ، وعلم غيره مسبوق بالجهل .
وبهذه الأمور وغيرها يظل علم الله سبحانه فى قدسيته وشموله وصدقه لا يدانيه فيه مخلوق من مخلوقاته .
قال تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام : 59 وقد بين الحديث هذه المفاتح بقوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة ...} كما رواه البخارى فعلمها قاصر عليه وحده "لا يعلمها إلا هو وذلك على الوجه الميين فيما تقدم(7/404)
إنزال المطر الصناعى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q توصل بعض العلماء إلى إنزال مطر صناعى ، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى "وينزل الغيث "؟
An كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود فى السحاب أو فى الجو عامة يحدث لعوامل ، فينزل المطر أو الندى ، وليس فى ذلك مشاركة لقوله تعالى :
{وينزل الغيث } لقمان : 34 ، لأن تكوُّن السحاب وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذى خلقها ، فهو الخالق للبخار ولحرارة الشمس والمتحكم فى برودة الجو، وكذلك فى الرياح وسوقها للسحاب وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثرا ، كما قال سبحانه { ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء} النور: 43 .
إن العمليات التى يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر فى نطاق ضيق ، فى عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذبا ، فهى تدور على التبخير والتكثيف ، كما يحدث فى الأنبيق الذى تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلا فى صنع الله ، بل هو تصرف واستخدام للمادة التى خلقها الله ، ولا يمكن لأحد أن يخلق الحرارة أو البرودة أو الماء بوسائط أو مواد غير ما أوجده الله فى الكون .
ومع ذلك فالمحاولات لا تغنى ، لأن كثيرا من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف وقلة الماء وهلاك الزرع والحيوان ، فلو أمكنهم التحكم فى المطر والماء والريح كما يتحكم الله ليغاثوا من القحط ما سكتوا ، فقدرة الله فوق قدرتهم ، وإرادة الله فوق إرادتهم ، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقى إلى غير الله .
و إلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط ، عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف والصواعق والسيول والزلازل والبراكين على بلاد المتحضرين المزهوين بعلومهم واختراعاتهم ، كل ذلك يزيدنا إيمانا بقوله تعالى : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد . إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد .وما ذلك على الله بعزيز } فاطر: 15 -17(7/405)
من أيام الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك تعارض بين الآيتين الكريمتين قال تعالى {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون }الحج : 47 وقال تعالى {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج : 4 ؟
An أما الآية الأولى ففى تفسير اليوم رأيان :
1 - أنه من الأيام التى خلق الله فيها السموات والأرض ، كما روى عن ابن عباس ومجاهد .
2 -أنه من أيام الآخرة ، بمعنى أن يوما من الخوف والشدة فى الآخرة أو فى النعيم كألف سنة عن سنى الدنيا .
وأما الآية الثانية ففى تفسير المعارج ثلاثة أقوال :
1 - المعارج هى الرتب الخاصة بعظمة اللّه وعلوه ومراتب نعمه كما قال ابن عباس وقتادة .
2 -معارج السماء هى درجاتها أو مصاعدها ، لأن الملائكة تعرج إلى السماء كما قال مجاهد .
3-المعارج هى الغرف التى جعلها اللّه لأوليائه فى الجنة .
والملائكة تعرج إلى أمكنتها فى السماء ، أو إلى عرش اللّه فى وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة قال وهب : ما بين أسفل الأرض إلى العرش مسيرة خمسين ألف سنة وهو قول مجاهد، وجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى{فى يوم كان مقداره ألف سنة} السجدة : 5 ، فقال : قوله فى سورة المعارج هو من منتهى أمره من أسفل الأرض إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة ، وقوله فى سورة السجدة، يعنى بذلك نزول الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء فى يوم واحد، فذلك مقدار ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام ، فالصعود والهبوط يساوى ألف سنة .
وقيل المراد يوم القيامة ، أى مقدار الحكم فيه لو تولاه مخلوق خمسون ألف سنة، قال عكرمة . وقيل يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ثم يدخلون النار للاستقرار كما قال ابن عباس .
يقول القرطبى : وهذا القول أحسن ما قيل فى الآية، واستدل بحديث قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم عنه "والذي نفسى بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا" رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان فى صحيحه كما استدل بحديث "ما من رجل لم يؤد زكاة ماله إلا جعل الله شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقض الله بين الناس " رواه البخارى ومسلم ويؤيده ما قيل -وروى مرفوعا -أن زمن حساب المؤمن ما بين الظهر والعصر ليكون فى الجنة مستقرا وأحسن مقيلا .
وعن ابن عباس : هى أيام سماها اللّه وهو أعلم بها كيف تكون . وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم .
وقيل : المراد بالخمسين التمثيل لبيان طول المدة فى الموقف ، كعادة العرب فى وصف أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر .
هذا، وقد جاء فى تعليق اللجنة العلمية بالمنتخب فى تفسير القراَن الكريم الذى أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية "ص 495 " ما نصه .
يسبق القرآن بهذه الآية الكريمة -كألف سنة - ركب العلم بتقرير أن الزمن نسبى ، وأن فكرة الزمن العالمى المطلق الذى كان يسلم به الأقدمون قبل ظهور النسبية هى فكرة خاطئة .
وبعد فهذا بعض ما قيل فى التوفيق بين المدد المختلفة لليوم الذى عند الله ، والآراء مختلفة ، وما نسب إلى ابن عباس ، من أنه يكل علمها إلى اللّه هو فى رأيى أحسن ، لأنه ترف ذهنى وانشغال بما لا طائل تحته في حياتنا الحاضرة وإن كنا نعمل الحساب ليوم القيامة لما فيه من الشدة والهول(7/406)
الإيمان كسبى أو وهبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الإيمان كسبى للإنسان دخل فيه أم وهبى لا دخل للإنسان فيه ؟
An الإيمان هو التصديق بالقلب بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم وهذا التصديق أو الاعتقاد إن صدق دفع الإنسان إلى العمل واستقام سلوكه ، وكل عمل بدون إيمان لا قيمة له عند الله ، كعمل المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا .
والإيمان المجرد من العمل إيمان ناقص ، كجذر الشجرة التى ليس لها فروع ولا ثمار، أما الإيمان الذى يتبعه عمل فهو إيمان كامل مع التفاوت فى الكمال ، كالشجرة المورقة المثمرة {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } الأنفال : 2-4 .
والإسلام يحب من المؤمن أن يكون إيمانه كاملا بالطاعات ليسعد فى دنياه وأخراه ولا يحب منه أن يكون ناقص الإيمان لتعرضه لعقاب الله على المعاصى إن لم يتب عليه ويغفر له .
والهداية إلى الإيمان التصديقى والإيمان العملى القائم عليه هى توفيق من اللّه سبحانه ، لكن لكل شىء سبب ، فعلى الإنسان أن يسعى إليه ويجتهد فى تحصيله ، والله يهديه إلى ما يريد ، أما بدون سعى ورغبة فلا يستحق من اللّه هداية ، فإذا قال اللّه تعالى {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص : 56 فالمعنى أن التوفيق للإيمان والطاعة لا يملكه إلا اللّه ، يعطيه لمن سلك السبيل إليه ، والرسول لا يعطى هذا التوفيق ، فما عليه إلا الدلالة عليه ، وهى المرادة بالهدى إذا نسب إليه فى مثل قوله تعالى {ولكل قوم هاد} الرعد :
7 والله يهدى الناس السبيل ببيان طريق الخير وطريق الشر ، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الخير هداه اللّه أى وفقه ، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الشر أضله الله ، كما قال سبحانه {وما يضل به إلا الفاسقين } البقرة : 26 .
فالإيمان كسبى ووهبى، كسبى بسلوك السبيل إليه ، ووهبي بتوفيق اللّه له ،إن صدقت نيته ، وقانون الحياة قائم على الأسباب والمسببات ، تحت مشيئة الله سبحانه {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} التكوير: 29 {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل } يونس : 108(7/407)
أسماء الله الحسنى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن من حفظ أسماء الله الحسنى دخل الجنة حتى لو كان عاصيا وكم عددها ، وما الفرق بينها وبين الصفات ؟
An جاء فى كتاب "الأذكار" للإمام النووى "ص 104 " أن الله سبحانه قال {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف : 180 وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن للّه تسعة وتسعين اسما "مائة إلا واحدا" من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر" ثم ذكر الأسماء .
وقال إن الحديث رواه البخارى ومسلم ، أما الأسماء فرواها الترمذى وغيره بسند حسن . ومعنى أحصاها حفظها كما فسره البخارى والأكثرون ، ويؤيده أن فى رواية فى الصحيح "من حفظها دخل الجنة" وقيل : معناه من عرف معانيها وآمن بها، وقيل معناه : من أطاقها بحسن الرعاية لها، وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها .
وجاء فى شرحه لصحيح مسلم "ج 17 ص 5" أن العلماء اتفقواعلى أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين ، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة ، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بأحصائها ، لا الإخبار بحصر الأسماء ، ولهذا جاء فى الحديث الآخر :
"أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك " وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربى المالكى عن بعضهم أنه قال : لله تعالى ألف اسم . قال ابن العربى ، وهذا قليل فيها .
وجاء فى تفسير القرطبى للآية المذكورة الإشارة إلى العلاقة بين الاسم والمسمى والفرق بين الاسم والصفة ، وأحال توضيح ذلك إلى تأليفه الخاص عن شرح أسماء الله الحسنى ثم قال : الذى يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى أو صفة له تتعلق به ، وذكر أن الأسماء فى الآية تعنى التسميات ، لأن الله واحد والأسماء جمع ، وقال القاضى أبو بكر فى كتاب التمهيد عن أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين : إنها عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه ، ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به ، وأسماؤه العائدة إلى نفسه هى هو، وما تعلق بصفة له فهى أسماء له ، ومنها صفات لذاته ، ومنها صفات أفعال ، وهذا تأويل قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} أى التسميات الحسنى .
هذا، وعلماء الكلام قالوا : تسمية الله بالأسماء توقيفية، أى يتوقف إطلاقها على الإذن فيه ، وذلك للاحتياط ،احترازا عما يوهم باطلا، لعظم الخطر فى ذلك ، جاء ذلك فى كتاب "المواقف" للإيجى وشرح معانى هذه الأسماء ، فيرجع إليه . لعل فى هذه الكلمة الموجزة ما يكفى للإجابة على السؤال ، وكتب التوحيد والتفسير فيها متسع لمن أراد الاستزادة والمهم هو العمل بمقتضى الإيمان بهذه الأسماء وليس الاكتفاء بحفظها أو حصر عددها، فالعلم للعمل وليس لمجرد الحفظ(7/408)
كلام الله للبشر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كلَّم الله تعالى عبد اللّه بن حرام بدون حجاب ، وهل يتناقض ذلك مع قوله تعالى{وما كان لبشر أن يكلِّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} الشورى : 51 ؟
An عبد اللّه هذا هو عبد اللّه بن عمرو بن حرام ، استشهد يوم أحد .
وروى البخارى أن ابنه جابرا بكاه شديدا ، ونهاه الصحابة ولكن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن البكاء ، ولكن قال "ما تبكيه وما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" .
وروى أبو بكر بن مردويه البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما استشهد عبد اللّه قال لابنه جابر "مالى أراك مهتما"؟ قال : يا رسول اللّه استشهد أبى وترك دَيْنا وعيالا، فقال "ألا أخبرك ؟ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كِفاحا -قال عليُّ : الكفاح :
المواجهة- فقال : سلنى أعطك ، قال : أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية ، فقال الرب عز وجل : إنه سبق القول منى أنهم إليها لا يرجعون . قال : أى رب فأبلغ من ورائى، فأنزل اللّه {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران :
169 .
وفى رواية للبيهقى قال النبى صلى الله عليه وسلم لجابر "شعرت أن الله أحيا أباك فقال : تمن علىَّ عبدى أعطكه " "أسد الغابة مجلد 3 ص 347، تفسير ابن كثير مجلد 2 ص 140 ، 141 " .
وآية {وما كان لبشر أن يكلِّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : ألا تكلم اللّه وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن موسى لم ينظر إليه " .
ومعنى "وحيا" نفثا فى القلب فيكون إلهاما ، ومنه حديث "إن روح القدس نفث فى رُوعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب " جاء بعبارات متقاربة رواها الحاكم وغيره ، ومن وراء حجاب كما كلم موسى، وإرسال الرسول هو جبريل يكلم الأنبياء .
وحصر كلام الله لغيره فى هذه الأحوال الثلاثة هو فى كلامه فى الدنيا للبشر، أما فى الآخرة فلا مانع أن يكون كلامه لهم مباشرة وكفاحا أى مواجهة، كما حصل مع عبد الله بن عمرو بن حرام ، وكما يحصل من كلام اللّه سبحانه لأهل الجنة حين يقول لهم : "أرضيتم عنى"؟ فليس هناك تناقض بين الآية وكلام ابن حرام(7/409)
الأجل محدود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا قتل الإنسان فهل يعتبر موته قبل استيفاء العمر الذى قدره الله له ؟
An فى كتب التوحيد هذه العبارة "والمقتول ميت بأجله" فاللّه سبحانه قدَّر له هذا الأجل وعلم أن سبب موته هو القتل ، فالعمر محدود غير متغير فى علم الله تعالى، وما يظهر للملائكة هو أن الإنسان لو وصل رحمه مثلا طال عمره كما جاء فى الحديث ، ولا يعلمون إن كان سيصل رحمه أو لا، والذى يعلم ذلك يقينا هو الله وحده(7/410)
أحسن الخالقين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى{فتبارك الله أحسن الخالقين } المؤمنون : 14 فهل هناك خالقون غير الله وهو أحسنهم ؟
An كان المشركون يزعمون أن الأصنام شركاء لله فى الخلق وفى كل شىء ، فتحداهم الله بآيات كثيرة بينت أنهم عاجزون لا يضرون ولا ينفعون ، وعبر عنهم بصيغة العقلاء على زعمهم .
ومع اعترافهم بأنه لا يقدر على خلق السماوات والأرض وعلى خلق الإنسان إلا الله كما قال سبحانه {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه } الزمر: 38 .
وكما قال : {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف : 9 وكما قال {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} الزخرف : 87 مع اعترافهم بهذا كانوا ينسبون إلى الأصنام بعض الأعمال ويتقربون إليها بالقرابين لتستجيب لما يطلبون .
وذكر الله الآية التى فى السؤال بعد ذكر خلق الإنسان فى الأطوار المعروفة ، وعبر بأحسن الخالقين ، وهذه الصيغة المفيدة للتفضيل تبدو منها مشاركة الأصنام لله فى الخلق وهو سبحانه يزيد عليهم ويفضلهم ، لكن صيغة التفضيل تأتى أحيانا من غير أن تفيد مشاركة بين المفضل والمفضل عليه ، وقد مثَّل علماء النحو لذلك بقولهم :
العسل أحلى من البصل ، فهما لا يشتركان أصلا فى الحلاوة حتى يكون العسل أحلى، وإنما المعنى : العسل فى بابه ونوعه أحلى من البصل فى بابه ونوعه .
وتفيد صيغة أحسن الخالقين أيضا أنه يوجد خالق غير اللّه ، أى فاعل أى شىء ومبتكر لأى شىء ليس له مثال سابق ، لكن خلق الله وإبداع صنعته وانفراده بأشياء لا يقدر عليها غيره تجعله أفضل الخالقين .
وبعد ، فإن فى مرونة اللغة العربية من حيث معانى الألفاظ ودلالة الأساليب ما يجعل هذا التعبير مستساغا ومقبولا بالمعنى اللائق لكل من يوصف به ، فكما يقال مثلا: الله رب العالمين ، يقال للمالك للعبد رب العبد، وللمالك لأى شىء ربه ، كما يطلق الرب على المربى(7/411)
دارون وأصل الإنسان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى النظرية التى تقول : إن الإنسان أصله قرد ترقَّى وتطور حتى صار على الشكل الذى نعرفه الآن ؟
An فى القرن التاسع عشر الميلادى ، الذى ظهرت فيه نزعة الثورة على الكنيسة والأفكار والآراء الدينية السائدة ، برز جماعة منهم "لا مارك" الفرنسى المتوفى سنة 1829 م "واغوست ايرينوس" المتوفى سنة 1927 م و "تشارلس دارون" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م والذى أثار ضجة فى العالم عندما ظهر كتابه "أصل الأنواع" سنة 1859 م وكتابه "تسلسل الأنواع" سنة 1871 م ، وهو يشتمل على ثلاث مسائل :
أ- أن طريق حدوث تنوعات العالم هو النشوء ، أى أن أجزاء الأثير تكون منها السديم ثم الشمس ، ثم انفصلت عنها الكواكب ، ومنه أرضنا ، ثم تكونت العناصر ثم المعادن ثم المكون الأول الحى "البروتوبلازم" الذى أخذ فى التوالد والترقى حتى بلغ أدنى نبات أو حيوان ، ولم يزل هذان يترقيان بالنواميس الأربعة "التباينات ، الوراثة ، تنازع البقاء، الانتخاب الطبيعى" ويشتق من الأنواع أنواع حتى تكونت جميع الأنواع التى نراها اليوم .
ب- أن الإنسان ما هو إلا حيوان من جملة الحيوانات ، حادث بطريق النشوء والارتقاء ،وأنه لمشابهته القرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو وإياه من أصل واحد .
ج- أن الحياة وعقل الإنسان ما هما إلا ظاهرتان من ظواهر تفاعل أجزاء المادة ، وإن يكن أصل المادة خاليا من الحياة والإدراك ، وأن عقل الإنسان لا يختلف عن عقول الحيوانات إلا بالكم ، ولا يخالفها فى الذات والحقيقة .
إن هذه الدعاوى لم يستطع "دارون" ومن ساروا فى ركابه أن يبرهنوا عليها بالأدلة الكافية ، فهى ما تزال افتراضات قابلة للصدق والكذب ، وأكثر اعتمادهم فى ذلك على تطوير نوع من الزهور والنباتات ، غيَّروا شكلها ولم يغيروا جوهرها ، ولم ينجحوا فى شىء من عالم الحيوان ، ولكنهم قالوا : يجوز أن يكون الإنسان متطورا عن حيوان قبله وهو القرد .
ويشرح "لا مارك" ذلك بقوله : إن الكائن الحى يشعر من تغير الأحوال عليه بضرورة حدوث عضو جديد له ، فيفعل للحصول على ذلك ، فيحدث فى آحاده يسيرا يسيرا ، كالزرافة ، فقد كانت فى زعمه كسائر الحيوانات - ذات عنق قصير، ولكنها لما احتاجت إلى أكل الأشجار العالية صارت تتفعل لذلك وتشرئب لتنال الورق العالى ، فطالت عنقها يسيرا يسيرا، حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن ، فالحاجة هى التى تنشىء الأعضاء الجديدة عند لا مارك ولكن دارون يقول : إن الصدفة أو الاتفاق هو الذى ينشئها .
لقد قام جماعة من المفكرين بالرد على نظرية دارون فقال "س . فان هو فنسفيلت" إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس. التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك .
وقال "جوستاف جوليه" الأستاذ فى السوربون : إن العقبات التى يرتطم بها مذهب النشوء والارتقاء تنحصر فى خمسة أمور :
ا- أن العوامل التى يقوم عليها هذا المذهب قد ظهر عجزها فى تعليل أصل الأنواع .
ب- تبين عدم كفايتها لتعليل وجود الحشرات .
ج- تبين عدم غنائها فى تفسير التحولات الفجائية المولدة لأنواع جديدة .
د- اتضح قصورها عن تعليل تولد طبائع الأنواع الجديدة وثبوتها نهائيا ، وقد ثبت أنها متى تولدت فيها بسرعة تبقى ثابتة لا تتغير .
هـ- ثبت عجزها عن تفسير عوامل التطور الذى تدخل فيه الكائنات فتحولها من حالة ساذجة إلى حالة مركبة ، وتدفعها من النقص إلى الكمال .
هذه هى نظرية دارون الافتراضية ، وذلك بعض ما ردَّها به علماؤهم ، أما رأى الدين فيها فيتضح مما يلى :
1- قولهم إن المخلوقات خلقت عشوائيا بغير تدبير سابق وعلم محكم يرده قول اللّه سبحانه : {إنا كل شىء خلقناه بقدر} القمر: 49 وقوله {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شىء موزون} الحجر: 19 .
2 - قولهم إن الإنسان ليس له خالق ، يرده قول الله تعالى : {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} النحل : 4 وقوله {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ق : 16 وقوله :{هذا خلق اللّه فأرونى ماذا خلق الذين من دونه} لقمان : 11 وغير ذلك من الآيات الكثيرة .
3- قولهم إن البقاء للأقوى والكوارث هى سبب هلاك المخلوقات الضيفة، مردود بأن اللّه يهلك الأقوياء كما يهلك الضعفاء {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} آل عمران :
10 {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} آل عمران : 12 .
4- ادِّعاؤهم معرفة كيف نشأت الأحياء على الأرض ، يرده قول اللّه تعالى : {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف : 51 .
5- ادعاؤهم أن الطيور والحشرات لا تفهم يرده قول الله سبحانه {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل :
16 .
6- ادعاؤهم أن الطير أقل تطورا من الثدييات والإنسان يرده قول اللّه تعالى {فبعث اللّه غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه} الأنعام : 38 .
7-زعمهم أن الإنسان متطور عن كائنات حية سابقة يرده قول الله تعالى {الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علَّمه البيان} الرحمن :
1 - 4 وقوله {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} الرحمن : 14 وحديث "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم .
8 - ادعاوهم أن القرآن يقر نظرية التطور، كقوله تعالى {وقد خلقكم أطوارا} نوح : 14 مردود بأن الأطوار فى الآية ليست التطور الذى يزعمون فالمعنى أن الإنسان خلق على النحو الذى قال فيه رب العزة {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون : 12 - 14 .
9- قولهم إن الموت يأتى صدفة للضعيف ويترك القوى ليتطور، يرده قول الله تعالى{خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} الملك : 2 وقوله {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } البقرة : 28 هذا بعض ما تفند به نظرية دارون ، ويمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر "المجلد الثانى ص 749" ودراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة ومجلة الهداية التى تصدر فى البحرين عدد مارس 1993 ، ومراجع أخرى(7/412)
ابن الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض المؤرخين إن إطلاق لفظ ابن الله على بعض الناس موجود قبل ميلاد المسيح عليه السلام فهل هذا صحيح ؟
An جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" تأليف : كوثر نيازى وزير الإعلام والحج فى باكستان سنة 1974 م أن قسطنطين هو الذى روَّج أن عيسى عليه السلام "ابن الله" عندما اعتنق المسيحية وهو حاكم لليونان واليونان يعتقدون أن أفلاطون هو ابن الإله "أبولو" لأن خطيب أمه "باركشين" وجدها حبلى فناداه "أبولو" لا تقربها فهى حبلى بولد منى، فصاروا يطلقون على أفلاطون "ابن الله" وقد ولد سنة 29 قبل الميلاد "من كتاب التناقض بين الدين والعلم . تأليف : درابر" .
وكثير فى اليونان من أشيع أنهم ولدوا من غير أب ، ومنهم فيثاغورس المولود سنة 575 قبل الميلاد ، وسموه ابن الله ، ويقول : أبوة الله أطلقت بالمعنى المجازى على كثيرين منهم ، أى العباد المخلصون(7/413)
ما شاء الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أنه لا يجوز أن يقول الإنسان : ما شاء الله وما شاء فلان ؟
An روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا : ما شاء الله وما شاء فلان ، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان " .
قال الخطابى وغيره : هذا إرشاد إلى الأدب ، وذلك أن الواو للجمع والتشريك ، وثم للعطف مع الترتيب والتراخى ، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه .
وجاء عن إبراهيم النخعى أنه كان يكره أن يقول الرجل : أعوذ بالله وبك . ويجوز أن يقول : أعوذ بالله ثم بك . قالوا : ويقول : لولا اللّه ثم فلان لفعلت كذا، ولا نقل : لولا الله وفلان .
هذا وقد جاءت روايات أخرى أخرجها النسائي وابن ماجه وأحمد فى هذا الموضوع ، تحدث عنها ابن حجر، فيمكن الرجوع إليها فى "فتح البارى ج 11 ص 548 "(7/414)
من ألفاظ الكفر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من يحلف ويقول : أكون على غير دين الإسلام إن فعلت كذا؟
An قال النووى فى كتابه "الأذكار" ص 356 : يحرم أن يقول الإنسان : إن فعلت كذا فأنا يهودى أو نصرانى أو برئ من الإسلام ونحو ذلك .
فإن قاله وأراد حقيقة تعليق خروجه عن الإسلام بذلك صار كافرا فى الحال ، وجرت عليه أحكام المرتدين . وإن لم يرد ذلك لم يكفر، لكن ارتكب محرما ، فيجب عليه التوبة، بأن يقلع فى الحال عن معصيته ، ويندم على ما فعل ، ويعزم على ألا يعود إليه أبدا ، ويستغفر الله تعالى ويقول : لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه(7/415)
تكفير المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم من قال لمسلم يا كافر؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " وفى رواية لهما "من دعا رجلا بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه" ومعنى حار رجع(7/416)
الرحمن الرحيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك فرق بين الرحمن والرحيم ؟
An الصفتان مشتقتان من الرحمة ، والرحمن هو البالغ الذروة فى الرحمة، والرحيم هو صاحب الرحمة الكثيرة ، فالرحمن أبلغ منه ، والرحمن خاص بالله تعالى ، لأنه لا يمكن لأحد سواه أن يبلغ الذروة فيها ، أما الرحيم فيمكن أن يوصف به غير الله سبحانه ، ومن هنا قال الأكثرون : إن الرحمن علم على الله وليس صفة، لا يطلق على أحد سوى الله ، وما جاء عن البعض من وصف مسيلمة بأنه رحمن اليمامة، وقول بعض الشعراء :
* وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا * فمن المبالغة فى الكفر والضلال ، وقيل : إن ما كان فيه أل "الرحمن والرحيم " فهو خاص باللّه تعالى ، وما ليس فيه " أل " بأن كان نكرة مثل " رحمن ورحيم " أو مضافا مثل " رحمن اليمامة ورحيم بنى فلان " فليس خاصا بالله .
ورحمة اللّه صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضى التفضل والإِنعام ، وأما الرحمة بالنسبة لما سوى اللّه فمعناها رقة فى القلب تقتضى الإِنعام(7/417)
حمد الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن أحسن صيغة لحمد الله هى : الحمد للّه حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده ، فهل هذا صحيح ؟
An الحمد فى اللغة هو الثناء باللسان على الجميل الاختيارى على جهة التعظيم والتبجيل ، وهو فى العرف يدل على تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد وغيره ، والشكر فى اللغة هو الحمد العرفى، وفى العرف هو صرف العبد جميع ما أنعم اللّه به عليه إلى ما خلق لأجله ، فبين الحمد اللغوى والعرفى عموم وخصوص من وجه ، فيجتمعان فيما إذا كان باللسان فى مقابل نعمة ، وينفرد اللغوى فيما إذا كان باللسان لا فى مقابل نعمة ، وينفرد العرفى بصدقه بغير اللسان فى مقابل نعمة ، فمورد الحمد العرفى أعم وهو اللسان والأركان أى الجوارح ، ومتعلقه أخص وهو كونه فى مقابلة نعمة - والحمد اللغوى عكسه ، والحمد اللغوى مع الشكر اللغوى كذلك ، إذ الشكر اللغوى هو الحمد العرفى كما علم .
إن حمد الله وشكره باللسان يحصل بأية صيغة ، وهو مندوب إليه ، وجاءت فى فضله أحاديث منها : ما رواه أصحاب السنن عن رفاعة بن رافع رضى اللّه عنه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من المتكلم فى الصلاة"؟ فلم يجبه أحد، ثم قالها الثانية " من المتكلم فى الصلاة"؟ فقال رفاعة بن رافع : أنا يا رسول الله ، قال " كيف قلت "؟ قال : قلت : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فقال " والذى نفسى بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعدها" قال الترمذى : حديث حسن . وفى رواية أبى داود أن الرسول قال له " ما تناهت دون عرش الرحمن جل ذكره " وفى مسند أحمد أن الرسول قال له " لقد فتحت لها أبواب السماء فلم ينهها شىء دون العرش" .
يقول السفارينى فى غذاء الألباب "ج 1 ص 11 " إن بعض الناس ذكر أن أفضل صيغ الحمد : الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه ، ويكافئ مزيده . وأن ابن القيم أنكر على قائله غاية الإِنكار لأنه لم يرد فى الصحاح ولا السنن ولا يعرف فى شىء من كتب الحديث المعتمدة ولا له إسناد معروف ، وإنما يروى عن أبى نصر التمار عن سيدنا آدم أبى البشر عليه الصلاة والسلام ، قال : ولا يدرى كم بين آدم وأبى نصر إلا الله تعالى . قال أبو نصر: قال آدم : يا رب شغلتنى بكسب يدى، فعلمنى شيئا من مجامع الحمد والتسبيح ، فأوحى الله إليه : يا آدم ، إذا أصبحت فقل ثلاثا ، وإذا أمسيت فقل ثلاثا "الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده " فذلك مجامع الحمد والتسبيح . قال ابن القيم : فهذا لو رواه أبو نصر التمار عن سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم لما قبلت روايته ، لانقطاع الحديث فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف بروايته له عن آدم .
قال : وبنى على هذا بعض الناس مسألة فقهية فقال : لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع الحمد وأجل المحامد فطريقه فى بر يمينه أن يقول : الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده .
وردَّ هذا بما يطول ، والحاصل أن العبد لا يحصى ثناء على ربه ولو اجتهد فى الثناء طول عمره .
ثم ذكر أن الإِمام أحمد بن حنبل روى فى الزهد عن الحسن قال : قال داود : إلهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله ما قضيت حق نعمة واحدة . وروى فيه أيضا عن المغيرة بن عتبة قال : لما أنزل اللّه على داود { اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور } سبأ: 13 قال : يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم علىَّ ترزقنى على النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة، فالنعمة منك يا رب فكيف أطيق شكرك ؟ قال : الآن عرفتنى يا داود(7/418)
الخوارج
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع عن فرقة دينية تسمى بالخوارج ، فكيف ظهرت وما هى مبادئها، وحكم الدين فيها؟
An الخوارج فرقة دينية ظهرت على أثر الخلاف بين على ومعاوية ، حيث انفصلت عن شيعة على رضى الله عنه جماعة خرجوا عليه بعد أن رضى بالتحكيم ، حين اختار أبا موسى حَكما ، واختار معاوية عمرو ابن العاص حكما ، وأطلق عليهم اسم الخوارج أو الحرورية باسم المكان الذى انحازوا إليه ، فكانوا أول فرقة منظمة شذت بفكرها القائم على تكفير مرتكب الكبيرة ومن يرفض حكم الله من أجل حكم البشر، رافعين شعار" لا حكم إلا لله " ونبه على رضى اللّه عنه على زيف هذا الشعار الذى اتخذوه ستارًا لأغراض ليست فى مصلحة الدين فقال "كلمة حق أريد بها باطل " وحدث أن أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضى اللّه عنهما لمناظرتهم فرجع كثير معه ، ثم تمردوا وراسلهم ، وفى النهاية قاتلهم بعد قتلهم عامله عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت ، وأوقع بهم فى " النهروان " سنة 38 هـ، ولم ينج منهم إلا قليل ، ثم ظهروا بعد ذلك بمعتقداتهم وتوسعوا فيها وكثرت فرقهم ، وما زالت منهم بقية إلى الآن فى بلاد المغرب ، يقول عنهم ابن حزم : إنهم أعدل هذه الفرق ، وهى الإِباضية " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 168 " .
امتد شذوذ الخوارج فى فكرهم إلى شذوذهم فى السلوك ، فدبروا المؤامرات التى راح ضحيتها على رضى الله عنه حيث طعنه عبد الرحمن بن مُلجم وهو يصلى الصبح ، يقول الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه "تاريخ المذاهب الفلسفية" لعل موقفهم المتشدد نحو الحكم والمجتمع يرجع إلى أن أكثرهم كانوا من قبائل ربيعة التى تنافس قبائل مُضر منذ زمن بعيد، فهم ينفسون على قريش المضرية التى تريد أن تحصر الخلافة فيهم ، ونادوا بأن تكون حقا لكل من عنده أهلية لها من أية قبيلة، ليسهل عزل الخليفة حيث لا تكون له عصبية تحميه . . . ثم يقول :
كما أن من أسباب سخطهم على المجتمع أن أكثرهم كان يعيش فى البادية بخشونتها وصلابة رأيها ، ولما جاء الإِسلام لم يغير من حالهم كثيرا ، لأنهم لزموا عيشة البدو ولم يتأثروا بعيشة الحضر، فاعتنقوا المذهب بقوة امتزجت بما ورثوه من سذاجة فكر وضيق صدر، فكان لذلك أثره فى الحكم على المجتمع الذى انصرفوا عنه إلى العبادة التى تؤهلهم إلى الحياة الطيبة فى الآخرة . انتهى ما قاله وإن حدث تغير فى الفكر والسلوك عند بعضهم .
يقول صاحب كتاب المواقف فى علم التوحيد " الإيجى" إن الخوارج سبع فرق لكن اندثر أكثرها ، وما يعرف منها الآن فرقة الإِباضية التى تنسب إلى زعيمهم "عبد اللّه بن إباض " .
وهم فى عقيدتهم على رأى الخوارج الأصليين الذين يكفِّرون مرتكب الكبيرة ، لكنهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة ويقولون : إن المراد بالكفر كفر النعمة ، ويعترفون بالقرآن والحديث مصدرين للعلم ، ويصرون على أن القدوة الحسنة بعد النبى صلى الله عليه وسلم فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، ويكفِّرون عليا وأكثر الصحابة، ويوجبون على المسلمين إقامة الإمامة عند القدرة والعلم ، ويرون أن العزلة أفضل من الاختلاط بالمجتمع ، وهم أعدل فرق الخوارج كالزيدية فى الشيعة ، وقد ألف أحد الكتاب من ليبيا كتابا فى ثلاثة أجزاء بعنوان " الإِباضية فى موكب التاريخ " حاول أن يقطع صلتهم بالخوارج ، ويجعل لهم مذهبا مستقلا أساسه حرية الرأى .
وقال " الإيجى " صاحب كتاب المواقف : إن الإِباضية من الخوارج افترقوا أربع فرق ، وعدَّ منها " اليزيدية " أصحاب " يزيد بن أنيسة " الذين قالوا : سيبعث نبى من العجم بكتاب يكتب فى السماء ، ويترك شريعة محمد إلى ملة الصابئة ، وكل ذنب عندهم شرك .
هذا، وقد سبق فى بعض الإِجابات شرح قول الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } والنهى عن تكفير من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بذلك . والواجب هو محاورتهم لتصحيح أفكارهم ، فإن لم يستجيبوا وجب اتخاذ موقف منهم .
وقد وضح الماوردى فى كتابه " الأحكام السلطانية" ص 58ما يتخذ من الإِجراءات نحوهم ، ويمكن الرجوع فيها إلى المصدر المذكور أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " ويمكن تلخيصه فيما يلى :
إذا كان هناك أهل فكر معين ينشقون به عن فكر الجماعة ، إن تستروا بفكرهم ولم يدعوا إليه ولم ينحرفوا فى سلوكهم فليس للسلطة يد عليهم ، فإن دعوا إلى فكرهم وجب على المسئولين أن يصححوا أفكارهم بالحوار أو بالتوعية أو أية وسيلة أخرى ، وفى الوقت نفسه يجوز للسلطة أن تعاقب من يروجون لأفكارهم بما تراه من عقوبة لاتصل إلى القتل أو إلى حد من حدود الجرائم المعروفة .
ولو انفصلت هذه الجماعة وتميزت بدار أو محلة وكانت ملتزمة بالقوانين الجارية دون عدوان ولا فساد فلا شأن للسلطة بهم إلا ما يكون من توعية لتصحيح الفكر، فإن تمردت على القوانين وكونت لنفسها دولة داخل الدولة كان للسلطة أن تحاربهم لينزعوا عن المباينة ويفيئوا إلى الطاعة(7/419)
التوكل على الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إنسان تواكل على الله فى أمر ما ولم يأخذ بما يكفى من الأسباب لكنه دعا الله بكل ما يعرف من أدعية مستجابة ليقضى الله له أمره ، لكن الله لم يوفقه فى ذلك على الرغم من دعائه فلماذا ؟
An التوكل على اللّه لا يفيد إلا بعد اتخاذ الأسباب ، وبدون ذلك يكون تواكلا وهو مذموم ، ويشير إليه قول عمر: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقنى ، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .
والذى لا يتخذ الأسباب لا يقبل دعاؤه ، والرسول نفسه نبه بعض الصحابة إلى ذلك حيث طلب واحد منهم مرافقته فى الجنة ، فقال له : " فأعنِّى على ذلك بكثرة السجود " أى الصلاة .
مع العلم بأن الدعاء لا يقبل إلا بشروط ، منها طاعة الداعى لله وعدم عصيانه ، والتعفف عن أكل الحرام ، وكون الدعاء بخشوع وحضور الذهن والقلب ، على نسق ما جاء فى قبول الله دعاء أيوب وذى النون وزكريا ، حيث قال الله تعالى : {إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} الأنبياء : 90 وعدم الاستعجال حيث يقول : دعوت فلم يستجب لى .
وعلى فرض أن الداعى فيه هذه المواصفات ، فإن الاستجابة تكون بصور مختلفة، إعطاء الداعى ما سأله أو صرف سوء عنه يكون أحسن من نيل المطلوب أو ادخار الإجابة إلى الآخرة فهى أفضل من الدنيا ، والله يختار ما هو خير للداعى المؤمن المطيع الخاشع ، فقد يكون منع الإجابة أفضل ، قال تعالى {ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزِّل بقدر ما يشاء} الشورى : 27 وفى المأثور: "إن من عبادى من لا يصلحه إلا الفقر" .
وقد يكون عدم الاستجابة امتحانا لإيمان الإنسان ، هل يرضى بقضاء الله ويصبر على البلاء الذى يشكو منه ، أو يجزع ويعترض ، {ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة : 155 - 157(7/420)
الحسد بالعين حقيقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إنسان أصابته عين نظرًا لتفوقه بين أقرانه وبخاصة الكبير فى حياته الدراسية .
وكعادته دعا اللّه كثيرا أن ينجح ويتفوق ولكن عند ظهور النتيجة كان أقل زملائه نجاحًا .
فهل يتغلب الحسد على دعاء الإنسان الخالص إلى ربه ؟ وما التفسير الصحيح ؟
An الحسد بالعين حقيقة واقعة وجاء فيها الحديث "العين حق ، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين" .
وكذلك الحسد وهو تمنى زوال نعمة الغير موجود بين الناس ، وهو مذموم .
والذى يحسد غيره بمعنى من المعنيين السابقين إنسان ارتكب محرما، وعليه أن يعوِّد نفسه الدعاء بالبركة لمن رأى فيه شيئا طيبا، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه والمؤمن معرض لأن يحسده إنسان آخر، وما عليه إلا أن يتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله وقراءة القرآن ، وبخاصة آية الكرسى وأواخر سورة البقرة وسورة يس ، ويدعو اللّه أن يقيه شر الحاسدين "قل هو الله أحد ، قل أعوذ برب الفلق ، قل أعوذ برب الناس" مهمة فى هذا المجال .
عليك أيها السائل أن تستمر فى نشاطك ولا تبال بما يقول أو يفعله أو يضمره لك غيرك ، وأن تقوى إيمانك بالله ، والرضا بقضائه ، وألا تيأس عند حلول نقمة أو فشل فى مشروع ، فذلك امتحان من الله ، والله تعالى يقول :
{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } البقرة : 214 .
لا تيأس من رحمة اللّه أبدا ، فكم فى السابقين من توالت عليه المحن فصبر وصابر فكان النجاح الباهر، ولك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} الأحقاف :35 .
وقد قال الرسول لخَبَّاب بن الأرَتِّ حينما شكا له اضطهاد قريش له وللضعفاء من المؤمنين وطلب الدعاء بالنصر "والذى نفس محمد بيده ليتمَّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون"(7/421)
أول خلق الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو أول ما خلق الله سبحانه وتعالى في الوجود؟
An سبق فى ص 31 من المجلد الأول من هذه الفتاوى الكلام على أول خلق الله ، وأن بعض الناس يقولون إنه نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن الأحاديث الواردة فى ذلك أحاديث آحاد ولم يتفق على صحتها ، فلا تصلح لبناء عقيدة عليها .
وإضافة لما ذكر هناك أقول : روى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال : قلت : يا رسول الله بأبى أنت وأمى أخبرنى عن أول شىء خلقه الله تعالى قبل الأشياء ، قال " يا جابر فإن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره -فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن فى ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول القلم ، ومن الثانى اللوح ، ومن الثالث العرش . ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول حملة العرش ، ومن الثانى الكرسى ، ومن الثالث الملائكة . ثم قسم الجز الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الأول السماوات ومن الثانى الأرضين ومن الثالث الجنة والنار. ثم قسم الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثانى نور قلوبهم ، وهى المعرفة بالله ، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ... إلى آخر الحديث .
وقد اختلف : هل القلم أول المخلوقات بعد النور المحمدى؟ فقال الحافظ أبو يعلى الهمدانى : الأصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد اللّه بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء" فهذا صريح فى أن التقدير وقع بعد خلق العرش ، ووقع عند أول خلق القلم ، لحديث عبادة بن الصامت مرفوعا "أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، قال : رب وما أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شىء" رواه أحمد والترمذى وصححه . ورويا أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا "إن الماء خلق قبل العرش" وروى السُّدِّى بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش . انتهى .
هذا ما ذكره القسطلانى فى كتاب " المواهب اللدنية "ج 1 ص 9 ، 10 ولم يعلق هو ولا شارحه الزرقانى على هذه الأحاديث ، إلا حديث عبد الله بن عمرو، فقد رواه مسلم ، وحديث عبادة الذى رواه أحمد ، بل ذكر الزرقانى بسند واهٍ أن القلم طوله خمسمائة عام ، وعرضه كذلك ، وسنُّه مشقوقة ينبع منه المداد . وفى خبر مرسل أنه من لؤلؤ، وطوله سبعمائة عام .
إن كل هذه الأخبار لا تثبت بها عقيدة ولا يضرنا الجهل بها ، ولا نسأل عنها أمام اللّه إلا بمقدار ما أفدنا من هذه المخلوقات لتحقيق الخلافة فى الأرض . فلنترك ما وراء ذلك لعلم الله تعالى، ونضع أمام أعيننا قوله سبحانه {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف : 51 وقوله {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهِدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} الزخرف : 19(7/422)
الله تعالى جميل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من أسماء الله تعالى الجميل ؟
An روى مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال " إن اللّه جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس " ورواه الترمذى وقال : حسن غريب .
معنى قوله " إن الله جميل " أن كل أمره سبحانه حسن وجميل ، فله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال ، قال أبو القاسم القشيرى :
معناه جليل ، وقيل معناه : جميل الأفعال بكم والنظر إليكم ، يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل . يقول النووى : هذا الاسم ورد فى الحديث الصحيح ، وورد فى الأسماء الحسنى وفى إسناده مقال ، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى . ومن العلماء من منعه وقال إمام الحرمين أبو المعالى : ما ورد به الشرع جوزنا إطلاقه ، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتجويز ولا منع ، فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع ، ولو قضينا بتحريم أو تحليل لكنا مثبتين حكما بغير الشرع . ثم لا يشترط فى جواز الإِطلاق ورود ما نقطع به فى الشرع ، ولكن ما يقتضى العمل وإن لم يوجب العمل فإنه كاف ، إلا أن الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل ، ولا يجوز التمسك بها فى تسمية الله تعالى وصفته ، قال النووى : وقد اختلف أهل السنة فى تسميته تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه ، فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع على إطلاقه ، فإن ورد به خبر واحد فقد اختلفوا فيه ، فأجازه طائفة، وقالوا : الدعاء به والثناء من باب العمل ، وذلك جائز بخبر الواحد ، ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أن يستحيل على الله تعالى، وطريق هذا القطع ، قال القاضى : والصواب جوازه ، لاشتماله على العمل ولقوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وهو كما قال .
هذا ما ورد عن كمال الدين الدميرى المتوفى سنة 808 هـ فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى "ج 1 ص 457 عند كلامه عن الذر .
وخلاصته أن إطلاق اسم " الجميل " على اللّه فيه خلاف ، وفى اختلاف الآراء سعة(7/423)
كتاب داود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان الزبور هو كتاب سيدنا داود، والذكر هو القرآن ، فما المقصود بقوله تعالى {ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون} الأنبياء : 105؟
An الزبور ليس هو فقط الكتاب الذى نزل على داود عليه السلام ، وإنما يطلق على كل ما أنزله الله تعالى من الكتب حتى القرآن الكريم ، والذكر قيل : هو توراة موسى عليه السلام ، وقيل : هو كتب الأنبياء ، وقيل : هو أم الكتاب الذى عند الله فى السماء .
والمعنى أن اللّه سبحانه قرر فى اللوح المحفوظ وفى الكتب المنزلة على الأنبياء أن الجنة لعباده الصالحين ، كميراث أتاهم من غير جهد ، لأن طاعتهم لا تتساوى مع عظمتها وقيمتها، وقال بعض المفسرين المحدثين : المعنى أن البقاء هو للأصلح فى الدنيا ، فمن انحرف من الملوك أو الدول أو الأمم عن الصراط المستقيم سلب الله منهم سلطانهم وأعطاه للصالحين الذين يستحقونه ، وكل ذلك تتحمله الآية(7/424)
خلق الإنسان من علق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى المناسبة بين خلق الإِنسان من علق والتعليم بالقلم فى قوله تعالى : { خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم .الذى علَّم بالقلم }؟
An سورة { اقرأ باسم ربك } هى أول ما نزل من القرآن الكريم كما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى اللّه عنها، ووجه المناسبة بين الخلق من علق والتعليم بالقلم وتعليم العلم أن أدنى مراتب خلق الإِنسان كونه علقة ، وأعلاها كونه عالما ، فهو سبحانه امتن على الإِنسان بنقله من أدنى المراتب وهى العلقة إلى أعلاها وهى العلم ، قال الزمخشرى : فإن قلت : لم قال " من علق " وإنما خلق من علقة واحدة كقوله تعالى { من نطفة ثم من علقة } قلت : لأن الإِنسان فى معنى الجمع كقوله تعالى { إن الإِنسان لفى خسر } أى الناس والأكرم هو الذى له الكمال فى زيادة تكرمه على كل كريم ، ينعم على عباده النعم التى لا تحصى ، ويحلم عليهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهى وإطراحهم الأوامر، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقترافهم العظام ، فما لكرمه غاية ولا أمد، وكأنه ليس وراء التكريم بإفادة الفوائد العظيمة تكرُّم ، حيث قال { الأكرم الذى علَّم بالقلم علم الإِنسان ما لم يعلم } فدل على كمال كرمه بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم . ونبه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة التى لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم الأول ، ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ، ولا كتب اللّه المنزَّلة إلا بالكتابة ، ولولا هى ما استقامت أمور الدين والدنيا ، ولو لم يكن على دقيق حكمة اللّه ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به .
ويتصل بهذا سؤال عن العلقة السوداء التى أخرجت من قلب النبى صلى الله عليه وسلم فى صغره حين شق فؤاده ، وعن قول الملك :
هذا حظ الشيطان منك ، وقد أجاب الشيخ تقى الدين السبكى بقوله : تلك العلقة التى خلقها اللّه تعالى فى قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها ، فأزيلت من قلبه عليه الصلاة والسلام ، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقى الشيطان فيه شيئا . هذا معنى الحديث ، ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظ قط ، وإنما الذى نفاه الملك أمر هو فى الجبلات البشرية ، فأزيل القابل الذى لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف فى قلبه عليه الصلاة والسلام .
فقيل له : لمَ خلق الله هذا القابل فى هذه الذات الشريفة وكان يمكنه ألا يخلقه فيها؟ فقال : لأنه من جملة الأجزاء الإِنسانية، فخلقه تكملة للخلق الإِنسانى فلا بد منه ، ونزعه كرامة ربانية طرأت بعده . انتهى "الدميرى - العلق - حياة الحيوان الكبرى"(7/425)
عرض الأعمال على الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن أعمال الناس ترفع إلى السماء يوم الإثنين والخميس ؟
An روى الترمذى حديثا قال : إنه حسن ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
"تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم " وفى هذا دليل على ندب الصوم فى هذين اليومين ، وكان صلى الله عليه وسلم يصومهما ، كما جاء التصريح بذلك فى رواية ابن ماجه عن أبى هريرة .
وعرض الملائكة أعمال العباد على الله فى هذين اليومين أمر تنظيمى وضعه اللّه سبحانه لحكمة يعلمها هو، وإن كان هو يعلم كل ما فى الكون دون حاجة إلى كتابة الملائكة ورفع ذلك إليه سبحانه ، وهناك حديث رواه النسائى يدل على أن الأعمال ترفع فى شهر شعبان ، وكان الرسول يحرص على صيامه كله أو صيام أكثره لأنه يحب أن يرفع عمله وهو صائم ، فما هى الصلة بين رفع الأعمال فى شعبان ورفعها فى كل أسبوع مرتين فى يومى الاثنين والخميس ؟ إن رفع الأعمال مرتين كل أسبوع ربما لا يقصد به إخبار الله بها فهو كما قلت -غنى عن هذه الوسائل ولعل القصد منه حث العباد على الطاعة وتحذيرهم من المعصية ، فالمتابعة مستمرة حاضرة غير غائبة ، وقد يوضح ذلك عمل امتحانات للمتعلمين فى أثناء السنة الدراسية، حتى لا يتكاسلوا عن المذاكرة إلى أن يقرب امتحان اَخر العام فهناك يكون الجد والتعب ، لأن نتيجته هى المهمة .
وعلى هذا الضوء يمكن فهم المقصود من عرض الأعمال فى الأسبوع مرتين ، تمهيدًا للعرض العام فى كل سنة فى شهر شعبان ، ثم العرض الأكبر يوم القيامة ليقرأ كل إنسان ما كتب عليه ، ويعرف النتيجة النهائية للنشاط الذى باشره طول حياته فى الدنيا .
الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية عن الصيام فى شهر شعبان ورفع الأعمال أشار إلى أن هذا الرفع هو رفع خاص ولم يوضح الخصوصية التى فيه ، فلنترك الأمر للّه ولنقبل على الطاعة ولنبادر بالتوبة من المعصية، حتى تبيض وجوهنا يوم العرض على الله سبحانه(7/426)
الكفر والشرك
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك فرق بين الكفر والشرك ؟
An الكفر فيه معنى الستر، وقد يكون سترا ماديا وسترا معنويا ، ومن الستر المعنوى جحود النعمة وعدم الاعتراف بالجميل ، يقول الراغب الأصفهانى فى "المفردات " وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، والكفران فى جحود النعمة أكثر استعمالا، ثم يقول : والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها .
وقد يقال : كفر ، لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر الله عليه .
قال تعالى{من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } الروم : 44 ، والشرك يقول عنه الراغب الأصفهانى فيه معنى الاشتراك فى شىء مادى أو معنوى، وهو فى الدين ضربان ، أحدهما الشرك العظيم ، وهو إثبات شريك لله تعالى ، وهو أعظم كفر لأنه جحد الوحدانية ، والثانى الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه فى بعض الأمور وهو الرياء والنفاق ، ومنه قوله تعالى{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } يوسف : 106 ، وقوله تعالى{فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} الكهف : 110 ، محمول على الشركين . وأما قوله تعالى{فاقتلوا المشركين } التوبة :5، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعا ، وقيل هم غير أهل الكتاب .
والخلاصة : أن الشرك كفر بوحدانية الله وعدم إخلاص العبادة لله ، والكفر يطلق على الشرك لأنه جحود بالوحدانية، ويطلق على من يكذب بالنبوة وعلى من يكذب الشريعة فالكافر أعم من المشرك والكفار والمشركون مصيرهم النار خالدين فيها أبدا .
ومن أراد الاستزادة من المعرفة فليرجع إلى الجزء الأول من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " ص 138 ففيه بيان الفروق بين الكفر والفسوق والعصيان والنفاق(7/427)
من مظاهر فضل الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن من صلَّى الصبح ثم جلس حتى تطلع الشمس يكون له ثواب عمرة ؟
An عن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فى جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة" قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تامة تامة تامة " رواه الترمذى وقال : حديث حسن غريب أى رواه راوٍ واحد فقط ، وجاءت رواية أخرى عن أبى أمامة بإسناد جيد للطبرانى بهذا الثواب ، كما جاءت روايات فيها مقال لكن تقبل فى فضائل الأعمال بهذا الثواب وبغيره ، والثابت كما رواه مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس .
من هنا نعلم فضل صلاة الصبح جماعة فى المسجد والمكث فيه مع الاشتغال بذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلاة الضحى التى أقلها ركعتان . ولا يستبعد أحد أن يكون ثواب ذلك كثواب حجة وعمرة ، ففضل الله واسع ، يقبل القليل ويعطى الجزيل ولذلك نظائر كثيرة منها :
1- فضل ليلة القدر، فإن قيامها خير من ألف شهر كما نص عليه القرآن الكريم .
2- فضل أداء الفرض فى رمضان . ، فثوابه كثواب سبعين فرضا فى غيره ، كما جاء فى حديث سلمان الذى رواه ابن خزيمة فى صحيحه .
3- قراءة {قل هو الله أحد. } تعدل قراءة ثلث القرآن كما رواه مسلم وغيره .
4- النفقة فى سبيل الله يضاعفها الله {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } البقرة : 216 .
5- روى البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل " .
6- روى البخارى ومسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن :
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " وغير ذلك كثير فى الشريعة الإسلامية ، يكون العمل قليلا ويكون ثوابه كبيرا ما دام مستكملا لأركانه وشروطه مع الإخلاص لله سبحانه . وهذا تشجيع على الإقبال على طاعة الله بالفعل أو العزم عليه كما جاء فى الصحيح أن من همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات .
وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن العمرة فى رمضان تعدل حجة معه كما رواه مسلم فليس معنى ذلك أنها تكفئ عن الحج إذا كان قادرا عليه ، بل لابد من أدائه ، وكذلك إذا كانت صلاة الفريضة فى رمضان تعدل سبعين فريضة فيما سواه فليس معنى ذلك أن من ترك سبعين صلاة تكفى عنها صلاة واحدة فى رمضان ، بل لا بد من قضاء كل ما فات ، وكذلك إذا صح الحديث كما رواه مسلم أن الصلاة فى مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، فليس المراد أن الصلاة الواحدة تكفى عن ألف صلاة تركها ، ومثل ذلك ما رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين أن الصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه - لا يعنى أن يهمل الإنسان فى الصلاة سنوات طويلة ثم يعوض كل ما فات بصلاة واحدة أو اكثر قليلا فى المسجد الحرام(7/428)
التوكل والتواكل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين التوكل والتواكل ؟
An حقيقة التوكل من الصعب تعريفها كما تُعرَّف الأمور الأخرى بماهياتها ، وإنما يعرف التوكل بآثاره . كما قال العلماء فى التيار الكهربائى ، وقد قال الإمام الغزالى - وهو الفيلسوف الصوفى الفقيه الأصولى فى حديث التوكل : إنه غامض من حيث العلم . ثم هو شاهد من حيث العمل ، ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك فى التوحيد، والتثاقل عنها بالكلية طعن فى السنة وقدح فى الشرع ، والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسباب تغيير فى وجه العقل وانغماس فى غمرة الجهل ، وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق مع مقتضى التوحيد والنقل والشرع فى غاية الغموض والعسر، ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء .
وقد أطال الغزالى فى توضيح ذلك ، ولكن بعبارة بسيطة يمكن أن أقول : إن التوكل هو الإيمان بأن الله سبحانه هو الواحد المتفرد بالخلق ، ومنه كل النعم ، وإليه المرجع والمصير، مع إظهار مسحة هذا الإيمان على السلوك فى القول والعمل ، وامتثال أمر الله والسير على منهجه الذى أوحى به إلى الرسل .
ولو طبقنا هذا المعنى فى طلب الرزق مثلا فلابد فى التوكل من الإيمان بأن السعى والجد فى العمل وحده لا يمكن أن يوصل إلى النتيجة إلا بإرادة الله سبحانه ، فقد يكون هناك سعى وجد وعمل ولا يكون من وراء ذلك تحقيق ما يريده الإنسان ، فلا بد من الأمرين :
الأخذ فى الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله سبحانه وانفراد واحد منهما عن الأخر خطأ . فالأخذ بالأسباب دون التفويض لله يناقض الإيمان ، وربما لا يوصل إلى المطلوب ، والتفويض لله فقط دون الأخذ بالأسباب تعطيل لقانون الله وعدم امتثال لأمره بالسعى والعمل ، وهذا ما يعرف بالتواكل .
وعلى ضوء ذلك من يقتصر على الإيمان بقوله تعالى{وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} هود : 6 ، دون تنفيذ لقوله تعالى { هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه } الملك :15 ، يكون مخطئا ويطلق عليه اسم المتواكل ، يوضح ذلك ما حدث أن رجلا ترك ناقته على باب المسجد النبوى وقال للرسول صلى الله عليه وسلم هل أتركها بدون عقل -قيد- وأتوكل على الله ليحفظها أو أعقلها - أقيدها بالعقال ؟ فقال له "قيدها وتوكل " رواه ابن خزيمة والطبرانى بإسناد جيد .
وقد يوضح هذا أيضا قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح فالطير تبارح الأعشاش لتطلب رزقها ولا تنتظر وتفتح أفواهها لينزل لها الرزق من السماء وهى راقدة فى الأغشاش .
يقول أبو الفتوح الرازى الواعظ المفسر الفارسى المولود بالرى فى أواخر القرن الخامس الهجرى :
توكل على الرحمن فى كل حاجة * ولا تتركن الجد فى شدة الطلب ألم تر أن الله قال لمريم * وهزى إليك الجذع يسَّاقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزه * جنته ولكن كل شىء له سبب [ مجلة الإخاء العدد 193 فى إبريل 1971 م بقلم محمد على رزم آشين ] والموضوع طويل يراجع فى "إحياء علوم الدين " للأمام الغزالى ج 4 ص 210(7/429)
لماذا خلق الله الدنيا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا خلق الله الدنيا ؟
An الدنيا جزء من العالم الذى خلقه الله ، والعالم كل ما سوى الله من حيوان ونبات وجماد ، وملائكة وأرواح وجنة ونار، وغير ذلك وهذا الخلق أثر من آثار صفاته التى تحقق له الألوهية ، خلقه بقدرته وبإرادته وأبدعه بعلمه وبحكمته ، وبسط سلطانه عليه بالأمر والنهى والثواب والعقاب . {لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون } الأنبياء : 23 ، والدنيا هى الحياة الأولى قبل الحياة الآخرة ، وهى حياة فانية كما قال سبحانه عندما أهبط آدم إلى الأرض : {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين } الأعراف : 24 ، وهى دنيا فى المكانة والمنزلة بالنسبة للأخرى التى فيها النعيم الدائم الخالد للمؤمنين ، والعذاب الدائم الخالد للكافرين . {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} النساء :
77 ، والدنيا مزرعة للآخرة، وهى دار تكليف يجازى على العمل فيها بالثواب والعقاب ، وهى ليست مذمومة على كل حال إلا فيما نهى الله عنه كما فى الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم " رواه الترمذى وغيره وقال حسن صحيح .
وفى كلام الإمام على : "الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلَّى ملائكته ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة" 000 (انظر المحاسن والمساوى للبيهقى ج 2 ص 44 ) هذا بعض تفسير للسر فى خلق الله للدنيا، وهو سبحانه أعلم بالحقيقة ولا معنى للانشغال بذلك فالمهم هو العمل الصالح فيها لنسعد به فى حياتنا الآخرة التى هى المصير الحتمى لكل من يعيش فى هذا العالم(7/430)
نزول جبريل بعد النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل نزل جبريل إلى الأرض بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An جاء فى " الحاوى للفتاوى " للسيوطى أن إنكار الناس لنزول جبريل بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم لا أصل له ، ثم استدل على ذلك بما أخرجه الطبرانى فى معجمه الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت : قلت : يا رسول اللَّه هل يرقد الجنب ؟ قال " ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ، فأنى أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل " .
فدل هذا على أن جبريل يحضر موتة المؤمن المتطهر. وكذا استدل بما أخرجه الطبرانى عن ابن مسعود مرفوعا فى وصف الدجال الذى جاء فيه : ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم ، فيقول : من أنت ؟ فيقول :
أنا جبريل ، بعثنى اللَّه لأمنعه من حرمه .
كما استدل بقوله تعالى في ليلة القدر{ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم } القدر: 4 ، حيث قال الضحاك : إن الروح هنا جبريل ، وأنه ينزل هو والملائكة فى ليلة القدر ويسلمون على المسلمين وذلك فى كل سنة أنتهى .
والذى جر إلى الاعتقاد بعدم نزوله حديث " لا وحى بعدى " فالذى ينزل بالوحى جبريل ، والجواب أن الحديث موضوع ، ولو فرضت صحته فالمنفى نزوله للوحى إلى الأنبياء بشرع ، لكن قد ينزل لغير ذلك كتبليغ خبر لا يتعلق بتشريع ، ففى مسلم " أوحى اللَّه تعالى إلى عيسى أنى أخرجت عبادا لى لا يد لأحد بقتالهم فحول عبادى إلى الطور- وهم يأجوج ومأجوج ، ( مذكرات التوحيد ج 3 ص 150 ) .
ومهما كانت قيمة الاستدلال بهذه الأدلة على نزول جبريل فإن ذلك أمر ليس من أصول العقيدة الإسلامية ، والبحث فيه ينبغى أن يحملنا على ما احتوته هذه الأدلة من الحرص على الطهارة، ومن إحياء ليلة القدر(7/431)
التفاضل بين الملائكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عرفنا أن الله سبحانه قال " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض " فهل هناك تفضيل لبعض الملائكة على بعض ؟
An ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج 2 ص 46 " أن الملائكة بعضهم أفضل من بعض وأن أفضلهم جبريل الروح الأمين المزكى من رب العالمين ، المقول فيه من ذى العزة { إنه لقول رسول كريم . ذى قوة عند ذى العرش مكين . مطاع ثَمَّ أمين } التكوير : 19 - 21 ، فوصفه بسبع صفات ، فهو أفضل الملائكة الثلاثة الذين هم أفضل الملائكة على الإطلاق ، وهم ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل . انتهى .
وجاء فى شرح المواهب للزرقانى (ج 6 ص 44 ا) أن أعلى الملائكة درجة : حملة العرش الحافون حوله ، فأكابرهم أربعة ، فملائكة الجنة والنار فالموكلون ببنى آدم ، فالموكلون بأطراف هذا العالم ، كذا ذكره الرازى . انتهى .
وإذا كان جبريل أفضل الملائكة الموكلين ببنى آدم ، لما سبق من وصف الله له فى القرآن ، فإن هناك خلافا فى التفاضل بينه وبين إسرافيل ، ولم يصح فى ذلك شىء كما قال السيوطى فى " الحبائك " والآثار متعارضة ، وذكر الزرقانى روايات متعددة رأيت الإعراض عنها لعدم جدواها فى حياتنا العملية ، ولسنا مكلفين باعتقاد ذلك ، ومن كان عنده نهم للمعرفة فليرجع إليه(7/432)
التفاضل بين الملائكة والبشر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الملائكة أفضل من البشر، أم البشر أفضل منهم لأنهم أمروا بالسجود لأبيهم آدم ؟
An يقول الله سبحانه { الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس } الحج :
75 .
تدل الآية على أن الملائكة والناس يصطفى الله منهم رسلا، لكن هل الاصطفاء بصورة واحدة وعلى مستوى واحد، أم أن هناك امتيازًا لنوع منهما على نوع آخر؟ ليس فى ذلك نص من قرآن أو سنة صحيحة، والخوض فى ذلك قد يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَ منه ، ولا توجد له أهمية بالنسبة لحياتنا العملية، لكن العلماء القدامى أثاروا هذه المسألة وهذا طرف من ذلك :
ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج 2 ص 45 " أن هناك اختلافا فى التفاضل بين الملائكة والبشر، فقال جمهور أهل السنة والجماعة :
خواص بنى آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والمقربون والكروبيون والروحانيون [ الكروبيون ملائكة العذاب والروحانيون ملائكة الرحمة فى بعض الأقوال ] .
وخواص الملائكة أفضل من عوام بنى آدم وهم من عدا الأنبياء من الصالحين .
وذلك بالإجماع كما قال التفتازانى بل بالضرورة ، وعوام بنى آدم أفضل من عوام الملائكة ، ولذلك عدة مبررات : منها ، أن مجموع الملائكة أمروا بالسجود لمجموع البشر الممثلين فى آدم ، والمسجود له أفضل من الساجد ، فإذا ثبت تفضيل الخواص من البشر وهم الأنبياء على الخواص من الملائكة بالسجود لآدم ثبت تفضيل العوام على العوام .
فعوام الملائكة خدم عمال الخير وهم صلحاء المؤمنين ، والمخدوم له فضل على الخادم ، ومنها أن المؤمنين ركب فيهم الهوى والعقل مع تسليط الشيطان عليهم بوسوسته ، والملائكة ركب فيهم العقل دون الهوى أى الشهوة ولا سبيل للشيطان عليهم ، فالإنسان - كما قاله التفتازانى فى شرح العقائد النسفية -يحصل الفوائد والكمالات العلمية والعملية مع وجود العوائق والموانع من الشهوة وشواغل الأمور الضرورية عن اكتساب الكمالات . ولا شك أن العبادة واكتساب الكمال مع الشواغل والصوارف أشق وأدخل فى الإخلاص فيكون الإنسان أفضل .
وذهب المعتزلة والفلاسفة وبعض الأشاعرة من أهل السنة إلى تفضيل الملائكة ، وتمسكوا بنحو عشرين وجها ، ذكر القسطلانى منها أربعة لا داعى لذكرهما ، فهى ترف عقلى لمن أراد ، فليرجع إليه ، وقد وضح هذه النقطة أيضا القرطبى فى تفسير "ج 1 ص 289 " وكذلك فى الجزء العاشر " ص 294 " قائلا: وعلى الجملة فالكلام لا ينتهى فى هذه المسألة إلى القطع ، وقد تحاشى قوم من الكلام فى هذا ، كما تحاشوا من الكلام فى تفضيل بعض الأنبياء على بعض ، إذ فى الخبر "لا تخايروا بين الأنبياء، ولا تفضلونى على يونس بن متى " وهذا ليس بشىء لوجود النص فى القرآن فى التفضيل بين الأنبياء .
ولعل النهى عن التفضيل يقصد به ما يثير فتنة وتعصبا، فالمقطوع به تفضيل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . حتى على الملائكة كما قاله المحققون(7/433)
قتال الملائكة يوم بدر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يشكك بعض الناس فى قتال الملائكة يوم بدر، قائلين إن المسلمين انتصروا بجهودهم ، ولو كان الانتصار بسبب قتال الملائكة ما كان لهم فضل ، فما مدى صحة هذا الكلام ؟
An تحدَّث القرطبى فى تفسير قولة تعالى { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون . إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين . بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسوِّمين } آل عمران : 123 - 125 ، وقال : إن الله أمَدَّ بملائكته نبيه والمؤمنين فى قول جماعة العلماء . وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت . ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان شهيد بدر: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأرينكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة ، لا أشك ولا أمترى - وأبو أسيد يقال إنه اَخر من مات من أهل بدر .
ثم ذكر القرطبى حديثا رواه مسلم عن عمر بن الخطاب جاء فيه دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ربه لما رأى كثرة المشركين قائلا " اللهم أنجز لى ما وعدتنى ، اللهم آت ما وعدتنى ، اللهم إن تهلك هذه العصابة - الجماعة - من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض " وما زال يهتف وأبو بكر يقول له :كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فأمده الله تعالى بالملائكة . ثم قال القرطبى : فتظاهرت السنة والقرآن على ما قاله الجمهور والحمد لله .
ولم تكن مهمة الملائكة هى التثبيت فقط لقلوب المؤمنين بل باشروا القتال بالفعل كما قال رب العزة { إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا ، سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " الأنفال : 12 ، وكان منهم ملكان عن يمين الرسول و يساره وعليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال ، يقول سعد بن أبى وقاص : ما رأيتهما قبل ولا بعد " القرطبى ج 4 ص 190 " .
وفى حديث مسلم عن غزوة بدر قول ابن عباس : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد فى أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدِمْ حيزوم ، فنظر إلى المشرك أمامه فخرَّ مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق وجهه فاخضرَّ ذلك أجمع .
فجاء الأنصارى فحدَث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صدقت ، ذلك من مدد السماء الثالثة" فقتلوا يؤمئذ سبعين وأسروا سبعين "القرطبى ج 4 ص 193 "وفى ص 194 عن سهل بن حنيف قال : لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه ، وعن الربيع بن أنس قال : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به ذكره البيهقى .
يؤخذ من هذا ومن غيره أن الملائكة باشرت القتال بالفعل ولم يكن دورهم هو التثبيت فقط ، وهذا ما يدل عليه ظاهر النصوص ولا حاجة لتأويلها، كما زعم بعض الناس أنهم حضروا فى بدر للدعاء بالتثبيت لا غير .
والمهم أن نأخذ العبرة من ذلك بأن الله سبحانه يمد المؤمنين الصادقين بوسائل النصر إن استغاثوه ولم يعتمدوا على أنفسهم وقوتهم ناسين ربهم ، فالله سبحانه بيده كل شىء { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } آل عمران : 126 ،{ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } محمد : 7 ، { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } الروم :
47(7/434)
قياس سرعة الملائكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى الصحف أن هناك محاولة لقياس سرعة الملائكة بسرعة الضوء والسرعات المعروفة لنا، فهل يصح هذا أم لا يصح ؟
An الإسلام حث على النظر والتفكر فى ملكوت السموات والأرض ، وشجع على ذلك تشجيعا ورد فى كثير من آيات القرآن الكريم ، وذكر الحكمة منه بأن فيه اَيات وعلامات لذوى العقول النيرة يدركون بها من أسرار الكون ما يحملهم على الإيمان بخالقه ، أو تعميق الإيمان به لمن سبق له الإيمان كما أن من أهداف الحث على النظر الشامل : الانتفاع بما سخر اللَّه فى الكون انتفاعا يساعد على أداء رسالة الإنسان فى الحياة وتحقيق الخلافة فى الأرض . غير أن عقل الإنسان له حدود لا يستطيع معها أن يدرك كل الأسرار، وحواسه التى تقدم له التصورات مجالاتها محدودة كما ثبت علميا ، وبالتالى تكون النتائج والمعطيات العقلية محدودة أيضًا ، وهناك من الأمور الغيبية التى يتوقف العلم بها على الخبر الصادق من الرسل المبلغين عن اللّه ما لا مجال للعقل فيه ، ضرورة أنه لا يدرك بالحواس ، والخبر إذا صدق كان مجال العقل فيه بعيدا عن النفى والإثبات ، وإن كانت ، له صولات وجولات فى ببان حكمته مثلا. وعلى فرض عدم وصوله إلى إدراك الحكمة فإن ذلك لا يؤثر على وجوده ، فلا تلازم بينهما. والملائكة من عالم الغيب الذى يجب الإِيمان به كما ورد وفى هذا النطاق فحسب ، وللملائكة خواص ليست للبشر ولا للعالم المادى المعروف ، { جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع } فاطر: ا ، { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم : 9 ، { ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون } الأنبياء : 19 ، 25، { تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج : 4، إلى غير ذلك من النصوص الواردة فى القرآن والسنة . وما دامت لهم خواص غير خواص سائر المخلوقات ، فإن محاولة قياس أحوالهم فى السرعة وغيرها على السرعة المعروفة لنا محاولة غير كافية للوصول إلى نتيحة صحيحة، ذلك لأن القياس ، كما هو معروف ، قياس مع الفارق . وما تصل إليه هذه الأبحاث لا يلزمنا تصديقها فهى لم تصل بعد إلى درجة الحقائق العلمية المسلمة ، والفروض والظنون لا يجوز أبدا أن نحمل عليها آيات القرآن ، أو نفسرها على ضوئها .
ونحث الباحثين - مع تسليمنا بموقف الإسلام من النطر فى الكون وهو التشجيع - على أن يكون نشاطهم فى النطاق الذى يمس مشاكلنا مسًّا قويا فى المجال الفكرى والاجتماعى والأخلاقى الذى نصل به إلى المستوى اللائق بنا ، وإذا صدقت النية فى البحث كانت معونة اللّه بالتوفيق(7/435)
هاروت وماروت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن هاروت وماروت كانا من الملائكة وعاقبهما الله على معصيته ؟
An قال تعالى { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن اللّه . . . } البقرة : 102 ، . جاء فى كتب التفسير أنهما ملكان هبطا إلى الأرض وفتنا، فعاقبهما الله بتعليقهما من أرجلهما ، وكلام المفسرين - على جلالة قدرهم - ليس حجة فى هذا المقام ، فهو منقول عن تراث البابليين وشروح اليهود وكتب النصارى ، وأقرب الأقوال عنهما أن الناس كانوا قد فتنوا بالسحرة حتى رفعوهم إلى مقام الأنبياء ، فأنزل الله ملكين يعلمان الناس السحر ، ليفرقوا بينه وبين النبوة ، ويحذروهم من الفتنة به وبهما .
أو أنهما شخصان كانا يتمتعان بمنزلة كبيرة فى العلم والسلوك ، فتن الناس بهما ، فأطلقوا عليهما اسم الملكين ، من باب التشبيه والمجاز ، وهو إطلاق معروف قديما وحديثا ، حيث يطلق الآن على الشخص الممتاز اسم "ملاك " .
وفى الأساطير البابلية شخصان باسمين مقاربين لهاروت وماروت ، أعجب الناس بهما فأطلقوا عليهما اسم ملكين ، بل زاد الإعجاب بهما فاعتقدوا أنهما من الألهة . وقد أقبل اليهود على تعلم ما تركاه من حكمة وسحر، وشغلوا به عن كتاب الله الذى نبذوه وراء ظهورهم . هذا ، ولا يجوز أن نلتفت إلى ما يقال عن الملائكة مما يتنافى مع عصمتهم ، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، قال تعالى {بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } الأنبياء : 26 ، 127 ، وقال { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون } الأنبياء : 19 ، 20(7/436)
سؤال الملائكة عن خلق آدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Qسئل: عندما أخبر الله سبحانه الملائكة بأنه سيخلق بشرا قالوا له : إنه سيكون مفسدا، فكيف عرفوا ذلك ؟
An قال اللّه تعالى{وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال إنى أعلم ما لا تعلمون } البقرة :35 ، جاء في كتب التفسير: أن الأرض كانت مسكونة بخلق لم يصلحوا لعمارتها كما أراد اللَّه سبحانه فأهلكهم ، ثم قال سبحانه للملائكة : إنى سأجعل بعد هؤلاء خليفة لإدارة الأرض إدارة صالحة ، فخافوا أن يكون كمن سبقوه من الذين ارتكبوا الجرائم وأفسدوا بالقتل وغيره ، وقالوا : نحن خلق جُبلنا على الطاعة لك ، نحمدك بكل كمال هو فيك ، وننزهك عن كل نقص لا يليق بجلالك ، فأخبرهم اللَّه أنه يعلم أن الخليفة الجديد سيصلح ولا يفسد .
فالملائكة ظنت بالقياس على الخلق السابق على آدم أنه سيقتل ويسفك الدماء ، ولم يعلموا أنه سيكون من لحم ودم ، وأن الملائكة لم تكن تعلم الغيب المستقبل لآدم . وليس في هذا الظن علم بالغيب ، ولذلك قال اللَّه {إنى أعلم ما لا تعلمون } وقال {ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } البقرة : 33 ، فعلمهم ظن أساسه القياس ، وعلم اللّه حق أساسه الكشف واليقين .
وقيل : إن الملائكة تعرف أن الخليفة لن يكون له من علم اللَّه وإرادته المطلقة ما يستطيع أن يحيط بكل شيء علما، أو يعلم علما يقينيا كاملا مرة واحدة بل على التدريج ، وعلى هذا يكون تصرفه غير حكيم ، وبالتالى يكثر الفساد وقيل غير ذلك(7/437)
هل إبليس من الملائكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل إبليس من الملائكة لأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم فلم يسجد ، أو هو من الجن ؟
An معرفة جنس إبليس متوقفة على الخلاف في كونه من الملائكة أولا، وهو قبل معصيته لأمر الله لا يعرف حاله بطريق ثابت ، وكل ما قيل في ذلك منسوب إلى بعض الصحابة . أما بعد الإخبار عن معصيته ففي معرفة جنسه رأيان .
الرأي الأول : أنه من الملائكة ، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة منها :
أ-ظاهر الاستثناء فى قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس } وهو استثناء مفصل يدل على أنه من الملائكة .
ب -أنه لو لم يكن من الملائكة ما كان أمر اللّه لهم بالسجود متناولاً له ، ولو لم يكن متناولا له استحال أن يكون تركه للسجود إباء معصية، ولما استحق العذاب ، وحيث حصل ذلك علمنا أن الخطاب بالسجود يتناوله ، فهو من الملائكة .
والرأي الثاني أنه ليس من الملائكة ، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة مها :
ا - قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } الكهف : 50 .
ب -أن الملائكة معصومون من العصيان لقوله تعالى{عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم : 6 ، وإبليس عصى واستكبر عن السجود فهو ليس من الملائكة 0 وأدلة الطرفين محتملة ، ومناقشة وبيان ذلك باختصار :
1 -أن الاستثناء قد يكون منقطعًا فالمستثنى إبليس وليس من جنس المستثنى منه وهم الملائكة .
21 - أن الأمر بالسجود أصلا هو للملائكة ، وإبليس ملصق بهم لكثرة عبادته ، فلا يوجه إليه أمر خاص ، لأن الأمر العام يكون للكثرة الغالبة .
31-كون إبليس من الجن قد يراد به أنه من العالم المستتر، والملائكة من العالم المستتر أيضًا ، قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} الصافات :
158 ، حيث قال الكفار: الملائكة بنات الله .
والدليل الذي جىء له لإثبات أنه ليس من الملائكة بأنهم معصومون ، وإبليس أخطأ دليل قوى ، فإن الثابت أن الجن منهم مؤمنون ومنهم كافرون ، والآيات في ذلك كثيرة وليس في الملائكة كافرون .
ومن أجل أن أغلب أدلة الطرفين مناقشة فلا يمكن القطع برأى في الموضوع ، ولهذا قيل : إن إبليس ليس من الملائكة-ولا من الجن بل هو خلق مفرد من نار، وإبليس يطلق عليه شيطان ، لأن الشياطين هم شرار الجن . فإن منهم أخيارا ، كما يطلق لفظ الشيطان على من تمرد من الإنس والجن والدواب .
ومن أراد تفصيلاً أوضح فليرجع إلى كتاب " آكام المرجان " للمحدث الشبلى ، وإلى مجلة الأزهر- المجلد الثامن ، صفحة 566 وما بعدها ، وإلى بحث الجن في هذه الفتاوى(7/438)
رؤية الحيوانات للملائكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن بعض الحيوانات ترى ملك الموت عند نزوله إلى الأرض ؟
An الثابت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا اللَّه من فضله ، فإنها رأت ملكا ، وإذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا باللَّه من الشيطان ، فإنها رأت شيطانا" . والثابت أيضا أن فرس أسيد بن حضير أحست بالملائكة التى نزلت تستمع إلى القراَن ، فاضطربت وكادت تؤذى الولد النائم ، كما رواه البخارى ومسلم . وروى النسائى والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير فى الليل فتعوذوا باللَّه من الشيطان الرجيم ، فإنها ترى ما لا ترون ، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرِّجل ، فان اللَّه يبث فى الليل من خلقه ما شاء " وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط مسلم .
يؤخذ من هذا أن الحيوانات ترى من مخلوقات اللّه المغيبة عنا ما لا يراه الإنسان ، لكن الربط بين حيوان بعينه وما يراه إن كان ملكا أو شيطانا يقتصر فيه على ما أخبرنا به النبى صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ، ولم أعثر .
على حديث يعتمد عليه فى الاعتقاد بأن الكلب يرى ملك الموت كما هو شائع بين العامة(7/439)
مصير الملكين بعد موت الإنسان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل وكّل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا: أتأذن لنا أن نصعد إلى السماء ؟ قال :
فيقول الله تعالى: إن سمائى مملوءة بملائكتى يسبحونى . فيقولان فتأذن لنا فنقيم فى الأرض ؟ فيقول الله تعالى : إن أرضى مملوءة من خلقى يسبحونى، فيقولان : فأين نقيم ؟ فيقول : قوما على قبر عبدى، فسبحانى واحمدانى وكبرانى وهللانى، واكتبا ذلك لعبدى إلى يوم القيامة"
An يقول اللّه سبحانه { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه } الرعد : 11 ، ويقول { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد . إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ق : 16 -18 ، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" .
إن ملائكة اللَّه من عالم الغيب ، لا يعلم عددهم إلا اللَّه ، ولهم أعمال كلفهم اللَّه بها { لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم : 6 ، تفاصيل أحوالهم وأعمالهم لا تقبل إلا عن طريق صحيح ، والاعتقاد لا يقوم إلا على الدليل القاطع فى ثبوته ودلالته .
وقد أخبرت الآية أن للّه ملائكة مكلفين بحفظ غيرهم من البشر، مع اختلاف المفسرين فيمن يحفظه المعقبات : هل هو محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره فى آية سابقة " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" أو كل الرسل كما قي دل عليه "ولكل قوم هاد" أو الناس عامة تحفظهم من الوحوش والهوام لطفا من اللَّه ، حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينهم ، كما قاله ابن عباس وعلى رضى اللَّه عنهما ، وقيل الحفظ هو كتابة الأقوال والأفعال ، ونقل القرطبى عن الثعلبى كلاما أن الملائكة الموكلة بكل عبد يبلغون عشرين ومعهم إبليس وولده ، وليس لهذا الكلام دليل يعتمد عليه فى العقائد "ج 9 ص 292- 294 " .
وذكر فى سورة (ق) رقيبا وعتيدا ، وهما الموكلان بكتابة الأعمال ، اثنان بالنهار واثنان بالليل وأن لكاتب الحسنات سلطانا على كاتب السيئات ، يأمره بعدم الإسراع فى الكتابة لعل الإنسان يستغفر فى ظرف سبع ساعات ، كما ذكر الحديث المذكور فى السؤال ، ولم يسنده إلى ثقات المحدثين ، بل رواه بصيغة التمريض التى تدل على عدم الصحة فى اصطلاح المحدثين ، وهى (روى) فالأولى أن نكل العلم إلى اللَّه فيما تقوم به الملائكة مادام لم ينص عليه فى القرآن والسنة الصحيحة(7/440)
ملك الموت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو اسم ملك الموت ، وكيف يقبض أرواح الكثيرين فى وقت واحد، ومن الذى يقبض روحه هو، وهل صحيح أنه كان يظهر للناس ، وأنه استأذن النبى ليقبض روحه وأن موسى لطمه ؟
An نحن مكلفون بالإيمان بالملائكة إجمالا، ولا نكلف بمعرفة أسمائهم إلا ما نص عليه القراَن أو الحديث الصحيح لأن عددهم كبير كما قال اللَّه سبحانه { وما يعلم جنود ربك إلا هو } المدثر: 31 ، والنص إما على الإسم الشخصى مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل ، ومنكر ونكير، ورضوان خازن الجنة ومالك خازن النار .
وعزرائيل مشهور بأنه هو ملك الموت وإن كان اسمه لم يرد فى القراَن الكريم .
وإما أن يكون النص على النوع مثل حملة العرش والكتبة الذين يحصون أعمال العباد . والحفظة وغيرهم .
وعزرائيل هو الملك الموكل بقبض الأرواح ، قال تعالى { قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } السجدة : 11 ، ويقال إن اللَّه اختاره لذلك لأنه هو الذى تجرأ وأخذ من تراب الأرض ليخلق اللّه منه آدم على الرغم من أنها استعاذت من الملائكة الذين حاولوا قبله أن يأخذوا منها التراب ، وهذا كلام وهب بن منبه والزهرى وليس له سند صحيح " مشارق الأنوار للعدوى ص 16" وملك الموت ككل نفس سيموت والذى يقبض روحه هو اللَّه سبحانه .
وجاء فى مشارق الأنوار أيضا "ص 13 " أن له أعوانا بعدد من يموتون ، وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن نفسين اتفق موتهما فى طرفة عين ، واحد بالمشرق والآخر بالمغرب كيف قدرة الملك عليهما؟ قال : ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إلا كرجل بين يديه مائدة يتناول من أيها شاء . وأخرج ابن أبى حاتم عن زهير بن محمد قال : قيل : يا رسول اللّه ، ملك الموت واحد والزحفان يجتمعان بين المشرق والمغرب وما بين ذلك من السخط والهلاك ، فقال "إن اللَّه حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى أحدكم ، فهل يفوته منها شىء " .
وأخرج أحمد والبزار وصححه عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : كان ملك الموت يأتى الناس عيانا ، فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه ، فأتى ربه فقال : يا رب عبدك موسى فقأ عينى ولولا كرامته عليك لشققت عينه ، قال له : اذهب إلى عبدى موسى فقل له : فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، فأتاه فقال له : ما بعد هذا ؟ قال : الموت . قال : فالآن . قال : فشمه شمة فقبض روحه ورد اللَّه عليه عينه ، فكان بعد يأتى الناس خفية .
وذكر الشعرانى بعد أن حكى رواية للإمام الترمذى بمثل هذا - أن موسى فقأ عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل ، لأنه معصوم .
ولذلك لم يعاتبه اللّه على ذلك "مشارق الأنوار ص 15 " .
كما أورد حديثا عن أحمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم وفيه دخول ملك الموت بيت داود عليه السلام - وكانت فيه غيرة - فقبض روحه .
كما نقل أن الطبرانى أخرج عن الحسين أن جبريل هبط على النبى صلى الله عليه وسلم "يوم موته وأخبره أن ملك الموت استأذن على الباب ، وما استأذن على أحد قبلك ، وأن الملك قال : إن اللّه أرسلنى إليك وأمرنى أن أطيعك ، إن أمرتنى أن أقبض نفسك قبضتها وإن كرهت تركتها ، وقد أذن له النبى صلى الله عليه وسلم فى قبضها "المرجع السابق " .
وجاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرح الزرقانى "ج 8 ص 285" أن جعفر الصادق بن محمد الباقر أخبر عن أبيه محمد بن على ابن الحسين أنه قال : لما بقى من أجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث نزل عليه جبريل وساق الكلام المذكور، وجاء فيه أن جبريل قال للنبى : يا رسول اللّه هذا آخر موطئ من الأرض ، إنما كنت "حاجتى من الدنيا . وذكر الزرقانى أن عدم نزول جبريل بعد ذلك إنما هو النزول بالوحى المتجدد، فلا ينافى ما ورد فى أحاديث أنه ينزل ليلة القدر ويحضر قتال المسلمين مع الكفار، ويحضر من مات على طهارة من المسلمين ، ويأتى مكة بعد خروج الدجال ليمنعه من دخولها وفى زمن عيسى عليه السلام ليس بشرع جديد .
وخلاصة الإجابة على السؤال : أن ملك الموت اسمه عزرائيل ولم يرد ذكر اسمه فى القراَن ، وأنه رئيس الملائكة المكلفة بقبض الأرواح فله أعوان فى هذه المهمة وأن الذى يقبض روحه هو اللّه بحكم أن كل نفس ذائقة الموت . وأنه كان يظهر للناس . وحادثته مع موسى عليه السلام وردت فى حديث غير متواتر. كما أن حديث استئذانه الرسول فى قبض روحه فيه كلام .
-وليس ذلك عقيدة يجب اعتقادها ، وللاجتهاد فيه نصيب(7/441)
تصوير الملائكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى بعض الرسوم الكاريكاتيرية التى تظهر فى الصحف ويسخر فيها أصحابها من عالم الآخرة ، حيث يصورون ملائكة الرحمة أو زبانية الجحيم فى صورة مهرجين أو مستهترين ؟
An الملائكة أجسام نورانية قادرون على التشكل بالأشكال الحسنة المختلفة ، وصفهم الله سبحانه وتعالى فى القران الكريم بأنهم مطهرون كرام بررة ، عباد مكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ، أى لا يتعبون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . وناط بهم أعمالا فى مملكته الواسعة ، يؤدونها بأمانة وصدق كما أمرهم الله سبحانه ، وكما تقض به طبيعتهم الخيرة التى لا تعرف الشر، ولا العصيان . وقد أمرنا الله سبحانه أن نؤمن بهم على هذه الصورة الكريمة كما أمرنا أن نؤمن برسله وكتبه ، وحرم الاستهزاء والاستخفاف بهم أو تحقيرهم بأية صورة من الصور كما حرم ذلك بالنسبة للرسل ، قال تعالى { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } البقرة : 98 وقد كان اليهود يَعُدُّون جبريل عليه السلام عدوا لأنه ينزل بالوحى الذى يفضح أحوالهم ، وبما يتعارض مع مصالحهم كما يتصورون .
ومن هنا يحرم أى شىء لا يصور الملائكة بصورتهم التى صورها القران الكريم ، سواء أكان ذلك قولا أم فعلا : برسم أو ت!مثيل أو كلام أو غيره ، فذلك كذب لأنه لا يمثل الحقيقة ، والكذب حرام ، كما حرم الكذب على الرسل الذى جاء فيه الحديث المتفق عليه " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وهو وإن كان فى شأن النبى صلى الله عليه وسلم فهو يشمل كل الرسل { لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة : 285 بل الكذب حرام حتى على غيرهم ممن ليست لهم مكانتهم العالية ومنزلتهم الرفيعة . كما يحرم الاستهزاء والاستخفاف بالملائكة وكل من لهم قداسة وتقدير، فإن ذلك يؤدى إلى الكفر، لمنافاته لتشريف الله لهم بأنهم عباد مكرمون ، ويقول سبحانه { الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس } الحج : 75 .
وإذا فقدنا ثقتنا بهذه الصفوة الممتازة من خلق الله فبمن نثق بعد ذلك وهم ليسوا فى درجتهم ، إن مثل هذه الاستهانة بالملائكة والرسل وكرام الناس من الأولياء والعلماء الذين جعل الله لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ، وقال فيهم { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة : 11 .
إن هذه الاستهانة مدرجة إلى التحلل من كل القيم الرفيعة، والواجب علينا جميعا أن نقف بحزم وشدة أمام هذا التسيب فى العقيدة والأخلاق ، { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } الأنفال :
25(7/442)
التلمود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع أن لليهود كتابا يسمى التلمود ، فهل هو من الكتب المنزلة من عند الله كالتوراة ؟
An كلمة التلمود عبرية معناها العلم أو الثقافة، وعرف بهذا الاسم كتابان :
التلمود الفلسطينى والتلمود البابلى . وموضوعهما واحد ، الأول جمعه اليهود الذين بقوا فى فلسطين بعد أن دمر الملك البابلى أورشليم سنة 586 قبل الميلاد ، والثانى جمعه اليهود الذين أسرهم هذا الملك فى بابل .
ولما وجد اليهود أنفسهم منعزلين عن المجتمع لتعصبهم : حاولوا التوفيق بين يهودية التوراة والمجتمع ، فوضعوا شروحا للتوراة مزجت بالثقافات المختلفة وجمعت فى كتاب اسمه "المشنا" ثم قام زعيم لهم بنشره فى المدارس والمجامع التى عرفت باسم "الكنيست " واعتبروا هذا الزعيم نبيا كموسى .
وطغت الشروح على أصل التوراة ، منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى جاء سيدنا عيسى عليه السلام ، وبعده انقسم الكتبة إلى فئات تحاول كسب ود الحاكم الرومانى على حساب الدين . وحوالى سنة 70 ميلادية غزا "تيطوس" الرومانى فلسطين وخرَّب أورشليم ، وجاء كاتب يهودى اسمه "يهوذا بن سمعان " فى أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث ، فجمع كل هذه الأعمال وقسمها ستة أجزاء ، تشمل قواعد العبادة والأعياد والنساء والمعاملات والقرابين والطهارة ثم أضيفت شروح مكملة، ولما كبرت الشروح جمعها اثنان من الكتبة هما "آشى ورابين" فى القرن الخامس الميلادى، وسمياها "التلمود" وطبع بأصليه : الفلسطينى والبابلى فى البندقية .
هذا ، وقد جاء الإسلام وقرر أن اليهود حرفوا التوراة وكتبوا كتبا من عندهم يشترون بها ثمنا قليلا، وبسبب تقديسهم لما كتبوه وتركهم ما أنزل الله وقفوا من الدعوة الإسلامية مواقفهم المعروفة ، بل وقفوا من العالم مواقف لتحقيق ما سطره قدماؤهم فى التلمود وما وضعوه من بروتوكولات ، وتنصح بعدم قراءة هذه الكتب إلا للمتمكن فى دينه القادر على تمييز الحق من الباطل(7/443)
القرآن : {سيماهم فى وجوههم}
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى { سيماهم فى وجوههم من أثر السجود} ؟
An السيما هى العلامة وقد جاء فى المراد منها أقوال عدة، بعضها يجعلها فى الدنيا وبعضها يجعلها فى الآخرة، ومن الأولى قول ابن عباس : هى السمت الحسن ، وقال بعض السلف : " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " روى هذا على أنه حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه موقوف على جابر. وقد رواه ابن ماجه ، وقال ابن العربى : إنه غير مرفوع . وقال بعضهم عن السيما : إن للحسنة نورا فى القلب وضياء فى الوجه وسعة فى الرزق ومحبة فى قلوب الناس . ومنه قول عثمان : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه .
وقال عمر: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ونقل عن مالك أن السيما هى ما يعلق بجباههم من الأرض عند السجود . وأما ما يقال أنها هى الأثر الطاهر فى الوجه على الجبين فقد سئل عنه مجاهد ، وهو من كبار التابعين المفسرين ، فقال منكرا لذلك : ربما يكون بين عينى الرجل مثل ركبة العنز، وهى أقسى قلبا من الحجارة ، ولكنه نور فى وجوههم من الخشوع .
ومن الثانى : أى كون السيما فى الآخرة، ما قاله الحسن : إنها بياض يكون فى الوجه يوم القيامة . ففى الصحيح " أن الله يأمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، فمن أراد الله أن يرحمه ممن يقول : لا إله إلا الله ، فيعرفونهم فى النار بأثر السجود ، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود ، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود " .
ذكر هذه الأقوال ابن كثير والقرطبى فى التفسير(7/444)
مكر الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} مع أننا نعرف أن المكر صفة مذمومة لا تليق بالله سبحانه ؟
An فى مفردات الراغب الأصفهانى أن المكر هو صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان ، مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال {والله خير الماكرين} ومذموم ، وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43 ، وقال تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال : 30 ، وقال تعالى {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} النمل : 51 ، وقال فى المحمود والمذموم {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون } النمل :
50 ، وقال تعالى { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } آل عمران :
54 ، ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم " اللهم امكر لى ولا تمكر على " يعنى أن كفار بنى إسرائيل دبروا حيلة لقتل سيدنا عيسى عليه السلام ، ودبر الله أمرا آخر لحمايته فألقى شبه عيسى على غيره ، ورفع عيسى إليه ، والله خير من يدبر الأمور ولا يغلبه أحد .
هذا ما نقلته عن مفردات الأصفهانى بتصرف بسيط فى تكميل بعض الآيات ، وما يوضح معنى الآية الواردة فى السؤال ، أما التفسير الوافى فيرجع فيه إلى كتب التفسير، ومن هنا نعرف أن المكر هو التدبير، فإن كان فى شر فهو مذموم ، وإن كان فى خير فهو محمود(7/445)
عدية يس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك فضل لسورة يس ، وما رأى الدين فيما يسمى " عدية يس " لقراءتها على الظالم ؟
An جاء فى فضل سورة يس قول النبى صلى الله عليه وسلم " قلب القرآن يس ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له ، أقرءوها على موتاكم " رواه أحمد والنسائى وأبو داود والحاكم وصححه . وقولة " من قرأ يس كتب الله بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات دون يس " رواه الترمذى وقال : حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط ، وقوله " من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله غفر له " رواه مالك وابن السنى وابن حبان فى صحيحه 0 وجاء فى تفسير القرطبى نقلا عن مسند الدارمى عن ابن عباس وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث " من قرأ يس حين يصبح أعطى يُسْرَ يومه حتى يمسى، ومن قرأها فى صدر ليلة أعطى يسر ليلته حتى يصبح " وقال القرطبى : رفع الماوردى هذا الخبر إلى النبى صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس بلفظ : " إن لكل شىء قلبا وإن قلب القرآن يس ، ومن قرأها فى ليلة أعطى يسر تلك الليلة ، ومن قرأها فى يوم أعطى يسر ذلك اليوم " ولم يبين درجة هذا الحديث .
من مجموع ما ورد فى شأنها نعلم أن لها فضلا كما أن لبعض سور القرآن فضلا يزيد على الفضل العام للقرآن وذلك من أجل الترغيب فى قراءتها ، ويمكن الأخذ بهذه الأحاديث فى فضائل الأعمال .
هذا، وما يقال عن " عدية يس" فلا أعرف له أصلا فى الدين ، فإن لها نظاما فى القراءة - كما يقال - لا يوافق عليه الدين ، مع التسليم بأن قراءة يس أو شىء من القرآن عمل صالح يمكن التقرب به إلى الله عند الدعاء ، فيقال بعد القراءة : " اللهم إنى أسألك بحق ما قرأت من القرآن الكريم أن تحفظنى من السوء ، وترفع عنى ظلم الظالمين " فيرجى أن يستجيب الله الدعاء كما دعا من انطبق عليهم الغار بصالح أعمالهم فنجاهم الله . مع العلم بأن الله سينتصف من الظالم للمظلوم ، فدعوته - كما صح فى الحديث -يرفعها الله فوق الغمام ويقول : وعزتى وجلالى لانصرنك ولو بعد حين . ولكننا نوصى بالصبر والعفو ، قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله } الشورى :
40(7/446)
إحراق أوراق المصحف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض أوراق المصحف تآكلت فهل يجوز أن أتخلص منها بإحراقها أو برميها فى مكان غير نظيف ؟
An لا مانع من إحراق أوراق المصحف للمحافظة عليها من التعرض للإهانة ، وقد أمر عثمان بن عفان رضى الله عنه بإحراق ما عدا مصحفه ، من المصاحف التى كانت عند بعض الصحابة، وذلك من أجل المحافظة على القرآن ولم ينكر عليه .
ولا يجوز أن تلقى أية ورقة من المصحف على الأرض أو فى مكان قذر ما دام فيها حرف من كلام الله تعالى، ولو حدث ذلك على سبيل الإهانة والاحتقار كان كفرا .
جاء فى " الاتقان " للسيوطى "ج 2 ص 172 " ما نصه : إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعها فى شق أو غيره ، لأنه قد يسقط ويوطأ ، ولا يجوز تمزيقها، لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم ، وفى ذلك إزراء بالمكتوب ، كذا قاله الحليمى . قال : وله غسلها بالماء ، وإن أحرقها بالنار فلا بأس . أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة ولم ينكر عليه .
وذكر غيره أن الإحراق أولى من الغسل ، لأن الغسالة قد تقع على الأرض . وجزم القاضى حسين فى تعليقه بامتناع الإحراق ، لأنه خلاف الاحترام ، والنووى جزم بالكراهة ، وفى بعض كتب الحنفية أن المصحف إذا بلى لا يحرق ، بل يحفر له فى الأرض ويدفن ، وفيه وقفه ، لتعرضه للوطء بالأقدام .
هذا ما قالة العلماء فى التخلص من أوراق المصحف التى تمزقت أو تآكلت ، وقد يكون الإحراق أخف طريقة لذلك مع توفر النية الصالحة فى أن ذلك لصيانة القرآن وعدم احتقاره وتعريضه للإهانة ، والأعمال بالنيات(7/447)
الاستماع إلى القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الاستماع إلى القرآن واجب يأثم من ينشغل عنه ، مع أن الإنسان قد يكون فى عمل هام يحتاج إلى التركيز فى التفكير كالمذاكرة والامتحان ؟
An قال الله تعالى { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الأعراف : 204 . حكى ابن المنذر الإجماع على أن استماع القرآن والإنصات إليه واجب فى الصلاة وخطبة الجمعة، وليس واجبا فى غير هاتين الحالتين ، بل هو سنة، وذلك لأن وجوب الاستماع فيه حرج كبير على القائمين بأعمال ضرورية تحتاج إلى يقظة وعدم انشغال ، وبخاصة أن القرآن يتلى ويذاع من جهات متعددة ، إن لم يكن من البيت أو محل العمل فمن البيوت أو المحال الأخرى .
ولكن إذا كان الإنسان فى مجلس قرآن ولا يوجد عمل يشغله ينبغى أو يجب أن يتأدب فى المجلس ولا ينشغل عن الاستماع إليه بحديث أو غيره ، وبخاصة مع رفع الصوت بالحديث ، وتعظم المسئولية إذا كان قاصدا برفع الصوت التشويش على القرآن وإذا كان الله تعالى قال {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } الحجرات : 2 ، فإن النهى عن رفع الصوت على صوت القرآن أولى ، والأدب مع الله وكلامه فوق الأدب مع الرسول وكلامه . " الفتاوى الإسلامية . ج 5 ص 1666 " .
والمراد بسماع القران فى الصلاة هو سماع المأموم لقراءة الإمام ، فلا يجوز أن يشغل المأموم عن قراءة الإمام بأن يقرأ هو، وقد مر حكم ذلك ، والإنصات إلى خطبة الجمعة واجب لأن فيها قرانا ، والنصوص ثابتة فى الأمر بالإنصات للخطبة ، وأن من لغا أو انصرف عنها فلا جمعة له .
والخلاصة أن الاستماع إلى القرآن واجب فى الصلاة عند قراءة الإمام وفى خطبة الجمعة ، ومندوب فى غير ذلك ، فقد روى أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة " ذكره ابن كثير عند تفسير الآية المذكورة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له "(7/448)
الظلمات الثلاث
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الظلمات الواردة فى قوله تعالى { يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث } الزمر : 6 ؟
An الكلام فى تفسير هذه الظلمات كثير، وأحسن ما قيل فيها أنها ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة. وهو المنقول عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك . وقيل : ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم ، وهذا مذهب أبى عبيدة ، يقول القرطبى : أى لا تمنعه الظلمة كما تمنع المخلوقين ، أى أن الله سبحانه يخلق الإنسان فى بطن أمه طورا بعد طور، من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام إلى لحم ، وقيل فى معنى " خلقا من بعد خلق " خلقا فى بطون أمهاتكم من بعد خلقكم فى ظهور آبائكم ، ثم خلقا بعد الوضع ، كما ذكره الماوردى(7/449)
الدخان المبين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير الآيتين 10، 11 من سورة الدخان ؟
An الآيتان هما قوله تعالى { فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم } .
الدخان هنا فيه ثلاثة أقوال :
الأول : أنه من علامات الساعة، ولم يجىء بعد، وفى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " ذكر من علامات الساعة الدخان . وهذا الدخان يمكث أربعين يوما ، أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام ، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران ، يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنيه ودبره " .
والقول الثانى : أنه ما أصاب قريشا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ، حتى كان الرجل يرى السماء والأرض دخانا .
ذكره البخارى ومسلم .
والقول الثالث : أنه يوم فتح مكة، لما حجبت الغبرة السماء .
وكتب التفسير فيها توضيح لذلك فيرجع إليها من أراد(7/450)
موسى والآيات التسع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الآيات التسع التى آتاها الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام ؟
An قال تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بنى إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحورا } الإسراء :
101 ، اختلف المفسرون فى المراد بهذه الآيات ، فقيل : هى بمعنى آيات الكتاب كما روى الترمذى والنسائى أن يهوديين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال " لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تسخروا ، ولا تمشو ببرىء إلى السلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف " .
وقيل : إن الآيات بمعنى المعجزات والدلالات ، وهى :
1 -العصا : قال تعالى { فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين } الشعراء : 32 .
2-اليد : قال تعالى {ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين } الشعراء : 33 .
3- اللسان : قال تعالى {واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى} طه : 27 ، 28 .
4 - البحر: قال تعالى { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } الشعراء : 63 .
5 - الطوفان . 6- الجراد . 7 - القمل . 8 - الضفادع .
9 - الدم : قال تعالى { فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات } الأعراف : 133 .
وقيل غير ذلك " انظر تفسير القرطبى ج 10 ص 335 "(7/451)
أصحاب الرس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم أصحاب الرس ، ومن هو النبى الذى أرسل إليهم ؟
An قال تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود} ق : 12 ، جاء فى تفسير القرطبى لسورة الفرقان : أن الرس فى كلام العرب هو البئر التى تكون غير مطوية أى غير مبنية ، والكلام كثير فى بيان أصحاب الرس ، ولا يوجد مستند صحيح لهذه الأقوال ، فقيل : هم أهل أنطاكية الذين قتلوا حبيبا النجار مؤمن آل يس وطرحوه فى البئر، وقيل قوم من ولد يهوذا كانوا يعبدون شجرة صنوبر قتلوا نبيهم ورسُّوه فى البئر. وقال وهب بن منبه : أرسل الله شعيبا إلى قوم حول بئر فكذبوه ، وقال قتادة : أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل الله إليهما شعيبا ، وقيل أصحابها قوم باليمامة، وقيل هم أصحاب الأخدود، وقد يكون رسولهم ممن لم يقصهم الله على نبيه ، وقيل هم قوم حنظلة بن صفوان .
وعلى كل حال لا يضر الجهل بهم فليس فيهم خبر صحيح(7/452)
يا أيها النبى اتق الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يأمر الله نبيه بقوله تعالى {اتق الله} فهل وقع منه خطأ أو تقصير حتى يقول الله ذلك ؟
An قال تعالى { يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما} الأحزاب : 1 .
المراد بالأمر هنا هو المداومة على التقوى ، ولا يقصد بها أن الرسول كان غير متق لله فأمره الله بالتقوى . ومثل ذلك كثير فى القرآن الكريم(7/453)
السبع المثانى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى السبع المثانى ؟
An يقول اللَّه تعالى{ ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم } الحجر: 87 ، اختلف العلماء فى المراد بالسبع المثانى ، فقيل هى : الفاتحة ، وهو أصح الآراء ، لورود الحديث بذلك ، فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال : مَرَّ بى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أصلى، فدعانى فلم آته حتى صليت ، ثم أتيته فقال : " ما منعك أن تاتينى"؟ فقلت : كنت أصلى ، فقال ألم يقل الله : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }؟ الأنفال : 24 ، ألا أعلمك أعظم سورة فى القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ فذهب النبى صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرته فقال : "الحمد لله رب العالمين ، هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته " وجاء فى البخارى أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "أم القرآن هى السبع المثانى والقراَن العظيم " وأم القرآن هى الفاتحة كما جاء فى الحديث " الحمد لله أم القران وأم الكتاب والسبع المثانى " رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ، وهذا نص يغنى عن الأقوال الأخرى فى المراد بالسبع المثانى ، ومن هذه الأقوال أنها السور السبعة الطُول أى الطويلة : وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال مع التوبة لعدم وجود التسمية بينهما ، وهذا هو رأى ابن عباس كما رواه النسائى عن سعيد بن جبير عنه ، وقيل : المراد بالسبع المثانى أقسام القرآن من الأمر والنهى والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد النعم وأنباء القرون ، وهناك أقوال أخرى لا تستند إلى نص ، فالصحيح هو الأول . ووصف الفاتحة بأنها المثانى لأنها تثنى وتكرر فى ركعات الصلاة والقرآن كذلك يوصف بالمثانى كما قال سبحانه { اللَّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللَّه } الزمر: 22، لأبها تثنى وتتكرر على مر الزمان ، كذلك تتثنى فوائدها وتتضاعف ، على ما يفيده قول النبى صلى الله عليه وسلم " ولا تنقضى عجائبه " رواه الترمذى ، وهى أيضا مأخوذة من الثناء والمدح والشرف ، لأن القرآن مجلبة لذلك كله ، فى نظمه وهدايته وقراءته وتعلمه ونشره وتعليمه والتخلق بأخلاقه وتطبيق أحكامه ، والقرآن كذلك مثانى لما يلاحظ فيه من الثنائية ، بمعنى الاقتران ، أى اقتران آية الرحمة بآية العذاب ، والوعد بالوعيد والجنة بالنار، والهدى بالضلال ، وهكذا(7/454)
المشرق والمغرب والمشارق والمغارب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى { وللّه المشرق والمغرب } وكيف نوفق بينه وبين الآيات التى فيها مشرقان ومغربان ومشارق ومغارب ؟
An قال تعالى { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} المزمل : 9، وقال تعالى { رب المشرقين ورب المغربين } الرحمن : 17 ، وقال { فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون } المعارج : 40 ، خلاصة كلام المفسرين أن المقصود بالمشرق والمغرب فى الآية الأولى مشرق الشمس ومغربها ، أى الجهة التى تشرق منها والجهة التى تغرب فيها ، والمراد الجهات كلها ، فليس هناك فى الوجود كله إله يستحق العبادة إلا اللّه سبحانه ، ويلتقى هذا مع قوله تعالى { وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله } الزخرف : 84، أى مالك الكون كله . والمقصود بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية مشرق الشمس ومشرق القمر، ومغرب الشمس ومغرب القمر، فلكل منهما مشرق ومغرب ، وقيل :
المراد من المشرقين والمغربين مشرقا الشمس ومغرباها، وذلك صيفا وشتاء ، حيث يكون شروقها من أقص منزلة فى الشمال ومن أقصى منزلة فى الجنوب ، وكذلك غروبها فى أقصى منزلة فى الشمال وفى الجنوب ، وهذا مشاهد لكل عين ، حيث يختلف مطلع الشمس ومغربها صيفا وشتاء . واللّه سبحانه هو الذى يقدر حركات الكون ، فتأخذ أجزاء الأرض أوضاعا من الشمس يكون منها الصيف والشتاء وبقية الفصول ، وتتراءى لنا الشمس كأنها هى التى تعلو وتنخفض عند الشروق والغروب ، وتجرى فى مسارات مختلفة باختلاف الفصول ، ولا يقدر على ذلك إلا اللّه سبحانه . والمقصود بالمشارق والمغارب فى الآية الثالثة ، إما مشارق الشمس ومغاربها ، وإما مشارق جميع النجوم ومغاربها ، فإن كان المقصود الأول فإن الشمس - فى المسافة التى بين أقصى ارتفاع وأقصى انخفاض لها بحسب رؤية العين صيفا وشتاء - تشرق كل يوم من منزلة وتغرب فى منزلة، أى مشرق جديد ومغرب جديد . ولا تتكرر المنزلة فى الشروق والغروب إلا مرتين فى السنة الشمسية حين تمر عليها الشمس شمالا وجنوبا وإن كان المراد الثانى وهو مشارق جميع النجوم ومغاربها فالأمر واضح فى الكثرة، لأن لكل منها مشرقا ومغربا، بل مشارق ومغارب . هذا ولا تتنافى كثرة المشارق والمغارب للشمس مثلا كما تدل عليه الآية الثالثة - مع الإخبار بمشرقين ومغارب كثيرة بتعدد المنازل كما ذكرنا ، كما لا تتنافى الآيتان الأخيرتان مع الآية الأولى التى ذكر فيها مشرق واحد ومغرب واحد، لأن المراد - كما قال المفسرون - جهة الشروق وجهة الغروب وفى كل من الجهتين منزلة لشروق الشمس وغروبها إجمالا ومنازل تفصيلا . وقال بعض المفسرين . المراد بالمشرق والمغرب فى هذه الآية الجنس لا الوحدة والجنس يصدق بالواحد والاثنين والثلاثة وما بعدها ، فلا تنافى بين الاَية والآيتين الأخريين . والمراد بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية جنس المشرقين للشمس والقمر وجنس المغربين لهما ، وهو يصدق بالواحد والمتعدد .
وبهذا يعلم أنه لا تضارب بين آيات القران الكريم مطلقا ، لأن القرآن كلام اللّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . وإذا كان هناك تضارب فهو بحسب الظاهر لا بحسب الحقيقة . فلا يجوز أن يوجه الطعن إليه قبل التدبر والفهم فكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم(7/455)
الأرضون السبع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الأرض سبع كما أن السموات سبع ؟
An روى الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد، وروى البيهقى فى شعب الإيمان وقال : إسناد صحيح عن أبى الضحى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه قال فى قوله تعالى { اللَّه الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن } الطلاق : 12 ، قال : سبع أرضين . فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم . قال البيهقى : إسناد هذا الحديث إلى ابن عباس صحيح ، إلا أنى لا أعلم لأبى الضحى متابعا ، فهو شاذ، لأنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر فى علوم الحديث ، لاحتمال أن يكون فى المتن شذوذ أو علة تمنع صحته . وما دام الحديث ضعيفًا فلا داعى للقول بأن سكان هذه الأرضين من البشر أم من غيرهم ، وهل الرسل فيها كانوا مقارنين لرسل هذه الأرض التى يسكنها بنو آدم . هذا، ومثلية الأرضين للسموات قد تكون مثلية كم أو كيف ، أى مثلية فى العدد، أو مثلية فى إبداع الخلق ودقة الصنع والاحتواء على الآيات والدلائل الشاهدة على عظمة الخلق والخالق .
وندع العقل يجول فى الكشف .وفى الاستنتاج ، وإذا وصل إلى حقيقة مقررة ثابتة فإنها لا تتعارض أبدا مع كلام اللّه سبحانه ، وكلام اللَّه هو الأصل ، وغيره يقاس عليه ويحاكم إليه ، .إذا اتضح معنى النص ولم يحتمل عدة معان وتأويلات . والاحتياط واجب فى عدم حمل آيات القرآن على ما يقال من كشوف لم تتعد حدود النظريات والافتراضات . وقد تكون من الأراضى المريخ وزهرة وعطارد لتشابه العناصر المكونة لها مع عناصر الأرض(7/456)
الصلب والترائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الصلب والترائب التى خلق منها الإنسان ؟
An هذه الآية من الآيات العلمية التي ما كان العرب يعرفون عنها شيئا ، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم ليعلم عنها شيئا لولا نزول القرآن عليه من اللَّه " واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة . وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة في سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ، وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة . . . والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاط العربية التى نزل بها القرآن . والترائب هى عظام الصدر ، وهل المراد صدر الرجل ، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل ؟ رأيان .
وإليك نموذجا من التفاسير :
(أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الانسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب ، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم ، وقيل من صلب الرجل وترائبه ، ومن صلب المرأة وترائبها . ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة .
(ب ) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى : أن الدماغ مركز الأدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب ، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم . . . ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب ، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها ، أى على صدرها ، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى ، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين .
(ج ).وجاء فى تفسير القاسمى : أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب - فقرات الظهر فى الرجل - والترائب أى عظام صدره ، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا ، ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة ، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذياهما ، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين ، فلذا قال تعالى عن المنى { يخرج من بين الصلب والترائب }لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر .
(د)هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى المعهود الآن مما وصل إليه العلم ، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم ، ثم قرأنا للمختصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عظام الظهر " الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى { يخرح من بين الصلب والترائب } سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان ، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى { وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم فريتهم } فكلمة : " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى . وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين ، وبخاصة فى علم الأجنة .
هذه صور من محاولات تفسير ما ورد فى القراَن من الأمور العلمية . ولعل فى الكشوف المستقبلة ما يوضح ذلك أكثر وأكثر، مصداقا لقوله تعالى { سنريهم آياتنا فى الاَفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }(7/457)
أخذ الأجر على قراءة القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز قراءة القرآن بأجر ؟
An قارىء القرآن لا خلو من حالات أربعة :
الأولى : أن يقرأه تقربا إلى اللَّه كما يتقرب بالذكر والتسبيح وسائر أنواع القرب .
الثانية : أن يقرأه من أجل إفادة غيره بتعليمه إياه حفظا أو تجويدا ، أو بوعظه وإرشاده به .
الثالثة : أن يقرأه من أجل إفادة غيره بحسن صوته وتطريبه وتلحينه ، أو من أجل العلاج به .
الرابعة : أن يقرأه ليهب ثوابه إلى الميت .
والأجر على هذه القراءة إما أخروى وإما دنيوى ، ولكل حالة حكمها .
1 -أما القراءة تقربا إلى اللّه سبحانه فلها ثواب أخروى إذا خلت من الرياء، وقد جاءت نصوص كثيرة ترغب فى قراءته ، فالحرف الواحد بعشر حسنات ، ويرقى القارئ فى درجات الجنة بمقدار ما يقرأ، والقرآن شافع مشفع ، ويلبسه اللَّه تاج الكرامة وحلة الكًرامة ويرضى اللَّه عنه ، ويأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة ، إلى غير ذلك من أنواع الثواب الذى جعله لقراءته بوجه عام إلى جانب ما جعله لسور واَيات مخصوصة. ولا يجوز مطلقا أن يتعاقد على أجر فى مقابل هذه القراءة، كالصلاة، وإلا حُرِمَ ثواب اللّه ، حيث قصد بالقراءة غير وجه اللّه . لكن لو قدمت له هدية من أجل تكريمه وتشجيعه على الطاعة فلا مانع من قبول الهدية، للترغيب فى قبولها ، على شرط ألا يكون متطلَّعا لها عند قراءته .
وفى مثل هؤلاء المتاجرين بالقراءة والمرائين والمتسولين به يقول الحديث الذى رواه أحمد " اقرءوا القراَن ولا تغْلُوا فيه ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " والغلُوُّ فيه والجفوة عنه هو فى التطبيق ، مغالاة فى التمسك أو تقصيرا وجفوة له ، والأكل به هو أخذ المقابل له كسلعة تباع ، والاستكثار به يكون بالرياء والتفاخر والتعالى ، وذلك على بعض ما شرح به الحديث ، وكذلك فى مثل هؤلاء يقول الحديث الذى رواه أحمد والترمذى " اقرءوا القراَن واسألوا اللَّه به ، فإن من بعدكم قوما يقرءون القراَن يسألون به الناس " وكذلك أحاديث أخرى تقبل فى فضائل الأعمال ، هذا وقد جاء فى كتاب " الحاوى للفتاوى" للسيوطى :
لو قال شخص لاَخر: اقرأ لى كل يوم ما تيسر من القراَن واجعل ثوابه لى أو لفلان الميت ، وجعل له على ذلك مالا معلوما ففعل ، فهل يكون ثواب القراءة لهذا الشخص أو يكون له مثل الثواب ، وهل يبقى للقارىء ثواب أم لا، وما الحكم لو كانت القراءة بدون مقابل ، بل كانت تبرعا؟ جاء فى الجواب : أن هذه القراءة جائزة إذا شرط الدعاء بعدها والمال الذى أخذه القارى هو من باب الجعالة ، والجعالة هنا على الدعاء لا على القراءة، فإن ثواب القراءة للقارئ ولا يمكن نقله للمدعو له ، وإنما يقال : له مثل ثوابه فيدعو بذلك ويحصل له إن استجاب اللَّه الدعاء ، وكذلك حكم القارئ بدون مقابل . ثم قال السيوطى :
من يقرأ ختمات من القران بأجرة هل يحل له ذلك ؟ وهل يكون ما يأخذه من الأجرة من باب التكسب أو الصدقة؟ وأجاب بقوله : نعم يحل له أخذ المال على القراءة والدعاء بعدها ، وليس ذلك من باب الأجرة ولا الصدقة ، بل من باب الجعالة ، فإن القراءة لا يجوز الاستئجار عليها، لأن منفعتها لا تعود إلى المستأجر .
لما تقرر فى مذهبنا - الشافعية - من أن ثواب القراءة للقارىء لا للمقروء له ، وتجوز الجعالة عليها إن شرط الدعاء بعدها ، وإلا فلا ، وتكون الجعالة على الدعاء لا على القراءة، هذا مقتضى قواعد الفقه . انتهى .
2 - أما الذى يعلِّم القرآن للحفظ والتجويد أو للوعظ والتعليم للدين ، فله أجر من اللَّه إن قصد به وجهه دون رياء أو طلب مقابل دنيوى ، والنصوص كثيرة فى الترغيب فى التعليم ، منها حديث "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم وحديث " يا أبا ذر، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب اللَّه خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم ، عمل به أو لم يعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة" رواه ابن ماجه بإسناد حسن .
وحديث الثلاثة الذين هم أول من تُسَعَر بهم النار يوم القيامة، ومنهم رجل تعلم العلم وقرأ القرآن من أجل أن يقال إنه عالم وقارئ ، وقد استوفى بذلك ما أراد فى الدنيا ولم يَعُدْ له ثواب عند اللّه ، فيؤمر به ويسحب على وجهه ويلقى فى النار رواه مسلم وغيره ، وينظبق عليهم قول اللَّه تعالى { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } هود :
15 ، 16 ، . أما أجر الدنيا على تعليم القرآن والوعظ به ، فينظر فيه ، فإن كان واجبا على القائم به لحاجة المتعلم إليه لمعرفة ما يجب عليه ولا يوجد غير هذا المعلم فأختار ألا يستحق عليه أجرا وألا يساوم على هنا الأجر، لأن الواجب الدينى ثوابه وأجره عند اللّه فقط ، والتقصير فيه يستوجب العقوبة ، أما إن كان التعليم غير واجب فلا مانع من أخذ الأجر عليه ، لأنه أمر اختيارى لا عقوبة فى التقصير فيه . وفى كلتا الحالتين - وجوب التعليم وعدم وجوبه - لو أعطيت للمعلم هدية غير مشروطة وغير مساوم عليها فلا مانع من قبولها، بل يُسنُّ قبولها كأية هدية أخرى وكذلك لو خصص بيت المال أو جهة ما مبلغا من المال يدفع للقائمين بذلك تشجيعا لهم على التفرغ لهذا العمل وعدم انشغالهم عنه بواجب كسب عيشهم بزراعة أو تجارة مثلا ، وعملهم هذا جهاد فى سبيل اللّه بمعناه الواسع غير القاصر على حمل السلاح لمواجهة العدو. وقد ورد فى ذلك حديث أُبَىَّ بن كعب قال : علَّمت رجلا القرآن فأهدى لى قوسا ، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " إن أخذتها أخذت قوسا من نار " فرددتها . رواه ابن ماجه ، ورواه غيره بألفاظ أخرى جاء فيها أنه كان يأكل أيضا من طعام من علَّمه ، وأن الرسول أجازه إن كان طعاما عاديا لأهل هذا الرجل وليس خاصا به . وفى هذا الحديث كلام يضعف الاحتجاج به ، وبخاصة على الحرمة، وتوضيح ذلك يرجع ، إليه فى نيل الأوطار للشوكانى " ج 5 ص 303" .
ويستدل على جواز أخذ مقابل لتعليم القرآن فى حالة عدم وجوبه بما أخرجه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز أن يكون الصداق فى الزواج تعليم الزوجة شيئا من القرآن . يقول الشوكانى بعد ذكر أحاديث النهى عن الأكل بالقرآن والسؤال به وعن أخذ القوس وتناول الطعام عند صاحبه : إنه قد استدل بها من قال : لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية ، وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا أو كبيرا ، وقالت الهادوية : إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير، لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين ، ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه . وقال : وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن ، وأجابوا كل عن أحاديث المنع بأجوبة منها -إلى جانب الضعف - أن الرسول علم من أُبي بن كعب أنه فعل ذلك خالصا لوجه اللَّه فكره أخذ العوض عليه ، وأما من علَّم القرآن على أنه للّه وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به ، وأن حديث تحريم السؤال به غير أخذ الأجر على تعليمه ، وحديث منع الأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما يدفعه المتعلم بطيب نفس . وحاول الشوكانى ردَّ هذه الأجوبة بأسلوب يدل عل تحمسه لمذهب من حرم أخذ الأجرة ، كما حاول الرد على حديث البخارى فى جواز أن يكون تعليم القرآن صداقا فى الزواج وهو أجر، بعدة ردود منها أنه خاص بهذين الزوجين وليس عاما، بناء على حديث سعيد بن منصور الذى جاء فيه " لا يكون لأحد بعدك مهرا " .
هذا ، وما دام الجمهور قد أجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، وبخاصة إذا كانت بسخاء نفس تشبه الهدية فلا مانع من أخذ هذا المقابل ، مع الوصية بعدم الحرص الشديد عليه وإيثار ثواب اللّه على أجر الدنيا، هذا وقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 334 " لقوله تعالى { ولا تشتروا باَياتى ثمنا قليلا} البقرة :
41 ، أن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك . ثم قال : وهذه الآية وإن كانت خاصة ببنى إسرائيل فهى تتناول من فعل فعلهم ، فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرا فقد دخل فى مقتضى الاَية . وقد روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة " يعنى ريحها . ثم قال القرطبى : وقد اختلف العلماء فى أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم لهذه الآية وما كان فى معناها ، فمنع ذلك الزهرى وأصحاب الرأى فقالوا : لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، لأن تعليمه واجب من الواجبات التى يحتاج فيها إلى نية التقرب والإِخلاص ، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام ، وقد قال تعالى { ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا} وروى ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " معلمو صبيانكم شراركم ، أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين (1)" وعن أبى هريرة فى المعلمين " درهمهم حرام وثوبهم سحت وكلامهم رياء" وروى عبادة بن الصامت أنه علَّم ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة ، فأهدى إليه رجل منهم قوسا رأى أنها ليست بمال وأنه يرمى بها فى سبيل اللَّه ، فسأل الرسول عن ذلك فقال " إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها" . وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء ، لحديث البخارى " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه " وهو نص يرفع الخلاف فينبغى أن يعول عليه . ثم قال القرطبى :
وأما ما احتج به المخالف ، من القياس على الصلاة والصيام ففاسد لأنه فى مقابل النص ، ثم إن بينهما فرقانا ، وهو أن الصلاة والصيام عبادات مختصة بالفاعل ، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم ، فتجوز الأجرة على محاولته النقل ، كتعليم كتابة القرآن . قان ابن المنذر: وأبو حنيفة يكره تعليم القرآن بأجرة ، ويجوِّز أن يستأجر الرجل يكتب له لوحا أو شعرا أو غناء معلوما بأجر معلوم ، فيجوز الإِجارة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة . وأما الجواب عن الآية فالمراد بها بنو إسرائيل ، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا ؟ فيه خلاف ، وهو لا يقول به . وجواب ثان وهو أن تكون الآية فيمن تعيَّن عليه التعليم فأبى حتى يأخذ عليه أجرا ، فأما إذا لم يتعين فيجوز له أخذ الأجرة بدليل السنة فى ذلك ، وقد يتعين عليه إلا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه ولا على عياله فلا يجب عليه التعليم وله أن يقبل على صنعته وحرفته ، ويجب على الإِمام أن يعين لإِقامة الدين إعانته ، وإلا فعلى المسلمين ، لأن الصدِّيق رضى اللّه عنه لما ولى الخلافة وعُيِّن لها لم يكن عنده ما يقيم به أهله فأخذ ثيابا وخرج إلى السوق ، فقيل له فى ذلك ، فقال : ومن أين أنفق على عيالى؟ فردوه وفرضوا له كفايته . وأما الأحاديث فليس شىء منها يقوم على ساق ، ولا يصح منها شىء عند أهل العلم بالنقل ، أما حديث ابن عباس فرواه سعد بن طريف عن عكرمة عنه ، وسعيد متروك . وأما حديث أبى هريرة فرواه على بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبى جرهم عنه ، وأبو جرهم مجهول لا يعرف ، ولم يرو حماد بن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم . وإنما رواه عن أبى المهزِّم وهو متروك الحديث أيضا ، وهو حديث لا أصل له ، وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلى عن عبادة بن نُسىِّ عن الأسود بن ثعلبة عنه ، والمغيرة معروف عند أهل العلم ولكن له مناكير، هذا منها ، قاله أبو عمر. ثم قال : وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم ، لأنه روى عن عبادة من وجهين ، وروى عن أُبى بن كعب من حديث موسى بن على عن أبيه عن أبى، وهو منقطع . وليس في الباب حديث يجب العمل به من جهة النقل ، وحديث عبادة وأبى يحتمل التأويل لأنه جائز أن يكون علَّمه للّه ثم أخذ عليه أجرا ، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " خير الناس وخير من يمشى على جديد الأرض المعلمون ، كلما خلق ا لدين - صار قديما - جددوه ، أعطوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم ، فإن المعلم إذا قال للصبى : قل بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فقال الصبى بسم اللّه الرحمن الرحيم كتب اللَّه براءه للصبى وبراءة للمعلم وبراءة لأبويه من النار" . انتهى ما قاله القرطبى ، لكنه لم يذكر درجة هذا الحديث ، وهو إن كان ضعيفا يعمل به فى فضائل، الأعمال . يتلخص من هذا ، أن الأجر على تعليم القرآن جائز إن لم يتعين عليه ، وكذلك إن تعين عليه لكنه مشغول بتحصيل قوته فيجعل له بيت المال أو المسلمون ما يجعله متفرغا للتعليم ، ثم قال القرطبى " ص 337" : واختلف العلماء فى حكم المصلى بأجرة، فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من استؤجر فى رمضان يقوم للناس - صلاة التراويح وقيام الليل - فقال : أرجو ألا يكون به بأس ، وهو أشد كراهة له فى الفريضة . وقال الشافعى وأصحابه وأبو ثور: لا بأس بذلك ولا بالصلاة خلفه . وقال الأوزاعى : لا صلاة له ، وكرهه أبو حنيفة وأصحابه .
3- أما أصحاب الأصوات الحسنة الذين يقصدون من قراءتهم إدخال السرور على السامعين ، سواء كانت المناسبة أفراحا وأعيادا أم عزاء مثلا، مع التزام كل الآداب المطلوبة من القراء والسامعين ، إن كانت هناك مساومة على الأجر يمكن أن ينطبق عليه حديث النهى عن الأكل والتسول به ، وعن الاستكثار والتفاخر بالصوت الجميل ، لأن العمل ليس تعليما للقرآن ولا تعليما للدين به ، بل مجرد قراءة لا يقصد بها وجه اللَّه عند بعضهم ، فهى قربة كالصلاة لا تطلب بها الدنيا ماديا ولا أدبيا ، أما إذا لم تكن مساومة وأعطيت كهدية فلا مانع من قبولها ، وقد يثاب دافعها إن قصد بها تكريم القرآن وحامله إن كان غنيا ، أو مساعدته إن كان محتاجا للمساعدة . وإن قصد بقراءة القرآن علاج مريض ، كالرقى التى أجازها النبى صلى الله عليه وسلم ، فلا مانع من اشتراط الأجر وقبوله . وقد جاء النص على هذه الحالة فى حديث رواه البخارى عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم ، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم من راق فإن فى الماء رجلا لديغا أو سليما ؟ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شياه - أى في مقابل شياه - فجاء بالشاه إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب اللَّه أجرا ؟ حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول اللَّه أخذ على كتاب اللّه أجرا ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه " وجاء فى رواية اخرى أن الراقى طلب أجرا لأن القوم أبوا أن يضيفوهم وكانوا فى حاجة إلى الضيافة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه " قد أصبتم ، اقتسموا واضربوا لى معكم سهما ، وضحك ، وذلك مبالغة فى تأنيسهم ، واللديغ يطلق عليه أيضا السليم من باب التفاؤل ، وحاول المانعون من أخذ الأجرة الرد على هذا الحديث بأنه منسوخ ، لكن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ، بل لابد له من دليل ، كما ردوا بأن الأجر فيه هو على الرقية لا على التلاوة والتعليم ، أما الأجر على التعليم فهو ممنوع . ولا يخفى ما فى هذا من تعسف لا داعى له ، فكل منفعة تقدم للغير يجوز أخذ مقابل لها ما دامت مشروعة وغير تمتعينه أما أتمتعينه كالزكاة فليس لها مقابل مادى ممن أخذها ، لأنها حقه كما قال سبحانه { وفى أموالهم حق للسائل والمحروم } الذاريات : 19 ، . هذا هو خلاصة ما أخذته من الأحاديث الواردة فى أخذ الأجر على القرآن ، تلاوة أو تعليما أو إفادة بطريق مشروع ، وقد رأينا خلاف الفقهاء فى جواز الأخذ ومنعه ، وما دام الأمر خلافيا فلا يجوز التعصب لرأى ، مع التوصية بالمحافظة على جلال القرآن والاهتمام بثواب اللّه سبحانه . ويعجبنى ما ختم به صاحب " منتقى الأخبار " الذى شرحه الشوكانى ، الأحاديث الواردة فى الموضوع ، وهو يميل إلى المنع ، فقال بعد ذكر حديث رقية الرجل اللديغ ، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن . ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبى وعبادة - المانعين - على أن التعليم كان قد تعين عليهما، وحمل فيما سواهما من الأمر والنهى على الندب والكراهة ، يعنى على عدم الوجوب والحرمة . هذا ، وأما قراءة القرآن من أجل نفع الميت بها ، ففيها خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة اللَّه وما ورد من بعض النصوص ، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى :
4- 1 -إذا قرى القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن ، وذلك بحكم المجاورة ، فإن القرآن إذا تلى ، وبخاصة إذا كان فى اجتماع ، حفت القارئين الملائكة ، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه يقرءون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة " والقرآن ذكر بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث " لا يقعد قوم يذكرون اللّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللّه فيمن عنده " بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة ، فيحصل ذلك للشخص الواحد . روى البخارى ومسلم حديث أسيد بن حضير الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه ، وجاء فيه :
فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السرج عرجت فى الجو حتى ما أراها ، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ( تلك الملائكة تستمع لك ، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم ) . على أن النص قد جاء بقراءة " يسو~ " عند الميت ، روى أحمد وأبو داود والنسائى ، واللفظ له ، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قلب القرآن يس ، ولا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر اللّه له ، اقرأوها على موتاكم " . وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث ، لكن صححه ابن حبان والحاكم ، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس " ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللّه عليه " . لكن بعض العلماء قال : إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر ، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته ، سواء دفن أم لم يدفن ، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن . فابن حبان الذى قال فى صحيحه معلقا على حديث " اقرءوا على موتاكم يس " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه ، رد عليه المحب الطبرى بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار .
قال الشوكانى : واللفظ نص فى الأموات ، وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة " نيل الأوطار ج 4 ص 52 " .
والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان : الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة " الباب الحادى والستون بعد المائة " ذكر أن الشافعى قال : يستحب أن يقرأ عنده شىء من القرآن ، وإن ختموا القرآن كان حسنا . وجاء فى المغنى لابن قدامة " ص 758" : تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها ، وروى أحمد أنه بدعة ، ثم رجع عنه . وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة . لكن القرافى المالكى قال : الذى يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده .
2 -إذا قرىء القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به ، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه : الحالة الأولى : إذا قرأ القارئ ثم دعا اللّه بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له ، فقد توسل القارئ إلى اللَّه بعمله الصالح وهو القراءة، ودعا للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه به إن قبله اللَّه ، كمن توسلوا إلى اللّه بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار. وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة .
الحالة الثانية : إذا قرأ القارىء ثم دعا اللّه أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت .
قال ابن الصلاح : وينبغى الجزم بنفع : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه ، أى مثله ، فهو المراد ، وأن يصرح به لفلان ، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال . ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو اللّه أن يرحم الميت : والرحمة ليست ملكا له بل للَّه ، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها .
وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها إلى الميت . وقد تقدم كلام ابن قدامة في المغنى عن ذلك . والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين : اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان . الحالة الثالثة : إذا نوى القارئ أن يكون الثواب ، أى مثله ، للميت ابتداء أي قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء اللّه ، قال أبو عبد اللَّه الأبى : إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء ، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل ، لأن ثواب القراءة للقارىء لا ينتقل عنه إلى غيره .
وقال الإِمام ابن رشد فى نوازله : إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره ، ووصل إليه نفعه ، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها ، ولعله يريد ما قاله الأبى . هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإِهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارىء أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له ، أو نيته ولم يدع له ، وفد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم . وقد مر كلامهم فى ذلك . قال الشوكانى " نيل الأوطار ج 4 ص 142 " : المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل ، كذا ذكره النووى فى الأذكار. وفى شرح المنهاج : لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل اللّه إيصال ثواب قراءته ، وينبغى الجزم به لأنه دعاء ، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء . وهذا المعنى لا يختص بالقراءة ، بل يجرى فى سائر الأعمال . والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها ، وعلى ذلك أحاديث كثيرة ، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب .
انتهى . هذا، وقد قال الأبى : والقراءة للميت ، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها ، فلعل الحق الوصول ، فإن هذه الأمور مغيبة عنا ، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبى فى هذا الكلام ، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة اللّه وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما . وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرى بأجر الجمهور على عدم انتفاع الميت به ، لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت ، ولم تكن قراءته لوجه اللَّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت ، بل كانت القراءة للدنيا . ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه ، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت والأعمال بالنيات ، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد و الطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل ( اقرأوا القرآن واعملوا به ، ولا تجفوا عنه ، ولا تغلوا فيه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به ) قال الهيثمى : رجال أحمد ثقات ، وقال ابن حجر فى الفتح :
سنده قوى . وفسر الأكل به بأخذ الاجرة عليه ، كما فسره بالاستجداء به والتسول . وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن : مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته ، ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا ، منها تعليم القرآن ، فقالوا بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا، خشية ضياعه ، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز. ومذهب الحنابلة لا يجوز أخد الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته ، استنادا إلى حديث " اقرءوا القرآن . . . " الذى تقدم .
.
ومذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام ، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة، ومنه تعليم القرآن وقراءته ، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه ، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه ، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت . انتهى "الزرقانى ج 5 ص 406 "(7/458)
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال تعالى عن أهل الكتاب { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } فهل كانوا يعبدونهم ويتقربون إليهم ؟
An قال تعالى { وقالت اليهود عزير ابن اللَّه وقالت النصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللَّه أنى يؤفكون . اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } التوبة : 30 ، 31 .
فى هاتين الآيتين نعى على اليهود والنصارى الذين نسبوا إلى اللّه ولدا كما قال الكفار: الملائكة بنات اللَّه ، ونعى عليهم أنهم اتخذوا رؤساءهم الروحيين أربابا من دون اللَّه ، فما معنى اتخاذهم أربابا ؟ جاء فى تفسير القرطبى "ج 8 ص 120 " قال أهل المعانى : جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم فى كل شىء ، ومنه قوله تعالى { قال انفخوا حتى إذا جعله نارا } أى كالنار. وقد سئل حذيفة عن معنى هذه الآية هل عبدوهم ؟ فقال : لا، ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه ، وحرموا عليهم الحلال فحرموه ، وروى الترمذى عن عدى ابن حاتم قال : أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى عنقى صليب من ذهب ، فقال " ما هذا يا عدى اطرح عنك هذا الوثن " وسمعته يقرأ فى سورة براءة { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللَّه والمسيح ابن مريم } ثم قال " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " قال : هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث عبد السلام بن حرب ، وغطيف بن أعْيَن ليس بمعروف فى الحديث . .
يؤخذ من هذا أن تفسير اتخاذهم أربابا بطاعتهم فى التحليل والتحريم ليس فيه نص صحيح يعتمد عليه ، وإنما هو اجتهاد غير ملزم ، فغاية ما يمكن أخذه من الآية أن طاعة الأحبار والرهبان طاعة مطلقة كطاعة اللّه خطأ، لأن هؤلاء الرؤساء غير معصومين ، فقد تجر طاعتهم إلى العصيان أو الكفر. والإِسلام إذا كان يأمر بطاعة أولى الأمر فذلك محله فى غير المعصية، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، وقد صح فى حديث المبايعة الذى رواه البخارى ومسلم أن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازعَ الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من اللّه برهان .
والبواح -بضم الباء هو الصراح - بضم الصاد - الذى جاء فى رواية الطبرانى، وهو أيضا البراح - بضم الباء وبالراء بدل الواو - الذى جاء فى بعض الروايات ، والوراد به الظاهر البيِّن الذى تشهد له النصوص ولا يقبل التأويل . ومع عدم الطاعة فى المعصية هل يجوز الخروج على ولى الأمر وعزله ؟ إن حديث عبادة يدل على أنه لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر الواضح الذى ليس فيه شبهة ، ومنه الطعن فى صلاحية حكم اللّه ، واعتقاد ما أجمع على حرمته كالزنى والربا أنه حلال ، أما ارتكاب المحرمات بغير اعتقاد حلها فهو عصيان لا يخرج به إلى الكفر ولا يجيز الخروج عليه ، لكن النووى حمل الكفر فى الحديث على المعصية، وابن حجر فصل فى الموضوع فقال : والذى يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة فى الولاية فلا ينازعه بما يقدح فى الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية ، فإذا لم يقدح فى الولاية نازعه فى المعصية ، بأن ينكر عليه برفق ، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ، ومحل ذلك إذا كان قادرا .
وعلى ضوء ما قاله ابن حجر: إن فسق الإِمام ولم يكفر وجب نصحه بالأسلوب الذى يرجى منه الخير ولا يؤدى إلى فتنة .
ووضع قوانين تحليل الحرام كالربا والخمر حرام دون شك ، لكن لا يحكم بالكفر على واضعها والحاكم بها بناء على قوله تعالى{ ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه فأولئك هم الكافرون } إلا إذا كان هناك اعتقاد بأن حكم اللَّه غير صحيح ، وأن القانون الوضعى هو الصحيح ، والطاعة لهذه القوانين غير جائزة، سواء كانت من منطلق كفر من وضعوها أو عصيانهم وفسقهم ، لأن طاعتها تدخل تحت الاية { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه } ولابد من تغيير هذا المنكر، لكن بالطرق المشروعة التى لا تؤدى إلى فتنة ، ويمكن الرجوع إلى كتابنا " نعم ، الإِسلام هو الحل ولكن أين الطريق " الذى أعيد نشره بعنوان " المنهج السليم إلى صراط اللَّه المستقيم " أو إلى كتابنا : الإِسلام ومشاكل الحياة أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف "(7/459)
كل يوم هو فى شأن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما تفسير قوله تعالى فى سورة الرحمن {كل يوم هو فى شأن } ؟
An يقول الله تعالى{يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن } الرحمن : 29،هذه الآية فيها جملتان ، الأولى " يسأله من فى السموات والأرض " ومعناها أن كل المخلوقات محتاجة إليه ، تطلب منه بلسان حالها أو مقالها كل ما تريده من رزق ورحمة ومغفرة وما إلى ذلك ، والجملة الثانية هى {كل يوم هو فى شأن } والكلام فى تفسيرها كثير، ولكن يجب أن نعلم أن الله سبحانه علم كل شيء قبل أن يخلقه ، وكتب فى اللوح المحفوظ ما سيكون عليه كل مخلوق وما يجرى على العالم كله ، فعلمه سبحانه لا يتغير فى أى يوم من الأيام ، أى مطلقا ، سواء أردنا بالأيام أيام الدنيا ، أو أردنا أنها يومان ، يوم للدنيا ويوم للآخرة، وهو بقدرته سبحانه ينفذ مضمون علمه ، وذلك يقتضى إشرافه الدائم على شئون خلقه ، لا يشغله شأن عن شأن ، فهو ليس مثلنا إذا شغلنا بشيء شغلنا عن الآخر فى اللحظة الواحدة، على حد قوله تعالى{ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه }الأحزاب : 4 ،وهو بوجوده الدائم وألوهيته المستمرة حاضر لا يغيب ، مسيطر على الكون كله ، ومنصرف فيه بقدرته حسب علمه وإرادته ، يولج الليل فى النهار و يولج النهار فى الليل ، ويخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويشفى سقيما ويسقم سليما ، ويبتلى معافى ويعافى مبتلى ويعز ذليلا ويذل عزيزا ، ويفقر غنيا ويغنى فقيرا إلى غير ذلك من سائر التصرفات ، وهى كلها -كما عبر بعض الكاتبين - أمور يبديها ولا يبتديها ، أى يظهرها للناس وهى معلومة له من قبل ، فلا يبدأ عملها عند وجودها .
والإله الذى بهذا الوصف لا يمكن حصر أفعاله ولا أوامره التى ينفذ بها مقاديره ، قال تعالى {ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم }لقمان : 27،وقال {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا}الكهف : 109 ،وهو وحده القادر على السيطرة على العالم كله ، كما قال سبحانه : {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعد5} فاطر: 41 .
وبعد، فإن قوله تعالى {يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن } يقوى فينا الإيمان بالحاجة الدائمة إليه ، فلا نرجو أحدا سواه ، لأنه حاضر لا يغيب ، يجيب المضطر إذا دعاه ، ويستجيب لمن ناداه {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد} فاطر:15،{فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون } يس 83(7/460)
تكرار الآيات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى فى القرآن الكريم تكرارا لبعض الآيات بمعنى واحد، فما هى حكمة ذلك ؟
An ذكر الله سبحانه قوله تعالى فى سورة الرحمن {فبأى آلاء ربكما تكذبان } إحدى وثلاثين مرة والآلاء هى النعم ، ومفرد الآلاء إلى مثل معى وأمعاء على بعض الأقوال اللغوية ، والخطاب هنا للأنس والجن . وهما المرادان بالأنام فى قوله تعالى فى السورة نفسها ، {والأرض وضعها للأنام } كما أنهما المرادان بالثقلين فى قوله تعالى{سنفرغ لكم أيها الثقلان } وقد صرح بذلك فى قوله تعالى{يا معشر الجن والإنس } وفى قوله تعالى {خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار } والله سبحانه عَدَّد فى هذه السورة نعما كثيرة ، وهذه النعم أثر من آثار قدرة الله ورحمته ، وحق من له هذه القدرة ومنه هذه الرحمة أن يُعْبَد وحده ولا يُشْرَك به سواه من خلقه .
وبعض هذه النعم لا يظهر لأول وهلة وجه النعمة فيها مثل {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام } ولكن بالإمعان فى النظر نجد أن فناء الخلق عند نهاية الدنيا وبقاء الله وحده من أكبر النعم ، حيث يكون بعد المموت بعث وحساب وجزاء وينال أجره العادل من حرم منه فى الدنيا ، ويقع العقاب على من أفلت منه فى الدنيا ، قال تعالى{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الأنبياء : 47،والمؤمن بهذه الحقيقة لا تضيق نفسه إن ظلم من العباد فى الدنيا فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يتحسر إن وجد العاصين الظالمين ينعمون فى الدنيا أكثر مما يتنعم به المؤمنون الصالحون ، لأن الله سيقول لهم يوم القيامة{أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } الأحقاف : 20 .
وتكرار هذه الجملة بعد كل نعمة، وعدم الاكتفاء بها مرة واحدة أسلوب من الأساليب البلاغية فى لغة العرب ، وهو دليل على أن كل نعمة بذاتها كافية للإيمان بالله وتوكيد للحجة، وذلك كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو ينكره ويكفره ، ألم تكن فقيرا فأغنيتك ، أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملا فعززتك ، أفتنكر هذا؟ ألم تكن ماشيا فأركبتكُ ، أفتنكر هذا؟ ذكره القرطبى فى تفسيره ، وروى الحاكم عن جابر قال :
قرأ علينا رسول الله سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال "ما لى أراكم سكوتا ، للجن كانوا أحسن منكم ردا ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فبأى آلاء ربكما تكذبان } إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد(7/461)
حكمة تكرار القصة فى القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ذكرت قصة سيدنا موسى فى القرآن أكثر من مرة وموضوعها واحد، مع تشابه النصوص فى كل موضع ، والتكرار فى النص الأدبى يضعفه فكيف يتناسب ذلك مع إعجاز القرآن و بلاغته ؟
An قص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقا وبلاغة ، قال تعالى {نحن نقص عليك نبأهم بالحق } الكهف : 13 ،وقال {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } هود : 49، وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود :125 .
وإذا كان هناك تكرار فى القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغى أن يغيب عن أذهاننا أن القراَن لم ينزل مرة واحدة حتى يعاب التكرار، ولكنه نزل منجما مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة ، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف ، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال ، وذلك هو سر البلاغة التى نزل بها القرآن فى أعلى درجاتها .
والنظرة العابرة إلى القصة التى نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تماما ، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن الحكمة فى موضع يركز فيها على جانب منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة، لأن المقام يقتضى إبراز هذا الجانب ، بينما تراها هى فى موضع آخر يركَّز فيها على جانب معين منها كان فى غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضا، ولذلك قد يهمل فى بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين فى مقام آخر، ومن هنا كانت متغايرة وليست متشابهة ، بالنظر إلى الجانب الذى كان عليه التركيز فى كل منها .
وليست قصة موسى هى وحدها التى تكررت فى القرآن ، فإلى نجانبها قصص لرسل آخرين ، تحمل هذه الحكمة التى فى قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، وبخاصة أن عددا كبيرا من اليهود كانت موجودا فى المدينة وكان لهم دور كبير فى مقاومة الدعوة على أن قضية ضعف النص الأدبى بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغا حتى لو كان متشابها تمام التشابه فى تركيبه ، سواء منه المفردات والجمل ، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب فى البيت الواحد من الشعر تعميقا لحبه وإيذانا بشرفه .
ألا حبذا هند وأرض بها هند * وهند أتى من دونها النأى والبعد وتكرار قوله تعالى فى سورة الرحمن {فبأى آلاء ربكما تكذبان } إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التى احتوتها تستحق أن يذكر بها حتى لا تنسى وحتى يعرف فضل المنعم بها وتكرار قوله تعالى فى سورهَ المرسلات {ويل يومئذ للمكذبين } عشر مرات ، وهى قصيرة أيضا كسورة الرحمن ، دليل على أن المقام يقتضى التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير .
وبهذا لا مجال للطعن فى بلاغة القرآن الكريم ، الذى تحدى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى ، ومن تعمق فى المعوقة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطئ ولم ينزل بَعْدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذى أتقن كل شىء {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} فصلت : 42(7/462)
أخذ الفأل من المصحف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أخذ الفأل من المصحف ؟
An الفأل -كما يقول الماوردى فى كتابه " أدب الدنيا والدين " فيه تقوية للعزم وباعث على الخير ، ومعونة على الظفر . وقد جاء فى السنن والآثار أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن ، ويسأل عن اسم الرجل والبلد ، فإن كان حسنا استبشر وفرح ، وإلا رؤيت الكراهة فى وجهه . وحوادثه فى ذلك كثيرة ، فقد تفاءل عندما جاءه سهيل بن عمرو فى الحديبية وقال " سهل لكم من أمركم " وتفاءل يوم خيبر لما رأى مكاتلهم فى مساحيهم ، كما ذكره ابن القيم فى " زاد المعاد " وحسَّنه ، ويمكن الاطلاع على كتاب " مفتاح دار السعادة " لابن القيم ففيه معلومات كثيرة 0 وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يرتاح للاسم الحسن فليس معنى ذلك أنه يربط هذا السبب بنتيجة محققة دون تدخل لإرادة الله سبحانه ، فقد نهى عن ذلك فيما كان عليه العرب من التطير والرقى والتمائم والعدوى وغيرها ولهذا روى عنه أن الذى يتطير أو يتشاءم يُسَنُّ له أن يقول : اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك ، اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت ، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك . ثم يذهب لحاجته فلن يضره شىء .
وذلك تذكير للإنسان بوحدانية الله سبحانه ، وأنه هو وحده الذى يملك الخير والشر، ولا تأثير لهذه الأمور بذاتها . ومن هنا حرم الإسلام محاولة معرفة المستقبل عن طريق الكهانة والعرافة والتنجيم وضرب الرمل والورق وغيرها .
ووردت فى ذلك أحاديث كثيرة وقال العلماء : لا يجوز أخذ الفأل من المصحف مع هذا الاعتقاد ، وجاء فى كتاب "أدب الدنيا والدين " للماوردى أن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما فى المصحف ، فخرج قوله تعالى { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } إبراهيم : 51 ، فمزق المصحف وأنشأ يقول :
أتوعدنى بجبار عنيد * فها أنذاك جبار عنيد .
إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل : يا رب مزقنى الوليد .
فلم يلبث أياما حتى قتل شر قتلة ، وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده .
هذا ، وقد يحدث أن بعض الناس يعملون استخارة بالمصحف ، بأن يربطوه على مسمار ، ثم يحمله المسمار على أحدى الأصابع ، ويقولوا كلاما فيتحرك المصحف ويدور يمينا أو يسارا ، ومن هنا يعرفون إن كان الموضوع الذىَ عملت له الاستخارة خيرا أو شرا .
وهذا كله لم يأت خبر صحيح بجوازه ، والاستخارة الشرعية معروفة وهى صلاة ركعتين ، ثم الدعاء بعدهما بالدعاء المعروف الوارد عن النبى صلى الله عليه وسلم وسنفصلها فى موضع آخر إن شاء الله(7/463)
الطهارة لحمل المصحف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد تفسير قوله تعللى{إنه لقرآن كريم . فى كتاب مكنون .لا يمسه إلا المطهرون } ؟
An اتفق الأئمة على حرمة حمل المصحف ومسه للحائض و النفساء والجنب ، ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة ، لكن جوزه داود وابن حزم الظاهرى .
ومما استدل به الأئمة قول الله تعالى { إنه لقرآن كريم * فى كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 77-79 ، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف ، وأن المس هو اللمس الحسى المعروف .
وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ ، والمطهرون هم الملائكة . أو أن الكتاب لو أريد به المصحف فالمطهرون هم المطهرون من الشرك ، لأن المشركين نجس وصحح ابن القيم فى كتابه " التبيان فى أقسام القرآن ص 141 " أن المراد بالكتاب هو الذى بأيدى الملائكة ، وأورد فى ذلك عشرة وجوه ذكرتها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة .
كما استدل الأئمة بحديث عمرو بن حزم فى الكتاب الذى أرسله النبى معه إلى اليمن وفيه " لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه النسائى والدارقطنى ، وقال ابن عبد البر : إنه أشبه بالمتواتر ، لتلقى الناس له بالقبول ، وقال بعض العلماء : إن إسناده حسن ، لكن النووى حكم بضعفه ، لأن فى إسناده راويا ضعيفا .
واستدلوا أيضا بحديث ابن عمر مرفوعا " لا تمسَّ القرآن إلا وأنت طاهر " ذكره الهيثمى فى " مجمع الزوائد " وقال : رجاله موثقون .
وقال الحافظ : إسناده لا بأس به لكن فيه راو مختلف فيه . ودليل داود وابن حزم على عدم حرمة حمله ومسه ما ثبت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث كتابا إلى هرقل فيه آية { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ... } وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة ، وأجاب الأئمة على ذلك بأن الرسالة لا تسمى مصحفا ولا مانع من ذلك مثل حمل كتب الدين التى فيها قرآن . من هنا نرى أن حمل المصحف أو مسه للحائض والجنب أدلة تحريمه لم تسلم من المناقشة ، واحتراما للمصحف يكون حمله أو مسه لغير المتطهر مكروها على الأقل ، هذا فى حال الجنابة ، أما إذا كان هناك حدث أصغر فالحكم كما يلى :
1 - جمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله ، وذهب إليه مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ، وأدلتهم هى الأدلة السابقة بالنسبة للجنب .
2 - جوز بعض العلماء ذلك ، وذهب إليه أبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ، كما جوزه داود بن على .
وقد استشنى بعض المحرمين لحمل المصحف ومسه مع الحدث الأصغر- الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ، لحاجتهم إلى حفظ القرآن وتيسيره عليهم ، على أن الصبى لو تطهر فطهارته ناقضة لعدم صحة النية منه ، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن ، أما من أجل التعبد فلا بد من الطهارة .
هذا ، وقراءة القرآن بدون مس للمصحف أو حمله جائزة لمن عليه حدث أصغر ، وذلك باتفاق الفقهاء ، وإن كان الأفضل الطهارة ، وبخاصة إذا كان يقصد التعبد ، فالعبادة مع الطهارة أكمل وأرجى للقبول . "راجع الجز الثانى من كتابى : موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ففيها توضيح أكبر(7/464)
البكاء عند تلاوة القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رأت حديثا يقول "إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فإن لم تتباكوا فتغنوا به ، فمن لم يتغن به فليس منا "فهل هذا حديث صحيح ؟
An هذا الحديث في سنن ابن ماجه ، وهو مروى عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ المنذرى في كتابه "الترغيب والترهيب " بصيغة "رُوى" مما يدل على أنه غير صحيح ، وإن كان بعض أجزائه صحيحًا، فقد روى مسلم "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" والمراد بالتغنى والتحزن والخشوع ، لا التطريب المعروف الذى يخرج اللفظ عن قواعد النطق الصحيح ، قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث " الإحياء" حديث "اقرءوا القرآن فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا" إسناده جيد .
والخلاصة أنه إن لم يكن صحيحًا فهو حسن يقبل في فضائل الأعمال(7/465)
الإسرائيليات فى الكتب الدينية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الإسرائيات التي وضعت في الكتب الدينية، وهل يجوز الاستشهاد بها، وهل هناك كتب مليئة بها يجب تجنب الاطلاع عليها ؟
An الإسرائيليات منسوبة إلى بني إسرائيل ، وهم اليهود . وكانت لهم مكائدهم وطرقهم في معارضة الإسلام ، ولبس بعضهم مسوح المسلمين ومارسوا نشاطهم الكيدي كعبد اللَّه بن سبأ. وانخدع بهم بعض المسلمين فساروا في هذا الطريق ، ومنهم أبو عصمه نوح ابن مريم الذي وضع أحاديث في فضل سور القرآن لا أصل لها بالمرة ، وبرر عمله هذا بأنه رأى الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازى ابن إسحاق ، فوضع الأحاديث حسبة لترغيب الناس في القرآن .
واقترح مجمع البحوث الإسلامية في يناير 1968 م تقديم بحوث تسهم في إحياء ذكرى مرور أربعة عشر قرنًا على القراَن ، فوضع المرحوم الشيخ محمد الذهبي كتابًا عن الإسرائيليات في التفسير والحديث . وذكر حكم روايتها وأشهر رواتها ، وذكر أن لليهود ضلعًا كبيرًا فيها ، لأنهم حرفوا التوراة وحاولوا أن يحرفوا القراَن في لفظه أو معناه ، وأن العرب تأثروا بثقافة أهل الكتاب ، ودخلت الإسرائيليات إلى التفسير والحديث عند ما بدئ تدوينهما ، فملئت الكتب بالغرائب والأكاذيب .
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الاعتماد على أكاذيبهم ، ففي البخاري حديث " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ... " وأخرج أحمد وغيره أن عمر رضي اللَّه عنه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فغضب الرسول وقال " أمتهوكون - شاكون متحيرون - فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتسقوه ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى" وروى البخاري نهى ابن عباس عن سؤال أهل الكتاب فالقرآن فيه الكفاية ، ولا يجوز أخذ شيء عنهم إلا ما كان موافقا للدين ، كما تدل عليه النصوص بالآخذ عنهم مثل ، {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } يونس : 94 ، ومثل " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري .
والوصية قوية بالحذر عند الرواية عن كعب الأحبار ووهب بن منبه ومحمد بن السائب الكلبي ومقاتل بن سليمان وغيرهم ، وكذلك الكتب التى تنقل الإسرائيليات ولا تبين صدقها أو كذبها ، كتفسير الثعلبي ، وكتابه "العرائس " وتفسير الخازن(7/466)
زينة السماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما تفسير قوله تعالى :{ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين } الملك : 5 ، وبأى شكل ثبت الله الكواكب في السماء وهي جرم غير قابل للخرق والالتئام ، وكيف أمكن وصول الإنسان إلى القمر وهو في السماء ذات الجرم الصلب كما وصفها حكماء اليونان ؟
An ورد هذا السؤال من طالب من البلاد الإسلامية مقيم في مدينة البعوث بالأزهر سنة 1972 م وكانت الإجابة : إن الآية واضحة المعنى، فاللَّه سبحانه قد جعل في السماء الدنيا نجومًا مضيئة وكواكب سيارة تزينها ، وجعلها رجوما للشياطين إذا حاولوا أن يسترقوا السمع ، على ما جاء في قوله تعالى{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدًا وشهبا . وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} الجن : 8 ، 9 ، .
والسماء الدنيا إحدى السموات السبع التي قال اللّه فيها {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } البقرة : 29 ، وقال تعالى {اللَّه الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن } الطلاق : 12 ، وإذا كانت السماء سقفًا للأرض كما قال تعالى{وجعلنا السماء سقفا محفوظا} الأنبياء : 32 ، وإذا كانت الأرض كروية فالسموات أيضًا كروية والسماء الدنيا أي القريبة من الأرض أصغرها ، وما بعدها أكبر منها وهكذا .
وكل هذه المصابيح الإلهية في السماء الدنيا أي الأولى ، ووجودها محفوظ بقدرة اللَّه كما رفع السماء بغير عمد، فللّه تعالى قوانين ، بها وضع كلا في موضعه ، وجعل له مدارا معينا لا يتعداه : {كل في فلك يسبحون } الأنبياء : 33 ، وتثبيت هذه المصابيح في أماكنها لا يلزم أن يكون بحبل أو سلاسل مادية ، فقدرة اللَّه أكبر من ذلك ، فلا تتصور تثبيتها كما تتصور ثريات المنازل وهي معلقة في السقف ، ولا تنزل عمل اللّه وقدرته على ما تعهده في عالمك الناقص العاجز، وحقيقة السموات ومادتها لا يعلمها إلا اللّه سبحانه ، وكل ما قاله الباحثون ظنون لا تعتمد على دليل صحيح ، وقد آمن كثير من الباحثين المتعمقين بوجود اللَّه عندما عجزوا عن متابعة الكشف عن هذا الكون الواسع ذي الأبعاد التي تعجز عن تحديدها أساليب العلم البشري الحديث .
ومهما يكن من شيء أيها الطالب العزيز فإن اللَّه لم يكلفنا بمعرفة كيفية تثبيت الكواكب والنجوم ولا بمادة السماء، وهي ليست من العقائد التي تسأل عنها . والبحث فيها متروك لكل إنسان حسب طاقته واستعداده وسيصل عند تعميق النظر إلى الإيمان الراسخ بوجود اللّه وقدرته ، وكل حقيقة ثابتة فالقرآن متفق معها ، ولا يجوز أن نقارن بين ما في القرآن وبين الظنون والافتراضات والنظريات التي لم يثبتها الدليل الصحيح(7/467)
الأمانة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض} الأحزاب :
72 ، وهل كان العرضى تخييرًا أو إلزامًا وكيف كان الإنسان ظلومًا جهولاً ؟
An في تفسير الأمانة في هذه الآية أقوال كثيرة، وأرجح منها أنها هي التكاليف الإلهية التي لا تؤدي إلا عن إيمان باللّه الذي أمر بها ويجازي عليها ثوابًا وعقابًا ، ويقرب من هذا أنها هي الإيمان الذي يدفع إلى أداء التكاليف الإلهية . ولعل مما يؤيد هذا القول حديث حذيفة بن اليمان ، قال : حدثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديثين ، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر... حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم نزل القراَن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة" رواه البخاري ومسلم وكما يؤيده حديث "الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة" رواه أحمد والبيهقى موقوفًا على ابن مسعود .
وعرض اللّه الأمانة على السموات والأرض والجبال : إن أدوها أثابهم ، وإن ضيعوها عذبهم ، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين اللّه عز وجل ألا يقوموا به . ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ، قال النحاس : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير .
ولعل إباء السموات والأرض والجبال للأمانة أساسه - كما قال ابن عباس - خشية التقصير فيها ، لأنها مفطورة على الطاعة ، راضية بما هيئت له من رسالة في الحياة ويوضحه قوله تعالى{ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين } فصلت : 11 ، وهذا يلتقى مع الرأى القائل بأن العرض معناه مقايسة التكاليف بجهد السموات والأرض والجبال وطبيعتها ، فلم يكن هناك تناسب . أما الإنسان ففي طبيعته تناسب لحمل الأمانة مع ما بلزمها من ثواب على الطاعة وعتاب على المعصية .
وقد قبل الإنسان هذه الأمانة دون أن تعرض عليه ، فلم يصرح القرآن بذلك كما قاله بعض المفسرين ، ولعل مبادرته للقبول كانت تفاؤلا بالتوفيق لأدائها وأملا في عدم التقصير فيها ، ولأن طبيعته التي خلقه اللَّه عليها تتناسب مع قبول هذه التكاليف .
ثم قال العلماء : إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال كان عرض تخيير أما عرضها على الإنسان فكان عرض إلزام ، وعبرت الآية عن الإنسان الذي حمل الأمانة بأنه ظلوم جهول ، لأنه كان ظلومًا لنفسه بالتقصير الذي آل إليه أمر الكثيرين ، وجهول حين خاطر بحمل الأمانة ولم يدر ما سيكون عليه مستقبل حاله من التقصير الذي يعرض له كل إنسان بدافع من الغرائز التي فطر عليها(7/468)
تنزلات القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف ينزل القرآن فى رمضان وفى ليلة القدر، مع أنه نزل على فترات طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An للعلماء فى كيفية نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ أقوال :
1 -أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم بعد بعثته فى مكة والمدينة، وقال الكثيرون إن هذا القول هو أصح الأقوال ، واستندوا فى ذلك إلى ما ورد بسند صحيح عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ، فقد أخرج عنه الحاكم والبيهقى وغيرهما أنه قال : أنزل القرآن فى ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم ، وكان اللّه ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه فى إثربعض . وأخرجا عنه أيضا وكذلك النسائى أنه قال : أنزل القرآن فى ليلة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك فى عشرين سنة ثم قرأ : { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} الفرقان : 33 ، { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء : 106 .
وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة عنه أيضا : قال فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبى صلى الله عليه وسلم .
كما جاءت رايات أخرى عن ابن عباس بأسانيد لا بأس بها تؤكد هذا المعنى ومعنى : " مواقع النجوم " أنه نزل على مثل مساقطها ، مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق .
2 -أنه نزل إلى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر، أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين -حسب الاختلاف فى مدة مكث النبى صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة-فى كل ليلة قدر ينزل ما يقدر اللّه إنزاله فى كل السنة، ثم نزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة، وقد حكى الفخر الرازى هذا القول ، وتوقف فى الأخذ به ، هل هو أولى أو القول الأول .
3-أنه ابتدئ نزوله فى ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة .
وهذا القول مروى عن الشعبى .
4 - حكى الماوردى قولا مؤداه : أنه أنزل من اللوح المحفوظ جمله واحدة، وأن الحفظة نجمته على جبريل فى عشرين ليلة ، وأن جبريل نجمه على النبى صلى الله عليه وسلم فى عشرين سنة . وهذا القول غريب ، والمعتمد أن جبريل كان يعارضه فى رمضان بما ينزل به عليه طوال السنة، وهو مروى عن ابن عباس .
هذه جملة من الأقوال صحح ابن حجر فى " فتح البارى " أولها وقال : إنه المعتمد، ثم قال ابن حجر: أخرج أحمد والبيهقى فى الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( أنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه ، والزبور لثمان عشرة خلت منه ، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه ) وفى رواية "وصحف إبراهيم لأول ليلة " قال : وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى : { شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن } وقوله : { إنا أنزلناه فى ليلة القدر } فيحتمل أن تكون ليلة القدر فى تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا : ثم أنزل فى اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول : { اقرأ باسم ربك الذى خلق } .
بعد سرد هذه الأقوال التى روى أكثرها عن ابن عباس يمكن فهم الآيات التى تتحدث عن نزول القرآن أو عن تنزيله ، ويهمنا من كل ذلك أن نقبل على القرآن حفظا وتدبرا، ثم عملا وتطبيقا . وأن يطل متوارثا بيننا بأخذه جيل عن جيل تحقيقا لقوله تعالى ع : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } الحجر: 9(7/469)
سر نزول القرآن منجما
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لما أنزل القرآن مجزأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل جملة واحدة ؟
An نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما أى مجزأ أو مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة لحكمة جاءت فى قوله تعالى { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القراَن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} الفرقان : 32 ، وفى قوله { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء : 106 .
فالحكمة فى نزوله منجما هى تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم على المضى في تبليغ الدعوة وعدم اليأس من تأييد اللّه له ونصره عندما يواجهه المشركون بأنواع العنف . وفى كل وقت كان يتعرض لمثل هذه الأزمة فيفرج اللَّه عنه بجرعة من القرآن الكريم ، فيها التأسى بأولى العزم من الرسل والوعد بالمثوبة والنصر المؤزر، وكذلك لقاؤه مع جبريل يعطيه قوة وطمأنينة .
ومن الحكمة تيسير حفظ القراَن على الرسول والمؤمنين ، لأنهم أميون لا يقرءون ولا يكتبون ، وكل اعتمادهم أو أكثره على الحفظ والرواية ، فإذا نزل على فترات كان ذلك أيسر عليهم فى حفظه واستيعابه ، وفى تدبره أيضا .
وفى تفريقه إعطاء فرصة للكفار أن يتدبروا كل جملة تنزل من آياته ، لعلهم يؤمنون بأنه معجزة، ومن عند اللَّه وحده . فكل مجموعة تنزل بمثابة دليل جديد على صدق الرسالة .
ومن الحكم ملاحقة الأحداث الجارية والإجابة على الأسئلة المتنوعة والطارئة .
وكذلك من الحكم التدرج فى التشريع والتربية ، صح فى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : إنما أنزل أول ما أنزل من القرآن سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول ما نزل { لا تشربوا الخمر } لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل " لا تزنوا " لقالوا : لا ندع الزنا أبدا(7/470)
أحاديث فى فضل سور القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : من قرأ سورة الواقعة فى كل ليلة، لم تصبه فاقة أبدا ؟
An ذكر القرطبى هذا الحديث فى أول تفسير سورة الواقعة، نقلا عن الثعلبى وغيره ، ولم يحكم عليه بصحة ولا حسن ولا ضعف ، ولم أجده فى الكتب التى تعنى بتخريج الأحاديث .
ومهما يكن من شيء فقراءة سورة الواقعة أو أية سورة لها ثواب عظيم نترك تقديره للَّه سبحانه وتعالى، وقد جاء التصريح ببعض ذلك فى فضل آية الكرسى وأواخر البقرة ، وسورة الكهف وقل هو اللَّه أحد وغيرها، وتقدير الثواب على القراءة من أى موضع من القراَن جاء فى حديث رواه الترمذى عن عبد اللّه بن مسعود " من قرأ حرفا من كتاب اللَّه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : " ألم " حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " قال الترمذى : حديث حسن صحيح غريب ، أى رواه راو واحد فقط .
غير أن هناك أخبارا ليست صحيحة النسبة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، منها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع مكذوب ، على الرغم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري ومسلم .
وقام بوضع هذه الأحاديث جماعة منهم أبو عصمة نوح بن أبى مريم المروزى ومحمد بن عكاشة الكرمانى وأحمد بن عبد اللَّه الجو يبارى .
قيل لأبى عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس فى فضل سور القراَن سورة سورة؟ فقال : إنى رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبى حنيفة ومغازى محمد بن إسحاق ، فوضعت الحديث حسبة ، أى أرجو بذلك الثواب من اللّه على سبيل التطوع .
يقول ابن الصلاح فى كتابه " علوم الحديث " : إن من ذلك الحديث الطويل الذى يروى عن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم فى فضل سور القرآن سورة سورة . وقد أخطأ الواحدى المفسر ومن ذكره من المفسرين فى إيداعهم تفاسيرهم(7/471)
قراءة القرآن بدون تجويد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لم أتعلم أحكام قراءة القرآن ، فأنا أقرأ مع مراعاة ضبط الحروف كما هى فى المصحف ، ولكنى لا أعرف القواعد الأخرى لقراءته فما حكم ذلك ؟
An قال علماء التجويد ، تجويد القرآن الكريم واجب وجوبا شرعيا يثاب القارئ على فعله ويعاقب على تركه ، وهو فرض عين على من يريد قراءة القراَن ، لأنه نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم مجودا ، ووصل إلينا كذلك بالتواتر. وقد أخرج ابن خزيمة فى صحيحه عن زيد بن ثابت قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن اللَّه يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل " .
قال تعالى { ورتل القرآن ترتيلا} المزمل : 4 ، وقال {ورتلناه ترتيلا} الفرقان : 32 ، والترتيل مأخوذ من قولهم : رتل فلان كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على مكث وتفهم من غير عجلة، وقد سئل الإمام على رضى اللّه عنه عن معنى الترتيل فقال : هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف . وقال ابن عباس فى تفسير الآية الأولى : معنى ( رتل القرآن ) بينه . وقال مجاهد تأن فيه .
وقال الضحاك : انبذه حرفا حرفا وتلبث فى قراءته وتمهل فيها وافصل الحرف من الحرف الذى بعده . وقال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء " : تلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب . فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل ، وحظ العقل تفسير المعانى ، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر. وقال ابن الجزرى :
والأخذ بالتجويد حتم لازم * من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا * وهكذا منه إلينا وصلا قال صاحب النشر فى تفسير ما قاله الإمام على فى معنى الترتيل : التجويد هو حلية القراءة، ويكون بإعطاء كل حرف من حروف الهجاء حقه ومستحقه ، أى أنه يجب أن تكون حروفه مرتبة ، ويرد كل حرف إلى مخرجه وأصله ، ويلطف النطق على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف ، ولا إفراط ولا تكلف . والوقف : هو قطع الصوت على آخر كلمة زمنا يتنفس فيه القارئ أنتهى .
وهذا التجويد يتنافى مع اللحن ، الذى هو الميل عن الصواب ، وهو قسمان :
لحن جلى واضح إذا كان فيه إبدال ، حرف بحرف أو حركة بحركة بحيث يكون هناك إخلال بالمعنى، كالذى ينطق التاء فى (يقنت ) طاء ( يقنط ) وكالذى يضم تاء ( أنعمت عليهم ) .
والقسم الثانى من اللحن لحن خفى لا يدركه إلا المختصون من العارفين بأحكام القراءة، وهو يخل بالأداء ولا يخل بالمعنى، كقصر الممدود وإظهار المدغم وتفخيم المرقق وهكذا .
والتجويد الذى يحفظ من هذا اللحن الخفى مستحب ، ولا يأثم تاركه ، وقيل يأثم عند تعمد هذا اللحن .
والتجويد وبخاصة ما يراعى فيه إعطاء المدود والغنات حقها وما يماثل ذلك يصعب أو يتعذر الاستقلال بمعرفته من الكتب ، بل لابد له من التلقى والمشافهة عن العارفين به(7/472)
مد الظل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال تعالى { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا . ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا } الفرقان : 45 ، 46، نريد توضيحا لذلك على ضوء العلم الحديث ؟
An المراد بالظل هو الجزء من الليل من طلوع الفجر إلى شروق الشمس على أصح الأقوال عند المفسرين كما قال القرطبى ، وذلك نعمة من اللَّه سبحانه ، لأنها ساعة طيبة كما قالوا .
ولو شاء اللَّه لأبقى هذه المدة ومنع الشمس من الطلوع ، لكنه سبحانه أذن للشمس أن تنسخ هذا الظل ، ونستدل بها على أنها نعمة ، فبضدها تتميز الأشياء ، ثم قبض اللَّه هذا الظل بسهولة ، لأن كل أمر سهل ويسير على اللّه .
يقول القرطبى : فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا وخلفه فى هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها .
واتجاه المفسرين فى ذلك اتجاه امتنان من اللَّه بالنعمة على عباده ، واتجه بعض المحدثين من العلماء فى ذلك اتجاها يبين قدرة اللَّه سبحانه وسيطرته على الوجود كله يخلق الليل والنهار، ويسير الكواكب والشموس والأقمار بنظام بديع لا يقدر عليه غيره سبحانه وتعالى .
والآيتان تحتملان كل ذلك ، فكل ما فى الكون دليل على قدرة اللَّه ، وكل ما نتمتع به هو نعمة منه سبحانه ، يشدنا هذا كله إلى الإيمان به وإلى شكره وطاعته .
يقول الخبراء المشرفون على " منتخب التفسير" الذى نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية : هذه الآية تظهر عناية الخالق وقدرته . فمد الظل يدل على دوران الأرض وعلى ميل محور دورانها ، ولو أن الأرض سكنت بحيث إنها ظلت غير متحركة حول الشمس وكذلك انعدم دورانها حول محورها لسكن الظل ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الأرض ، بينما يظل النصف الآخر ليلا، مما يحدث اختلاف التوازن الحرارى ، ويؤدى إلى انعدام الحياة على الأرض ، وكذلك إذا كان هذا هو حال الأرض فإن الظل يظل ساكنا . وهذا يحدث إذا كانت فترة دورن الأرض حول محورها هى نفسها فترة دورانها من حول الشمس ، أى أن اليوم يصبح سنة كاملة ولكن لا يمكن أن يفعل ذلك غير اللّه . هذا فضلا عن أن الظل ذاته نعمة من نعم اللَّه ، ولو أن اللّه خلق الأشياء كلها شفافة لما وجد الظل ولا نعدمت فرص الحياة أمام الكائنات التى تحتاج إليه انتهى(7/473)
نقصان أطراف الأرض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالا: { أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها } وكيف يكون هذا النقص ؟
An هذه الآية من سورة الرعد : 41 وقيل فى تفسيرها : إن المراد بالنقص من أطرافها هو موت العلماء والصالحين ، فالأطراف هم الأشراف ، كما قال ابن عباس والقشيرى .
وقيل المراد ما يغلب عليه المسلمون مما فى أيدى المشركين كما فى رواية عن ابن عباس ، وعنه أيضا هو خراب الأرض حتى يكون العمران فى ناحية منها .
وقال عطاء بن أبى رباح : المراد ذهاب الفقهاء وخيار أهلها، وهو موافق لرأى لابن عباس . وارتضاه كثير من المفسرين .
ومعنى الآية : أو لم تر قريش هلاك من قبلهم وخراب أرضهم بعدهم ، أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ذلك . وقيل المراد نقص بركات الأرض وثمارها ، وذلك بجور أهلها ، والقرطبى صحح هذا القول ، لأن الظلم يخرب البلاد بقتل أهلها وانجلائهم عنها ورفع البركة من الأرض .
وما يقال الآن : إنه دليل على أن كروية الأرض لست تامة، بل هى مفرطحة من الجانبين فهو غير قطعى. وليس مناسبا للمقام حيث تتحدث الآيات عن وعيد اللّه للكافرين ، وعما حدث للماكرين الكافرين من قبلهم فأولى أن يفسر النقص من أطراف الأرض بإهلاك الكفار والجبابرة فى أية بقعة من بقاع الأرض(7/474)
الصلب والترائب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى فى سورة الطارق { فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب } فكيف يتفق هذا مع ما هو معروف إن الماء الدافق هو ذا الخصية ؟
An هذه الآية من الآيات العلمية التى ما كان العرب يعرفون عنها شيئا ، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم " ليعلم عنها شيئا لولا نزول القراَن عليه من اللّه " واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة .
وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة فى سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه ، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى .
وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة .
والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاظ العربية التى نزل بها القرآن والترائب هى عظام الصدر، وهل المراد صدر الرجل ، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل ؟ رأيان وإليك نموذجا من التفاسير :
(أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الإنسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب ، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم ، وقيل من صلب الرجل وترائبه ، ومن صلب المرأة وترائبها . ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة .
(ب ) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى : أن الدماغ مركز الإدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب ، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم . ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب ، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها ، أى على صدرها ، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى ، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين .
(ج ) وجاء فى تفسير القاسمى : أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب -فقرات الظهر فى الرجل -والترائب أى عظام صدره ، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا . ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة ، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذيانهما ، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين ، فلذا قال تعالى عن المنى { يخرج من بين الصلب والترائب } لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر .
(د) هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى إلى المعهود الآن مما وصل إليه العلم ، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم ، ثم رأينا فى أبحاث للمتخصصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عصام الظهر "الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى {يخرج من بين الصلب والترائب } سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان ، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى { واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم } فكلمة " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين ، وبخاصة فى علم الأجنة(7/475)
رسم المصحف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نجد فى القرآن الكريم كلمات مكتوبة على خلاف الرسم الإملائى ويصعب علينا قراءتها بالرسم الحالى، فهل تجوز كتابته بالرسم الإملائى لتيسير قراءتها وفهمها؟ وهل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية؟
An عقد الإمام السيوطى فصلا فى الجزء الثانى "ص 166 " من كتابه "الإتقان " خاصا برسم الخط وآداب كتابته ، وذكر بعض من أفردوا ذلك بالتصنيف ، منهم أبو عمرو لدانى وأبو عباس المراكشى واستطرد فذكر أول من وضع الكتاب العربى ثم قال :
القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقف عليه .
وقد مهد النحاة له أصولا وقواعد، وخالفها فى بعض الحروف خط المصحف الإمام ، وقال أشهب : سئل مالك : هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال : لا، إلا على الكتبة الأولى ، رواه الدانى فى المقنع ، ثم قال : ولا مخالف له من علماء الأمة وقال أبو عمرو الدانى موضحا ذلك : يعنى الواو والألف المزيدتين ، فى الرسم المعدومتين فى اللفظ نحو أولوا وقال الإمام أحمد : تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك ، ورأى البيهقى فى " شعب الإيمان " هذا الرأى لأن الذين كتبوا المصحف كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة منا ، فلا ينبغى أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم .
ثم ذكر السيوطى أن أمر الرسم ينحصر فى ست قواعد، الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءات ، ومثل لذلك باستفاضة ، وذكر السر فى حذف الحرف الأخير من بعض الكلمات مثل "يوم يدع الداع " "سندع الزبانية " أن المراكشى قال : السر فى حذفها : التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المتأثر به فى الوجود . وهكذا ذكر مبررات لكل قواعد الرسم وقد سئلت لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1355 و(1936 م ) فأجابت بما ملخصه ، أن عثمان بن عفان رضى اللّه عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى اللّه عنها وعن أبيها . وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله كان عند أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهما . وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها قى زمن النبى @ ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة . وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فيها رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن . وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع العثمانى .
ثم قالت اللجنة : إن الجمهور من العلماء على التزام . الرسم العثمانى وحرمة مخالفته واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب عليها عثمان ولم يرو عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة . وذكرت اللجنة ما نقل عن مالك وأحمد والبيهقى مما سبق ذكره هنا نقلا عن السيوطى فى "الإتقان " .
ثم قالت اللجنة : إن بعض العلماء ذهبوا إلى جواز كتابته بأى رسم كان ولو خالف الرسم العثمانى ، فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز، ، ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها، وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة، أما رسمه على غير هذه الطريقة فلم تتعرض له الصحابة لا بحظر ولا بإباحة وذكرت ما قاله القاضى أبو بكر الباقلانى فى كتابه "الانتصار" موضحا لهذا الرأى الذى لا يحتم التزام الرسم العثمانى . ولكن اللجنة اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى اللّه عنه .
وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث ، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسر القراءة به ، حيث توجد به أحرف لا تنطق ، وتنقص منه حروف تنطق ، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء . ثم من قواعد الإملاء عرضة للتعديل ، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية المعدلة أو القديمة؟ وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم ، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه .
ثم قالت اللجنة : إن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم ، بل من التلقى لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها ، ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراء ، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة ، والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام ، وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى . انتهى تلخيص الفتوى .
وعلى ضوء ما جاء عن السيوطى فى "الإتقان " وما اختارته لجنة الفتوى عملت بحوث ونشرت مقالات وصدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية سنة 1956 م وقرر مجمع البحوث الإسلامية فى دور انعقاده الرابع 1968 م الالتزام بالرسم العثمانى ومنها البحث الذى قدمه الدكتور محمد محمد أبو شهبة ، مشيرا إلى بعض التآليف فى ذلك .
كالمقنع لأبى عمرو الدانى، عنوان الدليل فى مرسوم خط التنزيل لأبى العباس المراكشى المتوفى سنة 721هـ والمعروف بابن البناء والأرجوزة للشيخ محمد بن أحمد المتولى، وشرحها للشيخ محمد على خلف الحسينى شيخ المقارئ المصرية فى عهده ، مع تذيل الشرح بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه فى رسم القرآن " وإيقاظ الأعلام إلى اتباع رسم المصحف الإمام للشيخ محمد حبيب اللَّه بن عبد اللّه بن أحمد بن مايابى الجكنى الشنقيطى ومناهل العرفان للشيخ الزرقانى ، المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبى شهبة ، وهذا الحكم موجود فى كتب الأئمة وعلماء التفسير ، وجاء فى الشفا للقاضى عياض : من غير حرفا بزيادة أو نقص أو بدَّله بحرف غيره فهو كافر، ووافقه على ذلك شارحه الخفاجى وشارحه ملاَّ على القارى . "منبر الإسلام - ذو الحجة 1402 هـ " .
2- وأما كتابة المصحف بغير الحروف العربية . فقد ذكر السيوطى فى " الإتقان "ج 2 ص 171 ما نصه : وهل تجوز كتابته بقلم غير العربى؟ قال الزركشى : لم لأجد فيه كلاما لأحد من العلماء . قال :
ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ، ولقولهم : القلم أحد اللسانين ، والعرب لا تعرف قلما غير العربى، وقد قال اللّه تعالى {بلسان عربى مبين } الشعراء :195، .
وقال الشيخ محمود أبو دقيقة من كبار علماء الأزهر: أجمع الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز كتابة القرن بغير اللغة العربية، لأن كتابته بغيرها تخرجه عن الرسم الوارد الذى قام الإجماع على أنه يجب التزامه ، بل قد تؤدى كتابته بغير العربية إلى التغيير فى اللفظ لأن بعض الحروف العربية لا نظير له فى بعض اللغات الأخرى، والتغيير فى اللفظ يؤدى إلى التغيير فى المعنى ، وحيث كانت الكتابة بغير العربية تؤدى إلى هذا فلا يجوز . وقال بعض علماء الحنفية : إن من تعمد كتابة القرآن بغير العربية يكون مجنونا أو زنديقا ، فالمجنون يداوى والزنديق يقتل "مجلة الأزهر-المجلد الثالث ص 31 -34 "(7/476)
وضع المصحف تحت الوسادة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندما أنام أضع المصحف تحت الوسادة لمنع الشياطين والأحلام المفزعة ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An قال اللّه تعالى {إنه لقرآن كريم . فى كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 77 - 79 .
تحدث العلماء عن مظاهر تكريم القرآن والمصحف الذى يحويه فأمروا بالطهارة عند مسه وحمله ، وذلك له موضع لتفصيله ، ومن مظاهر التكريم عدم وضعه تحت الوسادة عند النوم ، أو وضع أمتعة أو كتب فوقه ، أو عمل أى شيء يعتبر عرفا إهانة له ، بل جاء فى كتاب "المصاحف " لابن أبى داود أن وضع المصحف على الأرض غير لائق ، وأورد فى ذلك أثرًا لم يبين درجته من القبول والرفض ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فيمن وضع كتابا من ذكر اللَّه فى الأرض "لعن اللَّه من فعل هذا، لا تضعوا ذكر اللَّه فى غير موضعه " .
وهذا فى وضع المصحف بغير نية الاحتقار والإهانة ، أما عند هذه النية فهو محرم بالإجماع بل قال أكثر العلماء : : إن من احتقر أو استهزأ بكتاب اللَّه فهو كافر .
وقد تكون لغير ذلك ، ولا نستطيع أن نجزم برأى فيه .
جاء فى "الإتقان " للسيوطى ج 2 ص 172 ما نصه : يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسى، ويحرم توسده ، لأن فيه إذلالاً له وامتهانا ، كذا مد الرجلين إليه .
وقد يصور التوسد بالاتكاء عليه كالوسادة وبجعله وسادة للنوم كالمخدة ، وكلاهما ممنوع(7/477)
القرآن كتاب علمى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل القرآن كتاب علمى ، أو كتاب يقوم على العلم ولا يتناقض معه عبر العصور ؟
An التعبير بكتاب علمى أو كتاب يقوم على العلم من التعبيرات الاصطلاحية التى يفسرها واضعوها حسب ما يتفقون عليه ، وبعيدا عن ذلك أقول :
القرآن كتاب علمى بمعنى أنه يعلم الناس ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم ، وذلك معنى الهداية التى جاءت فى قوله تعالى{إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم } الإسراء : 9، وقوله {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ! يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } المائدة : 15 ، 16 ، .
أما أن يكون القرآن كتابا علميا بمعنى أنه يعلم الناس العلوم كالطب والهندسة والرياضة والجغرافيا والطبيعة والكيمياء ، فليس ذلك من مهمته ، وإنما مهمته فى هذه الناحية أن يأمر بالتعلم والتعليم لكل ما يمكن أن يستفيد منه الناس فى أمور الدين والدنيا ، وأن يضع الآداب ، التى تجعل العلم يستخدم فى المصلحة . والقرآن ملىء بالآيات التى تدعو إلى العلم وترفع شأن العلماء الذين يبتغون الخير من علمهم ، بصرف النظر عن مادة العلم ما دام الهدف خيرا .
ومن الآيات التى تبين ذلك قوله تعالى{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ} فاطر: 27 ، 28 ، .
فهذا رفع لقدر العلماء فى كل المجالات المتقدمة فى الآيتين ، علماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات وطبقات الأرض والحيوان والطب والهندسة والاجتماع والتاريخ. .. . . . لأنهم عند إنصافهم وتعمقهم فى هذه العلوم سيدركون أن وراء هذا الخلق البديع سرا كبيرا، وأن قوة أخرى فوق المادة هى التى صنعت هذا الكون وسيَّرته حسب النواميس الثابتة . وتلك هى قوة الله تعالى، وكم من علماء فى هذه المجالات آمنوا بوجود الله بعد كفرهم به [اقرأ كتاب : ( الله يتجلى فى عصر العلم ) ، الذى ألفه الباحث الدينى الاجتماعى "جون كلوفر مونسما"] .
وأما كون القرآن يقوم على العلم ولا يتناقض معه فى كل العصور والأزمان فتلك حقيقة لا شك فيها، بمعنى أن كل ما جاء فيه من أمور يقال عنها إنها علمية فهى صادقة ، لأنها من صنع الله ، والحقائق العلمية من صنع الله ، أما النظريات التى لا ترتقى إلى درجة الحقيقة فهى من صنع البشر، قد تصدق فتكون مطابقة لما عند الله ، وقد تكذب فتخالفه ، وهنا لا يجوز مطلقا أن نفسر القرآن بالنظريات ، وإنما نفسره بالحقائق لتوضيح ما فيه ، والموضوع طويل لا يتسع المجال لشرحه ، يمكن الرجوع إليه فى كتابنا "دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة "(7/478)
الحروف المقطعة فى أوائل السور
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو سر الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور ، وهل هناك علاقة بينها وبين عددها فى السور ؟
An الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور للعلماء فيها موقفان ، الموقف الأول أنها من المتشابه الذى يجب أن يوكل علمه إلى الله تعالى ، والثانى أن لها معانى ، واختلفوا فى هذه المعانى ، وكلها آراء اجتهادية . ولكنها على كل حال تبين للكفار-وهم أرباب الفصاحة والبلاغة - أن القرآن كلام مركب من الحروف التى يتركب منها كلامهم ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله .
وقد قام بعض الناس بحصر الحروف الموجودة فى آيات السورة التى بدئت بالحروف المقطعة فوجدوا أنها أكثر من الحروف الأخرى .
وهذا يزيد التأكيد أن حروف القرآن هى حروف كلام العرب ، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله ، وأوجه الإعجاز غير اللغوى كثيرة ، أفردت لها مؤلفات خاصة(7/479)
نطق الضاد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز تبديل حرف الضاد بحرف الظاء فى القرآن الكريم ، وهل يجوز إقتداء المصلى بمن يقرأ فى الفاتحة " ولا الظالين " بدل من " الضالين " ؟
An النطق الصحيح للضاد غير النطق الصحيح للظاء ، وإن اشتركا فى أكثر الصفات ، إلا أن الضاد تمتاز عن الظاء مخرجا واستطالة .
فمخرج الضاد إحدى حافتى اللسان مع ما يليها من الأضراس حتى تجد بينها منفذا لا ينضغط فيها الصوت ضغط الطاء فيظهر معها صوت خروج الريح . وحينئذ تكون مشتبهة فى السمع بالظاء كما هو المنصوص عليه فى جميع كتب القراءة والتجويد .
وهذا الوصف للنطق بالكتابة لا يعرف إلا بالتلفظ وسماع نطقها الصحيح من العالم بها والمتمرن عليها ، وقد يتهاون بعض الناس فينطقها كالدال ، أو ينطقها كالظاء ، فهى وسط بينهما ولها نطقها الخاص بها .
وأما حكم من بدَّل حرفا بحرف فى القرآن وهو يصلى، فقد قال العلماء : إذا كان متعمدا لهذا الإبدال وهو يعرف الفرق بينهما حرم عليه ذلك ، بل قال بعضهم بكفره ، لأنه تغيير للقرآن الكريم ، وبالتالى تكون صلاته باطلة ولا تصح إمامته . أما إن كان غير متعمد فيجب عليه أن يجتهد لمعرفة النطق الصحيح للحرف ، فإن قصر مع قدرته على ذلك بطلت صلاته وإمامته . فإن عجز ولم يستطع إصلاح نطقه صحت صلاته وإمامته كما قال جمهور الفقهاء .
والمالكية قالوا : الألثغ - وهو من يبدل السين ثاء ، أو الزاى ذالا - وكذلك التمتام الذى يكرر التاء فى كلامه ، والفأفاء الذى يكرر الفاء ، والأرت الذى يأتى بإدغام فى غير موضعه ، كأن يقول "المتقيم" بدل "المستقيم " ونحوهم من كل من لا يستطيع النطق ببعض الحروف أو يدغم حرفا فى غيره إمامته وصلاته صحيحتان حتى لو كان المقتدى به سالما من هذا النقص ولو وجد من يعلمه وقبل التعليم ولم يستعص عليه واتسع الوقت له ، ولا يجب عليه الاجتهاد فى إصلاح لسانه على الراجح "كتاب الفقه على المذاهب الأربعة نشر أوقاف مصر"(7/480)
الرحمن علم القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا جاء تعليم القرآن قبل خلق الإنسان فى سورة الرحمن ؟
An قال بعض المفسرين : لما ذكر الله "الرحمن " ذكر صفة من صفاته لها فضل كبير على المسلمين وهى القرآن ، ثم ذكر بعد ذلك مظاهر قدرته العامة للمسلمين وغيرهم ، فبدأ بخلق الإنسان وتعليمه النطق والإفصاح عما يريد ، ونصب الدلائل التى يستدل بها على وجود الله ووجوب عبادته وحده . وعند معرفة سبب النزول نعرف لماذا قرن الله تعليم القرآن باسمه الرحمن ، فالسورة نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا : وما الرحمن ؟ وحكى القرآن ذلك فى قوله تعالى{وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} الفرقان : 60، وحين قالوا : إنما يعلمه بشر، وكانوا يؤمنون برحمن اليمامة وهو مسيلمة الكذاب ، فذكر أن الذى أنزل القرآن على محمد هو الرحمن المعبود بحق "راجع تفسير القرطبى"(7/481)
فصل لربك وانحر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد بالصلاة والنحر فى قوله تعالى{فصل لربك وانحر} الكوثر : 2 ؟
An اختلف العلماء فى نزول سورة الكوثر، هل كان بمكة أو بالمدينة. فعلى القول الأول بنزولها فى مكة يكون المراد بالصلاة الصلاة المفروضة ، سواء منها ما كان قبل ليلة الإسراء حيث قيل :
إن الصلاة كانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره ، وما كان بعد ليلة الإسراء ، وهى الصلوات الخمس . والمراد بالنحر هو الذبح ، بذكر اسم الله أو التقرب إليه . والمعنى : اجعل صلاتك ونحرك يا محمد لله لا لغيره كما يفعل المشركون ولا يصح أن يراد بالصلاة هنا صلاة العيد ولا بالنحر تقديم الأضاحى أو الهدى ، فذلك لم يشرع إلا فى المدينة بالإجماع كما حكاه ابن عمر .
وعلى القول الثانى بنزولها فى المدينة ، يحتمل رأى غير الرأى الذى سبق ، وهو أن المراد بالصلاة صلاة العيد وبالنحر ذبح الأضحية ، كما رآه قتادة وعطاء وعكرمة .
قال أنس : كان النبى صلى الله عليه وسلم ينحر ثم يصلى ، فأمره الله أن يصلى ثم ينحر، وقال سعيد بن جبير: المراد بالصلاة صلاة الصبح المفروضة بالمزدلفة والنحر يكون بمنى، وجاء عنه أنها نزلت فى الحديبية للتحلل من الإحصار .
والقول الأول هو الراجح ، لأن أقوى الروايات فى سبب النزول تدل على أنها نزلت بمكة، حين عاب المشركون موت ولد النبى صلى الله عليه وسلم وقالوا : صار أبتر، على ما كان من عادتهم فيمن يموت وليس له ولد-وما قيل من أن ذلك كان بالمدينة عند موت ولده إبراهيم ضعيف - فالله سبحانه يسلِّى نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه أعطاه الكوثر، أى الخير الكثير، وهذا الخير الكثير على أرجح الأقوال هو نهر فى الجنة كما جاء فى رواية البخارى ، أو الحوض الذى يكون فى الموقف قبل دخول الجنة كما جاء فى رواية مسلم ، أو هو النبوة .
وفى مقابل هذا الخير الكثير يجب أن يشكر النبى صلى الله عليه وسلم ربه عليه بأن تكون صلاته كلها ونحره كله لله وحده وليس لغيره ، والمراد أن يستمر فى دعوته ويثبت على عقيدته وسلوكه غير عابئ بما يقوله المشركون ، فالأبتر فى الحقيقة هم هؤلاء الذين قطع الله عنهم الخير بسبب كفرهم .
ومن البعيد أن يكون الشكر على الكوثر صلاة العيد ونحر الأضحية أو الهدْى . قال ابن العربى : والذى عندى أنه أراد : اعبد ربك وانحر له ، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر. وبالحرى أن يكون جميع العمل يوازى هذه الخصوصية من الكوثر وهو الخير الكثير الذى أعطاكه الله ، أو النهر الذى طينه من مسك ، وعدد آنيته نجوم السماء، أما أن يوازى هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد فى التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة "تفسير القرطبى ج 20 ص 220" .. ،(7/482)
قاب قوسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى {فكان قاب قوسين أو أدنى} النجم : 9 ؟
An معنى "قاب " قدر أو مقدار، والقوس قيل : هو آلة الصيد والحرب المعروفة عند العرب ، وقيل : المراد به الذراع التى يقاس بها ، وهى لغة بعض الحجازيين وقيل : هى لغة أزد شنوءة أيضا، والمراد بالقوسين الاثنان ، وقيل المراد، قوس واحد كما قال الكسائى ، يقال بين الشيئين قاب قوس أى قدره ، وفى الحديث الصحيح "ولقاب قوس أحدكم فى الجنة خير من الدنيا وما فيها" .
والآية تتحدث إما عن قرب الله سبحانه من النبى صلى الله عليه وسلم والمراد قرب المكانة لا المكان ، فهو قرب عطف ولطف وإيناس ، وإما عن قرب جبريل من الله ، وهو قرب منزلة أيضا كما روى فى الحديث "إن أقرب الملائكة من الله جبريل عليه السلام " وإما عن قرب جبريل من النبى صلى الله عليه وسلم عند نزوله بالوحى عليه .
والسورة فى أولها تؤكد صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى نزول الوحى عليه من الله .
فهو ما ينطق عن الهوى ، نزل به جبريل شديد القوى، من الأفق الأعلى، ودنا وتدلى فكان قريبا جدا من الرسول عليه الصلاة والسلام ، حتى بلغه ما أوحى به ، فما يقوله من عند الله حق {ما كذب الفؤاد ما رأى} ثم تتحدث الآية عن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل مرة أخرى ، غير التى جاءه فيها فى الغار، وعلى أثرها كذب المشركون ما ادعاه من رؤيته . وهذه المرة عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى . ويقول المفسرون : إن ذلك كان ليلة المعراج وكلامهم هناك كثير يمكن الرجوع إليه ، وفيما ذكرته كفاية(7/483)
غلام الخضر عليه السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الله عوض والد الغلام الذي قتله الخضر فتاة تزوجت نبيا وولدت نبيا ومن هما هذان النبيان ؟
An جاء فى تفسير القرطبى ما نصه : وعن ابن جبير وابن جريج أنهما بدِّلا جارية. قال الكلبى : فتزوجها نبى من الأنبياء ، فولدت له نبيا ، فهدى الله على يديه أمة من الأمم .
وقال قتادة : ولدت اثنى عشر نبيا ، وعن ابن جريج أيضا أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملا بغلام مسلم وكان المقتول كافرا .
وعن ابن عباس : فولدت جارية ولدت نبيا، وفى رواية : أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا ، وقال جعفر بن محمد عن أبيه ، قال علماؤنا : وهذا بعيد جدا، ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا فى بنى إسرائيل ، وهذه المرأة لم تكن منهم . انتهى .
يؤخذ من هذا الكلام أن هناك رأيين فى بدل الغلام المقتول ، رأيا يقول بأنه غلام مسلم كما قال ابن جريج ، ورأيا يقول بأنه جارية أى بنت ، وهذه البنت قيل : إنها ولدت نبيا كما قال الكلبى وابن عباس وقيل : ولدت اثنى عشر نبيا كما قال قتادة، وقيل : سبعين كما فى رواية عن ابن عباس . وذكر الخازن فى تفسيره ذلك أيضا . وتضارب هذه الأقوال فى نوع البدل وفى عدد الأنبياء المولودين منه يدل على أنه ليس هناك دليل صحيح يعتمد عليه القائلون بذلك ، وبصرف النظر عن صحة هذه الأقوال وعدم صحتها فإن الجدل فى ترجيح أحدها جدل عقيم لا يجوز فيه التعصب ، مع العلم بأن الجهل بذلك لا يضر، والعلم به لا يفيد فائدة تذكر ، وينبغى الاهتمام بغير هذه المسائل التى لا تعدو أن تكون ترفا ذهنيا . وأحداث الحياة بإيقاعها الشديد أولى بالاهتمام(7/484)
أية الشعراء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى {والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم فى كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون } الشعراء : 224 - 226 ، نريد شرح الآية مع ملاحظة أن الرسول كان له شاعر يمدحه هو حسان بن ثابت ؟
An هذه الآية نزلت كما يقول المفسرون فى عبد الله بن الزِّبعرَى ونافع بن عبد مناف وأمية بن أبى الصلت ، وقيل نزلت فى أبى عزة الجمحى . والذين استثناهم الله بعد هاتين الآيتين فى قوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون } هم حسان بن ثابت وعبد الله ابن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن على شاكلتهم ممن يقولون الحق ، وجاء فى كتب التفسير أن حسان بن ثابت لما نزلت هذه الآية أذن له النبى صلى الله عليه وسلم بالرد على المشركين فقال " انتصروا ولا تقولوا إلا حقا، ولا تذكروا الآباء والأمهات " كما أذن لكعب فيه وقال "إن المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه ، والذى نفسى بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " .
إن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، والحسن والقبح يتبعان الغرض من إنشاده ، والمعانى التى يحتويها ، والملابسات التى تحوطه والآثار التى تترتب عليه . فالآيات ذمت عدم ثبات الشعراء على مبدأ واحد، وتكسُّبهم بالشعر دون اهتمام بصدق ما يقولون وكذبه ، ومدحت الآية الأخيرة من يتقون الله فى أقوالهم واستهدفوا الدفاع عن الحق والتبرئة مما ينسب إليهم من باطل .
وثبت فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع أبياتا كثيرة من شعر أمية ابن أبى الصلت ، وقال "كاد أمية بن أبى الصلت أن يسلم " وروى البغوى فى معجم الصحابة وابن عبد البر فى الاستيعاب بإسناد ضعيف من حديث النابغة ، واسمه قيس بن عبد الله . أنه أنشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعرا فدعا له بقوله "لا يفضض الله فاك " وروى الحاكم أنه قال ذلك للعباس عندما استأذنه فى مدحه .
وكان الرسول إلى جانب سماع الشعر والثناء على قائله يثيب عليه ويجازى عند الاقتضاء . فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم يوم حنين ، ولم يعط العباس بن مرداس مثل ما أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن -قال شعرا يمدح به نفسه ويبين استحقاقه كغيره ، أتم له الرسول مائة من الإبل ، وقال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء : إن زيادة "اقطعوا عنى لسانه " ليست فى شىء من الكتب المشهورة . وذكر السفارينى فى كتابه "غذاء الألباب "ج ا ص ا15 هدية الرسول إلى كعب بن زهير على قصيدته "بانت سعاد" عندما سمع قوله :
إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الهند مسلول وهى بردة لم يستطع معاوية أن يشتريها منه ، فاشتراها من ورثته ، ثم قال : وأما خبر "الشعر مزامير الشيطان " وخبر "إنه جعل له كالقرآن " فواهيان . وعلى فرض ثبوت ذلك فالمراد به الشعر المحرم . . . وأن عائشة رضى الله عنها كانت أعلم بالشعر والفريضة من غيرها ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حسان "والله لشعرك عليهم أشد من وقع السهام فى غلس الظلام وتحفظ بيتى فيهم " فقال : والذى بعثك بالحق نبيا لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ، ثم أخرج لسانه فضرب به أرنبة أنفه وقال والله يا رسول الله إنه ليتخيل لى أنه لو وضعته على حجر لفلقته ، أو على شعر لحلقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيد الله حسانا بروح القدس "سمع النبى صلى الله عليه وسلم الشعر من وفد بنى تميم ورد حسان عليهم .
ويمكن الرجوع إلى إجابتين سابقتين عن الشعر وعن شعر الغزل لتكمل الصورة عن الشعر(7/485)
سورة التوبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما سبب عدم بدء سورة التوبة بالبسملة ؟
An السبب فى ذلك مختلف فيه ، فقيل لأنها سورة نزلت بالحرب والقتال وفضح أحوال المنافقين ، ولا يناسبها البدء بالبسملة التى تشتمل على الرحمة ، كعادة العرب عندما يوجهون كلاما إلى الغير تكون مقدمته مناسبة لموضوعه وقيل لأن عثمان رضى الله عنه لما أمر الكتَّاب بنسخ صور من القرآن ، وترتيب سوره التى لم يثبت فى ترتيبها نص من النبى صلى الله عليه وسلم حيث جعل السور الطوال بجوار بعضها - رأى أن سورة الأنفال متناسبة مع سورة التوبة فى الموضوع ، فأمر بجعلهما بجوار بعضهما بدون البسملة ، مع أن سورة الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وسورة براءة من أواخر ما نزل ، لكنهما متناسبتان من جهة الموضوع ، وقيل غير ذلك ، وفى كتب التفسير متسع لمن أراد الاستزادة(7/486)
الأرضون السبع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يوجد سبع أرضين كما توجد سبع سماوات ، وما الدليل على ذلك ؟
An قال الله تعالى {الله الذى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} الطلاق : 12 ، وجاء فى الأحاديث " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ... " كما جاءت أحاديث أخرى تذكر أن الأرض سبع أرضين ، وللمفسرين فى ذلك أقوال ثلاثة :
ا - أن الأرض سبع طبقات بعضها فوق بعض، وبين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء . وفى كل أرض سكان من خلق الله ، وهذا قول الجمهور كما ذكر القرطبى "ج 18 ص 174 " .
2-أنها سبع طبقات بعضها فوق بعض ، من غير فتوق ومسافات ، بخلاف السماوات ، وهذا قول الضحاك .
3-أنها سبع أرضين منبسطة، يعنى ليس بعضها فوق بعض ، وإنما تفرق بينها البحار وتظلها سماء واحدة، وقد تكون هى الأرض التى نعيش عليها مقسمة إلى قارات ، أى كتل منفصلة بالبحار والمحيطات ، يعرف منها آسيا وأوروبا "أوراسيا" وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية ، واستراليا والقارة القطبية الشمالية ، والقارة القطبية الجنوبية .
هذا ، وقد روى الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد ، وروى البيهقى فى شعب الإيمان وقال : إسناده صحيح عن أبى الضحى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال فى معنى الآية :هناك سبع أرضين ، فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم ، وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم ، قال البيهقى : إسناد هذا الحديث إلى ابن عباس صحيح ، إلا أنى لا أعلم لأبى الضحى متابعا ، فهو شاذ ، وقد تكون مثلية الأرضين للسماوات مثلية كمٍّ أو كيف ، أى مثلية فى العدد، أو مثلية فى إبداع الخلق ودقة الصنع والاحتواء على الآيات والدلائل الشاهدة على عظمة الخلق والخالق .
وكل الأقوال اجتهادات فى التفسير ليس على أحدها دليل قاطع ، وذلك إذا أردنا بالرقم "7" حقيقته العددية ، بخلاف ما لو أردنا التعبير عن الكثرة بصرف النظر عن حدودها . ولعلماء اليوم اجتهادات قائمة على ظنون وافتراضات ، والقدر الواجب علينا معرفته هو أن الأرض سبع لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه ، وقد ذكر القرآن عددها كما ذكر عدد السماوات لبيان قدرة الله وسعة كونه ، وإحاطة علمه بكل شيء ، وهذا القدر كاف فى صحة الإيمان بما فى القرآن مع تشجيع العلم على مواصلة البحث للوصول إلى حقائق تؤكد أن القرآن حق كما قال سبحانه {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصلت : 53،(7/487)
قراءات القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كم قراءة وردت لقراءة القرآن الكريم بها ؟ وهل هناك قراءات شاذة ؟ وما أهمية تعدد القراءات ؟
An ثبت فى الأحاديث أن القرآن أنزل على سبعة أحرف واختلف العلماء فى بيان المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغت أربعين قولا من أحسنها أنها الأوجه السبعة التى تختلف بها القراءة، باختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وغيرهما وباختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، وباختلاف التقديم والتأخير، وباختلاف الإبدال وباختلاف اللهجات . .
والصحابة اختلف أخذهم عن الرسول فى هذه الوجوه ، واشتهر منها ما يعرف بالقراءات السبع والقراءات العشر والقراءات الأربع عشرة، وأقواها هى السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة وهم : نافع وعاصم وحمزة وعبد الله بن عامر وعبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء ، وعلى الكسائى . والقراءات العشر تزيد على ما سبق قراءه أبى جعفر ويعقوب وخلف والقراءات الأربع عشرة تزيد قراءة الحسن البصرى، وابن مُحَيْصِن ، ويحيى اليزيدى ، والشنبوذى .
والقراءات السبع متواترة ، والمكملة للعشر قيل بتواترها وقيل بغير التواتر، وما بعدها فهى شاذة .
وضابط القراءات المقبولة : كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافقت اللغة العربية ولو بوجه وصح إسنادها ولو كان عمن فوق العشرة من القراء-فهى القراءة الصحيحة التى لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها .
وفائدة تعدد القراءات تظهر فى التيسير من أجل القراءة والحفظ وذلك لاختلاف لهجات العرب وجاء ذلك مصرحا به فى الأحاديث مثل "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتى لا تطيق ذلك " ومثل "إنى أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفانى الذى لم يقرأ كتابا قط . . . " .
ومن الفوائد جمع الأمة على لسان واحد هو لسان قريش ، وقد يكون فيها بيان حكم من الأحكام مثل {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } النساء : 12 ، فجاء فى قراءة زيادة (من أم ) بعد "أخ أو أخت " ومثل الكفارة بتحرير رقبة جاء فى قراءة تقييدها بمؤمنة ومنها بيان لفظ مبهم مثل {كالعهن المنفوش } قرئت كالصوف المنفوش .
إلى غير ذلك من وجوه التيسير والإفادة ، والموضوع ألفت فيه كتب كثيرة، وعولج فى مؤلفات "علوم القرآن " للسيوطى وغيره فليرجع إليها لمن أراد الاستزادة(7/488)
القراءة والسماع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أيهما أكثر ثوابا للمرء قراءة القرآن أم الاستماع إليه ؟
An أكثر الأحاديث جاءت ترغب فى القراءة، وتجعل ثواب الحرف الواحد عشر حسنات ، والماهر بالقراءة مع السفرة الكرام البررة والذى يتتعتع فيه له أجران ، ويأتى القرآن شفيعا لأصحابه ، ويلبسه الله تاج الكرامة وحلة الكرامة ، ويرتقى فى درجات الجنة بقدر ما يقرأ، والملائكة تتنزل لسماعه من القارئ ، وكل ذلك وغيره وردت به النصوص الصحيحة والحسنة .
أما استماع القرآن فالنصوص فى الترغيب فيه قليلة جدا ، قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الأعراف : 254 .
وفى الحديث "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة" رواه أحمد عن عبادة بن ميسرة، واختلف فى توثيقه عن الحسن عن أبى هريرة، والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبى هريرة .
وقد حمل بعض المفسرين الآية على خطبة الجمعة فأوجبوا الإنصات إليها لاشتمالها على القرآن ، ومع ذلك فالحديث المروى فى الاستماع ذكر فيه ثواب التلاوة بأكثر من ثواب الاستماع ، والحديث على كل حال ضعيف .
ومن هنا يمكن أن نقول : إن قراءة القرآن أكثر ثوابا من الاستماع إليه ، وهى وسيلة لتعليم الكتابة ليستطيع القراءة، فالذى يسمعه ربما لا يكون قارئا أو عارفا بالكتابة، والقراءة أقرب من الاستماع لحفظ القرآن .
ومهما يكن من شيء فالانشغال بالقرآن بأية كيفية من الكيفيات فضيلة من كبريات الفضائل . والله أعلم(7/489)
أوجه الإعجاز القرآنى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما أوجه الإعجاز فى القرآن الكريم ؟
An أوجه الإعجاز فى القرآن كثيرة، وقد ألفت فيها كتب قديمة وحديثة ، وأشار إليها السيوطى فى "الإتقان " وابن القيم فى "الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن " والبيضاوى فى "إعجاز القرآن " وأخيرا الرافعى فى كتابه " إعجاز القرآن والبلاغة النبوية " .
وأحسن الأوجه بأن الإعجاز فى بلاغته التى تحدى بها العرب والإنس والجن ، ودائما تكون المعجزة من جنس ما برع فيه القوم ، كعصا موسى بالنسبة للسحر، وزعم النَّظَّام من المعتزلة أن الإعجاز هو صرف الناس وعجزهم بقدرة الله عن محاكاته ، ورد عليه كثيرون ومنهم الجاحظ المعتزلى فى كتابه "نظم القرآن " وأبو الحسن على بن عيسى الرمانى المعتزلى المتوفى . سنة 384 هـ أو 386 هـ ، فى كتابه "النُّكت فى إعجاز القرآن " ومنهم أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابى المتوفى سنة 388 هـ فى كتابه " البيان فى إعجاز القرآن " والباقلانى المتوفى سنة 403 هـ فى كتابه "إعجاز القرآن " كما رد عليه السيوطى فى كتابه " الإتقان " .
ومن وجوه الإعجاز-لأنه كتاب ليس للعرب فقط ولا لعصر النبوة بل للعالم ولجميع العصور-إخباره بالغيب عن الأمور المستقبلة بوجه خاص ، وإن كان أخبر عن الماضين دون الرجوع إلى كتب كما قال الله تعالى عن نوح وقومه :
{تلك من أنباء الغيب نوحيها إِليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين } هود : 49 .
ومن الغيوب المستقبلة ما تدل عليه الآيات : {كتب الله لأغلبن أنا ورسلى} المجادلة : 21 .
{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } الفتح : 27 .
{غلبت الروم . فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . فى بضع سنين } الروم : 2-4 .
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض } النور: 55 .
ومن وجوه الإعجاز احتواؤه على علوم لم تكن معروفة للبشر ثم عرفت بعد .
{سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } فصلت : 153 .
وألفت فى ذلك كتب حديثة مثل "رسالة عن مقارنة بعض العلل بالوارد فى النصوص الشرعية" لعبد الله فكرى باشا، و "دروس سنن الكائنات " للدكتور محمد توفيق صدقى و "الجواهر" للشيخ طنطاوى جوهرى و "الإعجاز العلمى للقرآن " للدكتور محمد الغمراوى ، و "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم " للكاتب الفرنسى المسلم "موريس بوكاى" و "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان .
ومن وجوه الإعجاز : التشريع الحكيم الذى عنى ببيانه الشيخ محمد أبو زهرة والمستشار على منصور وغيرهما .
هذه نبذة بسيطة ، والكتب كثيرة لمن أراد المزيد(7/490)
خواتيم سورة الحشر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى خواتيم الحشر وما ثواب قراءتها ؟
An خواتيم الحشر الواردة فى الحديث "من قرأ خواتيم الحشر فى ليل أو نهار فمات فى ذلك اليوم أو الليلة فقد ضمن الله له الجنة" والمراد بها الآيات التى فى آخر سورة الحشر المبدوءة بقوله تعالى {هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم . . . } الآية : 22 .
وقد ذكر القرطبى فى تفسيره هذا الحديث ولم يذكر درجته . وجاء فى حاشية الجمل على الجلالين حديث أخرجه الترمذى وقال : إنه حسن غريب "من قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يُمسى، وإن مات من يومه مات شهيدا، ومن قرأها حتى يمسى فكذلك " .
ومهما يكن من شيء فإن هذه الآيات فيها بعض أسماء الله الحسنى التى أمرنا أن ندعوه بها فى قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف : 180 ، وقراءتها لها ثوابها إن شاء الله ، بكل حرف عشر حسنات كما صحت بذلك الأحاديث(7/491)
بلعام بن عوراء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله سبحانه {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } الأعراف :
175 ، 176، فيمن نزلت ، وما كيفية الانسلاخ ، ولماذا شبه بالكلب دون غيره ، وفى أى عصر كان يعيش هذا الرجل ؟
An اختلف فى تعيين الرجل المذكور ، فقال ابن مسعود وابن عباس : هو بلعام بن باعوراء ، وقيل تاعم ، وهو من بنى إسرائيل ، عاش فى زمن موسى عليه السلام وكان بحيث إذا نظر رأى العرش ، وهو المعنىُّ بقوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا} ولم يقل آية ، وكان فى مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابا فى أنه ليس للعالم صانع .
معنى هذا أنه كان صالحا ثم ضل ، وهو معنى الانسلاخ ، أى نزع الله منه العلم الذى كان يعلمه والإيمان الذى كان يلبس ثوبه .
وقيل : نزلت فى أمية بن أبى الصلت الثقفى، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فى ذلك الوقت ، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول ، فلما أرسل الله النبى صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به ، وهو الذى قال فيه الرسول "آمن شعره وكفر قلبه " وهناك أقوال أخرى ذكرها القرطبى فى تفسيره ، وليس لواحد منها سند صحيح يوثق به ، وقال : إن القول الأول أشهر وعليه أكثر المفسرين .
ولو أن هذا الرجل بقى على الهدى لأماته الله مؤمنا ورفع شأنه ، ولكنه اتبع هواه وسار مع الشيطان ورغب فى الدنيا فكانت خاتمته سيئة ، وقد شبه الرجل بالكلب يلهث دائما على كل حال ، إن طردته أو لم تطرده ، يقول ابن جريج : الكلب منقطع الفؤاد ، لا فؤاد له (كذا) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، كذلك الذى يترك الهدى لا فؤاد له ، وإنما فؤاده منقطع ، وقال القتيبى : كل شيء يلهث فإنما يلهث عن إعياء أو عطش ، إلا الكلب فانه يلهث فى حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة ، وحال الرى وحال العطش ، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته ، فقال : إن وعظته ضل وإن تركته ضل ، كقوله تعالى{وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون } الأعراف : 193 .
وهذا المثل فى قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام فى كل من أوتى القرآن فلم يعمل به . هذا من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية، والأقوال كثيرة فى كتب التفسير وهى اجتهادية ليست قاطعة، وتكفينا العبرة من المثل(7/492)
كتابة المصحف بالرسم الإملائى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قراءة القرآن فى رمضان مستحبة ، ولكننا نجد صعوبة فى القراءة فى المصاحف الموجودة الآن ، لأن رسمها مخالف لقواعد الإملاء التى تعلمناها فهل تدلونا على مصحف يسهل علينا القراءة ؟
An هذا السؤال يجرنا إلى بيان الحكم فى كتابة المصحف بالرسم الإملائى ، وقد عرض هذا السؤال قديما على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فأجابت بما ملخصه :
إن عثمان رضى الله عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها ، وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله أبو بكر الصديق رضى الله عنهما .
وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم .
ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فى هذه المصاحف رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن . وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع الرسم العثمانى .
فهل يلتزم هذا الرسم أو يجوز العدول عنه إلى رسم آخر يلائم العصر الحديث ؟ ذهب جمهور الأئمة إلى التزام الرسم - العثمانى وحرمة مخالفته ، واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب بها عثمان المصاحف ، ولم يُرْوَ عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة .
وذهب بعض العلماء إلى جواز كتابته بأى رسم كان . فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز ، ولم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بهذا الرسم ، بل الثابت أنه كان يأمر بكتابة ما نزل ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها .
وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة بحظر ولا إباحة ، وقد وضح ذلك أبو بكر الباقلانى فى كتابه " الانتصار" .
ولكن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى اللّه عنه . وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث ، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسير القراءة به ، حيث توجد به أحرف لا تنطق وتنقص منه حروف تنطق ، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء .
ثم إن قواعد الإملاء عرضة للتعديل ، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية أو المعدلة أو القديمة ، وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم ، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه ثم أن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم ، بل من التلقى ، لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراءً، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة وأبا عبد الرحمن السُّلَمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى اهـ .
بناء على هذه الفتوى لا تطبع المصاحف الآن على القواعد الإملائية المعروفة ، فإذا أردت أن تقرأ القرآن . فليكن أولا على عالم به مجيد له ، والقليل المجوَّد أفضل من الكثير الملحون أو غير السليم(7/493)
قراءة القرآن فى المواصلات العامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قراءة القرآن فى المواصلات العامة ؟
An قراءة القرآن فى أى مكان طاهر محترم لا حرج فيها مطلقا، إذا قصد بها ذكر الله والتعبد ورجاء الثواب من الله سبحانه ، أو التعليم للغير كيفية التلاوة أو أحكام القرآن وهدايته ، ويدل على ذلك إطلاق قوله تعالى :
{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} آل عمران : 191 .
وإطلاق قوله : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا "وسبحوه بُكرة وأصيلاً} الأحزاب : 41 ، 42 .
والقرآن أشرف الذكر، وذلك إلى جانب ما ورد من الحث على قراءة القرآن .
وإنما الممنوع أن يُتخذ القرآن وسيلة للاستجداء واستدرار عطف الناس ، وبخاصة ما يكون عليه المستجدى من هيئة مبتذلة كأنها عنوان للقراء أو المشتغلين بالدين عامة .
وعلى هذا يحمل قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد " اقرؤوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " قال الهيثمى : رجاله ثقات ، وقال ابن حجر فى الفتح : سنده قوى . كما رواه الطبرانى والبيهقى أيضا ، وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه ، كما فُسر بالاستجداء به والتسول .
ويجب العمل على إزالة هذه المظاهر وغيرها من مظاهر التسول ، فهى صورة سيئة للإسلام ، وإغراء بالكسل وعدم البحث عن العمل الجاد الشريف .
أما العاجزون فتجب رعايتهم بما يكفل لهم العيش الكريم ، وتلك مسئولية المجتمع كله والأجهزة المخصصة لذلك(7/494)
التغنى بالقرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فانه سيجىء أقوام من بعدى يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم "
An هذا الحديث موجود فى مقدمة تفسير القرطبى "ج 1 ص 17 " ذكره الحافظ أبو الحسن رزين وأبو عبد اللّه الترمذى الحكيم فى " نوادر الأصول " ولم يذكر درجته من الصحة وغيرها ، وهو على كل حال ينهى عن التغنى بالقرآن بما يخرجه عن أصول التلاوة الصحيحة ، ويجعله كالأغانى التى يرددها المغنون والتى فيها ترجيع وتطريب يهمز فيه ما لا يهمز، ويمد ما لا يمد ، وتصير الألف الواحدة ألفات ، والواو الواحدة واوات ، كما وضحه القرطبى، ونعى على كثير من قراء اليوم الذين يخرجون بالقرآن عن أصول القراءة العربية المتلقاة عن النبى صلى الله عليه وسلم(7/495)
حمل المصحف المسجل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q عندى شرائط مسجلة عليها سور من القرآن الكريم ، هل يجوز لى أن أحملها أو أمسها وأنا غير متطهر ؟
An اتفق جمهور الفقهاء على عدم جواز حمل المصحف ومسه بدون طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، استنادا إلى قوله تعالى { لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 79 ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه النسائى وغيره ، وقال ابن عبد البر: إنه أشبه بالمتواتر لتلقى الناس له بالقبول .
وهذا فى القرآن المكتوب ، أما المسجل على أشرطة أو أسطوانات فإنه مكتوب بطريقة حديثة لم تكن معروفة من قبل ، فهو يسمع ولا يقرأ، لأنه ليس بحروف يمكن أن ترى ويفطن لها ليعلم ما تدل عليه إلا بإعادة سماعها ، وإذا كان القرآن الذى يسمع من الأشرطة له الحكم فى الإنصات له وتدبره ، غير أن الشريط نفسه لا يطلق عليه عرفا أنه كتاب ولم يكن العرب يعرفونه حتى يدخلوه تحت اسم الكتاب ، ولهذا أرجح أنه لا يحرم مسه ولا حمله بدون طهارة ، وإن كانت الطهارة أكمل ، واحترام الشريط فى حد ذاته راجع إلى نية الإنسان وتحديد موقفه منه وعلى كل حال فالاحتياط أفضل(7/496)
النظر فى المصحف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النظر فى المصحف عبادة ؟
An روى أبو داود فى ضمن حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم " النظر فى المصحف عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة " وروى الطبرانى والبيهقى حديثا فيه " قراءة الرجل فى غير المصحف ألف درجة، وقراءته فى المصحف تضاعف ذلك إلى ألفى درجة" وروى أبو عبيد القاسم بن سلام فى كتابه فضائل القرآن " فضل القرآن نظرا على من قرأه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة" .
وعن ابن عباس: كان عمر إذا دخل البيت نشر المصحف يقرأ فيه .
وعن الشعبى أنه كان يصلى العتمة-العشاء-ويضع المصحف فى يديه فما يطبقه حتى الصبح . وقال أحمد بن حنبل ، كان أبى يقرأ فى كل يوم شيئا من القرآن فى المصحف لا يتركه نظرا .
هذه أحاديث وآثار لا أعرف لها سندا صحيحا ، وكيف نفهم أن عمر كان ينشر المصحف يقرأ فيه ، هل له مصحف خاص ، وكيف كتبه ؟ مع أن المصحف المعتمد الوحيد كان عند حفصة بنته ، ومنه عملت نسخ فى عهد عثمان .
المهم أن هذه الآثار ترغب فى تلاوة القرآن ، وتبين فضل النظر فى المصحف ، ولكن الفضل ليس لمجرد النظر، بل للقراءة. ومن هنا اختلف العلماء : هل القراءة من الحفظ أفضل أم من النظر فى المصحف ؟ قال النووى فى كتابه " الأذكار ص 111 " : قراءة القرآن فى المصحف أفضل من حفظه ، هكذا قال أصحابنا ، وهو مشهور عن السلف رضى الله عنهم . وهذا ليس على إطلاقه ، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل ، وإن استويا فمن المصحف أفضل ، وهذا مراد السلف ، انتهى .
ولم يستند النووى إلى حديث مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، وهذا يدل على أن الوارد لا يعتمد عليه فى حكم النظر إلى المصحف(7/497)
تبديل الأرض والسماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار } إبراهيم : 48
An تبديل الأرض والسماوات يكون يوم القيامة، وقيل : إن المراد تبديل الصفات لا تبديل الذوات ، بمعنى أن تبديل الأرض يكون بمدها أو بسطها كالأديم . وتبديل السماوات يكون بتكوير شمسها وقمرها وتناثر نجومها .
وقيل : يكون التبديل بتبديل ذواتها أى إزالتها ، وصححه القرطبى فى تفسيره ، حيث يخلق الله أرضا أخرى ليحشر عليها الناس . ففى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النَّقِىِّ، ليس فيها عَلَم لأحد" والنقى هو الدقيق الأبيض كما فى نهاية ابن الأثير .
وقال ابن مسعود : تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة، وقال على رضى الله عنه : تبدل الأرض فضة والسماء ذهبا .
هذه بعض أقوال المفسرين ، وفى الكتب متسع لمن أراد ، وما جاء فى الأحاديث الصحيحة أفضل فى التفسير(7/498)
تفسير " إنا عرضنا الأمانة "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو تفسير قوله تعالى { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } الأحزاب : 72
An فى تفسير هذه الآية كلام كثير، وبخاصة فى بيان المقصود من الأمانة ، لكن الجمهور على أن الأمانة تعم جميع التكاليف الشرعية، عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال : إن أدوها أثابهم ، وإن ضيعوها عذبهم ، فكرهوا ذلك وأشفقوا ، ليس معصية للّه ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا به .
ويروى فى ذلك أثر عن الترمذى الحكيم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى لآدم : يا آدم إنى عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت حاملها بما فيها؟ فقال : وما فيها يا رب العالمين ؟ قال : إن حملتها أُجرت ، وإن ضيعتها عُذِّبت . فاحتملها بما فيها، فلم يلبث فى الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها" .
فالأمانة هى التكاليف ، وترتب الثواب على أدائها والعقاب على تضييعها لا بد له من حرية واختيار والمخلوقات غير الإنسان ليست لها هذه الحرية، فهى مسيرة بقوانين ثابتة لا تملك الخروج عليها، ولا تتحقق بها الطاعة والمعصية . ومن هنا كان الإنسان أصلح المخلوقات للعيش على الأرض ، ومتناسبا مع ما فيها من ماديات ومعنويات متقابلة بالتضاد أو التناقض . وهذا تكريم من الله للإنسان حيث اختاره لحمل هذه الأمانة .
وليس قوله { إنه كان ظلوما جهولا } نقضا لهذا التكريم ، فإن مجرد استعداده لتلقى التكاليف دون غيره من المخلوقات هو مناط التكريم ، وكونه يفى بالعهد أو ينقض هو مظهر من مظاهر الاستعداد الذى ليس لغيره . فهو ظلوم إن تعدى حدود التكليف وهو يعلم بها ، وجهول إن كان لا يعلمها وعنده أمانة العقل الذى يهديه إلى علمها ، وليس هناك كائن غير الإنسان يوصف بالظلم والجهل ، لأنه لا يعرف حدا يقف عنده . وما وصف الإنسان بالظلم والجهل إلا لأنه يصح أن يوصف بضدهما من العدل والعلم كما قال المحققون . هذا بعض ما قيل فى تفسير الآية ، ولعل فيه الكفاية .
"انظر صفحة 539 من المجلد"(7/499)
يا أخت هارون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بقوله تعالى { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيَّا} مريم : 28
An السيدة مريم عليها السلام لما حملت بأمر ربها بعيسى عليه السلام وولدت اتهمها الناس بالفاحشة ، وتعجبوا كيف تقع فيها وهى من نسل طاهر من جهة الأب والأم ، وقولهم لها " يا أخت هارون " معناه يا شبيهة الرجل الصالح المعروف فى زمانهم بالطهر والعفاف ، واسمه هارون .
وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين .
والأقوال فى ذلك كثيرة ذكرها المفسرون ، ولكن أقربها إلى الصحة هو ما ذكرته . فقد روى مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألونى، فقالوا : إنكم تقرؤون { يا أخت هارون } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال : "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم "(7/500)
تفسير " ما منعك ألا تسجد "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى لإبليس حين امتنع عن السجود لآدم {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } المعنى الظاهر من هذا التعبير أن إبليس سجد ، والله يسأله عن السبب فى عدم السجود . نريد توضيح المعنى ؟
An قال المفسرون إن لفظ "لا" زائد، والمعنى ما منعك أن تسجد، كما جاء فى موضع آخر{ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى } ص :75 ، واستشهد القرطبى على زيادة "لا" بقول الشاعر :
أبَى جوده لا البخل فاستعجلت به نَعَمْ من فتى لا يمنع الجود نائله والمعنى أبى جوده البخل . فزاد "لا" . وقيل : ليست زائدة، فإن المنع فيه طرف من القول والدعاء ، فكأنه قال : من قال لك ألا تسجد؟ أو من دعاك إلى ألا تسجد؟ كما تقول : قد قلت لك ألا تفعل كذا . وقيل :
فى الكلام حذف ، والتقدير : ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألا تسجد . انتهى .
هكذا خرجوا اللفظ على المعنى الصحيح ، ولو حذفت "لا" لكان المعنى واضحا كما حذفت فى سورة "ص "لكن تواتر القرآن بالتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه "لا" فى هذه الآية. ولو كان القرآن عرضة لحذف شىء من نص ليلتئم ويتفق مع نص آخر لحذفوا هذا الحرف الزائد، ولكن أبقوا عليه كما أُنزل وحاولوا -على قواعد اللغة العربية التى نزل بها - أن يوفقوا بينه -. وبين النصوص الأخرى ، وهو دليل على حرص الصحابة والتابعين ومن بعدهم على نقل القرآن الكريم كما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم(8/1)
ومن لم يحكم بما أنزل الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة : 44 ، وفى الآية التى بعدها { فأولئك هم الظالمون } و فى الآية رقم 47 { فأولئك هم الفاسقون } فهل تصدق هذه الآيات على الذين يحكمون بقوانين وضعية ؟
An هذا الموضوع مستوفى فى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " والحكم بغير ما أنزل اللّه ليس قاصرا على الحكام والقضاة، وإنما هو شامل لكل إنسان يعطى حكما لأى شىء غير حكم اللّه ، سواء فى فتوى أو قضاء أو غير ذلك ، كالذى يشرب الخمر ويقول إنها حلال ، ويتعامل بالربا ويقول إنه حلال وهكذا .
وإذا كان الحكم على من لم يحكم بما أنزل اللّه بأنه كافر أو ظالم أو فاسق ، فهو حكم صادق ، لأن الفسق خروج عن المشروع ، وكذلك الظلم تجاوز للحد المشروع ، والكفر تجاوز الإيمان إلى غير الإيمان . وإن رأى بعض المفسرين أن الحكم بالكفر يكون على من أنكر حكم اللّه أو استهزأ به ، وهو مناسب فى الآية الأولى لرفض اليهود حكم الله فى التوراة ، وأن الحكم بالظلم يكون على من تجاوز القصاص فى الأمور التى ذكرتها الآية { النفس بالنفس والعين بالعين} إلى آخره ، والظلم واضح فى ذلك . وأن الحكم بالفسق على أهل الإنجيل يشمل الكفر عند إنكار حكم الله ويشمل الظلم عند تجاوز الحد .
ومهما يكن من شىء فإن كلام المفسرين فى هذه الآيات كثير ، ويلتقى كله على أن إنكار حكم الله أو الاستهزاء به كفر، وأن عدم الإنكار وعدم الاستهزاء مع تجاوز الحد فى التطبيق أو التقصير ليس كفرا وإنما يكون ظلما ويكون فسقا .
وعليه فإنه لا يصح أن يتعجل بالحكم بالكفر على من لم يحكم بشريعة اللّه فردا أو جماعة أو دولة إلا بعد التأكد من أن ترك حكم الله كان عن إنكار له أو استهزاء به ، وذلك أمر باطنى لا يصرح به غالبا، فإن صرح به دون تأويل جاز الحكم بالكفر، وإن لم يعلم ذلك على وجه اليقين فالواجب هو عدم الحكم بالكفر، والحديث يقول : " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه مسلم بعبارات متقاربة .
وإليك نماذج من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين ، وتتفق كلها مع ما تقدم ، ومع ما هو مسطر فى " بيان للناس " .
ذكر الفخر الرازى المتوفى سنة 606 خمسة أجوبة ارتضى منها ما قاله عكرمة من أن الحكم بالكفر يكون عند الجحد والإنكار، أما المؤمن بحكم الله لكنه خالفه فهو عاص ، وقال : إن الكفر يكون بالتقصير فى حق الله ، أما الظلم فهو تقصير فى حق النفس . وذكر البيضاوى المتوفى سنة685 هـ ما نصه : فكفرهم لإنكاره ، وظلمهم بالحكم على خلافه ، وفسقهم بالخروج عنه .
وقال الزمخشرى المتوفى سنة 528 هـ : من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر-يعنى به -فهو ظالم فاسق .
وقال الآلوسى المتوفى سنة 1270 هـ : ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاثة باعتبارات مختلفة ، فلإنكارهم ذلك وُصِفُوا بالكافرين ، ولوضعهم الحكم فى غير موضعه وُصِفوا بالظالمين ، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين(8/2)
ضلال الآخرين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ؟ .
وهل من الحديث ما يقال : " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " وهل تناقض بين الآية والحديث ؟
An هذه الآية تنص على أن الإنسان لا يتحمل وزر غيره إذا كان هو مهتديا لكن الاهتداء لا يكون إلا بالقيام بالواجبات ومنها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فالسكوت على المنكر ممنوع ولابد من تغييره بإحدى الوسائل الممكنة ، ففى الحديث الشريف " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " فمن لم ينكر المنكر لا يكون مهتديا ، والإنكار يتفق مع الحديث " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " . فلا يوجد تناقض بين الآية والحديث ، ويوضح هذا ما رواه أبو داود والترمذى وغيرهما عن قيس قال : خطبنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال : إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها :
{ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفُسكُم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } المائدة : 155 وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده " وهو حديث حسن صحيح .
وروى أبو داود والترمذى وغيرهما عن أبى أمية الشعبانى قال : أتيت أبا ثعلبة الخشنى فقلت له : كيف تصنع بهذه الآية ؟ فقال : أية آية؟ قلت :
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } قال : أما واللّه لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم " .
والكلام كثير فى هذا الموضوع .
وخلاصته : أنه لابد من الاهتمام بأمر المسلمين ، ومنه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا فعل ذلك فقد اهتدى ، وبالتالى لا يقع عليه وزر من ضلوا الطريق(8/3)
الفتح والذنب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى { إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } الفتح : 1 .
وماذا كان هذا الفتح ، والذنب الذى تأخر وتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم ؟
An الفتح المذكور فى الآية هو صلح الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة لأنه كان مقدمة لفتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة ، وهو قول كثير من المفسرين .
والذنب الذى غفره الله للرسول مختلف فيه كثيرا ، فالمتقدم منه ما كان قبل الرسالة ، والمتأخر ما كان بعدها ، أو المتقدم ما كان قبل الفتح والمتأخر ما كان بعده .
والكلام كثير فى وقوع الذنب من الرسول .
فالإجماع على أن الكبائر لم تقع منه أو من الرسل الآخرين بعد تشريفهم بالرسالة ، أما الصغائر فقيل تقع منهم بشرط ألا تكون فيها خسة لا تليق بمقامهم .
وقيل : إن ما يقع منهم هو صورة الذنب وليس ذنبا، بل هو من باب :
حسنات الأبرار سيئات المقربين .
والمهم هو بيان الربط بين الفتح والمغفرة للذنوب وأثرها فى نفس الرسول .
وقد ثبت أن الرسول فرح بنزول هذه الآية ، كما رواه الترمذى بسند حسن صحيح عن أنس قال : أنزلت على النبى-صلى الله عليه وسلم- {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}. مرجعه من الحديبية فقال : " لقد أُنزلت علىَّ آية أحب إلىَّ مما على وجه الأرض " ثم قرأها .
وفى الربط بين الفتح والمغفرة قال الزمخشرى : لم يجعل الفتح علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدَّد من الأمور الأربعة وهى : المغفرة، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز، كأنه قال :
يَسَّرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل .
ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببًا للغفران والثواب .
ويكفى هذا القدر، ومن أراد الزيادة فعليه بكتب التفسير(8/4)
حياة أهل الكهف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كان أصحاب الكهف فى حالة نوم أو حالة موت ؟
An أصحاب الكهف كانوا فى حالة نوم ، وليسوا فى حالة موت ، بدليل قوله تعالى { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } الكهف : 18 والتقليب لا يكون للميت بل للحى . وقوله تعالى : {لو اطَّلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولَمُلئت منهم رُعبا} الكهف : 18 والعادة أن الإنسان لا يخاف ولا يفر إذا رأى أمواتا ، بل ذلك يكون عند تغير هيئتهم المعتادة، بمثل طول شعورهم وأظفارهم ، وهذا من علامات الحياة لا الموت .
وقد قال الله تعالى فى أول قصتهم { فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا} الكهف : 11 .
يقول القرطبى : عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم ، وهذه من فصيحات القرآن التى أقرَّ العرب بالقصور عن الإتيان بمثله . قال الزجاج : أى منعناهم من أن يسمعوا ، فإن ، النائم إذا سمع انتبه ، وقوله تعالى {ثم بعثناهم } لا يلزم منه أن يكون البعث بعد موت ، فقد يكون من نوم ، وهو أشبه بالموت ، وجاء ذلك فى مثل قوله تعالى : { وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليُقْضَى أجلٌ مسمى} الأنعام : 60(8/5)
وضع المصحف مع الميت فى القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يرى بعض الناس أن وضع المصحف مع الميت فى القبر يشفع له ، فهل هذا صحيح ؟
An ليس صحيحا أن مجرد وضع المصحف مع الميت يشفع له ، فإن وضعه ليس من عمله وإنما هو من عمل غيره ، والميت ينفعه عمله هو ويشفع له عند الله ، وكذلك ينفعه عمل غيره مما نص عليه الدين ، وهو الدعاء له ، والصدقة عليه ، وهبة القربات من الصلاة النافلة والصيام وقراءة القرآن والحج والعمرة .
وأما وضع المصحف معه فلن يشفع له ، وهو غير جائز، لأن المصحف متعرض للتلوث ، وذلك لا يجوز(8/6)
الباقيات الصالحات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الباقيات الصالحات الواردة فى قوله تعالى {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } الكهف : 46 ؟
An الباقيات الصالحات هى الأعمال الصالحة التى يكون لها ثواب فى الآخرة، فهى كالشجرة المثمرة التى تبقى ثمرتها بعد انتهاء هذه الدنيا .
جاء فى تفسير القرطبى أن العلماء اختلفوا فى المراد بهذه الأعمال الصالحة على أقوال كثيرة ، فقيل هى الصلوات الخمس ، وقيل : كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، وهو الصحيح . وقال الجمهور: هى سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا الله واللّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم ، كما أخرجه مالك فى الموطأ، ووردت فى هذا الذكر آثار كثيرة تؤكد أنها المراد من الباقيات الصالحات منها حديث "استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل : وما هن يا رسول اللّه ؟ قال "التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله " رواه أحمد وأبو يعلى والنسائى واللفظ له ، وابن حبان فى صحيحه ، والحاكم وصححه . وحديث "خذوا جُنَّتكم " قالوا : يا رسول اللّه : عَدوٌّ حضر؟ قال " لا ، ولكن جُنتكم من النار، قولوا سبحان الله والحمد للّه ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مجنَّبات ومعقبات ، وهن الباقيات الصالحات " رواه النسائى والحاكم والبيهقى ، والجُنَّة ما يستر ويقى ، ومعنى المجنَّبات : المتقدمات أمامكم ، وفى رواية منْجيات ، وفى رواية للطبرانى بإسناد جيد الجمع بين اللفظين "مجنبات ومنجيات" ومعنى معقبات تأتى من ورائكم . والمراد أن هذه الكلمات تكون حارسة يوم القيامة للإنسان من خلفه ومن أمامه .
وجاءت أحاديث كثيرة فى فضل هذا الذكر أو بعضه يرجع إليه فى "الترغيب والترهيب " للحافظ المنذرى ج 2 ص 165 وما بعدها(8/7)
الطيبات للطيبين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد بقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } النور: 26 ؟
An هذه الآية مختلف فى تفسيرها، فقيل : المعنى أن الكلمات الخبيثة تكون للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال يستحقون الخبيثات من الكلام .
وكذلك يقال فى الطيبين والطيبات .
وقيل فى معناها أن النساء الخبيثات لائقات للخبيثين من الرجال ، أى يملن إلى الزواج منهم أو مصاحبتهم ، وكذلك الخبيثون من الرجال لائقون للخبيثات من النساء أى يميلون إلى الزواج منهن أو مصاحبتهن ، وكذلك يقال فى الطيبين والطيبات .
على حد المثل القائل : إن الطيور على أشكالها تقع .
وهذه الآية جاءت إثر الحديث عن اتهام بعض الناس للسيدة عائشة رضى الله عنها بالإفك ، فهى طيبة لا يليق وصفها إلا بالطيب من الأوصاف ، وكذلك لا يبحث عنها ويتزوجها إلا الطيبون من الرجال .
فالآية إما حديث عن طبائع الناس ، وإما تشريع فى صيانة الألسنة عن الاتهامات الكاذبة ، والبحث فى الزواج عن الدين والخلق(8/8)
حياتان وموتتان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحببتنا اثنتين } غافر : 11 ؟
An قال المفسرون : الموتتان هما :
الأولى : ما قبل خلقهم وتكوينهم فى بطون أمهاتهم .
والثانية : خروج الروح بعد الحياة .
أما الحياتان :
فالأولى : بنفخ الروح فى الجنين .
والثانية : بالبعث يوم القيامة ، وقيل غير ذلك . وكله اجتهاد .
وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد(8/9)
كتابة القرآن للشفاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن تكتب بعض آيات القرآن يعلقها المريض أو يمحوها بالماء من أجل الشفاء ؟
An أما أن القرآن شفاء فذلك أمر لا شك فيه ، قال تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } الإسراء : 82 ، وقال {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور } يونس : 57 .
وقد حمل كثير من العلماء الشفاء على ما يعم الشفاء من الأمراض العقلية والنفسية والخلقية والجسمية، حيث لا يوجد ما يمنع ذلك .
فهو يصحح الفكر والعقيدة ، ويهذب النفس ويمنحها الأمن والطمأنينة ، ويقوم السلوك بالأخلاق الحميدة ، ويزيل العلل والأمراض التى تعترى الأجساد .
وقد روى البخارى ومسلم حكاية سيد الحى الذى لُدغ ، ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب فشفاه اللّه ، وأخذوا على ذلك أجرا أقرهم عليه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى " والحديث بطوله موجود فى زاد المعاد لابن القيم "ج 3 ص 121 " وذكر أن ابن ماجه روى فى سننه من حديث على قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الدواء القرآن " ووضح تأثير العلاج بالقرآن توضيحا كبيرا يمكن الرجوع إليه .
وقال بعض العلماء : إن المراد بشفاء القرآن هو ما عدا شفاء الأجسام ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن لكل داء دواء إلا الموت أو إلا الهرم ، وأمر بالتداوى ، عند المختصين كالحارث بن كلدة ، وعالج بالفصد والحجامة وشرب العسل وبغير ذلك مما وضحه ابن القيم فى كتاب الطب النبوى .
والحق أن علاج الأمراض البدنية مطلوب عند المختصين ، والقرآن هو الذى أرشد إلى ذلك بسؤال أهل الذكر، وبالأمر بالتعلم والإفادة . مع الإيمان بفاعليته فى العلاج الفكرى والنفسى ، وقد ذكر السيوطى فى "الإتقان "ج 2 ص 163 طرفا من خواص القرآن فى العلاج العام ، وأورد حديث ابن ماجه عن ابن مسعود "عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " وحديث اللديغ سيد الحى وعلاجه بفاتحة الكتاب الذى رواه البخارى ومسلم ، وذكر حديث الطبرانى عن على قال : لَدَغَتْ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عقربٌ ، فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ : قل يا أيها الكافرون والمعوذتين .
ثم ذكر السيوطى أن النووى قال فى شرح المهذب : لو كتب القرآن فى إناء ثم غسله وسقاه المريض فقال الحسن البصرى ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعى :
لا بأس به ، وكرهه النخعى، قال : ومقتضى مذهبنا - الشافعية - أنه لا بأس به . قال الزركشى : وممن صرح بالجواز فى مسألة الإناء العماد النيهى، مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية ، لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا ، لأنه يلاقى نجاسة الباطن . وفيه نظر .
هذا ما نقل عن العلماء فى جواز العلاج بالقرآن قراءة من الجواز، فهو نافع إن شاء اللّه وبخاصة إذا كان القارئ صالحا ترجى بركته ، أو دعا اللّه بعد قراءة القرآن فقد يستجيب الله الدعاء، وقد رأينا أن النبى صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب أخذ بالوسائل المادية مع قراءة القرآن .
ورأينا اختلاف العلماء فى كتابة القرآن ومحوه بالماء وشربه للاستشفاء ما بين مجيز ومانع ، مع تحرزهم من تعرض القرآن للنجاسة أو الإهانة(8/10)
الشيعة والقرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا أن من فرق الشيعة من تدعى أن القرآن الموجود الآن فى المصاحف ناقص ، حذف منه ما يخص عليّا وذريته ، نريد توضيحا لذلك ؟
An نزل القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان يأمر كتَّابه بتدوين ما ينزل ، على مدى ثلاثة وعشرين عاما ، وحُفظ هذا المكتوب ونسخت منه عدة نسخ فى أيام عثمان بن عفان ، رضى اللّه عنه ، ثم طبعت المصاحف المنتشرة فى العالم كله طبق المصحف الإمام الذى كان عند عثمان والنسخ التى أخذت منه .
والشيعة يزعمون أن أبا بكر وعمر بالذات حذفا من المصحف آيات كثيرة، منها عدد كبير يتصل بخلافة على رضى اللّه عنه ، ويزعمون أن المصحف الكامل كتبه على بعد انتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى .
جاء فى كتاب "الأنوار النعمانية " لمحدثهم وفقيههم الكبير "نعمة الله الموسوى الجزائرى "ما نصه : إنه قد استفاض فى الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام ، بوصية من النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فبقى بعد موته ستة أشهر مشتغلا بجمعه ، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله فقال : هذا كتاب الله كما أنزل . فقال له عمر بن الخطاب : لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك .
فقال لهم على عليه السلام : لن تروه بعد هذا اليوم ، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدى المهدى عليه السلام ... وفى ذلك القرآن زيادات كثيرة ، وهو خال من التحريف .
ولكثير من علمائهم تآليف تثبت أن القرآن الموجود بيننا ناقص ومحرف، وأن المصحف الصحيح الكامل سيظهر آخر الزمان مع المهدى المنتظر، ولم يتح لنا الاطلاع على هذا المصحف ، وينقلون هم أشياء يدَّعون أنها فيه . وأكثرها خاص بآل البيت وإمامة على .
ومن أمثلة التحريف فى زعمهم أن آية {وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } البقرة : 23 ، نزل بها جبريل على محمد هكذا "وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فى على فأتوا بسورة من مثله " .
ونقل فى "أصول الكافى" عن إمامهم جعفر الصادق أنه أقسم بالله أن آية {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما} طه : 115 ، نزلت هكذا "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فى محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسى " .
وجاء فى كتاب "أصول الكافى" وهو أصح الكتب عند الشيعة أن القرآن الذى جاء به جبريل سبعة عشر ألف آية . وقال القزوينى شارح كتاب أصول الكافى الذى نسب هذا الكلام لجعفر الصادق : إن الغرض بيان أنه حذف من أصل القرآن شىء كثير، الذى لا يوجد فى نسخ القرآن المشهورة .
وفى كتاب "الاحتجاج " المعتمد عند الشيعة ، لفقيههم أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسى فى القرن الخامس : أن آية سورة النساء "رقم 3" {وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ...} لا يوجد الربط فيها بين الشرط والجزاء، فقد أسقط المنافقون "هكذا" أكثر من ثلث القرآن .
هذا ، وقد رأيت فى رسالة للسيد/ محب الدين الخطيب ، عنوانها "الخطوط العريضة للأسس التى قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية" التى طبعت أكثر من مرة منذ سنة 1380 هـ : أن الأستاذ محمد على سعودى الذى كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، ومن خواص الشيخ محمد عبده -اطلع على مصحف إيرانى مخطوط عند المستشرق "برامين" فنقل منه سورة بعنوان "سورة الولاية " مذكور فيها ولاية على، ونص صفحتها الأولى "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبى وبالولى اللذين بعثناهم يهديانكما إلى صراط مستقيم . نبى وولى بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير. إن الذين يوفون بعهد اللّه لهم جنات النعيم ... والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين . فإن لهم فى جهنم مقاما عظيما إذا نودى لهم يوم القيامة : أين الظالمون المكذبون للمرسلين . ما خالفتم المرسلين إلا بالحق وما كان اللّه ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك ، وعلىٌّ من الشاهدين " .
وهذه السورة أثبتها الطبرسى فى كتابه "فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " وثابتة أيضا فى كتابهم "دبستان مذاهب" باللغة الإيرانية ، لمؤلفه "محسن فانى الكشميرى " ونقل عنه هذه السورة المكذوبة المستشرق "نولدكه " فى كتابه "تاريخ المصاحف " ج 2 ص 102 ، ونشرتها الجريدة الأسيوية الفرنسية سنة 1842 م "ص 431 - 439 " .
وبعد ، فالموضوع واسع يحتاج إلى الاطلاع على كتبهم ، وحسبنا أن نقرر أن علماء السنة ردوا على مزاعمهم ، والمقام لا يتسع لأكثر من هذا ، ويمكن الرجوع إلى كتاب "الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة" ورسالة رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسى " المطبوعة بالقاهرة بمطبعة دار العلوم ، شارع حسين حجازى " قصر العينى" على نفقة مجلس علماء باكستان بلاهور، ونشرة بعنوان : موقف العلماء المسلمين من الخمينى والاثنى عشرية .
تأليف الشيخ محمد منظور النعمانى ، من "لكهنو" بالهند(8/11)
إهلاك القرى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو تفسير قوله تعالى {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك فى الكتاب مسطورا } الإسراء :
58 ؟ وهل المقصود فى الآية قرية معينة ؟
An ليس المراد فى هذه الآية قرية بعينها ، فإنها-كما يقول العلماء - نكرة فى سياق النفى فتعمّ -أى لا توجد قرية إلا والله سيهلكها قبل يوم القيامة، جاء فى تفسير القرطبى عن مقاتل : أن هلاك القرية الصالحة يكون بالموت ، والقرية الطالحة يكون بالعذاب .
وقيل : المراد بالقرية هى الظالمة، ويقوى ذلك قوله تعالى {وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون } القصص : 59 أى فليتق المشركون ربهم فإنه ما من قرية كافرة إلا سيحل بها العذاب ، والعذاب إما إبادة كاملة وإما مصائب ومتاعب شديدة ، كان ذلك مسطورا أى مكتوبا فى اللوح المحفوظ ، قال تعالى {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين . وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون } القصص : 58،59(8/12)
القرية حاضرة البحر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى القرية التى قال الله عنها : إنها حاضرة البحر ؟
An قال الله تعالى {واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } الأعراف : 163 .
هذه الآية من ضمن الآيات التى تحدثت عن بنى إسرائيل وتمردهم على أوامر اللّه وعصيانهم لتوجيه أنبيائهم ، تأمر هذه الآية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود الموجودين معه فى المدينة سؤال تذكير لهم بما حدث لآبائهم الذين ورثوا عنهم الصفات والأساليب التى يعاملونه بها .
فقد حدث أن سكان قرية ساحلية اختلف فى تعيينها على أقوال كثيرة ، منها أنها أيلة أو مدين أو طبرية أو غيرها - خالفوا أمر اللّه بتحريم اصطياد السمك يوم السبت ، ومن أجل اختبارهم لإظهار مدى امتثالهم لأمر اللّه جعل اللّه الحيتان كثيرة فى هذا اليوم وفى متناول أيديهم ، ليسهل عليهم صيدها {شرَّعًا} ظاهرة رافعة رءوسها، بخلاف الأيام الأخرى غير يوم السبت ، وهو معنى قوله {لا يسبتون} حيث تكون قليلة تحتاج إلى جهد لصيدها ، فلم تطاوعهم أنفسهم أن يتركوها، فاصطادوها غير مبالين بنهى الله عن صيدها .
وقيل : تحايلوا على صيدها فى اليوم التالى، وذلك بحبسها فى حياض عند تكاثرها يوم السبت ، حتى إذا جاء يوم الأحد أخذوها .
وهذه صورة من صور كثيرة تحايلوا بها على تحقيق أغراضهم بشىء حرمه اللّه عليهم ، كما حرم عليهم شحوم الذبائح -وهى عادة تكون متماسكة جامدة كاللحم - فأذابوها لتصير سائلا وتتحول عن حالتها الأولى ، وقد ابتلاهم اللّه بمثل هذه التكاليف لأنهم قوم فاسقون عاصون لله(8/13)
الجمع بين القراءات فى آن واحد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز قراءة آية أو سورة بقراءات مختلفة فى آن واحد ؟
An جاء فى كتاب "منجد المقرئين "لابن الجزرى "ص 14"قال الإمام محيى الدين النووى : إذا ابتدأ-يعنى القارئ -بقراءة أحد القراء فينبغى ألا يزال على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا ، فإذا انقض ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى من السبعة ، والأولى دوامه على الأولى فى هذا المجلس . وقال أبو عمرو بن الصلاح فى آخر جوابه عن السؤال الذى ورد من العجم : وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغى ألا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام تعلق بما ابتدأ به ، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع .
يؤخذ من هذا أن جمع القراءات فى مجلس واحد مكروه فى الكلام المرتبط بعضه ببعض ، فإذا لم يكن ارتباط جازت قراءة آية تامة المعنى بقراءة ، وقراءة غيرها بقراءة أخرى، ولا يستحسن العلماء جمع أكثر من قراءة فى كلمة واحدة يرددها بحسب القراءة الواردة فيها، وأكثر ما يحمل على ذلك إظهار القارئ براعته طلبا لاستحسان السامعين لما يريد أن يحققه من وراء ذلك ، وبخاصة إذا كان حسن الصوت ، أو يريد أن يغطى على عدم حلاوة صوته بمعرفته لكل القراءات ، والأعمال بالنيات(8/14)
قراءة غير مشروعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأ بعض الناس قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} برفع لفظ الجلالة، وقال إن المعنى صحيح ، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An قال تعالى فى سورة فاطر: 28 {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء} والمعنى الصحيح أن العلماء بما خلق الله فى الكون من المطر والنبات والجبال والناس والحيوانات وغيرها ، يصلون بعلمهم المتعمق والمنصف إلى الإيمان بالله ويخشون الكفر به وعصيانه فيما أمر به ونهى عنه .
فالعلماء يخشون الله . وإعراب الجملة المذكورة فى السؤال هو أن لفظ الجلالة "الله " فى موقع المفعول به فينصب ، ولفظ "العلماءُ" فى موقع الفاعل فيرفع ، والمعتاد أن يتقدم الفاعل على المفعول ، والتأخير فى هذا الموضع له ما يبرره ، وتحدث العلماء فى بيانه ، وليس محل ذلك هنا .
أما القراءة برفع لفظ الجلالة على أنه الفاعل للخشية، ونصب لفظ "العلماء" على أن الله يخشاهم فقد وجهه بعض المفسرين بأن الخشية هنا ليست على حقيقتها، جاء فى تفسير القرطبى أن المعنى إنما يجلهم اللّه ويعظمهم ، كما يجل المهيب المخشى من الرجال بين الناس من بين جميع عباده .
ومع إمكان فهم المعنى برفع لفظ الجلالة، فإن القراءة نفسها غير معترف بها كما يقول علماء القراءات ، على الرغم من أن عمر بن عبد العزيز كان يقرأ بها وحكيت عن أبى حنيفة، كما يقول القرطبى، فلم ترد فى القراءات السبع المشهورة عن الإمام الشاطبى فى "الشاطبية" ولم ترد فى القراءات الثلاث المكملة للسبع المشهورة من طريق "الدرة" لابن الجزرى، كما لم ترد فى القراءات الأربع الشواذ المنسوبة لابن مُحَيْصِن والحسن البصرى والأعشى والمطوى من طريق كتاب "الفوائد المعتبرة فى القراءات الأربع الشواذ " للشيخ المتولى الشهير بالشمس المتولى صاحب كتاب "التحريرات " على "الطيبة" لابن الجزرى(8/15)
رفع القرآن آخر الزمان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح ما يقال : إن القرآن ينزع من الصدور آخر الزمان ، وكيف ذلك واللّه يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } الحجر : 9 ؟
An أخرج ابن ماجه فى سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال "يدرس الإسلام كما يدرس وَشْى الثوب حتى لا يُدْرَى : ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، فَيسْرَى على كتاب اللّه تعالى فى ليلة فلا يبقى منه فى الأرض آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير العجوز، يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله ، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة" .
وجاء عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال : إن هذا القراَن الذى بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم ، فسئل : كيف ينزع منا وقد أثبته اللّه فى قلوبنا وثبتناه فى مصاحفنا؟ فقال : يسرى عليه فى ليلة واحدة فينزع ما فى القلوب ويذهب ما فى المصاحف ويصبح الناس منه فقراء . ثم قرأ {ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} الإسراء : 86 ، أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة وإسناده صحيح "تفسير القرطبى ج 10 ص 325" .
هذه بعض المرويات منها ما هو مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما هو موقوف على ابن مسعود رضى الله عنه ، وطريق الرواية ليس قطعى الثبوت ، وهو على كل حال يدل على أهمية القرآن الكريم ، وعلى العناية بحفظه ومدارسته ويلتقى مع الحديث الصحيح "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم(8/16)
سورة الأنعام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو فضل قراءة سورة الأنعام ،وهل صحيح أنها نزلت كلها مرة واحدة ؟
An فى تفسير ابن كثير حديث رواه الحاكم فى مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم ، أن جابرا رضى اللّه عنه قال : لما نزلت سورة الأنعام سبَّح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم قال "لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سَدَّ الأفق " وروى مثله ابن مردويه عن أنس ، وروى ابن مردويه عن الطبرانى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "نزلت علىَّ سورة الأنعام جملة واحدة، وتبعها سبعون ألفا من الملائكة، لهم زجل بالتسبيح والتحميد " . وجاءت روايات عن ابن عباس أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة .
وفى تفسير القرطبى مثل ذلك وأنها ليست كلها مكية، فقد نزلت آيتان أو ست آيات بالمدينة ، وأن البخارى روى عن ابن عباس قوله :
إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } إلى قوله {وما كانوا مهتدين } ورجح القرطبى أنها نزلت مرة واحدة لأنها كانت فى محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين والمكذبين بالبعث والنشور .
ولم يذكر فى فضل قراءتها أو قراءة شىء منها إلا حديثا ذكره الثعلبى عن جابر مرفوعا "من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكَّل اللّه به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة ، وينزل ملك من السماء السابعة ومعه مِرْزَبَّة من حديد ، فإذا أراد الشيطان أن يوسوس له أو يوحى فى قلبه شيئا ضربه فيكون بينه وبينه سبعون حجابا " فإذا كان يوم القيامة قال اللّه تعالى "أمْشِ فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى، وكُلْ من ثمار جنتى واشرب من ماء الكوثر، واغتسل من ماء السلسبيل ، فأنت عبدى وأنا ربك " .
ومن أجل فضل قراءتها بهذا الحديث الذى لم تعرف درجته ، ومن أجل نزولها فى كوكبة من الملائكة مرة واحدة-حرص بعض الناس على قراءتها على الموتى عدة ليال ، بل حرصوا على قراءتها فى الركعة الأخيرة من التراويح فى الليلة السابعة من شهر رمضان أو غير السابعة، وسئل الإمام النووى عن ذلك ، فقال : لم يثبت نزول الأنعام دفعة واحدة ، ولو ثبت فلا دلالة فيه لهذا الفعل - قراءتها فى التراويح - لأن فيها تطويلا على المأمومين ، وفيها إيهام بأنها سنة ، وينبغى الإنكار على ذلك ، لصحة الأحاديث فى النهى عن محدثات الأمور وفى أن كل بدعة ضلالة، ولم ينقل هذا الفعل عن أحد من السلف وحاشاهم ، واللّه أعلم " المسائل المنثورة للنووى-المسألة رقم 50 " .
بعد هذه النقول عن سورة الأنعام نرى الأحاديث فى فضلها وفى كونها نزلت مرة واحدة لم رد بطريق صحيح ، ومع ذلك لا ننكر فضل قراءة القرآن من أية سورة وبأى قدر، فإن الأحاديث فى ذلك كثيرة ، أما التزامها بالذات على القبر ولأيام معدودة ، فليس عليه دليل معتبر، إلى جانب خلاف الفقهاء فى انتفاع الميت بهذه القراءة أو عدم انتفاعه وقد بينا ذلك فى موضعه(8/17)
الليالى العشر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال تعالى { والفجر . وليال عشر} ما هى هذه الليالى وما هو الفضل الذى امتازت به حتى يقسم اللّه بها ؟
An قال اللّه تعالى فى سورة الفجر {والفجر . وليال عشر } الليالى العشر اختلف فى تعيينها، فقيل هى العشر الأواخر من رمضان كما فى رواية عن ابن عباس ، وقيل العشر الأول من المحرم كما فى رواية أخرى عنه ، وقيل هى العشر الأول من شهر ذى الحجة، وهو القول الراجح ، وقد ذكر القرطبى حديثا عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك .
وقد ورد فى فضلها حديث رواه البخارى يقول صلى الله عليه وسلم " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللّه من هذه الأيام " يعنى العشر الأوائل من ذى الحجة قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل اللّه ؟ قال " ولا الجهاد فى سبيل الله ، إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشىء" وحديث رواه الترمذى ، وقال عنه : غريب ، وفيه كلام : "صيام يوم يعدل صيام سنة، والعمل يضاعف بسبعمائة ضعف " وحديث قال أنس غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم كان يقال فى أيام العشر بكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم . وكلام قاله الأوزاعى-كما رواه البيهقى- : بلغنى أن العمل فى اليوم كقدر غزوة فى سبيل اللّه ، يصام نهارها ويحرس ليلها ، إلا أن يختص امرؤ بشهادة .
وإذا كان العمل فيها بهذه المنزلة العالية ، فما هو نوع العمل ؟ ليس هناك نص يخصص عملا معينا لنيل هذه المنزلة، فكل الطاعات تدخل فى هذا المعنى ، والصيام - وإن كان حديث السيدة عائشة فى صحيح مسلم يقول إنها لم تر النبى صلى الله عليه وسلم صام هذه العشر- فعدم رؤيتها لا ينافى صيامه ، والإجماع على سنية الصيام فيها، وورد فى فضل الذكر بصيغة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر" حديث رواه الطبرانى بإسناد جيد، بل جاء فيمن يريد أن يضحى أنه يسن له عدم قص الشعر والظفر، تشبها إلى حدّ ما بالمحرمين بالنسك ، وأن كل جزء من بدنه يعتق بالأضحية .
ثم يقال : لماذا كان لهذه الأيام هذا الفضل العظيم ؟ قال العلماء : لأنها متصلة بالحج ، وفى نهايتها يوم عرفة، وفضل هذا اليوم عظيم ، وكذلك فضل يوم العيد فهو أعظم حرمة عند الله ، لأن فيه الحج الأكبر، وكذلك من دواعى التفضيل العمل على إشاعة الأمن فى البلاد عامة، لتهيئة الجو للمسافرين والحجاج ، وكذلك لمن خلفوهم وراءهم ، وذلك بالانشغال بالعبادة والذكر، وكذلك هذه الأيام فرصة لأداء كل العبادات من صلاة وصيام وصدقة وحج(8/18)
الأعراب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد تفسير قوله تعالى {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله } التوبة : 17 ؟
An يقول القرطبى فى تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : أن العرب جيل من الناس ، والنسبة إليهم عربى ، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة ، وجاء فى الشعر الفصيح " أعاريب " والنسبة إلى الأعراب أعرابى ، لأنه لا واحد له ، وليس الأعراب جمعا للعرب ، كما كان الأنباط جمعا لنبط ، وإنما العرب اسم جنس ، والعرب العاربة هم الخُلَّص منهم ، والمستعربة هم الذين ليسوا بخُلَّص ، وكذلك المتعربة . والأعرابى إذا قيل له :
يا عربى فرح ، والعربى إذا قيل له يا أعرابى غضب . والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب . وسميت العرب عربا لأن ولد إسماعيل نشأ من عربة وهى من تهامة فنسبوا إليها ، وأقامت قريش بعربة ، وهى مكة ، وانتشر سائر العرب فى جزيرتها .
وقد وصفت الآية الأعراب بأن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر العرب ونفاقهم ، لأنهم أبعد عن معرفة السنن ، ولأنهم أقسى قلبا وأجفى قولا وأغلظ طبعا .
ورتب القرطبى على ذلك أحكاما منها : أن شهادة أهل البادية على أهل الحضر تسقط ولا تقبل ، وأجازها أبو حنيفة ، كما أجازها الشافعى إذا كان الأعرابى عدلا مرضيا ، وهو الصحيح ، ومنها أن إمامة البدوى لأهل الحضر ممنوعة ، يعنى لا يصح أن يكون البدوى إماما فى الصلاة للمأمومين من أهل الحضر، لجهله بالسنة ، وقال مالك : لا يؤم وإن كان أقرأهم ، وقال سفيان الثورى والشافعى وإسحاق وأصحاب الرأى - الحنفية - الصلاة خلف الأعرابى جائزة ، واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة .
يعرف من هذا أن البيئة لها أثر على الإنسان فى عقله وفى سلوكه ، وأن الجامدين على بيئة واحدة يتأخر تطورهم وتغيُّر أحوالهم ، وأن الاختلاط بالبيئات الأخرى يؤثر على الفكر والسلوك ويساعد على التطور ، وكلما كان التطور نحو الأفضل وهو هدى اللّه لعباده كان ممدوحا(8/19)
القرآن كله عربى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : أن القرآن فيه كلمات غير عربية، وهذا يتنافى مع كونه قرآنا عربيا، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An قال تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } إبراهيم : 4 ، وقال { وانه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربى مبين }الشعراء : 192 - 195 وقال { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } يوسف :2 .
تدل هذه الآيات وغيرها على أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية ، لأنها لسان القوم الذين أرسل إليهم النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك ليستطيع أن يبلغ وليستطيعوا أن يفهموا ويتدبروا .
ومعروف أن اللغات تتلاقح فى بعض الألفاظ ، أى يأخذ بعضها من بعض ، بحكم الاتصالات بين الأفراد والجماعات والشعوب ، التى هى ضرورة من ضرورات الحيلة الاجتماعية للبشر، فما يوجد فيها من ألفاظ متحدة قد يكون لانتساب لغتين إلى أصل واحد أو لشئ آخر، وقد يكون نقلا من لغة إلى لغة ، وإذا نقل لفظ واستعمله الناقلون مدة طويلة صار من لغتهم .
فإذا كان فى القرآن الكريم ولغة العرب ألفاظ أصلها غير عربى مثل أباريق وأرائك وإستبرق فقد استعملها العرب وصارت مألوفة لهم ، وأجروا عليها قواعد لغتهم فى الإعراب والاشتقاق والإفراد والتثنية والجمع وغيرها .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 68" أنه لا خلاف بين الأئمة فى أنه ليس فى القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب ، وأن فيه أسماءً أعلاما لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط .
واختلفوا : هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب ؟ فذهب القاضى أبو بكر بن الطيب والطبرى وغيرهما إلى أن ذلك لا يوجد فيه ، وأن القرآن عربى صريح ، وما وجد فيه من الألفاظ التى تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغات عليها فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم .
وذهب بعضهم إلى وجودها فيه ، وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تُخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كونه متكلما بلسان قومه ، فالمشكلة هى الكوة ، ونشأ معناها قام من الليل ، ومنه { إن ناشئة الليل } {يؤتكم كفلين } أى ضعفين ، {فرت من قسورة} أى الأسد، كله بلسان الحبشة . والغساق أى البارد المنتن هو بلسان الترك ، والقسطاس أى الميزان هو بلغة الروم ، والسجيل أى الحجارة والطين هى بلسان الفرس ، والطور أى الجبل ، واليَم أى البحر هما بالسريانية ، والتنور أى وجه الأرض هو بالعجمية .
قال ابن عطية : فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها فى الأصل أعجمية ، لكن استعملتها العرب وعرَّبتها فهى عربية بهذا الوجه .
وقد كان للعرب العاربة التى نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتى قريش ، وسفر بعض الأشخاص إلى بلاد أخرى ، فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها فى أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربى الصحيح ، ووقع بها البيان .
وعلى هذا الحد نزل بها القرآن . فإن جهلها عربى ما فكجهله الصريح بما فى لغة غيره ، كما لم يعرف ابن عباس معنى "فاطر" إلى غير ذلك .
قال ابن عطية : وما ذهب إليه الطبرى رحمه الله من أن اللغتين اتفقتا فى لفظة لفظة فذلك بعيد، بل إحداهما أصل والأخرى فرع من الأكثر، لأنَّا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا .
قال غيره : والأول أصح -أى أن القرآن فيه كلمات أجنبية صارت بعد ذلك عربية - وقوله : هى أصل فى كلام غيرهم دخيلة فى كلامهم ليس بأولى من العكس ، فإن العرب لا يخلو أن تكون تخاطب بها أولا، فإن كان الأول فهى من كلامهم ، إذ لا معنى للغتهم وكلامهم إلا ما كان كذلك عندهم ، ولا يبعد أن يكون غيرهم قد وافقهم على بعض كلماتهم ، وقد قال ذلك الإمام الكبير أبو عبيدة ، فإن . قيل : ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه ، قلنا : ومن سلم لكم أنكم حصرتم أوزانهم حتى تخرجوا هذه منها ؟ فقد بحث القاضى عن أصول أوزان كلام العرب ، ورد هذه الأسماء إليها على الطريقة النحوية .
وأما إن لم تكن العرب تخاطبت بها ولا عرفتها استحال أن يخاطبهم الله بما لا يعرفون : وحينئذ لا يكون القرآن عربيا مبينا ، ولا يكون الرسول مخاطبا لقومه بلسانهم . والله أعلم(8/20)
القراءة بالقراءات الشاذة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يقرا القرآن فى الصلاة بالقراءات الشاذة غير المتعارف عليها ؟
An ذكر السيوطى فى الإتقان (ج 1 ص 80) قول الزركشى أن هناك فرقا بين القرآن والقراءات ، فالقرآن وحى الله المنزل على الرسول للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحى المذكور فى الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما . وذكر أن القراءات السبع متواترة عن الأئمة ، أما تواترها عن النبى صلى الله عليه وسلم ففيه نظر .
ثم ذكر قول أبى شامة عن ظن البعض أن القراءات السبع الموجودة الآن هى التى أريدت فى الحديث "أنزل القران على سبعة أحرف " وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة ، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل .
ثم ذكر ما يفيد أن القراءات المدونة فى الكتب يوجد غيرها .
فقال القراب فى " الشافى" التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر، وأوهم أنه لا يجوز الزيادة على ذلك ، وذلك لم يقل به أحد .
وقال الكواشى : كل ما صح سنده واستقام وجهه فى العربية ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة، ومتى فُقد شرط من الثلاثة فهو من الشاذ .
وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن انحصار القراءات المشهورة فى مثل ما فى التيسير والشاطبية .
قال البغوى : اعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين ، منه ما يخالف رسم المصحف فهذا لا شك فى أنه لا تجوز قراءته لا فى الصلاة ولا فى غيرها، ومنه ما لا يخالف رسم المصحف ولم تشتهر القراءة به وإنما ورد من طريق غريبة لا يعول عليها وهذا يظهر المنع من القراءة به أيضا .
وقال الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 2 ص 245) : إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع ، وعلى أنه لا فرق بينها وبين غيرها إذا وافق وجها عربيا وصح إسناده ، ووافق الرسم ولو احتمالا بما نقلناه عن أئمة القراءتبين لك صحة القراءة فى الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين فى الحديث أو من قراءة غيرهم ، ثم ذكر الشوكانى مخالفة النويرى لهذا الرأى ورد عليه .
والحديث المشار إليه هو ما رواه البخارى وغيره " خذوا القرآن من أربعة" من ابن أم عبد -أى عبد الله بن مسعود وقد بدا به ، ومعاذ بن جبل ، وأبى بن كعب ، وسالم مولى أبى حذيفة .
هذا ما نقلته عن الإتقان ونيل الأوطار، ولعلماء القراءات آراؤهم ، والأمر الخلافى لا يجوز التعصب لأى رأى فيه(8/21)
السائق والشهيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير الآية الكريمة {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } ق :
21 ؟
An هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة حيث يقوم الناس من القبور ويساقون إلى المحشر ويحاسبون .
والقرطبى يقول فى التفسير اختلف فى السائق والشهيد ، فقال ابن عباس :
السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم هو الأيدى والأرجل .
وقال أبو هريرة : السائق الملك والشهيد العمل .
وقال الحسن وقتادة : المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها .
وقال ابن مسلم : السائق قرينها من الشياطين ، سمى سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها .
وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان .
وعن عثمان بن عفان : ملك يسوقها إلى أمر اللّه وشهيد يشهد عليها بعملها .
ورجح القرطبى هذا الرأى ، وساق عليه حديثا لا يعتمد عليه فى العقائد، فهما ملكا الحسنات والسيئات ، واحد يسوقها وواحد يشهد، والآراء الاجتهاية غير ملزمة(8/22)
خطاب الاثنين لواحد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو توضيح الخطاب فى قوله الله تعالى { ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد} ق : 24 ؟
An فى هذه الآية الكريمة خطاب للواحد بلفظ الأثنين ، قال القرطبى فى تفسيرها : إن الخليل والأخفش ، وهما من كبار علماء اللغة قالا: هذا كلام العرب الفصيح ، أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول : ويلك ، ارحلاها وازجراها ، وخذاه وأطلقاه ، للواحد . قال الفراء :
تقول للواحد : قوما عنا . وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل فى إبله وغنمة ورفقته فى سفره اثنان ، فجرى كلام الرجل على صاحبيه ، ومنه قول امرىء القيس :
* خليلى مُرَّا بى على أم جندب * وقوله :
* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * .
وقال المازنى : ألقيا يدل على : ألق ألق .
وقال المبرد : هى تثنية على التوكيد، ويجوز أن يكون الخطاب من الله للملكين ، وهما السائق والحافظ كما قال : {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} ق :
21(8/23)
الطاغوت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الطاغوت الذى تكرر ذكره فى آيات القرآن الكريم ؟
An ورد لفظ الطاغوت فى القرآن ثمانى مرات : فى سورة البقرة :
الآيتان : 256 ، 257 ، وفى سورة النساء : الآيات : 51 ، 60 ، 76 ، وفى سورة المائدة : الآية : 60 ، وفى سورة النحل : الآية : 36، وفى سورة الزمر : الآية : 17 .
قال الراغب الأصفهانى فى مفردات القرآن : الطاغوت عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله ، ويستعمل فى الواحد والجمع ، ولما تقدم سمى الساحر والكاهن والمارد والجن والصارف عن طريق الخير طاغوتا . انتهى .
ولو تتبعنا تفسير الآيات المشار إليها فى مواضعها ما رأيناها تخرج عن ذلك ، جاء فى تفسير الجلالين فى الآية الأولى{فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللّه } والثانية {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } أن الطاغوت هو الأصنام أو الشيطان ، وفى الآية الثالثة {يؤمنون بالجبت والطاغوت } أن الجبت والطاغوت صنمان لقريش . وفى الآية الرابعة {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } أنه كثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف .
وفى الخامسة {يقاتلون فى سبيل الطاغوت } أنه الشيطان ، وفى السادسة {وعبد الطاغوت } أنه الشيطان ، وفى السابعة {واجتنبوا الطاغوت } أنه الأوثان ، وفى الثامنة { والذين اجتنبوا الطاغوت } أنه الأوثان أيضا .
ويظهر معنى الطاغوت فيما يُعبد من دون الله من أصنام ومخلوقات أخرى إذا ذكر معه الإيمان وعبادة الله والكفر بالطاغوت . وهو يطلق على الباطل مطلقا ممن يعقل وما لا يعقل ، فإذا عُبد من دون الله أو مع الله فذلك كفر أو شرك ، وإذا فتن به دون عبادة له كان عصيانا وفسوقا ، كالذى يفتنه الشيطان أو السلطان أو المال أو الذهب أو المرأة أو غير ذلك ، فتنة تلهيه عن الواجب وتغريه بالسوء ، وقد يطلق عليه أنه يعبده أى يحبه حبا شديدا ويطيعه طاعة العبد لسيده ، ومنه حديث "تعس عبد الدينار والدرهم " رواه البخارى "يراجع كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف - ج 1 ص 176"(8/24)
حديث : لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح انه لا يجوز لغير المسلم أن يدخل أرض الحجاز؟
An أرض الحجاز هى الفاصلة بين نجد وتهامة، وأشهر مدنها مكة والمدينة ، وفيها الحرم والمسجد الحرام .
ودخول المسجد الحرام تقدم حكمه ، أما الحرم المكى بحدوده التى ذكرها الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية ص 164 " بأنها ثلاثة أميال من طريق المدينة دون التنعيم ، وسبعة أميال من طريق العراق ، وتسعة أميال من طريق الجعرانة ، وسبعة أميال من طريق الطائف على عرفة ، وعشرة أميال من طريق جدة - هذا الحرم المكى بحدوده ، قال جمهور الفقهاء : لا يجوز دخوله لجميع من خالف دين الإسلام ، من ذمى أو معاهد، لا مقيما فيه ولا مارا به ، وجوز أبو حنيفة دخولهم إذا لم يستوطنوه . ولو دخله المشرك بدون إذن عزر وأخرج ، وإن كان بإذن لم يعزر وأنكر على الإذن وأخرج ، ولو أراد دخول الحرم ليسلم فيه منع منه حتى يسلم قبل دخوله ، وإذا مات فيه مشرك حرم دفنه ، فإن دفن فيه نقل إلى الحل ، إلا أن يكون قد بلى ، كما تركت أموات الجاهلية .
وأما دخول غير الحرم بحدوده المعروفة . فالجمهور على عدم استيطان الذمى والمعاهد ، وجوزه أبو حنيفة ، ودليل الجمهور حديث عائشة : كان آخر ما عهد به رسول اللّه أن قال " لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان " رواه البيهقى .
وتطبيقا لذلك أجلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أهل الذمة عن ا لحجاز .
وضرب لمن قدم منهم تاجرا أو صانعا مقام ثلاثة أيام يخرجون بعد انقضائها ، واستقر الحكم على منعهم من الاستيطان ، وجواز دخولهم بصفة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام فى موضع ويمكن أن ينتقل منه إلى غيره لمدة ثلاثة أيام أيضا فإن زاد عليها عزر إن لم يكن معذورا "الأحكام السلطانية من 167 "(8/25)
البكاء عند سماع القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا"؟
An هذا الحديث فى سنن ابن ماجه ، وهو مروى عن سعد بن أبى وقاص عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكره الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " بصيغة "روى" مما يدل على أنه لم يرق إلى درجة الحديث الصحيح الذى هو أعلى من الحسن .
وقال العراقى فى تخريجه لأحاديث "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى : حديث "اتلوا القرآن وابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا" إسناده جيد، يعنى مقبول يعمل به وبخاصة فى فضائل الأعمال ، ولكن لا يصل الأمر فيه إلى درجة الوجوب الذى يعاقب تاركه ، فهو أمر مندوب إليه(8/26)
أعوذ بالرحمن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q اوجو تفسير قوله تعالى : {قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} مريم : 8ا ؟
An قالت مريم ذلك لجبريل عليه السلام ، وبيان المعنى مرتبط بالمراد من كلمة "إن " فإن كانت للشرط فالمعنى : إذا كنت تقيا تخشى الله وتجله فأنا ألتجئ إلى الله وأستعيذ به منك حتى لا تمسنى بسوء وبالتالى من لم يكن متقيا لله لا يأبه لاستعاذتها .
وإن كانت "إن" للنفى كان المعنى : أنت شخص غير تقى ، حيث جئتنى وأنا وحيدة ليس معى أحد، وليس لى إلا اللّه سبحانه أستعيذ به وألتجىء إليه .
واختيارها لاسم الرحمن بدلا من اسم آخر لأن المقام يقتضى الرحمة، فهى ضعيفة بشخصها وبوحدتها أمام رجل قوى بشخصه ولا تعرفه(8/27)
كتب الأديان السابقة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان الإسلام يعترف بالرسالات السماوية فهل هناك ما يمنع المسلم من أن يأخذ ويتبع ما جاء من تعاليم ونصائح كل هذه الرسالات ؟
An ليكن معلوما أن الإسلام جاء دينا وافيا كاملا، فيه كل ما يحتاجه المسلم فى دنياه وآخرته كما قال سبحانه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة : 3 ، وقال {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } النحل : 89 .
ومع ذلك لا مانع من الاستفادة بما يوجد فى الكتب السماوية الصحيحة، لأن ما فيها حق وإن كانت فروع الشريعة تختلف من دين لآخر، فشرع من قبلنا ليس شرعا لنا إلا إذا وجد فى شرعنا ما يقرره ، أو هو شرع لنا إن لم يوجد فى شرعنا ما يخالفه ، على خلاف للعلماء فى ذلك .
ولكن أين هى الكتب السماوية الصحيحة التى يستفاد منها وقد أقر القرآن بأنها حُرِّفت ؟ وبتحريفها كفر اليهود والنصارى برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل ، قال تعالى { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } البقرة : 146 ، فلا حاجة بنا إلى الأخذ من كتبهم ، ولو قرأناها فليكن القارئ على معرفة تامة بدينه هو، حتى لا يزل ويتبع بعض ما فيها، وحتى لا يقول : إن فيها ما لا يوجد فى كتب الإسلام فيميل إليها ويطمئن إلى قراءتها والعمل بما فيها، وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة كتب أهل الكتاب -اليهود والنصارى- خشية الفتنة بما فيها وقال لعمر "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ والذى نفسى بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية " إلى أن قال " والذى نفسى بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعى" رواه أحمد فى مسنده ، ومع ذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أخرجه البخارى ، قوله " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا " وقوله " بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " .
وهو يشير إلى مصادر المعرفة الثلاثة وهى القرآن الذى يجب تبليغه ، والحديث النبوى الذى يجب الدقة عند تلقيه وروايته ، وما جاء عن بنى إسرائيل من السماح بروايته ، وذلك فى نطاق ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ، كما رواه أحمد وأبو داود : إن كان حديثهم حقا فلا تكذبهم فيه ، وإن كان باطلا فلا تصدقهم فيه ، وما لا نجزم بصدقه أو كذبه فنحن فى حل من الأخذ به أو رفضه .
وفى ضوء هذا المقياس أصاب عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما يوم اليرموك زاملتين -أى حمل بعيرين- من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما ، وابن مسعود رضى اللّه عنه قال -كما رواه أحمد وغيره -: لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم ، إما أن يحدثوكم بصدق فتكذبونهم أو بباطل فتصدقونهم .
والخلاصة أن الأخذ من كتب الأديان الأخرى لا حاجة إليه ، أما قراءتها للاطلاع على ما فيها ومقارنته بما جاء فى الإسلام فلا مانع منه لمن هو متمكن فى العلم الدينى(8/28)
والليل إذا عسعس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى{والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس . إنه لقول رسول كريم } الشمس : 17 - 19
An هذا قسم من الله سبحانه بالليل والصبح ، كما أقسم بأشياء كثيرة، على أن القرآن الكريم مُوحى به من اللّه سبحانه بوساطة جبريل الأمين ، إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
ومعنى عسعس الليل أقبل من أوله وأظلم ، أو أدبر من أخره وولَّى ، فهو من الأضداد التى تستعمل فى الإقبال والإدبار، ومعنى تنفس الصبح امتد حتى صار نهارا واضحا فاللّه يقسم بالليل فى ظلامه وبالصبح فى نوره على أن القرآن حق من عنده سبحانه ، فكأنه يقول :
كما أن هناك فرقا واضحا بين الظلام والنور هناك فرق واضح بين كلام اللّه وكلام غيره ، فكلامه هو الحق ، وكلام غيره هو الباطل الذى زعموه ، وكلامه نور يهدى وكلام غيره ظلام يضل .
أو كأنه يقول : إن الذى قدر على أن يمحو النهار بالليل ، ويمحو الليل بالنهار، قدر على أن يجعل من محمد الأمى العادى رسولا يتلقى الوحى ويبلغه ، ويصير به معلما للإنسانية ما لم يكن تعلمَّه من قبل ، كما قال تعالى :
{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلَّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيما} النساء : 113(8/29)
لا يموت فيها ولا يحيا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله سبحانه عن الذى يدخل النار " ثم لا يموت فيها ولا يحيا " ؟
An يقول الله سبحانه {فذكر إن نفعت الذكرى . سيذكر من يخشى . ويتجنبها الأشقى . الذى يصلى النار الكبرى . ثم لا يموت فيها ولا يحيا} الأعلى : 9 -13 .
المراد بالأشقى فى هذه الآية هو الكافر الذى لا يستفيد من الدعوة وسيدخله الله نارا كبرى يستمر عذابه فيها ولا ينقطع أبدا . وعلى الرغم من شدة النار التى وقودها الناس والحجارة لن يموت ، كما قال سبحانه : {فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق . خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} هود: 106 ،107 .
وكما قال فى كيفية العذاب لهم {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدَّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } النساء :
56 .
ويتمنى الكافرون أن يخرجوا من النار، ولكن لا يجابون لما يتمنون . قال تعالى{إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون . لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين . ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال أنكم ماكثون } الزخرف : 74 -77 ، ومالك هو خازن النار .
وإذا كان الكافر لا يموت فى النار فلابد أن يحيا ، لكن الآية تنفى عنه الحياة حيث تقول {لا يموت فيها ولا يحيا} فكيف يكون الكافر غير ميت وغير حى فى وقت واحد ؟ .
قال العلماء : المراد بقوله تعالى {ولا يحيا} لا يحيا حياة طيبة، فالثابت له عدم الموت ، والمنفى عنه هو الحياة الطيبة ، فهو حى معذَّب شقى وذلك على مثال قول الشاعر :
ألا ما لنفس لا تموت فينقضى * عناها ولا تحيا حياة لها طعم .
وإذا كانت دقائق العذاب لا تعرف إلا بالنص الصحيح فإن لعصاة المؤمنين أملا فى أن يكون عذاب النار هينا عليهم فى درجة خاصة بهم ، يأخذون قسطهم من العذاب فى شبه موت حتى يأذن اللّه بخروجهم من النار. ، كما جاء فى صحيح مسلم أن الموحدين من المؤمنين إذا دخلوا جهنم احترقوا وماتوا إلى أن يشفع فيهم . وبعد إخراج عصاة المؤمنين من النار يكتب الخلود لأهل النار فلا يموتون ، كما يكتب الخلود لأهل الجنة فلا يموتون . جاء تصوير ذلك فى رواية للبخارى ومسلم تمثل قضاء اللّه على الموت بصورة كبش يذبح ثم ينادى (يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ) .
وإذا كنا ندعو الله أن يجيرنا من النار ويدخلنا الجنة فليكن مع الدعاء عمل صالح كما قاله سبحانه فى المتخاصمين المتجادلين :
أيهم تكون لهم الجنة{ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء :
123 ،124 .
وحتى ننشط لعمل الخير نذكر ما رواه مسلم عن ثواب أدنى أهل الجنة منزلة، وهو آخر من يدخلها وآخر من يخرج من النار، أن اللّه سبحانه يقول له "أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت يا رب فيقول له : لك مثله وعشرة أمثاله " ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم(8/30)
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى :{ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } القصص : 78 ؟
An مما يجب أن يعتقده كل مسلم أن الحساب بعد الموت حق ، وذلك لترتب الجزاء عليه ، قال تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } الأعراف : 6 ، وقال {فوربك لنسألنهم أجمعين . عما كانوا يعملون } الحجر: 92 ، 93 ، وهذا الحساب على مرحلتين الأولى فى القبر بعد الموت ؟ والثانية بعد البعث والعرض على الله ، وسؤال القبر بمعرفة الملكين كما هو ثابت بالقرآن والسنة ويكون عن الاعتقادات ، أما السؤال الثانى فيكون على كل شيء من واقع الكتاب المسطر فيه أعمال الإنسان ، {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا . اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء : 13 ، 14 .
قال العلماء : يستثنى من سؤال القبر الشهداء والصديقون والمرابطون فى سبيل اللّه والأطفال ، والحساب بعد البعث عام ، يسأل فيه الرسل عن التبليغ كما يسأل الناس عن موقفهم من الرسالة ، قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق } المائدة : 116 ، وقد ورد ما يفيد ظاهره عدم سؤال النبى صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } البقرة : 119 ، لكن المراد أنك غير مسئول عن كفرهم فما عليك إلا البلاغ ، {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص : 156 ، كما ورد ما يفيد ظاهره أن الكافرين المجرمين لا يسألون ، كما فى قوله تعالى{ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } لكن المراد أن المجرمين الكافرين لا يسألون عن المعاصى التى اقترفوها لأنها كثيرة ، ويكفى عنها الذنب الأكبر وهو الكفر ، فليس بعد الكفر ذنب يستحق أن يسأل عنه . لأن مصيرهم النار خالدين فيها أبدا . أو المعنى لا يكلفون يوم القيامة أن يرضوا ربهم بالإيمان لأن الآخرة ليست دار تكليف ، كما يفيده قوله تعالى{ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون } النحل : 84 ، وقوله {ولا يؤذن لهم فيعتذرون } المرسلات : 36 .
فالسؤال يوم القيامة لتقدير الجزاء ، وهو يسير على الطائعين من المؤمنين ، عسير على الكافرين والعاصين ، ويكفى أن يسأل الكافر عن كفره دون حاجة إلى التفاصيل ، فالمصير معروف قال تعالى{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان : 23(8/31)
أعمى الدنيا والآخرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيحا لقوله تعالى{ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا} الإسراء: 72 ؟
An من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية ما جاء عن عكرمة أنه قال : جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس رضى الله عنهما فسألوه عن هذه الآية فقال :
اقرءوا ما قبلها من قوله تعالى{ربكم الذى يزجى لكم الفلك فى البحر لتبتغوا من فضله } إلى قوله تعالى {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} الإسراء: 66- 70 ، قال ابن عباس من كان أعمى عن هذه النعم والآيات التى رآها فهو عن الآخرة التى لم يعاينها أعمى وأضل سبيلا .
إن الذين لا يشكرون هذه النعم المحسوسة التى لا تحتاج إلى نظر دقيق أو عقل واسع قد عميت بصائرهم عن الحق ، وغفلت عنه قلوبهم كالذين فقدوا أبصارهم فلا يرون شيئا من المحسوسات ، بل هم أضل من الأنعام التى تسيرها الغرائز ، لأنها معذورة حيث لا يوجد لها عقل كعقل بنى آدم . أما من له عقل وعطله فهو متعمد للضلال فكان أضل من الأنعام .
ولقد عبر الله سبحانه عن الذين لم يستجيبوا له عقيدة وسلوكا بأنهم عمى فقال :{ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى . قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرًا . قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى . وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه } طه : 124 -127 ، فالذين عميت بصائرهم هم فى الحقيقة عمى عن الهدى ، ولا مانع أن يحشرهم اللّه يوم القيامة عُمىَ الأبصار، جزاء وفاقا بما كانوا عليه فى الدنيا من عمى البصائر .
أما من فتح الله بصائرهم فاتبعوا الحق فإنهم يحشرون يوم القيامة بيض الوجوه ، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم حتى لو كانوا فى الدنيا ممن امتحنهم اللّه فى أبصارهم لكنهم رأوا قدرته وأحسوا نعمه بقلوبهم وبصائرهم ، وكم فى الحياة من مكفوفى الأبصار هداهم الله إلى الحق وأعلى منزلتهم ، وفى التاريخ قديمه وحديثه علماء وصالحون من هذا النوع(8/32)
سبب الحسنة والسيئة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هناك آية تنسب الحسنة إلى الله ، والسيئة إلى الإنسان وآية أخرى تقول إن السيئة من الله ، فكيف نوفق بينهما ؟
An قال الله تعالى {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } النساء : 79 ، وقال {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } التغابن : 111 ، الموضوع فى الآيتين مختلف ، ففى الآية الأولى بيان الجزاء على ما يعمله الإنسان ، وفى الثانية بيان علم الله وإرادته ، فالله يجازينا على الحسنة فضلا منه وكرما وعلى السيئة رحمة منه وعدلا، إذا أعطى الله إنسانا ثوابا على حسنة فالثواب منه تفضل ، لأننا عباد مفروض أن نطيعه ولا نطلب على طاعتنا أجرا شأن العبد مع سيده ، يؤمر فيطيع ولا يطلب من سيده جزاء لأنه مملوك له ، فإذا أعطاه سيده أجرا كان تفضلا منه ، وهو وإن قل يعد كثيرا ، ومع ذلك ففضل الله واسع يعطى الحسنة ثوابا هو عشر أمثالها وإذا عصى العبد ربه وعاقبه على سيئته كان المفروض أن يأخذه ربه بالشدة كالعبد العاصى لسيده ، ولكن عدل الله تشوبه الرحمة أيضا فيعطى سيئة على سيئة .
ولا يجوز أن ينسب العبد إلى ربه ظلما على عقابه ، فهو المتسبب فيه ، ولم يبدأ الله معاقبته بدون سبب ، فذلك فى عرف الناس ظلم والله أولى بالبعد عنه "يا عبادى أنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" رواه مسلم {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت : 46 ، {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى : 35 .
أما قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } فيفسره قوله في آلة أخرى {ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها} الحديد: 22 ، فكل ما يحدث فى الكون معلوم له قبل أن يحدث . وهذا معنى {من قبل أن نبرأها} أى نخلقها ، فالإيمان بأن كل شيء فى علم الله يعطى النفس توجيها طيبا، فما يحدث من خير يشكره عليه ، وما كان من سوء يصبر عليه ويرضى ، وفى الحديث "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم . ويلتقى هذا مع قوله بعد الآية السابقة {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } أى فلا تجزعوا على المصيبة ولا تطغينكم النعمة . . "(8/33)
حكم نسيان القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن نسيان القرآن حرام ، وما هى الوسيلة التى تساعد على عدم نسيانه ؟
An معروف أن فضل قراءة القرآن وحفظه فضل عظيم ، يكفى فى بيان ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقوله فيما رواه مسلم "اقروا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه " وقوله فيما رواه الترمذى وأبو داود بسند صحيح "يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقروها" وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه البخارى ومسلم أن ما يحفظ من القرآن معرض للنسيان فقال "تعاهدوا القرآن فو الذى نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل فى عقلها" يعنى إذا لم يحكم حفظه تفلت كالبعير الذى لم يحكم ربطه بالعقال ، ولذلك حذَر من نسيان ما حفظ منه فقال فيما رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه "وعرضت علىَّ ذنوب أمتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن - أو أية - أوتيها رجل ثم نسيها" .
لكن حمل بعض العلماء النسيان هنا على ترك العمل لأن الإنسان بطبيعته معرض لنسيان ما يحفظ ، سواء أكان من القرآن أم من غيره ، ولأن التحذير لو كان من مجرد نسيان ما يحفظ لقال الشخص : الأسلم ألا احفظ شيئا حتى لا أتعرض للعقاب إن نسيت ، وهذا فيه صرف للناس عن القرآن .
ومهما يكن من شىء فإن الواجب هو المجاهدة للإبقاء على ما يحفظ وذلك بمداومة التلاوة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا ففى التلاوة ثواب على الحرف بعشر حسنات ، وفيها تقويم للسان بالعربية ، وتفقه فى الدين ، وقد جاء فى المأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى من شكا إليه نسيان ما يحفظه من القرآن بأن يصلى أربع ركعات ليلة الجمعة ببعض سور من القرآن ثم يدعو بدعاء مخصوص ففعل ذلك ، فثبت الله فى قلبه ما كان يحفظه ، وهو حديث طويل رواه الترمذى وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ، ورواه لحاكم وقال : صحيح على شرطهما . قال الحافظ المنذرى "الترغيب ج 2 ص 139 " : طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا(8/34)
دعاء وصلاة لحفظ القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن هناك حديثا فيه طريقة حفظ بها الإمام على القرآن الكريم ؟
An ذكر الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " حديثا مؤداه أن النبى صلى الله عليه وسلم علَّمه صلاة أربع ركعات ليلة الجمعة فى كل ركعة سور مخصوصة وبعدها يدعو بدعاء مخصوص . ويفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا، فنفذ علىّ الوصية فوهبه الله الحفظ .
وقال المنذرى بعد ذلك : رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ، ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما - أى البخارى ومسلم . ثم قال : طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا . واللّه أعلم .
فالحديث لم يصل إلى درجة الصحة فى السند، وما جاء فيه هو صلاة وذكر وقراءة قرآن ودعاء ، ولا مانع من ذلك ، أما النتيجة فموكولة إلى الله سبحانه ، وإن صحت عند على رضى الله عنه فربما لا تصح عند غيره ، والطاعة على كل حال طيبة ويرجى قبولها وقبول الدعاء(8/35)
سورة الواقعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما فضل قراءة سورة الواقعة كل ليلة ، وهل ذلك يحفظ الإنسان من الفقر؟
An سورة الواقعة لم يرد فى فضل قراءتها حديث خاص صحيح ، وقد ذكر ابن عبد البر والثعلبي أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده فى مرضه الذى مات فيه . وعرف أنه يشكو ذنوبه ويتمنى رحمة الله ولم يوافق على استدعاء طبيب له ولا تقرير عطاء له ولا لبناته من بعده ، فقد أمرهن أن يقرأن سورة الواقعة كل ليلة لأنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
"من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" ذكر ذلك القرطبى فى تفسيره ولم يحكم عليه .
وذكره ابن كثير فى تفسيره من رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق ورواه أبو يعلى . وخرجه ابن حجر فى تفسير الكشاف بما لم يرفعه إلى درجة الصحة(8/36)
السامرى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو السامرى الذى أضل قوم موسى؟
An جاء الكلام عن السامرى فى قصة سيدنا موسى عليه السلام فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع فى سورة طه ، تفيد أنه أضل بنى إسرائيل بعد أن وصلوا إلى سيناء وذهب موسى لميقات ربه ليناجيه ، حيث صنع لهم عجلا جسدا له خوار، فقال "هذا إلهكم وإله موسى" ولما سأله عما فعله قال {بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى} طه : 96 فرد عليه موسى كما حكاه القرآن الكريم فى الآيات التالية {قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا} طه : 97 .
هذا هو القدر الذى جاءنا من المصدر الموثوق به فيما يتصل بشخصية السامرى وهو كاف فى أخذ العبرة والموعظة منه ، دون حاجة إلى تفاصيل بقية القصة ، فإن كثيرا من التفاصيل الموجودة فى الكتب ليس لها سند صحيح يعتمد عليه .
فمثلا جاء فى هذه الكتب أن السامرى من إحدى قبائل بنى إسرائيل يقال لها : سامرة لكنه نافق بعدما قطع البحر مع موسى . وقيل كان من قوم يعبدون البقر فى الهند ، فوقع بأرض مصر، ودخل دين بنى إسرائيل بظاهره ، وفى قلبه عبادة البقر، وقيل : كان من أهل كرمان ، وقيل غير ذلك .
وقد صنع العجل من الذهب الذى حمله بنو إسرائيل معهم حين خروجهم من مصر وجعل فيه خروقا إذا مر خلالها الهواء حدث صوت يشبه خوار البقر، وقيل إنه أخذ أثرا من حافر فرس جبريل الذى كان يخضر ما يمسه من الأرض ، فرماه فى التمثال الجامد فصار حيوانا ، وقيل غير ذلك كثير مما نكل علم حقيقته لله سبحانه(8/37)
تفسير : والليل وما وسق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو تفسير قوله تعالى{ فلا اقسم بالشفق . والليل وما وسق . والقمر إذا اتسق . لتركبن طبقا عن طبق } الانشقاق : 16-19
An فى هذه الآيات مقسم به وهو الشفق والليل والقمر، ومقسم عليه وهو تغير الأحوال للإنسان فى دنياه وفى أخراه ، وبيان ذلك أن الشفق هو الحمرة التى تكون فى الجو عند مغيب الشمس على المختار من الأقوال فى المراد به ، ومعنى وسق جمع وضم وحمل ، فإذا جاء الليل جمع الظلام تحت سلطانه كل كائن غابت عنه الشمس ، وأوى إلى حيث يبيت ويستريح ومعنى اتسق كمل واستوى، وذلك حين يكون القمر بدرا .
إن هذه الأمور تبدو فيها ظاهرة التغير والتحول ، فبعد ضوء النهار وما يبعث فيه من حركة ونشاط تحت سلطان الشمس بقوتها، تغيب تلك الشمس وتتوارى ، ويجىء الليل بظلامه فيحد من الحركة ويقلل من النشاط ، وتصير الكائنات فى حالة أشبه بالموت بعد الحياة .
والقمر كان فى المحاق ثم صار هلالا ازداد نوره حتى تمَّ بدرا ، ثم يعود فى دورته إلى المحاق والظلمة مرة أخرى . وكما هو معهود من التناسب بين المقسم به والمقسم عليه نرى ظاهرة التغير والتحول واضحة فى قوله : {لتركبن طبقا عن طبق } .
فى بعض القراءات "لتركبَن "بفتح الباء خطاب للمفرد، والمخاطب بذلك قيل : هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى لتكونن لك حال بعد حال فى دعوتك ومكانتك فإن كذبتك قريش اليوم فسيصدقونك غدا ، ولئن علا سلطانهم يوما فسيعلو سلطانك عليهم أياما {فاصبر إن وعد الله حق } واستمر فى دعوتك حتى يأتيك اليقين ، وقيل : إن المخاطب بذلك أى إنسان ، والمراد بيان أنه ستتقلب به الأحوال من قوة إلى ضعف ومن غنى إلى فقر ومن صحة إلى مرض ، وبالعكس ، وتنتهى الحياة بالموت ، فشأن الحياة هو التغير والتحول حسًّا ومعنى ، وصاحب السلطان فى كل ذلك هو رب العزة الذى يجب أن يؤمن به كل مخلوق .
وفى القراءات الأخرى "لتركبُن " بضم الباء خطاب للجميع ، والمعنى لتتغيرن أحوالكم فى مستقبل حياتكم كما تغيرت من قبل ، حين خلقكم الله فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ، وطورا بعد طور، وستنتهون من حياتكم بما فيها من تفاوت وتقلب إلى الموت ، ومن قدر على ذلك فهو قادر على أن يبعثكم من القبور ويحشركم إليه ويحاسبكم على ما قدمتم ، فمنكم من يعطى كتابه بيمينه ، ومن يعطى كتابه بشماله ، بعد أن ظن أنه لن يحور، أى يعود إلى الحياة مرة أخرى ، ثم بعد ذلك يسوقكم إلى الجنة أو النار زمرا، لكل فيها طبقة ومنزلة تتناسب مع عمله ، فما لهؤلاء القوم لا يؤمنون بعد هذه الأدلة القوية وما لهم لا يسجدون للقرآن الذى يدل بإعجازه على صدق محمد الأمى فى أنه منزَّل من عند الله ، وفى أنه صادق فى دعوته ورسالته ؟ {بل الذين كفروا يكذبون . والله أعلم بما يوعون }(8/38)
تفسير : يخرج الحى من الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى :{يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى} الأنعام :95؟
An تكرر هذا القول فى القرآن أكثر من مرة، واختلف المفسرون فى معناه ، فقال بعضهم : المراد ولادة المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، على تشبيه الإيمان بالحياة وتشبيه الكفر بالموت ، ذلك أن المؤمن يفعل الخير ليسعد به ويُسعد مجتمعه ، كالجسد إذا كان فيه الروح التى تبعثه على الحركة والنشاط ، والكافر لا يفعل خيرا يسعد به نفسه ويسعد مجتمعه ، كالجسد الذى سلبت منه الروح ، فلا تبقى معه حركة ولا نشاط ، وما يفعله الكافر إن سعد به فى دنياه فلا يسعد به فى أخراه ، وهي الدار الباقية ، كما قال سبحانه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان : 23 .
ويشهد لهذا المعنى ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على نسائه فوجد معهن إحدى خالاته ، وهى خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث ، وكانت مؤمنة وكان أبوها كافرا فقال "سبحان الله الذى يخرج الحى من الميت " .
وقال بعض المفسرين إن المراد بالحياة والموت حقيقتهما ، فالله ينى الإنسان وهو حى من النطفة وهى ميتة، ويخرج النطفة وهى ميتة من الإنسان وهو حى، كما أنه يخرج الدجاجة وهى حية من البيضة وهى ميتة ، ويخرج البيضة وهى ميتة من الدجاجة وهى حية .
وإذا قيل : إن النطفة فيها حياة مستكنة أى فى أطوارها الأولى بسبب تلقيح البويضة بالحيوان المنوى، كما يقال ذلك فى بيضة الدجاجة الملقحة - فإن هذه الحياة كالموت بالنسبة للحياة بعد نفخ الروح فى الجنين ، حيث تكون الحركة والنشاط .
وعلى كل حال فالآية تدل على أمرين هامين ، أحدهما أن العالم ليس مخلوقا بطبيعته ، بل له خالق هو الله سبحانه ، لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف ، كالآلة الصماء التى تخرج أفرادا متفقة لا تغاير فيها ، واللّه سبحانه يغير ويبدل بقدرته ، كما قال {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير . تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب } آل عمران : 26، 27 .
والأمر الثانى الذى تدل عليه الآية أن الذى خلق العالم إله واحد لا شريك له ، لأنه هو القادر على ذلك ، أما ما يعبده الكافرون فلا يستطيع أن يخلق كخلق الله ، قال تعالى {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكَّرون } النحل : 17 وقال {إن الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } الحج : 73(8/39)
القرآن وعالمية الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا أنزل اللّه القرآن باللغة العربية، وكيف يكون الدين للعالم أجمع واللغات متعددة؟
An أنزل الله القرآن باللغة العربية ، لأنها وسيلة التفاهم مع من أرسل إليه الرسول أولا، وبدأت الدعوة فى محيطهم قبل أن تبلغ لغيرهم ، قال تعالى{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } إبراهيم : 4 .
والإسلام دين عالمى يجب تبليغه لكل الناس ، وذلك باللسان الذى يعرفه من بُلِّغ إليهم ، فالقرآن نزل باللغة العربية لأمرين أساسيين :
أولهما الإعجاز ؛ لإثبات صدق الرسالة ، وذلك للقوم الذين نزل القرآن فى بيئتهم التى نشأ فيها الرسول وبدأ الدعوة، ولغيرهم من الناس بما يحويه من معلومات وتشريعات هى أصدق المعلومات وأحكم التشريعات ، والأمر الثانى الهداية ، والهداية لكل الناس يحملها من تلقوه باللغة العربية ، ثم يترجمون هذه الهداية إلى غيرهم .
وهذا ما حدث فى القرون الأولى، عرضت الدعوة على الناس كافة فآمن الكثيرون ، ثم تفقهوا فى الدين بلغاتهم ، ثم أتقن كثيرون منهم اللغة العربية ، ففهموا ما تعلموا وترجموا ما يريدون أن يعلِّموه الناس ، وهذه الترجمة تعتبر تفسيرا بوجه من الوجوه لهداية القرآن ولا يحكم بها على كل ما فى القرآن من معان .
والمهم أن نعرف أن نزول القرآن الكريم باللغة العربية لا يتنافى مع عالمية الدعوة الإسلامية ، وقد أشبعت الكلام فى هذا الموضوع فى كتابى "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية" ومختصره "الدين العالمى ومنهج الدعوة إليه " وبينت أن أصل الدعوة وسجله الأساسى لابد أن يكون بلغة واحدة يرجع إليها عند الاختلاف فى الترجمات التى نعرف ما بينها من تفاوت لأسباب عدة، قد يؤدى إلى التضارب الذى يصرف الناس عن الدين بدل أن يجذبهم إليه ، وهذا أمر له أهميته قديما وحديثا حرصت عليه الدول فى العهود والمواثيق والاتفاقيات وغيرها من الأمور الهامة(8/40)
النسىء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى النسىء الذى قال الله عنه أنه زيادة فى الكفر؟
An يقول الله تعالى {إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين} التوبة: 37 .
النسىء على وزن فَعِيل بمعنى مفعول ، مأخوذ من نسأت الشىء إذا أخرته ، فهو منسوء ونسىء كمقتول وقتيل ، أو مأخوذ من نسأ إذا زاد، وكان العرب فى الجاهلية وهم أصحاب حروب يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية بدون إغارة وهى أشهر الحج : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، فكانوا يُحلُّون المحرم ويؤخرون تحريم القتال إلى صفر، ويجعلونه بدله من الأشهر الحرم وهكذا كانوا يفعلون كل عام بتأخير شهر عن موعده ، وكان يقوم بذلك واحد منهم لا يرد له قضاء اسمه "القَلَمَّس " .
ولما جاء الإسلام رجع شهر المحرم . إلى موضعه الذى وضعه الله ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم " وصادف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه الحقيقى من الشهور التى غيروها ، فكان تحريم الشهور وتحليلها بحسب حاجتهم ، وذلك كله ضلال ،ومظهر من مظاهر كفرهم ، يضم إلى ما سبق أن ارتكبوه من مخالفات لدين الله .
ولو كان للناس الحرية فى تنظيم أمورهم وتوقيتها فإنها حرية مقيدة بما حدده الله سبحانه ، فللصلوات وللصيام وللحج وغير ذلك أوقات محددة اختارها بعلمه وحكمته ، لتدور مع الظروف ، ولينسجم المسلمون مع سنن الله الكونية ، وليظهر إيمانهم المطلق بشريعة الله مهما كان فيها من امتحانات(8/41)
وضع المصحف فوق التليفزيون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى وضع المصحف فوق التليفزيون ؟
An لا حرمة فى وضع المصحف فوق التليفزيون ما دام محفوظا من الإهانة ، وإن كان من الذوق عدم وضعه عليه أثناء إذاعة برنامج يتنافى مع الأدب وحرمة المصحف ، فإن لم تكن هناك إذاعة ، أو كان الذى يذاع لا حرمة فيه فلا مانع من وضع المصحف عليه(8/42)
وبشر الصابرين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المراد بالصابرين فى قوله تعالى{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" ؟
An الصبر فى اللغة إمساك فى ضيق ، أى امتناع عن شىء مع معاناة ، والصبر المحمود شرعا هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، أو عما يقتضيان حبسها عنه ، وهو لفظ عام يُفسر معناه بحسب اختلاف مواقعه من الآيات والسور، وقد ورد بمشتقاته فى القرآن أكثر من مائة مرة ، وتدور معانيه حول ثلاثة أمور :
أولها : الصبر على المصيبة ، وهو المشار إليه فى قوله تعالى : {وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} البقرة : 155 ، 156 .
وثانيها : الصبر على الطاعة ، بمعنى تحمل ما يكون فيها من تعب يقصد به تهذيب النفس وترويضها على تخطى العقبات ، كالصبر على الجوع والعطش فى الصيام ، وقد جاء فيه "الصوم نصف الصبر" كما رواه ابن ماجه ، وجاء أيضا عن شهر رمضان "وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة" رواه ابن خزيمة فى صحيحه ، ومنه الصبر على مشاق الحج وعلى أداء الصلوات فى أوقاتها ، وعلى الجهاد فى سبيل اللّه ، وعلى قضاء مصالح المسلمين وعلى طلب العلم وكسب العيش ، يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } آل عمران : 200 .
وثالثها : الصبر عن المعصية أى عن المحرمات ، ذلك أن النفس لها مطالب ونزعات ، وقد حرَّم الله بعضها لأن فى التحريم خيرا لها ولغيرها ، كالتعدى على الحرمات وتناول المسكرات والاختلاس وغيرها، فالذى يمنع نفسه عنها يسمى صابرا عن المعصية ، وفى هذا الصبر معاناة شديدة ، لأنها معركة مع أعدى الأعداء وأخطر الخصماء ، وهى النفس التى بين الجنبين ، مع الشيطان الذى قرر الله أنه عدو مبين .
والامتناع عن هوى النفس وإغواء الشيطان فى ظاهرة عمل سلبى لكنه فى الحقيقة عمل إيجابى كبير، وهو ليس استسلاما للواقع ولو كان مرًّا ، إنما هو نقطة انطلاق إلى الأمام من أجل العمل الطيب. وعلى الصبر بأنواعه الثلاثة يمكن حمل النصوص من القرآن والسنة عليها، وهى كثيرة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} الفرقان :75(8/43)
تحية الإسلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نري كثيرا من الناس يحيى بعضهم بعضا بعبارات غريبة بعضها عربى وبعضها غير عربى، فهل يثابون على هذه التحية كما يثاب من تكون تحيته : السلام عليكم ؟
An التحايا بين الناس أمر مألوف منذ القدم ولكل جماعة طريقتها الخاصة فى ذلك ، وقد يكون بعضها موضع نقد ونفور عند جماعة أخرى ، لكن لها دلالتها الطيبة فى عرفهم .
ولما كان الإسلام دين الحب والسلام كان من السنة إفشاء السلام ودعم أركانه فى كل المجالات ، ومن مظاهر ذلك "التحية" وهى أدنى ما يعمل فى هذا السبيل ، لعدم الكلفة البدنية أو المالية ، ولأثرها الطيب فى النفوس ، ولهذا رغب الإسلام فيها ، ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم فى إجابة السائل عن أى خصال الإسلام خير "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " أى من المسلمين كما قال شراح الحديث توفيقا بين الأحاديث .
وكان السلام مفتاح الصلة بين الملائكة والمخلوق الجديد وهو آدم فعندما نفخ اللّه فيه الروح قال له : اذهب فسلِّم على أولئك ، نفر من الملائكة جلوس ، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله رواه البخارى ومسلم .
وفى بيان أثره يقول الحديث الذى رواه مسلم "ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم" .
والتحية بالسلام بديل عن تحية الجاهلية : عِم صباحا، عم مساء ، وهى تشبه ما تعارف الناس عليه اليوم من مثل : صباح الخير، ومساء الخير، بون جور، جود مورنينج ، بون سوار، جود نايت .
وإلقاء السلام سنة لها ثوابها، والرد واجب يعاقب من تركه ويجزئ عن الجماعة واحد ، أما العبارات الأخرى فليس لها هذا الثواب ، وإن كان لها ثواب الدعاء بالخير، ولا يجب الرد عليها، فلو رد بمثل هذه العبارات كان مجرد دعاء ، وهو حر يقوله أو لا يقوله .
ويرى النووى : أن الأفضل عدم الرد بهذه العبارات زجرًا لمن بدأ بها فى تخلفه وإهماله تحية الإسلام ، وتأديبا له ولغيره فى الاعتناء بالابتداء بالسلام " الأذكار ص 261 "(8/44)
تحية العاصى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q رجل لا يصلى وهو يزاملنى فى العمل ، هل ألقى عليه السلام ؟
An إذا كان الإسلام قد دعا إلى إفشاء السلام لتقوية أواصر المحبة بين المسلمين وجعل إلقاءه سنة والرد عليه واجبا، لما فيه من احترام وإكرام للطرفين -فإن هذا التكريم والاحترام لا يكون إلا لمن هو أهل له من عباد اللّه الصالحين الملتزمين الواقفين عند حدود الدين .
ولذلك قال العلماء : إن المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما كترك الصلاة وعدم شكر الله على نعمته وإضمار الحقد للناس - ينبغى ألا يلقى عليه السلام كما قاله الإمام البخارى وغيره من العلماء ، محتجين بحديث رواه البخارى فى قصة كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك هو وصاحباه من غير عذر، حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كلامهم .
يقول كعب : وكنت آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول : هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟ قال البخارى : وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلِّموا على شاربى الخمر، ذلك أن مقاطعتهم من أساليب تغيير المنكر .
ومن هذا يعلم أن الفسقة لا يستحقون أن يلقى عليهم السلام ، فإن بدءوا هم بالتحية وجب الرد عليهم ، مع إظهار الامتعاض منهم وعدم البشاشة فى وجوههم أو الترحيب بهم .
وذلك كله إذا لم يخف الإنسان مفسدة تلحقه فى بدنه أو ماله ، أو تضره فى دينه ودنياه ، عند عدم إلقاء السلام عليه ، كرئيس فى عمل يتحكم فيمن تحت رئاسته ويخشى بأسه ، أو كفاجر ظالم يعتمد على قوته أو منصبه ولا تمكن مقاومته ، فإن السلام عليه يكون اضطرارا .
يقول الإمام أبو بكر بن العربى : قال العلماء : يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، بمعنى : الله عليكم رقيب . "الأذكار للنووى ص 254 "(8/45)
التحنيط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى تحنيط الموتى ؟
An التحنيط فى أصل اللغة العربية هو استعمال الحَنُوط - بفتح الحاء - وأكثر ما كان يوضع فى أكفان الموتى ، والحنوط والحناط بكسر الحاء-ما يخلط من الطيب لهذا الغرض .
والتحنيط المعروف الآن بطريق المواد الكيماوية لمنع التعفن أو تأخيره إذا كان بهذا القدر ولهذا الغرض فلا مانع منه ، وكان معروفا عند العرب حتى بعد الإسلام ، ولم ينكر عليه أحد، وروى أحمد فى مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا" وفى رواية البيهقى والحاكم وابن حبان وصححاه "إفا أجمرتم الميت فأوتروا" وقال أبو وائل : كان عند على رضى الله عنه مسك ، فأوصى أن يحنط به ، وقال هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الغرض منه منع رائحة التعفن للجثة حتى يصلَّى عليها وتدفن .
أما التحنيط القائم على انتزاع أجزاء من الجثة كما كان متبعا عند الفراعنة فإنه لا يجوز لأن فيه تمثيلا بجثة الميت دون ضرورة تقضى به ، فقد روى مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح - ما عدا رجلا واحدا وثقه الأكثرون وروى له مسلم ، وإن كان أحمد بن حنبل قد ضعفه -روى هؤلاء عن جابر رضى اللّه عنه . قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وجلسنا معه ، فأخرج الحفَّار عظما فذهب ليكسره فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تكسر ، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيًّا ، ولكن دُسَّه فى جانب القبر" . فهذا الحديث يدل على حرمة إيذاء الميت ، ولا شك أن عملية التحنيط على هذا الوجه فيها إيذاء كبير، وبصرف النظر عن كون هذا الإيذاء حسيًّا أو معنويًّا فإن الواجب احترام جثة الآدمى، حيث لا توجد ضرورة لاتخاذ مثل هذا الإجراء .
وإذا كان التحنيط بهذه الصورة فى انتهاك حرمة الميت وإيذائه فإن إحراق جثته لنقل الرماد ودفنه فى مكان بعيد لتقليل تكاليف النقل -كما يفعل بعض المغتربين -يكون أولى بالمنع(8/46)
الشواطئ
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى ذهاب الناس إلى الشواطئ وظهورهم بما لا يتفق مع الدين ؟
An التمتع بالحلال الطيب من نعم الله جائز، ومنه مشاهد الطبيعة والنسيم العليل والحدائق والزهور قال تعالى{قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الأعراف :32 وقال {أو لم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف :135 وكل ذلك فى نطاق قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل اللّه لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة : 87 وقوله {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف : 31 فالتمتع بالطيبات يكون فى اعتدال وبقدر، ولا يتعدى حدود المشروع .
وشواطئ البحار يقصدها الكثيرون فى الصيف لطيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التى لها علاقة بالحكم لأن الأعمال بالنيات .
ولو التزم الإنسان ، وخاصة النساء ، بالحشمة المطلوبة والأدب فى السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها .
والحفاظ على الآداب من هذه الناحية تقع مهمته الأولى على أولياء الأمور، من الأزواج والآباء ، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب ، فلابد من تعاون الجميع شعبا وحكومة على ذلك .
مع العلم بأن "التصييف" ليس أمرا ضروريا حتميا حتى يسمح فيه ببعض التجاوزات ، على قاعدة : الضرورات تبيح المحظورات ، وإنما هو أمر ترفيهى كمالى، لابد فيه من مراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجته إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير وبالتالى غضب الله سبحانه قال تعالى : {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى : 30(8/47)
الشرب قائما
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرب الإنسان وهو واقف ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يشربن أحدكم قائما ، فمن نسى فليستقئ " وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يشرب وهو قاعد . لكن جاء فى الصحيحين أنه جىء له بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم .
إن الجمع بين الحديثين ممكن ، وليس أحدهما بناسخ للآخر، فالشرب قاعدا مستحب ومندوب إليه وليس واجبا، ولذلك شرب النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان قائما ليبين أنه جائز، وإن كان الأفضل الشرب قاعدا ، وثبت أن بعض الصحابة وبخاصة الخلفاء الراشدون شربوا وهم قيام .
والحكمة من كراهة الشرب قائما لم ينص عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقد كانت فيها اجتهادات ذكر ابن القيم كثيرا منها فى كتابه "زاد المعاد" وذلك من واقع المعلومات الطبية التى كانت موجودة فى عصره والأمر يحتاج إلى توضيح جديد من ذوى الخبرة والاختصاص .
والإرشاد النبوى فى هذه المسألة إرشاد فى أمر قيل إنه من الأمور الدنيوية المحضة التى جاء فيها الحديث الصحيح "أنتم أعلم بأمور دنياكم " رواه مسلم ، ولكن مع ذلك لا يخلو من مسحة دينية هى اتباع النبى صلى الله عليه وسلم فيما أرشد إليه ، ولعل فيه حكمة يكشف عنها العلم فيما بعد، فما دام لا يوجد فيه ضرر ينبغى أن نحترمه ونتأسى به فيه ، وليس ذلك على سبيل الإلزام ، بل على سبيل الندب والاستحباب ، والخروج عنه يكون لحاجة وبأقل قدر ممكن ، حتى يقوى فينا احترام ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم ولو فيما ليس فيه قربة لله تعالى، فالاقتداء نفسه وتنفيذ أمره قربة(8/48)
أولو الأمر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59 فمن هم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم ؟
An كما تجب طاعة الله ورسوله فيما جاء فى القرآن والسنة تجب طاعة أولى الأمر فيما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة، وللمفسرين أقوال فى المراد بهم ، فقيل : هم الحكام والولاة والأمراء ، وقيل : هم العلماء وأهل القرآن ، وقيل هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عامة وقيل : هم أبو بكر وعمر، وقيل: هم أولو الرأى والعقل الذين يدبرون أمور الناس . وهذه الأقوال فى قوتها على هذا الترتيب ، فأقواها أنهم الحكام والولاة والأمراء ، لأن نظام الجماعة منوط بهم ، وتجب طاعتهم فيما فيه مصلحة وليس معصية لله . وإذا كان من قواعد الحكم فى الإسلام الشورى فيما لم يرد فيه نص فإن الحاكم أو الوالى أو الأمير إذا عرض له أمر يستشير أهل العلم أو الرأى والخبرة ، فإذا اختلفوا يعرض الأمر على القرآن وعلى الرسول فى حياته ، وعلى سنته ، بعد مماته ، فهما الحكم عند التنازع .
ومما يقوى هذا الرأى ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت فى عبد اللّه بن حذافة السهمى حين بعثه الرسول فى سرية رئيسا وقائدا على جماعة فى الغزو، وكانت له دعابات معروفة ، ومن دعابته أنه أمر من معه أن يوقدوا نارا ثم أمرهم بالتقحُّم فيها، قائلا : ألم يأمركم الرسول بطاعتى؟ فأبوا وقالوا : ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوَّب الرسول فعلهم وقال : لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: 29 .
فأولو الأمر من يَلُون أمور الناس فى أى منصب ما دامت لهم سلطة الأمر والنهى ، وكان منهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم عماله على القبائل والبلاد وأمراء الجيش وولاته على القضاء وجباية الأموال .
وطاعتهم واجبة فى الدين فى غير ما يتصادم مع القرآن والسنة وأصول الدين ، وفى الدنيا فيما فيه مصلحة ، والتنازع فى الرأى وهو مظهر الشورى يكون فى غير المنصوص عليه والمفروغ من حكمه .
والاحتكام عند النقاش يكون للأصل الثابت عن الله ورسوله ، لا إلى مواضعات أو أعراف أو قوانين تضاد الشريعة ، ذلك خير وأحسن تأويلا(8/49)
النذر والدين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مات رجل وعليه نذر مال ودين فأيهما يفضل سداده أولا من تركته ؟
An الحقوق الواجب على الإنسان أن يؤديها لغيره نوعان ، حقوق للّه وحقوق للعباد وقد تكون الحقوق متداخلة، فيها نصيب لله ونصيب للعباد، وقد تكون خالصة لطرف دون طرف ولو على نحو من الأنحاء ، غير أن أساس هذا التقسيم هو الغالب فيما يبدو للناس .
ومهما يكن من شىء فإن الحق الخالص لله كالصلاة مثلا يكون التقصير فيه تقصيرا ليس للعباد دخل فيه . ويعتبر دينا يجب قضاؤه إن كان له مثل أو عوض ، أو يطلب المغفرة من الله ، والله سبحانه واسع الرحمة عظيم المغفرة{قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } الزمر :
53 {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 48 .
أما الحقوق الخالصة للعباد أو يكون ظاهرها أنها خالصة وإن كان فيها حق لله لأنه هو الذى شرعها ، فإن الله سبحانه لا يتجاوز عن التقصير فيها ، بل لابد من أدائها للطرف الآخر أو طلب العفو عنها منه ، وذلك كالمال المسروق والأمانة التى خانها وكالسب والضرب ، فلابد من إبراء الذمة بدفع الحقوق أو العفو عنها ، ومع ذلك لا بد من التوبة إلى الله والاستغفار، لأنه خالف أمره بالتقصير، والتوبة إلى الله بدون أداء الحقوق إلى أصحابها أو مسامحتهم غير مقبولة ، وقد بيَّن الحديث الذى رواه مسلم أن المفلس يوم القيامة من يأتى بالصلاة وغيرها من العبادات لكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا، فيعطى كل مظلوم من حسنات الظالم فإذا لم توفِّ طرح عليه من سيئاتهم ثم ألقى فى النار، وهذا يدل على أن حقوق العباد فى الحرمة مقدمة على حقوق الله واسع الفضل والرحمة .
وبناء على ما تقدم لو تعلق بذمة الإنسان حقَّان ماديان ، أحدهما لله والثانى للعباد ولا يملك إلا ما يوفى واحدا منهما قدِّم حق العباد على حق الله ، فمن كان عليه دين لإنسان ، وقبل أن يؤديه نذر بناء مسجد أو التصدق على الفقراء، والمال الذى عنده لا يكفى لقضاء الدين والوفاء بالنذر فالواجب أن يؤدى الدين أولا، وأما النذر فيكون الوفاء به عند القدرة التى لا توجد إلا بعد قضاء الدين والالتزامات الأخرى ، والقدرة وقتها متسع وعند نية الوفاء يرجى عفو الله عند التعذر ، فهو سبحانه واسع الرحمة والمغفرة(8/50)
المجاهرة بالمعصية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيمن يجاهرون بشرب المسكرات أو بالفطر فى رمضان من غير عذر؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل أمتى معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل فيستره ربه ، ثم يصبح فيكشف ستر الله عنه " وروى الحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رُفع الأخر" ولما رجم النبى صلى الله عليه وسلم ماعزًا الأسلمى قال "اجتنبوا هذه القاذورات التى نهى الله عنها، فمن ألم بشىء منها فليستتر بستر الله ، فإن من أبدى لما صفحته نقم عليه كتاب الله " صححه الحاكم وابن السكن ، وقال الذهبى فى المهذب : إسناده جيد وقال إمام الحرمين : صحيح متفق عليه ، قال ابن الصلاح : عجيب أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 261 " وروى أبو داود والنسائى أن هزالا لما ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم يخبره عن زنا ماعز، فحضر ماعز وأقر ورجم ، قال النبى لهزال "لو سترته بثوبك كان خيرا لك" وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إنى عالجت امرأة من أقصى المدينة وأصبت منها ما دون أن أمسها ، فأنا هذا ، فأقم على ما شئت ، فقال عمر: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك ، فلم يرد النبى صلى الله عليه وسلم شيئا "نيل الأوطار ج 7 ص 106 " .
يؤخذ من هذا أن ستر الإنسان على نفسه وستر الغير عليه مطلوب ،ولو استغفر العاصى ربه وتاب إليه عافاه الله ، والمجاهرون بالمعصية قوم غاض ماء الحياء من نفوسهم ، وتبلَّد حسهم ، وماتت ضمائرهم ، فقَلما يفكرون فى العوده إلى الصواب وبهذا يموتون على عصيانهم وفسوقهم .
فالمطلوب ممن يرتكبون المعصية أيَّا ما كانت أن يستتروا بها ولا يفشوها ، وأن يندموا ويتوبوا ، وألا يفشوها للناس فقد يقام عليهم الحد أو التعزير، ثم يندمون ولات ساعة مندم ، وفى الإفشاء إغراء للبسطاء بالعصيان ، ووضع لأنفسهم موضع التهمة والاحتقار، ورحم الله امرأ ذبَّ الغيبة عن نفسه ، والله يقول : {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة} النور : 19(8/51)
تقبيل النقود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يلاحظ أن بعض الناس إذا أعطوا نقودا أو التقطوها من الأرض يقبلونها فما رأى الدين فى ذلك ؟
An يقول الله سبحانه : {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم . ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} إبراهيم : 7 ويقول {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إبراهيم : 34 .
يؤخذ من ذلك أن نعم الله من الكثرة بحيث لا يمكن عدها، والواجب علينا أن نشكرها وذلك بشكر المنعم بها وهو الله سبحانه ، فالشكر يزيدها أو على الأقل يحفظها ويبارك فيها ، والكفر يعرضها للزوال والحرمان من التمتع بها .
والشكر يكون بالإيمان بالله المنعم وبطاعته فيما أمر به ونهى عنه وتوجيه النعمة إلى ما خلقت له ، بمعنى أن تستعمل فى الخير لا فى الشر، و لا يكتفى بترديد عبارة "الحمد للّه" عند حصول النعمة وما قد يحصل من تقبيل اليد ظهرا وبطنا .
ومما لا شك فيه أن النقود نعمة من نعم الله الكبرى التى يستطيع بها استيفاء مطالبه والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة ، فلا بد للشكر عليها من صيانتها أولا من الضياع كما صح فى حديث مسلم "ويكره لكم قيل وقال -الحديث فيما لا يعنى- وكثرة السؤال -عما لا يحتاج إليه على وجه التعنت - وإضاعة المال" ولابد من تزكيتها بإخراج الحق الواجب فيها {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات : 19 كما لا بد من الحكمة فى إنفاقها ، ليكون فى وجوهه المشروعة دون إسراف ولنتذكر قول سليمان عليه السلام {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم } النمل : 40 .
هذا ولم يرد نهى عن تقبيل النقود أو أية نعمة أخرى فهو إحساس بقيمتها ، ولعل ذلك يكون دفعا للشكر عليها بما تقدم توضيحه(8/52)
الأرانب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض الناس يشككوننا فى أكل لحم الأرانب ، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك ؟
An قال كمال الدين محمد بن موسى الدميرى"742 - 808 هـ " فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" يحل أكل الأرانب عند العلماء كافة ، إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبى ليلى رضى الله عنهم أنهما كرها أكلها . وحجتنا ما روى الجماعة عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : أنفجنا أى أثرنا ، أرنبا بِمرِّ الظهران فسعى القوم عليها فغلبوا فأدركتها فأخذتها وأتيت بها أبا طلحة ، فذبحها وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله : وفى البخارى فى كتاب الهبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قبله وأكل منه . ولفظ أبى داود : كنت غلاما حزوَّرًا فصدت أرنبا فشويتها ، فبعث معى أبو طلحة رضى اللّه عنه بعجزها إلى النبى صلى الله عليه وسلم والحزور - بتشديد الواو وتخفيفها - المراهق .
وقد سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "هى حلال" وروى أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم وابن حبان عن محمد بن صفوان أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين -حجرين براقين- وأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما .
واحتج ابن أبى ليلى ومن وافقه بما روى الترمذى عن حبان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء رضى الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ما تقول فى الأرنب؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا آكله ولا أحرمه " قال : فقلت : ولم يا رسول الله ؟ قال "إنى أحسب أنها تدمى" أى تحيض قال :
فقلت: يا رسول الله ما تقول فى الضبع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يأكل الضبع" ؟! قال الترمذى إسناده ليس بالقوى ، ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وذكر فيه الثعلب والضبع أيضا .
وفى بعض الروايات : وسألته عن الذئب فقال "لا يأكل الذئب أحد فيه خير" وليس فى شىء من الأحاديث وإن ضعفت ما يدل على تحريم الأرنب وغاية ما فى هذين الخبرين استقذارها مع جواز أكلها .
ثم ذكر الدميرى "الأرنب البحرى" وهو -كما قال القزوينى- حيوان رأسه كرأس الأرنب وبدنه كبدن السمك ، وقال الرئيس ابن سينا : إنه حيوان صغير صدفى ، وهو من ذوات السموم إذا شرب منه قتل . ثم قال الدميرى : يحرم أكله لسميته ، ويستثنى من قولهم : ما أكل شبهه فى البر أكل شبهه فى البحر، لأنه ليس يشبهه فى الشكل ، وإنما هو موافق له فى الاسم(8/53)
حمام الأجران
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يسقط الحمام على الأجران التى يدرس فيها القمح لتأكل منه ، فهل يجوز اصطيادها أو طردها حفاظا على المحصول ؟
An معلوم أن الحمام من الطيور التى تسبح فى الفضاء ابتغاء رزق اللّه ، حتى لو وفر لها أصحابها الغذاء فى البيوت أو فى أماكن خاصة ، فقد خلق الطير ليطير لا ليحبس ، ومن المتعارف عليه فى القرى أن الحمام الذى يربى فى البيوت أو الأبراج ينزل على الأجران التى تدرس فيها الحبوب من القمح والشعير وغيرهما، ولا يكاد بيت من البيوت يخلو من حمامة تنزل على جرن من الأجران ، والكل يأكل من مال الكل ، فمن أكل طير غيره من قمحه أكل طيره هو أيضا من قمح غيره ، وذلك فى الغالب ، ومن هنا تجب المحافظة على الحمام أن يمس بسوء، ويكتفى بطرده ، ولا يجوز اصطياد شىء منه للتملك ولا للأكل ، فالحمام نفسه لا يتحمل نتيجة عمله ، لأنه غير مكلف ، وإنما الذى يتحمل النتيجة هو صاحبه ، ولكن من الذى يستطيع أن يميز الحمام ليعرف أصحابه حتى يرجع عليهم ؟ إن الأمر جد عسير، والتسامح فيه من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير ، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه ، وأنبه أصحاب القمح المأكول منه إلى أن كل حبة أكلها طير له ثوابها ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" رواه مسلم .
وطرد الحمام غير طرد العصافير التى سبق حكمها، فهى غير مملوكة وقد تضر المحصول ضررا واضحا، ومنفعة الإنسان مقدمة على منفعة الطير الذى سخره اللّه له(8/54)
العودة للذنب بعد التوبة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يرتكب الذنوب ثم يتوب عن فعلها، ثم يكرر ذلك باستمرار؟
An من يرتكب ذنبا ثم يتوب يقبل اللّه توبته إذا كانت نصوحا ، أى خالصة لوجه الله صادرة من القلب ، يصحبها ندم على ما فات وعزم أكيد على عدم العود إلى المعصية ، قال تعالى{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار} التحريم : 8 وقال {وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه : 82 .
أما التوبة باللسان مع عزم القلب على العود إلى المعصية فهى مرفوضة، بل تعتبر هى نفسها معصية ، فإن صدقت التوبة النصوح ثم لعب الشيطان بالإنسان فأوقعه فى هذه المعصية أو فى غيرها ، دون أن يكون هو ناويًا لها ومخططا وعازما عليها، ثم تاب قبل اللّه توبته ، ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "إن عبدا أصاب ذنبا فقال : يا رب أذنبت ذنبا فاغفره ، فقال له ربه : علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، فغفر له ، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر -وربما قال ثم أذنب آخر- فقال : يا رب إنى أذنبت ذنبا آخر فاغفره لى، قال له ربه : علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، فغفر له ، ثم أصاب ذنبا آخر ... وفى هذه المرة قال له "فليعمل عبدى ما شاء" ومعناه: ما دام يتوب إلى الله توبة نصوحا بعد كل ذنب فإن اللّه يغفر له ، وأحذر مرة ثانية من أن تكون التوبة باللسان فقط ، غير صادرة من القلب النادم على ما حدث والمصمم على ألا يعود، فالله يعلم الشر وأخفى ، والأعمال بالنيات .
وليس هذا الحديث إغراء بالمعصية ولكنه حث على المبادرة بالتوبة الصادقة ، فالله سبحانه يعلم أننا غير معصومين من الخطأ ولذلك فتح لنا باب التوبة فى كل وقت حتى تطلع الشمس من مغربها وحتى تبلغ الروح الحلقوم كما صح فى الحديث ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم ويقول "اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذى وقال : حديث حسن(8/55)
النفقة من المال الحرام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إنفاق شخص على أمه أو أخته من مال حرام ، علما بأنهما ليس لهما مصدر للكسب يغنيهما عنه ؟
An إذا كان مال الشخص كله من حرام فلا يجوز لأمه أو أخته أن تأخذ منه إن كان لهما كسب حلال يغنيهما ، أما إن كان مخلوطا بحلال فيجوز الأخذ منه .
وإذا لم تجد الأم أو الأخت مصدرا حلالا جاز لهما الأخذ من هذا المال الحرام بقدر الضرورة ، لأن المفروض أن من اكتسبه لابد أن يعيده إلى أصحابه إن عرفهم ، وإلا أنفقه فى وجوه الخير ، ومن هذه الوجوه أمه وأخته الفقيرتان اللتان لا تجدان مصدرا حلالا للكسب وذلك بقدر الضرورة فقط(8/56)
أما بعد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيحا لتعبير "أما بعد" من جهة المعنى والإعراب ؟
An جاء فى حاشية الصاوى على شرح الدردير على منظومته "الخريدة" أن "أما بعد" يتعلق بها تسعة مباحث ، على النحو الآتى :
1 - "أما" حرف يفيد التأكيد نائب عن "مهما يكن" .
2 -موضعها - يؤتى بها للانتقال من أسلوب الى آخر، أى من غرض إلى آخر، فلا تقع بين كلامين متحدين ، ولا أول الكلام ولا آخره .
3-معنى بعد ضد قيل ، وتكون ظرف زمان كثيرا، وظرف مكان قليلا .
4 -إعرابها - لها أربع حالات ، تعرب فى ثلاث وتبنى فى واحدة كما هو مشهور .
5 - العامل فيها - هو "أما" على أنها من متعلقات الشرط ، أو الجزاء على أنها من متعلقاته فالتقدير على الأول : مهما يكن من شىء بعدما تقدم ، وعلى الثانى مهما يكن من شىء فأقول بعدما تقدم ، وجعلها من متعلقات الجزاء أولى .
6 - حكم الإتيان بها - الاستحباب ، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يأتى بها فى خطبه ومكاتباته وفى البخارى ستة مواضع أتى بها فى كلامه "الزرقانى على المواهب ج 7 ص 386" .
7-أول من تكلم بها، فيه خلاف نظمه بعضهم فى قوله :
جرى الخلف أما بعد كان بادئا * بها خمس أقوال وداود أقرب وكانت له فصل الخطاب وبعده * فَقُسٌّ فسحبان فكعب فيعرُب 8- الفاء بعدها رابطة للجواب .
9- أصلها مهما يكن من شىء(8/57)
التعريض والتورية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قدم لى بعض الزملاء مشروبا لا أريده ، واستحييت أن أرفضه ، فقلت له : أنا صائم أو أنا ناو ، وأريد بذلك نية عدم تناول شىء عنده ، أو أنا صائم عن قبول أى شىء أى ممتنع عنه ، فهل يكون هذا كذبا محرما ؟
An تحدث العلماء عما يسمى بالتعريض والتورية، ومعناهما أن يطلق الإنسان لفظا يحتمل معنيين ، يكون ظاهرا فى واحد منهما ويريد هو المعنى الآخر، وهو نوع من الكذب فيه تغرير وخداع ، يقول النووى فى كتابه "الأذكار" ص 380 فى بيان حكمه :
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب . أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض . فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام ، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراما ، وهذا ضابط الباب . ثم ذكر للتنفير منه حديثا رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف . لكن سكت عنه أبو داود فلم يحكم بضعفه فيقتضى أن يكون حسنا عنده ، وهذا الحديث عن سفيان بن أسيد-بفتح الهمزة - رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كبرت خيانة أن تحدِّث أخاك حديثا هو لك به مصدِّق وأنت به كاذب" .
ثم ذكر مثالا للتعريض المباح قاله النخعى رحمه الله ، وهو إذا بلغ الرجل عنك شىء قلته فقل : الله يعلم ما قلت من ذلك من شىء فيتوهم السامع النفى المأخوذ من قوله : ما قلت من ذلك من شىء ومقصودك أن الله يعلم ما قلته وقال النخعى أيضا : لا تقل لابنك : أشترى لك سكرا ، بل قل . أرأيت لو اشتريت لك سكرا؟ وكان النخعى إذا طلبه رجل قال للجارية : قولى له : اطلبه فى المسجد، وكان الشعبى يخط دائرة ويقول للجارية : إذا طلبنى أحد فضعى إصبعك فى الدائرة وقولى : ليس هو هاهنا ، ومثل هذا قول الناس فى العادة لمن دعاه إلى الطعام : أنا على نية ، موهما أنه صائم ، ومقصوده على نية ترك الأكل . يقول النووى :
لو حلف على شىء من هذا وورَّى فى يمينه لم يحنث ، سواء حلف بالله تعالى أو حلف بالطلاق أو غيره ، فلا يقع عليه طلاق ولا غيره ، وهذا إذا لم يحلِّفه القاضى فى دعوى ، فإن حلفه القاضى فى دعوى فالاعتبار بنية القاضى إذا حلفه بالله تعالى ، فإن حلفه بالطلاق فالاعتبار بنية الحالف ، لأنه لا يجوز للقاضى تحليفه بالطلاق ، فهو كغيره من الناس .
والإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 3 ص 117 تحدث عن الكذب والأحوال التى يرخص فيها بالكذب الذى قد يكون واجبا إذا ترتب عليه نجاة مسلم من قتل عدو له ، مقررا هذه القاعدة : الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق وبالكذب جميعا فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا وواجب إن كان المقصود واجبا .
بعد ذلك حذر الغزالى من الكذب بالمعاريض ، فنقل عن السلف قولهم :
إن فى المعارض مندوجة عن الكذب ، ونقل عن عمر رضى الله عنه قوله : أما فى المعاريض ما يكفى الرجل عن الكذب ؟ وروى ذلك عن ابن عباس وغيره ، وأجازه فقط عند الضرورة ، فإذا لم تكن حاجة أو ضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون . .
وذكر الغزالى أمثلة على جواز التعريض منها ما نقله النووى فيما سبق ، ثم ذكر من الأمثلة قول النبى لامرأة عجوز "لا يدخل الجنة عجوز" فبكت فبين لها لا تكون عند دخول الجنة عجوزا، وتلا قوله تعالى{إنا أنشأناهن إنشاء . فجعلناهن أبكارا . عربا أترابا} : الواقعة 35-37 . وهذا الحديث مرسل ذكره الترمذى فى الشمائل وأسنده ابن الجوزى بسند ضعيف ومثله قول امرأة له: احملنى على بعير، فقال "بل نحملك على ابن البعير" فقالت : ما أصنع به ؟ إنه لا يحملنى، فقال ،ما من بعير إلا وهو ابن بعير" رواه أبو داود والترمذى وصححه عن أنس بلفظ "أنا حاملك على ولد الناقة" .
والقرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 190 " ذكر ما نقله النووى عن الغزالى ، وذكر ابن عبد ربه فى كتابه "العقد الفريد"ج 1 ص 254 طبعة 1316 هـ أن الله كنى عن الجماع بالملامسة وعن الحدث بالغائط ، وعن البرص بقوله لموسى{واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء} القصص : 32 .
ومما يتصل بهذا الموضع ما روته كتب الأدب أن الحجاج بن يوسف الثقفى مَرَّ مع حاجبه فى وقت متأخر من الليل : وكان قد نهى عن الخروج فى هذا الوقت ، فوجد ثلاثة فتيان سكارى ، فأمر حاجبه أن يسألهم : من أنتم حتى خرجتم فى هذا الوقت ؟ فقال أولهم :
أنا ابن من دانت الرقاب له * ما بين مخزومها وهاشمها تأتيه بالرغم وهى صاغرة * يأخذ من مالها ومن دمها فقال : لعله من أشراف بنى هاشم أو مخزوم ، ثم سأل الثانى فقال :
أنا ابنٌ لمن لا تنزل الدهر قدره * وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره * فمنهم قيام حولها وقعود فقال : لعله من أجواد العرب ، ثم سأل الثالث فقال :
أنا ابن لمن خاض الصعاب بعزمة * وقوَّمها بالسيف حتى تولت ركاباه لا ينفك رجلاه فيهما * إذا الخيل فى يوم الكريهة ولت فقال : لعله ابن فارس من العرب ، فتركهم ، ثم سأل عنهم بعد ذلك فعرف أن الأول ابن حجام ، والثانى ابن فوال بائع فول ، والثالث ابن حائك أى نساج ، فقال : لولا فصاحتهم لقتلتهم(8/58)
من مظاهر الغرور
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعضا ممن يتظاهرون بالتدين ينظرون إلى غيرهم نظرة احتقار، ويكثر أن يقولوا: الناس كلهم هالكون فما رأى الدين فى ذلك ؟
An أحسن رد على هذا السؤال هو قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" يقول النووى : روى "أهلكهم" برفع الكاف وفتحها والمشهور الرفع ، ويؤيده أنه جاء فى رواية رويناها فى "حلية الأولياء" فى ترجمة سفيان الثورى "فهو من أهلكهم" قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدى -فى الجمع بين الصحيحين- :
فى الرواية الأولى قال بعض الرواة : لا أدرى هو بالنصب أم بالرفع . قال الحميدى : والأشهر الرفع ، أى أشدهم هلاكا ، قال وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم ، لأنه لا يدرى سِرَّ الله تعالى فى خلقه .
هكذا كان بعض علمائنا يقول . هذا كلام الحميدى . وقال الخطابى :
معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول : فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك ، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم ، أى أسوأ حالا فيما يلحقه من الإثم فى عيبهم والوقيعة فيهم ، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلا عليهم وأنه خير منهم فيهلك ، هذا كلام الخطابى فيما رويناه عنه فى كتابه "معالم السنن" .
هذا ما جاء فى كتاب الأذكار للنووى ، ثم ذكر رواية لهذا الحديث فى سنن أبى داود وشرح الإمام "مالك " أحد رجال السند للمقصود منه ، وهو: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى فى الناس من أمر دينهم فلا أرى به بأسا ، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذى ينهى عنه .
وارتضى النووى هذا التفسير فقال : إنه تفسير فى نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل فى معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإمام مالك رضى الله عنه(8/59)
الكتب السماوية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما عدد الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء وما أسماؤها وكيف نزلت ؟
An الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء كثيرة، والواجب علينا هو الإيمان بذلك إجمالا، أما تفصيلا فالواجب هو الإيمان بما ورد ذكره فى القرآن الكريم ، وهى : صحف إبراهيم ، والتوراة التى نزلت على موسى والزبور الذى نزل على داود ، والإنجيل الذى نزل على عيسى، والقرآن الذى نزل على محمد عليهم جميعا صلاة اللّه وسلامه .
يقول الشيخ محمود أبو دقيقة فى مذكرات التوحيد : أما الصحف فقد ورد فى شأنها آثار كثيرة وأرجحها أنها مائة صحيفة ، خمسون نزلت على شيث عليه السلام ، وثلاثون نزلت على إدريس عليه السلام ، وعشرة نزلت على إبراهيم عليه السلام ،وعشرة على موسى عليه السلام .
والظاهر أن هذه الصحف كانت مشتملة على مواعظ وإرشادات إلى التحلى بمكارم الأخلاق والتخلى عن مساوئها ، ولم يعرف عنها شىء يقينا، لعدم وجود ما يفيد يقينا بشأنها "ج 3 ص 54" .
أما نزولها فالظاهر أن جبريل عليه السلام هو أمين الوحى الذى بلغه إلى الرسل كافة فهو الذى حمل التوراة والإنجيل وأنزلهما مرة واحدة على موسى وعيسى ، وحمل القرآن وأنزله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم منجَّما أى مفرقا كما نص عليه القرآن الكريم ، وكلام الله سبحانه للبشر حاء بعدة طرق ذكرها فى قوله تعالى : {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} الشورى: 51 .
جاء في تفسير القرطبى "ج 7 ص 281" عند قوله تعالى {وكتبنا له فى الألواح من كل شىء} الأعراف : 145 قال ربيع بن أنس :
نزلت التوراة وهى سبعون وقر بعير، وأضاف الكتابة إلى نفسه "كتبنا" على جهة التشريف ، إذ هى مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذى كتب به الذكر .
والأفضل ترك علم ذلك للّه سبحانه ، فلا فائدة هامة من البحث(8/60)
كتاب يحيى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم :
112 فما هو الكتاب الذى نزل عليه ؟
An قال القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 86" الكتاب هو التوراة بلا خلاف وأخذُ يحيى له بقوة معناه : بِجدٍّ واجتهاد وقيل : المراد العلم به وحفظه والعمل به .
والتوراة كانت كتاب الأحكام الذى أخذ به كل من جاء بعد موسى من الأنبياء حتى جاء عيسى فنزل عليه الإنجيل(8/61)
هل نزل بعض القرآن بغير جبريل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نحن نعلم أن القرآن الكريم أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوساطة الأمين جبريل ، وقد قرأنا أن بعض السور أو الآيات لم ينزل عن طريقه ، فهل هذا صحيح ؟
An صحيح أن القرآن نزل به جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين } الشعراء : 192- 194 لكن روى مسلم عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال : بينما جبريل قاعد عند النبى صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ، فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته " .
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 1 ص 116": قال ابن عطية: ظن بعض العلماء أن جبريل لم ينزل بسورة الحمد -وساق الحديث المذكور- وليس كما ظن ، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبى صلى الله عليه وسلم مُعْلِما به وبما ينزل معه ، وعلى هذا يكون جبريل شارك فى نزولها .
قال القرطبى : قلت : الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يعلم النبى بشىء من ذلك ، وقد بينا أن نزولها كان بمكة، نزل بها جبريل عليه السلام لقوله تعالى {نزل به الروح الأمين} وهذا يقتضى جميع القرآن ، فيكون جبريل نزل بتلاوتها بمكة ، ونزل الملك بثوابها بالمدينة، واللّه أعلم وقد قيل : إنها مكية مدنية، نزل بها جبريل مرتين ، حكاه الثعلبى ، وما ذكرناه أولى ، فإنه جمع بين القرآن والسنة ، ولله الحمد والمنة(8/62)
قرين النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الحكمة فى أن يكون للنبى صلى الله عليه وسلم قرين مع أن الله عصمه ؟
An روى مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة" قالوا وإياك؟ قال "وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير" يقول الزرقانى فى شرح المواهب "ج 5 ص 280" معلوم عصمة الملائكة وإيمانهم ، فإنما المراد الإخبار بمصاحبة الملك والجنى لكل أحد، فالجن يغوى بخلاف الملائكة ، فقول بعض : إسلام قرينه من الملائكة والشياطين لا معنى له بالنسبة للملائكة ، ولا دلالة فى الحديث عليه ، اللهم إلا أن يريد بالإسلام ملكه انقياده التام له ، وفيه ما فيه .
وجاء فى رواية البزار عن ابن عباس أن الشيطان كان كافرا فأسلم ، أى أسلم الشيطان الكافر، وحديث ابن مسعود روى بفتح الميم وضمها ، أى فأسلم أنا من فتنته وكيده ، وصحح الخطابى رواية الرفع ، ورجح عياض والنووى الفتح . لقوله "فلا يأمرنى إلا بخير" قال الدميرى : وهو المختار .
والإجماع على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان ، وإنما المراد تحذير غيره من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه ، فأعلمنا أنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان . انتهى وقال غيره : اعترضت رواية الضم -فأسلم - بأنه تعوذ منه بقوله "أعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت" أى يصرعنى ويلعب بى ويفسد دينى أو عقلى عند الموت بنزغاته التى تزل بها الأقدام وتصرع العقول ، وقد يستولى على الإنسان حينئذ ، فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة أو يؤيسه من الرحمة ، أو يكره الموت فيختم له بسوء والعياذ بالله تعالى .
وأجيب بأنه إنما قاله تعليما لأمته صلى الله عليه وسلم فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال ، بل سائر الأنبياء لا تسلط لشياطينهم عليهم وإن لم يسلموا . انتهى ما جاء فى الزرقانى على المواهب .
وخلاصته :
1 - أن كل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة ، وقرين الملائكة إما لحفظ الإنسان كما قال الله سبحانه {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} الرعد : 11 وإما لمساعدته على الخير وإما لغير ذلك ، وقرين الجن مهمته الإغواء فقد أقسم إبليس بعزة الله أن يغوى الناس أجمعين ، إلا عباد الله المخلصين .
2 -أن النبى صلى الله عليه وسلم كسائر الناس له قرين من الجن وقرين من الملائكة ، وقرينه من الجن مختلف فى أنه أسلم بدليل قوله "فلا يأمرنى إلا بخير" أو لم يسلم ، بدليل الاستعاذة منه ، وأن الله قوَّى رسوله عليه فأبطل محاولة إغوائه ، كما حدث من تفلُّته عليه فى الصلاة ليفسدها فخنقه عليه الصلاة والسلام ثم أطلقه كما ثبت فى الحديث .
وعلى كلا الأمرين فالرسول معصوم من تسلط الشيطان عليه وإيقاعه فى المعصية وهو صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى وجوب الحذر من الشيطان المقارن لنا، وإلى أنه بشر مثلنا يجاهد مع توفيق من اللّه حتى لا يعصى. ونحن أولى بالمجاهدة(8/63)
اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كان كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بوحى من اللّه سبحانه ، أم كان يجتهد فى بعض الأحيان فيما لم ينزل عليه فيه وحى، وإذا اجتهد هل كان اجتهاده كله صوابا أم كان بعضه خطأ؟
An الكلام فى هذا الموضوع قد عنيت به كتب الحديث والأصول ، ولا يتسع له المقام هنا ، وخلاصته أن للعلماء فى جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ثلاثة آراء :
1 - رأى يقول بامتناع الاجتهاد عليه ، لإمكانه الوصول إلى ما يريد عن طريق الوحى، ولكن رد عليه بأن إنزال الوحى ليس فى قدرته ، وقد يكون فى حاجة ماسة إلى الإجابة على سؤال أو التصرف فى أمر عاجل ، وعندما انتظر نزول جبريل عليه فتر الوحى مدة ، وعندما جاء سأله الرسول ، فقال {وما نتنزل إلا بأمر ربك} مريم : 64 .
2 -ورأى يقول بجواز الاجتهاد وبوقوعه بالفعل منه ، كما حدث فى التشاور فى أسرى بدر، وفى إذنه لبعض الناس فى التخلف عن الغزوة ، وقد جاء فى ذلك قوله تعالى{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض} الأنفال : 67 وقوله {عفا اللّه عنك لمَ أذنت لهم} التوبة : 43 حيث عاتبه اللّه سبحانه ، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحى .
3 - ورأى يقول بجواز اجتهاده فى الأمور السريعة الضاغطة كالحروب ، وبعدم جوازه فى غير ذلك ، وهذا الرأى فيه جمع بين الأعلة، وهو رأى حسن . والذين قالوا بجواز اجتهاده قال بعضهم : لا يجوز عليه الخطأ فكلُّ اجتهاده صحيح . ، كما ذكره ابن أبى هريرة والماوردى ، وذلك لأنه لا نبى بعده يستدرك خطأه فلذا عصم من بينهم ، وقال ابن السبكى : الصواب أن اجتهاده لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ فى الاجتهاد ، وقال آخرون : يجوز عليه الخطأ ولكن لا يُقَرُّ عليه ، بل ينزل الوحى بتصحيحه ، ومع جواز الخطأ هو مأجور، وعتاب الله له فى مثل الأسرى ليس عقابا ، "راجع الزرقانى على المواهب ج 8 ص 281 والسياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن تاج"(8/64)
تحسين الصوت بالقرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ما نسمعه من قراءة القرآن فى المآتم والاحتفالات تجويد شرعى أو تطريب تراعى فيه مقامات الموسيقى لإعجاب المستمعين ؟
An التجويد، هو ضبط القراءة بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها ومستحقها كما حدده المشتغلون بعلم التجويد أما تحسين الصوت بالقرآن فشىء وراء التجويد اللازم لصحة القراءة ، والأمر بتحسين الصوت بالقرآن موجود فى نصوص كثيرة منها حديث "ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه مسلم وحديث "زينوا القرآن بأصواتكم " رواه أبو داود والنسائى ، وحديث "ما أذن اللّه لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم .
وقد توسع القرطبى فى شرح هذه الأحاديث فى مقدمة تفسيره نقتطف منه ما يلى :
العلماء فريقان فى التطريب وقراءة القرآن بالألحان ، فكرهه جماعة منهم الإمام مالك ، وقال : لا يعجبنى ،إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم ، وأجازته جماعة ، لأنه أوقع فى القلوب ، واحتجوا بالأحاديث السابقة .
ومما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبى موسى الأشعرى وأعجب بها دون أن يعلم ، فلما علم قال : لو أعلم أنك تستمع لقراءتى لحبَّرته لك تحبيرا ، وعلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعى وغيرهم . واختار القرطبى رأى مالك وأجاب عن الأحاديث بأن القرآن لا يُزيَّن بالصوت ، وإنما الصوت هو الذى يزين بالقرآن فالتعبير فى الحديث مقلوب ، وكذلك فسره غير واحد .
وذكر رواية لأبى هريرة "زينوا أصواتكم بالقرآن" كما روى عن عمر :
حسنوا أصواتكم بالقرآن .
وحديث التغنى بالقرآن معناه تحسين الصوت به ، وهو معنى التحبير الوارد فى كلام أبى موسى الأشعرى . وقيل : المراد بالتغنى الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم وقيل : معناه يتحزن به وقيل : إن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد فى أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هِجِّيَراهُمْ ، أى دأبهم وعادتهم .
ونفى الشافعى ومن معه أن يكون المراد بالتغنى الاستغناء ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراده لقال "من لم يستغن" بدل "يتغن" قال الطبرى : المعروف عندنا فى كلام العرب أن التغنى إنما هو الغناء الذى هو حسن الصوت بالترجيع : ورد القرطبى كلام الطبرى ، وذكر أن الترجيع والتطريب فيه همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود ، ويؤدى ذلك إلى زيادة فى القرآن وهو ممنوع .
ثم ذكر القرطبى أن الخلاف فى التطريب محله إذا لم يترتب عليه عدم فهم القرآن ، وإلا كان حراما بالاتفاق ، وحمل بشدة على قراء مصر لذلك . ثم ذكر حديثا رواه الترمذى الحكيم فى "نوادر الأصول" وهو "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتاب ، وسيجئ بعدى قوم يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح ، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " وقال : اللحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء، انتهى .
غير أن ما يرويه الترمذى الحكيم فيه كلام كثير، وهو غير الترمذى صاحب السنن ، والواجب فى قراءة القرآن الخشوع والأدب فى الأداء ، والمحافظة على إخراج الحروف من مخارجها ، وإعطاء المد حقه وعدم التمطيط الزائد ، أو الانتقال المفاجئ من رفع الصوت العالى إلى الانخفاض الشديد، وما يشبه ذلك مما لا يفرق بين قراءة القرآن والغناء ، والعلماء المختصون بالتجويد والقراءات هم أهل الذكر فى ذلك(8/65)
إنجيل برنابا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن إنجيل برنابا يتفق مع القرآن الكريم فيما جاء عن سيدنا عيسى؟
An جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" لكوثر نيازى ص 108 أن برنابا كان مصاحبا للمسيح عليه السلام مدة طويلة، وكتب عن معلومات توافق ما جاء فى القرآن كثيرا ، وكان هذا الإنجيل يقرأ ويدرس إلى أواسط القرن الخامس الميلادى . وفى القرن الخامس حرَّم البطريق "جليسيوس" قراءته وأمر بإعدام نسخه ، ثم عثر على نسخة منه فى القرن السادس عشر الميلادى القسيس الكبير "فرامرينو" الذى وجده فى مكتبة البطريق "سكنس " بطريق روما، فظهر له بعد مطالعته أن فيه أخبارا واضحة عن خاتم الأنبياء وذكر اسمه "أحمد" فأخرج "فرامرنيو" هذا الإنجيل من مكتبة البابا وأعلن إسلامه ، ونقله إلى العربية "رشيد رضا" فى مصر(8/66)
الاستعاذة عند القراءة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب على الإنسان إذا أراد أن يقرأ شيئا من القرآن الكريم أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؟
An قال تعالى : {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم} النحل : 98 يقول القرطبى "ج 1 ص 86" هذا الأمر على الندب فى قول الجمهور، وذلك فى كل قراءة فى غير الصلاة ، أما فى الصلاة فقد اختلفوا ، وحكي عن عطاء أن الاستعاذة واجبة، وأبو حنيفة والشافعى يتعوذان فى الركعة الأولى من الصلاة ، ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة، وما لك لا يرى التعوذ فى الصلاة المفروضة ، ويراه فى قيام رمضان .
يؤخذ من هذا أن الاستعاذة قبل قراءة القرآن سنة عند الجمهور، وذلك فى غير الصلاة ،أما فى الصلاة فهى سنة قبل قراءة الفاتحة عند الحنفية والشافعية ، يستوى فى ذلك صلاة الفرض والنفل ، والمالكية لا يستحبونها فى الفرض .
وجاء فى كفاية الأخبار "ص 104 " فى فقه الشافعية أن الاستعاذة مستحبة لكل ركعة، لوقوع الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره ، وقيل : يختص بالركعة الأولى، فما ذكره القرطبى هو أحد قولين عند الشافعية(8/67)
طه ويس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن "طه ويس" ليس من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم وورودهما فى القرآن جاء على أنهما من الحروف المقطعة فى أوائل السور، مثل : حم ، طس ، فهل هذا صحيح ؟
An أولا: طه: جاء فى تفسير القرطبى "ج 11 ص 165" أن هناك خلافا فى معناها ، فقال أبو بكر: هو من الأسرار، وقال ابن عباس : معناه يا رجل ، وهى لغة معروفة فى "عُكْل " وقال عبد الله بن عمر: معناها بلغة "عك" يا حبيبى، وقيل هى اسم من أسماء الله تعالى وقسم أقسم به وهو مروى أيضا عن ابن عباس وقيل : هو اسم للنبى صلى الله عليه وسلم سماه الله به كما سماه محمدا، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "لى عند ربى عشرة أسماء" فذكر أن فيها طه ويس ، وقيل إنها حروف مقطعة كالتى فى أوائل بعض السور، وقيل : إن معناها : طَأِ الأرض ، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورمان ويحتاج إلى الترويح ، فقيل له : لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح ، ويناسب ذلك قوله تعالى بعد ذلك مباشرة "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" أى ما أنزلناه لترهق نفسك بالقيام به فى الصلاة .
هذا مختصر مما جاء فى تفسير القرطبى من كلام طويل فيه من أراد الاستزادة فليرجع إليه .
ثانيا : يس. جاء أيضا فى تفسير القرطبى "ج 15 ص 3" أن هناك خلافا فى معناها فقيل : معناها يا إنسان أو يا رجل ، وقيل : اسم من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم أو من أسماء الله تعالى، وكما طال الكلام فى طه طال فى يس فيرجع إلى القرطبى ، وذكر الزرقانى فى شرح المواهب "ج 3 ص 137" أن الحديث الذى ذكره ابن مردويه فى أن طه من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم ضعيف واعتمد أنه من الحروف المقطعة ، أيضا "ج 3ص 175 "(8/68)
التهلكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى التهلكة الواردة فى قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؟
An هذا جزء من الآية {وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} البقرة :195 جاءت هذه الآية بعد آيات تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله ، وفيها أمور ثلاثة ، أولها الأمر بالإنفاق فى سبيل اللّه ، وثانيها النهى عن الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة ، وثالثها الأمر بالإحسان ، أما الإنفاق فى سبيل الله فمعناه واضح وإن كان سبيل الله واسع الميدان فمن أهمه الجهاد وكذلك الإحسان واضح المعنى فهو يلتقى مع الإنفاق فى سبيل الله فى أكثر مظاهره وإن كان من معانيه الإجادة والإتقان والإخلاص فى أى عمل . على ما جاء فى الحديث "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
وأما الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة ففى تفسيره عدة أقوال : لا تتركوا النفقة ولا تخرجوا إلى الجهاد بغير زاد ولا تتركوا الجهاد ، ولا تدخلوا على العدو الذى لا طاقة لكم به ولا تيأسوا من المغفرة وقد قال الطبرى : هو عام فى جميعها، كما ذكره ابن العربى فى أحكام القرآن .
ومن الوارد فى ذلك ما رواه البخارى عن حذيفة أن الآية نزلت فى النفقة وكذلك قال ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس كما ذكره القرطبى ، وقال المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة ، فى سبيل الله وتخافوا العيلة فيقول الرجل : ليس عندى ما أنفقه وذكر القرطبى خمسة أقوال فى تفسير هذه الآية . وقال : روى الترمذى عن يزيد بن أبى حبيب عن أسلم أبى عمران أنهم فى غزو القسطنطينية حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس : إنه يلقى بيديه إلى التهلكة ، فصحح لهم أبو أيوب الأنصارى معنى الآية بأنها نزلت فى الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه قالوا : هلمَّ نقيم فى أموالنا ونصلحها لأنها ضاعت فالتهلكة هى الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو .
ثم تحدث القرطبى عن حكم اقتحام الرجل فى الحرب وحمله على العدو وحده . وقال : إن بعض العلماء المالكية أجازوا أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ، لأن مقصوده واحد منهم كما قال تعالى : {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} وقال ابن خويز منداد : فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان : إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو هو فحسن ، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا ، وقد بلغنى أن عسكر المسلمين لما لقى الفُرسْ نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألفه ، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل ، فحمل على الفيل الذى كان يقدمها فقيل له : إنه قاتلك ، فقال لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين ، وفعل البراء بن مالك حيلة فى حرب بنى حنيفة حتى دخل حصنهم وفتح الباب فدخل المسلمون .
وذكر القرطبى ما رواه مسلم فى دفاع رجل من الأنصار عن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقاتل العدو حتى قتل ، وفعل مثله العدد القليل الذين أحاطوا بالرسول ، وهذا دليل على أن المخاطرة التى فيها منفعة للمسلمين لا بأس بها ولا تعد من الإلقاء باليد إلى التهلكة ، كما ذكر القرطبى عن محمد بن الحسن أن المخاطرة بالنفس إذا كان فيها طمع فى النجاة أو النكاية فى العدو لا بأس بها ، وإلا كانت مكروهة لأنه عرض نفسه للتلف فى غير منفعة للمسلمين إلا إذا قصد تشجيع المسلمين حتى يصنعوا مثله فلا بأس بها لأن فيها منفعة لهم على بعض الوجوه . ثم تطرق القرطبى من حكم المخاطرة فى الجهاد إلى المخاطرة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال : إنه متى رجا نفعا فى الدين فبذل نفسه حتى قتل كان فى أعلى درجات الشهداء قال تعالى{ وأْمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان : 17 وفى حديث النسائى وابن ماجه بسند صحيح "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وجاء مثل ذلك فى أحكام القرآن لابن العربى(8/69)
عاهد عليه الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ضمير الغائب إذا دخل عليه حرف الجر وهو "عَلَى" كان مكسورا مثل "فلما قضينا عليه الموت" ومثل "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" ولكن جاء فى سورة الفتح مضموما فى قوله تعالى{ومن أوفى بما عاهد عليهُ اللّه} فما السر فى هذا؟
An ضمير الغائب كسائر الضمائر مبنى وقد يكون فى محل الرفع أو النصب أو الجر، وهو إما منفصل مثل "هو الله" "وهم بأمره يعملون" وإما متصل مثل "قوله الحق" "موعدهم الصبح" .
والمتصل إذا كان فى محل نصب كان مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما ، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة مثل :
إنه ، إنها ، إنهما ، إنهن . وإذا كان فى موضع جر فإما أن يكون الجر بالإضافة وإما أن يكون بدخول حرف الجر عليه ، فإن كان بالإضافة يكون مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما ، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة . إذا كان آخر المضاف مرفوعا ، مثل : هذا كتابهُ ، كتابُهَا ، كتابهُم ، كتابهن وكذلك إذا كان آخر المضاف منصوبا مثل إن كتابه ، كتابها ، كتابهما ، كتابَهُم ، كتابَهن . أما إذا كان آخر المضاف مجرورا كان الضمير مكسورا فى كل أحواله مفتوحا فى المفردة المؤنثة . مثل فى بيته ، بيتها، بيتهما، بيتهم بيتهن .
وإن كان الجر بدخول حرف الجر عليه فحركة الضمير تختلف باختلاف آخر الحرف ، فهو مضموم فيما عدا المفردة المؤنثة ، مع من ، عن . ومكسور فيما عدا المفردة المؤنثة ، مع الباء وإلى وعلى . والأمثلة مع على {وسلام عليه} مريم : 15 {أنعم الله عليهم} النساء: 69 .
أما قوله تعالى فى سورة الفتح {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله } بضم الهاء، ففال بعض العلماء إنه استثناء من الأصل ، لأن اسم الجلالة وهو "الله " إذا سبق بمجرور أو مكسور كان النطق به مرققا وليس مفخما كما هو الحال فيما إذا كان قبله فتح أو ضم ، وفى مقام العهد مع الله الذى يقتضى إظهار قوة الله وعظمته .فى النطق بأسمائه كان ضم الضمير فى "عليه " ليكون النطق بلفظ الجلالة مفخما لا مرققا .
وقال آخرون : هناك لغتان فى "عليهم" لغة بكسر الهاء ولغة بضمها، وضمير المفرد المذكر يجئ على مثال الجمع ، فما كسرت فيه الهاء فى المفرد فهو على لغة، وما ضمت فيه فهو على لغة أخرى، واللغتان عربيتان ، والقرآن كله عربى(8/70)
الجفر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن من الكتب المقدسة عند الشيعة ما يسمى بالجفر ومصحف فاطمة، فهل يمكن أن نعرف شيئا عنهما؟
An سبق فى ص 641 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى أن تعرضنا لموقف الشيعة من القرآن وادعاء أنه ناقص . وإن كان بعضهم -من باب التقية-يقسم أنهم لا يعرفون إلا القرآن الذى بين دفتى المصحف المتداول بين المسلمين . لكن عند الكثيرين أن هناك مصحف فاطمة كما نصت عليه كتبهم مثل كتاب " الكافى" الذى هو أوثق كتاب عندهم بعد القرآن الكريم ، جمعه أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُلَيْنى الرازى " 328-329 هـ" وفيه من عدة أحاديث بأرقام 635 / 1 - 642/ 8 ما خلاصته أن فاطمة عليها السلام حزنت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان الملك يأتيها ويسليها ويخبرها بحال النبى صلى الله عليه وسلم ، وأخبرها بما سيكون لذريتها ، ولما عرف علىٌّ ذلك قال لها : إذا حضر فأعلمينى، فكان إذا حضر كتب عنه علىٌّ كل ما قال ، وتلك هى مصحف فاطمة، وليس فيه من الحلال والحرام شىء، ولكن فيه علم ما سيكون ، وجاء فى الحديث رقم 653 ما نصه : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال :
مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، قال : قلت : هذا والله أعلم ،قال : إنه لعلم وما هو بذاك .. .
أما الجفر، فقد جاء فى الأحاديث المذكورة أنه وعاء من أدَم -جلد ثور-فيه علم النبيين والوصيين ، ، وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل ، وفيها -أى هذه الأحاديث- أن عندهم : الجفر الأبيض الذى فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليهم السلام ، والحلال والحرام ومصحف فاطمة ، ما أزعم أن فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرْش الخدش .
والجفر الأحمر وفيه السلاح ، وذلك إنما يفتح للدم ، يفتحه صاحب السيف للقتل ، وفيه : أن بنى الحسن يعرفون هذا الجفر كما يعرفون الليل والنهار ، ولكن الحسد وطلب الدنيا حملهم على الجحود والإِنكار. وفى الحديث رقم 638/4 أن فى الجفر الذى يذكرونه ما يسوءهم ، لأنهم لا يقولون الحق ، والحق فيه ، فليخرجوا قضايا علىٍّ وفرائضه إن كانوا صادقين ، وسلوهم عن الخالات والعمات ، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام ، فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول {فأتوا بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} الأحقاف : 46 " ايتونى" .
وفى الحديث رقم 639/5 أن عندهم الجامعة، وهى صحيفة طولها سبعون ذراعا فى عرض الأديم ، مثل فخذ الفالج ، فيها كل ما يحتاج الناس إليه ، وليس من قضية إلا وهى فيها حتى أرش الخدش .
وجاء فى الحديث رقم 645/ 6 : إن عندنا كتابا أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتبه علىٌّ عليه السلام ، صحيفة فيها كل حلال وحرام . [ هذا الكلام منقول من صحف مصورة من كتاب الكافى مع الترجمة الإِنجليزية ، طبع المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية طهران إيران فى 18/6/1981 - ص 40 بعنوان : باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام ، الجزء الأول : الأصول القسم الثانى (4) كتاب الحجة (3) المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية] .
وربما تعرضنا لذلك فى وقت آخر(8/71)
أخلاق اليهود من القرآن الكريم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لليهود دور كبير فى التاريخ من قبل الإسلام ومن بعد الإسلام ، وتحدث القرآن عنهم بأنهم أفسدوا وسيفسدون ، وقال "وإن عدتم عدنا" فما هى الصفات المتأصلة فيهم من وجهة نظر الدين ؟
An القرآن الكريم حدَّد الشخصية الأخلاقية لليهود ، وتحدَّث عنهم فى إنصاف ، فمدحهم حين يستحقون المدح ، وذمهم حين يمارسون ما يذمون عليه ، وكان ذمهم طاغيا على مدحهم لما جبلوا عليه من أخلاق وما قاموا به من تصرفات منكرة، فمما ورد فى مدحهم قوله تعالى { ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية : 16 أى على عالمى زمانهم .
ومن أخلاقهم المذمومة ما يأتى :
1 -الكذب على اللّه ، قال تعالى : {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } آل عمران :
75 { وقالت اليهود يد الله مغلولة} المائدة : 64 {قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} آل عمران : 181 { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق } المائدة : 18 .
2 - حبهم لسماع الكذب ، قال تعالى { ومن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } المائدة : 41 {سماعون للكذب أكالون للسحت } المائدة : 42 .
3-التمرد على الله . قال تعالى { فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية} المائدة : 13 وهو ميثاق مع اللّه بالصلاة والزكاه والإِيمان بالرسل ومساعدتهم والقرض الحسن .
4 - التمرد على الرسل ، قال تعالى { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة} البقره :55 { كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذَّبوا وفريقا يقتلون } المائدة : 70 { قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } المائدة : 24 .
5 -الجدال والمراء . قال تعالى { وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنىَّ يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } البقرة : 247 { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا } البقرة : 70 .
6 -كتمان الحق والتضليل ، قال تعالى { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } البقرة : 42 { يَلْوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب } آل عمران :
78 .
7 - النفاق ، قال تعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } البقرة : 14 { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب } البقرة :
44 .
8 -إيثار المنفعة الشخصية والأنانية الطاغية ، قال تعالى : {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } البقرة : 87 {ليس علينا فى الأميين سبيل } آل عمران :75 .
9 -حب الشر للناس والسعى فى إفسادهم . قال تعالى : { ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } البقرة : 109 .
10 -كراهية الخير لغيرهم . قال تعالى: { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} آل عمران :125 { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } النساء : 54 .
11 - الكبر والتعالى على الناس : قال تعالى : { نحن أبناء اللّه وأحباؤه } المائدة : 18 { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } النساء : 49{ ليس علينا فى الأميين سبيل } آل عمران : 75 .
12 - الاستغلال والانتهازية ، قال تعالى { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل } النساء : 161 { أكَّالون للسحت } النساء : 42 .
13 - عدم الأدب فى الخطاب . قال تعالى { من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنا فى الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرًا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً} النساء: 46 .
14 - سهولة الاغتيال ، قال تعالى {ويقتلون النبيين بغير الحق} البقرة : 61 .
15 - قسوة القلب وجمود العاطفة . قال تعالى { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة} البقرة : 74 .
16 - عدم الوفاء بالعهود . قال تعالى : { أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم } البقرة : 100 .
17 -تبلد حسهم وموت ضميرهم الأدبى، قال تعالى{ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } المائدة : 79 { ترى كثيرا منهم يسارعون فى الإِثم والعدوان وأكلهم السحت } المائدة : 80 .
18 - التحايل على المخالفة ، قال تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } البقرة : 65 ويفسر ذلك قوله تعالى : { إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم } الأعراف : 163 .
19 - الجبن ، قال تعالى { لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون . لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} الحشر: 13 ، 14 {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} البقرة :
249 { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} البقرة : 96 .
20 - البخل ، قال تعالى { أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرا} النساء : 53 { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } التوبة : 34 .
21 - تحريف الكتب المقدسة قال تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا} البقرة : 79 {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه } النساء :
46 .
22 - استباحة الكفر فى سبيل تحقيق أغراضهم . قال تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} النساء :
51 { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} المائدة : 80 .
هذه صورة من أخلاق اليهود كما وصفها القرآن الكريم . تمردوا على تعاليم اليهودية السماوية واستبدلوا بها تعاليم أخرى زعموا أنها أفضل من التوراة " التلمود" ومن أجل هذا لفظتهم كل الدول التى يحلون بها وتاريخ طردهم من بلاد أوروبا مسطر فى الكتب ، ويؤكد خبث نيتهم ما تركز أخيرا فى صورة بشعة هى الصهيونية بأساليبها الوحشية المعروفة، وإذا كان الله سبحانه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من اللّه فما ظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، وإذا كان الله قد تأذن ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب فذلك يعطينا الأمل فى نصر اللّه لنا عليهم إن نصرناه بالإِيمان القوى والتسلح بكل سلاح مادى ومعنوى، مع وحدة تجمع الكلمة وتعمل للصالح العام . " انظر كتابنا : دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة"(8/72)
من بلاغة القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى سورة القصص جاء قوله تعالى {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} الآية : 20 وفى سورة يس جاء قوله {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} الآية : 19 فما هو السر فى تقديم {رجل } فى الآية الأولى وتأخيره فى الآية الثانية ؟
An القرآن كله فى أعلى درجات البلاغة العربية كما هو معروف ، وقد اجتهد العلماء فى بيان أسرار بلاغته ، فأدركوا بعضها وخفى عليهم البعض الآخر، ووُضعت فى ذلك كتب خاصة، مثل : غرائب آى التنزيل لزين الدين الرازى الخلفى المتوفى سنة 666 هـ ، البرهان فى توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان ، لمحمود بن حمزة الكرمانى المتوفى سنة505 هـ ، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس فى القرآن ، للشيخ زكريا الأنصارى ، متشابه القرآن للقاضى عبد الجبار، وغير ذلك .
وبخصوص ما جاء فى السؤال قال الكرمانى : خصت سورة القصص بالتقديم لقوله قبله { فوجد فيها رجلين يقتتلان } الآية : 15 ثم قال {وجاء رجل } وخصت سورة يس بقوله {وجاء من أقصى المدينة} لما جاء فى التفسير أنه كان يعبد اللّه فى جبل ، فلما سمع بخبر الرسول سعى مستعجلا، أى أن الإِخبار هنا هو عن سعيه وليس عنه ، والتقديم هنا للاهتمام والاعتناء بالفعل لا بالفاعل(8/73)
أصحاب السبت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم أصحاب السبت وما قصتهم ؟
An قال تعالى فى حق اليهود { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } البقرة :65. حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت عقابا وامتحانا لهم ، فكثر السمك يوم السبت فلم يطيقوا الصبر على الامتحان ، فتحايلوا وحبسوه إلى أن ينتهى اليوم فيصطادوه بعد ذلك . قال تعالى { واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } الأعراف :
163 فمسخ الله المعتدين قردة وخنازير، أى جعل أخلاقهم كأخلاقها، وقيل : بل مسخهم الله شكلا وموضوعا، فكانوا قردة وخنازير، ثم قيل : إن الله أهلكهم بعد ذلك حتى لا يتناسلوا، وقيل : بل بقوا وتناسلوا، وتوضيح ذلك فى مكان آخر من هذه الفتاوى .
والقرية قيل : هى " أيلة " أو هى " مدين " بين أيلة والطور، وقيل "طبرية " وقيل : هى من سواحل الشام . وذلك لا يهم .
وذكر المفسرون أن هذه القصة كانت فى زمن داود عليه السلام ، وأن إبليس أوحى إليهم فقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فاتخذوا الحياض ، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد . وبهذه الحيلة كثر صيد الحيتان ، ورأى الناس أن من صنع هذا لا يبتلى ، فعمرت الأسواق بها، وأعلن الفسقة بصيدها، فقامت فرقة من بنى إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهى واعتزلت ، وقيل : إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق ، فرقة عصت وصادت ، وكانوا نحوًا من سبعين ألفا ، وفرقة نهت واعتزلت ، وكانوا اثنى عشر ألفا ، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص ، وأن هذه الفرقة قالت للناهية كما قال الله تعالى { وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذِّبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } الأعراف : 164 .
ويكفى هذا القدر للإجابة على السؤال ، وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد . والمهم أن نأخذ العبرة فلا نعصى أوامر الله ، ولا نسكت عن النهى عن المنكر حتى لا نجازى بما يجازى به العاصون . قال تعالى عن هذه القصة { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين } البقرة : 66 وقال { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون . فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } الأعراف : 165 ، 166(8/74)
أول وآخر ما نزل من القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى أول وآخر آية نزلت من القرآن الكريم ؟
An لا شك أن معرفة تاريخ نزول السور والآيات لها فائدتها العظيمة فى التشريع ، من أهمها معرفة الناسخ والمنسوخ ، حينما يكون هناك نصان مختلفان فى الحكم ، ولا يمكن التوفيق بينهما بمثل التقييد والتخصيص ، وكذلك معرفة تدرج التشريع ، وبيان اهتمام المسلمين بالقرآن والبحث عن تواريخ نزول الآيات والسور .
وأصح ما قيل فى أول ما نزل من القرآن أنه صدر سورة { اقرأ باسم ربك الذى خلق } فى غار حراء كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة فى حديث أول ما بدئ به الرسول من الوحى . وقيل : إن أول ما نزل إطلاقا { يا أيها المدثر } وذلك لحديث رواه البخارى ومسلم أيضا عن جابر بن عبد الله ، ولكن ردَّ عليه بأن ذلك أول ما نزل بعد فترة الوحى . للنص عليه فى رواية أخرى التى جاء فيها "فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فرجعت إلى بيتى وقلت زمِّلونى، فأنزل الله { يا أيها المدثر } وقيل : إن أول ما نزل هو سورة الفاتحة، بناء على حديث رواه البيهقى . وردَّ بأنه حديث مرسل سقط منه الصحابى فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق وقيل : إن أول ما نزل هو البسملة { بسم الله الرحمن الرحيم } بناء على حديث أخرجه الواحدى عن عكرمة والحسن ، ورُدَّ بأنه حديث مرسل كسابقه ، فهذه أربعة أقوال أصحها وأقواها الأول أما آخر ما نزل من القرآن ففيه عشرة أقوال :
1 - قوله تعالى : { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } البقرة : 281 بناء على حديث رواه النسائى عن ابن عباس ، حيث عاش النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم توفى لليلتين خلتا من ربيع الأول .
2 - قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين } البقرة : 278 بناء على رواية للبخارى عن ابن عباس .
3 - قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه } البقرة : 282 .
وجمع السيوطى بين هذه الأقوال بأن الظاهر نزولها دفعة واحدة كترتيبها فى المصحف ، لأنها فى قصة واحدة . لكن الرأى الأول أقوى لما فى الآية من إشارة إلى ختام الدين ووجوب الاستعداد ليوم القيامة ، وللنص فى الحديث على وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بتسع ليال فقط .
4 - قوله تعالى : { فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم } آل عمران : 195 والدليل حديث أخرجه ابن مردويه عن أم سلمة أنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء، فنزلت { ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض } النساء : 32 ونزلت { إن المسلمين والمسلمات } الأحزاب :35 ونزلت آية { فاستجاب لهم ربهم } فهى آخر ما نزل من الآيات الثلاث ، وليست آخر ما نزل من القرآن .
5 -قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } النساء :
93 والدليل ما أخرجه البخارى وغيره عن ابن عباس حيث قال :
هى آخر ما نزل ولم ينسخها شىء، ويجاب على ذلك بأنها آخر ما نزل فى حكم قتل المؤمن عمدا، وليست آخر ما نزل من القرآن .
6 - قوله تعالى : { يستفتونك قل اللّه يفتيكم فى الكلالة} النساء :
176 والدليل ما رواه البخارى ومسلم عن البراء بن عازب ، ورد بأنها آخر ما نزل فى المواريث ، كما قال عن سورة براءة بأنها آخر ما نزلت ، فيحمل القول على أن ذلك بالنسبة لتشريع الجهاد والقتال ، فالآخرية نسبية إضافية لا حقيقية مطلقة .
7-سورة المائدة، بناء على رواية للترمذى والحاكم عن عائشة ، وردَّ بأنها آخر سورة نزلت فى الحلال والحرام فلم تنسخ فيها أحكام ، فالآخرية مقيدة بذلك وليست مطلقة .
8-قوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } التوبة : 128 بناء على ما رواه الحاكم وابن مردويه عن أُبى بن كعب ، ويرد عليه بأن الآخرية معناها أنها آخر آية نزلت من سورة براءة ويؤيده ما قيل :
إن هذه الآية وما بعدها نزلت بمكة مع أن السورة مدنية، فالسورة تحدثت عن الجهاد ، والآيتان ليس فيهما أمر به ، لأن الجهاد لم يفرض بمكة .
9- آخر سورة الكهف { فمن كان يرجو لقاء ربه } بناء على ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبى سفيان ، ويرد عليه بأن الآخرية بحسب عدم نزول ما ينسخها بعدها .
10 -{ إذا جاء نصر الله والفتح } لما رواه مسلم عن ابن عباس ، وردَّ بأنها آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن أنه قال حين نزلت " نُعيتْ إلىَّ نفسى " وفهم ذلك بعض كبار الصحابة، فقد ورد أن عمر بكى عند سماعها وقال : الكمال دليل الزوال .
ويحتمل أنها آخر ما نزل من السور فقط كما تدل عليه رواية ابن عباس .
هذا ما لخصته من الإِتقان فى علوم القرآن للسيوطى . ومن مناهل العرفان للزرقانى ، ومن أراد الزيادة فليرجع إليهما(8/75)
الكون يسبح الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى الآيات القرآنية أن كل شىء يسبِّح الله ، فبأى لغة يكون هذا التسبيح ؟
An التسبيح معناه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به ، وقد يكون ذلك بالقول وبالفعل ، وبأية صورة تنبئ عن ذلك كالصلاة وذكر الله تعالى ، وهذا التسبيح يلزمه الإِيمان بوجود الله وبألوهيته ، ومثله السجود بمعناه العام وهو الخضوع واللجوء إليه ، والكون كله ساجد لله ومسبح له بهذا المعنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى : { سبَّح لله ما فى السماوات وما فى الأرض } وقوله تعالى : { ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والأرض والطير صافات كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه } النور : 41 وقوله : { ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ... } الحج : 18 وقوله تعالى : { وإن من شىء إلا يسبِّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } الإِسراء : 44 والتسبيح الذى يعتمد على اللغة ليس كل إنسان قادرا على فهمه ، فلكل من المخلوقات لغته ، ولا يفهمها إلا من خصه اللّه من عباده المقربين كداود وسليمان عليهما السلام {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء} النمل : 16 .
وبعض العلماء يقول : إن التسبيح باللغة يكون من الأحياء النامية كالحيوان والنبات ، وأما تسبيح غيرها كالجماد فهو بمعنى الدلالة على وجود اللّه ووجوب عبادته ، وقال بعض آخر : قد يكون تسبيح الجمادات بلغة خاصة كما جاء فى إكرام الله لداود بقوله تعالى : { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإِشراق . والطير محشورة كل له أوَّاب } ص : 18 ، 19 .
والمهم أن كل الكائنات تسبح وتسجد وتخضع لقدرة الله ، ولكلٍّ لغتها وطريقتها فى ذلك ، ومما جاء من النصوص والأخبار فى هذاالموضوع إلى جانب ما ذكر :
1 -روى البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " وفى غير هذه الرواية عنه رضى الله عنه : كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه . وهناك عدة روايات فى تسبيح الطعام مذكورة فى الزرقانى على المواهب "ج 5 ص 121" .
2-روى مسلم عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث ، إنى لأعرفه الآن " قيل هو الحجر الأسود . وهناك عدة حوادث فى تسبيح الحصا فى يد الرسول وأبى بكر وعمر "المرجع السابق ص 120 " .
3- حنين الجذع الذى كان يخطب إليه ، رواه البخارى وغيره ، وقيل إنه متواتر، وسمع لحنينه صوت كصوت الناقة العشراء ، والكلام طويل عنه فى " الزرقانى على المواهب ج 5ص 133" .
4 -أخرج النسائى فى سننه عن عبد الله بن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع وقال " نقيقها تسبيح ". وأخرجه ابن سبيع فى " شفاء الصدور " كما ذكره الدميرى .
5-روى ابن ماجه فى سننه ومالك فى موطئه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة " .
6 -ذكر القرطبى فى تفسير قوله تعالى : { وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } بعض أقوال منقولة عن عبد الله ابن مسعود وأنس بن مالك أن الجبال يكلم بعضها بعضا ، كما ذكر فى "ج 13 ص 165 " ما تقوله بعض الطيور ، وليس لذلك سند صحيح يعتمد عليه ، ثم قال : الصحيح أن الكل يسبح ، للأخبار الدالة على ذلك ، ولو كان التسبيح تسبيح دلالة فأى تخصيص لداود؟ وإنما ذلك تسبيح المقال ، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح ، وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شىء ، فالقول به أولى .
وأقول : لقد أثبت العلم أن للحيوانات والطيور لغات تتفاهم بها ، فلا استحالة فى كون كل المخلوقات تسبح بحمد اللّه بلغة خاصة بها، وإن كنا لا نفهمها ، كما أنه لا مانع من تفسير التسبيح بأنه بلسان الحال ليعتبر الإِنسان ويؤمن ويسجد لله ويسبِّحه { قل انظروا ماذا فى السماوات و الأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } يونس : 101(8/76)
الهداية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول اللّه تعالى : { إنك لا تهدى من أحببت ولكن اللّه يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } القصص : 56 ذكرت الهداية ثلاث مرات فى هذه الآية ، فهل معناها واحد أم مختلف ؟
An جاء فى القاموس : يقال : هداه هُدًى وهدْيًا وهِدَاية وهِدْية - بكسرهما - أرشده فتهدَّى واهتدى . وهداه اللّه الطريق دَلَّه ، والهُدَى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد .
قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد " : الهداية أربعة أنواع :
أحدها : الهداية العامة المشتركة بين الخلق ، المذكورة فى قوله تعالى{ الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى } طه : 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره ، وأعطى كل عضو شكله وهيئته ، وأعطى كل موجود خلقه المختص به ، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال ، قال : وللجماد أيضا هداية تليق به ، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها ، وكذلك لكل عضو هداية تليق به ، فهدى الرجلين للمشى ، واللسان للكلام ، والعين لكشف المرئيات وهلمَّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد ، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه ، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو .
الثانى : هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك ، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام ، فإنها سبب وشرط لا موجب ، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فصلت : 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا ، ومنها قوله تعالى { وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم } الشورى : 52 .
الثالث : هداية التوفيق والإلهام ، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء ، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى{ يضل من يشاء ويهدى من يشاء } المدثر : 31 وفى قوله تعالى : { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل } النحل : 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم : " من يهدى اللّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى : { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص : 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى : { وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم } الشورى : 52 .
الرابع : غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما ، قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم } يونس : 9 وقال أهل الجنة فيها { الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله } الأعراف : 43 وقال فى حق أهل النار : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم } الصافات : 22 ، 23 انتهى ما قاله ابن القيم .
والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف ، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } على التهكم . ثم قال : وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عدٌّ ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة .
الأول : إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه ، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة . والثانى : نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد ، وإليه أشار حيث قال { وهديناه النجدين } البلد : 10 وقال { فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} .
والثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإياها عنى بقوله : {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء : 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم } الإسراء : 9 .
والرابع : أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء ، وإياه عنى بقوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } الأنعام : 90 وقوله { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت : 69(8/77)
الفاتحة للنبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قراءة الفاتحة للنبى ؟
An الفاتحة كما ورد فى حديث البخارى هى أعظم سورة فى القراَن وهى السبع المثانى والقران العظيم . ومن قرأها أعطاه اللّه ما سأل من الهداية إلى الصراط المستقيم كما رواه مسلم ، وكما جاء فى رواية أخرى له " لن يقرأ بحرف منها إلا أعطيه " .
وإذا قرأها الإنسان للنبى صلى الله عليه وسلم ، فالظاهر أنه يهب ثوابها إليه ، مع غنى الرسول عن هذا الثواب فقد شرفه الله وكرمه أعظم تشريف وتكريم ، لأن هذه الهبة علامة على حب من قرأها للنبى عليه الصلاة والسلام ، تماما كالصلاة على النبى ، فإن معناها طلب الرحمة من الله له ، وهو عليه الصلاة والسلام مرحوم ، والمحب يحرص ويسرُّ بتقديم هدية إلى المحبرب رمزا وعلامة على حبه .
وكثيرا ما يقول قارى الفاتحة للنبى " زيادة فى شرف النبى " فالنبى مشرف وهو يطلب من الله أن يزيده شرفا ، وكل ذلك دليل على الحب ، وحبه عليه الصلاة والسلام فرض على المؤمن لا يتم إيمانه إلا به ، كما رودت بذلك الأحاديث . وإذا كان حبه يتمثل فى اتباع سنته أى طريقته التى تركها لنا ممثلة فى القراَن والسنة، فليس هناك ما يمنع أن نبرهن على حبنا بإهداء ثواب الفاتحة له والصلاة عليه أى طلب الرحمة من اللّه له " انظر ص 408 ج 5من الزرقانى على المواهب "(8/78)
حول نظم القرآن الكريم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا قال الله فى بعض السور { آمنا برب العالمين رب موسى وهرون } وفى بعضها { آمنا برب هارون وموسى} فما هو السر فى تقديم موسى مرة وتأخيره مرة أخرى؟
An جاء التعبير عن إيمان سحرة فرعون باللّه الذى أرسل إليهم موسى وهارون جاء فى ثلاث سور هى الأعراف وطه والشعراء، وفى بعضها قدم ذكر موسى على هارون وفى بعضها الآخر قدم هارون على موسى .
وليست لذلك حكمة منصوصة، بل هى استنتاجات قد تصادف الحقيقة وقد تنبو عنها، وقد قال علماء النحو: إن العطف بالواو يفيد مطلق الجمع دون ترتيب ولا تعقيب ، فالله ربُّ موسى وهارون جميعا ، وإيمان السحرة بهما واحد لا ميزة فيه لأحد على الآخر .
غير أن من مظاهر البلاغة العربية ، التناسب بين رءوس الفقرات ، والقران الكريم فى أعلى درجات البلاغة . فناسب بين رءوس الآيات حتى يكون وقف القارئ عليها فيه مسحة من جمال الأداء .
والناظر إلى سورة الأعراف يجد آياتها تنتهى بنون قبلها مَدُّ بالواو أو الياء ، ونادرا ما يوجد بدل النون ميم أو لام ، فالصوت عند الوقف يَسْكن دون انطلاق نَفَسِ مع الإحساس بنغمة مؤثرة ، ولذلك كان لفظ "هارون " مؤخرا على لفظ " موسى" لتناسب رءوس الآيات ، ونجد مثل ذلك فى سورة الشعراء { رب موسى وهارون } ومن أجل مراعاة التناسب فى سورة الشعراء حذفت ياء المتكلم من آخر الكلمة وبقيت النون التى هى للوقاية وليست للرفع لأن الفعل قد يكون منصوبا مثل "أخاف أن يكذِّبون " ومثل " فأخاف أن يقتلون " ليتناسب مع { آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون } أما فى سورة طه فنهاية الآيات صوت مطلق بالمد المفتوح فى أغلبها، وقليل منها بالمد المكسور، وذلك يتناسب مع لفظ " موسى" فقدم عليه لفظ هارون لتنتهى الآية بما يتناسب مع نهايات الآيات الأخرى ، مثل { طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى .إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العُلى . الرحمن على العرش استوى} فيتناسب معه { آمنا برب هارون وموسى} .
هذا ما ظهر لى من الحكمة ، ولا أجزم بأنها المراد للّه سبحانه(8/79)
عظمة القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيح قوله تعالى :{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } ؟
An تجىء هذه الآية فى نهاية سورة الحشر التى تتحدث عن إجلاء بنى النضير عن المدينة المنورة ، وهم إحدى أسر من أهل الكتاب الذين كان يؤمل فيهم أن يكونوا من أول المصدَّقين بالقران الذى نزل على الرسول الذى كانوا ينتظرونه ويقرءون أوصافه فى كتبهم ، لكنهم حسدًا وبغيا كفروا كما قال سبحانه :{ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عوفوا كفروا به }[ البقرة: 89] ومع تكذيبهم للقرآن والرسول تعاونوا مع كفار مكة على مقاومة الدعوة ، وقد أذاق الله كفار مكة وبال أمرهم فى بدر كما أذاق بنى النضير عاقبة أمرهم {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم }[الحشر :
15 ] وهكذا لا يدفع شخص عن آخر فكل يتحمل تبعة عمله{كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} [الحشر: 16 ، 17 ] والواجب على كل إنسان أن يسيطر على نزغات الشيطان وهوى النفس ولا يعمل للدنيا فقط بل يعمل حساب المسئولية يوم القيامة { يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد}{ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم }{ لايستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة}[الحشر: 18 ، 9 1 ، 0 2 ] .
كان الواجب على الناس جميعا ، وقد جاءتهم الرسالة العامة، أن ينظروا فى الكتاب المنزَّل على هذا الرسول نظرة منصفة موضوعية بعيدة عن التعصب والهوى، ومن خلال هذه النظرة سيكون لكل منهم رأى فيه ، وسيقتنع تماما بصدقه ويسارع إلى العمل بما فيه ، لكن اكثر الناس تتغلب عليهم أهواؤهم ، ويضف عقلهم امام شهواتهم ، فيعارضون الحق لذات المعارضة دون سبب معقول ، مع أن هذا القرآن ، وهو من عند الله ، لو نزل على جبل أعطاه الله عقلا، لتأثر كل التأثر ولم يملك إلا الإيمان بالله الذى أنزله ، وبالرسول الذى بلغه ، إن هذه القوة الجبارة لا بد أن تخشع وتذل وتضف ، بل لا بد أن تتمزق وتتصدع ويتلاشى كبرياؤها عند سماع القرآن ، كما يقول سبحانه {ولو أن قرآنا سيرِّت به الجبال أو قطِّعت به الأرضى أو كلِّم به الموتى بل لله الأمر جميعا }[ الرعد : 31]ولكن الإنسان بعناده وتسلط شيطانه لم يتأثر بروعة القرآن وعظمة من انزله ، ومن قبل القرآن لم يتأثر أسلاف بنى النضير، والحديث عنهم موضوع السورة ، من الآيات المنزلة على الأنبياء قبل كما قال سبحانه فيهم : {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله }[ البقرة : 74 ] .
إن الآية تدعو الجميع إلى أن يستقل كل إنسان بالنظر إلى القرآن بعيدا عن إغواء داخلى أو خارجى، وبالنظر المنصف سيخشع العقل ويخشع القلب وتخشع الجوارح ، سيخشع العقل عندما يعرف الإعجاز الذى نزل به القرآن فيؤمن عن صدق بأنه ليس من عند محمد بل من عند الله ، وسيؤمن بالله من خلال ما فيه من آيات وأخبار صادقة وهداية حكيمة ، كما يقول سبحانه { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }[محمد :24]وكما قال { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء : 82 ] وقد أوشك بعض كبار قريش أن يؤمن عندما أخذ بروعة ما تلى عليه ،فقال :
إن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر.ولكن المؤثرات القوية التى تحيط به ضيعت ما تأثر به عند سماع القرآن ، وقد كان بعضهم ، وقد تعاهدوا على معارضة الدعوة، يتسرب خفية لسماع القرآن فيعود متأثرا ، ولكن التعصب جعلهم كما يقول القرآن الكريم {كالأنعام بل هم أضل } وبالإقبال على القرآن يخشع العقل أيضا وهو يستخرج كنوزه ويجلَّى هدايته ، فيرى فيه دستورا كاملا للحياة الطيبة ، ويحس فيه روعة التشريع وإحكامه ، كما يحس تقديره لكرامة الإنسان وإعداده لطور جديد من حياته البشرية يحقق به الخلافة فى الأرض ، ومن هنا كان حث الرسول عليه الصلاة والسلام على تعلم القرآن ونشر هدايته فيقول " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم ويقول فى حديث رواه الترمذى وغيره وحسَّنه " يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة " .
وكما يخشع العقل يخشع القلب والوجدان ، فيستقر الإيمان بالله ويقوى كلما قرئ القرآن ، ويرق الوجدان والعواطف كلما كثرت قراءته أو سمعت آياته تتلى ، كما يقول سبحانه { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلو الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } [ الزمر: 23 ] إن أول أثر يروع الإنسان هو الدهشة والقشعريرة ، وعند التأمل والانتقال بين فقراته من وعيد إلى وعد ، ومن آية إلى آية يطمئن القلب ويألف هذا الجو الجديد كما يقول سبحانه { إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا }[ الأنفال : 2 ] وليس الإنسان وحده هو الذى يتأثر لكلام الله تلاوة واستماعا فقد تأثرت به الملائكة ونزلت تستمع إليه من أُسيد بن حضير وهو يقرؤه ليلا، حتى إن فرسه التى كانت بجواره اضطربت لما أحست بما فى الجو من نور ومواكب غريبة عليه ، وقد قال عنها الرسول الكريم كما ثبت فى الحديث الشريف : إنها الملائكة نزلت تستمع القرآن ، ولو قرأ حتى يأتى الصباح لأمكن رويتها، وهو ترغيب للمؤمنين فى كثرة تلاوته ، وبالإنصات له عند سماعه وعدم الانشغال عنه بلهو الحديث ، فتلاوته تجارة لن تبور، وبكل حرف منه عشر حسنات ، والمنزلة فى الجنة بقدر ما يقرأ منه كما صح فى الحديث :" يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق كما كنت تقرأ فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقروها " رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه ، وقال الترمذى : حسن صحيح .
وكما يخشع العقل المفكر والقلب المتأثر تخشع الجوارح بالعمل ، وخشوعها بالعمل يكون من منطلق الإيمان بالله وبالقرآن المعجز وبما فيه من هداية هى المثالية فى كل مجال من مجالات النشاط البشرى ، كما يقول سبحانه:{ إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم }[الإسراء : 9 ] وكما كان النبى صلى الله عليه و سلم يعمل ، فقد كان خلقه القراَن ، تلقيا وتعليما وتبليغا وعملا وتطبيقا، وبهدايته المثالية والحرص على تطبيقها تكونت أمة كانت خير أمة أخرجت للناس ، قوة وتماسكا وحضارة ومدنية ، ولم يفارق رسول الله الدنيا إلا بعد أن أوصانا بالتمسك به حتى لا نضل " إنى تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى" رواه الحاكم وصححه ،فهو حبل الله المتين ، ومن يعتصم به فقد هُدى إلى صراط مستقيم .
والغاية من تدبر القرآن والخشوع له تقوية إيماننا بالله ، وإسعاد الإنسان فى دنياه وأخراه ، والله الذى أنزل القرآن هو الموصوف بعد هذه الآية بالوحدانية والرحمة والملك والتقديس والسلامة من كل نقص والمصدق لرسله بآياته ، والمسيطر على الكون كله بقدرته وعلمه ، والعزيز الذى لا يذل ، والمتعالى عن كل نقص ، والخالق للعالم والمبدع له على غير مثال سبق والمصور له كيف يشاء ويختار، والموصوف بكل كمال ، فكيف يشرك المشركون به آلهة ليس لها هذا الكمال ؟ إن الكون كله يسبح لله بالتوحيد والطاعة ، وما أظلم لإنسان وأجهله إذ وقع تحت تأثير غرائزه وشهواته ، فيا أمة محمد أناديكم بما نادانا به رب العزة { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } [ الحديد : 16 ](8/80)
التفسير العلمى للقرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل العلوم التى اكتشفت حديثا توجد فى القرآن ، وهل هناك حاجة إلى تفسير القرآن تفسيرا علميا على ضوء الاكتشافات الحديثة؟
An سبق فى ص 116 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى بيان أن مهمة القرآن هى الإعجاز والهداية ، وأن ما فيه من حقائق علمية تدعو إلى النظر والتأمل ، وزيادة فى الإيضاح وإجابة على السؤال نقول :
هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش ، وانقسم الناس فيها فريقين :
( أ ) فريق يقول : نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة .
ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى ، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن ، وحمل الألفاظ عليها . واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى :
1ـ أن الله تعالى قال { ما فرطنا فى الكتاب من شىء } [ ا لأنعا م : 38 ] .
أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن . فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها .
ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق ، ما كان منها وما يكون ، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية . أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم ، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه ، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين ، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن ، فالعموم فى كل شئ بحسبه .
2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه ، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها .
ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك ، فأصول الهداية فيه ، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور .
وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود .
( ب ) والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها ، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه . وحجتهم فى ذلك :
1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها ، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها . وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق .
2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب ، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون ، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها ، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال ، وحاشاه أن يكون كذلك ، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص ، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم ، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج 2 ص 52 " : ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد ، منها : أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين ، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها . وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح ، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه ، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام ...وما يلى ذلك . ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة ، إلا أن ذلك لم يكن ، فدل على أنه غير موجود عندهم ، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا .
3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب .
وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن ، ، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح ، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق ، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول ، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى { سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }[فصلت : 53 ]وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب ، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك { أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد} .
ويناقش الدليل الثالث ، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا ، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة ، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق ، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت ، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل ، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث .
7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى :ـ ( أ ) أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية ، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل ، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم ، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز .
وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله ، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها ، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن ، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته ، مهما كان مستواه العلمى .
( ب ) أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه و سلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها ، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل ، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير. وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها ، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين ، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن ، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه ، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع . حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تغب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية . وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله ، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن ، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة ، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة .
وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه ، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية .
( ج ) أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء ، على خلاف الكلام العادى للناس ، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة ، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام ، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا ، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم ، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء . كما قال سبحانه { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر }[ القمر: 17 ، 22 ، 32 ، 40 ] .
يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره : أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق ؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة ؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء ، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل ، ومرة إلى أولى العلم ؛ ومرة إلى السامعين ، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها .
( د ) أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه . ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين }[المؤمنون : 12 -13 ] وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن }[ البقرة : 222] ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة . .
الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به ، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب .
وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة ، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء . وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها ، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد .
8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسيرا بالرأى المحض ، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله . وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة ، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام ، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين ، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به .
والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه ، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون . قال إبراهيم التيمى : سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال : أى سماء تظلنى ، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم . وقال أنس . سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال : كل هذا قد عرفناه ، فما الأبُّ ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمرو الله التكلف ، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ . ثم قال : اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه "القرطبى ج 9 1 ص 223 " وذلك كطه من وحى قوله صلى الله عليه و سلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم ، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس . قال ابن عطية : ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء ، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول ، ، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه ، الفقهاء معانيه ، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج 1 ص 32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة ، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه ، فكفى بالله شهيدًا على صدقه .
9 ـ إن من قواعد المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته فى الموضوع الواحد فهى تفسر بعضها بعضا ، وخير ما فسرته بالوارد، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم فى آية مخصصا أو مقيدا أو مبينا فى آية آخرى ، وهكذا ، على أن يراعى السباق والسياق فى فهم المراد من الآية . والخطأ الذى يقع فيه كثير من الباحثين الآن - وكثير منهم غير أهل للتفسير- أساسه عدم مراعاة هذا المنهج ، فهم يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون ، وهم لا ينظرون إلى مثل هذه الآية فى موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها ، فلهذا يخطئون كثيرا فيما يزعمون . روى البخارى ومسلم أنه لما نزل قول الله تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }[الأنعام : 82 ] قال بعض الصحابة :
يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ليس بذلك ، ألا تسمع إلى قول لقمان { إن الشرك لظلم عظيم } . فالظلم الذى نزلت به هذه الآية عرف المراد منه بما نزل فى الآية الأخرى، وهو الشرك .
ومن مظاهر الخطأ فى التفسير لعدم اتباع هذا المنهج أن بعض الباحثين - ولا أقول المفسرين - أراد أن يبرهن على أن الأرض تتحرك وتسير وليست ثابته ، فأورد قوله تعالى : {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب }[النمل : 88 ] فمرور الجبال كالسحاب دليل على أن الأرض تتحرك ، هكذا يقول . وقد نسى أن الآيات التى اكتنفت هذه الآية تتحدث عن النفخ فى الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم ، فالجو كله فى يوم القيامة سباقا وسياقا . وليس ذلك فى عالم الدنيا . ونسى أيضًا أن الحديث عن ظاهرة مرور الجبال يوم القيامة ورد فى آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى :{يوم تمور السماء مورا .
وتسير الجبال سيرا . فويل يومئذ للمكذبين }[ الطور: 9 - 11 ] وقال { إذا الشمس كوِّرت . وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيِّرت..} [التكوير: 1 ـ 3 ] والمقام كله فى يوم القيامة .
10 ـ وهذه بعض الكشوف العلمية التى حاول الكاتبون أن يستدلوا عليها بالقرآن :
1 ـ فى غزو الفضاء قالوا : يدل عليه قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }[ الرحمن : 33 ] فالسلطان هو العلم وبواسطته نفذ الإنس من الأقطار. ويرد عليه بأن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة ، وتبين قدرة الله على محاسبة كل من الإنس والجن ومجازاته لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا بسلطان ، أى قدرة عظيمة أو ملك قوى، وليس ذلك لأحد إلا لله . أو تتحدث عن القضاء بالموت على كل حى لا يهرب منه أحد فكل من عليها فان ، لا ينجو منه إلا بالسلطان المذكور وهو لا يملكه .
وقال ابن عباس فى تفسيرها : إن استطعتم أن تعلموا ما فى السموات وما فى الأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أى ببينة من الله ، ومعنى هذا أن الغيب لا يعلمه إلا الله ، الذى يطلع عليه من يشاء من عباده . فلو فرض أن المراد بالسلطان هو العلم كما يشير إليه قول ابن عباس ، فإن هذه الآية ليست نصًّا فى الزعم الذى يقوله المتحدثون . وعلى ذلك لا تصح دليلا لهم ، على أنه لو كان ذلك صحيحًا فما المانع أن يطلع الله بعض الناس على علوم الكون بسلطان العلم ، ولكن هل نفذ الإنس بعلمهم من أقطار السموات أيضا ، أو نفذوا فقط - إلى الآن - من أقطار الأرض وجاذبيتها ، وبقيت السموات حجرًا محجوراً ؟ إن كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طريق الآلات الحديثة لا يعدو أن يكون فى سماء الدنيا، فإن الكشوف الفلكية والكواكب وأبعادها وسرعة ضوئها ودورانها ما زالت فى إحدى السموات وهى الدنيا ، الشمس تبعد عن الأرض 93 مليون ميل كما قال تعالى : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب }[ الصافات : 6 ] فهل يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماء الدنيا كلها ثم يتطلعون إلى بقية ا لسموا ت ؟ على أن المقام ، كما ذكرت ، هو مقام الحساب والجزاء بدليل السباق والسياق ، فأولى أن يحمل اللفظ على ما يليق به ، ولا داعى للتعسف وطلب دليل من القرآن ، فكم من حقائق علمية ثبتت بغير الاستدلال عليها من الكتاب الكريم ، ولا ضير فى ذلك أبدًا ، على ما علمت من مهمة القرآن فى الهداية والإعجاز .
( ب ) استدل بعض العامة من الناس على كروية الأرض بالآية السابقة قائلا إن التعبير بالأقطار يثبت كروية الأرض وكروية السموات ، لأن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراًّ بمركز الدائرة ، والأقطار لا تكون إلا للدوائر وهذا بالتالى يثبت الكروية . ويرد عليه بأن القطر الذى يتحدث عنه هذا الشخص اصطلاح هندسى لم تعرفه العرب فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية لا الخط المذكور، والنفاذ من الأقطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ لا من الخطوط التى يتصورها المهندسون .
إن كروية الأرض حقيقة ثابتة ، وحياة الناس وتطورها مبنى عليها ، والدليل على ذلك ليس من القرآن ، ولا داعى لالتماسه منه أبدًا ، على ما علمت من مهمته فى الإعجاز وهداية الناس .
( ج ) دور الرياح فى تلقيح النبات بحمل مادة الذكورة إلى مكانها الذى تلتقى فيه بمادة الأنوثة فيكون الإخصاب ، على ما هو مقرر فى علم النبات . استدل عليه البعض بقوله تعالى : {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه }[ الحجر: 22 ] فاللواقح جمع لاقح بمعنى حاملة للقاح ، أو ملقحة لغيرها بما تحمله ، إن دور الرياح فى نقل اللقاح معروف ، ولكن فى أخذه من هذه الآية تعسف وتكلف ؛ ذلك أنه لو كان المراد تلقيح النبات لجاء عقبها ما يتحدث عن النبات فيقال مثلا: فزكا الزرع وخرج الثمر ولكن الذى حدث أن الذى جاء بعدها قوله تعالى: {فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه }وهذا يشير إلى أن المعنى أن الرياح المحمَّلة ببخار الماء ؛ يرسلها الله فتتجمع السحب ويتكاثف البخار ويبرد فى الطبقات الجوية الملائمة فينزل الماء ، وهذا هو التنسيق المعقول بين إرسال الرياح اللواقح وإنزال الماء من السماء لسقى الناس . فأولى أن تحمل الآية عليه ، ولا يتعسف بحملها على ما يثبت دورها فى تلقيح النبات ، فذلك مشاهد بالملاحظة والنظر لا حاجة إلى الدليل النقلى عليه .
( د ) قالوا : إن حدود الكون تتسع وتمتد ؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :{ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون }[ الذاريات : 47 ] ؛ لكن العلماء قالوا : إن لفظ { موسعون } مأخوذ من أوسع الرجل إذا صار ذا سعة وغنى ؛ ومنه قوله تعالى { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره }[البقرة : 236] فالآية تدل على قدرة الله ، وقدرته تتجلى فى أشياء كثيرة، ولا مانع أن يكون منها توسيع حدود الكون ، فهو الذى خلقه بقدرته وعلمه . فلا ينبغى قصر معنى السعة على هذا الذى يريده علماء الفلك والطبيعة .
( هـ ) قالوا : إن كل شىء فى السماء يعتريه ازدياد مفاجئ فى حرارته وحجمه وإشعاعه بدرجة لا تتصورها العقول ، وعند ذلك يتمدد السطح بما حوى من لهب ودخان ، حتى يحصل على توازنه الدائم ، والشمس لم تمر بهذا الدور بعد، فإذا مرت به وتمدد سطحها الخارجى حتى وصل القمر يختل توازن المجموعة الشمسية كلها، وذلك يوم القيامة ، ويدل عليه قوله تعالى { فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين }[الدخان : 10 ] قال المفسرون : إن هذا الدخان من علامات الساعة كما فى صحيح مسلم ، وقيل إن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه و سلم عليهم ؛ كما رواه البخارى فى حديث يصور هذا الجوع جاء فيه : فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله {فارتقب...}وجاء فيه : أن النبى استقى لهم فسقوا ولكن استمروا على عنادهم فقال الله تعالى :{يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } يعنى يوم بدر، وقيل إنه غبار الجيش يوم فتح مكة .
( و ) قالوا أيضًا مما يشير إلى قلة الأوكسجين فى الطبقات الجوية العليا قوله تعالى :{ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا كأنما يصَّعَّد فى السماء }[الأنعام : 125 ] وظاهرة ضيق الصدر تحصل عند الارتفاعات العليا ، ومثل هذا واضح لا شك فيه ، ويفيد فى تصور المعنى المراد دون أن يمس قدسية القرآن .
كما قالوا : إن الأبعاد والمسافات الشاسعة بين النجوم والتى لا يمكن حساب بعضها يشير إليه قوله تعالى { فلا أقسم بمواقع النجوم } [الواقعة : 75 ] فإن مجموعات النجوم التى تكون أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو 700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات للضوء يقطع فى العام نحو 88، 5 مليون ميل أى نحو 6 مليون ميل ( مجلة العربى يوليو 1970 م )( الضوء يقطع فى الثانية186000 ميل ) 000 ، 300 ك م فهذه الأبعاد الشاسعة جديرة بأن يقسم الله بها لعظمها، وهذا وجه من وجوه العظمة وقد يكون منها دقة مساراتها وعدم تصادمها وتحديد الجاذبية فى كل منها ، فالآية شاملة وعامة .
وقالوا أيضًا : مما يدل على قوة الاستدلال ببصمات الأصابع على شخصية صاحبها قوله تعالى :{بلى قادرين على أن نسوِّى بنانه } [القيامة : 4 ] لأن دقة الخطوط واتجاهاتها وعددها لا يكاد يتفق فيها شخصان ، فتسويتها يوم القيامة على ما كانت عليه بعد أن كانت ترابًا منثوراً موزعا فى أماكن قاصية دليل قدرة الله تعالى، وهذا وجه من وجوه قدرة الله على بعث الناس يوم القيامة بأجسامهم المشخصة لهم بعد فنائها .
مثل هذه الأمثلة الأخيرة لا يضر توضيح آيات القرآن به أبدا ، ولكن الممنوع قصرها على هذه المكتشفات ، أو التعسف فى التأويل الذى يخرج به اللفظ عن أصل وضعه اللغوى واستعماله العرفى عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم .
وبعد، فهذا عرض موجز لموقف القرآن من الكشوف العلمية الحديثة رأينا فيه تشجيعه للبحث والنظرة ورأينا دقته حين يعرض لشىء علمى كشف عنه البحث أخيرا ، وهذا دليل صدقه وأنه من عند الله وحده أيَّد به رسوله محمدًا صلى الله عليه و سلم . والمقررات العلمية الثابتة ستزيد معانى القران وضوحًا ، وهذه صورة من صور التعانق بين العلم والدين ، أى العلم الثابت الأكيد ودين الله الذى أنزله هداية للناس جميعًا {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} فليكن فهمنا له على ضوء لحقائق الثابتة لا النظريات الفجه ، ولنحفظ له قدسيته فلا نقول على الله بغير علم ، ولا نجعله حمى مستباحا لكل كاتب يجيل فيه قلمه بما ترمى به الأفكار الشاردة ، ، فليس كل مجال تباح فيه الحرية للجائلين {ألا إنهم فى مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شىء محيط}[ فصلت : 54 ] .
تتمة :
وردت بعض الأحاديث فى مسائل علمية لم يوافق عليها العلم إلى الآن كحديث الذباب إذا وقع فى الإناء والأمر بغمسه كله لأن فى أحد جناحية داء والآخر دواء ، وأحاديث أخرى واردة فى الطب .
ويرى ابن خلدون أن الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء فإن النبى صلى الله عليه و سلم لم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم . وعلى هذا يجوز أن يكون رأى النبى صلى الله عليه و سلم فى مثل هذه الأمور محتملا للخطأ لأنه من أمور الدنيا . لكن لا ينبغى الحكم بذلك إلا بعد البحث الصحيح لمعرفة الرأى الحق العلمى اليقينى فى مثل هذه الأمور " منبر الإسلام مجلد 1 2 عدد جمادى الآخر 1383 ص آ 1 ، 17 "(8/81)
تفسير : ( لا تسألوا عن أشياء )
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل معنى قوله تعالى : { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم }أننا لا نسأل عن أمور ديننا ما دمنا لا ن
An روى البخارى ومسلم أن رجلا اسمه عبد الله بن حافة هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وكانت فيه دعابة سأل النبى سلم عن أبيه ، فقال له : " أبوك فلان " ولما علمت أمه بسؤاله عن أبيه قالت : ما سمعت بابن أعق منك ، آمن أمك قارفت ما يفارق النساء فى الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ؟ فقال : والله لو ألحقن بعبد أسود للحقت هذه الآية تنهى عن مثل هذه الأسئلة .
وروى الترمذى انه لما نزل قوله تعالى : {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا : يا رسول الله أفى كل عام ؟ فسكت ولما كرروا السؤال قال " لا، ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم " فأنزل اللّه هذه الآية للنهى عن تكلف الأسئلة ما دام القرآن لم يبين اكثر مما نزل ، وذلك كله فى أيام نزول الوحى ، حتى لا يكون المسلمون كبنى إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة ، فأخذوا يسألون عن سنِّها وأوصافها حتى شدد الله عليهم فاشتروها بثمن كبير .
أما اليوم ـ وقد انتهى الوحى ـ فيجوز بل يجب أن نسأل عما نجهله لأنه من باب التفقه فى الدين ، وقد كان النهى رحمة بالمسلمين فقد صح فى مسلم أن النبى صلى الله عليه و سلم قال " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم على المس فحرم عليهم من أجل مسألته " .
فعلى كل مسلم يجهل أمرا من أمور الدين ـ لم يستطع أن يعرفه من مصادره ـ أن يسأل عنه العلماء المختصين كما قال تعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وأنصح كل طالب علم أياًّ كان نوعه أن يسأل عن حكم الدين فى كل ما يعِنُّ فذلك دليل على اليقظة حتى لا يزل ، ولا يعدُّ ذلك جبنًا منه ، بل هو الحكمة عين الحكمة، فليس التفلت من بل هو تهور يؤدى إلى التهلكة(8/82)
نسخ القرآن بالسنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للسنة الشريفة أن تنسخ الأحكام الثابتة بالقرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " الذى نسخ الوصية للوارث الموجودة فى القرآن ، مع العلم بان القرآن كلام الله تعالى ، والسنة من عند الرسول والرسول بشر؟
An يقول اللّه سبحانه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} البقرة : 106 ، ويقول {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل } النحل : 151 ، تفيد هاتان الآيتان وغيرهما أن النسخ وهو انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى موجود فى القرآن الكريم ، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم أو أحدهما ، وذلك بنزول آية أخرى فيها حكم مغاير. وأمثلته كثيرة فى القرآن الكريم أفردت بتآليف خاصة منها كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 س .
ونسخ القرآن بالقرآن متفق عليه بدليل الآيتين السابقتين ، وأما نسخ القرآن بالسنة فمنعه جماعة ، لأن الله يقول {قل ما يكون لى أن أبدِّله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلىَّ } يونس : 15 ، ولأن السنة لا تكون مثل القرآن ولا خيرا منها كما تقول الآية {نأت بخير منها أو مثلها} وقال آخرون بجواز نسخ القرآن بالسنة وبوقوعه بناء على أن السنة أيضا من عند الله كما قال تعالى{وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحى يوحى} النجم : 3، 4 ، وقال {وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نزَل إليهم } النحل :
44 ،على أن المراد بالذكر هو السنة ، وقال جماعة : بنسخ القراَن بالسنة إذا كانت بأمر اللّه عن طريق الوحى ، أما إن كانت باجتهاد فلا .
والرأى القائل بنسخ القرآن بالسنة هو الأقوى ، لقول الله تعالى . إلى جانب النصين السابقين -{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7 .
وقوله :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم } النساء :
65 ، إلى غير ذلك من النصوص ، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره الرسول وبيَّنه كان بمنزلة القرآن المتلوَّ فى الأخذ به ، فكذلك النسخ . وتطبيقا لذلك فى حكم الوصية للوارث .
قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف } البقرة : 180 .
يقول أبو جعفر النحاس : فى هذه الآية خمسة أقوال ، منها أنها منسوخة بقوله " لا وصية لوارث " وذلك على رأى من يجيز نسخ القراَن بالسنة- وقيل : هى منسوخة بآية المواريث {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين } النساء : 11 ، وذلك على رأى من ينسخ القراَن بالقرآن فقط وقيل : نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون .
وقيل : نسخ وجوب الوصية وبقى ندبها ، وقيل : إن الوصية واجبة للوالدين والأقربين إذا كانوا لا يرثون ، كأن كانوا كفارا .
هذا ملخص ما قيل فى آية الوصية، وعلى قول من الأقوال فى تفسيرها كان تشريع الوصية الواجبة لولد الولد المحروم من الميراث ، كما فى القانون المصرى للأحوال الشخصية(8/83)
معنى : لا يمسه إلا المطهرون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى{لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 79 ؟
An يقول الله تعالى{إنه لقرآن كريم . فى كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 77 - 79 . اتفقت الأئمة على حرمة مسهم المصحف أو حمله فى حال الجنابة ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة ، لكن جوزه داود وابن حزم .
واستند الجمهور القائل بالحرمة إلى هذه الآية ، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف وأن المس هو اللمس الحسى المعروف . وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون مقصود بهم الملائكة وفسره بعضهم بالكتب السابقة على معنى أن فيها ذكرا للقرآن ومن ينزل عليه ، كما نوقش بأن الكتاب لو أريد به المصحف فإن معنى {لا يمسه إلا المطهرون } : لا يمسه إلا المطهرون من الشرك ، لأن المشركين نجس فالذين يجوز لهم مسه هم المؤمنون سواء أكانوا على طهارة أم لا .
وقد صحح ابن القيم فى كتابه "التبيان فى أقسام القرآن " أن المراد بالكتاب هو الذى بيد الملائكة ، وأريد ذلك بقوله تعالى : {فى صحف مكرَّمة .
مرفوعة مطهرة . بأيدى سفرة . كرام بررة} عبس : 13 -16 .
ورجَّح ذلك بعشرة وجوه يمكن الاطلاع عليها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (ص 213) .
كما استدل المحرمون لحمل المصحف أو مسه بدون طهارة بحديث " لا يمس القرآن إلا طاهر ) رواه النسائى والدارقطنى والأثرم .
وهو حديث قوى قيل إنه أشبه بالمتواتر وقيل إنه حسن . وكذلك استدلوا بحديث "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر ) ذكره الهيثمى فى "مجمع الزوائد" برجال موثقين . كما استدلوا بمنع أخت عمر بن الخطاب من مسه للصحيفة التى كانت تقروها لأنه رجس ، رواه الدارقطنى .
ونوقشت أدلة المحرِّمين وأدلة المجيزين .
هذا فى حال الجنابة ، أما فى الحدث الأصغر فجمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله ، وهو مروى عن كثير من الصحابة والتابعين ، وذهب إليه من أئمة الفقة مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه . وأجاز بعض العلماء ذلك ونقل عن جماعة من السلف ، وذهب إليه أبو حنيفة فى رواية عنه ، كما جوزه داود بن على .
واستثنى بعض من حرم مس المصحف وحمله من الحدث الأصغر - الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم لحاجتهم إلى حفظ القراَن ، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن فرخص لهم مسه وحمله مع الحدث الأصغر من أجل تيسير الحفظ وليس من أجل التعبد بالتلاوة ، فتشترط للمسه وحمله الطهارة "راجع ص 413 من المجلد الأول من هذه الفتاوى"(8/84)
كتابة القرآن بغير الحروف العربية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية ليستطيع قراءته أهل اللغات الأخرى ؟
An أثير هذا الموضوع عندما أثير موضوع ترجمة القراَن الكريم ، وحاول بعض المجددين أن يجيز كتابة القرآن بحروف غير الحروف العربية ، ولكن عارضه أهل الذكر من علماء الدين ، وصدرت بذلك فتوى رسمية من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ، ونشرت بمجلة الأزهر "المجلد السابع ص 45 " بتوقيع الشيخ حسين والى رئيس اللجنة وهذا نصها :
لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية ، فلا تؤدى جميع ما تؤديه الحروف العربية ، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربى . -كما يفهم من الاستفتاء -لوقع الإخلال والتحريف فى لفظه ، وتبعهما تغير المعنى وفساده. وقد قضت نصوص الشريعة بأن يُصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل أو التحريف ، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف فى القرآن الكريم يؤدى إلى تحريف فى لفظه أو تغيير فى معناه ممنوع منعا باتا، ومحرم تحريما قاطعا .
وقد التزم الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كتابة القرآن الكريم بالحروف العربية ومن هذا يتبين أن كتابة القرآن العظيم بالحروف اللاتينية المعروفة لا تجوز. انتهى .
هذا ويقاس على تحريم كتابة القراَن الكريم بالحروف اللاتينية التى صدرت بها الفتوى تحريم كتابته بأية حروف أخرى غير عربية ، للاتحاد فى العلة كما هو الشرط فى القياس وقد سبق الكلام على ذلك فى ص 3 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى(8/85)
قول صدق الله العظيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعض الناس يقولون : إن قول القارئ بعد الانتهاء من القراءة "صدق الله العظيم " بدعة، لا يجوز قولها فهل هذا صحيح ؟
An حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع ، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص 352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك .
وقول "صدق الله العظيم " من القارى أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة ، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا ، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن ، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن ، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال .
قال تعالى : {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا} آل عمران :95 ، وقال {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } الأحزاب : 22 ، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة : صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى . ونص عبارته "ج 1 ص 27 " : ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [مثل أن يقول : صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ] ويشهد على ذلك أنه حق ، فيقول : صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين .
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ، ثم يدعو بدعوات .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة ، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا : لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل . صدق اللّه العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة ، وأن الشافعية قالوا : لا تبطل مطلقا بهذا القول ، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول : إن قول :
صدق الله العظيم ، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟ أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها ، والله سبحانه وتعالى يقول :{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } النخل :
116(8/86)
ختم القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك دعاء مخصوص لختم القرآن وهل ورد حديث فى فضل الاجتماع على ختم القرآن ؟
An لم يرد حديث مقبول عن النبى صلى الله عليه وسلم بخصوص ختم القرآن كما لم يرد بخصوص الاجتماع على الختم ، وإنما هو كلام وآثار وردت عن السلف ، وذكر النووى شيئا من ذلك فى كتابه "الأذكار" ص 158 وقال :
صح عن بعض التابعين الكوفيين أنهم كانوا يصبحون صياما اليوم الذي يختمون فيه . وقال : يستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يحس القراءة، كما شهد النساء الحُيَّض الخير ودعوه المسلمين يوم العيد . وذكر أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا،وأن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن وتنزل الرحمة . وروى فى مسند الدارمى عن حُميد الأعرج أنه قال : من قرأ القرآن ثم دعا أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك .
إن قراءة القراَن لها فضلها العظيم . ومجالس الذكر والقرآن تشهدها الملائكة كما صحت بذلك الأحاديث ، والصوم مستحب سواء كان من أجل ختم القرآن أو من غيره ، والدعاء لا بأس به بعد قراءة القرآن وهو مرجو القبول ، لأن القراءة وسيلة لثواب الله ، والدعاء بصالح الأعمال بوجه عام يرجى قبوله كدعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ففرَّج الله عنهم وكون أربعة آلاف ملك يؤمنون على الدعاء بعد القرآن لا يعلمه إلا الله سبحانه ولم يصح فيه حديث فالخلاصة أن كل عمل صالح يدعو تحت العنوان العام للصالحات لا بأس به ، لكن ورود حديث بذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم يجب التحرى فيه(8/87)
قراءة القرآن للجنب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سيدة تدرس الدين فى المدارس ، وتضطر إلى قراءة آيات من القرآن الكريم وهى فى عادتها الشهرية فهل هذا جائز ؟
An قراءة القرآن من غير مس المصحف أو حمله بالنسبة للحائض والنفساء والجنب فيها رأيان : رأى بالمنع وهو لجمهور العلماء، ورأى بالجواز. واستدل الجمهور على المنع بأدلة منها :
1 -ما رواه أصحاب السنن عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة، وصحح الترمذى هذا الحديث . وقال ابن حجر: إن بعضهم ضعَّف بعض رواته فهو من قبيل الحسن ، ويصلح للاحتجاج به .
2 -ما رواه أحمد وأبو يعلى عن على أيضا قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال "هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية" قال الهيثم : رجاله موثقون ، قال الشوكانى : فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال على التحريم ، أما الحديث الأول عن على فليس فيه ما يدل على التحريم ، لأن غايته أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة . ومثله لا يصح متمسكا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم ؟ .
3- ما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضُعِّف هذا الحديث .
والذين أجازوا القراءة للجنب ، ومنهم داود ، وابن حزم الظاهريان ، استندوا إلى كتاب هرقل الذى؟ أرسله إليه النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم -وكانت فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم . . . } وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة . وذهب البخارى والطبرى إلى ذلك . قال البخارى : لا بأس أن تقرأ الحائض ، الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال .
قال الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا . لم يصح عند المصنف - البخارى- شىء من الأحاديث الواردة فى ذلك . أى فى منع الجنب والحائض من القراءة ، وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره ، لكن أكثرها قابل للتأويل . وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية . وبعه عرض الرأيين أقول : إن أدلة المنع من القراءة للجنب قوية ، ولا أرى جوازها إلا للضرورة القصوى ، كالاستدلال من القرآن على رأى فى مجال النقاش مثلا، وكقراءته لتأدية امتحان يترتب على عدم القراءة فيه ضرر ، وبالنسبة لما جاء فى السؤال أرى أن تعتذر المدرسة عن عدم القراءة وتؤجلها حتى تطهر أو تكلف غيرها بالقراءة .
هذا وقد جاء فى شقه المذاهب الأربعة-نشر أوقاف مصر-ما يأتى :
1 -المالكية قالوا : لا يجوز للجنب قراءة القراَن إلا إذا كان يسيرا وقرأه بقصد التحصن أو الاستدلال ، أما الحائض والنفساء فإنه يجوز لها قراءه القرآن حال نزول الدم . سواء كانت عليها جنابة من قبل أم لا، أما بعد انقطاع الدم فإنه لا يجوز القراءة قبل الاغتسال سواء كانت عليها جنابة أو لا على المعتمد ، وذلك لأنها صارت متمكنة من الاغتسال فلا تحل لها القرءاة قبله . أما مس المصحف أو كتابته فإنه يجوز لها للتعلم أو التعليم فقط .
وكذلك لا يجوز للجنب دخول المسجد لا لمكث فيه ولا المرور من باب إلى باب آخر .
2 - والحنفية قالوا : يحرم على الجنب تلاوة القراَن إلا إذا كان معلما، فإنه يجوز له أن يلقن المتعلم كلمة كلمة، بحيث يفصل بينهما ، وأن يفتتح أمْرًا ذا . بال بالتسمية ، وأن يقرأ الآية القصيرة بقصد الدعاء أو الثناء ، ومثل الجنب فى ذلك الحائض والنفساء ، أما دخول المسجد فيحرم إلا للضرورة .
3-والشافعية قالوا : يحرم على الجنب قراءة القرن ولو حرفا واحدا إن كان قاصدا تلاوته ، أما إذ قصد الذكر فلا يحرم مثل "بسم اللّه الرحمن الرحيم " عند الأكل ، أما المرور بالمسجد فيجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه ولا تردد بشرط أمن عدم تلوث المسجد . ولا يجوز المكث فيه إلا للضرورة .
4 - والحنابلة قالوا : يباح للجنب أن يقرأ ما دون الآية القصيرة دون ما زاد على ذلك وله الذكر به ، أِما المكث فى المسجد فيجوز بالوضوء ولو بدون ضرورة . أما الحائض أو النفساء فلا يجوز لها المكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم(8/88)
تفسير : المال والبنون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل المال مفضَّل على البنين حيث جاء الأول فى قوله تعالى{المال والبنون زينة الحياة الدنيا}؟
An هذه الآية من سورة الكهف : 46 ، ومبدئيا أقول : إن العطف بالواو لا يقتضى ترتيبا ولا تعقيبا كما قال علماء اللغة العربية التى نزل بها القرآن الكريم المعجز، فالمال والبنون يشتركان فى حكم واحد فى الآية هو زينة الحياة الدنيا ، سواء قدِّم المال على البنين فى الذكر أو أخر، فالواو لمطلق الجمع بينهما .
ثم أقول : لعلَّ - والله اعلم -تقديم المال على البنين هو مشاكلة لما حدث فى قصة الرجل صاحب الجنتين الذى افتخر بهما على صاحبه .
وقدم فى فخره المال على الولد، حيث قال القرآن {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} الكهف : 34 ، وردَّ على صاحبه بعد ذلك بقوله {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك } الكهف : 39-40 ، واستمر الحديث بعد ذلك عن المال وهو الجنة التى أحرقها الله ، وجاءت الآية التى تضرب المثل بعد ذلك متحدثة عن المال ، فالتركيز أكثر على المال . فناسب أن يخبر الله عن زينة الحياة الدنيا مقدما المال الذى كان الاهتمام به كبيرا ، ثم أقول إن المال هو الذى يساعد على الزواج الذى يأتى منه البنون المحتاجون فى تربيتهم أولا إلى المال ، هذا ما بدا لى ولعله يكون مقبولا وأسرار القرآن المعجز يعلمها الله سبحانه وتعالى(8/89)
الترتيب بين الإنس والجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا نرى فى القرآن الكريم تقديم الجن على الإنس . هل هم أفضل من الإنس ؟
An كما قرر العلماء : العطف بالواو لا يقتض ترتيبا ولا تعقيبا، فالكل مخلوقون لله ومخاطبون بالشريعة وسيحاسبون أمام الله ، وهم مشتركون فى هذه الأمور وفى غيرها ، ولعل تقديم الجن على الإنس راجع إلى أن الجن كانوا موجودين قبل خلق آدم . فلما خلقه الله أمر الملائكة بالسجود له ، وكان معهم إبليس وقال بعض العلماء : لعل التقديم بسبب أن الجن تشمل الملائكة بجامع الاستتار فى كل ، وفى ذلك يقول الله تعالى عن الكفار {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات : 158 ، حيث قالوا : إن الملائكة بنات اللّه قال الأعشى :
وسخر من جن الملائك سبعة * قياما لديه يعملون بلا أجر فأما قوله تعالى{لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } الرحمن : 74 ، وقوله : {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } الرحمن : 36 ، وقوله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} الجن : 5 ، فإن لفظ الجن ها هنا لا يتناول الملائكة بحال ، وذلك لنزاهتهم عن العيوب ، وأنه لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب ، فلما لم يتناولهم عموم اللفظ لهذه القرينة بدأ لفظ الإنس لفضلهم وكمالهم "آكام المرجان للشبلى ص 7"(8/90)
المعوذتان هل هما من القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح ما يقال : إن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم ؟
An هذا الكلام قديم وذكرته بعض كتب التفسير ونسب إلى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه ، يقول القرطبى فى تفسيره "ج 25 ص 251" زعم ابن مسعود أنه ما - قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس - دعاء تعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم -حين سحرته اليهود، وليستا من القرآن . خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت .
وهذا الكلام يعنى أن المعوذتين من القرآن ، والدليل عليه هو الإجماع من الصحابة و أهل البيت ، ثم ذكر القرطبى مبررات لقول ابن مسعود ، فذكر أن ابن قتيبة قال : لم يكتب عبد الله بن مسعود فى مصحفه المعوذتين لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين -رضى الله عنهما-بهما ، فقدَر أنهما بمنزلة : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة .
ومن المعلوم أن المصحف الرسمى المعوَّل عليه هو ما كان يمليه النبى صلى الله عليه وسلم على كتَّاب الوحى، وكان بعض الصحابة يكتب لنفسه ما نزل من القرآن فى مصحف خاص كابن مسعود، وقد تكتب فيه تعليقات وتوضيحات وهوامش يراها صاحب المصحف هامة عنده ، وعلى فرض أن ابن مسعود لم يكتبهما فى مصحفه فليس ذلك دليلا على أنهما ليستا من القرآن الكريم ، ومن المعلوم أن عثمان بن عفان ،رضى اللّه عنه عندما جمع المصحف تحت إشراف لجنة مختصة، ونسخ منه عدة نسخ وأرسل بعضها إلى الأمصار لتكون إماما للناس -أمر بإحراق كل ما عدا المصحف الذى جمعه حتى يكون المصحف الرسمى واحدا لا خلاف فيه .
وأبو بكر الأنبارى لا يرضى قول ابن قتيبة فيما نسب إلى ابن مسعود ويؤكد : أن المعوذتين من كلام رب العالمين المعجز لجميع المخلوقين ، وأن "أعيذكما بكلمات اللّه التامة" واضح أنه من قول البشر، وكلام الله الخالق الذى هو معجزة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وحُجة باقية على الكافرين - لا يلتبس بكلام الآدميين على مثل عبد اللّه ابن مسعود العالم باللغة وأفانين الكلام .
ثم يذكر القرطبى أن ترك عبد الله بن مسعود لكتابتهما سببه كما قال . البعض أنه آمن عليهما من النسيان ، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه لذلك . مع أنه حافظ متقن ، ولكن هذا التعليل غير مسلَّم ، لأنه كتب : إذا جاء نصر اللّه والفتح ، إنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد، وهن كالمعوذتين فى عدم الطول وفى سرعة الحفظ ، ونسيانهن مأمون .
وذكر ابن كثير فى تفسيره عدة روايات تثبت أن المعوذتين من القرآن وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فى الصلاة ويرغب فى قراءتهما لما لهما من الثواب العظيم ، وأكثر هذه الروايات فى مسند أحمد وفى سنن النسائى وروى مسلم فى صحيحه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألم تر آيات أُنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط ، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس " .
كما جاء فى تفسير ابن كثير أن البخارى روى عن زرِّ بن حُبيش أنه سأل أُبى بن كعب : يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا تقال : إنى سألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قيل لى فقلت " فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر ذكر كثيرا مما تقدم يؤكد الإجماع على أن المعوذتين من كلام الله تعالى وقرآنه الكريم "ج 8 ص 615 " .
يؤخذ من هذا الكلام أن المعوذتين من كلام الله ومن سور المصحف . الشريف ، وعدم كتابة ابن مسعود لهما لا يلزم منه أنهما ليستا من القرآن ، بصرف النظر عما جاء من تعليل لذلك ، فالإجماع منعقد من أيام الصحابة على أنهما من القرآن الكريم ، ومصحف عثمان هو الإمام لكل المصاحف لإجماع الصحابة عليه(8/91)
كتاب الإمام على ومعرفة الغيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن هناك كتبا منسوبة إلى الإمام على رضى الله عنه . يعرف فيها ما يحدث فى العالم إلى يوم القيامة - فهل هذا صحيح ؟
An من المعلوم أن الله سبحانه لا يُطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه ، كما قال تعالى{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتض من رسول فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن : 26 ، 27 ، ومن المعلوم أيضا أن المغالاة فى كل شىء مذمومة وأن الشيعة الذين يحبون آل البيت تغالوا فى ذلك حتى وضع بعضهم عليا رضى الله عنه فى منزلة ادعى بعضهم فيها أنه إله ، والبعض الآخر أنه نبى، وكل ذلك تحدثت عنه كتب التوحيد .
وبخصوص علم سيدنا على كرم الله وجهه بالغيب سبق أن تحدَّثنا فى صفحة 411 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى عن مصحف فاطمة رضى الله عنها وعن الجفر والجامعة المنسوبين للإمام على رضى الله عنه . وإضافة إلى ذلك قرأت فى مجلة الإسلام فى سنتها الثالثة وفى العدد الثامن ما يأتى : قال السيد الشريف فى شرح المواقف : الجفر والجامعة كتابان لعلى رضى الله عنه . وقد ذكر فيهما- على طريقة علم الحروف - الحوادث التى تحدث إلى انقراض العالم ، وكان الأئمة المعروفون من أولاده رضى الله عنه يعرفونهما ويحكمون بهما .
وفى كتاب قبول العهد الذى كتبه على بن موسى-رضى الله عنهما- إلى المأمون : إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤنا ، فقبلت منك العهد، لأن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم ، ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت ، ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر، وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين .
هذا كلام السيد . قالوا : فعلم من هذا أن عليا كرم الله وجهه كان عالما بالحوادث المستقبلة التى تحدث إلى انقراض العالم ، إذ كتابة هذه الحوادث فى معنى القول بها. ولا شك فى أن علمه بذلك لم يكن اطلاعيا ولا استدلاليا . فتعين أن يكون بطريق التعليم الإلهى اللدنى ، أو بتعليم النبى صلى الله عليه وسلم إياه بطريق الإفاضة الروحانية . قال حجة الإسلام الغزالى فى الرسالة اللدنية : قال على رضى اللّه عنه : أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه فى فمى فانفتح فى قلبى ألف باب من العلم ، مع كل باب ألف باب .
هذا ، وقد أنكر ابن تيمية نسبة ذلك إلى على فقال : ومن الناس من ينسب إليه الكلام فى الحوادث كالجفر وغيره ، وآخرون ينسبون إليه أمورا أُخر يعلم الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه منها برى ويؤيد كلام ابن تيمية ما رواه البخارى أن عامة ما يروى عن على كذب(8/92)
صحف إبراهيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قالى تعالى{إن هذا لفى الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى } الأعلى : 18 ،19 ، عرفنا صحف موسى وهى التوراة المطبوعة فأين نجد صحف إبراهيم ؟
An من المعلوم أن الكتب التى نزلت على الأنبياء السابقين كانت فى تشريعاتها متناسبة مع الأقوام الذين أرسل إليهم الرسل ، ولا يكلف قوم بغير ما جاء به رسولهم ، فهى تشريعات خاصة وتاريخية أى قاصرة على زمانها تنسخها الشريعة التى تأتى بعدها ، وكان خاتمة الكتب القرآن الكريم الذى نزل على خاتم الرسل ، فليس بعدهما كتاب ولا رسول ، والأمة الإسلامية ليست مكلفة بما جاء فى الكتب السابقة لأمرين أولهما أنها خاصة بأقوامهم . وثانيهما أنها ليست مقطوعة الصحة ، وقد أخبر القرآن الكريم عن تحريفها فى أكثر من آية، بل عن اختلاق جماعة لكلام وادعاء نسبته إلى رسولهم ليكون وحيًا له القداسة عندهم .
مع العلم بأن أصول العقائد والأخلاق التى لا تتغير بتغير الأزمان والأقوام واحدة فى كل ما جاء به الرسل السابقون ، والمخالفة هى فى التشريعات العملية التى تتناسب مع هؤلاء الأقوام ، والقرآن جاء مقررا للصواب ومصححا لما دخله التحريف منها ، تاركا التشريعات لمن نزلت عليهم ، قال تعالى{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة : 48 .
وقد تقدم فى صفحة 363 من المجلد الرابع النهى عن قراءة هذه الكتب خشية الفتنة بما فيها، إلا لمن كان على بينة من دينه ليميز الخبيث من الطيب ، والخطأ من الصواب .
وبخصوص صحف إبراهيم لا يوجد خبر صحيح عما فيها، ولا عن وجودها الآن ، وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم كما قال تعالى{ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين } النحل : 123 ، والظاهر أن الاتباع هو فى عقيدة التوحيد والعقائد الأساسية كما يفهم من وصفه بقوله {حنيفا وما كان من المشركين }ومع ذلك إذا كان الاتباع فى بعض ما جاء من التشريع فهو صحيح ما دام لم يأت فى الإسلام ما يخالفه على رأى من قال بذلك من علماء الأصول . ومما أخذناه من شريعة إبراهيم الختان . ولا حاجة إلى معرفة ما نزل على إبراهيم من صحف . ففى قرآننا كل خير {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة : 3 .
ومع ذلك ذكر المفسرون بعض ما فى هذه الصحف ، ففى القرطبى ج 2 ص 24 : روى الآجُرِّى من حديث أبى ذر قال : قلت : يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ؟ قال "كانت أمثالا كلها ، أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم ، فإنى لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال : وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجى فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، يفكر فيها فى صنع الله عز وجل إليه ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب . وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا فى ثلاث : تزود لمعاد ، ومرمَّة لمعاش ، ولذه فى غير محرم . وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه .
مقبلا على شانه ، حافظا للسانه . ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه " .
قال : قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال كانت عِبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب . وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل .
قال : قلت يا رسول الله فهل فى أيدينا شىء مما كان فى يدى إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك ؟ قال "نعم ، اقرأ يا أبا ذر{قد فلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلَّى . بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى . إن هذا لفى الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى } وابن جرير الطبرى اختار أن الذى فى صحف إبراهيم وموسى هو{قد أفلح من تزكى .. } ووافقه ابن كثير فى هذا الاختيار ، وأورد عن النسائى عن ابن عباس أن سورة {سبح اسم ربك الأعلى} كلها فى صحف إبراهيم وموسى .
وكلها روايات لا يلزمنا اعتقاد ما فيها، وقراننا هو خير كتاب نأخذ منه هدايتنا ، فهو يهدى للتى هى أقوم(8/93)
مستقر الشمس وعلم العلماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تبارك وتعالى :{والشمس تجرى لمستقر لها} يس : 38 ، مما يدل على أن الشمس تتحرك وليست ثابتة، ويقول بعض العلماء أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حول نفسها مرة فى اليوم ، وحول الشمس مرة كل سنة فما مدى صحة كلامها؟
An الظاهر من كلمة(تجرى) التحرك والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن الظاهر من كلمة (تدور) اللف حول شىء معين ، وهذا الشىء المعين قد يكون هو المحور مع عدم الانتقال منه ، وقد يكون فيه انتقال من مكان إلى آخر مع الالتزام بمركز يحدث حوله هذا الانتقال .
وكلمة (الفلك ) معناها المسار أو المدار الذى يتحرك فيه الشىء ، وقد يكون التحرك فى خط مستقيم أو خط دائرى يكون محيطا له مركز قال تعالى {وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون }الأنبياء : 33 ، والظاهر أن كلمة (كل ) تعنى مجموع الليل والنهار والشمس والقمر بدليل الجمع فى قوله (يسبحون ) فكيف نتصور الفلك الذى يسبح فيه الليل والنهار؟ إن معرفتنا لا تزال محدودة، وكلما اكتشف علماء اليوم جديدا عرفوا أنهم كانوا يجهلون كثيرا ، وألفاظ اللغة العربية فيها من المرونة والصلاحية ما لا يستطيع الإنسان معه أن يجزم بمعنى ينطبق على شىء نجهل من حقيقته كثيرا .
إن "المستقر" الذى تجرى له الشمس فى قوله تعالى : {والشمس تجرى لمستقر لها} يس : 38 ، هل المراد به المحور الذى تدور حوله الشمس كما تدور الأرض حول محورها ، أو المراد به المدار والمسار الذى تلتزمه وهى تتحرك من مكان إلى آخر، وإلى أين هذا التحرك ، هل هو محيط أو فى خط مستقيم . كل ذلك قال به المفسرون والعلماء .
دون جزم بأحد هذه المعانى . وقد يقال : إن المستقر هو نهاية الحركة والجرى فالشمس سيأتى عليها وقت تقف فيه عن الجرى وهو يوم القيامة، فاللام فى (لمستقر ) بمعنى "إلى" التى تفيد الغاية . . . قال تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك . القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون } يس : 40 ، وهذا يدل على أن لكل من الشمس والقمر سَبحا وجريانا فى مدار ومسار وانتقال من مكان إلى مكان : ثم قال بعد ذلك :{والشمس تجرى لمستقر لها} يس : 38 ، فالظاهر أنها تلتزم مسارها وهو الفلك بحيث لا نتجاوزه إلى مسار آخر حتى لا تصطدم بالكوكب أو النجم الذى يجرى فى هذا المسار، وحتى لا تدرك القمر إن جرت فى مداره ، فالكل يتحرك بنظام ثابت دقيق .
وقد يراد أن الشمس على الرغم من كبر حجمها والجد فى جريانها بحيث لا تدرك القمر سيأتى عليها وقت تكف فيه عن الحركة بأمر الله الذى يقع كل شىء تحت سلطانه وقهره .
هذا تفسير بالمعقول ، أما التفسير بالمنقول فقد جاء فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : {والشمس تجرى لمستقر لها} يس : 38 ، فقال : "مستقرها تحت العرش " وفى رواية لمسلم عن أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أتدرون أين تذهب هذه الشمس " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : "إن هذه الشمس تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ، فلا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعى ، ارجعى من حيث جئت ، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت ، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش ، فيقال لها :
ارتفعى أصبحى طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون متى ذلكم "؟ "ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا " وجاءت هذه الرواية فى صحيح البخارى عن أبى ذر أيضا بما يفيد أن مستقر الشمس كل يوم هو تحت العرش حيث تسجد وتستأذن ربها بالجرى فيأذن لها حتى يكون آخر إذن بها بالشروق من المغرب .
إن الإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم معنى الاستقرار تحت العرش ، فالشمس دائما فى حركة إن غابت عن بعض أجزاء الأرض فهى ظاهرة للبعض الآخر، ولم يشاهد أحد من الدنيا أنها توقفت عن الحركة . . . أو لا يجوز أن نفسر استقرارها تحت العرش ، بأنها فى كل أوقاتها خاضعة لأمر الله ، لا تتحرك إلا بإذنه ، وتستمر حركتها إلى أن تستقر نهائيا فى آخر الدنيا؟(8/94)
من أى شىء خلقت حواء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن المرأة خلقت من ضلع آدم ؟
An قال الله تعالى { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} النساء : 1 ، وقال { هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف : 189 ، وقال تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} الروم : 21 ، وقال صلى الله عليه وسلم " إن المرأة كالضلع ، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها ، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج " رواه مسلم ، وقال " واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما فى الضلع أعلاه ، إن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، استوصوا بالنساء خيرا " رواه مسلم وقال فى رواية لمسلم " وكسرها طلاقها" .
يقول الفخر الرازى فى تفسيره لأول النساء : وفى كون حواء مخلوقة من آدم قولان : الأول -وهو الذى عليه الأكثرون -أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم ، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى . واحتجوا بحديث مسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " والثانى- وهو اختيار أبى مسلم الأصفهانى- أن المراد من قوله " وخلق منها زوجها" أى فى جنسها وهو كقوله { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } وقوله تعالى { بعثت فيهم رسولا من أنفسهم } قال القاضى : والقول الأول أقوى وذكر وجه قوته .
والطبرى فى تفسيره وكذلك القرطبى ذكرا أن القول الأول هو لابن عباس وابن مسعود، لكن ليس لهذا النقل سند صحيح ، بل هو منقول عن أهل الكتاب كما فى سفر التكوين " الإصحاح الثانى : 21 - ومن هذا نرى أن خلق حواء من آدم ليس أمرا متفقا عليه ، فقد يكون خلقها من نفسه يعنى أنها خلقت من جنسه وهو الطين وليس من النور أو النار حتى يمكن أن يسكن إليها ، وما جاء فى الأحاديث أنها خلقت من ضلع قد يراد به التشبيه كما فى الرواية الأولى فليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على خلقها من ضلع آدم ، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
ولا يضر الأخذ بأى الرأيين .
وقد علق النووى على الأحاديث بقوله : وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم ، قال الله تعالى{ خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع . وفى هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب ، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم " شرح صحيح مسلم ج 10 - ص 57 " والموضوع مستوفى فى الجزء الثانى من موسوعة ( الأسرة تحت رعاية الإسلام " ، س ، ج للمرأة المسلمة(8/95)
كيف وسوس إبليس لآدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعد أن طرد الله إبليس من الجنة كيف استطاع أن يوسوس لآدم وهو فى الجنة ؟
An قال تعالى { فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكم ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين . وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين } الأعراف : 20 ، 21 .
يستفاد من ذلك أن إبليس تحدث مع آدم وحواء بعد أن طرده اللَّه من الجنة، وسمى اللَّه هذا الحديث وسوسة، فكيف تمت وهو خارج الجنة وهما فى داخلها ؟ .
يفيد ظاهر الآية أن الحديث معهما كان عاديا بالنطق والمشافهة ، وليس حديث نفس ألقى فى قلبهما منه ، والحديث الشفوى قد يسمى وسوسة ، وبخاصة إذا كانت فيه سرية ، إن الكلام كثير فى كيفية هذه الوسوسة، وليس له سند صحيح يعتمد عليه ، ولا يبعد أبدا أن يكون إبليس قد وقف على باب الجنة ولم يدخلها وتحدث مع آدم وحواء ، ويعلم من هذا أنه لم يدخل الجنة بعد أن طرده اللَّه منها .
وما يقال من أن إبليس دخلها فى جوف حية، وكان منظرها جميلا، ولما أبت كل الحيوانات إدخاله قبلت هى ذلك ، فحولها اللَّه إلى هيئتها المعروفة لنا وصارت من أعدى الحيوانات لبنى آدم ، ليس عليه دليل معتبر(8/96)
بعثة الرسول فى الشرق الأوسط
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الحكمة فى بعثه الرسل كلهم فى الشرق الأوسط من الأرض ؟
An ليكن معلوما أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرين كما قال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } غافر : 78 ، وقال تعالى { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } فاطر :
24 ، وقال تعالى { ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا} النحل : 36 ، نعلم من هذه النصوص أنه يجوز أن يكون الله سبحانه قد أرسل رسلا فى غير منطقة الشرق الأوسط ، على أن المختصين قالوا : إن العمران البشرى بدأ أول ما بدأ فى هذه المنطقة ، وذلك لاعتدال جوها وكثرة خيراتها المتاحة من المياه والنبات وغيرها ، ووجود عوامل ساعدت على تجمع الناس وتكوين وحدات مستقرة ، أو على الأقل متعاونة متحدة ، والغالب أن يكون لهذه العلاقات الاجتماعية أثر كبير على الفكر والسلوك ، الذى قد يشيع ويعم الوحدة الاجتماعية كلها ، ومن هنا كانت الحاجة أمس لإرسال رسول يهدى الضالين فى العقيدة والسلوك ، فالرسول لا يأتى لأفراد متناثرة ولكن لوحدات مترابطة، حتى لا يكون للناس على الله حجة {رسلا مبسرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } النساء :
165(8/97)
إدريس عليه السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال تعالى: {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا } مريم : 56، 57 ، فما هو الأمر الذى بسببه رفعه الله إليه ، وأين مكانه ، ولماذا لم يرفع غيره من الأنبياء ؟
An قال المفسرون : إن الرفع فى الآية إما رفع مكان وإما رفع مكانة ، وقد رفع الله إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة كما قال كثير منهم ، وقيل إن الرفع هنا هو رفع منزلة وقدر وشرف . وكل الأنبياء مرفوعة منزلتهم .
وسبب الرفع لم يرد به خبر صحيح ، وهى أقوال منسوبة لابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم ، منها أنه لما أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذى يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفف عنه ، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافىء إدريس ، فجمع الله بينه وبينه ، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أخله .
وقيل طلب منه أن يريه الجنة فرفعه إلى السماء الرابعة فقبض ملك الموت فيها روحه ورفعها إلى الجنة ودفنت جثته فى السماء الرابعة، وقيل غير ذلك .
وفى حديث الإسراء جاء فى رواية مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد إدريس فى السماء الرابعة .
تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 119 " عن كلام ابن وهب فى مقابلة ملك الموت لإدريس وإدخاله الجنة وأمر الله له أن يخرج منها، وقال : إنه حى هناك تارة يرتع فى الجنة، وتارة يعبد الله مع الملائكة فى السماء . كما ذكر القرطبى أنه أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط ، وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وسيرها ، قال بعض المحققين : إنه نشأ ودعا إلى التوحيد فى منطقة أسوان جنوبى مصر .
وذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية والزرقانى فى شرحها "ج 6 ص 71 " ما نقل عن كعب الأخبار أن إدريس توفى فى السماء الرابعة ولم تكن له تربة فى الأرض ، وقاك ابن المنير، اختلف فى إدريس هل رفع إلى السماء بعد موته كغيره من الأنبياء ، أو إنما رفع حيا وهو إلى الآن حى كعيسى ، وكل ذلك من الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولم يثبت رفعه وهو حى من طريق مرفوعة قوية .
وجاء فى " مشارق الأنوار للعدوى " ص 14 أن العلماء اختلفوا فى أنه حى فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت ، وقال قوم : هو حى، وقالوا : أربعة من الأنبياء أحياء ، منهم فى الأرض اثنان وهما الخضر وإلياس عليهما السلام ، واثنان فى السماء وهما عيسى وإدريس ، كما ذكره الخازن فى تفسيره .
وكل هذه أخبار غير موثقة من قرآن أو حديث صحيح ، ولا يجب علينا أن نومن إلا بأن إدريس عليه السلام من الرسل وأن الله رفع منزلته ، وما وراء ذلك من كونه فى السماء الرابعة حيا أو ميتا لا نلزم باعتقاده(8/98)
الذبيح إسماعيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من الذى أمر الله إبراهيم بذبحه من أولاده ، هل هو إسحاق أم إسماعيل ؟
An قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام { فبشرناه بغلام حليم . فما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه فى الآخرين . سلام على إبراهيم . كذلك نجزى المحسنين . إنه من عبادنا المؤمنين . وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } الصافات : 101 -113 ، وقال عند الكلام عن الملائكة لما جاءت إبراهيم بالبشرى { وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } هود : 71 ، وقال فى موضع آخر { وبشروه بغلام عليم } الذاريات : 28 .
وروى الحاكم فى المستدرك عن معاوية بن أبى سفيان قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى فقال : يا رسول الله ، خلفت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال ، فعد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه .
وقد ذكره الزمخشرى فى الكشاف ، وقال الزيلعى فى تخريج أحاديثه : غريب .
وجاء فى كتب السيرة أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانا لله ، وذلك عندما منعته قريش من حفر زمزم ولم يكن معه إذ ذاك إلا ولده الحارث ، وعندما رزق بالبنين وأراد أن يوفى بنذره جاءت القرعة على عبد الله " والد النبىصلى الله عليه وسلم بعد " حتى افتدى أخيرا بمائة من الإبل ، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " أى إسماعيل الذى أمر الله أباه إبراهيم بذبحه ، وعبد الله والده ، الذى كان سيذبح .
إزاء هذه المرويات اختلف العلماء فى الذبيح الأول هل هو إسحاق أم إسماعيل ؟ .
الجمهور على أن الذبيح إسماعيل ، ومما يؤيد رأيهم ما يأتى :
1 - أن إبراهيم عليه السلام لما أنجاه الله من النار وهاجر من أرض العراق إلى الشام { وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين } الصافات : 99 ، وبما تقدمت به السن ولم ينجب طلب من ربه أن يهب له ولدا فاستجاب الله له { رب هب لى من الصالحين . فبشرناه بغلام حليم } الصافات : 100 ، 101 ، وكان هذا الغلام من هاجر المصرية وهو بالشام ، وهو إسماعيل ، ولما لم تنجب زوجته الأولى دخلت الغيرة قلبها فأمره الله أن يبعد عنها هاجر وولدها ، فأسكنهما فى موضع مكة، وامتحنه بذبحه لما بلغ معه السعى وكان ذلك الامتحان فى مكة .
أما ابنه إسحاق فجاءت البشارة به بعد أن بشره الله بإسماعيل ، كما تدل عليه الآيات التى ذكرت الرؤيا والبدء فى الذبح ثم افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم ، وانتهت بمدح إبراهيم ثم ذكرت البشارة بإسحاق .
والامتحان يكون بذبح الابن البكر الذى جاء بعد شوق طويل ، لا بالولد الثانى الذى لا يصل حبه إلى ما وصل إليه حب الأول .
2 - وأن إبراهيم عاش سلسلة من الامتحانات أكثرها يتصل بهاجر وولدها إسماعيل ، حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع ، مسلما أمرهما إلى الله ، يعيش بعيدا عنهما فى الشام ، ويزورهما على فترات ، ثم يتصاعد الامتحان بأن يرى فى المنام أنه يذبح فلذة كبده ، وما ذلك إلا إسماعيل ، ولنتصور حال إبراهيم لو تم الذبح كيف يترك هاجر وحيدة فى مكان ليس فيه من الأنس ما فى الشام حيث يستقر به المقام ، إن سلسلة هذه الامتحانات المترابطة تؤكد أن الذبيح هو إسماعيل .
3- وأن هناك اختلافا فى الظروف التى بشر بها إبراهيم بكلا ولديه إسماعيل وإسحاق فالبشارة بإسماعيل كانت عند هجرته من أرض العراق وبطلب من الله أما البشارة بإسحاق فكانت عندما جاءته الملائكة فى طريق مرورها إلى قوم لوط ، وهى فترة كان فيها إسماعيل مع أمه هاجر بعيدين عن البيت ، الذى لم يكن فيه إلا سارة التى عجبت أن يولد لها وهى عجوز عقيم وبعلها شيخ كبير، ولم يكن هناك طلب منهما لهذا الولد والامتحان بذبح من طلبه وتشوق إليه امتحان أشد .
4 - أن الشروع فى ذبح إسماعيل صاحبته أحداث تدل على أنه هو المقصود بالذبح وليس إسحاق ، ذلك أن الروايات تقول : إن إبراهيم أخذ ولده وخرج به من البيت ليذبحه بعيدا عن أمه فلقيهما الشيطان فى الطريق وسول لهما عدم الاستجابة، فرجمه إبراهيم فى أكثر من مكان ، ومنه كانت شعيرة رمى الجمار من شعائر الحج ، وذلك فى مكة وليس فى الشام .
5 - عندما بشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق عن طريق الملائكة ، جاء فى البشارة { ومن وراء إسحاق يعقوب } هود : 71 ، يعنى أن إسحاق سيولد ويكبر ويتزوج ويولد له يعقوب ، فهل يعقل بعد الاطمئنان على حياة إسحاق أن يذبحه أبوه ؟ إنه لو ذبحه فمن أين يكون يعقوب ؟ هذا دليل قوى على أن الذبيح هو إسماعيل .
6 - أن البشارة بإسماعيل وصفته بأنه غلام حليم ، أما البشارة بإسحاق فوصفته بأنه علام عليم ، وصفة الحلم تتناسب مع من أطاع أمر ربه وصدق رؤيا أبيه فلم يغضب ولم يعص ، وهو إسماعيل . وصفة العلم غالبة فى نسل إسحاق ويعقوب وبنى إسرائيل .
7 -أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الأضاحى فقال " سنة أبيكم إبراهيم " رواه أحمد وابن ماجه وأبو العرب هو إسماعيل بن إبراهيم ، وليس إسحاق ابن إبراهيم ، كما هو معروف والقرابين كانت تذبح فى مكة وليس فى الشام استجابة لدعوة إبراهيم ربه { فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } إبراهيم : 37 ، { وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير . ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } الحج : 27 - 29 .
8 -أن أهل الكتاب يقولون : إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده ، وما كان له ابن وحيد إلا إسماعيل ، فإن إسحاق لا يقال له وحيد حيث كانت ولادته بعد ولادة إسماعيل ، فقد نصت كتبهم على أن إسماعيل ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة ، وأن إسحاق ولد ولإبراهيم تسع وتسعون سنة . فأول ولد بشر به هو إسماعيل والوحيد الذى أمر بذبحه هو أيضا إسماعيل. وهو البكر كما عبر عنه فى بعض نسخهم ، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا اسم إسحاق لانه أبوهم ، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم ، ذكر هذا ابن كثير فى تفسيره لقوله تعالى :
{فبشرناه بغلام حليم } .
9 -أن كبار العلماء من السلف قالوا : إن الذبيح هو إسماعيل كما روى ذلك عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس ، ومجاهد عن ابن عمر، والشعبى يقول : رأيت قرنى الكبش فى الكعبة ( كذا ) وعمر بن عبد العزيز استدعى يهوديا بالشام أسلم وحسن إسلامه فشهد بأن الذبيح إسماعيل . وأبو عمرو بن العلاء سأله الأصمعى عن الذبيح فقال له : أين ذهب عقلك ، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة .
يقول الآلوسى بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك : والذى أميل إليه أن الذبيح إسماعيل لأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك ، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب .
هذا هو ما أثير حول هذا الموضوع لخصته من كتب السيرة، ومن زاد المعاد لابن القيم وغيره من المصادر، ينتهى إلى أن الذبيح هو إسماعيل ، وما سبق فى ذلك هو اجتهادات واستنباطات يؤيدها حديث الحاكم عن معاوية بعدم إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ناداه بابن الذبيحين ، كما يؤيدها ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " أنا ابن الذبيحين "(8/99)
آزر و إبراهيم ونسب النبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل آزر هو أبو إبراهيم عليه السلام أو عمه ، وكيف يكون كافرا ونسب النبى صلى الله عليه وسلم كله طاهر لقوله تعالى { وتقلبك فى ا لساجدين }
An نص القرآن الكريم على أن أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما اَلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين } الأنعام : 74، ونص على أنه مات كافرا على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه } التوبة : 114 ، . وقيل : إن آزر عم إبراهيم وليس والدا له ، والعم يطلق عليه اسم الأب ، كما فى قوله تعالى عن يعقوب { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلفك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } البقرة : 133 ، مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عمه ، والذى حمل هؤلاء على القول بأن آزر عم إبراهيم وليس والده هو شريف مقام النبوة أن يكون أحد اَباء الأنبياء كافرا، مستندين فى ذلك إلى قول اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم { وتقلبك فى الساجدين } الشعراء : 219، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس ، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات . فقال هؤلاء : إن الكفر نجس لقوله تعالى { إنما المشركون نجس } التوبة : 28 ، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين واَزر أبو إبراهيم نجس ؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم ؟ وردَّ على ذلك : بأن إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض ، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول ، لأن آية { وتقلبك فى الساجدين } ليست نصا فيما فسرها به ابن عباس ، فقد فسرت بغير ذلك ، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى : يراك قائما وراكعا وساجدا ، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد ، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح ، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء" .
هذا ، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون ، فكل امرىء بما كسب رهين ، وقصة آزر ونسب النبى ليست عقيدة نحاسب عليها، وهى متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم ، فَلْنَهْتم بحاضرنا لنصلحه ، وبمستقبلنا لنستعد له(8/100)
الأنبياء والرسل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك فرق بين الأنبياء والرسل ،وكم عددهم وكيف نعرف تواريخهم ؟
An النبى إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به ولم يؤمر بتبليغه .
والرسول إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه . فكل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ورسول ، قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ولذيرا} الأحزاب :
45 ، وقال تعالى{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللَّه وخاتم النبيين } الأحزاب : 40 ، فجمعت الآيتان بين وصفه بالنبوة والرسالة .
وقد يحل كل لفظ محل الآخر، كما قال تعالى{وكم أرسلنا من نبى فى الأولين * وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزئون } الزخرف : 6 ، 7 ، .
هذا أحسن ما قيل فى الفرق بين النبى والرسول ، أما عدد الأنبياء والمرسلين فكثير. قال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر: 24 ، وقال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } غافر: 78 .
وقد ورد حديث رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذر الغفارى أنه قال :
قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كم عدد الأنبياء؟ فقال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا( 124000) فقلت : وكم عدد الرسل ؟ فقال "ثلثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرا"(313)" ولكن الحديث ليس متواترا حتى على فرض صحته ، فلا يفيد إلا الظن والعقائد لا تؤخذ إلا باليقين .
وهناك أقوال كثيرة لا داعى لذكرها ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الرسل الذين ذكروا فى القرآن الكريم ، وهم خمسة وعشرون ، وأكثرهم فى الآيات : من 83 - 86 من سورة الأنعام ، وأولها {وتلك حجتنا ... } وهم فيها ثمانية عشر،يضاف إليهم سبعة ذكروا في مواضع أخرى ، نظمها بعضهم في قوله :
في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشرويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا وجاء فى كتاب "الحاوى للفتاوى" للسيوطى ص 249 " ، أخرج الطبرانى عن أبى أمامة أن رجلا قال : يا رسول اللَّه ، أنبى كان آدم ؟قال "نعم "قال : كم بينه وبين نوح ؟قال "عشرة قرون "قال : كم بين نوح وإبراهيم ؟ قال "عشرة قرون " قال : يا رسول اللَّه كم كانت الرسل ؟ قال : " ثلثمائة وخمسة عشر "ورجاله رجال الصحيح .
وجاء في الكتاب أن بين موسى وعيسى ألفا وتسعمائة ونيفا، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة .
وترتيب الرسل هكذا : آدم ، إدريس ، نوح ، هود ، صالح ، إبرا هيم ، لوط ، إسماعيل ، إسحاق ، يعقوب ، يوسف ، أيوب ، شعيب ، موسى ، هارون ، ذو الكفل ، داود ، سليمان ، إلياس ، اليسع ، يونس ، زكريا ، يحيى ، عيسى ، محمد عليهم الصلاة والسلام .
هذا وحديث أبى ذر الذى صححه ابن حبان ذكره ابن مردويه فى تفسيره وقال : إن ابن الجوزى خالف ابن حبان فى تصحيح الحديث وذكره فى الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام ، قال الحافظ ابن كثير: ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث "المواهب اللدنية للقسطلانى"ج 2 ص 46 .
أما تواريخ الرسل فقد ألفت فيهم عدة كتب ، والقرآن الكريم اقتصر على ما يهم من هذه التواريخ ، وهو صادق فيما قاله ، فقصصه أحسن القصص ، ما كان حديثا يفترى، وما عدا ذلك من الأخبار فهو محل نظر، وكتب التفسيرمحشوة بكثيرمنها، ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الصادق الذى لا يتعارض مع ما أخبر به القرآن والحديث الصحيح ، والمرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار حاول فى كتابه عن الأنبياء أن يستخلص ما هو أقرب إلى الصحة إن لم يكن مقطوعا بها، والحذر من قراءة الكتب القديمة المحشوة بالإسرائيليات وبما لا يتناسب مع مقام الأنبياء من التكريم والتشريف(8/101)
التفاضل بين الأنبياء والرسل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم أفضل الأنبياء والمرسلين ، وما هى درجاتهم في الفضل ؟
An مبدئيا نقول : إن التفاضل بين مخلوقات اللَّه موجود، سواء فى الأشخاص وفى الأزمان والأمكنة وغيرها . وهذا التفاضل أو الاختلاف من أقوى الأدلة على أن للعالم خالقا حكيما مريدا عالما قادرا على كل شىء ، وليس العالم -كما يقول الفلاسفة والملحدون -مخلوقا بالطبيعة أو بالعلة، فمعلوم أن معلول العلة لا يتخلف ومطبوع الطبيعة لا يختلف . ومن مظاهر التفاضل في العالم في المكان فضل الكعبة والحرم ، وفضل المساجد ، وفى الزمان فضل رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وفى الأشخاص فضل الرسل ، وفضل العلماء .والنصوص في ذلك مشهورة .
وبخصوص المرسلين قال اللَّه تعالى{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم اللّه ورفع بعضهم درجات } البقرة : 253 .
وإن كانوا جميعا متساوين وفى درجة واحدة من وجوب الإيمان بهم جميعا، كما قال سبحانه {لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة : 258 ، وأفضلهم على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالنص والإجماع ، وقد رفع اللَّه درجته من عدة وجوه لخصها بعضهم بأنها فى ذاته وذلك بالمعراج حيث وصل إلى مقام لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبى مرسل ، وفى شرفه بالسيادة على جميع البشر فهو القائل "أنا سيد الناس يوم القيامة" رواه البخارى ومسلم ، وفى معجزاته حيث أوتى القرآن الذى لم يؤته نبى قبله ، وبعموم رسالته وغير ذلك .
أما التفاضل بين الأنبياء بعضهم مع بعض فهو موجود كما تنص عليه الآية{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } الإسراء: 55، والمعتمد أن الرسل أفضل من الأنبياء . .
والتفاصيل فيما بينهم موجود لكن الأفضل ألا نبحث عن وجوه الفضل بين نبى وآخر أو رسول وآخر، فقد يؤدى ذلك إلى اختلاف يمكن أن يكون نتيجة غير طيبة، ولذلك ورد النهى من النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك على الرغم من فضله عليهم . فقال "لا تفضلوا بين الأنبياء" وذلك فى حادث نزاع يهودى مع مسلم وحلف اليهودى أن موسى أفضل العالمين .
رواه البخارى ومسلم . وقال "ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" قال العلماء : إنه قال ذلك من باب التواضع ، وقال القاضى عياض : لا نفضل بعضا على بعض تفضيلا يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَّ منه ، قال ابن حجر: قال العلماء : إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يقوله برأيه ، لا من يقوله بدليل ، أو من يقوله بحيث يؤدى إلى تنقيص المفضول ، أو يؤدى إلى الخصومة والتنازع ، وللمزيد يمكن الرجوع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 130 -140"(8/102)
حياة الأنبياء فى قبورهم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الأنبياء أحياء في قبورهم ،وكيف نوفق بين حياتهم فيهما وقوله تعالى{إنك ميت وإنهم ميتون }؟
An معلوم أن كل كائن حى لابد أن يموت ، قال تعالى{كل نفس ذائقة الموت } آل عمران :185 ، وقال تعالى{كل من عليها فان } سوة الرحمن :26 ، وقال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } سوررة الأنبياء : 34 ، ويقول تعالى{إنك ميت وإنهم ميتون } الزمر: 30 ، .
وبعد موت الإنسان ستكون هناك حياة له من نوع آخر، فإذا فنى الجسد وصار ترابا فالروح باقية ، ولها اتصال إلى حد ما بالجسد تختلف درجات هذا الاتصال من شخص لاَخر، وقد قال اللّه سبحانه فى الشهداء {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران : 169 ، .
وبخصوص الأنبياء روى أبو داود والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه ، وإن صلاتكم تعرض علىَّ" قالوا: يا رسول اللّه وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -بفتح الراء -يعنى بليت؟ فقال : "إن اللّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " وروى أبو داود أيضًا حديث "ما من أحد يسلم علىَّ إلا رد اللَّه علىَّ روحى حتى أرد عليه السلام " وروى أحمد والنسائى والحاكم وصححه وغيرهم حديث "إن للّه ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام " .يقول السيوطى فى كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء" : حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره وحياة سائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا، لكثرة الأدلة وتواتر الأخبار، وقد ألف البيهقى جزءا في حياتهم ، ومن الأخبار ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على موسى وهو قائم يصلى في قبره ، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء .
جاء فى وصف موسى عندما مر به "فإذا هو رجل ضرب جعد كأنه رجل من شنوءة"ومعنى ضرب متوسط الحجم أو ضعيف اللحم ، ومعنى جعد شعره غير سبط ، وشنوءة قوم من الزط سمراللون وهذا يؤكد رؤيته البصرية .
وجاء في هذا الحديث أيضا "وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلى أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفى ، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم ... " فهل رآهما في قبريهما كما رأى موسى في قبره ، أو رآهم يصلون فى المسجد الأقصى حيث جاء فى الحديث : فحانت الصلاة فأممتهم .
بعد الأخبار المذكورة وبعد كلام السيوطى في تواتر الأخبار وكثرة الأدلة على حياة الأنبياء في قبورهم يمكننا أن نطمئن إلى ذلك ولا نكذب ، بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الشهداء ، وقد قال اللَّه فيهم :{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران : 169 ، ولا يقال : قد يكون فى المفضول ما ليس فى الفاضل ، لأن محل ذلك ما لم يرد نص ، وقد ورد .
وحياتهم فى القبور مختلف في كيفيتها، وجمهور المسلمين على أنها حياة حقيقية لا مجازية ، وقد وضح الفخر الرازي ذلك فى تفسيره لهذه الاَية .
أما قوله تعالى{إنك ميت وإنهم ميتون } الزمر: 30 ، فمعناه أن روحك ستفارق بدنك وتدخل فى عالم آخر كسائر الناس ، قال تعالى{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت } الأنبياء : 34 ، 35 ، .
وحديث رد روح النبى صلى الله عليه وسلم ليجيب من يسلم عليه إن كان ظاهره يفيد أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف فقد أجاب على ذلك العلماء بأجوبة أوصلها السيوطى إلى سبعة وعشرين وجها ، أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم يكون مستغرقا بمشاهدة حضرة القدس فيفنى عن إحساسه الشريف ، فإذا سلم المسلم عليه ترد روحه من هذا الاستغراق إلى الاحساس لأجل الرد، كما ترى في الدنيا من يكون مشغول البال قد لا يحس بمن يتكلم بجواره (المنحة الوهبية ص 6 ) هذا ، وعدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ثابت بالحديث السابق ، وهو حديث صحيح عند كثير من العلماء كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأقره الذهبى كما صححه النووى في كتابه " الأذكار" . والعقائد وأخبار الغيب تؤخذ من الأدلة القطعية فى الثبوت والدلالة والخلاف موجود فى كفاية حديث الآحاد فى ذلك ، وما دام الأمر داخلا فى قدرة اللَّه سبحانه ، مع اختلاف قوانين عالم الغيب والشهادة ، ومع عدم مصادمة ذلك لأمر مقطوع به فالقلب يطمئن إلى قبوله(8/103)
الشفاعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نعلم أن هناك شفاعة عظمى للنبى صلى الله عليه و سلم يوم القيامة فهل له شفاعات أخرى وهل لغيره من الناس شفاعة وما حكم شفاعة أحد لغيره من الناس فى الدنيا ؟
An الشفاعة هى التوسط لنيل مرغوب أو دفع مكروه ، وهى مأخوذة من الشفع وهو الزوج فى العدد، ومنه الشفيع ، لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا ، ويقال : ناقة شفيع إذا اجتمع بها حمل وولد يتبعها ، والشفيع من الناس من يتوسط لغيره ، والشفيع من العمل ما يوصل إلى المطلوب ، والمستشفع - بكسر الفاء-هو الطالب للشيء عن طريق الشفيع ، والمستشفع لديه هو من يملك تحقيق المطلوب ، والمشفع - بفتح الفاء-من قبلت شفاعته ووساطته .
والإنسان قد يتشفع بعمله الصالح إلى الشخص ليحقق له غرضه المشروع ، ولا مانع من ذلك فى الطلب والإجابة ، ففى الحديث "من أتى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافيتموه " رواه أبو داود والنسائى واللفظ له ، وفى رواية للطبرانى "من اصطنع إليكم معروفا فجازوه ، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم فإن الله شاكر يحب الشاكرين " ومنه قوله تعالى فى بر الوالدين {وقل ربِّ ارحمهما كما ربيانى صغيرا} الإسراء: 24 .
وقد يتشفع بعمله الصالح إلى الله تعالى ، وهو فى الفرائض واجب ، وفى المندوب سنة ، ومنه قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون } المائدة :35، وفى الحديث الصحيح دعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار أن يكشف الله عنهم بالأعمال الصالحة التى قبلها منهم وهى :
بر الوالدين والعفة عن الفاحشة وعدم أكل حق الغير .
وقد يتشفع بإنسان له منزلة عند من يملك تحقيق غرضه ولا مانع من ذلك ما دام الغرض مشروعا ، بل قيام الشفيع بذلك مندوب إليه ، فهو من باب التعاون على البر والتقوى ، والنصوص فى ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى{من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها}النساء: 85وقوله صلى الله عليه و سلم "ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته "رواه البخارى ومسلم ، وقوله :
"اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب ، أو ما شاء" رواه البخارى ومسلم ، ومن النهى عن الشفاعة غير المشروعية عدم قبول الرسول صلى الله عليه و سلم شفاعة أسامة بن زيد فى عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية كما رواه البخارى ومسلم ، يقول الحسن البصرى فى تفسير الآية السابقة : الحسنة ما يجوز فى الدين ، والسيئة ما لا يجوز فيه ، ومما جاء فى ثواب الشفاعة الحسنة قوله صلى الله عليه و سلم "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل " رواه مسلم .
والكِفْل يستعمل فى النصيب من الخير والشر، قال تعالى {يؤتكم كفلين من رحمته } الحديد : 28،والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يشفَّع -يعنى لم تقبل شفاعته -لأن الله قال {من يَشْفَع } ولم يقل : يُشَفَّع .
هذه هى الشفاعة فى الدنيا ، أما الشفاعة فى الآخرة فهى ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع وقبولها تكريم لمن قام بها ، ولا يقوم بها أحد إلا بإذنه سبحانه ، قال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه } البقرة :255، وقال تعالى : {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا} طه : 109 ،وقال فى شأن الملائكة {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } الأنبياء : 28،والأحاديث فى ذلك كثيرة سيأتى بعضها .
ومن يأذن الله لهم بالشفاعة كثيرون ، ورب العزة سبحانه له شفاعته ، ففى صحيح مسلم أن الشافعين يدخلون النار ليخرجوا منها أناسا استوجبوا العذاب ، وأن الله يقول : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، أى فحما ، الواحدة حممة-بفتح الحاء -وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 310" أحاديث أخرى توضح كيف تكون الشفاعة .
ولا يقال فى هذا الحديث : كيف يدخل الشافعون النار ليخرجوا منها أناسا ، فذلك دخول ليس للعذاب ، فيسلب الله منها خاصية الإحراق لهم كما قال للنار التى أعدها الكفار لإحراق إبراهيم عليه السلام {يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم } الأنبياء :28،مع العلم بأن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، والله على كل شيء قدير .
وممن يأذن الله لهم بالشفاعة من يأتى :
1 -الملائكة، بدليل الآية السابقة من سورة الأنبياء وحديث مسلم السابق ، وحديث ابن مسعود الآتى .
2 - الأنبياء : بدليل حديث مسلم السابق ، وحديث ابن مسعود الآتى ، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم . .
3-الصديقون والشهداء ، لحديث البيهقى عن ابن مسعود مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه و سلم "يشفع نبيكم رابع أربعة ، جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم ، ولا يشفع أحد فى أكثر مما يشفع فيه نبيكم ، ثم الملائكة ثم الشهداء " وأخرج الترمذى والحاكم وصححه البيهقى حديث "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بنى تميم " قالوا : سواك يا رسول الله قال "سواى " وأخرج البيهقى أيضا هذا الحديث "يقال للرجل : يا فلان قم فاشفع ، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت والرجل والرجلين على قدر عمله " .
4 - الصالحون الذين يصنعون المعروف للناس ، فقد أخرج مسلم حديثا طويلاً عن شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين استوجبوا النار، وجاء فى شرح ذلك أن شفاعة المؤمنين هى لمن دخل النار، فيأمر الله الشفعاء بإخراجهم ، أو لمن استوجب النار ولم يدخلها بعد حيث يكون فى الصف المستعد لدخولها، كما جاء فى حديث ابن ماجه من شفاعة رجل فى الصف الطيب لآخر فى الصف الثانى سقاه أو قضى له حاجة فى الدنيا ، كما ذكره القرطبى فى تفسير آية الكرسى .
5 - حفاظ القرآن العاملون به ، فقد أخرج الترمذى وابن ماجه عن على رضى الله عنه قال : قال النبى صلى الله عليه و سلم "من قرأ القرآن فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار" .
6 - الأطفال الذين ماتوا ولم يبلغوا الحنث يعنى حد التكليف ، فقد روى النسائى بإسناد جيد "أن الأطفال يقفون يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة ، فيقولون : حتى يدخل آباؤنا فيقال : ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم " وتؤيده أحاديث صحيحة رواها مسلم وغيره فيمن دفنت ثلاثة أنها احتظرت بحظار شديد من النار .
هذا والشفاعة حق كما ذهب إليه أهل السنة ، وأنكرها المعتزلة الذين يقولون بخلود المؤمنين العاصين فى النار، وأما قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولاشفيع يطاع } غافر:18،فالمراد بهم الكافرون ، وأجمع المفسرون على أن آية {لا تجزى نفس عن نفس شيئا}البقرة :48 ، 23 1،هى فى النفس الكافرة .
شفاعات النبى صلى الله عليه و سلم :
لا شك أن النبى شفيع الخلائق يوم القيامة بشفاعة كبرى وهى المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون و الأخرون ، فهو أعظم الشفعاء قدرا وأعظمهم جاها عند الله سبحانه ، وقد قال تعالى فى موسى عليه السلام {وكان عند الله وجيها} الأحزاب : 69، وعن المسيح عليه السلام {وجيها فى الدنيا والاَخرة} آل عمران : 45 .
وهذه الشفاعة ينتفع بها كل أهل الموقف من المسلمين ومن غيرهم ، كما ورد فى الحديث المتفق عليه ، وذلك لتخفيف هول الموقف وبدء الحساب بعد أن يطلب أهل الموقف الشفاعة من آدم ونوح وإبراهيم وعيسى فلا يجابون ، ويقبلها الرسول صلى الله عليه و سلم ويسجد تحت العرش ثم يناديه ربه : ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيقول :
يا رب أمتى ، فيستجيب الله ويخف الهول ويبدأ الحساب ، وفى الحديث المتفق عليه "لكل نبى دعوة مستجابة، وقد ادخرت دعوتى لأمتى يوم القيامة " .
وهناك شفاعات أخرى له صلى الله عليه و سلم لا يستفيد منها الكافرون والمنافقون إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم ، لأن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن شاء، ومغفرته لمن يشاء إما بدون شفاعة أحد تفضلا منه ورحمة ، وإما بشفاعة غيره ممن أذن الله لهم بها .
ومن الأدلة على حرمان الكافرين والمنافقين من شفاعته صلى الله عليه و سلم :
1 - قوله تعالى قى الكفار{فما تنفعهم شفاعة الشافعين } المدثر : 48 .
2 - قوله تعالى فى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه و سلم { ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }التوبة : 113 .
3- قوله صلى الله عليه و سلم لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين } الشعراء : 214،حيث نادى قومه أن ينقذوا أنفسهم من النار، فإنه لا يغنى عنهم من الله شيئا رواه مسلم .
4 - حديثه فى أن الله لم يأذن له أن يستغفر لأمه ، وأذن له فى زيارة قبرها فقط كما رواه مسلم .
5 - حديثه فى عتاب إبراهيم عليه السلام لأبيه يوم القيامة على عصيانه وأن الله لم يحقق له دعاءه كما رواه البخارى، وهو {ولا تخزنى يوم يبعثون }الشعراء : 87، .
والكفار درجات متفاوتة فى الكفر، وبالتالى متفاوتون فى نوع العذاب فى النار، وإن كانوا مخلدين فيها ، وإذا كانت للأنبياء شفاعة فيهم فهى للتخفيف من العذاب لا من النجاة منه .
فإذا كان فى الكفار من خف كفره بسيب من الأسباب كنصرته للرسول ومعونته فإن شفاعته تنفعه فى تخفيف العذاب عنه كما جاء فى البخارى ومسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال قلت : يا رسول الله ، فهل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟ .
قال : " نعم هو فى ضحضاح من نار لولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار" وفى لفظ "نعم وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح " وفى رواية "إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب ، وهو منتعل بنعلين من نار " .
أما شفاعة النبى صلى الله عليه و سلم للمؤمنين أو دعاؤه لهم فهو نافع باتفاق المسلمين ،سواء فى ذلك شفاعته لأهل الذنوب حتى لا يعاقبهم الله عليها أو حتى يخفف العقوبة عنهم ، وكذلك شفاعته لغير المذنبين بزيادة الحسنات ورفع الدرجات .
يقول القاضى عياض : شفاعات النبى صلى الله عليه و سلم يوم القيامة خمس الأولى العامة ، وهى المقام المحمود ، والثانية فى إدخال الجنة بغير حساب ، والثالثة فى قوم استوجبوا النار بذنوبهم ، فيشفع لهم حتى لا يدخلوها ، وقد أنكرها الخوارج والمعتزلة . والرابعة فيمن دخل النار من المذنبين ، فيخرجون بشفاعته وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين كالشفاعة السابقة ، والخامسة فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها، وهذه لا تنكرها المعتزلة ، كما لا تنكر الشفاعة العظمى "تفسير القرطبى ج 10 ص 310" .
هذا وهناك شفاعات كثيرة للنبى صلى الله عليه و سلم أوصلها بعضهم إلى ثلاث عشرة بعضها مؤيد بأحاديث صحيحة ، وهذا القدر كله يؤيد ثبوت الشفاعة له عليه الصلاة والسلام ويمكن الرجوع فى ذلك إلى شرح الزرقانى للمواهب اللدنية "ج 8 ص365 وما بعدها"(8/104)
المقام المحمود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال تعالى{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وفى بعض الأحاديث "وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته " فهل التعبير فى الحديث مخالف من جهة اللغة لتعبير القرآن بقوله "مقاما" ؟
An قال تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} الإسراء : 79،وجاء فى حديث البخارى وأصحاب السنن "من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة " فتعبير الحديث هنا متفق مع تعبير القرآن فى أن كلمة "مقاما" منكَّرة وليست معرَّفة .
لكن جاء فى رواية النسائى بلفظ " المقام المحمود" فالحديث يروى بالوجهين : التنكير والتعريف .
قال العلماء فى رواية "مقاما" إنه نصب على الظرفية، أى : وابعثه يوم القيامة فأقمه فى مقام محمود، أو على أنه مفعول به ضُمِّن معنى ابعثه أقِمْه ، والأولى أنه مفعول مطلق ويجوز أن يكون حالا بعد حال ، أى ابعثه ذا مقام عظيم ، قال الطيبى : وإنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل : مقاما وأى مقام . أى مقاما محمودًا بكل لسان تكلُ عن أوصافه ألسنة الحامدين ، وقال النووى : إن الرواية ثبتت بالتنكير ، كأنها حكاية للفظ القرآن . "فتح البارى ج 2 ص 113 " .
ومن هنا لا يجوز لأحد أن يقول : إن رواية "مقاما" خطأ 0(8/105)
زيارة قبر الرسول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يحرم السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ، أو على الأصح زيارته فى قبره ، على رأس زيارة القبور استحبابا . وقد عقد القسطلانى فى المواهب اللدنية فصلا خاصا بها ، كما عقد الشيخ السمهودى فى كتابه " وفاء الوفا " فصلا خاصا بها أيضا ، أورد فيه أحاديث كثيرة قال الذهبى عنها : طرقها لينة يقوى بعضها بعضا ، وليس فى رواتها متهم بالكذب .
نقل القاضى عياض أن السفر بقصد الزيارة غايته مسجد المدينة لمجاورته القبر الشريف ، وقصد الزائر الحلول فيه لتعظيم من حل بتلك البقعة ، كما لو كان حيا ، وليس القصد تعظيم بقعة القبر لعينها بل من حل فيها .
إن زيارته صلى الله عليه وسلم زيارة لمسجده الذى ورد فى فضله قوله : " صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وزيارة قبور الأنبياء والصالحين بما فيها من التبرك إلى جانب ما ذكر ، مستحبة كما قال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء " والتبرك فى حد ذاته غير ممنوع ، ولكن قد تكون له مظاهر لا يوافق عليها الدين ، منها :
1 - الطواف حول القبر ، وهو مكروه لما فيه من التشبه بالطواف حول البيت الحرام .
2 - التمسح بالقبر وتقبيله للتبرك ، فقد قال فيه الإمام الغزالى :
وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله ، بل الوقوف من بعد أقرب إلى الاحترام . وعن أحمد بن حنبل فى ذلك روايتان . ففى " خلاصة الوفا " ما نصه :
وفى كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبى عن الرجل يمس قبر النبى صلى الله عليه وسلم يتبرك به ويقبله ويفعل بالمنبر مثل ذلك ، رجاء ثواب الله تعالى ، فقال : لا بأس به . قال أبو بكر الأثرم : قلت لأبى عبد الله -يعنى أحمد بن حبل - : قبر النبى صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به ؟ فقال : ما أعرف هذا . ولعل رواية الجواز خاصة بالتبرك بالمنبر لا بالقبر ، فقد جاء فى " الإحياء " للغزالى عن التبرك بالآثار النبوية :
ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة . وجاء عن أحمد بن حنبل منقولا عن ابن عمر قال ابن تيمية فى كتابه "الصراط المستقيم " :
ورخص أحمد وغيره فى التمسح بالمنبر والرمانة التى هى موضع مقعد النبى صلى الله عليه وسلم ويده ولم يرخص فى التمسح بقبره ، وقد حكى بعض أصحابنا رواية عنه فى مسح قبره ، لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبر يدعو له ، والفرق بين الموضعين ظاهر . وصح فى البخارى أن عبد الله بن سلام كان يتبرك بالقدح الذى شرب منه النبى @ وبالمكان الذى صلى فيه .
3 - الدعاء عند القبر ، وهذا الدعاء يجب أن يكون الاتجاه فيه إلى الله تعالى ، لأنه هو وحده الذى يملك النفع والضر ، ولا يجوز الاتجاه به إلى صاحب القبر مهما كانت منزلته ، أما التوسل والاستشفاع به عند الله فقد مر بيان حكمه .
ودعاء الله عند زيارة هذه الأضرحة قال جماعة : إنه أرجى للقبول ، لما يصاحبه من روحانية يحس بها الداعى وهو بجوار رجل صالح يحبه ويحترمه ، وقال آخرون : ليس للدعاء عنده ميزة على الدعاء فى غير هذا المكان . ومن هولاء ابن تيمية حيث قال : إن قصد القبور للدعاء عندها ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها فى غير هذا الموطن أمر لم يشرعه الله ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحاب ولا التابعين ، ولا من أئمة المسلمين ، ولا ذكره أحد من العلماء الصالحين المتقدمين انتهى . لكن ليس هذا الكلام دليلا على منعه ، وقد تكون هناك وجهة للمنع وهى الاحتياط وسد الذريعة لدعاء صاحب القبر بدل دعاء الله أو معه .
هذا ، وفى الدعاء عند زيارة النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره أثيرت مسألة الجهة التى يتجه إليها الداعى ، هل هى قبلة الصلاة أو هى القبر الشريف ؟ روى القاضى عياض فى كتابه "الشفا فى التعرف بحقوق المصطفى " ما جاء عن الإمام مالك بن أنس لما ناظره أبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوما فقال { لا ترفعوا أصواتكم فون صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } الحجرات : 2 ، ومدح قوما فقال { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } الحجرات : 3 ، . وذم قوما فقال { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } الحجرات : 4 . وإن حرمته ميتا كحرمته حيا . فاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال :
ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله ، قال الله تعالى { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } النساء : 64 .
وابن تيمية يكذب هذه الرواية . ورد الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى على ابن تيمية بأنها مروية عن ثقات ليس فيهم وضَّاع ولا كذاب ، ثم يرد عليه ما ادعاه من كراهية مالك لاستقبال قبر النبى صلى الله عليه وسلم عند الدعاء بأن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر واستقباله ، مع مس القبر بيده . ويقول : وإلى هذا ذهب الشافعى والجمهور ، ونقل عن أبى حنيفة . قال ابن الهمام : وما نقل عنه أنه يستقبل القبلة مردود بما روى عن ابن عمر : من السنة أن يستقبل القبر المكرم ، ويجعل ظهره للقبلة ، وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة ، وقول الكرمانى : مذهبه خلافه ليس بشىء ، لأنه حى، ومن بأتى الحى إنما يتوجه إليه . وصرح النووى فى كتابه "الأذكار " بذلك . وقد أشير إلى شىء من ذلك فى موضع التوسل ، من هذا البيان .
هذا ، ومع استحباب زيارة قبور الأنبياء والصالحين يجب التنبه إلى ما جاء من النهى عن اتخاذها مساجد وعيدا ، فقد وردت فى ذلك نصوص كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وقوله " اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تتخذوا قبرى عيدا ، وصلوا علىَّ ، فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم " .
واتخاذ القبور مساجد يعنى التوجه بالعبادة اليها وإلى من فيها ، وذلك شي لي ، فالعبادة لله وحده ، وهو معنى جعل القبر وثنا يعبد .
والمراد بالمسجد هنا موضع العبادة بالصلاة وغيرها ، واتخاذها عيدا يقصد به التقرب إلى الله عندها فى المواسم وفى مواعيد معينة شأن الأعياد فى ذلك .
وقال جماعة : إن هذا الحديث ينهى عن التقصير فى قبره وهجره وعدم زيارته إلا فى مواسم كالأعياد ، فهو يحث على مداومة زيارتها . هذه وجهات نظر مختلفة فى فهم الحديث .
جاء فى " خلاصة الوفا للسمهودى " : أن هذا الحديث قيل عندما رأى رواية الحسن بن الحسن أو على بن الحسين -رجلا يحرص كل يوم على زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ويبالغ فى الدنو منه ، وقد كره مالك ذلك ممن لم يقدم من سفر ، وجاء فيه أيضا : قال الحافظ المنذرى فى حديث " لا تجعلوا قبرى عيدا " يحتمل أن يكون حثا على كثرة الزيارة وألا يهمل حتى لا يزار إلا فى بعض الأوقات كالعيد ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أى لا تتركوا الصلاة فيها . قال السبكى : ويحتمل أن يكون المراد : لا تتخذوا له وقتا مخصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه ، أو لا يتخذ كالعيد فى العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع و غيره مما يعمل فى الأعياد ، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام ، ثم ينصرف عنه .
ومهما يكن من شىء فإن اتخاذ قبور الأنبياء ومثلهم الصالحون للتقرب هو لصلتها بمن فيها والتبرك بهم -كما قدمنا-وإن كانت العبادة لله وحده ، وكان بعض الصحابة كعبد الله ابن أم مكتوم يحرص أن يصلى النبى @ فى بيته ليتخذه مسجدا ، وابن عمر كان يتتبع مواضعه عليه الصلاة والسلام وآثاره ، جاء فى صحيح البخارى عن موسى بن عقبة قال : رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلى فيها ، ويحدث أن أباه - عبد الله بن عمر- كان يصلى فيها ، وأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى تلك الأمكنة . قال موسى : وحدثنى نافع أن ابن عمر كان يصلى فى تلك الأمكنة . وقد رخص أحمد ابن حنبل فى ذلك -كما قال ابن تيمية-ولكن كره أن يتخذ ذلك عيدا للناس يعتادونه ، استنادا إلى ما روى أن عمر رأى جماعة ابتدروا مكانا يصلون فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه ، فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم ، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا ، من عرضت له الصلاة فيه فليصل ، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض . فقد نهى عن التزام ذلك واتخاذه موسما يعتادونه ، أما القليل العارض غير المقصود فلا بأس والتبرك فى حدوده المعقولة-كما قلنا -لا مانع منه ، فقد كان الصحابة يتبركون بآثار النبى صلى الله عليه وسلم ، جاء فى صحيح البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فى يده من الورِق - الفضة-ثم كان فى يد أبى بكر بعده ، ثم كان فى يد عمر ، ثم كان فى يد عثمان حتى وقع فى بئر "أريس " ، وكان نقشه " محمد رسول الله " وفى بعض الروايات أنه مكث فى يد عثمان ست سنوات ، واجتهدوا فى العثور عليه فى البئر فلم يفلحوا . وبئر " أريس " بجوار مسجد قباء ويعرف باسم "بئر الخاتم " .
وجاء فى البخارى أيضا أن الزبير بن العوام كانت له عنزة طعن بها عبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر ، فسأله النبى صلى الله عليه وسلم إياها ، فأعطاها له ، ولما قبض أخذها ، ثم سألها إياه أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وعلى .
و العنزه كالحربة .
وكذلك جاء فى البخارى أن عمر رضى الله عنه لم يقطع الشجرة التى كانت عندها بيعة الرضوان إلا لاختلاف الناس بعدها فيها وفى مكانها .
تكمله : -جاء فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ 22 من يونية سنة 1940 ما ملخصه : أن ابن تيمية منع دفن الميت فى المسجد وقال فى إحدى فتاويه : إنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد ، فإن كان المسجد قبل الدفن غير ، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا ، والعلة فى المنع هى عدم اتخاذه ذريعة للصلاة إلى القبر .
وجاء عن ابن القيم فى "زاد المعاد " : أن الإمام أحمد وغيره نص على أنه إذا دفن الميت فى المسجد نبش ، وقال ابن تيمية : لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق .
وقال النووى فى شرح المهذب : اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر ، سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره ، لعموم الأحاديث ، قال الشافعى والأصحاب : وتكره الصلاة إلى القبور ، سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى : قال الإمام الزعفرانى رحمه الله : ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاما له ، للأحاديث انتهى .
وأعدل الأقوال أن الصلاة إذا كانت تعظيما للقبر فهى حرام وباطلة لأن ذلك شرك ، أما إذا خلت من التعظيم فهى صحيحة مع الكراهة إن كان القبر أمام المصلى ، أما إن كان خلفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة(8/106)
صلاة النبى بالأنبياء فى المسجد الأقصى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى قصة الإسراء والمعراج أن النبى صلى الله عليه وسلم ، صلى جماعة بالأنبياء فى المسجد الأقصى قبل العروج إلى السماء ، فما هى هذه الصلاة مع أنها لم تكن قد فرضت بعد ؟
An ثبت فى صحيح مسلم من طريق ثابت البنانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين ، كما ثبت أنه صلى بالأنبياء إماما ، أى بعد صلاة الركعتين ، وأنكر حذيفة بن اليمان صلاته عليه الصلاة والسلام ببيت المقدس ، محتجا بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة فى البيت العتيق ، ولكن تعقبه البيهقى وابن كثير بأن المثبت - وهم جمهور الصحابة - مقدم على النافى .
يقول القسطلانى فى كتابه " المواهب اللدنية " وشرحه للزرقانى :
وقد اختلف فى هذه الصلاة ، هل هى فرض أو نفل قال بعض العلماء إنها فرض ، بناء على ما قاله النعمانى، وقال بعض : إنها نفل ، وإذا قلنا : إنها فرض ، فأى صلاة هى ؟ قال بعضهم الأقرب أنها الصبح ، ويحتمل أن تكون العشاء ، وإنما يتأتى على قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم قبل عروجه إلى السماء ، وفى النعمانى : إنما يتأتى على أن الإسراء من أول الليل ، لكن قال بعض رواة حديث الإسراء : إنه بعد صلاة العشاء ، وأما على قول من قال : صلى بهم بعد العروج فتكون الصبح . والاحتمالان ، كما قال الشامى ، ليسا بشىء ، سواء قلنا صلى بهم قبل العروج أم بعده . لأن أول صلاة صلاها النبى صلى الله عليه وسلم من الخمس مطلقا الظهر بمكة باتفاق ، ومن حمل الأولية على مكة فعليه الدليل ، قال : والذى يظهر أنها كانت من النفل المطلق ، أو كانت من الصلاة المفروضة عليه قبل ليلة الإسراء ، وفى فتاوى النووى ما يؤيد الثانى . انتهى .
بعد هذا أقول : إن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء ، وكانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره ، وأما التى فرضت ليلة الإسراء فهى كونها خمسة فروض بركعاتها المعروفة، وعليه : فيجوز أن تكون صلاة الرسول ببيت المقدس ركعتين تحية للمسجد، صلاهما وحده والتى صلاها إماما بالأنبياء يجوز أن تكون نافلة من صلاة الليل وقد كانت مشروعة له صلى الله عليه وسلم ، وجاء فى بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام وجد الأنبياء يصلون عند دخوله المسجد ، ولما حان وقت الصلاة أذن مؤذن ثم أقيمت وقدمه جبريل عليهم بعد أن تبين فضله من واقع ما أثنى به كل على نفسه ، ولكن مثل هذه الروايات لا ينبغى التعويل عليها فى صورتها الجزئية ، بعد أن كرم اللَّه رسوله وأخذ على الأنبياء الميثاق إن أدركوه أن يؤمنوا به وينصروه ، ومهما يكن من شىء فالخلاف فى هذا الموضوع ليست له نتيجة عملية(8/107)
آدم وحواء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ورد سؤال من عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية الحكومية في سومطرة الشمالية بإندونسيا سنة 1972 م يقول : ظهر كتاب حديث في إندونسيا بعنوان "القرآن وتاريخ الإنسانية " قرر فيه مؤلفه بإسهاب أن أول الإنسان هو أنثى لا رجل وأن أهل الأديان جميعا أخطأوا فى قولههم : إن أول البشر آدم ، واستدل بأدلة عقلية وعملية، مستأنسا بقوله {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به } ويسأل :
1 - هل يجب الاعتقاد بأن أول البشر هو آدم عليه السلام ، وما حكم من قال : إن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل ؟ .
2-هل يوجد من علماء المسلمين سلفا وخلفا من يقول بأن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل ؟
An اعلم أن القرآن لم ينزل ليعلم الناس حقائق علمية في المجالات المختلفة ، ولكنه نزل للإعجاز والهداية ، يحدد ما يجب تحديده كالعقائد والعبادات ، ويضع أصولا كلية وأوامر عامة فيما يختلف باختلاف البيئات والعصور، غير أنه إذا وردت فيه مسائل علمية بقصد الإعجاز والهداية فإنها حق لا شك فيه حتى لو لم يفهمهما الناس ، فإن جهلها لا يضر، أو أن الزمن كفيل ببيان المراد منها عندما تكتمل أدوات المعرفة .
وقد نصح العلماء بعدم الإسراع لربط المكتشفات الحديثة بالقرآن ، فقد تكون هذه المكتشفات ما تزال في طور النظرية القابلة للتغيير، فلا ينبغي أن تحمل عليها آيات القران حملا قد يكون فيه تعسف -، وقد يضر بتقدير الناس للقرآن عندما يتبين أن هذه النظريات خطأ .
وتاريخ الإنسانية الذي يشير إليه عنوان الكتاب ومحاولة معرفته عن طريق القرآن ليس من المسائل الجوهرية في الدين ، فلم يكلفنا الله بمعرفته ولم يوجب علينا اعتقاد ما ليس فيه نص عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة .
ومهما يكن من شيء فإليك ما يأتي خاصا بهذا الموضوع .
1 - سيدنا آدم هو الخليفة في الأرض قال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } البقرة : 30 ، فالملائكة لم تكن تعرفه من قبل ، وكانوا يظنون أنه سيفسد كما أفسد من قبله ، ولن يكون على مثالهم هم من الطهر ودوام الطاعة للَّه ، فهو خلق جديد عليهم .
2 - خلق آدم من تراب مبلل بالماء فصار طينا ، ولحث أمر اللَّه الملائكة بالسجود له امتنع إبليس ، قال تعالى {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلهم أجمعون . إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين } ص : 71- 74 ، وقد برر إبليس امتناعه عن السجود بقوله {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } ص : 76 ، فآدم خلق غير معروف من قبل للملائكة ولإبليس ، فهو جديد عليهم ليس له مثال سابق .
3- إن البشر جميعًا منسوبون لأصلهم الأول وهو آدم ، قال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} الأعراف : 27 ، فآدم أول المخلوقات البشرية .
4 -إن اللَّه خلق من نفس آدم - أي مادته وهي التراب ، أو من جسده بعد أن سواه ونفخ فيه الروح وهذا لم يدل عليه دليل قاطع -خلق من نفس آدم زوجها ليسكن إليها ويأنس بها وهي حواء ، قال تعالى{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف : 189 .
والنفس المذكورة هي آدم ، ولفظ النفس مؤنث وإن كان معناه قد يكون مذكرًا، فهو يطلق على الذكر والأنثى، مثل لفظ شخص يصلح لإطلاقه على كلا النوعين ، ولفظ الزوج يطلق على الرجل والمرأة فيقال : علي زوج فاطمة ، وفاطمة زوج علي ، وهما زوجان ، والمراد بالزوج في هذه الآية حواء الأنثى قال تعالى {واللَّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} النحل : 72 ، فالخطاب لبني آدم الذكور، والمنة عليهم بأن جعل اللَّه لهم من أنفسهم زوجات نساء، ومن هؤلاء الزوجات يأتي البنون والحفدة ، فالرجال هم الأصل والنساء تبع لهم .
5 -خلق اللَّه آدم أولا ثم خلق حواء ، قال تعالى{خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} الزمر: 6 ، فالتعبير بلفظ "ثم " يفيد الترتيب في الزمن أو الرتبة ، وهو على كل حال يفيد سبق آدم لحواء ، ووجه اللَّه الخطاب في القرآن لآدم وجعل حواء زوجه تبعًا له ، وهو يشعر بتقدم آدم عليها . قال تعالى{وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} البقرة : 35 ، وكما تشير إليه آية سورة النحل السابقة "بند 4 " .
6 - ضمير الخطاب والغيبة في الآيات المذكورة كلها مذكر وليس مؤنثًا فآدم ذكر وليس أنثى {اسكن أنت وزوجك الجنة} في ذا سوَّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } .
نخلص من هذا إلى حقيقتين أولاهما أن آدم هو أول البشر على الإطلاق وثانيهما أنه ذكر لا أنثى ، واللغة العربية التى نزل بها القرآن هى التي أوصلتنا إلى هذا الاستنتاج ولم نجد فيما اطلعنا عليه أن أحدا من العلماء المسلمين قال غير ذلك ، فصار إجماعًا مستندًا إلى ما ذكر من الأدلة .
وفي الختام أقول : إن محاولة التشكيك في أن أول البشر ذكر هو آدم ممهدة للقول بنظرية "داروين " في أصل الأنواع وفي النشوء والارتقاء التي تجوز أن آدم جاء نتيجة لتطورات خلقية سابقة، قد يكون مبدؤها أصلاً أنثويًا وجدت فيه الروح ، فكان الكائن الحي الذي تطور إلى آدم البشر السوي ، ومعروف أن نظرية "داروين " لم تسلم من النقد، ورفضها أكثر العلماء المحققين ، لأنها تقوم على افتراضات غير ثابتة يقينًا .
ومع ذلك فقد قلت فيما سبق :إن المسألة ليست اعتقادية ولا تتوقف صحة الإيمان عليها ، غير أن من خالف مواضعات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كان معرضا للانزلاق إلى استنباطات واهية ونتائج غير صحيحة قد تمس حقائق الدين المتفق عليها فيضل ويشقى . وهذا إلحاد في التفكير يخشى أن يندرج تحت قوله تعالى{إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} فصلت : 40(8/108)
نوح وأرضه وعمره وزوجته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء قوله تعالى على لسان النبي نوح {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} نوج :26 ، فلماذا قال نوح "الأرض " ولم يخص قومه الذين عصوه ، وهل نوح هو الأب الثانى للبشر؟ وكم كان عمره ، وكيف خانته زوجته ؟
An كان العمران محدودًا في أيام نوح عليه السلاَم ، ولعل الذين أرسل إليهم كانوا هم الذين يعيشون على الأرض في هذه المنطقة ، فلما دعا عليهم ظن أو اعتقد أنه لا يوجد غيرهم على الأرض . وهم أيضًا قومه كما قال سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين } الشعراء : 105 .
وقال بعض العلماء : إن الأرض المذكورة في دعاء سيدنا نوح قد يراد بها المنطقة التي أرسل فيها دون غيرها ، فكلمة "ال " للعهد كما يقول علماء اللغة، وقالوا : إن الطوفان أهلك كل إنسان كافر، وعمرت الأرض بعد ذلك من سلالة المؤمنين الذين ركبوا السفبنة معه ونجوا من الغرق ، وبهذا يقال :
إنه الأب الثاني للبشر بعد آدم عليه السلام وذلك ما نقل ، عن ابن عباس من أن نوحًا هو آدم الأصغر، وأن جميع الخلائق الآن من نسله "تفسير القرطبي ج 9 ص 48 " .
أما عمر سيدنا نوح ، فقد اختلفت فيه الأقوال عند تفسير قوله تعالى{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون } العنكبوت : 14 ، فمن المؤكد أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما ، فهل هذه المدة هي كل عمره الذي عاشه من يوم ولادته إلى وفاته ، أو هي التي عاشها في الدعوة ويضاف إليها السنوات التي قبلها ، وهي حوالي أربعين سنة ، حيث كان الرسل يبعثون في هذه السن ، ثم يضاف إليها أيضًا المدة التي عاشها بعد الطوفان ولا يعلم كم هي ؟ ليس هناك دليل قاطع على عمره ، ولا داعي للانشغال به ، فقد مات كما يموت كل حي ، ولم يخلد في الدنيا على الرغم من عمره الطويل .
وفي تفسير القرطبي في سورة العنكبوت معرض لآراء كثيرة في عمر نوح ليس على أي واحد منها دليل صحيح ، وأورد حديثًا بصيغة التمريض أي التضعيف أن عمره كان عند البعثة مائتين وخمسين سنة ، وعاش بعد الطوفان مثلها ، يضم إلى ذلك ما نص عليه القرآن وهو تسعمائة وخمسون سنة، فيكون المجموع ألف سنة وأربعمائة وخمسين سنة وكل ذلك -استنتاج لا دليل عليه .
أما زوجته فقد قال اللَّه فيها{ضرب اللّه مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئًا وقيل ادخلا النار مع الداخلين } التحريم : 10 .
فما هي الخيانة التي صدرت من كل منهما مع أن كلا منهما زوجة نبي ؟ .
أحسن ما قيل في خيانتهما أنها الكفر بالرسالة والتواطؤ مع الكفرة، وحاشا أن تكون الخيانة في العرض والشرف كما قال ابن عباس رضي اللّه عنهما . والمستبعد أن تكون (عجوز) كما وصفها الله تخون لوطا بالفاحشة .
هذا، وكون زوجة نبي كافرة لا يقدح في عصمته هو ولا يمس شرفه ، فكل امرئ بما كسب رهين ، كما لا يضر المسلم أن تكون زوجته كتابية لا تؤمن بدينه(8/109)
رفع عيسى عليه السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل رفع عيسى عليه السلام حيا أو ميتا ، وأين مدفنه ؟
An جاء الحديث عن وفاة سيدنا عيسى ورفعه في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم : {إذ قال اللَّه يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ ومطهرك من الذين كفروا} آل عمران :55 ، {وما قتلوه يقينا بل رفعه اللَّه إليه } النساء : 157 -158 ، {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم } المائدة : 117 .
والآية الأخيرة في معرض كلام الله تعالى لعيسى يوم القيامة ، ولا شك أن كل حي سيموت ويبعث بعد الموت ، والآيتان الأخريان تؤكدان رفع عيسى إلى اللّه وأن اليهود لم يقتلوه ولم يصلبوه ، وفي الآية الأولى منها أن اللّه متوفيه ورافعه ، فالقدر المتفق عليه أن عيسى لم يقتل ولم يصلب وأن اللّه قد رفعه إليه وتوفاه ، والخلاف هنا في نقطتين في معنى الرفع ومعنى الوفاة، وفي سبق أحدهما على الآخر .
أما النقطة الأولى :
فقيل في معنى الرفع : رفع مكانة ومنزلة بالنصر على الأعداء ، وذلك قدر مشترك بين الأنبياء جميعًا لا يختص به عيسى، وقيل إنه رفع مكان ، والمكان هو السماء ، لأنه هو الذي يرفع إليه من الأرض التي كان يعيش عليها عيسى، لعل هذا المعنى يكون أرجح ، لأن رفعه من الأرض إبطال لكيد من دبروا قتله فلا يمكنهم أن يخالوه .
وقيل في معنى الوفاة الموت الحقيقي لأنه هو الذي يتبادر إليه لفظ الموت ، وقيل معناها النوم لأنه يسمى وفاة كما قال تعالى {اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} الزمر: 42 ، وقال تعالى {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى } الأنعم :
60 .
وقيل معناها توفية الأجل وإتمام المدة المقررة به في الدنيا .
وأما في النقطة الثانية :
فالعطف بين الوفاة والرفع هو بالواو، والعطف بها يفيد مطلق الجمع بينهما في الحصول دون ترتيب ولا تعقيب ، فيا ترى أيهما كان السابق ؟ قال بعض المفسرين : الرفع هو السابق والوفاة تكون بعد ذلك إما فى السماء وإما في آخر الحياة الدنيا فكل نفس ذائقة الموت .
وقيل : الوفاة هي السابقة على الرفع ، بمعنى أن الله ألق عليه النوم ثم رفعه حتى لا يحصل له رعب وهو يرى نفسه محلقا في الأجواء العالية، أو بمعنى أن اللّه قبض روحه ثم رفعه ميتا ، وقد يكون هذا المعنى بعيدًا لأمرين : أن اللّه نجاه من القتل فلماذا يميته وكلاهما ألم بإزهاق الروح وأنه سينزل آخر الزمان كما صح ذلك في الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا مقسطا ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" والقريب إلى التصور أن يكون في السماء حيا ثم ينزل إلى الأرض ، لا أن يكون ميتا ثم يبعثه اللَّه بعد موته لينزل إلى الأرض [هناك كلام كثير في عمر عيسى عندما بعث ، وعندما رفع ، وكم يمكث بعد نزوله من السماء ويراجع في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية "ج 1 ص 34 ، 35 ، وفى كتاب "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " للشوكاني .
ومهما يكن من شيء فكلها احتمالات لا تتقرر بها عقيدة، فمن اختار أي رأي فلا حرج عليه ، مع الاتفاق على أنه عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وأن اللّه رفعه .
وكتب التفسير مملوءة بالمناقشات لترجيح بعض الآراء على بعض ، وأرى أن نكتفى بالقدر المتفق عليه ، ونوجه اهتمامنا إلى واقع حياتنا الذي يحتاج إلى بحث عميق وتفكير طويل .
هذا ، وقد جاء في كتاب خلاصة الوفا للسمهودى ص 206 حديث رواه الترمذي عن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه عن جده قال :
مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه ، وقال الترمذي :
حديث غريب . وفي بعض النسخ : حسن غريب . وروى الطبرانى أن عيسى يدفن مع الرسول وأبى بكر وعمر، وفي سنده عثمان ابن الضحاك بن عثمان ، وثقه ابن حبان وضعفه أبو داود .
وجا في المشكاة عن كنز العمال عن عمرو بن العاص حديث إن عيسى بن مريم ينزل إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسًا وأربعين سنة ثم يموت ويدفن معي في قبري أنا وعيسى بن مريم بين أبي بكر وعمر. وكلها أخبار لا تثبت بها عقيدة ، وأرى عدم الاهتمام بها انظر بحث الشيخ جاد الحق فى كتابه "قضايا عصرية ج 5ص 329 "(8/110)
حيوانات نطقت للنبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين في الأخبار التي تقول إن بعض الحيوانات نطقت للنبى ه صلى الله عليه وسلم ؟
An من الحيوانات التي جاءت الأخبار بأنها نطقت للنبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي :
1- الجمل : جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح ، وفي مستدرك الحاكم عن عبد اللَّه بن جعفر أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل حائطا- حديقة - لبعض الأنصار فإذا فيه جمل ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذرفت في عيناه ، فمسح النبي سنامه ، وفي رواية مسح ذفراه - والذفرى بالألف المقصورة ، هو الموضع الذي يعرق منه البعير عند أذنه - فسكن ، قال النبي لصاحب الجمل " إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه " أي تتعبه في العمل .
ورواه أحمد بإسناد جيد عن أنس ، ورواه أحمد والحاكم والبيهقى بسند صحيح من طريق يعلى بن مرة الثقفي ، كما روى مثله عن طريق جابر بسند ضعيف .
وروى الطبرانى عن جابر أن الجمل رغا على هامة النبي في غزوة ذات الرقاع وقال " إن هذا الجمل يستعديني على صاحبه " أي يشكو لي صاحبه ، وروى الطبرانى في كتاب الدعوات عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، فجاء أعرابي ومعه جمل ، وجاء رجل كأنه حرسى، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا الأعرابي سرق بعيري هذا، فرغا البعير وحنَّ ساعة . فأنصت النبى، فلما فرغ قال للحرسي "انصرف فإن البعير يشهد عليك أنك كاذب " ورواها أيضًا عن عكرمة بسند ضعيف ، كما روى ابن ماجه آن بعيرًا رغا ثلاث مرات على هامة النبيِّ ، وكان النبي يؤمن في كل منها ، ولما سئل عن ذلك قال "إن البعير كان يدعو له " .
من هذا يعلم أن الحديث لم يخرج في الصحيحين : البخاري ومسلم ، وحكم بعضهم بصحة رواية أحمد وغيره ، كما حكموا على الروايات للحادثة بالضعف في حوادث متشابهة ، ومهما يكن من شيء فليس في هذه الروايات أن الجمل كلم النبي صلى الله عليه وسلم باللغة التي يفهمها الناس ، وكل ما كان من الجمل هو الرغاء أي صوته العادي ، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم منه بفراسته أو بالإلهام من اللّه أنه يشكو وصدق على ذلك صاحب الجمل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجمل الآخر كان يدعو له .
وليس هناك ما يمنع عقلاً ولا شرعًا أن يلهم اللّه نبيه معرفة لغة الجمل ومقصده من رغائه ، فقد ثبت أن داود وسليمان عليهما السلام كانا يعرفان منطق الطير، قال تعالى {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل : 16 ، وقال {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكًا من قولها} النمل : 18 ، 19 ، وفى شأن الهدهد قال اللَّه {فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين } إلى أن قال {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين } النمل : 22 ، 27 .
ومع أن معرفة النبي للغة الجمل وقصده من رغائه غير ممنوعة عقلاً ولا شرعًا فإن الطرق التي رويت بها هذه الحوادث بعضها صحيح وبعضها ضعيف .
ومثل هذا لا تثبت به العقائد على ما قرره العلماء .
وعدم تصديقها لا يخرج المؤمن من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر .
2 - الحمار - ذكر ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى أبي منصور :
لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حمارا أسود، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما اسمك "؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج اللّه من نسل جدي ستين حمار لا يركبها إلا نبي ، وأخيرًا قال له النبي صلى الله عليه وسلم "أنت يعفور" وكان يركبه في حاجته ، ويبعثه خلف من شاء من أصحابه فيأتي الباب فيقرعه برأسه فيعلم صاحب البيت أن النبي صلى الله عليه وسلم يستدعيه فيذهب إليه .
هذا الحديث قال فيه الحافظ أبو موسى المدينى : حديث منكر جدًا ، إسنادًا ومتنا ، لا يحل لأحد أن ينويه إلا مع كلامي عليه . ورواه أبو نعيم بمثله عن معاذ بن جبل ، وهو مطعون فيه ، وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وقال : لا أصل له ، وليس سنده بشيء وذكره ابن الجوزى في الموضوعات ، وقال ابن حجر: إنه شديد الضعف .
3 - الجدى - قال إنه شهد بأن الرسول مرسل لأجل أن يؤمن أبو لهب بالنبي .
4- الثعبان - وهو الذي لدغ أبا بكر في الغار يقال إنه كلم النبي ، ولم أر لهذين الخبرين أثر يعتمد عليه في كتب السنة والسيرة .
5 - الضب - وحديثه مشهور على الألسنة ورواه البيهقى في أحاديث كثيرة ، لكنه حديث غريب ضعيف ، قال الحافظ المِزى : لا يصح إسنادا ولا متنا ، وذكره القاضي عياض فى "الشفاء" مرويا عند الطبرانى .
والبيهقى وشيخه ابن عدى كلهم عن ابن عمر، أن أعرابيًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ضب وقال لا أومن بك حتى يؤمن هذا الضب ، فناداه الرسول وسأله عن الله الذي يعبده وعن رسوله ، وهو مطعون فيه بالضعف ، وقيل : إنه موضوع ، واختار القسطلانى أنه ضعيف لا موضوع .
6 -الغزالة- روى حديثها البيهقى من طرق ، وضعفه جماعة من الأئمة، لكن له طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا لغيره ، وذكره القاضي عياض في الشفاء بلا سند، وأبو نعيم بإسناد فيه مجاهيل وملخص الحادثه أن الرسول كان في صحراء فسمع هتاف الظبية التي صادها أعرابي وقيدها ، وطلبت أن يفكها حتى ترضع أولادها وتعود فكان ذلك فأطلقها الأعرابي ونطقت بالشهادتين . ذكر السخاوى أن ابن كثير قال : لا أصل له ، ومن نسبه إلى النبي فقد كذب .
7- الذئب - وقد شهد للرسول بالرسالة ، وحكى قصته أبو هريرة وأنس بن مالك وابن عمر وأبو سعيد الخدرى ، ورواها أحمد بإسناد جيد ، والترمذى والحاكم وصححا الحديث . جاء فيها أن ذئبًا أخذ شاة فانتزعها الراعي منه فقال الذئب له : ألا تتقي اللَّه ، تنزع رزقًا ساقه اللَّه لي ، فعجب الراعي من كلام الذئب ، فأخبره بأن الأعجب من ذلك أنك لا تؤمن بالرسول الذي ظهر في يثرب فذهب إليه الراعي وأسلم ، وأمره الرسول بإعلان ما حدث من الذئب ، ثم قال الرسول "صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله من بعله " .
وروى قصة الذئب البخاري في تاريخه وأبو نعيم في الدلائل ، وإسناده ليس بالقوى ورواها البيهقى في الدلائل وسعيد بن منصور في سننه كما رواها البغوى وأحمد والبزار وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة .
ذكر القسطلانى في المواهب وذكر الزرقانى في شرحها هذه الحوادث بتوضيح في الجزء الخامس من صفحة 145 - 151 ، وليس في أدلتها ما يوجب علينا تصديقها كعقيدة ، وإن كان خرق العادات للأنبياء والأولياء جائزًا لكن لا يجوز أن ننسب إلى الرسول إلا ما وثقنا من صدقه حتى لا نقع تحت طائلة حديثه "من كذب علي متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم وما فصله به ربه من الأشياء الثابتة كثير، وكفى بالقراَن معجزة خالدة باقية تتحدى العالم كله إلى أن تقوم الساعة ، وما حدث من الخوارق قد انتهى أثره(8/111)
حديث ثلاثة من الجفاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة من الجفاء : أن يمسح الرجل جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، وأن يبول قائما، وأن يسمع الأذان ولا يقول مثل ما يقول المؤذن " فما معنى الجفاء، وكيف يمسح الرجل جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة، وما الضرر من هذا ؟
An هذا الحديث له عدة روايات ، روى إحداها البزار من طريق بريدة بدون ذكر الأذان ، وجاء بدله بالنفخ فى سجوده "نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 102 " ومعنى الجفاء ترك سنة النبى صلى الله عليه وسلم وهديه ، وهو يدل على كراهة هذا الأمور ، وقد ورد فى كل منها نصوص خاصة بها .
والنهي عن البول من قيام حكمته التحرز من تطايره وإصابه البدن أو الثوب بالنجاسة . وهو مكروه إلا لحاجة ، وإجابة السامع للمؤذن لها فضل كبير، من تهاون فيها فاته ثواب عظيم ، وأما مسح المصلي جبهته مما يعلق بها من تراب في السجود فقد كرهه السلف ، وعللوه بأمور، منها أن يبقى أثر السجود على وجهه دليلاً على العبادة والتواضع للَّه ومنعًا من الكبر، وفي هذا رجاء قبول الصلاة، ومنها أن مسحه أثناء الصلاة فيه شغل للإنسان عن ربه وعدم تمكن من الخشوع .
وقد صحت أحاديث " النووي على مسلم ج 5ص 37 " تدل على كراهة مسح الحصا ، على معنى أن يزيح المصلى الحصا من موضع سجوده ليسجد على التراب ، وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروشًا به ، وليس مفروشا بما نعهده اليوم . وعلل العلماء كراهته بأنه ينافى الخشوع ، خصوصًا إذا كثر، ولهذا رخص في مسح حصاة واحدة تقليلاً للحركة وجاء في بعض الأحاديث "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصا" ذكره ا الشوكانى في نيل الأوطار "ج 2 ص 349" كما علل النهى عن مسح الحصا بأن كل حصاة تحب أن تحظى بالسجود عليها فلا تنبغى إزاحتها كما جاء مصرحا به فى بعض الروايات "المرجع السابق ص 350" .
هذا وإذا كان مسح الحصا وتسوية الأرض قبل الدخول في الصلاة فلا بأس به(8/112)
حديث " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ما يردده كثير من الناس بقولهم " المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين حديث مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وسببه أنه أسر أبا عزقي الجمحى يوم بدر ، فمن عليه وأطلقه ، وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه ، فلما لحق بقومه عادٍ إلى ما كان عليه من التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أحد، فطلب من الرسول أن يمن عليه ، فلم يستجب له وقال هذا الحديث .
ومعناه أن المؤمن ينبغي أن يكون حذرا متيقظًا لا ينخدع بظواهر الناس ، وبخاصة من يخالفه في العقيدة ، فالنفاق له أهله الذين يجيدونه ويغرون به الناس ، قال تعالى فيهم {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللَّه واللَّه يعلم إنك لرسوله واللَّه يشهد إن المنافقين لكاذبون } المنافقون : 1 ، .
ولو فرض أن المؤمن أحسن الظن بالمنافق وخدع به مرة فلا ينبغي أن يخدع به مرة أخرى ، كالذي أدخل إصبعه في جحر فلدغه ثعبان ، لا ينبغي أن يدخل إصبعه فيه مرة أخرى .
وهذه دعوة للمؤمنين أن يكونوا على يقظة تامة فى تعاملهم مع الناس بوجه عام ، ومع الأعداء بوجه خاص وتشتد الدعوة إلى اليقظة عند وجود الفتن والقلاقل ، واللَّه يقول {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم } النساء :71 .
والشاعر الحكيم يقول :
ومن رعى غنما في أرض مسبعة * ونام عنها تولى رعيها الأسد(8/113)
حديث " الإناء يستغفر للاعقه "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "الإناء يستغفر للاعقه " وكيف يصح ذلك مع أنه من مستهجنات العصر ؟
An 1 -لعق الإناء جاء فيه حديث مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة ، وقال : " إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة " وجاء في رواية له عن أنس : وأمرنا أن نسلت القصعة، والسلت -كما فسره النووى- هو المسح و تتبع ما بقى في القصعة من الطعام " ج 13 ص 207 " .
وفي هذا الإرشاد تنظيف للقصعة وعدم ضياع شيء من الطعام ، فلعق الصحفة التي يأكل منها جمع لا يكون باللسان منهم جميعًا ، أو من أكثر من واحد، وهو متصور في الإناء الخاص الذي يأكل منه شخص واحد ، ويكون اللعق بمعنى السلت بوساطة الأصابع ، فيتتبع كل آكل بإصبعه ما توارى أو بقى من جوانب الصحفة ، فيأخذه ويأكله . وهذا الأمر تعودوا عليه ولا يرون فيه بأسًا ، وقد تعافه بعض النفوس .
والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التي يتواضع عليها الناس ، فلا يبقى في الإناء طعام يلقى ويضيع ، بل نحافظ عليه ونلتقطه من الإناء بالمعلقة أو بالشوكة أو السكين ونحو ذلك ، ولهذا يندب أن يلتقط ما وقع من الطعام وينظف و يؤكل ولا يدعه للشيطان كما جاء في صحيح مسلم .
جاء في "الأوائل " للسيوطى أن أول من اتخذ الملعقة سيدنا إبراهيم الخليل "غذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 83" .
2 -وأما استغفار الإناء للاعقه فالمراد منه أخيرًا الحث على نظافته وعدم ترك شيء فيه يعرض للضباع أو يسبب القذارة . وقد جاء في ذلك حديث رواه الترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم ، وقال عنه الترمذى : حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط في سلسلة الرواة ، قالوا : هو المعلى بن راشد الذي رواه عن أم عاصم نبيشة، ورواه عنه كثيرون كما ذكر في تحفة الأحوذى شرح الترمذى "أسد الغابة رقم 5091 الزرقانى على المواهب ج 4 ص 342 " والحديث بلفظ "من أكل طعامًا في آنية ثم لحسها استغفرت له القصعة" قال الزرقانى : حقيقة وشكرا لفعله .
ولا مانع شرعا ولا عقلا أن يخلق اللَّه في الجماد تمييزًا ونطقا، ويؤيده رواية الديلمى "استغفرت له القصعة فتقول : اللهم أجره من النار كما أجارنى من لعق الشيطان " وقال هو كناية عن حصول المغفرة له ابتداء، لأنه لما كان حصول المغفرة بواسطة لحسها غفر له ، ولما كانت المغفرة بسبب لحسها كأنها تطلب له الغفران .
هذا ما ورد ولا يجوز أن يعلق عليه بالاستنكار، فالعرف إذ ذاك كان يقبله والمهم هو المحافظة على المقصود منه ، وهو النظافة والاقتصاد هذا وقد سئل بعض العلماء عن هذا الحديث وعن حديث "إذا أكلتم فأفضلوا فقال ما نصه : هذان حديثان لا أصل لهما "مجلة الإسلام - المجلد الرابع ، العدد 36" وقد رأينا أن حديث لعق الإناء والاستغفار للاعقه ورد بطريق صحيح . أما حديث "إذا أكلتم فأفضلوا" فلم أعثر له على تخريج مقبول حتى الآن(8/114)
حديث " أدبنى ربى "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أدبنى ربى فاحسن تأديبى " ؟
An مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكرمه ربه بمزايا كثيرة، كان بها قدوة حسنة ، ومن هذه المزايا الأخلاق الكريمة التي شهد اللَّه له بها في قوله {وإنك لعلى خلق عظيم } القلم : 4 ، وكذلك فصاحة اللسان وبلاغة القول كما شهدت بذلك الآثار المروية عنه في جوامع الكلم .
والقول المسئول عنه وهو: " أدبني ربي فأحسن تأديبي " جاء بعده روايات ذكرها العسكري في كتابه " الأمثال " والسرقسطى في كتابه "الدلائل " والسيوطي في كتابه " الجامع الصغير " وابن السمعاني في " أدب الإملاء " وأبو نعيم الأصفهاني في تاريخ أصبهان .
ويؤخذ من مجموعها أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال : يا رسول اللّه ، مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ فقال : " كانت لغة إسماعيل قد درست - خفيت آثارها - فحفظنيها جبريل ، فلذا كنت أفصح العرب " وأن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال له : يا نبي اللَّه نحن بنو أب واحد، ونشأنا في بلد واحد ، وإنك لتكلم العرب بلسان ما نعرف أكثره ، فقال " إن اللَّه عز وجل أدبني فأحسن تأديبي " ونشأت في بني سعد بن بكر وأن أبا بكبر رضي اللَّه عنه سأله مثل ذلك ، فأجاب بما يقرب منه .
تدل هذه الروايات على أن تأديب اللّه لنبيه كان تأديبًا شاملاً -للسلوك واللغة ، وذلك حق لا مرية فيه ، وشرح ذلك يطول ، وقد وضعت له كتب مخصوصة لكن على الرغم من صحة معنى الحديث فإنه بهذه الصيغة لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح عند أكثر علماء الحديث .
فرواية أبي نعيم عن عمر إسنادها ضعيف ورواية العسكرى عن على سندها ضعيف جدا كما يقول السخاوى، ورواية السرقسطى عن أبي بكر سندها واه شديد الضعف ، وقال المناوي في فيض القدير على الجامع الصغير للسيوطي : إن ابن حجر حكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه . وقال ابن تيمية : لا يعرف له سند ثابت . وقد وضح ذلك كله القسطلانى فى " المواهب اللدنية" وشرحه للزرقافي عند الكلام على فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم .
0 فمعنى الحديث صحيح ، ولكن سنده ضعيف ، وإن صححه أبو الفضل بن ناصر ونرجو أن نتنبه إلى الفرق بين صحة الكلام في حد ذاته وبين نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نؤمن بأن اللَّه أدبه أحسن تأديب ، ولكن لا نثق في أن هذا الكلام صدر عنه ، وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من نسبة شيء إليه قولا أو فعلا أو وصفا فقال "من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم . ويستوى في حرمة الكذب عليه ما كان القصد منه حسنا وغير حسن(8/115)
حديث " عبدى أطعنى تكن ربانيا "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "عبدي أطعني تكن ربانيا تقول للشىء كن فيكون " ؟
An لم أجد هذا الكلام حديثا صحيحًا ، وإن كان هناك ما يؤيد معناه مثل "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ... . .. ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " رواه البخاري(8/116)
حديث " لا تتخذوا الضيعة "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى الحديث الذي يقول :"لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " ؟
An جاء في نهاية ابن الأثير "مادة ضيع أن الضيعة ما يؤخذ منها معاش الرجل كالصناعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ومنه الحديث "أفشى اللَّه عليه ضيعته " أى أكثر عليه معاشه ، ومنه حديث ابن مسعود "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " وحديث حنظلة "عافسنا الأزواج والضيعات " أي المعايش .
وروى ابن ماجه وابن حبان وغيرهما قوله صلى الله عليه وسلم "من تكن الدنيا نيته جعل اللَّه فقره بين عينيه وشتت عليه ضيعته ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ومن تكن الآخرة نيته جعل اللَّه غناه في قلبه وكفاه شيعته وأتته الدنيا وهي راغمة " .
يقول الحافظ المنذري في معنى"شتت عليه ضيعته "فرق عليه حاله وصناعته ومعاشه وما هو مهتم به ، وشعَّبه عليه ليكثر كده ويعظم تعبه انتهى .
وليس المراد من ذلك التنفير من الحرفة والعمل والدعوة إلى الزهد والانقطاع إلى العبادة ولكن المراد عدم الاهتمام الزائد بها والاتكال الكامل عليها بحيث ينسى الإنسان ربه ويأمن عقابه ، ومن باشر أي عمل مشروع بنية الآخرة كوسيلة للسعادة فيها-وبالتالي سيسعد في الدنيا-بارك اللَّه في عمله . أما من فتن بالعمل الدنيوي ونسى ربه وأخرته أتعبه اللَّه وأكثر همومه وحرمه القناعة التي هي من أهم أسباب السعادة(8/117)
حديث " اعمل لدنياك "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا " ؟
An ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم "ونسب إلى بعض الصحابة، ومعناه صحيح في بعض وجوهه ، فهو يحث على التأني وعدم اللهفة والتسرع في أعمال الدنيا، ويحث على السرعة وعدم التسويف في أعمال الدين التي يثاب عليها في الآخرة، حتى لا يفاجئه الأجل قبل عملها(8/118)
الصلاة على إبراهيم وآله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نحن مسلمون على ملة إبراهيم ، والصلاة كان أول نزولها على سيدنا محمد ليلة الإسراء ، فما هي العبادة التي كان يتعبد بها إبراهيم ، ولماذا ذكر اسمه في التحيات دون باقى الأنبياء ؟
An إن الصلاة كتبت على الأنبياء السابقين كما كتبت على المسلمين ، وكذلك الصيام والزكاة ، كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } البقرة : 183 ، وقال تعالى : {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيًا . وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} مريم : 54 ، 55 ، إلى غير ذلك من النصوص التي تبين عبادة الأنبياء السابقين ومنهم إبراهيم عليه السلام الذي قال اللّه على لسانه {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي } إبراهيم :
40 ، إلا أن تفاصيل هذه العبادات لم تعرف كلها على وجه التأكيد ، وليست هناك فائدة كبيرة في معرفتها، فلكل نبي ولكل أمة ما يناسبها {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} المائدة : 48 .
ومن الصيغ التي وردت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد في الصلاة ، الصلاة الإبراهيمية التي يذكر فيها سيدنا إبراهيم ، لأن إبراهيم أب لأكثر الأنبياء ، فدينه أصل لهم يدعون إليه جميعًا ، ويسيرون على نهجه ، وقد قال اللّه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} النحل : 123 ، وقال تعالى {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا} الأنعام : 161 .
كما أن اللَّه أنعم على إبراهيم آل بيته بالرحمة والبركات فقال {رحمة اللَّه وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} هود : 73 ، فنحن في صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم ندعو له بالرحمات والبركات كما رحم اللَّه أباه إبراهيم وباركه . ولا شيء في ذلك أبدًا .
وتفصيل ذلك موجود فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 340 "(8/119)
قراءة الحديث بالتجويد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجب قراءة الأحاديث النبوية بالأحكام التى تتبع فى قراءة القرآن الكريم ؟
An قراءة القرآن الكريم لها حالتان ، الحالة الأولى وهى الحد الأدنى فى الصحة أن يحافظ على نطق الحروف بإخراجها من مخارجها حتى لا تشتبه الزاى بالذال ، أو الثاء بالسين مثلا، وأن يكون المد للمدود بالحد الأدنى الطبيعى الذى يتبين منه أن الحرف ممدود . وهذا الحد واجب .
والحالة الثانية هى التجويد والتحسين ، بالمحافظة مثلا على الغُنَة والمدود الجائزة واللازمة وما جاء فى كتب التجويد، وهو أمر مستحب ، وإن كان بعضهم أوجبه .
ولا تلزم هذه الأحكام الثانية فى قراءة الأحاديث النبوية ، بل اللازم فيها هو المحافظة على مخارج الحروف حتى لا يشتبه بعضها ببعض فيختلف المعنى، وباختلاف المعنى يكون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف . كالكذب على اللّه تعالى فى عدم التزام ما نزل به القرآن الكريم(8/120)
فرعون وموسى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو فرعون موسى ؟
An ليكن معلوما أن لفظ " فرعون "يطلق على كل من ملك مصر من القدماء ، مثل كسرى للفرس ، وقيصر للروم ، والنجاشى للحبشة، وفرعون موسى المذكور فى القرآن واحد منهم . قال المسعودى : لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية ، وقال الجوهرى : كل عات فرعون والعتاة الفراعنة ، وهو ذو فرعنة أى دهاء ومكر، وفى الحديث " أخذنا فرعون هذه الأمة ، ذكره القرطبى " ج 1 ص 353 " وبخصوص فرعون موسى جاء فى مقال للمرحوم الشيخ فكرى ياسين نشر بمجلة الأزهر" المجَلد العاشر ص 303 " أن ما كتب قديما وحديثا يؤخذ منه أن موسى عليه السلام أدرك عهدى ملكين من ملوك الأسرة التاسعة عشرة، يقال للأول منهما " فرعون الاضطهاد " لأنه اضطهد بنى إسرائيل ، ويقال للثانى : "فرعون الخروج " لأنهم خرجوا من مصر فى عهده .
وفرعون الاضطهاد هو رمسيس الثانى المعروف باسم " رمسيس الأكبر " وقد ولد موسى فى زمنه وتربى فى قصره ، وكانت آثاره عظيمة أعجب بها من جاءوا بعده حتى سمى عشرة منهم باسمه ، وكان قد بلغه ما هو مشهور يؤمئذ أن بنى إسرائيل سيخرج منهم غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه ، فأمر بذبح أبنائهم كما نص عليه القرآن الكريم . ومات بعد أن حكم 67 سنة، ودفن بمقبرة " بيبان الملوك " ثم نقل إلى الأقصر، ثم إلى متحف بولاق ، وأما فرعون الخروج فهو " منفتاح الأول ، الابن الثالث عشر لرمسيس الأكبر، وقد أشركه أبوه معه فى الحكم قبل وفاته ، وعاصر موسى وهو يتربى فى بيت أبيه ، وكان مولعا بتشييد المبانى كأبيه ، وكان يمحو أسماء الملوك من الآثار لينقش اسمه مكانها . وظل على اضطهاد بنى إسرائيل حتى أرسل اللَّه إليه موسى وهارون لدعوة التوحيد والخروج ببنى إسرائيل من مصر وكانت النتيجة غرقه فى البحر، وإنقاذ اللَّه لجثته ليصدق بنو إسرائيل أنه قد مات ، ووجدت جثته مع جثث أخرى فى قبر " أمنحتب الثانى " بالأقصر، ثم وضعت أخيرا فى المتحف .
وجاء فى المجلد الرابع والثلاثين من مجلة الأزهر" ص 742 " ما يؤكد ذلك ، حيث يوجد فى المتحف لوح كبير من الحجر الأسود اللون عليه قصة خروج بنى إسرائيل فى عهد منفتاح(8/121)
أولو العزم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم أولو العزم الذين أمر الله نبيه أن يصبر كما صبروا ؟
An يقول اللّه تعالى { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم } الأحقاف : 35 ، أولو العزم مختلف فيهم على أقوال كثيرة، فقيل : هم كل الرسل ، ولفظ "من " للبيان لا للتبعيض ، وقيل : هم بعض الرسل مع اختلاف فى تعيينهم وفى عددهم ، ومن أقوى الآراء أنهم المذكورون فى قول اللَّه تعالى { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} الأحزاب : 7 ، وسموا بذلك لأنهم صبروا كثيرا فى تبليغ دعوتهم حتى نصرهم اللَّه . ومن صور معاناتهم ما جاء فى قوله تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متىَ نصر اللَّه ، ألا إن نصر اللَّه قريب } البقرة : 214(8/122)
صورة آدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : ان اللّه خلق آدم على صورته ؟
An روى البخاري فى كتاب الاستئذان ومسلم فى بيان صفة الجنة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن اللَّه خلق آدم على صورته " وفى رواية مسلم " خلق اللَّه آدم على صورته ، طوله ستون فراعا . " وفى اَخرها " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، وطوله ستون ذراعا ، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الاَن "ج 17 ص 178 .
والضمير فى قوله "صورته " يصح أن يكون راجعا إلى اللّه تعالى، أى خلقه على صفة اللّه من الحياة والعلم والسمع والبصر وغيرها، أو يكون راجعا إلى اَدم ، أى أن اللّه أوجده على هذه الصورة والهيئة التى خلقه عليها ، لم تنتقل فى النشأة أحوالا ، ولا تردد فى الأرحام أطوارا كذريته ، بل خلقه رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح .
وهذا التفسير يرد على الطبيعيين والماديين أصحاب مذهب النشوء والارتقاء ، الذين يزعمون أن آدم أصله قرد تطور حتى صار بهذا الشكل ، وإذا كانت هناك غرابة فى طوله وهو ستون ذراعا كما رواه البخاري ومسلم ، فإن أثر البيئة على طول الأجسام وقصرها معروف فى كثير من المناطق فى العالم كله ، والمسافة بين خلق آدم وبعثه الرسول فوق ما نقل عن الأخباريين من أهل الكتاب الذين قالوا : إن عمر الدنيا سبعة اَلاف سنة .
على أن للذراع معايير مختلفة، فقدر بقبضة النَصْل أو السيف أو الرمح أو القناة ، وقدره البعض بخمسة سنتيمترات ، فيكون طول آدم ثلاثة أمتار، وهو معقول .
يقول الإمام الغزالى فى كتابه " الإملاء على إشكالات الإحياء " المطبوع على هامش الإحياءج 1 ص 168 حي تعليقا على هذا الحديث : للعلماء فيه وجهان ، فمنهم من يرى للحديث سببا، وهو أن رجلا ضرب غلامه ، فراَه النبى صلى الله عليه وسلم فنهاه وقال " إن اللَّه تعالى خلق آدم على صورته " وتأولوا عود الضمير على المضروب .
والوجه الآخر أن يكون الضمير الذى فى " صورته " عائدا إلى اللَّه سبحانه .
ويكون معنى الحديث أن اللّه خلق آدم على صورة هى إلى اللَّه سبحانه .
وهذا العبد المضروب على صوره آدم ، فإذًا هذا العبد المضروب على الصورة المضافة إلى اللّه تعالى . ثم استطرد الغزالى فى الكلام الذى لا مجال لنقله هنا فيرجع إليه من أراد الاستزادة(8/123)
السيدة مريم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كانت مريم نبية، وما هى المدة التى حملت فيها عيسى ؟
An هناك فرق بين النبى والرسول ، وإن كان بين اللفظين تبادل في بعض الأحيان ، ومع الأخذ فى مفهوم الرسول أنه مكلف بتبليغ ما أوحى اللَّه إليه إلي الناس ، فإن مريم ليست من الرسل ، لأنهم لا يكونون إلا من الرجال كما قال سبحانه { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم } النحل : 43 ، ولأنهم هم الذين يستطيعون أن يقوموا بأعباء الرسالة، نظرا لما عندهم من المؤهلات المناسبة .
أما أن تكون المرأة نبية يوحى إليها بشرع تعمل به دون أن تكلف بتبليغه للناس فذلك أمر ممكن ، ولذلك اختلفت أقوال العلماء فى مريم هل هى نبية أم مرأة صالحة ؟ أما كونها امرأة صالحة فذلك أمر مفروغ منه ، قال تعالى { وإذ قالت الملائكة يا مريم إن اللَّه اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } آل عمران : 42، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
وهل ترتقى بهذا الاصطفاء والتطهير والكمال إلى مرتبة النبوة ؟ قال بذلك الكثيرون من العلماء ، حيث إن اللّه تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين .
أما المدة التى حملت فيها بعيسى فليس فيها نص صحيح ، يقول القرطبى :
وهذه القصة تقتضى أنها حملت واستمرت حاملا على عرف النساء ، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر، وقيل لتسعة وقيل لسنة ، واللَّه أعلم(8/124)
خاتم النبوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نشرت صورة لخاتم النبوة ومعها حديث : من نظر إليه حفظه الله من الآفات وغيرها ويختم له بالإيمان ، فهل هذا صحيح ؟
An خاتم النبوة وردت به الأحاديث الصحيحة فى البخاري ومسلم وغيرهما، وجاء فى هذه الروايات أنه قطعة لحم ناتئة عليها شعرات بين كتفى النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه مثل بيضة الحمامة ، وأنه مثل زر الحجلة وعليه خيلان كأنها الثآليل السود .
والحجلة بيت كالقبة يستر بالثياب ويجعل له باب من جنسه فيه زر وعروة تشد إذا أغلقت . وقيل المراد بالحجلة الطائر المعروف ، وزرها أى بيضتها ، والتفسير الأول هو الصحيح . والخيلان جمع خال وهو الشامة على الخد، والثآليل جمع ثؤلول ، وهى حب يعلو ظاهر الجسد ، واحدتها كالحمصة فما دونها .
وقد جاءت روايات أخرى فى صفة هذا الخاتم ، منها ما هو باطل مكذوب ، ومنها ما هو ضعيف لا يعول عليه ، ومن ذلك ما رواه الترمذى الحكيم - وهو غير الترمذى صاحب السنن - أنه مكتوب فى باطنه ، أى ما يلى جسده الشريف - " اللَّه وحده لا شريك له " وفى ظاهره ، أى ما يقابل الجهة التى خلفه " توجه حيث كنت فإنك منصور "وهو حديث باطل كما قال ابن حجر فى فتح البارى .
ومن هذا يعلم أن ما نشر من صورة هذا الخاتم غير صحيح ، وأن ما يترتب على النظر إليه من آثار لا أصل له فى الدين(8/125)
العمل بأحاديث الآحاد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نقرأ فى بعض الكتب عند الاستدلال على بعض الأحكام بحديث نبوى، أن هذا حديث آحاد يفيد القطع ، فما هى أحاديث الآحاد، وما هى منزلتها فى الاستدلال على أحكام الدين ؟
An أحاديث الآحاد هى التى لم يبلغ رواتها حد التواتر الذى يفيد القطع واليقين ، والحديث المتواتر هو الذى رواه جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ، وأحاديث الآحاد أنواع ، منها المشهور الذى رواه ثلاثة فأكثر، والعزيز الذى رواه اثنان ، والغريب الذى رواه واحد فقط . وهى من أقسام الحديث الصحيح ، وهناك الحديث الحسن والحديث الضعيف والحديث الموضوع ، وهناك تقسيمات لهذه الأحاديث فى علم مصطلح الحديث ، ويهمنا الآن الحديث الصحيح بقسميه الآحاد والمتواتر .
يقول علماء الأصول : إن أحاديث الآحاد يجب العمل بها فى الأحكام الشرعية العملية ، باعتبارها فروعا ، ولا يعمل بها فى العقائد باعتبارها أصولا للدين ، وهذا ما يفيده ما نقل عن جمهور الصحابة والتابعين ، وأقوال علماء الفقه والأصول ، ولم يخالف فى ذلك سوى بعض فقهاء أهل الظاهر وأحمد فى رواية عنه .
فأحاديث الآحاد مهما بلغت قوتها كالمشهور منها لا تفيد العلم اليقينى الذى يعتمد عليه فى العقائد، بل تفيد الظن الذى يكفى فى وجوب العمل بها فى الفروع ، جاء ذلك فى كثير من المراجع ، وصرح به النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 1 ص 20 " وجعل منها ما رواه البخارى ومسلم رادًا به على ابن الصلاح الذى قال : إن ما روياه يفيد العلم النظرى .
من هذا يعلم أن أحاديث الآحاد الصحيحة لا تفيد إلا الظن ويجب العمل بها فى الفروع لا فى العقائد، وإفادة الظن أو اليقين فى الأحاديث قد تكون من جهة الرواية، فالمتواتر يفيد اليقين والآحاد لا تفيده ، وقد تكون من جهة الدلالة أى دلالة اللفظ على معناه ، وذلك مشترك بين جميع الأحاديث وبين القرآن الكريم ، فاللفظ إذا لم يحتمل إلا معنى واحدا كان قطعى الدلالة ، وإذا احتمل أكثر من معنى كان ظنى الدلالة، كلفظ العين ، يطلق على العين الباصرة وعلى عين الماء ، وعلى الذهب وعلى الجاسوس . ولفظ الفتنة يطلق على الامتحان وعلى الكفر وعلى العذاب ، وعلى الوقيعة بين الناس ، والشواهد على ذلك كثيرة .
وتفريعا على ذلك لو وقع خلاف فى مسألة فرعية دليلها خبر آحاد وأنكر الإنسان حجية هذا الخبر لا يكون بذلك كافرا أو فاسقا وإلا لحكم بذلك على أئمة الفقه المختلفين فى بعض المسائل ، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا الإنكار له مسوغ شرعى ، فإذا تأيد هذا الخبر وما يدل عليه من حكم بالإجماع عليه صار قويا ، ومن جحده كان مخطئا ، وإن كان لا يحكم عليه بالكفر " فتاوى معاصرة للشيخ جاد الحق على جاد الحق ص 49 - 60 "(8/126)
اللهم أحينى مسكينا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يعيش مسكينا، وهل يتناسب هذا مع قوة الإسلام وعموم رسالته وخلودها الذى لا يتم على يد المساكين ؟
An روى ابن ماجه ،والحاكم وصححه عن أبى سعيد الخدرى قال : سمعت - رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم أحينى مسكينا ، وتوفنى مسكينا ، واحشرنى فى زمرة المساكين " ورواه الترمذى عن أنس وقال :
حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط .
وجاء فى حديث للترمذى وحسَّنه قول النبى صلى الله عليه وسلم" اللهم إنى أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين " . وروى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال " قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين ، وأصحاب الجد محبوسون " والجد هو الغنى .
هذه الأحاديث تدل على حب النبى صلى الله عليه وسلم للمساكين ، ويعلل ذلك بأمور :
أولها : مشاركتهم وجدانيا وتيسير وقع الفقر عليهم ، حتى لا يدخل قلوبهم شك أو تطلع إلى الدنيا وافتتان بها عن الآخرة ، وبخاصة أن أكثر من آمنوا به من المساكين ، وأكثر من قاوموا الدعوة كانوا من الأغنياء الجبارين ، وفى ذلك دعوة الأغنياء للعطف عليهم .
ثانيها : لفت أنظار الأغنياء إلى عدم الفتنة بالمال ، وليس ذلك نهيا عن جمع المال وإنفاقه فى حله ، ففى الحديث الذى رواه أحمد بسند جيد عن عمرو بن العاص " نعم المال الصالح للعبد الصالح " .
ثالثها : أن المساكين أقل الناس حسابا إذا اتقوا ربهم فى أعمالهم ، لأنهم لا يكونون كالأغنياء الذين يحاسبهم اللَّه على نعمه كيف جحدوها وكيف أنفقوها ، والمساكين من أجل هذا سيسبقون إلى دخول الجنة ، لعدم طول حسابهم على ما في أيديهم .
هذا ، وليس المراد من هذه الأحاديث دعوة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسكنة والفقر الماديين ، فهناك فرق بين شعور العطف والرحمة على المساكين ، والدعوة إلى الفقر، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لا يحب الفقر الذى تذل به النفس ويمرض الجسم ويعوق عن أداء الواجبات ويغرى بالسوء ؟ ، كما كان يستعيذ من الغنى الذى يبطر ويصرف عن الخير ويدعو إلى الفساد ، لقد استعاذ من الكفر والفقر كما رواه أبو داود وقال " اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " كما رواه مسلم ، وقال أيضا " اللهم اكفنى بحلالك عن حرامك ، وأغننى بفضلك عمن سواك " كما رواه الترمذى وحسَّنه ، وكثيرا ما سأل ربه العفاف والغنى . والغنى وإن كان يقصد به غنى النفس فهو أيضا يقصد به غنى المال الذى يعرف فيه حق اللّه ، ويكون وسيلة للعفة عن الحرام ، وعزة المسلمين لا تتوقف على الغنى المادى فقط ، فكم من أمم بلغت فى الغنى الذروة فأهلكها اللّه لمعصيتها وبخلها وشرها .
ومقومات العزة الإسلامية فى العصور الأولى كانت تعتمد على القوة فى العقيدة والخلق ، كما تعتمد على قوة المال ، وكان تفوقهم على الدول المجاورة لهم ليس بالمال ولكن بالدين ، والدين لا يمنع من المال ما دام يوجه للخير ، لا يقصد بهذه الأحاديث دعوة إلى المسكنة الذليلة ، فإن العزة قد تكون مع رقة الحال كعزة المسلمين الأول ، والذلة قد تكون مع كثرة المال كذلة اليهود بدناءة نفوسهم ورضاهم بالهوان فى سبيل الحصول على المال .
ومع كل هذا لا ننسى أبدا قول اللَّه سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللَّه لكم ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين . وكلوا مما رزقكم اللَّه حلالا طيبا واتقوا اللّه الذى أنتم به مؤمنون } المائدة : 87 ، 88، وقوله { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين . قل من حرم زينة اللَّه التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الأعراف : 31 ،320 .
وأما حديث " إن كنت تحبنى فأعد للفقر تجفافا ، فإن الفقر إلى من يحبنى أسرع من السيل إلى منتهاه " وذلك عندما قال له رجل : إنى أحبك ، فقال له : " انظر ما تقول " فقال واللّه إنى أحبك ، " ثلاث مرات " رواه الترمذي وقال :
حديث حسن - فالمراد به التنبيه إلى عدم الأمن من غدر الزمان { وتلك الأيام نداولها بين الناس } آل عمران : 140 .
وأساليب الامتحان كغيرة ، قال تعالى { ونبلوكم بالشر والخير فتنة} الأنبياء :35 ، والمؤمن الصادق يتقلب فى حياته بين الشكر والصبر، فهو فى خير دائم كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم .
أو لعل النبى صلى الله عليه وسلم أراد بقوله هذا لمن يحبه أن يكون مثله فى الزهد فى الدنيا وعدم تعلق الآمال العريضة بها ، أو يلفت نظره ألا يكون مثل بعض الفقراء الدين رغبوا فى الإسلام طمعا فى خير يعطيه لهم النبى صلى الله عليه وسلم كمن نزل فيهم قوله تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما بدخل الإيمان فى قلوبكم } الحجرات : 14 ، هذا ، والتجفاف شيء يلبسه الفرس ليتقى به الأذى، وقد يلبسه الإنسان(8/127)
كبش إسماعيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من أين جاء الكبش الذى فدى الله به إسماعيل ، ومن الذى أكله بعد الذبح ولِم لَمْ يذبح إبراهيم لابنه جملا أو بقرة ؟
An قال تعالى فى قصة إبراهيم عليه السلام عندما شرع فى تنفيذ الرؤيا بذبح ولده إسماعيل {وفديناه بذبح عظيم } الصافات : 107 .
أغلب أقوال المفسرين أن الذبح كبش من الضأن ، واختلفت آراؤهم فى مصدره ، فقيل : إنه من الجنة ، وذكروا أنه القربان الذى قدمه هابيل بن آدم عليه السلام ، فتقبله الله منه ورفعه وأدخله الجنة يرتع فيها ، وقيل : إنه كبش من كباش الجبال ، هبط على إبراهيم فذبحه وقيل غير ذلك .
وكلها أقوال ليس لها دليل يعتمد عليه من كتاب أو سنة، وكونه ذبحا عظيما لا يدل على سمنه وكثرة لحمه ، لأن العِظَم قد يطلق على الشرف والأهمية، وبالطبع هذا الكبش له أهميته لأنه فداء لشخصية عظيمة هى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
وأما لحم الذبح فلا يدل دليل على أنه رفع وأكلته النار كالقرابين فى العصور السابقة أو أكله سيدنا إبراهيم وأهل بيته ، أو أعطاه غيرهم من الناس ، أو تركه للوحوش والطيور .
وإذا لم يدل دليل على أصل الكبش ولا على أكله فالظاهر - كالمعتاد-أن الكبش من غنم الأرض وأن إبراهيم أكل منه وتصدق على غيره شكرًا لله على فداء إسماعيل ، شأن الأضحية فى الإسلام التى قال فيها النبى صلى الله عليه وسلم "سنُّوا بها سنة أبيكم إبراهيم " .
وأنبه إلى أن القرآن لا يهتم بذكر التفاصيل الجزئية اهتمامه بموضع العبرة والموعظة وإبراهيم لم يذبح جملا ولا بقرة ، لأنه كان لا يعرف فداء ولده ، ولكن الله هو الذي نبهه إلى ذلك على ما يفهم من ظاهر التعبير "وفديناه بذبح عظيم " فهو توجيه من الله سبحانه ، والواجب هو الاتباع(8/128)
ذو الكفل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو ذو الكفل الذى ذكره الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم ؟
An جاء ذكر "ذى الكفل لما فى عدة مواضع من القرآن الكريم منها قوله تعالى {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين } الأنبياء : 85 ، جاء فى تفسير القرطبى (ج 11 ص 328) أن الجمهور على أن ذا الكفل ليس بنبى، وقال الحسن : هو نبى قبل إلياس ، وقيل هو زكريا ، وسمى بذلك لكفالته مريم .
وقيل : كان رجلا عفيفا يتكفل بشأن كل إنسان وقع فى بلاء أو تهمة أو مطالبة فينجيه الله على يديه ، وقيل : سمى ذا الكفل لأن الله تعالى تكفل له فى سعيه وعمله بضعف عمل غيره من الأنبياء الذين كانوا فى زمانه .
وذكر أبو عيسى الترمذى حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن ، وكذلك أخرجه الترمذى الحكيم فى كتابه "نوادر الأصول " أنه كان رجلا عاصيا ثم تاب إلى الله وهو فى عصيانه فتاب الله عليه فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه : إن الله قد غفر لذى الكفل(8/129)
امتحان سيدنا أيوب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أرجو تفسير قوله تعالى { وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين } الأنبياء : 83، 84
An امتحن اللّه أيوب بامتحانات فى بدنه وماله وأهله ، فمرض مرضا شديدا ليس بالصورة التى حكيت فى كتب التفسير بدون دليل ، والتى لا تليق برسول يعمل لجمع الناس حوله وحبهم له لا لتنفيرهم منه .
وضاع ماله وفقد أهله وأفسد الناس بينه وبين زوجته التى واسته بكل ما تملك .
وسبب الامتحان غير مذكور بسند صحيح ، ولشدة صبره وطول أمله فى رحمة اللّه دعا ربه فكشف ما به من ضر، وعوضه ما فقد من أهل ومال ، بل زاد على ما ضاع منه ، وذلك رحمة من اللّه وعبرة للناس فى وجوب الصبر وفى ثوابه العظيم .
وجاء فى آيات أخرى كيف استجاب اللّه دعاءه . ففى ص : 42-44 قوله تعالى {اركض برجلك هذا مغتسَل بارد وشراب . ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب .وخذ بيدك ضِغْثًا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب } .
وهناك تفاصيل كثيرة لا يتسع لها المقام ، فيرجع إلى كتب التفسير(8/130)
مهر حواء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن سيدنا آدم دفع مهرا للسيدة حواء صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An جاء فى "المواهب اللدنية " للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 25 " أن اللّه سبحانه لما خلق آدم خلق له حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى وهو نائم فلما استيقظ ورآها سكن إليها ومد يده إليها فمنعته الملائكة حتى يؤدى مهرها، فقال : وما مهرها؟ قالوا : تصلى على محمد- صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات . وذكر ابن الجوزى المتوفى سنة 795 هـ فى كتابه "سلوة الأحزان " أنها لما سمعت كلام الملائكة طلبت مهرها من آدم فسأل ربه كم يعطيها؟ فقال : صل على حبيبى محمد بن عبد اللّه عشرين مرة، ففعل ، وجاء فى بعض الروايات أن اللّه زوجه إياها وخطب فى ذلك خطبة .
ولم يذكر الكتاب سند هذا الكلام ولا درجته من القبول وعدمه ، فنحن فى حل أن نصدقه أو لا نصدقه . ولا يضرنا الجهل به(8/131)
استشفاع آدم بمحمد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن اللّه لم يتب على آدم إلا بعد أن استشفع بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
An جاء فى "المواهب اللدنية " للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 62" أن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "لما اقترف آدم الخطيئة - قال : يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لى، فقال اللّه تعالى : يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتنى بيدك ونفخت فىَّ من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا "لا إله إلا الله محمد رسول اللّه " فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال الله تعالى : صدقت يا آدم إنه لأخب خلق اللّه إلى، وإذ سألتنى بحقه قد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك " رواه البيهقى فى "دلائل النبوة " من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال البيهقى : تفرد به عبد الرحمن ، أى لم يتابعه عليه غيره فهو غريب مع ضعف راويه ، ورواه الحاكم وصححه ، وذكره الطبرانى وزاد فى آخره " وهو آخر الأنبياء من ذريتك " .
يؤخذ من هذا أن استشفاع سيدنا آدم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس حديثا صحيحا ولا حسنا، بل هو ضعيف ، ولا تثبت به عقيدة، ولا يكفر من يكذب ذلك(8/132)
تحديد الفترة بين الرسل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تمكن معرفة الفترات التى فصلت بين الرسل ؟
An لم يرد تحديد الزمن الذى بين كل رسولين ، لا فى القرآن ولا فى السنة ، مع العلم بأن عدد الرسل كبير، والذين جاء ذكرهم فى القرآن خمسة وعشرون فقط ، قال تعالى : {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك } النساء : 164 ، وقال {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } غافر: 78 .
وحاول بعض المؤرخين تحديد الفترات التى بين الرسل ، مثل محمد بن سعد فى كتابه "الطبقات " فذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهما السلام ألف سنة وسبعمائة سنة، ولم يكن بينهما فترة، وأنه أرسل بينهما ألف نبى من بنى إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم ، وكان بين ميلاد عيسى والنبى صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث فى أولها ثلاثة أنبياء ، وهم فى قوله تعالى {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث } يس : 14 ، والذى عزز به "شمعون " وكان من الحواريين ، وكانت الفترة التى لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعا وثلاثين سنة . وذكر الكلبى أن بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة سنة وتسعا وستين ، وبينهما أربعة أنبياء ، واحد من العرب من بنى عبس ، وهو خالد بن سنان . قال القشيرى : ومثل هذا لا يعلم إلا بخبر صادق . وقال قتادة : كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة ، وقاله مقاتل والضحاك ووهب بن منبه ، إلا أن وهبا زاد عشرين سنة ، وعن الضحاك أيضا أربعمائة وبضع وثلاثون سنة .
وذكر ابن سعد عن عكرمة قال : بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على الإسلام ، قال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمرو بن واقد الأسلمى عن غير واحد قالوا : كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون ، والقرن مائة سنة ، وبين إبراهيم وموسى ابن عمران عشرة قرون ، والقرن مائة سنة ، فهذا ما بين آدم ومحمد عليهما السلام من القرون والسنين "تفسير القرطبى ج 6 ص 121" وهى كلها أخبار لا يسندها دليل معتبر(8/133)
داود عليه السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فيما نراه فى بعض الكتب أن سيدنا داود عليه السلام أحب امرأة متزوجة فانتزعها من زوجها وتزوجها ؟
An إن القرآن تحدث عن سيدنا داود عليه السلام بما يتناسب مع مقام النبوة واصفا له بأنه أواب رجاع إلى اللّه ، آتاه اللّه الملك والحكمة وفصل الخطاب ، وألان له الحديد وعلمه منطق الطير، وعصمه كما عصم جميع الأنبياء مما يخل بقدره وشرفه .
وليس من المعقول أن يغتصب امرأة لا تحل له ، أو يفكر فى حيلة يتخلص بها من زوجها ليتزوجها هو، إن هذه الحادثة يتنزه أن يتورط فيها واحد من عامة الناس فكيف بالمصطفين الأخيار من رسل الله الذين بُعثوا للدعوة إلى القيم الأخلاقية العالية ، وحاول المغرمون بالغرائب والناقلون عن أهل الكتاب دون تحوط لما ينقلون أن يَحْمِلُوا على تلك الحادثة قول الله تعالى {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب . إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب . قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب . فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب . يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } ص : 21 - 26 .
إن ظاهر الآيات يدل على خصومة حقيقية بين فريقين فى غنم مشتركة بينهما ، وأن داود عليه السلام وقع فى خطأ، استغفر ربه منه وخر راكعا ورجع إلى اللّه ، كما أن أمر الله لداود بالحكم بالحق وعدم اتباع الهوى قد يفهم منه أنه ظلم فى حكمه ومال مع الهوى ، فكيف يكون ذلك ؟ إن الكلام فى تفسير هذه الآيات كثيرة ، وادعى بعض المفسرين أن "النعجة "هى المرأة ، وأن القصة درس لداود الذى طمع فى زوجة القائد "أوريا" ولم يقنع بما عنده من النساء . وهو كلام يتنافى مع مقام الأنبياء .
ومن أحسن ما قيل فى ذلك أن الخصومة حقيقية فى شركة أغنام ، وأن المتخاصمين أرادا التحاكم إلى داود على عَجل حتى يحسم النزاع غير أن داود كان إذ ذاك فى خلوته الخاصة ، يعبد ربه كنظام وضعه لنفسه فى توزيع أعماله بين اللّه والناس ، ولم يجد الخصمان وسيلة للوصول إليه إلا تسور المحراب الذى يتعبد فيه ، فظن داود أن مجيئهم فى هذا الوقت وبهذه الصورة يراد به شر، فطمأناه وطرحا أمامه الموضوع ، وبدأ أحد الخصمين بتوجيه الاتهام إلى الطرف الآخر، فنطق داود بالحكم بإدانة صاحب الغنم الكثيرة قبل أن يدلى بحجته ، وهنا أحس داود أنه كان على غير صواب فى ظنه أن هؤلاء يريدون به شرا ، وأن الله امتحنه بالخوف منهم ، فاستغفره مما حدَّث به نفسه ، ومَنَّ الله عليه بقبول استغفاره ، وأنزله عنده منزلا كريما .
ثم نبهه إلى أن مما يساعد على إصابة الحق والعدل فى الحكم ، التأنى ، حتى تسمع حجة الطرفين معا ، وعدم التأثر بمظاهر الناس ، والبعد بالعواطف عن التدخل فى الحكم ، فقد يكون المدعى مخطئا وظاهره يوحى بالصدق ، كإخوة يوسف الذين رموه فى الجب وجاءوا أباهم عشاء يبكون مدعين أن الذئب أكله .
إن الذى وقع من داود عليه السلام هو ظنه أن الخصمين أرادا به سوءا ، فندم على هذا الظن واستغفر ربه ، وهو ظن له ما يبرره ، والأنبياء - وإن كان ما وقع منه لا يؤاخذ عليه - مقامهم يضعهم دائما فى موضع حساس ، لا يحبون أن يؤخذ عليهم ما هو فى صورة ما يؤاخذ عليه . ونطقه بالحكم قبل سماع المدعى عليه ربما كان لأنه سكت ولم يتكلم ، فكان سكوته إقرارا بما نسب إليه ، وتوجيه الله له باتباع الحق وعدم الميل مع الهوى-على الرغم من صواب حكمه - لا يدل على ظلمه أو ميله مع العواطف ، فقد يكون توجيها بالاستمرار على اتباع الحق كما قال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } الأحزاب : 1 ، فلم يكن منه عصيان حتى يؤمر بالتقوى .
وبعد ، فإن مما نتأسى به فى قصة داود عليه السلام الرجوع إلى الله فى كل الأحوال ، والصبر على ما يقوله أهل الباطل ، وعدم الأنفة من مزاولة أى عمل لكسب عيش شريف ، وأن الصوت الحسن نعمة من نعم الله ، تلين به القلوب وترتاح إليه الأعصاب ، فليكن ترويحنا عن النفس بما شرع اللّه ، وبما يعطيها نقاء وصفاء واستقامة، بعيدا عما يغضب الله(8/134)
يونس عليه السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى الآيات التى تتحدث عن سيدنا يونس عليه السلام ، أنه غضب وظن أن الله لا يقدر عليه ، فكيف يتناسب ذلك مع مقام الأنبياء ؟
An سيدنا يونس عليه السلام هو يونس بن مَتَّى من الأنبياء الذين ورد ذكرهم فى القرآن الكريم باسمه وبوصفه بذى النون وبصاحب الحوت ، والنون هو الحوت ، وكان رسولا إلى أهل "نينوى" بالعراق ، وكرمه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله كما فى الصحيحين "ما ينبغى لعبد أن يقول :
أنا خير من يونس بن متى" .
ويستفاد من الآيات التى تحدثت عنه أنه دعا قومه وخوَّفهم من عقاب الله إن لم يؤمنوا، ثم تركهم غاضبا من موقفهم منه ، وتوجه إلى مكان اخر، فركب سفينة كانت مشحونة كادت تغرق بحملها، وعند الاقتراع على من يتخلصون منه فداء للباقين وقع السهم على يونس ، وانتهى الأمر إلى إلقائه فى البحر، فالتقمه حوت ومكث فى بطنه مدة لا يعرف قدرها بالضبط ، وسبح ربه داعيا ، فنجاه اللّه وطرحه الحوت على الشاطئ مُتعَبًا، فأنبت له شجرة من يقطين ، وهو القرع ، أوكل زرع ليس له ساق ، وبعد ذلك أرسله إلى قوم عددهم مائة ألف أو يزيدون ، يقال : إنهم هم الأولون الذين غضب منهم ، ويقال إنهم غيرهم ، ومتعهم الله إلى حين آجالهم .
والذى يلفت النظر فى قصة يونس ، مما يمس عصمة الأنبياء ، قوله تعالى {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه } الأنبياء : 87 ، فمن الذى غاضبه يونس ؟ وكيف يظن أن الله لن يقدر عليه ؟ كما أن قوله تعالى منه {فالتقمه الحوت وهو مليم } الصافات : 142 ، يدل على ارتكابه ما يلام عليه ، وقول يونس فى دعائه {سبحانك إنى كنت من الظالمين } الأنبياء : 87 ، يدل على أنه ارتكب شيئا منهيًا عنه ، وتحذير اللّه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } القلم : 48 ، يدل على أن فى يونس أمرا غير مرضى عنه ، فكيف ذلك ؟ والجواب : أن يونس لما رأى معارضة قومه تركهم مغاضِبًا لهم لا مغاضبا لله ، وليست مغاضبة لهم لأمر شخصى ، بل خالصة لله . وليس فى ذلك عيب يؤاخذ عليه .
وقد يقال : إذا لم يكن فى المغاضبة بهذه الصورة ما يؤاخذ عليه فكيف يمتحنه الله هذا الامتحان الخطير بابتلاع الحوت له ؟ والجواب أن الامتحان كان لتعجله بمفارقتهم وعدم انتظار أمر من الله ، وكان الأولى أن ينتظر، وإن كان له العذر فى أنه اجتهد وأداه اجتهاده إلى ذلك ، لكن عتاب الله لأوليائه المقربين قد يكون على ما يتسامح فيه مع الأشخاص العاديين . ومما يدل على أن العتاب كان للتعجل بالهجرة- أمْرُ الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله قومه ونهيه أن يكون كيونس فى عدم الصبر .
على أن بعض العلماء رأى أن هذه المغاضبة كانت قبل أن يرسله اللّه ، فتركهم إلى جهة أخرى، وكان الأجدر به كمصلح أن يبقى معهم .
ويشفع لرأيهم قول ابن عباس رضى الله عنهما : إن رسالة يونس كانت بعد نجاته من البحر .
أما ظن يونس أن اللّه لن يقدر عليه فليس فيه نسبة العجز إلى الله ، ولكن القَدْرَ- بسكون الدال - هنا يعنى التضييق ، كقوله تعالى {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } الطلاق : 7 ، وقوله {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } الرعد : 26 ، فيونس ظن ، والظن قد يراد به اليقين كما جاء فى آيات كثيرة، ظن أن اللّه لن يضيق عليه واسعا، وسيبدله قوما غير قومه ، وليس فى ذلك ما يعاب عليه .
هذا ، وشهادة الله ليونس بقوله {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين } القلم : 150 تنبهنا إلى عدم اتهامه بما يتنافى مع هذه الشهادة العظيمة .
وفى قصة يونس عليه السلام عبر، منها أن المتصدى للإصلاح يلزمه الصبر والتحمل وسعة الصدر بالأمل ، وأن المؤمن إذا صدق فى عبادته ودعائه استجاب الله له ونجاه من أخطر المهالك . وأن للّه مع أوليائه تصرفات لا تخضع لقانون الأسباب والمسببات كالمعجزات والكرامات ، وأن بعض التسبيح والدعاء خير وأقوى من البعض الآخر، ومنه دعاء يونس فى بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين } الأنبياء : 87 ، 88 ، ولذلك قال بعض العلماء استنادا إلى مأثورات نبوية : إن اسم الله الأعظم الذى إذا سُئل به أعطى ، وإذا دُعى به أجاب هو دعاء يونس عليه السلام . وهو ليس خاصا به ، بل هو عام لكل مسلم كما قال سبحانه عقبة {وكذلك ننجى المؤمنين }(8/135)
إخوة يوسف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم إخوة يوسف ، وهل هم أنبياء ، وكيف يجوز منهم أن يدبروا المكيدة لأخيهم ويكذبوا على أبيهم ؟
An جاء فى تفسير القرطبى"ج 9 ص 130" أن إخوة يوسف هم :
1 - روبيل وهو أكبرهم .
2 - شمعون .
3 - لاوى .
4 - يهوذا .
5 -زيالون .
6 -يشجر .
وأمهم ليَا بنت ليان ، وهى بنت خال يعقوب ، وولد له من سريتين أربعة نفر هم :
1 - دان .
2 -نفتالى .
3- جاد .
4 - آشر .
ثم توفيت ليَا فتزوج يعقوب أختها راحيل ، فولدت له يوسف وبنيامين .
فكان بنو يعقوب اثنى عشر رجلا .
ثم ذكر القرطبى فى ص 133 : أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء، لا أولا ولا آخرا ، لأن الأنبياء لا يدبرون فى قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : ما كانوا فى ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ، وهذا أشبه .
هذا ، وفى مقال للدكتور كارم السيد غنيم بمجلة الهداية - رمضان 1409 هـ -أن يعقوب تزوج من بنتى خاله "ليا، راحيل " ومنهما ومن أمتيهما أنجب اثنى عشر ولدا ذكرا هم الأسباط ، وأسماؤهم : راوبين ، شمعون ، لاوى ، يهوذا ، بساكر، زبولون " أمهم ليا " يوسف ، بنيامين "أمهما راحيل " جاد ، أشير "أمهما زلفة جارية ليا" وداود ، نفتالى ، "أمهما بلهة جارية راحيل " وولدوا جميعا بالعراق إلا بنيامين ولد فى كنعان ، نزل يعقوب وأولاده مصر بدعوة يوسف ، وأقاموا بمنطقة "جاسان ، أو جاشان " لوجود المراعى بها ، أو لإبعادهم عن قوم فرعون الوثنيين .
ولما هاجم الهكسوس مصر ومكثوا بها أربعة قرون "من الأسرة 14 - 18" طردهم قائد مصرى من الأسرة الثامنة عشرة هو"أحمس " . ثم جاء ملك تنكر ليوسف وارتاع من تكاثر بنى إسرائيل فى أرضه فأمر بقتل كل ذكر يولد منهم ، ثم كان موسى وتربيته بقصر فرعون ثم بعثه الله لابن هذا الفرعون ، وانتهى الأمر إلى خروجهم إلى "سينا" ثم دخول الشام(8/136)
آدم وحواء لم يشركا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله سبحانه {هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا . فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين . فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} الأعراف : 189 - 190 ، كيف يشرك آدم وحواء بسبب الذرية ؟
An التفسير المناسب لنفى الشرك عن آدم وحواء هو أنه لما تغشاها شعرت بالحمل أول الأمر خفيفا ، فاستمرت فى حياتها العادية لا تعانى تعبا ، حتى إذا ثقل الحمل دعوا الله أن يشكراه إن ولد لهما نسل صالح ، فرزقهما اللّه ولدين صنفين ، ذكرا وأنثى ، وباستمرار عملية الإنجاب وتكاثر الذرية وتعاقب الأجيال وتباعد العهد بالرسالات نسى بعض الصنفين فضل ربهما فى الخلق والإنعام ، فجعلا له شركاء فيما آتاهما ، وعبداها من دون الله ، أو لتقربهما إليه زلفى كما فعل كفار مكة عند ظهور الإسلام ، وهم المقصودون بهذه الآيات كما قاله أكثر العلماء .
وبهذا التفسير الذى يتفق مع أسلوب اللغة العربية التى نزل بها القرآن ، من عود الضمائر أحيانا على اللفظ ، وأخرى على المعنى ، يستقيم معنى الآية ويتلاءم مع ما يجب للأنبياء من عصمة .
ذكر السيوطى فى الإتقان "ج 1 ص 90" أن الآية فى آدم وحواء كما جاء مصرحا به فى حديث أخرجه أحمد والترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه . وقال : كيف نسب الإشراك إليهما وآدم نبى والأنبياء معصومون منه قبل النبوة وبعدها إجماعا؟ وقد جر ذلك إلى أن بعض العلماء حمل الآية على غير آدم وحواء ، وتعدى ذلك إلى تعليل الحديث والحكم بنكارته ، وذكر أن آخر الآية كان فى العرب وشركهم ، حيث عاد الضمير فى أولها على الاثنين ، وفى آخرها على الجمع {فتعالى الله عما يشركون} ولابد من حمل التعبيرات المتشابهة على ما لا يطعن فى عصمة الأنبياء(8/137)
شك إبراهيم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء على لسان إبراهيم عليه السلام أنه قال لرب العزة {رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى } البقرة :260 فلماذا سأل إبراهيم هذا السؤال ، هل كان شاكا فى قدرة الله ، وما هى الصلة بين الإيمان والاطمئنان ؟
An قال المفسرون : إن هذا القول لم يصدر عن إبراهيم عليه السلام عن شك فى قدرة الله على إحياء الموتى، وإنما طلب المعاينة، فليس الخبر كالعيان .
وقال الأخفش : لم يرد رؤية القلب ، وإنما أراد رؤية العين . وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير: سأل ليزداد يقينا إلى يقينه .
كل ذلك لاعتقادنا فى عصمة الأنبياء عن كل ما يؤثر على الطاعة لله والإيمان الصادق به .
لكن جاء فى حديث البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "نحن أحق بالشك من إبراهيم ... " وأجيب عنه بأن معناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ، ونحن لا نشك فإبراهيم أجدر ألا يشك ، لأنه مؤمن بإحياء اللّه للموتى {ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك اذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت } البقرة : 258 .
فهو مؤمن بذلك ويطلب رؤية الكيفية ليزداد يقينا ، أى يريد الترقى من علم اليقين إلى حق اليقين كما يعبر بعض العلماء(8/138)
البرهان لسيدنا يوسف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بالبرهان فى قوله تعالى عن سيدنا يوسف {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } يوسف : 24 ؟
An قبل الإجابة لابد أن نعلم أن يوسف لم يهم بها بفاحشة، لأنها عرضت نفسها عليه بالمراودة مع تهيئة لكل الأسباب لنيل غرضها وإغرائه وعمل كل ما يطمئنه على عدم مؤاخذته . فقال "معاذ الله " والهم السيىء بها لم يحصل لأنه رأى برهان ربه ، وفى هذا البرهان كلام كثير لا يستند إلى دليل صحيح ، والأقرب إلى الفهم أن الله ألهمه أنه لو هم بها ضربا لمنع نفسه منها حيث جذبته بقوه لتنال غرضها بعد أن فشلت المحاولة السلمية لأدى ذلك إلى ارتكاب جناية عاقبتها الدنيوية سيئة . فالبرهان إلهام من الله لإدراك العاقبة .
ويقرب من هذا المعنى ما روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن "زليخا" قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت فى زاوية البيت فسترته بثوب فقال : ما تصنعين ؟ قالت : أستحى من إلهى هذا أن يرانى فى هذه الصورة ، فقال يوسف : أنا أولى أن أستحى من الله .
يقول القرطبى : وهذا أحسن ما قيل فيه ، لأن فيه إقامة الدليل ، ثم ذكر القرطبى آراء أخرى فى البرهان ، فقيل : رأى فى سقف البيت مكتوبا "ولا تقربوا الزنى" وقيل : ظهرت كف مكتوب عليها "وإنَّ عليكم لحافظين " وقيل : تذكرعهد الله وميثاقه ، وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدران عاضًّا على إصبعه يتوعده ، فسكن وخرجت شهوته من أنامله ، وقيل غير ذلك(8/139)
نوح وابنه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى قصة نوح عليه السلام قول الله له {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين } هود: 6 ، نريد توضيحا لذلك ؟
An معروف أن نوحا عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل ، وكان ممن كفروا به وزوجته وابن من أبنائه ، وبعد صنع السفينة وحمل من آمن فيها وحصول الطوفان وبعد أن نهى الله نوحا أن يتشفع للكافرين مهما كانت صلة القرابة به {ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا أنهم مغرقون } هود : 37 ، حدث أن رأى نوح ولده يغرق وظن أنه من المؤمنين حيث لم يصرح له بالكفر، فدعاه إلى الركوب فى السفينة {ونادى نوح ابنه وكان فى معزل يابنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين } هود :
42 فقد قال {ولا تكن مع للكافرين } ولم يقل من الكافرين . لأنه لو علم بكفره ما ناداه للركوب . وكان رد ولده غير صريح فى إعلان الكفر، بل فيه اعتماد على نفسه وقوته وحيلته التى يمكن أن ينجو بها من الغرق {سآوى إلى جبل يعصمني من الماء} فرد عليه أبوه {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } وكانت النتيجة أن حال بينهما الموج فكان من المغرقين .
ولعدم علم نوح يقينا بكفر ولده سأل ربه مستوضحا لماذا أُغرق فقال {رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين } هود: 45 ، فرد الله عليه بأنه ليس من أهله المؤمنين فى الحقيقة وإن كان يبدو له أنه مؤمن { قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين } والمعنى أن القرابة المنجية من العذاب هى قرابة الإيمان لا قرابة النسب ، وكان عليك أن تتحرى حال ولدك وهو يعيش معك أو قريبا منك لتتأكد من إيمانه ، فإن مقامك غير مقام عامة الناس ، وليس قوله له {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين } وصفا له بأنه جاهل ، بل تحذير له أن يكون فى المستقبل جاهلا، كما قال اللّه لسيدنا محمد {فلا تكونن من الجاهلين } الأنعام : 25 ، وقوله {وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين } القصص : 187 ، فلم يكن النبى جاهلا ولا مشركا حين خاطبه الله بذلك ، وعلى هذه الصورة كان نوح عليه السلام بريئا مما يخالف عصمة الأنبياء(8/140)
اسم حواء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من الذى سمى حواء بهذا الاسم ؟
An جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 301" أن آدم عليه السلام هو أول من سمى حواء بهذا الاسم حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك ، ولو تألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته ، فلما انتبه قيل له : من هذه ؟ قال امرأة، قيل : وما اسمها؟ قال حواء ، قيل ولم سميت امرأة ؟ قال : لأنها من المرء أخذت ، قال : ولم سميت حواء؟ قال : لأنها خلقت من حى .
ثم يستطرد القرطبى ويقول : روى أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه ، وأنهم قالوا له : أتحبها يا آدم ؟ قال : نعم : قالوا لحواء : أتحبينه يا حواء؟ قالت : لا، وفى قلّبها أضعاف ما فى قلبه من حبه ، قالوا : فلو صدقت امرأة فى حبها لزوجها لصدقت حواء .
وهذا كله لا دليل عليه ، يحتمل أن يكون وألا يكون ، ولا طائل تحت الجدال فيه(8/141)
يوسف وإخوته والكواكب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم أخوة يوسف الذين سجدوا له وما هى الكواكب التى رآها وكيف كان السجود ليوسف ؟
An يقول الله سبحانه {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين } يوسف : 4 ويقول : {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا} يوسف : 100 .
فى هاتين الآيتين ثلاث نقاط : الأولى أسماء الكواكب وكيف سجدت والثانية . عدد إخوه يوسف وأسماؤهم ، والثالثة كيف يسجدون لمخلوق والسجود لا يكون إلا للّه ؟ .
1- أما أسماء الكواكب فلا يعنينا معرفتها ، لأن المقصود هو العبرة والموعظة ومع ذلك قال القرطبى فى تفسيره ، إن أسماءها جاء ذكرها مسندا ، رواه الحارث بن أبى أمامة قال : جاء بستانة -وهو رجل من أهل الكتاب- فسأل النبى عنها فقال "الحرثان والطارق والذيال وقابس والمصبح والصروح وذو الكنفات وذو القرع والغليق ووثاب والعمودان" واللّه أعلم بصحة هذا الحديث ، كما أن بعض الأسماء مختلف فى نطقها ، ولا يهمنا كل ذلك كما أن كيفية سجودها غير معلومة بطريق صحيح ، و يكفى أن يكون بأدنى قرب منه .
2- أما إخوة يوسف فأحد عشر، وهم : روبيل وشمعون ولاوى ويهوذا وزبالون ويشجر ودان ونفتالى وجاد وآشر وبنيامين ، والنطق مختلف عما فى التوراة وفى كتب أخرى وذلك أيضا غير مهم .
3- أما سجود إخوته له فكان سجود تحية وليس سجود عبادة بالاتفاق عند جميع العلماء ، كما سجد الملائكة لآدم ، وكان ذلك من عرفهم والأعراف مختلفة، وما زال الانحناء والانبطاح على الأرض إلى حد تقرب فيه الجبهة من الأرض تحية فى بعض الشعوب إلى اليوم ومنها شعوب إسلامية ، والإسلام لا يوافق على التحية بالسجود ، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم من أراد أن يسجد له كما يفعل مع الملوك ، وذكر القرطبى حديثا خرَّجه أبو عمر فى التمهيد عن أنس قال : قلنا : يا رسول اللّه أينحنى بعضنا إلى بعض إذا التقينا؟ قال "لا" قلنا : أفيعتنق بعضنا بعضًا؟ قال "لا " قلنا : أيصافح بعضنا بعضا؟ قال "نعم "(8/142)
فضل مريم وبنى إسرائيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ذكر فى القرآن أن الله فضل مريم على نساء العالمين ، وفضل بنى إسرائيل كذلك على العالمين . فأين بنات النبى وزوجاته ، وأين الأمة الإسلامية ؟
An قال الله تعالى{وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } آل عمران : 42 وقال {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين } البقرة : 47 1- قال القرطبى فى تفسيره "ج 4 ص 83" فى اصطفاء مريم : إن الاصطفاء هو على عالمى زمانها، كما قاله الحسن وابن جريج وقيل :
إن الاصطفاء هو على نساء العالمين أجمع إلى يوم الصور، وهو قول الزجاج ، وهو الصحيح ، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " ومعنى الكمال التناهى والتمام ، والكمال المطلق لله خاصة ، وأكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين ، وإذا تقرر هذا فقد قيل : إن الكمال المذكور فى الحديث يعنى به النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين ، وقد قيل بذلك ، والصحيح أن مريم نبية ، لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين . ولم يرد ما يدل على نبوة آسية دلالة واضحة .
ثم ذكر القرطبى أحاديث صحيحة منها "خير نساء العالمين أربع :
مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" ومنها "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" ومنها "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة" وأقول الخيرية أو الأفضلية بالنسبة إلى نساء العالمين تلتقى مع ذلك بالنسبة إلى نساء أهل الجنة، وعطف الأسماء بالواو لمطلق الجمع لا يقتضى ترتيبا كما تفيده الفاء أو ثم ، لكن القرطبى رتبهن وجعل أفضلهن مريم للتعبير فى الرواية الأخيرة بلفظ "بعد مريم " والباقى منهن ليس فيه ما ينص على الترتيب بينهن لكنه رتبهن فقال ما نصه : فظاهر القرآن والأحاديث يقتضى أن مريم أفضل من جميع نساء العالم ، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، فإن الملائكة قد بلغتها الوحى عن الله عز وجل بالتكليف والإخبار والبشارة كما بلغت سائر الأنبياء ، فهى إذًا نبية ، والنبى أفضل من الولى ، فهى أفضل كل النساء الأولين والآخرين مطلقا، ثم بعدها فى الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية ، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ، ثم آسية" وهذا حديث حسن يرفع الإشكال . وقد خص الله مريم بما لم يؤته أحدا من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النساء، وصدَّقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بُشرت كما سأل زكريا صلى الله عليه وسلم عن الآية ، ولذلك سماها الله فى تنزيله صديقة فقال {وأمه صديقة} المائدة :75 وقال {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين } التحريم : 12 إلى أن قال : ومن لامرأة فى جميع نساء العالمين من بنات آدم ما لها من هذه المناقب ، ولذلك روى أنها سبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة، جاء فى الخبر عنه صلى الله عليه وسلم "لو أقسمت لبررت ، لا يدخل الجنة قبل سابقى أمتى إلا بضعة عشر رجلا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم ابنة عمران " .
ثم ذكر أن من قال من العلماء بأنها لم تكن نبية قال : إن رؤيتها للملك كما رؤى جبريل عليه السلام فى صفة دحية الكلبى حين سؤاله عن الإسلام والإيمان ، ولم تكن الصحابة بذلك أنبياء والأول أظهر ، وعليه الأكثر .
هذا ما ذكره القرطبى وأقول : إن كان لبعض الرجال أو النساء فضل ، فذلك فضل من الله ، ولا ينالنا منه إلا الحث على السير على منهجهم ، ولا داعى للبحث فيمن هو أفضل من غيره ، فلا يفيدنا ذلك -كما يقول العلماء- إلا فى الأيمان والتعاليق ، كمن يحلف أن فلانا أفضل من فلان ، أو إن كان فلان أفضل من فلان فعلت كذا .
2- وأما تفضيل بنى إسرائيل على العالمين فقد قال فيه القرطبى "ج 3 ص 376" : يريد على عالمى زمانهم ، وأهل كل زمان عالم ، وقيل : على كل العالمين : بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم . انتهى .
وفى تفسير ابن كثير للآية رقم 47 من سورة البقرة أن الأمة الإسلامية أفضل من أمة بنى إسرائيل لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم } وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " والأحاديث في هذا كثيرة . وأوردها عند تفسير الآية "كنتم خير أمة أخرجت للناس " وقال : إن الحديث المذكور رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث مشهور حسنه الترمذي .
وقوله : بما جعل فيهم من الأنبياء يشير إليه قوله تعالى{وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } المائدة : 25 وقوله {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية : 16 فقوله {ولقد اخترناهم على علم على العالمين } الدخان : 32 .
وإذا كان الله فضلهم على السابقين وأنعم عليهم بهذه النعم فإنهم لم يشكروها ، حيث تمردوا على موسى وعبدوا العجل والطاغوت وقتلوا الأنبياء بغير حق ، وعصوا الأنبياء الذين أرسلوا إليهم واعتدوا عليهم وعلى غيرهم ، فضرب اللّه عليهم الذلة والمسكنة أينما وجدوا، وبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ، ومسخ بعضهم قردة وخنازير ، وفى كل ذلك جاءت آيات القرآن الكريم ، وقال تعالى فيهم {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} الإسراء : 7 وقال {وإن عدتم عدنا} الإسراء : 8 ذلك قانون الله الذى يرتب الجزاء على العمل ، يبطل زعم القائلين بأنهم أبناء الله وأحباؤه ، فهم بشر ممن خلق ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت : 46 .
وذلك القانون سار علي جميع خلقه من يوم أن خلق آدم إلى يوم الساعة يطبق على كل الأنبياء والرسل ، وعلى كل أمة من الأمم ، بما فيهم أفضلهم وهو سيدنا محمد، وأفضل الأمم وهى أمته التى جعلها الله خير أمة أخرجت للناس {إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات : 13 {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه : 123-124(8/143)
عيسى يسلم على نفسه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا ألقى عيسى عليه السلام السلام على نفسه، حين قال{والسلام على يوم ولدت}؟
An قال الله تعالى فى شأن يحيى عليه السلام حين بشر به أباه زكريا عليه السلام {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} مريم :15 وقال على لسان عيسى عليه السلام حين خاطب عيسى قومه {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} مريم : 33 .
إن كلا من النبيين العظيمين عليهم سلام وأمان من الله ، أو تحية ألقاها الله على كل منهما ، لكن السلام على يحيى كان فى مقام بشارة الله لأبيه به ، مقدَّما قبل أن يولد، فهو سبحانه يحكى لزكريا صفات يحيى التى يكون عليها، والنعم التى أنعم بها عليه وقدَّرها قبل أن يولد ، أو فى مقام إخبار اللّه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقصة زكريا ويحيى كما جاء فى صدر سورة مريم {ذكر رحمة ربك عبده زكريا . إذ نادى ربه نداء خفيا} ومقام الإخبار يناسبه قول الله عن يحيى {وسلام عليه} ويحيى لم يتكلم بذلك حتى يقول : والسلام علىَّ .
أما سيدنا عيسى فكان يتحدث عن نفسه ، مبينا لقومه ما منَّ اللّه به عليه حيث قال {إني عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا . وجعلني مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا . وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا} والسلام علىَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} مريم : 30-33 .
هذا أحسن ما قال فى هذا الموضوع ، وأما ما يروى أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام : أنت خير منى، لأن الله سلم عليك .
فليس له سند يعتمد عليه ، فكلاهما قد سلم الله عليه ، وكما قال بعض المفسرين : إن السلام المعرف بأل الذى قاله سيدنا عيسى عليه السلام هو السلام المنكر ، أى الخالى من "أل" الذى كان من الله على يحيى ، وذلك على حد قولهم : إن المنكر إذا كرر معرَّفا كان هو هو، فَأَلْ للعهد .
إن الموضوع يتصل باللفظ أكثر مما يتصل بالمعنى، فإن كلا من يحيى وعيسى قد حياه اللّه وأمنه وباركه ، ونرجو أن نحظى بذلك إذا اتبعنا ما جاء به الله {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } الأنعام : 82(8/144)
إلياس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هو إلياس المذكور فى القرآن الكريم ؟
An قال تعالى {وإن إلياس لمن المرسلين } الصافات : 123 وجاء ذكره أيضا فى الآية الخامسة والثمانين من سورة الأنعام ، وذكر اسم "اليسع " فى الآية التى تليها .
فقال بعض العلماء : إنهما اسمان لنبى واحد، لكن الحق أنهما نبيان ، لأن الله أفرد كل واحد بالذكر، والخلاف فى "إلياس "كبير ، فقيل : إنه إدريس وهو خطأ، وقيل : إنه الخَضِر، وقيل غير ذلك ، وكان قبل زكريا ويحيى وعيسى قَيِّمًا على بنى إسرائيل بعد موت "حزقيل "(8/145)
سجود مريم وركوعها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا قدَّم الله السجود على الركوع فى قوله تعالى {يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين } آل عمران : 43 ؟
An قال القرطبى : قدم السجود هاهنا على الركوع لأن الواو لا توجب الترتيب فإذا قلت : قام زيد وعمرو جاز أن يكون عمرو قام قبل زيد، فعلى هذا يكون المعنى واركعى واسجدى .
وقيل كان شرعهم السجود قبل الركوع أنتهى .
هذا بعض ما قيل وفيه كفاية(8/146)
فتنة سليمان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى :{ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } ص : 34 وما نوع الجسد المذكور، وما سبب فتنة سليمان به ؟
An الكلام فى هذا الموضوع كثير، ومكانه كتب التفسير، ومن أحسن ما قيل ما رواه البخارى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "قال سليمان :
لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل : إن شاء الله ،فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، وايم الذى نفسى بيده لو قال : إن شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون " .
والمعنى أن الله سبحانه امتحن سليمان عليه السلام وابتلاه ، لأنه لم يقل إن شاء الله ، وكانت نيته طيبة فى طلب أولاد مجاهدين ، وظن أن الله معطيه كل شىء بدون حدود، فأراد سبحانه أن يظهر له أن كل شىء بقدر، وأن الأمل له حدود، فلم تنجب واحدة من نسائه بهذا اللقاء إلا واحدة أتت بجسد هو نصف إنسان ، فرجع سليمان إلى ربه وتاب ، هذا بعض ما قيل والتأويلات كثيرة ، ولا حاجة إلى التعليق على عمل سليمان فى قدرته كإنسان عادى أن يلقح تسعين امرأة فى ليلة واحدة ، يجتمع مع كل واحدة حوالى خمس دقائق ، وهل كان الجهاز مستعدا بكمية كافية لتلقيح كل واحدة في هذه الدقائق القليلة؟ إن سليمان عليه السلام من واقع ما أعطاه الله من مسخرات القوى اعتقد أن التسخير بدون حدود ، وفى غمرة هذا الاعتقاد وهذا التكريم الواسع أراد الله سبحانه أن ينبهه إلى سيطرة إرادة الله على كل شىء فليس سليمان أقوى ولا أكرم من الملائكة الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
هذه خاطرة خطرت لى مع اعتقادى بأن الله على كل شىء قدير، وما المعجزات ولا الكرامات إلا مظهر من مظاهر هذه القدرة التى تغير ما يراد تغييره من النواميس التى وضعها هو سبحانه لتدبير ملكه حسب إرادته ، فهو مالك الأمر كله وهو الحكيم الخبير(8/147)
رسل الجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك رسل أُرسلت إلى الجن وديانات كلفت بها؟
An الجن مكلَّفون كالإنس ، والنصوص فى ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الذاريات : 56 والتكليف لا يتم إلا برسالة لئلا يكون للناس على الله حجة، قال تعالى{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا} الأنعا م : 130 .
ومما يؤكد إرسال رسل إلى الجن قوله تعالى {قل أوحى إلىَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا . يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} الجن : 1 ، 2 وقوله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين } الأحقاف : 29 .
فالرسل إلى الجن هم من الإنس ، ولم يثبت أن الله أوحى بشرع إلى جنَى ليبلغه إلى الجن ، بل كانوا يسمعون من الرسول البشر، وهم بدورهم يبلغون ما سمعوه إلى قومهم كما تدل عليه هذه الآية ، والمهم أنهم مكلفون ، سواء أكان الرسول بشرا أم جنيًّا(8/148)
بين النبى وآدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "فُضلت على آدم بخصلتين ، كانت زوجته عونا له على المعصية وأزواجى أعوان لى على الطاعة، وكان شيطانه كافرا وشيطانى مسلم لا يأمر إلا بالخير" ؟
An هذا الحديث رواه الديلمى وابن الجوزى فى الواهيات عن ابن عمر، كما فى الجامع الكبير للسيوطى، فهو حديث ضعيف جدا . وليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على أن حواء هى التى أغرت آدم بالمعصية وصحيح أن شيطان آدم كفر وهو إبليس ، وشيطان الرسول وهو القرين أسلم كما ثبت فى حديث رواه مسلم "ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن" قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال "وإياى إلا أن اللّه أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير"(8/149)
آدم والأسماء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الأسماء التى علَّمها الله لآدم عليه السلام ؟
An قال تعالى : {وعلَّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} البقرة : 31 . الأسماء التى علَّمها اللّه لآدم ليس فيها نص صحيح ، وكل ما ورد فهو أقوال اجتهادية ومن أقرب الأقوال فى كيفية التعليم أن الله أعطى آدم القدرة على تسمية أى شىء يعرض عليه ، عن طريق العقل والاستنباط والملائكة لا يمكنها أن تستقل بذلك ، فما علمته من الله علمته ، وما لا فلا {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} البقرة : 32 .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 282" قوله : اختلف أهل التأويل فى معنى الأسماء التى علمها لآدم عليه السلام فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير: علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها . وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن على قال :
كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط ، قال ابن عباس "وعلَّم آدم الأسماء كلها" قلت -أى القرطبى- : وقد روى هذا المعنى مرفوعا على ما يأتى وهو الذى يقتضيه لفظ "كلها" وذكر حديث البخارى فى الشفاعة العظمى وأن المؤمنين قالوا لآدم : وعلمك أسماء كل شىء . قال ابن عباس : علمه أسماء كل شىء حتى الجفنة والمحذب ، وقال الطبرى :
علَّمه أسماء الملائكة وذريته ، واختار هذا ورجحه بقوله : {ثم عرضهم على الملائكة} وذكر القرطبى أقوالا أخرى ، واختار أنه علَّمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها .
من هذا نرى أن الأسماء ليس فى المراد منها نص صريح صحيح ، والأقوال كلها اجتهادات ، ولا داعى لإرهاق أنفسنا فى معرفتها ، ولولا أن الأسئلة بشأنها طرحت علينا لما اهتممنا بالإجابة عليها(8/150)
رسالة يوسف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الرسالة التى جاء بها سيدنا يوسف عليه السلام ، وكيف نفهمها من القرآن الكريم ؟
An كل الرسل جاءت لتؤكد الدعوة إلى توحيد الله تعالى والإيمان بالبعث بعد الموت ، والبعد عن المنكرات ، قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء :25 وقال {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل : 36 .
وسيدنا يوسف عليه السلام جاء بما جاءت به الرسل ، فقد أمر صاحبى السجن بعبادة اللّه وحده وتنزيهه عن الشركاء ، قال تعالى :
{يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار . ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف : 39- 40 وذلك بعد أن قال لهما {إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} يوسف : 37 ، 38 .
ذلك إلى جانب ما قرره من عزوفه عن ارتكاب الفاحشة ومن عدم خيانة من ربَّاه وكفله وأحسن إليه ، ومن الإرشاد إلى التخطيط وعمل الاحتياطات للمفاجآت بتأويل الرؤيا وتخزين المحصول للطوارئ ، وغير ذلك مما جاء فى الآيات فى هذه السورة، وهى كلها فروع فى التشريع بعد الدعوة إلى التوحيد لله سبحانه(8/151)
مريم عليها السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كانت السيدة مريم نبية، ولماذا لم يذكر اسم امرأة غيرها فى القرآن الكريم ؟
An قال الله تعالى : {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم} النحل :
43 هذا الحصر فى الرجال قد يكون لإخراج النساء، فلا يكون منهن رسول ، وقد يكون لإخراج الملائكة، بمعنى أن الرسل للبشر لا تكون من الملائكة وقرر الله أنه لو أرسل للبشر ملكا لجعله رجلا، قال تعالى : {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} الأنعام : 9 وقال تعالى{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىَّ} الكهف : 110 وقال {قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزَّلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} الإسراء: 90 .
والرسالة القائمة على التبليغ هى قيادة للخير، بالإرشاد والاتباع ، وفيها جهود جبارة لنشر الدعوة ومقاومة الفساد والتغلب على العقبات ، وقد يكون فيها حرب وقتال وسفر وترحال ، واستعدادات الرجال تتناسب مع هذه المهمة ، إلى جانب أن الرجل هو الأصل فى أن يكون خليفة فى الأرض ، والمرأة خلقت منه لتساعده على تحقيق هذه الخلافة فيما تستطيعه ويتناسب مع استعداداتها .
هذا فى الرسالة التى تستلزم التبليغ ، أما النبوة التى تقتصر على مجرد تلقِّى الوحى من الله للعمل به دون الأمر بتبليغه فقد تكون للمرأة، كما قال بعض العلماء عن أم موسى وعن مريم عليهما السلام ، والاستدلال والمناقشة لا يتسع لهما المقام .
وأما عدم ذكر اسم امرأة فى القرآن إلا مريم ، فذلك لأن لها شأنا خطيرا فى عقيدة هى أهم العقائد ، وهى عقيدة التوحيد وتنزيه الله سبحانه عن الزوجة والولد، وبيان الوجه الحق فى طبيعة سيدنا عيسى عليه السلام ، فقد قبلها الله لخدمة بيته ، لأن أمها نذرت ما فى بطنها لذلك وكانت تود أن يكون ذكرا ، واشتهرت بالعفة والطهارة ، وهى فى محرابها تؤدى واجبها ، وحملت بغير الطريق العادى حيث نفخ الله فيها الروح بوساطة جبريل عليه السلام ، وكان ولدها عيسى عليه السلام ، ممن ظهرت خوارق العادة على أيديهم منذ صغره ، حيث تكلم فى المهد صبيًا ، إلى غير ذلك من الأمور التى جعلت لعيسى ولُأمه شأنا غير عادى، ولذلك قال بعض العلماء : إن مريم من الأنبياء : {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} آل عمران : 42 .
فلهذه الاعتبارات ذكر اسمها فى القرآن الكريم ، وليس معنى هذا أن غيرها من النساء لا فضل له ولا شأن ، فالكلام كثير حول أفضل النساء على الإطلاق لا مجال لذكره الآن . ومن هذا الباب ذكر اسم زيد بن حارثة فى القرآن لأهميته فى تقرير الحكمة فى مبدأ التبنى وزواج زينب بنت جحش ، ولا يعنى هذا أن زيدًا أفضل من أبى بكر وعمر وغيرهما ، حيث لم يذكروا بأسمائهم الصريحة فى القرآن الكريم(8/152)
رسالة الأنبياء إلى الجن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن الرسل السابقين لم يبعثوا إلا إلى الإنس فقط ، وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه أنه أرسل إلى الإنس والجن فهل هذا صحيح ؟
An سبق أن ذكرنا أن الجن مكلَّفون كالإِنس ، ولا بد للتكليف من رسالة رسول ، ومن المؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الجن كما أرسل إلى الإِنس ، قال تعالى { قل أوحى إلىَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا} الجن : 1 وقال { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين . قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم . يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } الأحقاف : 29 - 31 فهل قولهم { إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ... } يدل على أن موسى كان مرسلا إلى الجن ، أو لم يكن مرسلا إليهم ولكنهم عرفوا أن كتابا نزل عليه ، وهل معرفتهم بموسى تدل على إيمانهم به أو عدم إيمانهم ؟ .
بعض العلماء يقول : كان الجن الذين لقوا النبى صلى الله عليه وسلم يهودا يعنى آمنوا بموسى. ومنهم عطاء الذى قال : كانوا يهودا فأسلموا وارتضى القرطبى فى تفسيره هذا الرأى "ج 16 ص 217" ويقول ابن عباس: إن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام ، وقوله تعالى { مصدقا لما بين يديه } يراد به التوراة لا الإنجيل ، فهل هؤلاء الجن كانوا مقيمين بالمنطقة التى أرسل فيها موسى فقط ، ولم يدخلوا المنطقة التى أرسل فيها عيسى؟ وهل كان إيمانهم بموسى تكليفا ألزموا به أو كان اختيارا منهم دون تكليف ؟ وكل ذلك مع التسليم بأن كل الجن مكلَّفون بعبادة الله ومحاسبون يوم القيامة ، ومن الجائز أن يرسل إليهم رسل غير المذكورين فى القرآن وهم خمسة وعشرون ، فالله يقول { ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك } النساء: 164 .
ولعدم التأكد من رسالة موسى وعيسى وغيرهما إلى الجن قال بعض العلماء ، ومنهم مقاتل بن سليمان من رجال التفسير: لم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم " تفسير القرطبى ج 16 ص 217" .
وارتضى القرطبى هذا القول واستدل عليه بما رواه مسلم فى صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصارى أن للنبى صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى، كان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت بلى كل أحمر وأسود، وأحلَّت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وجُعلت لى الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ، ونُصرت بالرعب بين يدى مسيرة شهر، وأُعطيت الشفاعة" قال مجاهد : الأحمر والأسود هما الجن والإِنس ، وفى رواية من حديث أبى هريرة " وبعثت إلى الخلق كافة وختم بى النبيون " .
ويفرع القرطبى على ذلك مسألة يقول فيها : إن الجن كالإِنس فى الأمر والنهى والثواب والعقاب . وقال الحسن : ليس لمؤمنى الجن ثواب غير نجاتهم من النار، يدل عليه قوله تعالى { يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } وبه قال أبو حنيفة قال : ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم ، وقال آخرون : إنهم كما يعاقبون فى الإِساءة يجازون فى الإِحسان مثل الإِنس ، وإليه ذهب مالك والشافعى وابن أبى ليلى ، وقد قال الضحاك ابن مزاحم : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون . قال القشيرى : والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشىء والعلم عند الله .
انتهى ما قاله القرطبى .
وجاء فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 5ص 69 " أن من أدلة مالك على الثواب والعقاب قوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال { فبأى آلاء ربكما تكذبان } الرحمن :
46 ، 47 والخطاب للإِنس والجن ، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين ومن شأن المؤمن أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب . وجاء فى الرد على أبى حنيفة فى أنهم لا يثابون بأن الثواب مسكوت عنه -أى فى الآية التى استدل بها - وأن ذلك من قول الجن فيجوز أنهم لم يطلعوا على ذلك وخفى عليهم ما أعده الله لهم من ا لثواب وبعد، فإن الكلام فى ثواب الجن المؤمن من أمور الغيب وقول القشيرى فيه صحيح ، وليس ذلك مما يهمنا عمليا فى الدنيا، وما ذكرته إلا للسؤال عنه من جملة الأسئلة الكثيرة التى توجه إلىَّ .
ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "آكام المرجان" للشبلى ص 34-62(8/153)
اجتهاد الأنبياء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل كان الأنبياء ملتزمين للوحى الذى يأتيهم من عند الله ، أو كانت لهم اجتهادات فى بعض الأحيان لا يلتزمون فيها بالوحى؟
An ذكر القرطبى فى تفسيره لقوله تعالى {وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث} الأنبياء : 78 أن العلماء اختلفوا فى جواز الاجتهاد على الأنبياء ، فمنعه قوم ، وجوزه المحققون ، لأنه ليس فيه استحالة عقلية، فالعقل دليل شرعى، وهو يكون إذا لم يوجد نص ، وفى بعض الأحيان لا يكون هناك نص فى مسألة، بل لهم الاجتهاد فى النص ، وهم معرضون للخطأ فيه ، إلا أن اللّه سبحانه لا يقرهم على خطئهم .
وذكر القرطبى أن النبى صلى الله عليه وسلم سألته امرأة عن العدة ، فقال لها " اعتدى حيث شئت " ثم قال لها " امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " وقال له رجل : أرأيت لو قتلت صبرا محتسبا أيحجزنى عن الجنة شىء؟ فقال " لا " ثم دعاه فقال " إلا الدين ، كذا أخبرنى جبريل عليه السلام " وقد قرر القرآن الكريم أن داود أخطأ فى الحكم فى قضية الغنم التى أكلت زرع الغير، وفهَّم الله الحكم الصحيح لسليمان ، فذلك دليل على أن الأنبياء لا يقرون على خطئهم ، فحكمهما كان باجتهاد كما رآه الجمهور، وليس حكم داود بوحى نسخه وحى نزل على سليمان .
وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر رضى الله عنهما فى شأن أسرى بدر، ثم اختار رأى أبى بكر، وأقره الله عليه وأباح له فداءهم وأحل له المال الذى أخذه فدية ، قال تعالى { لولا كتاب من اللّه سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم . فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} الأنفال : 68 ، 69 كما ثبت أنه قبل اعتذار بعض المنافقين عن تخلفهم عن الغزوة بناء على ما أبدوه من أعذار، فنزل فى ذلك قوله تعالى { عفا اللّه عنك لمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } التوبة : 43 .
فالخلاصة أن الأنبياء لهم الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص ، وفى فهم المراد من النص ، ويجوز عليهم الخطأ على رأى الجمهور، إلا أنهم لا يقرون على خطئهم ، وقد وقع الاجتهاد من بعضهم كداود وسليمان ومن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وصوره كثيرة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعمل القياس فى اجتهاده ، فقد صح فى البخارى أن امرأة من جهينة قالت له : إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها؟ قال "حجى عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء" وروى مسلم أن رجلا قدم من جيشان -باليمن - فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له "المزر" فقال له " أوَمُسكر هو " ؟ قال : نعم ، فقال "كل مسكر حرام " . وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد فللمسلمين فيه أُسوة حسنة ، أى يجوز لهم الاجتهاد ، فى حياته وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، فقد أقر سعد ابن معاذ فى بنى قريظة حيث حكم بقتل الرجال وسبى الذرارى والنساء وأخذ أموالهم وقال له " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات " كما رواه البخارى ومسلم ، ولما توجه الصحابة إلى بنى قريظة قال لهم " لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة " فوقف بعضهم عند النص احترامًا له ولم يصل العصر إلا فى بنى قريظة وقد فات الوقت . وفهم بعضهم من النص أن المراد هو الإِسراع والمبادرة فصلى العصر قبل الوصول إلى بنى قريظة حفاظا على الوقت ، ولما ذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم لم يعنف واحدا منهم ، رواه البخارى ومسلم ، وإقراره لمعاذ حين بعثه إلى اليمن حين قال فى القضاء :
أقضى بالكتاب فإن لم أجد فبالسُّنة ، فإن لم أجد أجتهد رأيى ولا آلو، حيث قال له : " الحمد لله الذى وفق رسولَ رسولِ اللّه لما يرضى الله ورسوله " رواه أبو داود والترمذى(8/154)
ميراث الأنبياء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يرث ابن النبى أباه فى النبوة، أو أنها هبة من الله سبحانه لمن يصطفيه ؟
An يقول الله تعالى عن دعاء زكريا ربه { فهب لى من لدنك وليا . يرثنى ويرث من آل يعقوب } مريم : 5 ، 6 ويقول : { وورث سليمان داود } النمل : 16 ويقول صلى الله عليه وسلم "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " رواه البخارى ومسلم "الجامع الكبير للسيوطى ص 1047" ويقول " إن العلماء ورثة الأنبياء " رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان وغيرهم .
تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 81" عن التوارث بين الأنبياء ، وذكر أن هناك ثلاثة آراء للعلماء فى النصوص التى تثبت الوراثة ، هل هى وراثة نبوة ، أو وراثة حكمة ، أو وراثة مال ؟ وبيَّن أن وراثة النبوة مستحيلة ، ولو كانت تورث لقال قائل : الناس ينتسبون إلى نوح عليه السلام وهو نبى مرسل -يعنى يمكن لأى إنسان أن يقول أنا نبى ، أو معى قسط من النبوة حتى الكفار- ووراثة العلم والحكمة رأى حسن ولا مانع منه ، ومثلها وراثة العلماء لعلم الأنبياء ، ووراثة سليمان لداود هى من هذا القبيل ، أما وراثة المال فهى غير ممنوعة، لكن كيف ذلك والحديث يمنع؟ وأجاب عن ذلك بأن وراثة زكريا ووراثة داود ، لا مانع منها، وما جاء فى الحديث فهو خاص بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم، وعبَّر بصيغة الجمع ويقصد نفسه هو، فهذا التعبير سائغ ، ويمكن أن يراد به أن ما تركناه على سبيل الصدقة لا يورث كالتركة .
يؤخذ من هذا أن وراثة النبوة ممنوعة، فهى هبة من الله يعطيها من يصطفيه من عباده ، يقول ابن عطية : داود من بنى إسرائيل وكان ملكا ، وورث سليمان ملكه ومنزلته من النبوة بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه ، فسمى ميراثا تجوزا ، يعنى أن الله هو الذى أعطاه ذلك باصطفائه له ، وليس إرثا حتميا من أبيه كما تورث الأموال .
ومهما يكن من شىء فإن ذلك أمر لا يعنينا بعد أن ختمت النبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد من بعده -وبخاصة ممن ينتسبون إليه ، أن يدعيها كميراث ، وكان من حكمة الله أنه لم يجعل لنبيه ولدا يعيش من بعده حتى لا يدعى وراثة النبوة وعلينا أن نهتم بميراثه الذى تركه لنا وهو العلم ، الذى نبه أحد الصحابة إليه ، حيث قال لهم : أنتم هنا وميراث الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم فى المسجد، فلما ذهبوا لم يجدوا إلا حلقة العلم فعرفوا أنها المقصودة بالميراث .
وهو شرف كبير أن يكون العلماء هم ورثة هذا الهدى النبوى الذى أوصى بالتمسك به كما جاء فى الحديث " تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا ، كتاب الله وسنتى " رواه الحاكم وصححه(8/155)
أين هبط آدم وأين دفن ؟
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الأرض التى هبط عليها أبونا آدم ، ومتى وكيف تم ذلك ، وهل دفن فى الأرض وفى أى مكان يوجد قبره ؟
An القرآن الكريم لم يقص علينا من أخبار السابقين إلا ما فيه العبرة والموعظة فقط ، وذلك من أسرار بلاغته التى يراعى فيها مقتضى الحال ، ولا حاجة إلى سرد التفاصيل والجزئيات التى لا يضر الجهل بها ، ويترك للناس البحث عنها تنشيطا للفكر وازديادا فى الثقافة .
وقد ذكر القران بعض قصص الأنبياء ، وسلط الأضواء على جوانب منها حتى مع تكرار ذكر القصة الواحدة فى عدة مواضع ، اقتضاه نزول القران منجَّما على مدى ثلاثة وعشرين عاما ، قال تعالى { وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود:125وقال { لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل .كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } يوسف :111 وبخصوص سيدنا آدم ذكر القران أن الله أهبطه إلى الأرض { قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين } الأعراف : 24 وقال من قبل ذلك للملائكة { إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة : 30 ولم يبين المكان الذى هبط عليه من الأرض، وذلك لعدم الحاجة إليه ، وقد استغل بعض الناس هذا الأمر استغلالا سياحيا أو لمصالح أخرى فادَّعوا أنه هبط على أعلى قمة فى جبل بالهند بجزيرة سيريلانكا "سيلان سابقا" وأنَّ قدمه أثرت فى الصخر ومشى هناك خمسمائة سنة يبكى على هابيل وتكونت من دموعه ودموع حواء عين ماء ، والناس يتوافدون على المكان لزيارته ، كما استغلت مناطق أخرى لهذا الغرض .
ومما يشاع أنه هبط فى مكان وحواء فى مكان آخر هو جدة وبعد بحث وتعب التقيا على جبل عرفات فسمى بهذا الاسم لهذا السبب ، كما يقال : إنه دفن فى جزيرة العرب وله قبر طوله ستون ذراعا، ولكن كل ذلك لا يدل عليه دليل صحيح ، وبخاصة أن اَلاف السنين مرت عليه ، والآثار التى مر عليها أقلُّ من ذلك ما زال كثير منها مجهولا، وبالطبع دُفن آدم فى الأرض بعد موته ، لأن قابيل لما قتل أخاه هابيل واحتار فى أمره بعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه . فدفنه فى حفرة فى الأرض، وكان ذلك سُنة متبعة فى ذريته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، { إذا زلزلت الأرض زلزالها . وأخرجت الأرض أثقالها} الزلزلة : 1 ، 2 وهم الموتى فى القبور .
هذا ، وقد ذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب للقسطلانى "ج 1 ص 64" أن آدم مات بمكة يوم الجمعة ودفن فى قبر بغار أبى قبيس كما ذكره الثعلبى وغيره ، وعن ابن عباس أن آدم بعد ما حج عاد إلى الهند ومات بها ، وعن ثابت البنانى أنهم دفنوه فى " سرنديب " فى الموضع الذى أهبط فيه ، وصححه الحافظ ابن كثير. وقيل : دفن بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم ، وقيل غير ذلك ، وعاشت حواء بعده سنة وقيل ثلاثة أيام ودفنت بجنبه .
وكل ذلك كلام ليس عليه دليل صحيح .
وبعد ، فإذا كنت تسأل أيها السائل عن قبر أبينا آدم لتزوره وتترحم عليه فخير من ذلك ألف مرة أن تسير على النهج الذى رسمه له ربه عندما أهبطه إلى الأرض حيث قال تعالى { قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى } طه : 123(8/156)
جنة آدم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الجنة التى كان بها سيدنا آدم ، هل هى جنة الخلد أو جنة أخرى؟
An هناك خلاف بين العلماء فى الجنة التى أسكن اللّه آدم فيها، وأخرجه وأخرج إبليس منها، هل هى الجنة التى أعدها الله ثوابا للمؤمنين بعد البعث والحساب ، أو هى جنة فى الدنيا أى بستان من ا لبساتين ؟ جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 61 " وفى تفسير القرطبى "ج 1 ص 302" أن جمهور الأشاعره قال :
هى جنة الخلد ، بل حكى إجماع أهل السنة عليه ، لأن اللام فى قوله تعالى { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف : 19 هى لام العهد، ولا معهود ولا معروف إذ ذاك غيرها، ولقوله تعالى فى وصفها { إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى } طه : 118 ،119 وذلك صفة جنة الخلد، ولقوله تعالى : {اهبطوا} والهبوط يكون من علو إلى أسفل ، ولا يستقيم ذلك فى بستان مخلوق على الأرض ، ولأن موسى لما لقى آدم عليهما السلام ، وقال له : "أنت أتعبت ذريتك وأخرجتهم من الجنة، لم ينكر ذلك آدم ، وإنما قال : أتلومنى على أمر قدره اللّه عليَّ قبل أن أخلق " الحديث صحيح ، ولو كانت غيرها لرد على موسى .
وقيل : هى غير جنة الخلد، حكاه منذر بن سعيد، زاعما كثرة الأدلة عليه ، وحكاه الماوردى وابن عقيل والقرطبى والرمانى وغيرهم .
واختلف القائلون به ، فقال بعضهم : هى بستان بأرض عدن ، كما فى القرطبى ، أو بأرض فلسطين ، أو بين فارس وكرمان كما فى البيضاوى .
وقال الرازى وابن عقيل : ويحمل هؤلاء الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما فى قوله تعالى { اهبطوا مصرا} البقرة : 61 .
وقيل : هى جنة أخرى كانت فى السماء السابعة، وهو قول أبى هاشم ورواية عن الجبَّائى . قال ابن عقيل : وهى دعوى بلا دليل ، فلم يثبت أن فى السماء غير بساتين جنة الخلد . وقال هؤلاء : إن جنة الدنيا جعلها الله دار ابتلاء لآدم وحواء ، لأن جنة الخلد إنما يُدخَل إليها يوم القيامة ، وهذه دخلت قبله ، ولأن جنة الخلد دار ثواب وجزاء وليست دار تكليف وأمر ونهى ، ودار سلامة من الآفات والخوف وليست دار ابتلاء ومحن ، ودار قرار لقوله تعالى { وما هم منها نمخرجين } الحجر: 48 وليست دار انتقال ، و آدم وحواء وإبليس انتقلوا منها .
وأجاب القائلون بأنها جنة الخلد بأن الدخول العارض غير الدائم قد يقع قبل يوم القيامة، بدليل أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء ثم خرج منها ، وأخبر بما فيها وأنها جنة الخلد حقا ، وبأن ما ذكره أهل الرأى الثانى من أن الجنة لا يوجد فيهما وجده آدم من الحزن والنصب و التعب بانكشاف عورته ومحاولة تغطيتها بورق الجنة إنما هو إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإنَّ نفى ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها .
يقول الزرقانى : ليس الرأيان متساويين ، فقد قال القرطبى : هى جنة الخلد ولا التفات إلى ما ذهب إليه المعتزلة والقدرية من أنها جنة دنيوية فى عدن ، وذكر أدلتهم وردها بما يطول .
ورجح الرمانى فى تفسيره أنها جنة الخلد أيضا، وقال : هو قول الحسن وعمر وواصل . وعليه أهل التفسير .
هذه صورة من الخلاف حول الجنة التى سكنها آدم وخرج منها، وهو أمر لا يجب علينا اعتقاده ، والذى يهمنا هو العمل الصالح حتى نعود إلى الله ويمتعنا بجنة النعيم(8/157)
آدم والخلافة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى الخلافة التى وصف الله بها آدم عليه السلام ووصف بها الحكام ؟
An يقول الله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة :35 جاء فى تفسير القرطبى أن آدم عليه السلام خليفة الله فى إمضاء أحكامه وأوامره ، لأنه أول رسول فى الأرض إلى أولاده ، ومن هذه الآية كانت مشروعية نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع ، لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة .1.هـ وقد يطلق اسم الخليفة على من يخلف غيره من الحكام والولاة بعد موتهم أو زوال حكمهم وولايتهم ، أو يخلفه عند غيابه كنائب أو وكيل عنه ، ومن الأول الخلفاء الراشدون والأمة الإسلامية التى قال اللّه فيها {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } النور: 55 .
ومن الثانى نيابة هارون عن موسى عند ذهابه للميقات { وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } الأعراف : 142 .
وقول الله تعالى : { يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق } ص : 26 يحتمل أن يكون معناه خليفة لتنفيذ أحكام الله كآدم عليه السلام ، أو خليفة جاء بعد خلفاء سابقين ، يقول الأصفهانى فى المفردات : والخلافة النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه وإما لموته وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف ، وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه فى الأرض ، قال تعالى : { وهو الذى جعلكم خلائف الأرض} الأنعام : 165 والخلائف جمع خليفة .
وبهذه المناسبة يقول النووى فى كتابه " الأذكار" ص 358 : ينبغى ألا يقال للقائم بأمر المسلمين " خليفة الله " بل يقال : الخليفة :
وخليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمير المؤمنين ، ولا يسمى أحد خليفة الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام ، ولم يرض أبو بكر قول رجل له :
يا خليفة الله ، وقال : أنا خليفة محمد صلى الله عليه و سلم وأنا راض بذلك يقول الماوردى فى كتابه الأحكام السلطانية " ص 15 " : إن الإمام سمى خليفة لأنه خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فى أمته فيجوز أن يقال :
يا خليفة رسول اللّه ، وعلى الإطلاق فيقال : الخليفة ، واختلفوا هل يجوز أن يقال :
يا خليفة الله ؟ فجوزه بعضهم لقيامه بحقوقه فى خلقه ، وامتنع جمهور العلماء من جواز ذلك ، ونسبوا قائله إلى الفجور(8/158)
أرضى الطوفان وأبناء نوح
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أين مكان الأرض التى وقع بها الطوفان فى عهد سيدنا نوح ، وما مدى صحة ما يقال عن أبنائه حام بأنه أب لكل الأفارقة ، وسام أب لكل عبرى وعربى، ويافث أب لكل الأتراك ؟
An الأرض التى وقع عليها الطوفان فى عهد نوح عليه السلام هى أرض العراق وهناك مكان يزعم الناس أنه المنطقة التى بلعت الماء حين قال الله تعالى{يا أرض ابلعى ماءك } هود : 44 .
وأما أبناؤه فليس فيهم خبر صحيح فى القرآن والسنة ، وقد ذكر القرطبى فى تفسيره "ج 7 ص 233" ما نصه : ذكر النقاش عن سليمان ابن أرقم عن الزهرى أن العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل اليمن من ولد سام بن نوح ، والسند والهند والزنج والحبشة والزط والنوبة وكل جلد أسود من ولد حام بن نوح ، والترك وبربر ووراء الصين ، يأجوج ومأجوج والصقالبة ، كلهم من ولد يافث بن نوح ، والخلق كلهم ذرية نوح .
فهذا الكلام ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وما ذكر ليس عقيدة نحاسب عليها(8/159)
عصمة إبراهيم عليه السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q صح فى حديث الشفاعة يوم القيامة أن إبراهيم امتنع عنها لأنه كذب على ربه ثلاث مرات ، فما هى هذه الكذبات وكيف يتفق ذلك وهو عصمة الأنبياء ؟
An روى البخارى ومسلم حديث الشفاعة وطلب الناس من إبراهيم عليه السلام أن يشفع لهم فامتنع وقال" إنى كذبت ثلاث كذبات " وهى قوله عندما سألوه عمن كسر الأصنام {بل فعله كبيرهم هذا} وقوله عندما نظر فى النجوم {إنى سقيم } وقوله عن زوجته سارة إنها أخته . وأجاب العلماء عن الأولى بأن إبراهيم لم يكذب ، بل أثبت أنه صادق ولكن بطريقة غير مباشرة ، أو كان صدقه قضية تحمل معها دليلها ، فلو كنت أنت مثلا خطاطا ماهرا ولا يجيد الكتابة أحد غيرك ، ثم سألك شخص أمى غير مجيد للكتابة وقال لك : أأنت كتبت هذا ؟ فقلت له باستهزاء : بل أنت الذى كتبته ، فالغرض هو إثبات الكتابة لك مع استهزائك بالسائل الذى ما كان ينبغى أن يوجه هذا السؤال الظاهر البطلان . ولذلك لما أجابهم إبراهيم عليه السلام بأن الذى كسر الأصنام هو كبيرهم رجعوا إلى أنفسهم يتهمونها بالغباء .
لاعتقادهم ألوهية من لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ، ولا يرد عن نفسه كيدا، ولكن العناد جعلهم يتمادون فى مجادلته وتكذيبه . ولجئوا أخيرا إلى التهديد باستعمال القوة والعنف ، وهو سلاح كل عاجز عن الاستمرار فى المحاجة المنطقية .
وأجابوا عن الثانية وهى قوله : {إنى سقيم } بأنه كان بالفعل سقيما ، وسقمه نفسى، وذلك من تماديهم فى الباطل على الرغم من قوة الحجة، كما قال الله تعالى فى حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} الكهف : 6 ، فقد أوهمهم إبراهيم أنه سقيم الجسم على ما كانوا يعتقدون من تأثير الكواكب فى الأجسام وهو فى الوقت نفسه سقيم النفس . وهذا الأسلوب من المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب .
وأجابوا عن الثالثة وهى وصف زوجته بأنها أخته - بأنه صادق فى هذا الوصف لأنها أخته فى الدين كما جاء فى صحيح الروايات ، وذلك ليخلصها من ظلم الجبار روى مسلم "ج 15 ص 123 بشرح النووى" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لم يكذب إبراهيم النبى عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ، ثنتين فى ذات الله : قوله إنى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم ، وواحدة فى شأن سارة ، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس ، فقال لها : إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتى يغلبنى عليك ، فإن سألك فأخبريه أنك أختى ، فإنك أختى فى الإسلام ، فإنى لا أعلم فى الأرض مسلما غيرى وغيرك ، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه فقال له : لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغى لها أن تكون إلا لك . فأرسل إليها فأتى بها ، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة فقال لها : ادعى الله أن يطلق يدى ولا أضرك ففلعت فعاد فقبضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضتين الأوليين ، فقال ادعى الله أن يطلق يدى فلكِ الله ألا أضرك ففعلت وأطلقت يده ودعا الذى جاء بها فقال له : إنما أتينى بشيطان ولم تأتنى بإنسان ، فأخرجها من أرضى وأعطها "هاجر " قال : فأقبلت تمشى فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف ، فقال لها "مَهيم " ؟ قالت : خيرا ، كف الله يد الفاجر وأخدم خادما" قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بنى ماء السماء .
اسم هذا الجبار مذكور فى ص 81 من المجلد الثانى من هذه الموسوعة . ومعنى "مهيم " ما شأنك وما خبرك ؟ ومعنى "أخدم خادما " أعطانى جارية تخدمنى وهى هاجر، والخادم يقع على الذكر والأنثى ، والمراد "بماء السماء" العرب كلهم لخلوص نسبهم وصفائه ، وقيل: لأن أكثرهم أصحاب مواش وعيشهم من المرعى والخصب وما ينبت بماء السماء ، وقيل : المراد بهم الأنصار نسبة إلى جدهم "الأدد" وكان يعرف بماء السماء .
جاء فى شرح النووى لهذا الحديث أن المازرى قال : إن الكذب الذى يعصم منه الأنبياء هو الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى، أما فى غير ذلك ففى إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف ، وذكر أن ما قاله إبراهيم عن سارة تورية وهى جائزة ، وليست كذبا ، ولو كان كذبا لكان جائزا فى دفع الظالمين ، فقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به ، وهذا كذب جائز بل واجب لكونه فى دفع الظالم ، ثم نقل عن المازرى قوله : لا مانع من إطلاق الكذب على ما حدث من إبراهيم كما أطلقه النبى صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فالتأويل صحيح لا مانع منه .
ثم حمل قوله {إنى سقيم } على أنه سيسقم لأن الإنسان عرضة للسقم ، وأراد به الاعتذار عن الخروج معهم إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم ، وقيل : سقيم بما قدِّر على من الموت ، وقيل : كانت تأخذه الحمى فى ذلك الوقت(8/160)
أين مات موسى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن أن نعرف المكان الذى مات فيه سيدنا موسى عليه السلام ؟
An مبدئيا نقول : ما هى الفائدة التى تعود علينا من معرفة المكان الذى مات ودفن فيه سيدنا موسى عليه السلام ؟ لقد أشرت إلى عدم أهمية ذلك فى صفحة 68 من المجلد السادس من هذه الفتاوى بخصوص المكان الذى دفن فيه آدم عليه السلام ، ويستفاد مما ذكره القرطبى فى تفسيره "ج 6 ص 129 " أن هناك خلافا فى كون موسى وهارون كانا مع بنى إسرائيل فى التيه الذى مكثوا فيه أربعين سنة ، فقال بعضهم : لم يكونا معهم ، لأن التيه عقوبة وهما لا يستحقانها ، ويؤيده قول موسى لما قعد بنو إسرائيل عن دخول الأرض المقدسة كما قال تعالى{قال رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } المائدة : 25 ، وقيل : كانا معهم لكن سهَّل اللّه الأمر عليهما كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم .
ثم قال القرطبى : وروى عن ابن عباس أن موسى وهارون ماتا فى التيه . وممن قال بذلك عمرو بن ميمون الأودى ، وكانا خرجا فى التيه إلى بعض الكهوف فمات هارون فدفنه موسى وانصرف إلى بنى إسرائيل ولما سألوه عن هارون وأخبرهم بموته شكوا فى قتله . فبرأ الله موسى بنطق هارون فى قبره .
وقال الحسن : إن موسى لم يمت بالتيه ، وقال الثعلبى : أصح الأقاويل أن موسى فتح أريحا ومكث بها ثم قبضه الله ولا يعلم بقبره أحد من الخلائق ، وذكر القرطبى حديث مسلم عن مناقشة موسى لملك الموت ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر فقد علم الرسول قبره ووصف موضعه ورآه فيه قائما يصلى كما فى حديث الإسراء ، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه اللّه عن الخلق سواه ولم يجعله مشهورا عندهم ، ولعل ذلك لئلا يعبد ، ويعنى بالطريق طريق بيت المقدس . ووقع فى بعض الروايات إلى جانب الطور مكان الطريق . ثم تحدث القرطبى عن لطم موسى عين ملك الموت وقد مر الحديث عن ذلك. ثم قال : إن عمر موسى كان مائة وعشرين سنة(8/161)
موسى وملك الموت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن موسى عليه السلام لطم ملك الموت عندما أراد أن يقبض روحه؟
An إضافة إلى ما تقدم فى صفحة 643 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أقول : روى مسلم عن أبى هريرة قال : أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه ، فرجع إلى ربه فقال :
أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت ، قال : فرد الله بليه عينه وقال : ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعره سنة، قال : أى رب ثم مَه ؟ قال ثم الموت ، قال فالآن . فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلو كنت ثمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر " .
قال القرطبى "ج 6 ص 132 " واختلف العلماء فى تأويل لطم موسى عين الملك وفقئها على أقوال ، منها : أنها كانت عينا متخيلة لا حقيقية ، وهذا باطل ، لأنه يؤدى إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له ، ومنها أنها كانت عينا معنوية ، وإنما فقأها بالحجة . وهذا مجاز لا حقيقة، ومنها أنه عليه السلام لم يعرف ملك الموت ، وإنما رأى رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه ، فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها . وتجب المدافعة فى هذا بكل ممكن ، وهذا وجه حسن ، لأنه حقيقة فى العين والصك . قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة ، غير أنه اعترض عليه بما فى الحديث ، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال : يا رب أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت ، فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت . وأيضا قوله فى الرواية الأخرى : أجب ربك . يدل على تعريفه بنفسه . والله أعلم .
ومنها أن موسى عليه الصلاة والسلام كان سريع الغضب ، إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته ، وسرعة غضبه كانت سببا لصكه ملك الموت . قال ابن العربى : وهذا كما ترى ، فإن الأنبياء معصومون من أن يقع منهم ابتداء مثل هذا فى الرضا والغضب .
ومنها -وهو الصحيح من هذه الأقوال -أن موسى عليه الصلاة والسلام عرف ملك الموت ، وأنه جاء ليقبض روحه ، لكنه جاء مجىء الجازم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من "أن الله لا يقبض روح نبى حتى يخيره " فلما جاء على غير هذا الوجه الذى أعلم ، بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه ، فلطمه ففقأ عينه امتحانا لملك الموت ، إذ لم يصرح له بالتخيير .
ومما يدل على صحة هذا أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم ، والله بنبيه أحكم وأعلم ، هذا أصح ما قيل فى وفاة موسى عليه السلام ، وقد ذكر المفسرون فى ذلك قصصا وأخبارا الله أعلم بصحتها، وفى الصحيح غنية عنها . وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، فيروى أن يوشع رآه بعد موته فى المنام فقال له : كيف وجدت الموت ؟ فقال : كشاة تسلخ وهى حية، وهذا صحيح معنى . قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح "إن للموت سكرات " انتهى ما قاله القرطبى .
وجاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص 14 : اخرج أحمد والبزار وصححه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان ملك الموت يأتى الناس عيانا ، فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه . .
. " فكان بعد يأتى الناس خفية وذكر العارف الشعرانى - بعد أن حكى رواية للإمام الترمذى بمثل هذا -إنما فقأ موسى عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل لأنه معصوم ، ولذلك لم يعاقبه الله على ذلك .
وجاء فى كتاب "تأويل مختلف الحديث " لابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة 276 هـ "ص 86" أن الله أعطى الملائكة قوة تتشكل بها كما تشاء، كما أعطى الجن هذه القوة، ثم قال : ولما تمثل ملك الموت لموسى عليه السلام ، وهذا ملك الله وهذا نبى الله ، وجاذبه لطمه موسى لطمة أذهبت العين التى هى تخييل وتمثيل ، وليست حقيقة، وعاد الملك إلى حقيقة خلقته الروحانية كما كان لم ينتقص منه شىء(8/162)
حمل مريم بعيسى عليهما السلام
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله تعالى عن نفخ الروح فى مريم وحملها بعيسى لولادته {فحملته فانتبذت به مكانا قصيا . فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة . . . } مريم : 22 ،23 ، فما هى مدة حمل مريم بعيسى ؟
An إضافة إلى ما تقدم فى صفحة 652 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أقول : ليس هناك نص صحيح يبين مدة حمل السيدة مريم عليها السلام بسيدنا عيسى عليه السلام ،يقول القرطبى فى تفسيره : وهذه القصة تقتضى أنها حملت واستمرت حاملا على عرف النساء وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر ، وقيل لتسعة وقيل لسنة ، والله أعلم ، وجاء فى تفسير ابن كثير لسورة مريم مثل هذه الأقوال وأن الجمهور على إنها حملت به تسعة أشهر، ثم ذكر أن ابن عباس سئل عن حَبَل مريم فقال : لم يكن إلا أن حملت فوضعت ، ثم قال :
وهذا غريب ، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى {فحملته فانتبذت به مكانا قصيًّا . فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} فالفاء وإن كانت للتعقيب -أى عدم التراخى -ولكن تعقيب كل شىء بحسبه ، كما قال تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة . فخلقنا العلقة مضغة . فخلقنا المضغة عظاما} المؤمنون : 12 -14 ، فهذه الفاء للتعقيب بحسبها، وقد ثبت فى الصحيحين أن بين كل صفتين أربعين يوما ، وقال تعالى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} الحج :
63 ، فالمشهور الظاهر-والله على كل شىء قدير-أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن ، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها، وكان معها فى المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس ، يقال له يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره وأنكر ذلك منها، ثم صرفه ما يعلم عن براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها ، ثم تأمل ما هى فيه فجعل أمرها يجوس فى فكره ، لا يستطيع صرفه عن نفسه فحمل نفسه على أن عرِّض لها فى القول ، فقال : يا مريم إنى سائلك عن أمر فلا تعجلى علىَّ قالت : وما هو؟ قال : هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غير أب ؟ فقالت نعم -فهمت ما أشار إليه - أما قولك "هل يكون شجر من غير حب ، وزرع من غير بذر " فإن الله خلق الشجر والزرع وأول ما خلقهما من غير حب ولا بذر،"وهل خلق ولد من غير أب " فإن الله خلق آدم من غير أب ولا أم ، فصدقها وسلم لها حالها ، انتهى ما قاله ابن كثير والله أعلم بصحة هذه المحاورة بين مريم ويوسف النجار، ولكن موضوعها صحيح فيما أجابت به مريم على أسئلته .
ومهما يكن من شىء فإن هذا لا نكلف به كعقيدة، وهو مدة حملها، والمهم أنها ولدته من غير زواج ولا طريق أخركما نصت عليه آيات القرآن الكريم(8/163)
رؤية النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يمكن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يقظة بعد وفاته ؟
An روى البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
" من رآنى فى المنام فسيرانى ، فى اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بى " .
لقد وضع الحافظ السيوطى رسالة فى روية النبى صلى الله عليه وسلم " مناما ويقظة سماها " تنوير الحلك فى إمكان رؤية النبى جهارا أو الملك " كما تحدث عنها غيره مثل القسطلانى فى المواهب اللدنية بشرح الزرقانى، وقد استخلصت من ذلك ما يأتي :
1 - رؤية النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام جائزة ، على خلاف فى رؤية الشخص أو المثال ، وما يحتاج إلى تعبير وما لا يحتاج إليه ، وذلك كرؤية الإنسان لأى شخص بعد وفاته .
2 -من راَه فى المنام فسيراه ، تحقيقا للوعد الذى جاء فى الحديث ، على خلاف فى هذه الرؤية إن كانت فى الدنيا أو فى الآخرة ، أو كانت لمن راَه حال حياته صلى الله عليه وسلم خاصة ، أو عامة لكل إنسان إلى يوم القيامة .
3-رؤيته يقظة بعد موته ليس هناك نص يمنعها، فهى ممكنة، على خلاف فى هذه الرؤية :
فإن كانت مثالية أى صورة يستحضرها الإنسان حتى تبدو كأنها الحقيقة فذلك لا مانع منه ، ويحمل عليه ما يراه بعض الصالحين ، وإن كانت روية شخصية وكان الرائى قد راَه فى قبره فذلك لا مانع منه ، كما رأى النبى صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام فى قبره ، وهى لأصحاب الكرامات ، والكرامات معترف بها كالمعجزات ، مع التحفظ على أن هذه الرؤية الشخصية ربما لا تكون تماما كالرؤية بالعين الباصرة المتعارفة عند الناس .
4 - حوادث رؤية النبى صلى الله عليه وسلم بعد موته كثيرة ، لكن أسانيد رواياتها ظنية ، وهناك مندوحة لعدم تصديقها ، والرائى لا بد أن يكون عدلا، وفى الوقت نفسه يكون متثبتا مما رآه ، كامل العقل والقدرة على الإخبار به كما حدث ، وبدون ذلك تقوى التهمة ، وكل راوٍ له استعداده فى التحمل والنقل ، والأداء ربما لا يعتبر تماما عن الرؤية .
5 -ما يُدَّعى أنه أمِرَ به أو نهى عنه فى الرؤية الشخصية لا يمكن أن يعارض الثابت فى القرآن والسنة .
6 -ينبغى لمن حصل له ذلك ألا يستغله استغلالا سيئا لمصلحة نفسه أو لغرض آخر لا يتفق مع الدين ، وهو حرٌّ فى تصديق ما يراه ، لكن لا يفرضه على غيره .
7-يجب الاهتمام بتنفيذ ما جاء فى القرآن والسنة، فالاعتصام بهما سبيل الهدى وحماية من الضلال ، والدين واضح وكامل وتام ليس فى حاجة إلى زيادات بعد ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة المجتهدين . وكل ما يقال عن الجديد فلا بد أن يأخذ شرعيته من أصول الدين .
8 -الخلاف فى مسألة الرؤية غير مفيد، والوقت الذى يبذل فيه تأييدا أو إنكارا ينبغى أن يبذل فيما هو أهم ، فالقضايا والمشكلات كثيرة، ومن مصلحة العدو أن ننصرف عنها إلى هوامش ليست من صحيح العقيدة الإسلامية وأصول التشريع .
9 - لا يجوز مطلقا أن يرمى أحد بالكفر لتكذيبه دعوى جواز الرؤية الشخصية للرسول صلى الله عليه وسلم أو وقوعها ، ولا أن يرمى أحد بالزيغ والضلال لمجرد القول بها ، فإذا تجاوزت الحد بأى نوع من التجاوز كان التفاهم بالحسنى لتصحيح الخطأ أو الحد من التعصب . 10 - مسألة الرؤية هذه ليست من العقائد المفروضة التى يترتب على إنكارها الكفر، فالعقائد لا تثبت إلا بما يفيد العلم اليقينى ولا يوجد عليها دليل فى القرآن الكريم ، ودليلها من السنة ليس قطعيا فى دلالته ، فالاحتمال موجود حتى على فرض قطعية الثبوت بالحديث الصحيح الذى لم يبلغ مبلغ التواتر(8/164)
الصلاة والسلام على غير الرسول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول الله سبحانه { إن الله وملائكته يصلون على النبى ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب : 56 ، فهل يجوز أن نصلى ونسلم على غير النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؟
An جاء فى كتاب " الأذكار " للنووى " ص 120 " أن إجماع من يعتدُّ به على جواز الصلاة واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا - أى يقال مثلا : موسى عليه الصلاة والسلام ، جبريل عليه الصلاة والسلام - وأما غير الأنبياء فالجمهور أنه لا يصلى عليهم ابتداء ، فلا يقال : أبو بكر صلى الله عليه وسلم .
واختلف فى هذا المنع ، فقال بعض أصحابنا - الشافعية - هو حرام ، وقال أكثرهم : مكروه كراهة تنزيه - أى لا عقوبة فيه - وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى وليس مكروها ، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه ، لأنه شعار أهل البدع ، وقد نهينا عن شعارهم ، والمكروه هو ما ورد فيه نهى مقصود . قال أصحابنا : والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة فى لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا "عَزَّ وجل " مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال : محمد عز وجل ، وإن كان عزيزا جليلا ، لا يقال : أبو بكر أو على صلى الله عليه ، وإن كان معناه صحيحا .
واتفقوا على جعل غير الأنبياء تبَعًا لهم فى الصلاة، فيقال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه ، للأحاديث الصحيحة فى ذلك ، وقد أمرنا به فى التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة .
وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا : هو فى معنى الصلاة فلا يستعمل فى الغائب ، فلا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال : على عليه السلام ، وسواء فى هذا الأحياء والأموات ، وأما الحاضر فيخاطب به ، فيقال : سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم . وهذا مجمع عليه . انتهى كلام النووى .
وجاء فى " غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 21 " اختلف العلماء فى الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، هل تجوز استقلالا أو لا، فقال ابن القيم فى " جلاء الأفهام " هذه المسألة على نوعين ، أحدهما أن يقال : اللهم صلى على آل محمد ، هذا يجوز، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلا فى اله ، فالإفراد عنه وقع فى اللفظ لا فى المعنى . والثانى أن يفرد واحدا بالذكر، كقوله : اللهم صلى على علىٍّ أو حسن أو أبى بكر أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم ، فكره ذلك مالك ، قال : لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبى حنيفة وسفيان بن عيينة وسفيان الثورى ، وبه قال طاووس . وقال ابن عباس رضى الله عنهما : لا تنبغى الصلاة إلا على النبى صلى الله عليه وسلم ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز. روى ابن أبى شيبة عن جعفر بن برقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد ، فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القصَّاص قد أحدثوا فى الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبى صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاء كتابى فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة .
وهذا مذهب أصحاب الشافعى ولهم ثلاثة أوجه ، أنه منع تحريم أو كراهة تنزيه أو من باب ترك الأولى وليس بمكروه ، حكاها النووى فى الأذكار .
ثم قال : وقالت طائفة من العلماء : تجوز الصلاة على غير النبى استقلالا، قال القاضى أبو حسين الفرَّا من أئمة أصحابنا - فى رؤوس مسائله - :
وبذلك قال الحسن البصرى ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير، وهو قول الإمام أحمد رضى الله عنه ، مض عليه فى رواية أبى داود، وقد سئل أينبغى أن يصلى على أحد إلا على النبى صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أليس قال على لعمر: صلى الله عليك ؟ قال القاضى : وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبرى ، واحتج هؤلاء بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة ، واختار ابن القيم الجواز ما لم يتخذه شعارم أو يخص به واحدا إذا ذكَر دون غيره ولو كان أفضل منه ، كفعل الرافضة مع على دون غيره من الصحابة فيكره ، ولو قيل حينئذ بالتحريم لكان له وجه ، هذا ملخص كلامه .
ثم تحدث السفارينى عن السلام هل هو كالصلاة خلافا ومذهبا أو ليس إلا الإباحة فيجوز أن يقول : السلام على فلان ، وفلان عليه السلام ؟ أما مذهبنا - الحنبلى- فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبى صلى الله عليه وسلم استقلالا بالأولى، وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجوينى، فمنع أن يقال : فلان عليه السلام ، وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا: السلام يشرع فى حق كل مؤمن حى وميت حاضر وغائب ، فإنك تقول : بلغ فلانا منى السلام ، وهو تحية أهل الإسلام ، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا يقول المصلى : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
ثم ذكر السفارينى أن الصلاة على غير النبى صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة جائزة بطريق التبعية(8/165)
علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل " ؟
An لم أر نصا لهذا الحديث منسوبا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بسند صحيح ، ومما قرأته فى فضل العلماء وعلو منزلتهم بعد قول الله تعالى{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة : 11 ، قرأت فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 1 ص 6 " حديثا يقول " أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد ، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل ، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل " وفى تخريج العراقى جاء أن الذى رواه أبو نعيم فى فضل العالم العفيف من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ، كما قرأت حديثا رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه جاء فيه " والعلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم . . . . . " .
وكل ذلك إشادة بقدر العلماء وقربهم من درجة النبوة لأنهم ورثة الأنبياء ، لكن التصريح بأنهم كأنبياء بنى إسرائيل لم أعثر له على حديث صحيح .
بل حكم بعض الباحثين بأنه واه ، والواهى فى درجة الموضوع " مجلة الإسلام -المجلد الرابع -العدد 29 " . جاء فى الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 158 " أن هذا الخبر قال عنه الحافظ ابن حجر، ومن قبله -الدميرى والزركشى، إنه لا أصل له : زاد بعضهم : ولا يعرف فى كتاب معتبر، وسئل عنه الحافظ العراقى فقال : لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ، ويغنى عنه "العلماء ورثة الأنبياء " وهو حديث صحيح(8/166)
صلاة لرؤية الرسول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك صلاة يصليها الإنسان ليرى الرسول صلى الله عليه وسلم فى المنام ؟
An وجد فى بعض الكتب عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسى مرة ، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ، ويقول فى آخر صلاته : اللهم صل على محمد النبى الأمى ألف مرة، فإنه يرآنى فى المنام ، ولا تتم له الجمعة الأخرى إلا وقد رآنى، ومن رآنى فله الجنة وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " .
معلوم أن الصلاة خير موضوع ، وأن قراءة القرآن ثوابها عظيم ، وان رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يتشوف إليها كل مؤمن ، ولكن ورود هذه الكيفية لرؤيته لم يصح بها حديث منسوب إليه صلى الله عليه وسلم . ولو كان ذلك صحيحا لجربه كل الناس واستمتعوا برويته مناما فى كل ليلة أو فى ليال كثيرة .
ولا أعرف أثرا آخر يرشد إلى وسيلة يرى بها النبى صلى الله عليه وسلم ، وإن كان من الجائز أن من اشتد حبه للرسول عن طريق العمل الخالص بسنته ، وكان على ذاكراته كثيرا - من الجائز أن يكرمه الله ويحقق له ما يريد، وهو أمر معروف مع كل من نام وهو مستغرق فى الفكر نحو شىء معين(8/167)
حديث " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللّه إلا بعدا وكثير من الناس يصلون ومع ذلك لا ينتهون عن الفحشاء والمنكر فهل نقول لهؤلاء : لا تصلوا ما دامت صلاتكم لا تنفع ؟
An يقول اللَّه سبحانه {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت :45 ، والمعنى أن الصلاة إذا أديت تامة بأركانها وشروطها وبخشوعها قوت الإيمان باللَّه والخوف من معصيته واستقام بها السلوك ، أما إذا أديت على غير هذا الوجه فإنها لا تفيد المصلى ، لا في عقيدته ولا في سلوكه .
وبقدر ما يكون في الصلاة من الإتقان وباطنا يكون الثواب من اللَّه ويكون تأثيرها على المصلي ، وقد جاء فى حديث أبي داود والنسائي وابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها" وذلك كله حث على أدائها كاملة الأركان والشروط ، ومن أهمها الإخلاص والخشوع .
والقول المذكور فى السؤال موقوف على ابن مسعود ، وليس من كلام النبى صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد فى مسنده ، وإن رفعه ابن جرير فهو مرسل من حديث الحسن سقط منه الصحابى، ورواه الطبرانى وابن مردويه بإسناد لين كما فى تخريج العراقى لأحاديث إحياء علوم الدين .
وليس معنى هذا الكلام أننا لا نصلى ما دامت الصلاة لا تقوم سلوكنا ، أو أننا إذا صليناها كانت صلاة باطلة غير صحيحة ولابد من إعادتها على الوجه المطلوب ، كما لا ينبغى أن نجزم بأن اللَّه لم يقبلها فذلك موكول إلى اللّه سبحانه ، والواجب أن نستمر فى أداء الصلاة مع محاولة إتقانها بكل ما يلزم لها ، والمجاهدة فى سبيل ذلك قد يفتح اللَّه بها القلوب ، والاتصال باللّه على أى نحو من الأنحاء خير من الانقطاع عنه "راجع قول ابن عطاء اللَّه السكندرى فى عنوان شرود الذهن فى الصلاة "(8/168)
حديث " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها" ؟
An ذكر الإمام الغزالى هذا الحديث في كتابه "الإحياء" عندما تحدث عن اشتراط الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها، وعقب عليه العراقي في تخريجه للأحاديث بقوله : لم أجده مرفوعًا ، أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى محمد بن نصر المروزى في كتاب الصلاة من رواية عثمان بن أبي دهرش مرسلا-يعني سقط منه الصحابي -"لا يقبل اللَّه من عبد عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه " ورواه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من حديث أبيّ بن كعب ، ولابن المبارك في الزهد موقوفًا على عمار "لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه " .
فالمعنى صحيح ، ولكن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليست صحيحة، وترجع صحة المعنى إلى أن اللَّه سبحانه وتعالى قد تحدث عن الصلاة التي تؤدي إلى الفلاح فقال {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون } المؤمنون : 1 ، 2 ، .وقال {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } البقرة :
45 ، والخشوع يكون يفهم ما يقوله المصلي ويفعله ، أما الساهي والغافل فلا خشوع له(8/169)
البشارات بالنبى صلى الله عليه وسلم فى كتب الهند
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل توجد بشارات بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الكتب المقدسة عند الهنود ؟
An من المعلوم أن الكتب السماوية السابقة بشرت بالنبى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى{الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل } الأعراف : 157 ، كما أن من المعلوم أن جميع الأنبياء السابقين أخذ الله عليهم العهد أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا أدركوه ، قال تعالى{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } آل عمران : 181 .
كما أن من المعلوم أيضا أن الله أرسل رسلا كثيرة، منهم من قص أسماءهم وأخبارهم على النبى صلى الله عليه وسلم ومنهم من لم يقص عليه ، ولم تخل أمة من الأمم إلا أرسل الله إليها رسولا، حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، قال تعالى {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } النحل : 36، .
وقد أنزل الله كتبا على هؤلاء الرسل ، لا نعرف منها إلا ما قصه علينا القرآن الكريم من صحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وقرآن محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
لكن هل أرسل الله رسلا فى الهند، وهل أنزل عليهم كتبا؟ ذلك ما لم يثبت بدليل قاطع ، لأن الرسول قد يطلق على النبى الموحى إليه برسالة يبلغها، وقد يطلق على من يرسله النبى إلى جماعة لتبليغهم .
كما قيل فى قوله تعالى{واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون } يس : 13، 14، حيث قال المفسرون إنهم موفدون من قِبَلِ سيدنا عيسى عليه السلام ، وقد يكون لجماعة من الرسل كتاب واحد يتابعون الدعوة إليه كأنبياء بنى إسرائيل من بعد موسى والتوراة التى نزلت عليه .
ومن المعروف تاريخيا أن الهند من قديم الزمان فيها ديانات ، من أقدمها البرهمية أو البراهمانية التى نشأت قبل الميلاد بنحو اثنى عشر قرنا ، وكذلك البوذية التى نشأت فى القرن السادس قبل الميلاد ومنها الهندوسية التى حاربها الآريون الوافدون على الهند قبل الميلاد ، بأكثر من قرن ونصف ، وهى أشبه بالمذهب الفلسفى، حيث لا يعرف لها نبى معين ولا كتاب مقدس واحد بالذات .
والنصوص المقدسة فى الهند مكتوبة باللغة السنسكريتية القديمة التى من أشهرها : الفيدا والأوبانيشاد . والديانة البرهمية متعددة الآلهة التى يقسمونها إلى ثلاث مجموعات ، أقواها : فيشنو وشيفا .
وما دامت هذه الديانات وضعية وكتبها كذلك وضعية فكيف يتسنى لها أن تبشر بنبى يبعث آخر الزمان ؟ أنا لم أعثر على ما يفيد بشارة هذه الكتب بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت هناك مشابهة إلى حد كبير بين نصوص فى بعض هذه الكتب الهندية ونصوص فى الكتب السماوية المقدسة عند اليهود والنصارى ، لا أعلم أيها أسبق من الأخرى ، ونحن نعلم أنها ليست جميعها وحيا صحيح النسبة إلى الله سبحانه كما قرر القرآن الكريم(8/170)
حفظ أربعين حديثا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذا الحديث صحيح " من حفظ على أمتى أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله فى زمرة الفقهاء والعلماء " ؟
An الذى ورد هو "من حفظ على أمتى أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة" رواه ابن عدى عن ابن عباس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ورواه ابن النجار عن ابن سعد مرفوعا بلفظ "من حفظ على أمتى أربعين حديثا من سنتى أدخلته يوم القيامة فى شفاعتى " .
أشار السيوطى فى الجامع الصغير إلى الرواية الأولى بالضعف ، وأيده فى ذلك المناوى فى "فيض القدير" وقال : روى من طرق عدة عن بعض الصحابة ، ولكن الأسانيد كلها ضعيفة وإن كانت كثرة الطرق تعطيه قوة، قالى ابن عساكر: وأجود طرقه خبر معاذ مع ضعفه .
وأشار السيوطى إلى الرواية الثانية بالصحة ، ولكن يبدو أن الإشارة خطأ مطبعى، لأن المناوى لم يتعرض لها ولكن قال : إن الحديث ضعيف وعلى هذا فالروايتان ضعيفتان "فيض القدير ج 6 ص 119 "(8/171)
الإثم ما حاك فى الصدر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى الحديث الشريف " الإثم ما حاك فى الصدر وتخشى أن يطلع عليه الناس " ؟
An روى أحمد عن وابصة بن معبد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له "يا وابصة ، استفت قلبك ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " ورواه مسلم بلفظ "البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " وروى البغوى مصابيح السنة "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". تدل هذه الأحاديث على أن هناك قوة باطنة تستطيع أن تميز بين الخير والشر، بالاطمئنان إلى الأول وعدم الارتياح إلى الثاني ، وجاء التعبير عن هذه القوة مرة بالنفس وأخرى بالقلب ، وثالثة بالصدر، وقد تحدث عنها الإمام الغزالى فى شرح عجائب القلب ، وفى المراقبة والمحاسبة ، ويعبر عن هذه القوة حديثا باسم الضمير .
إن هذه الأحاديث تبين قيمة الضمير الذى تربى تربية دينية . فهو يحس بالخير والشر على ضوء هذه التربية . وذلك ما كان عليه الصحابة والسلف الصالح ، الذين لم تلوث ضمائرهم فلسفات ولا نزعات أخرى. والضمير الدينى الحى لا يستسيغ الشر ، ويكره أن يطلع الناس عليه لو فعله ، فهو يستحى منه ، والحياء شعبة من شعب الإيمان .
وهذا مقياس لمن تربى ضميره على الخير. أما من تربى ضميره على الشر والمبادئ البعيدة عن الدين فمقياس الخير والشر عنده غير سليم ، وأصحاب الضمائر الحية هم أصحاب النفوس الراضية المرضية المطمئنة التى وصلت إلى هذه الدرجة عندما كانت تحس بالسوء وتفعله ، فيكون اللوم والعتاب ، ويكون الحياء من العود إليه ، قال تعالى{ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها} الشمس : 7- 10 ، .
وقد تصل قوة هذا الضمير عند ذوى المروءات والهمم العالية والإحساس المرهف والمراكز الكبيرة إلى درجة أن بعض المباحات التى تستساغ من غيرهم يرونها محرمة عليهم غير لائقة بهم ، ويكرهون أن يطلع الناس عليهم وهم يزاولونها . لأنها ستكون موضع نقد لاذع بالنسبة لمقاماتهم ، وذلك على حد قولهم : حسنات الأبرار سيئات المقربين .
وأحذر ثم أحذر من أن يتخذ كل إنسان هذا الإحساس مقياسا لكل ما يصدر منه ، فذلك خاص بمن تربوا تربية دينية سليمة ، ولم يجدوا نصا فى أمر، فيرجعون إلى ضمائرهم الطيبة لاستفتائها فى هذا الأمر، أما أن يتخذه آخرون ممن يجهلون أحكام الدين ولا يبالون بها مقياسا لما يصدر منهم ، فذلك اتباع للهوى، وقد يفضلون هذا الإحساس على المنصوص عليه ، وفى ذلك يقول الله سبحانه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله } الجاثية : 23،(8/172)
الإناء يستغفر للاعقه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " الإناء يستغفر للاعقه " وكيف يصح هذا مع أنه من مستهجنات العصر ؟
An يتصل بهذا السؤال سؤال آخر وهو لعق الأصابع ، وسيكون الجواب فى نقطتين .
النقطة الأولى لعق الأصابع : روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل كما يأكل أصحابه بأصابعهم ، وكان يلعق أصابعه بعد الأكل .
وأوصى أصحابه بذلك قبل أن يمسحوها بمنديل ونحوه ، كما رواه مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال "إنكم لا تدرون فى أى طعامكم البركة" وجاء فى رواية لمسلم أيضا عن أنس :
وأمرنا أن نسلت القصعة والسَّلْت -كما فسره النووى- هو المسح وتتبع ما بقى فى القصعة من الطعام "ج 13 ص 207" .
فى هذا الإرشاد نظافة وعدم ضياع شيء من الطعام ، فهو هدى صحى واقتصادى .
(ا) فلعق الأصابع تنظيف لها قبل أن تمسح بالمنديل ونحوه ، وهو يكون بعد الانتهاء من الأكل ، وأما فى أثناء تناول الطعام فيكره لعق الأصابع ، لأن الريق سيخالط ما فى الإناء ، والنفوس تعاف ذلك ، وقد يكون وسيلة لنقل بعض الأمراض ، "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 2 34 وغذاء الألباب للسفارينى ج ا ص 9 0 2 " .
(ب) أما لعق الصحفة أى الإناء الذى فيه الطعام كالثريد الذى كانوا يأكلونه بأصابعهم ، فيصور بصورتين ، الأولى أن يكون باللسان ، والثانية أن يكون بطريقة السلت أى مسح ما بقى من الطعام فى الإناء ثم لعقه بالإصبع .
وإذا كان الآكل شخصا واحدا من إناء خاص وليس طعاما لجماعة، فيمكن أن يلعق الإناء بلسانه ، ويمكن أن يمسحه بالإصبع ثم يلعق أصبعه ، أى أن اللعق يمكن أن يكون بإحدى الصورتين ، ولا عيب فى ذلك ولا ضرر .
أما إذا كان الإناء فيه طعام لجماعة يأكلون منه فإن اللعق باللسان لا يتصور منهم جميعا، بل يكون من شخص واحد بعد انتهائهم جميعا من الأكل ، وأما السلت بالأصابع فيتصور أن يكون من أكثر من شخص ، حيث يتتبع كل آكل بأصبعه ما توارى أو بقى فى جوانب الصحفة أو الإناء ، فيأخذه ويأكله ، وهذا أمر تعودوا عليه ولا يرون فيه بأسا ، وإن كانت تعافه بعض النفوس الأخرى .
والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التى يتواضع عليها الناس ، فلا يبقى فى الإناء طعام يلقى ويضيع ، أو يترك ليتعفن ويفسد إن لم يغسل بل نلتقطه بالملعقة أو الشوكة أو السكين ونحو ذلك ، بل يندب أن يلتقط ما وقع من الطعام وينظف ويؤكل ولا يترك للشيطان كما جاء فى صحيح مسلم .
هذا، وقد جاء فى "الأوائل " للسيوطى أن أول من اتخذ الملعقة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام "غذاء الألباب ج 2 ص 83" .
النقطة الثانية استغفار الإناء : المراد من ذلك هو الحث على النظافة والترغيب فى عدم شيء يسبب القذارة ، أو يضيع دون فائدة ، وقد جاء فى ذلك حديث رواه الترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم ، وقال عنه الترمذى : حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط فى سلسلة الرواة-والغريب قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا-هذا الراوى الواحد قالوا : إنه هو المعلَّى بن راشد الذى رواه عن أم عاصم نبيشة ، ورواه عنه كثيرون كما ذكر فى "تحفة الأحوذى شرح الترمذى" انظر : أسد الغابة فى معرفة الصحابة رقم 5091 والزرقانى على المواهب ج 4 ص 342 - والحديث بلفظ "من أكل طعاما فى آنية ثم لحسها استغفرت له القصعة" قال الزرقانى : حقيقة وشكرًا لفعله .
يعنى الاستغفار حقيقى، وحكمته شكر اللاعق على تنظيفه وبُعد الشيطان عن لعقه .
ولا مانع شرعا ولا عقلا أن يخلق الله فى الجماد تمييزا ونطقا، ويؤيده رواية الديلمى "استغفرت له القصعة فتقول : اللهم أجره من النار كما أجارنى من لعق الشيطان " .
وقيل : إن الاستغفار كناية عن حصول المغفرة له ابتداء، لأنه لما كان حصول المغفرة بواسطة لحسها غفر له ، ولما كانت المغفرة بسبب لحسها كأنها تطلب له الغفران. هكذا فسروه .
هذا ما ورد، ولا يجوز أن يعلق عليه بالاستنكار، وبخاصة بعد توضيح المعنى، والعرف إذ ذاك كان يقبله ، والنتيجة هى الحث على النظافة والاقتصاد .
وبهذه المناسبة سئل بعض العلماء عن هذا الحديث وعن حديث "إذا أكلتم فأفضلوا" فقال ما نصه : هذان حديثان لا أصل لهما "مجلة الإسلام - المجلد الرابع - العدد 36" وقد علمت أن حديث لعق الإناء والاستغفار للاعقه ورد بطريق صحيح ، أما حديث "إذا أكلتم فأفضلوا "فلم أعثر له على تخريج مقبول حتى الآن(8/173)
حديث عن الشباب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "عجب ربك من شاب ليست له صبوة" ؟
An روى الإمام أحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يعجب ربك من الشباب ليست له صبوة" والصبوة هى الميل والانحراف ، أورد الإمام الغزالى هذا الحديث فى كتابه "إحياء علوم الدين " عند كلامه عن التوبة ، وقال : إن الناس قسمان ، شاب لا صبوة له ، نشأ على الخير واجتناب الشر، وقال : إن هذا القسم عزيز نادر .
والعراقى فى تخريجه لأحاديث الإحياء قال : إن هذا الحديث فى سنده "ابن لهيعة" ولم يقل : إنه صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع ، ذلك لأن ابن لهيعة اختلف علماء الحديث فى قبول روايته وعدم قبولها . ومن الذين قبلوا روايته مطلقا أحمد بن حنبل والثورى وابن وهب وابن معين ، ومن الذين رفضوا روايته مطلقا يحيى بن سعيد والنسائى والترمذى والحاكم ، وبعض منهم قبلوا روايته قبل احتراق كتبه ، منهم ابن حبان وابن خزيمة ، والراجح فى أمره ما ذكره ابن حجر من أنه صدوق يحتج به قبل التخليط وقبل احتراق كتبه ، والتخليط مرض يؤثر على الضبط .
والحديث على الرغم من الاختلاف فى سنده صحيح المعنى ، لأن الشاب المستقيم الذى نشأ فى طاعة الله ولم ينحرف جاء الحديث الصحيح بأنه سيكون من السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ذلك أن الشاب فى فترة شبابه تتجاذبه عدة عوامل تغريه بالخطأ فغرائزه قوية قد يضعف العقل أمام سلطانها ، وإذا خاف الشاب ربه من تلبية نداء غرائزه بدون حدود عاش فى جهاد وعراك ومغالبة لينتصر على شهواته ، وهذا الجهد المبذول يقدره الله حق قدره ، ويكافئ عليه صاحبه بما يتناسب مع إيمانه وخوفه من ربه .
والتعبير فى الحديث بأن الله يتعجب من الشاب الذى ليست له صبوة يراد به الرضا عنه رضاء كبيرا، ففيه مشاكلة لما يحدث بين الناس من التعجب والدهشة للأمر الغريب الذى يخرج عن المألوف .
وقد ينتهى التعجب والاستغراب بعد معرفة الأسباب إلى الإعجاب والإكبار، أو يكون هو المراد من الحديث ، ويشبهه ما جاء فى حديث رواه أبو داود والنسائى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يعجب ربك من راعى غنم فى رأس شظية للجبل ، يؤذن للصلاة ويصلى ، فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدى هذا ، يؤذن ويقيم الصلاة يخاف منى ، قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة" .
ذلك أن الراعى فى عمله الشاق وفى بعده عن أنظار الناس لا ينسى واجبه نحو ربه الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء ، فيؤذِّن للصلاة ويؤديها مخلصا للّه وحده راجيا ثوابه خائفا من عقابه ، وكثير من الناس فى مثل هذه الحالة لا يهتمون بأداء الواجب ، لأن أحدًا لن يؤاخذهم ، فهم فى خفاء عنه ، ناسين أن الله رقيب عليهم .
فالحديث صحيح فى معناه لأن النصوص القوية تشهد له ، وهو دعوة إلى الإخلاص والمراقبة فى كل عمل ، ومجاهدة السوء مهما كانت مغرياته(8/174)
السنة النبوية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد إلقاء الضوء على الجهود التى قام بها المسلمون للمحافظة على السنة النبوية من جهة السند والمتن ، وما يجب علينا نحوها فى هذه الأيام ؟
An السنة النبوية لها عدة معان فالسنة فى اللغة : هى الطريقة والمنهج ، منها قول النبى صلى الله عليه وسلم "فعليكم بسنتى ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "رواه الترمذى وغيره وقال : حسن صحيح أى طريقتى- والسنة فى اصطلاح الفقهاء هى ما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه كصلاة الضحى مثلا، والسنة فى اصطلاح المحدِّثين هى ما أضيف إلى النبى صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو وصفا أو تقريرا . وهناك أهل السنة عند المتكلمين فيما يقابل الطوائف الأخرى ، وتحقيق هذه السنة أى المحافظة عليها وإخراج الدخيل منها ودفع الشبه عنها ، والاحتراس عند روايتها ، هذا التحقيق بدأه النبى صلى الله عليه وسلم لأن القرآن كان إذا نزلت منه آيات أو سورة ، أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما نزل ونهى أولا عن كتابة الحديث حتى لا يختلط كلامه بكلام الله سبحانه . ثم بعد ذلك رخَّص لبعض الصحابة فى كتابة الأحاديث كعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه ، والصحابة عندما لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى احتاجوا فى بعض الأحيان إلى أحكام فقهية لم يجدوها فى كتاب الله تعالى فكان يسأل بعضهم بعضا هل سمع فى هذه الحادثة شيئا عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وقبل أن يلحق الرسول عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى قال هذا الحديث "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخارى ومسلم ، وهذا هو الأصل فى تحقيق السنة، فكان الصحابة يتحرَّجون كثيرا من رواية السنة، وكان لبعض الخلفاء مواقف شديدة ضد الذين يكثرون من روايتها وموقف عمر رضى الله عنه معروف من أبى هريرة وابن مسعود ، وأبى مسعود الأنصارى .
استأذن أبو موسى على عمر ثلاث مرات فلم يؤذَن له فولَّى ، فناداه عمر وقال : "لم ولَّيت "؟ فذكر له أنه سمع حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم يفيد هذا المعنى "إذا استأذن أحدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع " رواه البخارى ومسلم فقال : والله لا أتركك حتى تأتى لى بمن يشهد معك أنك سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتركه حتى جاء بمن شهدوا معه أن هذا القول منسوب إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
وسيدنا أبو بكر رضى الله عنه كما قرأت فى كتاب تاريخ التشريع للشيخ محمد الخضرى ، جمع الصحابة أو نادى فى الصحابة وحذرهم من أن يحدثوا عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث يختلفون فيها فالناس بعدهم أشد اختلافا .
وإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما أرسل بعض الصحابة إلى الأمصار قال لهم : "إنكم ستأتون قوما عكفوا على كتاب ولهم بقراءته دوى كدوى النحل ، لا تشغلوهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
مرت الأيام والصحابة والتابعون يعرفون أنهم فى حاجة إلى معرفة بعض الأحكام المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نعلم أن السنة قد جاءت بأمور ليست مذكورة فى القرآن الكريم ، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وتحريم لحوم الحمر الأهلية وغير ذلك ، والله سبحانه وتعالى قد أعطى التفويض للرسول عليه الصلاة والسلام فى أن يبين للناس ما نزل إليهم وهذا التفويض مذكور فى عدة آيات منها قوله تعالى{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7 ، وقوله {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } التغابن : 12 ، وقوله تعالى : {من يطع الرسول فقد أطاع الله } النساء : 80 ، اشتدت الحاجة إلى معرفة ما أُثر عن الرسول عليه الصلاة والسلام كلما تقدم الزمن ففكر بعض الولاة أو بعض الأمراء فى جمع ما يمكن من هذه الأحاديث ، وكان ذلك فى أيام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه .
وظهر فى هذا المجال ابن شهاب الزهرى وجمع ما استطاع أن يجمعه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم أو من المأثور عنه ، وظهر بعد ذلك الإمام مالك رضى الله عنه ودوَّن فى موطئه ما استطاع من الأحاديث وأقوال الصحابة ، ثم جاء أحمد بن حنبل رضى الله عنه وعُنِىَ عناية كبيرة بجمع الأحاديث والبحث في فقهها، ثم انتهى الأمر إلى البخارى ومسلم فى تصيد الأحاديث الصحيحة وتدوينها ، وقد دوَّنا فى صحيحيهما ما كان فى أعلى درجات الصحة بحسب المقاييس التى وضعت لقبول الحديث ، والذى عمل على ذلك أنهم رأوا أن أحاديث كثيرة وضعت على النبى صلى الله عليه وسلم لأغراض سياسية ، أو لأغراض مذهبية وبعضها وضع كما يقول المؤرخون لأغراض شرعية بحسن نية كأحاديث الترغيب فى فضائل الأعمال أو فى سور القرآن الكريم ، فلما كثرت هذه الأحاديث ، كان جهد البخارى ومسلم وأمثالهما لتنقية أو لاصطفاء ما تطمئن إليه قلوبهم من هذه الأحاديث الكثيرة ، ومن الظواهر الخطيرة فى التلبيس على الناس ليعتقدوا أن ما يروونه هو منسوب إلى النبى أنهم كانوا يأتون ببعض الأسانيد الموثوق بها ثم يضعون لها حديثا من عند أنفسهم ، وفى هذا الجو وضع أو نُظم فن مصطلح الحديث ، الذى عُنى بنقد أحوال الرواة ، وظهرت كتب الجرح والتعديل بهذه الموازين الدقيقة ذات المراتب التى يعجب الإنسان لها ، وما كانوا يحكمون على راو من الرواة بأنه صادق ، أو حجة ، أو لا بأس به ، أو يؤخذ منه ويترك إلا بعد ممارسة ومعايشة ودقة فى معرفة أحوال هؤلاء الناس ، وقد سمعنا أن الإمام البخارى كان لا يطمئن لحديث سمعه من أحد إلا إذا عامله أو سأل عنه من يثق به وربما سافر مسافات طويلة حتى يعايش هذا الإنسان ، وكان لا يكتب حديثا كما سمعنا فى سيرته إلا إذا استخار الله سبحانه وتعالى وصلى ركعتين حتى يطمئن قلبه إلى ما يكتبه واصطفى ذلك من أحاديث كثيرة صحيحة ولكنه اختار أصح ما يمكن فى نظره .
عند هذا القرن الرابع الهجرى وبعده أيضا وجدت كتب أخرى تجمع الأحاديث ، بعد هذه الكتب المشهورة المعروفة صحيح البخارى ، ومسلم والموطأ ومسند أحمد ، والسنن الأربعة ، وصحيح ابن حبان ، وابن خزيمة وغيره ، بعد هذه الكتب أصبح الناس عالة عليها فى رواية حديث النبى صلى الله عليه وسلم .
وهناك نقطة هامة جدا هى : ماذا نعمل فى بعض الأحاديث التى يكون ظاهرها متناقضا إما مع القرآن الكريم وإما مع بعض المرويات من السنن وإما مع مقررات العقل والدين ؟ هذه نقطة خطيرة هى التى نحتاج إليها فى هذه الأيام ، أما السند فقد انتهينا منه والكتب موجودة ، هذه النقطة مهمة جدا وهى البحث فى متن الحديث ، لأن المتن أحيانا كان يركب على سند موثوق به ، والله أعلم بصحة هذا المتن ونسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
قام ابن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث وبحث فى بعض هذه الأحاديث التى فيها خلاف أو تناقض مع أحاديث أخرى ، وقام بجهد مشكور فى هذا المجال ، لكننا محتاجون فى هذه الأيام بالذات إلى مقابلة ما يأتى فى بعض الأحاديث مناقضا لبعض الأحاديث الأخرى، وما يأتى من الأحاديث فى ظاهره أنه مناقض لما وجد فى الكتاب والسنة ، وفى ظاهر بعضها أنه مناقض للعلم ، لأن هناك حملات شرسة كبيرة جدا على السنة، حملة أتت من جهة السند من الذين يشككون فى الرجال بل يشككون فى الصحابة أيضا ، وكم أثاروا من خلافات وكتبوا كتبا قد تنزع الثقة من هؤلاء الأبطال الذين نقلوا إلينا الأحاديث والذين نقلوا إلينا القرآن الكريم ، وهى خطوة فى الشك أيضا فى الطرق الذى حمل إلينا القرآن الكريم .
وهناك من يطعن فى بعض الأحاديث العلمية التى جاءت عن النبى صلى الله عليه وسلم .
وأرجو أن يتابع المهتمون هذه الدراسات ، حتى تخلص لنا أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وحتى يطمئن المسلمون إليها .
راجع مقدمة "المغنى عن الحفظ والكتاب " للموصلى، هدية مجلة الأزهر- ذى القعدة 1403 هـ(8/175)
النبى الأمى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأت فى بعض الكتب الحديثة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب ، لأن الله قال له " اقرأ " فلبى أمره ، والأمية المنسوبة إليه فى القرآن هى أمية الدين والإيمان فهل هذا صحيح ؟
An قال تعالى {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون } العنكبوت : 48 ، وقال تعالى {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل } الأعراف : 157 .
تدل الآية الأولى، على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول القرآن عليه أميا لا يقرأ ولا يكتب وتدل الآية الثانية على أن أهل الكتاب كانوا يعرفونه فى كتبهم بذلك ، وهذا أمر لا يختلف فيه أحد، والحكمة فى أميته بينتها الآية ، وهى منع اتهام الكافرين له بأن القرآن أخذه عن غيره من الناس ، أو نقله من الكتب السابقة ، أما بعد نزول القرآن عليه فاختلف العلماء فى كونه بقى على أميته ، أو أنه تعلم القراءة والكتابة، فقال بعضهم : إن الأمية زالت عنه ، واستدلوا بأدلة ثلاثة ، أولها ما جاء فى البخارى أنه غيَّر فى صحيفة صلح الحديبية عبارة "محمد رسول الله " إلى "محمد بن عبد الله " ولا يحسن أن يكتب ، وثانيها أنه قرأ صحيفة لعيينة بن حصن وأخبر بمعناها ، وثالثها أنه قال عن المسيح الدجال "مكتوب بين عينيه كافر" .
وقال الجمهور: إنه صلى الله عليه وسلم بقى أميا حيث تظل حكمة أميته باقية ، ولا يوجد مطعن فى رسالته وفى القرآن الذى تلقاه وحيا من الله سبحانه ما زال يتنزل منجما مفرقا إلى آخر حياته . وردوا على الدليل الأول لغيرهم بأن كون النبى صلى الله عليه وسلم كتب بعض كلمات لا يمحو عنه وصف الأمية ، فكثير من الأميين اليوم يكتبون أسماءهم ويوقِّعون بها ومع ذلك لا يستطيعون أن يقرؤوا ما وقَّعوا عليه ، فهم ما يزالون على الرغم من ذلك أميين .
وردوا على الدليل الثانى بأن الحديث غير صحيح ، فلا يعارض الصحيح القوىَّ من النصوص ، كما ردوا على الدليل الثالث بأن معرفته لبعض الحروف لا تمحو عنه وصف الأمية .
هذا ، وإذا كانت أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وصف كمال له حكمته ، فإن الأمية فينا وصف ينبغى أن نتخلى عنه ، لأن النصوص كثيرة فى الحث على التعلم والتعليم ، والقراءة من أقوى المفاتيح لذلك ، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم فى فداء أسرى بدر تعليم بعض أولاد الأنصار القراءة والكتابة .
ونحن حين نحمد للكتَّاب غيرتهم ودعوتهم إلى محو الأمية نرجو منهم أن يتحروا الصدق فى الأخبار المنقولة عن النبى صلى الله عليه وسلم وما يساعدهم من النصوص الصحيحة على دعواهم كثير(8/176)
ختان النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم ولد مختونا ؟
An ختان الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أقوال .
القول الأول : أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا ، أى مقطوع السرة ، وروى فى ذلك حديث لا يصح كما ذكره أبو الفرج بن الجوزى فى الموضوعات ، وهو "كرامتى على ربى أنى ولدت مختونا ولم ير سوأتى أحد" فليس لهذا القول سند من حديث ثابت ، كما أن ولادته مختونا ليست من خواصه ، فإن كثيرا من الناس يولدون كذلك كما ذكره ابن القيم فى "زاد المعاد" ج 1 ص 18 .
والقول الثانى : أنه ختن يوم شق قلبه الملائكة عند حليمة السعدية التى كانت ترضعه ، والحديث الوارد فيه أيضا غير صحيح .
والقول الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه ، وصنع له مأدبة وسماه محمدا ، قال أبو عمر بن عبد البر فى كتابه "التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد" إن الوارد فى ذلك حديث مسند غريب ، وقد تفرد به ابن أبى السرى كما قال أحد رواته .
والراجح أن جده ختنه على عادة العرب فى ذلك(8/177)
الإبل والشياطين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : إن الإبل خلقت من الشياطين وإن وراء كل بعير شيطانا ومن أجل ذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى مبارك الإبل ؟
An جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى " للدميرى المتوفى سنة 808 هـ أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى مبارك الإبل فقال "لا تصلوا فى مبارك الإبل فإنها مأوى الشياطين " .
وروى النسائى وابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن الإبل خلقت من الشياطين " . ولم يعلق على هذا الحديث .
وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى(جزء 2 صفحة 142) حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ "لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن ، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها . إذا نفرت " .
ولم يبين معنى خلقها من الجن ، فقد يكون المراد أن فيها شرا إذا نفرت وهاجت ، فالأمر على التشبيه وليس على الحقيقة على ما أراه(8/178)
إذا التقى المسلمان بسيفيهما
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" وهل ينطبق على ما حدث بين على ومعاوية ؟
An روى البخارى ومسلم عن أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" قلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال "إنه كان حريصا على قتل صاحبه " قال النووى فى شرحه "صحيح مسلم ج 18 ص 11 "كون القاتل والمقتول من أهل النار محمول على من لا تأويل له ، ويكون قتالهما عصبية ونحوها... ثم قال : واعلم أن الدماء التى جرت بين الصحابة رضى الله عنهم داخلة فى هذا الوعيد ، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم ، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا ، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا فى الخطأ، لأنه بالاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه ، وكان علىٌّ رضى الله عنه هو المحق المصيب فى تلك الحروب .
هذا مذهب أهل السنة وكانت القضايا مشتبهة ، حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ، ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم . انتهى .
ونقل الشوكانى "نيل الأوطار ج 7 ص 50" عن الحافظ ابن حجر ما يتفق مع ما ذكره النووى ، وذكر ما أخرجه البزار فى رواية "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول فى النار" ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ "لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس زمان لا يدرى القاتل فيم قَتل ولا يدرى المقتول فيم قُتل " فقيل كيف يكون ذلك ؟ قال " الهرج ، القاتل والمقتول فى النار" قال القرطبى : فبيَّن هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذى أريد بقوله "القاتل والمقتول فى النار" قال الحافظ : ومن ثَم كان الذين توقفوا عن القتال فى الجمل وصفِّين أقل عددا من الذين قاتلوا ، وكلهم مأجور إن شاء الله ، بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا .
هذا، وقد حمل بعض العلماء الحديث على من استحل ذلك ، ويؤيد أن الوعيد هو لمن قاتل للدنيا وليس للّه حديث رواه مسلم "من قاتل تحت رواية عُمية فغضب لغضبه ، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبيته فقتل فقتلة جاهلية" والعمية هى الجهل(8/179)
حديث " الأئمة من قريش "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ورد حديث يحصر الخلافة أو الإمامة فى قريش ، وهل له أثر بين المسلمين فى العصر الحاضر ؟
An موضوع الخلافة أو الإمامة الكبرى أولاه المسلمون عناية بالغة منذ الساعات الأولى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وتحدث عنه علماء التوحيد وفقهاء المذاهب ، وقرر جمهورهم أن نصب الإمام واجب ، بصرف النظر عن كون الوجوب عقليا أو سمعيا ، وأوردوا آيات وأحاديث ، وقرروا أن المسلمين مجمعون على ذلك ، غير آبهين بأقوال شاذة لبعض الفرق ، ووضعوا شروطا لمن يصلح للإمامة أشرت إليها فى كتابى "الإسلام هو الحل " الذى طبع مرة ثانية بعنوان "المنهج السليم إلى طريق الله المستقيم " ويهمنا هنا من الشروط ما يتصل بالسؤال وهو حديث "الأئمة من قريش " وخلاصة ما قيل فى ذلك ما يأتى :
روى البخارى ومسلم حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم ورد بألفاظ متقاربة جاء فيها أن الناس تبع لقريش ، وأن الأئمة يكونون منهم ، ويؤخذ من كلام الماوردى المتوفى سنة 450 هـ فى كتابه "الأحكام السلطانية" ومن كلام النووى المتوفى سنة 676 هـ فى شرح صحيح مسلم "ج 12 ص 199 وما بعدها" ومن كلام الإيجى من علماء القرن الثامن الهجرى فى كتابه "المواقف فى علم الكلام " ومن كلام ابن خلدون المتوفى سنة 808 ط فى كتابه "المقدمة" ومن مصادر أخرى : أن الناس فى اشتراط القرشية فى الخليفة فريقان :
الفريق الأول : يشترط فى الخليفة -إلى جانب الشروط الأخرى - أن يكون قرشيا ، وهو رأى الجمهور الذى قال به أهل السنة ، وأكثر الزيدية وأكثر المرجئة ، وسائر فرق الشيعة ومن أدلتهم على ذلك :
ا - حديث البخارى ومسلم "لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى من الناس اثنان " ب - حديث مسلم "الناس تبع لقريش فى الخير والشر" ومعناه فى الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به فى رواية لمسلم "الناس تبع لقريش فى هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم " لأنهم كانوا فى الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب الحرم ، ولما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس ودخلوا فى دين اللّه أفواجا ، وكذلك فى الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم . .
ي - حديث "قدموا قريشا ولا تَقَدَّموها" أى لا تتقدموا عليها .
أخرجه الشافعى فى المسند والبيهقى فى المعرفة ، كلاهما عن ابن شهاب الزهرى بلاغا ، أى قال : بلغنا عن رسول الله ذلك . وابن عدى فى الكامل عن أبى هريرة وصححه السيوطى . وورد فى حديث ثالث أخرجه البزار فى مسنده عن على وصححه السيوطى "فيض القدير للمناوى على الجامع الصغير ج 4 ص 511" .
د- الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على عدم مزاحمة قريش فى الخلافة إلى عصر النووى ومن كتبوا فى هذا الموضوع .
ويستند الإجماع إلى الحديث القائل "ما بقى من الناس اثنان " .
يقول القاضى عياض -كما نقله النووى- : اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة، قال : وقد احتج به أبو بكر وعمر رضى الله عنهما على الأنصار يوم السقيفة - سقيفة بنى ساعدة - فلم ينكره أحد ، وبيان ذلك أن المسلمين لما اجتمعوا فى السقيفة عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم لاختيار خليفة له ، بايع الأنصار سعد بن عبادة ، وقالوا للمهاجرين : منا أمير ومنكم أمير، فاحتجت قريش - المهاجرون - على الأنصار بهذا الحديث وقالوا لهم : إن النبى صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم ، ولو كانت الإمارة فيكم لم تكن الوصية لكم ، فرجع الأنصار عن قولهم .
والذين حصروا الخلافة فى قريش اختلفوا فى تعميمها فى كل قريش أو تخصيصها ببعض منهم ، كبنى عبد المطلب أو بنى أمية أو غيرهما ، وذهب ببعضهم التعصب إلى حد التجاوز عن الشروط الأخرى التى يجب توافرها فى الإمام ، فأجازوا عقدها للقرشى ولو كان عاجزا عن القيام بأمور المسلمين .
الفريق الثانى : لا يشترط القرشية فى الإمام ، وهو قول المعتزلة وجماعة الزيدية ، وجميع الخوارج إلا النجدات . وقد حمل عليهم أصحاب الرأى الأول حملة عنيفة، جاء منها قول القاضى عياض -كما نقله النووى-: لا اعتداد بقول النظَّام -من المعتزلة -ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع إنه يجوز كونه من غير قريش ، ولا بسخافة ضرار ابن عمرو " الغطفانى " فى قوله : إن غير القرشى من النبط وغيرهم يقدم على القرشى . لهوان خلعه إن عرض منه أمر، وهذا الذى قاله من باطل القول وزخرفته ، مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين "النووى على مسلم ج 12 ص 200 " .
استند هذا الفريق إلى ما يأتى :
ا-أن الله لم ينص على رجل بعينه ، ولا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نص على ذلك ، ولا اجتمع المسلمون عندهم على رجل بعينه ، فاختيار ذلك مفوض إلى الأمة، ورد عليهم الجمهور بأنه لم ينص على رجل ، وإنما نص على النوعية أو الجماعة التى يكون منها ، وهى قريش .
ب - الحديث الصحيح " اسمعوا وأطيعوا وإن ولِّى عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة" وهذا يدل على أنه يجوز أن يكون الإمام عبدا حبشيا وليس قرشيا، وردَّ عليه بأن الحديث خرج مخرج التمثيل والفرض ، وذلك للمبالغة فى وجوب السمع والطاعة .
جـ - قول عمر بن الخطاب : لو كان سالم مولى أبى حذيفة حيًا ما جعلتها شورى، أو لوليته ، أو لما دخلتنى فيه الظنة ورُدَّ عليه بأن مذهب الصحابى ليس بحجة ، أو بأن مولى القوم منهم وعصبية الولاء حاصلة لسالم فى قريش ، وعندما استعظم عمر أمر الخلافة ورأى شروطها كأنها مفقودة فى ظنه عدل إلى سالم لتوفر هذه الشروط فيه حتى من النسب المفيد للعصبية .
د-الإجماع : فالاختيار جرى فى أمصار، ولم يَبدُ نكير عن عالم على أصل الاختيار ، وردَّ عليه بأن الاختيار فى الأمصار لم يكن للخليفة العام بل لأمراء فى الأقاليم أو لحكام فى ولايات استقلت .
هذا ملخص ما قيل فى اشتراط القرشية وعدم اشتراطها ، والذى رآه كبار المحققين ، وهو موافق لروح الشريعة وحكمة الشروط التى اشترطت فى الإمامة ، ما يلى :
ا - أن الإمام لابد أن تكون فيه الكفاية للقيام بمهمته ، من سلامة الجسم وسلامة الفكر واستقامة السلوك ، ومن الهيبة التى يحترمه بها الصديق ويخشاه العدو، وهذه الهيبة لها عدة عوامل ، قد يكون منها أصالة النسب وقوة العشيرة ووفرة الغنى وكثرة الانتصارات فى ميادين الإصلاح وغير ذلك .
2 - أن اشتراط القرشية التى نص عليها الحديث ، ليس المقصود منه التبرك بالانتساب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعشيرته ، فليس ذلك من مقاصد الإمامة ، وإنما من مقاصدها قوة النفوذ وهيبة السلطان لتحقيق المصلحة للأمة ودفع الشر عنها ، وإذا كان الحديث متفقا مع هذا المقصد فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وبعدها بقليل ، فربما لا يتفق فى وقت آخر، فيكون واقعة حال لا يتعداها ، ولا تُلتزم بعد ذلك .
3 - وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم جعل الخلافة فى قريش مؤبدة "ما بقى فى الناس اثنان " فليس ذلك على إطلاقه ، بل هو مشروط بتوافر العوامل الأخرى فيهم حتى تكون من حقهم ، ويدل على ذلك ما رواه أحمد برواة ثقات والبزار والدارقطنى وهو: أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على باب بيت فيه نفر من قريش وقال "إن هذا الأمر فى قريش ما إذا استُرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا ، وإذا قسموا أقسطوا ، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل " وجاء فى رواية لأحمد عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الأئمة من قريش ، إن لى عليكم حقا ولهم عليكم حقا مثل ذلك ، ما إن استرُحموا رحموا، وإن عاهدوا وفُّوا ، وإن حكموا عدلوا . . . " وهذا ما أميل إليه من أن العبرة بوجود الشروط التى تليق بمقام الإمامة وتساعد على تحقيق المصلحة العامة ، ولا يغيب عنا قوله صلى الله عليه وسلم "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضيعت الأمانة " رواه البخارى، وما جاء من الأحاديث التى تنهى عن تولية من ليس كفؤا للولاية فى أى قطاع من القطاعات ، وما فعله صلى الله عليه وسلم من تفضيله تولية القيادة والإمارة من يصلح أكثر من غيره من السابقين فى الإسلام ، ومن عدم الاستجابة لأبى ذر عندما طلب منه ولاية، حيث قال له "إنك ضعيف وإنها أمانة" رواه مسلم .
ولعل بعض القائلين بعدم اشتراط القرشية فى الإمامة لاحظوا فى أزمانهم ذهاب القوة التى كان يتمتع بها القرشيون . وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون فى مقدمته فقال : ومن القائلين بنفى اشتراط القرشية أبو بكر الباقلانى لما أدرك ما عليه عصبية قريش من التلاشى والاضمحلال واستبداد ملوك العجم على الخلفاء ، فأسقط القرشية وإن كان موافقا لرأى الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده(8/180)
نور النبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يعتقد بعض الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور لقوله تعالى : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } نرجو التوضيح ؟
An كلمة النور تطلق فى القرآن أحيانا على القرآن الكريم وأحيانا على النبى صلى الله عليه وسلم باعتبار أن كلا منهما ينير للناس طريق الخير، بل تطلق أيضا على اللّه سبحانه فى قوله { اللّه نور السماوات والأرض } النور :35 .
إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُخلق من نور، فهو من ذرية آدم وآدم من طين ، وهو القائل "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" .
والله سبحانه أمره أن يُبيِّن للناس ذلك فقال{قل إنما أنا بشر مثلكم } الكهف : 110وقال {سبحان ربى هل كنت إلا بشرًا رسولا} الإسراء : 93 وكون اللّه أخبر عنه بأنه نور، وكون بعض الآثار جاءت تخبر بأن نوره كان موجودا قبل أن يولد ، كل ذلك لا ينفى أنه بشر، وهو عليه الصلاة والسلام ليس فى حاجة إلى اختلاق أمور تزيده شرفا وتكريما ، فكفى تشريف اللّه له ، بما ثبت من الأخبار، وقد تحملنا شدة حبه على وضعه فوق ما يستحق وهو القائل كما رواه البخارى " لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ، ولكن قولوا : عبد الله ورسوله" وبرهان حبنا له جاء فى قوله " من أحبنى فَليَسْتَنَّ بسنتى " رواه أبو يعلى بسند حسن(8/181)
الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن ينادون بعدم ترديد عبارة : "صل على النبى " أثناء الحديث بين اثنين ، وهل إجابة الأمر بالصلاة على النبى هنا واجبة ؟
An لا بأس أبدا بترديد عبارة " صل على النبى " أثناء الحديث أو فى أية فرصة أخرى ، فهى تذكير للناس بالصلاة على الرسول ، لأن فضلها عظيم ، والله أمرنا بها فى قوله {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الأحزاب : 56 .
والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم واجبة بدليل الأمر بها . لكن قال العلماء ، إن وجوبها مرة واحدة فى العمر ، وأما ما عدا ذلك فهى سُنة .
وأوجبها الشافعية فى التشهد الأخير من كل صلاة .
جاء فى تفسير القرطبى للآية المذكورة : لا خلاف فى أن الصلاة عليه فرض فى العمر مرة، وفى كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التى لا يسع المؤمن تركها ، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه . قال الزمخشرى : فإن قلت : الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت : بل واجبة . وقد اختلفوا فى حال وجوبها . فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره ، ومنهم من قال : تجب فى كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره(8/182)
حديث " الأرواح جنود مجندة "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " ؟
An جاء فى الجامع الكبير للسيوطى أن هذا الحديث رواه البخارى عن عائشة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، ورواه أيضا مسلم وأحمد .
وجاء فى تخريج العراقى لأحاديث " إحياء علوم الدين " أن البخارى ذكره تعليقا عن عائشة ، أى لم يذكر له سندا ، وأن مسلما رواه عن أبى هريرة ، وأورد الغزالى مناسبته فى حديث أخرجه الحسن بن سفيان فى مسنده فقال : روى أن امرأة بمكة كانت تُضْحِك النساء وكانت بالمدينة أُخرى ، فنزلت المكية على المدنية ، فدخلت على عائشة فأضحكتها فقالت : أين نزلت ؟ فذكرت لها صاحبتها . فقالت عائشة : صدق اللّه ورسوله ، سمعت رسول الله يقول : " الأرواح جنود مجندة ... "ويراجع توضيح ذلك فى الإحياء " ج 2 ص 142 " طبعة عثمان خليفة(8/183)
حديث "عليكم بدين العجائز "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " عليكم بدين العجائز " وإذا صح فما المراد به ؟
An أورد الإمام الغزالى هذا الحديث فى كتابه "الإحياء" ج 3 ص 67 وعلق عليه العراقى بما نصه : قال ابن طاهر فى كتاب التذكرة : هذا اللفظ تداوله العامة ولم أقف له على أصل يرجع إليه من رواية صحيحة ولا سقيمة، حتى رأيت حديثا لمحمد بن عبد الرحمن بن السلمانى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم" إذا كان فى آخر الزمان واختلفت الأهواء فعليكم بدِين أهل البادية والنساء" وابن السلمانى له عن أبيه عن ابن عمر نسخة كان يُتهم بوضعها ، انتهى، وهذا اللفظ من هذا الوجه رواه ابن حبان فى الضعفاء فى ترجمة ابن السلمانى .
هذا وقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 332 " النص على بعض المتكلمين الذين يرفضون إيمان من لم يعرف الله بالطرق والأبحاث التى عينوها ، وقال : هذا تضييق لرحمة الله . وأورد حادثة الأعرابى الذى بال فى المسجد فانتهره أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم ارحمنى ومحمدًا ، ولا ترحم معنا أحدًا ، فقال عليه الصلاة والسلام "لقد حَجَّرت واسعا" خرّجه البخارى والترمذى وغيرهما ، فلم يعرف الأعرابى ربه بالدليل والبرهان ، وأن رحمته وسعت كل شىء واكتفى منه الرسول بالنطق بالشهادتين . كما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الجارية السوداء " أين الله "؟ فقالت : فى السماء ثم سألها " من أنا " ؟ فقالت أنت رسول اللّه ، فقال لسيدها " أعتقها فإنها مؤمنة" ولم يكن هناك نظر ولا استدلال ، بل حكم بإيمانهم من أول وهلة ، وإن كان هناك عن النظر والمعرفة غفلة(8/184)
حديث " فضل العامل على المتعبد "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتعبد فى المسجد ولما سأله عمن يعوله قال أخوه ، فقال : " هو أعبد منك " ؟
An جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى فى فضل الكسب والحث عليه ما نصه :
وروى أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال : ما تصنع ؟ قال : أتعبد ، قال : من يعولك ؟ قال : أخى، قال : أخوك أعبد منك .
قال الغزالى هذا الكلام ولم يجعله حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ومثل ذلك ما روى أن قوما من الأشعريين كانوا فى سفر، فلما قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم قالوا : ما رأينا بعدك أفضل من فلان كان يصوم النهار، فإذا نزلنا قام الليل حتى نرتحل ، فقال : " ومن كان يكفله ويخدمه "؟ قالوا : كلنا، فقال "كلكم أفضل منه " وهو موجود فى كتاب " العقد الفريد" لابن عبد ربه ، وليس فيه سند له .
وتحدث الغزالى فى باب التوكل ، وفصل أحوال المتوكلين ، ثم ذكر أن الرجل المتوكل على الله إذا تعلق قلبه بالدنيا والكسب كان العمل له أفضل من الانقطاع عنه إلى التعبد والانزواء والكسل ، أما إذا قوى إيمانه باللّه وتوكل عليه ، ولم يتعلق قلبه بالدنيا فالانقطاع إلى العبادة أفضل ، على ألا يكون لأحد منَّة عليه فى شىء من رزقه .
ومع ذلك فالغزالى يتحدث عن عصره وله ظروفه ، أما الآن فالواجب هو التنسيق بين عمل الدنيا وعمل الآخرة ، فهما أمران لابد منهما ، وذلك على نسق ما قال الله تعالى {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} القصص : 77 ، وقوله تعالى {فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل اللّه واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } الجمعة 10 ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه " رواه البخارى .
وذلك ما يوحى إليه قوله تعالى فى قيام الليل والاقتصاد فيه {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه } المزمل : 20 ، وتوضيح ذلك فى كتابى " الإسلام دين العمل "(8/185)
لعن الزمن وغيره
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يلعن اليوم أو الدهر أو غيرهما ؟
An اللعن معناه الطرد من رحمة الله ، وهو منهى عنه بوجه عام ، فالمؤمن لا يكون لعانا ولا يكون شفيعا ولا شهيدا يوم القيامة كما جاء فى الأحاديث التى رواها مسلم ، وروى أبو داود والترمذى حديث " من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه " حتى الدابة لا يجوز لعنها، فقد روى مسلم أن امرأة من الأنصار كانت فى سفر مع النبى فضجرت من ناقتها فلعنتها، فقال الرسول "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" وقال كما رواه مسلم فى رواية أخرى " لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" .
جاء فى الأذكار للنووى "ص 350" أنه يجوز لعن أصحاب المعاصى بالعنوان العام كما لعن الرسول آكل الربا والواصلة والنامصة والسارق ومن يلعن والديه ، ومن اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ... أما لعن إنسان بعينه ممن اتصف بشىء من المعاصى كزانٍ وسارق وآكل ربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام ، وأشار الغزالى إلى تحريمه إلا فى حق من علمنا أنه مات على الكفر كأبى لهب وأبى جهل وفرعون وهامان وأشباههم ، قال : لأن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى وما ندرى ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر وأما الذين لعنهم رسول اللّه بأعيانهم فيجوز إنه علم موتهم على الكفر. انتهى .
والذى يلعن الزمان أو المكان خالف هدى الرسول صلى الله عليه وسلم فى النهى عن اللعن . وبخصوص الدهر جاء حديث البخارى ومسلم " قال اللّه تعالى : يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر، بيدى الليل والنهار" وفى رواية " أقلب ليله ونهاره ، وإذا شئت قبضتهما" وفى رواية لمالك " لا يقل أحدكم يا خَيْبَةَ الدهر، فإن الله هو الدهر" .
يقول الحافظ المنذرى : معنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة أو أصابه مصيبة أو مكروه يسب الدهر، اعتقادا منهم أن الذى أصابه هو فعْلُ الدهر، فكان هذا كاللعن للفاعل ، ولا فاعل لكل شىء إلا الله تعالى خالق كل شىء ، فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر، لأنه مدرجة لسب فاعل الأمور وخالقها وهو الله تعالى(8/186)
حديث " أنت ومالك لأبيك "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سافرت إلى بعض البلاد وكنت أرسل لأبى ما أدخره من أجل أن يبنى لى بيتا أو يشترى أرضا أكسب منها عيشا عندما أعود إلى بلدى، فوجدت أبى سجل ما اشتراه باسمه هو وقال إنه شركة بينك وبين إخوتك ، ولما قلت له :
وأين كسبى ؟ قال لى، أما أتعرف أن الرسول قال للولد: أنت ومالك لأبيك ؟ فهل هذا صحيح ؟
An إن الجهل بالدين سبب لكثير من ألون الانحراف ، والطمع كذلك مدرجة للانزلاق ، وضعف الروح الأخوية أو تحكم الأثرة والأنانية التى لا يقوم بها مجتمع سليم .
قال العلماء فى مظاهر بر الولد بوالديه : لابد من الإنفاق عليهما النفقة المناسبة من طعام وكساء ومسكن وما إلى ذلك من الضروريات ، بشرط أن يكون ذلك فى وسع الولد، ولا يضر به ضررا واضحا ، فإذا استولى الوالدان على مال ولدهما لحاجتهما إليه فلا شىء فيه بشرط عدم الضرر بالولد، كأن يأخذا ما يزيد على كفايتهما، ولا يمكنانه من أداء التزاماته الخاصة ، وإلا كان على الولد أن يعطيهما فقط مقدار الكفاية ، وهو النفقة الواجبة، ويبقى لنفسه ما يعيش به مع أسرته .
أخرج البيهقى عن قيس بن أبى حازم قال : جاء رجل إلى أبى بكر رضى اللّه عنه فقال : إن أبى يريد أن يأخذ مالى كله يجتاحه ، أى لا يُبْقى منه شيئا، فقال لأبيه : إنما لك من ماله ما يكفيك . فقال : يا خليفة رسول الله ، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت ومالك لأبيك "؟ فقال : نعم ، وإنما يعنى بذلك النفقة "تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 66" .
والحديث المذكور رواه ابن ماجه عن جابر، ورواه الطبرانى عن سمرة وابن مسعود بسند صحيح ، جاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى "ص 2" أن للأب دون غيره أن يأخذ من مال ولده ما يشاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها ، صغيرا كان الولد أو كبيرا، بشرطين : ألا يجحف بالابن ولا يضر به ، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته . وألا يأخذ من مال ولده فيعطيه لآخر .
وروى البيهقى فى الدلائل والطبرانى فى الصغير والأوسط بسند فيه من لا يعرف عن جابر: أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم يشكو إليه والده بأنه أخذ ماله ، فأرسل خلفه -استدعاه -فجاء إلى النبى وسأله عما يقوله ولده فقال : سَلْه ، هل أنفقه إلا على إخوته وعماته ؟ وبعد أن سمع منه أبياتا "انظر الجزء الخامس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " قال النبى لابنه "أنت ومالك لأبيك " وجاء فى تفسير الزمخشرى "الكشاف " أن الولد غَنى وأن أباه صار عاجزا يتوكأ على عصا ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم بكى لمنظره وأنه قال " ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى" ولكن مخرِّج أحاديث الكشاف قال : لم أجده فالحديث ضعيف .
ولما كان بعض الآباء يتحرج من أخذ شىء من مال أولاده ، لأنه مال للغير، جاء النص الذى يطيِّب النفس بأخذ ما يحتاج إليه منه ، ففى الحديث "إن أولادكم من أطيب كسبكم ، فكلوا كسب أولادكم " رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه . وهو صحيح ذكره السيوطى فى "الجامع الصغير" والبغوى فى "مصابيح السنة " وابن القيم فى "إعلام الموقعين، وفى زاد المعاد "ج 4 ص 164 "(8/187)
من الذى سمى الرسول محمد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من الذى سمى الرسول صلى الله عليه وسلم باسم محمد ؟
An ذكر كلام كثير وأخبار لا ترقى إلى درجة الصحة أن الذى سمى الرسول باسم محمد هو اللّه سبحانه قبل الخلق بآلاف السنين . وأن آدم وجد اسمه مكتوبا على ساق العرش وهو ما يزال بين الروح والطين ، ووجد اسمه مكتوبا على أشياء كثيرة فى الجنة .
قال ابن قتيبة : من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أنه لم يسم قبله أحد باسم محمد، صيانة من الله لهذا الاسم كما فعل مع يحيى حيث لم يجعل له من قبل سميًّا، قال تعالى {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا} مريم :7 ، ولما قرب زمنه وبشر أهل الكتاب بقربه سمى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو، وعدَّهم القاضى عياض ستة فقط ، وقال ابن حجر الذى جمع أسماء من تَسمَّى باسمه فى جزء مفرد : إنهم حوالى العشرين مع تكرير فى البعض ووَهْمٍ فى البعض ، وانتهى منهم إلى خمسة عشر نفسا ، ذكر أسماء المشهورين منهم وقال : لم يدرك الإسلام منهم إلا محمد بن عدى التميمى السعدى، ومحمد بن البراء البكرى لأنه صحابى جزما، وذكر ابن خلكان أنه لا يعرف أحد سمى بمحمد فى الجاهلية إلا ثلاثة :
محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق ، ومحمد بن أُحَيْحَة بن الجُلاح أخو عبد المطلب لأمه ، ومحمد بن حمران بن ربيعة .
والذى سمى النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم جده عبد المطلب لرؤيا رآها ، وهى سلسلة فضية ذات أطراف فى السماء والأرض والشرق والغرب ، وتأويل الكاهنة بأن عَقِبًا يخرج من ظهره يتبعه أهل المشرق والمغرب ، أو لرؤيا رأتها أمه حين أخبرت بحمله وأمرها بتسميته محمدا ، ولكن ذلك لم يثبت بطريق صحيح(8/188)
أشياء عليها اسم محمد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح ما يذكره بعض الناس انهم رأوا حيوانات أو نباتات أو أشياء مكتوبا عليها اسم الله أو اسم محمد ؟
An ذكرنا أن هناك أخبارا بأن اسم الرسول كان مكتوبا على أشياء فى الجنة قبل أن يولد، وهى أخبار لا تثبت بها حقائق ، أما بعد ولادته وبعثته فكثرت الأخبار بأن اسمه وجد مكتوبا على أشياء كثيرة، والرسول فى ليلة المعراج بالسماوات وجد اسمه مكتوبا فيها، وأبو بكر من خلفه ، وأن موسى بن عمران وقَّع باسمه بالخط العبرانى على حجر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول اللّه . وأن فى بعض بلاد خراسان مولودا كتب على أحد جنبيه اسم محمد، وفى بلاد الهند ورد أحمر مكتوب عليه بالأبيض اسمه ، وأن بعض الناس شك فى هذا ففتح ورقة ورد لم تفتح فوجد الاسم مكتوبا، وكذلك وجد اسمه على شجرة فى الهند يتبركون بها ، وأن صيادا صاد سمكة فوجد الاسم مكتوبا على أحد جنبيها ، وأن بطيخة أو حبة عنب عليها هذا الاسم .
هذا كله مكتوب فى مؤلفات عن السيرة ليس لها سند صحيح أو تحقيق ثابت ، وسمعنا فى أيامنا هذه أن بيضة كتب عليها اسم الله أو اسم محمد ، وغير ذلك من الأخبار التى أوردها القسطلانى فى "المواهب اللدنية" ج 1 ص 186 ، 187 .
وإذا كنا لا نستبعد عقلا أن يوجد ذلك بقدرة اللّه . أو يكون بفعل بشر فإن مقام النبى صلى الله عليه وسلم مقام عظيم ، ورسالتهُ رسالة حق لا يجهلها أحد اليوم ، ونحن فى حل أن نصدق هذه الأخبار أو لا نصدقها مع عقيدتنا القوية فى شرف المصطفى وصدق رسالته .
وحُبُّنَا له يكون بنشر دعوته الصحيحة ما أمكن ، وبالعمل بها نصا وروحا ، وإثبات جدارتها بأنها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وجدارتنا بأن نحمل هذا الوسام العظيم {كنتم خير أمة أُخرِجَتْ للناس } آل عمران :
110(8/189)
ظل الرسول صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى فى الشمس لا يكون له ظل على الأرض فهل هذا صحيح ؟
An جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 4 ص 220 " عند الكلام على مشى النبى صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له ظل فى شمس ولا قمر، وعلَّلَه ابن سبع بأنه كان نورا ، وعلله رزين بغلبة أنواره ، وقيل : إن الحكمة فى ذلك صيانة ظله عن أن يطأه كافر. ونَفْىُ أن يكون له ظل رواه الترمذى الحكيم عن ذكوان مولى عائشة ورواه ابن المبارك وابن الجوزى عن ابن عباس بلفظ : لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم ظل ، ولم يقم مع الشمس قط إلا غلب ضوؤُه ضوءَ الشمس ، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوء السراج . وقال ابن سبع : كان صلى الله عليه وسلم نورا، فكان إذا مشى فى الشمس أو القمر لا يظهر له ظل ، وقال غيره : ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم فى دعائه لما سأل الله أن يجعل فى جميع أعضائه وجهاته نورا ختم بقوله "واجعلنى نورا" أى والنور لا ظل له ، وبه يتم الاستشهاد .
هذا ما نقل وليس فيه نص قاطع أو صحيح ، ولا مانع أن يكون ذلك تكريما للنبى صلى الله عليه وسلم ، وكونه نورا لا يتحتم منه ألا يكون له ظل ، فهو نور للعالمين برسالته الخالدة(8/190)
إسلام مارية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل أسلمت مارية قبل زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم أم بعد الزواج منه ، وهل أعتقها وهل عقد عليها أم كانت من بين ما ملكت يمينه ، ولماذا لم تخاطب بأم المؤمنين كبقية زوجات النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An مارية القبطية المولودة فى "حَفن " المسماة الآن بالشيخ عبادة بالمنيا مقابل الأشمونين ، أهداها المقوقس " جريج بن مينا " القبطى سنة سبع من الهجرة إلى النبى صلى الله عليه وسلم هى وأختها "سيرين " عندما عرض عليه حاطب بن أبى بلتعة كتاب النبى صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى الإسلام ، وفى الطريق إلى المدينة المنورة عرض عليها حاطب الإسلام فأسلمت ، وكذلك أسلمت أختها التى وهبها النبى صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتسرى بها، أى يتمتع بها بملك اليمين ولم يعتقها ولم يتزوجها بعقد، وولدت له إبراهيم الذى مات صغيرا ، والولد من الأَمة المتمتع بها بملك اليمين يكون حرا، ومع أنها ليست زوجة معقودا عليها كان يحجبها كما يحجب زوجاته ، وقد ظلت أمة لكن تحررت بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم كما تُحرر كل أم ولد. ولعدم العقد عليها لا يطلق عليها اسم زوجة ، ولا يطلق عليها لقب "أم المؤمنين " لأن اللّه تعالى قال { وأزواجه أمهاتهم }الأحزاب : 6(8/191)
حديث " شعر الرجل والمرأة "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : بارك الله فى الرجل المشعر، والمرأة الملساء ؟
An لم أعثر على حديث صحيح بهذا اللفظ ، وإن كان من السنة إبقاء شعر اللحية ونتف الإبط وحلق العانة للرجل ، وفى الحديث نهى المرأة عن النمص وهو إزالة شعر الخدين ، وقد حمله ابن الجوزى على التدليس والإغراء ، وأباحه للزوج .
وذكر أن امرأة سألت عائشة رضى اللّه عنها عن قشر الوجه ، أى وضع دواء عليه ليصفو لونها، فقالت : إن كان شىء وُلدت به فلا يحل لها، لا آمرها ولا أنهاها ، وإن كان شىء حدث فلا بأس ، تعمد إلى ديباجة كساها فتنحيها عن وجهها، ولا آمرها ولا أنهاها .
وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة "طبعة الكويت 877" أن المرأة يكره لها حلق شعرها، ويجوز لها حَفُّ وجهها ونتف شعره "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ج 3 ص 305"(8/192)
حديث " أصحابى كالنجوم "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ؟
An هذا حديث ضعيف وقيل موضوع(8/193)
المعراج من المسجد الأقصى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا كان المعراج من بيت المقدس ولم يكن من مكة ؟
An لقد حدث الإسراء من مكة وانتهى إلى المسجد الأقصى بالشام ، كما نص على ذلك القرآن الكريم ، وهو معجزة من أنكرها كفر لتكذيبه خبر القرآن ، وهو قاطع فى ثبوته ودلالته ، والمعراج معجزة أثبتتها السنة، وفى منكرها خلاف بالقول بالكفر أو بالفسق. وجاء فى بعض الروايات أن المعراج كان من مكة وكان على البراق ، وإن كانت رواية المعراج من المسجد الأقصى هى الأقوى ، وكون المعراج على البراق غريب ، لأنه إلى السماوات وليس إلى موضع آخر فى الأرض حيث يكون التناسب بينها وبين الدابة التى هى البراق ، ولعل التعبير "بالمعراج " من مكة خطأ بدل "الإسراء" .
من الطبيعى أن يحدث الإسراء من مكة-كما أخبر القرآن - لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فيها منذ ولد ونشأ وبدأ الدعوة وحدثت له الظروف التى كانت مقدمة للإسراء ، وكان هو والمعراج بعيدين عن مكة لحكم جليلة منها :
1 -إثارة التعجب عند المشركين ، كيف تم الانتقال والمسافة بعيدة، ولإمكان تصديقه طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم وصف بيت المقدس .
2 -أن المسجد الأقصى كان فيه اجتماع الأنبياء الذين احتفلوا به وكرموا الرسول بإمامته لهم فى الصلاة، وكأن اللّه يقول له : إن لم يؤمن بك المشركون فقد آمن بك وكرَّمك من هم أفضل منهم ، وهم أفضل البشر ، أنبياء اللّه المصطفون الأخيار، وفى ذلك تسلية وعزاء للرسول صلى الله عليه وسلم وتنشيط له ليستمر فى دعوته .
3-وفى حفاوة الأنبياء به إشارة إلى وحدة الأديان ، وكما جاء فى الحديث الصحيح " الأنبياء إخوة من عَلاَّت ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد" .
4 - وفى ذلك إشارة إلى أن دين الإسلام سينتشر على الرغم من محاولات أهل مكة للقضاء عليه ، وستغطى دعوته العالم كله ، لأن فيه خلاصة الدعوات السابقة ، مع المبادئ الصالحة لمسايرة البشرية فى تطورها المستمر .
لقد كان المعراج من المسجد الأقصى ليكون بعد الاحتفال الأرضى العام بالرسول احتفال خاص فى السماء لم يحظ به نبى من الأنبياء ، وكانت صفوة منهم فى طريق عروجه يستقبلونه ويكرمونه فى السماء كما كرموه فى الأرض ، وكان كل منهم يمثل مرحلة من حياته صلى الله عليه وسلم أحس فيها بنصر اللّه لهم على الرغم مما حدث لهم من أقوامهم .
هذا بعض ما أحس به من كون المعراج كان من المسجد الأقصى ولم يكن من مكة كالإسراء، ولكلٍّ أن يقرأ ما بين السطور، ويستشف ما يفتح الله به عليه ، والأسرار فى التشريعات كثيرة لا يحيط بها إلا من وضعها سبحانه وتعالى(8/194)
ولادة الأمة ربتها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q جاء فى الحديث أن من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها، فما معنى ذلك ؟
An صح فى الحديث أن جبريل عليه السلام سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة ، فقال " أن تلد الأَمة ربتها " يعنى أن المرأة الرقيقة غير الحرة تلد بنتا تكون هذه البنت حرة وسيدة مالكة لأمها .
جاء فى شرح صحيح مسلم "ج 1 ص 158" قال الأكثرون من العلماء : هو إخبار عن كثرة السرارى - الإماء - وأولادهن . فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ، لأن مال الإنسان صائر إلى ولده ، وقد يتصرف فيه فى الحال تصرف المالكين إما بتصريح أبيه له بالإذن ، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال .
وقيل : معناه أن الإماء يلدن الملوك ، فتكون أمة من جملة رعيته ، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته ، وهذا قول إبراهيم الحربى .
وقيل : معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد فى آخر الزمان - وبيعهن حرام - فيكثر تردادها فى أيدى المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدرى .
يقول النووى بعد سرد هذه الأقوال : إن هناك أقوالا أخرى غير ما ذكرناه ، ولكنها أقوال ضعيفة جدًّا أو فاسدة فتركتها . اهـ .
وهذا القدر كاف فى فهم معنى أن تلد الأمة ربتها ، وخلاصته فساد الزمان(8/195)
داعب ولدك سبعا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث " داعب ولدك سبعا ، وأدبه سبعا، وآخه سبعا، ثم اترك له الحبل على الغارب " ؟
An لم أر هذا حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ومثله موجود فى كلام العلماء والمربين ، جاء فى "إحياء علوم الدين للإمام الغزالى " فى حقوق الوالدين والأولاد : وقد قيل : ولدك ريحانتك فشمها سبعا ، وخادمك سبعا ، ثم هو عدوك أو شريكك .
والمراد بهذا الكلام أن يعامل الوالد ولده فى تربيته بحكمة ، فالأسلوب يختلف فى مراحل العمر، من الطفولة إلى الصبا إلى المراهقة إلى البلاغ ، وشرح ذلك يطول "انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "(8/196)
ووجدك ضالا فهدى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الضلال الذى كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يهديه الله ، وما صلة ذلك بعصمة الأنبياء ؟
An يقول الله سبحانه { ووجدك ضالا فهدى } الضحى : 7 ، الضلال أنواع ، منه ضلال الشرك ، وضلال الهوى ، وضلال الطريق ، الأول فى العقيدة والثانى فى السلوك القولى والعملى ، والثالث فى أمور الدنيا ، وإن كان فى بعضها تداخل ، والدليل العقلى مع إجماع أهل الملل على أن الشرك مستحيل على الأنبياء قبل البعثة وبعدها، فلا يصح أن يكون مقصودا من الآية ، والدليل العقلى قام أيضا على استحالة صدور الكبائر من الأنبياء ، فلا تصح إرادة ذلك من الآية ، بقى النوع الثالث من الضلال وهو ضلال الطريق ، سواء منه المادى والمعنوى ، وهو الذى يجب حمل الآية عليه ، فقد كان صلى الله عليه وسلم فى نشأته بين قومه مطبوعا على التمسك بالكمالات ، والبعد عن كل ما يشعر بالخسة والنقص فى الفهم والسلوك ، وكانت نفسه تتوق إلى السعى دائما لرفع شأن قومه بما يخلصهم مما ارتكسوا فيه من شرك وسلوك غير مستقيم ، ومازال يفكر فى وسيلة تحقق له أمنيته ، فلم يجد فى الأديان السائدة، ما يشفى غلته حتى طلعت عليه شمس النبوة ، ونزل عليه جبريل يبين له الطريق الذى يسلكه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبهذا هداه اللّه من حيرته ، ويحمل عليه قوله تعالى {ووجدك ضالا فهدى} .
وبمثل هذا يفسر قوله تعالى : {ووضعنا عنك وزرك . الذى أنقض ظهرك } الشرح : 2 ، 3 ، فالمراد بالوزر الحمل الثقيل الذى أتعب ظهره ، وهو حمل معنوى قائم على التفكير الطويل فى تخليص قومه مما هم فيه من كفر وضلال ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، من صغره ، لم يكن أنانيا يحب ذاته فقط ، ولكنه كان اجتماعيا يشترك مع قومه فى الأمور العظيمة ، وبالرسالة خفف اللّه عنه هذا الحمل ، فأنس بجبريل وألف اللقاء به ويسر له أمر الدعوة {فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا} الشرح :5 ، 6(8/197)
حديث " سيد القوم خادمهم "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذه العبارة " سيد القوم خادمهم " حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An هذا القول منسوب إلى النبى صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرح الزرقانى "ج 4 ص 117 ، 118 " أن السُّلمى رواه عن عقبة بن عامر عن الرسول ، وفى سنده ضعف أو انقطاع ، ورواه غيره أيضا كابن عساكر وأبى نعيم بسند ضعيف جدا مع انقطاعه ، ورواه الحاكم والبيهقى والديلمى بألفاظ أخرى مثل "سيد القوم فى السفر خادمهم ، فمن سبقهم لخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة" يقول الزرقانى فى شرح المعنى : السيد من يفرغ إليه فى النوائب . فيحمل الأثقال ، فلما تحمل الخادم الأمور وكفى المؤنة وما لا يطيقونه كان سيدهم ، وأصل العبارة : خادم القوم كسيدهم فبولغ فيه بالقلب المكانى حتى جعل السيد خادما .
ومهما يكن من شرح للمعنى فإنه ليس حديثا صحيحا ولا حسنا عن النبى صلى الله عليه وسلم(8/198)
العمل بالعلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم " ؟
An ذكر بعض العلماء أن هذا حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، ومنهم البيضاوى، وجاء فى "الآداب الكبرى" لابن مفلح أن الإمام أحمد بن حنبل رواه مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق أنس بن مالك . وقال أبو نعيم عقب ذلك : ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين عن عيسى بن مريم عليه السلام ، فوهم بعض أنه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم "غذاء الألباب "ج 1 ص 38(8/199)
حديث " كل أمر ذى بال "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك فضل لابتداء أى عمل بالبسملة وحمد لله ؟
An روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " وفى رواية "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " رواه أبو داود وابن ماجه والنسائى وابن حبان فى صحيحه مرفوعا ، قال المناوى : بإسناد حسن وفى رواية عند البغوى "بحمد الله " والكل بلفظ " أقطع " وفى رواية "أجذم " وفى رواية "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " وفى رواية "بذكر اللّه " فتكون الروايات ببسم الله الرحمن الرحيم ، وبالحمد لله ، وبحمد الله ، وبذكر اللّه . ولفظ "أقطع " هو أكثر الروايات . وكذلك لفظا "أبتر وأجذم " ومعنى هذه الألفاظ أنه ناقص البركة . "غذاء الألباب - ج 1 ص 9" .
هذا ، والبسملة بهذه الألفاظ العربية المرتبة من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته ، وما جاء فى سورة النمل هو ترجمة لما فى كتاب سليمان لبلقيس لأنه لم يكن عربيا ، وفى حديث مرفوع ، رواه الطبرانى عن بريدة "أنزل علىَّ آية لم تنزل على نبى بعد سليمان غيرى" بسم اللّه الرحمن الرحيم "الزرقانى على المواهب ج 1 ص 3(8/200)
من رحمة النبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب من الله أن يجعل دعاءه على المؤمن رحمة له ؟
An روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإنى قد اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" وفى رواية لمسلم "فأيما أحد دعوت عليه من أمتى بدعوة ليس هو لها بأهل ... " فإن قيل : كيف يدعو بدعوة على من ليس لها بأهل ؟ قيل -كما نقله ابن حجر عن المازرى- المراد ليس بأهل لذلك عند الله فى باطن الأمر لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه ، فكأنه يقول : من كان فى باطن أمره عندك ممن ترضى عنه فاجعل دعوتى عليه -التى اقتضاها ما ظهر لى من مقتضى حاله حينئذ-طهورا وزكاة .
وهذا صحيح لأن الرسول متعبد بالظواهر وحساب الناس فى البواطن على اللّه . وما فعله كان اجتهادا ، أو لم يكن مقصودا ، بل هو مما جرت به عادة العرب فى كلامها بلا نية، كقوله لغير واحد "تربت يمينك " وهذا نادر من النبى فهو لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه "الزرقانى على المواهب ج 5 ص 241" وفى تفسير القرطبى "ج 10 ص 226" : أن النبى صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ أسيرا إلى أم المؤمنين سودة ، فبات يَئنُّ ، فسألته فقال : أنينى لشدة القِدَ والأسر، فأرخت من كتافه ، فلما نامت هرب ، فأخبرت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قطع اللّه يديك " فلما أصبحت كانت تتوقع الآفة ، فقال صلى الله عليه وسلم :
"إنى سألت اللّه أن يجعل دعائى على من لا يستحق من أهلى رحمة ، لأنى أغضب كما يغضب البشر" ونزلت الآية {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا} الإسراء : 110 ، ذكره القشيرى أبو نصر رحمه اللّه . انتهى ولم يبين درجة هذه الرواية ، وهى خاصة بدعائه على أهله ، أما رواية مسلم فهى عامة فى كل من يدعو عليه النبى صلى الله عليه وسلم ، وهى أليق بما وصف به من الرحمة الشاملة لأهل بيته وغيرهم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } التوبة : 128 ، بل الشاملة لمن آمن به ومن لم يؤمن {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء : 107، بل الشاملة للحيوانات أيضا ، والأخبار فى ذلك كثيرة(8/201)
حديث " فى كرامة العلم "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تعلموا أولاد السفلة العلم ، فان علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية " ؟
An لم أجد فى كتب الصحاح هذا الحديث ، وجاء فى كتاب "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى "ج 1 ص 49 " وفى بيان وظائف المرشد المعلم فى الوظيفة السادسة : أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه ، لحديث "نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم "وجاء من أقوال عيسى عليه السلام "لا تعلقوا الجواهر فى أعناق الخنازير" فإن الحكمة خير من الجوهر، ومن كرهها فهو شر من الخنازير، وقال تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى، وليس الظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم فى منع المستحق ، يقول الشاعر :
أأنثر درًّا بين سارحة النعم * فأصبح مخزونا براعية الغنم ؟ فمن منح الجهال علما أضاعه * ومن منع المستوجبين فقد ظلم وجاء فى "أدب الدنيا والدين " للماوردى "ص 73" روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "أنه قال "لا تمنعوا أهله فتظلموا ، ولا تضعوه فى غير أهله فتأثموا" ولم يخرج هذا الحديث ، كما جاء فيه حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم "واضع العلم فى غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر والذهب " ولم يخرجه أيضا ، وذكر قول عيسى "لا تلقوا الجوهر للخنزير " فالعلم أفضل من اللؤلؤ، ومن لا يستحقه شرعا خنزير . وجاء أيضا فى " إحياء علوم الدين للغزالى ج 1 ص 11 " قول عكرمة : إن لهذا العلم ثمنا، قيل : وما هو؟ قال : أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيعه .
ثم جاءت أخبار تحذر من تعلم العلم لغير وجه اللّه منها "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولتماروا به السفهاء ، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، فمن فعل ذلك فهو فى النار " وهو حديث رواه ابن ماجه بسند صحيح ، ولا شك أن السفلة هم الذين يتعلمون من أجل ذلك .
وعلى هذا فالحديث المذكور لم يرد نصه بطريق صحيح ولا حسن ، ولكن ورد معناه كحديث ابن ماجه المذكور(8/202)
من أمر الرسول بقتلهم فى فتح مكة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q من هم الذين أمر الرسول بقتلهم فى فتح مكة حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة ؟
An جاء فى " الأحكام السلطانية" للماوردى " ص 132 " أنهم ستة،هم :
1 -عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، كان من كتاب الوحى ، فكان يغير ما أمره الرسول بكتابته ثم ارتد ولحق بقريش .
2 -عبد اللّه بن خطل ، كانت له جاريتان تغنيان بسب الرسول صلى الله عليه وسلم .
3-الحويرث بن نفيل ، كان يؤذى الرسول .
4 - مقيس بن حبابة ، كان بعض الأنصار قتل أخاه خطأ فأخذ ديته ثم اغتال القاتل وعاد إلى مكة مرتدا .
5 -سارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب كانت تسب وتؤذى .
6 -عكرمة بن أبى جهل ، كان يكثر التأليب على الرسول ، طلبا لثأر أبيه .
فأما ابن أبى سرح فاستأمن له عثمان الرسول فأعرض عنه ، وكان يتمنى أن يقتل وأما ابن خطل فقتله سعد بن حريث المخزومى وأبو برزة الأسلمى .
وأما مقيس فقتله رجل من قومه اسمه نميلة بن عبد اللّه ، وأما الحويرث فقتله على بن أبى طالب وأما سارة فتغيبت حتى استؤمن لها من الرسول فأمنها ثم تغيبت فداسها فرس لمسلم وماتت أيام عمر .
وأما عكرمة بن أبى جهل فهرب إلى البحر ، ونصحه صاحب السفينة بالإخلاص فمال قلبه إلى الإيمان فرجع ، وكانت زوجته بنت الحارث قد أسلمت وهى أم حليم فأخذت له من الرسول أمانا ، فلما رآه الرسول قال " مرحبا بالراكب المهاجر" فأسلم ، فقال له الرسول " لا تسألنى اليوم شيئا إلا أعطيتك " فقال : أسألك أن تسأل الله أن يغفر لى كل نفقة صددت بها عن سبيل الله ، وكل موقف وقفته لذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر له ما سأل " فقال : والله لا أدع درهما أنفقته فى الشرك إلا أنفقت مكانه فى الإسلام درهمين ، ولا موقفا وقفته فى الشرك إلا وقفت مكانه فى الإسلام موقفين ، فقتل يوم اليرموك(8/203)
بين النبى وزوجاته
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما تفسير قوله تعالى { يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم . قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم . وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنباك هذا قال نبأنى العليم الخبير } التحريم : 3- 1 ؟
An أصح ما ورد فى سبب نزول هذه الآيات أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند بعض زوجاته -زينب بنت جحش ، أو حفصة بنت عمر-وكان يمكث عندها طويلا فدبت الغيرة فى قلب بعض زوجاته ، وهن بشر يتمنين أن يمكث عندهن كما يمكث عندها ، لأن من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف عليهن جميعا كل يوم يسأل عنهن ويقضى حاجتهن ، ثم يبيت عند صاحبة النوبة . فقال بعض الزوجات : إذا دخل النبى علينا نقول : إن فى فمك رائحة كريهة-والنبى كان يكره الرائحة الكريهة- فقلن له ذلك . وذكرن أن سببه من الطعام الذى أكله ، فقال :
أكلت عسلا، فقلن : لعل نحله قد جنت العرفط ، يعنى امتصت زهره ورائحته كريهة ، فحلف النبى ألا يأكله مرة أخرى، وقد أطلع الله نبيه على ما فعله زوجاته ، وبين له كيف يخرج من يمينه ، وذلك بكفارة من عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم على ما جاء فى سورة المائدة .
وثبت فى صحيح مسلم أن عائشة وحفصة هما اللتان اتفقتا على هذه الحيلة ، والذى أسره لهما هو عدم عودته إلى شرب العسل ، فأفشيا السر فاخبره الله .
وقيل : إن السر هو قوله لهما إن أبويهما سيكونان خليفتين من بعده .
وقيل : إن سبب نزول الآيات خلوة الرسول بمارية فى بيت حفصة وكانت غائبة عنه فلما رأت أن ذلك هوان من شأنها قال لها : إنى حرمتها على نفسى ولا تخبرى أحدا، فأخبرت به عائشة، فغضب وحلف ألا يدخل على نسائه شهرا، ولكن سند هذه الرواية ضعيف ، أو لا يقف أمام رواية مسلم .
ومعنى "عرَّف بعضه وأعرض عن بعض " عرف حفصة أنها أفشت السر لعائشة فى تحريم العسل أو تحريم مارية ، وأعرض عن بعض وهو تولى أبى بكر وعمر بعده ، حتى لا يفشو الخبر أكثر وأكثر، وجازاها على ذلك بتطليقها ثم أمره الله بمراجعتها(8/204)
الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بالصلاة على النبى ، وما مدى مشروعيتها، وكيف تُؤَدّى ، وما فضلها ؟
An يقول اللّه سبحانه {إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب : 56 ، يقول العلماء : الصلاة على النبى من اللّه رحمة، ومن الملائكة استغفار ، ومن المؤمنين دعاء ، فالمطلوب منا أن ندعو الله أن يزيد من تعظيمه وإكرامه للنبى صلى الله عليه وسلم .
وإذا كانت النصوص قد أكدت أن الله سبحانه أعطى لنبيه صلى الله عليه وسلم من المكرمات ما لا يمكن حصره إلا أن طلبنا هذا من الله لنبيه يعد تعبيرا عن مدى حبنا له ، وحبنا للرسول علامة من علامات صدق الإيمان ، فقد ورد فى الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ومن الناس أجمعين " كما جاءت روايات أخرى فى هذا المعنى . قال ابن عبد السلام : ليست صلاتنا على النبى صلى الله عليه وسلم شفاعة له ، فإن مثلنا لا يشفع لمثله ، ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا ، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء ، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا - إلى الصلاة عليه .
وفى مدى مشروعية هذه الصلاة أقوال : أحدها أنها تجب فى الجملة بغير حصر، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة، والثانى أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، والثالث تجب كلما ذُكر، والرابع تجب فى كل مجلس ، والخامس تجب فى كل دعاء ، والسادس تجب فى العمر مرة ، فى الصلاة أو فى غيرها ، ككلمة التوحيد ، والسابع تجب فى الصلاة من غير تعيين المحل ، والثامن تجب بعد التشهد ، إلى غير ذلك من الأقوال .
وقال جماعة : إنها مستحبة وليست واجبة . والبحث فى أدلة هذه الأقوال وترجيحها يمكن الرجوع إليه فى كتب السيرة والحديث .
وهذه الصلاة تؤدى بأية صيغة كانت ، وأفضلها -كما قال كثير من العلماء هى الصلاة الإبراهمية التى تقال بعد التشهد الأخير فى الصلاة ، لأن الأحاديث الصحيحة وردت فى أنها هى التى علمها النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما سألوه عقب نزول الآية المذكورة ، وفى ألفاظ هذه الصلاة الإبراهمية خلاف يسير جاءت به الروايات .
والفوائد التى نجنيها من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم أكثرها فوائد دينية تتعلق بمضاعفة الأجر والثواب ، والأحاديث المرغبة فيها كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم "من صلى علىَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا" رواه مسلم ، وقوله "ما من أحد يسلم علىَّ إلا رد اللّه علىَّ روحى حتى أرد عليه السلام " رواه أبو داود ، وقوله " أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم علىَّ صلاة" رواه الترمذى وقال : حديث حسن . وقوله "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل على " رواه الترمذى وقال : حسن صحيح .
هذا ، وقد قال النووى " الأذكار ص 120 " : إذا صلى أحد على النبى صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم ، ولا يقتصر على أحدهما ، فلا يقل : صلى اللّه عليه فقط ولا عليه السلام فقط . ويسن عند الدعاء أن يبدأ بالحمد للّه أو بتمجيده والثناء عليه ثم يصلى على النبى ثم يدعو ثم يختم بالصلاة عليه ، والآثار فى ذلك كثيرة(8/205)
حديث الذبابة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى الحديث المشهور عن غمس الذبابة فى الشراب إذا وقعت فيه ؟
An روى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء" وجاء فى روايات لغير البخارى التعبير بإناء بدل شراب ، والتعبير بقوله "فامقلوه " بدل "فليغمسه " وأن الذباب يقدم الجناح الذى فيه الداء ويؤخر الجناح الذى فيه الدواء ، والحديث يأمر بنزع الذبابة بعد غمسها وعدم تركها فى الإناء .
حول هذا الحديث قامت معركة كبيرة بين الأطباء أنفسهم ، وأدلى كل فريق بوجهة نظره ، وتبين من كلامهم - وهم أهل الذكر فى الناحية الطبية - أن الطب ما زالت فيه أسرار لم يصل العلم إلى كشفها حتى الآن ، وقام بعض خبراء التحليل ببحوث أثبت فيها أن الذباب - وبخاصة النوع الذى يعرف بالزنبور- فى جسمه سم وترياق ، أو مرض ودواء ، ومعروف لدى الجميع أن سم العقرب يعالج بسم العقرب بعد إجراءات خاصة، والتحصين من بعض الأمراض يكون بمسبب هذه الأمراض بعد ترويض الميكروبات أو الفيروسات - حسب مصطلحهم - بعمليات معينة .
وأكد علماؤنا الأجلاء أن الحديث ما دام قد ثبت بطريق صحيح فلا ينبغى أن نسارع بتكذيبه إذا خالف شيئا مألوفا لم يصل إلى درجة الحقيقة القاطعة ، ولا أن نسارع بتأويله ليناسب ما عهدناه ، إلا إذا ثبت بالقطع الذى لا يعتريه شك ، فهنا يكون التأويل مسموحا به ، ووجوه هذا التأويل كثيرة .
والتعارض بين النص والحقيقة هو تعارض فى ظاهر النص لا فى حقيقته ، لأن الحقيقتين لا تتعارضان أبدا تعارضا كاملا من كل الوجوه ، لأنهما من صنع الله الحكيم .
ومن العلماء المرموقين فى التوفيق بين الروايات التى يتعارض بعضها مع بعض : ابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة 276 هـ ، وأشار إلى حديث الذباب فى كتابه "تأويل مختلف الحديث " وأورد كلام الأطباء فى منافع الحيات والعقارب والذباب .
والمرحوم الشيخ يوسف الدجوى أجاب عن هذا الحديث بما لا يخرج عما تقدم وأيده بمحاضرة ألقاها السيد / إبراهيم مصطفى عبده - معيد فى الصيدلة وتركيب العقاقير الطبية - فى جمعية الهداية الإسلامية بالقاهرة بتاريخ 19 / 3/ 1931 م ، ونشر ذلك بمجلة الإسلام فى 30/12/1932 م ، أيدها بتجارب ونُقُول عن كبار الأطباء العالميين ، كما نشر بمجلة الأزهر " عدد رجب 1378 ط " وكان هذا الحديث ضمن الرسالة التى قدمها المرحوم الشيخ محمد محمد أبو شهبة لنيل درجة الأستاذية سنة 1946 م وفيه نُقُول طبية عن كبار الأطباء ، ويمكن الرجوع فى هذا الموضوع إلى كتابه "دفاع عن السنة" صفحة 199 .
وجاء فى محاضرة الأستاذ إبراهيم مصطفى أن الذباب يقع على العفونات وما فيها من جراثيم ، ويتحول ما يأكله فى داخل جسمه إلى ما سماه علماء الطب "البكتريوفاج " الذى ينتصر على كثير من الجراثيم ، وأثبت ذلك بما نقله عن مجلة التجارب الطبية الإنجليزية "عدد 1037 عام 1927م " .
وبرهن على ذلك أيضا الدكتور "دريل " مندوب الصحة البحرية فى الهند للبحث عن ظهور الكوليرا فيها، وقدم تقريرا عن بحوثه فى ديسمبر 1927 م ، وأكد فاعلية البكتريوفاج الذى ينقله الذباب من براز الناقهين إلى آبار الماء ، فيشربه الأهالى ، فسرعان ما تخف عنهم وطأة الكوليرا ثم تزول .
وأجريت مثل تجارب الدكتور "دريل " فى البرازيل عن الدوسنتاريا الحادة ، واستعمل البكتريوفاج فى علاج الحمى التيفودية ، وضد جراثيم أخرى .
ويقول الأستاذ إبراهيم مصطفى ، اطلعت على تفصيل قوة البكتريوفاج فى مقاومة وإبادة الجراثيم فى كتاب باللغة الإنجليزية اسمه "تمهيد البكتريولوجى العملى " الذى يدرس فى كلية الطب المصرية ، يكاد يذكر أنها غير محدودة .
ثم يقول الشيخ يوسف الدجوى بعد استشهاده بهذه المحاضرة :
ومع ذلك نقول بالاحتياط من الذباب ، وغاية ما يريده الحديث أنك إذا فرطت فى الوقاية فلا تفرط فى العلاج بغمس الذبابة كلها(8/206)
حديث المتطوع أمير نفسه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا شرع الإنسان فى عبادة نافلة أى غير مفروضة، كصلاة الضحى وصيام يوم عرفة، وحج التطوع ، هل له أن يخرج من هذه العبادة ، أو لا بد من إتمامها ، وإذا خرج منها هل يجب عليه أن يقضيها أو لا يجب ؟
An يقول اللّه سبحانه { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } محمد : 33 .
روى البخارى وغيره أن سلمان أمر أبا الدرداء بأن يفطر من صوم كان متطوعا فيه -وذلك عند ما زاره فصنع له طعاما ولم يأكل معه لأنه صائم - ولما ذكرا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " صدق سلمان " .
وروى مسلم وأبو داود والنسائى عن عائشة رضى الله عنها قالت :
دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال " هل عندكم شئ "؟ فقلت : لا، قال "فإنى صائم " ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدى إلى حيس ، فخبأت له منه ، وكان يحب الحيس ، قلت : يا رسول الله إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه ، قال " أدنيه ، أما إنى قد أصبحت وأنا صائم " فأكل منه ثم قال لنا "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" هذا لفظ رواية النسائى وهو أتم من غيره ، وروت أم هانى قالت : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بشراب فناولنيه فشربت منه ، ثم قلت : يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها "أكنت تقضين شيئا"؟ قالت : لا، قال " فلا يضرك إن كان تطوعا" رواه سعيد وأبو داود . وفى رواية لأحمد والدارقطنى والبيهقى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها "إن المتطوع أمير نفسه ، فإن شئت فصومى وإن شئت فأفطرى" وروى الحاكم مثله وصححه .
وروى عن عائشة أنها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدى لنا حيس فأفطرنا . ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "اقضيا يوما مكانه " .
من شرع فى عبادة مفروضة حرم عليه أن يفسدها أو يبطلها، بناء على ما ورد فى مبطلات الصلاة والصيام والحج من النصوص ، وعليه أن يعيد هذه العبادة على وجهها الصحيح أو يقضيها إن فات وقتها ، وإلى جانب النصوص الخاصة بكل عبادة تنهى الآية المذكورة عن إبطال الأعمال ، وهو يشمل الإبطال المادى والمعنوى ، ومن المعنوى الرياء الذى يبطل الثواب وإن لم يبطل مادة العمل ، وعدم الخشوع فى الصلاة ، والكذب والزور والغيبة فى الصيام ، والرفث والفسوق والجدال فى الحج فى بعض معانى هذه الأمور، فهى تبطل الثواب ولا تبطل الصحة فلا تلزم الإعادة أو القضاء .
أما من شرع فى عبادة غير مفروضة كالأمثلة المذكورة فى السؤال فإن الخروج منها وإبطالها ماديا اختلف العلماء فى جوازه ومنعه ، ففريق قال بجواز الخروج وعدم وجوب الإتمام ، بناء على الحديث الأول عن عائشة والحديث الثانى عن أم هانى إلى جانب حديث سلمان وأبى الدرداء وأجابوا على الآية باحتمال ، أن يكون النهى عن إبطال الثواب ، فهو ليس نصا فى الإبطال المادى . كما أجابوا على الحديث الثالث الوارد فى عائشة وحفصة بالضعف ، قال عنه أبو داود : لا يثبت ، وقال الترمذى : فيه مقال ، وضعفه الجوزجانى وغيره ، وإن قبل هذا الحديث فأمر الرسول لهما بالقضاء للاستحباب لا للوجوب . وقالوا : يستحب إتمام النفل ويستحب قضاؤه إن أبطله وذلك للخروج من الخلاف .
وهذا الرأى مروى عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود . وبه أخذ أحمد والشافعى .
وفريق قال بحرمة الخروج من التطوع وبوجوب إتمامه ، ودليلهم فى ذلك الآية الناهية عن إبطال الأعمال ، والحديث الثالث الوارد فى عائشة وحفصة، ورد عليهم الأولون بما سبق ذكره .
وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك ، فالنفل يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا لعذر، فإن خرج وجب القضاء عند أبى حنيفة، ولا يجب عند مالك هكذا قال ابن قدامة، لكن جاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المالكية قالوا :
يجب قضاء النفل إذا أفسده ، فيبدو أن ما قاله ابن قدامة رواية أخرى عن مالك .
هذا ، وإذا كانت الأحاديث واردة فى الصوم فإن سائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصوم ، فى أنها تلزم بالشروع فيها أو لا تلزم ، وفى أنها تقضى أو لا تقضى .
لكن الحج والعمرة لهما حكم آخر إذا كانا غير واجبين ، فإنهما يخالفان سائر العبادات فى هذا ، فيجب إتمامهما بالشروع فيهما ، ولا يخرج منهما بإفسادهما ، وذلك لتأكد إحرامهما كما يقول ابن قدامة فى كتابه "المغنى" انظر صفحة 89، 90 ، 112 من الجزء الثالث وانظر ص 255 من الجزء السادس عشر من تفسير القرطبى ونيل الأوطار ج 4 ص 209 هذا ما قاله العلماء فى إتمام النفل ، وللقارىء اختيار ما يراه فدين اللّه يسر(8/207)
الأشهر الثلاثة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "رجب شهر الله وشعبان شهرى ورمضان شهر أمتى " ؟
An ألف ابن حجر العسقلانى رسالة بعنوان "تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب " أورد فيها أحاديث ما بين ضعيف وموضوع ، وذكر أنه لا يوجد حديث صحيح خاص بفضل الصيام أو الصلاة فى شهر رجب بالذات ، ونص عبارته : لم يرد فى فضل رجب ولا فى صيامه ولا فى صيام شىء منه معين ، ولا فى قيام ليلة مخصوصة فيه . .. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقنى إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروى الحافظ .
وذكر حديث "رجب شهر الله وشعبان شهرى ، ورمضان شهر أمتى" كما ذكر حديث "خيرة اللّه من الشهور شهر رجب وهو شهر الله من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله ، ومن عظم أمر الله أدخله اللّه جنات النعيم ، وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهرى، فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمرى، ومن عظم أمرى كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتى، فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه -خرج من رمضان وليس عليه دين يطلبه الله تعالى به " .
قال البيهقى : هذا حديث منكر "قلت " أى قال ابن حجر: بل هو موضوع ظاهر الوضع ، بل هو من وضع "نوح الجامع " وهو أبو عصمة الذى قال عنه ابن المبارك لما ذكره لوكيع : عندنا شيخ يقال له أبو عصمة كان يضع الحديث ، وهو الذى كانوا يقولون فيه "نوح الجامع " جمع كل شىء إلا الصدق ، وقال الحنبلى : أجمعوا على ضعفه "الإسلام - العدد 30 ، 31 من السنة الثالثة"(8/208)
حديث اختلاف أمتى رحمة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اختلاف أمتى رحمة" وكيف يكون الاختلاف رحمة، والدين بقرآنه وحديثه يدعو إلى الوحدة ؟
An هذا الحديث ذكره البيهقى تعليقا فى رسالته ، وأسنده فى المدخل من حديث ابن عباس بلفظ "اختلاف أصحابى لكم رحمة" وإسناده ضيف كما قال العراقى فى تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين " ج1 ص 25 " .
وسبب هذا القول كما ذكره بعض الكتاب أن أعرابيا حلف ألا يقرب زوجته حينا من الدهر، ولم يعرف هذا الأعرابى مدة ذلك الحين الذى أقسم عليه ، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسأله فلم يجده ، فسأل أبا بكر رضى اللّه عنه فقال : اذهب فطلق امرأتك ، فالحين هو العمر كله ، وسأل عمر رضى الله عنه فقال : إن عشت أربعين سنة يمكنك أن ترجع إلى امرأتك ، فالحين أربعون سنة ، وسأل عثمان رضى اللّه عنه فقال : امكث عاما ثم ارجع إلى امرأتك ، فالحين عام فقط ، وسأل عليا رضى الله عنه فقال له : متى حلفت ؟ قال : بالأمس ، فقال : ارجع إلى امرأتك فالحين هو نصف يوم .
ثم قص الأعرابى على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسأل كلا من الصحابة الأربعة على مستندهم فى آرائهم ، فقال أبو بكر : قال الله تعالى فى قوم يونس { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } يونس :
98 ، وقد سبق أن فسر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بأن اللّه تركهم بلا عذاب طول عمرهم . وقال عمر : قال اللّه تعالى { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} الإنسان : 1 ، وقد سبق أن فسر الرسول ذلك بأن آدم أتى عليه أربعون سنة مخلوقا مصورا لا يدرى ما هو وما اسمه وما يراد به . وقال عثمان . قال الله تعالى فى شجرة النخل الطيبة {تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها } إبراهيم :25 ، وثمار النخلة تأتى كل عام . وقال على : قال تعالى {فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون } الروم : 17 ، فالحين نصف يوم .
وقيل : إن هذه القصة هى فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وهو أيضا ضعيف وقيل موضوع ، رواه الدارمى .
وغيره ، وأسانيده ضعيفة ، وعلى فرض ورود هذا الحديث بأية درجة فهو ليس مدحا من النبى صلى الله عليه وسلم " لأى اختلاف ، بل للاختلاف فى الرأى الاجتهادى الذى ليس فيه نص قاطع ، وكل واحد من هؤلاء استند فى رأيه إلى نص فى القرآن . فهو معذور إن أخطأ، ومن المعلوم أن الاختلاف. فى الآراء الاجتهادية يعطى فرصة للإنسان أن يختار منها ما يتناسب مع ظروفه ، ومن هنا جاءت المذاهب الفقهية المعروفة ، وتقليد أى منها جائز لا حرج فيه(8/209)
البطيخ والقرى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث : ربيع أمتى البطيخ ، وخير بقاع الأرضى القرى وشرها المدن ؟
An ليس هناك حديث صحيح فى مدح البطيخ ، وليس هناك حديث يفضل أهل القرى على أهل المدن . وأسماء الأمكنة لا قيمة لها، وقيمتها فى سلوك أهلها(8/210)
فضل المتصدق والمتصدق عليه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " ما المعطى عن سعة بأعظم أجرا من الذى يُصَدَّق عليه " ؟
An هذا الحديث ضعيف رواه ابن حبان فى الضعفاء والطبرانى فى المعجم الأوسط ، كما رواه فى المعجم الكبير بسند ضعيف ، فهو ليس بحديث صحيح ولا حسن . ذكره العراقى فى تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين " للغزالى الذى وضحه بأن الذى يتفرغ للعبادة ويقبل الصدقة لحاجته إليها لا يقل فضلا عن الغنى الذى أعطاه الصدقة . وهو على إطلاقه دعوة للتفرغ للعبادة ، ولكنى لا أرى تشجيع التفرغ لها للقادرين على الكسب ، وقد يفيد الحديث فى مساعدة من يحتاجون لطلب العلم والجهاد فى سبيل الله ولا يمكنهم التفرغ للسعى وطلب الرزق ،وكذلك للعجزة عن الكسب(8/211)
حديث " حزام الجوع "
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشد الحجر على بطنه من الجوع ؟
An روى البخارى ومسلم عن أنس رضى الله عنه أنه وجد الرسول صلى الله عليه وسلم يوما قد عصب بطنه بعصابة، وذلك من الجوع .
وكان المسلمون الأولون يشدون الأحجار على بطونهم ليقيموا أصلابهم وذلك من الجوع .
ويروى أحمد بسند صحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :
لقد رأيتنا وما لنا ثياب الا البُرُد المتفتقة ، وإنه ليأتى على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه ، حتى إن أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم صلبه(8/212)
غزوة ذات الرقاع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا سميت غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم ، وما اسم الرجل الذى حدثت معه واقعة السيف الذى أراد به قتل النبى صلى الله عليه وسلم ؟
An جاء فى "المواهب اللدنية " للقسطلانى وشرحها للزرقانى أن غزوة ذات الرقاع سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم ، أو باسم شجرة .فى ذلك الموضع كانت العرب تعبدها وتربط بها خرقا لقضاء مصالحهم . وقيل : لأن الأرض التى نزلوا بها كان بها بقع سود وبقع بيض كأنها ثوب مرقع ، وقيل : لأن خيلهم كان بها سواد وبياض .
وأصح الأقوال ما رواه البخارى ومسلم أن قلة الجِمال كانت تضطر بعضهم إلى المشى فيعصبون على أرجلهم رقاعا تخفف عنهم ألم المشى على الأرض الصعبة .
والرجل الذي أراد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نائم تحت الشجرة وسقط السيف من يده كما فى البخارى-اسمه غَوْرَث بن الحارث ، وقيل " غَوْرِث " وقيل " غُوَيْرث " بالتصغير .
وحدث مثل ذلك فى غزوة غطفان "ذى أمر" بناحية نجد، والرجل اسمة "دُعْثُور" فهناك قصتان لرجلين . وقيل : هى قصة واحدة والأسماء تطلق على الرجل كألقاب(8/213)
حديث : فى العشق والشهادة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد"؟
An تقدم الحديث عن الحب بين الجنسين وهو غالب ما يسأل عنه الناس ، وهو أمر طبيعى فى حياة البشر، وإذا انتهى إلى غاية شريفة ولم يصاحبه محرم فلا بأس به ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب زوجاته ويخص عائشة منه بنصيب أوفر، لأنه لا يمكن العدل فيه ، وروى أصحاب السنن أنه قال فى ذلك " اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك " .
وحديث " من عشق فعف فمات فهو شهيد " وفى رواية "من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة" هو حديث موضوع مكذوب على النبى صلى الله عليه وسلم . ولا يجوز أن يكون من كلامه ، فإن الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصديقية ، ولها أعمال وأحوال هى شروط فى حصولها ، والشهادة الخاصة هى ما كانت فى سبيل اللّه ، والشهادة العامة خمس مذكورة فى الصحيح وليس العشق واحدا منها .
ونعى ابن القيم على من نسب هذا الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذكر أن لفظ العشق لم يحفظ عنه فى حديث صحيح ألبتة، ثم إن العشق منه حلال ومنه حرام ، فكيف يظن بالنبى صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد؟ "راجع زاد المعاد لابن القيم ج 3 ص 154 " ففيه كلام كثير عن العشق وعن هذا الحديث(8/214)
حديث : الشفاء فى ثلاث
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "الشفاء فى ثلاث ،شربة عسل ، أو شرطة محجم أو كية نار، وأكره أن يكتوى " وهل الأخذ بغير هذه الوسائل فى علاج الأمراض يُعد خروجا على ما جاء بالسنة؟
An هذا الحديث رواه البخارى بعدة روايات كما جاء فى كتاب "زاد المعاد " لابن القيم ، ووضح معناه بما نقله عن المازرى من أن الأمراض الامتلائية إما أن تكون دموية أو صفراوية أو بلغمية أو سوداوية ، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال الذى يليق بكل خلط منها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم نبه بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد .
وقد قال بعض الناس : إن الفصد يدخل فى قوله "شرطة محجم " فإذا أعيا الدواء فآخر الطب الكى ، فذكره صلى الله عليه وسلم فى الأدوية لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية وحيث لا ينفع الدواء المشروب ، إلى آخر ما قاله ابن القيم عن المازرى .
ومنه نرى أن العلاج ليس مقصورا على هذه الأشياء المذكورة فى الحديث ، فهى وسائل لعلاج أنواع من المرض وليس لكل الأمراض ، وفى الوقت نفسه هى أمثلة ونماذج لغيرها من الأدوية، وليس المقصود حصرها ومنع غيرها ، وهذا واضح من تعبير المازرى : وكأنه نبه بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد . فأى دواء يفيد فى هذا المجال ويؤدى إلى النتيجة المطلوبة فهو جائز الاستعمال ، وليست الأمراض محصورة فيما جاء فى الحديث ، وكذلك ليست الأدوية محصورة أيضا ، فالعالم يتغير والكون فيه أسرار يكتشفها العلم الذى يتطور .
ولا يجوز أبدا تحريم العلاج بغير ما ذكر فى الحديث فذلك حكم على الدين بالعقم والتخلف ، وكيف لا وهو صالح لكل زمان ومكان ، وجاء فى الحديث الأمر بالتداوى، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء كما رواه الترمذى، وكما فى الصحيحين " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء"(8/215)
النبى بين حياة وموت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما مدى صحة القول بأن النبى صلى الله عليه وسلم حى يرزق ، وهل يتعارض مع قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون } الزمر: 30 ؟
An إذا كان الحديث قد ورد فى أن الأنبياء أحياء فى قبورهم ولا تأكل الأرض أجسادهم ، كما نصت الآية على حياة الشهداء - فلا نعلم نحن كيفية هذه الحياة التى للأنبياء، حيث لم ينص عليها فى خبر كما نص فى الحديث على حياة الشهداء .
وحياتهم حياة برزخية -أى فاصلة بين الحياة فى الدنيا والحياة يوم القيامة- لا تكليف فيها ، فقد انقطع التكليف بمفارقة الروح للجسد ، وكل من عليها فان ، وكل نفس ذائفة الموت ، أى تنتهى به حياتها الدنيوية الى حياة برزخية نترك تفصيلها الى الله . فهى من الغيب الذى لا يقبل فيه إلا خبر صادق لا يتطرق إليه الشك ثبوتا ودلالة(8/216)
رؤى الإسراء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف رأى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو فى رحلة الإسراء أناسا يعذبون ويحاسبون على أعمالهم رغم أن يوم القيامة لم يأت بعد؟
An ما رآه النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء هو صور ونماذج لما يكون عليه الحال يوم القيامة ، أو هو تعبير عن الواقع لهؤلاء الناس فى القبور ، ففى القبر نعيم وعذاب ، وذلك غير ما يكون يوم القيامة ، من نعيم فى الجنة وعذاب فى النار، فالصور التى رآها الرسول فى ليلة الإسراء ، ومثلا ما رآه مناما ... ورؤيا الأنبياء حق -من أن ملكين أخذاه ومرا به على صور وأشكال لمن ينامون عن الصلاة ومن يأكلون الربا ومن يزنون وخطباء الفتنة، ومن ينفقون للجهاد فى سبيل الله -هذه الصور إما رموز لما سيكون عليه الحال يوم القيامة ، وإما حقيقة لما يكون عليه هؤلاء فى القبور(8/217)
حديث : قص الأظافر يوم الجمعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "من قص أظافره فى يوم الجمعة أخرج اللّه منه مرضا وزاده شفاءا ؟
An لم أجد حديثا صحيحا بهذا المعنى، والذى وجدته هو ما ذكره الشعرانى فى كتابه "كشف الغمة" ج 1 ص 180 "من قلم أظفاره يوم الجمعة وقى من السوء إلى مثلها" وقال عنه الزرقانى فى شرح المواهب "ج 4 ص 215" : إنه حديث ضعيف رواه الطبرانى فى الأوسط والبزار عن أبى هريرة .
وروى البغوى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة ، ونقل السفارينى فى كتابه "غذاء الألباب " ج 1 ص 381 عن "الآداب الكبرى" حديثا رواه ابن بطة بإسناده "من قص أظفاره يوم الجمعة دخل فيه شفاء وخرج منه داء" وذكر الغزالى فى كتابه "الإحياء" ج 1 ص 162 أنه من قول ابن مسعود بلفظ "من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء وأدخل فيه شفاء" .
فالحديث ليس صحيحا بهذا اللفظ ، وإن كانت النظافة مطلوبة لصلاة الجمعة ، فى الجسم والثياب ، ومن ذلك قص الأظافر الطويلة(8/218)
عبادة النبى قبل البعثة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعبد فى غار حراء قبل البعثة، فبماذا كان يتعبد؟
An ذكر القرطبى فى تفسيره "ج 16 ص 57" أن العلماء تكلموا فى النبى صلى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بدين قبل الوحى أم لا، فمنهم من منع ذلك مطلقا وأحاله عقلا، قالوا لأنه يبعد أنه يكون متبوعا من عُرف تابعا، وبنوا هذا على التحسين والتقبيح ، وقالت فرقة أخرى بالتوقف وترك قطع الحكم عليه بشىء فى ذلك ، حيث لا دليل على شىء بالعقل أو النقل ، وهذا مذهب أبى المعالى، وقالت فرقة ثالثة : إنه كان متعبدا بشرع من قبله وعاملا به ، ثم اختلف هؤلاء فى التعيين ، فذهبت طائفة إلى أنه كان على دين عيسى، فإنه ناسخ لجميع الأديان والملل قبله فلا يجوز أن يكون النبى على دين منسوخ ، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين إبراهيم ، لأنه من ولده وهو أبو الأنبياء ، وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين موسى ، لأنه أقدم الأديان (هكذا) وذهبت المعتزلة إلى أنه لابد أن يكون على دين ، ولكن عين الدين غير معلومة عندنا .
وقد أبطل هذه الأقوال كلها أئمتنا ، إذ هى أقوال متعارضة وليس فيها دلالة قاطعة وإن كان العقل يجوَّز ذلك كله ، والذى يقطع به أنه عليه السلام لم يكن منسوبا إلى واحد من الأنبياء نسبة تقتضى أن يكون واحدا من أمته ومخاطبا بكل شريعته ، بل شريعته مستقلة بنفسها مفتتحة من عند الله الحاكم جل وعز وأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل ، ولا سجد لصنم ولا أشرك بالله ، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر- الموضع الذى يجتمعون للسمر فيه ، ولا حضر حلف المطر (هكذا) ولا حلف المطيبين - القائم على نصرة المظلوم وصلة الأرحام - بل نزهه لله وصانه عن ذلك .
ولا يعترض على ذلك بقوله تعالى{قل بل ملة إبراهيم حنيفا} البقرة : 135 وبقوله {أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} النحل :123 ، وبقوله {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } الشورى: 13 ، فهذا يقتضى أنه كان متعبدا بشرع - فالجواب أن ذلك فيما لا تختلف فيه الشرائع من التوحيد وإقامة الدين ، أما تفاصيل الشرائع فلم يعرفها حتى جاء الإسلام(8/219)
وما ينطق عن الهوى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيحا لمعنى قوله تعالى : {وما ينطق عن الهوى . أن هو إلا وحى يوحى } النجم : 3 ، وهل منه الحديث النبوى ؟
An يقول المفسرون : إن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينطق عن الهوى والغرض فى القرآن الذى يبلغه للناس ، فهو وحى من الله تعالى ، بمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا قاله : قال الله كذا ، فإن ذلك عن صدق ، وأن الكلام هو كلام الله ، وليس كلام محمد نسبه إلى ربه ليكسب قداسة، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يكتم شيئا مما أمر بتبليغه حتى لو كان على غير ما يحبه هو؟ ولذلك لما نزل قوله تعالى فى حقه {عبس وتولى . أن جاءه الأعمى } بلغ ذلك ولم ينقص منه شيئا مع أنه ضد هواه وميله ، لكن الحق لابد أن يتبع ويبلغ .
وهذا يلتقى مع قوله تعالى{تنزيل من رب العالمين . ولو نقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين .فما منكم من أحد عنه حاجزين } الحاقة : 43 -47 ، ومع قوله {قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم } يونس : 15 .
فالقرآن هو الوحى الذى يبلغه الرسول دون تغيير أو تبديل ، ودون تدخل هواه فيه ، أما ما يحكم به بين الناس فهو نطقه هو وكلامه هو، إن كان حقا أيده الله فيه وسكت عنه ، وإن كان غير ذلك أرشده ، كما فى قوله تعالى{ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } التوبة : 84 بعد أن صلى على قبر عبد الله بن أبى كبير المنافقين .
والحديث النبوى معناه من الله ولفظه من النبى صلى الله عليه وسلم فهو لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحى يوحى ، وإذا بلغه الرسول صحيحا فبها ، وإلا صححه رب العزة ، وإذا لم يكن معنى الحديث من الله بل كان اجتهادا ، التزم فيه الرسول المصلحة العامة ، وبخاصة فيما يمس الناس ، ويظهر ذلك فى عرض مشروع الصلح فى غزوة الخندق على السعدين ، وقالا: هل هو أمر من الله فنتبعه ، أو شىء تحبه فنوافقك عليه ، أو هو لمصلحتنا؟ فقال "بل لمصلحتكم " فلم يوافقوا عليه "انظر كتب السيرة"(8/220)
الكوثر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الكوثر نهر فى الجنة أعطاه الله للنبى صلى الله عليه وسلم ؟
An يقول الله سبحانه {إنا أعطيناك الكوثر } وللعلماء كلام كثير فى المراد بالكوثر، فقيل هو الخير الكثير، وقيل هو النبوة، وقيل غير ذلك ، وأقوى ما فسر به ما جاء فى صحيح مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة قال "أتدرون ما الكوثر"؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ،فقال "نهر وعدنيه ربى، عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة، آنيته عدد النجوم ، فيُختلجُ العبد منهم فأقول : رب إنه من أمتى، فيقول : ما تدرى ما أحدث بعدك "ومعنى يختلج ينزع ويبعد، وروى أحمد فى مسنده أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم ما الكوثر؟ فقال "نهر فى الجنة يسيل فى حوضه ، لهو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل " وجاء فى صحيح البخارى أنه "نهر فى الجنة يسيل فى حوضه ، مجراه على الدر والياقوت " وفى سنن النسائى "ترابه المسك وحصاه اللؤلؤ والياقوت ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج " .
وحوض النبى صلى الله عليه وسلم أكبر الحياض وأكثرها واردة ، ففى حديث الترمذى "إن لكل نبى حوضا ، وإنهم يتباهون بأكثرهم واردة، وإنى أرجو أن أكون أكثرهم واردة" وجاء فى روايات البخارى ومسلم "أن حوض الرسول صلى الله عليه وسلم مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبدا" وفى رواية "حوضى مسيرة شهر وزواياه سواء ، وماؤه أبيض من الوَرِق " أى الفضة ، وفى رواية لهما أيضا ما يفيد أن بعض من يردون الحوض من أمته يمنعون عنه ويذهب بهم إلى النار لأنهم ارتدوا على أدبارهم فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم ، أى ضوالها . ومعناه الناجى قليل كقلة الضالة من الغنم بالنسبة إلى جملتها "الزرقانى على المواهب ج 5 ص 34، الترغيب ج 4 ص 144- 147 " .
تلك بعض الأحاديث التى فسرت الكوثر بأنه نهر فى الجنة بهذه الأوصاف الطيبة، وهو يصب فى حوض الرسول الذى يكون فى المحشر قبل دخول الجنة، وأن الذى سيشرب منه هم الثابتون على الإيمان والتقوى حتى الموت ، وأن مقدار ما يشربه المؤمن من الحوض يقدر بدرجة حبه للنبى صلى الله عليه وسلم والحب له آثار فى السلوك على هدى الأسوة الحسنة(8/221)
تحريم ما أحل الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال الله تعالى : {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك } ما هو الشىء الذى حرمه الرسول على نفسه ، وكيف يخلف أمر الله فيحرم ما أحله الله له ؟
An أصح ما ورد فى سبب نزول هذه الآية من أول سورة التحريم كما رواه مسلم ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند بعض نسائه - زينب بنت جحش أو حفصة بنت عمر-وكان يمكث عندها طويلا، فدبت الغيرة فى قلب بعض زوجاته ، وهن بشر ، كن يتمنين أن يمكث عندهن كما يمكث هناك ، لأن من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف عليهن جميعا كل يوم ، يسأل عنهن ويقضى حاجاتهن ، ثم يبيت عند صاحبة النوبة ، فقال بعض الزوجات : إذا وصل النبى إلينا نقول له : إن فى فمك رائحة كريهة وهو يكره الرائحة الكريهة فقلن له ذلك ، وذكر أنه من الطعام الذى أكله ، فقال "أكلت عسلا" فقلن : لعل نحله قد جنت العُزفُط ، يعنى امتص زهر شجر العرفط وهو ذو رائحة كريهة .
ومن هنا حلف الرسول ألا يأكله مرة أخرى ، وبالفعل عندما زار من عندها عسل رفض أن يأكل منه ، وقد أطلع الله نبيه على ما فعلته أزواجه ، - زوجاته - وبيَّن له المخرج من يمينه ، وهو كفارة بعتق رقبة أو أطعام عشر مساكين أو كسوتهم على ما جاء في سورة المائدة .
وقد نزلت هذه الآية عتابا رقيقا من اللّه لنبيه فى أنه كان فى الذروة من حسن معاشرة أزواجه ، لدرجة أنه امتنع عما أحله الله له لإدخال السرور على قلوبهن وبين له أن سمو الخلق لا يصل إلى الدرجة التي يتعب فيها نفسه ويحرمها من الحلال الطيب الذى يحبه ، فالامتناع عن أكل شىء إرضاء لمن يحبه ليس تحريما شرعيا لشيء أحله اللّه وليس معصية، بل هو تصرف شخص فى معاملة أزواجه ، كما امتنع عن أكل الثوم والبصل وهما مباحان ، لأن وضعه من لقاء الملائكة وغيره ليس كوضع سائر الناس ، وقد امتنع من قبله سيدنا يعقوب عن لحوم الإبل وألبانها لأمر يخصه ، ولم يعاتبه الله على ذلك كما قال سبحانه {كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } آل عمران : 93 .
والسبب المذكور لنزول الآية أصح من رواية الدارقطنى أنه امتنع عن مارية إرضاء لحفصة عندما اختلى بها فى بيتها "راجع تفسير القرطبى لهذه الآية"(8/222)
رؤية النبى بالنهار والليل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يرى فى الظلام كما يرى فى النور ؟
An جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى فى النهار فى الضوء . رواه البخارى . وروى البيهقى عن عائشة رضى الله عنها قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى فى الظلماء كما يرى فى الضوء .
وقد علق الزرقانى فى شرحه على إسناد الحديث للبخارى فقال : لم أجده فيه ، وإنما عزاه السيوطى وغيره للبيهقى فى الدلائل ، وقال : إنه حسن . قال شارحه : ولعله -أى الحكم بالحسن - لاعتقاده ، وإلا فقد قال السهيلى :
ليس بقوى، ونقل ابن دحية تضعيفه فى كتاب "الآيات البينات " عن ابن بشكوال ، لأن فى سنده ضعفا فكيف يكون فى البخارى .
وحديث البيهقى رواه أيضا ابن عدى وبقى بن مخلد-كما فى الشفاء - وضعفه ابن الجوزى والذهبى . لكنه يعتضد بشواهده فهو حسن كما قال السيوطى .
فالخلاصة أن روية النبى صلى الله عليه وسلم فى الظلام كالنهار سندها ضعيف أو حسن وذكر الزرقانى أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة فوطئ على زينب بنت أم سلمة بقدمه وهى نائمة، فبكت ، وقد يكون ذلك لبيان أن رويته فى الليل كالنهار ليست فى كل الأحوال ، وأجاب عنه الزرقانى بجواب آخر من وجهة نظره "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 83"(8/223)
حديث : شفاعة زائر القبر الشريف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال " من زار قبرى وجبت له شفاعتى " وهل تتحقق هذه الشفاعة إن كان الزائر من غير أهل التقوى والإيمان ؟
An هذا الحديث رواه الدارقطنى وابن أبي الدنيا وغيرهما ، ورواه عبد الحق فى أحكامه وسكت عنه ، وسكوته دليل على قبوله .
قال الذهنى : طرقه كلها لينة، لكن يقوى بعضها ببعض ، وهناك روايات أخرى بهذا المعنى .
يقول الزرقانى فى شرح المواهب "ج 8 ص 298" : معنى "وجبت له شفاعتى" أخصه بشفاعة ليست لغيره تناسب عظيم عمله ، إما بزيادة نعيم أو تخفيف هول ذلك اليوم عنه ، أو دخول الجنة بلا حساب ، أو رفع درجاته بها ، أو بزيادة شهود الحق والنظر إليه ، أو بغير ذلك ، أو المراد البشرى بموته على الإسلام(8/224)
حديث : العلماء ورثة الأنبياء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذا حديث صحيح " العلماء ويرثه الأنبياء"؟
An روى أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث طويل "أن العلماء ورثه الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" .
هذا الحديث يبين فضل العلماء ، توضيحا لقوله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة : 11 ، فهم الوارثون لما تركه الرسول ، لأنه القائل "بلغوا عنى ولو آية" رواه البخارى والقائل فى طلاب العلم ، "من سلك طريقا يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجهة" كما رواه مسلم ، والقائل "أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " كما رواه أحمد وابن حبان والحاكم ، والقائل "يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم ، عمل به أو لم بعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة" كما رواه ابن ماجه بإسناد حسن .
وأشرف العلم ما كان متصلا بالقرآن ففى حديث البخارى ومسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " لأنه يرشد إلى كل العلوم النافعة فى الدين والدنيا ، ففى آياته قوله تعالى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماءُ} فاطر: 27 ، فالذين يخشون الله هم علماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات وطبقات الأرض ، وعلماء الإنسان تاريخا ونفسا وطبا وكل ما يتصل به ، وعلماء الحيوان كذلك بكل ما يتصل به ، وذلك إذا درسوا بتعمق ، وإنصاف وقصد حسن ، إنهم بوصولهم إلى سر الخلق سيؤمنون أو يزادون إيمانا ، وسيفيدون أنفسهم والناس جميعا بجهودهم .
ومن أراد أن ينشرح صدره بمعرفة موقف الإسلام من العلم بفروعه المختلفة فليرجع إلى "إحياء علوم الدين " للأمام الغزالى ، وسيهتف من أعماق قلبه أن هذا الدين هو دين الحضارة الصحيحة ، الصالح لكل زمان ومكان ، وذلك بالفهم الواعى والتطبيق الصحيح(8/225)
حديث : الجار السابع
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى على سابع جاركما يقول بعض الناس ؟
An معلوم أن الإسلام أوصى على رعاية حق الجوار، والنصوص فى ذلك كثيرة يكفى منها قوله " تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار فى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم } النساء : 36 ، والجار ذو القربى من له صلة قرابة ، والجنب من لا يربطه به قرابة ، والصاحب بالجنب قيل هو الزوجة ، وقوله صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " رواه البخارى ومسلم ، وقوله :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " رواه البخارى ومسلم وقوله : "والذى نفسى بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره " أو قال لأخيه -ما يحبط لنفسه " رواه مسلم .
والجار هو من جاور فى المسكن أو المتجر أو المصنع أو الحقل أو حلقة الدرس أو الفصل ، وفى أى مكان يطول به زمن الجوار، لكن هل الوصية بالإحسان إلى الجار خاصة بمن يجاور مباشرة لا يتعداه إلى البعيد؟ إن الناظر إلى روح الإسلام يرى أن الأخوة يمتد ظلها حتى يشمل أكثر من شخص ، وإن كان هناك تفاوت فى الأولوية بحسب القرب والبعد ، ويشهد لهذا الامتداد حديث روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء يشكو إليه جاره فأمره أن ينادى على باب المسجد "ألا إن أربعين دارا جار" يقول الزهرى راوى هذا الحديث مفسرا له : أربعون هكذا ، وأومأ إلى أربع جهات .
هذا هو الحديث الذى روى فى اتساع مجال الجوار وإن كان فى سنده مقال ، لكن روح الشريعة لا تعارضه . أما قول بعض الناس : إن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى على سابع جار فلم أره حديثا منسوبا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو من مبالغة الناس واستعمالهم عدد السبع وعدد السبعين كثيرا فى المبالغة ، ولا ننسى فى هذا المقام قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الأخوة الجامعة كما رواه البخارى ومسلم " مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تدامى له سائر الجسد بالسهر والحمى "(8/226)
حديث : الهرة بارة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذا من الحديث الشريف "اتقوا الهرة فإنها من المارة" ؟
An لم أعثر على حديث بهذا اللفظ ، والذى رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عن الهرة فى طهارتها وعدم نجاستها "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات " يقول الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" والطوافون الخدم ، والطوافات الخادمات ، جعلها بمنزلة المماليك فى قوله تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون } الواقعة : 17 ، قد يستدل على ذلك بقوله تعالى فى آية الاستئذان {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض } النور : 58 .
وفى سنن ابن ماجه "الهرة لا تقطع الصلاة ، إنما هى من متاع البيت " ولعل كلمة "الطوافين " يقصد بها ما جاء فى السؤال "المارة" أى التى تمر أمام الناس .
هناك مثل يقول : فلان أبَر من هرة . أرادوا بذلك أنها تأكل أولادها من شدة الحب لهم ، فهى بهذا بارة وليست مارة(8/227)
حديث : القابض على دينه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "سيأتى زمن على أمتى القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر " وهل ينطبق هذا الحديث على الزمن الذى نعيشه الآن ؟
An روى ابن ماجه والترمذى حديثا قالا عنه : حسن غريب ، أى رواه راو واحد فقط ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " .
وجاء فى الجامع الكبير للسيوطى حديث "يأتى على الناس زمان التمسك فيه بسنتى عند اختلاف أمتى كالقابض على الجمر" رواه الترمذى الحكيم عن ابن مسعود فى كتابه "نوادر الأصول " وهو ضعيف " .
ومعلوم أنه لا يمر زمان إلا والذى بعده شر منه ، وقد كثرت فى أيامنا الفتن المغريات والانحرافات ، لكن لم تصل إلى الذروة ، وما يخبئه المستقبل لا علم لنا به ، ونرجو أن يقينا الله شر الفتن(8/228)
حديث : ليس الإيمان بالتمنى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيح معنى القول المأثور، ليس الإيمان بالتمنى، وهل هو حديث صحيح ؟
An أثر عن الحسن البصرى أنه قال : ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل ، وإن قوما خرجوا من الدنيا ولا عمل لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله وكذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .
إن هذا الأثر ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم كما قال المحققون ، وإنما هو من كلام الحسن البصرى ، ومعناه صحيح ، وهو أن الإيمان الذى يكرم الله به المؤمن وينجيه من النار ليس مجرد كلمة يقولها بلسانه دون عمل ، وليس أمنية يتمناها ترفع بها درجته عند ربه ، فما أهون الكلام المجرد عن عمل يصدقه ، وما أكثر الأمانى عند المفلسين من كنز العمل الصالح وهذا يلتقى مع الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأمانى" رواه الطبرانى وأحمد والترمذى وقال : حسن "الجامع الصغير للسيوطى" .
لو أحسن هؤلاء الظن باللّه لاستعدوا للقائه بالعمل الصالح الذى أمرهم به ، فهو القائل {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } التوبة :105 ، وقد حدث أن بعض أهل الكتاب تناقشوا مع بعض المؤمنين ،كل يدعى أن الفضل له دون الأخر، فنزل قوله تعالى{ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء: 123،124 .
فالمدار كله على العمل المبنى على الإيمان وحسن الظن باللّه ، ولا يغتر أحد بما يقول بعض الشعراء :
لخدمت على الكريم بنير زاد * سوى الإخلاص والقلب السليم فحمل الزاد أقبح ما يكون * إذا كان القدوم على كريم فالإفراط فى الرجاء الذى ينفى الخوف يسلم إلى الكسل ويهود الحيلة، وعلماء التوحيد يقولون :
وغلب الخوف على الرجاء * وسر لمولاك بلا تناء "انظر: فيض القدير على الجامع الصغير للمناوى رقم 7570 وتفسير القرطبى ج 10 ص 600"(8/229)
حديث : الجنة تحت أقدام الأمهات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى الحديث أن الجنة تحت أقدام الأمهات ، فكيف يكون ذلك وفيهن كافرات وعاصيات ؟
An روى ابن ماجه والنسائى والحاكم وصححه أن رجلا قال :
يا رسول الله أردت أن أغزو، فقال له "هل لك من أم "؟ قال نعم : قال "فالزمها فإن الجنة تحت رجلها" وعبر فى بعض الروايات عن هذا بقوله "الجنة تحت أقدام الأمهات " .
وردت النصوص فى القرآن والسنة بالأمر ببر الوالدين ، وتخصيص الأم ، بزيادة فى ذلك ، فإن برهما من أسباب دخول الجنة ، والمراد بعبارة "الجنة تحت أقدام الأمهات " أن خدمة الأم خدمة خالصة ، وعدم الأنفة أو التكبر عن أساء هذه الخدمة-حتى لو كانت الأم كافرة على ما جاء فى قوله تعالى{وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا} لقمان : 15 .
من أقوى الأسباب فى دخول الجنة وبالأولى لو كانت الأم المؤمنة عاصية لربها بمثل التقصير فى الصلاة .
وليس المراد أن كل الأمهات يدخلن الجنة حتما ، ويكن متمكنات منها كما يتمكن الإنسان من الشىء الذى تحت قدمه ، فإن شرط دخول الجنة الإيمان ، فلا تدخلها الكافرة ، كما قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 48 ، والمؤمنة وإن عصت ربها فقد يغفر الله لها و لا تعذب ، وقد تعذب ولكن مصيرها الجنة ما دام فى قلبها ذرة من إيمان تمنع الخلود فى النار .
وهنا يكون المطلوب أمرين : الأول أن تجتهد الأم لتدخل الجنة، وذلك بالإيمان والعمل الصالح ، والثانى أن يجتهد الولد المؤمن ليدخل الجنة بالعمل الصالح ، ومنه بر الوالدين وبخاصة الأم ، وليجتمع شمل الأسرة فى الجنة كما كان فى الدنيا ، قال تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } الرعد : 23 ،240 ، وقال {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شىء} الطور: 21(8/230)
فى التأنى السلامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا حديثا يقول "فى التأنى السلامة" وسمعنا حديثا آخر يقول "أفضل الصلاة فى أول وقتها فكيف نوفق بين التأنى والمبادرة ؟
An "فى التأنى السلامة" ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول جار على الألسنة ، قد قصد به إتقان العمل وأداؤه على الوجه الأكمل ، كما قد يقصد به عدم المبادرة بالتنفيذ ، وإعطاء مهلة لأدائه .
ولا شك أن إتقان العمل مطلوب كما فى الحديث "إن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن يحكمه " رواه ابن أبى داود فى المصاحف ، وابن النجار عن عائشة، وفيه مصعب بن ثابت ضيف "الجامع الصغير للسيوطى" .
والتأخير قد يكون مستحبا إذا لم يدرس المشروع دراسة كافية ، فمن الخير أن يؤجل حتى تستكمل دراسته فإن كملت الدراسة كانت المبادرة بالتنفيذ أفضل ، فظروف المستقبل غيب ربما لا يساعد على التنفيذ، وجاء فى ذلك حديث مرسل ، "إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته ، فإن كان خيرا فأمضه ، وإن كان شرا فانته " رواه ابن المبارك فى الزهد عن أبى جعفر عبد الله بن مسعود الهاشمى مرسلا "الجامع الصغير للسيوطى" .
وهذا كله فى أمور الدنيا التى تحتاج إلى دراسة كاملة ، أما أمور الآخرة التى وضح الصواب فيها فمن الخير المبادرة بأدائها كالصلاة إذا حضر وقتها، والحج إذا توفرت أسبابه ، وجاء فى ذلك حديث "التؤدة فى كل شىء خير إلا فى عمل الآخرة" رواه أبو داود والحاكم فى المستدرك والبيهقى فى الشعب وحديث "اغتنم خمسا قبل خمس :
شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " رواه ابن أبى الدنيا بإسناد حسن .
وبهذا يظهر عدم التعارض بين القول المأثور "فى التأنى السلامة" وحديث الترغيب فى أداء الصلاة فى أول وقتها(8/231)
حديث : فى علامات الموت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : ارقبوا الميت عند موته ثلاثا ، إن رشح جبينه وذرفت عيناه وانتشر منخراه فهى رحمة من الله قد نزلت به ، وإن غط غطيط البكر المختنق واحمر لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد حل به ؟
An هذا الحديث ذكره الترمذى الحكيم فى كتابه "نوادر الأصول " عن سلمان الفارسى ، وقد نقله السيوطى فى كتابه "شفاء الصدور" .
وأخرج البيهقى فى الشعب عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم "المؤمن يموت برشح الجبين" ولم أعثر على حكم عليه .
انظر " مشارق الأنوار " للعدوى ص 20 وقد علق العراقى عليه بقوله :
ولا يصح " الإحياء ج 4 ص 395"(8/232)
حديث : فى القيامة الخاصة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أن من مات فقد قامت قيامته ؟
An هذا حديث ضعيف كما ذكره العراقى فى تخريجه لأحاديث "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالى "ج 4 ص 421" والمعنى أن من مات فقد انتهت حياته الشخصية ، كما ستنتهى الحياة العامة للمخلوقات جميعا يوم ينفخ فى الصور، وانتهى التكليف وبدأ الحساب(8/233)
سبب وفاة النبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم مات متأثرا بالسم وكيف يحدث ذلك له ؟
An ثبت فى الصحيحين أن يهودية سمَّت النبى صلى الله عليه وسلم فى شاة، فأكل منها لقمة ثم لفظها وأكل معه ثلاثة منهم بشر بن البراء ، والتى قامت بذلك زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم ، وقد احتجم على كاهله ، وأمر من أكل منها فاحتجم فمات بعضهم .
وهناك خلاف فى الاقتصاص منها ، كما أن هناك خلافا فى كيفية أكل النبى منها ، هل مضغها ثم لفظها ، أو ابتلعها ، وبقى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات حتى قال فى وجعه الذى مات فيه "ما زلت أجد من الأكلة التى أكلت من الشاة يوم خيبر، فهذا أوان انقطاع الأبهر منى" .
قال الزهرى : فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا (زاد المعاد - خيبر) والأبهر عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب ، إذا انقطع مات صاحبه فكان ابن مسعود وغيره يرون أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا من السم الذى تناوله فى خيبر .
يقول الزرقانى فى شرج المواهب اللدنية "ج 8 ص 260" : ومن المعجزة أنه لم يؤثر فيه فى وقته ، لأنهم قالوا : إن كان نبيا لم يضره ، وإن كان ملكا استرحنا منه فلما لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل : إن اليهودية أسلمت ، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة .
وحادث السم رواه البخارى بطوله فى الجزية فى باب "إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم " وذكره فى الطب بطوله أيضا فى باب "ما يذكر فى سم النبى صلى الله عليه وسلم " واختصره فى غزوة خيبر فى باب "الشاة التى سُمَّت للنبى" وقيل إنها أخبرته بأنها مسمومة، فقال لأصحابه : ارفعوا أيديكم ، وكان الذي حجمه هو أبو هند أو أبو طيبة .
هذا مجمل ما جاء فى هذه الحادثة من الروايات عن وضع السم للرسول ، وأنه مات متأثرا به فمات شهيدا أو غير شهيد فمقام النبوة لا يعدله مقام ، ويكفى أن الله نجاه من السم القاتل لساعته ، فكان معجزة تصدق رسالته ، والموت مكتوب عليه كما هو مكتوب على غيره {إنك ميت وإنهم ميتون } الزمر: 30(8/234)
حديث : فراسة المؤمن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث "اتقوا فراسة المؤمن" ؟
An جاء فى تفسير القرطبى "ج 10 ص 42" روى أبو عيسى الترمذى عن أبى سعيد الخدرى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ {إن فى ذلك لآيات للمتوسمين} الحجر:75 قال : هذا حديث غريب . وروى الترمذى الحكيم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله عز وجل عبادا يعرفون الناس بالتوسم " وزعمت الصوفية أنها كرامة، وقيل : بل هى استدلال بالعلامات ، ومن العلامات ما يبدو ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة ، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادئ النظر، ومنه قول ابن عباس : ما سألنى أحد عن شىء إلا عرفت : أفقيه هو أو غير فقيه .
وروى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن أنس بن مالك رضى الله عنه دخل عليه وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان : يدخل أحدكم علىَّ وفى عينيه أثر الزنى؟ فقال له أنس : أوحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا، ولكن برهان وفراسة ، وصدق ، ومثله كثير عن الصحابة والتابعين .
يقول ابن الأثير فى النهاية "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه" يقال بمعنيين أحدهما ما دل ظاهر هذا الحديث عليه ، وهو ما يوقعه الله تعالى فى قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس ، والثانى نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق ، فتعرف به أحوال الناس ، ومنه حديث أفرس الناس ثلاثة ، أى أصدقهم فراسة ، وأنا أفرس بالرجال منك أى أبصر وأعرف .
إن الوصول إلى الحكم على الشىء بعد النظر أو السماع قد يكون لذكاء حاد يسرع به الربط بين المقدمة والنتيجة أو بين السبب والمسبب ، غير أن هذا الذكاء لا يصدق أحيانا ، ولا يقلل من شأنه أن يخطئ قليلا، فالإنسان بشر، ولكن قد يؤيد هذا الذكاء إلهام من اللّه للصالحين من عباده فيوفقون فى الحكم والاستنتاج ، وهذا ما يفيده تعبير "فإنه ينظر بنور الله " وبالطبع لا يكون هذا الصدق فى الفراسة إلا للمؤمن .
ومن غير المؤمنين من تكون عندهم الفراسة وتصدق إلى حد كبير، كأولاد نزار الذين عرفوا أوصاف بعير من رؤيتهم له يرعى جانبا ويترك جانبا وأثر قدميه مختلف وروثه غير مفرق فقالوا : إنه أعور وأزور وأبتر وشرود "الوسيط فى الأدب العربى ص 40 " .
وفى كتاب "مفتاح دار السعادة لابن القيم ج 2 ص 234 " أمثلة كثيرة من فراسة الإمام الشافعى ، وفى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 2 ص 59" حديث عنها ، وذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات " رواه أحمد وذكر السيوطى فى كتابه "تاريخ الخلفاء ص 56" قول ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر حين استخلف عمر، وصاحبة موسى حين قالت : يا أبت استأجره ، والعزيز حين تفرس فى يوسف فقال لامرأته ، أكرمى مثواه .
وذكر ابن القيم فى زاد المعاد "التسمية" قول سيدنا عمر لمن سأله عن اسمه واسم أبيه وداره فقال : جمرة بن شهاب ، والمنزل حرة النار فى مسكن ذات لظى ، قال له : اذهب فقد احترق بيتك ، وذكر فى كتاب الروح الفرق بين الفراسة والظن ، والموضوع طويل يرجع إليه فى هذه المظان وفى تذكرة داود ، وتفسير القرطبى لسورة الحجر، ومجلة الضياء التى تصدر فى دبى عدد ذى الحجة 1403 هـ وغيرها .
والمهم أن حديث الفراسة مقبول ، والوقائع المذكورة تؤيده(8/235)
حديث : السؤال بالجاه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اسألوا الله بجاهى ، فإن جاهى عند الله عظيم "؟
An حديث "اسألوا الله بجاهى فإن جاهي عند الله عظيم " قال عنه ابن تيمية فى كتابه الوسيلة "ص 129 " إنه كذب .
ومن يدعو ويقول : اللهم إنى أسألك بجاه نبيك أو بجاه أحد من الصالحين قال العلماء : إن عبارته تحتمل القسم ، أى الحلف بجاه النبى، والقسم بغير الله ممنوع ، وتحتمل أن تكون الباء للسببية، أى بسبب نبيك ، فإن كان المراد بسبب حبى لنبيك والإيمان به فلا غبار عليه ، لأن حب النبى والإيمان به عمل صالح تقرب به الداعى إلى الله ، فهو وسيلة لثوابه ورضاه ، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} المائدة :35 كما دعا المحبوسون فى الغار ربهم بصالح أعمالهم فاستجاب دعاءهم ونجاهم ، وإن كان المراد بسبب ذاته أو منزلته من الله ووجاهته عنده فقد احتدم الخلاف بين العلماء فى جوازه ومنعه .
ففريق ينكره لأن مجرد الجاه لا يعطى الشفاعة، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية، وفريق يجيزه بالنسبة للنبى دون غيره ، ومنهم العز بن عبد السلام ، واستدلوا بحديث الأعمى الضرير الذى أمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بقوله "اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة" فرد الله عليه بصره ، رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والطبرانى بأسانيد صحيحة .
ومناقشة الأدلة تطول ،. ويمكن الرجوع إليها فى الجزء الثانى من كتاب "بيان من الأزهر الشريف "(8/236)
والدا الرسول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال إن النبى صلى الله عليه وسلم استأذن ربه فى أن يستغفر لأمه فلم يأذن له ؟
An مع التنبيه على أن مثل هذا السؤال ليست به فائدة عملية، لكن كثرة الإلحاح تحتم علىَّ أن أجيب ولو باختصار .
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى، واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى" وقد تحدث العلماء عن والدى النبى صلى الله عليه وسلم وقد ماتا قبل بعثته ، فقال جماعة : هما ناجيان كأهل الفترة ، لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء :15 وقال آخرون إنهما ليسا مؤمنين ، واستدلوا بأدلة منها الحديث المذكور الذى يعززه قول الله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } التوبة : 113 .
ورد عليهم الأولون بأن عدم الإذن فى الاستغفار لا يدل على الكفر ، كما لم يصلِّ النبى صلى الله عليه وسلم على الميت الذى عليه دَيْن مع أنه غير كافر، وعدم الاستغفار للمشركين مبنى على تبين أنهم من أصحاب الجحيم ، وذلك بعد تبليغ الدعوة والكفر بها ، ووالدا الرسول صلى الله عليه وسلم لم تبلغهما الدعوة الإسلامية لأنهما ماتا قبل البعثة .
والموضوع مبسوط فى الكتب وقد لخصته فى الجزء الخامس من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " ولا داعى للإفاضة فيه فقد ذهبا إلى ربهما وهو أعلم بحالهما ولا ينبغي أن يحملنا حسن الظن وحبنا للرسول على إيراد أخبار ينقصها الدليل القوى كإحيائهما بعد الموت للإيمان بالرسول .
والزرقانى حذَّر من ذكرهما بما فيه نقصر ، لأن ذكر الأموات بما فيه نقص يؤذى الأحياء ، وفى الحديث "لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات " كما رواه الطبرانى ، ولا ريب أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام كفر يُقتل فاعله إن لم يتب "ج 1 ص 185 " وهو رأى طيب(8/237)
كحل العيون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الكحل فى العين جائز للرجال ؟
An جاء فى الطب النبوى لابن القيم أن النبى صلى الله عليه وسلم "كانت له مكحلة يكتحل منها ثلاثا فى كل عين ، وفى الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اكتحل يجعل فى اليمنى ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها، وفى اليسرى ثنتين ، وروى أبو عاود عنه صلى الله عليه وسلم "من اكتحل فليوتر" ثم قال ابن القيم : وفى الكحل حفظ لصحة العين وتقوية للنور الباصر وجلاء لها ، وتلطيف للمادة الرديئة واستخراج لها ، مع الزينة فى بعض أنواعه ، وله عند النوم مزيد فضل لاشتمالها على الكحل وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها، وخدمة الطبيعة لها، وللإثمد من ذلك خاصية ، وفى سنن ابن ماجه مرفوعا "عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر" .
فالكحل كان من مادة مفيدة وهو دواء وعلاج ومن هنا كان اكتحال الرجال به ولم يكن أصلا للجمال ، فذلك أليق بالنساء(8/238)
حديث : إياكم وسجع الكهان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذا من الحديث "إياكم وسجع الكهان" ؟
An ورد النهى عن السجع فى الدعاء، وحمل عليه بعض العلماء قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} الأعراف :55 يقول الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 1 ص 275" قيل : معناه التكلف للأسجاع ، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إياكم والسجع فى الدعاء ، حسب أحدكم أن يقول : اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل " .
يقول العراقى عن هذا الحديث : إنه غريب بهذا السياق . وللبخارى عن ابن عباس : وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه ، فإنى عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون ذلك . يقول الغزالى : واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام ، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة ، وإلا ففى الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة ، لكنها غير متكلفة ، كقوله : "أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود ، مع المقربين الشهود والركع السجود، الموفين بالعهود ، إنك رحيم ودود ، وإنك تفعل ما تريد" رواه الترمذى وقال : حديث غريب ، وهو ضمن دعاء سمعه ابن عباس من النبى صلى الله عليه وسلم ليلة ، حين فرغ من صلاته(8/239)
حديث : بين الأولين والآخرين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال: "إنكم فى زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ، ثم يأتى زمان من عمل منهم بعشر ما أمرتم به نجا" ؟
An روى الترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إنكم فى زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ، ثم يأتى زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا" قال : هذا حديث غريب ، والحديث الغريب فى اصطلاح رجال الحديث هو الذى رواه راو واحد فقط ، ولكن لم يحكم عليه بصحة أو حسن "تفسير القرطبى ج 6 ص 343" .
وقريب من هذا الحديث موجود فى مسند أحمد "إنكم فى زمان علماؤه كثيرون وخطباؤه قليلون ، من ترك فيه عشير ما تعلم هلك ، وسيأتى زمان علماؤه قليلون وخطباؤه كثيرون ، من أخذ فيه عشير ما تعلم نجا" .
وهذا يدل على سهولة التمسك بالدين فى الزمن الأول ، وصعوبته فى الزمن الآخر، تبعا لتغير الظروف ، ولذلك جاء فى الحديث أن العمل فى الزمن الأخير له ثواب فوق ثواب العمل فى الزمن الأول ، فقد روى أبو داود والترمذى وغيرهما أن أبا ثعلبة الخشنى سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } المائدة : 105 فقال "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك نفسك ودع عنك العامة ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم "وفى رواية قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال "بل خمسين منكم " قال أبو عيسى الترمذى : هذا حديث حسن غريب قال ابن عبد البر: قوله "بل منكم" هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها "المرجع السابق "(8/240)
غسل النبى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أين غُسِّل جسد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الذى قام بغسله وأين ذهب ماء الغسل ؟
An الرسول صلى الله عليه وسلم غسل فى المكان الذى توفى فيه ، وهو حجرة السيدة عائشة رضى الله عنها، والذى غسله على والعباس والفضل بن العباس ، وقُثَم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشُقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر، وعلىّ فقط هو الذى لم يعصب عينيه. لحديث رواه البزار والبيهقى عن على رضى الله عنه : أوصانى النبى صلى الله عليه وسلم ألا يغسلنى إلا أنت ، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه يقول الزرقانى: هو تعليل لمقدر هو: فإنى أخشى على غيرك أن تحين منه لفتة فتطمس عينه . وأما أنت يا على فأعرف تحرزك من ذلك فلا أخشى عليك .
وروى ابن ماجه بسند جيد عن على يرفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا أنا مت فاغسلونى بسبع قرب من بئرى "بئر غرس بقباء" وغسل ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور . وذكر ابن الجوزى أنه روى عن جعفر الصادق أن الماء كان يجتمع فى جفون النبى صلى الله عليه وسلم فكان على يشربه بفمه ، وأما ما روى أن عليًّا لما غسله امتص ماء من محاجر عينيه فشربه ، وأنه قد ورث بذلك علم الأولين والأخرين فقال النووي : ليس بصحيح وأقره البخارى وغيره .
هذا ما جاء فى المواهب اللدنية وشرحها للزرقانى"ج 8 ص 289" ولم أر غيره(8/241)
من آداب الدعوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما مدى صحة هذا القول : عن أبى مسعود رضى الله عنه قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة فى الأيام كراهة السآمة علينا؟
An هذا حديث رواه البخاري ومسلم ، فعبد الله بن مسعود رضى الله عنه كان يذكر الناس فى كل خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال : أما إنه يمنعنى من ذلك أنى أكره أن أملَّكم ، وإنى أتخولكم بالموعظة . كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا(8/242)
صلاة النبى فى طريق الإسراء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقال إن النبى صلى الله عليه وسلم نزل أرضا وصلى بها ليلة الإسراء قبل أن يصل إلى المسجد الأقصى ، فما هذه الصلاة ، مع أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء بعد العروج إلى السماء؟
An من الآيات التى رآها النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء ما رواه البزار والطبرانى والبيهقى وصححه فى كتابه "دلائل النبوة" من حديث شداد ابن أوس أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أسرى به مرَّ بأرض ذات نخل ، فأمره جبريل أن ينزل من فوق البراق ليصلى، فصلى ثم أخبره أن المكان الذى صلى فيه هو يثرب أو طيبة ، وإليها المهاجر، ثم أمره أن يصلى عندما مر بمدين عند شجرة موسى، وهى التى استظل بها بعد أن سقى الغنم للمرأتين قبل أن يلتقى بأبيهما-كما قال بعض الشراح -ولما مر الركب بطور سيناء أمره أن يصلى أيضا، وذلك حيث كلم الله موسى، وعند المرور ببيت لحم صلى أيضا ، وذلك حيث ولد عيسى ابن مريم .
هذا هو ما ورد بطريق صحيح كما ذكره البيهقى، ولم أر حديثا صحيحا عن صلاته فى غير هذه الأماكن . وما رآه الرسول بهذه المناسبة بعضه ورد بطريق صحيح وبعضه الآخر بطريق غير صحيح ، من ذلك ما رواه الطبرانى والبزار والبيهقى وابن جرير وأبو يعلى أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى على واد فوجد فيه ريحا طيبة باردة كريح المسك، وسمع صوتا وأخبره جبريل بأنه صوت الجنة تبشر أهلها ، ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة ، فأخبره جبريل بأنه صوت النار، ولكن لم يحكم على هذه الرواية بالصحة أو الحسن أو الضعف . ومهما يكن من شىء فإن ذلك إذا كان ممكنا عقلا فإننا لا نكلف بالإيمان به ، حيث لم يرد نص صريح قاطع يثبته، ورحلة الإسراء فى حد ذاتها رحلة غريبة، ولها فضلها وشرفها، وليست فى حاجة إلى إضافة شىء يزيدها شرفا بعد ما ورد من آثار صحيحة وأكرر التنبيه على عدم نسبة شىء إلى النبى صلى الله عليه وسلم هو منه برىء فقد قال "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخارى ومسلم . أما الصلاة التى صلاها فقد تكون ركعتين ، لأن الصلاة كانت قبل الإسراء ركعتين أول النهار وركعتين آخره ، وقد تكون تطوعا لله وقد مر ذلك عند صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بالأنبياء فى المسجد الأقصى، فليراجع "المجلد الأول ص 425 "(8/243)
حديث : تغيير منار الأرض
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا حديثا يقول لعن الله من غيَّر منار الأرض ، فهل هذا صحيح وما معناه ؟
An روى مسلم وأحمد والنسائى عن على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن اللّه من غيَّر منار الأرض" وفى رواية "من سرق منار الأرض " وفى رواية "من غير تخوم الأرض " وفى رواية "ينتقص منار الأرض " .
منار الأرض هو العلامة التى تهدى الناس حتى لا يضلوا ، والتخوم هى الحدود ، والتعدى على الحدود حرام . قيل : ذلك خاص بحدود الحرم ، وقيل : عام فى كل الحدود للتعدى على أراضى الغير .
والمحدث هو من أحدث أمرا منكرا والنهى هو عن الدفاع عنه أو إيوائه أو منع المظلوم أن يقتص منه(8/244)
حديث : التمارض عن العمل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى العامل الذى يتكاسل فى أداء واجبه ، ويحصل على إجازات مرضية ليس فى حاجة إليها، وذلك فى مقابل مبلغ من المال ؟
An العمل فى مقابل أجر يجب أن يؤدى على الوجه المطلوب ، وإلا كان الأجر من غير مقابل له ، فيكون حراما ، والله يحب إذا عمل الإنسان عملا أن يتقنه كما روى فى الحديث ، والتحايل على الحصول على إجازة بادعاء المرض حرام فى حد ذاته لأنه كذب ، وإذا كان هذا التحايل بمساعده إنسان آخر فى مقابل مال أو خدمة مع علمه بأنه غير مريض كان هذا العمل رشوة قد توصل بها الشخص إلى غير ما يستحقه ، وأذكِّر هؤلاء جميعا بقول الله تعالى{إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف : 30 وقوله {ولكلٍّ درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} الأحقاف : 19 وقوله {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة : 2 وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله تعالى يحمله يوم القيامة" وما قاله فى الرشوة وكل الأطراف المتعلقة بها .
فهل بعد كلام اللّه ورسوله ما يحفز هممنا إلى النشاط والإخلاص فى العمل؟ أحب أن أذكِّر كل العاملين بسلوك الشعوب الناهضة التى لا تدين بالإسلام فى حرصها على العمل ونفورها من الكسل والإجازات(8/245)
دعاء الناس للرسول
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى قوله تعالى{لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}؟
An هذه الآية رقمها 63 من سورة النور، وهى تدل على إكرام الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم الذى من مظاهره أنه خاطب جميع الأنبياء فى القرآن بأسمائهم ، فقال {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف: 19 {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات} هود : 48 {يا إبراهيم أعرض عن هذا} هود: 76 {وما تلك بيمينك يا موسى} طه : 17 {يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض} ص : 26{يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} مريم : 70 {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم : 17 {يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ} آل عمران : 55 ولم يخاطبه صلى الله عليه وسلم إلا بمثل {يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك } المائدة : 67 {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا} الأحزاب :45 .
{يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا} المزمل : 1 ، 2 {يا أيها المدثِّر . قم فأنذر} المدثر: 1 ، 2 وأما ذكره بلا نداء فقد يكون باسمه صلى الله عليه وسلم {محمد رسول اللّه} الفتح : 29 ،{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الأحزاب : 40 .
ومن أجل هذا حرم الله على الأمة نداءه باسمه مجردا عن صيغة التكريم فقال {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} أى لا تجعلوا نداءكم له وتسميتكم إياه كما يكون لبعضكم مع بعض ، ولكن قولوا : يا رسول الله أو يا نبى الله مع التوقير والتواضع وخفض الصوت لحرمة ذلك بقوله تعالى {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات : 2 وهذا أدب معه حال حياته وبعد وفاته .
وهذا الأدب ينبغى التزامه ، فهو صلى الله عليه وسلم ليس أقل ممن يحترمون بكثرة الألقاب والأوصاف التى يعلم الله ما هو الباعث عليها(8/246)
إسراء الرسول ليلا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q لماذا أسرى الله برسوله ليلا وليس نهارا؟
An أجاب القسطلانى فى المواهب اللدنية مع شرح الزرقانى "ج 6 ص 8" عن هذا السؤال بقوله : إنما جعل الإسراء ليلا تمكينا للتخصيص بمقام المحبة، لأنه تعالى اتخذه عليه السلام حبيبا وخليلا، والليل أخص زمان للمحبين لجمعهما فيه ، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل .
وقال ابن المنير: لعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب ، وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم ، إذ الليل أخفى حالا من النهار، فما وقع منه لا يطلع عليه غالبا، فكان من الغيب ، فإذا أخبر الرسول عما وقع له ليلا صدَّقه المؤمنون فزادوا إيمانا ، ولعله لو عرج به نهارا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب .
وهناك حكمة على طريق أهل الإشارات ، وهم المحققون من الصوفية ، أن الله تعالى لمَّا مَحَا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة انكسر الليل فجبر بأن أسرى فيه محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : افتخر النهار على الليل بالشمس فقيل له : لا تفتخر فإن كانت شمس الدنيا تشرق فيك . فسيعرج شمس الوجود فى الليل إلى السماء .
هذا بعض ما قيل : ولكلٍّ ذوقه وإحساسه(8/247)
حكمة وفاة أبناء الرسول قبله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حكمة فى أن الله سبحانه كتب على أبناء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الوفاة فى حياته ؟
An يقال إن إبراهيم عليه السلام رزقه الله بعد سِنِّ الشيخوخة بولدين ، هما إسماعيل وإسحاق ، وجعل النبوة فى أبناء إسحاق ، الذى أنجب يعقوب وجعل من ذريته أنبياء بنى إسرائيل ، وكانت النبوة موضع الرجاء فى توارث الأبناء لها، ومن ذلك قول الله تعالى{وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبين} النمل :
16 وقوله عن زكريا الذى أعطاه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا {فهب لى من لدنك وليا . يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} مريم :
5 ، 6 فبشره الله {بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} آل عمران : 39 وشاء اللّه ألا ينجب يحيى ، وكان عيسى عليه السلام آخر الأنبياء من ولد إسحاق ، وكانت ولادته خارقة للعادة حيث لم يكن له أب ، وقد رفعه الله إليه ولم يتزوج ولم ينجب ، وكان هذا التدبير من الله سبحانه تمهيدًا لولادة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعثه الله للعرب استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين أسكن إسماعيل وأمه مكة وعمرت بالعرب وبعث فيهم إسماعيل ولم يبعث فيهم أحدا من ولده حتى كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمَين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} البقرة : 127 -129 .
فبرفع سيدنا عيسى انتهت النبوة من فرع إسحاق ، وبرسالة سيدنا محمد انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل عليه السلام .
وشاء الله أن يموت أبناء سيدنا محمد فى حياته وهم صغار حتى لا يفتن بهم بعض المحبين ، ويظنوا أن النبوة سيرثها أحد أبنائه كما كانت تورث فى بنى إسرائيل ولذلك أكدت النصوص أن الرسالة ختمت ولا نبى بعده صلى الله عليه وسلم وبهذين الأمرين لم يكن هناك طمع فى نبوة بعده ، وظهر خطأ من تنبئوا فى حياته وبعد مماته .
والسيدة فاطمة رضى اللّه عنها هى التى أنجبت من سيدنا على رضى الله عنه سيدىِّ شباب أهل الجنة : الحسن والحسين ، ولم يزعم أحد أنهما ادعيا النبوة أو طمعا فيها وإذا كان صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل بيته خيرا فى نصوص سجل بعضها فى القرآن {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى، الشورى : 23 فإن حب الناس لآل البيت وإن تغالى بعضهم فيه لكن لم يقبل أحد أن يكون منهم نبى، إلى جانب أن ميراث النبوة كان عن طريق الأبناء لا البنات .
ولعل فيما ذكرته تظهر الحكمة فى أن أبناء النبى صلى الله عليه وسلم ماتوا صغارا وفى حياته وأما حديث "لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا" فهو باطل(8/248)
حديث : اتق شر من أحسنت إليه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نسمع كثيرا هذا القول : اتق شر من أحسنت إليه ، فهل هو حديث وهل معناه صحيح ؟
An قال العجلونى فى كتابه "كشف الخفا ومزيل الإلباس" قال السخاوى : لا أعرفه ، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف ، قال : وليس على إطلاقه ، بل هو محمول على اللئام دون الكرام ، ويشهد له ما فى "المجالسة للدينورى" عن على كرم الله وجهه : الكريم يلين إذا استعطف ، واللئيم يقسو إذا ألطف -يعنى إذا أعطى تحفة- وعن عمر رضى الله عنه : ما وجدت لئيما قط إلا قليل المروءة وفى التنزيل {وما نقموا منهم إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} التوبة : 74 . وسبب نزولها كما ذكره الطبرى : أن كبير المنافقين عبد الله بن أُبى ابن سلول كانت له دية فأعطاها له الرسول ، فلما اغتنى بطر النعمة ولم يؤمن إيمانا خالصا بالرسول ، وقال عقب ذلك فى حادثة الرجلين اللذين اقتتلا وأحدهما من حلفاء الأنصار :
انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سَمِّن كلبك يأكلك ، وقال أيضا {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} المنافقون : 8 يريد بالأعز قومه ، وبالأذل المسلمين . وفى الإسرائيليات يقول الله عز وجل "من أساء إلى من أحسن إليه فقد بدَّل نعمتى كفرا، ومن أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لى شكرا" وعند البيهقى فى شعب الإيمان عن محمد بن حاتم المظفرى قال : اتق شر من يصحبك لنائلة . "مجلة الإسلام -المجلد الرابع - العدد 13 "(8/249)
حديث : خلق الإبل من الشياطين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأت فى بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إن الإبل خلقت من الشياطين" فهل هذا صحيح ولماذا؟
An جاء فى كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى المتوفى سنة 808 هـ أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى مبارك الإبل فقال "لا تصلوا فى مبارك الإبل فإنها مأوى الشياطين" رواه أبو داود وروى النسائى وابن حبان من حديث عبد اللّه بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الإبل خلقت من الشياطين " ولم يعلق على هذا الحديث .
وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج 2 ص 142" حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ "لا تصلوا فى أعطان الإبل ، فإنها خلقت من الجن ، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت" ولم يبين معنى خلقها من الجن ، فقد يكون المراد أن فيها شرا إذا نفرت وهاجت ، فالأمر على التشبيه وليس على الحقيقة كما أراه .
وفى المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 721" عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنصلى فى مرابض الغنم ؟ قال "نعم " قال أنصلى فى مرابض الإبل " ؟ قال "لا" رواه مسلم . ولم يذكر السبب فى النهى . وجاء فى ص 722 قول القاضى: إن المنع تعبد لا لعلة معقولة، وقال غيره : إن معاطن الإبل والمقبرة والمجزرة والمزبلة وغيرها تكره فيها الصلاة لأنها مظنة النجاسات "انظر ص 398 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى"(8/250)
حديث : لا تجتمع أمتى على ضلالة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث "لا تجتمع أمتى على ضلالة" ؟ وهل يعنى أن الإجماع حجة؟
An ذكر القسطلانى فى "المواهب اللدنية" وشارحه الزرقانى "ج 5 ص 388" أن من خصائص الأمة المحمدية أنهم لا يجتمعون على ضلالة أى إذا اجتمعوا على حكم كان عند اللّه كذلك ، رواه أحمد فى مسنده ، والطبرانى فى الكبير وابن أبى خيثمة فى تاريخه عن أبى بصرة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ "سألت ربى ألا تجتمع أمتى على ضلالة فأعطانيها" والمراد بالأمة أمة الإجابة التى آمنت به ، وليست أمة الدعوة التى أُرسل إليها فقد كفر منها الكثيرون . ، ورواه ابن أبى عاصم ، والطبرانى أيضا من حديث أبى مالك الأشعرى "إن اللّه تعالى أجاركم من ثلاث خلال ، ألا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا ، وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق ، وألا تجتمعوا على ضلالة" .
قال السخاوى فى "المقاصد الحسنة" إنه حديث مشهور المتن وأسانيده كثيرة ، أى متعددة الطرق والمخارج ، وذلك علامة القوة ، فلا ينزل عن الحسن فقد أخرجه أبو نعيم والحاكم وابن منده عن ابن عمر مرفوعا بلفظ "إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا ، وإن يد اللّه مع الجماعة ، فاتبعوا السواد الأعظم ، فإنه من شذ شذ فى النار" وكذا أخرجه الترمذى ، وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطنى عن أنس مرفوعا ، والحاكم عن ابن عباس ورفعه ، وابن أبى عاصم وغيره مرفوعا عن عقبة ابن عمرو الأنصارى ، وله شواهد متعددة فى المرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم كقوله "أنتم شهداء الله فى الأرض" وفى غير المرفوع إليه وهو الموقوف ، كقول ابن مسعود : إذا سئل أحدكم فلينظر كتاب الله ، فإن لم يجد ففى سنة رسول الله ، فإن لم يجد فلينظر ما اجتمع عليه المسلمون ، وإلا فليجتهد .
يقول الزرقانى : هذا ، والاختلاف شامل لما كان فى أمر الدين كالعقائد أو الدنيا . كالإمامة العظمى ، ومعنى "فعليكم بالسواد الأعظم" الزموا متابعة جماهير المسلمين الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك المنهج القويم ، فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذى يحرم خلافه ، فمن خالفه مات ميتة جاهلية .
ثم ذكر القسطلانى عقب ذلك من فضائل الأمة المحمدية أن إجماعهم حجة قاطعة ، وأن اختلافهم -أى اختلاف المجتهدين- رحمة أى توسعة على الناس ، وذلك فى الفروع ، أما الاختلاف فى الأصول فهو ضلال . انتهى .
وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى{وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله} الأنعام : 116 لأن المراد هنا أمة الدعوة، وكثير منهم لم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} يوسف : 103 .
وحجِّية الإجماع أشار إليها القسطلانى بأنها من دعائم الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية ، وسيأتى الكلام عنها فيما بعد(8/251)
حديث : لا غيبة فى فاسق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حديث يقول "لا غيبة فى فاسق" ؟
An جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 3 ص 132 " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أترغبون عن ذكر الفاجر؟ اهتكوه حتى يعرفه الناس ، اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس" قال العراقى فى تخريجه : رواه الطبرانى وابن حبان فى الضعفاء ورواه ابن عدى من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، دون قوله "حتى يعرفه الناس" ورواه بهذه الزيادة ابن أبى الدنيا فى الصمت .
وبعد أن ذكر الغزالى هذا الحديث قال : وكانوا يقولون : ثلاثة لا غيبة لهم ، الإمام الجائر والمبتدع والمجاهر بفسقه ، ثم قال فيمن يرخص فى غيبتهم :
أن يكون مجاهرا بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس ، وكان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف من أن يذكر له ، ولا يكره أن يذكر به ، فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به فلا إثم عليك ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له "-هذا الحديث ضعيف كما قال العراقى- ثم قال الغزالى : وقال عمر رضى اللّه عنه : ليس لفاجر حرمة، وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر، ، إذ المستتر لابد من مراعاة حرمته . وقال الحسن : ثلاثة لا غيبة لهم ، صاحب الهوى والفاسق المعلن بفسقه والإمام الجائر، فهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم يتظاهرون به ، وربما يتفاخرون به ، فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره ؟ نعم ، لو ذكره بغير ما يتظاهر به أثم .
من هذا يعرف أن الفاسق المعلن بفسقه ولا يستحى أو يتألم من ذكر الناس له بما فيه جائز وليس بحرام ، وإن كانت الأحاديث الواردة فى ذلك فيها مقال . والصيغة المذكورة فى السؤال قيل إنها منكرة، ولكن المعنى الذى تحمله حسن لورود حديث بمعناه وإن كان ضعيفا، وما قاله الغزالى وما نقله من الأقوال يرجح الحكم بعدم الحرمة على الوجه المذكور(8/252)
حديث : طلب العلم والنافلة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حديث يقول "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة"؟
An هذا القول ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول الإمام الشافعى رضى الله عنه ، فقد أثر عنه أنه قال : ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، قيل : ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال : و لا الجهاد فى سبيل الله " الهداية جمادى الآخرة سنة1415 هـ" وهذا فى الجهاد المندوب ، أما المفروض فهو داخل فى الفرائض لا يقدم عليها النفل كطلب العلم(8/253)
حديث : الحياء والإيمان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى الحديث الشريف " الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" فإذا كان الحياء غريزة من الغرائز فكيف يكون شعبة من شعب الإيمان ؟
An الغرائز ليست شعبة من الإِيمان ، وإنما هى قوى تدعو للإِيمان والكفر والطاعة والعصيان ، والدين جاء ليهذبها ويوجهها إلى الدعوة إلى الإِيمان والطاعة . ثم من قال : إن الحياء كله غريزة؟ فمن الحياء خلق مكتسب أساسه البعد عما يضر النفس والغير، وهذا البعد فيه جهاد للنفس بغرائزها التى تريد لها كل ما تريد، بصرف النظر عن كونه حلالا أو حراما .
فالقناعة بالحلال وعدم التطلع إلى الحرام من صفات الأخيار الأبرار، التى جاءت بها الأديان ، وساعد عليها الإيمان بالحساب أمام الله على ما قدمت يد الإِنسان .
جاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج 2 ص 5 " بعد ذكر روايات الحديث التى منها : الحياء من الإِيمان ، الحياء لا يأتى إلا بخير، الحياء خير كله - أن القشيرى نقل عن الجنيد أنه قال : الحياء رؤيا الآلاء -النعم- ورؤية التقصير ، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء . وقال القاضى عياض وغيره : إنما جعل الحياء من الإِيمان -وإن كان غريزة- لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم ، فهو من الإِيمان بهذا وبكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصى . وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتى إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس ، من حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق من يُجِلُّه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإِخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف فى العادة -وجواب هذا- أن هذا المانع ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة، وتسميته حياء من إطلاق أهل العرف ، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقى، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ، ويمنع من التقصير فى حق ذى الحق ونحو هذا .
هذا وقد روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت" والمعنى إذا لم يخف الإِنسان من الله ولا من الناس صار كالبهائم يصنع ما يشاء ، وليس هذا إغراء ، ولكنه بيان للواقع المذموم(8/254)
الاحتفال بالمولد النبوى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم بدعة لم تكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى أيام الصحابة والسلف الصالح ، ويقولون إنها بدعة منكرة وضلالة تؤدى إلى النار، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك ، وكذلك فى الاحتفال بموالد الأولياء؟
An لا يعرف المؤرخون أن أحدا قبل الفاطميين احتفل بذكرى المولد النبوى -كما قال الأستاذ حسن السندوبى - فكانوا يحتفلون بالذكرى فى مصر احتفالا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وتوزيعها كما قال القلقشندى فى كتابه " صبح الأعشى" .
وكان الفاطميون يحتفلون بعدة موالد لآل البيت ، كما احتفلوا بعيد الميلاد المسيحى كما قال المقريزى ، ثم توقف الاحتفال بالمولد النبوى سنة 488 هـ وكذلك الموالد كلها ، لأن الخليفة المستعلى بالله استوزر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالى ، وكان رجلا قويا لا يعارض أهل السنة كما قال ابن الأثير فى كتابه " الكامل "ج 8 ص 302 واستمر الأمر كذلك حتى ولى الوزارة المأمون البطائحى ، فأصدر مرسوما بإطلاق الصدقات فى 13 من ربيع الأول سنة 517 هـ وتولى توزيعها " سناء الملك " .
ولما جاءت الدولة الأيوبية أبطلت كل ما كان من آثار الفاطميين ، ولكن الأسر كانت تقيم حفلات خاصة بمناسبة المولد النبوى، ثم صارت ، رسمية فى مفتتح القرن السابع فى مدينة " إربل " على يد أميرها مظفر الدين أبى سعيد كوكبرى بن زين الدين على بن تبكتكين ، وهو سنِّى اهتم بالمولد فعمل قبابا من أول شهر صفر، وزينها أجمل زينة ، فى كل منها الأغانى والقرقوز والملاهى، ويعطى الناس إجازة للتفرج على هذه المظاهر. وكانت القباب الخشبية منصوبة من باب القلعة إلي ، باب الخانقاه ، وكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر، ويقف على كل قبة ويسمع الغناء ويرى ما فيها، وكان يعمل المولد سنة فى ثامن الشهر، وسنة فى ثانى عشره ، وقبل المولد بيومين يخرج الإِبل والبقر والغنم ، ويزفها بالطبول لتنحر فى الميدان وتطبخ للناس . ويقول ابن الحاج أبو عبد الله العبدرى : إن الاحتفال كان منتشرا بمصر فى عهده ، ويعيب ما فيه من البدع " المدخل ج 2 ص 11 ، 12 " .
وأَلفت كتب كثيرة فى المولد النبوى فى القرن السابع ، مثل قصة ابن دحية المتوفى بمصر سنة 633 هـ ، ومحيى الدين بن العربى المتوفى بدمشق سنة 638 هـ ، وابن طغربك المتوفى بمصر سنة 670 هـ ، وأحمد العزلى مع ابنه محمد المتوفى بسبته سنة 677 هـ .
ولانتشار البدع فى الموالد أنكرها العلماء ، حتى أنكروا أصل إقامة المولد ، ومنهم الفقيه المالكى تاج الدين عمر بن على اللخمى الإِسكندرى المعروف بالفاكهانى، المتوفى سنة 731 هـ ، فكتب فى ذلك رسالته " المورد فى الكلام على المولد" أوردها السيوطى بنصها فى كتابه " حسن المقصد" .
ثم قال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: وقد أتى القرن التاسع والناس بين مجيز ومانع ، واستحسنه السيوطى وابن حجر العسقلانى ، وابن حجر الهيتمى، مع إنكارهم لما لصق به من البدع ، ورأيهم مستمد من آية { وذكِّرهم بأيام الله } إبراهيم : 5 . أخرج النسائى وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند ، والبيهقى فى شعب الإِيمان عن أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه "روح المعانى للآلوسى" وولادة النبى نعمة كبرى . اهـ .
وفى صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصارى قال : وسئل - النبى صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الاثنين فقال " ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أُنزل علىَّ فيه " روى عن جابر وابن عباس :
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول ، وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات أى فى شهر ربيع الأول ، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام ، وللمؤمن أن يطمع فى تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة ، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهى معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم ، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبى وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول ، لكن بشرط ألا يتخذ له رسم مخصوص ، بل ينشر المسلم البشر فيما حوله ، ويتقرب إلى الله بما شرعه ، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل ، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا . أما عادات الأكل فهى مما يدخل تحت قوله تعالى { كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله } البقرة : 172 انتهى .
ورأيى أنه لا بأس بذلك فى هذا العصر الذى كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده ، فى غمرة الاحتفالات الأخرى التى كادت تطغى على المناسبات الدينية ، على أن يكون ذلك بالتفقه فى السيرة ، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أى عمل خيرى يربط من يشاهده برسول اللّه وسيرته .
ومن هذا المنطلق يجوز الاحتفال بموالد الأولياء ، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم ، مع البعد عن كل المحرمات من مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء ، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت اللّه ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها ، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب .
فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع .
وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع ، ذلك أن كثيرا من أعمال الخير تشوبها مخالفات ولو إلى حد ما ، والكل مطالب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالوسائل المشروعة " انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
يقول الزرقانى فى شرح المواهب للقسطلانى : إن ابن الجزرى الإمام فى القراءات والمتوفى سنة 833 هـ علَّق على خبر أبى لهب الذى رواه البخارى وغيره عندما فرح بمولد الرسول وأعتق " ثويبة" جاريته لتبشيرها له ، فخفف الله عقابه وهو فى جهنم فقال : إذا كان هذا الكافر الذى نزل القرآن بذمه جوزى فى النار بفرحه ليلة المولد فما حال المسلم الموحد من أمته حين يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته فى محبته .
يقول الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر :
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه * وتبَّت يداه فى الجحيم مخلدا أتى أنه فى يوم الاثنين دائما * يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذى كان عمره * بأحمد مسرورا ومات موحدا؟ رجح ابن إسحاق أن ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم كان فى ثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من عام الفيل وروى ابن أبى شيبة ذلك عن جابر وابن عباس وغيرهما ، وحكوا شهرته عند الجمهور .
وقد حقق صاحب كتاب " تقويم العرب قبل الإسلام " بالحساب الفلكى الدقيق أن الميلاد كان فى يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول الموافق للعشرين من شهر أبريل سنة 571 م .
"انظر الحاوى للفتاوى للسيوطى ومجلة الهداية الصادرة بتونس فى ربيع الأول 1394هـ "(8/255)
النظافة من الإيمان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال النظافة من الإيمان " وهل الذين لا يعنون بالنظافة على خطا أم على صواب ؟
An جاء فى إحياء علوم الدين للإِمام الغزالى "ج 1 ص 111 " فى أول كتاب أسرار الطهارة قوله : قال النبى صلى الله عليه وسلم "بنى الدين على النظافة" وقال " الطهور نصف الإِيمان " وعلق العراقى على الأول فقال : لم أجده هكذا، وفى الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة " تنظفوا فإن الإسلام نظيف " والطبرانى فى الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود " النظافة تدعو إلى الإِيمان " وعلق على الثانى بقوله بالرمز: رواه الترمذى من حديث رجل من بنى سليم وقال : حسن . ورواه مسلم من حديث أبى مالك الأشعرى بلفظ " شطر" .
فاللفظ المذكور فى السؤال والجارى على الألسنة ليس واردا عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما الوارد عنه تقدير النظافة بعبارات أخرى . ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير فى التشريع الإِسلامى ، لأنها من العوامل الأساسية فى المحافظة على الصحة التى هى من أكبر نعم الله على الإنسان كما صح فى الحديث " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " رواه البخارى . وللنظافة مجالات كثيرة .
ففى نظافة البدن شرع الوضوء للصلوات الخمس فى اليوم والليلة، بما فيه من تعهد للأعضاء التى يكثر تعرضها للتلوث ، وبما فيه من حث على العناية بالاستنشاق والمضمضة مع استعمال السواك وتأكيد استحبابه ، وشرع الغسل لأسبابه المعينة ، وندبه فى مناسبات عدة ، وبخاصة عند الاجتماع والازدحام ، كما فى صلاة الجمعة والعيدين ، وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "حق على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام يوما ، يغسل فيه رأسه وجسده " وروى مسلم حديث . " إن الله جميل يحب الجمال " وندب إلى التزين والتعطر وحسن الهندام وتسوية الشعر وقص الأظافر وإزالة شعر الإبطين والعانة وما إلى ذلك من ضروب النظافة .
وشرع غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده ، وعدم غمسهما فى الماء قبل غسلهما إذا استيقظ من نومه فإنه لا يدرى أين باتت يده - وبخاصة من ينامون فى العراء ويفترشون الرمال بجوار الإِبل والحيوانات الأخرى - وحذر من النوم قبل غسل اليدين من أثر الطعام وبخاصة إذا كان فيه دسم تجذب رائحته الهوام والحشرات فتضره ، وكل ذلك وردت به الأحاديث .
وفى نظافة الملبس والمسكن والشارع والأمكنة العامة يقول سبحانه { وثيابك فطهِّر} المدثر: 4 وباب النجاسات وإزالتها واشتراط طهارة الثوب والمكان فى الصلاة واضح ومفصَّل فى كتب الفقه . وفى الحديث " أصلحوا رِحالكم ولباسكم حتى تكونوا فى الناس كأنكم شامة" رواه أحمد . وفى مسند البزار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الله طيب يحب الطيب ، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم ، جواد يحب الجود. فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ، ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب فى دورهم " الأكب الزبالة ، وإصلاح الرحال أى المساكن عام يشمل كنسها وتهويتها وتعريضها للشمس وتطهيرها من الحشرات المؤذية وما إلى ذلك .
وحث الإِسلام على إماطة الأذى عن الطريق وعدها صدقة كما رواه البخارى ومسلم ، وفى الحديث " اتقوا الملاعن الثلاث ، البراز على قارعة الطريق وموارد المياه ومواقع الظل " رواه ابن ماجه وأبو داود ، وندب إلى تغطية أوانى الطعام والشراب ، حفظا لها من التلوث أو الفساد بما ينقله الريح أو الذباب مثلا كما رواه مسلم .
هذه بعض التشريعات التى تدل على عناية الإِسلام بالنظافة فى كل شىء وليست النظافة فى الماديات فقط بل فى المعنويات أيضًا من العقائد والأفكار والأقوال والأفعال والضمائر والنيات وما إليها .
والذين يهملون فيها مخطئون ، لا نحب أن يكونوا كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ولا ننسى فى هذا المجال حرمة تلويث البيئة بأى ملوث حتى بالرائحة الكريهة ، كالدخان والثوم والبصل والعرق ، وحتى بالأصوات المزعجة المقلقة للراحة ولو كانت بذكر الله ، وكل ذلك وردت به الآثار والمقصِّرون مخطئون(8/256)
حديث : غمز الشيطان للمولود
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن عيسى أفضل من محمد عليهما السلام ، لأن الشيطان لم يغمزه حين ولد ، فهل هذا صحيح ؟
An سبق القول بأن الله سبحانه فضَّل بعض الأنبياء على بعض "المجلد الثانى ص 569 " وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين ، وقلنا : إذا كان واحد منهم له مزية فإن المزية لا تقتضى الأفضلية ، وأوردنا النصوص الدالة على ذلك . ويتصل بهذا الموضوع ما جاء فى السؤال ، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من بنى آدم من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسته إياه ، إلا مريم وابنها" وفى رواية قال أبو هريرة -راوى الحديث- اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى { وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } آل عمران : 36 وفى لفظ عند البخارى " كل بنى آدم يطعن الشيطان فى عينيه بإصبعه حين يولد، إلا عيسى بن مريم ، ذهب يطعن فطعن فى الحجاب .... " .
يقول السهيلى: ولأن عيسى عليه السلام لم يخلق من منِى الرجال فأعيذ من مغمزه ، وإنما خلق من نفخة روح القدس ، قال : ولا يدل هذا على فضل عيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نزغ منه ذلك المغمز وملىء قلبه حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد ، وإنما كان ذلك المغمز فيه لموضع الشهوة المحركة للمنى، والشهوات يحضرها الشيطان ، لا سيما شهوة من ليس بمؤمن ، فكان ذلك المغمز فيه راجعا إلى الأب ، لا إلى الابن المطهر صلى الله عليه وسلم ولهذا قال : شق صدره فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم ، فتبين أن الذى التمس فيه هو الذى يغمزه الشيطان من كل مولود " آكام المرجان للشبلى ص 178 " .
وأرجو التنبه إلى أساليب المغرضين المثيرين للفتنة ، وإلى قول اللّه تعالى { ومن يبتغ غير الإِسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } آل عمران : 85(8/257)
الأحاديث النبوية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنى الحديث المتواتر وما حكم من ينكره ، وهل كل ما فى البخارى ومسلم يجب تصديقه ويحرم عدم الأخذ به ؟
An الحديث المتواتر هو ما يرويه جمع يحيل العقل فى العادة تواطؤهم على الكذب ، وذلك فى كل طبقة من ابتداء الرواية إلى من تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عرفوه عنه فعلا أو وصفا أو تقريرا ، وقد يكون متواترا لفظيا إذا اتحدت الرواة فى الألفاظ التى يقولونها ، أو متواترا معنويا إذا اتفقوا فى رواية المعنى مع اختلاف الألفاظ ، والتواتر المعنوى كثير، أما اللفظى فقليل ، ومنه أحاديث "من كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" "نزل القرآن على سبعة أحرف" .
ومن المتواتر المعنوى حديث رفع اليدين فى الدعاء ، فقد روى فيه أكثر من مائة حديث ، لكنها فى وقائع مختلفة ، والذى ينكر الحديث المتواتر بالإِجماع يكون كافرا ، وكذلك يكفر من أنكر ما أجمع عليه المسلمون كعدد الصلوات الخمس وركعاتها ، ومناسك الحج .
والأحاديث غير المتواترة تسمى أحاديث آحاد منها المشهور والعزيز والغريب ، ويحكم عليها بالصحة أو الحسن أو الضعف . ومنكرها لا يكفر، وإذا كان الإنكار عن هوى أو تعصب كان فسقا يأثم صاحبه .
والأحاديث الموجودة فى البخارى ومسلم قال ابن الصلاح : إنها صحيحة قطعا، لاتفاق الأمة على تلقيها بالقبول ، والأمة لا تتفق على خطأ، وأما ما روى فيهما معلقا ، وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فلا يبلغ مرتبة القطع عنده ، واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته مائتين وعشرين حديثا ، والحافظ العراقى أفردها بكتاب تصدى فيه للجواب عنها ، وتعرض الحافظ ابن حجر فى مقدمة فتح البارى لما طعن فيه من أحاديث البخارى ، ودفع ما وجه إليها من مآخذ بالتفصيل .
والإِمام النووى خالف ابن الصلاح فى دعوى القطع بصحة ما فى الصحيحين -إلا ما استثنى- وقال : إن المحققين والأكثرين يذهبون إلى أن صحة ما روياه صحة مظنونة إلا أن يكون متواترا ، وأما تلقى الأمة لهما بالقبول فلأن ما روياه يفيد الظن ، والظن يكفى فى تقرير الأحكام العملية، وأما قوله تعالى : { وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم : 28 فمحمول على ما يرجع إلى أصول الدين كالعقائد ، لأنه يقصد منها العلم واليقين .
ومَزِيَّة ما فى البخارى ومسلم على رأي النووى تظهر فى أن ما روى فيهما صحيح لا يحتاج إلى البحث والنظر، بل يؤخذ بالتسليم ، أما ما يروى فى غيرهما فيحتاج إلى نظر لمعرفة رتبته من القبول .
فالخلاصة أن ما رواه الشيخان - البخارى ومسلم - وكان متصل الإِسناد من طريقين فأكثر وتلقاه رجال الحديث بالقبول يفيد العلم بصحة نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، كخبر الآحاد الذى تحتف به قرائن الصدق فلا تبقى لمن يتلقاه شيئا من التردد فى صحته "مجلة الأزهر-المجلد الأول ص 546 - 549"(8/258)
البينة واليمين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "البينة على من ادَّعى واليمين على من أنكر"؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدَّعى عليه" وروى البيهقى والطبرانى بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وتفصيل إجراءات التقاضى يرجع إليها فى كتب الفقه(8/259)
الأحباب فى الحشر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : من أحب قوما حشر معهم ؟
An وردت عدة أحاديث تدل على ذلك ، منها ما جاء فى البخاري ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : متى الساعة؟ قال " وما أعددت لها " ؟ قال : لا شىء إلا أننى أحب الله ورسوله ، قال "أنت مع من أحببت " قال أنس : فما فرحنا بشىء فرحنا بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أنت مع من أحببت " قال أنس : فأنا أحب النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبى إياهم .
وروى البخارى ومسلم أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال :
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كيف ترى فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب " .
وروى الطبرانى بإسناد جيد حديثًا جاء فيه " ولا يحب رجل قوما إلا حُشر معهم " وروى أحمد مثله . ويجب أن يراعى أن هذا الحب يكون للّه لا لأغراض أخرى ، فالحب لله من صفات الذين يجدون حلاوة الإِيمان كما صح فى الحديث(8/260)
النبى صلى الله عليه وسلم وحب النساء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "حُبِّب إلىَّ من دنياكم ثلاث : النساء والطيب ، وجعلت قرة عينى فى الصلاة"؟
An هذا حديث رواه النسائى عن أنس والطبرانى فى معجمه الأوسط ، والحاكم فى المستدرك وقال : صحيح على شرط مسلم .
وقال الحافظ : إسناده حسن عن أنس .
وحب الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء ليس حبا شهوانيا بمعنى الاهتمام الزائد بالمتعة الجنسية على شاكلة المترفين اللاهين ، فنحن نعلم رقة حاله وشغله الدائم ليل نهار بالدعوة ومشكلاتها ، واهتمامه بقيام الليل حتى تتورم قدماه ، فهو حب طبيعى كحب أى رجل لامرأة، لأنه مكتمل الرجولة لا عيب فيه ، ولكنه حب بقدر ، لا يطغى على الناحية الروحية عنده ، ولذلك جاء فى الحديث " وجعلت قرة عينى فى الصلاة" فالصلاة أعظم محبوب عنده ، ومن كان كذلك فهمه فى النساء لم يكن بالدرجة التى تصرفه عن قرة عينه وهى الصلاة والعبادة .
وقد يكون الحديث ردًّا على بعض من يرون أن مقياس التدين هو الرهبانية والتبتل والامتناع عما أحل الله من الطيبات ، فهو صلى الله عليه وسلم أخشى الناس لله وأتقاهم له ، ولكنه يصوم ويفطر ويقوم ويرقد ويتزوج النساء كما صح فى الحديث المتفق عليه الذى قال فى نهايته "ومن رغب عن سنتى فليس منى" . وذلك إلى جانب عطفه ورحمته بالنساء عامة، وقد أوصى بهن كثيرا، والنصوص فى ذلك كثيرة. " انظر الجزء السادس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإِسلام ص 168 "(8/261)
حديث : من فضائل الأعمال
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو شرح الحديث الذى يقول " ثلاثة يضحك الله إليهم ، الرجل إذا قام من الليل يصلى، والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم ،إذا صَفُّوا للقتال " ؟
An هذا الحديث رواه أحمد ، وفيه ثلاث فضائل يرضى الله عنها رضاء عظيما .
وقد جاء التفسيرعن هذا الرضا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام " ثلاثة يضحك الله إليهم " والضحك إذا عدى بمن كان فى مقام الذم غالبا كقوله تعالى { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } المطففين :
29 وإذا عدى بإلى كان فى مقام المدح ، كما فى هذا الحديث .
والضحك بالمعنى المتعارف عند الناس لا ينسب إلى الله ، فالمراد لازمه وهو الرضا . فالله يرضى عن هذه الفضائل رضاء عظيما، والتعبير بالضحك عن ذلك يدل على أهميتها وزيادة فضلها .
الفضيلة الأولى : قيام الليل بالصلاة ، ومن الأمور التى تعطى قيام الليل أهميته أن الصلاة فى الليل أقرب إلى الخشوع ، وذلك لسكون الأصوات وعدم الصوارف التى تشتت ذهن الإنسان وتشوش فكره ، وهنا يكون الاتصال بالله أتم والمناجاة معه أمتع واحسن ، كما أن الليل يقل فيه أو ينعدم الرقيب الذى قد يرائى الإنسان بعمله من أجله ، وهنا تكون العبادة أخلص لله وابعد عن تهمة الشرك والنفاق ، وكذلك مما يجعل لقيام الليل أهميته أن فيه إيثارا لرضاء الله على رضاء النفس ، فإن النفس تميل إلى الراحة وبخاصة فى الليل ، فإذا جاهدها الإنسان ونزعها عن هواها وقام يصلى كان معنى حب اللّه واضحا، وابتغاء مرضاته ظاهرا .
ويوضح ذلك حديث أبى الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يحبهم الله ، ويضحك إليهم ، ويستبشر بهم " وعدَّ منهم " والذى له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل ، فيقول الله : يَذَرُ شهوته ويذكرنى، ولو شاء رقد" رواه الطبرانى بإسناد حسن . وقد جاءت الأحاديث الكثيرة فى فضل قيام الليل نكتفى منها بقوله صلى الله عليه وسلم" إن فى الجنة غرفا برى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وصلى بالليل والناس نيام " رواه ابن حبان فى صحيحه .
والفضيلة الثانية : صلاة الجماعة وتسوية صفوفها ، والذى يعطيها هذه المنزلة أنها تدل على شعور الإنسان بالروح الاجتماعية ، وحاجته إلى الصلة بإخوانه ، والتعاون معهم على الخير، وكان بإمكانه أن يؤدى الصلاة فى بيته منفردا فالأرض كلها مسجد، لكنه لم يخلد إلى الراحة وآثر الانتقال إلى مكان الاجتماع مع إخوانه وممارسة نشاطه الدينى معهم ، وكذلك يعطيها هذه الأهمية أن فيها خضوعًا لنظام القيادة، وتناسيًا للفردية فى سبيل مصلحة الجماعة ، وإذا كانوا خاضعين لقائدهم وهو إمام الصلاة فى توجههم إلى الله بالعبادة ، فإنهم يحرصون على احترام هذه القيادة والحرص عليها فى أمور دنياهم ، وفى ذلك كله قوة للمجتمع ، تتماسك بها أركانه ، ويرهب بها جانبه ، كما أن نظام الصفوف وتسويتها يدرب على احترام النظام فى كل شئون الحياة ، ويدرب على مقابلة العدو صفا واحد متماسكا كالبنيان المرصوص .
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة مرغبة فى صلاة الجماعة من أجل هذه المعانى الكريمة وغيرها ، وجعلتها تفوق صلاة الانفراد بسبع وعشرين درجة . وكان النبى صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماما كبيرا بنظام الصفوف وتسويتها ، روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما : كان النبى يمسح مناكبنا فى الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وبلغ من شدة اهتمامه بتسوية الصفوف أنه كان يترك مكانه من الإمامة ويخترق الصفوف إذا رأى رجلا خارجا عن الصف ، فيقيمه ويرشده ويقول " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " رواه البخارى ومسلم .
الفضيلة الثالثة : صفوف القتال ، أى الاستعداد لمواجهة العدو، فى وحدة كاملة ونظام قوى ، وهذا المعنى له أهميته ، وذلك لأمور، منها استعداد المسلمين لحماية عقيدتهم وشرفهم والدفاع عن وطنهم ، وتعاونهم فى ذلك تعاونا قويا لعلمهم أن هذه المهمة جماعية لا فردية ، والضرر الناتج عن التقصير لا يقتصر على المقصر، يقول الله تعالى :
{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الانفال :25 ومنها التضحية بأعز ما يملك الناس وهو الروح ، فداء لدينهم وشرفهم ، والنفس من طبيعتها حب السلامة، ولكن النفوس المؤمنة الأبية لا ترضى السلامة مع الذلة والهوان ، وترخص أرواحها فى سبيل العزة والكرامة . وهكذا يكون المؤمنون الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس ، وانتدبهم لنشر رسالة الحق والسلام . إن الله يعجب بهذه الصفوف ويضحك إليها لأنها صفوف لم تخرج لتحصيل مغنم أو كسب مادى ، ولكنها خرجت للموت ضاحكة مستبشرة .
ولما كان هذا الاستهداف يحتاج إلى إيمان قوى يتغلب على هوى النفس جاء الترغيب فى الجهاد قويا بأساليب مؤثرة، وكثرت الأحاديث التى تبين فضل المجاهدين على القاعدين ، وتعد المقاتلين بإحدى الحسنيين ، إما الفوز والنصر، وإما الشهادة والأجر { ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} النساء : 74 وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن ذروة سنام الإسلام هى الجهاد كما رواه الطبرانى .
وبعد ، فهذه فضائل ثلاثة ، ينبغى أن نحرص عليها :
الأولى فضيلة فردية لخاصة النفس وهى قيام الليل ، يجاهد فيها نفسه ويتعرض لنفحات ربه ، ورد فى حديث مسلم " إن فى الليل ساعة لا يوفقها رجل مسلم يسأل الله فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا-أعطاه إياه ، وذلك فى كل ليلة" .
والثانية فضيلة اجتماعية يظهر أثرها المباشر فى وقت السلم ويدرب بها لوقت الحرب ، وهى صلاة الجماعة التى توحى بالتعاون والوحدة وحب النظام واحترام القيادة وعدم الشذوذ عن الجماعة .
والثالثة فضيلة اجتماعية أيضا يظهر أثرها وقت الحرب ، وهى التعبئة العامة المنظمة لرد العدوان وحماية الأوطان ، جاء فيها قول النبى صلى الله عليه وسلم "مقام الرجل فى الصف فى سبيل الله تعالى أفضل من صلاته فى بيته سبعين عاما " رواه الترمذى بسند صحيح(8/262)
حديث فى قسمة الأرزاق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرجو شرح الحديث الشريف الذى يقول : " إذا نظر أحدكم إلى هن فضل عليه بالمال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه " ؟
An هذا الحديث رواه البخارى ومسلم ، ويجب أن نعلم أن حظوظ الناس فى الحياة متفاوتة ، والله وحده مالك الأمر كله ، يعطى من يشاء، ويمنع ما يشاء عمن يشاء، قال تعالى{ قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير}[ آل عمران :: 26 ] وقال { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات }[الزخرف : 32 ] وهذا التفاوت فى الحظوظ لحكمة جاء بيانها فى مثل قوله تعالى : {وهو الذى جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم } [الأنعام :165 ]ولا يشترط أن يكون هذا التفضيل تكريما من الله لهم ، فكم من كفار وعصاة يتقلبون فى ا الثراء ليزدادوا به كفرا وطغيانا، قال تعالى { لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد . متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد}[ آل عمران : 196 ، ،197 ] .
ومنح الله لعباده قد تكون بمحض قدرته واختياره دون أن يكون لأحد فيها تدخل بوجه من الوجوه كالجمال الذى يولد به الإنسان ولا يد له فيه ، وكالثراء الوارد عن طريق الميراث أو طريق لم يبذل فيه صاحبه أى جهد، وقد تكون هذه المنح نتيجة جهد وعمل كالتى تأتى عن طريق الكسب التجارى والصناعى وما شاكله .
والطبيعة البشرية نزَّاعة إلى جب المال والجمال ومتع الحياة ، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، وكثير من الناس ينظرون إلى ما فضل الله به الآخرين عليهم نظرة الحسرة والألم ، ويتمنى بعضهم أن تزول هذه النعمة عن أصحابها ليتساووا جميعا فى الفقر والضعف والحاجة ، وهذا هو الحسد المذموم الذى يورث صاحبه همًّا لا يفارقه ، وقلقا لا يترك له فرصة يستريح فيها باله وتهدأ أعصابه ، وقد يتورط فى أعمال غير كريمة لينال بها من هذا الذى فضله الله عليه ، وقد ذم الدين هذا الخلق ، وجاء فى الحديث أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب . رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى .
وقد يكون هناك بعض الناس الذين لم ينالوا حظا من متع الحياة يتمنون أن يكون لهم مثل ما لغيرهم ، ويسعى بعضهم جاهدا لإدراك ما يتمنى .
وقد يرتكب بعضهم فى سبيل ذلك ما لا يوافق عليه شرع ولا خلق .
والحديث الذى نحن بصدده يرسم لنا الدواء الذى به تستريح النفس إزاء هذه الفوارق التى فضَّل بها الله بعض الناس على بعض ، فيرشد كل عاقل إلى أنه لو تطلعت نفسه إلى ما منح غيره من مال وخلق ، أى غنى وجمال وقوة أو غير ذلك من متع الدنيا ، فجدير به أن ينظر إلى من هو أقل منه فى هذه الأمور، حتى يحس بأن الله أنعم عليه بما لم ينعم به على غيره ، وهنا تهدأ نفسه ، ويقنع بما عنده ، ويكون هنا مجال لشكنر الله عليها، وهذا ما يشير إليه قول النبى صلى الله عليه و سلم فيما رواه مسلم " انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم " . والإحساس بنعمة الله مهما صغرت وشكره عليها وسيلة من وسائل رضوان الله وحفظ النعمة وزيادتها ، وعلى النقيض من ذلك يكون ازدراؤها والاستهانة بها موجبا لغضب اللّه وانتقامه فى العاجل أو الآجل ، قال تعالى { وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد }[إبراهيم : 7 ] وقد جاء فى الهدى الإسلامى أن الإنسان إذا أراد أن يتنافس مع غيره فليكن التنافس فى مجال الخير والفضائل والكمالات ، مستخدما فى ذلك ما منحه الله من مال وصحة ولو كان بقدر ضئيل ، وهو ما يشير إليه قول النبى صلى الله عليه و سلم " لا حسد إلا فى اثنتين " والمراد لا ينبغى أن تكون هناك غبطة وتنافس واهتمام إلا فى هاتين الخصلتين " رجل آتاه الله مالا فسلَّطه على هلكته فى الحق ، ورجل آتاه الله للحكمة فهو يقضى بها ويعلمها للناس " رواه البخارى ومسلم .
أما التنافس الدنيوى المحض فهو مذموم ، ذلك أن متاع الحياة الدنيا لا تشبع منه النفس الإنسانية ، وهى حقيقة مقررة أشار إليها قول النبى صلى الله عليه و سلم " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا لهما ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب " رواه البخارى ومسلم . وقد وجه الله نبيه ، وهو توجيه لأمته أيضا أن يكون الاهتمام بالكمال الأدبى والدينى أشد من الاهتمام بالكمال المادى الدنيوى الذى يلهى ويضر، قال تعالى :{ولا تمدَّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}[ طه : 131 ] وقال تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا }[الكهف : 46 ] وقال { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى }[النساء : 77 ]. والإيمان بقدر الله والرضا بعطائه يهون على النفس متاعبها وآلامها ، جاء فى الحديث الشريف " إن روح القُدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته " رواه ابن حبان وابن ماجه والحاكم وغيرهم بألفاظ متقاربة .
و النبى صلى الله عليه و سلم قد حذرنا من الاهتمام بالدنيا الذى يصرف عن الآخرة فقال " من كانت الآخرة أكبر همه جعل الله غناه فى قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهى راغمة ، ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " رواه الترمذى وابن حبان وابن ماجه وغيرهم .
وقد كان السلف الصالح يتنافسون فى البر، كما حدث من عثمان وأبى بكر وعمر فى تمويل جيش العسرة، وكما حدث من عبد الرحمن ابن عوف وغيره من الأعمال الخيرية الكثيرة ، التى لم يلههم عنها ما جمعوه من مال .
لكن ليس معنى هذا أن الله يصرف الناس عن الكسب ويحرمهم متع الدنيا ، فهو القائل { يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا }[المائدة : 87] وقال النبى صلى الله عليه و سلم " نعم المال الصالح للعبد الصالح " رواه أحمد بسند جيد وقال " الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها "رواه الطبرانى بإسناد حسن .
فلنملأ قلوبنا بالإيمان ، ولنجعل المعانى الأدبية أكبر همنا ، ولنعمل جاهدين لرفع مستوانا ، ولنوجه طاقاتنا إلى خير الدين والدنيا(8/263)
حديث فى فضل القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد شرح الحديث الشريف الذى يقول " خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه " ؟
An هذا الحديث رواه البخارى ومسلم ، وتوضيح معناه يقتضينا أن نتحدث عن معنى الخيرية ، وعن السبب الذى من أجله كان تعلم القرآن وتعليمه بهذه المنزلة العالية ، وعن الآثار الواردة فى فضل التعلم والتعليم ، وعن واجبنا نحو القرآن الكريم .
فمعنى " خيركم من تعلم القران وعلَّمه " أفضلكم من انتسب إلى القرآن عن هذه الصلة ، وهل هو أفضل الناس على الإطلاق ، أو أفضل جماعة معينة منهم ؟ لقد ورد مثلا قوله صلى الله عليه و سلم " خيركم خيركم لأهله " رواه الترمذى والنسائى والحاكم فهل الرجل الذى هو خير لأهله أفضل الناس جميعا؟ توفيقا بين التعبيرات الواردة في بيان الأفضلية قال العلماء : إن الأفضلية هنا نسبية ، أو بالإضافة إلى جماعة معينة من الناس . فأفضل المشتغلين بالعلم هم المشتغلون بالقرآن ، وأفضل المتعاملين مع الناس بالخير هم المتعاملون بالخير مع أهلهم . فكلٌّ فى بابه افضل وبالنسبة لجماعته ونوعه أشرف .
ولماذا كانت أشرف مهمة علمية هى ما كانت متصلة بالقرآن الكريم ؟ الجواب أن القرآن كلام الله ، وكل ما كان متصلا بالله كان أشرف شئ فى الوجود، وأن القرآن دستور الحياة المثالية دنيا وأخرى وكل ما كان كذلك كانت الصلة به أشرف ، والانتساب إليه أكرم . وكلام الله عند تلاوتنا له وتفقهنا فيه يزيدنا إيمانا بالله وإدراكا لعظمته .
ودستور الحياة السعيدة كلما تعمقنا فى حفظه ودراسته قويت الرغبة فى احترامه والعمل على الإفادة من هدايته . والمعرفة عق طريق القرآن معرفة صادقة ، والتطبيق على أساسها مضمون النتيجة ، قال تعالى {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى}[طه : 123 ] وقال {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد }[إبراهيم : 2 ] .
وتعليمنا للقرآن نشر لهدايته ، وتوعية للناس بدستورهم ، وأساس لمعرفة حقوقهم وواجباتهم ، والمعرفة هى طريق العمل ، والثقافة داعية النهوض بالمجتمع . والقرآن بالذات جماع الثقافات الصحيحة والمعرفة الصادقة ، ودعوته دعوة للحضارة الأصيلة الشاملة ، فهو ليس كتابا روحانيا محضا يرتل للعبادة فحسب ، بل هو نظام حياة كاملة فى جميع قطاعاتها المادية والروحية ، إنه يدعو إلى العلم والعمل والتطور والنهوض ، ويربى جيلا قوى العقيدة ، مستقيم الفكر، صافى النفس ، متين الخلق ، جديرا بحياة كلها قوة ورخاء وازدهار .
ولأهمية القرآن وضرورته للحياة السعيدة جاءت النصوص الكثيرة مرِّغبة فى الإقبال عليه ، محذرة من التجافى عنه . ففى مجال تعلمه وقراءته وتدبره ودراسته والتفقه فيه جاء قول النبى صلى الله عليه و سلم " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم ، إن هذا القرآن حبل الله المتين ، والنور المبين ، والشفاء الناجع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه ، لا يزيغ فيستعتب ، ولا يعوج فيقوَّم ، ولاتنقضى عجائبه ، و لا يخلق من كثرة الرد . اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته ، كل حرف عشر حسنات . أما إنى لا أقول : الم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف ، وميم حرف " رواه الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود .
وقال عقبة بن عامر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن فى الصفة ،فقال " أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق ، فيأتى منه بناقتين كوماوين فى غير إثم ولا قطع رحم " ؟ فقلنا : يا رسول الله كلنا يحب ذلك . قال " أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل ، خير له من ناقتين ، وثلاث خير من ثلاث ، وأربع خير من أربع وأعدادهن من الإبل " رواه مسلم . وفى الحديث الشريف " يا ألا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلِّى مائة ركعة " رواه ابن ماجه بإسناد حسن . وفيه أيضا "ومن سلك طريقا يبتغى به علما سهَّل الله به طريقا إلى الجنة " رواد مسلم "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " رواه الترمذى وصححه .
وفى جانب تعليم القرآن ونشر هدايته جاءت نصوص كثيرة مرغِّبة فيه ، منها قوله صلى الله عليه و سلم " بلِّغوا عنى ولو آية " رواه البخارى . وهو نفسه كان معلما ومرشدا كبقية الأنبياء والمرسلين .
وكفى بذلك شرفا . قال تعالى { يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا }[الأحزاب : 45 ، 46 ] وجاء فى حديث أبى ذر "ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم ، عمل به أو لم يعمل ، خير من أن تصلى ألف ركعة " رواه ابن ماجه وحسنه وجاء فى الاجتماع على طلب العلم وتعليمه " ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده " رواه مسلم. وجاء فى معلم الناس الخير بوجه عام قوله صلى الله عليه و سلم " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص من أجهدهم شيئا " رواه مسلم .
وبعد، فإننا نهيب بالمسلمين جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها أن يعنوا بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا ودراسة وتطبيقا وتنفيذا ، فبالقرآن تستقيم الألسنة باللغة ، وتقوى العقيدة بالإيمان ، وتتسع المدارك بالثقافة ، وتزكو النفوس بالأخلاق ، ويقوى المجتمع بالعمل ، وتنهض الأمة بالنظام .
عليهم أن يعنوا بالقرآن الكريم ليسدوا منافذ العدو إلى العقائد والأخلاق ، ولتبطل محاولات الاستعمار فى الاعتداء على الأوطان ، ولينهض المجتمع بما يدعو إليه من عمل على أساس العلم والإيمان .
لقد عنى به السلف الصالح فعزوا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها . اقرءوا القرآن فإنه يأتى شفيعا لأصحابه يوم القيامة، ويقال لقارئ القرآن : اقرأ فارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، علموه أولادكم حتى يلبسكم الله تاجا من نور يوم القيامة ، كما وردت بذلك الأحاديث ولا تتخذوه مهجورا ، بل طبقوا مبادئه تسعدوا فى دنياكم وأخراكم ، قال تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } [المائدة : 15 ، 16](8/264)
من صفات النبى صلى الله علية وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما معنا قول النبى صلى الله عليه و سلم لست فاحشا ولا متفحشا ؟
An النبى صلى الله عليه و سلم على أعلى درجة من الكمال فى فكره وسلوكه ، وكذلك الأنبياء والمرسلون قد اصطف من خلقه ليكونوا دعاة لهم إلى الخير ومبلَّغين عن الله رسالته ، وقد مدح الله سبحانه نبيه محمدا صلى الل {وإنك لعلى خلق عظيم} وقد دعا ربه بقوله : اللهم كما حسَّنت خَلقى فحسن خُلقى .
ومن أخلاقه الحسنة عفة اللسان ونزاهة القول وطهارته ، وبخاصة فى مخاطبته للناس وتعامله معهم وذلك نابع من صفاء قلبه وامتلائه بالرحمة ، وحسن ذوقه وأدبه ، وقد التزم ذلك السلوك حتى مع أعدائه ، وفى أحرج الأوقات ، فلما شج وجهه فى غزوة أحد وشق على أصحابه ذلك وقالوا : لو دعوت عليهم ، قال " لم أُبعث لعانا ، ولكنى بعثت داعيا ورحمة ، اللهم اغفر لقوس فإنهم لا يعلمون " .
وقد صح فى البخارى أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وفى رواية : لم يكن سبابا ولا فاح والفحش هو كل ما خرج عن حده حتى يستقبح ، وهو يدخل فى القول والعمل والصفة، لكن استعماله فى القول أكثر والمتفحش هو الذى يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه . واللعن هو الطرد من رحمة الله .
وقد حدث كما فى رواية البخارى أن رجلا استأذن عليه صلى الله عليه و سلم فلما رآه قال " بئس أخو العشير ابن العشيرة ، فلما جلس تطلق فى وجهه وانبسط إليه ، فلما انطلق الرجل سألت عائشة رسول الله صلى الله علي ذمه ثم الانبساط إليه ، فقال " متى عهدتنى فحاشا ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه ال وذلك الرجل هو عيينة بن حصن الفزارى الذى يطلق عليه الأحمق المطاع ، ولم يكن قد أسلم ، أو كان إسلامه ضع وتألفه بهذه المعاملة ليسلم قومه .
وهذا القول من النبى صلى الله عليه و سلم ليس غيبة، بل هو بيان لحقيقة الرجل حتى يعامل على أساسها ، فهو للناس وإرشادهم إلى الخير، وفعله هذا يعد من باب المداراة فى معاملة الناس ، وهى بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا ، ولا شىء فى ذلك ، بخلاف المداهنة وهى بذل الدين لصلاح الدنيا فهى مذمومة لأنها صفة المنافقين أو الكافرين(8/265)
معجزات فى الهجرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إن الله أعمى أبصار المشركين الواقفين حول بيت النبى صلى الله عليه و سلم ليلة الهجرة حتى خرج من بينهم نسجت عل الغار فلم يستطيعوا رؤيته ؟ فهل هذا صحيح ؟
An من الثابت المقرر أن الله سبحانه وتعالى نجَّى رسوله صلى الله عليه و سلم من كيد المشركين الذين صمموا نفيه من مكة كما قال تعالى { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ، أى يحبسوك ، أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله و الله خير الماكرين }[الأنفال : 30 ] والمراد بالمكر المنسوب إلى وعبر به مشاكلة لما هو عند الكافرين .
ومن هذا التدبير المحكم أنه خرج سليما من وسط الملتفين حول بيته ليلة الهجرة كما أجمعت على ذلك كتب السيرة، وكذلك لم يمكنهم الله من رؤيته وهو فى الغار كما نص على ذلك القرآن الكريم { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا }[التوبة : 40 ] .
لكن هل نجاته من المتربصين له حول بيته كانت بذكاء النبى صلى الله عليه و سلم والتماسه مخرجا من وراء ا أو كان بِذَرِّ التراب على رء وسهم فأعمى الله عيونهم عنه ؟ الأمران محتملان ، والتماسه مخرجا خلفيا من بالأسباب ، وربما لم يجد هذا المخرج الآمن ، فتداركه الله بعنايته وأخرجه من بينهم سليما ، والله قادر ع القائل " والله يعصمك من الناس " ورواية نثر الحصا على رءوسهم أقوى من رواية صعوده على الحائط من الجهة فقد أثبتها ابن إسحاق ورواها ابن أبى حاتم وصححها الحاكم . والأمر كما قلنا ممكن ولم يرد ما ينفيه .
ونسج العنكبوت والشجرة والحمامتان عند الغار وردت فى مسند البزار وفى مسند أحمد ، وبصرف النظر عن صحة الروايتين أو ضعفهما فإن ذلك ممكن وليس بمستحيل على قدرة الله ، و المهم أن الله صرف أبصار المشركين عنه سواء أكان بواسطة أو غير واسطة، وكم لله من معجزات و خوارق عادات أكرم بها أنبياءه والمصطفين من عباده ، ولا داعى للإنكار على من يصدق ما نقلته كتب السنة والسيرة ، فليس فيه مساس بكرامة النبى صلى الله عليه و سلم ، كما أن الذين ينفون ذلك لا خوف على إيمانهم ، والمهم أن نت الرسول من هداية(8/266)
الرسول والصدقة والهدية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، فهل هذا صحيح وما الفرق بينهما ؟
An الصدقة مال ونحوه يملَّك لمحتاج دون مقابل مشروط تدفع إليه الرحمة والشفقة ، ويقصد بها أول ما يقصد ثواب الله تعالى والهبة أو الهدية مال ونحوه يملك دون مقابل مشروط فى بعض الأحيان ، ولكن لغير محتاج ولا يقصد منه ثواب الله بقدر ما يقصد منه التكريم ، ولا تدفع إليه الرحمة والشفقة بقدر ما تدفع إليه المودة والمحبة .
وقد قال العلماء : إن كانت الهدية إلى صغير فلا ينتظر لها مقابل ، ولا يجب على المهدى إليه شىء ، وإن كانت إلى كبير فالغالب قصد المقابل ، والمكافأة عليها واجبة ، وإن كانت إلى نظير مماثل كان فيها احتمال للمقابل وللمكافأة عليها . وإن كانت هذه المكافأة مطلوبة فى جميع الحالات ولو بالثناء والشكر، ففى حديث أبى داود والنسائى وغيرهما "من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " .
والهدية مشروعة بل مستحبة إن لم تكن لغرض غير مشروع ، وذلك لحديث البيهقى بإسناد حسن "تهادوا تحابوا" حتى لو كانت بين المسلم وغيره ، كما قبل النبى هدية المقوقس وأهدى بعض الكفار ويسن قبولها حتى لو كانت بسيطة ، ففى حديث البخارى "لو أهدى إلىَّ كراع أو ذراع لقبلت " فكان يقبل الهدية ويثيب عليها كما رواه البخارى .
أما الصدقة فلم يكن يقبلها لأنها أوساخ الناس ويصحبها فى الغالب ذلة ومهانة ومنة . فكان إذا أتى إليه بطعام من غير أهله سأل عنه ، فإن كان صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل ، وإن كان هدية أكل معهم ،وقد يكون الطعام فى أوله صدقة فيحرم عليه أكله ثم يصير هدية فيحل له أن يأكله ، ثبت فى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم تصدق بشاة على نُسيبة أم عطية الأنصارية فأهدت إلى السيدة عائشة رضى الله عنها منها شيئا، ولما سألها الغداء قالت ما عندنا إلا شىء مما تصدقت به أنت على نسيبة ، فقال "إنها بلغت محلَّها " أى زال عنها حكم الحرمة وصارت حلالا بالهدية، كما ثبت فيهما أيضا مثل ذلك فى طعام تصدق به على بريرة ثم أعطت منه عائشة فأكل منه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "هو عليها صدقة ولنا هدية" .
قال العلماء : المعنى أن الصدقة إذا أخذها الإنسان صارت ملكا له يتصرف فيها بالبيع والهبة وغيرها فيزول عنها وصف الصدقة ، والتحريم على الصفة لا على العين ، وقال الأبى فى شرح مسلم ، كون الصدقة أوساخ الناس ليس وصفا ذاتيا بل هو وصف حكمى ، جعل بالشرع وزال بالشرع(8/267)
خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كثيرا ما نقرا فى الكتب عن حكم من الأحكام فيقال إنه من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم فلماذا كانت هذه الخصوصيات ، وهل يمكن أن تعرف ؟
An الخصوصيات لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك لسائر الأنبياء أمر تقتضيه طبيعة مهمتهم ، فالقادة والزعماء والحكام فى كل مجتمع وفى كل عصر لهم مميزات ليست فى غيرهم ، وهذه المميزات ليست كلها تيسيرا أو زيادة فى التمتع بطيبات الحياة ، بل منها ما هو شديد يفرض سلوكا معينا فيه معاناة نفسية فى مقابل التكريم والتشريف الذى رفع الله به منازلهم على غيرهم من عامة الناس ، فالشىء الغالى والثمين يبذل فى الحصول عليه اكبر مما يبذل فى غيره ، فمن طلب الحسناء لم يُغله المهر، ولابد دون الشهد من إبر النحل ، ويكفى فى الاستدلال على ذلك قوله تعالى :{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ،يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون }التوبة : 111 ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها :
" أفلا أكون عبدا شكورا"عندما وجدته يقوم الليل حتى تورمت قدماه مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه . رواه البخارى ومسلم .
ومعرفة خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء لا فائدة فيها"الزرقانى على المواهب ج 5ص 1206 " لكن النووى قال : إن معرفتها جائزة بل مستحبة بل قد تكون واجبة ، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتا فى الحديث الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التأسى والاقتداء ، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها وقد تكون هناك خصائص لا حاجة لمعرفتها فى السلوك ولكن مجرد المعرفة لا يخلو من فائدة .
وقد وردت أحاديث كثيرة نص فيها على بعض الخصوصيات .
وهى كثيرة حاول بعض المؤلفين حصرها كابن سبع والنووى وابن الملقن وغيرهم وقام القسطلانى فى المواهب بجعلها فى مجموعات أربعة : الأولى فى الواجبات والثانية فى المحرمات والثالثة فى المباحات والرابعة فى الفضائل والكرامات .
فمن الواجبات التى تتناسب مع قدرته لم يعظم بها أجره والتى اختلف فى وجوبها بعض العلماء، صلاة الضحى والوتر وركعتى الفجر وصلاه الليل والسواك والأضحية والمشاورة ومصابرة العدو وتغير المنكر فى كل الأحوال ، وقضاء الدين عمن مات مسلما معسرا، وتخيير نسائه فى فراقه أو البقاء معه ، وإمساكهن بعد اختيارهن له وعدم التبدل بهن مكافأة لهن .
ومما اختص به من المحرمات : تحريم الزكاة والصدقة عليه ، وتحريم أكل ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل لتوقع مجئ الملائكة والوحى له ، وتحريم الكتابة والشعر أى التوصل إليهما ، وتحريم نزع لأْمته - عدة الحرب - إذا لبسها حتى يقاتل ، والمن ليستكثر أى إعطاء شىء طالبا أكثر منه ، ومد الأعين لما متَّع اللّه به الناس ، ونكاح من لم تهاجر إلى المدينة ، وتحريم إمساك من كرهته ، ونكاح الكتابية لأن زوجاته أمهات المؤمنين وزوجات له فى الآخرة ومعه فى درجته فى الجنة، وكذلك نكاح الأمة المسلمة بخلاف التسرى بها فهو حلال .
ومما اختص به من المباحات وإن لم يفعل أكثرها : عدم نقض وضوئه بالنوم ، وعدم نقضه بلمس المرأة الأجنبية على الأصح ، وإباحة الصلاة بعد العصر، والصلاة على الميت الغائب عند بعض الأئمة ، وتقبيل زوجاته فى الصيام ، وجواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها كما فى قصة أم حرام بنت ملحان ، ونكاح أكثر من أربع نسوة ، والنكاح بلفظ الهبة من جهة المرأة ، والنكاح فى حال الإحرام ، والنكاح بلا ولى ولا شهود كنكاحه لزينب بنت جحش -والقتال بمكة ودخولها من غير إحرام ، والقضاء بعلمه دون حاجة إلى شهود .
وأما ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات فكثير جدًّا لا يتسع لبعضه المقام ويمكن الاطلاع على المواهب اللدنية للقسطلانى مع شرح الزرقانى "ج 5ص 242 " لتعرف الأدلة على الخصوصيات كلها وما كان منها محل اتفاق وما كان محل اختلاف(8/268)
حديث : كما تكونوا يولَّ عليكم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال "كما تكونوا يولَّ عليكم " وما معناه ؟
An هذا الحديث رواه الديلمى فى مسند الفردوس عن أبى بكرة ، ورواه البيهقى عن أبى إسحاق السبيعى مرسلا-أى سقط منه الصحابى - وهو حديث ضعيف ، والمضى الذى يفهم منه أن الناس إذا كانوا صالحين جعل الله عليهم أميرا صالحا ، وإذا كانوا فاسدين جعل أميرهم فاسدا ، وإذا كان الأمير أو الوالى منتخبا منهم ليس متسلطا ولا غريبا عنهم فإن كانوا صالحين اختاروه من الصالحين ، وإن كانوا فاسدين اختاروه من الفاسدين .
فالمعنى الأول تكون التولية من اللّه إما نعمة للصالحين وإما نقمة للعاصين المفسدين ، والمعنى الثانى تكون التولية بالاختيار منهم ، والصالح يختار الصالح ، والفاسد يختار الفاسد ، والطيور على أشكالها تقع ، ومن هنا تكون التبعة جسيمة على الشعب أو الجماعة التى تنتخب من يرشح للولاية عليها ، فإن قدروا فيه القيم الدينية والسلوك السوى واختاروه لذلك كان خيرا وبركة عليهم ، وإن قدروا فيه القرابة أو الوجاهة أو غير ذلك من الاعتبارات دون اهتمام بعامل الدين والخلق كان نكبة عليهم ، ولا يجوز لهم الشكوى منه فهم سبب الشكوى والله يقول {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرة} الشورى : 30 .
هذا ، والحديث روى بهذا اللفظ وفيه حذف النون من "تكونوا" وحذف الألف من "يول " علامة الجزم ، لتضمين "كما" معنى "حيثما أو معنى إن " وهما من الأدوات التى تجزم فعلين ، وقيل غير ذلك ، ولا داعى للتطويل فى الإعراب فالحديث ضعيف السند(8/269)
عرض الحديث على القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : لا نأخذ أحكام الدين إلا من القرآن ، وإذا كانت هناك أحاديث نبوية فلا نأخذ بها إلا إذا كانت موافقة للقرآن ، ولابد من عرضها عليه فما مدى صحة هذا القول ؟
An الاعتماد فى التشريع على السنة النبوية مأمور به كالاعتماد على القرآن والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } النساء : 59 ، وقوله :{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7 ، وقوله صلى الله عليه وسلم "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "رواه أبو داود وابن ماجه وابن حيان والترمذى وقال : حسن صحيح . وغير ذلك من الأدلة كثير يمكن الرجوع إليه فى الجزء الأول من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " ص 67 .
ومن الشبه التى أخذ بها من يرفضون أخذ الأحكام من الأحاديث النبوية ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه " وقد بين أئمة الحديث أن هذا الحديث موضوع ومختلق على النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن نفسه يكذب هذا الحديث ، فلو عرضناه على القرآن لوجدنا فيه ما يعارضه ويكذبه وهو قوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فالدعوى لَحمل معها دليل بطلانها ، وقد وضح بطلان هذا الحديث البيهقى فى كتابه ""حرفة السنن والآثار"ج 1 ص 23 [ انظر مجلة الأزهر عدد شعبان 1415 ] وقد ألهم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن قوما سيأتون لا يعتمدون إلا على القرآن ويرفضون الأخذ بما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول : عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه ، ألا، لا يحل لكم الحمار الأهلى ولا كل ذى ناب من السباع ، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغنى عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فعليه أن يعقبهم بمثل قراه " رواه أبو داود، فقد وضح الرسول فى الحديث أن تحريم الأشياء المذكورة ليس فى القرآن ،. وهو تشريع واجب أن يعتمد عليه ، والقرى هو الضيافة .
هذا، وفى" مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص 30" . عن الحديث الوارد فى السؤال - أن الشافعى ذكر أن هذه الرواية منقطعة عن رجل مجهول . قال البيهقى :
أشار الشافعى إلى ما رواه خالد بن أبى كريمة عن أبى جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى، فصعد المنبر وخطب وقال " إن الحديث سيفشو عنى ، وما أتاكم يخالف القرآن فليس منى " قال البيهقى :
خالد مجهول ، وأبو جعفر ليس بصحابى ، فالحديث منقطع .
ثم ذكر البيهقى روايات أخرى لهذا الحديث ، وكلها مطعون فيها(8/270)
الرسول ورقة حاله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يطوى الأيام جوعا، فكيف ذلك مع ما ثبت من وفرة الخير عنده وادخاره لما يكفى سنة ؟
An النصوص كثيرة فى رقة حال النبى صلى الله عليه وسلم " واكتفائه من العيش بالضرورى منه ، فمما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها قولها : ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُر ثلاث ليال تباعا حتى قُبض ، وما أكل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين فى يوم إلا إحداهما تمر، وقولها : كان يأتى علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُّحيم . وقولها : إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة فى شهرين وما أوقدت فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قيل لها :
ما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان التمر والماء ، إلا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح - حيوانات ذات لبن - وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه ، وقولها : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم -جلد-وحشوه ليف .
ذلك فى الوقت الذى ثبت فيه أنه ادخر لأهله قوت سنة ، وقسم بين أربعة أشخاص ألف بعير مما أفاء الله عليه ، وساق فى عمرته مائة بدنة ، نحرها وأطعمها المساكين . وأمر لأعرابى بقطيع من الغنم ، وأن بعض أصحابه كانوا أغنياء بذلوا أنفسهم وأموالهم بين يديه فعندما أمر بالصدقة جاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصفه ، وجهز عثمان جيش العسرة بألف بعير .
فكيف نوفَق بين رِقة حاله وبين ما أتيح له من نعيم ، وكذلك الحال مع أصحابه ؟ والجواب : أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار لنفسه العيش الكفاف مع إمكان أن يعيش أفضل وذلك ليضرب المثل لأمته حتى لا يعتنوا بالدنيا وبخاصة ما وقع فى قلبه أن الله سيفتح عليهم أبواب الغنى، فهو يعدهم لعدم الفتنة، وقد صح أنه قال "فوالله ما الفقر أخشى عليكم : ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " وهو صلى الله عليه وسلم كانت له بعض الأحوال يأخذ فيها حظه من متعة الحياة، ولكن ليس بصفة دائمة ، للمعنى الذى ذكرته ، وكان أصحابه المهاجرون فى أول أيامهم فى أشد الحاجة إلى ما يقيم أودهم ، فقد تركوا أموالهم فى مكة وقاسمهم إخوانهم الأنصار أموالهم ، ثم بعد ذلك أفاء الله عليهم من نعمه الكثيرة بالفئ والغنيمة .
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار رقة الحال مع إمكان حصول التوسع والتبسط فى الدنيا له : ففى حديث رواه الترمذى " عرض علىَّ ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت : لا يارب ، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما ، فإنا جعت تضرعت إليك ، وإذا شبعت شكرتك " .
فالخلاصة أن الرسول وأصحابه كانوا فى حاجة عند الهجرة فاضطروا إلى العيش المتواضع ، ولما فتح اللّه عليهم تمتعوا بنعمة الله وكان منهم الأغنياء، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان كذلك لكنه كان يؤثر رقة العيش عند توفر الإمكانات ليضرب المثل لأصحابه وبخاصة عندما يفتح اللّه عليهم كنوز الخيرات ، ذلك إلى أن القناعة بالقليل مع وجود الكثير فيها تمرين للنفس على مواجهة الاحتمالات ، فليست الحياة كلها رخاء وليست الأيام كلها راحة ، وفى تشريع الصيام ما يؤكد الحاجة إلى هذا التمرين العملى(8/271)
حديث : الطائفة التى على حق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى بعض الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين عل الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله ، فمن كل هذه الطائفة ؟
An هذا الحديث رواه البخارى وعنون له بما يفيد أن هذه الطائفة هى أهل العلم ، وذكر بعد هذا الحديث حديثا يقول "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين ، وإنما أنا قاسم ويعطى الله ، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتى أمر الله " .
فالعلماء هم الطائفة الظاهرة على الحق ، وفى بعض الأقوال أنهم أهل الحديث خاصة ، والحق أنهم العلماء بالدين عامة . ومعنى ظهورهم أنهم غالبون ، ويؤيده حديث رواه مسلم "لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " وفى رواية له " لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة" .
وإذا صح الحديث بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ، فإن اللّه يبعث ريحا كريح المسك ، لا تترك نفسا فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة، وقيل : إن شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون بموضع مخصوص . وأن موضعا آخر يكون به طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم .
وقال النووى : يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين فى بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم فى قطر واحد وافتراقهم فى أقطار الأرض ، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا، إلى ألا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله . "فتح البارى ج13 ص 306 - 308"(8/272)
حديث : عمر الدنيا سبعة آلاف سنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا بعثت فى نصف السادس منها"؟
An روى البخارى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بُعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى . والمراد بذلك قرب الساعة وأنه لا نبى بعده ولا منافاة بينه وبين الحديث الآخر "ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) لأن الحديث الأول يعنى أنه ليس بينه وبين الساعة نبى ، كما أنه ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى ، ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه ، ولكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة ، وبعثة النبى صلى الله عليه وسلم نفسها أول أشراطها .
قال عياض : حاول بعضهم فى تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقى من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة ، واستند إلى أخبار لا تصح ، وذكر ما أخرجه أبو داود فى تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة ، فيؤخذ من ذلك أن الذى بقى نصف سبع ، وهو قريب مما بين السبابة والوسطى فى الطول قال : وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ، ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه . يقول ابن حجر:وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلثمائة سنة . وقال إن ابن جرير الطبرى أورد فى مقدمة تاريخه عن ابن عباس أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة ، وقد مض ستة آلاف ومائة سنة وأورده من طريق يحبى بن يعقوب الذى قال عنه البخارى : منكر الحديث .
وفى الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا لاما أجلكم فى أجل من كان قبلكم إلا من صلاة العصر إلى مغرب الشمس " وفسر بأن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبا . والطبرى ارتض أن الدنيا سبعة آلاف سنة ، وأيده السهيلى بحديث عن ابن زمل ، "الدنيا سبعة آلاف سنة بُعثت فى آخرها" لكن هذا الحديث ضعيف جدا ، وإسناده مجهول . وأورده ابن الجوزى فى الموضوعات وقال ابن الأثير : ألفاظه مصنوعة .
إن قول النبى صلى الله عليه وسلم "بُعثت أنا والساعة كهاتين " ليس فيه ما يقطع بصحة هذا التحديد بل غايته بيان قرب الساعة ، وليس بينها وبين النبى نبى آخر، وحاول جماعة أن يحددوا موعد القيامة أو عمر الدنيا عن طريق الحروف المقطَّعة أوائل السور فتضاربت أقوالهم . وكلها ظنون والظن لا يغنى من الحق شيئا ، فلنكل علم ذلك إلى الله سبحانه ، ولنستعد للقائه بالعمل الصالح ، ولنوفر جهدنا لنبحث عما يحل مشكلاتنا الضاغطة . وما أكثرها فى هذه الأيام التى كثرت فيها النذر بقرب قيام الساعة، انظر " فتح البارى لابن حجر ج 11 ص 355- 359" لترى صورة الجدال الذى شغل به الأولون . وأنظر " الروض الأنف للسهيلى ج 2 ص 36 "(8/273)
المؤمن مصيره الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك نص يقول : إن المؤمن العاصى سيكون مصيره الجنة ؟
An روى البخارى ومسلم عن أبى ذر رضى الله عنه قال : أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقط فقال " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال " وإن زنى وإن سرق " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال " وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبى ذر " فخرج أبو ذر وهو يقول : وإن رغم أنف أبى ذر .
وفى رواية للبخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " أتانى جبريل فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت وإن زنى وإن سرق " .
يؤخذ من هذا أن الإنسان ما دام مؤمنا ومات على إيمانه سيدخل الجنة، فإن كانت عليه ذنوب ومات ولم يتب منها فقد يغفر الله له إن شاء ، وقد يغفر له بشفاعة من تقبل شفاعته وقد يعذبه فى النار بمقدار عصيانه وفى النهاية يخرج منها ولا يخلد فيها، أى ينتهى مصيره إلى الجنة ، قال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 148 .
وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله " أى حرم خلوده فيها .
أما الأحاديث التى تنفى الإيمان عن الزانى والسارق ومرتكبى المعاصى فيراد بها نفى الإيمان الكامل ، وليس نفى الإيمان أصلا، مثل " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن " فالمعصية لا تنفى الإيمان ، ولا تخرج العاصى إلى الكفر كما يقول الخوارج ، اللهم إلا إذا اعتقد أن المعصية حلال ، أى ارتكب الزنى مثلا على أنه حلال غير حرام فهنا يكون كافرا ، وينطبق عليه ظاهر الحديث وإطلاقه دون تقييد(8/274)
الدابة من علامات الساعة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الدابة التى جاء فيها {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل : 82 ؟
An أولا : اختلف المفسرون فى معنى " وقع القول عليهم " فقيل معناه وجب غضب الله ، أو حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون ، أو سخط الله عليهم بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن . وقيل غير ذلك ، ويجمعها البعد عن الدين بدليل آخر الآية .
جاء فى صحيح مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا - طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض " .
وثانيا : فى تعيين الدابة خلاف أيضا، فقيل : إنها فصيل ناقة صالح - ويقول القرطبى : هو أصح الأقوال ، وساق حديثا طويلا فى ذلك ، وقيل : إنها الجساسة وهى دابة طولها ستون ذراعا ، وعلى خلقة الآدميين ، وقيل : جمعت من خلق كل حيوان ، وقيل غير ذلك .
وخروجها مختلف فى مكانه أيضا ، فقيل : تخرج من جبل الصفا بمكة، وقيل : تخرج ثلاث مرات : فى بعض البوادى ثم فى القرى ثم من أعظم المساجد، وقيل : من مسجد الكوفة حيث فار تنُّور نوح ، وقيل من الطائف ، وقيل غير ذلك .
أما كونها إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر فقول مردود كما قال القرطبى . والدابة تسم الناس على خراطيمهم أى أنوفهم ، وتكلمهم ببطلان الأديان غير الإسلام وبالرد على من كان يزعم عدم خروجها لأنها من آيات الله .
وكل ذلك قرب قيام الساعة ، وفى كتب التفسير كلام كثير يكفى منه هذا القدر(8/275)
ما يخرج من الميت قبل الصلاة عليه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن الميت بعد الانتهاء من غسله وتكفينه يخرج منه شىء مما ينقض الوضوء قبل الصلاة عليه ، فهل نعيد غسله أو نغسل موضع النجاسة فقط ؟
An جاء فى فقه المذاهب الأربعة - نشر وزارة الأوقاف المصرية - ما نصه :
إذا خرج من الميت بعد غسله نجاسة علقت ببدنه أو بكفنه فإنها تجب إزالتها ، ولا يعاد الغسل مرة أخرى .
وجاء فيه أن الحنفية قالوا : النجاسة الخارجة من الميت لا تضر، سواء أصابت بدنه أو كفنه ، إلا أنها تغسل قبل التكفين تنظيفا لا شرطا فى صحة الصلاة عليه ، أما بعد التكفين فإنها لا تغسل ، لأن فى غسلها مشقة وحرجا ، بخلاف النجاسة الطارئة عليه كأن كفن بنجس فإنها تمنع من صحة الصلاة عليه .
والحنابلة قالوا : إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله وجبت إزالتها وإعادة غسله إلى سبع مرات ، فإن خرج شىء بعد السبع وجب غسل الخارج فقط ولا يعاد الغسل ، هذا إذا كان خروج النجاسة قبل وضعه فى الكفن ، أما بعده فلا ينتقض الغسل ولا يعاد .
هذه هى الآراء ، وللإنسان أن يختار ما يشاء(8/276)
الصلاة على المنتحر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الصلاة على المنتحر ؟
An صلاة الجنازة فرض كفاية على كل من مات مسلما حتى لو كان عاصيا ، ولا تجوز على الكافر ولا على المرتد، ومن الردة استحلال ما حرمه الله تحريما قاطعا ، والانتحار محرم قطعا ، بالقرآن والسنة، قال تعالى{ ولا تقتلوا أنفسكم } النساء : 29 ، وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أن من قتل نفسه بحديدة أو سمٍّ أو إلقاء من مكان عال فهو يعذب فى النار خالدا فيها أبدا على الطريقة التى قتل بها نفسه .
وإذا علمنا من المنتحر بكلامه أو بورقة مكتوبة بخطه مثلا أنه يستحل الانتحار كان مرتدا ، ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين .
وإن لم نعلم فنحمل أمره على الظاهر وهو الإسلام ، ونصلى عليه وندفنه فى مقابر المسلين .
والحديث المذكور محمول على من استحل الانتحار ، فهو مخلد فى النار ، أو محمول على التغليظ والتنفير كما جاء فيمن قتل مؤمنا متعمدا{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما } النساء : 93 ، ومما يدل على أن المنتحر الذى لم يستحل الانتحار مؤمن وإن كان عاصيا ما رواه مسلم أن رجلا هاجر إلى المدينة فمرض لعدم ملاءمة جوها له فجزع فقطع مفاصل أصابعه فسال دمه بقوة ومات ، فراه الطفيل الدوسى فى المنام فى هيئة حسنة مغطيا يديه ، فقال له : ما صنع بك ربك ؟ قال : غفر لى بهجرتى إلى نبيه ، فقال : ما لى أراك مغطيا يديك ؟ قال : قيل لى لن نصلح منك ما أفسدت ، فقصَّ الرؤيا على الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا له وقال " اللهم وَلِيَدَيْه فاغفر " .
يقول النووى فى التعليق على هذا الحديث : فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو فى حكم المشيئة، أى فى حكم قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 48 .
يؤخذ من هذا أن المنتحر الذى لم يعلم استحلاله للانتحار مؤمن ، فيصلى عليه صلاة الجنازة .
لكن ورد نص يمنع الصلاة عليه ، ففى مسلم عن جابر بن سمرة قال :
أُتِىَ النبى صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص - سهام عريضة -فلم يصل عليه ، قال العلماء : هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه دين ، وقد صلت الصحابة على المدين بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك للتنفير من الدين وليس لأنه كافر، وتكره عند مالك الصلاة على المرجوم بحد ، والفساق ، وذلك زجرًا لهم " صحيح مسلم -شرح النووى ج 7 ص 47 "(8/277)
الكتابة على القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعضى المقابر مكتوبا عليها آيات قرآنية وأسماء من بنوها، فما رأى الدين فى ذلك ؟
An روى الترمذى وصححه عن جابر رضى الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ، أى تداس . وفى لفظ النسائى : أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه .
الظاهر من هذا الحديث النهى عن الكتابة على القبور. دون تفرقة بين كتابة اسم الميت وكتابة غيره .
قال الحاكم : مع صحة الحديث فالعمل ليس عليه ، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم ، وهو شىء أخذه الخلف عن السلف . لكن الذهبى قال : إن هذا شىء محدث ولم يبلغهم النهى .
ورأى المذاهب الفقهية فى ذلك على ما يأتى :
أ - قال الحنفية : يكره تحريما كتابه أى شىء على القبر، إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره .
2 - وقال المالكية : إن كانت الكتابة قرآنا حرمت ، وإن كانت لبيان اسم المتوفى أو تاريخ موته فهى مكروهة .
3-وقال الشافعية : إن النهى عن الكتابة للكراهة ، سواء أكانت قرآنا أم كانت اسم الميت ، لكن إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميز ليعرف .
4 -والحنابلة قالت : إن النهى عن الكتابة للكراهة ، سواء كانت قرآنا أم غير ذلك ، دون تفرقة بين قبر عالم أو صالح وقبر غيره .
وابن حزم ، يرى أن نقش اسم الميت على القبر لا كراهة فيه ، وكل ذلك يعتمد فيه إلى حد كبير على النية الباعثة للكتابة ، فإن كانت لمجرد التعرف على صاحب القبر فلا بأس بذلك مطلقا .
فقد روى ابن ماجه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع صخرة على قبر عثمان بن مظعون وجاء فى رواية أبى داود أنه قال : " أتعلَّم بها قبر أخى، وأدفن إليه من مات من أهلى " وإن كانت الكتابة للفخر والمباهاة فهى مذمومة قطعا(8/278)
وضع الجريد على القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى كثيرا من زوار القبور يضعون عليها الزهور والجريد، فهل هذا مشروع ؟
An روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال : " إنهما ليعذبان ، وما يعذبان فى كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول ، وأما هذا فكان يمشى بين الناس بالنميمة ) ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال : " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " . العسيب - الجريدة التى لم ينبت فيها خوص ، فإن نبت فهى السعفة .
وفى حديث مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يقطع غصنين من شجرتين كان النبى صلى الله عليه وسلم يستتر بهما عند قضاء حاجته ، ثم أمره أن يلقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبى صلى الله عليه وسلم جالسا ولما سأله عن ذلك قال : ( انى مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتى أن يرفعه عنهما ما دام الغصنان رطبين ) " شرح النووى ج 18 ص 4 " وهناك قصة ثالثة رواها ابن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال : ( ايتونى بجريدتين ) فجعل أحداهما عند رأسه ، والآخرى عند رجليه .
وأكثر من قصة وردت فى وضع الجريد على القبر، والعلماء فى مشروعيته فريقان ، فريق يقول : إنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم وليس مشروعا لغيره ، وفريق يقول : إنه عام لكل المسلمين فالخطابى فى شرح سنن أبى داود "ج ا ص 42 " يستنكر وضع الجريد على القبر لغير النبى صلى الله عليه وسلم ، والطرطوشى يعلم ذلك بأنه خاص ببركة يده عليه الصلاة والسلام ، ويد غيره لا يجزم ببركتها ، وابن رشيد يستنتج أن البخارى مع هذا الفريق ، وذلك حيث عقب الحديث بقول ابن عمر: إنما يظله عمله . وذلك فى فسطاط - بيت من الشعر أو غيره -وضع على قبر عبد الرحمن بن أبى بكر، حيث قال :
انزعه يا غلام فإنما يظله عمله ، والقاضى عياض ينضم إلى هذا الفريق ويقول : إن غرزهما على القبر سببه أمر مغيب . وهو قوله ( ليعذبان )، وليس هنالك من الناس من يعلم الغيب ، كما أن بعض العلماء من هذا الفريق قال : لم يثبت أن أحدا من الصحابة فعل ذلك إلا بريدة بن الخصيب الأشلمى، ولو كان جائزا ما تركوه وتفرد به واحد منهم .
والفريق المجيز لوضع الجريد على القبر لعامة المسلمين قال : لم يرد ما يدل على خصوصية النبى صلى الله عليه وسلم بذلك ، فيبقى فعله عاما له ولأمته على التأسى به فيما لا يخص به ، كما أنه لم يرد ما يدل على أن الصحابة اعترضوا على ابن الخصيب الذى أوصى أن يوضع على قبره جريدتان ، بل روى الأكثرون أنه أوصى أن يوضع فى قبره لا على قبره ، وقد فعل هو ذلك تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم .
وعدم نقل أن الصحابة وضعوا الجريد على القبور، لعله لعدم علمهم بأن صاحب القبر يعذب ، أو رجاء صلاحه واستغنائه عن ذلك .
وابن حجر رد على تعليل القاضى عياض غرز الجريد بأن العذاب مغيب لا يعلمه إلا النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال لا يلزم من كوننا لا نعلم : أيعذب أم لا، إلا نتسبب له فى أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب ، كما لا يمنع كوننا لا ندرى : أَرُحِمَ أم لا، ألا ندعو له بالرحمة، وليس فى السياق ما يقطع على أنه - النبى- باشر الوضع بيده الكريمة ، بل يحتمل أن يكون أمر به ، وقد تأسى بريدة بذلك وهو أولى أن يتبع من غيره . " فتح البارى لابن حجر-ج 1 ص 33 ، ج 2 ص 66 4 ". والحكمة فى تخفيف العذاب ما دامت الرطوبة فى الغصن قيل : أنها غير معلومة كالحكمة فى كون عدد الزبانية تسعة عشر، وقيل :
إن الغصن يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح ، وعلى هذا فهو مطرد فى كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها ، وقال الخطابى : انتفاع الميت بالجريدة محمول على أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لصاحبى القبرين بالتخفيف مدة بقاء النداوة ، لا أن فى الجريدة معنى يخصه ، ولا أن فى الرطب معنى ليس فى اليابس .
هذه هى المسألة بين المجيزين والمانعين ، وأرى أنه ليس فيها ما يدل على المنع ، وما دام هناك إيمان بأن النافع والضار هو الله وحده ، وأن ما نقدمه للميت من دعاء وصدقة وغيرهما هو من باب الأسباب التى تستمطر رحمة الله سبحانه ، فلا داعى للإنكار، والله أعلم(8/279)
التاريخ وذكر مساوئ الموتى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " اذكروا محاسن موتاكم " فلماذا يدرس التاريخ وفيه كشف لمساوئ السابقين ؟
An روى البخارى وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " .
وروى أحمد والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا " وروى البخارى ومسلم أن جنازة مرت على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأثنوا عليها خيرا فقال " وجبت " ثم مرت جنازة أخرى فقالو عنها شرا فقال " وجبت " ولما سألوه عن معنى ما قال قال " ما أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن قلتم عنه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرض " .
ومن المشاهد أنه عندما يموت إنسان له شأن فى الدنيا يتحدث الناس عنه إما بالخير وإما بالشر، والحديث بالخير إشادة بذكره وتكريم له ، وتعزية لأهله أن الناس راضون عنه ، والحديث بالشر تشويه لسمعته وإهانة له ، وزيادة ألم على أهله ، وقد يقصد به التشفى الذى يورث الأحقاد التى ربما تؤدى إلى نزاع يحتدم ويشتد وتكون له آثاره السيئة .
والحديث عن الميت لا أثر له عند الله سبحانه فهو العليم بما - يستحقه من تكريم أو إهانة ، وقد يكون حديث الناس عنه دليلا ولو ظنيا على منزلته عند ربه ، لكن ذلك لا يكون إلا من أناس على طراز معين من الصلاح والإنصاف والتقوى وقول الحق لوجه الحق كالصحابة الذين قال النبى فيهم " أنتم شهداء الله فى الأرض " .
ومع ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر الأموات بالسوء إذا كان ذلك للتشفى من أهله ، فذلك يغيظهم ويؤذيهم ، والإسلام ينهى عن الإيذاء لغير ذنب جناه الإنسان ، ولا يؤثر على منزلته عند الله الذى يحاسبه على عمله . وقد قال صلى الله عليه وسلم فى قتلى بدر من المشركين " لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شىء مما تقولون ، وتؤذون الأحياء " وعندما سب رجل أبًا للعباس كان فى الجاهلية كادت تقوم فتنة ، فنهى عن ذلك .
ودراسة التاريخ إن كانت لغرض الاعتبار والإقتداء بالصالحين - وللتحذير من تقليد غير الصالحين ، دون قصد للتشهير والتعيير الذى - يظهر أثره على ذويهم من الأحياء فلا مانع منها أبدا ، بدليل أن الله سبحانه قص علينا فى القرآن الكريم أخبار المكذبين كما قص أخبار الرسل والصالحين . وقال فى حكمة ذلك { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } هود : 125 ، وقال تعالى{ لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } يوسف : 111 .
يقول بعض العلماء : إن سب الموتى يكون فى حق الكافر وفى حق المسلم ، أما فى حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحى المسلم - أو ترتب عليه ضرر- وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك ، كأن يصير مات قبيل الشهادة عليه ، وقد يجب فى بعض المواضع . وقد تكون مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ مالاً بشهادة زور ومات الشاهد ، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه ، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب .
ومن الجائز تجريح الرواة للحديث أحياء وأمواتا ، وذلك لإجماع العلماء على جوازه ، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم . قال ابن بطال : سب الأموات يجرى مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير، وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع ، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له ، وكذلك الميت ، ومع ذلك فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
والأولى أن ينشغل المرء بعيوب نفسه ، ولا يتورط فى سب إنسان قد يكون بريئا عند الله ، إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة أو ضرورة ، وهى تقدر بقدرها، والأعمال بالنيات ، ولنقبل على عمل الخير حتى يكون لنا ذكر حسن على ألسن الناس بعد أن نفارقهم فيدعوا لنا بخير(8/280)
الانتفاع بالمقبرة الدارسة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الصلاة فى مسجد بنا فوق قبور قديمة لم يدفن فيها أموات منذ سنوات ، وقد سويت بالأرض وأقيمت عمارات فوق جزء منها ؟
An صدرت فتوى رسمية على مذهب الأحناف من مفتى مصر الشيخ البرديسى بتاريخ 14 من يوليه سنة 1920 م بحرمة استغلال المقبرة القديمة لبناء أو زراعة أو غيرهما، حتى لو لم يبق فيها أثر للموتى من عظم أو غيره ، ووضحها هو بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1920 م بأن الحكم بالحرمة إذا كانت موقوفة ، أما إذا كانت مملوكة للحكومة فلا حرمة " الفتاوى الإسلامية مجلد 4 صفحة 1169 ، 1173 ، 1559 " .
وجاء فى " مشارق الأنوار " للعدوى " ص 26 " أن علماء المالكية منعوا الانتفاع بالمقبرة التى درست ومر عليها سنوات طويلة ، لأن القبر - حَبْسٌ على من دفن فيه .
والشيخ يوسف الدجوى المالكى نقل عن الحطاب فى شرح متن خليل حرمة الانتفاع بالمقبرة الدارسة إلا لمصلحة المسلمين . وجاء فى الرهونى أن بناء المساجد للصلاة فيها على المقبرة العافية- الدارسة - لا كراهة فيه ، لأن المقبرة والمسجد حَبْسَانِ ، أى وقفان على المسلمين لصلاتهم ودفن موتاهم ، فما كان لله لا بأس أن يستعان بعضه فى بعض ، على ما كان النفع فيه أكثر والناس إليه أحوج .
وبعد أن نقل الشيخ الدجوى ذلك قال : يتضح من ذلك أن نبش القبور ونقل ما فيها من العظام لا يجوز إلا لمصلحة ضرورية كإجراء نهر فيها ، ومثل ذلك ما إذا احتيج لها لتوسيع الطريق ، وأن بناء المسجد على المقبرة التى درست جائز من غير كراهة متى اقتضت المصلحة " مجلة الإسلام المجلد الثالث - العدد السادس ص 20 " . وفى فتوى للشيخ يوسف المرصفى الشافعى والشيخ الحسينى سلطان الشافعى " مجلة الأزهر- المجلد الخامس ص 336 " بشأن المقابر المهجورة لا يجوز نبش القبر وجعل مكانه مزرعة أو غيرها، وجاز لمالك الأنقاض الانتفاع بها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرفات الشرعية ، والشافعية قالوا ذلك فى المقبرة المملوكة غير المحبوسة والموقوفة .
بعد هذه النقول من المذاهب يمكنا أن يقال :
إذا كانت أرض المقبرة مملوكة لأصحابها جاز نقل العظام منها والانتفاع بها فى بناء أو زراعة أو بيع التراب للتسميد وغير ذلك ، لأن المالك للأرض يجوز له الانتفاع بباطنها وظاهرها .
أما إذا كانت المقبرة موقوفة أو مسبلة ، أى اعتاد الناس الدفن فيها وليس لها مالك خاص ، فلا يجوز التعدى عليها، ويحرم نقل رفات الموتى من تربتهم ، حيث لا يوجد عذر ولا ضرورة ، فإن وجدت الضرورة فالضرورات تبيح المحظورات .
وإذا لم تكن المقبرة مملوكة لأحد ولا موقوفة ولا مسبلة كان لأهل البلد أن يشتروها أو يتملكوها من الحكومة ، ويتصرفوا فيها بكل أنواع التصرفات بعد نقل ما فيها من العظام ووضعها فى مكان آخر على الطريقة الشرعية ، بتمييز كل من أصحابها بمكان معين إن أمكن وعدم انتهاك حرمتها عند النقل " مجلة الإسلام مجلد 3 عدد 8 صفحة 20 "(8/281)
الموت يوم الجمعة والظروف الأخرى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا أن من مات يوم الجمعة لا يعذب في القبر، فهل هذا صحيح ؟
An روى أبو نعيم فى " الحلية " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء " .
قد تكون هناك ظروف يكون الموت فيها بشيرا بالخير، كظروف الجهاد فى سبيل الله وما أعده الله للشهداء ،وما جاء فى حديث مسلم "ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن - أى بسبب مرض البطن أو الولادة فهو شهيد، والغريق شهيد" وجاءت روايات أخرى تدل على فضل الموت فى الغربة والهدم ودوار البحر، والدفاع عن النفس والمال والدين .
وقد صح أن الميت فى الحج له منزلة عند الله ، فقد روى البخارى ومسلم أن رجلا كان مع النبى صلى الله عليه وسلم فى عرفة فوقع عن راحلته ومات ، فأمر الرسول بغسله وتكفينه مع عدم تغطية رأسه وعدم تعطيره ، وقال "إنه يبعث يوم القيامة ملبيا" أى على هيئة المحرم بالحج ، وجاءت روايات ضعيفة أن الذى يخرج للحج أو العمرة ومات فإنه لا يحاسب ومنها حديث أبى نعيم فيمن مات يوم الجمعة أو ليلتها .
والروايات الضعيفة لا تبنى عليها عقائد، ولا نعرف أمور الغيب منها بيقين ، والذى ينفع الإنسان فى قبره هو عمله ، وكثير من أفاضل الصحابة لم يموتوا يوم الجمعة ولا فى ظروف كالتى مرت ، كما أن كثيرا من الكفار ومن ظاهر سلوكهم غير مستقيم ماتوا يوم الجمعة فلنترك الأمر لله ، ولنهتم بالعمل الصالح فهو مناط الثواب والتكريم(8/282)
نداء الإنسان باسم أبية أو أمة يوم القيامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الإنسان ينادى يوم القيامة باسم أمه سترا على من ولد بطريق غير شرعى ؟
An الذى ورد فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم ، فحسنوا أسماءكم " رواه أبو داود وابن حبان فى صحيحه عن أبى الدرداء .
ولكن جاء فى حديث تلقين الميت أن الملقن يناديه بقوله : يا فلان ابن فلانة، وأن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : كيف ينسبه إذا لم يعرف أمه ؟ قال " ينسبه إلى حواء " . فكيف نوفق بين الحديثين ؟ المعروف أن أقوى الحديثين هو الذى يقدم إذا لم يمكن التوفيق بينهما ، وقال النووى عن هذا الحديث إنه ضعيف فيقدم عليه الحديث الأول . وعليه فيكون النداء يوم القيامة باسم الأب .
وقد يقال : إن حديث التلقين وإن كان ضعيفا يراد بذكر أم الميت أنها هى المعروفة بيقين أنها أمه ، أما أبوه فقد يكون غير ما اشتهر به الميت فيعتمد على المتيقن وهيا نسبه إلى الأم . أما فى يوم القيامة فالله والملائكة هم الذين ينادون الميت بالقيام من القبر وبالحشر وبالحساب وغير ذلك والأب الحقيقى معروف فيعتمد عليه فى الانتساب ، لأن الانتساب شرعا هو للأب أصلا ، والله أعلم بحقيقة الحال(8/283)
عذاب إبليس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يعذب إبليس بالنار وهو مخلوق منها ؟
An من المعلوم أن الله سبحانه خلق إبليس والجن من النار كما قال تعالى حكاية عن إبليس { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين } الأعراف : 2 ، وقال تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } الحجر: 27 . ومن المعلوم أيضا أن الله سيعذب إبليس ومن اتبعه بالنار، قال تعالى{لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } ص : 85 .
ومعلوم أن العذاب : ألَمٌ يؤثر فى الجسم ، وذلك يظهر فى المخالفة بين طبيعة الجسم والأداة التى يكون بها العذاب ، فكيف يحس الشيطان بعذاب النار، وطبيعته لا تختلف عن طبيعتها لأنه مخلوق منها ؟ .
ويجاب عن ذلك بما يأتى .
1 - أن الله سبحانه قادر على أن يحول طبيعة الشيطان حتى يحس بعذاب النار، ذلك أن الشيطان قد يتشكل بأشكال تحكم عليه طبيعتها لا طبيعته ، فهو يسكن فى أماكن وينام ويجلس ويلبس الملابس التى لم يذكر اسم الله عليها ، ويدخل البيوت إذا لم يسم صاحبها وهو داخل ، كما جاءت بذلك الأحاديث ، ومع ذلك لم تحرق هذه الأشياء التى يتصل بها . وقد ثبت أن الشيطان تفلَّت على النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته يريد أن يفسدها، فخنقه النبى وأحس ببرد لسانه على يده كما جاء فى بعض الروايات ، فلو بقى الشيطان على طبيعته النارية لا حرقت ما مسته يده .
وسيدنا آدم عليه السلام ، مع أنه خلق من طين ، جعلت لطبيعته خصائص ليست كخصائص الطين ما دامت روحه فيه ، فلا يمكن غرس شجرة فى جسم الإنسان كما تغرس فى الطين وهكذا .
2 -يجوز أن يجعل الله من النار نفسها نوعا أقوى من النار التى خلق منها إبليس فيحس بعذابها إذا دخلها ، والنار نفسها درجات بعضها أشد من بعض .
3 - ليس كل العذاب فى النار إحراقا للجسم وإيلاما له بسببها ، ففيها حيات وعقارب ومقامع من حديد يضرب بها المعذبون ، وفيها سلاسل وقيود، وفيها شجرة الزقوم التى قال الله تعالى فيها { إن شجرة الزقوم . طعام الأثيم . كالمهل يغلى فى البطون . كغلى الحميم } الدخان : 43 - 46 ، وقال تعالى { إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم . طلعها كأنه رءوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون } الصافات : 64 -66 ، وقال تعالى { ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغنى من جوع } الغاشية : 6،7 .
فألوان العذاب متعددة ، يجوز أن يجعل الله منها للشيطان ما يحقق الغرض من تعذيبه . ومهما يكن من شىء فإن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا ، وما دام الله سبحانه قد حكم بالعذاب على الشيطان فسيتحقق العذاب بالصورة التى يراها هو، والمهم أن نعمل جاهدين حتى لا نكون من أعوانه(8/284)
الزواج فى الجنة والمساواة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كانت الحور العين جزاء للمؤمنين فى الجنة فماذا يكون جزاء المؤمنات ؟
An للإجابة على السؤال لابد من ذكر هذه المقدمة حيث تثار الآن قضية المساواة بين الجنسين .
1 - المساواة فى مفهومها الصحيح هى إتاحة الفرصة لكل من الرجل والمرأة أن يكمل نفسه ماديا وأدبيا ، وبهذه الإتاحة تكون المساواة، بصرف النظر عن حجمها ونوعها، قال تعالى{ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } النساء : 32 ، وقال { لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } آل عمران : 195 ، وذكر حديث وافدة النساء أن حسن قيام المرأة بواجبها نحو زوجها وأولادها يعدل ما يقوم به الرجل من مهام .
2 - وقد جعل الله لكل من الرجل والمرأة خصائص واستعدادات تتناسب مع الدور الحيوى الذى يؤديه فى الدنيا ، فى جو من التعاون على تحقيق الخلافة فى الأرض ، فالخصائص البيولوجية مختلفة فيهما ، وليست متساوية تماما ، ولها تأثير على الفكر والعاطفة ، وبالتالى على السلوك . وعلى أساسها كان توزيع الاختصاص فى هذه الشركة التعاونية . قال تعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } النساء : 34 ، ومن هنا لا يصح أن يقول واحد منهما : لماذا لا يعطينى الله مثل ما أعطى الآخر، وإلا لما كان هناك داع إلى خلق نوعين . وقد جاءت الأديان كلها مقررة لهذه الحقيقة ، وعلى أساسها وضعت التشريعات السماوية ، بل الوضعية أيضا .
3-من المعلوم أن الرجل صالح فى كل وقت -إذا لم يكن هناك موانع - لإتمام عملية الإخصاب من أجل التناسل الذى هو المهمة الأولى لخلق الذكر والأنثى من كل صنف من المخلوقات ، قال تعالى { ومن كل شىء خلقنا زوجين } الذاريات : 49 ، أما الأنثى فهى غير مستعدة لذلك إلا بنسبة ضئيلة ، وهى يوم أو يومان فى كل شهر عند نضج البويضة ، ولا يكون هناك فى الأعم الأغلب إلا حمل واحد فى كل عام ، فإذا شغلت بحمل فلا يمكن لحمل آخر أن يزاحمه أو يفسح له المجال 0 ولأجل أن الغرض من هذا التكوين هو تنظيم التناسل والشهوة أباحت الأديان كلها تعدد الزوجات لرجل واحد ، وحرمت تعدد الأزواج لامرأة واحدة ، لأنه سيكون لمجرد إرضاء الشهوة لا غير. وما يقال عن عدم التعدد فى ديانات غير الإسلام فهو تعاليم كنسية ليست من الشريعة الموحى بها .
4 - ليكن معلوم أن قوانين الآخرة لا توافق دائما قوانين الدنيا ، فالأكل هنا هو للشبع وتتبعه فضلات قذرة ، وليس الأمر كذلك فى الجنة ، والزواج هنا للحاجة إلى النسل ولا حاجة إليه فى الجنة ، وإن كانت للبعض رغبة فى الولد فلا يتحتم أن يكون عن طريق الولادة، كما قال بعض العلماء " مشارق الأنوار للعدوى ص 186 " .
وما يجىء من التشابه فى النصوص المتصلة بالأكل والشرب والمتع فى الجنة فهو أسلوب يقرب المعنى إلى الأذهان بالمعهود عند الناس ، ذلك لأن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وهناك عبارة مشهورة تقول : كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك .
ويظهر ذلك الاختلاف فى القوانين فى الخمر التى جاء فيها "لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " وفى الحور العين اللاتى وصفهن اللَّه بقاصرات الطرف ، أى لا يحببن غير أزواجهن ، ولا يشتهين غيرهم ، ولا توجد غيرة بينهن إذا تعددن لرجل واحد، وهذا أمر يتناقض مع الطبيعة البشرية فى الدنيا .
5 -تحدث القرآن عن نعيم الجنة فى الناحية الجنسية ، وركز على الرجل بالذات ، وأغراه بالعمل لدخول الجنة لينعم بزوجات فيهن كل الأوصاف المغرية، وجاء فى الحديث المتفق عليه بين البخارى ومسلم أن الرجل الواحد سيكون له أكثر من زوجة ، فقد أخرجا عن أبى هريرة رضى الله عنه أن الصحابة تذاكروا : الرجال أكثر فى الجنة أم النساء ؟ فقال : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما فى الجنة رجل إلا وله زوجتان ، إنه يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها عزب " وجاء فى أحاديث أخرجها الترمذى وصححها أن العبد يزوج فى الجنة سبعين زوجة، وفى حديث لأحمد والترمذى وابن حبان أن أدنى أهل الجنة منزلة له ثنتان وسبعون زوجة .
فأين الحديث عن المتعة الجنسية للمرأة ، وهل لها أن تتمتع بأكثر من رجل كما يتمتع الرجل بأكثر من امرأة ؟ وإذا كانت مع زوجها فى الجنة كما قال تعالى { جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } الرعد : 23 ، فكيف تحس بالنعيم مع أن الغيرة تملأ قلبها من ضرائرها الحسناوات ؟ أ-التركيز على نعيم الرجل لأن شهوته طاغية، فهو طالب لا مطلوب ، فوعده الله بما يحقق رغبته فى هذه اللذة إن جاهد نفسه وعف عن الحرام . أما المرأة فشهوتها ليست طاغية كما يقول المختصون ، وإن اشتدت فى فترة نضج البويضة يوما أو يومين فى الشهر فهى فى غالب أيامها مطلوبة لا طالبة . وما قيل من أن شهوتها أقوى من شهوة الرجل بنسبة كبيرة فليس عليه دليل صحيح ، والواقع خير دليل . ومع ذلك فلا تحرم المرأة من هذه اللذة فى الجنة، وستكون مع زوجها ذلك { إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون * هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون } يس : 55، 56 ، ومن لم تتزوج إما أن يزوجها الله -حيث لا يوجد عزب فى الجنة كما فى الحديث السابق الذى رواه الشيخان ، وإما أن يمتعها بلذة أخرى تقنع بها .
ب - قد يكون هناك تعويض عن هذه اللذة بالقناعة بمنزلتها عند زوجها وبمتع أخرى يعلمها الله وحده { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين } الزخرف : 71 .
وقد قيل : إن الله يكسوها جمالا لا تحس معه نقصا بالنسبة للحور العين ، وأن لها السيادة عليهن ، وهى لن تحب رجلا غير زوجها كالحور العين قاصرات الطرف .
ج - ليس فى الجنة غيرة بين الزوجات -كما فى الدنيا- لأنها تنغص النعيم ، وليس فيها حسد ولا حقد ولا حزن ولا أى ألم أبدا، حتى تتم اللذة لأهل الجنة كما قال تعالى : { ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين * لا يمسهم فيها نصب } الحجر: 47 ،48 ، وقال على لسان أهل الجنة { الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن ، إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } فاطر: 34 ، 35(8/285)
نعيم القبر وعذابه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ينكر بعض الناس أن هناك نعيما وعذابا فى القبر ، فما هو رأى الدين فى ذلك ؟
An الكلام هنا فى ثلاث نقط ، الأولى فى ثبوته ، الثانية فى دوامه ، الثالثة فى كونه للروح والجسد أو للروح فقط .
النقطة الأولى :
نعيم القبر وعذابه ثابتان بأدلة كثيرة منها :
1 -روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المسلم إذا سئل فى قبره فشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه " فذلك قول اللّه { يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} . وفى لفظ : نزلت فى عذاب القبر، يقال له : مَنْ ربك ؟ فيقول : اللَّه ربى ومحمد نبيى ، قذلك قول اللَّه { يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} إبراهيم : 27 ، .
2 -روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد اذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول فى هذا الرجل ؟ - لمحمد - فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد اللَّه ورسوله ، فيقولان : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك اللّه به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا ، وأما الكافر والمنافق فيقال له : ما كنت تقول فى هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدرى، كنت أقول، ما يقول الناس ، فيقولان : لا دريت ولا تليت ، ويضرب بطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة فيسمعها من يليه غير الثقلين " وقوله : لا دريت ولا تليت ، دعاء عليه بألا يكون داريا ولا تاليا ، أو إخبار بحاله فإنه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء .
3-روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبور ثم قال " إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها ، فلولا ألا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم من عذاب القبر الذى أسمع منه " ثم قال " تعوذوا باللّه من عذاب القبر" .
4 - روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام أن ملكين أخذا بيده ، ومرا به على أناس يعذبون فى قبورهم بصور مختلفة لارتكابهم الكبائر، وجاء فيه أن العذاب الذى ينزل بهم يستمر إلى يوم القيامة، يقول ابن القيم : وهذا نص فى عذاب البرزخ ، فإن رؤيا الأنبياء وحى مطابق لما فى نفس الأمر .
5 -وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سعد بن معاذ " هذا الذى تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضُمَّ - هى ضمة القبر - ثم فرج عنه " .
6 - روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين فقال " إنهما يعذبان وما يعذبان فى كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " .
7 - يقول اللَّه تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } غافر : 46 ، فالعرض يكون فى القبر قبل يوم القيامة .
هذه بعض الأدلة القوية على ثبوت النعيم والعذاب فى القبر، فذلك ثابت بالسنة وظاهر الآية، وأهل السنة مجمعون عليه ، والإِجماع حجة عند أكثر الأصوليين ، وأنكره جماعة من المعتزلة، ومهما يكن من شىء فإن العقائد لا تثبت إلا بالنص القطعى فى ثبوته ودلالته ، والحديث الصحيح الذى دل على نعيم القبر وعذابه اعتبره بعض العلماء من قطعى الثبوت الذى يفيد العلم اليقينى ، واعتبره آخرون ظنى الثبوت الذى لا يفيد العلم اليقينى، ومن هنا كان الخلاف فى الحكم على من أنكر نعيم القبر- وعذابه ، هل هو كافر أو غير كافر .
النقطة الثانية :
جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى ( ص 36) .
بعد أن ساق ، عدة نصوص - لا ترقى إلى درجة تؤخذ منها عقيدة قوله :
فتحصَل مما سبق أن النعيم لا يكون إلا دائما ، وأما التعذيب فإما أن يكون دائما أيضا وهو عذاب الكفار وبعض العصاة ، ومنقطعا وهو لبعض العصاة ، ولذلك قال العلامة الدردير فى " خريدته " : العذاب قسمان إما دائم وهو للكفار وبعض العصاة ، أو منقطع وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمه ، وانقطاعه إما بسبب كصدقة أو دعاء ، أو بلا سبب أى بمجرد العفو .
ثم قال فى صفحة 37 : ويرتفع العذاب عن سائر الخلق ليلة الجمعة ولو كفارا ثم يعود على الصحيح ، قال العلامة النفراوى : وقيل إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدا، قال : وحينئذ من مات قبل يوم الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يوما، وبه قال بعضهم ، انتهى قال العدوى : وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطى حيث قال فى " شفاء الصدور " إن عدم العود لا دليل عليه ، فلم يرد فى هذا حديث صحيح ولا حسن .
ثم قال : وما قاله الإِمام السيوطى فهو فى غاية الظهور، لما تقدم لك من حديث البخارى ومسلم السابق فى الجريدتين بقوله " لعل اللَّه يخفف عنهما ما لم ييبسا" وفى رواية لأبى داود " يهون عليهما ما دام من بلواتهما شىء " فهذا القيد منه صلى الله عليه وسلم ظاهر فيما قاله السيوطى ولا يلتفت لغيره ، لا سيما فى مجالس الفجرة المتجاهرين بالفسق .
النقطة الثالثة :
قال ابن القيم : مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون فى نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ، ويحصل لها معه النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد ، وقاموا من قبورهم لرب العالمين . ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى .
قال الحافظ ابن حجر فى " الفتح " : وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى ان السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا : تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت فى الحديث ، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه ، لأن اللّه قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال ، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه .
والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد فى قبره حال المسألة لا أثر فيه ، من إقعاد ولا غيره ولا ضيق فى قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب . وجوابهم أن ذلك غير ممتنع فى القدرة ، بل له نظير فى العادة وهو النائم ، فإنه يجد لذة وألما لا يدركه جليسه ، بل اليقظان قد يدرك ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه . وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد ، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله ، والظاهر أن اللَّه تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستر عليهم ، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا ، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء اللّه ، وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور، كقوله " إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله " تختلف أضلاعه " لضمة القبر، وقوله " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق ؟ وقوله "يضرب بين أذنيه " وقوله " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الأجساد .
وقال الدردير فى كتابه " الخريدة " : والتعذيب للروح مع البدن ولو لم يقبر، فالتعبير بالقبر جرى على الغالب ، إذ لا مانع من أن يخلق اللّه تعالى فى جميع الأجزاء أو بعضها نوعا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب ولذة النعيم ، وهذا لا يستلزم أن يتحرك ويضطرب أو يرى أثر العذاب عليه ، حتى إن من أكلته السباع أو صلب فى الهواء يعذب وإن لم نطلع عل ذلك . ثم قال : ومن عذاب القبر ضغطته ، وهى التقاء حافتيه حتى تختلف أضلاع الميت ، وتختلف باختلاف العمل ، حتى إن الصالح تضمه ضمة الأم الشفوقة على ولدها .
انتهى(8/286)
غسل الميت مع اختلاف الجنس
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز لأحد الزوجين أن يغسل الآخر عند الموت ؟
An غسل الوفاة بين الجنسين إما أن يكون بين الزوجين وإما أن يكون بين غيرهما، ولكل حكمه .
1 - غسل الزوج لزوجته :
وردت فى ذلك عدة أحاديث منها :
أ-عن عائشة رضى اللّه عنها قالت : رجع إلىَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا فى رأسى وأقول : وارأساه ، فقال " بل أنا وارأساه ، ما ضرك لو مت قبلى فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك " رواه أحمد وابن ماجه وأصل الحديث عند البخارى وليس فيه " غسلتك " نيل الأوطار ج 4 ص 29 .
ب - روى الدارقطنى والبيهقى بإسناد حسن أن عليا رضى اللَّه عنه غسل فاطمة رضى اللّه عنها . وأخرجه الشافعى " كشف الغمة للشعرانى " ج 1 ص 206 .
ج -أوصت فاطمة بنت عُمَيْسٍ أن يغسلها على بن أبى طالب وأسماء ، فغسلاها ولم ينكر أحد من الصحابة عليهما ذلك فكان إجماعا ، كما ذكره الشوكانى فى " نيل الأوطار ج 4 ص 29 " أخرجه الشافعى وابن عبد اللَّه كما فى شرح الزرقانى على المواهب "ج 3 ص 206" د-وجاء فى " كشف الغمة " للشعرانى أن عبد اللّه بن مسعود غسل زوجته حين ماتت .
2 - غسل الزوجة لزوجها :
ورد فى ذلك آثار منها :
أ- قالت عائشة رضى اللَّه عنها : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبى صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه .
ب -أوصى أبو بكر رضى اللّه عنه أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته ولم يخالف ذلك أحد من الصحابة ، أخرجه البيهقى "نيل الأوطار ج 1 ص 260 " .
وروى مالك فى " الموطأ" أنها غسلته وكان اليوم شديد البرودة وهى صائمة فلم تغتسل من غسله . " المرجع السابق " .
بعد هذه المرويات قال الشوكانى "ج 4 ص 29 " : قال أحمد : لا تغسله ، لبطلان النكاح ، ويجوز العكس عنده كالجمهور، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشعبى والثورى : لا يجوز أن يغسلها ، لمثل ما ذكر أحمد ، ويجوز العكس عندهم كالجمهور، قالوا : لأنه لا عدة عليه بخلافها .
وجاء فى كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة "أن الزوج لو مات فإن للزوجة أن تغسله ، وذلك بالاتفاق حتى لو كانت مطلقة ، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: إذا كانت بائنا فليس لها أن تغسله ولو كانت فى العدة . وإذا ماتت الزوجة غسلها زوجها ، إلا أن أبا حنيفة منع ذلك لأنها صارت أجنبية عنه .
3 - الغسل بين غير الزوجين :
جاء فى كتاب " الفقه على المذاهب الأربعة " قال المالكية : إذا ماتت المرأة وليس معها زوجها ولا أحد من النساء ، فإن كان معها محرم لها غسلها وجوبا، ولف على يديه خرقة غليظة مع ستارة بينه وبينها، فإن لم يوجد محرم يمَّمها واحد لكوعيها فقط . وإذا مات رجل ولم توجد زوجته غسلته محرمة بخرقة مع ستر عورته ، فإن لم توجد محرم يممته الأجنبية إلى المرفقين .
وقال الحنفية : إذا ماتت المرأة ولم تكن هناك نساء يممها المحرم .
إلى المرفق ، ويممها الأجنبى مع وضع خرقة على يده وغض بصره ، والزوج كالأجنبى إلا أنه لا يكلف غض البصر، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهم زوجته غسلته القاصرة، فإن لم توجد يممته إلى المرفقين مع غض البصر .
وقال الشافعية : إذا ماتت بين رجال ليس فيهم زوج ولا محرم يممها الأجنبى إلى المرفقين ، مع غض البصر وعدم اللمس ، أما الزوج فيغسلها ، وكذلك المحرم إن لم يوجد الزوج ، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهن زوجته ولا محرم يممته الأجنبية بحائل يمنع اللمس مع غض البصر، أما الزوجة فتغسله وجوبا ، وكذلك المحرم عند عدم الزوجة .
وقال الحنابلة : إذا ماتت المرأة ولم يوجد زوج يممها المحرم ، وإلا يممها الأجنبى بحائل ، وإذا مات الرجل ولم توجد زوجته يممته الأجنبية بحائل ، أما المحرم فلا يشترط الحائل فى تيمم الرجل أو ا المرأة(8/287)
دفن الميت فى صندوق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم دفن الميت فى صندوق ؟
An جاء فى تفسيرالقرطبى " ج 0 1 ص 1 38 " أن الدفن فى التابوت جائز، لا سيما فى الأرض الرخوة ، وروى أن دانيال صلوات اللّه عليه كان فى تابوت من حجر، وأن يوسف عليه السلام أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى فى رَكِيَّة - بئر- مخافة أن يعبد ، وبقى كذلك إلى زمان موسى صلوات اللَّه عليهم أجمعين ، فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه فى حظيرة إسحاق عليه السلام . كلام ليس عليه دليل معتمد، ثم قال القرطبى :
وفى الصحيح عن سعد بن أبى وقاص أنه قال فى مرضه الذى هلك فيه : اتخذوا لى لحدا وانصبوا عليه اللبن نصبا كما صنع برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
وحكى عن الشيخ الإِمام أبى بكر محمد بن الفضل الحنفى أنه جوز اتخاذ التابوت فى بلادهم لرخاوة الأرض وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغى أن يفرش فيه التراب وتُطيَّن الطبقة العليا مما يلى الميت ، ويجعل اللَّبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد-ثم قال القرطبى : ومن هذا المعنى جَعْل القطيفة فى قبر النبى صلى الله عليه وسلم فإن المدينة سبخة ، قال شُقرآن : أنا واللَّه طرحت القطيفة تحت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى القبر. قال أبو عيسى الترمذى :
حديث شقران حديث حسن صحيح غريب ، أى رواه راو واحد فقط .
وجاء فى الفتاوى الإِسلامية " المجلد الرابع ص 1264 " باسم الشيخ عبد المجيد سليم كراهة اتخاذ التابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو نَدِيَّة يسرع فيها بلى الميت فلا بأس باتخاذه واستحسانه للمرأة مطلقا سواء أكانت الأرض رخوة أم لا، لأنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الدفن .
وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية : أن دفن الميت فى صندوق ونحوه مكروه مطلقا عند الحنابلة ، وخلاف الأولى عند المالكية ، أما الشافعية والأحناف فقالوا : مكروه إلا لحاجة -كرخاوة الأرض - وقال الفقهاء : يكره وضع وسادة أو فراش أو نحو ذلك معه فى قبره ، ولو كان فى ذلك تكريم لكان أولى به النبى صلى الله عليه وسلم فقد بنى فى قبره تسع لبنات ، ووضع القطيفة تحته ورد بها الحديث المذكور وكانت قطيفة نجرانية كان يتغطى بها ، فأريد ألا يلبسها أحد بعده لكن البعض قال إن الصحابة نزعوها وفى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 8 ص 292" توضيح لذلك فيراجع ، هذا وعمل التابوت لا يغنى عن وضعه فى الأرض ليتحقق معنى الدفن ، وإذا كان القصد منه مجرد التكريم دون حاجة أخرى هو مكروه ، وهو لا يفيد الميت في نعيم ولا عقاب ، والبساطة فى مثل هذه الحالة مطلوبة(8/288)
دفن اثنين فى قبر واحد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز دفن شخصين فى قبر واحد ؟
An الأصل فى الدفن أن يكون لكل ميت قبر خاص به ، أما دفن أكثر من واحد فى قبر واحد فهو حرام عند جمهور الفقهاء، ومكروه فقط عند أبى حنيفة ، ومحل ذلك إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة ، فإن وجدت ضرورة ككثرة الموتى وتعَسُّر إفراد كل بقبر، أو وجدت حاجة كالمشقة فى حفر قبر لكل ميت جاز جمع أكثر من واحد فى قبر، سواء أكانوا من جنس واحد أم من جنسين ، على أن يقدم الذكر على الأنثى فى دفنه جهة القبلة .
والدليل على ذلك ما رواه أحمد والترمذى وصححه : أن الأنصار جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقالوا : يا رسول اللَّه أصابنا جرح وجهد فكيف تأمرنا؟ قال " احفروا وأوسعوا تعمقوا ، واجعلوا الرجلين والثلاثة فى قبر قالوا :
فأيهم نقدم ؟ قال " أكثرهم قرآنا " .
وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد ، فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه .
ذكره ابن حجر فى الفتح "ج 3 ص 251 " .
وجاء فى كتاب " الإقناع " للخطيب فى فقه الشافعية ما يأتى : ولا يجمع رجل وامرأة فى قبر إلا لضرورة ، فيحرم عند عدمها-يعنى عدم الضرورة-كما فى الحياة -يعنى كما لو كانوا أحياء - قال ابن الصلاح : محله إذا لم يكن بينهما محرمية أو زوجية ، وإلا فيجوز الجمع ، قال الأسنوى : وهو متجه - يعنى كلام وجيه -والذى فى المجموع -كتاب للنووى- لا فرق ، فقال إنه حرام حتى فى الآًم مع ولدها ، وهذا هو الظاهر، إذ العلة فى منع الجمع هى الإِيذاء ، لأن الشهوة قد انقطعت فلا فرق بين المحرم وغيره ، ولا بين أن يكون من جنس ، واحد أم لا، ويحجز بينهما بتراب حيث جمع بينهما ، وذلك على سبيل الندب - حتى لو اتحد الجنس - انتهى .
وجاء فى " الفتاوى الإِسلامية " مجلد 7 ص 1426 : يجوز دفن الرجل مع المرأة فى قبر واحد عند الضرورة بشرط الحيلولة بينهما بحائل من التراب . وخلاصة الكلام أن دفن الرجل مع المرأة حتى لو كانت أمه أو زوجته لا يجوز إلا عند الضرورة(8/289)
الأحياء والأموات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هناك كلام كثير حول العلاقة بين الأحياء والأموات ،من حيث الإحساس بهم واطلاعهم على أحوالهم ووصول الثواب لهم نريد توضيحا لهذه العلاقة على ضوء القرآن والسنة ؟
An هناك مسائل كثر الكلام فيها بما يتصل بالعلاقة بين الأحياء والأموات نذكر أهمها فيما يلى :
1 - عرض الأعمال على الرسول و الأموات :
روى البزار بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم : " حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، فإذا أنا مت كانت وفاتى خيرا لكم ، تعرض علىَّ أعمالكم ، فإن رأيت خيرا حمدت الله ، وإن رأيت شرا استغفرت لكم " .
وأخرج أحمد والحكيم الترمذى فى " نوادر الأصول " وابن منده حديث " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشايركم من الأموات ، فإن رأوا خيرا استبشروا به ، وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا " . وأخرج مثله الطيالسى فى مسنده . وجاء عن الحكيم الترمذى فى نوادره " إن الأعمال تعرض على الله يومى الإثنين والخميس ، وعلى الأنبياء والأولياء يوم الجمعة ، فيفرحون بحسناتهم " وروى البيهقى فى " شعب الإيمان " حديث " اتقوا الله فى إخوانكم من أهل القبور ، فان أعمالكم تعرض عليهم " وأورد ابن القيم فى كتابه "الروح " أثرا يدل على علم الميت بما يحصل من الحى .
وكل ذلك لا يثبت عقيدة ، فمن لم يصدق فلا يكفر ، كما أنه لا يوجد دليل قوى يمنع تصديق هذه الأخبار .
2 - سماع الموتى للأحياء :
إن سماع الأنبياء والشهداء لمن يسلِّم عليهم فى قبورهم أمر-يسهل التصديق به مادامت الحياة قد ثبتت لمم ، وبخاصة أن هذا السماع ممكن لغيرهم ، بل دل الدليل عليه ، ويستوى فى ذلك المؤمنون وغير المؤمنين ، لما يأتى :
1 - جاء فى الصحيح أن الميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه وهو يسمع قرع نعالهم يجيئه الملكان ليسألاه .
2 - وجاء فى الصحيح أيضا نداء النبى صلى الله عليه وسلم لقتلى المشركين فى بدر بعد إلقائهم فى القليب ، وقوله لهم : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ... فقال عمر رضى الله عنه : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟ فقال " والذى بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع منهم لما أقول ، ولكنهم لا يستطيعون جوابا " .
3 - وفى الصحيح أيضا " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " قال النووى فى شرح صحيح مسلم : معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم . وإلى هذا ذهب الطبرى ، قال القاضى عياض : وهو أولى الأقوال ، واحتجوا له بأن النبى صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال : " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم " .
4 - شرع النبى صلى الله عليه وسلم لأمته السلام على أهل القبور بمثل " السلام عليكم دار قوم مؤمنين " وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد ، والسلف مجمعون على ذلك .
5 - حديث " إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلَّم عليه رد عليه السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام " . ويأتى حكمه فى المسألة التالية :
بهذا وبغيره من الآثار الكثيرة التى ذكرها ابن القيم فى كتاب الروح يكون سماع الأموات للأحياء ممكنا ، وقد أنكرت السيدة عائشة رضى الله عنها سماع أهل القليب لنداء النبى صلى الله عليه وسلم ، وظن جماعة أن ذلك ينسحب على كل الموتى من الكفار وغيرهم ، ورد هذا بأن إنكارها لسماع الكفار هو الإنكار الوارد فى قوله تعالى : { فإنك لا تسمع الموتى} الروم : 52 ، وقوله : { وما أنت بمسمع من فى القبور }فاطر : 22 ، . فالمراد به سماع القبول والإيمان ، حيث شبه الله الكفار الأحياء بالأموات ، لا من حيث انعدام الإدراك والحواس ، بل من حيث عدم قبولهم الهدى والإيمان . لأن الميت حين يبلغ حد الغرغرة لا ينفعه الأيمان لو آمن ، فالسماع الثابت فى الأحاديث الصحيحة سماع الحاسة ، والسماع المنفى فى الآيتين سماع القبول ، ولذلك جاء بعد قوله تعالى : {فإنك لا تسمع الموتى } قوله تعالى { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا } فأثبت للمؤمنين سماع القبول .
ومما يؤكد أن عائشة رضى الله عنها نفت سماع القبول عن الكفار لا سماع الحس أنها هى التى روت حديث النبى صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد السلام عليه حتى يقوم " وقيل إنها نفت سماع الكفار لنداء النبى صلى الله عليه وسلم وأثبتت علمهم به فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنهم الآن ليعلمون أن ما قلت حق ، والعلم يستلزم السماع ولا ينافيه . لكن قد يرد بأن علمهم بما قال الرسول لا يستلزم سماعهم له ، لأنهم علموا ذلك بمعاينة العقاب المعد لهم .
ولا يرد على سماع الميت ما قاله الأحناف من أن الميت لا يسمع :
لو حلف الإنسان لا يكلم شخصا فمات هذا الشخص وكلمه ميتا لا يحنث ، لا يرد هذا لأن الإيمان مبنية على العرف ، فلا يلزم منه نفى حقيقة السماع ، كما قالوا فيمن حلف لا يأكل اللحم فأكل السمك لا يحنث ، مع أن الله سماه لحما طريا فى قوله : { وهو الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا } النحل : 14 ، وذلك جريا على العرف .
وقد يقال : إن سماع الموتى للأحياء من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم ، لكن يرد هذا بعدم وجود الدليل على الاختصاص .
وقال ابن تيمية فى كتاب " الانتصار للإمام أحمد " : إنكار عائشة سماع أهل القليب معذورة فيه لعدم بلوغها النص ، وغيرها لا يكون معذورا مثلها ، لأن هذه المسألة صارت معلومة من الدين بالضرورة .
3 - إحساس الميت بالزائر و علمه بمن يموت :
قال ابن تيمية فى الفتاوى : مسألة فى الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلم الأموات بزيارتهم ، وهل يعلمون بالميت إذا مات من أقاربهم أو غيره أم لا ؟ الجواب ، نعم ، قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات ، كما روى ابن المبارك عن أبى أيوب الأنصارى قال : إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير فى الدنيا ، فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض : انظروا أخاكم يستريح فإنه كان فى كرب شديد ، قال فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان ، ما فعلت فلانة ، هل تزوجت . الحديث .
وأما علم الميت بالحى إذا زاره ففى حديث ابن عباس رضى الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يحمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " قال ابن عبد البر : ثبت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وصححه عبد الحق صاحب الأحكام .
وقال ابن تيمية أيضا فى موضع آخر من فتاويه : إن الميت يسمع خفق نعال المشيعين حين يولون عنه كما ثبت فى الصحيحين ،و بعد سياق عدة أحاديث قال : تبين من هذه النصوص أن الميت يسمع فى الجملة كلام الحى ، ولا يجب أن يكون السمع له دائما ، وذكر أن روحه تعاد إلى بدنه فى ذلك الوقت ، وتعاد فى غير ذلك أيضا ، وجاء فى عدة آثار أن الأرواح تكون فى أفنية القبور انتهى .
ورويت أخبار تدل على أن روح الميت تكون فى يد الملك ينظر إلى جسده كيف يغسل ، وكيف يكفن ، وكيف يشيَّع ، ويقال له على سريره : اسمع ثناء الناس عليك .
وأخرج أحمد والحاكم عن عائشة رضى الله عنها قالت : كنت أدخل البيت فأضع ثوبى وأقول : إنما هو أبى وزوجى ، فلما دفن عمر ما دخلته إلا وأنا مشدودة على ثيابى حياء من عمر . وجاء فى صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال فى مرض موته : إذا دفنتمونى فشنوا على التراب شنا ، وأقيموا عند قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها ، اَنس بكم ؟ أنظر ماذا أراجع رسل ربى .
4 - تزاور الموتى :
فى صحيح مسلم " إذا وَلِي أحدكم أخاه فليحسن كفنه " قيل : إن العفة فيه تزاور الموتى وتباهيهم بالأكفان ، كما نص عليه فى أحاديث أخرى منها ما أخرجه الترمذىَ وابن ماجه والبيهقى "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون فى قبورهم " وقال : ابن تيمية فى فتاويه إنهم يتزاورون ، سواء أكانت المدائن ، متقاربة فى الدنيا أم متباعدة .
وقال الفقهاء بتحسين الأكفان لهذه العلة ، وللسيوطى كتاب فى ذلك عنوانه " شرح الصدور " وقال ابن القيم فى كتاب الروح : إن الحى يرى الميت فى منامه فيستخبره ، ويخبره الميت بما لا يعلمه الحى فيصادف خبره كما أخبر فى الماضى والمستقبل .
5 - تصرف الموتى بأمر الله :
قال السيوطى فى شرح الصدور : قال الحافظ ابن حجر فى فتاواه إن أرواح المؤمنين فى عليين ، وأرواح الكفار- فى سجين ، ولكل روح بجسدها اتصال معنوى لا يشبه الاتصال فى الحياة الدنيا ، بل أشبه شىء به حال النائم وإن كان هو أشد حالا من حال النائم اتصالا فالأرواح مأذون لها فى التصرف وتأوى إلى محلها من عليين أو سجين وإن قيل إنها عند أفنية القبور . وأورد السيوطى ما أخرجه ابن عساكر عن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبى طالب بعد استشهاده ، وما أخرجه الحاكم عن رده السلام على جعفر حيث رآه فى مجلسه مع أسماء بنت عميس ومعه جبريل وميكائيل يسلمون على النبى صلى الله عليه وسلم ، وحكى له جعفر ما حدث فى يوم استشهاده ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أعلن ما رآه للناس على المنبر .
6 - اطلاع الأحياء على حال أهل القبور :
أورد صاحب المنحة الوهبية حكايات عن رؤية بعض الناس أمواتا يصلون فى قبورهم ، وأن بعضهم سمع قراءة القرآن من قبر ثابت البنانى ، وسمع بعضهم من أحد القبور قراءة سورة " الملك " ولما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك قال " هى المانعة ، هى المنجية تنجى من عذاب القبر" هذا الحديث رواه الترمذى عن ابن عباس وقال إنه حديث غريب ، أى رواه راو واحد فقط - .
وثبت فى الصحيحين قول النبى صلى الله عليه وسلم " لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " كما صح أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذَّب من فيهما بسبب النميمة وعدم الاستبراء من البول ، وأنه وضع جريدا على القبرين عسى . أن يخفف الله عنهما العذاب .
وجاء فى " الروح " لابن القيم وفى " شرح الصدور " للسيوطى ، وفى " أهوال القبور " لابن رجب ما يفيد أن رجلا رأى رجلا عند " بدر " يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب فى الأرض ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة " .
وبعد :
فكل ما ذكر عن أحوال القبور جر إليه الكلام عن الوسيلة والتوسل ، وهو عرض لما قيل عنها ، ونحن لا نلزم بتصديق شىء منها إلا ما يثبت بطريق قوى . ولا داعى للجدال فيها ، فإن ما لدينا من الثابت القوى كثير ، وأحوال الدنيا التى يجب أن نستعد بها إلى الآخرة كثيرة ، فلنهتم بمعرفتها وتطبيقها فذلك خير وأجدى .
وهل يسمع أو يشعر الميت بما يسور حوله أثناء الجنازة ؟ .
جاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للعدوى ص 21 : أن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه فى حفرته ، وأن روح الميت فى يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن ، ويقال له - وهو على سريره -اسمع ثناء الناس عليك .وجاء فيه أن الميت يرى ما يصنع أهله ، ولو قدر على الكلام لنهاهم عن العويل والصراخ .
وكل ذلك وردت به أحاديث أخرجها أحمد وابن أبى الدنيا والطبرانى وابن منده وأبو نعيم و أبو داود ، وقد حكم على بعض منها بالضعف .
ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالدليل القطعى من الكتاب والسنة .
وأحوال الموتى من الغيب الذى يعلمه الله وحده ، ولا يطلعُ عليه أحدا إلا من ارتضاه ، ولا يجب علينا الإيمان إلا بما ورد من طريق صحيح .
والأخبار المروية فى سماع الميت كلام المشيعين لم ترق إلى هذه الدرجة . فلا نجزم بالنفى ولا بالإثبات ، حيث إن ذلك ممكن ولم يرد ما يمنعه ، وحيث إن ما أثبتته لم يكن بطريق الجزم . فمن صدق ذلك فهو حر ، ولا يجوز أن يفرض رأيه على غيره ، ومن كذب فلا يكفر(8/290)
زيارة الأضرحة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل زيارة للأضرحة مشروعة أو ممنوعة ؟
An الأضرحة جمع ضريح ، والضريح هو الشق وسط القبر .
وتعارف الناس عليه إذا دفن فيه شخص له قيمة دينية أو غيرها من القيم التى تحتل من نفوس الناس مكانة كبيرة ، واتخذت الأضرحة شكلا معينا من البناء تعلوه قبة تفنن الناس فى شكلها وفى زخرفتها .
وكثرت هذه الأضرحة فى مصر منذ عهد الفاطميين الذين أقاموا كثيرا منها لآل البيت وكبار رجال الدولة ، وعرفت بالمشاهد أسوة بما أطلق على أضرحة الأئمة من العلويين . ثم جاءت الدولة الأيوبية وأقامت مثلها لكبار رجال السنة . ومن أكبرها ضريح الإمام الشافعى .
والأضرحة شأنها شأن سائر القبور فى أن زيارتها سنة لما فيها من فوائد للزائر والمزور، ففيها للزائر عبرة وعظة ، كما فى قوال النبى صلى الله عليه وسلم :
" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروا القبور ، فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة " . وقوله : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه ، فزوروها فإنها تذكر الآخرة " وقد صح فى مسلم أذن الله لنبيه بزيارة قبر أمه ، وعدم إذنه فى الاستغفار لها .
وفى الزيارة نفع للمزور بالسلام عليه والدعاء له ، وبما تقدم ذكره من أنس الميت بمن يزوره . وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم آداب الزيارة التى منها أن نقول ما علمه السيدة عائشة رضى الله عنها : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ، و إنا إن شاء الله بكم للاحقون " . وجاء فى إحدى الروايات لهذا الحديث " نسأل الله لنا ولكم العافية "(8/291)
الجنة والنار مخلوقتان
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الجنة والنار من خلق الدنيا أم الآخرة، فإن كانت الأولى فأين فراغهما والجنة وحدها عرض السموت والأرض، وما عملهما في الدنيا وهما حصادها في للآخرة، وإن كانت الثانية فكيف إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار كما يقول الحديث الشريف ؟
An موضوع خلق الجنة والنار ثار فيه الجدل قديما ، فذهب جمهور المسلمين إلى أنهما مخلوقتان الآن ، وذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أنهما لا يخلقان قبل يوم القيامة ، فهما ليستا موجودتين الآن . وقد ساق كل من الفريقين أدلته ، ونوقشت الأدلة ورجح القول بأنهما مخلوقتان بالفعل ، وذلك لكثرة النصوص فى القراَن والسنة بأن الجنة أعدت للمتقين ، وأن النار أعدت للكافرين ، وهذا الإعداد المعبر عنه بصيغة الماضي يدل وضعًا على وجودهما بالفعل ، وأما القول بأن التعبير بالماضي هو لمجرد التأكيد بأنهما سيوجدان في المستقبل فهو عدول عن الظاهر بدون مبرر، وإن كان يمكن أن يقال :
إن التعيير بالماضي فى الإعداد هو بمعنى أنه تقرر في علم اللَّه على وجه التأكيد فالإخبار بوجودهما وإعدادهما إخبار عن علم اللّه لا عن وجودهما بالفعل ، وبهذا لا يكون الدليل قطعي الدلالة على وجودهما الفعلي الواقعي .
وقول من قال إن وجودهما الآن عبث لأنهما للجزاء، والجزاء لا يكون إلا يوم القيامة قول مردود، فإن الفائدة من وجودهما الفعلي ليست محصورة في الجزاء، فكم من أفعال تخْفى حكمتها على العقول {واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون } .
وقد يؤكد هذا أن الشهداء ينتقلون من الدنيا لحياة أفصل عند ربهم يرزقون ، ومن ضمن الرزق والنعيم أن أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة تأوى إلى قناديل تحت العرش كما رواه مسلم وغيره فالجنة الآن موجودة يتنعم فيها الشهداء لأنهم أحياء وليسوا بأموات كما قال اللَّه تعالى{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران : 169 ، ويؤكده أيضًا ما ثبت فى النصوص من نعيم القبر وعذابه ، وهو أثر من أثار وجود الجنة والنار قال تعالى{النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } غافر: 46 ، فهذا نص على أن النار موجودة ويعرض عليها الكافرون قبل أن يدخلوها يوم القيامة .
ومهما يكن من شيء فإنه لابد من الإيمان بأن هناك جنة ونار كما نص القرآن الكريم ، أما اعتقاد أنهما موجودتان الآن ، أو ستوجدان يوم القيامة فليس مما كلف به المسلمون ، والنتيجة هي أنهما دارا ثواب وعقاب ، وعلى المؤمن أن يستعد بعمله الصالح حتى يدخل الجنة وينجو من النار. وكذلك مكان وجودهما لسنا مكلَّفين بمعرفته ، واستبعاد أن تكونا موجودتين في الدنيا لأن الجنة وحدها عرض السموت والأرض أجاب عنه النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية {وجنة عرضها السموات والأرض } بقوله "فأين الليل إذا جاء النهار"؟ فالكون واسع لا يعلم سعته إلا اللَّه سبحانه ، والجنة عرضها ليس هو عرض السموات والأرض الموجودة أمامنا بل هو مثله كما يفيد التعبير عن ذلك في آية {عرضها كعرض السموات والأرض } الحديد: 31 ، وهو كناية عن السعة .
ومعنى فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب جهنم في رمضان فسره العلماء بأنه كناية عن سعة رحمة اللَّه في هذا الشهر، أو عن كثرة الطاعة والقربات التي توصل إلى الجنة ، كأن أصحابها يدخلون الآن بما يقدمون من عمل ، وعن قلة المعاصي التي توصل إلى النار، كأنه لا يوجد في رمضان من يعصي اللَّه ويستحق دخولها، وذلك بالنسبة للمؤمنين الطائعين ، أما الكافرون - وما أكثرهم - فإن أبواب جهنم مفتوحة لهم ، استعدادًا لدخولهم في كل وقت من الأوقات ، بسبب ما هم فيه من كفر وعصيان ، ذلك بعض ما قيل في الموضوع ، ولعله يكفي في الإجابة على السؤال(8/292)
طول الجنة وعرضها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بكلمة " عرضها" فى قوله تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض}، وإذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها، وإذا استغرق طولها وعرضها السموات والأرض فإين توجد النار؟
An للعلماء فى تفسير عرض الجنة رأيان ، فقال ابن عباس : تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض ، كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض ، فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا اللّه . وهو قول جمهور العلماء . ونبه اللّه بالعرض على الطول ، لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض .
وقال قوم : المراد بعرض الجنة سعتها، لا ما يقابل طولها، فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح فى غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض ، كما تقول للرجل ، هذا بحر ولم تقصد الآية بذلك تحديد العرض ، ولكن أراد التعبير بذلك أنها أوسع شىء رأيتموه .
أما مكان النار إذا كان عرض الجنة هو السموات والأرض فقد أجاب عنه النبى صلى الله عليه وسلم عندما سئل عنه ، فقال " سبحان اللَّه ، فأين الليل إذا جاء النهار" ؟ .
رواه أحمد فى مسنده . وكذلك أجاب بمثله سيدنا عمر على اليهود حين سألو والمراد أن مكان النار لا يعلمه إلا اللّه ، كما لا يعلم الليل إذا جاء النهار إلا هو سبحانه .
قال ابن كثير: وهذه الإجابة تحتمل معنيين ، أحدهما أن يكون المعنى فى ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار ألا يكون فى مكان وإن كنا لا نعلمه ، وكذلك النار تكون حيث يشاء اللّه عز وجل . والثانى أن يكون المعنى : أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة فى أعلى عليين فوق السموات تحت العرش ، .
والنار فى أسفل سافلين ، فلا تنافى بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار .
والمعنى الأول يفيد عدم علمنا بمكان النار، والثانى يفيد علمنا به(8/293)
العتاقة للميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما المقصود بالعتاقة، وهل تنفع الميت وتعتق رقبته من النار ؟
An العتاقة تعبير متعارف عليه يقوم على قراءة سورة الإخلاص {قل هو اللّه أحد } عددا من المرات ، رجاء أن يعتق اللَّه بها من النار من قرئت له من الأموات . وهى بهذه الصورة لم يرد بها حديث صحيح خاص ، وإن كان مجرد القراءة للقرآن وهبة ثوابها للميت يرجى انتفاعه بها ، وأما أن تعتق رقبته من النار وتكفر كل السيئات فلا يدل عليه دليل ، وإن كان اللَّه سبحانه قد قال { إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء : 48 ، وهذه المغفرة إما تفضُّل ومنحة من اللّه دون مقابل ، وإما بمقابل من عمل صالح ، فالأمر للّه وحده .
وقد يراد بالعتاقة ما يعرف بإسقاط الصلاة عن الميت لكن قال العلماء إن الميت إذا كان عليه صوم أو زكاة أو حج أو دين للعباد وجب أداء ذلك عنه من تركته ، سواء أذن فى ذلك أم لم يأذن ، على ما هو المختار من أقوالهم ، أما الصلاة فلم يقل أحد بقضائها عنه ، أو إسقاطها بأى وجه من الوجوه الثابتة الصحيحة .
هذا، وقد روى البزار بسند ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ قل هو اللَّه أحد مائة ألف مرة فقد اشترى نفسه من اللَّه ، ونادى مناد من قبل اللَّه تعالى فى سماواته وأرضه : ألا إن فلانا عتيق اللّه " قال الصاوى فى حاشيته على الجلالين : هى عتاقة من النار بشرط ألا يكون عليه حقوق العباد أصلا، أو عليه وهو عاجز عن أدائها ، أما من قدر عليها فهو كالمستهزئ بربه .
ونقل الشيخ الحفنى عن الشيخ العياشى أن من قرأها مائة ألف مرة كفرت صغائره وكبائره " مصباح الظلام ج 2 ص 161 " وهو كلام لا يصمد أمام القول بأن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة النصوح ومنها دفع حقوق العباد .
وبناء على هذا الحديث الذى يعمل به فى فضائل الأعمال نص جماعة من متأخرى المالكية على استحباب عتاقة الصمدية ، ذكر ذلك المحدث عبد اللَّه الصديق الغمارى فى كتابه " فضائل القرآن " .
وإذا كان هذا الشخص نفسه يقرؤها ، فهل تكون للميت الذى تقرأ له ؟ ذلك راجع إلى انتفاع الميت بقراءة القرآن عليه ، بأجر أو بغير أجر، وأثر ذلك فى الكبائر والتبعات(8/294)
سورة يس للميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك فضل لقراءة سورة يس عند الميت قبل دفنه وبعد دفنه ؟
An روى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه والحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "قلب القرآن يس ، لا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر اللَّه له ، اقرءوها على موتاكم " .
هناك خلاف بين العلماء فى وقت قراءتها، فقيل عند الاحتضار عسى أن يخفف اللّه عن الميت ، وبخاصة أن الملائكة تحضر لسماع القرآن ومعها الرحمة، وجاء فى حديث آخر فى مسند الفردوس " ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللَّه عليه " .
وقيل أن قراءتها تكون بعد الموت ، سواء أكان ذلك قبل دفنه أم بعد دفنه ، والقرآن كله إذا قرىء بدون مقابل ووهب ثوابه إلى الميت ينفعه إن شاء اللَّه ، وقد تكون لسورة يس بالذات فضيلة وأثر فى ذلك .
وقراءتها على كل حال لا تضر، وقد تفيد الميت بالإهداء إليه أو بحضور الملائكة لسماع القرآن ، ذلك إلى جانب نفعها لقارئها ولمن يستمعون إليها للعظة والعبرة(8/295)
نقل الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز نقل الميت من البلد الذى مات فيه ليدفن فى بلد آخر ، وإذا دفن في قبر هل يجوز نقله إلى قبر آخر ؟
An أما نقل الميت قبل دفنه ليدفن فى بلد آخر ، فحكمه ما يأتى :
قال الحنفية : يستحب أن يدفن الميت فى الجهة التى مات فيها، ولا بأس بنقله من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته .
وقال الشافعية : يحرم نقله إلى محل آخر ليدفن فيه ، حتى لو أمن تغيره إلا إذا جرت عادتهم بدفن موتاهم فى غير بلدتهم ، ويستثنى من ذلك من مات فى جهة قريبة من مكة أو المدينة المنورة أو بيت المقدس ، أو قريبا من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته ، وإلا حرم ، وهذا كله إذا كان قد تم غسله وتكفينه والصلاة عليه فى محل موته ، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقا .
وقال الحنابلة : لا بأس بنقل الميت من الجهة التى مات فيها إلى جهة بعيدة عنها، بشرط أن يكون النقل لغرض صحيح ، كأن ينقل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها ، أو ليدفن بجوار رجل صالح ، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته .
وقال المالكية : يجوز نقله بشروط ثلاثة : أولها ألا ينفجر حال نقله ، ، ثانيها ألا تنتهك حرمته ، بأن ينقل على وجه يكون فيه تحقير له ، ثالثها أن يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره ، أو يراد نقله إلى مكان ترجى بركته ، أو إلى مكان قريب من أهله ، أو لأجل زيارة أهله إياه ، فإن فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل .
2 -هذا هو الحكم عند الأئمة الأربعة فى نقله قبل دفنه ، أما نقله بعد دفنه فحكمه ما يأتى :
قال الحنفية : يحرم إخراجه ونقله ، إلا إذا كانت الأرض التى دفن فيها مغصوبة، أو أخذت بعد دفنه بالشفعة ، يعنى استحقها شخص آخر مجاور لها .
وقال الشافعية : يحرم نقله إلا لضرورة، كمن دفن فى أرض مغصوبة ، فيجوز نقله إن طالب بها مالكها .
وقال الحنابلة : يجوز النقل بالشروط المذكورة فى النقل قبل الدفن ، فإن فقد شرط كان النقل حراما قبل الدفن وبعده .
وقال المالكية : يجوز نقله بالشروط الثلاثة المذكورة فى النقل قبل الدفن ، فإن فقد شرط منها حرم النقل " انظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - نشر وزارة الأوقاف المصرية "(8/296)
أوقات الكراهة فى الدفن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى تشييع جنازة الموتى أثناء الليل ، والإشارة بالإصبع أثناء سير الجنازة ؟ وهل هناك حديث يمنع دفن الميت فى أوقات معينة ؟
An يرى جمهور العلماء أن دفن الميت ليلا كدفنه نهارا، سواء بسواء ، فقد دفن الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل الذى كان يرفع صوته بالذكر ليلا، ودفن على فاطمة رضى اللَّه عنها ليلا، وكذلك دفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود .
عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا، فأسرج له بسراج فأخذه من قِبَلِ القبلة وقال " رحمك اللَّه ، إن كنت لأَوَّاهًا تلاَّءً للقرآن " وكبر عليه أربعا ، رواه الترمذى وقال : حديث حسن ، قال : ورخص أكثر أهل العلم فى الدفن بالليل .
وقالوا : إنما يجوز ذلك إذا كان لا يفوت بالدفن ليلا شىء من حقوق الميت والصلاة عليه ، وإلا كان الدفن مكروها ، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن فى كفن غير طائل ودفن ليلا، فزجر النبى صلى الله عليه وسلم أن يُقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ، وروى ابن ماجه عن جابر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا " ومع ذلك فالأفضل الدفن نهارا ، انتظارا لكثرة المصلين والمشيعين للجنازة .
هذا ، ولا تكره الإشارة إلى الجنازة ، أثناء تشييعها فلعلها للموعظة، وكثيرا ما ترفع الإصبع السبابة مع قول : أشهد أن لا إله إلا اللَّه ، إشارة للتوحيد، وأن البقاء والدوام للَّه وحده ، هذا ما أراه والعبرة بالنية .
أما الحديث المسئول عنه فقد روى مسلم وأصحاب السنن عن عقبة قال :
ثلاث ساعات كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيها أو نقبر فيها موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيَّف -تميل الشمس للغروب حتى تغرب .
قال العلماء : إذا خيف تغير الميت فإنه يدفن فى هذه الأوقات الثلاثة بدون كراهة ، أما إذا لم يخش عليه من التغير فإنه يجوز دفنه فى هذه الأوقات عند الجمهور، ما لم يتعمد دفنه فيها ، فإنه حينئذ يكون مكروها .
وقال الحنابلة : يكره الدفن فى هذه الأوقات مطلقا ، بدليل الحديث المذكور(8/297)
نعى الموتى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن نعى الموتى فى الصحف وغيرها منهى عنه فهل هذا صحيح ؟
An 1 -أخرج ابن ماجه والبيهقى بسند حسن أن حذيفة بن اليمان .
قال : نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن النعى .
2 -روى الترمذى عن عبد اللّه بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "إياكم والنعى ، فإن النعى من عمل الجاهلية " قال الترمذى حديث غريب : أى رواه راو فقط .
3 - روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى الناس النجاشى فى اليوم الذى مات فيه ، وفى لفظ " إن أخاكم النجاشى قد مات فقوموا فصلوا عليه " .
4 -روى البيهقى عن أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى جعفرا وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة، وذلك فى غزوة مؤتة .
5 -وروى أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيمن دفن ليلا وكان يَقُمُّ المسجد " أفلا كنتم آذنتمونى " وفى رواية "ما منعكم أن تعلمونى " .
6 - وروى أيضا أن رافع بن خديج مات بعد العصر، فأتى ابن عمر فأخبر بموته فقيل له : ما ترى؟ أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال : إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا وأخرجوا بجنازته .
النَّعى والنَّعِىّ الإخبار بموت الميت ، قال الأصمعى : كانت العرب إذا مات فيها ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير فى الناس ويقول :
نَعَاءِ فلانا، أى أنعيه وأظهر خبر وفاته . قال الجوهرى : وهى مبنية على الكسر مثل درَاكِ ونزال .
إذا كان النعى على نحو ما يفعله أهل الجاهلية من ذكر المآثر والمفاخر فهو ممنوع ، كما يدل عليه الحديثان الأولان ، واستحب جماعة من أهل العلم ألا يعلم الناس بجنائزهم منهم ابن مسعود وأصحابه علقمة والربيع بن خيثم وعمرو بن شرحبيل .
أما إذا كان النعى لأجل إخطار الأقارب والأصدقاء ليشهدوا جنازته ويكثر المصلون عليه ، لأن فى كثرتهم أجرا لهم ونفعا للميت ، فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر كما صح فى الحديث ولأنه ورد "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاث صفوف من المسلمين إلا أوجب " يعنى وجبت له الجنة ، إذا كان النعى لذلك فلا بأس به ، بل هو مستحب ، وممن رخص فى هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين وإبراهيم النخعى وعلقمة يقول البيهقى : بلغنى عن مالك أنه قال : لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس . ومن جوزوا النعى بهذا القصد اعتمدوا على المرويات الثلاثة الأخيرة المذكورة وفى هذا التفصيل جمع بين الأحاديث فالمدار على القصد من النعى(8/298)
تعجيل موت الميئوس من شفائه
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز قتل المريض بفقد المناعة "الإيدز" ؟
An من المقرر شرعا وعقلا أن قتل النفس جريمة من أكبر الجرائم ما دام لا يوجد مبرر لذلك ، والنصوص فى ذلك أشهر من أن تذكر، يكفى منها قوله تعالى عن الشرائع السابقة {من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} المائدة : 32، وقوله تعالى{ولا تقتلوا النفس التى حرم اللَّه إلا بالحق } الأنعام : 151 والإسراء : 33، وقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللَّه عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} النساء : 93، .
والقتل الجائز هو ما كان بالحق ، كالدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والجهاد فى سبيل اللّه ، وما نص عليه الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما بألفاظ متقاربة "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزانى والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهناك مسائل أخرى يجوز فيها القتل تطلب من مظانها .
والمريض أيا كان مرضه وكيف كانت حالة مرضه لا يجوز قتله لليأس من شفائه أو لمنع انتقال مرضه إلى غيره ، ففى حالة اليأس من الشفاء - مع أن الآجال بيد اللّه ، وهو سبحانه قادر على شفائه -يحرم على المريض أن يقتل نفسه ويحرم على غيره أن يقتله حتى لو أذن له فى قتله ، فالأول انتحار والثانى عدوان على الغير بالقتل ، وإذنه لا يحلل الحرام فهو لا يملك روحه حتى يأذن لغيره أن يقضى عليها والحديث معروف فى تحريم الانتحار عامة ، فالمنتحر يعذب فى النار بالصورة التى انتحر بها خالدا مخلدا فيها أبدا ، إن استحل ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود فى العذاب ، ،وإن لم يستحله عذب عذابا شديدا جاء التعبير عنه بهذه الصورة للتنفير منه . روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده ، فما رقأ الدم حتى مات " قال اللَّه تعالى "بادرنى عبدى بنفسه ، حرمت عليه الجنة" وفى رواية لهم أن رجلا مسلما قاتل فى خيبر قتالا شديدا ومات ، فلما أخبر به الرسول قال "إنه من أهل النار" فعجب الصحابة لذلك ، ثم عرفوا أنه كان به جراح شديد فلم يصبر عليه ، فوضع نصل سيفه بالأرض وجعل ذبابه -أى طرفه -بين ثدييه ثم تحامل على نفسه حتى مات ، وتقول الرواية إن الرسول أمر بلالا أن ينادى فى الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وأن اللّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .
وقد ألفت فى إنجلترا جمعية باسم "القتل بدافع الرحمة" طالبت السلطات سنة 1936 م بإباحة الإجهاز على المريض الميئوس من شفائه ، وتكرر الطلب فرفض ، كما تكونت جمعية لهذا الغرض فى أمريكا وباء مشروعها بالفشل سنة 1938 ، وما زالت هذه الدعوة تكسب أنصارا فى هذه البلاد .
فالخلاصة أن قتل المريض الميئوس من شفائه حرام شرعا حتى لو كان بإذنه ، فهو انتحار بطريق مباشر أو غير مباشر، أو عدوان على الغير إن كان بدون إذنه ، والروح ملك للّه لا يضحى بها إلا فيما شرعه اللّه من الجهاد ونحوه مما سبق ذكره .
أما المريض الذى يخشى انتقال مرضه إلى غيره بالعدوى حتى لو كان ميئوسا من شفائه فلا يجوز قتله من أجل منع ضرره ، ذلك لأن هناك وسائل أخرى لمنع الضرر أخف من القتل ومنها العزل ومنع الاختلاط به على وجه ينقل المرض ، فوسائل انتقال المرض متنوعة وتختلف من مرض إلى مرض ، وليس كل اختلاط بالمريض بِفقد المناعة "الإيدز" محققا للعدوى ، فهى لا تكون إلا باختلاط معين كما ذكره المختصون فالإجراء الذى يتخذ معه هو منع هذه الاتصالات الخاصة، مع المحافظة على حياته كآدمى يقدم إليه الغذاء حتى يقضى اللّه أمرا كان مفعولا .
وعدم الاختلاط بالمريض مرضا معديا ، أى العزل أو الحجر الصحى ، مبدأ إسلامى جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم" فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" رواه البخارى وقوله "إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" واللّه سبحانه يقول {خذوا حذركم } النساء :
71، وفى الحديث الذى رواه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن "لا ضرر ولا ضرار" .
فالمريض بالإيدز على فرض اليأس من شفائه - لا يجوز قتله منعا لضرره عن الغير، فمنع الضرر له وسائل أخرى غير القتل ولا يقال إنه يستحق القتل ، لأنه ارتكب منكرا نقل إليه هذا المرض ، فليس كل منكر حتى لو كان اتصالا محرما يوجب القتل ، فهناك شروط موضوعة لإقامة حد الرجم "القتل " على مرتكب الفاحشة ، كما أن هناك وسائل لانتقال المرض إليه ليست محرمة وربما لا يكون له فيها اختيار، كنقل دم مريض به دون علم ، أو غير ذلك .
وعلى العموم لا يصح قتل المريض بالإيدز أو بغيره ، لا لليأس من شفائه ، ولا لمنع انتقال المرض منه إلى غيره ، فاللّه على كل شيء قدير، ووسائل الوقاية متعددة ، وقد يكون بريئا من ارتكاب ما سبب له المرض ، فهو يستحق العطف والرحمة ، ومداومة العلاج بالقدر المستطاع ، جاء فى الحديث الذى رواه الترمذى "يا عباد اللَّه تداووا ، فان اللّه لم يضع داء إلا وضع له دواء" وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "ما أنزل اللَّه من داء إلا أنزل له شفاء" وفى الحديث الذى رواه أحمد "إن اللَّه لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله "وجاء فى بعض روايات أحمد استثناء " الهرم " فإنه ليس له شفاء .
وهذه الأحاديث تعطينا أملا فى اكتشاف دواء لهذا المرض ، كما اكتشفت أدوية لأمراض ظن الناس أن شفاءها ميئوس منه ، فلا يصح قتل حامله لليأس من شفائه ، ولا لمنع الضرر عن الأصحاء، حيث لم يتعين القتل وسيلة له ، فالوسائل المباحة موجودة، وعليه فليست هناك ضرورة أو حاجة ملحة حتى يباح لها المحظور، ولا محل أيضا لقياس قتله على إلقاء أحد ركاب السفينة فى البحر لإنقاذ حياة الباقين ، تقديما لحق الجماعة على حق الفرد ، أو على قتل المسلم الذى تترس به العدو للتوصل إلى قتله . فذلك وأمثاله تحتم الإغراق والقتل وسيلة، فأبيح للضرورة والأمر فى منع العدوى ليس كذلك(8/299)
إسراع الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الجنازة إذا كان سيرها سريعا كانت صالحة وإذا كان بطيئا كانت غير صالحة؟
An روى البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت : قدمونى ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين تذهبون بى؟ يسمع صوتها كل شيء ولو يسمع الإنسان لصعق "وروى البخارى ومسلم أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عند موت سعد بن معاذ "اهتز عرش الرحمن لموت معاذ" وروى الترمذى عن أنس رضى اللَّه عنه قال : لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون : ما أخف جنازته - وذلك لحكمه فى بنى قريظة - فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال :
"إن الملائكة كانت تحمله .
وذكر ابن الأثير فى كتابه "أسد الغابة" عن سعد بن أبى وقاص عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لقد نزل من الملائكة فى جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفا ما وطئوا الأرض من قبل ، وبحق أعطاه اللّه ذلك .
تدل هذه الأحاديث على أن الجنازة إذا كانت صالحة تطلب من حملتها من الناس أن يسرعوا بها لتتنعم بما أعده اللَّه لها ، وإن لم يسمعوا صوتها، وعلى أن هناك من يسمعها، كما تدل على أن الملائكة تشارك فى حمل جنازة بعض الخواص من المسلمين أو على الأقل أن حملها للجنازة ممكن لا يوجد نص يمنعه ، والعقل لا يحيل ذلك ، فإن فى العالم قوى خفية وللأرواح أحوالا غريبة ، مع الإيمان بأن اللَّه على كل شىء قدير .
بعد هذا نقول : إسراع النعش وإبطاؤه أو وقوفه أو طيرانه فوق الرءوس أمور تناقل الناس أخبارها كثيرا ، بعضهم سمع وبعضهم رأى ، وأكثر المعلقين عليها يقولون : إن ذلك من فعل الحاملين للجنازة ، وقد يكون ذلك التعليق صحيحا ، لكن تحدث أناس موثوق بحديثهم أن الإسراع أو الإبطاء ، قد يكون اضطرابا لا دخل فيه لأحد من الحاملين لها . ونحن بدورنا نقول :
إن الأمر فى حد ذاته ممكن ، وليس هناك نص يمنعه ، وإن كان حديث الترمذى فى شأن سعد بن معاذ يرجحه ، وهو على كل حال ليس عقيدة نحاسب عليها ، وإنما الذى نحاسب عليه من العقائد هو ما يكون دليله قطعى الثبوت والدلالة ، وموضوع السؤال ليس من هذا القبيل .
وعلينا أن نعتقد أن عمل الإنسان هو ميزان تقديره عند اللَّه ، كما نحذر من يحملون الجنازة من اصطناع أمور يظهرون بها كرامة ميتهم ، فكرامته فى عمله ، واللّه وحده هو الذى يتولى ذلك(8/300)
تشريح جثث الموتى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم تشريح جثث الموتى لتحقيق الجناية أو التعليم ؟
An ورد عن جابر رضى اللَّه عنه أنه قال : خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى جنازة فجلس النبى على شفير القبر وجلسنا معه ، فأخرج الحفار عظما - ساقا أو عضوا - فذهب ليكسره ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تكسرها ، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا ، ولكن دسه فى جانب القبر" هذا الحديث رواه مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح ما عدا رجلا واحدا هو سعد الأنصارى ، فقد ضعفه أحمد ، ولكن وثقه الأكثر ون وروى له مسلم ، وهو كاف فى الاحتجاج بالحديث .
لم يرد فى نصوص الدين ما يتصل بتشريح جثة الميت مباشرة، والمسألة اجتهادية بين الفقهاء الذين اعتمدوا على هذا الحديث ، حين تحدثت كتبهم عن حكم شق بطن الميت إن كان فيه مال ، وشق بطن الميتة الحامل لإخراج الجنين منه .
وقد جاء فى فتوى صادرة من دار الإفتاء المصرية فى 31 من أكتوبر سنة 1937م (المفتى الشيخ عبد المجيد سليم - الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص 1331.) بالنسبة لشق البطن إن كان فيه مال : أن علماء الحنفية أجازوا شقه إذا كان المال لغيره ولم يترك الميت مالا يعطى لصاحبه ، لأن حق الآدمى مقدم على حق اللّه تعالى، ومقدم على حق الظالم المعتدى ، وقد زالت حرمة هذا الظالم بتعديه على مال غيره .
أما مذهب الشافعى فالمشهور للأصحاب إطلاق الشق حينئذ - يعنى جوازه -من غير تفصيل إن كان المال لغيره وطلبه ، وقال بعضهم : يشق بطنه إذا لم يضمن الورثة مثله أو قيمته ، وهناك وجه بجواز الشق إن بلع جوهرة لنفسه ، والخلاصة أن عند الشافعية رأيا بالشق مطلقا ، وعن سحنون المالكى يجوز الشق مطلقا من أجل المال ، ومنعه أحمد .
وبالنسبة لشق بطن الميتة لإخراج الجنين ، أجازه الحنفية إن علم أن الولد حى، لأن الشق وإن كان فيه إبطال لحرمة الميت ففيه صيانة لحرمة الحى وهو الولد ، وأجازه الشافعية إن كان يرجى حياة الجنين بعد إخراجه ، ومنعه المالكية والحنابلة . ثم قال المفتى :
والذى يقتضيه النظر الدقيق فى قواعد الشريعة وروحها أنه إذا كانت هناك مصلحة راجحة فى شق البطن وتشريح الجثة، من إثبات حق القتيل لدى المتهم ،أو تبرئة المتهم من تهمة القتل بالسم مثلا أنه يجوز الشق والتشريح . والحديث المذكور فى عدم كسر عظم الميت يحمل على ما إذا لم تكن هناك مصلحة راجحة أو حاجة ماسة ، فقواعد الدين الإسلامى مبنية على رعاية المصالح الراجحة وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر .
ومثل هذه الفتوى جاء فى الفتوى الصادرة فى 23 من أكتوبر سنة 1966 م (المفتى الشيخ أحمد هريدى - الفتاوى الإسلامية - المجلد السادس ص 2278.) وكذلك فى الفتوى الصادرة في 5 من ديسمبر سنة 1979 م (المفتى الشيخ جاد الحق على جاد الحق - الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3705-3707.) التى جاء فيها ما نصه : أن فقه مذهبى الإمامين أبى حنيفة والشافعى يجيزان شق بطن الميت ، سواء لاستخراج جنين حى أو لاستخراج مال ، وأن فقه مذهبى مالك وأحمد بن حنبل الشق فى المال دون الجنين ، والذى اختاره فى هذا الموضوع هو ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية، من جواز شق بطن الميت لمصلحة راجحة سواء كانت لاستخراج جنين حى أو مال للميت أو لغيره إذا كان ذا قيمة معتد بها عرفا ينتفع بها الورثة أو تقضى ديونه . اهـ .
هذا فى التشريح لتحقيق جناية أو استخراج مال أو جنين ، بناء على المصلحة الراجحة ، فهل التشريح الذى يمارس فى كليات الطب للتعليم فيه مصلحة راجحة على صيانة حرمة الميت ؟ جاء فى فتوى للشيخ يوسف الدجوى منشورة فى مجلة الأزهر، المجلد السادس ص 472 ، ما بشير إلى جوازه بالقياس الأولوى على جواز التشريح للمال ولو كان قليلا كما رآه بعض الفقهاء ، وقال ما نصه : فضلا عما فى التشريح من تقدم العلم الذى تنتفع به الإنسانية كلها ، وينقذ كثيرا ممن أشفى على الهلكة أو أحاطت به الآلام من كل نواحيه ، فهو يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت . ثم قال مستدركا : غير أنا نرى أنه لابد من الاحتياط فى ذلك حتى لا يتوسع فيه الناس بلا مبالاة ، فليقتصر فيه على قدر الضرورة . وقال فى ص 578 :
إنا نرى من الإخلاص للدين والعلم أن نقول : إن مثل هذه المسألة محل اجتهاد يصح أن تختلف فيه الأنظار، وإذا رجحنا شيئا فإننا نكتب عن رأينا أو رأى فريق من علمائنا ، والخير كله فى التوسط والاعتدال ، والشر كله فى الإفراط والتفريط .
ولم يوافقه الشيخ محمد بخيت المطيعى على ذلك ، فبعد أن ذكر المسائل التى يجوز فيها شق بطن الميت نقلا عن كتب المذاهب التى تحدثت عن إخراج الجنين والمال -قال : وبناء على ذلك فلا يجوز شق بطن أى ميت كان إلا فى المواد المتقدمة ، وأن التشريح الذى من لوازمه شق البطن بلا سبب سوى بحث الأعضاء ومعرفة وظائفها وما بها من الأمراض فهذا لا يسوغ ولا يجيز فتح بطن الإنسان بعد موته .
ويمكن الوقوف على وظائف الأعضاء بواسطة فتح بطن حيوان آخر غير الإنسان ، لأن كل الحيوانات متساوية فى وظائف الأعضاء الحيوانية . ثم قال : ومن هنا يعلم أن التشريح الذى من لوازمه فتح البطن كما قلنا لا يجوز. نعم فتح البطن لأجل العلاج الطبى يجوز ، لأنه للمحافظة على الحياة فلا إهانة فيه (مجلة الأزهر - المجلد السادس ص 631 ، 632.) .
وجاء فى فتوى للشيخ جاد الحق على جاد الحق ، عن نقل الأعضاء : أن الميت إذا جهلت شخصيته أو عرفت وجهل أهله يجوز أخذ جزء من جسده نقلا لإنسان حى آخر يستفيد به فى علاجه ، أو تركه لتعليم طلاب كليات الطب ، لأن فى كل ذلك مصلحة راجحة تعلو على الحفاظ على حرمة الميت (الفتاوى الإسلامية - المجلد العاشر ص 3714 .). .
من هذا بمكن أن نقول : إن التشريح من أجل التعلم والتعليم محل خلاف بين العلماء ومن أجازه قال : لا يصار إليه إلا عند الضرورة وفى أضيق الحدود ، ولو أمكنت الدراسة على حيوانات مماثلة لكان أولى ، وكذلك لو أمكن الاستغناء عن التشريح بالنماذج المصنوعة-وهى دقيقة إلى حد كبير-فلا يجوز اللجوء إلى جثة الآدمى(8/301)
انتفاع الميت بقراءة القرآن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قراءة القرآن على الأموات هل تنفعهم أو لا تنفعهم ؟
An فى قراءة القرآن للميت خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة اللَّه وما ورد من بعض النصوص ، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى :
1 - إذا قرئ القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن ، وذلك بحكم المجاورة ، فإن القرآن إذا تلى، وبخاصة إذا كان فى اجتماع حفت القارئين الملائكة ، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت اللَّه يقرؤون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة" والقرآن ذكر، بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث " لا يقعد قوم يذكرون اللَّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللَّه فيمن عنده " ، بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة ، فيحصل ذلك للشخص الواحد روى البخارى ومسلم حديث أسيد بن حضير الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه ، وجاء فيه : فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السرج عرجت فى الجو حتى ما أراها، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " تلك الملائكة تستمع لك ، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم " .
على أن النص قد جاء بقراءة "يس " عند الميت ، روى أحمد وأبو داود والنسائى ، واللفظ له ، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "قلب القرآن يس ، لا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر اللَّه له اقرؤوها على موتاكم " . وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث ، لكن صححه ابن حبان والحاكم ، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار ، بناء على حديث فى مسند الفردوس "ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللَّه عليه " لكن بعض العلماء قال : إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته ، سواء دفن أم لم يدفن ، ، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن ، وابن حبان الذى قال فى صحيحه معلقا على حديث "اقرؤوا على موتاكم يس " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه رد عليه المحب الطبرى : بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار، قال الشوكانى : واللفظ نص فى الأموات وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة ، "نيل الأوطار ج 4 ص 52" والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان : الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة "الباب الحادى والستون بعد المائة" ذكر أن الشافعى قال : يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن وإن ختموا القرآن كان حسنا، وجاء فى المغنى لابن قدامة "ص 758" تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها ، وروى أحمد أنه بدعة ، ثم رجع عنه .
وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة .
لكن القرافى المالكى قال : الذى يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده .
2 -إذا قرئ القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به ، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه :
الحالة الأولى :
إذا قرأ القارىء ثم دعا اللّه بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له ، فقد توسل القارئ إلى اللَّه بعمله الصالح وهو القراءة ، ودعا للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه به إن قبله اللَّه ، كمن توسلوا إلى اللَّه بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة .
الحالة الثانية .
إذا قرأ القارئ ثم دعا اللَّه أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت ، قال ابن الصلاح : وينبغى الجزم بنفع : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه ، أى مثله ، فهو المراد، وأن يصرح به لفلان ، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فماله أولى ، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال ، ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو اللّه أن يرحم الميت : والرحمة ليست ملكا له بل للّه ، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها . وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة ، ثم يدعو بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها إلى الميت . وقد تقدم كلام ابن قدامة فى المغنى عن ذلك ، والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين : اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان .
الحالة الثالثة :
إذا نوى القارئ أن يكون الثواب : أى مثله ، للميت ابتداء أى قبل قراءته أو أثناءها يصل ذلك إن شاء اللَّه ، قال أبو عبد اللّه الأبى : إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء ، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل ، لأن ثواب القراءة للقارئ لا ينتقل عنه إلى غيره ، وقال الإمام ابن رشد فى نوازله : إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره ، ووصل إليه نفعه ، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها ، ولعله يريد ما قاله الأبى .
هذا ، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارئ، أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له ، أو نيته ولم يدع له ، وقد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم ، وقد مر كلامهم فى ذلك .
قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن ، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل ، كذا ذكره النووى فى الأذكار .
وفى شرح المنهاج : لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل اللّه إيصال ثواب قراءته ، وينبغى الجزم به لأنه دعاء ، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى ، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء . وهذا المعنى لا يختص بالقراءة ، بل يجرى فى سائر الأعمال . والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد ، بوصية وغيرها وعلى ذلك أحاديث كثيرة ، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب .
هذا، وقد قال الأبى : والقراءة للميت ، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها، فلعل الحق الوصول ، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا .
وأنا مع الأبى فى هذا الكلام فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد .
مع تغليب الرجاء فى رحمة اللّه وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما .
وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرئ بأجر فالجمهور على عدم انتفاع الميت به ، لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت ، ولم تكن قراءته لوجه اللّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت ، بل كانت القراءة للدنيا ، ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه ، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت . والأعمال بالنيات ، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل : "اقرؤوا القرآن واعملوا به ، ولا تجفوا عنه ، ولا تغلوا فيه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به " قال الهيثمى : رجال أحمد ثقات ، وقال ابن حجر فى الفتح : سنده قوى ، وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه ، كما فسر بالاستجداء به والتسول .
وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن : مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته ، ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا منها تعليم القرآن ، فقالوا : بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا، خشية ضياعه ، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز .
ومذهب الحنابلة لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته ، استنادا إلى حديث "اقرؤوا القرآن " الذى تقدم . ومذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام ، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة ، ومنها تعليم القرآن وقراءته ، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه ، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه ، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت اهـ .
انظر موضوع "الأجر على قراءة القرآن " بالمجلد الثانى(8/302)
تلقين الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q بعد دفن الميت يجلس أحد الفقهاء ويلقنه كلاما ليجيب به الملكين فهل هذه سنة أم عادة عن الأجداد، وما حكم الشرع فيه ؟
An رأى بعض العلماء أن يلقن الميت المكلف بعد دفنه ، فقد روى عن بعض التابعين ، منهم راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عميرة أنهم قالوا : إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره : يا فلان قل لا إله إلا اللَّه ، أشهد أن لا إله إلا اللَّه "ثلاث مرات " يا فلان قل : ربى اللَّه ، ودينى الإسلام ، ونبيى محمد، ثم ينصرف .
وعندهم فى هذا حديث أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقف أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة ، فإنه يسمعه ولا يجيب ، ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة الثانية ، فيستوى قاعدا، ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة ، فإنه يقول : أرشدنا يرحمك اللّه ، ولكن لا تسمعون فيقول : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنك رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما - فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول : انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون اللَّه تعالى حجته دونهما . فقال رجل يا رسول اللّه فإن لم يعرف اسم أمه ؟ فال "فلينسبه إلى حواء" رواه ابن شاهين فى كتاب الموت بإسناده . وهذا الإسناد صالح وقواه بعضهم . وقال النووى : هذا الحديث وإن كان ضعيفا فليستأنس به . وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة فى أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب ، وقد اعتضد بشواهد ، كحديث "واسألوا له التثبيت " ورواية عمرو بن العاص ، وهما صحيحان . ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا فى زمن يقتدى به وإلى الآن ، وذهبت المالكية فى المشهور عنهم وبعض الحنابلة إلى أن التلقين مكروه ، جاء فى المغنى لابن قدامة (ج 2 ص 377) : ليس فيه لأحمد ولا للأئمة شيء ، سوى ما رواه الأثرم ، قال : -قلت لأبى عبد اللَّه : فهذا الذى يصنعون إذا دفن الميت ، يقف الرجل ويقول ... فقال : ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة ، جاء إنسان فقال ذاك ، قال : وكان أبو المغيرة يروى فيه عن أبى بكر بن أبى مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه ، وكان ابن عباس يرويه ، ثم قال فيه : إنما لأثبت عذاب القبر .
قال القاضى وأبو الخطاب : يستحب ذلك ، ورويا فيه حديث أبى أمامة المذكور .
جاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص 10 أن التلقين مشروع عند الشافعية ، وارتضاه صاحب المدخل وجزم به القرطبى وكذلك عند أبى حنيفة وغير واحد من المالكية كما قال صاحب المدخل ، وذلك لحديث سعيد بن عبد اللّه الأسدى الذى قال : شهدت أبا أمامة الباهلى فى النزع فقال : إذا مت فاصنعوا بى كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم (وذكر الحديث المتقدم )قال العدوى : ومشهور مذهب مالك يرى ضعف الحديث وأن شرط العمل به ألا يشتد ضعفه وأن يندرج تحت أصل كلى، قال الشيخ عبد الباقى :
ولم يوجد فى هذا الحديث اندراج تحت أصل كلى، فلا يعمل به وإن كان فى المقاصد تقويته .اهـ . قال العلامة الأمير فى حاشيته عليه : وأورد أن هذا مندرج فى نفع المؤمن أخاه {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } اهـ . فيكون هذا مقويا لما درج عليه صاحب المدخل وجزم به القرطبى فيكون الاعتماد عليه . لا سيما والحديث قواه الحافظ السخاوى فى "المقاصد" ولكل وجهة رضى اللّه عن الجميع . انتهى كلام العدوى .
ويقول السيد/ عبد اللّه بن محمد الصديق الحسنى : إن التلقين جرى عليه العمل قديما فى الشام زمن أحمد بن حنبل وقبله بكثير، وفى قرطبة ونواحيها حوالى المائة الخامسة فما بعدها إلى نكبة الأندلس ، وذكر بعض العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة الذين أجازوه ، وذكر أن حديث أبى أمامة ضعيف ، لكن الحافظ ابن حجر قال فى "التلخيص " إسناده صحيح ، ورأى الصديق الحسنى صلاح إسناده لأن له طرقا وشواهد "مجلة الإسلام -مجلد 3 عدد 10 " .
وفى المجلد الرابع من الفتاوى الإسلامية ص 1391 أن الشيخ قراعة أفتى سنة 1922 م بأن التلقين فيه خلاف واختار عدم المنع ، أخذا مما روى عن القاضى الكرمانى حينما سئل عنه فقال : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللَّه حسن ، وإنما لا ينهى عن التلقين بعد الدفن لأنه لا ضرر فيه ، بل فيه نفع ، فإن الميت يستأنس بالذكر على ما ورد فى الآثار، انتهى ملخصا من حاشية مراقى الفلاح ورد المحتار .
وفى المجلد نفسه ص 1256 أن الشيخ عبد المجيد سليم أفتى سنة 1936 م بأنه مستحب عند الشافعية والحنابلة ومكروه عند الإمام مالك رضى اللَّه عنه ووافق على ما جنح إليه الشيخ قراعة . ونقل كلام النووى فى الجزء الخامس من كتابه المجموع "ص 303 " من استحبابه والكلام الذى يقال فيه وأن التلقين يكون للمكلف وليس للصبى ونقل رأى الإمام مالك بالكراهة، من شرح الرسالة لأبى الحسن . وأنه لم يجد فى كتب الحنفية ولا فى غيرها اشتراط شيء فيمن يلقن الميت بعد الدفن ، ورأى أنه ينبغى أن يكون ممن يحسن التلقين . انتهى .
وبعد هذا العرض أرى أن هذا العمل لا يضر الأحياء ولا الأموات ، بل ينتفع به الأحياء تذكرة وعبرة، فلا مانع منه .
هذا ، وتلقين الشهادة للمحتضر مشروع ندبا أو وجوبا ، لحديث الجماعة إلا البخارى "لقنوا موتاكم لا إله إلا اللّه " ويزاد عليه "وأن محمدا رسول اللَّه " ومع مشروعيته أجمع العلماء على كراهة الإكثار منه لئلا يتألم المحتضر وربما يرفض "نيل الأوطار ج 4 ص 22 "(8/303)
سماع الميت أثناء تشييع الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الميت يسمع الكلام أثناء تشييع الجنازة ؟
An جاء فى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى ص21: أن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه فى حفرته ، وأن روح الميت فى يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن ، ويقال له وهو على سريره : اسمع ثناء الناس عليك ،وأن الميت يرى ما يصنع أهله ، ولو قدر على الكلام لنهاهم عن العويل والصراخ . وكل ذلك وردت به أحاديث أخرجها أحمد وابن أبى الدنيا والطبرانى وابن منده وأبو نعيم وأبو داود . وقد حكم على بعض الأحاديث بالضعف .
ومعلوم أن العقائد والغيبيات لا تثبت إلا بالدليل القطعى من الكتاب والسنة ، وأحوال الموتى من الغيب الذى يعلمه الله وحده ، ولا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضاه ، ولا يجب علينا الإيمان إلا بما ورد من طريق صحيح ، والأخبار المروية فى سماع الموتى كلام المشيعين لم ترق إلى هذه الدرجة، فلا نجزم بالنفى ولا بالثبوت ، حيث إن ذلك ممكن لم يرد ما يمنعه ، وحيث إن ما أثبته لم يكن بطريق الجزم ، فمن صدَّق بذلك فهو حر ومن كذَّب لا يكفر(8/304)
هل يتزاور أهل الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يتزاور أهل الجنة كما يتزاور أهل الأرض ؟
An ذكر الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " أن أهل الجنة يتزاورون على المطايا والنُّجب ، وأنَّ بعضهم يشتاق إلى بعض فتسير بهم السرر حتى يتلاقوا ويتذكروا كيف غفر الله لهم .
وذكر المنذرى أن بعض هذه الأحاديث موقوف غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأن رواة بعضها مختلف فى صحبته ،وبهذا لا يثبت تزاورهم بطريق صحيح يكون سبيلا للاعتقاد .
غير أن الأمر فى حد ذاته ممكن ، ولو طلبه أحد من أهل الجنة لأجيب طلبه بناء على عموم قوله تعالى{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} الزخرف : 71 ، وقوله تعالى {ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} الحجر: 47 ، ويؤكد أن لهم لقاءات يتذاكرون فيها ماضيهم فى الدنيا ويسألون عمن كانوا معهم فيها وعصوا ربهم ، قوله تعالى {إلا عباد الله المخلصين . أولئك لهم رزق معلوم . فواكه وهم مكرمون . فى جنات النعيم . على سرر متقابلين .
يطاف عليهم بكأس من معين . بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون . وعندهم قاصرات الطرف عين . كأنهن بيض مكنون . فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قال قائل منهم إنى كان لى قرين . يقول أئنك لمن المصدقين . أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون . قال هل انتم مطلعون . فاطلع فرآه فى سواء الجحيم . قال تالله إن كدت لتردين . ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين . أفما نحن بميتين . إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين . إنَّ هذا لهو الفوز العظيم . لمثل هذا فليعمل العاملون} الصافات : 45 - 161(8/305)
تزاور الموتى فى القبور
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الموتى يتزاورون فى القبور ؟
An جاء فى صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه " قيل : العلة فى ذلك تزاور الموتى وتباهيهم بالأكفان ، كما نص عليه فى أحاديث أخرى ، منها ما أخرجه الترمذى وابن ماجه والبيهقى "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه ، فإنهم يتزاورون فى قبورهم " وقال ابن تيمية فى فتاويه : إنهم يتزاورون سواء أكانت المدائن متقاربة فى الدنيا أم متباعدة . وقال الفقهاء بتحسين الأكفان لهذه العلة .
وللسيوطى كتاب فى ذلك عنوانه "شرح الصدور" وقال ابن القيم فى كتاب الروح : إن الحى يرى الميت فى منامه فيستخبره ، ويخبره الميت بما لا يعلمه الحى فيصادف خبره كما أخبر فى الماضى والمستقبل .
والأمر مغيب واعتقاده يحتاج إلى دليل قاطع ، ومع ذلك فهو ممكن يجوز تصديقه ولا يؤدى تكذيبه إلى الكفر(8/306)
وضع الطعام مع الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q فى أثناء تشييع الجنازة أصر أحد أبناء الميت على أن يضعوا فى قبر أبيهم بعضا من الخبز والبيض والماء ، وقال إن هذه سنة، فهل هناك حديث يدل على ذلك ؟
An إن أحوال القبر والحياة الآخرة من أمور الغيب التى لا تعرف إلا بتوقيف صحيح من الله ورسوله ، والميت إذا وضع فى قبره صار فى عالم آخر لا يحتاج فيه إلى أكل وشرب ، وإنما يحتاج إلى عمل صالح كان قد عمله فى الدنيا ولم يزل أثره باقيا وهو ما يُعرف بالصدقة الجارية أو عمله غيره ، ووهب له ثوابه كصدقة وصيام ونحوهما، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " كما جاء أيضا "يتبع الميت إلى قبره ثلاثة، أهله وماله -يعنى الأرقاء المملوكين - وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى معه عمله " رواه البخارى ومسلم .
وفى حديث رواه ابن ماجه "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته : علما علمه ونشره ، أو ولدا صالحا تركه ، أو مصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا بناه لابن السبيل ، أو نهرا أكراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته " .
فالذي يفيد الميت في قبره عمله هو أو عمل غيره الذى يهديه إليه ، وبخاصة الصدقة والصيام والحج وقراءة القرآن ، والصلاة له لا عنه . أما وضع الطعام معه فى قبره فممنوع ، لأنه أولا لا ينتفع به . فوضعه عبث لأنه ميت لا يأكل ، وثانيا ضياع مال أولى به الأحياء ، وضياع المال منهى عنه .
ولم يرد أى حديث مقبول أو غير مقبول يزعم به أحد أن ذلك سنة ، ولا يقال : إنه بدعة جديدة لم تكن عند السلف من الأمة، بل هو تقليد فرعونى قديم منذ آلاف السنين ، إلى جانب تقاليد أخرى ذكرها المؤرخون . جاء فى كتاب تاريخ الحضارة المصرية الذى ألفه نخبة من العلماء المتخصصين أن المصريين القدامى حتى نهاية العهد الإغريقى الرومانى كانوا يحرصون على تزويد المتوفى بالطعام والشراب ، لأنهم كانوا يعتقدون فى حياة أخرى فإذا مات الميت ووضعت جثته فى القبر لا تعود إليه روحه إلا إذا مُدَّ بالطعام والشراب ، ويتولى ذلك ابنه الأكبر ، وانطلاقا من عقيدة خلود الروح والحياة الأخرى كان فن تحنيط الموتى وتحنيط ما يوضع معه من طعام حتى لا يفسد، بل كانت نساء كبارهم تدفن معه محنطة، ليكمل له التمتع فى حياته الآخرة ، وظهرت عادة تقديم الأطعمة إلى الموتى بصور مختلفة ، فكانوا يقدمون القرابين للكاهن الذى يوصلها بطريقته إلى الميت ، ويعلم الله مصير هذه القرابين . وظهرت عند البعض عادة الذبح عند القبر، وتوزيع الطعام عند زيارة القبور "ج 1 ص 232 وما بعدها" .
وألفت نظر أولاد الميت الذين يريدون البر بأبيهم بوضع الطعام في قبره -ألفت نظرهم إلى ما رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان أن رجلا قال :
يا رسول الله ، هل بقى من بر أبوى شيء بعد موتهما؟ قال "نعم ، الصلاة عليهما -أى الدعاء لهما -والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما"(8/307)
سرادقات العزاء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم إقامة السرادقات للعزاء، وما حكم أخذ الأجر على قراءة القرآن فيها ؟
An ستتناول الإجابة ثلاث نقط ، مشروعية التعزية ، أسلوبها ، مدتها ، وإليك موجزها .
ا -تعزية الإنسان لغيره فيما يصيبه مستحبة، لأنها تخفف عنه وقع الألم ، وهو خير، وكل خير يقدَّم للغير له أجره إن خلصت النية ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة" رواه ابن ماجه وهى لا تستحب إلا مرة واحدة، ويستوى فى ذلك أن تكون قبل الدفن أم بعده .
2 - ليس هناك تحديد لأسلوبها وإن كان الأفضل أن تكون بالمأثور، فقد روى البخارى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال :
أرسلت ابنة النبى صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لها قبض وطلبت أن يأتى إليها ، فأرسل يقرئ السلام ويقول "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب " وقد يكون فى هذا الكلام عزاء من الرسول لنفسه ، وأمرها أن تصبر وتحتسب ، وأفضل ما يعزى به الإنسان نفسه ما جاء فى قوله تعالى{وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } البقرة :155 ، 156 وجاء فى صحيح مسلم أن من قالها وقال : اللهم آجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها استجاب الله له . وكما كان يفعل السلف الصالح لا حاجة إلى الجلوس والإعداد لتقبل العزاء .
يقول النووى : قال الشافعى وأصحابه رحمهم الله : يكره الجلوس للتعزية ، قالوا : ويعنى بالجلوس أن يجتمع أهل الميت فى بيت ليقصدهم من أراد التعزية ، بل ينبغى أن ينصرفوا فى حوائجهم ، ولا فرق بين الرجال والنساء فى كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملى ونقله عن نص الشافعى رضى الله عنه ، وهى كراهة تنزيه - لا تحريم -إذا لم يكن معها محدث آخر ، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها فى العادة كان ذلك حراما من قبائح المحرمات ، فإنه محدث ، وثبت فى الحديث الصحيح أن كل محدثة بدعة . وكل بدعة ضلالة [الأذكار للنووى ص ا15 ] .
وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأى، وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس فى غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية من غير ارتكاب محظور .
هذا، وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، نشر وزارة الأوقاف المصرية ما نصه : ويباح لأهل المصيبة أن يجلسوا فى المنزل لقبول العزاء ثلاثة أيام . أما الجلوس على قارعة الطريق وفرش البسط نحوها - السرادقات - مما اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهى عنها ، أما الحنابلة فقالوا: الجلوس للعزاء مكروه ، سواء كان فى المنزل أو غيره ، والحنفية قالوا : الجلوس للتعزية خلاف الأولى، والأولى أن يتفرق الناس بعد الدفن ويكره الجلوس فى المسجد ، انتهى .
فهناك اتفاق بين الأئمة على أن إقامة السرادقات - ومثلها دور المناسبات - لتقبل العزاء غير محمودة ، وأقل درجاتها الكراهة أو خلاف الأولى ، مع العلم بأنها إذا كانت للمباهاة كانت حرامًا ، وإذا أنفق عليها من أموال القصَّر كانت حراما أيضا .
أما القرآن الذى يتلى فى السرادقات فإن كان بأجر، فلا ينتفع به الميت ، وإن كان بغير أجر ووهب الثواب إلى الميت يرجى انتفاعه ، وما يأخذه القارئ إن كان مشروطا فهو أجر حرمه أكثر العلماء ، وإن لم يكن مشروطا فإن كان القارئ ممن يستحق الصدقة فهو صدقة ينتفع بها الميت إن وهب المعطى ثوابها إليه ، وإن لم يكن ممن يستحق الصدقة فهى هبة أو هدية لا حرمة فى أخذها ولا منفعة للميت بها .
3-والعزاء إن كان مع جلوس أو بدونه مدته ثلاثة أيام ، ويكره بعدها لما فيه من تجديد الحزن ، اللهم إلا لمن لم يعلم بالوفاة إلا بعد مدة فلا كراهة فى التعزية ، والتحديد بثلاثة أيام أخذه الشافعية من حديث الإحداد على الميت يقول صاحب "كفاية الأخيار " فى فقه الشافعية "ج ا ص 153 " وتكون فى ثلاثة أيام لأن قوة الحزن لا تزيد عليها فى الغالب ، وبعد الثلاثة مكروه ، لأنها تجدد الحزن ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاية الحزن ثلاثا ففى الصحيحين "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" ثم يقول المؤلف أبو بكر بن محمد الحصنى الحسينى الدمشقى المتوفى سنة 829 هـ :
وابتداء الثلاثة من الدفن جزم به النووى فى شرح المهذب ونقله عن الأصحاب ، نعم جزم الماوردى أنها من الموت وبه جزم ابن الرفعة وصححه الخوارزمى . ويستثنى ما إذا كان المعزِّى أو المعزَّى غائبا ، فإنها تمتد إلى قدوم الغائب ، فإذا قدم فهل تمتد ثلاثة أيام أم يختص بحالة الحضور؟ قال : كلام الرافعى والنووى يوهم مشروعية الثلاث عند قدوم الغائب وهو كذلك ، أم تختص بحالة الحضور قال المحب الطبرى شيخ مكة : لم أر فيه نقلا، والظاهر مشروعية الثلاثة بعد الحضور انتهى .
أما ما يعمل للميت من تجديد الحزن وتقبل العزاء فى يوم الخميس أو الخامس عشر أو الأربعين ، أو الموعد السنوى فأمر لا يتفق مع الدين ، ويمكن الرجوع إلى ص 434 من الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام لمعرفة أصل هذه العادات وما فيها من طقوس أوصت بها فِكَر دينية وضعية(8/308)
حساب الأنبياء
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حساب للأنبياء والرسل يوم القيامة ؟
An ليكن معلوما أن أحوال الآخرة من الغيب لا تعرف إلا بخبر صادق من القرآن والسنة ، واعتقاد هذه الأحوال يكون عن نص قطعى الثبوت والدلالة وما وراء ذلك يدخل فى دائرة الاجتهاد الذى لا يلزم اعتقاد نتيجته ، ولا يكفر من لا يصدقه .
وقد جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى : {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين } الأعراف : 6 .
وهو سؤال عن التبليغ لا عن الأعمال التى يمارسها كل مؤمن ليجازى عليها ، فذلك ما يطلق عليه اسم الحساب الذى يتصل به عرض الكتاب وقراءته {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } الأنبياء : 47 . غير أن هناك استثناءات من الحساب جاء بعضها فى الحديث المتفق عليه أن سبعين ألفا من أمة النبى صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وعينهم بقوله "وهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " .
ومن المعلوم أن الرسل قد عصمهم الله من الذنوب وغفر لهم ما عسى أن يكون قد صدر عنهم فى صورة ذنب وهو ليس بذنب ، وما دام الله قد غفر لهم فعلى أى شيء يحاسبهم حساب مناقشة، وإذا كان المذكورون من السبعين ألفا لا يرقون إلى درجة الأنبياء والرسل قد أعفاهم الله من الحساب فهل يكون للأنبياء والرسل حساب ؟ نعم سيسألون عن تبليغ الرسالة كشهادة على أممهم أما سؤال الحساب وما يترتب عليه من جزاء فلا .
وإذا كان الأنبياء لا يسألون فى القبر فكيف يحاسبون يوم القيامة؟ يقول الشيخ العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار" ص 29 : اتفق جمهور أهل السنة على عدم سؤال شهيد الحرب ، والسر فى ذلك كونهم أحياء فلذلك لا يُغسَّلون وكذلك الرسل والأنبياء لا يسألون أيضا على التحقيق(8/309)
لغة السؤال بعد الموت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن سؤال القبر سيكون باللغة السريانية ؟
An سؤال الإنسان على ما قدم من عمل أمر مقطوع به فى القرآن والسنة ، ويكفى قول الله تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } الأعراف : 6 ، أما اللغة التى يسأل بها الإنسان فعلمها عند الله .
ومن المؤكد الذى تقره العقول أن المسئول سيفهم ما يوجه إليه من أسئلة حتى يستطيع الرد عليها ، أما كيف يفهم فلا يوجد نص يحدده ، والله سبحانه يقول فى المحاورة بين الإنسان وأعضائه التى تشهد عليه {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شيء } فصلت : 21 ، ويقول {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } النور: 24 .
فمن الجائز - وهو الأقرب للمعقول مع أن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا -أن يكون السؤال لكل إنسان بلغته ، ومن الجائز أن يكون بلغة موحدة يستطيع أن يفهمها كل إنسان ، وذلك بقدرة الله الذى أنطق كل شيء كما أنطق الأعضاء الصماء . وهل هى العربية أو السريانية أو غيرهما؟ ذلك ما لا دليل عليه ، ولا أدرى على أى شيء اعتمد البلقينى فى فتواه أن سؤال القبر بالسريانى ، فنترك ذلك إلى الله ، ولنستعد للجواب بالعمل الصالح(8/310)
حساب الأولين والآخرين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هذه الأجيال ستحاسب بمقدار ما تحاسب به الأجيال الماضية مثل أجيال الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وروى مسلم .أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء "وروى مسلم أيضا حديث "عبادة فى الهرج كهجرة إلى" وصح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة " وروى مسلم أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى المقبرة فقال " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا : يا رسول الله ألسنا بإخوانك ؟ فقال " بل أنتم أصحابى وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض "تفسير القرطبى ج 18 ص 32 " وروى ابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب - أى رواه واحد فقط أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "فإن من ورائكم أياما ، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله "وزاد أبو داود : قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال "بل أجر خمسين منكم " وروى أحمد والدارمى والطبرانى عن أبى عبيدة بن الجراح أنه قال يا رسول الله أحد أفضل إيمانا منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك ، قال "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بى ولم يرونى" وإسناده حسن ، وصححه الحاكم وأخرج أحمد والبخارى فى التاريخ وابن حبان والحاكم وصححه "طوبى لمن رآنى وآمن بى مرة، وطوبى لمن لم يرنى وآمن بى سبع مرات " وذلك لأن الله مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب ، وكان إيمان الصحابة بالله واليوم الآخر غيبا ، وبالنبى صلى الله عليه وسلم شهودا للآيات والمعجزات ، ومن بعدهم آمنوا غيبا بما آمنوا به شهودا وروى أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة كتب إلى سالم ابن عبد الله بن عمر أن يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب ليعمل بها ، فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر، لأن زمنك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم .
يقول عمر بن عبد البر، بعد ذلك وبعد أحاديث أخرى : فهذه الأحاديث تقتضى مع تواتر طرقها وحسنها - التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها فى فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية . وذلك لنص النبى صلى الله عيه وسلم على أفضلية أهلها على من سواهما .
بعد هذه النقول من كتب الأحاديث والسيرة أرى أن السلف فى مجموعهم أفضل ممن بعدهم ، فخير القرون قرن الرسول ثم من بعدهم ، وذلك لكثرة المؤمنين الطائعين الذين بذلوا كثيرا ولكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد لا يدخلون فى الخيرية كالمنافقين وبعض العاصين .
والأجيال اللاحقة فى مجموعها أقل فضلا من السابقة، لكن لا يعدم أن يكون فيهم أفراد على درجة كبيرة من الفضل ، وذلك لعدة عوامل منها : أنهم آمنوا بالرسول ولم يروه ، وأن الجو العام السابق كان أقل فتنة ، وبالتالى لا يحتاج إلى مجاهدة نفسية ، بخلاف الأجيال اللاحقة حيث كثرت الفتن وإغراء المغريات وصاروا فيها غرباء . وذلك كله فيما عدا الصحبة ، وإنما فى الأعمال الأخرى .
ومن هنا أرى على المستوى الفردى أن العبرة بالعمل كما وكيفا {كل امرئ بما كسب رهين } الطور: 21 ، وعليه فقد يكون فى الخلف من هو أفضل من السلف وإن كان العدد قليلا، وعلى المستوى الجماعى العبرة بالعدد ، وعليه فالأجيال السابقة يكثر فيها ذوو الفضل ويقل المفسدون ، وما دمنا جميعا سنرجع إلى الله ويحاسب كل واحد على ما عمل فلابد أن نؤمن بقوله تعالى {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} الأنعام : 164 ، وقوله {ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير} فاطر: 18 ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى ج 5 ص 354 وما بعدها(8/311)
اجتماع شمل الأسرة فى الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يعيش الإنسان بمفرده إذا دخل الجنة أم يعيش مع أسرته وأصدقائه وأحبابه ؟
An يقول الله تعالى {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما} النساء: 69 ، ويقول تعالى : {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} الرعد : 23 ، 24 .
ويقول تعالى : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شىء كل امرئ بما كسب رهين } الطور: 21 .
ويقول : {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون . هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون } يس :55 ، 56 .
وفى حديث متفق عليه أن رجلا قال : يا رسول الله كيف تقول فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ، فقال له "المرء مع من أحب " .
تدل هذه النصوص وغيرها على أن المؤمن إذا أكرمه الله بدخول الجنة لا يمنعه شيئا تشتهيه نفسه من طعام وشراب وملذات أخرى مادية ومعنوية، ومنها لقاء الأصحاب وتعارف الإخوان ، واجتماع شمل الأسرة من الأزواج والذرية ، حتى لو تفاوتت درجات هؤلاء وتباعدت منازلهم ، فسبل الاتصال ميسورة لا تعجز عنها قدرة الله ، وقد أخرج الطبرانى وغيره بسند لا بأس به أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إنك لأحب إلىَّ من نفسى وولدى ، وإنى لأكون فى البيت فأذكرك ، فما أصبر حتى آتى فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وأنى إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك ، فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } إلى آخر الآية : وفى رواية عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه فى الجنة ، وإن كانوا دونه فى العمل لتقر بهم عينه ، وتلا قوله تعالى{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } يقول أبو جعفر النحاس ، هذا الحديث يصير مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقوله إلا عنه .
هذا، والناس فى المحشر مرهونون بأعمالهم لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، لكن بعد أن ينتهى الحساب وبعد أن يستقر المؤمنون فى الجنة سيكون من تمام نعيمها لقاء الأحبة إخوانا على سرر متقابلين فلنعمل على أن نكون من أهل الجنة ، ولنحسن اختيار أصدقائنا فالمرء يحشر مع من أحب ، والمتحابون فى الله يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إن هذا لهو الفوز العظيم ، ولمثل هذا فليعمل العاملون(8/312)
تقبيل الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نرى بعض المشيعين للجنازة يقبلون الميت عند نزوله إلى القبر ويقولون : سامحك الله ، فما حكم الدين فى ذلك ؟
An روى البخارى وغيره عن عائشة رضى اللّه عنها أن أبا بكر رضى اللّه عنه دخل فبصر برسول صلى الله عليه وسلم وهو مسجًّى-مغطى- ببردة، فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبَّله .
وجاء فى رواية أخرى أنه قبله بعد موته . وفى حديث صحيح رواه الترمذى وأحمد وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، وبكى حتى سالت الدموع على وجهه .
فى هذا دليل على جواز تقبيل الميت ، وقول الناس للميت :
سامحك الله ، أمر مشروع بل مندوب ، فهو من صفات المتقين الذين أعد الله لهم المغفرة والجنة التى عرضها السماوات والأرض ، حيث قال الله فيهم {والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } آل عمران : 134(8/313)
قضاء الواجبات عن الأموات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كثر السؤال عن حكم قضاء ما فات الأموات من واجبات ، وهل ينتفعون بما يهدى إليهم من قربات ؟
An الواجبات التى لم يؤدها الميت ديون عليه ، وهى نوعان : ديون للعباد، وديون لله ، فأما ديون العباد فالإجماع على مشروعية قضاء الحى لها عن الميت ، والأخبار الصحيحة كثيرة فى خطورة الديْن وأثره على الميت ، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءت جنازة ليصلى عليها سأل : هل عليه دين أم لا ، فإن كان عليه دين لم يصل عليه . وجاء الخبر بأن رحمة اللّه معلقة عن الميت حتى يُقضى عنه دينه وسيجىء قول النبى صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن قضاء الحج عن أمها : "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته "؟رواه البخارى .
وأما حقوق الله كالعبادات فإليك بعض ما ورد فيها من نصوص وما فهمه العلماء منها :
(1) الصلاة :
الصلاة عبادة بدنية محضة ، لم يرد نص خاص عن النبى صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت ، والوارد هو عن بعض الصحابة ، فقد روى البخارى أن ابن عمر رضى اللّه عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء-يعنى ثم ماتت -فقال : صلى عنها . وروى ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى اللّه عنهما : أن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء ، أى للصلاة ، فأفتى ابنتها أن تمشى لها .
وأخرجه مالك فى الموطأ أيضا .
والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها فى قباء فوجبت ولزمت ، ومن هنا رأى بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت ، سواء أكانت مفروضة أصلا أم منذورة ، لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة . ونقل ابن بطال الإجماع على ذلك ، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع ، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف ، فقد جاء فى موطأ مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول . ولكن لعل المنع فى حق غير المنذورة .
وقال الحافظ : يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات وجعل النفى فى حق الحى (نيل الأوطار ج 9 ص 155 ) وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمى بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع ، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز ، حتى إنه لم يسقطها عن المجاهد وهو فى ساحة القتال أثناء المعركة ، وعن المقيد بالأغلال واكتفى بما يستطاع ولو بالإيماء ، فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى ، ولا يصح غيره ، حتى لا يكون هناك تهاون بعمود الدين .
(ب ) الصيام .
الصيام عبادة بدنية أيضا إذا تركه الميت وكان قادرا على أدائه ، جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم : "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " رواه البخارى ومسلم . وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه ، أمى ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : "نعم فدين الله أحق أن يقضى" وبناء على هذا قال الشافعية والحنابلة بجواز قضاء الصوم من الولى، بل قالوا باستحبابه ، وبجوازه من الأجنبى إن أذن الولى، لكن الأحناف والمالكية قالوا : إن وليه لا يصوم عنه ، بل يطعم مدا عن كل يوم. وحجتهم أن الصيام عبادة بدنية كالصلاة لا تقبل النيابة ، لكن النووى قال فى جواز القضاء : إنه هو الصحيح المختار والنصوص تشهد له .
(ب) الزكاة :
الزكاة ، وأطلق عليها اسم الصدقة أحيانا ، عبادة مالية محضة ، فيها حق لله وحق للعباد، وقضاؤها عن الميت قضاء لدين الله ودين العباد، والقول بجواز ذلك لا ينبغى الخلاف فيه ، وتقدم أن دين العباد مفروغ من جواز قضائه ، وحق الله أولى أن يقضى . وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : أن أبى مات وترك مالا ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال : (نعم) والتعبير بقوله : "فهل يكفر عنه " يفيد أن ما فات الميت كان واجبا عليه ، إما زكاة وإما صدقة منذورة . وروى البخارى ومسلم أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إن أمى افتلتت نفسها -ماتت فجأة- وأراها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها من أجر إن تصدقت عنها؟ قال : (نعم) وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالى يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص . إلا إذا وقع النذر فى مرض الموت فيكون من الثلث .
وشرط المالكية والحنفية أن يوصى بذلك "نيل الأوطار ج 8 ص 156 " .
(د) الحج :
الحج عبادة بدنية ومالية معا ، ورد فى قضائه حديث البخارى أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها؟ قال : (حجى عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء) . وإذا كان الحج المنذور يجب قضاؤه عن الميت فالحج الواجب أصلا على المستطيع الذى لم يقم به يكون قضاؤه واجبا . ووجوب القضاء عنه لا يحتاج إلى وصيته بذلك ويجب إخراج الأجرة من رأس المال ، وهذا هو قول الجمهور، تغليبا للجانب المالى فيه كالزكاة والكفارة ونحوهما ، وقال مالك : يشترط أن يوصى الميت بذلك ، وإذا أوصى حج عنه من الثلث(8/314)
صلة الأحياء بالأموات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q نريد توضيحا لقوله تعالى{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى }وصلته بانتفاع الأموات بأعمال الأحياء ؟
An ذهب المعتزلة إلى أن أية قربة يهديها الحى إلى الميت لا تنفعه ، بناء على قولهم بوجوب العدل ، واستدلوا على رأيهم هذا بقوله تعالى : {أم لم ينبأ بما فى صحف موسى " وإبراهيم الذى وفَّى . ألا تزر وازرة وزر أخرى . وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . ثم يجزاه الجزاء الأوفى} النجم : 36 - 41 ، أما أهل السنة فقالوا : هناك قُرَبٌ يجوز للحى أن يفعلها ويستفيد منها الميت ، بل وسع بعضهم الدائرة حتى شملت كل القرب ، قال فى شرح الكنز: إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره ، صلاة كان أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت ، وينفعه عند أهل السنة "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " ودليلهم على ذلك عدم ورود نص مانع ، وكذلك الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد الميت بعمل الحى فى النوافل ، كما أفاده فى الفرائض المقضية عنه ، فضلا عن الأدلة الواردة فى بعض القرب من حيث ندب عملها ليفيد منها الميت كما سيأتى بيانه . وردوا دليل المعتزلة بما يأتى :
1 - أن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين } الطور: 21 ، كما قاله ابن عيسى ، فإن الكبار يلحقون بآبائهم فى الجنة وإن لم يكونوا فى منزلتهم إكراما - للآباء باجتماع الأولاد إليهم ، وضعف ابن القيم هذا القول فى كتابه "الروح " .
2 - أن هذه الآية خاصة بشريعة موسى وإبراهيم ، وأما فى شريعتنا فالحكم بخلاف ذلك .
3 -أن عدم انتفاع الإنسان بعمل غيره مخصوص بالكافر، أما المؤمن فيجوز أن ينتفع بسعى غيره من المؤمنين .
4 - أن اللام فى "للإنسان " بمعنى "على" مثل قوله تعالى {ولهم اللعنة} أى عليهم ، والمعنى أن الإنسان ليس عليه إلا عمله ، أى أن ذلك فى العقاب ، أما الثواب فليس هناك ما يمنع انتفاع الإنسان بعمل غيره وهذه الردود يمكن أن تناقش .
5 -إن الآية تبين أنه ليس للإنسان إلا عمله استحقاقا بطريق العدل ، أما تفضلا من غيره فلا مانع من أن ينتفع به ، فالدعاء والشفاعة عمل الغير ويستفيد منه الميت . وهذا الجواب هو أصح الأجوبة، وركز عليه ابن تيمية فى فتاويه "ج 24 ص 366" حيث قال ما ملخصه :
الاتفاق على وصول ثواب العبادات المالية ، كالصدقة والعتق ، كما يصل إليه الدعاء والاستغفار . أما الأعمال البدنية كالصلاة والصيام والقراءة فاختلفوا فيها . والصواب أن الجميع يصل إليه ... إلى أن قال :
وهذا مذهب أحمد وأبى حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعى .
وأما احتجاج بعضهم بأن ليس للإنسان إلا ما سعى فيقال ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأئمة أنه يصلى ويستغفر له ويدعى له ، وهذا من سعى غيره . والجواب الحق أن اللّه لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعى نفسه وأنه قال {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فهو لا يملك إلا سعيه ، ولا يستحق غير ذلك . وأما سعى غيره فهو له ، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه ، فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير، لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز . اهـ . وقد ارتضى هذا القول ابن عطية فى تفسيره .
هذا، وقد جاء فى معجم الفقه الحنبلى "ص 941 طبعة أوقاف الكويت " أن أية قربة يفعلها الحى ويهب ثوابها للميت تنفعه إن شاء الله ، وقال ابن قدامة فى "المغنى" قال أحمد بن حنبل : الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه . لأن المسلمين يجتمعون فى كل مصر يقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا . وإن كان هذا العمل لا يعتبر حجة والإجماع عليه ليس دليلا كما رأى بعض العلماء .
وقال ابن القيم : والعبادات قسمان : "مالية ، وبدنية" وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ، ونبه بوصول ثواب الصيام على وصول سائر العبادات البدنية ، وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية ، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار .
هذا هو الحكم الإجمالى فى إهداء القرب ، وإليك شيئا من التفصيل .
أخرج أبو داود وابن عباس عن أبى أسيد مالك بن ربيعة قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة، فقال : يا رسول الله ، هل بقى من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال "نعم الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، صلة الرحم التى لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما من بعدهما" .
(ا) الصلاة عليهما .
قال بعض الشراح : إن المراد بالصلاة عليهما فى هذا الحديث صلاة الجنازة، كما فى قوله تعالى : {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} التوبة : 184 وقيل المراد بها الدعاء ، كما فى قوله تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } التوبة : 03 ا ، أى ادع الله لهم بالنماء والبركة .
ويرجح أن يراد بها هنا الدعاء لأن رواية البخارى فى "الأدب المفرد" لم يرد فيها ذكر الصلاة بل ورد (الدعاء لهما) .
والدعاء مجمع على جوازه وعلى نفع الميت به إن قبل ، ومعنى نفع الميت به حصول المدعو به إذا استجيب ، واستجابته محض فضل من الله ، ولا يسمى فى العرف ثوابا ، أما الدعاء نفسه وثوابه فهو للداعى، لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له .
وأدلة مشروعية الدعاء للميت كثيرة، فصلاة الجنازة نفسها تشتمل على دعاء له ، ودعاء الولد الصالح لأبيه مما يفيده بنص الحديث الذى رواه مسلم ، وقد تقدم ، ومن آداب زيارة القبور الدعاء للأموات ، كما روى مسلم فى تعليم النبى صلى الله عليه وسلم لمن يزورون القبور أن يدعوا للأموات ، ومما جاء فيه "ونسأل الله لنا ولكم العافية" وكذلك "ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين " ... وروى أبو داود عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال (استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ) .
أما حكم الصلاة للوالدين فقد جاء فى رواية الدارقطنى "إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك ، وان تصوم لهما مع صيامك " وتعدية فِعْلَىْ الصلاة والصيام باللام تشعر بأن ذلك فى النوافل المهداة لا فى الفروض من حيث قضاؤها ، وقد مر ذلك ولو لم يرد هذا الحديث أو لم يصح فليس هناك نص يمنع أداء الصلاة للميت وقد تقدم كلام ابن تيمية وغيره فى ذلك .
(ب) الاستغفار لهما :
الاستغفار هو دعاء بطلب المغفرة من اللّه للميت ، وأدلة الدعاء عامة تشهد لمشروعيته ، وقد دعا الأنبياء وغيرهم بالمغفرة لغيرهم ، فقال نوح {رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} نوح : 28 ، وقال إبراهيم : { ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب } إبراهيم : 41 ، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لأهل بقيع الغرقد بالمغفرة وسبق طلبه من المسلمين الاستغفار لأخيهم بعد دفنه ، وروى أحمد وابن ماجه والبيهقى عن أبى هريرة بسند صحيح مرفوع أو موقوف عليه "أن الرجل لترفع درجته فى الجنة فيقول : أنَّى هذا؟ فيقال :
باستغفار ولدك لك " .
(ج) انفاذ عهد الأبوين وصلة الرحم وإكرام الصديق :
كل ذلك قرب بدنية أو مالية يقوم بها الولد فيؤجر عليها ، ويصل أثرها للوالدين برا وإكراما وإحسانا ، وقد تقدم قول شارح الكنز فى هذه القرب وغيرها، وما جاء فى معجم الفقه الحنبلى عن ذلك .
(د) الصيام لهما :
يدل حديث الدارقطنى السابق على جواز التنفل بالصيام وإهدائه إلى الميت ، وقد شرط العلماء لذلك ولغيره من القرب أن يكون بنية سابقة أو مقارنة للفعل ، لا أن تكون النية بعد الانتهاء منها .
(هـ) الصدقة عليهما :
روى أحمد والنسائى وغيرهما أن أم سعد بن عبادة لما ماتت قال: يا رسول الله، إن أمى ماتت، أفأتصدق عنها، قال "نعم" قلت : فأى الصدقة أفضل؟ قال : "سَقىُ الماء" .
قال الحسن : فتلك سقاية آل سعد بالمدينة ، والظاهر أن هذه الصدقة ليست واجبة ، وإلا لكانت متعينة ولم يسأل سعد عن أفضلها ، وهذا الحديث وإن كان لبعض المحدثين فيه مقال فإن كثيرا من النصوص تشهد بأن الصدقة تفيد الميت سواء أكانت واجبة أم مندوبة .
قال الشوكانى : أما صدقة الولد فلا كلام فيها لثبوتها بالنص ، ولأن الولد من كسبه فلم يصل إليه عمل غيره ، بل عمله هو، مثل الصدقة الجارية والعِلْم الذى ينتفع به ودعاء الولد الصالح ، فلا حاجة لوصول صدقته إلى وصية ، أما الصدقة من الأجنبى فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابها إلى الميت ، فيوقف عليها حتى يأتى دليل يقتضى تخصيصها اهـ . لكن الرافعى والنووى من الشافعية قالا: يستوى فى الصدقة الوارث وغيره ، وحكى النووى الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصل ثوابها من الولد وغيره "نيل الأوطار ج 4 ص 142 " .
هذا، ويجب أن يفهم أن ما جاء فى كلام الشوكانى وغيره من أن الذى وصل إلى الميت من ولده هو عمله وليس عمل الولد، ليس المراد به أن كل ما يعمله الولد لأبيه محسوب لأبيه وليس محسوبا للولد ، وإلا لضاع الولد وحرم ثواب عمله البدنى بالذات ، بل المراد وصول مثل ثوابه لأبيه ، كما سيأتى فى كلام العلماء عن القراءة للميت .
(و)الحج للوالدين :
مر جواز قضاء الحج عن الوالدين بعد الموت ، ولم يرد ما يمنع برهما بالحج أو، بغيره من القرب كما تقدم .
(ز) قراءة القرآن :
فى قراءة القرآن للميت خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة الله وما ورد من بعض النصوص ، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى :
1 - إذا قرئ القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو ، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن ، وذلك بحكم المجاورة ، فإن القرآن إذا تلى ، وبخاصة إذا كان فى اجتماع ، حفت القارئين الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يقرؤون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة " ! والقرآن ذكر بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث : " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " .
بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة ، فيحصل ذلك للشخص الواحد، روى البخارى ومسلم حديث أُسَيْد بن حُضَيْر الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه ، وجاء فيه .
فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السُّرَج عرجت فى الجو حتى ما أراها ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "تلك الملائكة تستمع لك ، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم " .
على أن النص قد جاء بقراءة {يس} عند الميت ، روى أحمد وأبو داود والنسائى واللفظ له ، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "قلب القرآن يس ، لا يقرؤها رجل يريد اللّه والدار الآخرة إلا غفر الله له ، اقرءوها على موتاكم " وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث ، لكن صححه ابن حبان والحاكم ، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس "ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللّه عليه " لكن بعض العلماء قال : إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته ، سواء دفن أم لم يدفن ، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن . وابن حبان الذى قال في صحيحه معلقا على حديث "اقرءوا على موتاكم يس" أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه رد المحب الطبرى ، بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار .
قال الشوكانى : واللفظ نص فى الأموات ، وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة "نيل الأوطار ج 4 ص 52 " والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان : الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة "الباب الحادى والستون بعد المائة" ذكر أن الشافعى قال : يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن ، وإن ختموا القرآن كان حسنا ، وجاء فى المغنى لابن قدامة "ص 758" : تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها ، وروى أحمد أنه بدعة، ثم رجع عنه. وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة . لكن القرافى المالكى قال :
الذي يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة ، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده .
2 -إذا قرئ القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به ، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه :
الحالة الأولى :
إذا قرىء القارىء ثم دعا الله بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له ، فقد توسل القارىء إلى اللّه بعمله الصالح وهو القراءة ، ودعا للميت بالرحمة ، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه له إن قبله اللّه ، كمن توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار، وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة .
الحالة الثانية :
إذا قرئ القارئ ثم دعا الله أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت ، قال ابن الصلاح : وينبغى الجزم بنفع : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه ، أى مثله ، فهو المراد ، وأن يصرح به لفلان ، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى ، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال . ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو اللّه أن يرحم الميت : والرحمة ليست ملكا له بل لله ، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها . وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة ، ثم يدعو بعدها أن يوصل الله مثل ثوابها إلى الميت . وقد تقدم كلام ابن قدامة فى المغنى عن ذلك .
والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين : اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان .
الحالة الثالثة :
إذا نوى القارئ أن يكون الثواب ، أى مثله ، للميت ابتداء أى قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء الله ، قال أبو عبد اللّه الأبى : إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه ، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل ، لأن ثواب القراءة للقارئ لا ينتقل عنه إلى غيره . وقال الإمام ابن رشد فى نوازله : إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره ، ووصل إليه نفعه ، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها ، ولعله يريد ما قاله الأبى .
هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارئ أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له ، أو نيته ولم يدع له ، وقد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم ، وقد مر كلامهم فى ذلك .
قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 142 "المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن . وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل ، كذا ذكره النووى فى الأذكار، وفى شرح المنهاج : يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته ، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال . والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى ، والقريب والبعيد ، بوصية وغيرها وعلى ذلك أحاديث كثيرة ، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب . اهـ .
هذا، وقد قال الأبى : والقراءة للميت ، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها فلعل الحق الوصول ، فإن هذه الأمور مغيبة عنا ، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا .
وأنا مع الأبى فى هذا الكلام ، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد .
مع تغليب الرجاء فى رحمة اللّه وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما .
وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرئ بأجر فالجمهور على عدم انتفاع للميت به . لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت ، ولم تكن قراءته لوجه اللّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت ، بل كانت القراءة للدنيا ، ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه ، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت . والأعمال بالنيات ، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل "اقرءوا للقرآن واعملوا به ، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به }قال الهيثمى : رجال أحمد ثقات ، وقال ابن حجر فى الفتح : سنده قوى .
وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه ، كما فسر بالاستجداء به والتسول .
وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن :
مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا ، منها تعليم القرآن فقالوا : بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا ، خشية ضياعه ، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز، ومذهب الحنابلة لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته ، استنادا إلى حديث "اقرءوا القرآن . . . " الذى تقدم . مذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام ، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة ، ومنها تعليم القرآن وقراءته ، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه ، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه ، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت اهـ(8/315)
الصلاة على جنازات من الجنسين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى اجتماع جنازات فى وقت واحد للصلاة عليها، مع العلم بأن بعضها لرجال وبعضها لنساء ؟
An إذا اجتمع أكثر من ميت وكانوا ذكورا أو إناثا يصفُّون واحدا بعد واحد، بين الإمام والقبلة ، ليكونوا جميعا بين يدى الإمام . ووضع الأفضل مما يلى الإمام ، وصلى عليهم جميعا صلاة واحدة .
وإن كانوا رجالا ونساء جاز أن يصلى على الرجال وحدهم والنساء وحدهن ، وجاز أن يصلى على الجميع صلاة واحدة . يجعل الرجال أمام الإمام ، ويجعل النساء مما يلى القبلة .
فعن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما : أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلى الإمام ، وجعل النساء مما يلى القبلة، وصفَّهم صفا واحدا ، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت على زوجة عمر وابن لها يقال له زيد والإمام يومئذ هو سعيد بن العاص وفى الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة - فوضع الغلام مما يلى الإمام .
قال رجل : فأنكرت ذلك ، فنظرت إلى ابن عباس وأبى هريرة وأبى سعيد وأبى قتادة، فقلت : ما هذا؟ قالوا : هى السنة . رواه النسائى والبيهقى .
وقال الحافظ : وإسناده صحيح .
وفى الحديث أن الصبى إذا صُلِّى عليه مع امرأة كان الصبى مما يلى الإمام ، والمرأة مما يلى القبلة " نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص72"وإن كان فيه رجال ونساء وصبيان ، تقدم الرجال ويليهم الصبيان ثم النساء(8/316)
قبور من طوابق
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى إقامة المقابر من عدة طوابق ودفن الموتى فيها ؟ وهل يفضل إزالتها مع الإبقاء على المقبرة الملاصقة للأرض ؟
An الأصل فى دفن الميت أن تحفر له حفرة فى الأرض ، ويوضع تحت مستوى سطحها ، ولا يتحقق الدفن بغير ذلك ، قال تعالى : {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} طه : 55 ، وينبغى تعميق القبر بحيث يمنع رائحة الجثة وسطو السباع والوحوش عليها ، لحديث النسائى والترمذى فى شهداء أُحد "احفروا وأعمقوا" ولا يجوز رفع القبر زيادة على قدر شبر من الأرض ، كما لا يجوز البناء عليه ، لحديث مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
وعلى هذا لا يجوز الدفن فى مقابر ذات طوابق بعضها فوق بعض، لأن شرط القبر أن يكون تحت مستوى الأرض فهل يتحقق ذلك فى قبر متعدد الطبقات ؟ ومع ذلك لا توجد ضرورة الآن إلى هذه الطبقات ، ويجب تدبير مكان آخر إذا لم يوجد متسع فى المقبرة الحالية ، وإذا بليت عظامها جاز الدفن فيها مرة أخرى(8/317)
الصلاة عن الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز للابن أن يصلى الفوائت عن والده المتوفى ؟
An الصلاة فرض عين لا تقبل النيابة ولا الوكالة ، لأنها حق الله سبحانه على كل عبد ، وليس هناك عذر لتركها أبدا ، فهى تؤدى من قيام أو قعود أو اضطجاع ، فى السلم وفى الحرب ، بحركات الجسم والعقل وبأية وسيلة ممكنة ، لأنها صلة بين العبد وربه ، لا يمكن للعاقل أن يستغنى عنها، ولا يقبل اللّه من يقوم بها بدل العبد، فالشحنة الروحية لا يمكن أن تنتقل ممن حصل عليها إلى غيره أبدا ، فالصلة مقطوعة .
ولأهمية الصلاة جعلها الحديث الشريف الذى رواه مسلم الفرق بين المسلم والكافر فمن تركها عمدا جحدا أو استهزاء كفر، وإذا فاتت وجب قضاؤها، ومن لم يقضها يحاسب عليها حسابا عسيرا إن لم يغفر اللّه له . ولهذا لا يجوز للابن ولا لغيره أن يصلى الفوائت عن المتوفى ، لقول اللّه تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} النجم : 39 ، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم ، ولأن الأصل فى الفروض العينية أن يؤديها الشخص بنفسه إلا ما استثنى كالصوم والزكاة والحج ، فإنه يمكن أن يؤديها عنه غيره لورود النص الصريح فى ذلك .
أما الصلاة للوالد المتوفى - لا الصلاة عنه - فجائزة ، حيث يمكن للولد أن يصلى نافلة ويهب ثوابها لوالده فينتفع بها إن شاء الله .
إن جمهور العلماء على أن قضاء الصلاة المفروضة عن الميت ممنوع ، ونقل ابن بطال الإجماع عليه ولكن الإجماع غير صحيح ، لأن هناك من يقول بجواز ذلك ، ودليله :
1 - ما رواه البخارى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء -يعنى ثم ماتت -فقال : صلى عنها .
2 -ما رواه ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى اللّه عنهما : إن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء ، أى للصلاة، فأفتى ابنتها أن تمشى لها . وأخرجه مالك أيضا فى الموطأ .
3-أن بعض التابعين وعلماء السلف أجاز الصلاة عن الميت .
قياسا على الدعاء والصدقة والحج . ورد الجمهور على ذلك بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف ، فقد جاء فى الموطأ للإمام مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول . فالنقل متضارب عنهما، وإن كان يمكن الجمع بأن المنع عن القضاء هو فى الفرض أو النذر، وأن الجواز هو فى النفل وقال الحافظ : يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات ، وجعل النفى فى حق الحى" نيل الأوطار للشوكانى ج 9 ص 155 " .
يقول النووى فى مقدمة شرحه لصحيح مسلم : جاء فى البخارى فى باب من مات وعليه نذر أن ابن عمر أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلى عنها، وحكى صاحب "الحاوى" وهو الماوردى عن عطاء بن أبى رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت ، ومال الشيخ أبو سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبى عصرون من أصحابنا المتأخرين فى كتابه " الانتصار" إلى اختيار هذا . وقال الإمام أبو محمد البغوى من أصحابنا فى كتابه " التهذيب " : لا يبعد أن يطعم عن كل صلاة مُدٌ من طعام . وهو أساس القول بإسقاط الصلاة بالصدقة وغيرها .
قال النووى : وكل هذه المذاهب ضعيفة، ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج ، ثم ساق دليل من يمنعون الصلاة عن الميت . وقد سبق ذكره .
فقول الجمهور بعدم جواز قضاء الصلاة عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره حتى لا يتهاون الناس بهذه الفريضة التى هى من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد ، أما الصلاة للميت أى الصلاة النافلة التى يهب ثوابها له فلا مانع منها وقد جاء النص عليها كالعبادات الأخرى .
ونقل الآلوسى فى تفسيره عن ابن حزم جواز صلاة النذر والفرض إن نسيه أو نام عنه ولم يصل حتى مات ، لدخول ذلك تحت قول النبى صلى الله عليه وسلم "فحق الله أحق أن يقضى "ووجهة نظره أن الصلاة مقيسة على الصوم والحج والدَين الذى منه الزكاة، حيث ورد النص بقضائها عن الميت .
ومهما يكن من شىء فرأى الجمهور على عدم قضاء الصلاة المفروضة عن الميت، أساسه أنها لا تقبل النيابة استقلالا ولا تبعا، وما قيل من أن الذى يحج عن الميت سيصلى ركعتين عنه للطواف عند مقام إبراهيم ، فلماذا لا يصلى عنه الصلوات الأخرى - فهو مردود ، لأن صلاة ركعتى الطواف سنة لا فريضة ، وتابعة للفريضة لا مستقلة ، ولا تجوز النيابة فيها فى الحياة ولا بعد الممات " الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع -صفحة 1491 وما بعدها"(8/318)
موازين يوم القيامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الموازين التى توزن بها الأعمال يوم القيامة، وكيف يكون الوزن ؟
An قال الله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} الأنبياء : 147 .
الموازين هى الوسائل التى تقدر الشىء ، وهى مختلفة فى أشكالها وتصميماتها كما نرى فى الدنيا، وموازين الأعمال يوم القيامة لا يعرف حقيقتها إلا اللّه سبحانه ، وإن كانت وردت آثار تذكر ما فيها من كفة توضع فيها الحسنات وأخرى توضع فيها السيئات على ما كان معهودا للناس عند نزول القرآن .
وموازين الدنيا تطورت وتدخلت الإليكترونيات فى تقدير الأثقال والأزمنة وتحركات الأجسام والأحاسيس التى تنفعل بها النفوس وكل شىء . وموازين الله أدق من كل الموازين ، فهى قسط أى عدل ، والله لا يظلم أحدا ما يزن أقل مقدار كان يعرف قبل بحبة الخردل ، والميزان وسيلة لاطمئنان الإنسان ليعرف ماله وما عليه ، وإن كان عدل الله لا يحتاج إلى ميزان يطلع عليه الإنسان {وكفى بنا حاسبين } .
وجاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 65 " أن الذى يوزن هو صحائف الأعمال كما قال ابن عمر وهو الصحيح . وقد أنكر المعتزلة الميزان ، بناء منهم على أن الأعراض يستحيل وزنها، لأنها لا تقوم بنفسها . ومن المتكلمين -علماء الكلام والتوحيد-من يقول : إن اللّه تعالى يقْلب الأعراض أجساما فيزنها يوم القيامة .
والصحيح أن الموازين تثقل بالكتب التى فيها الأعمال مكتوبة ، وبها تخف .
وقد روى أن ميزان بعض بنى آدم كاد يخف بالحسنات فيوضع فيه رَقٌّ مكتوب فيه "لا إله إلا الله " فيثقل . وفى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما معناه : " إن اللّه يعطى صحيفة الحسنات للعبد الذى غفر له وستر ذنوبه " وهو دليل على أن الأعمال تكتب فى الصحف وتوزن . كما روى ابن ماجه أن رجلا ينشر عليه يوم القيامة تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مدُّ البصر .
وبعد، فهذه أمور سمعية نؤمن بها ونترك معرفة حقيقتها لله تعالى، وسنعرفها حتما عند لقاء اللّه ، ونرجو أن نعمل صالحا لتثقل موازيننا بالحسنات(8/319)
تعزية غير المسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز أن يعزى الإنسان شخصا غير مسلم فى وفاة قريب له ، وهل يقول المرحوم ، أو اللّه يرحمه ؟
An أما مبدأ التعزية فمشروع ، وهو من ضمن البر الذى جاء فى قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اللّه يحب المقسطين} الممتحنة : 8 ، وقرر الفقهاء أن يقال لغير المسلم : أخلف اللّه عليك ، ومن صور المجاملات أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد غلاما يهوديا كان يخدمه وعرض عليه الإسلام فأسلم ، كما رواه البخارى فى "الأدب المفرد " وذكره ابن حجر فى "المطالب العالية "ج ا ص 212 فالمجاملات جائزة ولكن فى حدود المشروع .
وقد يجرى على بعض الألسنة عند العزاء أو الحديث عن ميت غير مسلم عبارة : المرحوم فلان ، أو اللّه يرحمه ، فإن كانت العبارة إخبارا عن الميت بأنه مرحوم فذلك لا يصح ، لأنه ذهب إلى ربه بما عمل وهو أعلم به ، حتى الإخبار عن المسلم بأنه مرحوم هو أمر ظنى لا ينبغى أن يؤخذ مأخذ الحقيقة .
روى الترمذى أن غلاما استشهد يوم أحد ، فوجد المسلمون على بطنه حجرا مربوطا، بسبب الجوع ، فمسحت أمه التراب عنه وقالت : هنيئا لك الجنة يا بنى، فقال صلى الله عليه وسلم "وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ، ويمنع ما لا يضره " .
فإذا كان هذا فى المسلم فغير المسلم من باب أولى لا نخبر عنه بأنه مرحوم أو ذهب إلى رحمة اللّه . وإذا كانت رحمة اللّه وسعت كل شىء لكنه كتبها للمؤمنين الصالحين ، الذين يتبعون النبى الموصوف فى التوراة والإنجيل .
أما الدعاء له بالرحمة، أو قراءة الفاتحة ليرحمه الله ، فذلك للمسلم جائز إذا مات على الإيمان بأن لم يصدر عنه شىء يكفر به ، أما غير المسلم فقد تحدث العلماء عن الاستغفار أو طلب الرحمة له ، فى حال حياته أو بعد مماته ، فقالوا : إن كان حيًّا جاز الاستغفار وطلب الرحمة والهداية بالتوفيق إلى الإيمان ، وعليه يحمل ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال عن قومه المشركين "اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون " رواه البخارى ومسلم وذلك على بعض الأقوال التى قالت : إن هذا إنشاء من الرسول ، وليس حكاية عن نبى سابق دعا لقومه .
ويحمل أيضا ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما زار عمه أبا طالب فى مرضه الذى مات فيه وعرض عليه الإسلام فأبى ، قال " أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْه عن ذلك " فأنزل الله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه } التوبة : 113 ، 114 .
فالاستغفار للأحياء جائز لأن إيمانهم مرجو، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له . قال ابن عباس : كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت ، فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا .
فالدعاء لمن مات غير مؤمن بأن اللّه يرحمه أو غفر له ، أو قراءة الفاتحة له لذلك لا يجوز، وقد روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له .
لا يقال إن الآية خاصة بالموتى المشركين ، أما اليهود والنصارى فليسوا كذلك ، لا يقال هذا لأن اللّه قال فى كل من كان على غير الإسلام {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران :85 ، وقال فى عباد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية } البينة : 6 ، ووصف بعض أهل الكتاب بأنهم كفار فقال جل شأنه { لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم } وقال تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } المائدة : 72 ، 73 .
وقال تعالى فى الكفار جميعا {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } البقرة : 161 ، 162 ، .
ومن هنا لا يجوز وصف الميت غير المسلم بأنه مرحوم ، ولا الدعاء له بالرحمة(8/320)
دفن مسيحية حامل بمسلم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الزوجة المسيحية إذا ماتت وفى بطنها جنين مسلم ، أين يكون الدفن ؟
An روى البيهقى عن وائلة بن الأسقع : أنه دفن امرأة نصرانية فى بطنها ولد مسلم فى مقبرة ليست بمقبرة النصارى ولا المسلمين ، واختار هذا الإمام أحمد ، لأنها كافرة لا تدفن فى مقبرة المسلمين ، فيتأذوا بعذابها ، ولا فى مقبرة الكفار، لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم . وقال بعض العلماء :
لماذا لا يجوز شق بطنها وإخراج الجنين منه ، ليدفن كلٌّ فى مقبرته ؟ وذلك عند تعذر وجود مقبرة تصلح لكل الأديان(8/321)
الحور العين ونساء الدنيا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وصف الله الحور العين فى الجنة بأوصاف لا توجد فى كثير من نساء بنى آدم ، فهل تكون فيهن غيرة من جمال الحور، وهل الغيرة تتناسب مع نعيم الجنة ؟
An جاء فى تفسير القرطبى"ج 16 ص 154" أن هناك رأيين فى التفاضل بين النساء الآدميات والحور العين ، فذكر ابن المبارك أن نساء الدنيا إذا دخلن الجنة فُضِّلن على الحور العين ، لما عملنه من الصالحات فى الدنيا ، وروى مرفوعا أنهم أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ، وقيل : إن الحور العين أفضل لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى دعائه " وأبدله زوجًا خيرا من زوجه " .
نترك ذلك لنرى بأنفسنا عندما يَمُنُّ الله علينا بدخول الجنة، مع الأخذ فى الاعتبار أن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا ، وأن الغيرة بين الزوجات ممنوعة ، قال تعالى {ونزعنا ما فى صدورهم من غل } الحجر: 47 وسورة الأعراف : 43 ، وقال عن أهل الجنة {وقالوا الحمد للّه الذى أذهب عنا الحزن } فاطر: 34(8/322)
الجنات وأسمائها
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما أسماء الجنات التى وعد الله بها المؤمنين ؟
An هناك أحاديث تدل على أن للجنة ثمانية أبواب .
ويقول القرطبى بعد ذكر أحاديث فيها أبواب كثيرة باسم الطاعات من الصلاة والصيام والجهاد وغيرها : هذا يدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابا . كذا قال .
لكن هل هى جنة واحدة أم جنات متعددة ؟ وإذا كانت جنات متعددة .
هل هى على مستوى واحد تختلف مواقعها حسب منزلتها، أم هى طبقات بعضها فوق بعض ، وإذا جاء فى الحديث "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى" هل يدل على علو المكان أم على علو المكانة ؟ نترك علم ذلك لله ، وعندما نعاين بأنفسنا إن شاء الله .
وقد جاء فى القرآن ما يدل على أن هناك عددا من الجنات ، والآيات فى ذكر لفظ "جنات "كثيرة ، وجاء أيضا قوله تعلى : {ولمن خاف مقام ربه جنتان } الرحمن : 146 ، وقوله : {ومن دونهما جنتان } الرحمن : 62 .
كما ورد فى القرآن والأحاديث أوصاف للجنة ، فإن كانت جنة واحدة كانت هذه أوصافا لها ، وإن كانت جنات متعددة كانت أسماء للجنات ، وفى الوقت نفسه تتحقق فيها صفاتها .
فمن الأوصاف أو الأسماء سبعة : جنات عدن ، ودار السلام ، ودار الخلد ، والفردوس ، وجنة المأوى ، وجنة النعيم ، ودار الإجلال .
واختار هذا ابن عباس وجماعة .
وذهب الجمهور إلى أن عدد الجنات أربعة فقط ، بدليل الآيتين السابقتين المذكورتين فى سورة الرحمن ، فهناك جنتان : لمن خاف مقام ربه هما جنة النعيم وجنة المأوى ، والجنتان اللتان دونهما هما جنة عدن وجنة الفردوس .
هذا ، والحق الذى يجب أن نؤمن به أن هناك دار ثواب أعدها الله تعالى للمؤمنين من عباده سماها بالجنة، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .
والأولى الإمساك عن كونها جنة واحدة أو أكثر، وتفويض ذلك إلى علم الله تعالى، وإلى ما سنراه بإذن الله فيها إن ختم لنا بالإيمان(8/323)
أبواب الجنة وأبواب النار
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما أسماء أبواب الجنة وأبواب النار السبعة ؟
An جاء فى كتاب مشارق الأنوار للعدوى ص 178 أن للجنة ثمانية أبواب كما رواه البخارى ومسلم ، منها باب الريان الذى يدخل منه الصائمون ، وفى رواية أخرى "من أنفق زوجين من ماله فى سبيل الله دعى من أبواب الجنة ، وللجنة أبواب . فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد" وأخرج الطبرانى حديث "وإن فى الجنة بابا يقال له الضحى" وذلك لمن يديمون صلاة الضحى .
هذا ما ذكره عن أسماء الأبواب ولم يذكرها كلها مع أن عددها ثمانية .
فلنقتصر على الوارد بطريق صحيح ، والقرطبى فى التذكرة نقل عن الترمذى الحكيم أن فى الجنة بابا خاصا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يدخل منه غيرهم والرسول يدخل من باب محمد وهو باب الرحمة والتوبة .
هذا ما ذكره وفيه روايات ضعيفة والعقائد والغيبيات بالذات لا تقبل فيها أمثال هذه الروايات ، وعند وصولنا إلى الجنة سنرى ونعلم الحقيقة إن شاء الله .
وجاء فى المشارق ص 175 أن للنار سبعة أبواب من واقع قوله تعالى { وإن جهنم لموعدهم أجمعين . لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم }الحجر : 43 ، 44 ، وذكر أن الباب الأول اسمه : جهنم ، والثانى :
لظى ، والثالث : سقر، والرابع : الحطمة ، والخامس : الجحيم ، والسادس : السعير، والسابع : الهاوية ، وهى أسماء مأخوذة من طبقات جهنم ، والله أعلم بالحقيقة(8/324)
بناء القبور بالطوب الأحمر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس : إن بناء القبر بالطوب الأحمر تشاؤم بدخول من دفن فيه النار، فهل هذا صحيح ؟
An دخول الجنة أو النار رهن بالإيمان والعمل ومشيئة الله تعالى ، وليس للقبر من حيث إنه مادة دخل فى هذا الموضوع ، ومع ذلك استحسن العلماء ألا يكون فيه شىء دخل النار، كالآجر وهو الطوب المحروق .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 15ص 381" قوله : ويكره الآجر فى اللحد ، وقال الشافعى : لا بأس به لأنه نوع من الحجر ، وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ، لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام ، وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر ، وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا، فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر .
هذا، وقد روى مسلم وغيره عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تجص القبور. وفى لفظ النسائى : أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص . والتجصيص معناه الطلاء بالجص وهو الجير المعروف .
والجمهور حملوا النهى على الكراهة ، وحمله ابن حزم على التحريم ، والحكمة ما تقدم ذكره من أن القبر للبلى لا للبقاء ، أو التفاؤل ، فلا يدخله عند التجصيص شىء أحرق بالنار ، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد أن يبنى قبر ابنه ويجصصه : جفوت ولغوت ، لايقربه شىء مسته النار .
وكما كرهوا تجصيصه بالجير كرهوا بناءه بالطوب الأحمر المحرق بالنار ، وذلك إذا لم تكن الأرض رخوة أو ندية فإن كانت كذلك فلا كراهة(8/325)
بيع المقبرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أمتلك قبرا لأدفن فيه موتانا فهل يجوز أن أبيعه لشخص آخر ليدفن فيه موتاه ؟
An عندما تحدث العلماء عن القبر وقالوا : إنه حبس على صاحبه ، وتحدثوا عن نبش القبر وتحويله إلى منفعه أخرى كالزراعة أو البناء أو شق نهر أو طريق ، ما بين مجيز لذلك ومانع ، آخذين فى الاعتبار بقاء جز من أجزاء الميت كعظم أو صيرورته كله ترابا -لم يتطرقوا إلى نقل ملكية القبر من شخص إلى آخر ليستعمل فى الدفن لا فى شىء آخر من الاستعمالات المشار إليها من قبل .
وبناء على جواز دفن عدد من الموتى فى قبر واحد، كل فى لحد ومكان خاص لا يختلط مع غيره يمكن القول بجواز نقل الملكية لهذا القبر من شخص إلى آخر لاستعماله للدفن ، حيث لا يوجد نص يمنع ذلك . أما المقبرة الموقوفة والمستَلة للدفن فلا ملكية فيها لأحد، وبالتالى لا يجوز بيع شىء منها(8/326)
ماء البئر بين المقابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز استخدام ماء بئر موجود بين المقابر فى التطهر ؟
An بئر الماء الموجود بين المقابر يستمد ماءه من أماكن عميقة لا تصل إليها مخلفات الموتى البالية، وعليه فماء البئر هذا طاهر ومطهر، ولا يحرم استعماله لغرض من الأغراض المشروعة(8/327)
سكن الأحياء فى المقابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى اتخاذ المقابر مساكن ، حيث يسكن بعض الناس فى غرف مجاورة للقبر فى مبنى يجمع بينهما؟
An المشى والقعود والنوم على غرف فوق القبر قال جمهور الفقهاء إنه مكروه ، ويشهد لهم حديث مسلم وغيره " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " وحديث أحمد بإسناد صحيح فيمن رآه الرسول صلى الله عليه وسلم متكئا على قبر "لا تؤذوا صاحب القبر" أما البول والغائط فهو مكروه كراهة تحريم عند الحنفية وحرام عند المالكية .
أما السكن فى غرف مجاورة للقبر وليست مقامة عليه فجائز لا مانع منه ، حيث لا يوجد دليل على المنع .
ونوصى هؤلاء الساكنين أن يتعظوا ويعتبروا بمن يجاورونهم من الموتى، فإنهم سيصيرون فى النهاية مثلهم(8/328)
حساب القبر وحساب يوم القيامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : إذا مات ابن آدم قامت قيامته ، وما الفرق ببن حساب القبر وحساب يوم القيامة ؟
An هذا كلام مأثور، ونسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم ضعيفة "العراقى على الإحياءج 4 ص 421" . والمعنى أن الحياة الشخصية للإنسان قد انتهت بموته كما تنتهى الحياة كلها بقيام الساعة، حين ينفخ فى الصور فيصعق من فى السماوات ومن فى الأرض إلا من شاء الله .
وعودة الروح إليه وهو فى القبر تشبه عودتها إليه حين يبعث من القبر إلى الحشر يوم القيامة ، وإن كانت العودة فى كلتا الحالتين على نحو يعلمه الله سبحانه .
وما فى القبر من نعيم وعذاب هو صورة لما يكون يوم القيامة من نعيم فى الجنة وعذاب فى النار ، وقد ورد فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده ... ويقال : هذا مقعدك حتى تبعث إليه يوم القيامة" وفى الترمذى "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " .
وحساب القبر يكون عن العقائد ، وذلك باتفاق ، وإن اختلفوا هل هو فى كل العقائد أو بعضها ، أما حساب يوم القيامة فهو لكل شىء قال تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} الأنبياء : 47(8/329)
حساب القبر لمن أكلته الوحوش
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يحاسب الإنسان فى القبر إذا مات غريقا أو محروقا، أو أكلته الحيوانات أو الأسماك المتوحشة، او استخدم جسمه فى منفعة علمية مثل التشربح ؟
An اتفق أهل السنة على أن الميت يسأل بعد موته ، سواء دفن أم لم يدفن ، فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادا ونسف فى الهواء ، أو غرق فى البحر فلا بد من سؤاله ومجازاته .
قال الحافظ ابن حجر فى "فتح البارى ج 3 ص 277" : ذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عودة إلى الجسد ، وخالفهم الجمهور فقالوا : تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت فى الحديث ، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه ، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال ، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه .
ومعنى كلام ابن حجر أن من أكلته الحيوانات أو الأسماك سيحاسب ويسأل وهو فى جوف الحيوانات أو الأسماك ، ومن استخدم جسمه فى منفعة علمية فيسأل أيضا، ولكن متى؟ قال بعض العلماء :
إن كانت هناك نية لدفنه سيؤخر الحساب إلى أن يدفن ، وقال بعضهم :
يسأل قبل الدفن وبعد الدفن .
لكن أحسن ما قيل فى هذا الموضوع ما نقل عن العلامة الأمير: أن هذه مغيبات لا مجال للعقل فيها ، فيترك أمرها إلى اللّه ، ذكره العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار "ص 27 .
وبعد ، فإنى أعرض أحيانا بعض الأقوال الاجتهادية فى أمور غيبية لأبين ما شغل به العلماء من تفكير لا أدرى هل خلا لهم الجو من كل العقد فصرفوا وقتهم فى هذا الترف الذهنى، ومع كل هذا فنشكرهم لإثرائهم الحياة الفكرية بكل ما يمكن من معلومات أو معارف أو تصورات(8/330)
الشهداء من المؤمنين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى موت غير المسلم الذى كان يقاتل مع المسلمين ضد أعداء الدولة ، وهل يعتبر شهيدا؟
An الشهادة التى وعد الله عليها الثواب العظيم بالجنة لا تكون إلا للمؤمن ، وعلى أن تكون الحرب من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا ، وهذه هى الشهادة العظمى، فهناك شرطان لاستحقاق الإنسان ثوابها العظيم ، الإيمان والإخلاص فى الجهاد .
وقبل الإسلام كان هناك شهداء أبلوا بلاء حسنا فى الدفاع عن عقيدتهم وأطلق عليهم لقب "الشهيد" ففى هؤلاء تحقق الإيمان بالنبى المرسل إليهم ، أما الإخلاص فمرجعه إلى النية ، والله وحده هو العليم بها ، ونحن لنا الظاهر فى إطلاق الاسم ومعاملة صاحبه فى الدنيا على ضوئه ، مع ترك الحكم عليه فى الآخرة لله سبحانه .
وبعد الإسلام لا يقبل من أحد غير هذا الدين ليكون مؤمنا، قال تعالى : {إن الدين عند الله الإسلام } آل عمران : 119 وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران : 20 .
فالذى يحارب الآن دفاعا عن العقيدة والحقوق ويموت إن لم يكن مسلما فلم يتحقق فيه الشرط الأول ، وبذلك لا يعتبر من وجهة النظر الإسلامية شهيدا ، وإن كان مسلما فقد تحقق الشرط الأول ويبقى الشرط الثانى لا لإطلاق اسم الشهيد عليه ، ولكن لاستحقاقه المنزلة العالية فى الجنة ، وهو الإخلاص الذى نص عليه فى الحديث "من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " رواه البخارى ومسلم .
أما ما قام به غير المؤمنين من جهاد وبطولات فليس لهم ثواب فى الآخرة عليها كما قال تعالى : {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان : 23 .
ولهم ثوابهم فى الدنيا من مثل تقدير الناس لهم والتعامل معهم وأخذ استحقاقاتهم على أعمالهم ، فحينما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهل البلد "مكة " المؤمنين من الثمرات بين له ربه أن الرزق الدنيوى ينال منه المؤمنون وغير المؤمنين قال تعالى : {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره الى عذاب النار وبئس المصير} البقرة : 126 ، وقال سبحانه فى موضع آخر {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغيرالحق وبما كنتم تفسقون } الأحقاف : 20 .
ذلك ما قاله رب العزة وأكده رسوله ، وهو الحق الذى لا معدى عنه ،فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(8/331)
نعى الموتى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى نعى الموتى بمكبرات الصوت أو بالنشر فى الصحف أو الإعلانات ونحوها ؟
An النَّعْى أو النَّعِىُّ هو الإخبار بموت الميت ، قال الأصمعى :
كانت العرب إذا مات فيها ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير فى الناس ويقول : نعاء فلانا ، أى أنعيه وأظهر خبر وفاته .
فإذا كان النعى على ما كان يفعله أهل الجاهلية من ذكر المآثر والمفاخر فهو ممنوع ، كما يدل عليه ما أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند حسن أن حذيفة بن اليمان قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعى، وما رواه الترمذى عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والنعى ، فإن النعى من عمل الجاهلية " وهو حديث حسن . أما إذا كان النعى من أجل إخطار الأقارب والأصدقاء ليشهدوا جنازته ويكثر المصلون عليه فلا بأس به ، لأن من يصلى على الجنازة له قيراط من الأجر كما صح فى الحديث المتفق عليه ولقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب " يعنى وجبت له الجنة رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن . بل يكون النعى من أجل هذا القصد مستحبا ، ففيه فائدة للميت وفائدة لمن يصلون عليه ، ويشهد لهذا ما رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى للناس "النجاشى" فى اليوم الذى مات فيه. وفى لفظ "إن أخاكم النجاشى قد مات ، فقوموا فصلوا عليه " وما رواه البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى جعفر بن أبى طالب وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة، وما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال فيمن دفن ليلا وكان يقم المسجد - أى ينظفه ويرفع القمامة منه- "أفلا كنتم آذنتمونى"؟ وفى رواية : "ما منعكم أن تعلمونى"؟ وما روى أن رافع بن خديج مات بعد العصر فأتى ابن عمر فأخبر بموته فقيل له : ما ترى ، أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال : إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى ، فأصبحوا وأخرجوا بجنازته .
من هذا نرى أن النعى إن كان يحمل معنى التفاخر والتباهى فهو مذموم ، وإن كان من أجل إعلام الناس بالوفاة للاشتراك فى الصلاة على الميت وتشييع الجنازة فلا بأس به ، والأعمال بالنيات ولكل امرىء مانوى، وبهذا يمكن التوفيق بين ما ورد من الأحاديث والآثار فى ذم النعى وعدم ذمه انظر "الفتح الربانى وشرحه ج 7 ص 184 ، المغنى لابن قدامة ج 2 ص 432 "(8/332)
أفعال النساء فى الجنائز
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز ضرب النساء إذا مشين يصرخن فى الجنائز ويفعلن أفعال الجاهلية ؟
An تشييع النساء للجنازة ورد فيه حديث البخارى ومسلم عن أم عطية قالت :
نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا ، أى لم يؤكد المنع ، فكأنها قالت : كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم ، كما ذكره ابن حجر فى "فتح البارى" .
فالنهى للتنزيه وبه قال جمهور العلماء ، ومال مالك إلى الجواز وهو قول أهل المدينة كما ذكره القرطبى .
ويدل على الجواز ما رواه ابن أبى شيبة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فى جنازة ورأى عمر امرأة فصاح بها فقال "دعها يا عمر فإن العين دامعة ، والنفس مصابة والعهد قريب " وإسناد هذا الحديث صحيح .
والأحاديث التى نهت عن اتباعهن الجنازة ضعيفة والمنهى عنه هو ارتكاب ما يخالف الدين مما جاء فى الحديث الصحيح "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" .
وإذا حدث من النساء منكر من هذا وغيره وجب تغييره بالصورة التى جاءت فى الحديث الصحيح : "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " .
وجاء فى فتاوى الشيخ شلتوت (ص 198) أن عمر بن الخطاب سمع ندبا ونياحة فدخل مكان الصوت وأخذ الحاضرين بِدرته حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها ، وقال لمن معه : اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها ، إنها لا تبكى لشجوكم ، إنها تريق دموعها على أخذ دراهمكم ، وإنها تؤذى موتاكم فى قبورهم وأحياءكم فى دورهم إنها تنهى عن الصبر وقد أمر الله به ، وتأمر بالجزع وقد نهى الله عنه" .
ويلاحظ أن عمر قام بهذا بحكم ولايته العامة وتمكنه من تغيير المنكر بيده ، وعلى غيره من الناس أن يراعى الأسلوب المناسب الذى لا يكون له رد فعل غير كريم(8/333)
الدفن بجوار الصالحين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل دفن الإنسان بجوار الصالحين وأولياء الله يخفف من عذابه فى القبر؟ وهل بناء القبور بالصورة الحالية صحيح ؟
An جاء فى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى ص 25 ما نصه :
ومما ينبغى أن يدفن بجوار قوم صالحين ، ففى شفاء الصدور: أخرج أبو نعيم وابن منده عن أبى هريرة رضى اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين ، فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء" وأخرج ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات لأحدكم الميت فأحسنوا كفنه وعجلوا إنجاز وصيته وأعمقوا له قبره وباعدوه عن جار السوء" قيل يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح فى الآخرة . قال "هل ينفع فى الدنيا"؟ قالوا نعم ، قال "كذلك ينفع فى الآخرة" انتهى .
هذا ما ورد فى الموضع وهى أخبار لا يعتمد عليها فى معرفة الغيب ، فيحتمل أن يكون الأمر كما ورد ولا مانع منه عقلا ولا شرعا ، وإذا كان هناك انتفاع بمجاورة الصالحين ، أو تأذ بمجاروة غيرهم فلا يتعارض ذلك مع قوله تعالى"كل امرئ بما كسب رهين " وقوله "ولا تزر وازرة وزر أخرى" فلا يتحتم أن يكون الانتفاع ثوابا والتأذى عقابا ، بل يكون على مثال ما يحصل في الدنيا من الارتياح وعدمه .
هذا، وأما القبر فهو حفرة فى الأرض تعمق وتحكم بحيث تمنع الرائحة وتحمى من الوحوش ، ويندب أن يكون العمق قدر قامة وبسطة .
ويسن أن يرفع عن سطح الأرض قدر شبر ونحوه ليعرف حتى لا يمشى الناس عليه، والخلاف جاء فى بناء القباب وعدمه ، جاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد أو حيطان تحدق به كالحيشان . أما الشافعية فقالوا : يجوز أن تبنى قبور الأنبياء والشهداء والصالحين وأن ترفع عليها القباب ولو فى الأرض الموقوفة لإحياء ذكرهم انتهى .
ورأى الجمهور أقوى وهو الكراهة لا التحريم الذى تحمس له الشوكانى .
وقال : صرح به أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعى ومالك(8/334)
أين أطفال المشركين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم أطفال المشركين الذين يموتون قبل البلوغ ، هل سيكونون فى النار ؟
An إن أحوال الآخرة من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله ، ومن أطلعه عليه عن طريق إرسال الرسل ليخبروا الناس به ، والأطفال الذين يموتون قبل البلوغ ، وهو حد التكليف يتبعون أشرف دين يدين به آباؤهم وأمهاتهم ، وبهذا يكون مصير أولاد المسلمين هو الجنة ، وقد جاءت بذلك أحاديث صحيحة ، منها ما رواه مسلم أن الأطفال يشفعون لآبائهم يوم القيامة ، فيقول الله لهم {ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم } وأنهم يسرحون فى الجنة لا يمنعون من بيت أطلقت عليهم بعض الأحاديث "الدعاميص " وعليه حمل بعض المفسرين قول الله تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } الرعد : 23 ، وقوله {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } الطور: 21 ، أما أطفال المشركين فلا يلحقون بآبائهم فى النار، لأنهم لم يكلفوا حتى يعاقبوا، فهم ماتوا على الفطرة لهم الجنة إن شاء الله ، ويدل عليه حديث البخارى عن سمرة بن جندب فى رؤيا رآها النبى صلى الله عليه وسلم حيث جاء فيها أنه رأى روضة فيها رجل حوله ولدان كثيرون ، وهو إبراهيم عليه السلام ، يرعى كل مولود يولد على الفطرة، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال "وأولاد المشركين "فهم سيدخلون الجنة ، لا يعلم حالهم فيها إلا اللّه .
وأما ما رواه الطبرانى من أنهم سيكونون خدما لأهل الجنة فهو حديث ضعيف النسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، وموقوف على سلمان بسند حسن أو صحيح ، وقد قال المفسرون بذلك عند قوله تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون } الواقعة : 17 ، وقوله {ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون } الطور: 24 ، والقلب يطمئن إلى دخولهم الجنة كما فى حديث البخارى .
يقول النووي في شرح صحيح مسلم "ج 12 ص 55" : إن أولاد الكفار حكمهم في الدنيا حكم آبائهم ، وأما في الآخرة ففيهم إذا ماتوا قبل البلوغ ثلاثة مذاهب ، الصحيح أنهم في الجنة ، والثاني في النار، والثالث لا يجزم فيهم بشيء "انظر : الخطيب على متن أبي شجاع ج 2 ص 256"(8/335)
أرض الميعاد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الحشر يوم القيامة سيكون إلى أرض الميعاد وهى فلسطين ؟
An روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النقى ليس فيها علم لأحد"والعفراء غير ناصعة البياض ، وقرصة النقى خبز مصنوع من دقيق أبيض ، وقال تعالى {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار } إبراهيم : 48 .
بناء على ما ورد من نصوص حول هذا الموضوع قيل : إن أرض المحشر هى بيت المقدس بالشام ، وذلك لحديث رواه البزار والطبرانى بسند حسن عن سمرة بن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول لنا "إنكم تحشرون إلى بيت المقدس ثم تجتمعون يوم القيامة" وهذه الأرض تبدل بمقتضى الآية ، إما ذاتا وإما صفة ، حيث تقض حكمة الله أن يكون المحل الذى يقض فيه بالحق وللعدل طاهرا من المعصية والظلم ، وقد قال المفسرون إنها تبدل مرتين ، إحداهما فى الدنيا قبل نفخة الصعق التى تفنى بها الدنيا فتموج الأرض وتنشق ، ثم تعاد كما كانت فيها القبور، والثانية فى الآخرة بعد النفخة الثانية عند القيام من القبور، حيث يكون الحشر إلى الأرض التى تقال لها "الساهرة" فيحاسب الناس عليها ، وهى طاهرة نقية، قال تعالى {ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } الزمر: 68 ، وقال {يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة . قلوب يومئذ واجفة . أبصارها خاشعة .
يقولون أئنا لمردودون فى الحافرة . أئذا كنا عظاما نخرة . قالوا تلك إذًا كرة خاسرة . فإنما هى زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة} النازعات : 6 - 14 .
هذا ما يمكن أن يقال من الربط بين فلسطين وأرض المحشر يوم القيامة، أما الربط بينهما وبين ما يدعيه الأعداء فى الدنيا فلا يستند إلى دليل مقبول ، والله سبحانه رقيب حسيب . ولا يورث الله أى أرض فى الدنيا والآخرة إلا الصالحين من عباده ، وأرجو أن نهتم بما نحاسب عليه يوم القيامة من أعمال ، ولتكن ما تكون الأرض التى سنحاسب عليها، فملك الله واسع وهو على كل شىء قدير(8/336)
أمه النبى يوم القيامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يعرف النبى صلى الله عليه وسلم أمته يوم القيامة؟
An يقول الله تعالى عن يوم القيامة{يوم ندعو كل أناس بإمامهم } الإسراء: 71 ، يقول المفسرون : الإمام هو الكتاب ، وقيل : الرسول .
فيقال يا أمة القرآن ، ويا أمة الإنجيل ، أو يقال : يا أمة محمد ، ويا أمة عيسى ، وكذلك كل من يتبعون فكرا معينا يسيرون خلف صاحب هذا الفكر، فهو إمامهم فى ذلك ، ويصنف القوم إلى مؤمنين وكافرين ، كما يصنف المؤمنون إلى من يدخلون الجنة رأسا، ومن يدخلون بعد عقابهم فى النار إلى أجل .
ومن هذا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أمته إجمالا عند هذا النداء ، كما أنه يعرفهم أيضا بعلامة أخرى جاءت فيما رواه مسلم فى حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة - بضم الباء وفتحها - فقال "السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم من قريب لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا : أو لسنا بإخوانك يا رسول الله ؟ قال "أنتم أصحابى وإخواننا الذين لم يأتوا بعد" قالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ قال "أرأيت لو أن رجلا له خيل غير محجلة بين ظهرى خيل دهم بُهم ، ألا يعرف خيله " قالوا : بلى يا رسول الله قال :
"فانهم يأتون غرًا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض " يعنى لهم بياض فى وجوههم وفى أرجلهم من أثر الوضوء .
وإذا كان الحديث يثبت أنه سيكون على الحوض يوم القيامة ليسقى منه أمته التى عرفها بهذه السيما ، فإن بعضهم لا يستحق التكريم بشربه من الحوض ، حيث لم يعرف الرسول تفاصيل أعمالهم ، ولذلك جاء فى رواية لمسلم قريبة من رواية البخارى "ترد علىَّ أمتى الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله " قالوا : يا نبى الله تعرفنا؟ قال "نعم ،لكم سيما ليست لأحد غيركم ، تردون علىَّ غرًا محجلين من آثار الوضوء ، وليصدن عنى طائفة منكم فلا يقبلون ، فأقول : يارب هؤلاء من أصحابى فيجيبنى ملك فيقول : وهل تدرى ما أحدثوا بعدك "(8/337)
المسلم فى جنازة الكتابى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى مشاركة المسلم فى جنازة رجل من أهل الكتاب ؟
An الصلاة على غير المسلم لا تجوز، وقد قال الله تعالى فى المنافقين {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} التوبة : 84 ذلك أنهم لا يستحقون الرحمة بالصلاة عليهم والدعاء لهم ولا يستحقون التكريم بشهود دفنهم ، ومن هنا قال العلماء : لا يجوز الاشتراك فى تشييع جنازة غير المسلم ، لأن التشييع فيه تكريم قال بعضهم : إنه حرام ، وقال آخرون :
إنه مكروه .
أما القيام لها فجائر ، لأنه للعبرة فقط وللإحساس بجلال الموت ورهبته لا لتكريم الميت ، وقد صح فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودى ولما سئل قال "أليست نفسا"؟ واختلف العلماء فى حكم القيام للجنازة هل هو مشروع أو نسخ ؟ والصحيح أنه مشروع ، والتعزية جائزة، بل قيل إنها مستحبة وصيغتها : أخلف الله عليك(8/338)
رفع الأصوات فى المساجد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث ما يقال : من علامات الساعة رفع الأصوات فى المساجد؟
An النهى عن رفع الأصوات فى المساجد بغير ذكر الله والعبادة وارد فى الأحاديث الصحيحة ، مثل نشدان الضالة والبيع والشراء ، وجاء فيما يكون فى آخر الزمان حديث رواه ابن حبان فى صحيحه "سيكون فى آخر الزمان قوم يكون حديثهم فى مساجدهم ، ليس لله فيهم حاجة" والمراد به الحديث الذى لا فائدة فيه ، أو يشوش على المصلين والمتعبدين ، أو الذى يخل بحرمة المساجد .
وجاء فى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى صفحة 117 فى علامات الساعة الصغرى نقلا عن الإمام الشعرانى : روى الترمذى عن على رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا فعلت أمتى خمسة عشر حل بها البلاء ، إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات فى المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وشربت الخمور ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا" وفى روايات أخرى وذكر الكتاب بقية العلامات الصغرى ، وقال عن رفع الأصوات فى المساجد : إنه من علامات الساعة حتى لو كان بالعلم ، لقول الإمام مالك : ما للعلم ورفع الصوت ؟ والمراد ما يكون فيه تشويش على المتعبدين ، أو كان للرياء والفخر، وذلك للتوفيق بين الروايات(8/339)
أوقات الصلاة فى القطبين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يؤدى أهل المناطق القطبية صلواتهم وقد قيل إنهم لا يرون الشمس إلا كل ستة أشهر؟
An للعلماء اجتهادات فى هذه المسألة حيث لم يرد فيها نص خاص ، والصلاة الواجبة هى خمس فى كل يوم وليلة، والتكليف بها مرتبط بالأوقات المحددة لها متى وجدت . فإذا فقدت الأوقات تقديرا كبلاد القطبين حيث لا تشرق الشمس إلا كل ستة أشهر ثم تغيب ستة أخرى : وهى فى ظهورها تبدو الحركة فى علو وهبوط كل أربع وعشرين ساعة، يمكن أن يقدر بها اليوم وتصلى فيه خمس صلوات لكن عند غيابها تكون المشكلة .
وقد صح فى الحديث المروى عن الدجال أنه يمكث أربعين يوما ، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر الأيام كأيامنا. فسأله الصحابة ماذا يفعلون فى اليوم الذى كالسنة أتكفيهم صلاة يوم - أى خمس صلوات- قال "لا، اقدروا له " رواه مسلم .
وطريقة التقدير كما نقلها النووى عن القاضى عياض : أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر فى كل يوم فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضى ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات ستة فرائض كلها ، مؤداه فى وقتها ، وأما الثانى الذى كشهر والثالث الذى كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقرر لهما كاليوم الأول على ما ذكرنا واللّه أعلم .
هذا ما رآه الشافعية ، وأما الحنفية فعندهم رأيان ، رأى العلامة البرهان الكبير كرأى الشافعية وهو التقدير على النحو المذكور، واختاره الكمال بن الهمام فى "فتح القدير" وأيده كثيرون من علماء الحنفية ، ورأى البكالى عدم وجوب الصلاة لفقد سببها وهو الوقت ، لأن الحكم يدور مع السبب وجودا وعدما ، ووافقه على ذلك جمع من العلماء والقول الأول أقوى لأنه قال به إمام مجتهد وهو الشافعى(8/340)
الصلاة بين الأعمدة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل الصلاة بين أعمدة المسجد مكروهة؟
An الصلاة بين أعمدة المسجد ليست مكروهة، لا للإمام ولا للمنفرد ، فقد صح فى حديث البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين . وكان كثير من التابعين يؤمون قومهم وهم بين الأعمدة فى المساجد . وأما المؤتمون فتكره صلاتهم بين الأعمدة إذا كان فى المسجد سعة، حتى لا تقطع الصفوف ، أما عند الزحام والضيق فلا مانع من أن يصلى المأمومون بين الأعمدة .
روى الحاكم وصححه عن أنس قال : كنا نُنْهَى عن الصلاة بين السوارى ونُطرد منها وروى ابن ماجه بإسناد فيه مجهول عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : كنا نُنْهَى أن نصفَّ بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونطرد عنها طردا، وروى سعيد بن منصور فى سننه النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة(8/341)
صلاة الضحى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى صلاة الضحى وما عدد ركعاتها ، وهل تجوز صلاتها جماعة؟
An صلاة الضحى هى صلاة النافلة التى تؤدى فى الوقت الذى بعد شروق الشمس بنحو ثلث ساعة إلى وقت الظهر، وفضلها عظيم جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة ، ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" .
وأقلها ركعتان ، وأكثرها قيل ثمانى ركعات وقيل ثنتا عشرة ركعة .
أما صلاتها جماعة فجائزة وليست ممنوعة كسائر النوافل ، فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين تطوعا وصلى معه أنس من يمينه ، كما صلت أم سليم وأم حرام خلفه ، وتكرر هذا ووقع أكثر من مرة(8/342)
الصلاة فى المقابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل تجوز صلاة الجنازة بين المقابر وكذلك صلاة الفرائض؟
An صلاة الجنازة بين المقابر صحيحة وإن كانت مكروهة على رأى الجمهور، وفى رواية لأحمد أنه لا بأس بها، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو فى المقبرة، وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع ، وحضر ذلك ابن عمر، وفعله عمر بن عبد العزيز .
وصلاة الفرائض وسط المقابر صحيحة أيضا وإن كانت مكروهة إذا كانت على التراب مباشرة دون فراش طاهر يصلى عليه .. خشية أن يكون التراب متنجسا ، وكذلك لكراهة جعل القبر أمام المصلى حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد(8/343)
صلاة الجنازة على الطفل
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف نصلى صلاة الجنازة على الطفل وهو غير مكلف ؟
An صلاة الجنازة على الميت تكريم له كإنسان ودعاء له بالرحمة ورفع الدرجات ولابد من أدائها على كل ميت مسلم صغيرا كان أو كبيرا ، إلا ما استثناه الشرع كالشهداء ، وهى فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين ، وقد رغب فيه النبى صلى الله عليه وسلم فقال فيما رواه مسلم "من صلى على جنازة فله قيراط ،وإن شهد دفنها فله قيراطان ، والقيراط مثل أُحد" ويرجى من كثرة عدد المصلين انتفاع الميت ، ففى حديث رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب " أى وجبت له الجنة .
وإذا كان الميت طفلا يصلَّى عليه ، والدعاء بعد التكبيرة الثالثة لا يكون بالرحمة والمغفرة لأنه غير مكلف وليست عليه ذنوب ، بل يكون الدعاء مثل : اللهم اجعله فرطا وسلفا وذخرا لأبويه ، واجعله شافعا لهما يوم القيامة .
وهذه الصلاة واجبة ليست بالنسبة للطفل الميت فقط ، بل للسقط الذى لم يتم الأشهر التسعة ونزل بعد نفخ الروح فيه وظهرت فيه حياة بالاستهلال وهو الصراخ أو العطاس ونحوهما وذلك باتفاق العلماء ، أما إذا لم يستهل صارخا كما يعبرون ، فإن الأحناف والمالكية لا يقولون بوجوب الصلاة عليه ، وذلك لحديث رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى، "إذا استهل السقط صلِّى عليه وورث " ففى الحديث اشتراط الاستهلال فى الصلاة عليه ، وذهب أحمد إلى أنه يصلى عليه بناء على حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه .
"والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" ولأنه نسمة نفخ فيها الروح فيصلى عليه كالمستهل ، وأجاب أحمد بأن الحديث الذى اشترط الاستهلال مضطرب ومعارض بما هو أقوى منه فلا يصلح للاحتجاج به .
أما إذا نزل سقط لم تنفخ فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه ويلف فى خرقة ويدفن من غير خلاف بين جمهور الفقهاء "نيل الأوطار ج 2 ص 49"(8/344)
ثمرات الأشجار وسط المقابر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى أكل الثمار من الأشجار التى وسط المقابر وجذورها تمتص فضلات الموتى؟
An لا مانع من أكل ثمر الشجر الذى ينمو وسط المقابر، ولا عبرة بما يقال : إن جذور الشجر تمتص دماء الموتى وفضلاتهم فالثمرة تكون نجسة، ذلك على فرض هذا الامتصاص ، أن تحول النجس يجعله طاهرا، وقد تحول فى الشجرة غذاء لها وأنتج الثمرة ، تماما كالطيور التى تتناول النجاسة فى بعض الأحيان ، وكأى زرع يسمد بالسماد البلدى النجس ، فذلك لا يصيب الثمر بالنجاسة(8/345)
تجهيز الكفن قبل الوفاة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فيمن يجهزون أكفانهم قبل وفاتهم ، وهل عليها زكاة؟
An لا حرج فى تجهيز الكفن قبل الموت ، فهو أمر لا واجب ولا ممنوع ، وإذا كانت نيته أن يتعظ به كلما رآه ليجتهد فى العمل للقاء الله فهو خير، والأعمال بالنيات ، وكذلك إذا علم أو غلب على ظنه أنه لو مات ربما يحتار أهله فى إحضار كفن له فهو يجهزه مقدما ، أما الزكاة على الكفن فهى غير مشروعة(8/346)
الحياة البرزخية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الحياة البرزخية ، ومتى وأين تكون ؟
An الحياة البرزخية هى الفترة ما بين موت الميت أو ما بين وضعه فى قبره وقيامه منه للبعث يوم القيامة ، نسبة إلى البرزخ وهو الحاجز بين الشيئين ، وقد عقد ابن القيم فصلا فى كتابه "حادى الأرواح " ذكر فيه أقوال العلماء فى مستقر الأرواح ، وقال : منها أرواح فى أعلى عليين فى الملأ الأعلى، وهى أرواح الأنبياء مع تفاوت منازلهم ، ومنها أرواح فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت ، وهى أرواح الشهداء، ومنها ما يكون محبوسا على باب الجنة، وما يكون محبوسا فى القبر، ومنها غير ذلك .
وذكر أن النفس لها أربع دور، كل دار أعظم من التى قبلها ، الأولى فى بطن الأم ، والثانية دار الدنيا ، والثالثة دار البرزخ ، والرابعة دار القرار وهى الجنة والنار .
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب "مشارق الأنوار" للعدوى ص 39 فهناك كلام كثير واجتهادات فى نصوص بعضها قطعى وبعضها غير قطعى ، والأفضل عدم الخوض فى هذه المسائل لتقرير رأى معين يثير نزاعا لا فائدة فيه(8/347)
الكفن الحسن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل من الحديث "إذا وَلِىَ أحدكم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فى قبورهم" ؟
An الحديث رواه مسلم "إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه " وفى رواية ابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن ، وفى بعض الروايات زيادة " فإنهم يتزاورون فى قبورهم " وفى بعضها زيادة "يتباهون " ذكره العدوى فى "مشارق الأنوار" ص 35 .
ومن الإحسان فى الكفن أن يكون أبيض ، لحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه "البسوا من ثيابكم البيض ، فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم " .
ومن الإحسان أيضا أن يكون الكفن ثلاث لفائف للرجل وخمس لفائف للمرأة وكل ذلك سُنة وليس بواجب فيكفى ثوب واحد يغطى جميع الجسم ، ومن أى لون يكون من الأقمشة الحلال ، أى غير الحرير للرجل .
ومع الإحسان فيه تكره المغالاة فى ثمنه ، ففى الحديث ، "لا تغالوا فى الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا" رواه أبو داود وفى إسناده أبو مالك ، وفيه مقال ، وأوصى بعض الصحابة أن يكفن فى ملابسه التى يلبسها ولا داعى لشراء كفن جديد ، فالحى أولى بالجديد من الميت(8/348)
الموتى يسمعون
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلم بعض الموتى فى قبورهم، وهل يتناقض ذلك مع قوله تعالى{وما يستوى الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فى القبور} فاطر 22
An ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نادى قتلى المشركين فى بدر بعد إلقائهم فى القليب - البئر- فقال "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ... " قال عمر : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام جيَّفوا- صاروا جيفا- فقال "والذى بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع منهم لما أقول ، ولكنهم لا يستطيعون جوابا" رواه البخارى ومسلم .
وجاء أن النبى صلى الله عليه وسلم شرع لأمته السلام على أهل القبور"السلام عليكم دار قوم مؤمنين " وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، والسلف مجمعون على ذلك . رواه النسائى وابن ماجه .
فسماع الموتى لكلام الأحياء ثابت ، وأما قوله تعالى{فإنك لا تسمع الموتى} الروم: 52 وقوله {وما أنت بمسمع من فى القبور} فاطر: 22 فالمنفى هنا هو سماع القبول والإيمان ، حيث شبه الله الكفار الأحياء بالأموات ، لا من حيث انعدام الإدراك والحواس ، بل من حيث عدم قبولهم الهدى والإيمان "انظر الجزء الثانى ص 107 ، 108 " من بيان للناس من الأزهر الشريف "(8/349)
أرواح الموتى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أين تذهب أرواح الموتى، وهل تبقى على قبر صاحبها أربعين يوما أو عاما؟
An تحدث العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار" فى مساحة أربع صفحات أو خمس من القطع الكبير عن أرواح المؤمنين السعداء من غير الأنبياء والشهداء فقال: هناك اختلاف كبير فى مقرها، فقيل : إنها على أفنية القبور فى بعض الأحيان ، وفى غير ذلك تسرح حيث شاءت ، وأورد أحاديث ليست قطعية الثبوت ، وبناء عليها قال ابن القيم : التحقيق أن الأرواح متفاوتة فى مستقرها فى البرزخ أعظم تفاوت ، وعلى كل تقدير فللروح بالبدن اتصال ، بحيث يصح أن تخاطب ويسلم عليها ، ويعرض عليها مقعدها... إلى أن قال : لا منافاة بين كون الروح فى عليين أو الجنة أو السماء وأن لها اتصالا بالبدن بحيث تدرك وتسمع وتصلى وتقرأ، وإنما يستغرب هذا لقياس الغائب على الشاهد ، والأمر مختلف فأمور البرزخ على نمط غير المألوف فى الدنيا .
وانتهى ابن القيم إلى قوله : والحاصل أنه ليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد، وكلها على اختلاف محالها وتباين مقارها لها اتصال بأجسادها فى قبورها .
وقال ابن حجر: أرواح المؤمنين فى عليين ، وأرواح الكفار فى سجين ، ولكل روح بجسدها اتصال معنوى لا يشبه الاتصال فى الحياة الدنيا ، بل أشبه شىء به حال النائم وإن كان هو أشد اتصالا من حال النائم .
واقرأ فى هذا الكتاب "ص 46 " وصف الصور الذى سينفخ فيه إسرافيل ، أن فيه أربع شعب ، للمشرق والمغرب والأرض والسماء ، وفى كل منها ثقوب ، بعضها لأرواح الأنبياء، وبعضها لأرواح الملائكة ، وبعضها لأرواح الجن ، وبعضها لأرواح الإنس وبعضها لأرواح البهائم ، وهكذا إلى سبعين صنفا، وكل ذلك ليس عليه دليل صحيح تبنى عليه العقائد ، فالأولى عدم الخوض فيه . وقد ذكرته لعرض بعض التصورات القديمة عن عالم الغيب ، الذى يجب الاحتياط والدقة فى الحديث عنه(8/350)
العمل مع صاحبه فى القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يأتى عمل الرجل الصالح فى قبره على هيئة رجل أبيض جميل الثياب ، أما غيره فيأتيه عل هيئة رجل أسود ردئ الثياب ؟
An جاء فى "الترغيب والترهيب " للحافظ المنذرى ج 4 ص 124 ما يلى : روى أحمد بإسناد رواته محتج بهم فى الصحيح حديث قبض الروح وسؤال الملكين ، وجاء فيه أن العبد المؤمن يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول له : أبشر بالذى يسرك ، هذا يومك الذى كنت توعد، فيقول : من أنت فوجهك الوجه الحسن يجىء بالخير؟ فيقول : أنا عملك الصالح .
وجاء فيه عن الكافر: "ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذى يسوءك هذا يومك الذى كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه القبيح يجىء بالشر؟ قال : أنا عملك الخبيث " .
ومما يدل على أن العمل هو الذى يصاحب الميت فى قبره ، بصرف النظر عن كون الله يجعله فى صورة رجل أو لا، قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الميت حين يشيع إلى قبره ، إن المشيعين يتركونه فى القبر، ويعودون إلى بيوتهم ، ولا يصاحبه فى قبره إلا عمله -فقد روى البخارى ومسلم أنه قال "يتبع الميت ثلاث : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ، ويبقى عمله" وفسر المال فى الحديث بالعبيد المملوكين له(8/351)
ضمة القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الحكمة من ضمة القبر ، وهل ينجو منها أحد، وهل هناك عمل ينجى منها؟
An جاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص 30 أن النبى صلى الله عليه وسلم قال -كما رواه النسائى-فى سعد بن معاذ بن جبل "لقد تحرك له العرش ، وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة ، ولقد ضم ثم فرِّج عنه " وفى رواية عن عائشة رضى الله عنها أنه قال "للقبر ضغطة لو نجا أحد منها لنجا منها سعد بن معاذ" وقوله "لو نجا منها أحد" لا يتناقض مع قوله "ما عفى لأحد عن ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد" وهى زوجة عمه أبى طالب : قيل يا رسول الله ولا ابنك القاسم ؟ قال "ولا إبراهيم الذى هو أصغرهما" لأن نجاة فاطمة بنت أسد بسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل فى قبرها ونرغ قميصه وتمعَّك فى لحدها، ولما سئل عن ذلك قال "أردت ألا تمسها النار أبدا إن شاء الله وأن يوسع عليها قبرها" قال الحكيم الترمذى : سبب هذه الضمة أنه ما من أحد إلا وقد ألمَّ بخطيئة ما وإن كان صالحا، فجعلت هذه الصغطة جزاء له ، ثم تدركه الرحمة، ولهذا كانت ضغطة سعد للتقصير فى البول فأما الأنبياء فلا ضم ولا سؤال لعصمتهم .
هذا ما قاله الزرقانى فى شرح المواهب ، وناقشه العدوى بأن ضغطة القبر لا تكون بسبب الخطيئة ، فما هى خطيئة إبراهيم بن الرسول وقد مات صغيرا ولم يكلف ؟ ولا يظن بسعد أنه قصر فى البول تقصيرا يؤدى إلى فساد فى عبادته أو مكروه ، ويؤيد هذا أن ضمها للمؤمن الكامل ضمة شفقة ورأفة فالذين لا تشملهم ضغطة القبر مستثنون لخصوصية فيهم .
قال الشعرانى فى مختصر التذكرة : لا ينجو من ضمة القبر أحد إلا أربعة ، فاطمة بنت محمد ، وفاطمة بنت أسد ، والأنبياء ، ومن قرأ {قل هو الله أحد} فى مرضه ولو مرة واحدة .
وروى مرفوعا ، "إن العبد إذا وضع فى قبره فقال أهله : واسيداه واأميراه، واشريفاه، قال له الملك : اسمع ما يقولون . أكنت سيدا ؟ أكنت أميرا؟ أكنت شريفا؟ فيقول الميت : ليتهم سكتوا عنى ، قال :
فيضغطه القبر ضغطة تختلف فيها أضلاعه . .
فالخلاصة : أن ضغطة القبر عامة، ولا ينجو منها إلا من لهم خصوصيات ، وهى لا تستدعى ذنبا وقع ، وهى تكون شفقة ورأفة على المؤمن الكامل ، والذى يجعلها خفيفة هو العمل الصالح بوجه عام ، ومنه قراءة {قل هو الله أحد} كما تقدم ، وهذه كلها من الغيب الذى يحتاج فى اعتقاده إلى دليل قوى " الزرقانى ج 2 ص 142 "(8/352)
التعرف على الأقارب يوم القيامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل سيتعرف الإنسان على أقاربه يوم القيامة ؟
An التعرف على الأقارب بمعنى رؤيتهم ومعرفتهم أمر ممكن إن تيسر اللقاء بهم ، أما التعرف بمعنى النفع والإفادة فقد ورد فيه قول الله تعالى{يوم يفر المرء من أخيه . وأمه وأبيه ث وصاحبته وبنيه . لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} عبس : 34-37 .
وستكون هناك شفاعة الولد الصغير الذى صبر أبوه على موته ، ويأخذ بيده ويدخل معه الجنة كما ثبت فى الحديث(8/353)
العزاء فى المنتحر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز تقديم العزاء فى المنتحر؟
An المنتحر إن لم يعلم أنه استحل الانتحار فهو مؤمن غير كافر، ومن هنا يجوز تقديم العزاء فيه ، ولو علم أنه كفر فلا مانع أيضا من عزاء أهله فيه ، فالمراد من التعزية تسليتهم ، وذلك من حق المسلم على المسلم ، وفيه حديث رواه ابن ماجه والبيهقى بسند حسن "ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة" وقال العلماء فى هذا الصدد : إن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك . ولا يقول: غفر لميتك أو رحمه الله(8/354)
الوصية بالدفن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أوصانى والدى إذا مات أن يدفن فى مكان معين ، فهل يجب تنفيذ هذه الوصية؟
An الوصية هى التصرف المضاف لما بعد الموت . كالوصية ببناء مسجد من ماله بعد موته ، أو الوصية لولده بحفظ القرآن ونحو ذلك. وتنفيذ الوصية يكون فيما ليس فيه ظلم أو خروج على المصلحة المشروعة ، وهذا التنفيذ مطلوب قال تعالى{فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } البقرة : 181 وذلك بعد الأمر بالوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، وقال {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه} البقرة : 182 والجنف هو الميل عن الحق .
ومن البر بالوالدين تنفيذ وصيتهما بعد موتهما ، لحديث أبى داود وابن ماجه وابن حبان أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم : هل بقى من بر أبوى شىء بعد موتهما؟ فقال "نعم ، الصلاة عليهما -أى الدعاء والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " .
وإنفاذ عهدهما من بعدهما قد يراد به أن ينفذ الولد العهود التى تعهد بها والداه لغيرهما من الناس ولم يستطيعا تنفيذها قبل الموت ، كالديون مثلا، وقد يراد تنفيذ العهود والوعود التى عهد الوالدان للولد أن ينفذها بعد الموت ، لكن ذلك كله فى الشىء الواجب فيكون التنفيذ واجبا ، وفى المندوب يكون التنفيذ مندوبا وفى غير ذلك فلا تنفيذ لأى عهد ، مثل أن يوصى بأن يدفن فى بلد كذا ، أو فى مقبرة فلان مثلا، فقد قرر العلماء أن الأولى دفن الميت فى البلد الذى مات فيه ، وقال المالكية بجواز نقله للمصلحة ، كمكان ترجى بركته أو تتيسر فيه زيارة أهله له . وحرَّم الشافعية نقله إلا لجوار قوم صالحين . أو لجهة مشرفة كمكة والمدينة والقدس إن كانت قريبة .
وعلى هذا فإن تنفيذ الوصية بالدفن فى مكان معين يكون من البر إن كان لهذا المكان ميزة كفضل البقعة أو القرب من الأهل لسهولة الزيارة، وفى غير ذلك لا يجب تنفيذ الوصية، بل يحرم نقله عند الشافعية(8/355)
الذكر عند تشيع الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز ترديد بعض العبارات مثل "لا إله إلا الله " اثناء تشييع الجنازة؟
An يقول النووى فى كتابه "الأذكار" : واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم -السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك ، والحكمة فيه ظاهرة، وهى أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما تعلق بالجنازة ، وهو مطلوب فى هذا الحال ، فهذا هو الحق .
قال ابن المنذر، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث : عند الجنازة وعند الذكر وعند القتال ، وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعى وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة : استغفروا له .
قال فضيل بن عمر: بينما ابن عمر فى جنازة إذ سمع قائلا يقول :
استغفروا له غفر الله له . فقال ابن عمر: لا غفر اللّه لك .
هذا الحكم فى رفع الصوت بالذكر ، أما الإسرار به بحيث لا يسمع إلا نفسه فلا مانع منه(8/356)
من وصايا الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يحدث أن بعض الناس عندما تقرب نهايتهم يتركون وصية بأن يصلى عليه الجنازة فلان ، وأن يدفن فى مكان معين ، أو يكون كفنه من قماش معين ، وغير ذلك من الوصايا، فهل يجب تنفيذ تلك الوصية، حتى لو صادف التنفيذ بعض الصعاب ؟
An جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى "ص 165 " حديث رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخلت على أبى بكر رضى الله عنه ، يعنى وهو مريض فقال : فى كم كفنتم النبى صلى الله عليه وسلم فقلت : فى ثلاثة أثواب ، قال : فى أى يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يوم الإثنين ، قال فأى يوم هذا؟ قالت :
يوم الإثنين ، قال : أرجو فيما بينى وبين الليل . فنظر إلى ثوب عليه كان يمرَّض فيه ، به رَدْعٌ -أثر- من زعفران فقال : اغسلوا ثوبى هذا ، وزيدوا عليه ثوبين ، فكفنونى فيها، قلت : إن هذا خلق - قديم - قال ؟ إن الحى أحق بالجديد من الميت ، إما هو للمهلة -بضم الميم وفتحها وكسرها وسكون الهاء ، وهو الصديد الذى يتحلل من بدن الميت - فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح .
وروى البخارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لمَّا جرح : إذا أنا قبضت فاحملونى ، ثم سلِّم وقل - لعائشة - : يستأذن عمر، فإن أذنت لى فأدخلونى ، وإن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين .
وروى مسلم عن عامر بن سعد بن أبى وقاص قال : قال سعد :
ألحدوا لى لحدا ، وانصبوا علىَّ اللَّبِن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مسلم أيضا عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال ، وهو فى سياقة الموت : إذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فشنوا علىَّ التراب شنا، ثم أقيموا حول قبرى قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى، قوله شنوا ، روى بالسين المهملة ، وبالمعجمة يعنى بالشين ، ومعناه صبوه قليلا قليلا .
ثم قال النووى بعد هذه الروايات : وينبغى ألا يقلِّد الميت ويتابع فى كل ما وصَّى به ، بل يعرض ذلك على أهل العلم ، فما أباحوه فعل وما لا فلا، وأنا أذكر من ذلك أمثلة ، فإذا أوصى بأن يدفن فى موضع من مقابر بلدته ، وذلك الموضع معدن الأخيار يعنى بجوار الصالحين فينبغى أن يحافظ على وصيته ، وإذا أوصى بأن يصلى عليه أجنبى فهل يقدَّم فى الصلاة على أقارب الميت ؟ فيه خلاف للعلماء ، والصحيح فى مذهبنا أن القريب أولى ، لكن إن كان الموصى له ممن ينسب إلى الصلاح أو البراعة فى العلم مع الصيانة والذكر الحسن استحب للقريب الذى ليس هو فى مثل حاله إيثاره ، ورعاية لحق الميت ، وإذا أوصى بأن يدفن فى تابوت لم تنفذ وصيته ، إلا أن تكون الأرض رخوة أو ندية يحتاج فيها إليه ، فتنفذ وصيته ، وكذلك إذا كان فى الأرض سباع يخشى أن تأكل الجثة ولا يحميها إلا التابوت ، ويكون من رأس المال كالكفن ، وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته ، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذى قاله الأكثرون وصرح به المحققون ، وقيل مكروه ، قال الشافعى رحمه الله : إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس ، فينقل إليها لبركتها ، وإذا أوصى بأن يدفن تحته مضربة أو مخدة تحت رأسه أو نحو ذلك لم تنفذ وصيته ، وكذا إذا أوصى بأن يكفن فى حرير فإن تكفين الرجال فى الحرير حرام ، وتكفين النساء فيه مكروه ليس بحرام .
ولو أوصى بأن يكفن فيما زاد على عدد الكفن المشروع أو فى ثوب لا يستر البدن لا تنفذ وصيته ، ولو أوصى بأن يقرأ عند قبره أو يتصدق عنه وغير ذلك من أنواع القرب نفذت ، إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه ، ولو أوصى بأن تؤخر جنازته زائدا عن المشروع لم تنفذ، ولو أوصى بأن يبنى عليه فى مقبرة مسبَّلة للمسلمين لم تنفذ ولو أوصى بأن يبنى عليه فى مقبرة للمسلمين لم تنفذ وصيته ، بل ذلك حرام(8/357)
صلاة الجنازة بعد الدفن
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q توفى ولد صغير لى فى مكان منعزل فغسلته وكفنته فى ملابسه ودفنته حيث مات دون صلاة عليه ، لأنى لم أجد أحدا يصلى عليه فماذا أعمل ؟
An المفروض فى صلاة الجنازة أن تكون قبل دفن الميت ، فلو دفنت بدون صلاة عليها وجب إخراجها من القبر إن لم تتحلل ولم تنتهك حرمتها ، فان تعذر إخراجها لذلك وجبت الصلاة عليها وهى فى القبر، وتكون أمام المصلى كما لو كانت قبل الدفن .
أما الصلاة عليها بعيدة عن القبر فقيل بعدم جوازها ، وما حصل من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم على النجاشى فهو خصوصية له . وقيل بالجواز ونفى الخصوصية إن كانت بعد الموت بشهر فأقل كما رآه الحنابلة ، وقيل بالجواز مطلقا كما رآه الشافعية "انظر الفقه على المذاهب الأربعة " .
هذا ، وصلاة الجنازة فى المقبرة بين القبور كرهها جماعة لحديث "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" وقال آخرون لا بأس بها ، لأن الرسول صلى على قبر وهو فى المقبرة وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع ، ولم ينكره ابن عمر(8/358)
إتباع الجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q كيف يكون السير بالجنازة ، وهل المشى أمامها أفضل أم خلفها؟
An اختار جمهور العلماء السير أمام الجنازة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عمر كانوا يمشون أمامها ، كما رواه أحمد وأصحاب السنن .
ويرى الحنفية أن السير خلفها أفضل ، لأنه هو الذى يدل على معنى "اتباع الجنازة" الذى أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم والمتبع هو الذى يمشى خلف من يتبعه .
ويرى أنس بن مالك أن كل ذلك سواء ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "الراكب يسير خلف الجنازة والماشى يمشى خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها" وروى البيهقى وابن أبى شيبة بإسناد حسن أن أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة ، وكان على يمشى خلفها فقيل لعلىٍّ إنهما - أى أبا بكر وعمر - يمشيان أمامها ، فقال : إنهما يعلمان أن المشى خلفها أفضل من المشى أمامها ، كفضل صلاة الرجل فى جماعة على صلاته فذًّا ولكنهما يسهلان للناس(8/359)
الدفن فى مقبرة خاصة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q أوصى رجل أن يعمل له قبر خاص بجوار بيته ، فهل يجب تنفيذ الوصية أم الأفضل أن يدفن فى المقبرة العامة؟
An جاء فى "المغنى لابن قدامة" ج 2 ص 388 أن الدفن فى مقابر المسلمين أولى عند الإمام أحمد من الدفن فى البيوت ، لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته ، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه ، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون فى الصحارى . فإن قيل :
فالنبى صلى الله عليه وسلم قُبر فى بيته ، وقبر صاحباه معه ، قلنا : قالت عائشة رضى الله عنها : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا ، رواه البخارى ، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ، وفعله أولى من فعل غيره ، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روى : يدفن الأنبياء حيث يموتون ، وصيانة لهم عن كثرة الطُّراق ، وتمييزا للنبى عن غيره . اهـ .
وفى مشارق الأنوار للعدوى "ص 52 " أن الدفن فى مقابر المسلمين أولى من الدفن فى البيت ، وأرى أن الوصية بالدفن فى قبر خاص فى بيته لا يلزم تنفيذها ، فالدفن فى المقابر أفضل(8/360)
توجيه الميت فى القبر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجب أن يوجه الميت في قبره إلى جهة القبلة، أم يجوز توجهه إلى غيرها؟
An جاء فى فقه المذاهب الأربعة أنه يجب أن يوضع الميت فى قبره مستقبل القبلة، وذلك رأي الجمهور، أما المالكية فقالوا : إن توجيهه إلى القبلة بوضعه على جنبه الأيمن مندوب وليس بواجب .
وجاء فيه أنه لو وضع الميت غير موجَّه للقبلة ولم يُهَلْ عليه التراب وجب تدارك ذلك ، فإن أهيل عليه التراب لم ينبش ، ورأى الشافعية والحنابلة وجوب نبش القبر ولو بعد إهالة التراب عليه ، لتوجيهه إلى القبلة ، وذلك قبل أن تتغير الجثة ، وإلا فلا(8/361)
عمل الكافر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل المفكرون والمخترعون والمكتشفون والمصلحون ممن لم يعتنقوا الإسلام ، يأخذون من اللّه أجرا على أعمالهم التى أفاد منها الكثيرون ؟
An ليكن معلوما أن الثواب فى الآخرة بدخول الجنة شرطه الإيمان بالله والإخلاص له ، فالكافر باللّه لا يستحق ثوابا لأنه لم يؤمن والمؤمن غير المخلص لا يستحق كذلك ثوابا، لأنه عمل لغير الله ، وكل ما فعله غير المؤمن من صالحات مردود عليه يوم القيامة ، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى فى الذين لا يؤمنون بلقاء الله {وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان : 23 وقوله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا . ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا} الكهف : 103 - 106 {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة : 217 وقوله عن المنافقين {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين . وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} التوبة : 53 ، 54 وقوله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران : 85 .
فالكافر محروم من الثواب على أعماله الصالحة ولن يدخل الجنة أبدا {إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء :48 والمؤمن الذى يرائى بعمله هو مشرك شركا خفيا، والنصوص فى حرمانه من الثواب كثيرة .
هذا بالنظر إلى الآخرة ، أما بالنظر إلى الدنيا فإن كل إنسان يستحق أن ينال جزاء عمله فيها بمشيئة الله ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فالكافر لا يحرم من ثواب على أعماله الصالحة بمثل احترام الناس له ومكافأته على خدماته وتكريمه بأية وسيلة من وسائل التكريم ولا يحرمه الله من الرزق على الرغم من كفره قال تعالى {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير} البقرة : 126 وقال {لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} آل عمران : 196 ، 197 وقال {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} هود : 15 ، 16 وقال {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا . ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا . كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} هود : 18 - 20 العاجلة - الدنيا - فهذه الآيات تدل على أن الكافر الذى يريد الدنيا بأعماله قد ينال ثوابا دنيويا إذا أراد الله ذلك لقوله {ما نشاء لمن نريد} وليس له فى الآخرة نصيب من التكريم ، والمؤمن والكافر يتمتعان فى الدنيا بنعم اللّه ، وفى الآخرة يفترقان ، فالمؤمن مصيره الجنة ، والكافر مصيره النار .
روى مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، ابن جُدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين ، فهل ذلك نافعه ؟ قال "لا ينفعه ، إنه لم يقل يوما : رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين" وابن جدعان اسمه عبد الله كان من بنى تيم بن مرة من أقرباء عائشة لأنه ابن عم أبى قحاقة والد أبى بكر، اتخذ جفنة للضيفان يرقى إليها بسلم ، وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وروى ذلك عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها فى الدنيا ويجزى بها فى الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها فى الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها" .
هذا هو حكم الكافر إذا مات على كفره ، لا يجازى بخير فى الآخرة ، وقد يعترض على هذا بأن الله أثاب أبا طالب على حمايته للنبى على الرغم من موته على الكفر، فقد روى مسلم أن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم قال له : يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك ؟ قال "نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " وروى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال "لعله تنفعه شفاعى يوم القيامة ، فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه " .
لا يعترض بهذا لأن أبا طالب لا تشفع له حمايته للنبى ألا يدخل النار، فهو داخل فيها لا محالة ، محروم من الجنة ، وإن كان عذاب النار خفيفا عليه ، فإن الفائز هو من ينتهى إلى الجنة ، قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} آل عمران :185 .
بقى أن نعرف حكم الكافر إذا أسلم ومات على الإسلام ، هل تنفعه أعمال الخير وهو كافر فيثاب عليها فى الآخرة ، أو يحبطها الله بسبب أنها عملت بدون إيمان بالله الآخر؟ روى مسلم حديث حكيم بن حزام الذى قال للنبى صلى الله عليه وسلم أرأيت أمورا كنت أتحنث بها فى الجاهلية ، من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم "أسلمت على ما أسلفت من خير" وحكيم عاش مائة وعشرين سنة، منها ستون سنة فى الجاهلية . وستون سنة فى الإسلام ، أعتق فى الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، فما معنى قول النبى له "أسلمت على ما أسلفت من خير"؟ يقول بعض العلماء : إن المعنى أنك كنت ذا طبع جميل فى الجاهلية، وصحبك طبعك فى الإسلام ، فالاستعداد الطيب هو الذى ساقه إلى الإسلام ، وبهذا يكون ثوابه على أعماله الطيبة مسكوتا عنه . أو يعطى حكم أعمال الكافرين . لا ثواب لها فى الآخرة ، وثوابها فى الدنيا أن الله وفقه إلى الإسلام .
ويقول البعض الآخر: إن المعنى أن من أسلم يحفظ الله له ما قدمه حال كفره ولا يحرمه من ثوابها، أما من لم يسلم فلا ينفعه ذلك عند الله .
من هذا نرى أن من أدرك الإسلام ولم يسلم ومات على كفره يحبط عمله فى الآخرة ولا يثاب عليه ، أما فى الدنيا فينال أجر عمله ، من رزق الله له وتمتعه بمكاسب الدنيا المادية والأدبية ، وكفى ذلك ثوابا(8/362)
القيام للجنازة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q مرت علينا جنازة ونحن جالسون ، فقام بعضنا ولم يقم البعض الآخر وكل يقول : إن ما فعله هو السنة، فهل هذا صحيح ؟
An روى مسلم عن على رضى الله عنه أنه قال : رأينا النبى صلى الله عليه وسلم قام فقمنا فقعد فقعدنا ، يعنى فى الجنازة قال الترمذى : حديث علىٍّ حسن صحيح ، وفيه أربعة من التابعين بعضهم عن بعض ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ، وقال الشافعى : هذا أصح شىء فى هذا الباب .
يؤخذ من هذا أن القيام للجنازة عندما تمر بالإنسان مشروع ، بل هو مندوب لفعل النبى صلى الله عليه وسلم بل لأمره بذلك أيضا كما فى رواية أحمد عن على : كان النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام فى الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس ، وقال الإمام أحمد : إن شاء قام وإن شاء لم يقم ، ووافقه ابن الماجشون من المالكية قال النووى :
والمختار أنه مستحب . قال ابن حزم : ويستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء وإن كانت جنازة كافر حتى توضع أو تخلِّفه ، فإن لم يقم فلا حرج . وذلك لحديث رواه الجماعة . وروى البخارى ومسلم عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهما كانا قاعدين بالقادسية ، فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما : إنها من أهل الأرض -أى من أهل الذمة- فقالا : إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام ، فقيل له :
إنها جنازة يهودى ، فقال "أو ليست نفسا"؟ والحكمة فى القيام لها ما جاء فى رواية أحمد وابن حبان والحاكم مرفوعا ، "إنما تقومون إعظاما للذى يقبض النفوس" ولفظ ابن حبان "إعظاما لله تعالى الذى يقبض الأرواح" .
فالخلاصة أن القيام للجنازة فيه أقوال ، قيل بالكراهة ، وقيل بالاستحباب ، وقيل بالتخيير بين الفعل والترك ، ولكل واحد أن يختار القول الذى يطمئن إليه(8/363)
صلاة الجنازة على الطفل والشهيد
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما فائدة الصلاة على الميت إذا كان طفلا وهو لم يرتكب معصية وكذلك الشهيد المغفور له ؟
An من المتفق عليه بين الفقهاء أن صلاة الجنازة على الميت المسلم واجبة أو فرض والفرض كفائى، بمعنى أن البعض لو صلى عليها سقط الطلب عن الباقين وذلك لأمر النبى صلى الله عليه وسلم بها ، ولترغيبه فيها بأن من صلى عليها وتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط واحد مثل جبل أحد كما رواه مسلم وغيره ، ولم يستثن من وجوبها إلا الشهيد والسقط الذى نزل من بطن أمه قبل تمام حمله فى بعض الصور .
والحكمة فيها هى تكريم الميت ومجاملة أهله ، وتوديع له حين فارق أهله ودنياه ، والدعاء أن يغفر الله له ويرحمه ، حتى لو لم يكن قد اقترف إثما ومن أجل هذا صلَّى الصحابة على النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، والصلاة على الشهيد جائزة وإن كانت غير واجبة، ففيها تكريم ومجاملة وإن كان مغفورا له بالنظر لما رأيناه منه ، أما الحقيقة فهى عند اللّه وحده ، والطفل الذى لم يكلَّف يصلى عليه للتكريم لابن آدم وللمجاملة، وفى الدعاء المفروض فى الصلاة يدعى لأهله بالصبر، فقد روى البخارى والبيهقى أن الحسن البصرى كان يقول فى الصلاة على الطفل : اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وذخرا .
قال النووى : إن كان الميت صبيا أو صبية يقتصر على ما جاء فى الحديث الذى رواه أحمد وأصحاب السنن : "اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، وشاهدنا وغائبنا ، اللهم من أحيبته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده" ويضم إلى ذلك : اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا ، وثقِّل به موازينهما ، وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره .
هذا فى الطفل الذى مات بعد أن ولد وعاش ، أما الطفل الذى ولد ميتا فإن نزل قبل مرور أربعة أشهر على بدء الحمل به فلا يغسَّل ، ولا يصلَّى عليه ويلفُّ فى خرقة ويدفن ، وهذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء .
فإن نزل بعد أن تم له أربعة أشهر فأكثر واستهل أى صاح أو عطس أو ظهرت منه علامة تدل على أنه كانت فيه حياة فهذا لو مات يغسل ويصلَّى عليه باتفاق ، فإذا لم يستهل فلا يصلى عليه عند الحنفية والمالكية لحديث رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا استهل السقط صُلِّى عليه وورث " فاشترط الحديث الاستهلال لأجل الصلاة عليه ، أما الحنابلة فيرون الصلاة عليه ، لحديث رواه أحمد وأبو داود جاء فيه "والسقط يصلَّى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" فلم يقيد الحديث السقط بالاستهلال ، فيصلى عليه لأنه نسمة نفخت فيها الروح فيعطى حكم المستهل فى الصلاة عليه ، وقال الحنابلة : إن الحديث الذى اشترط الاستهلال مضطرب ومعارض بما هو أقوى منه فلا يصلح لأن يكون حجة .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة عند الكلام على غسل الميت الذى يتصل بالصلاة عليه أن الحنفية قالوا : إن السقط إذا نزل حيًّا بأن سمع له صوت أو رويت له حركة وإن لم يتم نزوله وجب غسله ، سواء كان قبل تمام مدة الحمل -وهى ستة أشهر ولحظتان- أو بعدها . أما إذا نزل ميتا فإن كان تام الخلق فإنه يغسل كذلك ، وإن لم يكن تام الخلق بل ظهر بعض خلقه فإنه لا يغسل الغسل المعروف وإنما يصب عليه الماء ويلف فى خرقة وعلى كل حال فإنه يسمى لأنه يحشر يوم القيامة . والمالكية قالوا : إذا كان السقط محقق الحياة بعد نزوله بعلامة تدل على ذلك كالصراخ والرضاع الكثير الذى يقول أهل المعرفة إنه لا يقع مثله إلا ممن فيه حياة مستقرة وجب تغسيله ، وإلا كره .
والحنابلة قالوا : السقط إذا تم فى بطن أمه أربعة أشهر كاملة ونزل وجب غسله ، وأما إن نزل قبل ذلك فلا يجب غسله .
والشافعية قالوا : إن السقط النازل قبل عدة تمام الحمل -وهى ستة أشهر ولحظتان إما أن تعلم حياته فيكون كالكبير فى افتراض غسله ، وإما ألا تعلم حياته ، وفى هذه الحالة :
إما ألا يكون قد ظهر خلقه فيجب غسله أيضا دون الصلاة عليه ، وإما أن يظهر خلقه فلا يفترض غسله ، وأما السقط النازل بعد المدة المذكورة فإنه يفترض غسله وإن نزل ميتا، وعلى كل حال فإنه يسن تسميته بشرط أن يكون قد نفخت فيه الروح .
ولتوضيح صلاة الجنازة على الشهيد، وهو الذى قتل فى معركة بين المسلمين والكافرين ، نقول : قد وردت أحاديث صحيحة تصرح بعدم الصلاة عليه ، منها ما وراه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أُحد فى دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم كما قال جابر .
كما وردت أحاديث أخرى صحيحة تصرح بأنه يصلى عليه ، منها ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات .
لكن يرد على هذا الحديث بأن الكلام فى الصلاة على الشهيد قبل الدفن ، وروى البيهقى حديثا مرسلا-سقط منه الصحابى-عن أبى مالك الغفارى قال : كان قتلى أُحد يؤتى منهم بتسعة وعاشرهم حمزة فيصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحملون ثم يؤتى بتسعة فيصلى عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحديث جابر أصح من حديث أبى مالك الغفارى .
ومن هنا قال ابن حزم يجوز أن يُصلَّى على الشهيد وألا يصلى عليه ، فإن صلى عليه فحسن ، وإن لم يصل عليه فحسن ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ، واستصوب ابن القيم هذا الرأى وقال : والأظهر من أمر شهداء أحد أنه لم يصل عليهم عند الدفن ، وقد قتل معه بأحد سبعون نفسا فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم .
وحديث جابر فى ترك الصلاة عليهم صحيح ، لأن أباه عبد الله كان أحد القتلى يومئذ فعنده من الخبرة ما ليس عند غيره .
ويرجح أبو حنيفة وجوب الصلاة على الشهيد ، ويرجح مالك والشافعى وأحمد فى رواية عدم وجوب الصلاة عليه .
ومع كون الصلاة على الشهيد غير واجبة فإنها تجوز ولا تحرم ، لعدم الدليل على المنع ، وللحديث الذى رواه البيهقى .
هذا فى الشهيد الذى قتل فى المعركة بين المسلمين والكافرين ، أما الشهيد فى غير ذلك كالمبطون وبقية شهداء الآخرة المذكورين فى الأحاديث فيغسلون ويصلى عليهم .
"راجع ما سبق فى ص 620 من المجلد الرابع بخصوص صلاة الجنازة على الطفل "(8/364)
التوالد فى الجنة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان فى الجنة زوجات يدخلنها مع أزواجهن ، وزوجات من الحور العين ، هل يكون هناك توالد وتناسل ؟ ومن أين يجئ الولدان المذكورون فى القرآن ؟
An يقول الله سبحانه: {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون . هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} يس : 55 ، 56 قال المفسرون : إن الشغل هو المتعة التى تكون بين الأزواج والزوجات ، ونُسِبَ هذا التفسير إلى ابن عباس رضى اللّه عنهما ، بل نُسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه أبو يعلى والطبرانى والبيهقى ، وجاء فى ذلك حديث أخرجه البزار والطبرانى وغيرهما" أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدْنَ أبكارا" .
وفى مجال الحديث عن هذه المتعة تحدث العلماء عن أثرها فى الإِنجاب والتوالد ، فذكر العدوى فى كتابه "مشارق الأنوار ص 186" أن العلماء اختلفوا فى ذلك ، فقال بعضهم هناك توالد ونسل ، مستدلين بحديث رواه الترمذى بسند حسن "المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّه فى ساعة كما يشتهى" قال الترمذى : اختلف أهل العلم فى هذا ، فقال بعضهم : فى الجنة جماع ولا يكون ولد، وهو مروى عن طاوس وعن مجاهد والنخعى، وقال إسحاق بن إبراهيم فى هذا الحديث :
إذا اشتهى ولكن لا يشتهى .
وقال جماعة : فيها الولد إذا اشتهاه الإِنسان .
فالخلاصة أن هناك رأيين فى التوالد ، قال بعضهم : لا توالد، وقال بعضهم الآخر: فيه توالد ولكن إذا اشتهى الرجل ذلك ، ويكون الحمل والوضع والسِّنُّ -الذى يريده الإِنسان طفلا أو شابا مثلا- فى ساعة أى زمن وجيز، وهذا الكلام قيل : إنه موقوف لم يرفع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وقيل : مرفوع إليه بإسناد حسن ، أو كالمرفوع إليه لأنه لا مجال فيه للرأى .
ومثل هذه الأمور الغيبية لا يقبل فى اعتقادها إلا الدليل القوى بدرجة خاصة من القرآن والسنة فى قطعية الثبوت والدلالة، فالأولى ترك الجدال فيها ، وسنعرف ذلك عند دخول الجنة إن شاء الله . وطريق ذلك الإيمان والعمل الصالح . هذا، وعلى رأى من يقولون : ليس فى الجنة توالد ونسل فمن أين يجىء الولدان المذكورون فى القرآن بأنهم من متعة الجنة؟ .
يقول الله سبحانه فى أهل الجنة {على سرر موضونة . متكئين عليها متقابلين . يطوف عليهم ولدان مخلدون . بأكواب وأباريق وكأس من معين } الواقعة : 15-18 وجاء ذكر الولدان فى مواضع أخرى من القرآن .
ففى بعض الأقوال أن الله أنشأهم لأهل الجنة كما شاء من غير ولادة، وقال على بن أبى طالب والحسن البصرى : الولدان هاهنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة، وقال سلمان الفارسى :
أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة . قال الحسن : لم تكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع . ثم قال القرطبى بعد ذكر هذه الأقوال : والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة ، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإِنسان .
وفَسَّر كلمة { مخلَّدون } بأنهم لا يموتون ، أو لا يهرمون ولا يتغيرون ، أو مُقَّرطون أى لابسون للقُرْطِ كما قال سعيد بن جبير، حيث يقال للقُرْط الخَلَدَة، ولجماعة الحلى الخِلْدة، وقيل هم مسوَّرون ، وقيل ممنطقون أى لابسون للمناطق وهى الأحزمة، " تفسير القرطبى ج17 ص 202،203" يقول ابن كثير "ج 8 ص 317 " :
إن أنواع الحلية التى تكون على الولدان دليل على أنهم صغار، لأن الكبار لا يليق بهم ذلك ، وقد جاء فى وصفهم قوله تعالى {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} الإِنسان : 19 يقول ابن كثير أى إذا رأيتهم فى انتشارهم فى قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم ، حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون فى التشبيه أحسن من هذا ، ولا فى المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن . هذا والتمتع بالولدان هو كالتمتع بالخدم من حيث وجودهم مع الإِنسان على غرار ما كان فى الدنيا ، وليس تمتعا كما ظن بعض المتحدثين فى الدين بلا علم أو ببواعث ليست لائقة(8/365)
مصير الحيوانات
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قال تعالى فى سورة التكوير: 5 {وإذا الوحوش حشرت} هل معنى هذا أن الحيوانات ستحشر يوم القيامة، وما هى الحكمة من ذلك مع أنها غير مكلفة؟
An اختلف العلماء فى حشر الحيوانات يوم القيامة وحسابها، فقال الأشعرى : تحشر الحيوانات ولا يجرى القصاص بينها لأنها غير مكلفة .
وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم "يقتص من القرناء للجماء، ويسأل العود: لم خدش العود" .
فهو على سبيل المثل والإِخبار عن شدة التقصى فى الحساب والانتصاف من الظالم للمظلوم ، وقال الإِسفرايينى : يجرى القصاص بينها ، وليس القصاص انتقاما ، لأنها غير مكلفة ، ولكن لإظهار عدل الله ، وجاء فى القرآن الكريم قوله تعالى {وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون} الأنعام : 38 وفى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء والجلحاء هى التى ليس لها قرون تدافع بها عن نفسها من الشاة القرناء ذات القرون التى تنطحها ، ومثلها الجماء .
وجاء فى تفسير القرطبى فى سورة الأنعام من قول أبى هريرة أنه بعد اقتصاص الله للشاة الجماء من القرناء يقول للبهائم "كونى ترابا" يعنى لا تدخل جنة ولا نارا، حيث لا تكليف عليها فى الدنيا تستحق به جزاء فى الآخرة ، وتوضيح ذلك فى كتابه "التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الأخرة" .
فالحكمة من حشرها إظهار العدل ، وقد تكون شاهده للعبد كالأضحية النى ورد أنها تأتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، كما رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم عن عائشة مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم . فحشر الدواب صحيح كما رآه المحققون وصححه النووى واختاره .
وعدم حشرها قول مرجوح "مشارق الأنوار للعدوى ص 146" .
ومهما يكن من شىء فالواجب أن نهتم بمصيرنا نحن ، وأن نستعد ليوم الحشر بعمل الطاعات والبعد عن المعاصى ، وأن نؤمن بعدل الله فى مجازاتنا، وبرحمته لمن يشاء من عباده(8/366)
البكاء على الميت
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم البكاء على الميت ، وهل صحيح أنه يعذب بالبكاء عليه ؟
An لقد أمرنا الله بالصبر والرضا بقضائه عند وقوع أى مكروه ، كما قال تعالى {وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة : 155-157 .
وحرم كل قول أو فعل يتنافى مع الإِيمان باللّه فيما قضاه وقدره ، فقد صح فيما رواه البخارى ومسلم " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" والمعنى أنه ليس بمؤمن من فعل ذلك معتقدا أنه حلال . أما من فعله على أنه حرام فهو مؤمن عاص ناقص الإِيمان . وجاء فى تأثر الميت بمظاهر الحزن عليه التى لا يقرها الدين قوله صلى الله عليه وسلم "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : واجبلاه واسيداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه :
هكذا أنت"؟ رواه ابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن ، واللهز هو الدفع فى الصدر بجميع اليد . وقوله " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفى رواية "يعذب بما نيح عليه" .
يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 6 ص 228" : اختلف العلماء فى تأويل الأحاديث التى وردت بتعذيب الميت بما نيح عليه ، فحملها الجمهور على من وصَّى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته ، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم ، لأنه بسببه ومنسوب إليه . فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب ، لقول الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فاطر: 18 وكان من عادة العرب الوصية بذلك ، ومنه قول طرفة بن العبد :
إذا مت فانعينى بما أنا أهله * وشُقِّى علىَّ الجيب يا ابنة معبد وقيل : إن الميت يعذب ، أى يتألم بسبب بكائهم عليه وكان يحب لهم ألا يبكوا، وإليه ذهب محمد بن جرير الطبرى . وقال عياض : هو أولى الأقوال ، واحتجوا بحديث " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه ، فيا عباد اللّه لا تعذبوا إخوانكم " والمراد بذلك كله ليس مجرد البكاء ولكن النياحة .
وقال النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" ص 148 : روينا فى صحيحيهما - أى البخارى ومسلم - عن أبى موسى الأشعرى رضى اللّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة . قلت : الصالقة التى ترفع صوتها بالنياحة ، والحالقة التى تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة التى تشق ثيابها عند المصيبة، وكل هذا حرام باتفاق العلماء .
وكذلك يحرم نشر الشعر ولطم الخدود وخمش الوجه والدعاء بالويل ، وروينا فى صحيحيهما عن أم عطية رضى الله عنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيعة ألا ننوح ، وروينا فى صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم " اثنتان فى الناس هما بهم كفر، الطعن فى النسب والنياحة على الميت " وفى سنن أبى داود عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة . والنياحة هى رفع الصوت بالندب ، والندب تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت ، وقيل : هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه .
ثم قال النووى : قال أصحابنا : ويحرم رفع الصوت بإفراط فى البكاء، وأما البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة فليس بحرام .
فقد روينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاص وعبد الله بن مسعود، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال "ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا أو يرحم" وأشار إلى لسانه . وروينا فى صحيحيهما عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته وهو فى الموت ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد : ما هذا يا رسول اللّه ؟ قال : " هذه رحمة جعلها اللّه تعالى فى قلوب عباده وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء" وفى صحيح البخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم - فى دار ظئره المرضع - أبى سيف القين أى الحداد - وهو يجود بنفسه ، أى يحتضر، فجعلت عينا الرسول صلى الله عليه وسلم تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول اللّه ؟ فقال " يا ابن عوف إنها رحمة" ثم أتبعها بأخرى فقال "إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" .
وأما الأحاديث الصحيحة أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فليست على ظاهرها وإطلاقها ، بل هى مؤولة ، واختلف العلماء فى تأويلها على أقوال ، أظهرها - والله أعلم - أنها محمولة على أن يكون له سبب فى البكاء ، إما بأن يكون أوصاهم به أو غير ذلك . وقد جمعت كل ذلك أو معظمه فى كتاب الجنائز من شرح المهذب .
قال أصحابنا : ويجوز البكاء قبل الموت وبعده ، ولكن قبله أولى، للحديث الصحيح "فبذا وجبت فلا تبكين باكية" وقد نص الشافعى رحمه الله والأصحاب على أنه يكره البكاء بعد الموت كراهية تنزيه ولا يحرم ، وتأولوا حديث " فلا تبكين باكية" على الكراهة . انتهى ملخصا من الأذكار .
من هذا نعلم :
1- أن الصبر على المكاره ومنها الموت مطلوب .
2- مظاهر الجزع والسخط على القضاء ممنوعة، من استحلها كفر، ومن لم يستحلها كان عاصيا .
3- الميت إذا أوصى بالحزن الخارج عن الحدود يناله نصيب من المسئولية ، وإن لم يوص لا يعذب بذلك ، ولكن كان يود ألا تقع منهم هذه المظاهر .
4- أن مجرد البكاء على الميت مسموح به طبعا وشرعا، فهو رحمة فى قلوب الرحماء ، والرسول عليه الصلاة والسلام جرت عليه هذه السنة الطبيعية ، فبكى محتفظا بإيمانه ورضائه بالقضاء .
5- إذا صحب البكاء قول أو فعل يتنافى مع الإيمان بقضاء الله كان معصية .
وبناء على جواز البكاء بدون مظاهر الجزع ماذا نقول فيما رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يَحْثُوَ التراب فى أفواه النساء وهن يبكين جعفر بن أبى طالب ؟ والجواب أن ابن الأثير أورد هذا الخبر فى كتابه " أسد الغابة " وذكر معه أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على امرأة جعفر، وهى أسماء بنت عميس ، فعزاها، ودخلت فاطمة وهى تبكى فقال "على مثل جعفر فلتبك البواكى" ثم وفق ابن الأثير بين الخبر المانع للبكاء والخبر المبيح له ، بأن المنع كان لنسوة يبكين مع ندب ونياحة ولطم خدود، والإِباحة كانت للبكاء المجرد عن ذلك . وجاء التوضيح فى رواية أحمد عندما ماتت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فقال له " مهلا يا عمر ثم قال " إياكن ونعيق الشيطان " ثم قال " إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان "(8/367)