وصى لم يحصل ديون التركة على الغير
F محمد عبده .
شوال 1318 هجرية
M 1 - لا يضمن الوصى ما هلك من ديون للمورث على الغير .
2 - يقبل قوله فى مقدار ما أنفقه على القصر مع يمينه بشرط أن تكون نفقة المثل فى مدة تحتمل ذلك، ولا يكذبه الظاهر فيه .
3 - يجبر الوصى على الحساب عند البلوغ وطلب ذلك، لكن لا يجبر على بيان مصارف كل جزئية لو امتنع عن ذلك متى كان معروفا بالأمانة .
4 - ليس للصغير إذا بلغ مطالبته بحصته فيما هلك من الديون التى على الغير
Q من حسن سيد بمصر، فى رجل مات وله ديون على أشخاص بعضها بسندات مضى عليها لحين وفاته نحو الخمس عشرة سنة ، وبعضها نحو الخمسين سنة، وبعضها لم يعلم صاحبه أصلا .
وفى حال حياته أقام وصيا مختارا على أولاده القصر، وبعد وفاته قبض هذا الوصى ما تيسر له قبضه من بعض الأشخاص المذكورين، وتعذر عليه أخذ الباقى بسبب مضى المدة الطويلة على تلك السندات، فضلا عن عدم معرفة أربابها .
فهل لا يضمن هذا الوصى لما بقى من الديون، وإذا بلغ أحد القصر لا يكون له حق فى مطالبته بما يخصه فيما هلك من تلك الديون، وإذا أنفق الوصى على القاصر من ماله نفقة المثل فى مدة تحتمله ولا يكذبه الظاهر فيها يقبل قوله فيما أنفقه بيمينه، ولا يجبر على البيان والتفصيل .
افيدوا الجواب
An من المقرر شرعا أن الوصى لا يضمن ما هلك من الديون، وأنه يقبل قوله بيمينه فى قدر الإنفاق حيث كان نفقة المثل فى مدة تحتمله ولا يكذبه الظاهر، وأنه إذا كبر الصغار وطلبوا أن يحاسبوا وصيهم كان للقاضى ولهم مطالبته بالحساب، لكن لا يجبر على بيان المصرف وجزئياته جزئية جزئية لو امتنع إن عرف بالأمانة .
ومما ذكر يعلم أن الوصى فى حادثنا لا يضمن ما هلك من تلك الديون، وليس للصغير إذا بلغ أن يطالبه بما يخصه فى ذلك الذى هلك، ويقبل قوله بيمينه فيما أنفقه عليه نفقة المثل فى مدة تحتمله ولا يكذبه الظاهر ولا يجبر على بيانه وتفصيله لو امتنع حيث كان معروفا بالأمانة، واللّه تعالى أعلم(7/120)
الوصية للأقارب والوقف عليهم
F محمد عبده .
صفر 1320 هجرية
M 1 - المعتبر فى الوصية للأقارب والوقف عليهم المحرمية والرحم ويكونان للأقرب فالأقرب عند أبى حنيفة .
2 - تعتبر المحرمية فقط عند الصاحبين وسويا فى ذلك بين الأقرب والأبعد .
3 - اتفاقهم على أن لفظ الأقارب يكون للاثنين فصاعدا إلا إذا ذكر معه شرط الأقرب فالأقرب فإن الجمع عند ذكر الشرط يكون غير معتبر اتفاقا، لأن كلمة الأقرب اسم فرد يدخل فيه المحرم وغيره لكن يقدم الأقرب بصريح الشرط .
4 - المراد بالأقرب فى الوصية والوقف من هو أشد صلة بالموقوف عليه من سواه وأشد الإخوة صلة به هو الأخ الشقيق قطعا
Q من الشيخ حسين على فى رجل وقف عقاره وعقار زوجته بتوكيله عنها على نفس زوجته ثم على بنتها ثم على أولادها ثم على أولاد بنتها إلى انقراضهم يكون وفقا على كل من أولاده من غير زوجته المذكورة وعلى كل من أقارب زوجته موكلته المذكورة الأقرب فالأقرب ذكورا وإناثا بالسوية بينهم ثم على أولادهم إلى حين انقراضهم ثم على عتقاء أولاده وعتقاء أقارب زوجته الأقرب فالأقرب ذكورا وإناثا بالسوية بينهم ثم على أولادهم غلى انقراضهم وشرط على أن من مات قبل دخوله فى الوقف وترك ولدا أو ولد ولد قام أبيه فى الدرجة والاستحقاق واستحق ما كان أصله يستحقه لو كان الأصل حيا باقيا يتداولون ذلك إلى حين انقراضهم وكان للزوجة أبوان وللزوج الواقف ولدان من غير زوجته المذكورة ومات كل من أبوى الزوجة وابنى الزوج قبل الدخول فى الوقف وترك أولادا ذكورا وإناثا ثم ماتت الزوجة الموقوف عليها عن بنت ثم ماتت البنت عقيما والموجود حين موتها أولاد ابنى الزوج الواقف ذكورا وإناثا وإخوة الزوجة ذكورا وإناثا أشقاء ولأب فما كيفية قسمة ريع الوقف على أولاد الابنين والإخوة والأخوات الأشقاء ولأب وإذا كان الشقيق واحدا يختص بنصف الريع ولا يشاركه فيه الإخوة والأخوات لأب عملا بقول الواقف الأقرب فالأقرب أو ما الحكم .
أفيدوا الجواب
An اعتبر الإمام فى الوصية للأقارب والوقف عليهم الأقرب فالأقرب واعتبر فيهم المحرمية مع الرحم .
وخالفه صاحباه فيهما واكتفيا فيهم واكتفيا فيهم بالرحم بلا محرمية وسويا بين الأقرب والأبعد منهم، واتفقوا على أن لفظ الأقارب ونحون يكون للاثنين فصاعدا إلا إذا ذكر معه الأقرب فالأقرب فإنه لا يعتبر الجمع اتفاقا لأن الأقرب اسم فرد يدخل فيه المحرم وغيره لكن يقدم الأقرب لصريح الشرط، والأقرب فى حادثتنا هو الأخ الشقيق لأن الأقرب أفعل تفضيل ومعناه الأقوى فى القرابة ولا شك فى أن الأقوى قرابة هو الشقيق فينفرد بالنصف .
ولا ينافى ذلك ما ذكره فى الفرائض من الفرق بين درجة القرابة وقوة القرابة، وأنه قد يراد من الأقرب ذو الدرجة القربى كالأخ مع ابن الأخ مثلا لأن ذلك اصطلاح خاص لا ينظر إليه فيما مرجعه العرف والاستعمال العام .
فالمراد بالأقرب هنا وفيما يماثل ما نحن فيه من هو أشد صلة بالموقوف عليه من سواه، وأشد الإخوة صلة به الأخ الشقيق قطعا فهو الذى يستحق مقاسمة أولاد الابنين وحده، واللّه تعالى أعلم(7/121)
تشمل الوصاية الحمل المستكن
F بكرى الصدفى .
محرم 1324 هجرية
M 1 - وصى الميت لا يقبل التخصيص .
2 - العبرة فى أمر الإيصاء بتناوله لحالة الموت لا لحالة الإيصاء .
3 - إذا أوصى إلى رجل بتفريق ثلث ماله فى وجوه الخير مثلا صار وصيا عاما على جميع التركة وجميع الأولاد الموجودين وقت الإيصاء ومن حدثوا بعد ذلك والحمل الذى انفصل فى حياة الموصى
Q رجل أقام رجلا آخر وصيا مختارا على أولاده القصر وابنه الكبير المعتوه وعلى الحمل المستكن فى رحم إحدى زوجاته وعلى تنفيذ وصيته الشرعية وعلى تركته وحرر بذلك إشهادا شرعيا ثم أنجب أولادا بعد تحرير الإشهاد المذكور .
ثم توفى مصرا على ذلك وقبل الوصى الوصاية فى حياة الموصى وبعد وفاته .
فهل يكون الوصى المذكور بعد وفاة الموصى وصيا عاما حتى بالنسبة للحمل الذى انفصل
An وصى الميت لا يقبل التخصيص كما صرح به العلماء، وصرحوا أيضا بأن العبرة فى أمر الإيصاء وتناوله لحالة الموت لا لحالة الإيصاء .
وقال العلامة ابن عابدين فى رد المختار ما نصه ومما يجب التنبيه له أنه إذا أوصى إلى رجل بتفريق ثلث ماله فى وجوه الخير مثلا صار وصيا عاما على أولاده وتركته، وإن أوصى فى ذلك إلى غيره على قول أبى حنيفة المفتى به فلا ينفذ تصرف أحدهما بانفراده .
والناس عنها فى زماننا غافلون وهى واقعة الفتوى - انتهى ومن هذا يعلم أن الوصى المذكور فى حادثة السؤال والحال ما ذكر يكون وصيا عاما على جميع التركة وجميع الأولاد الذين كانوا موجودين وقت الإيصاء ومن حدثوا بعد ذلك والحمل الذى انفصل فى حياة الموصى .
وفى فتاوى تنقيح الحامدية من باب الوصى ما هو صريح أو كالصريح فى ذلك، واللّه تعالى أعلم(7/122)
وصى الوصى المختار
F بكرى الصدفى .
ربيع الثانى 1325 هجرية
Mوصى الوصى المختار يكون وصيا أيضا على قصر المتوفى الأول وعلى تركته
Q توفى رجل وترك قصرا وأقام أخاهم الأكبر وصيا مختارا عليهم واستمر هذا الأخ مدة ثم توفى وترك لنفسه قصرا أيضا وأقام لهم وصيا مختارا قبل وفاته وقد باشر الوصى مصلحة جميع القصر فهل يكون هذا الوصى المختار وصيا فى التركتين ويسأل عنهما أم لا وهل القصر الأول يدخلون تحت وصايته شرعا
An فى التنوير وشرحه ووصى الوصى سواء أوصى إليه فى ماله أو مال موصيه وصى فى التركتين انتهى - وفى رد المختار ، وإن قال فى تركتى فعن أبى حنيفة روايتان، ظاهر الرواية عنه أنه يكون وصيا فيهما، لأن تركة موصيه تركته كما صرح به فى الاختيار - انتهى - ومن ذلك يعلم أن وصى الوصى فى هذه الحادثة يكون وصيا أيضا على تركة الميت الأول وعلى القصر من أولاده حيث كان الحال على ماذكر فى السؤال، واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/123)
وصية لصغيرين بلغ وأحدهما سفيها
F بكرى الصدفى .
رمضان 1325 هجرية
M 1 - لا تستمر ولاية والد الصغير عليه بعد بلوغه عاقلا سفيها .
2 - لا يكون محجورا عليه إلا بحجر القاضى وإقامة وليه قيما شرعيا عليه بالطريق الشرعى .
3 - لا تنفذ تصرفاته بعد الحجر عليه وتنفذ تصرفاته السابقة عليه
Q فى صبيين أوصى لهما جدهما لأبيهما بثلث جميع تركته بعد موته وقد قبل وليهما (والدهما) الوصية حال حياة الموصى، وبعد وفاة الموصى حكم لهما بالوصية واستلمها والدهما .
ولما بلغ أحد الصبيين بلغ سفيها فهل تستمر عليه ولاية أبيه أم لا وهل تنفذ تصرفاته حتى بعد بلوغه الثمانى عشرة سنة ولو أقام المجلس الحسبى والده قيما عليه .
وكيف الحال
An مذهب الإمام أبى يوسف الذى هو الراجح على ما هو ظاهر كلام العلماء أن الصغير إذا بلغ سفيها مبذرا لابد فى عدم صحة تصرفاته من حجر القاضى عليه .
فقبل الحجر تنفذ تصرفاته . وقال الإمام محمد سفهه كاف فى الحجر عليه بدون احتياج إلى حجر قاض .
وعليه فإذا بلغ سفيها وتصرف لا تكون تصرفاته نافذة .
ففى الخانية من كتاب الحجر ما نصه وإن بلغ اليتيم سفيها غير رشيد .
فقبل أن يحجر القاضى عليه لا يكون محجورا فى قول أبى يوسف رحمه اللّه تعالى حتى ننفذ تصرفاته وعند محمد رحمه اللّه تعالى يكون محجورا من غير حجر، وأبو يوسف رحمه اللّه تعالى جعل الحجر بسبب السفه كالحجر بسبب الدين .
ومحمد رحمه اللّه تعالى جعل الحجر بسبب السفه كالحجر بسبب الصبا والجنون وذلك يكون بغير قضاء، فيكون محجورا إلا أن يؤذن له انتهى - وفى تنقيح الحامدية بعد كلام ما نصه ومثله فى الجوهرة حيث قال ثم اختلفا فيما بينهما، قال أبو يوسف لا حجر عليه إلا بحجر الحاكم ولا ينفك حتى يطلقه، وقال محمد فساده فى ماله يحجره وإصلاحه فيه يطلقه، والثمرة فيما باعه قبل حجر القاضى يجوز عند الأول لا الثانى .
وظاهر كلامهم ترجيح قول أبى يوسف انتهى - وفى التنوير من كتاب الحجر وعندهما يحجر على الحر بالسفه وبه يفتى .
وعلى قولهما المفتى به فيكون فى أحكامه كصغير إلا فى نكاح وطلاق وعتاق واستيلاد وتدبير ووجوب زكاة وحج وعبادات وزوال ولاية أبيه أو جده يعنى عدم ولايتهما عليه بخلاف الصغير فإن ولايتهما عليه ثابتة، وفى صحة إقراره بالعقوبات وفى الإنفاق وفى صحة وصاياه بالقرب من الثلث فهو كبالغ .
فإن بلغ غير رشيد لم يسلم إليه وإن لم يكن رشيدا وقال لا يدفع حتى يؤنس رشده انتهى مع زيادة من الشرح ورد المختار .
ومن ذلك يعلم أنه لا تستمر ولاية أب الصغير المذكور عليه بعد بلوغه عاقلا سفيها وأنه يصير محجورا بحجر القاضى الشرعى وإقامة والده قيما شرعيا عليه بالطريق المرعى المتبع فى مثل ذلك فلا تنفذ تصرفاته بعده، واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/124)
وصية بمثل نصيب ابن
F بكرى الصدفى .
شوال 1325 هجرية
M 1 - الأصل أنه متى أوصى بمثل نصيب بعض الورثة يزاد مثل هذا النصيب على سهام الورثة .
2 - وجه التقسيم تصحح الفريضة أولا ثم يزاد على السهام مثل نصيب من ذكره على مخرج الفريضة ثم يستخرج حظ الوصية أولا ثم توزع باقى السهام على الورثة
Q فى شخص أوصى لأولاد ابنه الذى توفى فى حياته بمثل نصيب ابن من أبنائه ثم مات مصرا على هذه الوصية وترك زوجة وأبناء خمسة وبنات ثلاثا فهل تأخذ الزوجة الثمن كاملا أو كيف تقسم تركة المتوفى المذكور بين ورثته والموصى لهم
An فى الدر عن المجتبى ما نصه والأصل أنه متى أوصى بمثل نصيب بعض الورثة يزاد مثله على سهام الورثة انتهى - حتى لو كان له ابن وبنت وأوصى بمثل نصيب البنت فله الربع .
والوجه فى ذلك أن تصحح الفريضة أولا ثم يزاد مثل نصيب من ذكره على مخرج الفريضة .
فلو ترك أما وابنا وأوصى بمثل نصيب بنت فالفريضة من سبعة عشر سهما للموصى له خمسة وللابن عشرة وللأم سهمان، لأن أصلها من ستة للابن خمسة فللبنت اثنان ونصف فيزاد على أصل الفريضة ويضعف للكسر فبلغت سبعة عشر، للموصى له خمسة، بقى اثنا عشرة يعطى للأم سدسها اثنان والباقى للابن .
لأن الإرث بعد الوصية . ولو ترك امرأة وابنا وأوصى بنصيب ابن آخر لو كان وأجازت الورثة الوصية فالفريضة من خمسة عشر للموصى له سبعة أسهم وللمرأة سهم وللابن سبعة أسهم، والوجه ما سبق من أن تصحح الفريضة أولا لولا الوصية فتقول لولا الوصية لكانت الفريضة من ثمانية للمرأة الثمن سهم وللابن سبعة أسهم فإذا أوصى بنصيب ابن آخر لو كان يزاد على الفريضة نصيب ابن لو كان سبعة فيصير خمسة عشر وإنما شرطت إجازة الورثة الوصية ههنا لأنها حصنت بأكثر من الثلث .
وإذا أوصى بمثل نصيب ابنه كان الجواب كذلك كذا فى رد المختار والفتاوى الهندية وعلى نحو ذلك يقال فى جواب هذا السؤال والحال ماذكر فيه فتقسم هذه التركة من مائة وثمانية عشر سهما للموصى لهم أربعة عشر سهما وللزوجة ثمن الباقى وهو ثلاثة عشر سهما ولكل ابن من الأبناء الخمسة أربعة عشر ولكل بنت من البنات الثلاث سبعة فذلك هو المقدار المذكور .
والوجه فيه أن تصحح الفريضة أولا لولا الوصية، فتقول أصل الفريضة من ثمانية للزوجة واحد يبقى سبعة يخص كل ابن من الأبناء الخمسة منها واحد وجزء من ثلاثة عشر جزءا من واحد ثم يضعف للكسر فيبلغ مائة وثمانية عشر لأنك إذا ضعفت تسعة إلى ثلاثة عشر ضعفا تبلغ مائة وسبعة عشر وإذا ضعفت الجزء المذكور إلى ثلاثة عشر يبلغ واحدا فيضم إلى المائة والسبعة عشر يبلغ مائة وثمانية عشر فيقسم على جهة الوصية والورثة كما ذكر .
هذا ما ظهر فى قسمة هذه التركة، واللّه تعالى أعلم(7/125)
محاسبة الوصى المختار أو المعين
F بكرى الصدفى .
ربيع أول 1330 هجرية
M 1 - لا يجبر الوصى المختار أو المعين على المحاسبة عما أنفقه مادام إنفاقه موافقا للشرع متى كان أمينا وقائما بأداء الأمانة .
2 - الابن مصدق فيما أمن فيه بيمينه .
3 - للحاكم الشرعى محاسبة الوصى فإن امتنع عن ذلك لا يجبره عليه
Q هل يجوز لورثة الموصى محاسبة الوصى على ما صرفه فيما أوصى به أو أن الوصى صادق أمين لا تجب محاسبته .
وما هى الجهة المختصة بتكليف الوصى بالمحاسبة .
هل هى السلطة الشرعية أم الأهلية
An لا يجبر الوصى المذكور والحال ما ذكر على المحاسبة فيما صرفه مما أوصى به فى مصارفه للشرع من الثلث المذكور متى كان أمينا قام بأداء الأمانة .
فقد نص العلماء على أن الأمين مصدق فيما هو أمين فيه بيمينه .
هذا وفى أدب الأوصياء ما نصه وفى محاضر رشيد الدين مات عن ابن كبير وأولاد صغار والكبير وصيهم من الميت أو القاضى فأنفق على الصغار فى صغرهم فللحاكم (أى الشرعى) أن يحاسب الوصى، فلو امتنع الوصى عن إعطاء الحساب لا يجبره على الحساب لأنه أمين من جهة الميت أو القاضى والأمين مصدق فيما هو .
أمين فيه بيمينه، واللّه تعالى أعلم(7/126)
وصية
F بكرى الصدفى .
جمادى الأولى 1332 هجرية
M 1 - كلام الوصى فى وصيته يحمل على عادته فى خطابه ولغته التى يتكلم بها .
2 - الديون لا تدخل فى الوصية
Q رجل أوصى حال حياته لأولاد المتوفى حال حياته بثمن ما يملكه من نقود وعقارات وأطيان .
ثم بعد وفاته اشتملت تركته على ديون له وأطيان بعضها نخيل كثيرة ومنقولات متنوعة .
فهل لا تدخل الديون فى الوصية .
ولا يستحق الموصى لهم ثمنها . وهل تدخل النخيل وتتبع الأطيان أم تقتصر على ما ذكره الموصى من نقود وأطيان وعقارات
An لا تدخل الديون والحال ما ذكر فى النقود الموصى بثمنها فى عبارة الموصى المذكور، لأن كلام الموصى والواقف والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته فى خطابه ولغته التى يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشرع أم لا .
وأما النخيل فتدخل فى الأطيان الموصى بها تبعا لها، واللّه تعالى أعلم(7/127)
وصية اختيارية
F محمد بخيت .
ربيع ثان 1335 هجرية 14 يناير 1917 م
M 1 - المنصوص عليه شرعا أن الوصية تخرج من التركة بعد قضاء الدين وأنها مقدمة على الميراث .
2 - إذا دفع الورثة دين الميت وما أوصى به للموصى له كان لهم أخذ جميع التركة بعد ذلك .
3 - إذا كانت الوصية بمبلغ معين وكان فى التركة نقود نفذت منها الوصية وإلا كان للوصى أن يبيع من منقولات التركة أو عقاراتها وينفذ الوصية من ثمن ما بيع .
4 - للوصى أخذ مبلغ الوصية دفعة واحدة
Q أوصى رجل بمبلغ من المال يصرف بعد وفاته من ثلث مخلفاته التى يتركها وبعد ما عيه من الديون على أن يكون منه مبلغ يصرف فيما يلزم لتجهيزه وتكفينه ومواراته أسوة بأمثاله وعمل مأتم وإسقاط صلاة له ومنه مبلغ يصرف على أخ الموصى فى مدة ثمان سنوات من يوم وفاته ليستعين به على معاشه وباقى المبلغ يصرف فى وجوه خيرات وصدقات وبر بمعرفة الوصية المختارة وهى زوجته معتوقته الوصية على أولاده القصر وعلى تركته على أن تضع يدها على كامل ما هو مخلف عنه بعد وفاته جميع تركته من عقار وأطيان ومنقولات بحيث لا يمكن لأحد من ورثته أن يتصرف فى شىء مما تركه إلا بعد تنفيذ الوصية .
فهل للوصية منع الرثة من تأجير حصتهم وهل لها أخذ مبلغ الوصية دفعة واحدة أو تدريجا ثلث الريع .
وهل هلا أن تأخذ أكثر من ثلث الريع وهل يفسر قصد الموصى بجواز حرمان أولاده من كل الريع لأجل الخيرات وهل للوصية أن تضع يدها على حصة غير القاصر
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن المصرح به أن الوصية بعد قضاء الدين مقدمة على الميراث وأن الورثة إنما يأخذون التركة لأنفسهم إذا دفعوا الدين أو الوصية من مالهم وأن الوصية فى مثل هذا السؤال هى وصية مرسلة لأنها بنقود معينة .
وبناء على ذلك إن كان فى التركة نقود تفى بالمبلغ الموصى به نفذت الوصية منها، وإن لم يكن فيها نقود وكان فيها منقولات أخر تباع المنقولات وتنفذ الوصية من ثمنها، وإن لم يكن هناك منقولات أيضا كان للوصى أن يبيع من عقارات التركة بمقدار المبلغ المذكور على ما عليه المعول فى المذهب وإن أراد الورثة تنفيذ الوصية المذكورة من مالهم كان لهم ذلك ولو اختلفوا فللوصى تنفيذ الوصية على وجه ما ذكر ولا يلتفت إلى قولهم ومن ذلك يعلم أن للوصى أن يأخذ مبلغ الوصية دفعة واحدة سواء كان ذلك من مال الورثة إن شاءوا استخلاص التركة وتنفيذ الوصية المذكورة من مالهم أو من التركة على وجه ما ذكر .
وعلى ذلك يكون للورثة أن يأخذوا نصيبهم فى العقار إن كان فى التركة نقود تفى بالوصية المذكورة أو منقولات يفى ثمنها بذلك أو نفذوا الوصية من مالهم واستخلصوا التركة(7/128)
رجوع الموصى عن الوصية
F محمد بخيت .
رجب 1335 هجرية 15مايو 1917 م
M 1 - جواز رجوع الموصى عن الوصية ولو حرم ذلك على نفسه بكتاب الوصية لأن تمامها إنما يكون بالموت .
2 - الإيجاب المقرر يجوز إبطاله فى المعاوضات المالية ففى التبرعات أولى ولو لم يصادف إيجابه قبولا لأن القبول يتوقف على الموت ولا موت فكانت الوصية إيجابا مقررا غير مقترون بالقبول وإذا كان كذلك جاز الرجوع عنه .
3 - يقترن الإيجاب بالقبول بعد الموت إذا قبل الموصى له الوصية .
4 - حرمان الموصى نفسه من الرجوع فى كتاب الوصية من باب التزام مالا يلزم شرعا ولا عبرة به
Q رجل أوصى بإنفاق قيمة الثلث من تراثه فى وجوه عينها وأقام ولده منفذا لوصيته بعد وفاته وصدر بها إشهاد شرعى من محكمة طرابلس الغرب الشرعية مؤرخ 23 القعدة 1331 هجرية الموفق 23 أكتوبر سنة 1913 م وقد حرم على نفسه الرجوع عن هذه الوصية تحريما تاما .
ثم بعد ذلك استبدل هذه الوصية بأخرى صدر بها إشهاد شرعى من محكمة الاسكندرية الشرعية بتاريخ 3 ذو القعدة سنة 1333 هجرية الموافق 13 سبتمبر 1915 م وقد ألغى بهذه الوصية الأخيرة وصيته الأولى المذكورة بتاتا فهل الشرع الشريف يجيز لهذا الرجل إجراء هذا الاستبدال مع تحريم ذلك على نفسه التحريم التام
An اطلعنا على هذا السؤال وعلى ورقتى الوصية والرجوع عنها .
ونفيد أن الرجوع عن الوصية المذكورة من الموصى على حسب الإشهاد المحرر من محكمة الاسكندرية الشرعية بتاريخ 3 القعدة سنة 1333 هجرية صحيح شرعا ولا يمنع من ذلك تحريمه على نفسه الرجوع عن الوصية الصادر بها إشهاد من محكمة طرابلس الغرب، وذلك لأن تمام الوصية إنما يكون بموت الموصى، ولأن القبول بتوقف على الموت، والإيجاب المفرد يجوز إبطاله فى المعاوضات كالبيع ففى التبرع أولى، ولاشك أن الصادر من الموصى مادام حيا هو إيجاب مفرد، أى غير مقترن بالقبول، وإنما يقترن بالقبول بعد الموت إذا قبل الموصى له، فيكون للموصى الرجوع ولو شرط أن لا يرجع .
لأن الشرط لغو والتزام لما لا يلزم شرعا . كما يؤخذ ذلك من الدر المختار، وما نقله فى رد المختار عليه عن العناية بصحيفة 646 طبعة أميرية المؤرخة فى أواخر ربيع الآخر سنة 1286(7/129)
وصى مختار
F محمد بخيت .
ربيع أول 1338 هجرية 12 ديسمبر 1919 م
Mللوصى أن يبيع كل التركة متى كانت مستغرقة بالديون، لا فرق بين نصيب القاصر والبالغ سدادا للدين .
وإن كانت غير مستغرقة بالدين كان له أن يبيع منها بقدر الدين إجماعا، بلا فرق فى ذلك بين نصيب البالغ والقاصر، ولا يبيع أزيد من الدين على قولهما المفتى به
Q بما صورته ما الذى تقضى به نصوص الشريعة الإسلامية فيما إذا أقام رجل ابنيه وصيين بالاشتراك بوصية مسجلة بمحكمة فاقوس قال فى هذه الوصية ما نصه .
يقبض الوصيان المذكوران ويحصران كامل مخلفاته وأمواله وحقوقه ويتوليان تكفينه وتجهيزه ومواراته فى رمسه من أصل ماله أسوة أمثاله وتسديد ما عساه أن يكون على الموصى المشار إليه من الديون وتحصيل ما يكون له قبل الغير، وتقسيم ما يبقى بعد التجهيز من مخلفاته وأمواله وحقوقه بين ورثته الشرعيين بالطريق الشرعى، ويبقيان ما يخص أولاده القصر من ذلك تحت يدهما وينظران فى أحوال القصر المذكورين بجملتها ومتعلقاتهم بأسرها ويقبضان أموالهم وحقوقهم قبل من كانت وحيث تكون ويخصمان عنهم فى كل مالهم وعليهم أمام جميع المحاكم شرعية كانت أو أهلية أو مختلطة وكافة دواوين الحكومة ويتصرفان لهم وعليهم بما فيه الحظ والمصلحة لهم ويفعلان كل ما يسوغ للأوصياء الشرعيين المختارين فعله شرعا أيضا شرعيا صحيحا .
إلخ . ثم فى يوم الاثنين 26 محرم 1333 هجرية الموافق 14 ديسمبر سنة 1914 م أمام قاضى محكمة ههيا الشرعية عزل أحد الوصيين وأبقى الثانى وصيا بدون شريكه، وقال بعد حصر الوصية فى أحدهما مانصه (على من يوجد من ورثته قاصرا من بعد انتقاله للدار الباقية وإن حضرة نجله المذكور يقبض جميع ما يترك عنه من عقار ومنقول وأطيان وغير ذلك قل أو جل، وأن يفعل وينفذ جميع ما هو منصوص عنه بالوصاية السابقة من غير شريك له فى ذلك ولا معارض، وشرط أن لا يكون لأحد من ورثته البلغ حق طلب شىء من تركته ولا وضع يده على شىء منها، وأن لا تقسم ولا تفرز إلا بعد سداد ما يكون عليها من الديون وأن ما تبقى منها بعد السداد يقسم بين الورثة بالفريضة الشرعية يجرى الحال فيما ذكر كله بمعرفة نجله حسين بك الذى حصر الوصاية فيه وعليه فى ذلك بتقوى اللّه إلخ .
فهل هذا الشرط يبيح للوصى المختار على التركة أن يبيع حق القاصر والبالغ سدادا فى الدين ولا يلتفت لمعارضة البلغ الراشدين الحاضرين، ولو عارض البالغ الرشيد الحاضر فى ذلك بقوله إن هذا النصر غير جائز شرعا على البلغ الراشدين الحاضرين فيكون لكل بالغ رشيد حاضر من أولاد المتوفى أن يستولى بنفسه على نصيبه فى التركة ويقوم بسداد ما يخصه من الدين، أو أن يشارك كل بالغ رشيد حاضر الوصى المختار بالتصرف بالبيع وسداد الديون بحيث يكون الوصى المختار عن نفسه وعن أولاد المتوفى القصر فقط وكل بالغ رشيد حاضر عن نفسه مع أن التركة مستغرقة بالدين
An اطلعنا على هذا السؤال وعلى إشهادى الوصايتين المذكورين ونفيد أن صاحب الفتاوى المهدية قال بصحيفتى 59، 60 ما نصه (للوصى بيع كل العروض تنفيذا لوصية بالثلث وإن لم يرض به الورثة، وليس له بيع ما سوى ثلث العقار بدون رضاهم .
.
من أدب الأوصياء وإن كان على الميت دين إن كان محيطا بالتركة أجمعوا أنه يبيع كل التركة وإن لم يكن مستغرقا يبيع بقدر الدين بالإجماع وفى مازاد على الدين يبيع أيضا عنه الإمام وعندهما لا يبيع .
المقصود منه . وقال فى متن التنوير وشرحه بصحيفة 695 جزء خامس طبعة أميرية سنة 1286 هجرية .
ما نصه (وجاز بيعه أى الوصى على الكبير الغائب فى غير العقار إلا لدين أو خوف هلاكه .
وفى رد المختار عليه فى هذا الوضع ما نصه بيان المسألة .
أنه إذا لم يكن على الميت دين ولا وصية فإن كان الورثة كبارا حضورا لا يبيع شيئا ولو غيبا له بيع العروض فقط، وإن كانوا كلهم صغارا يبيع العروض والعقار، وإن كان البعض صغارا والبعض كبارا فكذلك عنده .
وعندهما يبيع نصيب الصغار ولو من العقار دون الكبار إلا إذا كانوا غيبا فيبيع العروض وقولهما القياس .
وبه نأخذ . وإن كان على الميت دين أو أوصى بدراهم ولا دراهم فى التركة والورثة كبار حضور فعنده يبيع جميع التركة .
وعندهما لا يجوز إلا بيع حصة الدين .
ملخصا من غاية البيان . وقال بعد ذلك أيضا وفى العناية قيد بالغيبة لأنهم إذا كانوا حضورا ليس للوصى التصرف فى التركة أصلا إلا إذا كان على الميت دين أو أوصى بوصية ولم تقض الورثة الديون ولم ينفذوا الوصية من مالهم، فإنه يبيع التركة كلها إن كان الدين محيطا وبمقدار الدين إن لم يحط .
وله بيع مازاد على الدين أيضا عند أبى حنيفة خلافا لهما . وينفذ الوصية بمقدار الثلث .
ولو باع لتنفيذها شيئا من التركة جاز بمقدارها بالإجماع .
وفى الزيادات الخلاف المذكور فى الدين .
قال فى أدب الأوصياء وبقولهما يفتى كذا فى الحافظية والغنية وسائل الكتب .
ومثل فى البزازية . ومن ذلك يعلم أن للوصى المذكور بالسؤال متى كانت التركة مستغرقة بالديون أن يبيع كل التركة لا فرق بين نصيب القاصر والبالغ سدادا للدين، وإن كانت غير مستغرقة بالدين كان له أن يبيع منها بقدر الدين إجماعا، بلا فرق فى ذلك بين نصيب البالغ والقاصر .
ولا يبيع أزيد من الدين على قولهما المفتى به، واللّه أعلم(7/130)
وصية بلفظ الهبة
F محمد بخيت .
جماد آخر 1338 هجرية 26 فبراير 1920 م
M 1 - الهبة المضافة إلى ما بعد الموت تبرع مضاف إلى ما بعد الموت وهو معنى الوصية .
2 - متى مات الموصى وكانت الأطيان المرهونة فى ملكه وقت موته كانت منفعتها ملكا للموصى له إن خرجت من ثلث التركة .
وإن لم تخرج نفذت الوصية فى مقدار الثلث فقط
Q من محمد على فى رجل يدعى محمد أفندى كتب عقدا لمن يدعى سليمان عزب وهذا نصه (فى يوم الجمعة الموافق 25 ربيع سنة 1317) .
قد وهب وتبرعت من بعد حياة عينى بمنفعة فدانين أطيان سواد من أطيانى العشورية الكائنة بناحية ميت كنانة قليوبية إلى سليمان عزب تابعنا ابن المرحوم عزب وذلك برضا منى وإيهاب منى إليه حتى بعد حياة عينى، يكون له حق الانتفاع بمنفعة هذين الفدانين المذكورين بدون منازع من الورثة جميعا .
وقد تحرر هذا منى للمعاملة بموجبه وقت اللزوم .
هل هذا يعتبر هبة أو وصية وما الحكم الشرعى فى كل منهما
An اطلعنا على هذه السؤال، وعلى العقد المرفق به، ونفيد .
أن هذا العقد وإن كان بلفظ الهبة لكنه فى المعنى وصية، لأنه أضاف التمليك إلى ما بعد موته، حيث جعل الموهوب هو منفعة الفدانين المذكورين بعد حياة عينه فحينئذ متى مات الموصى وكانت الأطيان المذكورة فى ملكه وقت موته كانت منفعتها ملكا لسليمان عزب الموصى له المذكور إن خرجت من ثلث التركة، وإن لم تخرج نفذت الوصية فى مقدار الثلث فقط .
وهذا كله لأن العبرة للمعانى لا للألفاظ، لأن الهبة المضافة إلى ما بعد الموت تبرع مضاف غلى ما بعد الموت وهو معنى الوصية(7/131)
وصية المرتد حال اسلامه
F محمد إسماعيل البرديسى .
ربيع أول 1339 هجرية 2 ديسمبر 1920 م
M وصية المرتد حال إسلامه باطلة مطلقا لا فرق فى ذلك بين ما هو قربة أو غير قربة
Q من أحمد أفندى فى رجل يدعى حنا بانوب كان نصرانيا وأسلم وسمى نفسه محمد توفيق وفى حالة إسلامه أوصى لابنه المدعو بانوب حنا القاصر وقت عمل الوصية بمقتضى ورقة عرفية بتاريخ 7 أكتوبر سنة 1908 إفرنكية وثبت تاريخها بمحكمة مصر المختلط 13 أكتوبر سنة 1908 وهذا ما جاء بالوصية (أنا الموقع على هذا حنا أيوب بانوب جرجس من قلوصنا مركز سمالوط مديرية المنيا قد أوصيت وأنا بحالة الصحة والكمال لابنى بانوب حنا بانوب مقدار الربع بعد الثمن فى الأطيان المكلفة على اسمى الكائنة بنواحى قلوصنا وجواده، وفى النخيل الكائن بهاتين الجهتين، وفى وابورات الطحين ذو الثلاثة حجارة الكائنين بقلوصنا ومطاى وفى المنازل المملوكة، لى وفى كل ما يستجد من أطيان وأملاك أو منقولات فى أى جهة كانت أملكها بحيث أنه لا يملك منها بانوب ابنى المذكور شيئا إلا بعد عمر طويل من عمرى، أى بعد انتهاء أجلى فى هذه الحياة التى لابد لى عنها .
وهذه تحررت باختيارى ورضاى، مع ما تقدم فإن الموصى المذكور ارتد غلى النصرانية بالثانى قبل وفاته بسنة وثلاثة شهور فى 4 مايو سنة 1917 ببطركخانة الأقباط الأرثوذكس بالمنيا بمقتضى قرار من المجلس الملى .
فهل والحالة هذه تكون هذه الوصية صحيحة ونافذة أم تكون باطلة بمجرد ارتداده .
أفيدوا الجواب
An اطلعنا على هذا السؤال وعلى صورة الوصية المذكورة .
ونفيد أنه قال فى الهندية بصحيفة 254 جزء 2 ما نصه (وأما ما أوصى به (أى المرتد) فى حال إسلامه فالمذكور فى ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل مطلقا من غير فرق بين ما هو قربة أو غير قربة ومن غير ذكر خلاف .
كذا فى فتح القدير . ومثل ذلك فى رد المختار بصحيفة 466 جزء ثالث طبعة أميرية سنة 1286 .
وقال فى رد المختار أيضا بصحيفة 463 من الجزء المذكور ما ملخصه (ولا توقف فى بطلان إيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه) من ذلك يعلم أنه متى كان الحال كما ذكر فى السؤال تكون الوصية المذكورة باطلة شرعا بردته، واللّه تعالى أعلم(7/132)
مقاسمة الوصى الصغير فى مال مشترك بينهما
F عبد الرحمن قراعة .
رجب 1314 هجرية 11/3/1923 م
M 1 - يملك الأب لا الجد قسمة مال مشترك بينه وبين الصغير بخلاف الوصى .
2 - لا تجوز قسمة مال مشترك بين الوصى والصغير إلا إذا كان للصغير فيه نفع ظاهر عند الإمام .
وقال محمد بعدم الجواز مطلقا
Q فى وصى على قاصر من قبل القاضى له عقار مشترك بينه وبين القاصر هل يجوز شرعا أن يقسم ذلك العقار بينه وبين القاصر .
أم كيف الحال ولكم الأجر والثواب
An قال فى شرح الدر المختار فى آخر باب الوصى ما نصه (يملك الأب لا الجد قسمة مال مشترك بينه وبين الصغير بخلاف الوصى) .
وكتب محشيه العلامة ابن عابدين على قوله (بخلاف الوصى) ما نصه (فإنه لا يجوز قسمته مالا مشتركا بينه وبين الصغير إلا إذا كان للصغير فيه نفع ظاهر عند الإمام .
وقال محمد لا يجوز مطلقا .
ذخيرة . ونقل صاحب كتاب جامع أحكام الصغار عبارة الذخيرة بقوله ما نصه (وفى الذخيرة قاسم الوصى مالا مشتركا بينه وبين الصغير لم يجز إلا إذا كان الصغير فيها نفع ظاهر .
وهذا عند الإمام . وقال محمد لا تجوز وإن كان للصغير فيها منفعة ظاهرة) .
ومن ذلك يعلم الجواب، واللّه أعلم(7/133)
تصح الوصية من المسلم للذمى وبالعكس
F عبد الرحمن قراعة .
جماد أول 1342 هجرية 22 ديسمبر 1923 م
M 1 - الوصية من المسلم للذمى وبالعكس صحيحة شرعا .
2 - ولا تصح للحربى المقيم فى دار الحرب
Q إن المدام وازيل جبريل لرو الفرنساوية الجنس والتابعة للحكومة الفرنساوية تدعى أن المرحوم محمد بك مراد نجل المرحوم مراد بك محمد فى حال حياته قد أوصى لها بوصيتين وهو بباريس عاصمة فرنسا (نص الأولى) أعطى وأوصى إلى المدام وازيل جبريل لرو معاشا سنويا ومدى حياتها قدره أربعة آلاف فرنك مضمونا بتسجيل عقار على أملاكى الكائنة بالقطر المصرى وهذه الوصية قد عملت وليس عليها رسوم ولا رسوم تركات تحريرا بباريس فى 9 ديسمبر سنة 1915 محمد مراد رعية مصرى مولود بالإسكندرية سنة 1886 ومقيم بمصر بشارع معمل البارود .
(نص الثانية) أعطى وأوصى إلى المدام وازيل جبريل لرو مبلغ خمسة وعشرين ألف فرنك وعلاوة على ذلك معاشا سنويا ومدى الحياة قدره ستة آلاف فرنك تكون مضمونة بتسجيل عقارى على أملاكى الكائنة بالقطر المصرى وهذه الوصية قد عملت وليس عليها رسوم ولا مصاريف تركات تحريرا بباريس فى 2 فبراير سنة 1917 محمد مراد وبما أننا نحن ورثة المرحوم محمد بك مراد المذكور ننكر الوصيتين المذكورتين ولكننا على فرض أنهما صحيحتان وأن المرحوم محمد بك مراد وقع عليهما .
نرجو إفادتنا بما يقتضيه المنهج الشرعى من جهة صحة الوصيتين المذكورتين أو عدم صحتهما مستندا فى ذلك على النصوص الشرعية، مع العلم بأن الموصى لها المذكورة فرنسية الجنس حربية ليست بذمية ومقيمة بدار الحرب
An الحكم الشرعى أنه تصح الوصية من المسلم للذمى والعكس ولا للحربى المقيم بدار الحرب قال فى متن التنوير وشرحه الدر ما نصه (ومن المسلم للذمى وبالعكس لا حربى فى داره) ، واللّه أعلم(7/134)
وصية اختيارية
F عبد الرحمن قراعة .
ذى الحجة 1342 هجرية 28 يوليو 1924 م
M 1 - الوصية بمثل نصيب ابن صحيحة وبنصيب ابن غير جائزة شرعا .
2 - الأصل أنه متى أوصى بمثل نصيب بعض الورثة يزاد مثله على سهام الورثة
Q رجل توفى عن ورثته الشرعيين .
عن زوجته آمنة أبو طالب حسين وعن ولدين محمد .
وشكر . وعن بنت اسمها منى . وفى حال حياته أوصى لعثمان وأحمد وهنومة أولاد بنته فاطمة المتوفاة حال حياته المرزوقة بهم من زوجها حسن ابن أبى المليح بمثل نصيب بنت له .
ومات وليس له وارث ولا موصى له غير من ذكر . وترك لهم تركة يريدون تقسيمها بينهم حسب ما يقتضيه الشرع الشريف فما نصيب كل منهم فى تركته .
هذا، والمتوفى قال فى وصيته لأولاد بنته المذكورين إن ما جعله لهم يقسم بينهم للذكر ضعف الأنثى
An قال فى متن التنوير وشرحه (وبمثل نصيب ابنه صحت .
وبنصيب ابنه لا وله فى الصورة الأولى ثلث إن أوصى مع ابنين ونصف مع ابن واحد إن جاز .
ومثلهم البنات والأصل أنه متى أوصى بمثل نصيب بعض الورثة يزاد مثله على سهام الورثة) وحيث كانت حادثة السؤال أن المتوفى المذكور توفى عن ورثته وهم زوجته وابناه وبنته وقد أوصى لأولاد بنته الثلاثة المذكورين بمثل نصيب بنت ومات مصرا على وصيته .
فالوصية حينئذ من ثمانية وعشرين سهما وخمس سهم للموصى لهم وهم أولاد بنته أربعة أسهم وخمس سهم تقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين حسبما جاء فى وصيته .
وللزوجة ثلاثة أسهم ولكل واحد من الابنين ثمانية أسهم وخمسا سهم .
وللبنت الموجودة أربعة أسهم وخمس سهم وذلك أن نصحح الفريضة أولا لولا الوصية فنقول لولا الوصية لكانت من أربعة وعشرين سهما للزوجة منها الثمن ثلاثة أسهم والباقى وهو أحد وعشرون سهما للابنين والبنت فيكون لكل واحد من الابنين ثمانية أسهم وخمسا سهم وللبنت أربعة أسهم وخمس سهم ثم يزاد على أصل الفريضة وهو الأربعة والعشرون سهما مثل نصيب البنت وهو أربعة أسهم وخمس سهم فصارت ثمانية وعشرين سهما وخمسا .
فيعطى أولا للموصى لهم أربعة أسهم وخمس سهم للذكر مثل حظ الانثيين .
لأن الوصية مقدمة على الميراث فبقى أربعة وعشرون سهما، يعطى مهنا للزوجة الثمن ثلاثة أسهم والباقى وهو واحد من الابنين ثمانية أسهم وخمسا سهم وللبنت أربعة أسهم وخمس سهم كما يؤخذ ذلك من الفتاوى الهندية بصحيفة 99 من الجزء الثالث، واللّه أعلم(7/135)
وصية بورقة عرفية
F عبد الرحمن قراعة .
محرم 1343 هجرية 10 أغسطس 1924 م
M 1 - إنكار الوصية وصدورها عن الموصى 13/4/1919 مانع من سماع الدعوى عند إنكارها .
2 - الإقرار بالوصية وأن الموصى توفى مصرا عليها يعامل المقر بإقراره .
3 - يبدأ من التركة بتجهيز الميت ودفنه وعمل الختمات والباقى بعد ذلك يكون للموصى له .
4 - الموصى له بأزيد من الثلث مقدم على بيت المال
Q من مصلحة الأملاك الأميرية بما صورته الأمل التكرم بالتنبيه بالإفادة عما ترونه فضيلتكم فى الورقة طيه المنسوب صدروها من المرحومة سيدة بنت إبراهيم أغا خليل المتوفاة عن الحكومة .
ومقال بوجود ورثة لها . ولم يبت فى أمر هذا القول للآن
An مطلوب بإفادة سعادتكم رقم 23 يولية سنة 1924 نمرة 1349 أخذ رأينا فى الورقة المرافقة لها المنسوب صدورها إلى المرحومة الست سيدة بنت إبراهيم أغا خليل .
ومن حيث إن مضمون هذه الورقة وصية .
والورقة نفسها مؤرخة فى 13 أبريل سنة 1919 ، وحيث إن الرأى فى هذه الورقة يتوقف على ما تراه المصلحة فيها من جهة إنكارها أو الإقرار بها .
فإن كانت المصلحة منكرة لهذه الوصية وصدروها من المتوفاة فإن المحاكم الشرعية تكون ممنوعة من سماع الدعوى بها عملا بالفقرة الثانية من المادة مائة من لائحة المحاكم الشرعية نمرة 31 سنة 1910 المتوجه بالأمر العالى وهذا نصها وأما الحوادث الواقعة من سنة 1911 ألف وتسعمائة وإحدى عشر الإفرنكية فلا تسمع فيها دعوى ما ذكر بعد وفاة الموصى أو المعتق أو المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكر وواضح أن هذه الورقة ليست كذلك وإن كانت المصلحة مقرة بهذه الوصية وأن الموصية ماتت مصرة على وصيتها فإنها تعامل بإقرارها .
فيبدأ من تركة المتوفاة بتكفينها وتجهيزها وأعمال الختمات المذكورة .
وما بقى بعد ذلك يكون للست عزيزة بنت الشيخ على إبراهيم الشماع الموصى لها .
وذلك بأن الموصى له بأزيد من الثلث مقدم على بيت المال .
هذا ما رأيناه فى هذه الورقة ولزمت الإفادة به .
والأوراق عائدة من طيه كما وردت .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام(7/136)
وصاية
F عبد الرحمن قراعة .
جمادى الأولى 1343 هجرية 17 ديسمبر 1924 م
Mمتى حجر على السفيه فلا يرفع الحجر عنه إلا بحكم قاض مختص على المذهب الراجح
Q بلغ صغير سن الرشد غير رشيد وثبت تبذيره وإسرافه .
وصدر حكم من المجلس الحسبى باستمرار الوصاية عليه ولم يرفعها عنه إلى الآن .
فهل تنتهى هذه الوصاية من نفسها ببلوغ القاصر الخامسة والعشرين أم يجب أن يثبت رشده وصلاحيته لاستلام أملاكه
An فى تنقيح الحامدية بصحيفة 146 جزء ثان طبعة أميرية سنة 1300 ما نصه ( سئل فى صغيرة يتيمة بلغت غير رشيدة سفيهة مبذرة وثبت ذلك عليها بالبينة الشرعية لدى قاض شرعى .
فهل يحجر عليها ولا يسلم مالها إليها حتى تبلغ خمسا وعشرين سنة (الجواب) حيث بلغت غير رشيدة لا يسلم إليها مالها حتى تبلغ خمسا وعشرين سنة عند الإمام رحمه اللّه تعالى، لأن المنع كان لرجاء التأديب .
فإذا بلغت ذلك السن ولم تتأدب انقطع عنها الرجاء غالبا فلا معنى للحجر بعده .
وعندهما لا يدفع إليها المال ما لم يؤنس منها الرشد .
فحينئذ يدفع إليها مالها لأنهما يريان الحجر على الحر بالسفه .
قال فى التنوير وشرحه وعندهما يحجر على الحر بالسفه والغفلة .
وبه أى بقولهما يفتى صيانة لماله إلى أن قال ناقلا عن الجوهرة مانصه ثم اختلفا فيما بينهما .
قال أبو يوسف لا حجر عليه إلا بحجر الحاكم ولا ينفك حتى يطلقه .
وقال محمد فساده فى ماله يحجره وإصلاحه فيه يطلقه والثمرة فيما باعه قبل حجر القاضى يجوز عند الأول لا الثانى .
وظاهر كلامهم ترجيح قول أبى يوسف .
ومن ذلك يعلم أنه حيث ثبت تبذير ذلك الشخص الذى بلغ غير رشيد وإسرافه وحكم به قاض مختص فلا يرتفع الحجر عنه إلا بحكم قاض مختص على المذهب الراجح وهو مذهب أبى يوسف، واللّه تعالى أعلم(7/137)
وصية
F عبد الرحمن قراعة .
رمضان 1343 هجرية 14 ابريل 1925 م
Mلا يدخل فى الوصية ما يختص بشراء الدواء وعيادات الطبيب فإنها من حاجات الموصية فى الحياة .
كذلك لا يدخل فيها ما يختص بأجرة إعلان وفاته بالجرائد والشكر على التعزية وثمن السجائر للرجل والنساء
Q بخطاب مصلحة الأملاك الأميرية .
توفيت المرحومة كسمديل هانم أرملة المرحوم إسماعيل باشا عبد الخالق عن الحكومة ويقال بأنها معتوقة حضرة صاحبة السمو الأميرة تفيده هانم كريمة المغفور له إسماعيل باشا خديوى مصر الأسبق .
وما تخلف عن هذه المتوفاة عبارة عن منقولات منزلية ومصاغ ونقدية قيمتها جميعا خلاف متجمد استحقاق 570 مليم و 173 جنية لها فى وقف من قبلها عبارة عن س 20 - ط 19 - ف 8 مقدر لها ثمنا 582 مليم و1765 جنيه ولم يعلم قيمة هذا الاستحقاق الآن .
وعند حصر التركة 528 1765 ولم يعلم قيمة هذا الاستحقاق الآن .
وعند حصر التركة أورى حضرة صاحب الدولة عبد الخالق باشا ثروت أنها قبل وفاتها ومرضها سلمت إليه مبلغ مائة جنيه مقابل القيام بما يلزم لها من التجهيز وأعمال الصدقات والخيرات على روحها حسب المعتاد فى مثل هذه الأحوال وقد قدم الكشف المرفق طيه ببيان مقدار ما صرفه فى الوجوه المحكى عنها ونرجو التكرم بالإفادة عما ترون فضيلتكم نحوه من جهة صحة الأخذ بهذه المفردات من الوجهة الشرعية من عدمه
An علم ما جاء بإفادة جنابكم رقم 20 أبريل سنة 1925 107 بخصوص تركة المرحومة كسمديل هانم وبالاطلاع على الكشف المرافق لها وجد أن التصرفات المدونة به وتنفيذ وصيتها على الوجه المبين فى مفرداته لا تخرج عما أوصت به، وذلك لأن ما اشتمل عليه الكشف لم يخرج عن التجهيز والتكفين والدفن ومقدماتها وحتمياتها والخيرات والصدقات المعتادة لأمثالها ولم يشذ عن ذلك سوى ما يختص بشراء الدواء وعيادات الطبيب فإنها من حاجاتها فى الحياة وليس داخلة فيما أوصت به، وسوى ما يختص بأجرة إعلان وفاتها بالجرائد، وما يختص بإشارات الشكر التلغرافية على التعزية، وما يختص بثمن السجائر مطلقا للرجال والنساء فإنها خارجة أيضا عما أوصت به .
وحينئذ فيصح الأخذ شرعا بما اشتمل عليه الكشف من الوجهة الشرعية إلا فيما استثنى والأوراق عائدة من طيه كما وردت(7/138)
وصية
F عبد الرحمن قراعة .
جماد آخر 1345 هجرية 15 ديسمبر 1926 م
M 1 - الوصية لوارث لا تقع صحيحة .
2 - لا تنفذ الوصية للأجانب فى الزيادة على ثلث التركة إلا إذا أجازها الورثة بعد موت الموصى ويقسم الثلث على الموصى لهم عدا الزوجة .
3 - الموصى لها توفيت فى حياة الموصى على فرض حياتها بعده يرد ما خصها إلى ورثة الموصى
Q فى أن مصطفى بك ناظر قلم دعاوى مديرية أسيوط فى حال حياته ونفاذ تصرفاته الشرعية أوصى وصية مختارة من قبله مسجلة بمحكمة مديرية أسيوط الشرعية فى 20 ذى القعدة سنة 1290 صورتها كالآتى إن مصطفى أفندى ناظر قلم دعاوى مديرية أسيوط حالا ابن المرحوم أحمد مصطفى سرمد قد أنهى لمديرية أسيوط أنه استخار اللّه العظيم وأوصى لمستولدته التى أنجز عتقها وتزوجها بعقد نكاح فاطمة البيضاء بنت عبد اللّه الأبيض المدعوة بدلبار ولمعتوقة أخيها أحمد بجميع منزله الكائن بدرب سعادة بالمحروسة بعد سداد باقى دين الرهن لمرتهنه وبجميع ما يوجد عند موته من فراش ونحاس يقتسمان ذلك مناصفة لكل منهما النصف، وأوصى لهما أيضا بثلثى أطيانه البرية البالغ قدرها مائة وواحد وعشرون فدانا وربع من فدان ونصف قيراط لكل واحدة منهما فيها الثلث الكائن بعضها بناحية منيا القمح وبعضها بناحية ملامس وبعضها بناحية (كفر شاش أمواته) وبناحية ميت يزيد بجهة بحرى وبثلثى ما هو قائم بها من الأبنية والسواقى والأشجار والمواشى وكامل آلات الزراعة لكل واحدة منهما الثلث .
كذلك أوصى لهما أيضا بثلثى المنزل الكائن بناحية منيا القمح وأوصى بالثلث الثالث فى الأطيان المذكورة والبناء والسواقى والأشجار والمواشى وكامل آلات الزراعة وثلث المنزل الكائن بناحية مينا القمح لصهرته الست فلك ناس بنت عبد اللّه الأبيض ولعتقائه وخدمه المستمرين على خدمته لوقت موته يستحقون فيها الثلث المذكور يتقاسمونه فيما بينهم بعد انقضاء أجله وسداد ما عليه من الديون ومنها دين رهن المنزل الكائن بالمحروسة بدرب سعادة المتقدم ذكره .
وأقام صهرته فلك ناس المذكورة وصية مختارة من قبله على تنفيذ وصاياه وسداد ديونه .
وطلب تسطير ذلك بسجل المديرية إتباعا لأمره الكريم فأجيب لذلك بأمر سعادة مدير أسيوط حالا .
وأشهد على نفسه بذلك طائعا راغبا ورغب تسطيره فى هذا طبقا للواقع ويراجع عند الحاجة فأجيب لذلك وسطر هذا ناطقا بصورة الحال ويرجع إليه فى المآل وقد توفى جميع الخدم والست فلك ناس بنت عبداللّه الأبيض المذكورة بالوصية المعينة لتنفيذ وصاياه فى حال حياة الموصى ثم توفى الموصى وهو مصر على وصيته هذه بتاريخ 25 ربيعي الثانى سنة 1301 هجرية ولم يرجع عنها إلى موته وكان الموجود عند موته زوجته فاطمة البيضاء الشهيرة بدلبار هانم التى كانت حاملا وقتها وعتقائه وهم أحمد المعتوق المذكور بالوصية ومحمد العبد بن عبد اللّه وبلال سليم زعفران بنت عبد اللّه زوجة بلال سليم المذكور .
وبعد وفاة الموصى وضعت زوجته فاطمة البيضاء فى شهر شعبان سنة 1301 هجرية بنتا سميت وحيدة بنت مصطفى بك سرمد وتوفيت فى شوال سنة 1305 هجرية والزوجة لم تجز الوصية إليها فصارت الوصية باطلة لأنها وصية لوارث .
وأمام أوصى به لغير الزوجة فهى وصية لأجنبى فيجوز بالثلث من غير أجازة الورثة .
والغرض الاستفهام عن كيفية تقسيم ثلث التركة الذى صحت فيه الوصية على جميع الموصى لهم عدا الزوجة .
فهل يقسم بالتساوى وبنسبة أنصبائهم أفيدونا بالجواب ولكم الثواب
An من حيث إن الوصية للزوجة المذكورة لم تقع صحيحة لأنها وصية لوارث ولم يجزها أحد من الورثة من أهل التبرع بعد موت الموصى وحيث إن الموصى لهم عدا الزوجة أجانب عن الموصى فلا تنفذ الوصية لهم إلا فى ثلث التركة فقط .
لأن الوصية بما زاد على الثلث للأجنبى لا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة بعد موت الموصى وهم من أهل التبرع ولم يوجد ذلك، وحيث إن الست فلك ناس إحدى الموصى لهم توفيت فى حياة الموصى فلا يكون الثلث الذى نفذت فيه الوصية للموصى لهم عدا الزوجة والست فلك ناس .
وبناء على ذلك يقسم ثلث التركة على الموصى لهم عدا الزوجة بنسبة أنصبائهم، وما خص فلك ناس المتوفاه فى حياة الموصى على فرض حياتها بعده يرد إلى ورثة الموصى .
واللّه أعلم(7/139)
تنفيذ الحكم النهائى لبعض الورثة يكون على قدر حصته فقط
F عبد المجيد سليم .
جمادى الأولى 1347 هجرية 12 نوفمبر 1928 م
M 1 - إستصدار الموصى له حكما نهائيا بالنسبة لبعض الورثة من المحكمة المختصة بصحة ونفاذ الوصية ينفذ على من صار الحكم نهائيا بالنسبه له من الورثة بقدر ما يخصه على فرض أن الحكم صار نهائيا بالنسبة للباقين .
2 - صيرورة الحكم نهائيا بالنسبة لبعض الورثة بمثابة إقرار منه بالوصية بالنسبة له
Q من الشيخ عبد الرحمن عبد اللّه فى أن رجلا يدعى على خطاب عبد اللّه أوصى بتاريخ 20/10/1920 لبنتى ابنه المرحوم على على عبد اللّه وهما سكينة وبهية بنصيب فى تركته يساوى ثلاثة أرباع نصيب ولد من الذكور من أولاده بعد إخراج الثمن إستحقاق الزوجات فى جميع ما يورث عنه من أطيان وعقار وقد توفى الموصى المذكور عن أطيان قدرها س 20- ط 7 - ق 54 وعن عقار تبلغ مساحته ألف ومائتى ذراع وانحصر ميراثه فى زوجتيه وصيفة عبد العال سالم وفانى عمر الغمراوى وعن أولاده عبد العزيز وعبد الرحمن ومحمود وبناته سعدية وبهية ونبيهة وعنبره وأصبح ما تستحقه بنتا إبنه الموصى لهما المذكورتين بموجب الوصية وبمقتضى الحكم الصادر من محكمة طنطا الكلية بتاريخ 31 مايو سنة 1927 المقيد تحت رقم 633 سنة 1924 ومرفق طى هذا لاطلاع فضيلتكم عليه هو س 15 ط 4 ف 6 ومائة وعشرين ذراعا من العقار .
وبما أن قلم المحضرين ألزمنى بإحضار فتوى شرعية بما يجب أخذه من كل وارث ذكرا وأنثى حتى يتسنى له القيام بتنفيذ الحكم المذكور آنفا حيث إن الحكم أصبح نهائيا بالنسبة لبعض الورثة فقط وأصبح غير نهائى للبعض الآخر نظرا لاستئنافهم لكى يمكنه تنفيذ هذا الحكم على من لم يستأنفه وإعطاء البنتين الموصى لهما ما أصبح نهائيا لهما فى الستة أفدنة وأربعة قراريط والخمسة عشر سهما والماية وعشرين ذراعا فى العقار حسب نص الحكم المذكور أرجو أن يتكرم مولاى بإصدار الفتوى بمقدار ما يجب على كل وارث ذكر وأنثى بتسليمه من القدر الموصى به للبنتين المذكورين نظرا لأن الورثة واضعوا أيديهم على جميع ما تركه المورث بما فيه القدر الموصى به .
أفيدوا أدامكم اللّه قائمين لنصرة الدين وأهله
An نص الفقهاء على أنه إذا أقر بعض الورثة بوصية أن يلزم المقر بمقدار ما يخص حصته فقط على فرض إقرار الباقين وعلى هذا فمن صار الحكم نهائيا بالنسبة إليه من الورثة يعتبر كمقر بالوصية .
فيؤخذ للموصى لهما من نصيبه بقدر ما يخصه على فرض أن الحكم صار نهائيا بالنسبة لباقى الورثة .
وعلى هذا المبدأ يعرف مقدار ما ينفذ به على الورثة الذين أصبح الحكم نهائيا بالنسبة إليهم .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال، واللّه تعالى أعلم(7/140)
الوصية بكل المال لغير المسلم جائزة
F عبد المجيد سليم .
محرم 1353 هجرية 2 مايو 1934 م
M 1 - وصية المسلم لزوجته المسيحية بجميع ماله صحيحة ونافذة شرعا .
2 - الموصى له بجميع المال مقدم على بيت المال
Q وصية عرفية صادرة من زوج مسلم مصرى الجنس مكتوبة بخط يده لزوجته المسيحية الفرنساوية يقول فيها (أقرر وأنا بكامل صحتى وسلامة عقلى أعطى وأوصى لزوجتى فلانة الفرنساوية جميع ما أملك) مع ملاحظة أنه ليس للزوج وارث شرعى خلاف بيت المال وأن إقامة الزوجة بمصر مع زوجها استمرت إلى أن توفى .
فهل هذه الوصية صحيحة ونافذة
An نفيد بأن فقهاء الحنفية نصوا على صحة وصية المسلم لغير المسلم ما لم يكن حربيا فى دار الحرب، وعلى أن الموصى له بجميع المال مقدم على بيت المال .
وعلى هذا فوصية الزوج المسلم لزوجته المسيحية المذكورة بجميع ماله صحيحة ونافذة شرعا، واللّه أعلم(7/141)
زواج الوصية لا يبطل وصايتها
F عبد المجيد سليم .
ذى الحجة 1353 هجرية 12 مارس 1935 م
Mمجرد زواج الوصية لا يخرجها من الوصاية ما دامت معينة من المجلس الحسبى إلا إذا شرط فى قرار تعيينها أنها تعين ما دامت غير متزوجة وفى هذه الحالة تنتهى الوصاية بالزواج إعمالا للشرط وللمجلس تعيين غيرها
Q إمرأة توفى عنها زوجها وترك لها ابنة وولدا لم يتجاوز سنهما الخامسة وتسلمت حقوقهما فى الميراث الشرعى .
وأصبحت وصية على ولديها من قبل المجلس الحسبى .
والآن ترغب فى الزواج .
فهل إذا تم زواجها تتعداها الوصاية ولمن تتعداها إذا كان للأولاد أم لأم يبلغ سنها الخامسة والأربعين تقريبا ولكنها ضريرة ولا يوجد غير عمهما الشقيق، وليس لهما عمة ولا أم لأب .
فنرجو الإفادة عمن يؤول إليه وصاية الأولاد إذا تم زواج والدتهما
An نفيد بأن مجرد زواج أم الولدين المقامة وصيا من قبل المجلس الحسبى عليهما لا يخرجها من الوصاية .
نعم . إذا كانت قد أقيمت من قبل المجلس الحسبى وصيا على ولديها مادامت غير متزوجة تنتهى وصايتها بتزوجها وكان للمجلس الحسبى أن يعين من يراه أصلح للوصاية من أقارب الولدين أو غيرهم .
أما إذا كان قد عينها وصيا من غير شرط عدم تزوجها فلا تخرج من الوصاية بالتزوج كما قلنا .
إلا إذا رأى المجلس إخراجها فى هذه الحالة لمصلحة القصر .
وبهذا علم الجواب عن السؤال، واللّه تعالى أعلم(7/142)
وصية بمنافع لجهة الخيرات
F عبد المجيد سليم .
جمادى الأولى 1358 هجرية 10 يوليو 1939 م
M 1 - الوصية بثلث المال على جهات بر تكون وفقا بعد الوفاة عند البعض، وتكون وصية مؤيدة بالمنافع عند البعض على الجهات المذكورة وسوءا أكانت وقفا أو وصية فإنها تكون كالوقف فى التأييد واللزوم .
2 - إذا تخربت العين الموصى بها مؤبدا .
بيعت بواسطة المحكمة الشرعية المختصة ويشترى بثمنها عينا أخرى تقوم مقامها .
3 - لا يجوز بيعها بواسطة بعض ورثتها ولو كانوا فقراء معدمين والأفضل إعطاء الريع إليهم إذا كانوا فقراء للأقرب منهم
Q إمرأة أوصت قبل وفاتها بثلث ما تملكه فى منزل أن يصرف ريع هذا الثلث فى وجوه خيرات عينتها فى وصيتها كما يصرف من الريع يوم وفاتها جميع المبالغ التى تلزم للجنازة والكفن وإسقاط الصلاة وقد عينت وصيا مختارا لتنفيذ هذه الوصية مدة حياته وله أن يختار من بعده من يشاء للقيام بذلك .
هذا وقد تخرب المنزل المذكور وأصبح لا يأتى بأى إيراد وقد توفى الوصى المختار بعد وفاة الموصية موجودون وهم فقراء معدمون فهل يجوز لهم بيع الحصة المذكورة للإنفاق منها على أنفسهم نظرا لشدة احتياجهم، وإذا كان ذلك غير جائز فما طريق التصرف فى تلك الحصة وقد أصبحت خرابا
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن ظاهر ما قاله صاحب فتح القدير وصاحب أنفع الوسائل وابن عابدين فى رد المختار أن ريع المنزل المذكور بهذه الوصية يكون وقفا بعد وفاة الموصية .
ولكن قد جاء فى موطن آخر من رد المختار ما يفيد أنه يكون من قبيل الوصية بالمنافع المؤيدة اللازمة .
وسواء قلنا إن هذه الحصة تكون وقفا حقيقة أم قلنا إنها وصية مؤبدة لازمة وأنها كالوقف فى التأييد واللزوم .
فولاية بيعها إذا كان هناك مسوغ للبيع إنما هى للمحكمة الشرعية المختصة لتشترى بثمنها ما يقوم مقامها .
ولا يصح مطلقا لأولاد ابن الموصية بيع هذه الحصة للإنفاق منها على أنفسهم وإن كانوا فقراء معدمين .
نعم الأفضل صرف ريع العين التى تشترى بثمن هذه الحصة إليهم إذا كانوا فقراء ولم يكن للموصية من الفقراء من هو أقرب إليها منهم .
هذا ما ظهر لنا وبه يعلم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذكر ولم يكن فى الوصية ما ينافى ذلك، واللّه أعلم(7/143)
بطلان الوصية بموت الموصى له قبل الموصى
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الأولى 1365 هجرية 3 أبريل 1946 م
M 1 - الوصية لأولاد ابن المتوفى وزوجته بنصيب ولد ذكر معين من أبنائه فإن كان هذا الولد المعين موجودا بطلت الوصية وإلا فهى صحيحة .
2 - الوصية بمثل نصيب ابنه جائزة سواء أكان له ابن موجود أم لم يكن .
3 - الوصية لأولاد الابن وزوجته بنصيب مورثهم تكون صحيحة .
4 - إذا عين الموصى الموصى لهم بأسمائهم فمات بعضهم قبل الموصى بطلت الوصية بالنسبة لمن مات منهم وعاد الموصى به لمن مات منهم إلى ملك الموصى ولا يكون مستحقا لبقية الموصى لهم الأحياء وتكون الوصية صحيحة بالنسبة لمن لم يمت منهم
Q أوصى سالم أفندى شعبان لأولاد ابنه شعبان سالم وهم محمد وحفيظه وعطيات وزوجة ابنه شعبان وهى مبروكة لهم بنصيب ولد ذكر أو بنصيب مورثهم المذكور أن لو كان حيا بالفريضة الشرعية بينهم للزوجة الثمن ولأولاده الثلاثة المذكورين الباقى للذكر مثل حظ الأنثيين فيما يكون مخلفا موروثا عنه عند وفاته من عقار وأطيان فيكون النصيب المذكور ملكا لهم بعد وفاته على الوجه المشروح ثم مات من الموصى لهم مبروكة زوجة ابنه شعبان وعطيات بنته قبل وفاة الموصى وقد توفى الموصى عن ابنه وبنتيه وزوجته وعن أولاد ابنه شعبان وهما محمد وحفيظة فقط .
فهل محمد وحفيظة يستحقان جميع الموصى به وهو نصيب ولد ذكر من أولاد الموصى أى ما كان يأخذه أبوهم أن لو كان حيا .
أى يأخذان الموصى به لأمهما وأختهما أم لا .
وذكر بالوصية أنه أوصى أيضا لكل من أخيه حسين شعبان وحسين على شعبان بحصة قدرها الثمن ثلاثة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطا مشاعا فى المنزل الكائن بشبراخيت وهو بعض ممتلكات الموصى وقد توفيا فى حياة الموصى
An اطلعنا على هذا السؤال وعلى صورة من إشهاد الوصية الصادر أمام محكمة دمنهور الشرعية فى 7 مايو سنة 192تحت رقم 2 متتابعة وسجل رقم 107 ونفيد أن هذه الوصية قد اشتملت على أمرين (أولهما) الوصية لكل من حسين شعبان وحسين على شعبان بحصة قدرها الثمن ثلاثة قراريط من المنزل الكائن بشبراخيت وقد توفيا قبل وفاة الموصى وبذلك بطلت الوصية لهما، لأن الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت وذلك (وثانيهما ) الوصية لأولاد ابن الموصى وقد جاء فيها ما نصه أوصى لأولاد ابنه المرحوم شعبان سالم وهم محمد وحفيظة وعطيات وزوجة ولده المذكور مبروكة بنصيب ولد ذكر من أولاده أو بنصيب مورثهم المذكور أن لو كان حيا بالفريضة الشرعية بينهم .
للزوجة المذكورة الثمن ولأولاده الثلاثة المذكورين الباقى للذكر مثل حظ الأنثيين فيما يكون مخلفا وموروثا عنه عند وفاته والمنصوص عليه شرعا أنه إذا أوصى بنصيب ابنه وهو موجود بطلت وصيته، وإن لم يكن له ابن صحت، وإن أوصى بمثل نصيب ابنه جاز ، سواء أكان له ابن أم لم يكن لأن الأول وصية بمال الغير لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت ينص الكتاب، والوصية بمال الغير لا تجوز .
والثانى وصية بمثل نصيب الابن ومثل الشىء غيره وإن كان يتقدر بقدره .
وقال زفر جازت الأولى كالثانية نظرا إلى حال الوصية، فإن المال كله له فى ذلك الحال لكونه حيا بعد وللمالك أن يتصرف فى ملكه كيف شاء (راجع شرح العناية على الهداية وشرح الدر وحاشيته ابن عابدين فى باب الوصية بثلث المال) والمفهوم من هذه العبارة أن قوله أو بنصيب مورثهم المذكور أن لو كان حيا معطوف عطف تفسير على قوله بنصيب ولد ذكر من أولاده فيكون مراده أن يوصى للمذكورين بمثل نصيب ولد من أولاده وهو نصيب ابنه شعبان المتوفى قبله فتكون الوصية صحيحة على رأى جمهور الحنفية ولا شبهة فى صحتها على كل حال على رأى الإمام زفر رحمه اللّه .
وحيث إنه قد توفى من ورثة شعبان المذكورين قبل وفاة الموصى كل من زوجته مبروكة وبنته عطيات فتبطل الوصية فى حقهما، ويبقى الموصى به لهما على ملك الموصى فلا يستحقه باقى الموصى لهم، لأن الموصى وإن أوصى لأولاد ابنه إلا أنه عين الموصى لهم بأسمائهم أما محمد وحفيظة الموجودان من أولاد شعبان وقت وفاة الموصى فتبقى الوصية صحيحة فى حقهما .
وقد جاء فى الدر المختار ما نصه (والأصل أنه متى أوصى بمثل نصيب بعض الورثة يزاد مثله على سهام الورثة) .
ومقتضى ذلك أن تبين سهام الموجودين من ورثة الموصى ثم يزاد عليها نصيب ولد ذكر ثم يستخرج من جميع السهام نصيب ورثة شعبان الموصى لهم ثم يستخرج من نصيبهم المذكور نصيب المتوفين، ويضاف إلى سهام ورثة الموصى وهم زوجته وابنه وبنتاه .
وبيان ذلك أن تجعل المسألة من 24 أربعة وعشرين سهما فيخص الولد الذكر من أولاد الموصى 5ر10 عشرة أسهم ونصف سهم تضاف إلى أصل المسألة المذكور، فيصير المجموع الذى تنقسم إليه التركة 5ر34 أربعة وثلاثين سهما ونصف سهم .
لجميع ورثة شعبان الموصى لهم 5ر10 عشرة أسهم ونصف سهم والباقى يقسم على ورثة الموصى بالفريضة الشرعية .
وما خص ورثة شعبان الموصى لهم يقسم بينهم بالفريضة الشرعية كما ذكره الموصى، فيخص زوجة شعبان الثمن 5/16 1 سهم وخمسة على ستة عشر من السهم، ويخص بنته عطيات 19 /64 2 سهمان وتسعة عشر على أربعة وستين من السهم، ومجموع نصيبهما وهو 39/64 3 يضاف إلى سهام ورثة الموصى فتصير جميع سهامهم فى التركة 39/64 27 سبعة وعشرين سهما وتسعة وثلاثين على أربعة وستين من السهم تقسم بينهم بالفريضة الشرعية للزوجة الثمن فرضا ولأولاده الباقى تعصيا للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقى من الموصى به يقسم على محمد وحفيظة الموجودين وقت وفات الموصى .
فيخص محمد 19/32 4 أربعة أسهم وتسعة عشر على اثنين وثلاثين من السهم ويخص حفيظة 19/64 2 سهمان وتسعة عشر على أربعة وستين من السهم .
وهذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال، واللّه تعالى أعلم(7/144)
وصية بمنافع
F حسنين محمد مخلوف .
شعبان 1367 هجرية 12 يونيه 1928 م
M 1 - الوصية بعدم جواز ميراثه وقسمة أطيانه إلا بعد مضى خمس عشرة سنة من وفاته وأن يكون ريعها محبوسا على من عينهم من ذريته هى وصية بمنافع أطيانه لبعض ورثته مدة معينة فإن لم يجزها جميع الورثة بعد وفاته الحادثة قبل صدر القانون 71 سنة 1946 الخاص بالوصية بطلت وتقسم تركته بعد سداد ديونه بين ورثته حسب الفريضة الشرعية .
2 - لا عبرة بإجازة بعض الورثة للوصية فى حياة الموصى .
ولمن أجازها فى حياته الرجوع عن ذلك بعد وفاته .
3 - الوصية بعدم بيع الوارث ما ورثه لأى شخص غريب باطلة ولكل وارث بيع نصيبه إلى من يشاء .
4 - الوصية بعدم سداد ما عليه من ديون فى مدة الوصية بالمنفعة باطلة وتسدد ديونه أولا .
5 - الدين مقدم على الوصية والميراث شرعا
Q من معاذ حامد بما يتضمن أن والده الحاج حامد محمد أوصى بورقة عرفية فى 20 أكتوبر سنة 1945 .
أولا بأنه لا يجوز فى أطيانهالبالغ قدرها س 16 ط 10 ف 6 قسمة ولا ميراث إلا بعد خمس عشرة سنة من وفاته وأنه يحبس ريعها على أولاده القصر ووالدتهم وبنته سكينة الأرملة وبناته المتزوجات بوصل رحمهن فى الأعياد والمواسم وكل مناسبة تستحق صلة الرحم ومن احتاجت منهن تساعد بقدر الاستطاعة .
ثانيا أنه لا يجوز بعد مضى هذه المدة أن يبيع الوارث ما ورثه لأى شخص غريب بل يبيعه لأحد الورثة بالثمن المناسب ثالثا أن زوجته فاطمة على عبد الحميد الداخلة ضمن الموصى لهم لا يعطى لها شىء من مؤخر صداقها البالغ قدره 60 جنيها وثمن عفشها البالغ قدره ستين جنيها مادامت الأطيان محبوسة على الأولاد القصر فى مدة الخمسة عشر عاما، وإن هذه الوصية أجازها بعض الورثة فى حال حياة الموصى ولم يجزها أحد منهم بعد وف4اته وأنها لم تسجل بل ذكرت بمحضر حصر التركة وأنه توفى فى 15 ديسمبر سنة 1945 وابنه الأكبر توفى بعده فى العاشر من أبريل سنة 1946 عن زوجته وأولاده القصر فهل يستحقون فى هذه الوصية أولا فى مدة الخمس عشرة سنة
An أن ما جاء أولا فى هذه الوصية المنسوبة إلى الموصى وصية بمنفعة أطيانه لبعض ورثته مدة معينة ولم يجزها الورثة جميعا بعد وفاته الواقعة قبل صدور قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 فتبطل، ويقسم ما تركه المتوفى بعد سداد ما عليه من ديون ومنه دين زوجته المذكورة على ورثته بالفريضة الشرعية ومنهم ابنه الأكبر المتوفى عده .
ولكل وارث أن يبيع ما يريد بيعه من إرثه لمن يشاء قريبا أو غريبا .
ولا عبرة بإجازة بعض الورثة فى حياة الموصى بل لمن أجازها فى الحياة أن لا يجيزها بعد الوفاة .
ففى الأنقروية ( ولو أوصى لوارثه ولأجنبى صحت فى حق الأجنبى وتتوقف فى حق الوارث على إجازة الورثة إن أجازوا جاز وإن لم يجيزوا بطل .
ولا تعتبر إجازتهم فى حياة الموصى متى كان لهم الرجوع بعد ذلك) - انتهى - .
وما ذكره الموصى ثانيا وثالثا وصية باطلة لأن للوارث شرعا أن يبيع ملكه الذى ورثه لمن يشاء، ولأن الدين مقدم على الوصية شرعا، فلا يملك الموصى تغيير المشروع .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال، واللّه تعالى أعلم(7/145)
تحكير وقف والزيادة فيه
F محمد عبده .
شعبان 1317ه
M 1 - دفع المستأجر لجهة الحكر مبلغا كبيرا مقدما من الإيجار وقبضه له مانع من طلب الزيادة مستقبلا مادامت الأجرة الواردة بالعقد كانت أجرة المثل وقت تحريره .
2 - تعجيل مبلغ كبير من الأجرة له مدخل فى قيمة الأجرة وقد عمله صاحبه حذرا من طلب الزيادة مستقبلا .
3 - ليس للناظر طلب الزيادة ولو فرض أن أجر المثل قد زاد فى ذاته
Q رجل اشترى من ناظر وقف أنقاض بناء آيل للسقوط لا نفع فيه لجهة الوقف، وأنقاضا مطروحة على أرض الوقف بمبلغ دفعه للناظر ليصرفه فيما هو أنفع لجهة الوقف، ثم استأجر هذا المشترى تلك الأرض التى بها الأنقاض القائمة والمطروحة من ذلك الناظر مدة بأجرة قدرها عن كل سنة سبعمائة قرش على أن يدفع هذا المستأجر مقدما للناظر المذكور مائة ألف قرش يحسب فى كل سنة خمسمائة قرش ويدفع فى نهاية كل سنة مائتى قرش وقبض الناظر المؤجر مقدما من ذلك المستأجر مبلغ المائة ألف قرش المذكورة وآجره على ذلك وأذنه بالعمارة والبناء والإنشاء والتجديد والتعلى بذلك، على أن كل شىء بناه وعمره وأنشأه وجدده بذلك متى شاء كيفما يحب ويختار يكون له ملكا طلقا وخلوا وانتفاعا مستحق البقاء على الدوام والاستمرار، وأن يكون له حق القرار فى ذلك نظير الأجرة المذكورة وقبل ذلك منه لنفسه قبولا شرعيا، وبمقتضى ذلك أنشأ هذا المستأجر وعمر وبنى بالأرض المذكورة وصار له حق القرار فى ذلك، ثم مات بعد ذلك .
ونظرا لما طرأ على هذا البناء من الخلل الذى أوجب عمارته قام ورثة المستأجر المذكور يريدون عمارته وإعادته كما كان، فعارضهم المتولى الآن على هذا الوقف بطلب زيادة الأجر على ما استأجر به مورثهم من الناظر سلفه مدعيا زيادة أجر الأرض المذكورة على ما استأجر به المورث من الناظر الأول .
فهل لا يكون له معارضتهم بزيادة الأجرة أثناء المدة التى وقع فيها عقد الإيجار عليها .
حيث كانت أجرة المثل وقت العقد خصوصا وقد عجل المستأجر معظمها، ودفع فى نهاية كل سنة مضت منها مائتى قرش، واستمر على ذلك إلى أن مات ورثته من بعده كذلك، ودفعوا فى نهاية كل سنة بعد موت مورثهم مبلغ المائتى قرش المذكورة أفيدوا الجواب
An إن طريقة هذا العقد هى بعينها طريقة التحكير وإعطاء حق القرار لمدة طويلة .
ومقتضى الشرط فى أداء الأجرة إن الإجارة لمايتى سنة فإنه شرط أني دفع فى كل سنة مائتى قرش ويحسب مما عجل خمسمائة وقد اعتبرت الأجرة أجرة المثل، ومن المعلوم أن تعجيل مبلغ مائة ألف قرش ينتفع بها الوقف حيث عقد الإيجار له مدخل فى قيمة الأجرة .
وإنما عجله المعجل حذرا من الزيادة فى مستقبل المدة لو زاد أجر المثل .
وقد اعتبر ذلك عند العقد مصلحة للوقف ورضى به المتعاقدان .
فمتى صح هذا الاعتبار وصحت الإجارة لأجله ولزمت وقد بنى المستأجر وعمر لم يكن للناظر الحالى أن يطلب زيادة الأجر، ولو فرض أن أجر المثل زاد فى ذاته .
واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/146)
تحكير الوقف
F محمد عبده .
ذى القعدة 1317 هجرية
M 1 - تعطل الانتفاع بالأرض الموقوفة مبيح لتحكيرها بأجر المثل .
2 - الاحتكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض الموقوفة مقررة للبناء والتعلى أو للفراش ونحوهما .
3 - ما يبنيه المحتكر يكون ملكا له مادام بإذن القاضى أو الناظر .
4 - لا حق لمن يعين ناظرا على الوقف بعد ذلك فى معارضة المحتكر فى ذلك
Q من محمد أفندى فى أماكن موقوفة كانت قائمة على أرض وقف وتخربت بمرور الزمان، وصارت عديمة المنفعة ولا غلة ولا ريع لوقفها لكى يمكن أن تعمر منه كلها أو بعضها، فناظرة الوقف التى هى إحدى مستحقيه أعطت إلى رجل بالإيجار إلى طول الزمان النصف فى أرض الأماكن المذكورة وعينت عليه دفع الإيجار سنويا بقيمة معينة هى أجر المثل، واستلمت منه قيمة أجرة أربعين مقدمات، وبعات له النصف فيما وجد من الأنقاض على أرض الأماكن المذكورة، وأذنته بالنباء والتعلى على أن كل ما بناه وجدده يكون ملكا طلقا له مع حق القرار له فى ذلك، وبناء على ذلك بنى هذا الرجل أماكن على الأرض المذكورة وصارت ذات غلة وريع، ثم تولت ناظرة أخرى على الوقف تعارض فى ذلك بأن شرط الواقف لا يقتضى التأجير أزيد من سنة .
فهل ما ذكر يعد تحكيرا ولناظرة الوقف ولاية هذا العمل بنفسها بدون إذن القاضى حيث إن حكم التحكير غير التأجير .
وما بناه هذا الرجل بمقتضى ذلك الإذن يكون ملكا له مع حق القرار يتصرف فيه بأنواع التصرفات مادام قائمة بأجر المثل ولا حق لهذه الناظرة الحالية فى تلك المعارضة
An صرحوا بأنه إذا تعطل الانتفاع بالأرض الموقوفة جاز تحكيرها بأجر المثل، وأن الاحتكار عقد إيجارة يقصد به استبقاء الأرض الموقوفة مقررة للبناء والتعلى أو للفراش أو لأحدهما، وأن البناء الذى يبنيه المحتكر بإذن القاضى أو الناظر فى الأرض المحتكرة يكون ملكا له وبه يثبت له حق القرار، وعليه أجر المثل المقرر على الأرض .
والطريقة التى جرت عليها الناظرة فى حادثة السؤال هى بعينها طريقة التحكير وإعطاء حق القرار لمدة طويلة بدلالة الإذن منها بالبناء والتعلى على الطريقة المعروفة فى الاحتكار فما بناه هذا الرجل بإذن الناظرة صار حقه وملكه يتصرف فيه بالبيع ونحوه من التصرفات الجائزة، وبه ثبت له حق القرار وعليه أجر المثل مادام ذلك البناء .
ولا حق للناظرة الحالية فى المعارضة فى ذلك بناء على شرط الواقف المذكور، لأن ما جرت عليه الناظرة الأولى هو بعينه طريقة التحكير كما قلنا .
واللّه أعلم(7/147)
الزيادة فى عقد التحكير
F حسنين محمد مخلوف .
محرم 1368 هجرية - 22 نوفمبر 1948 م
M 1 - عقد التحكير يكسب ملك البناء حق القرار فى الأرض المحكرة بشرط دفع أجر مثلها خالية من البناء .
2 - المعتبر فى زيادة التحكير هو زيادة أجر مثل الأرض المحكرة فى ذاتها، وليس زيادة قيمتها فقط، وإن كان يلزم من زيادة الأجر زيادة القيمة، ومن زيادة القيمة زيادة الأجر غالبا
Q من الأستاذ عطية الجناينى قال المرحوم محمد عثمان الشربتلى له وقف يشتمل على قطعة أرض فضاء حكرها إلى إبراهيم السيد حمادة فى سنة 1900 فأقام عليها إبراهيم السيد مبانى واكتسب حق القرار فيها بأجر المثل، والاستحكار صحيح حسب شرط الواقف .
والآن يطلب الناظر على الوقف زيادة أجرة الأرض المحتكرة بنسبة ريادة قيمة ثمن الأرض، والمستحكر لا يقبل زيادتها إلا بمقدار أجرة المثل بغض النظر عن زيادة ثمن الأرض .
والطرفان اتفقا على أن يقبلا حكم الشريعة فى ذلك طبقا لمذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة .
فهل يتبع فى زيادة قيمة ثمن الأرض خالية وقد تزيد الأجرة حينئذ عن أجر المثل، أو يتبع أجر المثل حتى ولو زاد ثمن الأرض .
وإذا كان الحكم أن تزاد الأجرة بنسبة زيادة ثمن الأرض فى الأحوال العادية الطبيعية، فهل زيادة ثمنها فى الأحوال غير الطبيعية الحاصلة فى هذه الأيام يقتضى زيادة قيمة الحكر مع أن القيمة الإيجارية لأمثالها لم تزد ما نلتمس الفتوى فيه
An اطلعنا على هذا السؤال (والجواب) أن عقد التحكير قد أكسب مالك البناء حق البناء والقرار فى الأرض الموقوفة المحكرة .
ولكن ذلك مشروط بأن يدفع لجهة الوقف أجر مثل الأرض خالية من البناء رعاية لمصلحة الوقف بجانب رعاية مصلحة المحتكر، ولأنه لا يجوز إجارة الوقف بأقل من أجر المثل وقد نصوا على أن زيادة أجر المثل للأرض المحتكرة عما كانت عليه وقت إنشاء عقد التحكير زيادة فاحشة إذا كانت بسبب زيادة أجرة الأرض فى نفسها لا بسبب العمارة والبناء تلزم المحتكر .
فالمعتبر فى زيادة التحكير هو زيادة أجر مثل الأرض فى ذاتها لا مجرد زيادة قمتها بدون زيادة الأجر وإن كان يلزم غالبا من زيادة القيمة زيادة الأجر ومن ارتفاع الأجر ارتفاع القيمة .
ومن ذلك يعلم الجواب عن السؤال .
واللّه تعالى أعلم(7/148)
طاعة الوالدين مقدمة على التطوع للجهاد
F حسنين محمد مخلوف .
ذى الحجة 1367 هجرية 5 أكتوبر 1948 م
Mيحرم على الولد الخروج إلى الجهاد بغير إذن والديه لأن طاعتهما فرض عين والتطوع للجهاد فرض كفاية
Q من أحمد فؤاد قال أنا طالب بالسنة الثانية بكلية الهندسة بجامعة فاروق من أسرة (بالاسكندرية) مكونة من الوالد والوالدة وثلاث أخوات (بنات) وأخى الكبير وأنا أصغرهم 19 سنة وقد سافر أخى الكبير إلى سويسرا فى العام الماضى وسيبقى بها خمس سنوات تقريبا وأنا أريد أن أتطوع للجهاد فى سبيل نصرة عرب فلسطين ولكن أسرتى تمانع فى ذلك ولا ترغب فيه ولا تريد أن أتطوع للجهاد الذى فرضه اللّه على كل مسلم قادر على حمل السلاح .
فتجدنى بين نارين فإما أن أفر من أسرتى للالتحاق بالمجاهدين كما يفعل البعض وإما أن أطيع والدى وأقبع فى دارى قانعا من الجهاد بالكلام فما حكم الشريعة
An والجواب كما فى شرح الدر المختار وحاشيته وغيرهما أن طاعة الوالدين فرض عين ولا يصح ترك فرض العين للتوصل إلى فرض الكفاية فيحرم على الولد الخروج إلى الجهاد بغير إذنهما إذا كان فرض كفاية ويجوز لهما منعه إذا وجدا من ذلك مشقة شديدة قال القسطلانى والجمهور على حرمة الجهاد إذا منع الوالدان أو أحدهما منه بشرط إسلامهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية إذا لم يتعين - ملخصا - .
قال عليه اللاسم للعباس بن مرداس لما أراد الجهاد إلزم أمك فإن الجنة تحت رجل امك .
وفى صحيح البخارى عن ابن مسعود قلت يا رسول اللّه أى الأعمال أفضل .
قال الصلاة لوقتها قلت ثم أى قال بر الوالدين .
قلت ثم أى قال الجهاد فى سبيل اللّه ولو استزدت لزادنى .
فقدم بر الوالدين وطاعتهما على الجهاد وفيه عن عبد اللّه بن عمرو ابن العاس .
جاء رجل إلى النبى صلى اللّه عليه وسلم يستأذن فى الجهاد فقال أخى والداك قال نعم .
قال ففيهما فجاهد . ولا يحل سفر فيه خطر أو أحدهما من الخروج للجهاد وهو فرض كفاية وجبت طاعتهما وحرمت مخالفتهما على أنه قد روى فى الصحيح عن زيد بن خالد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال من جهز غازيا فى سبيل اللّه فقد غزا والتجهيز بمعنى تهيئة أسباب سفر الغازى للجهاد تارة يكون بالمال وتارة بالإعانة المجردة عن بذل المال .
والأولى أفضل ولمن يقوم بذلك مثل أجر الغازى بنفسه وإن لم يغز حقيقة لأن الغازى لا يمكنه القيام بالغزو إلا بعد أن تهيأ له هذه الأسباب الضرورية فصار من يهيؤها له كأنه باشر الغزو بنفسه .
ومن هذا يعرف الجواب عن السؤال واللّه أعلم(7/149)
عدم جواز نقل المسجد أو تحويله
F بكرى الصدفى .
رجب 1331 هجرية
M 1 - لا يجوز نقل المسجد ولا تحويله أصلا .
2 - لو خرب ما حوله واستغنى عنه يبقى مسجدا عند الإمام وأبى يوسف أبدا، وإلى قيام الساعة وعليه الفتوى
Q هل يجوز نقل مسجد من مكان لآخر
An الذى يقتضيه الحكم الشرعى فى ذلك .
أن المسجد متى تحقق كونه مسجدا على حسب الأصول الشرعية لا يجوز نقله ولا تحويله أصلا على ما هو المفتى به وهو مذهب الإمام وأبى يوسف رضى اللّه تعالى عنهما .
ففى التنوير وشرحه ما نصه ولو خرب ما حوله واستغنى عنه يبقى مسجدا عند الإمام والثانى أبدا إلى قيام الساعة وبه يفتى انتهى - فكل عمل وجد فى هذه الحادثة مخالفا لذلك فهو مخالف للمفتى به فلا يعول عليه .
واللّه تعالى أعلم(7/150)
بناء المساجد وبيع أوراق اليانصيب
F محمد بخيت .
رجب 1335 - 23 من أبريل 1917 م
M 1 - الأموال التى تجمع بقصد التصدق بها على الفقراء تكون أمانة فى يد من قبضها وتبقى على ملك أربابها إلى أن تصرف فى ذات الغرض الذى جمعت من أجله ولا يجوز صرفها لغير الفقراء .
2 - لا يجوز بناء معبد بها كما لا يجوز استغلال المساجد شرعا لأنها بنيت للعبادة فقط .
3 - المال الذى يجمع من بيع اليانصيب مال قمار ويحرم تملكه شرعا ويجب رده إلى أربابه مادام موجودا بيد القابض له
Q 1 - هل يجوز بناء المساجد أو غيرها بالأموال التى جمعت لتوزع صدقة على الفقراء لسد حاحاتهم وكان قد جمعها جماعة ولم تزل بأيديهم .
2 - هل يجوز بناء معبد بهذه الأموال ليصر إيراده على الفقراء .
3 - هل الأموال التى تجمع من أثمان أوراق اليانصيب حلال لمن أصدر هذه الأوارق أم لا
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أما عن السؤال الول . فالأموال التى جمعت من أصحابها بقصد التصدق بها على الفقراء لسد حاجاتهم تبقى على ملك أربابها تحت يد من قبضها أمانة إلى أن يصرفها فى الوجه الذى جمعت له وهو التصدق بها على الفقراء، فإذا تصدق بها على الوجه المشروح أصبح كل فقير أخذ منها شيئا مالكا لما أخذه وحينئذ لا يجوز أن تصرف لغير الفقراء فى هذه الحال - وأما عن السؤال الثانى فهذه الأموال التى جمعت بقصد التصدق بها على الفقراء كما ذكر لا يجوز شرعا بناء معبد بها فضلا عن أن استغلال المعبد مطلقا غير جائز شرعا، ويجب منعه بتاتا لأن المعابد إنما بنيت للعبادة - وأما عن السؤال الثالث .
فإن ما يعرف باليانصيب قمار محرم شرعا فكل مال يجمع بهذه الطريقة يملكه جامعه ملكا محرما وخبيثا ويجب رده لأربابه مادام موجودا بيد من قبضه(7/151)
خدمة النساء للاضرحة
F عبد الرحمن قراعة .
ربيع الأول 1343 هجرية - 18 من أكتوبر 1924 م
Mيجوز قيام المرأة بخدمة الضريح والأولى عدم إقامتها خادمة للضريح توقيعا من الوقوع فى حرام أو مكروه
Q صدر قرار من المجلس الصوفى سنة 1923 بتعين حرمة خادمة لضريح سيجى محمد خليفة بمديرية القليوبية .
وقد تعرض لها الشيخ إبراهيم بكر السكراتى وأبى أن يسلمها مفتاح الضريح بحجة أنه من نسل صاحب الضريح الذى لا يجوز شرعا قيام امرأة بخدمته .
فهل يجوز شرعا قيام امرأة بخدمة الضريح أم لا
An نفيد أن الشريح الذى قرر المجلس الصوفى الحرمة المذكورة خادمة له لم يخرج عن كونه قبرا من قبور المسملين التى رخص فى زيارتها النبى صلى اللّه عليه وسلم بعد نهيه عنها بقوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبول ألا فزوروها) ويستوى فى خدمتها الرجال والنساء من حيث حفظها وفراشتها وتنظيفها إلا أن خدمة الرجال لها أليق فى العادات وأبعد فى نظر الشريعة الغراء من مثار الشبهات الناشئة من المحادثة والمخالطة فى هذه المزارات .
ومن نظر فى قول فقهائها إنه يكره أذان المرأة وإقامتها للصلاة وجهرها بقراءة القرآن فى الصلاة الجهرية وقولهم إنها تعتكف فى بينها لا فى المسجد وإن الأفضل تباعدها عن البيت فى الطواف وإن الخلوة بالأجنبية حرام والكلام معها مكروه إلى غير ذلك من الأحكام الخاصة بالنساء، جزم بأن الأولى عدم إقامتها خادمخة للضريح المذكور توقيا من الوقوع فى حرام أو مكروه شرعا .
واللّه تعالى أعلم(7/152)
التغيير فى بناء المسجد جائز للضرورة
F عبد المجيد سليم .
شوالل 1347 هجرية - 20 من مارس 1929 م
Mالتغيير فى بناء المسجد بعد هدمه جائز للضرورة
Q مسجد لا يعلم من بناه ولا يعلم أهو مبنى فى ملك رجل معين أو بناه أهل المحلة فيما يسمى خراج البلد وقد هدمه أهل المحلة لبنائه أحكم - اقتضى تغيير نظام بنائه، لأنه لو أعيد على ما كان عليه منعت من ذلك مصلحة الصحة .
فهل يباح تغيير معالمه الأولى حتى لو اقتضى ذلك أخذ شىء من المسجد وجعله ميضأة ومراحيض مع العلم بأن لا مندوحة عند إرادة جعله مسجدا منتفعا به إلا ذلك
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأن بعض الفقهاء أجاز تأجير قطعة من المسجد إذا احتاج للعمارة الضرورية وليس هناك ما يعمر به .
وبعضهم منع ذلك . وقد اختار الخير الرملى فى فتاواه القول الأول .
وعلى هذا إذا لم يمكن بناء المسجد المذكور على حالته الأولى ولا الانتفاع به إلا بتنفيذ ما رأته مصلحة الصحة جاز بناؤه بالصفة التى اشارت بها هذه المصلحة .
لأن ضرورة الانتفاع به تقضى بذلك قياسا على ما اختاره الخير الرملى من جواز تأجير قطعة من المسجد عند الضرورة .
ويؤيد ذلك القاعدة المشهورة إذا اجتمعت ضرورات قدم أخفها .
هذا ما ظهر لنا واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/153)
الدفن فى المسجد غير جائز
F عبد المجيد سليم .
جمادى الأولى 1359 هجرية - 22 من يونيه 1940 م
M 1 - لا يجوز دفن الموتى فى المساجد .
2 - إذا دفن الميت فى المسجد نبش عند الإمام أحمد
Q كتبت وزارة الأوقاف ما يأتى - يوجد بوسط مسجد عز الدين أيبك قبران ورد ذكرهما فى الخطط التوفيقية وتقام الشعائر أمامهما وخلفهما .
وقد طلب رئيس هذا المسجد إلى محافظة مصر دفنه فى أحد هذين القبرين لأن جدة الذى جدد بناء المسجد مدفون بأحدهما .
فنرجو التفضل ببيان الحكم الشرعى فى ذلك
An اطلعنا على كتاب الوزارة رقم 2723 المؤرخ 21 - 3 - 1940 المطلوب به بيان الحكم الشرعى فيما طلبه رئيس خدم مسجد عز الدين أيبك من دفنه فى أحد القبرين اللذين بهذا المسجد .
ونفيد أنه قد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا يجوز أن يدفن فى المسجد ميت لا صغير ولا كبير ولا جليل ولا غيره .
فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر .
وقال فى فتوى أخرى إنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غير إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا الخ وذلك لأن فى الدفن فى المسجد إخراجا لجزء من المسجد عما جعل له من صلاة المكتوبات وتوابعها من النفل والذكر وتدريس العلم وذلك غير جائز شرعا .
ولأن اتخاذ قبر فى المسجد على هذا الوجه الوارد فى السؤال يؤدى إلى الصلاة إلى هذا القبر أو عنده .
وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على حظر ذلك قال شيخ الإسلام إبن تيمية .
فى كتابه انقضاء الصراط المستقيم صفحة 158 ما نصه إن النصوص عن النبى صلى اللّه عليه وسلم تواترت بالنهى عن الصلاة عند القبور مطلقا واتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها .
ومن الأحاديث ما رواه مسلم عن أبى مرثد قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها .
وقال ابن القيم نص الإمام أحمد وغيره على أنه إذا دفن الميت فى المسجد نبش وقال - أى ابن تيمية - لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق إلى آخر ما قال فى كتابه زاد المعاد .
وقال الإمام النووى فى شرح المهذب صفحة 316 ما نصه اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث .
قال الشافعى والأصحاب - وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى قال الإمام الزعفرانى رحمه اللّه .
ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاما له للأحاديث وقد نص الحنفية على كراهة صلاة الجنازة فى المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام من صلى على جنازة فى المسجد فلا أجر له وعلل صاحب الهداية .
هذه الكراهة بعلتين إحداهما أن المسجد بنى لأداء المكتوبات يعنى وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم .
وإذا كانت صلاة الجنازة فى المسجد مكروهة للعلة المذكورة كراهة تحريم كما هو إحدى الروايتين وهى التى اختارها العلامة قاسم وغيره كان الدفن فى المسجد أولى بالحظر لأن الدفن فى المسجد فيه إخراج الجزء المدفون فيه عما جعل له المسجد من صلاة المكتوبات وتوابعها .
وهذا مما لا شك فى عدم جوازه شرعا . وبما ذكرنا علم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذكر(7/154)
البناء فوق أو تحت المسجد لمصالحه جائز
F حسنين محمد مخلوف .
صفر 1369 هجرية - 5 من ديسمبر 1949 م
M 1 - يجب أن يكون المسجد خالصا لله سبحانه وتعالى .
2 - البناء فوق المسجد أو تحته للانتفاع به لا يصير به مسجدا إلا إذا كان ذلك لمصالح المسجد .
3 - لا بأس بالأخذ بقول الصاحبين بجواز أن يكون علوه أو سفله للانتفاع إذا دعت الضرورة لذلك
Q طلب سعادة مفتش تخطيط المدينة بمصلحة التظيم بوزارة الأشغال
An اطلعنا على السؤال الوراد بكتاب عزتكم رقم 21512 المؤرخ 16 - 11 - 1949 المرافق بهذا .
وإجابة عليه نفيد أن المسجد يجب أن يكون خالصا للّه تعالى لقوله عز وجل { وأن المساجد لله } الجن 18 ، فأضافها إليه تعالى مع أن كل شىء له ليدل بذلك على وجوب أن تكون خالصة له .
ومن هذا كان ظاهر الرواية عند الحنفية أنه لو بنى فوق المسجد أو تحته بناء لينفتع به لم يصر بهذا مسجدا وله أن يبيعه ويورث عنه، أما لو كان البناء لمصالح المسجد فإنه يجوز ويصير مسجدا كما فى الدر المختار وحاشيته والفتاوى الهندية وغيرها هذا قبل أن يصير مسجدا .
أما بعده فلا يمكن أحد من البناء عليه مطلقا . ونقل ابن عابدين عن البحر مانصه (وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى { وأن المساجد لله } الجن 18 ، بخلاف ما إذا كان السرداب والعلو موقوفا لصالح المسجد فهو كسرداب بين المقدس هذا هو ظاهر الرواية - انتهى - ونقل عن الصاحبين أنه يجوز أن يكون سفل المسجد أو علوه ملكا بكل حال ينتفع به الباقى أو يخصص لمصالح المسجد إذا اقضت الضرورة ذلك كما فى البلاد التى تضيق منازلها بسكانها .
وعلى هذا إذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى المشروع المسئول عنه فلا بأس بالأخذ بقول الصاحبين فى الرواية المذكورة عنهما لأنها تتفق مع قواعد المذهب كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة المشقة تجلب التيسير وغيرهما وهذا مقرر فى قول اللّه عز وجل { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } الحج 78 ، واللّه تعالى أعلم .
( ملحوظة لم يذكر بالسجل نص خطاب المسائل )(7/155)
تحف المسجد وما به من قناديل أثرية وقف أم ملك
F علام نصار .
جمادى الأولى 1370 هجرية - 12 فبراير 1951 م
M 1- متى وجد بالمسجد ما يخصه، ولم يوجد له مالك معين يكون الموجود به وقفا .
2- وجود مالك معين له وإثباته أنه إنما أتى به لمنفعة مؤقتة فقط، يكون ذلك الشئ ملكا تاما له عند محمد، ويكون وقفا عند أبى يوسف بمجرد وضعه فى المسجد .
3- نقل ناظر الوقف أو متولى المسجد نجفة المسجد أو قناديله إلى منزله يكون غصبا، وتتجه عليه دعوى رد المغصوب إلى جهة الوقف
Q عن حكم الفقه الإسلامى فيما إذا كان بأحد المساجد نجفة أثرية ثمينة تقدر قيمتها بآلاف الجنيهات خاف عليها ناظر المسجد من التلق أو السرقة إذا بقيت به فنقلها من المسجد إلى منزله، ثم توفى الناظر المذكور والنجفة فى منزله تحت يد زوجته وأولاده، فهل يسرى على هذه النجفة النص العام فيما يتعلق بالمنقول وتصبح ملكا لواضع اليد عليها بحجة أنها لم تذكر بكتاب وقف المسجد المذكور وأن دعوى الوقف لا تسمع عند إنكاره إلا إذا وجد به إشهاد أو أن وقف المسجد وجميع المنقولات التى توجد به لها حكم خاص واعتبارها وقفا لا يتوقف على صدور الإشهاد وإنما يتوقف على إنشاء المسجد وإذن الناس بالصلاة فيه فمتى تحقق هذا صار وقفا ولو لم يصدر به إشهاد ويدخل فى وقفيته تبعا كل ما يتصل بأداء العبادة فى ذلك المسجد من مفروشات ومصابيح وقناديل وما إلى ذلك مما هو لازم لأداء العبادة فى المساجد، فمتى ثبت أن تلك النجفة كانت بالمسجد ونقلها الناظر إلى منزله ثبتت ملكية المسجد لها وإن لم يرد ذكرها بكتاب الوقف هذا ما أرجو إفادتى عن حكم الفقه الإسلامى فيه مع ملاحظة أن هذه النجفة كانت موجودة بالمسجد من قديم قبل تولية الناظر المتوفى وليس له ملك فيها
An اطلعنا على السؤال - والجواب - أنه قد صرح فيه بأن للمسجد كتاب وقف وأن النجفة كانت بالمسجد ولم يرد ذكرها بكتاب الوقف وأن النزاع بشأنها فى أنها وقف أولا وأن المادة رقم 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية القاضية بعدم سماع دعوى الوقف إلا إذا وجد إشهاد به ممن يملكه على يد حاكم شرعى بالقطر المصرى تتناولها أولا، والبحث فى ذلك يقتضى النظر فى موضعين أحدهما أن النجفة بوجودها بالمجد تكون وقفا أولا وثانيهما أن المادة المذكورة تتناول مثلها أولا - فعن الأول تقضى النصوص الشرعية بأن هذه النجفة تكون بوجودها بالمسجد وقفا فإنه متى وجد بالمسجد قنديل أو حصير أو نحوها مما يخصص لمصالح المسجد ولم يوجد مالك معين يثبت أنه أتى بها لمنفعة مؤقتة تكون وقفا سواء أفرضنا أن شخصا اشتراها للمسجد أم أنها وجدت فيه ولم يعلم مشتريها، يدل على الأول ما جاء فى الفتاوى الخانية ج 3 ص 293 ( رجل بسط من ماله حصيرا فى المسجد ووقع الاستغناء عنه فإن ذلك يكون له إن كان حيا ولوارثه إن كان ميتا وإن بلى ذلك كان له أن يبيعه ويشترى بثمنه حصيرا آخر وكذا لو اشترى حشيشا ( الحشيش الكلأ اليابس ) أو قنديلا للمسجد فوقع الاستغناء عنه كان له ذلك إن كان حيا ولوارثه إن كان ميتا وعند أبى وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يباع ويصرف ثمنه فى حوائج المسجد، وإن استغنى عنه يحول إلى مسجد آخر والفتوى على قول محمد رحمه الله تعالى) وذكر فى الإسعاف هذا الفرع ص 7 بلفظ (ولو بسط من ماله حصيرا فى المسجد فخرب المسجد الخ) وقال بعد ذكر الحكم على الخلاف السابق (وهذا الاختلاف بناء على الاختلاف فى المسجد عينه إذا استغنى عنه لخراب ما حوله) يشير بذلك إلى الخلاف بين الإمامين محمد وأبى يوسف فيما إذا تخرب المسجد ولم يوجد ما يعمر به أو استغنى الناس عنه .
فقال محمد إنه يعود إلى ملك الواقف إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا، وإذا لم يعلم البانى ولا ورثته جاز بيعه وصرف ثمنه إلى مسجد آخر .
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة ولا يعود بالاستغناء عنه إليه ولا إلى ورثته ويحول نقضه وما فيه من حصير أو قنديل إلى مسجد آخر وعليه أكثر المشايخ ورجحه ابن الهمام كما رجح قول محمد غيره .
فمن هذا يرى أن الصاحبين متفقان على أن المنقول المشترى للمسجد وقف وإنما الخلاف بينهما فيما إذا تخرب المسجد واستغنى عنه، وهذا الحكم يتفق مع ما ذكره الفقهاء فى بناء الناظر وغرسه فى أرض الوقف فإنهم قالوا إنه يكون للوقف ما لم يكن ذلك من ماله، ويشهد وقت البناء والغرس أنه يبنى ويغرس لنفسه .
فالقنديل فى حادثتنا وقف ولو كان من شراء أحد النظار إذ لا يوجد فى السؤال ما يدل على إشهاده أنه له، ويدل على الثانى وهو أن السراج أو القنديل إذا وجد بالمسجد ولا يعلم شراء أحد له يكون وقفا - ما جاء بالفتاوى الخانية أيضا ونصه (وديباج الكعبة إذا صار خلقا يبيعه السلطان ويستعين به فى أمر الكعبة لأن الولاية فيه للسلطان لا لغيره) ومثله فى الإسعاف .
فهذا آية أنه صار خالصا لله تعالى بوجوده على الكعبة فيتصرف فيه من له الولاية العامة عند انعدام الولاية الخاصة تصرفه فيما يتبع المسجد إذا استغنى عنه .
إذا تقرر هذا كانت النجفة بوجودها فى المسجد وقفا سواء أعلم مشتريها أو لا، فلا مساغ للنزاع بين الخصمين فى ذلك .
والذى يمكن أن يكون موضع نزاع بينهما هو أنها كانت بالمسجد ونقلت منه أولا، فإذا كان أحد الخصمين يدعى أنها كانت بالمسجد ونقلت منه واستولى عليها ورثة الناظر السابق كانت دعواه هذه دعوى غصب يطلب فيها رد المغصوب، لأن الناظر ليس له أن ينقل السراج من المسجد إلى بيته ولو بدعوى المحافظة عليه .
اللهم إلا أن يأذنه القاضى فان فعل ذلك كان غاصبا أى له حكم الغصب .
ففى الفتاوى الخانية ما نصه (متولى المسجد ليس له أن يحمل سراج المسجد إلى بيته) ومثله فى البحر عن الإسعاف عن الثانى تحقق فى البحث الأول أن السراج وقف بوجوده فى المسجد على أى الوضعين السابقين، وأن الدعوى دعوى رد المغصوب فالمدعى فيها إن عينا كانت بالمسجد بلا تعرض لكونها وقفا أو عدمه، والمطلوب فيها رد هذه العين إلى مكانها فى المسجد .
فبعد هذا لا مجال للبحث فى أن المادة 137 المذكورة تتناولها أولا إذ هى خاصة بدعوى أن العين وقف وبغير ذلك مما جاء بها ولا تتناول النجفة فى حادثة الفتوى .
ومما مر وضح الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر به .
والله تعالى أعلم(7/156)
نزع ملكية مسجد
F حسن مأمون .
ربيع الأول 1375 هجرية - 23 أكتوبر 1955م
M 1- بمجرد الإذن بالصلاة فى المسجد يكون وقفا، كما أن ما ألحق به من دكاكين وخلافه للصرف من ريعها يكون وقفا كذلك، ولا يشترط فى ذلك إشهاد شرعى بالوقف أو حكم حاكم به .
2- يخالف المسجد جميع سائر الأوقاف فى ذلك إذ يشترط فيها أن تكون بإشهاد شرعى الخ .
3- بنزع ملكية المسجد يباع نقضه وتوابعه بإذن القاضى ويصرف ثمنها إلى بعض المساجد الأخرى
Q من السيد/ .
قال إن جده المرحوم بنى مسجدا وأقيمت فيه الشعائر الدينية من مائة سنة تقريبا، وفى هذا العام نزعت وزارة البلديات أرض وبناء هذا المسجد للمنافع العامة، وكذلكما ألحق به من دكاكين بناها الواقف للإنفاق عليه من إيرادها وكانت ضمن بنائه وقدرت لذلك ثمنا أودعته خزانتها، ولم يكن الواقف قد حرر حجة بوقف المسجد وما ألحق به من الدكاكين .
وطلب السائل بصفته من ضمن ورثة الواقف بيان الحكم بالنسبة للمبلغ المودع خزانة الحكومة كتعويض لأرض وبناء المسجد وملحقاته - هل للورثة الحق فى صرف هذا المبلغ والتصرف فيه على أساس أنه تركة تورث عن مورثهم أم ليس لهم الحق فى ذلك
An نفيد بأنه لا حق للورثة شرعا فى صرف ما أودع ثمنا للأرض وبناء هذا المسجد، لأن ذلك فرع كونه ملكا لمورثهم الذى بناه ولا شك أنه مات وهو ليس على ملكه (ولا يشترط فى ذلك صدور إشهاد أو حكم قاض بوقفه) لأن المسجد يخالف سائر الأوقاف فى خروجه عن ملك الواقف بالصلاة فيه وإن لم يحكم به حاكم كما فى الدر وغيره من كتب الفقه، ومثل ذلك ما ألحق به من الدكاكين التى بناها الواقف .
وقال السائل إنها ضمن بنائه للإنفاق عليه من غلتها - فقد نص شرعا على أن مابنى تحت المسجد من سرداب أو بنى فوقه من علو لصالح المسجد صار مسجدا كما فى الشرنبلالية - والحكم أنه يباع نقض هذا المسجد وما ألحق به من الدكاكين بإذن القاضى ويصرف ثمنها إلى بعض المساجد .
كما جزم بذلك صاحب الإسعاف، واختاره شمس الأئمة الحلوانى .
فقد نقل عنه فى الذخيرة أنه سئل عن مسجد خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه وهل للقاضى أن يصرف أوقافه إلى مسجد آخر فقال نعم - ومثله فى البحر عن القنية .
وهذا إذا كان الحال كما جاء بالسؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم(7/157)
ركعتا تحية المسجد يوم الجمعة
F حسن مأمون .
شعبان 1376 هجرية - 17 مارس 1957 م
M 1- بجلوس الإمام على المنبر يحرم ابتداء التنقل على الحاضرين بالمسجد بإجماع الحنفية والشافعية والمالكية .
2- القادمون إلى المسجد بعد جلوس الإمام على المنبر .
يحرم عليهم ابتداء صلاة التطوع ولو كانت تحية المسجد كالجالسين بالمسجد عند الحنفية والمالكية .
3- للقادم صلاة ركعتين خفيفتين تحية للمسجد عند الشافعية .
4- من شرع فى صلاة النافلة قبل خروج الإمام وقبل صعوده على المنبر أتمها
Q من السيد/ .
قال إن مصلحة السكة الحديد أنشأت زاوية للصلاة، وأن خطيب هذا المسجد منع المصلين يوم الجمعة من صلاة سنة الجمعة القبلية مستدلا بأحاديث رواها السائل محتجا بأن الإمام إذا صعد على المنبر يحرم على المصلين القيام للصلاة وهو يصعد على المنبر قبل الأذان وأن إمام مسجد آخر بالبلدة المذكورة قال إن سنة الجمعة سنة مؤكدة ولا يصح لأحد أن يتركها ، واحتج بأحاديث رواها السائل أيضا عنه .
وطلب بيان الحكم الشرعى فى هذه المسألة عن الحنفية والشافعية والمالكية، ليكون الناس على بينة من أمور دينهم
An إن المذهب الحنفى كما جاء فى الفتح والبحر وغيرهما من كتب المذهب أن الإمام إذا خرج يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته عند أبى حنيفة رحمه الله .
وقال صاحباه لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب، وإذا نزل قبل أن يكبر، لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع ولا استماع هنا، بخلاف الصلاة لأنها قد تمتد .
استدل الإمام أبو حنيفة رحمه الله بقوله عليه السلام (إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام) من غير فصل ولأن الكلام قد يمتد طبعا فأشبه الصلاة وقال صاحب الفتح تعليقا على ذلك (وأخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه عن على وابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام .
والحاصل أن قول الصحابى حجة فيجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شئ آخر من السنة ولو تجرد المعنى المذكور عنه، وهو أن الكلام يمتد طبعا أى يمتد فى النفس فيخل بالاستماع أو أن الطبع يفضى بالمتكلم إلى المد فيلزم ذلك، والصلاة أيضا قد تستلزم المعنى الأول فتخل به) ثم قال بعد ذلك (وأخرج الستة عن أبى هريرة رضى الله عنه - عنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) وهذا يفيد بطريق الدلالة منع الصلاة وتحية المسجد، لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد فمنعه منهما أولى الخ) .
وجاء فى البحر شارح الكنز بعد أن روى أثر ابن أبى شيبة السابق - فالحاصل أن الإمام إذا كان فى خلوة فالقاطع انفصاله عنها وظهوره للناس وإلا فقيامه للصعود، وأطلق فى الصلاة لتشمل السنة وتحية المسجد .
ويدل عليه حديث (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت) فإنه يفيد بطريق الدلالة منعهما بالأولى، لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد .
وما فى صحيح مسلم من أن قوله عليه السلام (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) فمحمول على ما قبل تحريم الكلام فيها دفعا للمعارضة .
وجوابهم بحمله على ما إذا أمسك عن الخطبة حتى يفرغ من صلاته - كما أجابوا به فى واقعة سليك الغطفانى - فغير مناسب لمذهب الإمام لما علمت أنه يمنع الصلاة بمجرد خروجه قبل الخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة .
هذا هو مذهب الحنفية .
وأما مذهب الشافعية كما جاء فى حواشى تحفة المحتاج شرح المنهاج تعليقا على قول المنهاج فى باب الجمعة (ويسن صلاة ركعتين) الخ (وكره تحريما بالإحماع تنقل أحد من الحاضرين بعد صعود الخطيب على المنبر وجلوسه عليه وإن لم يسمع الخطبة بالكلية لإعراضه عنه بالكلية، ويستثنى التحية لداخل المسجد والخطيب على المنبر فيسن له فعلها ويخففها وجوبا - هذا إن صلى سنة الجمعة وإلا صلاها مخففة وحصلت التحية، ولا يزيد على ركعتين بكل حال .
فإن لم تحصل تحية كأن كان فى غير مسجد لم يصل شيئا - أما الداخل فى آخر الخطبة، فإن غلب على ظنه أنه إن صلاها فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصل التحية أى ندبا بل يقف حتى تقام الصلاة، ولا يقعد لئلا يجلس فى المسجد قبل التحية، ولو صلاها فى هذه الحالة استحب للإمام أن يزيد فى كلام الخطبة بقدر ما يكملها) .
سواء فى ذلك سنة الجمعة وغيرها كفاءته حيث لم تزد على ركعتين .
وأما مذهب المالكية كما جاء فى مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل الجزء الثانى فى باب صلاة الجمعة (أن الخطيب إذا خرج على الناس من دار الخطابة أو من باب المسجد فإنه يحرم ابتداء الصلاة حينئذ ولو لمن دخل المسجد حينئذ، واحترز بقوله ابتداء ممن خرج عليه الخطيب وهو فى الصلاة فإنه يتمها .
ثم نقل الاتفاق على أنه إذا جلس الإمام على المنبر فإن النفل حينئذ يحرم على الجالس، وأما فيما بين جلوسه على المنبر وخروجه على الناس فقد ذكر فيه مذهبين عند المالكية الأول المنع وهو مذهب المدونة الكبرى .
والثانى الجواز . ثم قال بعد ذلك والقياس ما فى الكتاب لما جاء من أن خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام) .
والخلاصة مما تقدم من النصوص فى المذاهب المذكورة الثلاثة أن الحنفية والشافعية والمالكية أجمعوا على أنه بجلوس الإمام على المنبر يحرم ابتداء التنفل على الحاضرين بالمسجد - أما القادمون إلى المسجد بعد جلوس الإمام على المنبر فإنه عند الحنفية والملكية يحرم عليهم أيضا ابتداء صلاة التطوع ولو كانت تحية المسجد كالجالسين بالمسجد .
أما الشافعية فقد أباحوا للقادم أن يصلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد إن كان صلى سنة الجمعة خارجه، وإن لم يكن صلاها صلى ركعتين .
وهذا إذا كان الإمام فى أول الخطبة، أما إذا كان فى آخرها وظن الداخل حينئذ أنه لو أداها فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام فغنه لا يصلى التحية ندبا، بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لئلا يجلس فى المسجد قبل التحية، ولو صلاها فى هذه الحالة مع ذلك استحب للإمام أن يزيد فى كلام الخطبة بقدر ما يكمل الداخل صلاة تحية المسجد .
وأما من شرع فى صلاة النافلة قبل خروج الإمام وقبل صعوده على المنبر فإن الصحيح فى مذهب الحنفية أنه لا يقطع صلاته بل يتمها .
ويظهر مما تقدم أن المسالة التى اختلفت فيها آراء الإمامين بالمسجدين محل خلاف .
فمن منع ابتداء النفل على الجالسين بالمسجد والداخلين إليه بعد صعود الإمام كان مقتديا بمذهب الإمامين أبى حنيفة ومالك، ومن قصر المنع على الحاضرين والإمام على المنبر كان مقتديا بالشافعى .
والله تعالى أعلم(7/158)
تحويل الكنيسة إلى مسجد
F حسن مأمون .
1376 هجرية - 1 يونية 1957 م
Mيجوز تحويل الكنيسة إلى مسجد إذا كانت معطلة ولا ينتفع بها فيما أنشئت من أجله بسبب عدم وجود مصلين بها
Q من السيد رئيس هيئة إدارة الجيش - الشئون الشخصية العسكرية قال - إن معسكر الجلاء رغم كبره وكثرة عدد الأفراد العسكريين المقيمين به يفتقر إلى مسجد تقام فيه الشعائر الدينية .
وإنه يوجد بهذا المعسكر ثلاث كنائس ولا تستغل منها إلا كنيسة واحدة حاليا .
ومن المرغوب فيه تحويل إحدى هذه الكنائس إلى مسجد . والمطلوب هو بيان الحكم الشرعى فى ذلك
An إن يظهر لنا من الاطلاع على كتاب السيد/ رئيس هيئة القيادة الشرقية المذكور أن الكنائس الثلاث أنشئت لتأدية أغراضها وقت إنشائها ثم تغيرت الحالة بعد إتمام لجلاء فلم يستعمل منها حاليا سوى كنيسة واحدة، والمفهوم من هذا أن الكنيستين الباقيتين معطلتان ولا ينتفع بهما أحد، ولا ينتظر أن تدعو الحاجة إلى وجودهما مستقبلا أو استعمالها فى أغراض العبادة لأهلهما وأمرهما يدور بين بقائها بدون نفع إلى أن تتخربا بمضى الزمن أو الانتفاع بهما فى أغراض دينية أخرى تدعو إليهما حاجة المعسكر ونحن نميل إلى أن الانتفاع بهما خير من بقائهما معطلتين ويمكن الانتفاع بهما فى أغراض تحقق مصلحة عامة، وذلك كتحويلهما أو إحداهما إلى مسجد لكثرة عدد المسلمين المقيمين بالمعسكر .
ولهذا نرى أنه لا يوجد مانع شرعى يمنع من تحويل إحدى الكنائس بالمعسكر إلى جامع للاعتبارات التى أشرنا إليها - والله سبحانه وتعالى أعلم(7/159)
تعمير المسجد أو بناؤه من مال الزكاة
F حسن مأمون .
محرم 1378 هجرية - 3 أغسطس 1958 م
Mإخراج المزكى مال زكاته فى بناء مسجد ببلدة لا يوجد بها مسجد أو يوجد ولكنه يضيق بالمصلين فيه، مسقط للفرض عنه بشرط اقتصاره فى ذلك على القدر الضرورى لإعداد المسجد للعبادة بلا مغالاة
Q من السيد/ .
بالطلب المتضمن أنه وفق إلى إقامة مسجد بمبالغ جمعها وأن هذا المسجد متعطل الآن، لأن دورة المياه ناقصة وليس به فرش وأن لديه من الزكاة مبلغ خمسين جنيها ولدى ابنه عشر جنيهات ولدى أقربائه عشر جنيهات، وأن أهل البلد ممتنعون عن المساعدة فى إتمامه .
فهل يجوز له شرعا أن يصرف أموال الزكاة فى إتمام دورة المياه بهذا المسجد وفرشه أو تعطى الزكاة لمستحقيها
An إنه سبق لنا فى فتوى مماثلة سجلت برقم 294 سجل 74 متنوع أن رجحنا الأخذ بالرأى القائل بدخول القرب عامة ومنها بناء المساجد وإعدادها لأداء العبادة بها فى صنف سبيل الله من آية الصداقات فى قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله } التوبة 60 ، وخاصة إذا كان أهل البلدة فى حاجة إلى مسجد يقيمون فيه الصلاة المكتوبة والجمع والأعياد لعدم وجود مسجد ببلدهم .
وهذا الرأى نقله القفال فى تفسيره كما نقله المغنى لابن قدامة عن أنس والحسن وارتضاه صاحب كتاب الروض النضير، وعلى ذلك لو أخرج المزكى زكاته الواجبة فى بناء مسجد ببلده التى لا يوجد بها مساجد أو يضيق ما بها عن استيعاب المصلين سقط عنه الفرض على شريطة أن يقتصر فى ذلك على القدر الضرورى لإعداد المسجد للعبادة بدون مغالاة .
والله أعلم(7/160)
بيع المساجد وفوائد البنوك
F حسن مأمون .
ذو القعدة 1379 هجرية - 24 مايو 1960 م
M 1- المساجد التى يحتاج إليها المسلمون لإقامة الشعائر الدينية فيها لا يجوز بيعها مهما أدت الضرورة إلى ذلك .
2- إذا تخرب المسجد وليس له ما يعمر به واستغنى الناس عنه لبناء آخر .
أو لم يتخرب واستغنى الناس عنه لخراب قريتهم . اختلف الشيخان محمد وأبو يوسف فى حكمه .
قال محمد يعود إلى ملك الواقف إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا .
فإن لم يعلما جاز بيعه . وصرف ثمنه فى مسجد آخر . ومثل المسجد جميع لوازمه .
وقال أبو يوسف هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة ولا يعود .
كما لا يجوز نقل أنقاضه ولوازمه إلى مسجد آخر، وفى رواية عنه أنه لا يعود إلى المالك لكن يحول نقضه ومافيه من لوازم إلى مسجد آخر أو يباع ذلك بإذن القاضى ويصرف ثمنه فى أقرب مسجد إليه .
3- الفائدة التى تعطى على الأموال التى تودع فى البنوك ربا محرم لا يجوز شرعا أخذها .
4- زواج الرجل ممن زنى بها أثناء الحمل جائز ويثبت النسب إن جاءت بالولد لستة أشهر من تاريخ العقد فإن كان أقل من ذلك لم يثبت إلا إذا ادعاه ولم يقل إنه من الزنا
Q من السيد/ .
بالطلب المتضمن أولا - هل يجوز بيع المساجد إذا اضطرت حكومة المسلمين إلى ذلك طبقا لقوانينها مع شرح كيفية الاعتراض .
ثانيا - ما حكم الفائدة على الأموال التى تودع فى البنوك ثالثا - هل المسيحيون واليهود الموجودون الآن من أهل الكتاب رابعا - رجل زنى بامرأة وحملت منه ثم تزوجها قبل الولادة .
ما حكم هذا الولد فى المذاهب .
وطلب بيان الحكم الشرعى فى هذا الاستفتاء
An عن السؤال الأول - إن المساجد التى يحتاج إليها المسلمون لإقامة الشعائر الدينية فيها لا يجوز بيعها مهما أدت الضرورة إلى ذلك ، لأنها تعتبر وفقا .
وبيع الوقف باطل . لكن إذا تخرب المسجد وليس له ما يعمر به استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر أو لم يتخرب ولكن تفرق الناس من حوله واستغنوا عنه لخراب قريتهم، فقد اختلف الشيخان محمد وأبو يوسف صاحبا أبى حنيفة فى حكمه .
فقال محمد إنه يعود إلى ملك الواقف إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا .
لأنه عينه لقربة مخصوصة فإذا انقطعت رجع إلى المالك .
وإذا لم يعلم صاحبه ولا ورثته جاز بيعه وصرف ثمنه فى مسجد آخر، ومثل المسجد جميع لوازمه .
وقال أبو يوسف هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة ولا يعود بالاستغناء، والساقط لا يعود، ولا يجوز نقل أنقاضه ولوازمه إلى مسجد آخر .
وأكثر المشايخ على قول أبى يوسف ورجحه ابن الهمام فى الفتح .
وروى عن أبى يوسف أيضا أنه لا يعود إلى المالك لكن يحول نقضه وما فيه من لوازم إلى مسجد آخر أو يباع ذلك بإذن القاضى ويصرف ثمنه فى أقرب مسجد إليه .
وقد جزم بهذه الرواية صاحب الإسعاف وأفتى بها كثير من المتأخرين لأن ترك الأنقاض وخلافها بدون صرفها إلى مسجد آخر مما يؤدى إلى ضياعها إذا طال الزمان .
وذكر بعضهم أن قول أبى حنيفة كقول محمد وبعضهم ذكره كقول أبى يوسف .
عن السؤال الثانى الفائدة التى تعطى على الأموال التى تودع فى البنوك حرام وهى نوع من أنواع الربا لا يجوز شرعا أخذها - عن السؤال الثالث إن المسيحيين واليهود الموجودين الآن يعتبرون من أهل الكتاب ماداموا متمسكين بدينهم وطقوسه ولهم مالنا وعليهم ما علينا .
عن السؤال الرابع يجوز النكاح ويثبت نسب الولد منه إن ولدته بعد عقد النكاح بستة أشهر فلو ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت عقد النكاح لا يثبت نسبه منه إلا إذا ادعاه وأقر بأنه ولده، بشرط أن لا يقول أنه من الزنا، لأنه إذا صرح بأنه من الزنا لا يثبت نسبه منه فى جميع المذاهب ومن هذا يعلم الجواب عن الأسئلة والله أعلم .
ے(7/161)
ما يبدأ به المسلم عند دخوله المسجد
F محمد خاطر .
ذو القعدة 1391 هجرية - 26 ديسمبر 1971م
Mيسن لداخل المسجد إذا كان فيه قوم جالسون ثلاث تحيات مترتبة أن يقول عند دخوله .
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يصلى ركعتين تحية للمسجد، ثم يسلم على القوم
Q بالطلب المتضمن بيان ما هو المسنون لداخل المسجد، وهل يبدأ بصلاة تحية المسجد ثم يسلم على الحاضرين فيه بعد أداء التحية أم يبدأ أولا بالسلام على الحاضرين ثم يؤدى تحية المسجد بعد السلام
An جاء فى فقه الحنفية أنه يسن تحية المسجد بركعتين يصليهما فى غير وقت مكروه قبل الجلوس .
لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) قالوا والمراد غير المسجد الحرام فإن تحية المسجد الحرام تكون بالطواف كما قالوا وأداء الفرض ينوب عنها، وكذا كل صلاة أداها عند الدخول بلا نية التحية .
وجاء فى كتاب زاد المعاد فى هدى خير العباد للأمام الجليل الحافظ أبى عبدالله محمد بن أبى بكر الشهير بابن القيم الجوزية بالجزء الثانى بالصحيفة رقم 65 ما نصه (ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد، ثم يجئ فيسلم على القوم فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله، فإن تلك حق الله تعالى والسلام على الخلق هو حق لهم، وحق الله فى مثل هذا أحق بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزعا معروفا، والفرق بينهما حاجة الآدمى وعدم اتساع الحق المالى لأداء الحقين بخلاف السلام - وكانت عادة القوم معه هكذا - يدخل أحدهم المسجد فيصلى ركعتين ثم يجئ فيسلم على النبى صلى الله عليه وسلم .
ولهذا جاء فى حديث رفاعة بن رافع أن (النبى صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس فى المسجد يوما .
قال رفاعة ونحن معه إذ جاءه رجل كالبدوى فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة - وعلى هذا فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه قوم جالسون ثلاث تحيات مترتبة - أن يقول عند دخوله - بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم يصلى ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم) من هذا كله يتبين فى المسألة موضوع الاستفتاء أنه يسن لداخل المسجد إذا كان فيه قوم جالسون ثلاث تحيات مترتبة أن يقول عند دخوله بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يصلى ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم .
ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم(7/162)
الاعتداء على المسجد الحرام
F جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1400 هجرية - 26 نوفمبر 1979 م
M 1 - الأحاديث الشريفة دالة على حرمة المسجد الحرام، وحرمة القتال فيه، وحرمة مكة تبعا له .
2 - الفئة الباغية على حرم الله أيا كانت جنسيتها يجب قتالها .
3 - حماية المسجد الحرام واجب كل المسلمين، ويأثمون إن هم وقفوا متفرجين أو مترقبين
Q عن الأنباء المؤسفة التى أذيعت صباح الأربعاء مطلع العام الهجرى الجديد 1400 هجرية وتناقلتها الصحافة عن اقتحام عدد من المسلحين المسجد الحرام بمكة عند صلاة فجر الثلاثاء، واحتجازهم عددا من المسلمين الموجودين بالحرم للصلاة، وأنهم ر و عُوا المصلين والطائفين وأفزعوهم عن الصلاة فى حرم الله الآمن
An إنه لأمر محزن حقا أن يحدث الاقتحام لحرم الله وللبلد الذى جعله الله آمنا .
ففى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم (إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها فقولوا له إن الله تعالى قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن فى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس) وروى الطبرانى فى الأوسط بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله حرم هذا البيت يوم خلق السموات والأرض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام وأنه لا يحل لأحد بعدى وإنما أحل لى ساعة من نهار ثم عاد كما كان) .
وروى ابن ماجه بسنده قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا) وروى الطبرانى والبيهقى فى الشعب عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ستة لعنتهم - وكل نبى مجاب الدعوة - الزائد فى كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتى ، والمستحل من عترتى ما حرم الله، والمستحل لحرم الله) .
والأحاديث الشريفة فى هذا كثيرة كلها دالة على حرمة المسجد الحرام وحرمة القتال فيه وحرمة مكة تبعا له، وذلك كله جاء بيانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ورد فى القرآن الكريم من آيات عديدة تقضى بتحريم المسجد الحرام وجعله حرما آمنا للعاكف فيه والباد .
وبناء على ذلك فإن هذه الفئة الباغية على حرم الله أيا كانت جنسيتها، يجب أن تنال جزاء بغيها وعدوانها، فقد ارتكبت كبيرة الكبائر ودنست حرم الله الآمن، وروعت المصلين والطائفين والعاكفين، فوجب قتالها والقضاء عليها .
وإن مفتى جمهورية مصر العربية ليدعو كافة المسئولين المسلمين إلى الوقوف ضد هذه الفئة، ويدعو المسئولين فى مصر خاصة أن يواجهوا هذا البغى والعدوان على حرم الله بالحسم والقوة شأن مصر فى كل ما يهم المسلمين ترتفع دائما بمسئوليتها فوق الواقع .
وهذا هو ما يقضى به القرآن الكريم فى قوله تعالى { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز } الحج 40 ، قاتلوا هذه الفئة يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف سدور قوم مؤمنين، فإنها ممن جاء فى شأنها حكم الله فى قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها } البقرة 114 ، إن حماية المسجد الحرام واجب كل المسلمين، وهم جميعا آثمون إن وقفوا متفرجين أو مترقبين، بل على المسئولين أيا كان موقعهم أن يمدوا يد العون والمشورة لمواجهة هذا التعدى على قبلة المسلمين .
والله المستعان فاستعينوا بالله واصبروا { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } النحل 128(7/163)
نزع الملكية لاقامة المساجد جائز لأولى الأمر
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1400 هجرية - 21 فبراير 1980 م
M1 - الصلاة فى مسجد بنى على أرض منزوعة الملكية صحيحة، أما إذا كانت الأرض مغصوبة فتحرم الصلاة فيه وينقص بناؤه، إلا إذا أقر المالك المسجدية
Q بالطلب المتضمن أن السائل يمتلك قطعة من الأرض، وقد قام أعضاء الاتحاد الاشتراكى بالاستيلاء عليها عنوة، وفى غيبة منه وأقاموا عليها مبانى ومن ضمن هذه المبانى زاوية للصلاة .
وطلب السائل الإفادة عن حكم الإسلام فى الصلاة التى تقام فى هذه الزاوية، وهل هى مقبولة من عدمه
An إنه إذا كان الاستيلاء على قطعة الأرض المسئول عنها قد تم بطريق نزع الملكية من الجهات ذات السلطة القانونية فى هذا لإقامة مرافق عامة عليها تلزم لمصالح المسلمين كالمسجد يكون الانتفاع بتلك المرافق مشروعا .
وتصبح الصلاة فى المسجد المقام على مثل هذه الأرض جائزة ومقبولة إن شاء الله .
ذلك لأن لولى لأمر تقديرا للمصلحة العامة إقامة المساجد ولو اقتضى ذلك نزع ملكية مالكها دون رضاه، وقد حدث هذا فى الصدر الأول للاسلام حيث أضيفت بعض المساكن المجاورة للمسجد النبوى إلى المسجد توسعة له بعد فدع قيمتها لما لكها .
وهذا ما يجب فى هذه الواقعة إن كانت على هذا المثال أما إذا كانت الأرض التى أقيم عليها هذا المسجد قد اغتصبت بمعنى أنه لم يصدر قرار من السلطة صاحبة الاختصاص بالاستيلاء عليها، وإنما أخذت بالرغم من مالكها، فإن المكان يصبح مسجدا بقول مالكه الذى أقامه جعلته مسجدا .
إذ لابد من الملكية الصحيحة لمكان المسجد وقت إقامته واتخاذه مسجدا .
ولقد نص الفقهاء على أنه لا يصح ولا ينعقد وقف الغاصب الأرض أو العقار الذى اغتصبه واتخذه مسجدا لانتفاء الملكية، وأنه لو استحق مكان المسجد المغصوب بأن اعتدى شخص على أرض وأقام عليها مسجدا ثم استحقت للغير نقضت المسجدية .
وقد نقل الإمام النووى فى المجموع شرح المهذب ص 164 بالجزء الثالث أن الصلاة فى الأرض المغصوبة حرام بالإجماع، وأن اختلاف الفقهاء إنما هو فى صحتها والثواب عليها، ونص ابن قدامة الحنبلى فى المغنى ج - 1 ص 726 على هذا الإجماع أيضا .
لما كان ذلك فإنه لإضفاء صفة المسجدية على مكان اتخذ مسجدا يتحتم أن يكون مملوكا لمن أقامه مسجدا .
أما إذا لم يكن ملكا له بأن كان قد اغتصبه حرمت الصلاة فيه ونقضت المسجديه، وللمالك الشرعى للمكان سواء أكان أرضا أو عقارا حيازته والتصرف فيه فى نطاق القانون وإذ كان ما تقدم ففى واقعة السؤال إذا ثبت أن هذا المسجد قد أقيم على أرض مملوكة لغير من أقامه واتخذه مسجدا ومازالت مغتصبة بمعنى أن مالكها الشرعى لم يقر قيام المسجد عليها، ولم يصدر من السلطة صاحبة الاختصاص فى الدولة قرار بنزع ملكيتها واتخاذها مسجدا يكون للمالك الحقيقى بالطرق القانونية إزالته، إذ ليست لهذا المكان حرمة المساجد فى الإسلام .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/164)
تبرع غير المسلم ومساهمته فى بناء المسجد جائز شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
ذو الحجة 1400 هجرية - 12 أكتوبر 1980 م
Mيجوز للمسلمين المتواجدين فى أية جهة من العالم أن يتلقوا أى تبرعات لبناء المسجد، سواء من الحكومة أو من الأفراد دون نظر إلى ديانتهم لأن المساجد لله خالق الناس جميعا
Q بالطلب المتضمن أن السائل وعددا من المسلمين يقيمون فى منطقة من مناطق نيوجرسى الأمريكية وهم يريدون إقامة مسجد يؤدون فيه شعائر دينهم .
فهل يجوز لهم شرعا أن يطلبوا من الكونجرس الأمريكى أن يعطى لهم مالا يقيمون به هذا المسجد، وهل إذا وافق الكونجرس على إعطائهم المال اللازم لإقامة المسجد، يجوز لهم إقامته بهذا المال وأداء الصلاة فيه
An إن البر والإحسان إلى الناس فى الإسلام والتعاون بينهم فى الطاعات وإقامة المصالح العامة كل ذلك جائز بين أهل الأديان المختلفة، لأنها جميعا قد أمرت بالتراحم والتواصل والتعاون على البر، وقد ضرب الإسلام المثل الأعلى بالبر بغير المسلمين، فقد روى ابن أبى شيبه ( مصنف ابن أبى شيبة ج - 4 ص 4 ) عن جابر بن زيد أنه سئل عن الصدقة فيمن توضع .
فقال فى أهل ملتكم من المسلمين وأهل ذمتهم، وقال (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فى أهل الذمة من الصدقة والخمس) .
ولقد أباح الله سبحانه فى القرآن الكريم تناول طعام أهل الكتاب وتزوج نسائهم فى قوله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان } المائدة 5 ، توجهنا الآية الكريمة إلى حل التعامل مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وتبادل المنافع معهم وإباحة طعامهم ضيافة وشراء والتزوج من نسائهم .
هذا وليست مساهمة غير المسلمين فى إقامة المساجد بالمال بأعلى شأنا من هذه المباحات فى التعامل بنص القرآن الكريم مع غير المسلمين .
ثم إن ( كتاب الأموال لأبى عبيد ص 46 ) عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وهو من خلفاء المسلمين العلماء العاملين كتب إلى عامله على البصرة كتابا ومما جاء فيه (وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وخلت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه) - ومعناه اجعل لمن هذا حاله راتبا دوريا ولا تدعه حتى يطلب بنفسه .
وبهذا الأساس قال فقهاء مذاهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد بن حنبل رحمهم الله بجواز الهبة والوصية من غير المسلم للمسلم .
باعتبارها من عقود التبرعات والصلات التى تجوز بين أهل الأديان مادامت لغير معصية .
ولقد نص الفقه الشافعى ( حواشى تحفة المحتاج شرح المنهاج ص 5، وحاشية البحيرمى أيضا على منهج الطلاب ج - 3 ص 268، وحاشية البحيرمى أيضا على شرح الخطيب ج - 3 ص 293 ) صراحة على جواز وصية غير المسلم ببناء مسجد للمسلمين، ولما كانت الوصية من عقود التبرعات، وكانت جائزة من غير المسلم ببناء مسجد للمسلمين، كان التبرع من غير المسلم فورا ببناء المسجد أو المساهمة فى بنائه جائزا .
لما كان ذلك كان جائزا شرعا للمسلمين المتواجدين فى ولاية نيوجرسى الأمريكية أو أية جهة من العالم أن يتلقوا أى تبرعات لبناء المسجد سواء من الحكومة أو من الأفراد دون نظر إلى ديانتهم لأن المساجد لله خالق الناس جميعا .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/165)
جواز هدم المسجد الآيل للسقوط واعادة بنائه
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الأولى 1401 هجرية - 1 أبريل 1981 م
M1 - إذا كان للمسجد أرض فضاء تابعة له جاز إقامة عمارة عليها .
وتستغل لمصلحة المسجد وفقراء المسلمين بإذن من القاضى كما يجوز هدم المسجد المتخرب اعتبارا وبيع أنقاضه وإدخال ثمنها فى بنائه الجديد
Q بكتاب السيد رئيس هيئة التولية على الأوقاف الإسلامية بمدينة حيفا المحرر فى 20 ربيع الآخر سنة 1401 هجرية - 24 فبراير سنة 1981 المقيد برقم 74 لسنة 1981 وقد جاء به لدينا مسجد قديم جدا فى مدينة حيفا اسمه - الجامع الكبير - وأصل هذا الجامع فى سابق العهود كنيسة مسيحية، وبعد الفتح الإسلامى وسكنى المسلمين المدينة، حولوا تلك الكنيسة إلى مسجد وأن الساحات الخارجية هذا المسجد تبلغ أربعة أضعاف مساحة حرم الصلاة نفسه، وأن هذه الساحات غير مستعملة، وقد كان يستعملها المسلمون للصلاة فى الأعياد أيام الانتداب البريطانى ويم كان المسلمون أغلبية السكان .
وأن مبنى هذا المسجد آيل للسقوط، وخطر على حياة المصلين والمارة ومن المتعذر ترميمه نظرا لقدم وتلف مبناه، وأنه بعيد عن التجمع الإسلامى ولا يؤمه اليوم إلا ما ندر، حيث يوجد لدينا مسجد آخر، لا يبعد عن المسجد القديم أكثر من مائة وخمسين مترا ، وأنه مسجد ممتاز وعلى آخر طراز فى الترتيب والنظافة والفرش والملحقات، ويؤمه المسلمون يوميا وفيه تؤدى صلاة الجمعة والجماعة والأعياد وكافة فرائض المسلمين واحتفالاتهم الدينية، وبجانبه مكاتب الوقف والمحكمة الشرعية بالمدينة .
ويعتبر المركز الإسلامى الوحيد من نوعه فى البلاد .
والسؤال هل يجوز شرعا هدم هذا المسجد القديم، وبناء مسجد حديث على قسم من الأرض التابعة له وأرضه الحالية، واستغلال باقى الأرض لبناء عمارة متعددة الطوابق، ينتفع من تأجيرها بما يعود بالخط والمنفعة على الوقف والمسلمين هذا مع العلم بأن المجسد القديم الحالى موجود فى منطقة تجارية وبين عمارات شامخة متعددة الطوابق، مما يتعذر رؤيته من بعيد من بين هذه المبانى
An إن الله سبحانه قال فى القرآن الكريم { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } التوبة 18 ، وقال تعالى { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز } الحج 40 ، وقال جل ثناؤه { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } الجن 18 ، ولقد نص الفقهاء على جواز بناء المسجد فى أى موضع كان، كنيسة أو نحوها، للأحاديث الصحيحة فى ذلك - منها حديث عثمان بن أبى العاص ( رواه ابن ماجة وأبو داود - مختصر سنن أبى داود ص 256 ج - 1 ) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد أهل الطائف حيث كانت طواغيتهم .
ولأهمية المساجد فى الإسلام عنى الفقهاء ببيان أحكامها وتعميرهما وحثوا على المحافظة عليها، وجرت أوقاف السلف الصالح من المسلمين للإنفاق عليها، حتى لا يسعى الخراب إليها وتندثر وتتعطل الشعائر، وفى سبيل المحافظة على المساجد والقيام على عمارتها نص الفقه الشافعى على أنه ( اعلام المساجد فى أحكام المساجد للزركشى الشافعى ص 345 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد أو خرابها أو بخراب المسجد، فلا يعود مملوكا خلافا لمحمد بن الحسن ولا يجوز بيعه بحال ولا التصرف فيه .
وقد جرى الفقه المالكى ( التاج والأكليل على مختصر خليل ج - 6 ص 41 وما بعدها ) على مثل هذا، غير أنه أجاز فى المسجد إذا تخرب وخيف على أنقاضه من الفساد ولم ترج عمارته، لا بأس ببيعها أعين بثمنها فى مسجد فى مسجد آخر .
أجاز فقه الإمام أحمد ( المغنى لابن قدامة ج - 6 ص 237 مع الشرح الكبير على متن المقنع ) بيع المسجد إذا صار غير صالح للغاية المقصود منه، كأن ضاق على أهله، ولم يمكن توسيعه حتى يسعهم، أو خربت الناحية التى فيها المسجد وصار غير مفيد، ويصرف ثمنه فى إنشاء مسجد آخر يحتاج إليه فى مكانه .
وفى الفقه الحنفى أن المسجد إذا خرب ولم يكن له ما يعمر به، وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، أو خرب ما حوله واستغنى عنه يبقى مسجدا أبدا إلى قيام الساعة عنه أبى حنيفة وأبى يوسف، ويعود إلى ملك البانى عند محمد ونصوا على أنه إذا أراد أهل محلة نقض المسجد وبناءه أحكم من الأول، إن كان من يريد إعادة البناء من أهل المحلة كان لهم ذلك وإلا لم يجز .
كما نصوا على أنه لقيم المسجد أن يؤجر فناءه للتجار لصالح المسجد، وتصر الأجرة على مصالح المسجد وللفقراء من المسلمين، وذلك بإذن من القاضى ( كتاب الهداية وفتح القدير ج - 5 ص 56، والفتاوى الخانية ج - 3 الصفحات 293 و 311 و 314 و 315 و 329، والبحر الرائق لابن نجيم ج - 5 فى أحكام المسجد ص 248 - 256، وحاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار ج - 3 ص 572 وما بعدها فى كتاب الوقف ) وقد تحدث الفقهاء عن حرم المسجد أى الأرض التى حوله التابعة له، وسموها رحاب المسجد أو أفنيته الخارجة عنه، فأعطاها بعضهم حكم مسجد آخر، وأتبعها آخرون لذات المسجد الذى تحيط به، وعرفها بعضهم بأنها ما كان محجرا على المسجد ومضافا إليه ( البحر الرائق لابن نجيم الحنفى فى الموضع السابق وأعلام المساجد بأحكام المساجد للزركشى الشافعى ص 346 ط .
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة سنة 1385 هجرية ) لما كان ذلك وكان الظاهر من السؤال أن المسجد المسئول عنه قديم منذ دخل الإسلام مدينة حيفا، وأنه آيل للسقوط، وخطر على حياة المصلين والمارة ويتعذر ترميمه .
إذا كان هذا واقعا اعتبر هذا المسجد متخربا، وجاز هدم بنائه وبيع أنقاضه وإدخال ثمنها فى بنائه الجديد نزولا على أقوال فقهاء المذهب الحنفى وبعض فقهاء المذهب المالكى والمذهب الشافعى ومذهب أحمد بن حنبل، وإعادة بنائه فى ذات مكانه، إذ لا تزول صفة المسجدية عن أرض المسجد بتخربه فى قول فقهاء المذاهب جميعها على نحو ما سبقت الإشارة إليه، وإذا كانت الساحة المحيطة بالمسجد، وهى ما عبر عنه فقهاء الإسلام بحريم المسجد أو بفنائه، ولم تكن تلك الساحة معدة للصلاة، جاز إدخال بعضها فى المسجد المزمع إقامته حتى يتسع لصلاة جمع من المسلمين فى الجمع والأعياد .
وجاز كذلك إقامة بناء عمارة متعددة الطوابق، تستغل لصالح الوقف والمسجد وفقراء المسلمين، وهذا أخذا بما نص عليه فقهاء المذهب الحنفى من جواز إجازة فناء المسجد للتجار وإنفاق هذه الأجرة على مصالح المسجد وفقراء المسلمين .
وهذا مع وجوب مراعاة ألا تؤجر هذه العمارة بعد بنائها أو يؤجر جزء منها للاستعمال فى أمور محرمة شرعا، صيانة لحرمة المسجد وأوقافه من مجاورة المحرم أو الإنفاق على مصالحه وعلى جهة الوقف والفقراء من مال حرام .
هذا ويجب على هيئة التولية على الأوقاف الإسلامية لمدينة حيفا عرض هذا الأمر على المحكمة الشرعية للنظر فى تطبيق الأحكام التى انتهت إليها هذه الفتوى إذا كانت لها الصلاحية فى أمور الأوقاف ، وإلا كان للهيئة النظر فى تطبيقها .
حتى يكون الجميع فى نطاق قول الله سبحانه { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } التوبة 18 ، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/166)
المسجد القديم المبنى باللبن يأخذ حكم المتخرب
F جاد الحق على جاد الحق .
23 ذو القعدة 1401 هجرية - 26 سبتمبر 1981 م
M 1 - المسجد القديم الذى لا يتناسب مع مكانة بيوت الله ولا مع ارتقاء فن العمارة وازدهاره، يأخذ حكم المسجد المتخرب الآيل للسقوط .
2 - يجوز هدم هذا المسجد وبيع أنقاضه للاستعانة بثمنها فى إقامة المسجد الجديد، بل إنه إذا احتيج إلى بيع أرض المسجد القديم لإتمام المسجد الجديد جاز ذلك، وهذا إذا لم يمكن تجديد ذات المسجد فى مكانه
Q بالطلب المتضمن أن والد السائل قد بنى مسجدا بالطوب اللبن من مدة طويلة، وهذا المسجد مسقوف بالخشب وأن السائل يقوم الآن ببناء مسجد بالطوب الحرارى وله دورة مياه وأنه فى احتياج لسقف المسجد القديم لمساعدته على إتمام بناء المسجد الجديد .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هدم المسجد القديم والاستعانة بخشب سقفه وأنقاضه فى بناء المسجد الجديد - وهل يجوز ذلك شرعا أم لا
An فى القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى 1 - { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } التوبة 18 ، وقوله تعالى 2 - { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز } الحج 40 ، وقوله جل ثناؤه 3 - { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } الجن 18 ، ولأهمية المساجد فى الإسلام عنى الفقهاء ببيان أحكامها وتعميرها وحثوا على المحافظة عليها، وجرت أوقاف السلف الصالح من المسلمين للإنفاق عليها حتى لا يسعى الخراب إليها وتندثر فتتعطل الشعائر وفى سبيل المحافظة على المساجد والقيام على عمارتها نص ( أعلام المساجد فى أحكام المساجد للزركشى الشافعى ص 345 ط .
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) الفقه الشافعى على أنه (إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد وخرابها أو بخراب المسجد فلا يعود مملوكا خلافا لمحمد بن الحسن ولا يجوز بيعه بحال ولا التصرف فيه) .
وقد جرى الفقه المالكى ( التاج والكليل على مختصر خليل ج - 6 ص 41 وما بعدها ) على مثل هذا .
غير أنه أجاز فى المسجد إذا تخرب وخيف على أنقاضه من الفساد ولم ترج عمارته لا بأس ببيعها وأعين بثمنها فى مسجد آخر .
وأجاز فقه الإمام أحمد ( المغنى لابن قدامة ج - 6 ص 237 مع الشرح الكبير على متن المقنع ) بيعه المسجد إذا صار غير صالح للغاية المقصودة منه، كان ضاق على أهله ولم يمكن توسيعه حتى يسعهم، أو خربت الناحية التى فيها المسجد وصار غير مفيد، ويصرف ثمنه فى مسجد آخر يحتاج إليه فى مكانه .
وفى الفقه الحنفى أن المسجد إذا خرب ولم يكن له ما يعمر به، وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، وخرب ما حوله واستغنى عنه يبقى مسجدا أبدا إلى قيام الساعة عند أبى حنيفة وأبى يوسف، ويعود إلى ملك البانى عند محمد - ونصوا على أنه إذا أراد أهل محلة نقض المسجد أى هدمه وبناءه أحكم من الأول، إن كان من يريد إعادة البناء من أهل المحلة كان لهم ذلك وإلا لم يجز .
لما كان ذلك وكان الظاهر من السؤال أن المسجد المسئول عنه قديم وأن بقاءه على حاله التى بنى عليها لا يتناسب مع مكانة بيوت الله ولا مع ارتقاء فن العمارة وازدهاره، ومن ثم يأخذ هذا المسجد حكم المسجد المتخرب الآيل للسقوط، ويجوز عدمه وبيع أنقاضه للاستعانة بثمنها فى إقامة المسجد الجديد، وذلك ابتاعا لأقوال فقهاء المذهب الحنفى وبعض فقهاء المذهب المالكى والمذهب الشافعى ومذهب أحمد بن حنبل .
بل إنه إذا احتيج إلى بيع أرض المسجد القديم لإتمام المسجد الجديد جاز ذلك أيضا اتباعا لقول الإمام محمد بن الحسن من أصحاب الإمام أبى حنيفة فى تخرب المسجد .
وهذا إذا لم يمكن تجديد ذات المسجد فى مكانه .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/167)
كفالة
F محمد عبده .
صفر 1320 هجرية
Mالكفالة بنفقة الزوجة جائزة شرعا مادامت الزوجية
Q رجل تزوج بامرأة وقد ضمن لها أبوه نفقتها وكفلها له بالكتابة لها بذلك، وقد دخل بها الزوج ثم امتنع من الإنفاق عليها لفقره .
فهل يكون ذلك الأب ملزما بتلك النفقة معاملة له بكفالته وضمانته
An المصرح به فى كتب المذهب .
أنه لو كفل لها رجل بالنفقة أبدا مادامت الزوجية جاز، بناء على أن صحة الكفالة بها مستثناة من شرط كون المكفول به دينا صحيحا .
وقالوا إن ذلك كقوله لامرأة الغير كفلت لك بالنفقة أبدا فإنه تلزمه النفقة أبدا ما دامت فى نكاحه .
كما فى رد المحتار وغيره . ومن هذا يتبين أن ذلك الأب تلزمه نفقة زوجة ابنه المذكورة مادامت الزوجية فإن، مثل هذه الكفالة لا يراد بها إلا التأبيد واللّه أعلم(7/168)
كفالة مؤقتة
F بكرى الصدفى .
ذى الحجة 1329 هجرية
M 1 - تأقيت الكفالة بوقت معلوم أو مجهول وكانت الجهالة يسيرة غير مانع من صحة الكفالة .
2 - إذا كانت الجهالة فاحشة فإنها تبطل الكفالة حيث يبطل الأجل ويلزم تسليم النفس فورا
Q تعهد شخص على أن يصرف على زوجة ابنه مادام تلميذا بالمدرسة ومراده ما دامت مدة الدراسة باقية .
والآن مضت مدة التلمذة المعلومة عرفا لأن سنة خمسة وعشرون عاما وخرج الولد من المدرسة .
فهل بخروجه من المدرسة للزوجة أن تطالب والده بالنفقة المتعهد بها أم لا
An فى رد المحتار من مبحث تأجيل الكفالة إلى أجل مجهول ما نصه .
وإن كان (أى الأجل) مجهولا جهالة غير متفاحشة مثل إلى الحصاد أو الدياس أو المهرجان أو العطاء أو صوم النصارى جازت الكفالة والتأجيل وكذلك الحوالة، ومثله إلى أن يقدم المكفول به من سفره - انتهى - وفى شرح الدر فى بيان صيغ الكفالة ما نصه - وكذا قول الرجل لامرأة الغير كفلت لك بالنفقة أبدا ما دامت الزوجية - خانبه فليحفظ انتهى - وكتب محتسبه فى رد المحتار ما نصه - ولو قال لها ما دمت فى نكاحه فنفقتك على فإن مات أحدهما أو زال النكاح لا تبقى النفقة انتهى - وفى التبيين ما نصه ويجوز تأجيلها (أى الكفالة) إلى أجل معلوم، والجهالة اليسيرة فيها محتملة كالتأجيل إلى القطاف وقدوم الحاج، ولا يجوز إلى هبوب الريح أو نزول المطر فإن أجله إليه بطل الأجل ولزمه تسليم النفس حالا انتهى إذا علمت ذلك فاعلم أن التعهد المذكور من باب الكفالة إلى أجل معلوم عرفا أو مجهول جهالة يسيرة .
فإذا خرج الولد البالغ المذكور من المدرسة لمضى مدة التلمذة فلا يطالب أبوه بنفقة زوجته .
هذا ما ظهر لى فى جواب هذا السؤال والحال ما ذكر به واللّه تعالى أعلم(7/169)
ضمان الآمر
F محمد بخيت .
28 ابريل 1919م
Mإذا أمر البالغ العاقل صبيا بفعل شىء ففعله فلحقه غرم كان لولى الصبى الرجوع على الآمر لأن ضمان ذلك على الآمر
Q أمر زيد العاقل الراشد عمروا المراهق بركوب الفرس المربوطة لبكر بدون إذنه لإخراج الدواب من الحاورس المزروع فركب الفرس المذكورة وماتت قبل الوصول للمحل الذى كانت فيه مربوطة .
هل الضمان على الآمر أم على المأمور المراهق
An نفيد أنه قال فى كتاب جامع أحكام الصغار بهامش جامع الفصولين بصحيفة 156 جزء أول ما نصه (وفى جنايات فتاوى قاضيخان قبيل فصل إتلاف الجنين ولو أمر صبيا بشىء فلحقه غرم كان لولى الصبى أن يرجع على الآمر .
وبمراجعة فتاوى قاضيخان من ذلك الموضع وجد كذلك بالجزء الثالث منها بهامش صحيفة 446 من الفتاوى الهندية جزء ثالث .
ومن ذلك يعلم أن عمروا المراهق متى كان قاصرا عن درجة البلوغ وأمره زيد العاقل البالغ بركوب فرس بكر بغير إذنه لإخراج الدواب على وجه ما جاء بالسؤال كان عمرو القاصر مأمورا من قبل زيد البالغ بغصب فرس بكر، وقد هلكت الفرس قبل ردها لمالكها بكر فيجب الضمان على زيد الآمر عملا بالنص المذكور ولو استوفى بكر ضمان الفرس من مال عمرو المراهق كان لولى عمرو أن يرجع على زيد الآمر بما ذكر واللّه تعالى أعلم(7/170)
كفالة الأخرس
F عبد المجيد سليم .
رمضان 1355 هجرية
Mالإشارة المعهودة معتبرة شرعا إذا كان الشخص من الصم البكم أصلا وهى كالنطق باللسان فى الأحكام، أما إذا كان الصمم والبكم طارئا فعلى القول المفتى به تكون الإشارة معتبرة شرعا إن كانت الإشارة معهودة وامتد الصمم والبكم به إلى وفاته
Q ما حكم الشريعة الإسلامية فى امرأة أمية من أوساط الفلاحين بالغة تميز بالإشارة ما تفهمه من ظواهر الأمور العادية وهى صماء بكماء وقعت على صك يتضمن دينا جسيما على أمها بأنها ضامنة لها على وجه التضامن وذكر فى صك الدين أن هذه المرأة أفهمها زوجها بالإشارة موضوع العقد - فهل تصح كفالتها شرعا وهل يمكن أن يصح عقد الكفالة بالتضامن بالإشارات
An اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأنه قد جاء فى الأشباه عند الكلام على أحكام الإشارة ما نصه الإشارة من الأخرس معتبرة وقائمة مقام العبارة فى كل شىء من بيع وإجارة وهبة ورهن ونكاح وطلاق وعتاق وإبراء وإقرار وقصاص إلا فى الحدود ولو حد قذف ثم جاء فيه بعد كلام لا حاجة لذكره ما نصه ولا بد فى إشارة الأخرس من أن تكون معهودة، وإلا لا تعتبر، وفى فتح القدير من الطلاق ولا يخفى أن المراد من الإشارة التى يقع بها طلاقه - الإشارة المقرونة بتصويب منه .
لأن العادة منه ذلك فكان بيانا لما أجمله الأخرس .
وأما إشارة غير الأخرس فإن كان معتقل اللسان ففيه اختلاف .
والفتوى على أنه إن دامت العقلة إلى الموت يجوز إقراره بالإشارة والإشهاد عليه .
ومنهم من قدر الامتداد بسنة وهو ضعيف، وإن لم يكن معتقل اللسان لم تعتبر إشارته مطلقا انتهت عبارة الأشباه .
وجاء فى الزيلعى من مسائل شتى فى آخر الكتاب ما نصه وإذا كان إيماء الأخرس وكتابته كالبيان وهو النطق باللسان تلزمه الأحكام بالإشارة والكتابة، حتى يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه إلى غير ذلك من الأحكام انتهى - ومن هذا يعلم أن المرأة المذكورة إذا كان ما بها من الصمم والبكم أصليا وكفلت عن أمها بالإشارة المعهودة التى يتبين مرادها كانت كفالتها معتبرة شرعا أما إذا كان ما بها من الصمم والبكم طارئا، فعلى القول المفتى به تكون كفالتها معتبرة شرعا إن كانت إشارتها معهودة وامتد الصمم والبكم بها إلى وفاتها، وإلا فلا تكون كفالتها معتبرة شرعا .
هذا ما ظهر لنا حيث كان الحال كما ذكر بالسؤال واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/171)
التلفيق فى العبادة
F محمد بخيت .
ربيع الأول 1338 هجرية 26 نوفمبر 1919م
M 1- يجوز التلفيق بأن يؤخذ برأى فى مذهب مجتهد وبآخر فى مذهب مجتهد آخر متى لم يكن هذا التلفيق خارقا للإجماع .
2- إذا كان التلفيق خارقا للإجماع ولا يكمن لمجتهد آخر على فرض وجوده أن يقول به فالتلفيق باطل بالإجماع
Q من عبد الحفيظ إبراهيم فى حاشية العلامة السفطى المالكى على الشرح المسمى بالجواهر الزكية على ألفاظ العشماوية للشيخ أحمد بن تركى المالكى فى باب فرائض الوضوء ما نصه ( واعلم أنهم ذكروا للتقليد شروطا) إلى أن حال (الثالث أنه لا يلفق فى العبادة أما إن لفق كأن ترك المالكى الدلك مقلدا لمذهب الشافعى ولا يبسمل مقلدا لمذهب مالك فلا يجوز لأن الصلاة حينئذ يمنعها مالك لفقد الدلك) ثم قال بعد ذلك (وما ذكروه من اشتراط عدم التلفيق رده سيدى محمد الصغير وقال المعتمد أنه لا يشترط ذلك وحينئذ فيجوز مسح بعض الرأس على مذهب الشافعى وفعل الصلاة على مذهب المالكية) وكذا الصورة المتقدمة ونحوها وهو سعة ودين الله يسر .
فهل لو اغتسل غسلا واجبا أو توضأ وضوءا واجبا من ماء قليل مستعمل فى رفع حدث مقلدا لمذهب مالك وترك الدلك مقلدا لمذهب الشافعى يكون غسله أو وضوؤه صحيحا مثل الصورتين المتقدمتين أولا .
أو هناك فرق وهل يجوز التلفيق فى قضية واحدة بين مذهبين فى غسل واجب أو وضوء واجب أم لا
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن العلماء قد اختلفوا فى التلفيق وهو ما إذا قلد الشافعى مثلا فى عدم فرضية للأعضاء المغسولة فى الوضوء أو الغسل، وقلد مالكا مثلا فى عدم نقض الوضوء باللمس بلا شهوة وصل فإن صلاته باطلة فى المذهبين .
أما عند مالك فلترك الدلك فى الوضوء وأما عند الشافعى فلنقض الوضوء باللمس مطلقا .
ففريق ذهب إلى صحة التقليد مطلقا ولو فى مثل هذه الصورة الملفقة من مذهبين على الوجه المذكور وإلى ذلك ذهب الكمال بن الهمام فى التحرير، حيث صرح بجواز التقليد مطلقا، وقال وقيده متأخر بأن لا يترتب عليه ما يمنعانه، قال شارحه ابن أمير حاج وقيده - أى جواز تقليد غير مقلده - متأخر، وهو العلامة القرافى بأن لا يترتب عليه - أى تقليد الغير - ما يمنعانه بإيقاع على وجه يحكم ببطلانه المجتهدان معا لمخالفة الأول فيما قله فيه غيره، والثانى فى شىء مما توقف عليه صحة ذلك العمل عنده .
وأيد ذلك الشيخ عبد العظيم محمد المكى فى رسالته فى التقليد حيث قال ما نصه (قد استفاض عند فضلاء العصر منع التلفيق فى التقليد، وذلك بأن يعمل مثلا فى بعض أعمال الطهارة والصلاة أو أحدهما بمذهب إمام، وفى البعض بمذهب إمام آخر، ولم أجد على امتناع ذلك برهانا بل قد أشار إلى منعه المحقق فى التحرير وأنه لم يدر ما يمنع منه .
ونقل منع التلفيق عن بعض المتأخرين .
قال شارح تحريره العلامة ابن أمير حاج وهو أى القائل بالمنع العلامة القرافى انتهى قلت والقرافى رجل من فضلاء الأصوليين من المالكية ولا علينا أن لا نأخذ بقوله .
، وقد صرح الأصوليين من المالكية ولا علينا أن لا نأخذ بقوله .
وقد صرح الأصوليون بأن المجتهدين إذا اختلفوا على قولين لا ثالث لهما جاز الاجتهاد باحداث قول ثالث إن كان مفصلا وقال أيضا فى رسالته المذكورة كما لو حصل التلفيق بالاجتهاد وحكمنا بالصحة فكذلك إذا حصل التلفيق بالتقليد حكمنا بالصحة لأن الاجتهاد أصل فى العمل والتقليد فرع لأن التكليف فى الأصل إنما هو بالاجتهاد عند عدم النص .
فإذا عجز عن الاجتهاد نزل إلى التقليد، ففى كل موضع قلنا بالصحة مع الاجتهاد، نقول بها مع التقليد عند العجز عنه من غير زيادة أمر آخر، وما زاد على ذلك فهو قول مخترع لا يقوم له دليل مرض ولا تنهض به حجة، وما يزعمه من منع من التلفيق من أن كلا من المجتهدين اللذين قلدهما مثلا يقول ببطلان صلاته الملفقة مثلا لو سئل عنها بانفراده ، فمغالطة مدفوعة بما إجماله إنه إنما يقول له باطلة إن كنت أخذت فى ذلك الأمر الذى حكمت أنا ببطلانها من أجله بمذهبى وأما إن كنت قلدت فيه غيرى فلا أحكم ببطلانها حينئذ فى حقك إذا كنت متمسكا بقول مجتهد، وكذلك يقول له الآخر فى الأمر الآخر فبطل قولهم فى إطلاق منع التلفيق أن كلا من المجتهدين حاكم ببطلان صلاته مثلا بل يقيد الحكم من كل مجتهد منهما ببطلانها بما إذا كان متمسكا فيها بمذهبه فيما يرى ذلك المجتهد بطلانها فعله أو تركه لا إن قلد غيره فيه فافهم، فيه تندفع تلك المغالطة التى حكم فيها من حكم بمنع التلفيق بسببه .
فإن قلت لا، بل المجتهد يطلق القول ببطلانها على أريه فنقول لا يضر هذا الابطال بمن قلد مجتهدا غيره فى ذلك الأمر الذى أبطلها بسببه فسلمت له صلاته بتقليده فى كل أمر من أمورها مجتهدا يرى صحة ذلك الأمر .
فصار حكم المجتهد المبطل لها معروفا عنه بتقليده من يرى الصحة بذلك الأمر .
وبذلك ينصرف عنه حكم كل من المجتهدين ببطلانها . وقال أيضا إذا قلد المكلف أبا حنيفة رضى الله عنه فى أن المس غير ناقض، وقلد الشافعى رضى الله عنه فى الاكتفاء بمسح بعض قليل من الرأس لا يبلغ الربع أو ثلاثة قراريط وصلى جازت صلاته .
وأن ما قيل من عدم جوازها بناء على أن أبا حنيفة يرى عدم صحتها لعدم مسح القدر المفروض عنده، والشافعى يرى عدم صحتها لوجود المس فهى غير جائزة عندهما، فهو مغالطة وإطلاق فى محل التقييد بل الحكم ببطلانها عند كل منهما بما إذا كان آخرا فى ذلك الأمر الذى حكم من حكم ببطلانها بسببه بمذهب المبطل، كما تقدم بيانه قريبا إلى أن قال وكذلك مسألة النكاح فإنه لا يصح بعبارة النساء عند الشافعى ويصح عنده الحكم على الغائب، وعندنا الحكم بالعكس فى المسألتين فإذا حكم بصحته بعد وقوعه بعبارة النساء وبصحة الحكم على الغائب فقد لفق وقد حكموا بصحة هذا الحكم الملفق من مذهبين .
ونقل العلامة الطرسوسى عن منية المفتى جواز الواقعة المركبة من مذهبين وقال وقد نص فيها على الجواز وصورة ما ذكره .
قال لو قضى بشهادة الفساق على غائب أو بشهادة رجل وامرأتين فى النكاح على غائب فإنه ينفذ، وإن كان من يجوز القضاء على الغائب يقول ليس للفاسق شهادة ولا للنساء فى باب النكاح شهادة هذه عبارة المنية فقد جعل الحكم وإن كان مركبا من مذهبين جائزا .
وذهب فريق آخر إلى عدم جواز التقليد فى صورة التلفيق المذكورة وأيده العلامة قاسم فى ديباجة تصحيح القدورى حيث قال ما نصه .
لا يصح التقليد فى شىء مركب باجتهادين مختلفين بالإجماع، كما إذا توضأ ومسح بعض الرأس ثم صلى بنجاسة الكلب قال فى كتاب توقيف الحكام على غوامض الأحكام بطلت بالإجماع .
وانتصر له العلامة الشرنبلانى فى رسالته المسماة بالعقد الفريد فى بيان الراجح من الخلاف فى التقليد .
وأقول إن القائل بصحة التقليد مع التلفيق يقول بصحة الصلاة الملفقة من مذهبين، والقائل بعدم جواز التقليد مع التلفيق يقول ببطلانها حيث بطلت فى المذهبين .
فالأول يدعى صحة الصلاة الملفقة مثلا والثانى يدعى بطلانها وكل يطالب بالدليل، فليس أحدهما مثبتا والآخر نافيا، وعلى ذلك نقول بما لا شبهة فيه إن العلماء قد أجمعوا على صحة تقليد العامى للمجتهد الذى توفرت فيه شروط الاجتهاد .
ولم يقيدوا ذلك بعد التلفيق فالأصل بمقتضى هذا الإطلاق هو الصحة، وإطلاقهم حجة بلا شبهة .
فمن ادعى البطلان وأن ذلك مقيد بعدم التلفيق فعليه البرهان .
وأيضا قول من قال إن من خالف كل واحد من المجتهدين اللذين قلدهما فى شىء واحد يستلزم وجود حقيقة لا يقول بها كل من المجتهدين، وذلك لأن كل واحد من المجتهدين لا يجد فى صورة التلفيق جميع ما شرطه فى صحتها، بل يجد بعضها دون بعض غير مسلم، لأنا نقول إذا خالف المقلد مذهب أحد المجتهدين فى جميع ما شرطه ووافق مذهب مجتهد آخر حكمنا بصحة صلاته .
ومما لا شك فيه أن المخالفة فى بعض الشروط فى صورة التلفيق أهون من المخالفة فى الجميع، فلزم الحكم بالصحة فى الأهون بالطريقة الأولى .
ولذلك قال السيد بادشاه بعد ذكر ما تقدم ومن يدعى وجود فارق أو دليل على بطلان صورة التلفيق فعليه البرهان .
فإن قيل لا نسلم كون المخالفة فى البعض أهون من المخالفة فى الكل، لأن المخالف فى الكل متبع مجتهدا واحدا فى جميع ما يتوقف عليه صحة العمل، وما هنا لم يتبع واحدا .
قلت هذا إنما يتم إذا كان معك دليل من نص أو إجماع أو قياس قوى يدل على أن العمل إذا كان له شروط يجب على المقلد اتباع مجتهد واحد فى جميع ما يتوقف عليه ذلك فأت به إن كنت من الصادقين .
وأما ما قاله الشرنبلالى ردا على السيد بادشاه من أن السيد رحمه الله يدعى التلفيق وغيره ينفيه والثانى لا يحتاج إلى دليل لأنه يهدم دليل المدعى حتى يقيم البرهان الجلى، ولابد من وجوده فالمطلوب إثبات دليل لجواز التلفيق ولم نجده فى كلام السيد، فغير مسلم ، لما قدمناه من الإجمالى على صحة تقليد العامى للمجتهد مطلقا ولأن مسألة التقليد مع التلفيق مبنية على مسألة الاجتهاد بإحداث قول ثالث بعد انحصار الخلاف فى مسألة فى قولين .
ففى كل موضع جاز الاجتهاد وإحداث قول ثالث جاز التقليد مع التلفيق .
والصحيح جواز الاجتهاد وإحداث قول ثالث مفصل بين القولين بأن يأخذ بقول أحد المجتهدين فى حادثة وبقول الآخر فى حادثة أخرى إذا لم يخرق إحداث هذا القول الثالث إجماع من قبله ومما لا شك فيه أن من قلد الشافعى فى مسح بعض الرأس وقلد مالكا فى عدم نقض الوضوء باللمس بلا شهوة غاية ما لزم من هذا التلفيق أن هذين المجتهدين لا يقولان بصحة هذه الصلاة مثلا .
أما ملك فيقول بعدم صحة هذه الصلاة لعدم مسح جميع الرأس .
وأما الشافعى فيقول بعدم صحة هذه الصلاة لوجود المس .
ولكن لا يلزم من عدم قولهما بذلك بفرض تسليم عدم القول بصحتها من مجتهد آخر لجواز أن يوجد مجتهد توفرت فيه شروط الاجتهاد يقول بعدم نقض المس وبالاكتفاء بمسح البعض كأبى حنيفة مثلا .
فلا تلفيق بين مذهبين، وإنما قلد المقلد مجتهدا آخر يقول بصحة هذه الصلاة المركبة من مذهبى مالك والشافعى، فدعوى بطلان التلفيق مطلقا بالاجماع غير مسلم .
وإنما يبطل التلفيق إذا كان العمل الملفق باطلا باجماع المذاهب وهذا غير موجود فى الصور التى يصور بها التلفيق، وأما عدم قول اثنين من المجتهدين بصحتها فلا يقتضى الإجماع على بطلانها حتى يقال إن التلفيق مطلقا باطل بالإجماع على أنك قد علمت أن القول بأن كلا من المجتهدين يقول ببطلانها غير مسلم، فإن مالكا مثلا يقول إنما أقول ببطلان الصلاة إذا مسح بعض الرأس فقط إذا لم يقلد الشافعى أو أبا حنيفة وأما إذا قلد واحدا منهما فى ذلك فإنى أقول بصحتها بناء على قولى بصحة التقليد، وكذلك الشافعى أيضا يقول إنما أقول بعدم صحة الصلاة مع اللمس إذا لم يقلد غير فيها وأما إذا قلد غيرى ففيها فانى لا أقول ببطاتها على مذهب ذلك الغير .
وبالجملة كما يجوز أن يوجد مجتهد يرى باجتهاده الاكتفاء بسمح البعض ولو قليلا ويرى عدم نقض الوضوء باللمس، يجوز أيضا للمقلد أن يقلد الشافعى فى مسح بعض الرأس ولو قليلا ولا يقلده فيما عدا ذلك من الشروط ويقلد مالكا فى عدم نقض الوضوء باللمس بلا شهوة فقط ولا يقلده فيما عدا ذلك كما قدمناه مفصلا عن السيد عبد العظيم المكى .
وقال فى مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت فى مبحث الإجماع بصحيفة 235 جزء ثان .
إذا اختلف ولم يتجاوز أهل العصر عن قولين فى مسألة لم يجز إحداث قول ثالث عند الأكثر، وجاز الإحداث عند طائفة مطلقا ومختار الآمدى والرازى إن رفع الثالث ما اتفقا عليه فممنوع إحداثه نحو مقاسمة الجد الصحيح للأخ كما عن أمير المؤمنين على وزيد بن ثابت، وحجبه أى حجب الجد الأخ عن الميراث كما عن خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم أبى بكر الصديق وأمير المؤمنين عمر وابن الزبير عباس فقد اتفق الكل على أن للجد ميراثا وإنما اختلفوا فى القدر، فالحرمان وسلب الميراث عن الجد رأسا خلاف الإجماع فلم يجز إحداثه، وإلا أى وإن لم يرفع ما اتفقا عليه فى المسألة فلا يمنع من الإحداث للثالث كالتفصيل فى الفسخ بالعيوب البرص والجذام والجنون فى أيهما كان والجب والعنة فى الزوج والرتق والقرن فى الزوجة فقيل لا توجب الفسخ أصلا، وقيل نعم توجب الفسخ فى الكل .
فالتفصيل لم يقل به أحد ولكن لا يرفع شيئا مما اتفقوا عليه بل فى البعض بقول البعض وفى الآخر بقول الآخر، فيجوز إحداثه، وفى التيسير عن بعض الشروح أن الأقوال الثلاثة مشهورة عن الصحابة .
مع حذف وزيادة للايضاح به، وفيهما من مسألة لا يرجع المقلد عما عمل به قال بصحيفة (406) من الجزء المذكور ويستخرج منه أى مما ذكر أنه لا يجب الاستمرار على مذهب جواز اتباعه رخص المذاهب ولا يمنع منه مانع شرعى، إذ للانسان أن يسلك الأخف عليه إذا له إليه سبيل بأن لم يظهر من الشرع المنع وبأن لم يكن المختار كما قدمه وكان عليه وعلى آله وأصحابه والسلام يحب ما خف عليهم .
وما لابن عبدالبر أنه لا يجوز للعامى تتبع الرخص، فأجيب عنه بمنع هذا الإجماع إذ فى تفسيق الرخص عن الإمام أحمد روايتان ولعل رواية التفسيق إنما هى فيما إذا قصد التلهى فقط لا غير .
وما أورد أنه يلزم على تقدير جواز الأخذ بكل مذهب احتمال الوقوع فى خلاف المجمع عليه إذ ربما يكون المجوع عمل به مما لم يقل به أحد فيكون باطلا .
كمن تزوج بلا صداق اتباعا لقول الإمامين أبى حنيفة والشافعى رحمهما الله تعالى وبلا شهود اتباعا لقول الإمام ملك وبلا ولى على قول إمامنا أبى حنيفة فهذا باطل اتفاقا .
أما عندنا فلانتفاء الشهود، وأما عند غيرنا فلانتفاء الولى .
فأقول مندفع لعدم اتحاد المسألة، وقد مر أن الإجماع على نفى القول الثالث إنما يكون إذا اتحدت المسألة حقيقة أو حكما فتدبر، ولأنه لو تم لزم استفتاء مفت بعينه وإلا احتمل الوقوع فيما ذكر .
ومن هذا يعلم أن مسألة التلفيق مبنية على مسألة إحداث قول ثالث إذا انحصر خلاف المجتهدين فى عصر فى قولين .
ففى كل موضع يمتنع فيه إحداث القول الثالث .
بأن يكون القول الثالث مخالفا للاجماع يمتنع فيه التلفيق أيضا إذا خالفت الصورة الملفقة إجماعا، وأما إذا وافق بعضها قول مجتهد وخالفه بعض آخر وافق فيه مجتهد آخر كالصورة المذكورة .
فالتلفيق غير ممتنع ومن ذلك يعلم أن دعوى الإجماع على منع التلفيق مطلقا دعوى لم يقم عليها دليل بل قام الدليل على بطلانها، وأن ما قاله العلامة الأمير من أن المعتمد أنه لا يشترط عدم التلفيق .
وحينئذ يجوز مسح بعض الرأس على مذهب الشافعى وفعل الصلاة على مذهب المالكية .
وكذا الصورة المتقدمة ونحوها وهو سعة ودين الله يسر .
- قول صحيح وهو الذى تقتضيه النصوص الشرعية أصولا وفروعا .
كما أنه يعلم أنه لو اغتسل غسلا واجبا وتوضأ وضوءا واجبا من ماء قليل يستعمل فى رفع حدث مقلدا لمذهب مالك وترك الدلك مقلدا لمذهب الشافعى يكون غسله أو وضوؤه صحيحا مثل الصورتين المذكورتين فى السؤال ومثل غيرهما من الصور التى لا يضر فيها التلفيق بين مذهبين أو مذاهب متعددة متى لم يكن هذا التلفيق خارقا للاجماع .
وأما إذا كان التلفيق خارقا للاجماع بأن كانت الحقيقة المركبة يقول ببطلانها جميع المجتهدين ولا يمكن لمجتهد آخر على فرض وجوده أن يقول بها كحرمان الجد من الميراث بالكلية فالتلفيق باطل بالاجماع .
كما أن إحداث قول بحرمان الجد بالكلية باطل بالإجماع(7/172)
حكم التقليد
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الآخرة 1373 هجرية 8 فبراير 1954 م
M 1 - التقليد واجب على غير المجتهد المطلق ولا يجب عليه التزام مذهب معين .
2 - مذهب العامى فتوى مفتيه المعروف بالعلم والعدالة .
3 - يجوز تتبع رخص المذهب فى المسائل المتعددة .
4 - التلفيق بمعنى العمل فى كل حادثة بمذهب جائز شرعا .
5 - ليس للمقلد الرجوع بعد العمل بقول أحد المجتهدين فى حادثة إلى قول مجتهد آخر فيها
Q من السيد / ع ب أ بيروت - لبنان بسؤال هذا نصه هل يجوز للانسان التقليد أو التلفيق من مذاهب الأئمة الأربعة واو لغير ضرورة قبل العمل أو بعده فى المعاملات أو فى العبادات كالصلاة أو التيمم أو الوضوء أو الغسل لمن توضأ وضوءا واجبا أو اغتسل غسلا واجبا من ماء قليل مستعمل فى رفع حدث مقلدا لمذهب الإمام الشافعى وترك النية مقلدا لمذهب الإمام أبى حنيفة فهل يكون وضوؤه أو غسله صحيحا أم لا
An اطلعنا على السؤال ونقول - من رحمة الله تعالى بعباده أن أرسل خاتم رسله محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة هى خاتمة الشرائع عامة وافية كفيلة بما يحتاج إليه البشر فى كل زمان، دستورها الأول القرآن الكريم، والثانى السنن الصحيحة، ومنهما يتولد أصلان آخران - هما إجماع المجتهدين على الحكم الشرعى والقياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص وهو باب فسيح يسد حاجة الأمة فيما يجد من الحوادث والشئون على تعاقب الدهور واختلاف الأحوال والعصور، عنى علماء الأصول بتحرير قواعده وضوابطه التى يتوصل بها إلى استنباط الأحكام من هذه الأصول - والأحكام العملية وهى التى يبحث عنها فى الفقه منها ما لا يحتاج إلى نظر واجتهاد وهو ما ثبت بالدليل القطعى واستفاض العلم به حتى أصبح معلوما من الدين بالضرورة كأركان الإسلام الخمسة وتحريم الكبائر .
ومنها ما هو محل نظر واجتهاد وهذا النوع متشعب الأطراف، وهو الذى جرى فى حلبته فقهاء الإسلام واختلفت فيه أنظارهم واتسع به نطاق الفقه الإسلامى، والذى قام بعبئه هم المجتهدون الذين توافرت لهم وسائل الاجتهاد .
أما من عداهم من عامة المسلمين الذين لم تتوافر لهم وسائل النظر فى الأدلة والاجتهاد فى استنباط الأحكام فهم المقلدون الذين يجب عليهم الأخذ بمذاهب المجتهدين، إذ كل من جهل حكما ولم يكن فى استطاعته الاجتهاد وجب عليه أن يسأل عنه العلماء به لقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الأنبياء 7 ، وإلا لتعذر العمل عليه وكان تكليفه به مع عدم القدرة على استنباطه تكليفا بما ليس فى الوسع فكان من رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهؤلاء الرجوع إلى العلماء ولم يلزمهم النظر والاجتهاد لعدم تمكنهم منهما وعدم توافر وسائلهما لديهم .
التقليد فالتقليد مشروع فى الأحكام العملية وهو كما قال الآمدى ( العمل بقوله الغير من غير حجة ملزمة ) وقد ذهب جمهور الأصولين إلى أن العامى وهو الذى ليس له أهلية الاجتهاد فى الأحكام وإن كان محصلا لبعض العلوم يجب عليه اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه للآية السالفة، وهى عامة لكل المخاطبين الذين لم تتوافر لهم وسائل العلم بالأحكام، ولأن العامة فى زمن الصحابة والتابعين كانوا يستفتون المجتهدين منهم ويتبعونهم فيما بينوه لهم من الأحكام وكان المجتهدون يبادرون إلى إفتائهم والكشف لهم عما جهلوا ولم ينكروا عليهم استفتاءهم إياهم فكان ذلك إجماعا على مشروعية التقليد فى الفروع .
غير أن العامى فى الاستفتاء مقيد باستفتاء من عرف بالعلم والعدالة وأهلية النظر فيما يستفتى فيه فلا يجوز له أن يستفتى من لم يعرف بالعلم والعدالة احتياطا فى أمر الدين - ( لا يجب التزام مذهب مجتهد معين ) - إذا تقرر هذا فهل يجب على العامى التمذهب بمذهب مجتهد معين والتزام جميع عزائمه ورخصه بحيث لا يجوز له الخروج عنه - الحق الذى ذهب إليه جمهور العلماء أنه لا يجب عليه ذلك بل له أن يعمل فى مسألة بقول أبى حنيفة مثلا، وفى أخرى بقول مجتهد آخر للقطع بأن المستفتين فى كل عصر من زمن الصحابة ومن بعدهم كانوا يستفتون مرة واحدا ومرة غيره غير ملتزمين مفتيا واحدا، وعلى ذلك لوالتزم مذهبا معينا كمذهب أبى حنيفة أو الشافعى لا يلزمه تقليده فى كل مسألة ، وقد اختار ذلك الآمدى وابن الحاجب والكمال فى تحريره والرافعى وغيره لأن التزامه غير ملزم، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل معين من الأئمة فيقلده فى دينه يأخذ كل ما يأتى ويذر غيره، وقال ابن أمير حاج فى شرحه على التحرير ( ثم فى أصول ابن مفلح - وذكر بعض أصحابنا ( يعنى الحنابلة ) والمالكية والشافعية .
هل يلزمه التمذهب بمذهب والأخذ برخصة وعزائمه .
فيه وجهان أشهر هما لا - كجمهور العلماء فيتخير . ونقل عن بعض الحنابلة أنه قال وفى لزوم الأخذ برخصة وعزائمه طاعة غير النبى صلى الله عليه وسلم فى كل أمره ونهيه وهو خلاف الإجماع وتوقف فى جوازه، وقال أيضا إن خالفه فى زيادة علم أو تقوى فقد أحسن ولم يقدح فى عدالته بلا نزاع بل يجب فى هذه الحال وأنه نص أحمد، وكذا قال القدورى الحنفى ما اظنه أقوى عليه تقليده فيه - - انتهى - - ثم قال ابن أمير حاج بعد نقل هذا ( وقد انطوت القرون الفاضلة على عدم القول بذلك - بل لا يصح للعامى مذهب ولو تمذهب به لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال وبصر بالمذاهب على حسبه أو لمن قرأ كتابا فى فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله .
وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال أنا حنفى أو شافعى أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال أنا فقيه أو نحوى أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله يوضحه أن قائله يزعم أنه متبع لذلك الإمام سالك طريقه فى العلم والمعرفة والاستدلال، فأما مع جهله وبعده جدا عن سيرة الإمام وعلمه بطريقه فكيف يصح ل الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من المعنى ) انتهى - ولذلك اشتهر قولهم العامى لا مذهب له، ففى البحر فى باب قضاء الفوائت ( وان كان عاميا ليس له مذهب معين فمذهبه فتوى مفتيه وإن لم يستفت أحدا وصادف الصحة على مذهب مجتهد أجزأه ) - انتهى - - ومما تقدم يعلم انه لا يجب تقليد مجتهد معين، وأن التلفيق بمعنى العمل بقول مجتهد فى مسألة وبقول آخر فى أخرى لضرورة ولغيرها فى العبادات والمعاملات جائز تخفيفا ورحمة بالأمة .
الرجوع عن التقليد وليس للعامى إذا قلد مجتهدا فى مسألة واتصل عمله بها الرجوع عنها وتقليد غيره فيها .
لأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا لما فيه من إبطال عين فعله وهو غير جائز .
لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضى لا ينقض أما قبل العمل كما إذا استفتى مجتهدا وعرف حكم المسألة منه ثم استفتى آخر فيها وعرف الحكم منه فله أن يعمل بقول أى واحد منهما .
نص على ذلك الآمدى وابن الهمام فى التحرير وصاحب جمع الجوامع ومسلم الثبوت وغيرهم من علماء الأصول .
جواز تتبع الرخص وينبنى على جواز التلفيق فى التقليد بالمعنى المتقدم أولا .
جواز اتباعه رخص المذاهب فى المسائل المختلفة كما ذهب إليه الجمهور، فيعمل بأمرين متضادين فى حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى .
كما إذا توضأ مراعيا الشرائط على مذهب الشافعى ثم فى وضوء آخر راعى الشرائط على مذهب أبى حنيفة، لأن للمكلف أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل بأن لم يكن قد عمل بقول مجتهد آخر فى ذات المسألة التى يريد التقليد فيها لما علمت من أنه ليس للمقلد الرجوع بعد العمل بقول أحد المجتهدين فى حادثة إلى قول مجتهد آخر فيها .
قال فى التحرير فى شرحه ( ويتخرج منه أى من كونه لم يلتزم مذهبا معينا جواز اتباعه رخص المذاهب أى أخذه من كل منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل ) ومثله فى مسلم الثبوت أما ما نقل عن ابن عبد البر من أنه لا يجوز للعامى تتبع الرخص إجماعا فليس على إطلاقه .
إذ قد روى عن الإمام أحمد فى هذا روايتان، وحمل القاضى أبو يعلى الرواية التى تقول بفسق متتبع رخص المذاهب على غير متأول ولا مقلد - فالقصد التيسير على الناس فمن توضأ على مذهب أبى حنيفة له أن يصلى بهذا الوضوء على مذهب الشافعى وبالعكس .
فالتلفيق على هذا الوجه جائز لعدم اتحاد المسألة التى لفق فيها، ولأنه لا يلزم المقلد استفتاء مفت معين على ما أسلفنا بيانه .
ومن هذا يعلم أن تتبع رخص المذاهب بأن يأخذ المقلد بقول المذاهب فى المسائل المتعددة جائز .
أما إذا اتحدت المسألة حقيقة أو حكما فلا يجوز كما حققه الكمال فى التحرير وصاحب مسلم الثبوت فى باب الإجماع .
لأنه لا يترتب على الأخذ برخص المذاهب فى المسائل المتعددة وهو التلفيق بالمعنى المتقدم خرق الإجماع فى مسألة متفق عليها، وقد اختار ذلك الآمدى والرازى - وعلى ذلك فالتلفيق بتتبع الرخص جائز فى الصورة التى ذكرها السائل .
فإن الماء القليل المستعمل مطهر عند مالك فإذا أخذ المقلد بهذا الحكم مقلدا مذهب مالك أجزأه ثم يقلد مذهب أبى حنيفة فى عدم لزوم الدلك والنية فى الوضوء والغسل يكون وضوؤه أو غسله صحيحا .
لأنه لم يتتبع الرخص فى مسألة واحدة بل فى مسائل إذ الحكم على طهورية الماء منفصل عن الحكم على صحة الوضوء أو الغسل مع ترك الدلك والنية .
والخلاصة أن التقليد واجب على غير المجتهد لمطلق لضرورة العمل وأنه لايجب على المقلد التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا غير إمامه، وأن مذهب العامى فتوى مفتيه المعروف بالعلم والعدالة وأن التلفيق بمعنى العمل فى كل حادثة بمذهب جائز .
ويتخرج على جوازه جواز تتبع رخص المذاهب فى المسائل المتعددة - كالوضوء على مذهب الشافعى ثم الصلاة به بعد اللمس على مذهب أبى حنيفة .
أما التلفيق بمعنى تتبع الرخص فى مسألة واحدة فغير جائز .
فلا يصح الوضوء إذا ترك الترتيب فى غسل الأعضاء ومسح أقل من ربع الرأس على ما سبق تحقيقه، وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل فى حادثة واحدة باطل فإذا عقد زواجه وفق شروط مذهب أبى حنيفة بأن تولت الزوجة البالغة العقد بنفسها مثلا وعاشرها زوجها معاشرة الأزواج ثم طلقها ثلاث تطليقات فليس له أن يقلد مذهب الشافعى الذى يرى أن النكاح لا ينعقد بعبارة النساء بل لابد من الولى - لأن هذا تلفيق للتقليد فى مسألة واحدة وهو باطل اتفاقا، ولا بد لهذه الزوجة لكى تحل لمطلقها أن تتزوج بغيره زواجا صحيحا ويدخل بها حقيقة ويطلقها وتنقضى عدتها ومما تقدم علم الحكم فى هذه المسائل .
والله أعلم(7/173)
التلفيق للتقليد فى مسألة واحدة باطل
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الثانية 1373 هجرية - 10 فبراير 1954 م
M 1 - الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاق .
2 - ليس للمقلد إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر .
3 - بوقوع الطلقة الثالثة تبين الزوجة من زوجها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
وقول أحد الشافعية بحلها له لبطلان العقد الأول لعدم مباشرة الولى له قول باطل
Q طلق رجل زوجته ثلاث مرات فى أوقات متفرقة إثر نزاع بينه وبينها فى كل مرة وراجعها فى المرتين السابقتين - فما حكم الله فى هذه المرة وما رأى فضيلتكم فى قول أحد الشافعية إن العقد الأول باطل لأنه لم يتوله الولى الشرعى فيحل الموضوع على أساس عقد ومهر جديدين
An إنه بوقوع الطلقة الثالثة تبين هذه الزوجة من زوجها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها حقيقة ويطلقها وتنقضى عدتها .
وقول بعض الشافعية بعد وقوع الطلاق إن العقد الأول كان باطلا لعدم مباشرة الولى له قول باطل .
لأنه قد انعقد صحيحا على مذهب أبى حنيفة وترتبت عليه آثاره . والمنصوص عليه فى كتب الأصول أن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا .
ففى كتاب الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ص 318 جزء رابع ( إذا اتبع العامى بعض المجتهدين فى حكم حادثة من الحوادث وعمل بقوله فيها اتفقوا على أنه ليس له الرجوع عنه فى ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره ) وفى مسلم الثبوت ص 405 جزء ثان ( لا يرجع المقلد عما عمل به اتفاقا ) وفى جمع الجوامع وشرح الجلال المحلى عليه ص 256 جزء ثان ( وإذا عمل العامى بقول مجتهد فى حادثة فليس له الرجوع عنه إلى غيره فى مثلها، لأنه قد التزم القول بالعمل به، بخلاف ما إذا لم يعمل به، وقيل يلزمه العمل بمجرد الإفتاء فليس له الرجوع إلى غيره فيه، وقيل يلزمه العمل به بالشروع فى العمل بخلاف ما إذا لم يشرع الخ ) وفى الدر المختار ص 69 جزء أول ( الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا ) وعلق على ذلك العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المختار بقوله ( صرح بذلك المحقق ابن الهمام فى تحريره، ومثله فى أصول الآمدى وابن الحاجب وجمع الجوامع ) ثم قال ( فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا غير إمامه مستجمعا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين فى حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر لأن امضاء الفعل كإمضاء القاضى لا ينقض ) وفى الدروحاشيته جزء ثان ص 745 ( حتى لو كان بلا ولى بل بعبارة المرأة أو بلفظ هبة أو بحضرة فاسقين ثم طلقها ثلاثا وأراد حلها بلا زوج يرفع الأمر لشافعى فيقضى به وببطلان النكاح أى فى القائم والآتى لافى المنقضى - بزازيه - ) وعلق ابن عابدين على قوله ( فيقضى ) بقوله ( فإن قضاءه ببطلان النكاح الأول سبب لحلها بلا زوج وإنما ذكر القضاء لتصير الحادثة الخلافية كالمجمع عليها ) فالتلفيق للتقليد فى مسألة واحدة ممتنع قطعا .
وقد نص على ذلك أيضا العلامة ابن حجر فى كتابه التحفة فى باب النكاح بلا ولى ص 240 جزء سابع وهو من علماء الشافعية المعتد بأقوالهم حيث جاء به ( أنه لو ادعى بعد الثلاث عدم التقليد لم يقبل منه لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذى لزمه باعتبار ظاهر فعله، وأيضا ففعل المكلف يصان عن الإلغاء لاسيما إن وقع منه ما يصرح بالاعتداد به كالتطليق ثلاثا ) .
وفى التحفة أيضا ( فمن نكح مختلفا فيه فإن قلد القائل بصحته أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثا تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه لأنه تلفيق للتقليد فى مسألة واحدة وهو ممتنع قطعا ) .
ومن هذا يعلم أن الإفتاء بأن عقد زواج هذين الزوجين وقع باطلا غير صحيح، ولا يوافق مذهبا من المذاهب المعتبرة، وعلى هؤلاء الذين يتعرضون للفتوى فى مثل هذه الموضوعات الخطيرة المتصلة اتصالا وثيقا بالأعراض والأنساب بغير علم بفقه المذاهب أن يكفوا عن الإفتاء فيها حتى لا يقعوا فى الإثم .
والله اعلم(7/174)
وقف الموقوف باطل
F علام نصار .
رجب 1370 هجرية - 14 أبريل 1951 م
M 1- وقف العين الموقوفة باطل شرعا، لأن من شروط صحة الوقف كون المراد وقفه مملوكا للواقف ملكا تاما وقت الوقف .
2- بناء الغير على الأرض الموقوفة من مال نفسه لنفسه بلا إذن من المتولى يكون به معتديا، ويجب رفع بنائه بشرط عدم إضراره بالأرض .
3- لناظر الوقف تملك البناء لجهة الوقف إذا رأى مصلحة فى ذلك ويكون الراء بالأقل من قيمته منزوعا ومستحقا للنزع .
4- رفع البناء إن ضر بالأرض لا يملك البانى رفعه، ويؤمر بالانتظار حتى ينهدم، ولا يمنع ذلك من تأجير الأرض والبناء معا ، وتقسيم الأجرة بينهما قسمة مناسبة
Q من السيد ج م من بيروت قال أولا هل يصح وقف الأرض التى سبق وقفها، مع العلم بأن الوقف السابق وقف خيرى والوقف اللاحق وقف أهلى، كما أن الواقف الثانى أجنبى عن الوقف الأول، وليس له ذكر فيه ولا شرط ثانيا إذا بنى الواقف الثانى على الأرض السابق وقفها فهل يكون البناء له، أو للوقف الأول أو للوقف الثانى وما حكم ذلك ثالثا إذا كانت الأرض الموقوفة فى سوريا وصدق وقفها سنة 1325 هجرية وكان فيها ما يصح الوقف به، وحجز الوقف بارادة سنية لأسباب سياسية ثم زالت تلك الأسباب فحكمت محكمة التفتيش بالاستانة باعادة الوقف إلى الناظر بدون بحث فى موضوعه، هل هو صحيح أم لا - فهل هذا الحكم يكون حكما بصحة الوقف وبلزومه لو كان باطلا أصلا
An أولا - من شروط صحة الوقف أن يكون الموقوف مملوكا للواقف وقت الوقف ملكا تاما، كما نص عليه العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المختار على الدر المختار .
ونص عليه غيره فى معتبرات كتب المذهب فوقف الأرض التى سبق للغير وقفها باطل شرعا .
لأن الموقوف غير مملوك للواقف وقت الوقف . ثانيا - إن الأجنبى إذا بنى فى أرض الوقف من مال نفسه لنفسه بدون إذن المتولى فالبناء له، ويكون متعديا فى وضعه فيجب رفعه إن لم يضر بالأرض، وللمتولى أن يشترى البناء للوقف إن رأى المصلحة فى ذلك بالأقل من قيمته منزوعا ومستحقا للنزع متى رضى البانى بذلك وظهر أن قيمته مستحقا للنزع أقل من قيمته منزوعا بمقدار ما يصرف فى نزعه، وإن أضر رفع البناء بالأرض أمر البانى بالانتظار حتى ينهدم ولا يملك رفعه لأنه هو المضيع لماله بالتعدى، ولا يكون ذلك مانعا من تأجير الأرض والبناء، وتقسم الأجرة قسمة تناسبية بين الأرض خالية من البناء وبين البناء بحسب قيمته مستحقا للنزع، فما أصاب الأرض فهو للوقف وما أصاب البناء فهو للبانى، وللمتولى فى هذه الحالة أيضا أن يتملك البناء للوقف جبرا عن صاحبه بأقل القيمتين منزوعا ومستحقا للنزع - وهذا ما يمكن الإجابة به عن الاستفتاء والله تعالى أعلم(7/175)
خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز
F حسنين محمد مخلوف .
4 مايو 1952 م
M 1- رفع الإسلام من شأن المرأة فكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها طلب العلم والمعرفة .
2- لا يجوز للمرأة خوض غمار الانتخابات حماية لأنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، والبعد من مظاهر الريب وبواعث الافتتان
Q وردت إلينا أسئلة عديدة عن حكم انتخاب المرأة لعضوية مجلس النواب أو الشيوخ فى الشريعة الإسلامية .
إذا قامت ضجة من جانب بعض النساء للمطالبة بتعديل قانون الانتخاب الذى حرمت نصوصه انتخابهن بحيث يكون لهن الحق فى الانتخابات
An بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله .
عنى الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل فى بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم .
وفى حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين، فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة، ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيؤها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأما مربية وربة منزل مدبرة، وكانت دعامة قوية فى بناء الأسرة والمجتمع - وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان فحرم على الرجل الأجنبى الخلوة بها والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال فى مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم وأعفاها فى الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثم من يوليها بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها .
كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة عنها والافتتان بها حذرا من أن يحيق المجتمع ما يفضى إلى انحلاله وانهيار بنائه والله أعلم بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع وبما للنفوس من ميول ونوازع والناس يعلمون والحوادث تصدق .
ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر الله تعالى نساء نبيه ت صلى الله عليه وسلم بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمة واحتراما، وأن النبى صلى الله عليه وسلم - لم تمس يده ( وهو المعصوم ) أيدى النساء اللاتى بايعنه، وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية فى عهده ولا فى عهد الخلفاء الراشدين ولا فى عهود من بعدهم من الملوك والأمراء ولا حضرت مجالس تشاوره - صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من المهاجرين والأنصار .
ذلك شأن المرأة فى الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار، وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان فتزاحم فى الانتخابات والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفاع، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثما وأعظم خطرا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها .
واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركة زوجها وأطفالها وبيتها وديعة فى يد من لا يرحم إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام .
بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء . اللهم إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء، ولا حسبان فى ميزان الحق لهؤلاء - على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه من عمل فهو مقطع الحق وفصل الخطاب، ولا خفاء فى أن دخول المرأة فى معمعة الانتخابات والنيابة غير جائز لما بيناه .
وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة من النواحى الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة فى حدود طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار الانتخاب والنيابة، وأن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة فى الأزياء والمظاهر والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة .
ولهن منا جميعا إذا فعلن ذلك خالص الشكر وعظيم الإجلال .
ذلك خير لهن والله يوفقهن لما فيه الخير والصلاح(7/176)
حكم شرب النبيذ والتداوى به
F حسنين محمد مخلوف .
صفر 1372 هجرية - 15 نوفمبر 1952 م
M 1- النبيذ المسكر نوع من الخمر، فيحرم شربه على الصحيح والمريض .
2- بعض الأئمة قد رخص للمريض فى التداوى بالمحرم إذا ثبت أنه دواؤه بقول طبيب أمين حاذق تقديرا للضرورة .
3- لا يجوز التداوى بالمحرم إذا أشار بذلك من لا علم له بالطب لفقد شرط الرخصة
Q مرض رجل مرضا شديدا وتردد على كثير من الأطباء، وكان علاجه فى كل مرة علاجا وقتيا ثم يعوده مرضه كما كان، وقد أشار عليه بعض إخوانه أن يتعاطى فنجانا من النبيت ( النبيذ ) فتعاطاه ثم أسف كثيرا لحرمته فهل يجوز له تعاطيه شرعا
An إن النبيذ المسكر نوع من الخمر .
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) رواه مسلم ( وكل شراب أسكر فهو حرام ) متفق عليه ز فيحم شربه على الصحيح والمريض إلا أن بعض الأئمة قد رخص للمريض فى التداوى بالمحرم إذا ثبت أنه دواؤه بقول طبيب أمين حاذق تقديرا للضرورة والأمر هنا على خلاف ذلك لأن الأطباء كما يفهم من السؤال لم يعالجوا به هذا المريض ولو أنه تعين دواء له لعالجوه به - وإنما أشار به عليه من لا علم له بالطب والعلاج فلا يجوز له التداوى به بمجرد هذا القول لفقد شرط الرخصة المذكورة وفيما أحل الله تعالى من الأدوية متسع عظيم .
والله أعلم(7/177)
حرق جثث موتى المسلمين غير جائز شرعا
F حسنين محمد مخلوف .
ذو القعدة 1372 هجرية 29 يولية 1953 م
Mعدم جواز إحراق جثث موتى المسلمين ولو أوصوا بذلك
Q من السيد المحترم مدير عام قسم التشريع لوزارة الشئون البلدية والقروية بالكتاب رقم 467 سرى الخاص ببيان حكم الشريعة فى إحراق جثث الموتى من المسلمين فى حالة الأوبئة وفى حالة الوصية بذلك
An إنه لا خلاف بين المسلمين فى أن للإنسان حرمة وكرامة حيا وميتا كما يشير إليه قوله تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } الإسراء 70 ، ومن كرامته بعد موته دفنه فى اللحد أو القبر بالكيفية المسنونة التى بينها النبى صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه من السنن الصحيحة ودرج عليها أصحابه والتابعون وسائر المسلمين إلى الآن - فلا يجوز بحال إحراق جثث موتى المسلمين، ولو أوصى إنسان بذلك فوصيته باطلة لا نفاذ لها .
ولم يعرف الإحراق للجثث إلا فى تقاليد المجوس، وقد أمرنا بمخالفتهم فيما يصنعون مما لا يوافق شريعتنا الغراء والله تعالى أعلم(7/178)
الاستمتاع الخارجى بأجنبية
F حسن مأمون .
ذو الحجة 1374 هجرية - 10 أغسطس 1955 م
M 1- الاستمتاع ولو خارجيا بالأجنبية حرام قطعا، ولا يجوز لمسلم الالتجاء إليه مهما كانت الدواعى والبواعث، ولا يعتبر المرض عذرا مبيحا لذلك .
2- حكمه أنه لا يقل وزرا عن وزر الزنا مادام بأجنبية عنه
Q من م .
م بالقاهرة قال إنه مريض بمرض صدرى، ويخشى أن يتزوج فتعلم زوجته بعد مدة بمرضه فتطلق منه بحكم القانون، كما يخشى أن ينجب أطفالا يرثون منه هذا المرض .
فهل إذا اصطحب فتاة للاستمتاع الخارجى يكون وزر ذلك كوزر الزنا أم يقبل على الزواج رغم مرضه
An اطلعنا على الاستفتاء المتضمن أن السائل كان مريضا بمرض السل منذ ست سنوات ثم برىء منه، ويخشى أن يتزوج فتعلم زوجته بعد مدة بمرضه فتطلق منه بحكم القانون، كما يخشى أن ينجب أطفالا يرثون منه هذا المرض ويريد أن يعرف حكم الشريعة فى اصطحابه فتاة يقضى معها أوقاتا للترفيه أى للاستمتاع الخارجى .
وهل يكون وزر ذلك معادلا لوزر الزنا كما يريد رأينا فى إقباله على الزواج بالرغم من الأضرار التى أشار إليها والجواب .
إننا مع شعورنا بحرج مركز السائل فإننا لا نوافقه مطلقا على أن يصطحب فتاة أجنبية عنه ويقضى معها لذته على الطريقة التى لا ينجب منها أطفالا، لأن معاشرة الأجنبية والاختلاط بها وتقبيلها وضمها، وكذلك الاستمتاع الخارجة الذى أشار إليه كل ذلك حرام قطعا .
ولا يجوز لمسلم متمسك بدينه أن يلجأ إليه مهما كانت الدواعى والبواعث .
ولا يعتبر المرض عذرا يبيح ارتكاب ما حرمه الله الذى لا يقل إثما عن وزر الزنا فإن اللمس بشهوة وكذلك التقبيل والاستمتاع الخارجى حرام كالزنا ونشر على السائل وقد شفى من مرضه بأن يعرض نفسه على الطبيب المختص، فإن أشار عليه بالزواج تزوج، وإن أشار عليه بالامتناع عن الزواج صرف نفسه عن شهور النساء وكبح جماع شهواته .
وطريق ذلك أن لا يكثر من التفكير فى ذلك، وأن يبتعد عن المثيرات، وأن يشغل نفسه بدون إرهاق .
وفى القراءة والتسلية بجميع وسائل التسلية الغير محرمة وبذلك تتصرف نفسه عن النساء ويحفظ على نفسه دينه وصحته .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/179)
التحلى بالذهب والفضة للرجال والنساء
F حسن مأمون .
محرم 1375 هجرية - 8 سبتمبر 1955 م
M 1- التحلى بالذهب حرام على الرجال دون النساء إلا لضرورة، أما استعماله كآنية فهو محرم على الجميع .
2- المعدن المموه بالذهب لا يدخل فى التحريم حيث لا يمكن استخلاصه منه .
3- يكره استعمال الفضة للرجال عند الحنفية وجمهور الشافعية إلا الخاتم وما تقضى به الضرورة، وهى مباحة للنساء إلا فى الأوانى فإنها محرمة عليهن بالنص .
ويرى بعض الشافعية جواز استعمالها للرجال بشرط عدم التشبه بالنساء .
4- ما عدا ذلك من المعادن باق على أصل الحل .
غير أن الحنفية يرون كراهة اتخاذ الخاتم من المعادن غير الفضة فإن اتخاذه منها مباح عندهم بشرط ألا يتم وزنة مثقالا
Q هل يجوز للرجال أو للنساء لبس الخاتم أو السوار أو السلسلة أو الساعة أو غيرها من الذهب أو من الفضة أو من النحاس أو من الحديد أو من غيرها أم لا
An إن الله سبحانه وتعالى قال فى كتابه العزيز { قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الأعراف 32 ، فالأصل إباحة التزين بكل ما خلق الله للإنسان فى هذه الدنيا .
وقد جاءت السنة مخصصة لهذا العموم فحرمت على الرجال لبس الذهب أو استعماله إلا فيما قضت الضرورة باستعماله منه .
لحديث على رضى الله عنه قال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله فى يمينه وذهبا فجعله فى شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتى ) رواه أبو داود بإسناد حسن .
وزاد ابن ماجه ( حل لإناثهم ) ولحديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم ) رواه الترمذى، وغير ذلك من الأحاديث التى وردت فى هذا الباب، ومنها حديث البراء بن عازب قال ( نهانا النبى صلى الله عليه وسلم عن سبع - عن خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب ) رواه البخارى .
وإلى ذلك ذهب جمهور الفقهاء فإنهم حرموا لبس الذهب واستعماله على الرجال دون النساء عملا بهذه النصوص، ولم يستثنوا من هذا العموم بالنسبة للرجال إلا ما تقضى الضرورة باستعمالهم له مثل الأنف لمن قطع أنفه، لما روى أن عر فجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبى صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب رواه أبو داود .
وشد السن بالذهب لمن دعت حاجته إليه لما رواه الأثرم عن أبى حمزة وموسى بن طلحة وأبى رافع وإسماعيل ابن زيد بن ثابت أنهم شدوا أسنانهم بالذهب .
وقال أحمد روى أنه كان فى سيف عثمان بن حنيف مسمار من ذهب وقال إنه كان لعمر سيف فيه سبائك من ذهب من حديث ابن أمية عن نافع وروى الترمذى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة .
وغير ذلك من الآثار التى ورد فيها حل استعمال الذهب للرجال إذا دعت الضرورة إلى ذلك .
وإلى ذلك ذهب الحنفية فقد جاء فى الجزء الخامس من تنوير الأبصار وشرحه فى باب الحظر والإباحة ما ملخصه ولا يتحلى الرجل بذهب وفضة إلا بخاتم ومنطقة وحيلة سيف من الفضة إذا لم يرد به التزين .
ويتخذ أنفا من الذهب ويشد السن به عند محمد وهو رواية عند أبى يوسف .
وذهب الشافعية إلى مثل ذلك قال النووى فى المجموع ( يجوز لمن قطع أنفه اتخاذ أنف من ذهب وإن أمكن اتخاذه من الفضة، وفى معنى الأنف السن والأنملة فيجوز اتخاذهما ذهبا بلا خلاف ) ثم قال إن اضطر إلى الذهب جاز استعماله باتفاق فى المذهب، فيباح له الأنف والسن من الذهب، وإلى ذلك ذهب المالكية والحنابلة، فالذهب حرام على الرجال فيما عدا ما تقضى الضرورة باستعماله منه .
ولا يدخل فى الذهب المحرم ماموه بالذهب، لأنه لا يمكن استخلاصه منه، ولا يطلق عليه اسم ذهب .
وكذلك يكره استعمال الفضة للرجال دون النساء إلا الخاتم .
فقد جوز الأئمة الأربعة اتخاذه من الفضة للرجال .
لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان له خاتم من فضة وكان فى يده الكريمة حتى توفى صلى الله عليه وسلم .
ثم فى يد أبى بكر رضى الله عنه إلى أن توفى ثم فى يد عمر رضى الله عنه إلى أن توفى ثم فى يد عثمان رضى الله عنه إلى أن وقع من يده فى البئر فأنفق مالا عظيما فى طلبه فلم يجده، وإلا ما تقضى الضرورة باستعماله منها .
وقد ذكرنا ما جاء فى تنوير الأبصار من قوله ( لا يتحلى الرجل بذهب ولا فضة إلا بخاتم ومنطقة وحلية سيف من الفضة إذا لم يرد به التزين ) وإلى ذلك ذهب جمهور الشافعية .
قال الرافعى فى الشرح الوجيز ( يجوز للرجل التختم بالفضة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة وحل له لبس ما سوى الخاتم من حلى الفضة كالسوار والدملج والطوق لفظ الكتاب يفيد المنع حيث قال ولا يحل للرجال إلا التختم به وبه قال الجمهور .
وقال أبو سعيد المتولى إذا جاز التختم بالفضة فلا فرق بين الأصابع وسائر الأعضاء كحلى الذهب فى حق النساء فيجوز له لبس الدملج فى العضد والطوق فى العنق والسوار فى اليد وغير هذا .
وبهذا أجاب المصنف فى الفتاوى وقال لم يثبت فى الفضة إلا تحريم الأوانى وتحريم الحلى على وجه يتضمن التشبه بالنساء .
وكره الحنفية التختم بغير الفضة .
قال فى الدر المختار ( ولا يتختم إلا بالفضة لحصول الاستغناء بها فيكره بغيرها كحديد وصفر ورصاص وجاء فى حاشية رد المختار على الدر روى صاحب السنن بإسناده إلى عبد الله بن بريرة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه ( نحاس ) فقال مالى أجد فيك ريح الأصنام فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال ما لى أجد عليك حلية أهل النار فطرحه، فقال يا رسول الله أى شىء أتخذه فقال اتخذه من ورق ( فضة ) ولا تنمه مثقالا ويخلص من ذلك : 1- الذهب حرام على الرجال دون النساء عند جمهور الفقهاء عدا ما استثنى منه للضرورة فإنه مباح للرجال وعدا الأوانى فإنها حرام على النساء أيضا .
2- الفضة مكروه استعماله للرجال عند الحنفية وجمهور الشافعية إلا التختم فإنه يجوز التختم بالفضة بغير كراهة وإلا ما تقضى به الضرورة ويحرم على النساء اتخاذ الأوانى من الفضة بالنص، وذهب بعض الشافعية إلى جواز استعمال الفضة للرجال بدون كراهة بشرط أن يكون استعمالهم لها على وجه لا يتضمن التشبه بالنساء .
3- ما عدا الذهب والفضة من حديد ونحاس وخلافهما باق على الأصل وهو الإباحة، ولم يخالف فى ذلك إلا الحنفية الذين كرهوا التختم بشىء من المعادن المذكورة .
وبهذا علم الجواب عن السؤال . والله أعلم(7/180)
حرق السقط حرام
F حسن مأمون .
8 نوفمبر 1955 م
Mالسقط الذى تضعه المرأة ولو بطريق الإجهاض سواء استبان خلقه أم لا - يغسل ويلف فى خرقة ويدفن .
ولا يجوز حرقه شرعا
Q من السيد / م ش أ - قال إنه شاهد أن الأطفال الذين يولدون عن طريق الإجهاض بالمستشفيات يحرقون فى أفران إلى أن ينتهى أثرهم من الآدمية .
فهل هذا جائز شرعا أم لا
An بأن المنصوص عليه شرعا أن السقط الذى تضعه المرأة ولو بطريق الإجهاض سواء استبان خلقه أو لم يستبن يغسل على المختار من مذهب الحنفية ويلف فى خرقة ويدفن .
أما حرق السقط فحرام وغير جائز شرعا ومناف للدين .
وبهذا علم الجواب عن السؤال . والله أعلم(7/181)
تعليق الحيوان قبل ذبحه مكروه شرعا
F حسن مأمون .
15 ديسمبر 1955 م
M 1- يستحب للذابح ألا يفعل بالمذبوح كل ما فيه زيادة إيلامه قبل ذبحه فإن فعل ذلك كان فعله مكروها ولكن لا تأثير له فى حل أكل لحم المذبوح .
2- متى استوفى الذبح شروطه المعروفة كان لحم المذبوح حلالا ولا كراهة فيه
Q من السيد / مدير عام الصحة لبلدية القاهرة .
بكتابه رقم 20875 - 29/7 المؤرخ 11 ديسمبر سنة 1955 عن الحكم الشرعى فيما إذا كان من الجائز شرعا تعليق الحيوان قبل عملية الذبح من عدمه
An إن فقهاء الحنفية نصوا على أنه يستحب لذابح الحيوان ألا يفعل به كل ما فيه زيادة إيلام لا يحتاج إليه فى الذكاة فإن فعل شيئا من ذلك كان مكروها - فقد روى عن حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذ ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته وهذه الكراهة لا توجب تحريم لحم الذبيحة ولا كراهته، وإنما هى متعلقة بفعل الشخص نفسه وهو زيادة إيلام الحيوان فقط .
وبناء على ذلك فإذا كان تعليق الحيوان المسئول عنه لا يترتب عليه زيادة إيلام الحيوان أو تعذيبه فإنه لا شىء فيه أما إذا ترتب عليه شىء من ذلك فإنه يكون مخالفا لما هو مندوب إليه شرعا وفيه الكراهة لارتكاب نفس الفعل أما لحم المذبوح فإنه مادام قد استوفى شروط الذكاة المعروفة فإنه يكون حلالا ويؤكل لحمه بلا كراهة .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم(7/182)
قتل الرجل نفسه أو أمره غيره بذلك
F حسن مأمون .
رجب 1375 هجرية - 13 فبراير 1956 م
M 1- من قتل نفسه بحديدة عذب به فى نار جهنم .
2- من خنق نفسه يخنقها فى النار، ومن طعن نفسه يطعنها فى النار .
3- قتل الشخص نفسه لألا سبب من الأسباب أو تحت أى ظرف من الظروف مهما كان خطره والنتائج المترتبة عليه محظور فى الشريعة الإسلامية .
4- إكراه الشخص على قتل آخر بقتل المكره نفسه إن لم يفعل لا يبيح له ذلك وإن قتله المكره كان آثما .
5- لا يحل للرجل قتل نفسه تخلصا مما هو فيه من تعذيب شديد واضطهاد .
6- الوقوع فى الأسر غير مبيح لمن وقع فيه أن يقتل نفسه، بل الواجب عليه الصبر على التعذيب وأن يكتم سره ولا يبيح به للعدو .
7- لا حرج على الأسير إذا أدلى للعدو بأقوال غير صحيحة تضليلا له وكفا عن تعذيبه
Q من السيد / م ح م قال إنه قد يتعرض بعض قادة الجيش المصرى للوقوع فى الأسر نظرا لقربهم من العدو، وبدهى أن يكون هذا القائد بحكم مهمته لديه كثير من المعلومات العسكرية البالغة السرية .
وبوقوعه فى الأسر يتعرض لاستجواب عنيف من أعوان العدو، وتستخدم معه جميع وسائل التعذيب والتأثير مما يترتب عليه حتما الإفضاء ببعض هذه الأسرار، وفى ذلك أكبر الضرر والغدر بجيشنا وبلادنا ومستقبلهما .
وطلب السيد السائل معرفة حكم الشريعة الإسلامية فيما يأتى هل يجوز لهذا القائد الذى وقع فى الأسر إذا توفرت له هذه الظروف القهرية أن يتخلص من هذا المأزق الخطير بقتل نفسه بنفسه أو يأمر أحدا غيره كأركان حرب مثلا أن يقتله مادام ذلك رغبة منه فى المحافظة على أسرار الدولة وحرصا على سلامة جيوشها المرابطة فى الميدان وهل يعتبر هذا القتل استشهاد فى سبيل الله يستحق عليه أجر المجاهدين وإذا كانت الشريعة الإسلامية لا تبيح ذلك فما هو الحل الذى يتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية ولا يتعارض مع سلامة الوطن فى مثل هذه الأحوال الخطيرة
An إن قتل النفس عمدا من أكبر الكبائر وأشدها عقوبة عند الله وجناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره فى الإثم والعقوبة، لأن نفسه ليست ملكا له وإنما هى ملك لله سبحانه وتعالى .
وقد ورد فى كتاب الله الكريم آيات كثيرة فى مواضع متعددة تحرم قتل النفس وتفرض أشد العقوبة على فاعله .
من ذلك ما جاء فى سورة النساء قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، وقوله { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا } النساء 92 ، وقوله { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } النساء 93 ، وفى سورة الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } الأنعام 151 ، وفى سورة الإسراء قوله تعالى { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا } الإسراء 33 ، وغير ذلك من الآيات .
كما وردت بذلك الصحاح من الحديث .
فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بحديدة عذب به فى نار جهنم ) وفى حديث جندب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( كان برجل جراح قتل نفسه .
فقال الله عز وجل بدرنى عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة ) وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله عليه وسلم ( الذى يخنق نفسه يخنقها فى النار والذى يطعنها يطعنها فى النار ) وغير ذلك كثير من الأحاديث والآثار الصحيحة الدالة على تحريم قتل النفس ولشناعة قتل النفس وبشاعته ولشدة النكير على فاعله لم يرد فى الشريعة الإسلامية ما يبيحه أو يخفف عقوبته لأى سبب من الأسباب، ولا لأى ظرف من الظروف مهما كان خطره ومهما كانت النتائج المترتبة عليه حتى نص الفقهاء على أن الإنسان إذا أكره بقتل نفسه على قتل نفس شخص أخر فقتله فهو آثم وهذه سيرة السلف فى تعذيبهم واضطهادهم للتخلي عن الإسلام والنطق بكلمة الكفر وفى حروبهم وتعرض بعضهم لما لاتطيقه النفس البشرية لم نسمع ولم نر أن أحدا منهم أقدم علي قتل نفسه للتخلص مما هو فيه من تعذيب شديد واضطهاد .
وقد سئل الإمام ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب ثم رجع فلما رجع أخذ سكينة وقتل نفسه فهل يأثم سيدة وهل يجوز علية الصلاة فأجاب إنه لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمة واعتدى بأى وسيلة بل كان عليه إذا لم يمكنه رفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج الله إلى آخر ما جاء بهذه الفتوى .
ومن هذا كله يتبين أن الإنسان لا يجوز له بحال من الأحوال مهما كانت الظروف والدواعى أن يقتل نفسه .
ومن ذلك ما جاء بحادثة هذا السؤال .
فإنه إذا وقع أحد من المحاربين فى الأسر، فإنه لا يجوز له أن يقتل نفسه، والواجب عليه شرعا أن يصبر على التعذيب ويكتم سره ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويكون فى ذلك المثوبة الكبرى له لإرضائه لربه ورسوله ودينه ووطنه، ولا حرج عليه شرعا أن يدلى للعدو بأقوال غير صحيحة تضليلا له وللكف عن تعذيبه، لأن الكذب فى الحروب مباح شرعا كما وردت بذلك الآثار وأقوال الفقهاء .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله سبحانه وتعالى أعلم(7/183)
التشاؤم بالأرقام وغيرها
F حسن مأمون .
رجب 1375 هجرية - 26 فبراير 1956 م
M 1- التشاؤم سوء ظن بالله سبحانه وتعالى بغير سبب محقق، وربما يقع للمتشائم المكروه الذى اعتقده بعينه عقوبة له .
2- التشاؤم بالأرقام والأيام وغيرها منهى عنه شرعا، لأن الأمور تجرى بأسبابها وبقدرة الله سبحانه وتعالى، ولا ارتباط بين هذه الأشياء وبين ما يناله الإنسان من خير أو شر
Q من السيد / ع أ أ قال : أولا - هل يجوز للإنسان أن يصدق أو يعتقد أو يتشاءم أو يتوهم أن يصيبه مرض أو موت أو غيره من الأعداء، أو من السنين أو من الشهور أو من الأيام أو من الأوقات، أو من دخول بيت أو من لبس ثوب أو من غيره أم لا ثانيا - ما هى أسماء وأصحاب الكتب الشرعية الدينية الإسلامية الصحيحة المعتمدة النافعة المفيدة السهلة التى يجوز اقتناؤها ، والعمل بها فى العقائد والعبادات والمعاملات وغيرها
An عن السؤال الأول كان التطير والتشاؤم فى الجاهلية فجاء الإسلام يرفع ذلك .
ففى الحديث ( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ) وفيه ( لا عدوى ولا طيرة ويعجبنى الفأل الحسن ) وفيه أيضا ( من تكهن أو رده عن سفر طير فليس منا ) ونحو ذلك من الأحاديث .
وذلك إذا اعتقد أن شيئا مما تشاءم منه من عدد أو وقت أو طير أو غيره موجب لما ظنه ولم يضف التدبير إلى الله سبحانه وتعالى ، فأما إذا علم أن الله هو المدبر ولكنه أشفق من الشر، لأن التجارب قضت بأن يوما من الأيام أو وقتا من الأوقات يرد فيه مكروه، فإن وطن نفسه على ذلك أساء، وإن سأل الله الخير واستعاذ به من الشر ومضى متوكلا ولم يتشاءم لم يضره ما وجد فى نفسه من ذلك وإلا فيؤاخذ به، لأن التشاؤم سوء ظن بالله سبحانه وتعالى بغير سبب محقق - وربما وقع به ذلك المكروه الذى اعتقده بعينه عقوبة له على اعتقاده الفاسد، ولا تنافى بين ما ذكر وبين ما رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه .
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال الشؤم فى المرأة والدار والفرس وفى رواية عنه أيضا قال ذكروا الشؤم عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن كان الشؤم فى شىء ففى الدار والمرأة والفرس لأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يشير بهذا إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منه العداوة والفتنة، لا كما يفهم بعض الناس من التشاؤم بهذه الأشياء، أو أن لها تأثيرا وهى ما لا يقول به أحد من العلماء، ويؤيد هذا مارواه الطبرانى إن من شقاء المرء فى الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة - سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها .
وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها، وسوء المرأة عقم رحمها سوء خلقها .
ومما سبق بيانه يعلم أن التشاؤم بالأرقام والأيام وغيرها منهى عنه شرعا، لأن الأمور تجرى بأسبابها وبقدرة الله ولا ارتباط لهذه الأشياء بخير يناله الإنسان أو شر يصيبه .
وأما السؤال الثانى فقد سبق إجابة السائل عليه بالفتوى المسجلة بالدار برقم 235 سجل 63 متنوع بتاريخ 5 من ذى القعدة سنة 1369 الموافق 19/8/1950 وقد جاء بها ( أن الكتب الدينية النافة المعتمدة فى الإسلام لا يحصيها العد .
وسنذكر منها ما يسهل تناوله والانتفاع به فى العبادات والمعاملات والعقائد .
الحديث ( ا ) الترغيب والترهيب للحافظ عبد العظيم المنذرى .
( ب ) سبل السلام شرح نيل المرام للإمام الصنعانى .
( ج ) نيل الأوطار للإمام الشوكانى .
التفسير ( ا ) تفسير القرآن الكريم للإمام أبى السعود .
( ب ) تفسير القرآن الكريم للإمام النيسابورى .. الفقه - فقه حنفى ( ا ) مراقى الفلاح شرح نور الإيضاح للشرنبلالى .
( ب ) الاختيار شرح تعليل المحتار للإمام عبد الله محمود مودود الموصلى فقه شافعى حاشية البجيرمى على شرح الخطيب للشيخ سليمان البجيرمى .
فقه مالكى أقرب المسالك إلى فقه الإمام مالك للقطب الدردير .
فقه حنبلى الإقناع للإمام أبى النجا شرف الدين الحجاوى العقائد ( ا ) شرح الخريدة للقطب الدردير ( ب ) رسالة التوحيد للإمام الشيخ محمد عبده ونزيد على ما جاء بها الحديث شرح مختصر الزبيدى للشيخ الشرقاوى .
التفسير ( ا ) الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد القرطبى .
( ب ) تفسير القرآن للإمام محمد عبده .
فقه حنفى بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر الكاسانى فقه شافعى المجموع شرح المهذب للإمام أبى زكريا محيى الدين النووى .
فقه حنبلى المغنى والشرح الكبير لابن قدامة .
الفقه على المذاهب الأربعة للشيخ عبد الرحمن الجزيرى الذى طبعته وزارة الأوقاف .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/184)
الحكم بالقوانين الوضعية المتفقة مع الشريعة الإسلامية
F حسن مأمون .
ربيع الثانى 1376 هجرية - 29 فبراير 1976 م
M1- ليس للقاضى الذى نصبه السلطان للحاكم بين الناس طبقا للشريعة الإسلامية الامتناع عن تطبيق القوانين الوضعية بحجة أنه لا يحكم إلا بالشريعة الإسلامية ولا يعترف بالقوانين الوضعية .
2- عليه أن يحضر الجلسات وينظر القضايا التى يناط إليه نظرها مدنية كانت أم جنائية، ويحكم فيما لا يرى أن حكمها الوضعى مخالف للشريعة الإسلامية .
كرد الوديعة والقرض وأداء الدين ونحو ذلك .
ويكون مؤاخذا بالامتناع . 3- لا يكون مؤاخذا إذا امتنع عن تطبيق القانون الوضعى فى الأمور الواضحة مخالفتها للشريعة الإسلامية، كالحكم بالفائدة للدين ونحو ذلك .
4- لا يسقط دين الذمى الذى صار حربيا بلحوقه بدار الحرب مادام لم يظهر على الدار أو يؤسر .
5- له حق المطالبة بدينه ويجب تسليم الدين إليه، أو بعث من يأخذه .
6- يجوز لولى الأمر منع قضاته من سماع الدعوى من الذمى أو وكيله تطبيقا لقاعدة القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة مادام الذمى بدار الحرب
Q بكتاب السيد الفاضل الأستاذ م أ النائب العام بطرابلس والذى يعرض فيه مسألتين : الأولى مستشار امتنع عن حضور الجلسات المدنية والجنائية طالبا أن يقتصر عمله على القضايا الشرعية وعددها فى محكمة استئناف طرابلس أربع قضايا .
علما بأن زملاءه الثلاثة من المشايخ يباشرون العمل فى دوائر الجنايات وفى الدوائر المدنية .
وحجته أنه لا يحكم إلا بالشريعة الإسلامية، ولا يعترف بالقوانين الوضعية ( المدنى والعقوبات والمرافعات والتجارى ) ولا يريد أن يطبقها أو يحكم على مقتضاها، وهى قوانين تشابه القوانين المصرية تماما .
فما هى الرأى الشرعى فى شأن هذا المستشار الممتنع عن أداء واجبه مع قبض مرتبه بانتظام .
وهل يؤيده الشرع فى ذلك مع إيراد المراجع الفقهية فى هذه المسألة الثانية أقرض شخص إسرائيلى امرأة ليبية دينا بعقد رسمى رهنت فيه المدينة منزلا، نزع الدائن ملكية المنزل ولم يوف الدين، لأن البيع كان بالمزاد الجبرى وبثمن بخس، وقد أردف الدائن ذلك بدعوى نزع ملكية لمنزل آخر، وأصدر توكيلا لولده لمباشرة الإجراءات، وأما هو فقد نزح إلى إسرائيل ومقيم بها حتى الآن .
والمطلوب الإفادة من الناحية الشرعية عما إذا كان يجوز لمراب مقيم بدار الحرب أن يقاضى مسلما فى دار الإسلام، وهل يجوز للإسرائيلى المتوطن فى إسرائيل أن يرفع دعوى بحق له أمام المحاكم الليبية، وهل تنقطع علاقة الإسرائيلى بليبيا إذا ما انتقل إلى دار الحرب، أم من حقه أن يعين وكيلا عنه لمباشرة حقوقه فى ليبيا للإجابة على السؤالين
An نبدأ بسرد النصوص الواردة ونستخلص منها الحكم فنقول وبالله التوفيق عن المسألة الأولى جاء فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج- 6 ص 254 فى أول باب القضاء نقلا عن البدائع ( وفى البدائع الحكم بين الناس بالحق وهو الثابت عند الله تعالى من حكم الحادثة إما قطعا بأن كان عليه دليل قطعى وهو النص المفسر من الكتاب أو السنة المتواترة أو المشهورة أو الإجماع وإما ظاهرا بأن أقام عليه دليلا ظاهرا يوجب علم غالب الرأى وأكثر الظن، وهو ظاهر الكتاب والسنة ولو خبر واحد والقياس وذلك فى المسائل الاجتهادية التى اختلف فيها الفقهاء أو التى لا رواية فيها عن السلف فلو قضى بما قام الدليل القطعى على خلافه لم يجز ، لأنه قضى بالباطل قطعا، وكذا لو قضى فى موضع الاختلاف بما هو خارج عن أقاويل الفقهاء لم يجز، لأن الحق لم يعدوهم، ولذا لوقضى بالاجتهاد فيما فيه نص ظاهر بخلافه لم يجز، لأن القياس فى مقابلة النص باطل ولو ظاهرا ) والقضاء يتخصص بزمان ومكان وخصومة .
قال صاحب الدر المختار ج- 4 ص 530 فروع ( القضاء مظهر لا مثبت ويتخصص بزمان ومكان وخصومة وعلق عليه ابن عابدين صاحب رد المختار فى الجزء المذكور بقوله عزاه فى الأشباه إلى الخلاصة وقال فى الفتح من أول كتاب القضاء الولاية تقبل التقييد والتعليق بالشرط كقوله إذا وصلت إلى بلدة كذا فأنت قاضيها أو إذا وصلت مكة فأنت أمير الموسم والإضافة كجعلتك قاضيا فى رأس الشهر والاستثناء منها كجعلتك قاضيا إلا فى قضية فلان ولا تنظر كذا .
وقال صاحب الدر تتمة لكلامه السابق حتى لو أمر السلطان بعدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة فسمعها لم ينفذ .
ونقل عن الفتاوى الحامدية فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماعها بعد النهى المذكور .
وطاعة الإمام واجبة فيما يوافق الشرع . قال صاحب الدر المختار أمر السلطان إنما ينفذ إذا وافق الشرع وإلا فلا .
أشباه من القاعدة الخامسة وفوائد شتى. وقد أجاب صاحب تنقيح الحامدية فى السؤال على ما إذا حكم القاضى بخلاف الشرع بقوله إذا حكم الحاكم بخلاف الشرع الشريف وأعطى بذلك حجة لا ينفذ الحكم المذكور ولا يعمل بالحجة والحالة هذه .
قال الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } المائدة 45 ، وقال عليه الصلاة والسلام قاض فى الجنة وقاضيان فى النار أى قاض عرف الحق وحكم به فهو فى الجنة وقاضى عرف الحق وحكم بخلافة فهو فى النار .
وكذا قاضى قضى على جهل .
على أن للسلطان أن يعزل القاضى بريبة أو بغير ريبة .
نقل ذلك صاحب البحر عن الخلاصة والبزازية. ومما سبق يتبين أن القاضى الذى ينصبه السلطان للحاكم بين الناس طبقا للشريعة الإسلامية ثم يطلب منه الحكم فى الجلسات المدنية والجنائية طبقا للقانون الوضعى لا يكون محقا فى امتناعه عن حضور تلك الجلسات بحجة أنه لا يحكم إلا بالشريعة الإسلامية ولا يعترف بالقوانين الوضعية .
وذلك لأن القوانين الوضعية لا تخالف فى جملتها الشريعة الإسلامية، بل منها ما يوافق الشريعة الإسلامية ومنها ما يخالفها، وليس للقاضى أن يمتنع عن تطبيق القوانين الوضعية لأنها قوانين وضعية ولو كانت أحكامها مستمدة من الشريعة الإسلامية، بل عليه أن يحضر الجلسات وينظر فى القضايا التى يناط إليه نظرها مدنية كانت أم جنائية، ويحكم فيما يعرض عليها منها طبقا للقوانين الوضعية فى الأمور التى لا يرى أن حكمها الوضعى مخالف للشريعة الإسلامية، كالحكم برد الوديعة والقرض وأداء الدين، وكالحكم بقتل القاتل العامد ونحو ذلك ويكون مؤاخذا بالامتناع، ولا يكون مؤاخذا إذا امتنع عن تطبيق القانون الوضعى فى الأمور الواضحة مخالفتها للشريعة الإسلامية، كالحكم بالفائدة للدين وهى ربا محرم، ونحو ذلك من الأمور التى اتفق الفقهاء على عدم حلها .
عن المسألة الثانية فى الهداية فى باب المستأمن ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمى أو دينا فى ذمتهم فقد صار دمه مباحا بالعود لأنه أبطل أمانه، وما فى دار الإسلام من ماله على خطر فإن أسر أو ظهر على الدار فقتل سقطت ديونه وصارت الوديعة فيئا أما الوديعة فلأنها فى يده تقديرا، لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه، وأما الدين فلأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فيختص به فيسقط وإن قتل ولم يظهر على الدار فالقرض والوديعة لورثته .
وكذا إذا مات لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله، وهذا لأن حكم الأمان باق فى ماله فيرد عليه أو على ورثته من بعده .
وقال صاحب البحر فإن رجع المستأمن إلى دار الحرب حل دمه وجاز قتله، لأنه أبطل أمانة بالعود إليها، وظاهرة أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم بكونه ذميا أو بعده لأن الذمى إذا لحق بدار الحرب صار حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وهو دفع شر الحراب .
وقال تعليقا على قول صاحب الكنز ( فإن أسر أو طهر عليه سقط دينه وصارت وديعته فيئا، وإن قتل ولم يظهر أو مات فقرضه ووديعته لورثته ) بيان لحكم أمواله المتروكة فى دار الإسلام إذا رجع إلى دار الحرب فإن أمانه بطل فى حق نفسه فقط، وأما فى حق أمواله التى فى دارنا فباق .
ولهذا يرد عليه ماله وعلى ورثته من بعده .
وفى السراج لو بعث من يأخذ الوديعة والقرض وجب التسليم إليه .
وحاصل المسألة خمسة أوجه ففى ثلاثة يسقط دينه وتصير وديعته غنيمة - الأول أن يظهروا على الدار ويأخذوه - الثانى أن يظهروا ويقتلوه - الثالث أن يأخذوه مسبيا غير ظهور، وإنما صارت وديعته غنيمة لأنها فى يده تقديرا، لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفه وإنما سقط الدين لأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فتختص به فيسقط، وفى وجهين يبقى ماله على حاله فيأخذه إن كان حيا أو ورثته إن مات .
الأول أن يظهروا على الدار فيهرب، الثانى أن يقتلوه ولم يظهروا على الدار أو يموت لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله .
ومما سبق يتبين أن الذمى الذى صار حربيا بلحاقه بدار الحرب لا يسقط دينه مادام أنه لم يظهر على الدار ولم يؤسر، وله حق المطالبة بدينه، ويجب تسليم الدين إليه أو بعث من يأخذه - على أنه يجوز لولى الأمر أن يمنع قضاته من سماع الدعوى من الذمى أو وكيله مادام الذمى بدار الحرب لما سبق بيانه فى المسألة الأولى من أن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة .
والله أعلم وهو الهادى إلى الصراط المستقيم(7/185)
أملاك غير المسلمين فى بلاد المسلمين ليست فيئا أو غنيمة
F حسن مأمون .
10 ذوالقعدة 1376 هجرية - 9 يونية 1957 م
M 1- الأملاك المتروكة من غير المسلمين عند هجرتهم من بلاد الإسلام ليست فيئا أو غنيمة، وخاصة إذا أعقب ذلك معاهدة بين الدولتين ( المهاجرين منها والمهاجرين إليها ) تضمنت الاعتراف بها لهم وتعيين أوصياء لحفظها .
2- تبقى هذه الأملاك على ملك أصحابها، وتستغل لمصلحتهم ويحفظ ريعها لهم .
3- استيلاء شخص على قطعة أرض منها دون إذن من الولى وبناؤها مسجدا يكون ذلك غصبا، وكل تصرف له عليها يقع باطلا، ولا يعتبر المسجد مسجدا، ولصاحب الأرض وولى الأمر نقض بنائه
Q بكتاب السيد - أ ح أ القائم بأعمال سفارة الباكستان بالقاهرة المؤرخ 16/5/1957 المقيد برقم 1308 سنة 1957 والذى يطلب فيه بيان الحكم الشرعى فيما يأتى : أولا على أثر تقسيم شبه القارة الهندية هاجر ملايين من الناس من باكستان غلى الهند تاركين أملاكا لهم فى باكستان، وقد أبرمت معاهدات بين الحكومتين اعترفتا فيها بملكية المهاجرين لأملاكهم التى تركوها وعين أوصياء للمحافظة عليها .
فهل يصح اعتبار الأملاك المتروكة فى الباكستان من غير المسلمين غنيمة أو فيئا، أم تعتبر أمانة .
ثانيا وإذا احتل زيد قطعة من هذه الأملاك التى تركها غير المسلمين فى باكستان دون أن يدفع لها ثمنا أو يحصل على إذن من أى إنسان وشيد عليها مبنى مؤقتا للصلاة لم يوقفه، فهل يعتبر هذا المصلى مسجدا له ما للمساجد الأخرى من الحقوق والمزايا فى نظر الشريعة الإسلامية .
ثالثا متى يعتبر المبنى مسجدا، وما هى الشروط التى يجب توافرها لاعتباره مسجدا، أو إذا احتل رجل اسمه بكر جزءا من أرض ليست ملكه وشيد عليها مبنى للصلاة دون أن يدفع ثمنا لهذه الأرض، أو يحصل على إذن شرعى لامتلاكها، أو لبناء مصلى عليها .
فهل يصح هذا المبنى مسجدا .
وهل يصح وقفه
An عن السؤال الأول غير المسلمين الذين كانوا مقيمين فى الباكستان قبل تقسيم شبه القارة الهندية، ثم هاجروا إلى الهند بعد قسمتها إلى دولتى الهند والباكستان - تاركين فى الباكستان أملاكا لهم اعترفت حكومتا الهند وباكستان بمقتضى المعاهدات التى أبرمت بينهما بملكيتهم لهذه الأملاك، وبتعيين أوصياء للمحافظة عليها - هذه الأملاك لا يجوز اعتبارها شرعا غنيمة أو فيئا، وذلك لأن الغنيمة هى المال المأخوذ من غير المسلمين بالقهر والغلبة والحرب قائمة بين المسلمين وغير المسلمين - والفىء المال الذى يؤخذ من غير المسلمين مقابل الكف عن قتالهم وبناء على طلبهم كالخراج والجزية - وواضح أن الأملاك المسئول عنها لا ينطبق عليها شرعا تعريف الغنيمة أو الفىء، فلا يجوز اعتبارها من أحدهما، وتبقى هذه الأملاك على ملك أصحابها، وتستغل أيضا لمصلحتهم، وذلك طبقا للأحكام الفقهية التى تطبق على أهل الذمة وعلى المستأمنين فى دار الإسلام ومنها : 1- احترام ملكيتهم لما فى أيديهم من مال ما لم ينقضوا العهد أو يحاربوا جماعة المسلمين .
2- بقاء عصمة أموالهم الموجودة فى دار الإسلام بعد مغادرتهم لها وحفظها لهم حتى يعودوا .
3- عدم جواز الاعتداء عليها أو انتهاك حرمتها أو تملكها ويحفظها لهم ولى أمر المسلمين حتى يعودوا ويستغلها لمصلحتهم، ويحفظ ريعها لهم وهذا كله واضح فى حالة ما إذا لم تكن حكومة الباكستان قد أبرمت معاهدة مع حكومة الهند تضمن بها بقاء ملكية المهاجرين لأموالهم وبالطبع هذه المعاهدة قد أكدت الأحكام الشرعية التى أشرنا إليها ،ولذلك يجب اعتبار هذه الأملاك أى أملاك المهاجرين غير المسلمين الموجودة فى الباكستان على ذمة أصحابها، واستغلالها لمصلحتهم وبقائها أمانة هى وريعها - هذا عن السؤال الأول .
أما عن السؤال الثانى فإن الظاهر أن زيدا احتل قطعة أرض مملوكة لمهاجر غير مسلم ولم يدفع لها ثمنا، ولم يحصل على إذن من ولى أمر الدولة الإسلامية، أو أى شخص له شأن فى إعطاء هذا الإذن، وحكم هذا التصرف منه شرعا أنه اغتصاب لأرض مملوكة للغير ملكا صحيحا للأوجه التى بيناها فى الإجابة عن السؤال الأول .
وعليه يكون كل تصرف منه فى هذه الأرض بدون إذن صاحبها تصرفا باطلا، فلا يصح له أن ينشىء عليها مبنى مؤقتا للصلاة فيه سواء وقفه أو لم يوقفه .
ونظرا لأنه يفهم من السؤال أنه شيد المبنى على الأرض المغصوبة مؤقتا للصلاة فيه بصفة مؤقتة فإن هذا المبنى أيضا لا يعتبر مسجدا لإقامته فى أرض مغصوبة ولعدم وقفه شرعا، ولصاحب الأرض أن ينقض المصلى، وكذلك لولى الأمر الذى يرعى هذه الأملاك أن ينقضها .
أما عن السؤال الثالث فإن المبنى يعتبر مسجدا شرعا إذا أقامه البانى فى أرض مملوكة له، وأذن بالصلاة فيه وصلى الناس فيه فعلا .
أو أقامه فى أرض للغير بإذنه وصلى الناس فيه - وتطبيقا لهذه الشروط لا يكون المبنى الذى شيده بكر فى أرض غيره من غير أن يدفع ثمنها أو يحصل على إذن صاحبها، أو من يتولى إدارتها نيابة عنه فى امتلاكها ولم يحصل أيضا على إذن شرعى ببناء المصلى عليها مسجدا، أى لا يكون هذا المصلى مسجدا شرعا ، لعدم توفر الشروط التى اشترطها الفقهاء فى اعتبار المبنى مسجدا وبيتا من بيوت الله، وإذا أراد وقفه بعد بنائه يمنع منه حتى تتوفر فيه هذه الشروط .
والله أعلم(7/186)
شراب البيرة والتجارة فيه
F حسن مأمون .
ذى الحجة 1376 هجرية - 20 يولية 1957 م
Mلا يجوز شرعا الاتجار فى البيرة لعدم تقومها عند المسلمين كالخمر ولو كانت متقومة عند غيرهم
Q من السيد / .
بطلبه المتضمن برقم 1348 سنة 1957 قال إنه تاجر بقالة افرنجى وحلويات، وأن معظم الجمهور يطلب منه شراء البيرة، وسأل هل يجوز الاتجار فى هذا الصنف أولا
An إن الآثار عن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت بتحريم كل مسكر - فقد روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ) رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجه .
وفى رواية مسلم ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) وعنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام ) رواه أحمد وابن ماجه والدارقطنى وصححه .
فهذه الآثار تدل على أن كل شراب أسكر فهو خمر، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام .
فالبيرة المسئول عنها من شأنها أن تسكر متعاطيها فتكون محرمة، القليل منها والكثير سواء لأنها تعد خمرا شرعا .
لعموم قوله عليه السلام ( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ) وعلى ذلك لا يجوز شرعا للمسلمين الاتجار فيها، لأنها غير متقومة عندهم، فلا ينعقد بيعها بينهم، لعدم توفر شرط من شروط البيع وهو تقوم المبيع وهى وإن كانت متقومة ومالا عند غير المسلمين فهى ليست كذلك عند المسلمين، فلا يجوز لهم التعامل أو الاتجار فيها .
والله أعلم(7/187)
تحديد النسل خشية الفقر
F حسن مأمون .
ذو القعدة هجرية - 14 يونية 1958 م
M 1- منع النسل أو تحديده يتنافى مع مقاصد النكاح، ولا يباح شرعا إلا للضرورة وعند وجود عذر يقتضيه، كالخوف على حياة الأم إن هى حملت .
2- خوف الفقر وكثرة الأولاد وتزايد السكان ليست من الأعذار المبيحة لمنع النسل أو تحديده
Q بالطلب المقدم من السيد الأستاذ - ن م أ رئيس جمعية النهضة الإسلامية للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والذى يطلب فيه الإفادة عن حكم الشريعة الإسلامية فى تحديد النسل خشية الفقر بصفة عامة، أو لتزايد السكان وقلة الموارد الغذائية
An إن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية إيجاد النسل وبقاء النوع الإنسانى وحفظه، ولذلك شرع الزواج للتناسل وتحصين الزوجين من الوقوع فى الحرام، وحث الرسول صلوات الله وسلامه عليه على اختيار الزوجات المنجبات للأولاد .
فقد روى الإمام أحمد عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول ( تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) وروى أبو داود والنسائى عن معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال ( أنى أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد فأتزوجها قال لا، ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم ) كما شرع ما يحفظ النسل من تحريم الزنا والإجهاض، ومنع النسل أو تحديده من الأعمال التى تنافى مقاصد النكاح .
ولهذا لا تبيحه الشريعة إلا عند الضرورة وعند وجود عذر يقتضيه كالخوف على حياة الأم ونحوه، وليس من الأعذار وجود عذر يقتضيه كالخوف على حياة الأم ونحوه، وليس من الأعذار خوف الفقر وكثرة الأولاد أو تزايد السكان، لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بالرزق لكل كائن حى .
حيث قال فى كتابه الكريم { وفى السماء رزقكم وما توعدون .
فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } الذاريات 22 ، 23 ، وقال سبحانه وتعالى { وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين } هود 6 ، وقال سبحانه وتعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } الإسراء 31 ، ومن علم أن مال الله غاد ورائح، وأن مع العسر يسرا، وأن الغنى قد يصبح فقيرا معدوما والفقير المعدم قد يصبح غنيا وافر الغنى، لم يشك أن الغنى والفقر من العوارض التى تتبدل .
وبهذا علم الجواب عن السؤال وأن تحديد النسل خوف الفقر غير جائز .
وفى الحديث - استكثروا من أولادكم فإنكم لا تدرون بمن ترزقون - وهذا لا ينافى أن هناك ضرورات خاصة بالمرأة تجيز منع الحمل كما ذكرنا، ولكل حالة حكمها الخاص .
والله أعلم(7/188)
التصرف الضار ببعض الورثة
F حسن مأمون .
16 يولية 1958 م
M 1- ترك تفضيل بعض الورثة على الآخر واجب .
2- يجب على كل شخص أن يترك ملكه ميراثا عند بعد وفاته طبقا لقسمة الشارع الحكيم، إبقاء على صلة القربى، ومنعا من إثارة العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة، وهذا يؤدى غلى قطيعة الرحم وهو حرام وما أفضى إلى الحرام حرام .
3- إيثار البعض ببعض التركة إيذاء للآخرين وإيحاش لهم .
4- البيع لأحد الورثة صوريا قصد حرمان الآخرين والتهرب مما فى ذمته من حقوق غير جائز شرعا
Q من السيد / .
بطلبه المتضمن أنه فى الخمسين من عمره وله ثلاث بنات سنهن على التوالى 19، 5، 3 ، ويملك منزلا مكونا من طابق واحد يسكن فيه هو وزوجته وبناته، وله أخت شقيقة لها عليه حق كما أن له أبناء أبناء عم وأقارب آخرين وكلهم موسرون ويريد أن يكتب المنزل باسم زوجته لتتنازل عنه بدورها لبناته بعد وفاته ولا يحق لها التصرف إلا بعد أن تبلغ البنات القاصرات سن الرشد، ويكتب لأخته الشقيقة نصيبها فى الميراث كدين عليه بعد وفاته تأخذه نقودا حتى لا يتجزأ المنزل .
وطلب السائل الإفادة عن حكم هذا التصرف شرعا وهل فيه إجحاف بحق أقاربه
An إن أحكام الشريعة الإسلامية تقضى بترك تفضل بعض الورثة عن البعض الآخر، وأن يترك كل شخص ملكه يورث عنه بعد وفاته طبقا لقسمة الشارع الحكيم الذى قسم التركات بعد وفاة المالك قسمة عادلة وحذر من تفضيل بعضهم على بعض إبقاء على صلة القربى ومنعا من إثارة العداوة والبغضاء بين أفراد السرة الواحدة، ولأن إيثار بعض الورثة فيه إيذاء البعض وإيحاشهم، وأنه يؤدى إلى قطع الرحم وهو حرام، وما أفضى إلى الحرام حرام، ولذلك قال كثير من الفقهاء بأنه لا تصح الوصية للوارث .
لما روى عن أبى قلابة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله تبارك وتعالى أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث ) وقد قال بعض الفقهاء إنه تصح الوصية للوارث وبرأيهم أخذت المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 سنة 1946 وأجازت الوصية بالثلث للوارث وغيره ،وتنفذ فيه من غير إجازة الورثة .
كما نصت المادة 31 من قانون الوصية المذكور على صحة الوصية بقسمة أعيان التركة على ورثة الموصى بحيث يعين لكل وارث أو لبعض الورثة قدر نصيبه وتكون لازمة بوفاة الموصى، فإن زادت قيمة ما عين لأحدهم عن استحقاقه فى التركة كانت الزيادة وصية .
فإذا أراد السائل أن يكون تصرفه جائزا أوصى لمن يرغب من ورثته بثلث المنزل أو أوصى بجميع تركته لورثته على الوجه المبين فى المادة 13 المذكورة وورثته الآن هم زوجته وبناته الثلاث وأخته الشقيقة .
أما رغبته فى الخروج عن جميع المنزل وهو جميع ملكه لزوجته بطريق البيع الصورى كما هو الظاهر من السؤال بغية حرمان الورثة من الميراث، والتهرب مما فى ذمته من حق لأخته فذلك غير جائز شرعا .
والله أعلم(7/189)
أكل لحم الضب
F حسن مأمون .
صفر 1378 هجرية - 13 سبتمبر 1958 م
M 1- لا يحل عند الحنفية أكل لحم الضب وغيره من كل ماله ناب أو مخلب من سبع أو طير ،كما لا يحل عندهم أكل الحشرات .
وما روى من أكل لحم الضب محمول على أن ذلك كان في ابتداء الإسلام قبل نزول القرآن بشأنه ،ولأن القاعدة أنة إذا اجتمع الحاضر والمبيح وتعارضا يرجع الحاظر .
2- ما استطابه العرب فهو حلال ،وما استخبثوه فهو حرام بالنصر .
3- مذهب الأئمة الثلاثة حل أ كل لحم الضب
Q بالطلب المتضمن عن بيان حكم أكل لحم الضب هل حرام أو حلال بموجب السنة المحمدية
An إن المنصوص عليه شرعا فى مذهب الحنفية كما جاء فى التنوير وشارحه الدر المختار أنه لا يحل ذو ناب يصيد بنابه أو مخلب يصيد بمخلبه من سبع أو طير ولا الحشرات والضبع والثعلب لآن لهما نابا والضب وما روى من أكله محمول على ابتداء الإسلام قبل نزول قوله تعالى { ويحرم عليهم الخبائث } الأعراف 157 ، وقال ابن عابدين فى حاشيته رد المختار والدليل عليه أنه صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير - رواه مسلم وأبو داود وجماعة .
والسر فيه أن طبيعة هذه الأشياء مذمومة شرعا، فيخشى أن يتولد من لحمها شىء من طباعها فيحرم إكراما لبنى آدم، كما أنه يحل ما أحل إكراما لهم، وفى الكفاية والمؤثر فى الحرمة الإيذاء، وهو طورا يكون بالناب وتارة يكون بالمخلب أو الخبث، وهو قد يكون خلقة كما فى الحشرات والهوام .
ثم قال بعد ذلك تعليقا على قول الدر والخبث ما تستخبثه الطباع السليمة أجمع العلماء على أن المستخبثات حرام بالنص وهو قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث وما استطابه العرب حلال لقوله تعالى { ويحل لهم الطيبات } ( 1 ) وما استخبثه العرب فهو حرام بالنص .
والذين يعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار، لأن الكتاب نزل عليهم وخوطبوا به، ولم يعتبر أهل البوادى لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما يجدون .
وذكر صاحب مجمع الأنهر الضب من المحرم أكله .
وعلل الحرمة بقوله لأنه من السباع خلافا للأئمة الثلاثة . وقال صاحب درر المنتقى حرمته لأنه من الخبائث .
هذا هو مذهب الحنفية .
وأما الأئمة الثلاثة فقد ذهبوا إلى حل أكله مستدلين بأحاديث رويت عن النبى صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال ( إن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال لم يكن من طعام قومى فأجد نفسى تعافه فلا أحلله ولا أحرمه ) وحديث ابن عباس رضى الله عنهما قال أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الآكلين أبو بكر رضى الله عنه -وقد أجاب عنها صاحب العناية وغيره من الحنفية بأن الأصل أن الحاظر والمبيح إذا تعارضا يرجح الحاضر على أن المبيح فى هذا الأمر مؤول بما قبل التحريم والله أعلم(7/190)
نقل عيون الموتى إلى الأحياء
F حسن مأمون .
شوال 1378 هجرية - 14 أبريل 1959 م
M 1 - إخراج عين الميت كإخراج عين الحى يعتبر اعتداء، وهو غير جائز شرعا، إلا إذا دعت إليه ضرورة، وبشرط أن تكون المصلحة فيها أعظم من الضرر الذى يصيب الميت .
2 - أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحى فيه مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت، ويجوز ذلك شرعا .
3 - التعدى المنهى عنه إنما يكون إذا كان لغير مصلحة راجحة أو لغير حاجة ماسة .
4 - عند استصدار قانون بإباحة ذلك يجب النص فيه على الإباحة فى حالة الضرورة، أو الحاجة الماسة لذلك فقط، وبشرط ألا يتعدى ذلك الأموات الذين لا أهل لهم .
أما من له أهل فيكون ذلك مشروطا بإذنهم فإن أذنوا بذلك جاز وإلا فلا
Q بالطلب الوارد من جمعية النور والأمل المطلوب به بيان حكم الشريعة الإسلامية فى الاستيلاء على عيون الموتى عقب وفاتهم وحفظها فى بنك يسمى بنك العيون أسوة بحفظ الدم من الأحياء فى بنك الدم - هل هو حرام أم حلال وذلك لاستخدام هذه العيون فى ترقيع القرنية لمن تخرقت قرنياتهم حديثا، أسوة بما يفعله الأطباء الآن ليعيدوا البصر إلى المكفوفين، وبيان ما إذا كان الدين يمنع من صدور قانون يقضى بالاستيلاء على عيون الموتى، لاستعمالها فى تطبيب عيون الأحياء
An إننا بحثنا هذا الموضوع ووجدنا أن الإنسان الحر بعد موته تجب المحافظة عليه، ودفنه وتكريمه وعدم ابتذاله .
فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهى عن كسر عظم الميت لأنه ككسره حيا - ومعنى هذا الحديث أن للميت حرمة كحرمته حيا، فلا يتعدى عليه بكسر أو شق أو غير ذلك، وإخراج عين الميت كإخراج عين الحى يعتبر اعتداء عليه غير جائز شرعا، إلا إذا دعت إليه ضرورة تكون المصلحة فيها أعظم من الضرر الذى يصيب الميت، وذلك لأن قواعد الدين الإسلامى مبنية على رعاية المصالح الراجحة ، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر ، فإذا كان أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحى يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت جاز ذلك شرعا، لأن الضرر الذى يلحق بالحى المضطر لهذا العلاج أشد من الضرر الذى يلحق الميت الذى تؤخذ عينه بعد وفاته، وليس فى هذا ابتذال للميت ولا اعتداء على حرمته المنهى عنه شرعا .
لأن النهى إنما يكون إذا كان التعدى لغير مصلحة راجحة أو لغير حاجة ماسة، وقد ذهبنا غلى جواز ذلك فى تشريح جثث الموتى ممن لا أهل لهم قبل دفنهم فى مقابر الصدقة، لتحقيق مصلحة عامة راجحة للناس ، إحياء لنفوسهم أو علاجا لأمراضهم، أو لمعرفة أسباب الحوادث الجنائية التى تقع عليهم مستندين فى ذلك إلى ما سبق أن أوضحناه .
وإلى أن القواعد الأصولية تقضى بإيجاب ما يتوقف عليه أداء الواجب .
فإذا أوجب الشارع شيئا تضمن ذلك إيجاب ما يتوقف عليه ذلك الشىء - وعلى ذلك وتطبيقا لما ذهبنا إليه فى الإفتاء بجواز تشريح الجثث للموتى الذين لا أهل لهم - نقول إن الاستيلاء على عين الميت عقب وفاته لتحقيق مصلحة للحى الذى حرم نعمة البصر، وحفظها فى بنك يسمى بنك العيون لاستعمالها فى ترقيع قرنية المكفوفين الأحياء الذين حرموا نعمة النظر ليس فيه اعتداء على حرمة الميت، وهو جائز شرعا، لأن الضرورة دعت إليه، ولأن الضرورة شرعا تقدر بقدرها - نرى قصرها فى هذا الاستفتاء على أخذ عين الميت الذى لا أهل له قبل دفنه، لاستخدامها فى الغرض المنوه عنه سابقا وبذلك تتحقق مصلحة للأحياء المكفوفين أعظم بكثير من الضرر الذى يصيب الميت الذى أخذت عينه، وليس فيه امتهان لكرامته أو ابتذال له .
أما صدور قانون يقضى بالاستيلاء على عيون الموتى، فإننا نرى الاحتياط فيه بحيث يقتصر فيه على الحاجة الماسة فقط، وأن لا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل، وأما الأموات الذين لهم فإن أمر الاستيلاء على عيون موتاهم يكون بيدهم وبإذنهم وحدهم، فإن أذنوا جاز ذلك، وإلا فلا يجوز بدون إذنهم .
وبهذا علم الجواب عن هذا الاستفتاء .
والله أعلم(7/191)
شرب البيرة
F حسن مأمون .
ربيع الآخر 1379 هجرية - 7 أكتوبر 1959 م
M 1 - كل شراب أسكر فهو خمر، وما أسكر كثيره فقليله حرام .
2 - البيرة مسكرة، فتكون محرمة شرعا بالنص
Q من السيد / .
بطلبه قال إنه لاحظ أن شراب البيرة لا يؤثر على شاربها إذا أخذ منها كمية معقولة، لأنها بعكس غيرها من المشروبات الروحية .
نسبة تركيز الكحول بها بسيطة جدا، وتقل عن نسبتها فى الكينا البسليرى .
وسأل هل احتساء قليل من البيرة بالدرجة التى لا تسكر حلال أم حرام
An إن الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءت بتحريم كل مسكر .
فقد روى عن ابن عمر رضى الله عنهما - أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ) وفى رواية مسلم ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) وعنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) رواه أحمد وابن ماجه والدارقطنى وصححه فهذه الآثار تدل على أن كل شراب أسكر فهو خمر، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام .
والبيرة باعتراف السائل شراب من الشربة المسكرة فتكون محرمة .
القليل منها والكثير سواء، لأنها تعتبر خمرا شرعا .
لعموم قوله عليه السلام ( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ) والله أعلم(7/192)
شرب التمباك والدخان بالمسجد
F حسن مأمون .
جمادى الأولى 1379 هجرية - 10 نوفمبر 1959 م
M 1 - لا يجوز شرب الدخان بالمسجد شرعا إلحاقا بالنهى الوارد فى الثوم .
2 - يكره شرب الدخان أثناء قراءة القرآن
Q بالطلب المتضمن الاستفتاء عن شرب التمباك وتدخينه فى المساجد التى هى مخصصة للعبادة والصلوات وتعليم القرآن الكريم وتعلمه وسماعه .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما إذا كان يجوز ذلك شرعا أم لا
An إنه لا يجوز ذلك شرعا لكراهة رائحته .
والدليل على ذلك ما رواه البخارى فى صحيحه فى ( باب ما جاء فى أكل الثوم النىء والبصل والكرات ) عن عمر بن الخطاب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى غزوة خيبر ( من أكل من هذه الشجرة - يعنى الثوم - فلا يقربن مسجدنا ) وفى رواية فلا يقربن المساجد .
وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أكل من هذه الشجرة - يريد الثوم - فلا يغشانا فى مساجدنا ) وقال عبد الملك بن جريج ما يعنى إلا نتنه - أى رائحته الكريهة - ويلحق به كل ما له رائحة كريهة ومنها الدخان - وفى الدر وحاشيته قبيل كتاب الصيد عن الطحاوى ما نصه ( ويؤخذ من إلحاق الدخان بالثوم والبصل كراهته تحريما فى المسجد للنهى الوارد فى الثوم والبصل وهو ملحق بهما ) والظاهر كراهة تعاطيه حال القراءة - أى قراءة القرآن - لما فيه من الإخلال بتعظيم كتاب الله تعالى .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
والله أعلم(7/193)
استبدال الهدى والأضحية بالنقود غير جائز شرعا
F حسن مأمون .
جمادى الأولى 1379 هجرية - 23 نوفمبر 1959 م
M 1 - قربة الهدى والأضحية لا تقوم إلا بذبح الحيوان وإراقة دمه كما أرادها الشارع .
2 - لا يجوز استبدالها بالنقود مطلقا إقامة للتصدق بالثمن مقامها .
3 - القصد من هذه الشعيرة هو التقرب وليس التصدق .
4 - تكدس اللحوم وكثرتها وتعفنها يمكن علاجه بغير الاستبدال النقدى
Q بالطلب المتضمن أن السائل شاهد بالحجاز أنه يُذْبح فى أيام النحر ( بمنى ) ما يقرب من المليون من الذبائح التى تقدم على أنها هدى أو أضحية، أو على أنها كفارة لمخالفة من المخالفات الدينية حسب القواعد الفقهية الشرعية .
والواقع أن هذه الذبائح لا تحقق الغرض الشرعى، لأن الفقير فى هذا اليوم يكون متخما من كثرة الذبائح ويترتب على ذلك أن كثيرا من هذه الذبائح يطرح فى الطرقات حيث يقيم حجاج بيت الله الحرام، ولشدة الحر تتعفن بسرعة، وتكون سببا فى انتشار الميكروبات، مما يؤدى إلى الضرر المحقق الذى لا تسمح به قواعد الشريعة الإسلامية .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما إذا كان يجوز استبدال النقد بالهدى والأضحية، لأنه أنفع للفقراء وأبعد عن عن الضرر والأذى أولا
An إن آيات القرآن الكريم الواردة فى سورة البقرة والمائدة والحج التى تضمنت النص على الهدى، والأحاديث الصحيحة الواردة فى الأضحية تقرر أن إراقة الدم نوع من أنواع القرب إلى الله سبحانه وتعالى وأنها شعيرة من شعائر الإسلام تذكر المسلمين بحادث النداء الذى حصل لسيدنا إبراهيم الخليل وابنه عليهما الصلاة والسلام، وتنبه النفوس المؤمنة إلى مبدأ التضحية فى سبيل الله وطاعته بأعز شىء لديها، والشعيرة هى العلاقة الواضحة الظاهرة التى اعتبرها الإسلام مظهرا من مظاهره العامة ، وهى لا تتحقق إلا بعمل ظاهر يراه الناس فى مناسبات خاصة .
ولا شك أن لله سبحانه وتعالى أن يتعبدنا بما يشاء بما ندرك حكمته وبما لا ندركها، كاختلاف الصلوات مثلا فى عدد ركعاتها وكيفياتها وتحديد أوقاتها واختلاف مقادير الزكاة وغير ذلك .
فيجب علينا ابتاع أمر الله الحكيم سواء أفهمنا معنى حكمته فى تشريعه أو لم نفهمها .
وأننا لو أبحنا لأنفسنا التفكير والتغيير فى مثل هذه الأحكام لانفتح باب الشر على مصراعيه ولا يقف ضرره عند حد الهدى والأضحى، بل لتعدى إلى كل تشريع شرعه رب العالمين وخالقهم العالم بأحوالهم وما يناسبهم .
ومن هذا يتضح أن هذه القربة لا تقوم إلا بذبح الحيوان وإراقة دمه كما أرادها الشارع، وأنه لا يجوز مطلقا للمسلمين أن يفكروا فى استبدالها بالنقود وإقامة التصدق بثمنها مقامها، إذ ليس القصد هو التصدق، وإنما القصد هو التقرب إلى الله بإراقة الدم .
أما على فرض تكدس اللحوم فى هذه الأيام وكثرتها وزيادتها فإن هذا أمر يمكن علاجه فلو تضافر المسلمون وعملوا على استخدام الآلات الحديثة لحفظ هذه اللحوم وادخارها طيبة، ثم توزع على الفقراء والمساكين فى جميع الأقطار الإسلامية إن ضاق عنها القطر الحجازى لكان هذا أحسن علاج، وأدعى إلى الطمأنينة ، وأحفظ للأموال، وكان كذلك متمشيا مع روح الشريعة الإسلامية السمحة .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال . والله أعلم .
ے(7/194)
حرص الشريعة الإسلامية على شرف المرأة ورفع مكانتها
F حسن مأمون .
شوال 1379 هجرية - 5 أبريل 1960 م
M 1 - تحرم الشريعة الإسلامية الخلوة بين المرأة وأجنبى عنها ، وإظهار مفاتنها ومحاسنها أمامه .
2 - على المرأة أن تغض بصرها وتكف عن النظر إلى ما يحرم النظر إليه، وأن تحتفظ فرجها عما لا يحل لها من الزنا وتوابعه .
3 - لا يجوز للمرأة إبداء مواضع الزينة الخفية منها لكل أحد إلا ما استثنى فى الآية الكريمة .
4 - الدخول على المرأة المتزوجة منزل الزوجية أثناء غياب زوجها عنه غير جائز شرعا، إلا إذا كان الداخل معه رجل أو رجلان .
5 - دعوة الزوجة رجلا أجنبيا عنها للغداء معها بمفردها فى منزل الزوجية أثناء غياب زوجها تكون به مخطئة شرعا، ولزوجها منعها من ذلك
Q بالطلب المتضمن أن زوجة مسلمة على عصمة زوجها المسلم تقابلت مع رجل أجنبى عنها لا قرابة له بها إطلاق وليس برحم محرم لها، ويقال إنه متزوج إحدى قريباتها، وهذا الرجل يقيم ببلدة أخرى، وأرادت استضافته فى مسكنها الخاص فى غيبة زوجها وبدون إذنه، وإعداد مأدبة غداء خاصة به وحده، وليس فى المسكن رجل يستقبله بل أرادت الزوجة أن تصاحبه بنفسها - عقب مقابلته لها - فى مسكنها وأن تشترك معه ووالدتها المقيمة معها فى تناول طعام الغداء .
وذلك كله فى غيبة زوجها وبدون إذن منه، وأن تبقى جالسة مع هذا الضيف على المائدة وهى غير محجبة، وهو أجنبى ليس رحما محرما لها كما تقدم .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما إذا كان يباح للزوجة المذكورة هذا العمل أو لا يباح
An إن الشريعة الإسلامية اهتمت بشرف المرأة المسلمة أيما اهتمام، وحرصت كل الحرص على المحافظة على عرضها، ورفع كيانها عن المهانة والابتذال وتعرضها لما يشين سمعتها ويهدم كرامتها، وذلك دفعا للفتنة ومقالة السوء - فحرمت عليها الاختلاء بأجنبى غير محرم لها، والاختلاط به مادام لم يوجد معهما محرم لها، كما حرمت عليها أن تبدى له زينتها، وأن تظهر مفاتنها ومحاسنها أمامه .
لأنه لا يجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما .
فالعينان تزنيان والنظر سهم مسموم من سهام إبليس .
قال الله تعالى فى كتابه الكريم { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } النور 31 ، وقال تعالى { إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا } الأحزاب 32 ، وقال تعالى { وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } الأحزاب 53 ، وقال تعالى { يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } الأحزاب 59 ، وجاء فى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت ) والحمو هو أحد أقارب الزوج، أو أقارب الزوجة من غير المحارم - وروى مسلم أيضا - أن نفرا دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق وهى تحته يومئذ، فرآهم فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد برأها من ذلك .
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال ( لا يدخلن رجل بعد يومى هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ) والمغيبة هى التى غاب زوجها عن المنزل .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم حجة الوداع ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن فى المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا .
ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم من تكرهون ولا يأذن فى بيوتكم لمن تكرهون .
وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهن وطعامهن ) هذا وحديث الإفك الذى اتهمت فيه السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها بمجرد انفرادها برجل غير ذى رحم لها، وتأخرهما عن القافلة ليس ببعيد عن الأذهان، وزوجها خير البشرية حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لم ير نفى التهمة عنها التى شاعت فى جزيرة العرب، حتى أنه لم يذكر اسمها على لسانه طول مدة هذه المحنة، وكان حين يسأل عنها وهى مريضة فى بيت أبيها أبى بكر الصديق يقول كيف حال تيكم، حتى أنزل الله الوحى ببراءتها .
فالمحافظة على عفاف المرأة المسلمة وعرضها وشرفها من الأمور التى حرصت الشريعة الإسلامية على صيانتها .
الأمر الذى يتجلى واضحا من النصوص المذكورة وغيرها فى هذا الباب كثير ومن هذا كله يتعين أن السيدة المسئول عن أمرها مخطئة كل الخطأ فى تصرفها المذكور ، ولا يباح لها هذا العمل شرعا .
ولزوجها الحق فى أن يمنعها من هذا التصرف .
ومنه يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم(7/195)
الزار أمر منكر وبدعة سيئة
F أحمد هريدى .
محرم 1381 هجرية - 24 يونية 1961 م
M 1 - الزار نوع من دجل المشعوذين إيهام ضعاف العقول والإيمان بتخليص المريض من مس الجن .
وهو بطريقته المعروفة أمر منكر وبدعة سيئة لا يقرها الدين .
2 - يزداد نكرا إذا اشتملت حفلاته على شرب الخمور وغير ذلك من الأمور غير المشروعة
Q من السيد / .
بطلبه المتضمن أن بجوار منزله جارة تعمل كوديا ( أى معلمة زار ) تقيم حفلات للزار فى منزلها تقرع فيها الطبول بصورة مقلقة وفى أوقات غير مناسبة، ويختلط فى هذه الحفلات الرجال بالنساء، ويشربون جميعا الخمور، وتستمر الحفلات على هذه الصورة ثلاثة أيام من كل أسبوع، وفى ذلك إقلاق لراحة السكان وتعطيل للطلبة عن استذكار دروسهم .
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى فى هذا الموضوع
An الزار نوعه من دجل المشعوذين الذين يوحون إلى ضعاف العقول والإيمان بأن المريض أصابه مس من الجن، وأن لأولئك الدجالين القدرة على علاجه وتخليصه من آثار هذا المس بطرقهم الخاصة، ومنها إقامة الحفلات الساخرة المشتملة على الاختلاط بين الرجال والنساء بصورة مستهجنة والإتيان بحركات وأقوال غير مفهومة .
والزار بطريقته المعروفة أمر منكر وبدعة سيئة لا يقرها الدين ، ويزداد نكرا إذا اشتملت حفلاته على شرب الخمور وغير ذلك من الأمور غير المشروعة التى أشار إليها السائل - وأما ذكرها السائل فهو أمر لا تقره الشريعة، ويستطيع من لحقه شىء من هذه الأضرار أن يلجأ إلى الجهات المختصة لمنع هذه الأضرار عنه .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
والله تعالى أعلم(7/196)
اسكان الزوجة أقاربها فى مسكن الزوجية غير جائز
F أحمد هريدى .
جمادى الأولى 1382 هجرية - 21 اكتوبر 1962 م
M 1 - الزوجة الغنية التى تساعد زوجها فى المعيشة لا يجوز لها شرعا أن تسكن فى منزل الزوجية أحدا من أقاربها بغير رضا زوجها .
2 - إنفاقها على أقاربها إن كان من مالها فليس للزوج منعها منه .
وإن كان من ماله فلا يجوز لها ذلك شرعا
Q من السيد / .
بطلبه والذى يطلب فيه بيان الحكم الشرعى فى الآتى : 1 - هل يعطى الشارع الحكيم للزوجة الغنية عن زوجها - التى تساعده فى المعيشة - حق عدم اطاعة الزوج، وأن تتصرف فى المنزل كما تشاء بسبب هذه المساعدة فى المعيشة .
2 - هل يجوز للزوجة أن تقيم فى منزل الزوجية بعض أقاربها وتنفق عليهم بسعة، مخالفة بذلك إرادة الزوج الذى لا يرغب فى وجود أحد معه فى منزل الزوجية، لأن هذا يضايقه ويجعله فاقد الحرية مع زوجته، مع ملاحظة أن من تقيمهم أغنياء ولكنهم يستغلونها
An تقضى النصوص الشرعية بأن لكل من الزوجين قبل الآخر حقوقا تجب مراعاتها، والقيام بها، لتدوم رابطة الزوجية ولا تنفصم عراها، وتؤتى ثمراتها التى يريدها الشرع وتتطلبها طبيعة الحياة الزوجية .
فمن حق الزوج على زوجته أن تطيعه فيما هو من شئون الزوجيه مما ليس فيه معصية لله تعالى ، أما شئونها الخاصة بها كأن يمنعها من التصرف فى مالها أو يأمرها بأن تتصرف فيه على وجه خاص فلا تجب عليها طاعته فيه، لأنه ليس له ولاية على مالها ومن حقه عليها أن تحفظ بيته وماله وأن تحسن عشرته، ومن حقه عليها أيضا أن يمنعها من الخروج من بيته إلا لحاجة يقضى بها العرف ولزيارة أبويها ومحارمها، وأن يمنعها من إدخال أحد فى بيته والمكث فيه غير أبويها وأولادها ومحارمها، فليس له منعها من إدخالهم ، ولكن له منعهم من المكث فى البيت، ومن حق الزوجة على زوجها أن يراعى العدل والإحسان فى معاملتها وأن ينفق عليها ولو كانت غنية، وأن يسكنها فى بيت خال عن أهله، لأنها تتضرر من مشاركة غيرها فيه وتتقيد حريتها إلا أن تختار ذلك، لأنها بهذا الاختيار تكون قد رضيت بانتقاص حقها .
وكما يجب أن يكون المسكن خاليا عن أهله يجب أيضا أن يكون خاليا عن أهلها ولو ولدها من غيره، لما ذكر من التضرر وتقييد الحرية، وللزوج منع أهلها من السكنى معه فى بيته، وطبقا لهذه النصوص لا يجوز شرعا للزوجة أن تخرج عن طاعة زوجها، وأن تتصرف فى المنزل بما تشاء مما لا يرضى عنه الزوج متخذة من مساعدته فى المعيشة ذريعة لذلك، كما لا يجوز لها شرعا أن تسكن فى منزل الزوجية أحدا من أقاربها أيا كانت درجة قرابتهم بغير رضا الزوج وأما إنفاقها على أقاربها فإن كان الإنفاق عليهم من مالها الخاص فليس للزوج منعها منه لأنها حرة فى التصرف فى مالها، وإن كان الإنفاق عليهم من مال الزوج فإنه لا يجوز لها ذلك شرعا .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله أعلم(7/197)
اتيان الزوجة فى غير المواضع المشروع حرام
F أحمد هريدى .
10 مايو 1964 م
M 1 - يحرم على الرجل إتيان زوجته فى الموضع غير المشروع، وهذا منكر وحرام، ولكنه لا يوجب تحريمها شرعا .
2 - يجب على الزوج الإقلاع عن هذه العادة المرذولة، كما يجب على الزوجة عصاينه إذا طلب ذلك منها، ولها ألا تمكنه من نفسها فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
3 - إصرار الزوج على هذا المنكر، وامتناع الزوجة عنه حتى استحالت العشرة بينهما، يجيز للزوجة طلب التطليق منه للضرر أمام القضاء
Q بالطلب المتضمن فيمن يأتى امرأته من الخلف وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى ذلك
An إن إتيان الرجل زوجته فى دبرها أمر منكر وحرام شرعا .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ملعون من أتى امرأته فى دبرها ) رواه أحمد وأبو داود .
وفى لفظ ( لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته فى دبرها ) رواه أحمد وابن ماجه .
وعن خزيمة بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يأتى الرجل امرأته فى دبرها ) رواه أحمد وابن ماجه .
وعن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الذى يأتى امرأته فى دبرها ( اللوطية الصغرى ) رواه أحمد .
إلا أن إتيان الرجل زوجته فى دبرها لا يوجب تحريمها شرعا .
ويجب على الزوج أن يقلع عن هذه العادة المرذولة، كما يجب على الزوجة أن تعصيه إذا طلب منها ذلك، ولا تمكنه من نفسها ليفعل بها هذا الأمر المنكر إذ لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق فإذا أصر الزوج على هذا الطلب واستحالت العشرة بسبب امتناع الزوجة عن مجاراته .
كان للزوجة أن ترفع أمرها للقضاء ليفرق بينهما بسبب هذا الضرر الذى فيه امتهان لكرامتها .
وبهذا عليم الجواب عما جاء بالسؤال والله أعلم(7/198)
قطع أصابع اليد الزائدة
F أحمد هريدى .
22 مايو 1968م
M 1 - لا يجوز للمرأة تغيير شىء من خلقتها بزيادة أو نقص قصد الحسن لا لزوج ولا لغيره .
2 - إذا كان هناك عضو زائد أو طويل فى الجسم يحصل منه ضرر أو أذى يجوز بتره شرعا، ويستوى فى هذا الحكم الرجل والمرأة ، كما يستوى فيه كون الضرر ماديا أو معنويا، بأن ينظر الناس إليه شذرا بسببه، أو يضيق هو من ذلك .
3 - إذا كان للمرأة أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها للحسن لا يجوز لها ذلك
Q من السيد / .
قال إنه رزق بتاريخ 12/6/1967 بمولود له فى يده اليمنى واليسرى ورجله اليمنى ستة أصابع فى كل منها .
وطلب السائل إفادته عن حكم بتر الأصابع الزائدة فى كل من يديه ورجله
An فى صحيح البخارى عن علقمة قال لعن عبد الله بن عمر الواشمات والمتنمصات والمتفلجات ( المتفلجة هى التى تبرد ما بين أسنانها للحسن ) للحسن المغيرات خلق الله .
فقالت أم يعقوب .
ما هذا . قال عبد الله ومالى لا ألعن من لعن رسول الله وفى كتاب الله .
قالت والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر 7 ، وفى نيل الأوطار عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النامصة ( النامصة ناتفة الشعر من الوجه ) والواشرة ( الوشر أن تحدد المرأة أسنانها وترققها ) والواصلة ( الواصلة هى التى تصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى ) والواشمة ( الواشمة وشم يده غرزها بابرة ثم ذر عليها الكحل ) إلا من داء روى الشوكانى هذا الحديث فى نيل الأوطار .
قال الإمام ابن حجر فى فتح البارى شارحا لحديث البخارى قال الطبرى ما ملخصه لا يجوز للمرأة تغيير شىء من خلقتها التى خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون لها سن زائدة فتقلعها أو طويلة فتقطع منها ، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها .
فكل ذلك داخل فى النهى، وهو من تغيير خلق الله . قال ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها فى الأكل أو إصبع زائدة تؤلمها أو تؤذيها فيجوز ذلك والرجل فى هذا الأخير كالمرأة .
وقال الإمام الشوكانى فى نيل الأوطار .
ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو إذا كان القصد التحسين لا لداء ولا علة فإنه ليس بمحرم .
قال أبو جعفر الطبرى فى هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شىء مما خلق الله المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسا للتحسين لزوج أو غيره، كما لو كان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولا نزعه، لأنه من تغيير خلق الله ن وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها وهكذا .
قال القاضى عياض وزاد إلا أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها .
وقد نص فقهاء الحنفية على أنه لو قطع شخص إصبعا زائدة لشخص لا يقتص منه وفيها حكومة عدل .
وعللوا ذلك بأنه إنما وجبت فيها حكومة العدل تشريفا للآدمى لأنها جزء منه، ولكن لا منفعة فيها ولا زينة .
ويؤخذ من ذلك أن الإصبع الزائدة إذا تسبب بقاؤها فى ضرر مادى بأن كانت تؤلمه أو تعوقه عن بعض الأعمال ولو مستقبلا أو ضرر معنوى بأن كان يتحرج من بقائها وينظر إليه الناس بتعجب أو ازدراء فإنه يجوز له أن يقطعها منعا للضرر .
وبناء على ما ذكر يجوز لمن كان له إصبع زائدة أن يزيلها إذا كانت هناك ضرورة لذلك، بأن كانت تؤلمه أو تعوقه عن العمل أو تسبب له حرجا أو ضيقا .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله أعلم(7/199)
تسييد الرسول صلى الله عليه وسلم فى الأذان
F أحمد هريدى .
10 نوفمبر 1978 م
M 1 - تسييد الرسول صلى الله عليه وسلم فى الأذان والإقامة غير جائز عند الأئمة الثلاثة مالك وأحمد وأبى حنيفة، لورود النص خلوا من ذلك .
2 - يرى الشافعية جوازه فيهما تأدبا
Q بالطلب المتضمن أن السائل يعمل مؤذنا وأنه كان يقول فى أذانه ( وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ) فمنعه من ذلك عالمان بالبلدة وقالا له ) إن ترك السيادة فى الأذان اتباع والسيادة فيه ابتداع والاتباع خير من الابتداع ) ولكن عالما آخر من أهالى البلدة قال له ( إن السيادة جائزة فى مذهب الإمام الشافعى ) وأكثر أهل البلدة طلبوا منه أن يسيد الرسول فى الأذان .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى ذلك
An الثابت فى كتب الفقه وما جاءت به الأحاديث النبوية الصحيحة أن الأذان الذى علمه جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم جاء فيه ( وأشهد أن محمدا رسول الله ) جاء بهذا النص خاليا من لفظ السيادة .
وذهب إلى هذا الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل .
ورأى الشافعية أنه تجوز السيادة فى الأذان، لأن التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذكره أولى من اتباع السنة ( امتثال الأمر ) عندهم .
و من ذلك يتبين أنه لا تجوز السيادة فى الأذان أو الإقامة عند الأئمة الثلاثة وهو ما نرى الإفتاء به .
ويجوز فى مذهب الشافعية تسييد الرسول صلى الله عليه وسلم فى الأذان والإقامة .
ولا محل لإثارة خلافات وتعصبات قد تؤدى إلى فتنة بين الناس لا يعلم نتائجها إلا الله .
ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/200)
حكم الاجهاض
F أحمد هريدى .
26 أغسطس 1968 م
M 1 - اتفق فقهاء المسلمين على أنه لا يجوز إسقاط الحمل بعد أن تنفخ فيه الروح وتدب فيه الحياة .
2 - يعتبر الإسقاط فى هذه الحالة جناية على حى، وجريمة يعاقب مرتكبها دنيويا وأخرويا .
3 - إذا كان فى بقاء الحمل إلى وقت الوضع خطر على حياة الأم بتقرير الأطباء المختصين ذوى الكفاية والأمانة، فإنه يباح إسقاطه، بل يجب إذا تعين ذلك لإنقاذ حياة الأم .
4 - اختلف الفقهاء فى حكم إسقاطه قبل نفخ الروح .
وظاهر أقوال الحنفية ترجيح القول بعدم جواز الإسقاط إلا لعذر
Q طلبت جريدة الشباب العربى بالاتحاد الاشتراكى العربى بكتابها رقم 2150 المؤرخ 1/8/1968 المقيد برقم 552/1968 المتضمن أنها تلقت رسالة من المبعوث - نصر الله إيمانى - بألمانيا الغربية يستفسر فيها عن الإجهاض فى نظر الأديان
An نفيد بأن الفقهاء المسلمين اتفقوا على أنه لا يجوز إسقاط الحمل بعد أن تنفخ فيه الروح وتدب فيه الحياة العادية الكاملة بعد مائة وعشرين يوما من تاريخ حصول الحمل كما قالوا .
ويعتبر إسقاط الحمل فى هذه الحالة جناية على حى وجريمة يعاقب مرتكبها بالعقوبة الدنيوية والأخروية غير أنه إذا كان فى بقاء هذا الحمل واستمراره إلى وقت الوضع خطر على حياة الأم بتقرير الأطباء المختصين ذوى الكفاية والأمانة فإنه يباح إسقاطه، بل يجب ذلك إذا تعيين طريقا للإنقاذ من الخطر، أى لإنقاذ حياة أمه من الخطر .
أما قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف الفقهاء فى حكم إسقاطه .
وظاهر أقوال فقهاء الحنفية ترجيح القول بعدم جواز الإسقاط إلا لعذر، كأن ينقطع لبن المرأة بعد ظهور الحمل ولها ولد رضيع ولا يقدر أبوه على استئجار مرضعة ترضعه ويخاف أن يموت الولد .
فيجوز فى هذه الحالة وفى أمثالها إسقاط الحمل . ويقول الإمام الغزالى فى هذا الصدد فى كتاب إحياء علوم الدين إن إسقاط الحمل جناية على موجود حاصل وله مراتب .
وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة فى الرحم ويختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت النطفة علقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخت فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت تفاحشا .
وينتهى التفاحش فى الجناية بعد الانفصال حيا . ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/201)
شراب البوظة
F محمد خاطر .
شعبان 1394 هجرية - 9 سبتمبر 1974 م
Mالبوظة وما شابهها من المسكرات حرام، وإن اتخذ الناس لها اسما غير اسم الخمر
Q طلبت محافظة الغربية - مكتب السكرتير العام المساعد - بكتابها رقم 1248 المؤرخ 30/6/1974 المتضمن أن وحدة الاتحاد الاشتراكى العربى لشياخة صندفا بمدينة المحلة الكبرى - قدمت مذكرة إلى السيد الأمين العام للاتحاد الاشتراكى العربى ببندر المحلة الكبرى يطلب فيها تغيير نشاط محلات بيع البوظة الموجودة بالمنطقة، وأن هذه المحلات تقع وسط منطقة تضم أربعة مساجد وأربع مدارس .
وطلبت المحافظة بيان حكم الشرع فى هذا النوع من المشروبات ( البوظة ) المصنوع من القمح .
وهل هذا النوع من المشروب حرام شربه شرعا أو حلال
An نفيد ك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه النعمان بن بشير ( إن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمر ا ومن التمر خمرا ومن العسل خمرا ) رواه أحمد وأصحاب السنة إلا النسائى وزاد أحمد وأبو داود ( وأنا أنهى عن كل مسكر ) ومناط التحريم فى مثل هذه المشروبات هو الإسكار وعدمه، فإذا كانت مسكرة أو مفترة كانت من الأشياء التى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناولها، وكان حكمها حكم الخمر فى التحريم، ويحرم قليلها كما يحرم كثيرها، لأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( نهى عن كل مسكر ومفتر ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجه وفى رواية ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) فالبوظة وما شابهها من المسكرات حرام، وإن اتخذ الناس لها إسما غير اسم الخمر .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها إياه ) رواه أحمد وابن ماجه .
هذا والقليل فى التحريم كالكثير سواء .
لقوله صلوات الله وسلامه عليه . ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام ) والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا فيبين مما ذكر أن البوظة حرام، لأنها مسكرة وكل مسكر خمر كما ذكرنا وقد صح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أعلم بخطابه كما ذكر ابن القيم فى زاد المعاد أنهم قالوا إن الخمر ما خامر العقل .
وهذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم(7/202)
الجماع فى النفاس
F أحمد هريدى .
5 يولية 1972 م
M 1 - مجامعة الرجل امرأته وهى نفساء محرم شرعا .
2 - جمهور الفقهاء على أنه يستغفر الله ولا شىء عليه من الصدقة أو غيرها
Q من السيد / .
بطلبه المتضمن أنه كان يرقد بالمستشفى لإجراء عملية جراحية فى خصيته، ولما خرج منها وذهب إلى منزله وكانت زوجته قد وضعت ولم تزل نفساء ، ولم يمض على وضعها أكثر من واحد وعشرين يوما .
وتبعا لرغبته الجامحة فقد جامع امرأته وهى ما تزال فى مدة النفاس .
وبعد أن أفاق وجد أنه وقع فى المحرم .
وبدأ ضميره يؤنبه لإتيانه هذه الفعلة الشنعاء .
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى
An يحرم على الرجل أن يجامع امرأته النفساء فى الفرج وما دونه، لأن دم النفاس أذى يجب اعتزال النكاح فى مدته .
فإذا جامع الرجل امرأته وهى نفساء فى مدة النفاس فإنه يكون آثما .
وجمهور الفقهاء على أنه يستغفر الله ولا شىء عليه من الصدقة أو غيرها .
ومن ثم فعلى السائل أن يتوب إلى الله ويستغفره ويندم على ارتكابه هذا الفعل المحرم، ثم لا يعود إلى فعله أبدا والله غفور رحيم يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/203)
حكم أكل لحم الخيل والحمر الأهلية
F أحمد هريدى .
21 أبريل 1976 م
M 1 - الراجح عند أبى حنيفة أنه يحل أكل لحم الخيل مع الكراهة التنزيهية .
2 - يرى الصاحبان أبو يوسف ومحمد الشافعية والحنابلة ورواية عند المالكية الإباحة .
3 - يرى بعض المالكية الكراهة والبعض الآخر الحرمة .
4 - الحمار الأهلى غير مأكول اللحم عند الحنفية والشافعية والحنابلة وللمالكية قولان أحدهما لا يؤكل وهو الراجح والثانى يؤكل مع الكراهة
Q بالطلب المتضمن أنه قد نشأ بين السائل وأحد زملائه حوار حول ظاهرة دينية، تتلخص فى هذا السؤال هل أكل لحم الخيل والحمير حلال أو حرام .
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى فى هذا
An يحل أكل لحم الخيل مع الكراهة التنزيهية عند الإمام أبى حنيفة فى ظاهر الرواية وهو الراجح عند الحنفية .
وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد بإباحة لحم الخيل .
وكذلك قال الشافعية والحنابلة ورواية عن المالكية، كما قال بعض المالكية بالكراهه بعضهم بالحرمة .
فعن جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى لحوم الخيل وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قالت نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن فى المدينة متفق عليهما .
أما الحمار الأهلى فغير مأكول اللحم عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وللمالكية قولان .
أحدهما أنه لا يؤكل وهو الراجح عندهم، والثانى أنه يؤكل مع الكراهة .
فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فانها رجس .
فأكفئت القدور وهى تفور باللحم .
أخرجه البخارى ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/204)
شرب الكينا الحديدية
F محمد خاطر .
جمادى الأولى 1396 هجرية - 4 مايو 1976 م
Mشراب الكينا الحديدية بمختلف أسمائه من الأشربة المحرمة شرعا
Q بالطلب المتضمن أن السائل كان قد مرض ثم شفى من مرضه، إلا أن مرضه سبب له بعد شفائه منه نقصا فى جسمه جعله لا يستطيع مباشرة حقوق زوجته من الناحية الجنسية وقد نصحه صديق له بأن يتناول مشروب الكينا الحديدية فتناوله بكميات قليلة يوميا، وكان نتيجة لهذا أن استطاع مباشرة حقوق الزوجية مع امرأته وتحسنت صحته، ثم أدى فريضة الحج وبعد أن أداها امتنع عن شرب هذا المشروب، لأن أحد العلماء أفتاه بأنه حرام فرجع له عجزه الجنسى .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى شرب الكينا الحديدية
An ثبت من التقرير المؤرخ 18/4/1976 م الذى أرسلته إلينا الإدارة العامة للمعامل المركزية بوزارة الصحة بعد تحليلها لمشروب الكينا بمختلف أسمائه التجارية الواردة بالتقرير أن هذا المشروب يحتوى على مادة الكحول الموجودة فى الخمر المحرمة شرعا بنسبة تتراوح ما بين 25 ، 35 .
2 - وبناء على هذا يكون شراب الكينا المتداول بمختلف أسمائه التجارية قد اشتمل على الكحول الموجود بالخمر المسكرة المحرمة شرعا بالنسب السابق ذكرها والمنصوص عليه شرعا أن ما أسكر كثيرة فقليله حرام أسكر أو لم يسكر .
وفى الحادثة موضوع السؤال يكون شراب الكينا الحديدية المسئول عنها من الأشربة المحرمة شرعا ويحرم تناولها .
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/205)
المخدرات محرمة شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1399 هجرية - 4 مارس 1979 م
M 1 - أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية على تحريم إنتاج المخدرات زوراعتها وتجارتها وترويجها وتعاطيها طبيعية أو مخلقة وعلى تجريم من يقدم على ذلك .
2 - لا ثواب ولا مثوبة لما ينفق من ربحها .
3 - الكسب الحرام مردود على صاحبه يعذب به فى الآخرة وساءت مصيرا .
4 - لا يحل التداوى بالمحرمات إلا عند تعينها دواء وعدم وجود مباح سواها وبقدر الضرورة حتى يزول هذا الإدمان وبإشراف الأطباء المتقنين لمهنتهم .
5 - المجالس التى تعد لتعاطى المخدرات مجالس فسق وإثم والجلوس فيها محرم على كل ذى مروءة .
6 - على الكافة إرشاد الشرطة المختصة لمكافحة تجارة هذه السموم القاتلة والقضاء على أوكارها .
7 - هذا الإرشاد هو ما سماه الرسول الأكرم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
Q بكتاب الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية بالقاهرة المحرر فى 5/2/1979 المطلوب به بيان الحكمم الشرعى فى المسائل الآتية : 1 - تعاطى المخدرات .
2 - إنتاج المخدرات وزراعتها وتهريبها والاتجار فيها والتعامل فيها على أى وجه كان .
3 - من يؤدى الصلاة وهو تحت تأثير المخدر .
4 - الربح الناتج عن التعامل فى المواد المخدرة .
5 - التصدق بالأموال الناتجة عن التعامل فى المواد المخدرة .
6 - تعاطى المخدرات للعلاج .
7 - التواجد فى مكان معد لتعاطى المخدرات وكان يجرى فيها تعاطيها
An إن الشريعة الإسلامية جائت رحمة للناس، اتجهت فى أحكامها إلى إقامة مجتمع فاضل تسوده المحبة والمودة والعدالة والمثل العليا فى الأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع، ومن أجل هذا كانت غايتها الأولى تهذ1يب الفرد وتربيته ليكون مصدر خير للجماعة، فشرعت العبادات سعيا إلى تحقيق هذه الغاية وإلى توثيق العلاقات الاجتماعية، كل ذلك لصالح الأمة وخير المجموع .
والمصلحة التى ابتغاها الإسلام وتضافرت عليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تهدف إلى المحافظة على أمور خمسة يسميها فقهاء الشريعة الإسلامية الضرورات الخمس وهى الدين والنفس والمال والعقل والنسل .
إذ الدين خاصة من خواص الإنسان، ولابد أن يسلم الدين من كل اعتداء، ومن أجل هذا نهى الإسلام عن أن يفتن الناس فى دينهم، واعتبر الفتنة فى الدين أشد من القتل .
قال الله سبحانه { والفتنة أشد من القتل } البقرة 191 ، ومن أجل المحافظة على التدين وحماية الدين فى نفس الإنسان وتحصينها شرعت العبادات كلها، والمحافظة على النفس تقضى حمايتها من كل اعتداء بالقتل أو بتر الأطفال أو الجروح الجسمية، والحفاظ عليها من إهدار كرامتها بالامتهان كالقذف وغير هذا مما يمس كرامة الإنسان وصون ذاته عما يودى بها من المهلكات سواء من قبل ذات الفرد كتعريض نفسه للدمار بالمهلكات المادة والمعنوية أو من قبل الغير التعدى، والمحافظة كذلك على العقل من الضرورات التى حرص الإسلام على تأكيدها فى تشريعه، وحفظ العقل من أن تناله آفة تجعل فاقده مصدر شر وأذى للناس وعبئا على المجتمع، ومن أجل هذا حرم الإسلام وعاقب من يشرب الخمور وغيرها مما يتلف العقل ويخرج الإنسان على إنسانيته .
وكما قال الإمام الغزالى ( المستصفى للغزالى ج - 1 ص 288 ) (إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الحق وصلاح الخلق فى تحصيل مقاصدهم لكنا نعنى بالمصحلة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة) .
ولقد حرص الإسلام على حماية نفس الإنسان وقدمها على أداء الصلاة المكتوبة فى وقتها، بل وعلى صوم يوم رمضان، ومن أمثلة هذا ما أورده العز بن عبد السلام تقرير التقديم واجب على واجب لتفاوت المصلحة فيهما قوله ( قواعد الأحكام على مصالح الآنام ج - 2 ص 63 ) ( تقديم إنقاذ الغرقى على أداء الصوات ثابت، لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل، والجمع بين المصلحتين ممكن، بأن ينقذ الغريق ثم يقضى، ومعلوم أن ما فاته من أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك، وكذلك لو رأى فى رمضان غريقا لا يمكن تخليصه إلا بالفطر فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضا من باب الجمع بين المصالح، لأن فى النفوس حقا لله وحقا لصاحب النفس، فقدم ذلك على أداء الصوم دون أصله أى دون أصل الصيام لأنه يمكن القضاء .
وإذا كان من الضروريات التى حرص الإسلام على المحافظة عليها حفظ النفس وحفظ العقل، فإنه فى سبيل هذا حرم الموبقات والمهلكات المذهبات للعقل والمفسدات له، فإن أحدا من النسا لا يشك فى أن سعادة الإنسان رهينة بحفظ عقله، لأن العقل كالروح من الجسد، به يعرف الخير من الشر والضار من النافع، وبه رفع الله الإنسان ففضله وكرمه على كثير من خلقه وجعله بن مسئولا عن عمله، ولما كان العقل بهذه المثابة فقد حرم الله كل ما يوبقه إو يذهبه حرمة قطعية، ومن أجل هذا حرم تعاطى ما يودى بالنفس وابعلقل من مطعوم أو مشروب، ومن هذا القبيل ما جاء فى شأن أم الموبقات والخبائث الخمر فقد ثبتت حرمتها بالكتاب والسنة والإجماع، ففى القرآن الكريم قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة 90 ، 91 ، أفادت هاتان الآيتان أن الخمر سنو للشرك بالله ، وأنها رجس والرجس لم يستعمل فى القرآن إلا عنوانا على ما اشتد قبحه وأنها من عمل الشيطان - وهذا كناية عن بلوغها غاية القبح ونهاية الشر .
وأمرنا باجتنابها بمعنى البعد عنها، بحيث لا يقربها المسلم فضلا عن أن يلمسها أو يتصل بها بل فضلا عن أن يتناولها، وسجلت الآية الأخيرة آثار الخمر السيئة فى علاقة الناس بعضهم مع بعض، إذ يؤدى إلى قطع الصلات وإلى انتهاك الحرمات وسفك الدماء ، وبعد هذا الضرر الاجتماعى والضرر الروحى إذ تنقطع بها صلة الإنسان بربه، وتنزع من نفسه تذكر عظمة الله عن طريق مراقبته بالصلاة الخاشعة، مما يورث قسوة فى القلب ودنسا فى النفس، وجرت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك مبينة هذا التحريم، ومن هذا قوله ( أخرجه مسلم - من شرح سبل السلام على متن بلوغ المرام 47 ج - 4 ) (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) .
تعاطى المخدرات ومدلول لفظ الخمر فى اللغة العربية والشريعة الإسلامية كل ما خامر العمل وحجبه .
كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى الحديث المتفق عليه ( المرجع السابق ) ، دون نظر إلى المادة التى تتخذ منها إذ الأحاديث الشريفة الصحيحة الواردة فى الخمر ناطقة بهذا المعنى ( ج - 8 ص 172 نيل الأوطار الشوكانى ) (كل مسكر حرام) وهكذا فهم أصحاب الرسول رضوان الله عليهم، وقال عمر هذه المقالة المبينة للمقصود بهذا اللفظ فى محضر كبار الصحابة دون نكير من أحد منهم، ومن ثم فإن الإسلام حين حرم الخمر وقرر عقوبة شاربها لم ينظر إلى أنها سائل يشرب من مادة معينة، وإنما نظر إلى الأثر الذى تحدثه فيمن شربها من زوال العقل الذى يؤدى إلى إفساد إنسانية الشارب وسلبه منحة التكريم التى كرمه الله بها، بل ويفسد ما بين الشارب ومجتمعه من صلات المحبة والصفاء، وقد كشف العلم الحديث عن أضرار جسمية أخرى يحدثها شرب هذه المفسدات، حيث يقضى على حيوية أعضاء هامة فى الجسم كالمعدة والكبد .
هذا عدا الأضرار الاقتصادية التى تذهب بالأموال سفها وتبذيرا فيما يضر ولا ينفع .
هذا فوق امتهان من يشرب الخمر بذهاب الحشمة والوقار واحترام الأهل والأصدقاء، هذه الأضرار الجسمية والأدبية والاقتصادية التى ظهرت للخمر وعرفها الناس هى مناط تحريمها .
وإذا كانت الشريعة إنما أقامت تحريمها للخمر على دفع المضار وحفظ المصالح فإنها تحرم كل مادة من شأنها أن تحدث هذه الأضرار أو أشد، سواء كانت مشروبا سائلا أو جامدا مأكولا أو مسحوقا أو مشموما .
ومن هنا لزم ثبوت حكم تحريم الخمر لكل مادة ظهرت أو تظهر تعمل عملها، يدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من حديث ابن عمر الذى رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجة من كتاب نيل الأوطار للامام الشوكانى ص 172 ج - 8 ) (كل مسكر حرام) إذ لم يقصد الرسول بهذا إلا أن يقرر الحكم الشرعى وهو أن كل ما يفعل بالإنسان فعل الخمر يأخذ حكمها فى التحريم والتجريم .
وإذا كانت المخدرات كالحشيش والأفيون والكوكايين وغيرها من المواد الطبيعية المخدرة، وكذلك المواد المخلقة المخدرة تحدث آثار الخمر فى الجسم والعقل بل أشد، فإنها تكون محرمة بحرفية النصوص المحرمة للخمر وبروحها وبمعناها، والتى استمدت منها القاعدة الشريعة التى تعتبر من أهم القواعد التشريعية فى الإسلام، وهى دفع المضار وسد ذرائع الفساد .
ومع هذا فقد أخرج الإمام أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه ( سنن أبى داود ص 130 ج - 2 ) عن أم سلمة رضى الله عنها قالت (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) والمفتر كما قال العلماء كل ما يورث الفتور والخور فى أعضاء الجسم ن وقد نقل اعلماء إجماع فقهاء المذاهب على حرمة تعاطى الحشيش وأمثاله من المخدرات الطبيعية والمخلقة، لنها جميعا تودى بالعقل وتفسده وتضر بالجسم والمال، وتحط من قدر متعاطيها فى المجتمع قال ابن تيمية رحمه الله فى بيان حكم الخمر والمخدرات ( فتاوى ابن تيمية ج - 4 ص 257 وكتاب السياسة الشرعية له ص 131 ) ( والأحاديث فى هذا الباب كثيرة ومستفيضة جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل وأسكر ولم يفرق بين نوع ونوع ولا تأثير لكونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد يصطبغ بها (أى يؤتدم) وهذه الحشيشة قد تداف (أى تذاب) فى الماء وتشرب وكل ذلك حرام، وةإنما لم يتكلم المتقمون فى خصوصها لأنه إنما حدث أكلها من قريب فى أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك، كما أنه قد حدثت أشربة مسكرة بعد النبى صلى الله عليه وسلم وكلها داخلة فى الكلم الجوامع من الكتاب والسنة) وإذا كان ما أسكر كثيره فقليله حرام، كذلك فإنه يحرم مطلقا بإجماع فقهاء المذاهب الإسلامية ما يفتر ويخدر من الأشياء الضارة بالعقل أو غيره من أعضاء الجسد، وهذا التحريم شامل كل أنواع المخدرات مادام تأثيراها على هذا الوجه القليل منها والكثير .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب حد متعاطى المخدرات كشارب الخمر تماما، لأنها تفعل فعلها بل وأكثر منها، بل قال ابن تيمية ( فتاوى ابن تيمية ص 257 المجلد الرابع ) (إن فيها (المخدرات) من المفاسد ما ليس فى الخمر، فهى أولى بالتحريم، ومن استحلها وزعم أنها حلال فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدا، لا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين) .
وتخلص مما تقدم أن المخدرات بكافة أنواعها وأسمائها طبيعة أو مخلقة مسكرة، وأن كل مسكر من أى مادة حرام، وهذا الحكم مستفاد نصا من القرآن الكريم ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما تقدم بيانه وبذلك يحرم تعاطيها بأى وجه من ومجوه التعاطى من أكل أو شرب أو شم أو حقن لأنها مفسدة، ودرء المفاسد من المقاصد الضروروية للشريعة حماية للعقل والنفس، ولأن الشرع الإسلامى اعتنى بالمنهيات .
وفى هذا يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( الأشباه والنظار لابن نجيم المصرى الحنفى فى القاعدة الخامسة ) (إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه) وفى حديث آخر يقول ( الأشباه والنظار لابن نجيم المصرى الحنفى فى القاعدة الخامسة ) ( لترك ذرة مما نهى الله عنه أفضل من عبادة الثقلين ) ومن هنا قال الفقهاء إن يجوز ترك الواجب دفعا للمشقة، ولا تسامع فى الإقدام على المنهيات خصوصا الكبائر إلا عند الاضطرار على ما يأتى بيانه .
إنتاج المخدرات وزراعتها وتهريبها والاتجار فيها والتعامل فيها على أى وجه كان ثبت مما تقدم أن المخدرات بكافة أنواعها وأسمائها محرمة قطعا بدخولهاد فى اسم الخمر والمسكر .
فهل إنتاجها بكافة وسائله والاتجار فيها وتهريبها والتعامل فيها كذلك يكون محرما يتضح حكم هذا إذا علمنا أن الشريعة الإسلامية إذا حرمت شيئا على المسلم حرمت عليه فعل الوسائل المفضية إليه، وهذه القاعدة مستفادة من نصوص القرآن الكريم والسنة والنبوية الشريفة، ففى القرآن تحريم الميتة والدم والخمر والخنزير، وفى بيع هذه المحرمات يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه الجماعة عن جابر رضى الله عنه ( نيل الأوطار للشوكانى ج - 5 ص 141 وسبل السلام للصنعانى ج - 2 ص 316 ) (إن الله حرم بيع الخمر والميته والخنزير والأصنام) وحين حرم الله الزنا حرم دواعيه من النظر واللمس والخلوة بالمرأة الأجنبية فى مكان خاص لأن كل هذا وسيلة إلى الوقوع فى المحرم، وهو المخالطة غير المشروعة وفى آيات سورة النور الخاصة بالاستئذان قبل دخول بيوت الغير، والمر للرجال وللنساء بغض البصر عن النظر لغير المحارم، وإخفاء زينة النساء وستر أجسدهن، كل ذلك بعدا بالمسلمين عن الوقوع فيما لا يحل وحماية لحرمة المنازل والمساكن .
ومن هنا تكون تلك النصوص دليلا صحيحا مستقيما على أن تحريم الإسلام لأمر تحريم لجميع وسائله .
ومع هذا فقد أفصح الرسول عن هذا الحكم فى الحديث الذى رواه أبو داود فى سننه كما رواه غيره عن ابن عباس رضى الله عنه (إن من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد يقحم فى النار) وقوله صلى الله عليه وسلم المروى عن أربعة من أصحابه منهم ابن عمر ( رواه أبو داود فى سننه ج - 2 ص 128 فى كتاب الأشربة وابن ماجة فى سننه ) ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه ) صريح كذلك فى تحريم كل وسيلة مفضية إلى شرب الخمر .
ومن هنا تكون كل الوسائل المؤدية إلى ترويج المخدرات محرمة سواء كانت زراعة أو إنتاجا أو تهريبا أو اتجارا .
فالتعامل فيها على أى وجه مندرج قطعا فى المحرمات باعتباره وسيلة إلى المحرم ، بل إن الحديثين الشريفين سالفى الذكر نصان قاطعان فى تحريم هذه الوسائل المؤدية إلى إشاعة هذا المنكر بين الناس، باعتبار أن اسم الخمر بالمعنى السالف (ما خامر العقل كما فسرها سيدنا عمر بن الخطاب) شامل للمخدرات بكافة أسمائها وأنواعها، ولأن فى هذه الوسائل إعانة على المعصية، والله سبحانه نهى عن التعاون فى المعاصى كقاعدة عامة فى قوله سبحانه { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة 2 ، وفى إنتاج المخدرات والاتجار فيها وتهريبها وزراعة أشجارها إعانة على تعاطيها، والرضا بالمعاصى معصية محرمة شرعا قطعا، سيما وأن هذه الوسائل مؤداها ومقصودها تهيئة هذه السموم المخدرة للتداول والانتشار بين الناس، فهى حرام حرمة ذات المخدرات، لأن الأمور بمقاصدها .
من يؤدى الصلاة وهو تحت تأثير المخدر وصف ابن تيمية المخدرات وأثرها فى متعاطيها فقال ( السياسة الشرعية لابن تيمية ص 128 فى حد الشرب ) (وهى أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير فى الرجل تخنث ودياثة الديوث الذى لا يغار على أهله وغير ذلك من الفساد) ولامراء فى أن المخدرات تورث الفتور والخدر فى الأطراف .
وقد قال ( ص 232 ج - 4 فى باب الأشربة والمخدرات ) ابن حجر المكى فى فتاويه فى شرح حديث أم سلمة السالف (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) فيه دليل على تحريم الحشيشس بخصوصه، فإنها تسكر وتخدر وتفتر، ولذلك يكثر النوم لمتعاطيها، ومن أجل تأثير المخدرات وإصابتها عقل متعاطيها بالفتور والخدر فإنه لا يحسن المحافظة على وصوئه، فتنفلت بطنه دون أن يدرى أو يتذكر، ولهذا أجمع فقهاء المذاهب على أن من نواقض الوضوء أن يغيب عقل المتوضىء بجنون أو صرع إو إغماء، وبتعاطى ما يستتبع غيبة العقل من خمر أو حشيش أو أفيون أو غير هذا من المخدرات المغيبات، ومتى كان الشخص مخدرا بتعاطى أى نوع من المخدرات غاب عقله وانعدم تحكمه وسيطرته على أعضاء جسمه وفقد ذاركته، فلم يعد يدرى شيئا وانتقض وضوؤه وبطلت صلاته وهو بهذه الحال، ولا فرق فى هذا بين خدر وسكر بخمر سائل أو شموم أو مأكول ذإن كل ذلك خمر ومسكر، ولقد أمر الله سبحانه المسلمين بألا يقربوا الصلاة حال سكرهم فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } النساء 43 ، وهذا غاية النهى عن قربان الصلاة فى حال السكر حتى يزول أثره وهو دليل قاطع على بطلان صلاة السركان بمسكر أو بمقتر، لأنه فى كل أحوال انتقض وضوؤه وانتقص عقله، أو زال بعد إذ فترت أطرافه وتراخت أعضاؤه، واختلط على السكران أو المتعاطى للمخدر ما يقول وما يقرأ من القرآن الكريم .
ولذا قال الله فى نهيه عن الصلاة حال السكر (حتى تعلموا ما تقولون) أى رزوال حال السكر والفتور والخدر .
الربح الناتج عن التعامل فى المواد المخدرة من الأصول الرعية فى تحريم بعض الأموال قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } النساء 29 ، أى لا يحل لأحدكم أخذ وتناول مال غيره بوجه باطل، كما لا يحل كسب المال من طريق باطل أى محرم .
وأخذ المال أو كسبه بالباطل على وجهين الأول أخذه على وجه غير مشروع كالسرقة والغصب والخيانة، والآخر أخذه وكسبه بطرق حضرها الشرع كالقمار أو العقود المحرمة كما فى الربا، وبيع ما حرم الله الانتفاع به كالميتة والدم والخمر المتناولة للمخدرات بوصفها العنوانى على ما سلف بيانه فإن هذا كله حرام .
وترتيبا على هذا يكون الرحب والكسب من أى عمل محرم حرام .
وبهذا جاءت الأحاديث الكثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، منها قوله ( إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الميت وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه) .
( رواه أبو داود فى سننه فى باب الأشربة ج - 2 ) وفى هذا أيضا قال العلامة ابن القيم ( زاد المعاد لابن القيم ج - 4 ص 474 ) ( قال جمهور الفقهاء إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه، بخلاف ما إذا بيع يأكله، وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلما حرم أكل ثمنه، وإذا بيع لمن يغزو فى سبيل الله فثمنه من الطيبات) وإذا كانت الأعيان التى يحل الانتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها فى معصية الله .
رأى جمهور الفقهاء - وهو الحق - تخريم ثمنها، بدلالة ما ذكرنا من الأدلة وغيرها، وعليه كان ثمن العين التى لا يحل الانتفاع بها كالمخدرات حراما من باب أولى .
وبهذه النصوص نقطع بأن الاتجار فى المخدرات محرم وبيعها محرم وثمنها حرام وربحها حرام، لا يحل للمسلم تناوله، يدل لذلك قطعا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزلت آية تحريم الخمر { إنما الخمر والميسر } المائدة 90 ، أمر أصحابه بإراقة ما عندهم من خمور ومنعهم من بيعها حتى لغير المسلمين بل إن أحد أصحابه قال إن عندى خمرا لأيتام فقال له صلى الله عليه وسلم بيع أقرها فلو جاز بيعها أو حل الانتفاع بثمنها لأجاز لهذا الصحابى بيع الخمر التى يملكها الأيتام لإنفاق ثمنها عليهم .
التصدق الأموال الناتجة عن التعامل فى المواد المخدرة فى القرآن الكريم قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } البقرة 267 ، وفى الحديث الشريف الذى رواه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلمين فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } المؤمنون 51 ، وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } البقرة 172 ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى المساء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذاى بالحرام فأنى يستجبا له) وفى الحديث الذى رواه الإمام أحمد فى مسنده عن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذى نفسى بيده لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده فى النار، إن الله لا يمحو السيىء بالسيىء، ولكن يمحو السيىء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث) وفى الحديث المروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كسب مالا حرامات فتصدق به لم يكن له أ جره، وكان أجره (يعنى إثمه وعقوبته) عليه وفى حديث آخر أنه قال (من أصاب مالا من مأثم فوصل بقه رحمه أو تصدق به أو أنفقه فى سبيل الله جمع ذلك جمعا ثم قذف به فى نار جهنم) والحديث الذى رواه الطبرانى فى الأوسط عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا خرج الحاج حاجة بنفقة طيبة ووضع رجله فى الغرز (ركاب فى الجلد) فنادى لبيك اللهم لبيك نادى مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة (أى المال الحرام) فوضع رجله فى الغرز، فنادى لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام وحجك مأزور غير مبرور) .
فهذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة قاطعة فى أنه لقبول الأعمال الصالحة عند الله من صدقة وحج وعمره وبناء المساجد وغير بهذا من أنواع القربات لابد وأن يكون ما ينفق فيها حلالا خالصا لا شبهة فيه، وإذ كانت الأدلة المتقدمة قد أثبتت أن ثمن المحرمات وكسوبها حرام فلا يحل أكلها ولا التصدق بها ولا الحج منها ولا إنفاقها فى أى نوع من أنواع البر، لأنه الله طيب لا يقبل إلا الطيب، بمعنى أن منفق المال الحرام فى أى وجه من وجوه البر لا ثواب له فيما أنفق، لأن الثواب جزاء القبول عند الله، والقبول مشروط بأن يكون المال طيبا كما جاء فى تلك النصوص .
تعاطى المخدرات للعلاج الإسلام حرم مطعومات ومشروبات صونا لنفس الإنسان وعقله ورفع هذا التحريم فى حالة الضرورة فقال (1) { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة 173 ، وقال { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } الأنعام 145 ، وقال { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } الأنعام 119 ، ولقد استنبط الفقهاء من هذه الآيات ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الضرورات تبيح المحظورات، ومن ثم أجازوا أكل الميتة عند المخمصة وإساغة اللقمة بالخمر والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه عليها قال تعالى { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } النحل 106 ، وقالوا أيضا إن الضرورة تقدر بقدرها وما جاز لعذر بطل بزواله والضرر لا يزال بضرر .
وقد اختلف الفقهاء فى جواز التداوى بالمحرم، والصحيح من آرائهم هو ما يلتقى مع قول الله فى الآيات البينات السالفات، بملاحظة أن إباحة المحرم للضرورة مقصورة على القدر الذى يزول به الضرر وتعود به الصحة ويتم به العلاج، وللتثبت من توافر هذه الضوابط اشترط الفقهاء الذين اباحوا التداوى بالمرحم شرطين .
أحدهما أن يتعين التداوى بالمحرم بمعرفة طبيب مسلم خبير بمهنة الطب معروف بالصدق والأمانة والتدين، والآخر ألا يوجد دواء من غير المحرم ليكون، وألا يتجاوز به قدر الضرورة .
وقد أفتى ابن حجر المكى الشفاعى ( نقل هذا ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار ج - 5 ص 456 فى آخر كتاب الحظر والاباحة ) حين سئل عمن ابتلى يأكل الأفيون والحشيش ونحوهما وصار حاله بحيث إذا لم يتناوله هلك .
أفتى بأنه إذا علم أنه يهلك فطعا حل له بل وجب لاضطراره لإبقاء روحه كالميتة للمضطر، ويجب عليه التدرج فى تقليل الكمية التى يتناولها شيئا فشيئا حتى يزول اعتياده وهذا - كما تقدم - إذا ثبت بقول الأطباء الثقات دينا ومهنة أن معتاد تعاطى المخدرات يهلك بترك تعاطيها فجأة وكلية .
وترتيبا على هذا فإذا ثبت أن ضررا ماحقا محققا وقوعه بتعاطى المخدرات سواء كانت طبيعية أو مخلقة إذا انقطع فجأة عن تعاطيها جاز مداواته بإشراف طبيب ثقة متدين حتى يتخلص من اعتياده عليها كما أشار العلامة ابن حجر فى فتواه المشار إليها ، لأن ذلك ضرورة ولا إثم فى الضرورات متى روعيت شروطها المنوه بها، إعمالا لنصوص القرآن الكريم فى آيات الاضطرار سالفة الإشارة .
هذا وإنه مع التقدم العلمى فى كيمياء الدواء لم تعد حاجة ملحة للتداوى بالمواد المخدرة المحرمة شرعا لوجود البديل الكيمائى المباح .
التواجد فى مكان عد لتعاطى المخدرات وكان يجرى فيه تعاطيها كرم الله الإنسان ونأى به عن مواطن الريب والمهانة، وامتدح عباده الذين تجنبوا مجالس اللهو واللغو فقال سبحانه { والذين هم عن اللغو معرضون } المؤمنون 3 ، وقال { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما } الفرقان 72 ، وقال { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } القصص 55 ، وفى الحديث عن الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه (استماع الملاهى معصية والجلوس عليها فسق( وروى أبو داود فى سننه عن ابن عمر رضى الله عنه قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ) والمستفاد من هذه النصوص أنه يحرم مجالسة مقترفى المعاصى أيا كان نوعها، لأن فى مجالستهم إهدار لحرمات الله، ولأن من يجلس مع العصاة الذين يرتكبون المنكرات يتخلق بأخلاقهم السيئة، ويعتاد ما يفعلون من مآثم كشرب المسكرات والمخدرات كما يجرى على لسانه ما يتناقلونه من ساقط القول، ومن أجل البعد بالمسلم عن الدنايا وعن ارتكاب الخطايا كان إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين فى اختيار المجالس والجليس فى قوله ( من كتاب الترغيب والترهيب ص 49 و 50 ج - 4 ) (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ( يحذيك يعنى يعطيك ) وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكيير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة) رواه البخارى ومسلم .
فالجليس الصالح يهديك ويرشدك ويدلك على الخير وترى منه المحامد والمحاسن وكله منافع وثمرات .
أما الجليس الشرير فقد شبهه الرسول صلوات الله وسلامه عليه بنافخ الكير يضر ويؤذى ويعدى بالأخلاق الرديئة ويجلب السيرة المذمومة ، وهو باعث الفساد والإضلال ومحرك كل فتنة وموقد نار العداوة والخصام .
وفى هذا الحديث الشريف دعوة إلى مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم، وفيه النهى عن مجالسة أهل الشر والبدع والفجر الذين يجاهرون بارتكاب المنكرات وشرب المسكرات والمخدرات، لأن القرين ينسب إلى قرينه وجليسه ويرتفع به وينحدر وتهبط كرامته بدناءة .
من يجالسهم، ولقد تحدث القرآن الكريم عن قرناء السوء وحذر منهم ومن مجالستهم وأخبر أنهم سوء وندامة فى الدنيا والآخرة قال تعالى { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } النساء 38 ، وإذا كان الجليس يقتدى ويهتدى بجليسه وبمجلسه فإن فى جلوس الإنسان النقى البعيد عن المآثم والشبهات فى مجالس الإفك والشرب وتعاطى المخدرات يؤذيه ويرديه فى الدنيا بالمهانة وانتزاع المهابة عند عارفيه من أقارب وأصدقاء، لأن المخدرات كما نقل العلامة ابن حجر المكى ( ج - 4 ص 234 ) فى فتاواه الكبرى فيها مضار دينية ودنيوية، فهى تورث الفكرة وتعرض البدن لحدوث الأمراض وتورث النسيان وتصدع الرأس وتورث موت الفجاءة واختلال العقل وفساده والسل والاستسقاء وفساد الفكر وإفشاء السر وذهاب الحياء وكثرة المراء وانعدام المروءة وكشف العورة وعدم الغيرة وإتلاف الكسب ومجالسة إبليس وترك الصلاة والوقوع فى المحرمات واحتراق الدم وصفرة الأسنان وثقب الكبد وغشاء العين والكسل والفشل وتعيد العزيز ذليلا والصحيح عليلا إن أكل لا يشبع وإن أعطى لا يقنع .
ومن هنا كان على الإنسان أن ينأى عن مجالس الشرب المحرم خمرا سائلا أو مخدرات مطعومة أو مشروبة أو مشمومة، فإنها مجالس الفسق والفساد وإضاعة الصحة والمال، وعاقبتها الندم فى الدنيا والآخر قال تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } الزخرف 36 ، بل إن مصاحبة هؤلاء المارقين على الدين الذين يتعاطون هذه المهلكات إثم كبير لأن الله قد غضب عليهم وعلى مجالسهم وفى هذا يقول سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم } الممتحنة 13 ، وفى مصاحبة هؤلاء ومجالستهم معاداة المولى سبحانه وتحد لأوامره، فقد نهى عن مودة العصاة { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } المجادلة 22 ، وهؤلاء قد استغرقوا فى مجالسهم المحرمة المليئة بالآثام، فالجلوس معهم مشاركة فيما يرتكبون، ومودة معهم مع أنهم غير جديرين بهذه المودة لعصيانهم أوامر الله ورسوله واستباحتهم ما حرم الله ورسوله، أولئك حزب الشيطان من جلس معهم فقد رضى بمنكرهم وأقر فعلهم، والمؤمن الحق مأمور بإزالة الباطل متى استطاع وبالوسيلة المشروعة، فإن لم يستطع فعليه بالابتعاد عن مجالس المنكرات ففى الحديث الشريف فى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال ( التغريب والترهيب للمنذرى ج - 3 ص 223 ) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .
ففى الحديث النبوى دعوة إلى مكافحة المنكرات ومنها هذه السموم (المخدرات) بعد أن بان ضررها وشاع سوء آثارها وكانت عاقبة أمرها خسرا للإنسان وللمال بل وفى المآل، فمن كان له سلطة إزالة هذه المخذرات والقضاء على أوكارها وتجارها كان لزاما عليه بتكليف من الله ورسوله أن يجد ويجتهد فى مطاردة هذه الآفة، ومن لم يكن من أصحاب السلطة فإن عليه واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فيبين للناس آثارها المدمرة لنفس الإنسان وماله، ومن الأمر بالمعروف إبلاغ السلطات بأوكار تجارها ومتعاطيها، فالتستر فى الجريمة إثم وجريمة فى حق الأمة وإشاعة للفحشاء فيها، وجميع الأفراد مطالبون بالمر بالمعروف وبالإرشاد عن مرتكبى هذه المنكرات ومروجى المخدرات، إذا هى النصيحة التى أمر بها الرسول صلوات الله وسلامه عليه فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن تميم الدارى ( الترغيب والترهيب للمنذرى ج - 3 ص 228 ) ( الدين النصيحة قاله له ثلاثا قال قلنا لمن يا رسول الله .
قال الله ولروسوله ولأئمة المسملين وعامتهم ) وفى الحديث ( المرجع السابق ص 229 ) الذى رواه النسائى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب) .
والنصيحة لأئمة المسلمين أى للحكام بالإرشاد ومعاونتهم على منع المنكرات والآثام، لأنهم القادورن على تغييرها بالقوة، فلا تأخذها رحمة فى دين الله، إذ التستر على هذه الآثار إعانة لمروجيها على الاستمرار فى هذه المهمة الخبيثة .
وبعد فقد أوضحنا فيما تقدم إجماع فقهاء المذاهب الإسلامية على تحريم إنتاج المخدرات وزراعتها وتجارتها وترويجها وتعاطيها طبيعية أومخلقة، وعلى تجريم أى إنسان يقدم على شىء من ذلك بنصوص صريحة فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وأنه لا ثواب ولا مثوبة لما ينفق من ربحها فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
أما الكسب الحرام فإنه مردود على صاحبه، ويعذب به الآخرة وساءت موصيرا .
وبينا حكم مداواة المدنين بإشراف الأطباء المتقينين لمهنتهم وبقدر الضرورة حتى يزول هذا الإدمان، وأنه لا يحل التداوى بالمحرمات إلا عند تعينها دزاء وعدم وجود دواء مباح سواها، كما أوضحنا أن المجالس التى تعد لتعاطى هذه المخدرات مجالس فسق إثم، الجلوس فيها محرم على كل ذى مروءة يحافظ على سمعته وكرامته بين الناس وعند الله، وأن على الكافة إرشاد الشرطة المختصة لمكافحة تجارة هذه السموم القاتلة، والقضاء على أوكارها وأن هذا الإرشاد هو ما سماه الرسول الأكرم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وبعد فإن الله الذى حرم هذه الموبقات المخدرات المهلكات للأنفس والأموال حرم أم الخبائث (الخمر) وقد آن لنا أن نخشع لذكر الله تعالى وما أنزل فى قرآنه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال سبحانه { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة 90 ، آن لنا أن تجعل هذا الحكم نافذا فى مجتمعنا حماية لأولادنا ونسائنا أولا وأخيرا طاعة لربنا، وفق الله الجميع للتمسك بدينه والعمل بشريعته وهو حسبنا ونعم الوكيل { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } الأنفال 24 ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب(7/206)
رسم الانسان عاريا موديل
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1399 هجرية - 24 مارس 1979 م
M 1 - لا يحل شرعا تجريد الأنثى من ثيابها ولا تجريد الذكر مما يستر ما بين سرته وركبته إلا لضرورة وليس من الضرورة ما يسمى (الموديل العارى) للذكر والأنثى .
2 - للرسام أن يلجأ إلى الطبيعة ففيها من الجمال ما لا يقارن به بدن الإنسان عاريا
Q من اتحاد طلاب كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية جامعة حلوان بكتابه المؤرخ 4/2/1979 الافادة عن الحكم الشرعى فى الموديل العارى الذى تستخدمه كليات الفنون الجميلة، وهو رسم أو عمل تمثال للشخص العارى - سواء كان ذلك الموديل رجلا متخليا أو امرإة متخلية عن كل ما يستر العورة أو نصف عارى - بحجة دراسة للنسب الإنسانية أو الإحساس ببروزاته، وهل يباح اتخاذ هذا الموديل الإنسانى العارى لهذا الغرض أو يحرم
An إن الله سبحانه كرم الإنسان بنوعيه الذكر والأنثى وصانه عن التبذل والمهانة فقال سبحانه فى سورة الأعراف { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الأعراف 31 ، وفى سورة الأحزاب { يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } الأحزاب 59 ، وفى سورة النور { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون .
وقل للمؤمنات يغضض من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهم أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } النور 30 ، 31 ، وقد جرت السنة الشريفة مبينة أنه لا يحل للرجل المسلم أن يتجرد من ثيابه حتى تظهر عورته وهى ما بين السرة والركبة من جسده، وا،ه لا يحل للأنثى متى بلغت شرعا بالمحيض أو السن أن تتجرد من ثيابها إلا أمام زوجها، بل إنه لا يحل لمحارمها كالأب والابن والأخ أن يطلع على ما بين سرتها وركبتها، وإنما هذا لزوجها فقط على ما تدل عليه صراحة بهذه الآيات الكريمة .
وما رواه أبو داود عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إله وجهه وكفيه ومن أجل هذا أجمع جمهور الفقهاء على أن جميع بدن الأنثى لا يحل كشفه ونظر الغير إليه فيما عدا الوجه والكفين .
ووقع الخلاف فى القدمين، هل هما مما لا يحل كشفه أو مما يجوز .
فذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى أن جميع بدن الأنثى لا يحل لها كشفه لغير من ذكروا فى الآية الأخيرة، ذلك حكم الله أنزله فى كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم وابتاعا لأمر الله لا يحل للأنثى أن تتجرد من ثيابها كليا أو جزئيا، ولا يحل للذكر أن يتجرد من ثيابه حتى تبدو سوءته ما بين سرته وركبته إلا لضرورة كالعلاج بمعرفة طبيب مثلا، أما فى غير ضورة فى يحل شىء من هذا .
وليس من الضرورات هذا الموديل العارى للأنثى والذكر، إذ لا ضرورة فيه، واللرسام أن يلجأ إلى رسم الأزهار والأشجار وغيرها مما أباح الله لعباده ، وفيها من الجمال ما لا يقارن به بدن الإنسان عاريا، بل إن الله قد امتن على آدم وحواء بستر جسديهما حيث خلقها، وحذرهما من الأكل من الشجرة وعابتهما على مخالفته وأكلهما منها حتى بدت سوآتهما .
ولعل فى لفظ السوءة ما يشعر بقبح النظر إلى ما أوجب الله ستره عن الأنظار .
لما كان ذلك فإنه لا يحل شرعا تجريد الأنثى من ثيابها ولا تجريد الذكر مما يستر ما بين سرته وركبته إلا لضرورة العلاج والتداوى فقط .
وإنه لحق على أولياء المور ونحن نبنى بدلنا على الخلق القويم فى نطاق العلم والإيمان أن نرقى الذوق ونبرز عظمة خلق الله فيما أباحه الله لا فيما حرمه، وليذكر الجميع قول رسول الله صلى اله عليه وسلم فيما رواه النسائى وابن حبان فى الصحيح عن أنس أنه قال (إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/207)
خطف الأطفال والاناث محرم شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الآخرة 1399 هجرية - 14 مايو 1979 م
M 1 - من مقاصد التشريع الإسلامى ما سماه الفقهاء بالضروريات الخمس حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل .
وقد شرعت العقوبات لحفظها .
2 - العقوبات فى الحدود مقدرة بالشرع أما عقوبات التعازير فمتروكة للامام وقد تصل إلى القتل سياسة متى رأى الإمام ذلك
Q بالكتاب المؤرخ 14/4/1979 عما إذا كان أحكام الشريعة لإسلامية تجيز فرض عقوبة الإعدام على جرائم خطف الأطفال وخطف الإناث للاعتداء على عرضهن
An إن من مقاصد التشريع الإسلامى ما سماه الفقهاء بالضروريات الخمس وقد جرت عبارتهم بأنها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ العقل - وقالوا إنه بالاستقراء وجد أن هذه الضروريات الخمس مراعاة فى كل ملة .
وفى سبيل حفظ هذه الضروريات شرعت العقوبات وهى كما جاءت فى استنباط الفقهاء من مصادر الشريعة تتنوع إلى ما يأتى : أولا - الحدود والحد هو العقوبة المقدرة بنص الشارع، وهى حق الله تعالى لا تقبل العفو عنها - والمقصود من عقوبات الحدود المصلحة العامة للمجتمع .
ثانيا - جرائم الجناية على النفس وما دون النفس وما يتبعها من الدية والأرش .
ثالثا - جرائم العازير وهى التى جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة منها مكتفية بتقرير أنواع من العقوبات لهذه الجرائم، وقد تبلغ أقصى عقوبة الحدود وهى القتل .
فمعيار العقوبة فى جرائم العزيز مرن غير ثابت عكس الحدود فإنها ثابته .
وإذا كانت الجرائم المسئول عنها لا تدخل فى نطاق الحدود بمعناها الشرعى، كما لا تندرج تحت عقوبات الاعتداء على النفس ومادون النفس فهل تدخل فى نطاق التعزير وإذا انطوت تحت هذا العنوان فما عقوبتها التى يشير إليها فقه الشريعة من المناسب قبل الإجابة على هذا النظر فى أقوال فقهاء المذاهب فى أمثال هذه الجرائم .
يقرر فقهاء الحنفية عقوبة القتل سياسة فى الجرائم التى تمس أمن المجتمع وتهدد مصالح النسا، سيما إذا وقعت من معتاد الإجرام فقالوا إن السارق إذا تكرر منه فعل السرقة قتل سياسة - والجاسوس الذى ينقل أسرار الدولة للأعداء يقتل سياسة، وذلك لسعيه بالفساد فى الأرض .
جاء فى شرح فتح القدير للكمال بن الهمام ص 275 ج - 4 تعليقا على عبارة صاحب الهداية (لأنه صار ساعيا فى الأرض بالفساد) وكل من كان كذلك فيدفع شره بالقتل .
فجعلوا كل جرم ترتب عليه الإضرار بأمن الناس وأمانهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم إفساد فى الأرض، فإذا لم يصادفه عقوبة حد مقرر جاز عقابه بالقتل سياسة وتعزيرا، لأن فى مثل هذه العقوبة الحازمة ردعا للغير وزجرا عن سلوك هذا الطريق - (الهداية وفتح القدير ج - 4 ص 274 و 275 والدر المختار - وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج - 3 ص 203 و 204 فى كتاب الحدود فى باب التعزيز ص 244 وما بعدها ومجمع الأنهر ج - 1 ص 617 فى فصل التعزير وص 639 فى آخر باب قطع الطريق .
واتفق فقهاء المالكية على أن أقل عقوبة التعزيز غير مقدرة - واختلفوا فى أقصاها، والمشهور عن مالك أنه يجيز التعزير بما فوق الحد، وأن هذه العقوبة بحسب الجناية والجانى والمجنى عليه - وأجاز المالكية قتل الجاسوس المسلم إذا كان يتجسس للعدو، وقتل المفسدين فى الأرض كالقدرية وأشباههم (الفروق للقرافى ج - 4 ص 177 - 183 وتهذيب الفروق على هامشه ص 204 - 209 وتبصرة الحكام لابن فرحون ج - 2 ص 302 على هامش فتاوى عليش) .
وذهب بعض فقهاء الشافعية إلى جواز قتل صاحب البدعة المخالف للكتاب والسنة، والقتل فى الواط للفاعل والمفعول به قتلا بالسيف - كما قالوا إن قطع الكريق كما يكون فى الصحراء أو الخلاء يكون فى المصر، وأنه إذا الإمام بقوم يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا عزرهم وجوبا، وأشاف الشافعية فى أحكام الصيال أن ضمان الولاة دفع كل صائل على نفس أو طرف أو منفعة أو بضع (عرض) أو مال ومقتضى دفع الصائل قتله .
(المهذب للشيرازى ج - 2 ص 286 وتحفة المحتاج وحواشيها فى التعزيز ودفع الصائل ج - 9 والحكام السلطانية للماوردى ص ص212 و 213) وفى كتاب قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام الشافعى ج - 2 ص 83 الدفع وهو أنواع .
أحدها القتل والقطع والجرح لدفع ضرر الصيال على الأرواح والأبضاع والأموال - إلى أن قال الخامس إتلاف لدفع المعصية كقتال الظلمة دفعا لظلمهم وعصيانهم، وكذلك تخريب ديارهم وقطع أشجارهم وقتل جوابهم إذا لم يكمن دفعهم إلا بذلك .
ويستفاد من عبارة العز بن عبد السلام أن الإتلاف أى القتل لدفع المعصية من حق ولى الأمر، لأن قتال الظلمة يقتضى قتلهم .
وذهب بعض فقهاء المذهب الحنبلى إلى جواز التعزير بقتل الجاسوس وقتل المبتدع فى الدين، وكل من لم يندفع فساده إلا بالقتل ومن تكرر منه الفساد ولم تردعه الحدود - وقالوا إن قطع الطريق كما يكون فى الصحراء يكون فى المصر لتناول الآية يعمومها كل محارب، ولأن ذلك إذا وجد فى المصر كان أعظم خوفا وأكثر ضررا فكان بذلك أولى وأضافوا أن المفسد فى الإرض كالصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل وقد جاء فى كتبا السياسة الشرعية لابن تيمية ص 135 فى التعزير ما ملخصه أنه قد حكى عن مالك وغيره أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد ، وكذلك أبو حنيفة يعزر بالقتل فيما تكرر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه التولط أو اغتيال النفوس لأخذ المال ونحو ذلك .
وفى رسالة الحسبة لابن تيمية ص 58 فى فصل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (ومن لم يندفع فساده فى الأرض إلا بالقتل قتل .
مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعى إلى البدع فى الدين قال تعالى { من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } المائدة 32 ، وجاء فى المحلى لابن حزم فى المسألة رقم 2305 ص 401 ج - 11 فى التعزير أن الناس اختلفوا فى مقداره، وأن مالكا وأبا يوسف فى أحد أقواله وأبا ثور والطحاوى من الحنفية قالوا إن للإمام أنيبلغ بالتعزير ما يراه وأن يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ .
وقال ابن جرير الطبرى فى تفسيره ج - 6 ص 136 بعد بيان الأقوال فى تفسير آية { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } وأولى هذه الأقوال عندى بالصواب قول من قال المحارب لله ورسوله من حارب فى سابلة المسلمين وذمتهم والمغير عليهم فى أمصارهم وقراهم حرابة وأما قوله { ويسعون فى الأرض فسادا } فإنه يعنى ويعملون فى أرض الله بالمعاصى من إخافة سبل عباده المؤمنين به، أو سبل ذمتهم وقطع طرقهم وأخذ أموالهم ظلما وعدوانا والتوثب على حرمهم فجورا وفسوقا .
ونخلص من هذا العرض إلى أن القتل تعزيرا يجيزه فقهاء مذهب أبى حنيفة سياسة، وأنه مشروع فى الجرائم التى لا يمكن فيها دفع شر الجانى سيما إذا كان معتادا .
وأيضا الجرائم التى تعتبر إفسادا للمجتمع وتكرر من المقترف لها الإفساد، وقد وافق على هذا الرأى من الحنابلة ابن عقيل وابن تيمية وابن القيم .
ومبدأ القتل تعزيزا مسلم به فى الفقه المالكى، كما جاء فى قتل الجاسوس والمفسد فى الأرض، وجرى بذلك قول بعض الشافعية سيما فى أحكام دفع الصائل .
ولعل فى قول عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من فجور، ما يشير إلى ضرورة الأخذ بقول جمهور فقهاء المذاهب على نحو ما سبق بيانه من جواز القتل تعزيزا سياسة سيما هؤلاء المجرمين الذين يثبت احترافهم للقتل والسطو على الناس فى الشوارع والسيارات والقطارات بل وفى المنازل، وهؤلاء الذين يخطفون الأطفال والإناث متى ثبت عليهم هذا الجرم يجوز عقابهم بالقتل، باعتبارهم خطرا على الجتمع ولا يرجى صلاحهم، وباعتبار أن فعلهم مناف لمقاصد الشريعة التى تدعو لحفظ النفس والدين والعرض، وفى أقوال ابن جرير الطبرى سالفة الذكر فى تفسير آية الحرابة تأييد واضح لأقوال الفقهاء الذين أجازوا عقوبة القتل تعزيزا وسياسة .
هذا ولما كانت الجرائم المسئول عنها تمس أمن المجتمع وسلامته إذ فيها ما يهز الأمن، وفيها ترويع الأطفال والنساء والاعتداء على الأعراض التى صانها الإسلام، بل إنه حرم مجرد النظر إلى النساء الأجنبيات .
وفيها إشاعة الفوضى والاضطراب فى البلاد، وإضاعة الثقة فى قدرة الحكام على ضمان الأمن العام، فإن المجرمين الذين اعتادوا الإجرام ولا يرجى منهم التوبة، والإقلاع عن القتل والخطف والرقة والزنا، كل هؤلاء يجوز أن تشرع لهم عقوبة القتل سياسة ، على أن توضع اضوابط الكفيلبة بالتطبيق العادل حماية للإنسان الذى حرم الله قتله إلا بحق، فلا يؤخذ فى مثل هذه العقوبة بالظنة والشبهة، بحيث يكون ملحوظا فى التشريع الحيطة فى الإثبات سيما إذا لم يتم القبض على الجانى متلبسا بجرمه .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/208)
تمثيل شخصيات الأنبياء محرم شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
شوال 1400 هجرية - 17 أغسطس 1980 م
M 1 - القصص القرآن على تنوعه يهدف لبيان غرض دينى موضوعى وتكراره فى أكثر من موضع تأكيد لذلك .
2 - قصص الأنبياء فى القرآن الكريم جاءت تصحيحا لمفاهيم خاطئة .
3 - الأنبياء والرسل أعز وأكرم من أن يمثلهم إنسان أو يتمثل بهم شيطان .
4 - عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم
Q هل يجوز شرعا تشخيص نبى من الأنبياء أو زوجه أو ولده أو والده أو والدته
An تعغقيبا على ما نشر بجريدة الأهرام يوم الجمعة 20 رمضان 1400 هجرية فى خصوص المسلسل التليفزيونى محمد رسول الله ، إن القصص القرآنى على تنوعه ليس مجرد معجز فى أسلوبه وصياغته، وإنما هو مضمون موضوعى مقيد بغرض دينى يهدف إلى إبانته وتحقيقه وإقراره، فالقصة تتكرر فى غير موضع وتصاغ فى عبارات متغايرة، ولى كل مرة تدعو دعوة مباشرة لشىء، وفى ذات الوقت لا تنفك عن إعجاز القرآن، ومع هذا وذاك تبتعد عن الخيال، وكيف يحتويها أو يحوطها خيال والقرآن كلمة الله .
ومن بين قصص القرآن كانت قصص الأنبياء عليهم السلام جاءت تصحيحا لمفاهيم خاطئة امتلآت بها كتب الديانات السابقة المحرفة، كما جاءت مبينة لما كان لهم من شرائع درست بنبذ أهلها إياها، وتحدث القرآن الكريم عن أنبياء الله ورسله باعتبارهم المصطفين الأخيار من بنى الإنسان، ومع هذا فهم بشر يمشون فى الأسواق ويأكلون الطعام ويجرى عليهم الموت .
اختارهم الله لما علمه فيهم سلفا من نقاء وفضل، فهم أفل بشر على الإطلاق وإن تفاوتوا فى الفضل فيما بينهم قال تعالى { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } الإسراء 55 ، وهم بهذه المنزلة أعز من أن يمثلهم أو يتمثل بهم إنسان أو حتى شيطان، فقد عصمهم الله واعتصموا به فلم يزلوا لأن لهم عصمة تصونهم وتقودهم بعديا عن الخطايا الكبار والصغار قبل الرسالة وبعدها .
يدلنا على هذه الحصانة - كما نسميها فى تعبيراتنا العصرية - الحديث الشريف الذى رواه أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من رآنى فى المنام فقد رأنى، فإن الشيطان لا يتمثل بى) وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسمل يقول (من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولكأنما رآنى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى) .
متفق على صحته . وهذا واضح الدلالة فى أن الشيطان لا يظهر فى صورة النبى صلى الله عليه وسلم عيانا أو مناما صونا من الله لرسله وعصمة لسيرتهم، بعد أن عصم ذواتهم ونفوسهم .
وإذا كان هذا الحديث الشريف يقودنا إلى أن الله قد عصم خاتم الرسل عليه والصلاة والسلام من أن يتقمص صورته شيطان، فإن فقه هذا المعنى أنه يحرم على أى إنسان أن يتقمص شخصيته ويقوم بدوره .
وإذا كان هذا هو الحكم والفقه فى جانب الرسول الخاتم، فإنه أيضا الحكم بالنسبة لمن سبق من الرسل، لأن القرآن الكريم جعلهم فى مرتبة واحدة من حيث التكريم والعصمة، فإذا امتنعوا بعصمة من الله أن يتمثلهم الشيطان امتدت هذه العصمة إلى بنى الإنسان، فلا يجوز لهم أن يمثلوا شخصيات الرسل، إذ لا يوجد الإنسان الذى ابيضت صفحته وظهرت سريرته ونقاه الله من الخطايا والدنايا كما عصم أنبياءه ورسله ويستدل على ذلك من قول الله سبحانه { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة 285 ، وإذا كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب كما قال القرآن { لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى } يوسف 111 ، فإن القصة لا تستفاد منها العبرة آخذة بالنفوس إلا إذا كانت من الإنسان الذى اصطفاه الله واختاره لإبلاغ الرسالة وإنقاذ أمته، وكيف تتأتى الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبى ومن قبل مثل شخص عربيد مقامر سكير رفيق حانات وأخ للدعارة والداعرات، ومن بعد يمثل كل أولئك أو كثير منهم إنه جميل جدا أن نتجه إلى القصص الدينى القرآن نعرضه بطرق العصر ولغته ومواده ونقربه إلى إذهان أولادنا بدلا من القصص المستورد الذى يحرض على التحلل والانحلال .
نعم إن هذا أمر محمود، لكن لابد فيه من الالتزام بآداب الإسلام ونصوص القرآن ولنصور الوقائع كما حكاها القرآن واقعا لا خيال فيه ولنحجب شخص النبى الذى نعرض قصصه مع قومه، فلا يتمثله أحد، وإنما نسمع صوت من يردد إبلاغه الرسالة ومحاجته لقومه وإبانته لمعجزته كما أوردها القرآن الكريم .
وإذا كان هذا أمرا لازما بمقتضى فقه ذلك الحديث الشريف فإن ما بدا فى مسلسل محمد رسول الله من إظهار شخص المتحدث باسم رسول الله موسى عليه السلام وقت النطق بما يردده من أقوال هذا النبى، هذا الذى حدث يكون منافيا لالتزامنا نحن المسلمين نحو الأنبياء من التكريم والتوقير والارتفاع عن الغض من مكانتهم التى صانها الله .
كما أن النبى هارون وأم موسى وأخته وزوجه يأخذون هذا الحكم فلا يجوز أن يتقمص أشخاصهم أحد من الممثلين، بل نسمع الأقوال المنسوبة إليهم نطقا، لأن الله سبحانه كرم أم موسى بقوله { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } القصص 7 ، وأيا ما كان معنى هذا الوحى وطيقه فهو وحى من الله إلى من اصطفاها أما لنبيه ترتفع به عن مستوى الغير فلا تتمثلها امرأة - مع الاحترام لأشخاص من قاموا بهذا التمثيل - وهذه أخته وهذه زوجه لكل منهما مكانتها وموضعهاالذى رفعها الله إليه فى قرآنه، ثم هذا النبى هارون شريك موسى فى الرسالة قالى تعالى { اشدد به أزرى .
وأشركه فى أمرى } طه 31 - 32 ، وإن فقه كل ذلك يجعل لأولئك مكانا علينا بالتبع لهذا النبى إن لم يكن لذواتهم التى كرمها الله وشرفها بالوحى .
ولعلنا نسترشد فى هذا المعنى بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فى حق نفسه ونشأته ونسبه ( أنا خيار من خيار ) وهذا الحكم - كما سبق - يمتد إلى غيره ممن سبقه من الأنبياء .
من أجل ذلك - يجب أن ينقى هذا المسلسل وغيره من المناظر المصورة التى يمثل الأنبياء فيها بأشخاص ظاهرين، أو يمثل فيها أصولهم كالأم أو زوجاتهم وأولادهم، بل إن هذا الحظر يمتد إلى الأصحاب الذين عاصروا الرسالة وأسهموا فى إبلاغها، لأن القدوة من بعد النبى فى هؤلاء الأصحاب ومن ثم كان لزاما صونهم عن التمثيل والتشخيص، ويكفى أن نسمع أقوالهم مرددة من خلال الأصوات التالية لها .
وإنى لأهيب بالمسئولين عن الإذاعة والتليفزيون أن يبادروا إلى تصحيح ما وقع من تجاوز فى هذا المسلسل وغيره، إن كان ما ألمحت إليه (الأهرام) فيما نشرت صحيحا .
وأهيب بالمسئولين عن الثقافة فى المسارح أن يعيدوا النظر فيما لديهم من قصص مستقاة من القرآن أو السيرة النبوية الشريفة، وأن يرفعوا منها كل ما كان فيه تشخيص لأحد الأنبياء أو زوجه أو ولده ووالده ووالدته أو أحد أصحابه، فإنه إذا كانت المصلحة فى تقريب هذه القصص تمثيلا وتصويرا للناس إلا أن المفسدة فى تجسيد النبى أو أحد هؤلاء الأقربين إليه عظيمة والخطر منها أفدح، ولاشك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما تقضى قواعد الشريعة الغراء .
وأهيب بمن بيدهم الرقابة على هذه المصنفات أن يتابعوا مراحل إعدادها وإخراجها، وأن يقولوا للناس ما انتهوا إليه من رأى فيها فإنهم إن سكتوا عما فيها من تجاوزات كانوا مقرين لها وهم فى هذا آثمون مخالفين للحديث الشريف (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان) .
إن شريعة الإسلام هى قانوننا بمقتضى نصوص القرآن والسنة وتنظيما بمقتضى المادة الثانية من دستورنا .
ومن أجل هذا أهيب المختصين فى مجمع البحوث أن يتخذوا الإجراءات القانونية فى حال ثبوت مخالفة النصوص المعتمدة للقصص القرآنية، أو المستمدة من السيرة النبوية لوقف إذاعتها أو إخراجها تمثيلا أو تصويرا .
والله الهادى إلى سواء السبيل وهو ولى التوفيق(7/209)
مشروب الكينا بأنواعها واسمائها داخل فى نطاق الخمر
F جاد الحق على جاد الحق .
رمضان 1401 هجرية - 28 يولية 1981 م
M 1 - العبرة فى المحرمات ليست بالأسماء، وإنما بالمسميات .
2 - مشروب الكينا يعتبر من الخمور ومن المشروبات الكحولية وليست من الأدوية بتقرير أهل الخبرة وبنص القانون .
3 - الكينا باعتبارها مادة كحولية مسكرة .
داخلة فى نطاق الخمر ومحرمة بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين .
لا يدفع عنها وصف التحريم تسميتها بغير اسمها
Q بكتاب المجلس الشعبى المحلى لحى وسط القاهرة المؤرخ 6 مايو سنة 1981 الذى جاء به أن المجلس أصدر بجلسته المعقودة فى 30 ديسمبر سنة 1980 قراره بعدم منح تراخيص بيع الخمور والمشروبات الروحية والمحال العامة المصرح لها ببيع الخمور وشربها، مع إلغاء جميع التراخيص السابق إصدارها بجميع أقسام حى وسط القاهرة، وذلك اعتبارا من أول يناير سنة 1981 .
وانتهى الكتاب إلى السؤال التالى هل مشروب الكينا بأنواعها وأسمائها المختلفة تدخل فى إطار الخمور والمحرمات أم لا
An إن الله سبحانه وتعالى حرم الخمر قطعا وأمر باجتنابها باعتبارها رجس نجسا فى قوله جل شأنه { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة 90 ، ولما كانت العبرة فى المحرمات ليس بالأسماء، وإنما الاعتبار للمسميات، وهل تدخل فى نطاق مواصفات التحريم الذى حكم الله به أم لا ولما كانت العلة فى تحريم الخمر الإسكار، وكانت الخمر - كما فسرها عمر بن الخطاب ( نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 176 ) رضى الله عنه - ما خامر العقل، وكان كل ما ينطبق عليه وصف الخمر وعلة تحريمه يسرى عليه حكمها الثابت قطعا وهو التحريم فى هذه الآية الكريمة وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين .
ولما كانت دار الإفتاء سبق أن أصدرت عدة فتاوى فى شأن حكم مشروب (الكينا) بمختلف أسمائه التجارية .
منها الفتوى الصادرة بتاريخ 21 جمادى الأولى سنة 1396 هجرية 20 مايو سنة 1976 م التى جاء فيها ( رقم 445 م / 108 س ) أنه ثبت من التقرير المؤرخ 18/4/1976 الذى أرسلته إلينا الإدارة العامة للمعامل المركزية بوزارة الصحة بعد تحليلها لمشروب الكينا بمختلف أسمائة التجارية الواردة بالتقرير أن هذا المشروب يحتوى على مادة الكحول الموجودة فى الخمر المحرمة شرعا بنسبة تتراوح ما بين 25 ، 35 .
2 ولما كان كتاب الإدارة العامة لقطاع الصيدلة بوزارة الصحة المحرر فى 27 يونيه سنة 1981 الرقيم 1252 الوارد لدار الإفتاء ردا على كتابها رقم 328 المؤرخ 2 يونيه سنة 1981 فى شأن مشروب الكينا ونسبة مادة الكحول فيه قد جاء به أن الكينا تعتبر من الخمور وتنظمها المواصفات القياسية رقم 189 لسنة 1962 بشأن المشروبات الكحولية الصادرة من وزارة الصناعة .
كما أنه قد صدر القانون رقم 63 لسنة 1976 باعتبار الكينا من المشروبات الكحولية، وبأنها لا تعتبر من الأدوية .
لما كان ذلك وكان تقرير أهل الخبرة قد انتهى إلى أن مشروب الكينا يعتبر من الخمور ومن المشروبات الكحولية فقد اعتبرها القانون من هذا القبيل أيضا ومن ثم صارت بهذا كله من الخمور دون اشتباه .
ولما كانت ( نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 179 - 180 ) الأحاديث الشريفة قد وردت وفيرة مقررة مؤكدة أن ما أسكر كثيره فقليله حرام .
وفى شأن بيع الخمور بوصفها العنوانى العام جاء الحديث الشريف ( رواه أبو داود - المنتخب من السنة المجلد التاسع ص 138 المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه) وإذ كان مشروب الكينا بكافة أنواعه وأسمائه داخلا فى نطاق الخمر بمقتضى تلك التقارير، وبنص القانون وأنه ليس من الأدوية كانت الكينا باعتبارها مادة كحولية مسكرة محرمة بنص آيات القرآن الكريم وبالسنة الشريفة وبإجماع المسلمين .
لا يرفع عنها وصف التحريم تسميتها بغير اسمها .
هذا وإن هذا القرار الذى أصدره المجلس الشعبى لحى وسط القاهرة فى شأن الخمور حسبما جاء بكتابه المرقوم ليرضى عنه الله ورسوله وصالح المؤمنين .
لأنه تنفيذ لأوامر الله، ودفع لإثم ومنع لكبيرة من الكبائر، نرجو الله أن يوفق أولى المر فى اتخاذ مثل هذا القرار وتنفليذه على كافة المستويات طاعة لله ورسوله { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } النور 52 ، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/210)
عورة المرأة
F جاد الحق على جاد الحق .
16 أغسطس 1981 م
M 1 - كل مالا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة، يجب سترها ويحرم كشفها .
2 - المقصود بكلمة (ما ظهر منها) فى قوله تعالى { وقل للمؤمنات } إلخ الآية .
ما جرت العادة بإظهاره، وكان الأصل فيه الظهور بالنسبة للرجال، ومثل الرجل فى هذا الحكم المرأة غير المسلمة .
3 - عورة المراة بالنسبة للأصناف الاثنى عشر المذكورين فى سورة النور الآية 31 - تتحدد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التى أبيح إبداؤها لهم، أما ما عدا ذلك، فلا يجوز إبداؤه مطلقا إلا للزوج .
4 - مواتب ذوى الأرحام تختلف بحسب ما فى نفوس البشر، فكشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وما يبدى للأب لا يجوز إبداؤه لابن الزوج .
5 - زوج الأخت لم يرد ضمن هذه الأصناف الاثنى عشر ومن ثم كان أجنبيا عن أخت زوجته، لا يحل له كما لا يحل لها أن تبدى أمامه إلا الزينة الظاهرة التى هى الوجه والكفان .
6 - لا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه، وبين دخول الرجل على أخت زوجته فى كون كل منهما أجنبى عن الآخر
Q بكتاب المركز الإسلامى - كولونيا - ألمانيا الاتحادية المحرر فى 8 رجب 1401 هجرية 12 مايو 1981 م المقيد برقم 189 سنة 1981 وقد جاء به المفهوم لدينا أن زوج الأخت ليس من المحارم الذين ذكرهم الله فى سورة النور، وقد أجازت سورة النور فى القرآن الكريم أن تضع المرأة حجابها أمام عبدها، كما أجازت وضع الحجاب عند تحرير العبد أو مكاتبته .
فهل يجوز - بالنسبة لزوج الأخت .
أن تظهر عليه أخت زوجته دون حجاب، طالما أن أختها زوجته على قيد الحياة بحكم حرمتها عليه .
ثم تتحجب أمامه عند موت أختها، باعتبار أنها أصبحت حلا له
An قال الله سبحانه { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } النور 31 ، فى هذه الآية الكريمة بيان ما يجوز للمرأة إبداؤه من زينتها وما لا يجوز ومن يحل لها أن تبدى بعض الزينة أمامهم من الرجال، ولقد جاءت كلمة (ولا يبدين زينتهن) مرتين فى هذه الآية الأولى بقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وقد اختلف العلماء فى تحديد المقصود بكلمة (ما ظهر منها) وقدره، هل يكون معناه ما ظهر بحكم الضرورة من غير قصد، أو يكون ما جرت العادة بإطهاره وكان الأصل فقيه الظهور ، وقد أثر واشتهر عن أكثر السلف من فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين .
الرأى الثانى، فلقد اشتهر عن ابن عباس وعن أنس أنهما قالا فى تفسير (ما ظهر منها) الكحل والخاتم .
وإباحة إبراز هذين يلزم منها إظهار موضعيهما، وهما الوجه والكفان .
وهذا ما أميل للأخذ به، لأن إظهار ( بهذا قال المفسرون الطبرى والقرطبى والزمخشرى والرازى والشوكانى فى فتح القدير وغيرهم فى تفسير هذه الآية ) الوجه والكفين ضرورة للتعامل وقضاء المصالح، ولأن فى سترهما حرجا للمرأة التى قد تخرج لكسب قوتها أو تعول أولادها كما أشار إلى هذا الفخر( ص 205 و 206 ج - 23 ) الرازى فى تفسيره .
وقوله سبحانه فى الآية للمرة الثانية { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } هذا القول حث للنساء ونهى للمؤمنات عن كشف الزينة الخفية من أجسادهن، كزينة الأذن والشعر والعنق والصدر والساق أمام الأجنبى من الرجال، حيث رخص الله لها فى إبداء الوجه والكفين فقط، كما فى افتتاح الآية (إلا ما ظهر منها) .
وقد استثنت الآية من حظر إبداء الخفية اثنى عشر صنفا من الناس هم : 1 - بعولتهن أى أزواجهن، فللزوج أن يرى من زوجته ما يشاء وكذلك المرأة .
وفى الحديث ( أخرجه الامام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقى - البيان والتعريف بأسباب وردود الحديث ج - 1 ص 99 ) (احفظ عورتك إلا من زوجتك) .
2 - آباؤهن ويدخل فيهم الأجداد لأب أو لأم، والأعمام والأخوال، إذ الصنفان الخيران بمنزلة الآباء عرفا وفى الحديث ( رواه مسلم ) (عم الرجل صنو أبيه) .
3 - آباء أزواجهن فقد صار لهم حكم الآباء بالنسبة لهن، حيث وقع التحريم بقوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } النساء 23 .
4 - أبناؤهن ومثلهم فروع هؤلاء الأبناء وذريتهم ذكروا وإناثا .
5 - أبناء أزواجهن لضرورة الاختلاط الحاصل فى العشرة والمنزل ولأنها صارت بمثابة الأم فهى محرمة على هؤلاء الأبناء بقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } النساء 22 .
6 - إخوانهن سواء أكانوا أشقاء أو من الأب أو من الأم .
7 - بنو إخوانهن للتحريم الواقع مؤبدا بين الرجل وعمته .
8 - بنو أخواتهن لأن حرمة الخالة على الرجل أبدية أيضا بنص آية التحريم فى القرآن .
9 - نساؤهن أى النساء المتصلات بهن نسبا أو دينات، أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المرأة المسلمية ما خفى، بل يجوز أن ترى ما أبيح للرجل الأجنبى رؤيته على أصح الأقوال .
10 - ما ملكت أيمانهن أى عبيدهن وجواريهن، لأن الإسلام ضم هؤلاء إلى الأسرة فصاروا كأعضائها ن وقد خص بعض الأئمة هذا بالإناث دون الذكور من المملوكين ( تفسير القرطبى ج - 12 ص 233 و 234 و 237 وفيه تفصيل ) .
11 - التابعون غير أولى الإربة من الرجال وهم الأتباع والأجراء الذين لا شهوة لهم فى النساء لسبب بدنى أو عقلى، فلابد من توافر هذين الوصفين، التبعية للبيت الذى يدخلون على نسائه ، وفقدان الشهوة الجنسية، وكما قال القرطبى من لا فهم له ولا همة بنتبه بها إلى النساء .
12 - الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء وهم الصغار الذين لم تثر فى أنفسهم الشهوة الجنسية، فإذا ما لوحظ ظهورها عليهم حرم على المرأة إبداء زينتها الخفية أمامهم وإن كانوا دون البلوغ .
لما كان ذلك كان كل ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة يجب سترها ويحرم كشفها .
وكانت عورتها بالنسبة للرجال الأجانب عنها وغير المسلمات من النساء على الأصح جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكانت عورتها بالنسبة للأصناف الاثنى عشر المذكورين فى آية سورة النور ( الآية 31 ) تتحدد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التى أبيح إبداؤها لهؤلاء الأصناف، أما ما وراء ذلك مثل الظهر والبطن والفخذين وما بينهما وما وراءهما فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج .
كما يدل على هذا حديث ( سبق تخريجه وانظر البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث الشريف ابن حمزة الدمشقى ج - 1 ص 99 ) بهز بن حكيم عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل إذا كان القوم بعضهم فى بعض قال إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها .
قيل إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
هذا وقد قال القرطبى ( ج - 12 ص 232 ) لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوى المحارم وسوى بينهم فى إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما فى نفوس البشر، فلا مرية ان كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لابن الزوج .
وفى موضع آخر ( المرجع السابق ص 237 ) قال والله تعالى قد حرم المراة على الإطلاق لنظر أو لذة، ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين، ثم استثنى الزينة لاثنى عشر شخصا، العبد منهم، وقدط تأول بعضهم الآية فى شأن الأصناف الأخيرة فقال إن التقدير أو ما ملكت أيمانهن من غير أولى الإربة أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال .
وإذ كان ذلك وكان زوج الخت لم يرد ذمن هذه الأصناف الاثنى عشر - كان أجنبيا من أخت زوجته، لا يحل له كما لا يحل لها أن تبدى أمامه إلا الزينة الظاهرة التى هى الوجه والكفان .
ويبين هذا ويؤكده أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من خلوة المرأة بأحمائها فقال (إياكم والدخول على النساء فقال رجل ومن الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو - الموت) ( متفق عليه ) قال النووى ( فتح البارى بشرح البخارى ج - 9 ص 271 و 272 فى باب النكاح ) الحمو أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم وإنما المراد غير المحارم كابن العم، لأنه يحل لها تزوجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه، ليخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبى .
فهذا الحديث الشريف يحذر - سدا للذرائع - من الدخول على النساء والخلوة بهن، إلا فى الحدود التى أباحها الله سبحانه وبينها فى القرآن الكريم ( من الآيات 22 و 23 من سورة النساء ) وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه، وبين دخول الرجل على أخت زوجته، فهو أجنبى عنها فى كلا الحالين، والمحرم على زوج الأخت هو الجمع بين المرأة وأختها قال تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } النساء 23 ، فالتحريم للجمع لا لأصل الزواج، بدليل أنها تحل له إذا ما فارق زوجته بموت أو طلاق .
هذا ولا قياس فى الحل والتحريم، لأن الحكم فيه من الله لا سيما بعد أن دلت الآية الكريمة فى سورة النور وآيات المحرمات فى سورة النساء على أن الرجل أجنبى من أخت زوجته، بمعنى أنه غير محرم لها، وأن التحريم إنما فى الجمع بينها وبين أختها (زوجته) .
واتقاء الشبهات لون من التربية الإسلامية التى جاءنا بها رسول الإسلام، حيث قرر هذا المبدأ فى قوله عليه الصلاة والسلام ( رواه الشيخان عن النعمان بن بشير، وهذا اللفظ من رواية الترمذى ) الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور متشابهات لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هى أم من الحرام فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سمل، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أن من يرعى حول الحمى ( الحمى مكان محدود يحجزه السطان لترعى فيه ماشيته وحدها ويمنع غيرها من دخوله ) ، أوشك أن يواقعه إلا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه .
وبهذا البيان المستمد من نصوص القرآن والسنة، لا يحل للرجل أن يطلع من أخت زوجته على أكثر من الوجه والكفين، كما يحرم عليها تمكينه مما وراء هذا من جسدها كما ترحم عليهما الخلوة، ولا قياس فى هذا الموضع، إذ لا قياس ثمت فى الحلال والحرام .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/211)
كهربة الحيوان قبل ذبحه
F جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1399 هجرية - 18 ديسمبر 1978 م
M 1 - تقضى نصوص فقه الشريعة الإسلامية أنه إذا اجتمع فى الذبيحة سبب محرم وآخر مبيح تكون محرمة .
2 - إذا كانت كهربة الحيوان أو تخديره قبل ذبحه بقصد إضعاف مقاومته ولا تؤدى إلى موته جاز استخدامها .
3 - إن أدت تلك الصدمة أو غيرها من طرق التخدير إلى موته فلا يحل استخدامها قبل الذبح، كما لا يحل الحيوان المذبوح بهذه الطريقة
Q بالطلب المقدم من السيد الدكتور (م .
ع / باكستانى) المتضمن أن الدول الغربية تتبع طريقة معينة لذبح الحيوانات، وذلك باستعمال الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير التى تخفف من آلام الحيوان دون أن تميته .
ويطلب السائل الإفادة عن حكم أكل الذبائح بعد استعمال إحجدى طرق التخدير المشار إليها
An قال الله تعالى فى سورة المائدة { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } المائدة 3 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحكم شفرته وليرح ذبيحته) قال العلماء إحسان الذبح فى البهائم الرفق بها، فلا يصرعها بعنف ولا يجرها من موقع إلى آخر وإحداد آلة الذبخ، ثم إراحة الذبيحة وتركها إلى أن تسكن وتبرد .
هذه أوامر الله فى الذبائح، وفيما أحله وحرمه، فإذا كانت الصدمة الكهربائية للحيوان أو غيرها من طرق التخدير تساعد على التمكين من ذبحه بإضعاف مقاومته وقت الذبح، وإذا كانت هذه الصدمة لا تؤثر فى حياته بمعنى أنه لو ترك بعدها دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية جاز استعمال الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير بهذا المفهوم قبل الذبح وحلت الذبيحة بهذه الطريقة .
أما إذا كانت الصدمة الكهربائية أو تخدير الحيوان بأى طريق آخر تؤثر فى حياته بحيث لو ترك بعدها دون ذبح فقد حياته فإن الذبح وقتئذ يكون قد ورد على ميتة فلا يحل أكلها فى الإسلام لاحتمال موت الحيوان بالصدمة الكهربائية أو التخدير قبل الذبح، إذ تقضى نصوص فقه الشريعة الإسلامية أنه إذا اجتمع فى الذبيحة سبب محرم وآخر مبيح تكون محرمة، كما إذا رمى شخص طائرا فجرحه فسقط فى الماء فانتشله الصائد ميتا فإنه لا يحل أكله لاحتمال موته غرقا لا بجرح الصيد، ومثله واقعة السؤال .
فإذا تأكد السائل أن الصدمة الكهربائية اللحيوان قبل ذبحه لا تؤدى إلى موته بحيث لو ترك دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية .
جاز استخدامها لإضعاف مقاومته حال ذبحه فقط، وإن كانت تلك الصدمة أو غيرها من طرق التخدير تميت الحيوان، فلا يحل استخدامها قبل الذبح، كما لا يحل الحيوان المذبوح بهذه الطريقة .
ومما تقدم يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم(7/212)
تحريم اتيان الرجل زوجته فى غير الموضع الشروع
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الأولى 1399 هجرية - 31 مارس 1979 م
M 1 - إيتان الرجل زوجته فى دبرها أمر منكر وحرام شرعا، وليس لهذا الفعل تأثير على عقد الزواج إلا بتضررها منه .
2 - لا يملك الزوج على زوجته إلا معاشرتها بما أحل الله .
3 - على الزوجة ألا تمكنه من ارتكاب هذه المعصية والفعل المحرم معها، وتصانعه وترغبه فيما هو مشروع
Q بالطلب المتضمن أن زوجا يسىء معاملة زوجته رغم أنها مطيعة له، وقد أنجب منها بنتا ويريد أن يجامعها فى دبرها، وقد فعل ذلك معها وجامعها فى دبرها مرة واحدة كرها بالرغم منها، فتركت له البيت وذهبت إلى أهلها لأنه مصمم على هذا العمل .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا العمل .
وهل تحل له زوجته بعد ذلك
An إن إتيان الرجل زوجته فى دبرها أمر منكر وحرام شرعا .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ملعون من أتى امرأته فى دبرها وراه أحمد وأبو داود .
وملعون (مطرود من رحمة الله) .
وفى لفظ لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته فى دبرها رواه أحمد وابن ماجه .
ولا ينظر الله إليه (يعرض الله عنه ولا يقبله) وعن خزيمة ابن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم (نهى أن يأتى الرجل امرأته فى دبرها) رواه أحمد وابن ماجه .
ونهى (طلب الامتناع عن إتيان الشىء المنهى عنه) ومقتضى هذه النصوص تحريم إتيان الزوج زوجته فى دبرها قطعا .
غير أن هذا الفعل المحرم لا تأثير له على عقد الزواج بينهما .
وعلى هذا الزوج أن يقلع عن هذه المعصية، ويتوب إلى الله تعالى من فعل قوم لوط، ويأوى إلى المحل الذى شرعه الله سبحانه، وليعلم أنه لا يملك على زوجته إلا معاشرتها بما أحل الله، وأن هذا الفعل إذا ثبت قضاء موجب لتطليقها عليه، وعلى هذه الزوجة أن تصانع زوجها وتنصحه وترغبه فيما هو مشروع ولا، تمكنه من ارتكاب هذه المعصية والفعل المحرم معها .
إذ لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وبهذا علم جواب السؤال والله يهدى إلى الحق وإلى صراط مستقيم وهو سبحانه أعلم(7/213)
حكم تفاوت وزن الدنانير والدراهم فى ربوية التعامل بها
F جاد الحق على جاد الحق .
25 حمادى الآخرة 1399 هجرية - 22 مايو 1979 م
M 1 - التعامل بدنانير الروم ودراهم الفرس متعارف عليه عند العرب قبل الإسلام .
2 - أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة على هذا التعامل .
3 - استقر تعامل المسلمين بالذهب والفضة بشرط المثلية، وتكون الزيادة بها ربا وذلك منذ صدور الإسلام .
4 - عند مابدلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة يتحتم التساوى فى الوزن دون العدد لعلة الثمنية
Q بالطلب المقدم من الأستاذ الدكتور - مدير البحوث والدراسات دائرة الشئون القانونية بالأمانة العامة للأمم المتحدة المقيد برقم 18 سنة 1979 المتضمن الاستفسار عن مدى تأثير تفاوت وزن الدنانير والدراهم فى العصور الإسلامية المتفاوتة فى ربوية التعامل بها قروضا كانت أم أثمان مبيعات أم غير ذلك، فإذا اقترض عمرو 1000 دينار مثلا من زيد فقد يقابلها فى زمن الوفاء بها عند حلول الأجل المتفق عليه 1100 دينار، بافتراض أن الدنانير المقترضة كان الواحد فيها يزن مثقالا كاملا، حالة أنه عند الوفاء كانت الدنانير المتداولة تنقص عن وزن المثقال والسؤال هو هل المائة دينار التى تقاضاها زيد الدائن فى المثال السابق تعتبر من قبيل الربا المحرم أم لا وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف أقر الفقهاء أسلوب حساب الدين بالوزن لا بالعدد، ولم ينكره أحد منهم وجرى به عرف الأمة عالمها وعاميها بلا خلاف طوال قرون عديدة
An إن الدينار والدهم الإسلاميين قد اختلف العلماء فى تحديد قدرهما وقد تعرض لبحث تطورهما من العلمءا والأقدمين أبو عبيد فى كتابه الأموال، والبلاذرى فى كتابه فتوح البلدان، والخطابى فى معالم السنن .
والماوردى فى الحكام السلطانية، والنوى فى المجموع شرح المهذب فى كتاب الببيوع، والمقريزى فى كتاب النقود القديمة الإسلامية، ثم على باشا مبارك فى الجزء 2 من كتاب الخطط التوفيقية والدكتور عبد الرحمن فهمى فى كتابه صنجح السكة فى الإسلام ودائرة المعارف الإسلامية المترجمة ج - 9 فى مادتى درهم ودينار، ورسالة تحرير الدرهم والمثقال للأب أنستاس الكرملى وغير هذا من كتب الفقه والتاريخ .
وقد تعارف العرف قبل الإسلام التعامل بالدنانير حيث كانت ترد إليهم من من بلاد الروم وبالدراهم التى رد كذلك من بلاد الفرس، وكانت الدراهم الواردة تختلف حجما ووزنا، وكان أهل مكة يتعاملون فيها وزنا لا عدا كأنها سبائك غير مضروبة، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة على هذا التعامل وقال (الميزان ميزان أهل مكة والميكال مكيال أهل المدينة) نظرا لآن هؤلاء كانوا أهل زراعة وأولئك كانوا تجارا، وقد استقر تعامل المسلمين بالذهب والفضة باعتبارهما ثمنا للتبادل كغيرهم من الأمم، ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديث مشهور قاعدة هامة هى التماثل فى التعامل بهذين المعدنين وغيرهما من الأصناف الستة - ونص على أن الزيادة ربا - ففى لفظ الحديث الذى رواه مسلم فى صحيحه عن طريق عبادة بن الصامت رضى الله عنه (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضل بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى) .
وقد اتفق الفقهاء على أن العبرة بالتساوى والمماثلة فى حال تبادل هذه الأنواع بمثلها من جنسها وزنا أو كيلا - وقال فقهاء الحنفية والحنابلة ان المعيار الشرعى الموجب للمماثلة هو القدر والجنس وإن اختلف فقهاء المذهبين فى القدر الذى يتحرز فيه عن الربا .
وقال فقهاء الشافعية ان الذهب والفضة يحرم فيهما الربا لعلة واحدة هى أنها من جنس الأثمان - ومن أجل هذا حرموا الزيادة فى الوزن كذلك فيهما دون غيرهما من الموزونات، وفقهاء المالكية قالوا إن علة تحريم الزيادة فى الذهب والفضة النقدية، فأوجبوا التساوى فى القدر حين التساوى الأربعة أنه عند مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة يتحتم التساوى فى القدر أى الوزن دون نظر إلى عدد الوزن لعلة الثمنية أى أن هذين المعدنين قد وضعا لقياس قيمة الأموال، وترتيبا على هذا ففى واقعة السؤال إذا اقترض عمرو 1000 دينار من زيد وعند الوفاء فى الأجل المضروب بينهما كان سداد القرض بعدد 1100 دينار فإن هذا العدد مساو وزنا للعدد الأول 1000 دينار فى هذا التعامل وصار أسلوب حساب الديون وسدادها بالوزن لا بالعدد، وعلى ذلك فإن المائة دينار التى تقاضاها الدائن فى المثال لا تعتبر ربا إذ ليست زائدة عن وزن الدين الذى اقترضه المدين، فهو وإن كان قد قبض 1000 دينار عدا لكنها مفترضة الوزن الملنضبط .
وعلى المدين أن يوفى الدين الذى قبضه وزنا لا عدا - لأن المعيار الشرعى على حد تعبير الفقهاء - هو اتحاد القدر والجنس فمن زاد أو استزاد فقد أربى - وفى المثال لا زيادة فى القدر وزنا والجنس متحد لأن البدلين من الذهب، أما إذا افترضنا أن ال- 100 دينار تزيد وزنا عن 1000 دينار فإن الزيادة أنئذ تكون ربا .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/214)
حكم دفن جثث موتى المسلمين مع المسيحيين
F جاد الحق على جاد الحق .
رجب 1399 هجرية - 28 مايو 1979 م
M 1 - لا يجوز شرعا دفن جثث موتى المسلمين مع جثث موتى المسيحيين إلا إذا اختلط الحال فإنهم يدفنون فى مقابر المسلمين للتغليب .
2 - لا يجوز شرعا دفن أكثر من ميت فى قبر واحد إلا للضرورة
Q بالطلب المتضمن سؤال الطالب عن الحكم الشرعى فى دفن جثث الموتى المسيحيين فى قبر واحد مع الموتى المسلمين
An المنصوص عليه شرعا أنه لا يجوز دفن جثة الميت المسلم فى مقابر المسيحيين .
كما لا يجوز دفن جثة الميت المسيحى فى مقابر المسلمين، هذا إذا تعينت جثة الميت المسلم من جثة الميت المسيحى، إما إذا اختلطت جثث الموتى المسلمين على المسيحين ولم تعرف جثة الميت المسلم من جثة الميت المسيحى .
فإنهم يدفنون جميعا فى مقابر المسلمين تغليبا لجانب المسلمين على المسيحين .
كما أنه لا يجوز شرعا دفن أكثر من ميت فى قبر واحد إلا للضرورة .
وعلى ذلك ففى حادثة السؤال لا يجوز دفن جثث الموتى المسيحيين فى قبر واحد مع موتى المسلمين إلا إذا اختلطت جثث الموتى من المسلمين والمسيحيين ولم تعرف جثة الميت المسلم من الميت المسيحى، وكانت هناك ضرورة تدعو إلى ذلك .
ومما ذكر يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال(7/215)
هجر الزوجة مدة طويلة محرم شرعا بشرط تضررها
F جاد الحق على جاد الحق .
رجب 1399 هجرية - 28 مايو 1979 م
M 1 - هجر الزوج زوجته لمدة طويلة حرام شرعا إذا تضررت من بعده عنها .
2 - يجب عليه نقلها إليه أو الحضور الإقامة معها وألا يغيب ، عنها أكثر من سنة وفاء بحقها الشرعى عليه كزوجة .
3 - زكاة الفطر لا تسقط بفوات وقتها وتصير دينا فى الذمة واجب الأداء .
4 - عدد الركعات الثلاث بعد صلاة العشاء - الحنفية يرونها كلها واجبا وتؤدى بتسليمة واحدة .
ويرى الأئمة الثلاثة أن الوتر بعد أداء صلاة العشاء وسنتها .
وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة
Q بالطلب المقدم من / م ع أ المصرى المقيم بالسعودية المتضمن أن السائل مقيم بالسعودية مدة عامين تقريبا لم يحضر فيها إلى القاهرة - وأن زوجته فى القاهرة وهو يريد أن يعرف حكم الشرع فى غيبته عنها هذه المدة ، وهل هذا الغياب حرام أم حلال - كما أنه لم يؤد زكاة الفطر عن هذين العامين لأنه كان يفكر أن والده سيخرج عنه الزكاة فى مصر، وهو يريد أن يعرف حكم الشرع فى هذا، وماذا يجب عليه أن يفعله - كما أنه يريد أن يعرف حكم الشرع فى الثلاث ركعات التى تؤدى بعد صلاة العشاء وركعتى سنتها - وهل الركعات الثلاث وتركلها أو فيهن شفع وفيهن وتر - كما أن السائل يحفظ سورا صغيرة من القرآن الكريم - فهل إذا صلى وحده وقرأ سورة قصيرة - هل تكون الصلاة صحيحة أم باطلة - كما أنه يقرأ فى الثلاث ركعات سورا قصيرة من القرآن فهل هذا يجوز أم لا وطلب السائل بيان حكم الشرع فى هذه الموضوعات
An المقرر شرعا أنه لا يجوز للزوج هجر زوجته - ومن أجل هذا أجاز فقهاء مذهب الإمام مالك وفقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل للزوجة التى يهجرها زوجها طلب التطليق للضرر، وأخذ القانون المصرى بذلك فجعل للزوجة التى يغيب عنها زوجها ويقيم فى بلد آخر غير محل إقامتها سنة فأكثر دون عذر مقبول أن تطلب من القاضى الطلاق إذا تضررت من بعده عنها ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه .
لما كان ذلك .
فإذا كانت زوجة السائل متضررة من بعده عنها فإنه يحرم عليه شرعا هجره لها هذه المدة الطويلة .
ويجب عليه أن ينقلها إلى محل إقامته أو أن يحضر للإقامة معها، ولا يطيل غيبته عنها أكثر من سنة وفاء بحقها الشرعى عليه كزوجة - هذا فوق مالها من النفقة الشرعية مدة غيبته عنها إذا لم يكن قد أنفق عليها أو وكل أحدا بالإنفاق عليها .
أما زكاة الفطر فإنه يجب عليه شرعا أن يخرجها عن العامين الماضيين عن نفسه وعمن تجب عليه نفقته، ولا تسقط بفوات وقتها وإنما تصير دينا فى ذمته وعليه أداؤها .
أما عن الركعات الثلاث بعد صلاة العشاء وسنتها فإن فقهاء المذهب الحنفى يرون أنها كلها واجب، وتؤدى بتسليمة واحدة كهيئة صلاة المغرب ويقرأ المصلى فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة ثم القنوت (الدعاء) فى آخر ركعة قبل الركوع - ويرى فقهاء مذاهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد بن حنبل أن الوتر بعد أداء صلاة العشاء وسنتها - سنة، وأقله ركعة واحدة .
وأثكره إحدى عشرة ركعة، وللسائل ابتاع أى من هذين الرأيين .
هذا وللسائل أيضا أن يلى بالسور التى يحفظها من القرآن الكريم فإن صلاته بما يحفظه صحيحة شرعا متى استوفت باقى شروطها - ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/216)
أكل لحم الآدمى
F جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1400 هجرية 16 يناير 1980 م
M 1 - أكل لحم الآدمى معصوم الدم أو مباحه بعد قتله محرم شرعا ولو عند الضرورة .
2 - أكل لحم الآدمى الميت محرم شرعا إلا عند الضرورة على خلاف فى ذلك بين الفقهاء وبشروط معينة .
3 - طعام أهل الكتاب غير الذبائح حلال ولا شىء فيه .
أما ذبائحهم فما تأكد أنه ذكر عليها اسم غير الله لا يحل أكله .
وعند عدم العلم بذلك فيحل أكله لحديث (سم وكل)
Q بالطلب المقدم من أ .
ع المتضمن أن السائل يطلب بيان حكم الشرع فى الأمرين الآتيين : 1 - سمع السائل من بعض العلماء أن لحم الإنسان مباح أكله عند الضرورة .
فهل هذا صحيح وما هى هذه الضرورة . 2 - ما هو الرأى فى طعام أهل الكتاب مع العلم بأن الذبح عندهم غير شرعى
An الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده .
عن السؤال الأول اتفق الفقهاء جميعا على عدم جواز قتل الآدمى الحى وأكله عند الضرورة حتى ولو كان مباح الدم كالحربى والمستأمل والزانى المحصن، لأن تكريم الله سبحانه وتعالى لبنى آدم متعلق بالإنسانية ذاتها فتشمل معصوم الدم وغيره، أما أكل لحم الآدمى الميت .
فاختلف فيه الفقهاء . فقال الحنفية على ما جاء فى الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى الجزء الخامس إن لحم الإنسان لا يباح فى حال الاضطرار ولو كان ميتا لكرامته المقررة فى قوله تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } الإسراء 70 ، وبهذا أيضا قال الظاهرية .
وقال المالكية .
إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمى إذا كان ميتا. وأجاز الفقه الشافعى والزيدى أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها ألا يجد غيره، وفى الفقه الحنبلى أن لحم الإنسان الميت لا يباح أكله عند الضرورة وهناك قول آخر بالإباحة بالإباحة ورحجه ابن قدامة فى المغنى .
والذى نختاره للإفتاء هو قول الحنفية والظاهرية وبعض فقهاء المالكية والحنابلة القائلين بعدم جواز أكل لحم الآدمى الميت عند الضرورة لكرامته .
والضرورة هى دفع الهلاك وحفظ الحياة .
وعن السؤال الثانى طعام أهل الكتاب إن كان لا يحتاج إلى زكاة أى ذبح فلا خلاف بين العلماء فى حل أكله .
أما ذبائح أهل الكتاب وهم النصارى واليهود فقد قال الشوكانى فى تفسيره لآية { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } المائدة 5 ، قال الطعام اسم لما يؤكل ومنه الذبائح .
وذهب أكثر العلماء إلى تخصيصه هنا بالذبائح وفى هذه الآية دليل على أن جميع طعام أهل الكتاب من غير فرق بين اللحم وغيره حلال للمسلمين وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله وتكون هذه الآية مخصصة لقوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } الأنعام 121 ، وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال وإن ذكر اليهودى اسم عزير على ذبيحته وذكر النصرانى على ذبيحته اسم المسيح .
وإليه ذهب ابن الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهرى وربيعة والشعبى ومكحول .
وقال على وعائشة وابن عمر إذا سمعت الكتابى يسمى غير الله فلا تأكل - وهذا هو قول طاووس والحسن وتمسكوا بقوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ويدل عليه أيضا قوله تعالى { وما أهل لغير الله به } المائدة 3 ، وقال مالك إنه يكره ولا يحرم .
ثم قال وهذا الخلاف ينصب على ما إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا اسم غير الله على ذبائحهم، أما مع عدم العلم فقد حكى الطبرى وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية - ولما ورد فى السنن من أكله صلى الله عليه وسلم من الشاة المصلية التى أهدتها إليه اليهودية .
وهو فى الصحيح وغير ذلك . وعلى هذا فطعام أهل الكتاب غير الذبائح حلال ولا شىء فيه - أما ذبائحهم فما تأكد أنه ذكر عليها اسم غير الله لا يحل أكله، وعند عدم العلم بذلك فيحل أكله لحديث سم وكل والله سبحانه وتعالى أعلم(7/217)
القرض بفائدة حرام شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1400 هجرية - 25 فبراير 1980 م
M 1 - الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين .
2 - الاقتراض من المؤسسات التى تملكها الدولة والاستدانة من البنوك مقابل فائدة محددة مقدما 3 يعتبر قرضا بفائدة .
وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام .
ويدخل فى ربا الزيادة . 3 - الاقتراض بالفائدة لتشييد بناء لاستغلاله بالتأجير أو التمليك للغير كسب مشوب بالربا الذى يحرم على المسلم التعامل به
Q بالطلب المتضمن ما يلى أن الدولة اعتمدت مبلغ مائتين وخمسين مليونا من الجنيهات لأعمال الإسكان والبناء بواقع 3 براحة ثلاث سنوات وتحصل المبلغ على ثلاثين عاما .
ويقول السائل . هل يمكن أن أقترض مبلغا من هذا المال لإقامة مسكن على قطعة أرض أملكها لينتفع بها مسلك ليس له مسكن فى شقة من هذه على أن يسدد هذا المال بالشروط والضمانات التى تراها الدولة
An يقول الله تعالى فى سورة آل عمران { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } آل عمران 130 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح .
مثلا بمثل يدا بيد . فمن زاد أو استزاد فقد أربى . الآخذ والمعطى فيه سوا) رواه أحمد والبحارى وأجمع المسلمون على تحريم الربا .
ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا النسيئة، وربا الزيادة محرم شرعا بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، ولما كان الاقتراض من مؤسسات التى تملكها الدولة والاستدانة من البنوك مقابل فائدة محددة مقدما مثل 3 يعتبر قرضا بفائدة وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام .
ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدمات فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى النصوص الشرعية .
لما كان ذلك فإن اقتراض السائل من الأموال المذكورة فى السؤال بالفائدة المحددة 3 يكون محرما شرعا، لأنه تعامل بالربا دون ضرورة أو حاجة ذاتية للسائل، لأن الظاهر من سؤاله أنه يريد الاقتراض بالفائدة لتشييد بناء لاستغلاله بالتأجير أو التمليك للغير فيكون كسبه على هذا الوجه مشوبا بالربا الذى يحرم على المسلم التعامل به ويجب عليه أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/218)
التعويض عن اخلاء الأرض الزراعية غير جائز شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
شعبان 1400 هجرية - 3 يولية 1980 م
M 1 - إيداع الأموال فى البنوك مقابل شهادات الاستثمار بفائدة محددة مقدما بواقع 10 يعتبر من باب القرض بفائدة .
وكل قرض بهذا الوصف محرم شرعا .
ومن ثم تدخل هذه الفائدة فى ربا الزيادة المحرم شرعا . 2 - لا يحل للمسلم الانتفاع بالمال الحرام .
وإذا حصل عليه يتخلص منه بالصدقة .
3 - أخذ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه فى نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا .
لأن عقد الإجارة لا يستتبع مليكة العين المؤجرة .
ويصبح هذا إن تم من أكل أموال الناس بالباطل المنهى عنه
Q بالطلب المتضمن أن السائل يملك قطعة أرض مؤجرة للغير ويرغب فى بيعها، والمستأجر يطلب منه نصف المساحة ليعطيه الباقى ليبيعه .
ويريد شراء شهادات استثمار بثمن القطعة المباعة بفائدة 10 ليساعده على مواجهة أعباء المعيشة .
ويطلب الإفادة عن نسبة ال- 10 هل هى حرام وهل أخذ المستأجر نصف المساحة حلال أم حرام وبيان الحكم الشرعى فى ذلك
An قال الله تعالى فى كتابه الكريم { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وروى الإمام مسلم عن حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا هذه النصوص وغيرها من القرآن والسنة تدل صراحة على تحريم الربا بنوعيه ربا النسيئة وربا الزيادة، وقد أجمع المسلمون على ذلك ولما كان إبداع الأموال فى البنوك مقابل شهادات الاستثمار بفائدة محددة مقدما بواقع 10 يعتبر من باب القرض بفائدة، وكل قرض بهذا الوصف محرم، ومن ثم تدخل هذه الفائدة فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى النصوص الشرعية المشار إليها وإجماع المسلمين .
فلا يحل للمسلم أن ينتفع بالمال المرحم، وإذا حصل عليه يتخلص منه بالصدقة، إذ على المسلم أن يتحرى الربح الحلال ويبتعد عن الكسب الحرام أو ما فيه شبهة الحرام .
ابتاعا للحديث الشريف دع ما يريبك إلى ما لا يريبك هذا وأخذ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه فى نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا .
لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة ويصبح هذا إن تم من باب أكل أموال الناس بالباطل المنهى عنه بقول الله سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } النساء 29 ، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف والله سبحانه وتعالى أعلم(7/219)
الفوائد وتعليق الصور فى المنازل
F جاد الحق على جاد الحق .
رمضان 1400 هجرية - 6 أغسطس 1980 م
M 1 - الفوائد هى من قبيل الربا المحرم شرعا لا يباح الانتفاع بها .
2 - طريق التخلص من الكسب المحرم هو التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية .
3 - تعليق الصور فى المنازل لا بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة أو التحريض على الفسق والفجور وارتكاب المحرمات
Q بالطلب المتضمن أولا كان للسائلة مبلغ من المال وضعته فى البنك بفائدة وقد صرفت قيمة هذه الفائدة وهى معها، وتطلب الإفادة عن كيفية التصرف يها بعد أن عرفت أنها تعتبر ربا محرم .
ثانيا تطلب الإفادة عن الصور التى تعلق بحوائط المنازل بقصد الزينة .
هل هى حلال أم حرام وهل تمنع دخول الملائكة المنازل وبيان الحكم الشرعى فى ذلك
An عن السؤال الأول يقول الله تعالى فى كتابه الكريم { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر .
والشعير بالشعير .
والتمر بالتمر . والملح بالملح، مثلا بثمل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه) رواه أحمد والبخارى .
ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين .
لما كان ذلك فلا يباح للسائلة الانتفاع بهذه الفائدة، لأنها من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا .
وطريق التخلق من الكسب المحرم هو التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية .
وعلى كل مسلم ومسلمة أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .
عن السؤال الثانى ك اختلف الفقهاء فى حكم الرسم الضوئى بين التحريم والكراهة، والذى تدل عليه الأحاديث النبوية الشريفة التى رواها البخارى وغيره من أصحاب السنن وترددت فى كتب الفقه، أن التصوير الضوئى للإنسان والحيوان المعروف الآن والرسم كذلك لا بأس به، إذا خلت الصور والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة وخلت كلذلك عن دوافع تحريك غريزة الجنس وإشاعة الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات .
ومن هذا يعلم أن تعليق الصور فى المنازل لا بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة، ولم تكن من الصور أو الرسوم التى تحرض على الفسق والفجور وارتكاب المحرمات .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/220)
كتابة شىء من القرآن بقصد الشفاء غير جائز شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1401 هجرية - 20 ديسمبر 1980 هجرية
M 1 - كتابة بعض آيات القرآن الكريم أو سورة وتعليقها فى أعناق الأولاد، أو حملها بقصد الشفاء غير جائز شرعا .
2 - ليس لمسلم أن يستحل أجر كتابة آية أو سورة للاستشفاء بها على أى وجه من الوجوه .
لاتفاق العلماء على عدم جواز الإجارة على ذلك شرعا
Q بالطلب وفيه أن السائل من حملة القرآن الكريم .
ويطلب منه بعض المصلين أن يكتب له آية من كتاب الله تعالى تبركا بها، أو يكون عنده مريض فيكتب له آية من القرآن مثل آية الكرسى أو المعوذتين أو الفاتحة .
وقد اعترض عليه بعض الناس على أساس أن هذا لا يجوز، علما بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال (خذ من القرآن ما شئت لما شئت) فهل يجوز هذا لا يجوز، علما بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( خذ من القرآن ما شئت لما شئت ) فهل يجوز هذا العمل أم لا يجوز
An إن القرآن وحى إلهى نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون للعاملين نذيرا وبشيرا ، جاء بالعقيدة والشريعة فيه نبأ السابقين، من قال به صدق، ومن اهتدى به فققد هدى إلى صراط مستقيم .
وقد اختلف العلماء فى جواز كتابة بعض آيات القرآن الكريم أو سورة وتعليقها فى أعناق الأولاد أو حملها، أو بعبارة أخرى فى جواز تعليق التمائم من القرآن وأسماء الله تعالى وصفاته .
فقالت طائفة بجوازه ونسبوا هذا إلى عمرو بن العاص وأبى جعفر الباقر ورواية عن الإمام أحمد .
وطائفة أخرى قالت بعدم جواز تعليق التمائم للحديث الذى رواه أحمد عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له) والتميمة ما يعلق فى أعناق الأولاد من خرازات وعظام وغيرها لدفع العين .
وقد جزم كثير من العلماء بقول الطائفة الأخيرة احتاجاها بهذا الحديث وما فى معناه، لأن النص عام ولا مخصص لعمومه وسدا للذريعة حتى لا يعلق فى أعناق الصغار ما يجعلهم يكبرون وهم يعتقدون أن شفاءهم أو حفظهم بهذا المكتوب ولم يكن من عند الله { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم } يونس 107 ، وقد سئل ابن ابى يزيد المالكى عن أجر من يكتب ورقة فيها نحو اسم الله وما اشبه ذلك مع قرآن، وهل يجوز كتابة هذا فقال لم يأت هذا فى القرآن ولا فى الأحاديث الصحاح فلا يجوز، السنة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم أحب إلينا أن يدعى بالقرآن وبأسماء الله وصفاته (الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمى المكى ص 88) وهذا هو ما يشير إليه القرآن الكريم فى آيات الدعاء وفيما حكاه عن الأنبياء والصالحين من الالتجاء إلى الله سبحانه من دعاء واستغاثه .
لما كان ذلك كان العمل المسئول عنه غير جائز، لأن فيه إساءة استعمال لآيات القرآن الكريم، ولا ينبغى لمسلم أن يتخذ القرآن تميمة يعلقها فقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم التمائم بوجه عام، بل ودعا على من يستعملها بعدم التمام .
أى قضاء حاجته من شفاء وغيره، وليس لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ورسله أن يستعمل القرآن فى غير ما أنزل له وليس لمسلم أن يستحل أجر كتابة آية أو سورة للاستشفاء بها على أى وجه من الوجوه .
إذ قد اتفق الفقهاء على أن هذا العمل بهذا القصد لا يجوز الإجازة عليه شرعا ولا يحل التكسب به .
أما الحديث الوارد فى السؤال (خذ من القرآن ما شئت لما شئت) فإنه غير صحيح، إذ لم يرد فى أى كتاب من كتب السنة، ويصدق على من يقول به ويتحدث عنه ويعمل به قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم والنسائى عن أنس قال (إنه ليمنعنى أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من تعمد على كذا فليتبوأ مقعده من النار) كتاب عمدة القارى شرح صحيح البخارى ج - 2 ص 152 والله سبحانه وتعالى أعلم .
ے(7/221)
يحرم العربون عند عدم اتمام الصفقة
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1410 هجرية - 17 فبريرا 1981 م
Mالعربون الذى دفعه المشترى إلى البائع ولم تتم الصفقة مرحم على البائع ويتعين عليه رده إلى المشترى إن كان على قيد الحياة أو إلى ورثته إن كان قد توفى .
وإلا تصدق به فى المصالح العامة للمسلمين
Q بالطلب المقيد وقد جاء به ما خلاصته تعاقد أحد الأشخاص مع مالك لأرض، على شراء قطعة أرض من ملكه للمبانى ت ودفع عربونا ت مبلغا من النقود أثناء التوقيع على عقد الوعد بالبيع .
ونص فى العقد على دفع باقى الثمن على اقساط ثلاثة يحل أولها فى آخر شهر يناير شنة 1980 والثانى فى آخر فبراير سنة 1980 والثالث فى آخر مارس سنة 1980، واتفقا على أن يطبق على مبلغ العربون قواعد القانون، إذا لم يقم المشترى بستديد الأقساط فى مواعيدها .
ولما لم يف المشترى بالأقساط .
أنذره البائع بفسخ الوعد بالبيع فحضر وتسلم القسط الأول الذى كان قد سدده المشترى، ورأى الحاضرون أنه غير محق لى استرداد العربون لإخلاله بشروط العقد وقد انصرف المشترى معترفا بخطئه .
والسؤال ما هو حكم الإسلام فى العربون وهل هو من حق البائع شرعا وهل له أن يتبرع به فى وجه من وجوه البر مثلا إذا لم يكن من حقه
An روى مالك فى الموطأ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربون) .
ورواه أيضا أحمد والنسائى وأبو داود، ورواه الدار قطنى، ورواه البيهقى موصولا وقد فسر الإمام مالك العربون قال ذلك فيما نعلم أن يشترى الرجل العبد أو يكترى الدابة ثم يقول أعطيك دينارا، على أنى إن تركت السلعة أن الكراء فما أعطيتك لك .
وهذا الحديث قد ورد من طرق يقوى بعضها بعضا، وهو يدل على تحريم البيع مع العربون، لما فيه من الشرط الفاسد والغرر وأكل أموال الناس بالباطل، وقد نص على بطلان البيع مع العربون على تحريمه فقهاء مذاهب الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى .
وروى عن الإمام أحمد إجازته .
قال الشوكانى فى بيان علة تحريم العربون، إن البيع مع العربون اشتمل على رشطين فاسدين .
أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا بلا مقابل إن لم يتم العقد .
والشرط الآخر الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع، وأضاف الشوكانى أنه إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجح الحظر ( نيل الأوطار ج - 5 ص 153 والروضة الندية شرح الدرر البهية ج - 2 ص 98 والمجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج - 9 ص 334 و 335 ) لما كان ذلك ففى واقعة السؤال يكون استيلاء البائع على العربون غير جائز شرعا لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع العربون .
وإذ كان ذلك فما طريق التصرف فى مبلغ العربون الذى ظهر أنه من المحرمات ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المسلم إذا أخذ مالا حراما، كان عليه أن يصرفه إلى مالكه إن كان معروفا لديه وعلى قيد الحياة، أو إلى وارثه إن كان قد مات، وإن كان غائبا كان عليه انتظار حضوره وغيصاله إليه مع زوائده ومنافعه، أما إذ كان هذا المال الحرام، لمالك غير معين، ووقع اليأس من التعرف على ذاته، ولا يدرى أمات عن وارث أم لا كان على جائز هذا المال الحرام فى هذه الحال التصدق به، كإنفاقه فى بناء المساجد والقناطر والمستشفيات، وذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التصدق بالمال الحرام، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
وقد استدل جمهرة الفقهاء على ما قوالوا من التصدق بالمال الحرام، إذا لم يوجد مالكه أو وارثه بخبر الشاة المصلية ( الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج - 3 ص 498، 499 فى كتاب اللقطة - واحياء علوم الدين للغزالى فى كتاب الحلال والحرام .
خرج العرقى الحديث عن أحمد بسند جيد فى هامشه ) التى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بها بعد أن قدمت إليه، فكلمته بأنها حرام، إذ قال صلى الله عليه وسلم (أطعموها الأسارى) .
ولما قامر أبو بكر ( المرجع السابق وتخريج العراقى بهامشه ) رضى الله عنه المشركين بعد نزول قول الله سبحانه { الم .
غلبت الروم } الروم 1 - 2 ، وكان هذا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحقق الله صدقه، وجاء أبو بكر بما قامر المشركين به .
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا سحت فتصدق به) وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن الرسول عليه والصلاة والسلام لأبى بكر فى المخاطرة مع الكفار .
وكذلك أثر عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه اشترى جارية، فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرا فلم يظفر به، فتصدق بثمنها وقال اللهم هذا عنه إن رضى وإلا فالأجر لى .
واستدلوا أيضا بالقياس ( المرجع السابق وتخريج العراقى بهامشه ) فقالوا إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير، إذ وقع اليأس من مالكه، وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى به من رميه، لأن رميه لا يأتى بفائدة، أما إعطاؤه للفقير أو لجهة خيرية ففيه الفائدة بالانتفاع به، وفيه انتفاع مالكه بالأجر، ولو كان بغير اختياره، كما يدل على هذا الخبر الصحيح (أن للزارع والغارس أجرا فى كل ما يصيبه الناس والطيور من ثماره وزرعه) ولا شك أن ما يأكل الطير من الزرع بغير اختيار الزارع وقد أثبت له الرسول صلى الله عليه وسلم الآجر .
وقد رد الإمام الغزالى على القائلين بعدم جواز التصدق بالمال الحرام بقوله أما قول القائل لا نتصدق إلا بالطيب، فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر، وترددنا بين التضييع وبين التصدق، ورجحنا التصدق على التضييع .
وقول القائل لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا، فهو كذلك ولكنه علينا حرام لاستغنائنا عنه، وللفير حلال، إذ أحله دليل الشرع، وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل ( إحياء علوم الدين فى الموضع السابق فى النظر الثانى فى المصرف ص 882 إلى 890 ج - 5 طبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية بالقاهرة 1356 هجرية ) لما كان ذلك ففى واقعة السؤال يكون مبلغ العربون الذى دفعه المشترى إلى البائع ولم تتم الصفقة محرما على البائع، ويتعين عليه رده إلى المشترى إذا كان معروفا لديه وعلى قيد الحياة، وإلى ورثته إن كان قد توفى، فإن لم يعلم بذاته ولا بورثته، فعلى البائع التصدق بمبلغ العربون فى المصالح العامة للمسلمين كبناء المساجد أو المستشفيات، لأن عليه التخلص مما حازه من مال محرم، ولا يحل له الانتفاع به لنفسه، لأن كل مسلم مسئول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .
كما جاء فى الحديث الشريف ( صحيح الترمذى ج - 9 ص 252 ) والله سبحانه وتعالى أعلم(7/222)
المراهنات من قبيل القمار المحرم شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1401 هجرية - 19 فبراير 1981 م
M 1 - اتفقت كلمة المسلمين على أن الميسر وكل قمار محرم شرعا بالقرآن الكريم .
إلا ما أباحه الشرع فيما دل الدليل على الإذن به .
2 - الرهان والقمار فوق أنهما من المحرمات باعتبارهما من أفراد الميسر .
محرمان كذلك باعتبارهما من نوعيات أكل أموال الناس بالباطل .
3 - قوله تعالى { فرهان مقبوضة } الآية من الرهن بمعنى احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى من ثمنها وليست من باب الرهان .
4 - المراهنات حسبما تجرى فى عصرنا .
ليست لغرض مشروع ولا بالشروط التى نص عليها الشارع فى الأحاديث الشريفة، وهى بذلك داخلة بواقعها وشروطها فى أنواع القمار المحرم شرعا
Q بالطلب المقيد وقد جاء به - هل الرهان والمقامرة، والرهان على الخيول المتسابقة، يتفق مع مبادىء الشريعة الإسلامية أم لا
An قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } البقرة 188 وقال سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما .
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } النساء 29 ، 30 وقال { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة 90 ، 91 ، قال أهل الفقه بلغة العرب .
إن اسم الميسر فى أصل اللغة إنما هو للتجزئة، وكل ما جزأته فقد يسرته، ويقال للجازر الياسر، لأنه يجرىء الجزور، والميسر الجزور نفسه إذا تجزأ، وكانوا ينحرون جزروا ويجعلونه أقساما يتقامرون عليها بالقداح على عادة لهم .
وقالوا إن اشتقاق لفظ الميسر من اليسر بمعنى السهولة - لأنه أخذ الرجل مال غيره بيسر وسهوله من غير كد ولا تعب، أو من اليسار لأنه سلب يساره، والذى يؤخذ من هذا أن اشتقاق لفظ (الميسر) إما من يسر إذا وجب، أو من اليسر بمعنى السهولة، لأنه كسب بلا مشقة، أو من اليسار وهو الغنى، لأنه سبب للربح، أو من اليسر بمعنى التجزئة والاقتسام .
قال أهل اللغة كل شىء فيه قمار فهو من الميسر، ويقال قامر الرجل مقامرة وقمارا، راهنه، وهو التقامر والقمار والمقامرة، وتقامروا .
لعبوا القمار ويقال فى اللغة الرهان والمراهنة المخاطرة، وقد راهنه وهم يتراهنون، وراهنت فلانا على كذا مراهنة، خاطرته، والمراهنة والرهان المسابقة على الخيل وغير ذلك .
أما الرهن فهو ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه .
( لسان العرب لابن منظور فى مادتى قمر ورهن، وأحكام القرآن للجصاص ج - 1 ص 388 وتفسير المنار ج - 2 ص 324 ) وقد اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على أن الميسر وكل قمار محرم بالآية الكريمة ( الآية 90 من سورة المائدة ) المرقومة أخيرا إلا ما أباحه الشرع على ما سيأتى بيانه وإنما كان تحريم الميسر والقمار بعمومه لما فيه من المضار النفسية، إذ يعمل على إفساد التربية بتعويد النفس الكسل، والقعود عن طلب الرزق والسعى فى سبيله انتظارا لقدومه باسباب موهومة، وإضعاف القوة العقلية .
بترك الأعمال المفيدة فى طرق الكسب الطبيعية .
وإهمال المقامرين للزراعة والصناعة والتجارة التى هى أركان العمران .
ولما فيه من المضار المالية ، إذ يؤدى الميسر والقمار إلى تخريب البيوت والإفجأة بالتحول من الغنى إلى الفقر .
والحوادث الكثيرة فى المجتمع شاهدة على ذلك .
ولقد نقل ( أحكام القرآن للجصاص ج - 2 ص 566 ) المفسرون عن ابن عباس وقتادة ومعاوية بن صالح وعطاء وطاووس ومجاهد أن (الميسر) القمار .
وأن كل ما كان من باب القمار فهو ميسر بهذه الآية .
ولقد سئل ( أحكام القرآن للجصاص ج - 1 ص 288 ) الإمام على بن أبى طالب عن رجل قال لرجل إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا، فقال على كرم الله وجهه هذا قمار ولم يجزه .
ويحرم الميسر والقمار كذلك باعتبارهما أكلا لأموال الناس بالباطل .
المنهى عنه فى القرآن ( الآية 188 من سورة البقرة و 29 من سورة النساء ) ذلك لأن أكل الأموال بالباطل كما عبر القرآن يتأتى فى صورتين إحداهما أخذ المال بطريق محضور وبرضاء صاحبه كالربا والقمار، والصورة الأخرى أخذ المال بغير رضاء صاحبه وعلى وجه القسر والظلم والخفية، كالغصب والسرقة والخيانة .
وشهادة الزور واليمين الكاذبة ونحو هذا مما حرم الله سبحانه .
فالمراد من النهى عن أكل أموال الناس بالباطل .
ما يعم الأخذ والاستيلاء وغيرهما عن طريق غير مشروع، وعبر القرآن بالأكل، لأنه أهم أغراض الانتفاع بالمال، وبين فى الآية الأولى إحدى وسائل الكسب الحلال، وهى التجارة القائمة عن تراض بين المتعاملين .
ويلحق بالتجارة كل أسباب التملك التى أباحها الشارع، كالإرث والهبة والصدقة وتملك المنافع بالإجارة والإعارة، والمراد بكلمة (الباطل) فى هاتين الآيتين - والله أعلم - ما كان بدون ماقبلة شىء حقيقى، حيث حرمت الشريعة أخذ المال بدون مقابل حقيقى يعتد به ورضاء من يؤخذ منه، وكذلك إنفاقه فى غير وجه حقيقى نافع .
ويدخل فى هذا التعدى على الناس بأخذ المنفعة بدون مقابل أو إنقاص الأجر المسمى، أو أجر المثل والغش والاحتيال والتدليس والقمار والمراهنات .
لما كان ذلك كان الرهان والقمار فوق أنهما من المحرمات باعتبارهما من أفراد الميسر محرمين كذلك، باعتبارهما من نوعيات أكل أموال الناس بالباطل، أى بلا مقابل حقيقى .
أما قوله تعالى فى سورة البقرة بعد آية المداينة { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه } البقرة 283 ، أما هذه فليست من هذا الباب، إذ الرهان فى هذه الآية ( الجامع لحكام القرآن للقرطبى ج - 2 ص 408 - 410 ) من الرهن .
بمعنى احتباس العين وثيقة بالحق، ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذها من الغريم .
ومما تقدم يتقرر أن كل ما كان من تعامل على سبيل المخاطرة، بين شخصين أو أشخاص، بحيث يغنم بعضهم فى تقدير، ويغرم من ماله على تقدير آخر .
قمار . ثم هل الرهان على الخيول المتسابقة من القمار المحرم الذى يستفاد مما سلف - وحسبما جاء فى كتب المفسرين والفقهاء - أن الرهان والقمار من الميسر المحرم إلا ما استثناه الشارع وأجازه لدوافع مشروعة .
فالرهان بمال، إنما يكون مشروعا، فيما دل الدليل على الإذن به كالتسابق بالخيل والإبل والرمى والأقدام وفى العلوم، وقد شرع هذا وأجيز للحاجة إليه لتعلم الفروسية وإعداد الخيل للحرب، وللخبرة والمهارة فى الرمى وللتفقه فى الدين وغيره من العلوم النافعة للإنسام فى حياته .
والسند فى إجازة التسابق فى هذا حديث ( نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 77 وما بعدها فى أبواب السبق والرمى ) أبى هريرة رضى الله عنه الذى رواه الخمسة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا سبق إلا من خف أو نصل أو حافر) ولم يذكر فيه ابن ماجه .
(أو نصل) أى فى الخيل والإبل والسلاح . وحديث ( المرجع السابق ) ابن عمر (أن النبى صلى الله عليه وسلم سبق بالخيل وراهن) وفى لفظ (سبق بين الخيل وأعطى السابق) رواهما أحمد - وحديث ( المرجع السابق ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فهو قمار) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .
هذه الأحاديث وغيرها مما ورد فى هذا الباب .
استدل بها الفقهاء على جواز السباق على جعل (جائزة) ( أحكام القرآن للجصاص ج - 1 ص 388 والفتوى رقم 321 سجل 46 ) فى الأحوال الآتية الأولى أن يكون الجعل أو الجائزة مقررة من غير المتسابقين كالإمام (ولى الأمر) وذلك بلا خلاف من أحد - وإن كانت الجائزة أو الجعل من أحد المتسابقين جاز ذلك عند جمهور الفقهاء .
الثانية إذا كان السباق بين اثنين، وكانت الجائزة مدفوعة من أحدهما دون الآخر، بأن يقول أحدهما إن سبق فرسك فرسى فلك منى مبلغ كذا جائزة، وإن سبق فرسى فرسك فلا شىء لى عليك .
الثالثة أن تكون الجائزة من كل من المتسابقين .
ويدخلان بينهما ثالثا ويقولان للثالث إن سبقتنا فالمال لك، وإن سبقناك فلا شىء لنا عليك، مع بقاء الشرط الذى شرطاه بينهما، وهو أيهما سبق كان له على صاحبه جعل (جائزة) باق على حاله، فإن غلبهما الثالث أخذ المالين .
وإن غلباه فلا شىء لهما عليه. ويأخذ أيهما غلب المشروط له من صاحبه وأما إذا كان المال المشروط جائزة من كل منهما ولم يدخلا هذا الثالث فهو من القمار المحرم .
وقد حكى عن الإمام مالك أنه لا يجيز أن يكون العوض (الجائزة) من غير الإمام (ولى الأمر) .
وفيما تجز المسابقة فيه خلاف بين الفقهاء لكن الشوكانى ( المرجع السابق وسبل السلام للصنعانى ص 104 ج - 4 ) قد نقل عن القرطبى قوله لا خلاف فى جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام، وكذا الرمى بالسهام واستعمال الأسلحة، لما فى ذلك من التدريب على الجرى .
وإذ كان ذلك وكان الرهان على الخيول المتسابقة .
إنما تؤدى جوائزه من حصيلة تذاكر المراهنات، وكان إقدام حائزى هذه التذاكر على شرائها .
إنما هو للمراهنة والكسب بهذا الطريق فقط، وليس إقدامهم على الاشتراك فيها تبرعا، لإنماء روح الفروسية المشروعة، كما أن هذه المسابقات لا تجرى لتدريب الخيول المتسابقة على فنون الفروسية التى تستعمل فى حفظ أمن البلاد داخليا وخارجيا، وإنما أعدت تلك الخيول لهذه المراهنات .
لما كان ذلك كان إجراء هذه المسابقة محرما، وكانت هذه المراهنات حسبما تجرى فى عصرنا ليست لغرض مشروع، ولا بالشروط التى نص عليها الشارع فى الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسم، وكان كل ذلك داخلا - بواقعه وشروطه - فى أنواع القمار المحرم شرعا .
لأنه من قبيل الميسر الذى سماه الله سبحانه فى الآية الكريمة ( رجس من عمل الشيطان ) المائدة 90 ، وقد امتد هذا الحكم ليشمل كل تعامل يدخل تحت هذا الاسم، بالاعتبارات المشروحة التى أهمها المخاطرة والحصول على مال بدون مقابل حقيقى .
ويؤكد هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نيل الوطار للشوكانى ج - 8 ص 80 و 81 ) قال (الخيل ثلاثة فرس يربطه الرجل فى سبيل الله، فثمنه أجر وركوبه أجر، وعاريته أجر وعلفه أجر، وفرس يغالق ( المغالقة المراهنة كما فى القاموس ) فيه الرجل ويراهن، فثمنه وزر ( الوزر الذهب والاثم ) وعلفه وزر وركوبه وزر، وفرس ( بمعنى طلب انتاجها بالولادة ) للبطنة .
فعسى أن يكون سدادا من الفقر إن شاء الله) .
وإذا كان الحفاظ على المال وإنفاقه فى الوجوه المشروعة من الضروريات فى الإسلام، كانت المقامرة به فى الرهان والقمار أيا كانت صورهما من الأمور المحرمة قطعا، فقد عنى الإسلام بتوجيه المسلمين إلى كسب المال بالطرق المباحة الحلال، وإلى إنفاقه كذلك فيما يفيد الإنسان، وكانت حكمة بالغة تلك التى أشار إليها النص القرآن الكريم { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة 91 ، هذه الحكمة تجريم لهذا العمل لما يترتب عليه من المفاسد والمآسى التى تقضى إلى إضاعة المال وتخريب البيوت العامرة، وكم دفع القمار محترفيه إلى ارتكاب صنوف الجرائم كالسرقة والاختلاس بل والانتحار .
والامراء فى أن الرهان على الخيول المتسابقة يحمل هذا الشر والمستطير، وان كل ما جاء عن طريقه يسار موقوت لا خير فيه ولا دوام له، كما أفاد الحديث الشريف والأخير حيث نص صراحة على تحريم اتخاذ الخيول للمراهنات .
وبعد .
فإن الله سائل كل إنسان عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .
كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه ابن مسعود رضى الله عنه قال (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عم عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم ) ( صحيح الترمذى ج - 9 ص 252 ) والله سبحانه وتعالى أعلم(7/223)
تعاطى المخدرات بالحقن محرم شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
22 يونية 1981 م
M 1 - كل شراب من شأنه الإسكار بتعاطيه يكون خمرا محرما بالقرآن الكريم والسنة الشريفة ولو كان عن طريق الحقن .
2 - يجوز للضرورة التداوى بالمحرم إذا تعين دواء بقول طبيب حاذم مسلم أمين
Q بالطلب المقدم من السيد المتضمن أن له زميلة بالعمل متزوجة من رجل يعيش مع والديه، ووالدته مريضة من مدة طويلة وتعطى حقنا مخدرة باستمرار مثل (الفاكافين - مورفين) وهى تتعاطى هذه الحقن بناء على كشف أطباء مسلمين ومسيحيين أجمعوا على ضرورة إعطائها هذه الحقن باستمرار .
ويطلب الإفادة هل هذا حلال أم حرام وبيان الحكم الشرعى فى ذلك
An الذى تدل عليه النصوص الشرعية أن كل شراب من شأنه الإسكار عند تعاطيه يكون خمرا محرما بقوله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة 90 ، وقوله عليه الصلاة والسلام (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه أحمد وابن ماجه والدار قطنى .
فيحرم لذلك شربها أو تعاطيها عن طريق الحقن للصحيح والمريض، غير أن بعض الأئمة قد رخص للمريض فى التداوى بالمحرم إذا تعين دواؤه به بقول طبيب أمين حاذق مسلم تقديرا للضرورة .
لأن المريض إذا توقف شفاؤه على تعاطى الخمر ولو لم يتعاطاها لهلك يحل له شرعا أن يشربها لهذه الضرورة دفعا للضرر عن نفسه عملا بقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، وهذا إذا تعنيت دواء لشفائه ولم يوجد دواء آخر يدفع عنه التهلكة غيرها، لأن حرمة تناولها ساقطة فى حالة الاستشفاء، كحل الخمر والميتة للعطشان والجائع عند الضرورة .
وقد تقدم العلم والطب فى هذا العصر، وتوجد بدائل كثيرة من الأدوية التى لا تحتوى على المحرم، أو احتوته ولكن تحول بالصناعة، فتكون الضرورة غير موجودة، وإن وجدت تقدر بقدرها .
لما كان ذلك فإذا كان الدواء المخدر الذى تتعاطاه السيدة المسئول عنها لا بديل له من الأدوية التى تخلو من المخدرات أو المحرمات عموما، جاز لها أن تتناوله مادام قد نصح الطبيب المسلم الموثوق بدينه وعلمه بنفعه لها وانعدم بديله .
فقد قال سبحانه فى ختام آية المحرمات { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } ، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/224)
الاحتفال بوفاء النيل ليس من الدين فى شىء
F جاد الحق على جاد الحق .
شوال 1401 هجرية - 12 أغسطس 1981 م
M 1 - وأد البنات عادة جاهلية لدفع العار وخشية الفقر وقد أبطلها الإسلام .
2 - العودة إلى الاحتفا بزفاف عروس النيل ارتداد إلى الجاهلية عمياء، لا تفريق فيها بين الحلال والحرام
Q نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 6/8/1981 فى باب المرأة تحت عنوان لأول مرة منذ آلاف السنين ( مسابقة لاختيار ملكة جمال النيل، وعودة احتفالات بوفاء النيل بعد توقفها 12 عاما ) ما خلاصته إن قدماء المصريين كانوا يقومون باختيار أجمل فتاة عذراء فى مصر، ويلبسونها أفخر الثياب ويزينوها بأغلى الحلى، ثم يسيرون بها فى موكب بحرى كبير فى النيل، ويلقونها لى الماء ليتزوجها النيل الخالد غرضاء له وشكرا على فيضانه، وعندما جاء العرب استبدلوا العروسة البشرية بتمثال لعروس النيل، وفى هذا العام يتخذ الاحتفال مظهرا أكثر حيوية، ويفتح المجال أمام الفتيات من سن 15 إلى 25 للاشتراك فى مسابقة ملكة جمال النيل أمام لجنة التحكيم التى ستنعقد لاختيارها، وأن العروس الفائزة بلقب ملكة جمال النيل ستنطلق يوم 24 أغسطس الجارى من أمام الميرديان فى موكب داخل مركب فرعونى، ثم مركب بها 400 أربعمائة موعو من مختلف الهيئات الدبلوماسية، ومن ورائهم 50 خمسون مركبا شراعيا .
حيث يسير هذا الموكب من فندق الميرديان إلى كوبرى قصر النيل، حيث يتوقف الموكب وتبدأ المراسم المتبعة فى ذلك، ويلقى محافظ القاهرة الوثيقة، وتطلق الصواريخ وتفقز العروس فى النيل .
وقيد الموضوع برقم 275 سنة 1981
An وردا على ما نشر فقد أصدر صاحب الفضيلة مفتى جمهورية مصر العربية الشيخ جاد الحق على جاد الحق .
بيانا فى مقال نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 9 شوال 1401 هجرية الموافق 9/8/1981 نقدا لهذا الاتجاه تحت عنوان (أوقفوا اليوم فورا هذا العبث باسم وفاء النيل) ونصه الآتى كان للأمم الغابرة عادات يرونها وحسب معتقداتهم من لوازمهم، ولقد جرت بعض قبائل العرب فى الجاهلية على وأد البنات، إما للفقر أو خشية عارهن إذا انحرفت بهن الحياة أو انحرفن بها، وجاء الإسلام وقال لهم القرآن { وإذا الموءودة سئلت .
بأى ذنب قتلت } التكوير 8 ، 9 ، فخشعت قلوبهم لما نزل من الحق، وراتفع القرآن بحواء وأبان مكانتها .
أما وزوجا وبنتا وأختا ، وكشف عن واقعها فى الحياة ، فلها ذمتها ولها حركة حياتها فى نطاق النظام العام الإسلامى ولم يكن العرب وحدهم هم وأدة البنات، بل شاركهم فى ذلك المصريون القدماء، فقد روى التاريخ أن المصريين كانوا يحتفلون بيوم وفاء النيل فى شهر توت أو مسرى كل عام، وقد كان هذا الحفل ينتهى بإلقاء عروس فى النيل - اى والله عروس فتاة من بنى الإنسان يلقون بها فى النهر وقت فيضانه، فى أمواجه الهادرة فى غرينه وطميه، عقيدة منهم أن النهر يرضى عنهم إذا زوجوه تلك العروس، فيفيض دائما ولا يغيض ولما دخلت مصر فى الإسلام، وارتفع فى سمائها نداؤه ودعاؤه، وعلمت أن الله وحده هو واحب النيل إلى مصر، وهو سبحانه الذى فجر هذا النهر، حتى فاضت جنباته عيونا من الأرض وأنهارا من السماء، أوقف حاكم مصر المسلم وأد البنات فيها، وأجرى فيها حكم الله، وتلا عليهم قوله { وإذا الموءودة سئلت .
بأى ذنب قتلت } التكوير 8 ، 9 ، وأعلمهم بأن الله سبحانه هو صاحب هذه النعمة، نعمة هذا النهر الجارى بإذه وأمره حتى شق الفيافى والقفار، واجتاز بلادا وحدودا ليروى كنانة الله فى أرشه، مصر، ويهبها الحياة، واستبدل عروسهم التى يئدونها فى النيل، بكلمة الله ألقاها فى مياهه التى فاضت، وقال أيها النيل إن كنت تجرى باسم الله ومن الله مجريك، وإن كنت لا تجرى إلا بهذه العروس فلا تجر، لأن الله مرسل الرياح ومجرى السحاب قال جل شأنه { وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا } الرعد 3 ، وقال أيضا { والله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت } فاطر 9 ، فهل يجوزب عد أن مضى على وأد هذه العادة المصرية الجاهلية قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان أن نعود إليها ونخالف حكم الله، فقد طالعت قبل أيام خبرا يتحدث عن النية إلى إقامة مسابقة لاختيار ملكة جمال النيل، وعودة الاحتفالات بوفاء النيل بعد توقفها 12 عاما، يا هول هذا الخبر وما حواه من استغراض لأجساد فتياتنا من سن 15 إلى 25، أعود إلى سوق النخاسة والرقيق الأبيض وهذا المهرجان يدعو إلى حفل زفاف عروس النيل الذى تشهده الدولة رسميا وتنظمه، بل وتدعو إليه الهيئات الدبلوماسية فى مصر، مصر الإسلام، مصر الأزهر، مصر التى وضعها العالم رائدة وقائدة للعرب والمسلمين، ترتد إلى جاهلية عمياء، ولا تفرق فيها بين الحلال والحرام .
أى وثيقة هذه التى يلقيها المسئول الكبير فى النيل مع العروس التى اشترط أن تجيد السباحة وأن تلتقطها فرق الإنقاذ، أى خدس ، وأى إهانة للأنثى التى كرمها الله وحرم وأدها، بل وحرم لمسها لغير محارمها أو زوجها .
أى وثيقة تلك وماذا تحوى هل تحوى جريان النيل باسم الله وبلوغ مياه الفيضان القدر المقرر لتحصيل الضرائب إظهارا للعدل فى الرعية وشكرا لنعماء الله أو تحوى تزويج هذه العروس للنيل والعودة إلى وثيقة محاها الإسلام { ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب } البقرة 211 ، إلى المسئولين عن تنظيم هذا المهرجان أسوق الحديث .
وإن مصر لا تروج فيها هذه المهرجانات، ولا ينبغى أن تقام فيها - أيها المسئولون جميعا أوجه الرجاء والنداء .
أوقفوا هذه المهازل . إنا ندعو المسئولين جميعا بالتدخل لوقف هذه المهرجانات الفاسد .
والله يهدى إلى الحق وغلى صراط مستقيم .
هذا وقد نشرت جريدة الأهرام بعددها الصادر بتاريخ 10/8/1981 فى باب أخبار الصباح ما يلى عزيز قاسم مدير عام الميرديان بالقاهرة ألغى مسابقة وفاء النيل .
كما نشرت جريدة الجمهورية بعددها الصادر بتاريخ 10/8/1981 ما يلى الميرديان يلغى المسابقة ويعتذر ل - 70 فتاة(7/225)
كسب مصفف شعر المرأة حرام
F جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1402 هجرية - 13 ديسمبر 1981 م
M 1 - لا يحل لغير الزوج ومحارم المرأة النظر إلى ما عدا الوجه والكفين ولامس شىء من جسدها .
2 - تصفيف الرجل شعر امرأة أجنبية عنه محرم شرعا وكسبه منه يكون حراما
Q بالطلب المتضمن أن ابن السائل يعمل مصففا لشعر السيدات، وأشار فى سؤاله إلى أن هذا العمل هو مورد ابنه وليس له مصدر رزق آخر، ويسأل عن حكم ذلك شرعا
An يقول الله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون .
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا آية المؤمنون لعلكم تلفحون } النور 30 ، 31 ، هذا أمر من الله تعالى للرجال والنساء على السواء بأن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح الله لهم النظر إليه، لأن النظر داعية إلى فساد القلب وذريعة للوقوع فى المحرمات .
وقد روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتى أبدلته إيمانا يجد حلاوته فى قلبه) .
( تفسير ابن كثير ج - 3 ص 282 ) وروى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطى، والنفس تمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه .
( المصدر السابق ) وقد أوضحت الآية الأخيرة أن على المرأة أن تستر جسدها من قمة رأسها إلى القدمين ، وفقط يباح لها كشف وجهها وكفيها حسبما جاء فى حديث السيدة أسماء .
عن خالد بن دريك عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها .
وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه ( نيل الأوطار ج - 6 ص 114 باب ان المرأة عورة إلا وجهها وكفيها ) رواه أبو داود .
ومن ثم فلا يحل لغير الزوج ومحارم المرأة النظر إلى ما عدا الوجه والكفين من جسدها .
ولما كانت هذه النصوص من القرآن والسنة قد أوجبت على المرأة ستر جسدها من قمة رأسها إلى قدميها، وحرمت النظر إليها من غير زوجها ومحارمها الذين بينهم الله فى هذه الآية الأخيرة، كان مس شىء من جسدها محرما، لأنه أكثر إثارة للغرائز من النظر .
ولما كان الرجل الذى يقوم بتصفيف الشعر لغير زوجة له أو لغير محرم منه إنما يمس جزءا من جسدها وجب ستره، وحرم الله النظر إليه وبالتالى حرم مسه، كان هذا العمل محرما على الرجال، وكل عمل محرم يكون كسبه محرما، مع أن تحرى الكسب الحلال من الواجبات التى أمر الله سبحانه وتعالى بها فى القرآن الكريم، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } البقرة 172 ، وروى أن سعدا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله تعالى أن يجعله مجاب الدعوة .
فقال له (أطب طعمتك تستجب دعوتك) ( احياء علوم الدين ج - 5 ص 22 كتاب الحلال والحرام ) والله سبحانه وتعالى أعلم(7/226)
حكم الإسلام فيما يهدى إلى الحكام
F جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1402 - 14 ديسمبر 1981 م
M 1 - إذا قبل أحد عمال الدولة هدية يأتى يوم القيامة حالمها .
2 - لا ثراء على حساب الوطن والمواطنين .
3 - يحرص الإسلام على نظافة يد حكامه، ويرى أن كل عائد يعود على الموظف بسبب عمله غلولا وسرقه، يحمل وزرها فى الدنيا ولآخرة ما دام خارجا عن راتبه
Q بيان من دار الإفتاء عن حكم الإسلام فى الهدايا للحكام المقيد برقم 422 سنة 1981
An ونصه الآتى طالعت التحقيق الذى أثارته (مايو) فى عددها الصادر يوم الاثنين 7 ديسمبر سنة 1981 فى الهدايا التى تقدم للموظفين بالحكومة بمناسبة امتناع السيد الفريق / محمد عبد الحليم أبو غزالة - وزير الدفاع والإنتاج الحربى عن قبول هدية عرضت على سيادته من إحدى الهيئات .
وقد افتتح هذا التحقيق بأنه لا يوجد نص فى الدستور يقضى بألا يتلقى موظف حكومى أو مسئول سياسى هدايا مهما تفاوتت قيمتها .
سواء كانت هدايا رمزية مثل الأقلام والمفكرات أو غير ذلك، أو كانت هدايا باهظة الثمن مثل السيارات وتذاكر السفر المجانية، وأن هناك نصا فى قانون العقوبات يجرم الرشوة، وأورد التحقيق نماذج مما يجرى فى قوانين بلاد مختلفة من الشرق ومن الغرب بين الإباحة والتجريم .
وإذا كان دستور مصر قد خلا من النص الذى يبيح للموظف بالدولة أيا كانت درجة وظيفته وموقعه قبول الهدايا، سواء من الأفراد أو الهيئات وطنية أو أجنبية أو يمنع ذلك ويجرمه، فإنه قد نص فى المادة الثانية منه على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع .
وتنفيذا لهذا النص ينبغى الرجوع إلى مصادر الشريعة الإسلامية عندما يعوزنا النص القانون الصريح فى الإباحة أو التحريم، وذلك ما يجب حتى لا نضل السبيل إلى الطريق المستقيم الذى نرجو أن يكون هدفنا فيما نبتغى من الطهارة والابتعاد عن الريب والشكوك .
ولعلنا لسنا فى حاجة إلى التنبيه إلى أن القوانين الحالية قد اعتدت بمبادىء الشريعة الإسلامية فى التطبيق كما جاء فى المادة الأولى من التقنين المدنى، وإن جاء حكمها فى غير الموضع الواجب .
وعندما نطالع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نراه قد قطع وأبان الحكم جليا لا شبهة فيه، ولا يحتمل التأويل فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم وأبو داود عن أبى حميد الساعدة رضى الله عنه، ونقله المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب .
قال استعمل النبى صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد (اسم قبيلة باليمن) يقال له ابن اللتبية على الصدقة (أى يجمع الزكاة ممن وجبت عليهم) فلما قدم قال هذا لكم، وهذا أهدى إلى .
قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنى أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولانى الله فيأتى فيقول هذا لكم، وهذا هدية أهديت لى، أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا .
والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحدا منكم لقى الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر (أى تصيح) ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول اللهم هل بلغت هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أمر الدستور بتنليذه ، يقول واضحا صريحا للموظف فى الدولة أيا كان موقعه، إن الهدايا لا تقدم إليك إلا لأنك فى هذا الموقع من الخفير إلى الوزير، وإلا فاجلس فى بيتك دون وظيفة فى الحكومة فانظر أيهدى إليك وقطع بتحريم قبول هذه الهدايا معلنا أن من قبل الهدية بوصفه من عمال الدولة واصطفاها لنفسه، يأتى يوم القيامة وقد حمل ما أهدى إليه باعتباره استغلالا لموقعه .
إن ما فعله السيد الوزير قدوة لصالحة، ونحن فى حاجة إلى هذه القدوة حتى يقتدى بها كل العاملين فى وظائف الدولة أيا كان قدر تلك الوظائف وموقعها، وحتى يعمل الموظف ويؤدى واجباته باعتبارها واجبا عليه، وليست منه أو منحة يتفضل بها على أصحاب المصالح والحقوق التى وضعته الدولة أمينا عليها، وأن تحريم قبول الهدايا لشخص الموظف ولحسابه الخاص يجعله مؤديا لواجباته بالذمة والصدق، لا يتهاون فى تنفيذ صفقة من الصفقات بشروطها ومواصفاتها، ولا يثرى على حساب مصلحة الوطن والمواطنين، بل ولا يغالى فى تنفيذ ما عهد إليه تنفيذه من أمور الدولة، وما أكثرها، إن الإسلام قد حرص فى أحكامه على نقاء عمال الدولة الذين يباشرون مصالح الوطن والمواطنين، واحتسب كل فائدة أو عائد أيا كان وصفه يعود عليهم بسبب وظائفهم غلولا وسرقات، يحمل وزرها فى الدنيا وعقابا وتشهيرا به على الملأ فى الآخرة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .
لسنا بحاجة لنقل التشريع من هنا أو هناك، فلدينا شرع ينطق بالحق ويرشد إلى الاستقامة قال تعالى { إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا } الإسراء 9(7/227)
الأشياء المخدرة فى جوهرها حرام شرعا
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الأول 1402 هجرية - 2 يناير 1982 م
M 1 - جمهور فقهاء المذاهب الإسلامية متفق على حرمة الحشيش ونحوه .
2 - جرائم تعاطى المخدرات داخلة فى باب التعازير الشرعية .
3 - للسلطة المنوط بها التشريع على هذه الجرائم هو نصاب الحقوق .
4 - نصاب الشهادة على هذه الجرائم هو نصاب الحقوق .
5 - الشروط الواجب توافرها فى الشاهد واحدة، سواء كانت الشهادة فى جرائم الحدود والقصاص أو فى جرائم التعازير
Q بالطلب المطلوب به رأى الشريعة الإسلامية فيما إذا كان الجواهر المخدرة تأخذ حكم الحدود أو التعازير وما نصاب الشهادة والشروط والواجب توافرها فى الشاهد بالنسبة لهذا الموضوع
An إن الجواهر المخدرة (الحشيش وأمثاله) يحرم تناولها باعتبارها تفتر وتخدر، وتضر بالعقل وغيره من أعضاء الجسد الإنسانى، فحرمتها ليست لذاتها وإنما لأثارها وضررها .
وقد اتفق جمهور فقهاء المذاهب الإسلامية على حرمة الحشيش ونحوه، والأصل فى هذا التحريم ما رواه أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضى الله عنها قالت (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) وذلك لثبوت ضرر كل ذلك فى البدن والعقل، كما اتفق الجمهور على أن من أكل شيئا من هذه المواد أو استعمله لغير التداوى النافع طبيا لا يحد حد شرب الخمر، وإنما يعزر متعاطيها بالعقاب الزاجر المذاب إلى حد الشدة المطربة، وجب توقيع حد الخمر على من تعاطاه بهذه الصفة كشارب الخمر، كما ذهب ابن تيمية وتبعه ابن القيم من فقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى إقامة الحد على متعاطى هذه المخدرات كشارب الخمر، باعتبار أنها أشد خبثا وضررا من الخمر، واستحسن الشيعة الإمامية القول بإلحاق المخدرات بالمسكرات فى وجوب الحد ثمانين جلدة، وأفتى بعض فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة بالحد أيضا .
ومما تقدم يتضح أن هذا الخلاف قد ثار فيما إذا كانت المخدرات تعتبر بذاتها خمرا يقام الحد على متعاطيها مطلقا، أم أنها تعتبر من قبيل الخمر علة، باعتبار أنها تثبط العقل وتورث الضرر به وبالجسد، شأنها فى ذلك شأن الخمر أو أشد .
ولما كانت الحدود مسماة من الشارع والعقوبات عليها مقدرة كذلك وإما بنص فى القرآن الكريم، أو بقول أو فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم، كان إيثار القول بدخول تعاطى المخدرات فى التعازير هو الأولى والأحوط فى العقوبة، باعتبار أن الخمر تطلق عادة على الأشربة المسكرة، وإذا دخل تعاطى المخدرات ضمن المنكرات التى يعاقب عليها بالتعزير كان للسلطة المنوط بها التشريع تقنين ما تراه من عقوبات على الاتجار فيها أو تعاطيها تعزيزا، ومن العقوبات المشروعة عقوبة الجلد باعتبارها أجدى فى الردع الزجر .
أما عن نصاب الشهادة والشروط الواجب توافرها فى الشاهد على جريمة تعاطى المخدرات، فإن جرائم التعازير تثبت بما تثبت به الحقوق، أى بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وبالشهادة على الشهادة وبالقرائن القاطعة، ولا تثبت بالشهرة السائدة أو بالشائعات، ولا تقبل شهادة رجل واحد ولا أى عدد من النسوة منفردات دون رجل معهن فى إثبات هذه الجرائم .
أما عن الشروط الواجب توافرها فى الشاهد فواحدة، سواء كانت الشهادة فى جرائم الحدود والقصاص، أو فى جرائم التعازير .
وهى بإجمال الذكورة فى الحدود، بنعمنى أنه لا تقبل فيها إلا شهادة الرجال، وبعد هذا يشترط أن يكون الشاهد أو الشاهدة - فيما تجوز فيه شهادة النساء - بالغا، عاقلا، قادرا على حفظ وفهم ما وقع بصره عليه أو سمعه مما يشهد به، مأمونا على ما يقوله، لا تلحقه غفلة أو نسيان، وأن يكون ناطقا متكلما، فلا تقبل شهادة الآخرس فى قول فقهاء المذهب الحنفى ومذهب أحمد وقول فى فقه الإمام الشافعى، وتقبل الإشارة المفهومة من الأخرس وتعتبر شهادة فى فقه الإمام مالك وقول فى مذهب الإمام الشافعى والزيدية، واختلف الفقهاء كذلك فيما تجوز فيه شهادة الأعمى، وإن اتفقت كلمتهم على عدم قبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية والمعانية .
ويشترط فى الشاهد العدالة باتفاق وإن اختلف الفقهاء فى مداها وضوابطها بتفصيلات أوضحها الفقهاء فى كتبهم، وإن كان الإمام أبو حنيفة وفقهاء المذهب الظاهرى يرون أن العدالة مفترضة فى الشاهد حتى يثبت جرحه بمعنى أنه إذا لم يوجه إلى الشاهد طعن يمس عدالته قبلت شهادته .
ويشترط فى الشاهد الإسلام باتفاق، ثم اختلف الفقهاء فى قبول شهادة غير مالمسلم على مثله أو على المسلم فى السفر وغيره، وعند الضرورة وعدمها، ويشترط ألا يقوم بالشاهد مانع من موانع قبول شهادته، وهذه الموانع هى القرابة على خلاف فى مداها ودرجة القرابة المانعة والعداوة، إذ أن جمهور الفقهاء لا يقبلون شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة بين الشاهد والمشهود عليه فى أمر من أمور الدنيا، أما العداوة فى أمور الدين بسبب اختلافهما دينا أو الفسق فلا يمنع من قبول الشهادة .
وهنا تفصيلات للفقهاء واستدلالات يرجع إليها فى مواقعها .
والتهمة مانع من موانع قبول شهادة الشاهد، وهى أن يكون بين الشاهد والمشهود له ما يبعث على الظنب المحاباة فى الشهادة، أو أن يكون للشاهد مصلحة تعود عليه من أداء الشهادة ، ولم يتفق الفقهاء أو يحصروا المواضع التى ترد فيها الشهادة للتهمة، وقد جرى فقه الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد والزيدية على رد الشهادة للتهمة، واختلفوا فى التطبيق على النحو المبين فى كتب فقه هذه المذاهب، أما الظاهرية فقد جروا على قاعدتهم فى قبول الشهادة مادام الشاهد عدلا .
لما كان ذلك واتباعا لرأى جمهور الفقهاء كانت جرائم تعاطى المخدرات أو حيازتها داخلة فى باب التعازير الشرعية، وكان للسلطة المنوط بها التشريع تحديد العقوبة التى تراها رادعة، وكان نصاب الشهادة على هذه الجرائم هو نصاب الحقوق، أى ثتبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين وكانت الشروط الواجب توافرها فى الشاهد بوجه عام هى ما تقدم بيانه .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/228)
حكم الاستمناء
F محمد بخيت .
جمادى الثانية 1335 هجرية - 3 ابريل 1917 م
M 1 - الاستمناء بالكف حرام ويعزر فاعله شرعا .
2 - لا يحل الاستمتاع بغير الزوجة والأمة
Q إن عادة الاستمناء باليد قد فشت فى القطر المصرى بين الشبان، فقام بعض الأطباء ينهونهم عنها ويبينون أخطارها العظيمة لكى يرتدع كل عنها وقد قال بعض الناس إنها من ضروب الزنا أى أنها محرمة .
وقام فريق آخر يناقشهم فى ذلك بدعوى أن اللّه سبحانه وتعالى إنما حرم الزنا منعا لاختلاط النسل ومن ذلك ينشأ ضرر المجموع .
ولما كانت عادة الاستمناء تضر بصاحبها جسمانيا إلا أنما لا تحدث نسلا فلا تكون إذن من الزنا .
فنرجو حل هذه المشكلة
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أنه قال فى شرح الدر ما نصه (فى الجوهرة الاستمناء حرام وفيه التعزير) .
كما أنه صرح فى رد المحتار على الدر المختار بأنه لو أدخل ذكره فى حائط ونحوه حتى أمنى أو استمنى بكفه بحائل يمنع الحرارة يأثم أيضا .
وقد استدل الزيلعى على عدم حل الاستمناء بالكف بقوله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون .
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } المؤمنون 5 - 7 ، وقال فلم يبح الاستمتاع إلا بهما أى الزوجة والأمة .
فأفاد عدم حل الاستمتاع أى قضاء الشهوة بغيرهما .
وقد استدل صاحب الدر على ذلك بحديث ( ناكح اليد ملعون) ومن ذلك يعلم أن الاستمناء بالكف على وجه ما جاء بالسؤال حرام يعزر فاعله شرعا(7/229)
الصور الفوتوغرافية
F عبد الرحمن قراعة .
ذى القعدة 1339 هجرية 24 يوليو 1921 م
M 1 - تصوير ذى الروح حرام كبرت الصور أو صغرت، فى ثوب كانت أو على بساط أو درهم أو دينار، على حائط كانت أو غيرها .
2 - اقتناء الصورة الكبيرة التى تبدو للناظر بدون تأمل وهى كاملة الأعضاء التى لا تعيش بدونها مكروه تحريما إذا كانت لذى روح
Q بإفادة واردة من وزارة الحقانية بتاريخ 21 يوليو سنة 1921 صورتها .
نرسل لفضيلتكم صورة من كتاب وزارة الداخلية 2-27 بشأن شكوى بعض الحجاج المسافرين إلى الأقطار الحجازية من إلزامهم بتقديم صورهم الفوتوغرافية .
والمرجو بعد الاطلاع عليه التكرم بالإفادة عن رأيكم فى الموضوع .
وصورة كتاب وزارة الداخلية . رفع بعض الحجاج المسافرين إلى الأقطار الحجازية شكوى يتضررون فيها من الزامهم بتقديم صورهم الفوتوغرافية لتلصق على جوازات السفر ويقولون إن ذلك محرم شرعا .
وبما أن القوانين المعمول بها الآن تقضى بوضع الصور الفوتوغرافية على الجوازات .
نرجو التكرم بإفادتنا عما إذا كان الشرع يحرم الأمر كى نخابر فخامة نائب جلالة الملك لمخابرة الجهة المختصة فى الحجاز لإعفاء الحجاج فى المستقبل من ضع صورهم على الجوازات وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
An علم ما جاء بإفادة الوزارة رقم 21 يوليو سنة 1921 نمرة 4245 وبصورة كتاب وزارة الداخلية المرافق لها المطلوب به بيان الحكم الشرعى بشأن الصور الفوتوغرافية المنوه عنها ذلك الكتاب .
والذى تلخص من كلام الفقهاء أن تصوير ذى الروح حرام سواء كانت الصورة كبيرة أو صغيره فى ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو حائط أو غيرها .
لما ورد فيه من الوعيد الذى اشتملت عليه الأحاديث النبوية ومنها ما جاء فى الصحيحين (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) وذلك لما فيه من مضاهاه خلق اللّه تعالى وأما اقتناء الصورة فقد بين حكمه شيخنا العلامة الشيخ محمد العباسى المهدى مفتى الديار المصرية سابقا فى جواب تضمنته وفتاواه المطبوعة بصحيفة 299 والتى تليها جزء خامس حيث قال مانصه (صرح علماؤنا بأن اقتناء صورة ذى الروح الكبيرة التى تبدو للناظر بدون تأمل وهى كاملة الأعضاء التى لا تعيش بدونها مكروه تحريما) ومنه يعلم أن الصورة الفوتوغرافية إن كانت لذى روح وكانت كبيرة كاملة الأعضاء بحيث تبدو للناظر من غير تأمل كان اتخاذها مكروها تحريما، وإن كانت صغيرة لا تبين تفاصيل أعضائها إلا بإمعان النظر وتدقيقه، أو كانت كبيرة نقص من أعضائها مالا يعيش صاحبها إلا به لم يكره اقتناؤها .
وهذا ما لزمت الإفادة به .
والأوراق عائدة من طيه كما وردت . وتفضلوا بقبول فائق الاحترام(7/230)
مواضع استعمال الدف والطبول والمزمار
F عبد المجيد سليم .
ربيع الأول 1348 هجرية 12 أغسطس 1929 م
Mالضرب على الدف وضرب الطبول والمزمار لا يجوز شرعا .
بل ذلك حرام عند فقهاء الحنفية .
واستثنوا من ذلك الدف بلا جلاجل فى ليلة العرس وطبل الغزاة والحجاج والقافلة
Q هل من الجائز شرعا النقر على الدفوف وضرب الطبول والمزمار أثناء الصلوات فى الجوامع
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأنه لا يجوز شرعا عند فقهاء الحنفية الضرب على الدف وسائر آلات اللّهو إلا ما استثنوه من الدف بلا جلاجل فى ليلة العرس وطبل الغزاة والحجاج والقافلة على ما جاء بكتاب الطريقة المحمدية وقال الزيلعى عند قول المصنف (ومن دعى إلى وليمة وثمة لعب وغناء يقعد ويأكل ) ومانصه (ودلت المسألة على أن الملاهى كلها حرام حتى التغنى بضرب القضيب .
ومن هنا يعلم أن النقر على الدف وضرب الطبول والمزمار مما لا يجوز شرعا عند فقهاء الحنفية بل ذلك كله حرام عندهم، وهو أشد حرمة إذا كان فى الحالة المذكورة بالسؤال .
ويظهر أن من أجاز الضرب على آلات اللّهو من الفقهاء لا يجيزه فى هذه الحالة لما يترتب عليه من الضرر البين والمفسدة الظاهرة، فكيف يقول بجوازه مع ترتب هذا عليه - هذا كله إذا كان الأمر كما ذكر بالسؤال واللّه أعلم(7/231)
الدين بفائدة محرم شرعا
F عبد المجيد سليم .
شعبان 1348 هجرية - 27 يناير 1930 م
M 1 - شراء المورث لبعض ورثته عقارا بثمن مقسط بفائدة معينة على أقساط معينة، ثم إيداعه لبعض ورثته المذكورين مبلغا بأحد البنوك بفائدة معينة، ثم مات فالعقد الأول فاسد شرعا، ويجب إزالة المفسد شرعا خروجا من معصية الربا بقضاء الدين المقسط من الأموال المودعة بأحد البنوك .
2 - يحرم شرعا استثمار المال المودع بفائدة معينة بأحد البنوك مادام الاستثمار المذكور بطريق الربا المحرم شرعا
Q رجل توفى وكان قد اشترى فى حياته لبنتى ابنه المتوفى قبله عشرين فدانا وعليها سبعمائة جنيه دين، أمن على هذه الأطيان بفوائد سبعة فى المائة مقسطة إلى أربع عشرة سنة وظهر بعد وفاة جدهما أنه أودع لهما فى بنك آخر مبلغ ألفى جنيه بفوائد المائة أربعة ونصف وقد تعين عمهما وصيا عليهما .
فهل بموت الجد تحل الأقساط المؤجلة ويدفع الدين كله من الألفى جنيه المودعة على ذمتهما فى البنك تفاديا من الربا المحرم شرعا، أم يبقى الدين المقسط على حالة فى مواعيده مع فوائده كما يبقى المبلغ المودع فى البنك باسمهما على حاله بفوائده أيضا
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأنه متى كان الدين المذكور على القاصرتين فإنه يجب شرعا قضاؤه من الألفى جنيه خروجا من معصية الربا الذى هو من العقود الفاسدة التى يجب فسخها شرعا، ويحرم التمادى والإصرار عليها، كما يحرم استثمار ما للقاصرتين من المال بطريق الربا المحرم .
هذا واللّه تعالى أعلم(7/232)
القمار والرهان محرم شرعا
F عبد المجيد سليم .
ذى الحجة 1357 هجرية 23 ابريل 1939 م
M 1 - كل عقد معلق على خطر الحدوث من عدمه غير جائز شرعا .
2 - القمار محرم شرعا بشتى صوره ومنه الرهان إذا كان بين طرفين وسباق الخيل
Q من وكيل وزارة الداخلية أن اللجنة الفرعية بلجنة الحقانية بمجلس النواب المشكلة لدراسة مشروع قانون ألعاب القمار ترغب معرفة إن كانت هناك نصوص شرعية تبيح الرهان، كالرهان على سباق الخيل مثلا وغيره من أنواع الرهان المنصوص عليها بالقانون رقم 10 لسنة 1922 كما ترى أيضا الاطلاع على نص فتوى المرحوم الشيخ محمد عبده بخصوص يانصيب الجمعيات والملاجىء الخيرية إن كانت .
فأرجو التكرم بالتنبيه بموافاتى بصفة عاجلة بما تطلبه اللجنة المشار إليها
An اطلعنا على كتاب الوزارة رقم 47 - 14 - 7 الوارد إلينا فى 17 يناير سنة 1939 ونفيد أن القمار حرام بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر اللّه وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة 90 ، 91 ، فقد قال ابن عباس وقتادة ومعاوية بن صالح وعطاء وطاوس ومجاهد .
الميسر القمار فكل ما كان قمارا فهو ميسر محرم بالآية الكريمة إلا مارخص فيه بدليل آخر كما سيأتى ومحرم أيضا بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيما .
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا } النساء 29 ، 30 ، وبقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } البقرة 188 ، وذلك لأن أكل المال بالباطل على وجهين أحدهما أخذ المال بغير رضا صاحبه بل على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب وما جرى ذلك .
والآخر أخذه برضا صاحبه من جهة محظورة نحو القمار والربا، وقد أجمع المسلمون على حرمة القمار .
هذا ولا نعلم خلافا فى أن ماكان على سبيل المخاطرة بين شخصين بحيث يغنم كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من قمار .
وذهب الحنفية إلى أن كل ما كان فيه تعليق المال على الخطر فهو من القمار أخذا مما روى أن رجلا قال لرجل إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا فارتفعا إلى على رضى اللّه عنه فقال هذا قمار ولم يحزه، ومن أجل ذلك أبطل الحنفية عقود التمليكات المعلقة على الأخطار من الهبات والصدقات وعقود البياعات، فإذا قال وهبتك هذا المال إذا خرج عمرو كانت هذه الهبة باطلة غير مقيدة للملك بالقبض، ومثل ذلك إذا قال له بعتك ذهبوا إلى أن كل تمليك معلق على الحظر فهو باطل غير مقيد للملك كما يؤخذ من كلام الجصاص فى كتابه - أحكام القرآن - عند الكلام على قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } البقرة 219 ، وعند الكلام على قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } قال الجصاص وهو إمام الحنفية فى عصره ولا خلاف فى حظر القمار إلا ما رخص فيه من الرهان فى السبق فى الدواب والإبل والنضال وساق بعض الأدلة من السنة على ذلك .
وحاصل ما قاله الحنفية فى هذا الموضوع أن الرهان بمال إنما يجوز فيما دل الدليل على الإذن به من المسابقة بالخيل والإبل والرمى والإقدام والفقه .
وحكمة مشروعية هذا الإذن أن الحاجة ماسة إلى تعلم الفروسية وإعداد الخيل والخبرة بالرمى والتفقه لتقوية الدين وإعلاء كلمة اللّه والمسابقة فى هذه الأشياء وسيلة إلى ذلك وقالوا إن المسابقة فيما ذكر إنما تجوز بجعل فى الصور الثلاث الآتية - الأولى أن يكون المال المعين للسابق من غير المتسابقين بأن يكون من ولى الأمر سواء أكان من ماله الخاص أم من بيت المال - أو من أجنبى متبرع وهو المسمى الآن بالجوائز .
الثانية أن يكون المال من أحد المتسابقين دون الآخر بأن يتسابق اثنان ويقول أحدهما لصاحبه إن سبق فرسك فرسى مثلا كان لك كذا منى، وإن بسق فرسى فرسك فلا شىء لى عليك .
الثالثة أن يكون المال من كل من المتسابقين ويدخلا ثالثا بينهما ويقولا للثالث إن سبقتنا فالمال لك وإن سبقناك فلا شىء لنا عليك - والشرط الذى شرطاه بينهما وهو أيهما سبق كان له الجعل على صاحبه - باق على حاله - فإن غلبهما الثالث أخذ المالين وإن غلباه فلا شىء لهما عليه ويأخذ أيهما غلب المشروط له من صاحبه .
أما إذا كان المال مشروطا من كل منهما ولم يدخلا هذا الثالث فهو من القمار المحرم .
هذا خلاصة مذهب الحنفية، وقد أجاز بعض العلماء من غير الحنفية أن يكون الجعل من كل منهما بدون إدخال الثالث بينهما كما يعلم من صفحة 313 من الجزء الثالث من كتاب أعلام الموقعين .
ولكن المعروف عن الأئمة الأربعة عدم حل هذه الصورة .
وما قلناه هو الجائز شرعا على النحو الذى بينا .
ومنه يعلم أن الرهان المعروف الآن سواء كان رهانا على سباق الخيل أم غيره من أنواع الرهان من القمار المحرم شرعا الذى ليس هناك نصوص تبيحه ،بل قد دلت النصوص التى ذكرناها على حرمته وإنما حرم الشارع الميسر الشامل لأنواع الرهان الموجودة الآن لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التى نشاهدها كل يوم .
فقد أفضى إلى ضياع أموال كثيرة من المتراهنين وخراب بيوت لأسر كريمة، كما حمل الكثير من المقامرين على ارتكاب شتى الجرائم من السرقة والاختلاس بل والانتحار أيضا فالمطلع على ذلك وغيره مما أدى ويؤدى إليه القمار يزداد إيمانا بأن من رحمة اللّه وفضله وباهر حكمته أن حرمه على عبادة كما حرم عليهم كثيرا من الأشياء لما يترتب عليها من المفاسد والمضار هذا ولا نعلم أن للمرحوم الشيخ محمد عبده فتوى بخصوص يا نصيب الجمعيات والملاجىء الخيرية(7/233)
فوائد السندات محرمة
F عبد المجيد سليم .
ربيع الأول 1362 هجرية - 4 ابريل 1943 م
Mفوائد السندات حرام لأنها من الربا
Q ورث شخص عن والده بعض سندات قرض القطن التى تدفع عنها الحكومة فوائد فهل هذه الفوائد تعتبر من أنواع الربا التى حرمها المولى عز وجل فى كتابه الحكيم
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن هذه الفوائد من الربا الذى حرمه اللّه سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
واللّه تعالى أعلم(7/234)
التصدق بالفوائد المحرمة غير جائز
F عبد المجيد سليم .
جمادى الأولى 1362 هجرية - 20 مايو 1943 م
M 1 - أخذ الفوائد على الأموال المودعة فى البنوك حرام لأنه من قبيل أخذ الربا .
2 - التصدق بفوائد الأموال المودعة بالبنوك لا يقبلها اللّه تعالى ويأثم صاحبها
Q لى مبلغ من النقود أودعته فى بنك بدون فائدة لأنى أعتقد أن الفائدة حرام مهما كانت قليلة وأعلم أن اللّه تعالى يمحق الربا .
وقد من اللّه على بحب التصدق على الفقراء والمساكين . وقد أشار على بعض الناس بأنى آخذ الفائدة من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء ولا حرمة فى ذلك .
فأرجو التكرم بإفتائى عما إذا كان أخذ الفائدة من البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم لا .
وهل وضعها فى جيبى أو فى ببتى إلى أن يتم توزيعها على الفقراء فيه إثم وحرمة أم لا .
أرجو الإفادة
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن أخذ فوائد على الأموال المودعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعا، ولا يبيح أخذه قصد التصدق به لإطلاق الآيات والأحاديث على تحريم الربا .
ولا نعلم خلافا بين علماء المسلمين فى أن الربا محرم شرعا على وجه كان، هذا ولا يقبل اللّه تعالى هذه الصدقة بل يأثم صاحبها كما تدل على ذلك أحاديث كثيرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
فقد جاء فى كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب مانصه (وأما الصدقة بالمال الحرام فغير مقبولة .
كما فى صحيح مسلم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما عن النبى صلى اللّه عليه وسلم .
لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب - ولا يقبل اللّه إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه إلى آخر الحديث .
وفى مسند الإمام احمد رحمه اللّه عن ابن مسعود رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال لا يكتسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيتقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار .
إن اللّه لا يمحو السيىء بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث ويروى من حديث رواح عن ابن حجيرة عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ما كسب مالا حراما فتصدق به لم يكن له فيه وكان إصره (إثمه وعقوبته ) عليه .
أخرجه ابن حيان فى صحيحه ورواه بعضهم موقوفا على أبى هريرة وفى مراسيل القاسم ابن مخيمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه وتصدق به (لعلها أو تصدق به) أو أنفقه فى سبيل اللّه جمع ذلك جميعا ثم قذف به فى نار جهنم ) وروى عن أبى الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مثل من أصاب مالا من غير حله فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة وسئل ابن عباس رضى اللّه عنهما عمن كان على عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق، ويتصدق منه فقال إن ا لخبيث لا يكفر الخبيث وكذا قال ابن مسعود رضى اللّه عنه إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث .
وقال الحسن أيها المتصدق على المسكين ترحمه .
ارحم من قد ظلمت . وبما ذكرنا يعلم الجواب عن السؤال .
واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/235)
حكم الرقص
F عبد المجيد سليم .
رمضان 1362 هجرية
M 1 - الرقص الإفرنجى الذى يرقص فيه الرجل والمرأة محرم شرعا .
2 - الرجل الذى يرقص مع أجنبية، والمرأة التى ترقص مع أجنبى وكذلك الرجل الذى يرقص مع امرأته على مرأى من الناس كل هؤلاء آثمون بارتكابهم لهذا الفعل، مستحقون لما أعده اللّه للفاسقين الظالمين لأنفسهم من العقوبة فى الدنيا والآخرة .
3 - من رضى بذلك سواء أكان حاضرا وقت ارتكابه أم غائبا فهو آثم لأن الرضا بالمعصية معصية
Q من الأستاذ محمد نزيه قال هل الرقص الإفرنجى الذى يشترك فيه الرجل والمرأة يخالف الدين الإسلامى، وما حكم الشرع الشريف فى المرأة التى ترقص مع أجنبى عنها، وفى الرجل الذى يرقص مع أجنبية عنه .
وما حكم الدين الإسلامى فى الرجل الذى يرقص مع امرأته على مرأى من الناس
An اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أنه لا يشتبه مسلم فى دار الإسلام فى أن الرقص الإفرنجى المعروف الذى يشترك فيه الرجل والمرأة محرم شرعا معلومة حرمته من الدين بالضرورة والبداهة، وأن كلا من المرأة التى ترقص مع أجنبى عنها والرجل الذى يرقص مع أجنبية عنه آثم بارتكابه لهذا الفعل ومستحق لما أعده اللّه للفاسقين الظالمين لأنفسهم المجترئين على ربهم فى العقوبة فى الدنيا والآخرة .
كما أن الرجل الذى يرقص مع امرأته على مرأى من الناس مرتكب لهذا الأثم ولهذه المعصية وفاسق بذلك ظالم لنفسه مجترىء على ربه مستحق للعقوبة المذكورة .
وهذه قضايا معلومة بداهة من الدين لا تحتاج إلى إقامة برهان عليها ومن يرضى بها سواء أكان حاضرا وقت ارتكابها أم لم يكن حاضرا آثم كذلك .
لأن الرضا بالمعصية معصية كما أن الرضا بالكفر كفر .
ومن قدر على تغيير هذا المنكر وإزالته ولم يغيره فهو آثم .
وقد حرم اللّه سبحانه وتعالى ما هو أقل من ذلك فسادا وأقل منه فحشا وقبحا فكيف لا يحرم هذه المنكرات ولاينهى عنها .
والعقل الراجح والفطرة السليمة التى لم تفسد بالشهوات ولا باتباع الهوى يستقبحان هذا الفعل الشنيع وينفران منه ومن مرتكبه سواء أكان ذلك مع أجنبية أم مع غير أجنبية .
وقد جاء فى السنة أن المرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة فهى زانية .
فكيف بامرأة تخرج متعطرة متجملة متبرجة تختلط بأجنبى عنها هذا الاختلاط أو تعمل هذا مع زوجها على مرأى من الناس ويرضى لها زوجها أن يروها وهى تتحرك معه هذه الحركات المثيرة لقوى الشر فى النفوس .
لا شك أن هذا من الدياثة التى لا يدخل صاحبها الجنة وفى الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه سبحانه لما خلق الجنة قال وعزتى وجلالى لا يدخلك بخيل ولا كذاب ولا ديوث .
وقد فسر الديوث بأنه من لا غيرة له . هذا وقد ذكر العلامة ابن القيم فى كتابه الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية فصلا بين فيه أنه يجب على أولى الأمر أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء فى الأسواق ومجامع الرجال .
وذكر فيه أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر .
ومن أعظم أسباب نزول العقوبة العامة .
كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة وسبب لكثرة الفواحش والزنا - انتهى .
هذا وقد ذكرنا ما يكفى فى هذا الموضوع والمقام لا يتسع لأكثر من ذلك .
واللّه أسأل أن يوفقنا وسائر المسلمين إلى ما يجبه ويرضاه وإلى الاعتصام بجبله إنه سميع مجيب(7/236)
الاعانة فى عمل الريا محرمة شرعا
F عبد المجيد سليم .
رمضان 1363 هجرية - 16 سبتمبر 1944 م
Mمباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم .
وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا
Q شخص يعمل كاتبا ببنك التسليف الزراعى .
فهل عليه حرمة فى هذا، أو الدين يحرم عليه الاشتغال، علما بأنه محتاج إليه فى معيشته وأن جميع أعمال البنك تقوم على الفوائد والربا وذلك مما حرمه الشرع
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن الربا محرم شرعا بنص الكتاب والسنة وبإجماع المسلمين .
ومباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا .
وروى مسلم عن جابر رضى اللّه عنه والبخارى من حديث أبى جحيفة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه .
واللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث الشريف .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
واللّه تعالى أعلم(7/237)
استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم
F عبد المجيد سليم .
ربيع الأول 1364 هجرية - 12 مارس 1945 م
M 1 - استثمار المال فى المصارف من الربا المحرم شرعا .
2 - استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا كذلك
Q من عمر ب .
من عمان شرق الأردن قال تأسست فى مدينة عمان جمعية باسم (جمعية الثقافة الإسلامية) غايتها إنشاء جامعة لتدريس العلوم العربية والشرعية ، وقد جمعت مبلغا من المال أودعته فى أحد البنوك المحلية ولما لم يتيسر لها البدء فى العمل حتى الآن وكانت أموالها معطلة بلا فائدة وكان من الممكن الحصول على فائدة من المصرف الموجودة به الأموال بحيث ينمو هذا المال إلى أن يتيسر إنفاقه فى سبيله لذلك رأت الجمعية أن تسترشد رأى سماحتكم مستعملة عما إذا كان يجوز لها تنمية المال المذكور بالصورة المذكورة أسوة بأموال الأيتام التى تنمو بمعرفة الموظف المخصوص لدى المحكمة الشرعية
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة غير جائز لأنه من قبيل الربا المحرم شرعا كما لا يجوز استثمار أموال اليتامى بالطريق المذكورة .
هذا وأن فيما شرعه اللّه تعالى من الطرق لاستثمار المال لمتسعا لاستثمار هذا المال كدفعه لمن يستعمله بطريق المضاربة الجائزة شرعا أو شراء ما يستغل من الأعيان إلى أن يحين الوقت لاستعماله فيما جمع من أجله فيباع حينئذ وبهذا علم الجواب .
واللّه أعلم(7/238)
لعب الكوتشينة
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الثانية 1365 هجرية 28 مايو 1946 م
M 1 - لعب الكوتشينة بالنقود من الميسر المحرم شرعا .
2 - ما يقال من أنه لا بد من استرواح النفس وقت الفراغ من العمل لا وزن له لأنه فيما أحله اللّه من الألعاب الرياضية وغيرها مما ينفع الجسم والنفس مما يجعل استرواح النفس بلعب الكوتشينة ولا وزن له بجواره
Q من حرم فؤاد حسن قالت أود أن أستفتى فى أمر يهمنى ويهم المجتمع المصرى وهو هل لعب الورق الكوتشينة النقود محرم مثل الكونكان .
إنى أعتقد أنه ميسر محرم، ولكنهم يقولون إنه مادام اللعب بين أفراد العائلة وفى المنزل محرما ولا يسمى ميسرا .
أفيدونا بالحكم الشرعى
An اطلعنا على الخطاب الذى أرسل بشأن بيان الحكم الشرعى فى لعب ورق الكوتشينة بالنقود وسرنى منك الحرص على معروفة حكام اللّه فيما يعمله الناس التماسا للنجاة من الآخرة .
ونفيد بأن، ذلك المسير القول بغير ذلك قول فى الدين بغير علم أو التماسا لأعذار لا يقيم الشارع ميزانا .
وإذا كان لا بد للنفس من استرواح فى وقت الفراغ من العمل ففيما أحله اللّه من العمل متسع فسيح، وكم من الأعمال الرياضية من نفع الجسم والنفس مالا يقام بهذه الألعاب وزن بجلنبه .
واللّه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم(7/239)
وجوب ترك المصافحة أثناء تفشى الوباء فى البلاد
F حسنين محمد مخلوف .
ذى الحجة 1366 هجرية - 28 أكتوبر 1947 م
M 1 - يجب ترك المصافحة بالأيدى عند اللقاء وعقب التسليم من الصلاة عند تفشى الوباء .
أن دفع الضرر ودرء الخطر عن الأنفس واجب . 2- يجب التبليغ فورا عمن أصيب بهذا المرض فهو من أكبر الواجبات الشرعية، والتقصير فيه من كبائر الذنوب
Q ما حكم الشرع فى ترك المصافحة باليد أثناء تفشى وباء الكوليرا فى البلاد
An سألنى كثير من الناس بمناسبة تفشى وباء الهيضة (الكوليرا) فى البلاد عن الحكم الشرعى فى ترك المصافحة باليد عند اللقاء - فأجبتهم بأن دفع الضرر ودرء الخطر عن الأنفس واجب لقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، وكل ما كان وسيلة إلى ذلك فهو واجب شرعا ومن ذلك ترك المصافحة بالأيدى عند اللقاء وعقب التسليم من الصلاة كما يفعل كثير من المصلين، فقد تكون اليد ملوثة وقد تنقل العدوى وينتشر الوباء بواسطتها، فمن الواجب شرعا اتقاء ذلك بترك المصافحة صيانة للأرواح وأخذا بأحد أسباب السلامة والنجاة .
ومن ذلك التبليغ فورا عمن أصيبوا بهذا المرض فهو من أكبر الواجبات الشرعية، والتقصير فيه من كبائر الذنوب، والمقصر فيه مع التمكن منه أشبه بالمتسبب فى قتل النفس التى حرم اللّه إلا بالحق ومن ذلك التداوى والعلاج واتباع ما يشير به الأطباء للوقاية والعلاج وإهمال ذلك إثم كبير .
نسأل اللّه العفو والعافية والسلامة(7/240)
عدم التعرض لشخصية الرسول وآله وخلفائه فى أفلام السينما
F حسنين محمد مخلوف .
رجب 1369 هجرية - 7 مايو 1950 م
Mعدم التعرض لشخص الرسول ولا لأحد من آله الطاهرين وخلفائه الراشدين لأى موقف عند إخراج الفيلم واجب
Q ما هو الحكم الشرعى فى موضوع الفيلم السينمائى المقتبس من كتاب (الوعد الحق)
An اطلعنا على ملخص موضوع الفيلم السينمائى الذى اقتبستموه من كتاب (الوعد الحق) والذى اعتزمتم إخراجه دون تعرض لأى موقف للرسول الأكرم صلوات اللّه عليه ولا لأى أحد من آله الطاهرين وخلفائه الراشدين بحيث لا يظهر فيه صورة أو يسمع فيه صوت لأى واحد من هؤلاء البررة والأكرمين فلم أجد بعد هذا البيان ما يمنع من إخراج هذا الفيلم من الوجهة الشرعية بل فى إخراجه نشر لدعوة الحق وإيقاظ للتسمك به فى وقت أحوج ما يكون الناس فيه إلى ذلك .
وقد قرأت فى هذه الفترة كتاب (الوعد الحق) للدكتور طه حسين بك، والحق أنه آية فى الإبداع والتصوير والأسلوب والتعبير .
وأسأل اللّه تعالى أن يوفق مؤلفه العلامة لإخراج أمثاله تبيانا للحق وهداية للناس .
فسر على بركة اللّه مأجورا فيما تعمل إن شاء اللّه(7/241)
لبس البرانيط وذبيحة الكتابى، وصلاة الشافعى خلف الحنفى
F محمد عبده .
شعبان 1321 هجرية
M 1 - لبس البرانيط إذا لم يقصد به فاعله الخروج من الإسلام والدخول فى دين غيره فلا يعد مكفرا .
وإذا كان لدفع شمس أو دفع مكروه أو تيسير مصلحة فلا كراهة فيه .
2 - المدار فى ذبيحة أهل الكتاب بأى طريقة أن يأكل منها يعد الذبح رؤساء دينهم فإذا كان ذلك يساغ للمسلم الأكل منها .
3 - لاريب فى صحة صلاة الشافعى خلف الحنفى مادامت صلاة الحنفى صحيحة على مذهبه
Q أولا يوجد أفراد فى بلاد الترنسفال تلبس البرانيط لقضاء مصالحهم وعودة الفوائد عليهم هل يجوز ذلك .
ثانيا إن ذبحهم مخالف لأنهم يضربون البقر بالبلط وبعد ذلك يذبحون بغير تسمية .
والغنم يذبحونها من غير تسمية هل يجوز ذلك ثالثا إن الشافعية يصلون خلف الحنفية بدون تسمية ويصلون خلفهم العيدين، ومن المعلوم أن هناك خلافا بين الشافعية والحنفية فى فرضية التسمية وفى تكبيرات العيدين .
فهل تجوز صلاة كل خلف الآخر
An أما لبس البرنيطة إذا لم يقصد فاعله الخروج من الإسلام والدخول فى دين غيره فلا يعد مكفرا .
وإذا كان اللبس لحاجة من حجب شمس أو دفع مكروه أو تيسير مصلحة لم يكره كذلك لزوال معنى التشبه بالمرة .
وأما الذبائح فالذى أراه أن يأخذ المسلمون فى تلك الأطراف بنص كتاب اللّه تعالى فى قوله { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } المائدة 5 ، وأن يعولوا على ما قاله الإمام الجليل أبو بكرى العربى المالكى من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسهم وعامتهم ويعد طعاما لهم كافة .
فمتى كانت العادة عندهم إزهاق روح الحيوان بأى طريقة كانت وكان يأكل منه بعد الذبح رؤساء دينهم ساغ للمسلم أكله لأنه يقال له طعام أهل الكتاب ولقد كان النصارى فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام على مثل حالهم اليوم ، خصوصا ونصارى الترنسفال من أشد النصارى تعصبا فى دينهم وتمسكهم بكتبهم الدينية، فكل ما يكون من الذبيحة يعد طعام أهل الكتاب متى كان الذبح جاريا على عادتهم المسلمة عند رؤساء دينهم ومجىء الآية الكريمة { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } بعد آية تحريم الميتة وما أهل لغير اللّه به بمنزلة دفع ما يتوهم من تحريم طعام أهل الكتاب، لأنهم يعتقدون بألوهية عيسى وكانوا كذلك كافة فى عهده عليه الصلاة والسلام إلا من أسلم منهم .
ولفظ أهل الكتاب مطلق لا يصح أن يحمل على هذا القليل النادر .
فإذن تكون الآية كالصريحة فى حل طعامهم مطلقا، متى كانوا يعتقدونه حلا فى دينهم دفعا للحرج فى معاشرتهم ومعاملتهم .
وأما صلاة الشافعى خلف الحنفى فلا ريب عندى فى صحتها، مادامت صلاة الحنفى صحيحة على مذهبة .
فإن دين الإسلام واحد . وعلى الشافعى المأمون أن يعرف أن أمامه مسلم صحيح الصلاة بدون تعصب منه لإمامه .
ومن طلب غير ذلك فقد عد الإسلام أديانا لا دينا واحدا، وهو مما لا يسوغ لعاقل أن يرمى إليه بين مسلمين قليلى العدد فى أرض كل أهلها من غير المسلمين .
واللّه أعلم(7/242)
استعمال لبن نستله
F محمد إسماعيل البرديسى .
ذى القعدة 1338 هجرية 24 يوليه 1920 م
Mيجوز استعمال هذا اللبن شرعا كغذاء للأطفال مادام مغذيا لهم ومانعا من الأمراض عنهم إذا شهد بذلك جمع غفير من الأطباء
Q من إسحق صروف فى أن شركة نستلة الإنكليزية السويسرية التى تصنع لبن نستله المركز المتجمد والخالى من الميكروبات والمؤسسة منذ خمسين سنة والتى ألبانها وطعامها منتشرة فى جميع ممالك العالم نسأل فى أنه هل يوجد مانع شرعى من استعمال ألبانها وطعامها فى القطر المصرى وقد شهد جمهور من مشاهير الأطباء بأن لبن وطعام نستله يغذيان الأطفال ويسمنانهم ويقويانهم ويمنعان الأمراض عنهم .
فهل فضيلتكم توصون باستعمالها وقد قدمت لفضيلتكم كتبها الناطقة بصدق أقوالها وهل اطلعتم فضيلتكم على الشهادات والمداليات التى نالتها وهذا اللبن هو لبن البقر ومضاف عليه شىء من قصب السكر فقط
An حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال .
فاستعمال هذا اللبن جائز شرعا ولا مانع من استعماله .
واللّه أعلم(7/243)
الجمعية الخيرية وبناء فندق
F عبد الرحمن قراعة .
رجب 1345 هجرية - 26 يناير 1927 م
Mيجوز للجمعية الخيرية الإسلامية بناء قطعة الأرض التى تملكها فندقا على الطراز الحديث، وتأجيره بالطريق الشرعى لاستغلاله فى المقاصد الإسلامية
Q بالخطاب الوارد من بيروت رقم 13 يناير سنة 1927 صورته السلام عليكم وبعد .
فإن جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية فى بيروت التى أخذت على عاتقها تعليم وتربية أولاد الفقراء من المسلمين تربية إسلامية صحيحة حذرا من دخولهم فى المدارس المسيحية وتفسيد عقيدتهم تملك قطعة أرض وقد طلب منها أن تنشىء فى الأرض المذكورة فندق (أوفال) عل الطراز الحديث لاستثماره كما هو جار فى فنادق القطر المصرى الكونتانتال (الشيبار) مينا هوس بالاس أو فال على أن يصرف ريع الفندق المذكور على المشروع المتقدم الذكر .
فما قولكم دام فضلكم . هل من تأجير الفندق محذور شرعى تكرموا بالإفادة
An متى كانت قطعة الأرض المذكورة ملكا للجمعية الخيرية الإسلامية المرقومة فيجوز لملاكها يناؤها فندقا على الطراز الحديث وتأجيره بالطريق الشرعى .
واللّه أعلم(7/244)
حشو الأسنان بالذهب جائز
F حسنين محمد مخلوف .
محرم 1366 هجرية - 18 نوفمبر 1946 م
M 1 - حشو الأسنان وشدها وغطاؤها بالأسلاك من الذهب والفضة جائز .
وغيرها من البلاتين والمعادن لم يرد فيها ما يمنع جوازها .
2 - لا يجب غسل ما تحت هذه الأشياء فى الوضوء أو الغسل منعا للحرج
Q هل يجوز حشو الأسنان المسوسة بأى شىء أو تركيب غطاء لها بمعدن من المعادن كالذهب والفضة والبلاتين .
وما حكم المضمضة فى الوضوء والاغتسال مع عدم وصول الماء تحت سن ذهب أو فضة أو بلاتين من الفم
An إن المضمضة كما عرفها العلامة الشوكانى فى نيل الأوطار (هى أن يجعل الماء فى فمه ثم يديره ثم (يمجه) وقال النووى وأقلها أن يجعل الماء فى فمه، ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور وعرفها العلامة الشرنبلالى من الحنفية بأنها استيعاب الماء جميع الفم .
وقال محشيه الطهطاوى - والإدارة والمج ليسا بشرط - فلو شرب الماء غبا أجزأه ولو مصا لا يجزئه - والأفضل أن يمجه، لأنه ماء مستعمل - والسنة المبالغة فيها لغير الصائم .
وقد اختلف الفقهاء فى حكمها فى الوضوء والغسل فذهب أحمد وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور وأبو بكر بن المنذر إلى وجوبها فيهما وبه قال ابن أبى ليلى وحماد بن سليمان لحديث أبى هريرة رضى اللّه عنه (أمر رسول اللّه بالمضمضة والاستنشاق) وذهب مالك والشافعى والأوزاعى قيه الشام والليث بن سعد فقيه مصر والحسن البصرى والزهرى وربيعة وقتادة ويحيى بن سعيد وابن جرير إلى عدم وجوبها فيهما .
وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثورى وزيد بن على إلى أنها فرض فى غسل الجنابة، وسنة فى الوضوء .
ورجع العلامة الشوكانى القول بالوجوب فيهما .
فعلى القول بعد وجوبها يصح الوضوء أو الغسل بدونها وهو ظاهر .
وعلى القول بوجوبها لا يصح ما وجبت فيه من وضوء أو غسل إلا بها .
ويلزم أن يصل الماء إلى الأسنان والأضراس فى الفم حتى يتحقق استيعاب الماء جميع الفم .
فإن كانت الأسنان والأضراس بحالتها الطبيعية فالأمر ظاهر .
وإن كان فيها تجويف يبقى فيه شىء من الطعام . ففى فتح القدير فى فصل الغسل (ولو كان سنه مجوفا أو بين أسنانه طعام أو دون رطب أى فى أنفه يجزئه لأن الماء ليطف يصل إلى كل موضع غالبا كذا فى التجنيس وذكر الصدر الشهيد فى موضع آخر، وإذا كانت فى أسنانه تجويف يبقى فيها الطعام لا يجزئه ما لم يخرجه ويجرى عليها الماء .
وفى فتاوى الفضلى والفقيه أبى الليث خلاف هذا، فالاحتياط أن يفعل - والدرن اليابس فى الأنف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع) .
وفى الفتاوى الهندية (والعجين فى الظفر يمنع تمام الغسل، والوسخ والدرن لا يمنع والقروى والمدنى سواء والتراب والطين فى الظفر لا يمنع .
والصراع والصباغ ما فى ظفرهما يمنع تمام الغسل وقيل .
كل ذلك يجزئهم للحرج والضرورة ومواضع الضرورة مستثناة من قواعد الشرع كذا فى الظهيرية ) انتهى ويعلم من ذلك أن هناك خلافا فى صحة الغسل مع وجود بعض الطعام فى تجويف الأسنان والأضراس وأن الاحتياط فى إخراجه وإيصال الماء فى التجويف، وهذا ظاهر فى المواد الغريبة التى تبقى فى تجاويف الأسنان ويمكن إخراجها بالمضمضة أو معها، أما حشو الأسنان والأضراس بما يسد فجواتها فى الصناعة أو تغطيتها بمعدن كالذهب أو الفضة أو البلاتين أو نحوها أو شد بعضها إلى بعض بالأسلاك المعدنية بحيث أصبح الحشو والغطاء كأنه جزء من الأصل متصل به اتصالا ثابتا مستقرا وكذلك السلك المشدود به .
فالظاهر من القواعد العامة أنه لا يجب فى الوضوء والغسل إزالتها بل يجرى عليها الماء بحالتها الراهنة ولا يجب غسل ما تحت الحشو والغطاء أو الأسلاك لما فى ذلك من بالغ الحرج والمشقة وهما مندفعان فى التشريع قال تعالى { يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة 185 ، وقال تعالى { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } الحج 78 ، وأى حرج أشد من إلزام المتوضىء والمغتسل إزالة ذلك وهو لم يلجأ إليه إلا للضرورة الصحية ودفعا لألم شديد .
وقد أباحوا للمرأة فى الغسل دفعا للحرج أن لا ينقض ضفائرها إذا بلغ الماء أصول الشعر وأن لا تبل ذوائبها ولم يوجبوا غسل داخل العينين، وقالوا إن مواضع الضرورة مستثناة من قوله تعالى { فاطهروا } (راجع العناية والفتح فى باب الغسل ) فلا يجب إيصال الماء لما تحت الحشو أو الغطاء أو السلك على القول بوجوب المضمضة فى الوضوء والغسل أو فى الثانى فقط - أما استعمال الذهب والفضة والبلاتين ونحو ذلك فى حشو الأسنان والأضراس أو غطائها فجائز للضرورة، فقد ثبت أن عرفجة بن سعد الكنانى أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن يتخذ أنفا من ذهب .
وأن كثيرا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب مثل موسى بن طلحة وأبى رافع وثابت التبانى وإسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد اللّه ورخص فيه الحسن البصرى والزهرى والنخعى وأئمة الحنفية، وفى التتارخانية (إذا جدع أنفه أو أذنه أو سقط سنة فأراد أن يتخذ سنا أخرى، فعند الإمام يتخذ ذلك من الفضة فقط، وعند محمد من الذهب أيضا) انتهى - فقد أبيح من الذهب والفضة ما دعت الضرورة إليه بل روى العلامة ابن قدامة عن أصحاب الإمام أحمد إباحة يسير الذهب ويقاس الذهب على الفضة، وأنه يباح من الفضة للرجل الخاتم وحلية السيف والمنطقة ومثلها الخوذة والحمائل وما أشبهها للحاجة .
وفى البخارى أن قدح النبى صلى اللّه عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب منه سلسلة من فضة، وإنه أباح من الذهب للرجل ما دعت إليه الضرورة كالأنف فى حق من قطع أنفه وربط الأسنان التى يخشى سقوطها ورخص الإمام أحمد فى حلية السيف انتهى بتصرف، وفى فتح القدير والزيلعى ما يفيد الترخيص فى استعمال قليل الذهب والفضة إذا كان تابعا لغيره فأجازوا الشرب فى الإناء المفضض والركوب على السرج المفضض والجلوس على الكرسى المفضض والسرير المفضض إذا كان يتقى موضع الفضة فى الاستعمال، وكره ذلك أبو يوسف، وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسى المضبب بهما، وكذلك إذا جعل ذلك فى السيف والمشحذ وضلفة المرآة أو جعل المصحف مذهبا أو مفضضا أو كتب على الثوب بذهب أو فضة انتهى ملخصا فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز سواء أخذنا بما روى عن الإمام أحمد من إجازة اليسير منهما أو على مذهب الإمام محمد من الحنفية - أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالهما والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يرد فيها ما يمنع جواز استعمالها .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
واللّه تعالى أعلم(7/245)
حكم تجارة الدخان والكسب الناتج منها
F حسنين محمد مخلوف .
محرم 1367 هجرية - 8 ديسمبر 1947 م
M 1 - الدخان مكروه كراهة تنزيه إلا لعارض، والكراهة التنزيهية تجامع الإباحة .
2 - التجارة فى الدخان مباحة على الراجح والربح الناتج منها حلال طيب
Q شخص قال أرجو الإفادة عن حكم اللّه فى تجارة الدخان وعما يتبع ذلك من الكسب الناتج عن هذه التجارة .
حيث إن الحاجة ماسة جدا إلى معرفة ذلك
An الحمد لله وحده .
والصلاة والسلام على من لا نبى بعده . اطلعنا على هذا السؤال المؤرخ فى الثانى من شهر ديسمبر سنة 1947 والمتضمن الاستفتاء عن حكم الشريعة الغراء فى تجاره الدخان والكسب الناتج منها ونقول اعلم أن حكم تعاطى الدخان حكم اجتهادى .
وقد اختلفت فيه آراء الفقهاء والحق عندنا . كما فى رد المحتار أنه الإباحة، وقد أفتى بحله من يعتمد عليه من أئمة المذاهب الأربعة .
كما نقله العلامة الأجهورى المالكى فى رسالته .
وقال العلامة عبد الغنى النابلسى فى رسالته التى ألفها فى حله .
إنه لم يقم دليل شرعى على حرمته أو كراهته . ولم يثبت إسكاره أو تفتيره أو أضراره بعامة الشاربين حتى يكون حراما أو مكروها تحريما فيدخل فى قاعدة الأصل ى الأشياء الإباحة .
بل قد ثبت خلاف ذلك وفى الأشباه عند الكلام على قاعدة الأصل فى الأشياء الإباحة أو التوقف .
أن أثر ذلك يظهر فيما أشكل أمره ومنه الدخان . وفى رد المحتار أن فى إدخاله تحت هذه القاعدة إشارة إلى عدم تسليم إسكاره وتفتيره وإضراره كما قيل وإلى أن حكمه دائر بين الإباحة والتوقف، والمختار الأول لأن الراجح عند جمهور الحنفية والشافعية كما فى التحرير أن الأصل الإباحة إلا أنه كما قال العلامة الطحطاوى يكره تعاطيه كراهة التحريم لعارض، ككونه فى المسجد للنهى الوارد فى الثوم والبصل وهو ملحق بهما وكونه حال القراءة لما فيه من الإخلال بتعظيم كتاب اللّه تعالى انتهى موضحا وأشار بالنهى المذكور إلى ما فى صحيح البخارى عن ابن عمر رضى اللّه عنهما أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال فى غزوة خيبر من أكل من هذه الشجرة يعنى الثوم فلا يقربن مسجدنا .
وعن جابر بن عبد اللّه أن البنى صلى اللّه عليه وسلم قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزل مسجدنا وليقعد فى بيته .
والعلة فى النهى كراهة الرائحة وإيذاء المسلمين بها فى المساجد .
ولا شك أن للدخان أيضا رائحة مستكرهة عند من لا ستعمله فيكره تعاطيه فى المسجد للعلة المذكورة كما يكره لأجلها غشيان المساجد لمن أكل الثوم والبصل ونحوهما من المأكولات ذات الرائحة الكريهة التى تبدو بالتنفس والجشاء ما دامت فى المعدة .
ويكره تعاطيه أثناء القراءة لكل من التالى والسامع لتحقق العلة المذكورة فيهما .
والكراهة لعارض لا تنافى حكم الإباحة فى عامة الأحوال وقول العمادى بكراهة استعمال الدخان محمول كما ذكره أبو السعود على الكراهة التنزيهية وقول الغزى الشافعى بحرمته قد ضعفه الشافعية أنفسهم ومذهبهم أنه مكروه كراهة تنزيه إلا لعارض، والكراهة التنزيهية تجامع الإباحة، ومن ذلك يعلم أن الاتجار فيه اتجار فى مباح على الراجح وأن الربح الناتج عنه حلال طيب .
واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/246)
حكم شرب الدخان
F حسنين محمد مخلوف .
30 مارس 1949 م
Mحكم تعاطى الدخان الإباحة، إلا لعارض يوجب تحريمه أو كراهته التحريمية لضرره الشديد بالنفس، أو بالمال أو بهما معا، أو تعاطيه فى المسجد، أو فى أثناء سماع القرآن .
لما فيه من المنافاة لتعظيم كلام اللّه تعالى ولا فرق فى ذلك بين أن يكون القارئ قريبا أو بعيدا
Q من الأستاذ الشيخ السعدى محمد وآخرين قالوا ما حكم شرب الدخان عموما وما حكم شرب الدخان حين تلاوة القرآن الكريم والشارب بعيد عن القارىء بضعة أمتار ولكنه فى مجلسه يسمع القرآن بوضوح
An اطلعنا على السؤال عن حكم شرب الدخان وخاصة حين تلاوة القرآن الكريم وسماعه .
والجواب قد سبق أن أصدرنا فتوى فى 25 المحرم سنة 1367 الموافق 8 - 12 - 1947 فى حكم تجاره الدخان والكسب الناتج منها ونصها اطلعنا على السؤال المتضمن الاستفتاء عن حكم الشريعة الغراء فى تجارة الدخان والكسب الناتج منها ونقول اعلم أن حكم تعاطى الدخان حكم اجتهادى، وقد اختلفت فيه آراء الفقهاء، والحق عندنا كما فى رد المحتار أنه الإباحة .
وقد أفتى بحله من يعتمد عليه من أئمة المذاهب الأربعة كما نقله العلامة الأجهورى المالكى فى رسالته .
وقال العلامة عبد الغنى النابلسى فى رسالته التى ألفها فى حله أنه لم يقم دليل شرعى على حرمته أو كراهته ولم يثبت إسكاره أو تفتيره أو إضراره بعامة الشاربين حتى يكون حراما أو مكروها تحريما، فيدخل فى قاعدة الأصل فى الأشياء الإباحة، بل قد ثبت خلاف ذلك، وفى الأشباه عند الكلام على قاعدة الأصل فى الأشياء الإباحة أو التوقف أن أثر ذلك يظهر فيما أشكل أمره ومنه الدخان .
وفى رد المحتار أن فى إدخاله تحت هذه القاعدة إشارة إلى عدم تسليم إسكاره وتفتيره وإضراره كما قيل، وإلى أن حكمه دائر بين الإباحة والتوقف .
والمختار الأول . لأن الراجح عند جمهور الحنفية والشافعية كما فى التحرير أن الأصل الإباحة .
إلا أنه كما قال العلامة الطحطاوى يكره تعاطيه كراهة التحريم لعارضى ككونه فى المسجد للنهى الوارد فى الثوم والبصل .
وهو ملحق بهما، وكونه حال القراءة لما فيه من الإخلال بتعظيم كتاب اللّه تعالى انتهى موضحا .
وأشار بالنهى المذكور إلى ما فى صحيح البخارى عن ابن عمر رضى اللّه عنهما أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال فى غزوة خيبر من أكل من هذه الشجرة يعنى الثوم فلا يقرين مسجدنا، وعن جابر بن عبد اللّه أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزل مسجدنا وليقعد فى بيته .
والعلة فى النهى كراهة الرائحة وإيذاء المسلمين بها فى المساجد .
ولا شك أن للدخان أيضا رائحة مستكرهة عند من لا يشربه فيكره تعاطيه فى المسجد للعلة المذكورة كما يكره لأجلها غشيان المساجد لمن أكل الثوم والبصل ونحوهما من المأكولات ذات الرائحة الكريهة التى تبدو بالتنفس والجشاء مادامت فى المعدة، ويكره تعاطيه أثناء القراءة لكل من التالى والسامع لتحقق العلة المذكورة فيهما، والكراهة لعارض لاتنافى حكم الإباحة فى عامة الأحوال، وقول العمادى بكراهة استعمال الدخان محمول كما ذكره أبو السعود على الكراهة التنزيهية .
وقول الغزى الشافعى بحرمته قد ضعفه الشافعية أنفسهم ن ومذهبهم أنه مكروه كراهة تنزيه إلا لعارض، والكراهة التنزيهية تجامع الإباحة .
ومن ذلك يعلم أن الاتجار فيه اتجار فى مباح على الراجح، وأن الربح الناتج عنه حلال طيب .
واللّه أعلم ومنها يعلم حكم تعاطيه، وأن الأصل فيه الإباحة إلا لعارض يوجب تحريمه أو كراهته التحريمية لصرره الشديد بالنفس أو بالمال أو بهما، أو تعاطيه فى المسجد، أو فى أثناء سماع القرآن، لما فيه من المنافاة لتعظيم اللّه تعالى والقرآن الكريم كلامه .
ولا فرق فى ذلك بين أن يكون القارىء قريبا أو بعيدا، وكذلك فى حال تلاوته .
ومن الواجب وخاصة على العلماء إرشاد العامة إلى الكف عن شرب الدخان أثناء تلاوة القرآن أو سماعه من القارئ أو من المذياع، وإلى ضرورة التأدب بآداب الإسلام وتوقير كتاب اللّه كما كان عليه السلف الصالح .
واللّه تعالى أعلم(7/247)
لبس الذهب والحرير والبنطلون والبرنيطة والسلسلة
F علام نصار .
ذو القعدة 1369 هجرية - 19 أغسطس 1950 م
M 1 - لباس الرجل أو المرأة من الأمور العادية التى تخضع للعرف والزمان والمكان .
ولتحقق المصلحة أو الضرر فى استعمالها . فهى على أصل الإباحة ما لم يكن ممنوعا بالنص، أو يقترن به معنى يقصد الشرع إلى التخلى عنه أو يقترن به محرم شرعا .
2 - لبس البرنيطة أو البيريه للرجال أو النساء بقصد مجاراة العادة أو لمصلحة البدن، كاتقاء وهج الشمس أو لدفع ضرر يكون ذلك حسنا .
أما المعطف والبنطلون والبيجامة فقد أصبحت ملابس قومية وليس فى لبسها على الرجال أو النساء من حرج ما لم يقارنها ما يحرم شرعا أما لبس النظارة أو السلسلة أو الخاتم أو السوار أو غيرها من الذهب فحرام على الرجال لما فيه من التشبه بالنساء، ولمنافاتها لصفة الرجولة وتباح للمرأة .
3 - التشاؤم بالأرقام أو الأيام أو غيرها نهى الشرع عنه، لأن الأمور تجرى بأسبابها وبقدر الله
Q من السيد / ع .
أ ببيروت المتضمن طلب الفتيا عن حكم الشريعة الإسلامية فى لبس الرجال أو النساء للبرنيطة أو البيريه أو الطربوش أو المعطف أو السترة أو البنطلون أو البيجامة أو غيرها .
ثم عن حكم لبس الرجال أو النساء للنظارة أو الخاتم أو السوار أو السلسلة أو غيرها من الذهب أو الفضة ثم عن حكم التشاؤم، وتوهم المرء أن يصيبه ضرر أو موت من الأعداء أو السنين، أو دخول بيت أو لبس ثوب أو غير ذلك - ثم أسماء الكتب الدينية الإسلامية الصحيحة المعتمدة المفيدة السهلة التى يجوز اقتناؤها .
والعمل بها فى العقائد والعبادات والمعاملات
An إن لباس الرجل أو المرأة من الأمور العادية التى تخضع لمتعارف كل أمة أو أسرة ولزمانها ومكانها، ولتحقق المصلحة أو الضرر فى استعمالها، وليست مما يتعبد به حتى يتقيد لابسها بنوع أو زى منها، فهى على أصل الإباحة، بل إن جميع العاديات مما لا ضرر فيه بالدين ولا بالبدن وكان مما يخفف مشقة أو يجلب منفعة فهو مستحسن، ولا مانع منهما لم يكن ممنوعا بالنص، أو يقترن به معنى يقصد الشرع إلى التخلى عنه، أو يقترن به محرم شرعا .
فإذا نص الشرع على التحريم كان محرما كلبس واستعمال الحرير والذهب للرجال لغير حاجة ونحو ذلك، فإذا مست الحاجة إليهما كاستعمال الحرير واتخاذ السن من الذهب لضرورة صحية ومصلحة بدنية كان ذلك مباحا شرعا، فإن دين الله يسر - قال الله تعالى { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } الحج 78 ، وإذا اقترن باللبس من أى نوع كان ما يحرم شرعا كأن يلبس نوعا من اللباس إعجابا وخيلاء .
أو تلبس المرأة لباسا يظهر عورتها أو يلبس زيا يقصد بلبسه التشبه بزى الكفار كان ذلك غير جائز شرعا ، لا لدات الملبس ولكن لما قارنه من المعانى الممنوعة .
وقد يكون ذلك محرما، وقد يكون مكروها .
يقدر ذلك بقدر ما قارنه من تلك المعانى وعلى ذلك .
1- فلبس البرنيطة أو البيريه للرجال أو النساء لمن لا يقصد بلبسهما سوى مجاراة العادة فى قومه، أو يقصد به مصلحة لبدنه كاتقاء وهج الشمس أو غير ذلك من المقاصد المحمودة لا بأس به، بل عند قصده الحسن لتحقيق مصلحة أو دفع ضرر يكون ذلك حسنا .
أما المعطف والبنطلون والبيجامة والسترة والطربوش، فقد أصبحت ملابس قومية وليس فى لبسها على الرجال أو النساء من حرج، مالم يقارنها ما يحرم شرعا على الأساس السابق بيانه .
2 - أما لبس النظارة أو السلسلة أو الخاتم أو السوار أو غيرها من الذهب فحرام على الرجال، لما فيه من التشبه بالنساء ، ولمنافاتها لصفة الرجولة والإسراف بلا موجب يعتد به .
ويباح استعمالها للمرأة كما يباح لها أن تتخذ هذه الحلية وغيرها من الفضة - ويباح للرجل أن يتختم بالفضة .
3 - أما التشاؤم بالأرقام أو الأيام أو غيرها، فإن الشرع قد نهى عنه لأن الأمور تجرى بأسبابها وبقدر الله، ولا ارتباط لهذه الأشياء بخير يناله الإنسان أو شر يصيبه .
4 - أما الكتب الدينية النافعة المعتمدة فى الإسلام فلا يحصيها العد وسنذكر منها ما يسهل تناوله والانتفاع به فى العبادات والمعاملات والعقائد .
الحديث ( أ ) الترغيب والترهيب للحافظ عبد العظيم المنذرى .
( ب ) سبل السلام شرح نيل المرام للإمام الصنعانى .
( ج ) نيل الأوطار للإمام الشوكانى .
التفسير ( أ ) تفسير القرآن الكريم للإمام أبى السعود ( ب ) تفسير القرآن الكريم للإمام النيسابورى الفقه فقه حنفى ( أ ) مراقى الفلاح شرح نور الإيضاح للشرنبلالى ( ب ) الاختيار شرح تعليل المختار للإمام عبد الله محمود مودود الموصلى .
فقه شافعى ( أ ) حاشية البجيرمى على شرح الخطيب الشيخ سليمان البجيرمى .
فقه مالكى أقرب المسالك إلى فقه الإمام مالك للقطب الدردير .
فقه حنبلى الإقناع للإمام أبى النجا شرف الدين الحجاوى .
العقائد ( أ ) شرح الخريدة للقطب الدردير .
( ب ) رسالة التوحيد للإمام الشيخ محمد عبده .
هذا .
وما توفيقى إلى بالله . عليه توكلت وإليه أنيب .
والله أعلم(7/248)
وقف جميع المال على النفس ثم على الخيرات جائز
F علام نصار .
رجب 1370 هجرية - 25 أبريل 1951 م
M 1 - يجوز وقف جميع المال على نفس الواقف مدة حياته، ثم من بعد ذلك يكون وقفا على الخيرات .
2 - ينفذ ذلك فى حياته، أما بعد وفاته فيكون نافذا أيضا إلا إذا كان له عند الوفاة زوجة، أو أحد من الذرية أو أحد من ذرية والديه ممن يكون له استحقاق واجب، طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون 48 سنة 1946 وللمادة 24 منه .
3 - إذا كان هناك أحد من هؤلاء وقت وفاته يبطل الوقف فى نصيب من يكون موجودا منهم إذا طالب بذلك فى الميعاد المنصوص عليه فى المادة 30 من القانون المذكور، ويكون صحيحا ونافذا للخيرات فيما عدا ذلك .
4 - يجوز للواقف الرجوع عن وقفه كله أو بعضه مادام حيا
Q هل يجوز لسيدة أن توقف الآن جميع أموالها للخيرات، على أن يكون الصرف للخيرات بعد وفاتها، أما قبل الوفاة فتصرف ريع الوقف جميعه على نفسها بلا قيد ولا شرط، وهل يجوز لها حق الرجوع فى هذا الوقف والتغيير فى مصارفه أم لا
An إنه يجوز لهذه السيدة أن تقف جميع أموالها على نفسها مدة حياتها، ثم من بعدها على جهات الخير، ويكون نافذا بعد وفاتها إذا لم يكن لها وقت وفاتها زوج، ولا أحد من ذويها ولا من والديها ممن لهم استحقاق واجب، طبقا للفقرة الأخيرة من المادة رقم 23 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 وللمادة رقم 24 منه .
فإذا كان لها وقت وفاتها أحد من هؤلاء فإن الوقف يبطل فى نصيب من يكون موجودا منهم إذا طالب بذلك فى الميعاد القانونى طبقا للمادة 30 من القانون المذكور، ويكون صحيحا ونافذا للخيرات فيما عدا ذلك .
كما أنه يجوز لها فى حياتها الرجوع فى هذا الوقف كله أو بعضه، والتغيير فى مصارفه وشروطه طبقا للمادة 11 من قانون الوقف .
وبالله التوفيق(7/249)
لباس الرجل والمرأة فى الإسلام
F علام نصار .
ذو القعدة 1370 هجرية - 22 أغسطس 1951 م
M 1 - لباس الرجل أو المرأة أمر عادى باق على أصل الإباحة، ما لم يكن ممنوعا بالنص أو يقترن به معنى يقصد الشرع إلى التخلى عنه .
2 - التماس الرجل خاتما أو سوارا من حديد أو نحاس منهى عنه فى الإسلام .
3 - السلسلة والنظارة والساعة من نحاس أو حديد ليست من باب الحلية، فهى على أصل الإباحة ما لم يقارن لبسها ما يحرم أو يكره شرعا .
4 - التماس الرجل خاتما من ورق ( فضة ) وكان دون المثقال جائز شرعا
Q من الشيخ ع أ أ ببيروت عن حكم تحلى الرجل والمرأة بلبس الخاتم والسوار والسلسلة والساعة والنظارة من الحديد أو النحاس
An اطلعنا على الأسئلة المقدمة من الشيخ ع أ أ ببيروت بشارع البسطة الفوقا والتى سبق أن أجبنا عليها عدا سؤاله عن حكم تحلى الرجل والمرأة بلبس الخاتم والسوار والسلسلة والساعة والنظارة من الحديد أو النحاس - والجواب - أن التحلى بهذه الأشياء كما أشرنا فى فتوى سابقة لنا إلى حضرة السائل من الأمور العادية التى تخضع للعرف، ولتحقق المصلحة أو الضرر فى استعمالها وليست مما يتعبد به، وأن جميع العاديات مما لا ضرر فيه بالدين ولا بالبدن وكان مما يجلب مصلحة أو يدفع ضررا فهو مستحسن، ولا مانع منه مالم يكن ممنوعا بالنص، أو يقترن به معنى يقصد الشرع إلى التخلى عنه - وعلى هذا الأساس يختلف الحكم فى لبس الرجل أو المرأة خاتما أو سلسلة أو سوارا أو ساعة أو نظارة من الحديد أو النحاس، فإن الخاتم يلبس للتحلى .
وقد ورد فيه ما أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه ( نحاس أصفر ) فقال مالى أجد منكم ريح الأصنام فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالى أرى عليك حلية أهل النار فطرحه، فقال يا رسول الله من أى شىء اتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا ) فهذا يفيد المنع من التختم بالحديد أو النحاس .
وقد أخذ به الحنفية - فصرح بعضهم بحرمته، كما جاء فى الدر المختار وصرح بعضهم بكراهته كما جاء فى الاختيار وغيره .
وأما ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من حديد وأنه قال للرجل الذى أراد التزوج بواهبة نفسها له صلى الله عليه وسلم ( التمس ولو خاتما من حديد ) فيحملونه على أن ذلك كان قبل النهى عنه، وقال بعض شراح الحديث إن التماس الخاتم لا يلزم منه استعماله ن بل يحتمل أنه أراد وجوه لتنتفع المرأة بقيمته، فهذا حكم الخاتم للنص عليه - أما ما عداه فما يعتبر منه حلية من فضيلة الخاتم كالسوار يأخذ حكمه، لأن الممنوع حلية أهل النار التى تمس جلودهم، والسوار فى ذلك أولى من الخاتم، أما السلسلة والنظارة والساعة من النحاس أو الحديد فليست من باب الحلية، وإنما تستعمل لما فيها من المصلحة، فهى على أصل الإباحة مالم يقارن لبسها ما يحرم أو يكره شرعا كما يعلم من الأساس الذى قدمناه .
والله أعلم(7/250)
وقف خيرى
F حسنين محمد مخلوف .
ذو القعدة 1372 هجرية - 22 يولية 1953 م
M 1 - تعطيا السبيل الموقوف والموقوف عليه، لعدم الحاجة إليه ، بحيث لا تكون فائدة هناك من إعادته، يقتضى ضم ما عين له لباقى ريع الوقف .
2 - كتاب الوقف إذا عطل من مدة بعيدة، وحلت محله مدرسة ابتدائية لا تدرس فيها المواد التى عينها الواقف، فإنها لا تستحق شيئا مما هو موقوف على الكتاب، مادامت المدرسة بنظامها الذى لا يحقق شيئا من غرض الواقفة .
3 - يعمل بشرط الواقف الصحيح، إلا فيما تقضى الضرورة بالعدول عنه، فيعدل عنه فى أدنى الحدود .
4 - يحقق غرض الواقف ما أمكن ذلك
Q اطلعنا على السؤال المقدم من الصاغ ع أ أ المشرف العام لمكتب الخدمات الاجتماعية بوزارة الحربية - المطلوب به بيان كيفية صرف ريع وقف المغفور لها بنباقادن - الصادر منها أمام محكمة الباب العالى بتاريخ 28 من ذى الحجة سنة 1285 كما اطلعنا على كتاب الوقف المذكور، وتبين منه أن الواقفة قد وقفت جميع كامل السبيل الكبير وما يعلوه وما يلاحقه من الأبنية والمنافع والحقوق والمزملتين الكبرى والصغرى، وما يعلو ذلك من المكتب المعد لقراءة وتعليم الأطفال المسلمين على العادة فى ذلك، الكائن كل ذلك بشارع الصليبة الطولونية، وخصصت من ريع الوقف ما يلزم للإنفاق عليهما، ودوام النفع بهما، وشرطت بالنسبة للمكتب وما هو تابع له ومنسوب إليه أن يكون معدا من تاريخه لتعليم القرآن العظيم به وحفظه وتلاوته به، ولتعليم الكتابة العربية والتركية والفارسية، وتعلم علم النحو والصرف والحساب وما يماثل ذلك - واللغة التركية والعربية والفارسية على العادة فى ذلك، ونصت فى كتاب الوقف على أن ما فضل بعد ذلك من ريع الوقف بحفظ تحت يد الناظر لجهة الوقف المذكور لما تدعو الضرورة غليه من عمارة وغيرها فإن تعذر الصرف لشىء مما عين صرفه يضم المتعذر صرفه لباقى ريع الوقف المذكور، ويكون حكمه كحكمه وشرطه كشرطه فى الحال والمآل والتعذر والإمكان، وإن تعذر الصرف لذلك كله صرف ريع الوقف المذكور فى إقامة شعائر ومصالح ومهمات الحرمين الشريفين بالسوية بينهما، كما تبين من الطلب المقدم أن السبيل عطل من مدة طويلة، وأن المكتب أصبح مدرسة ابتدائية باسم مدرسة بنبا قادن تابعة لوزارة المعارف، ونظام التعليم فيها هو نظام المدارس الابتدائية
An إن تعطيل السبيل المذكور من زمن بعيد إنما كان لعدم الحاجة إلى السقاية منه بعد أن امتد العمران إلى جهة الصليبة، ووجدت المياه فى المنازل وفى كل مكان بها وبالقاهرة بأسرها، وهو أمر لامناص منه الآن ولا فائدة ترجى من إعادته كما كان .
ويعتبر ذلك فى العرف تعذرا يوجب ضم ما عين له لباقى ريع الوقف كما شرطت الواقفة، أما المكتب الموصوف بكتاب الوقف فقد عطل أيضا بلا مبرر من زمن بعيد، والمدرسة الابتدائية التى تحمل اسم الواقفة وحلت محله لا تمت إليه، ولا إلى غرض الواقفة من إنشائه بسبب من حيث العلوم التى تدرس ليها والغاية التى ينتهى تلاميذها إليها، فليس فيها تعليم القرآن الكريم وحفظه وتلاوته كما تريده الواقفة، إذ المفهوم من ذلك عرفا وفى الزمن الذى أنشىء فيه الوقف تعلم القرآن كله وحفظه كله كما هو المتبع إذ ذاك فى سائر الكتاتيب القائمة بمهمة تحفيظ القرآن للتلاميذ، وتخريج كثير منهم من حملة القرآن وقرائه وليس فيها تعليم لكتابة اللغة التركية والفارسية، وليست قاصرة على أبناء المسلمين كما شرطت الواقفة، ولا على العدد المنصوص عليه فى الحجة وكل ما لهذه المدرسة من صلة بالواقفة أنها تحمل اسمها فقط، ثم هى لا تخرج إلا حملة الشهادة الابتدائية المعروفة، وغرض الواقفة من إنشاء هذا المكتب وإدرار النفقة على تلاميذه ومدرسيه هو تخريج طائفة من قراء الكتاب الكريم وحفظته ملمة ببعض مبادىء العلوم الأولية، وفى ذلك نشر للقرآن وإكثار من حفاظه وتثقيف إسلامى لطائفة أبناء المسلمين .
وإذا كانت مسافة الخلف بين المدرسة والمكتب الموصوف كما بينا فهى لا تستحق شيئا من ريع هذا الوقف ما دامت بنظامها الحاضر، وكان من الممكن الميسور ألا يعطل هذا المكتب وأن تنفذ شروط الواقفة فى الحدود الممكنة التى تلائم التطور الحديث، وأن يؤدى رسالته كما رغبت الواقفة مع التجاوز عن بعض الشروط، بل من المصلحة الظاهرة فى الوقت الذى تضاءل فيه تعليم القرآن وتجويده كله وتعلم تلاميذه الخط العربى ومبادىء الحساب وما لابد منه من المواد، على أن يكون القصد الأولى إلى حفظ كتاب الله وترتيله، وما عدا ذلك فى المرتبة الثانية من الاعتبار، فيسد هذا المكتب فراغا ويدرأ حاجة ويحقق بقدر الإمكان رغبة الواقفة، ويصرف عليه من ريع الوقف ما يفى بحاجته ويلحق به من التلاميذ أكبر عدد ممكن ويصرف لهم ما يشجعهم على مواصلة الدراسة فيه من كساوى أو بدلها ومكافآت للمجدين وإعانات للفقراء منهم وكتب وأدوات، ويوضع له منهاج خاص لعله يكون منهاجا نموذجيا يشجع أهل الخير والدين على إنشاء أمثاله، وتسند إدارته إلى ناظر من العلماء يجيد القرآن، وله دراية بالنظم المدرسية وإداراتها، وينتقى له المعلمون الأكفاء، ويسمى باسمها ويتبع وزارة الأوقاف بصفتها ناظرة على الوقف إذا رغبت ذلك، أو مشيخة الأزهر، أو من ترى الوزارة أن يقام ناظرا بدلها على هذا الوقف الخيرى، وفى ذلك خير كثير، وكل هذا يستدعى أن يعرض الأمر على هيئة التصرفات بالمحكمة الشرعية المختصة لإقراره، والإذن بمخالفة بعض شروط الواقفة التى قضى تطور الزمن واختلاف العصر بالتجاوز عنها أو تحويرها على النحو الملائم لعصرنا الحاضر دون إسراف وشطط فى المخالفة والتغيير، والأصل الفقهى أن يعمل بما صح من شروط الواقفين إلا فيما تقضى الضرورة بالعدول عنه، فيعدل عنه فى أدنى الحدود ويحقق غرض الواقف بقدر الإمكان، وبالجملة يلزم تحقيق غرض الواقفة فى هذا المكتب بتعليم طائفة من أبناء المسلمين ما يسعدهم فى دينهم ودنياهم ويثقفهم ثقافة إسلامية تقيهم شرور أنفسهم، ونزعات مجتمعهم وتصون أخلاقهم من الانحلال والوهن، وتوجههم توجيها صالحا لما فيه الخير والفلاح ولعله من المقيد فى ذلك أن يستعان فى إعادة هذا المكتب ونظامه بالقانون الذى وضع لمدرسة عثمان ماهر باشا فى عهد نظارة المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر بصفته ناظرا على وقفها، فإنه نظام واف دقيق، وقد أدت المدرسة فى ظله رسالة إسلامية خير أداء وكان فيها للمعاهد الدينية مدد صالح، وسيكون لهذا المكتب إذا أنشىء على غرارها أو على نحو قريب منها هذا الأثر المحمود - وحيث أمكن تنفيذ رغبة الواقفة على هذا النحو فلا يسوغ العدول عنه بحال، طبقا للقواعد الشرعية وعلى ناظر الوقف أن يطبق شرط الواقفة فيما يتعلق بحفظ ما لا بد من حفظه للعمارة والتجديد فى المكتب اتباعا للحكم الفقهى وشرط الواقفة، وللمادة 54 من القانون رقم 48 لسنة 1946 م الخاص بأحكام الوقف، وإذا فضل بعد ذلك كله شىء من الريع تطبق فيه المادة 19 من القانون المذكور - ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
والله أعلم(7/251)
وقف خيرى واستحقاقى
F حسنين محمد مخلوف .
ذو القعدة 1372 هجرية - 30 يولية 1953 م
M 1 - الصهريج الموقوف وما أوقف عليه وقف خيرى، ولو لم يصرح الواقف بذلك، لجريان العرف على ذلك .
2 - وقف المنزل على الذرية وقف استحقاقى .
3 - الموقف على المنزل والصهريج بصرف ريعه مناصفة بينهما .
4 - تهدم الصهريج بعد وفاة الواقف واستغناء الناس عنه يبقى وقفا إلى الأبد عند الإمام أبى يوسف وعليه الفتوى، ويعود إلى ملك الواقف إن كان حيا ولورثته بعد وفاته عند الإمام محمد .
5 - ما يخص الصهريج فى الوقف يصرف إلى أقرب جهة بر عند أبى يوسف قبل العمل بالقانون 48 سنة 1946، أما بعده فيصرف إلى من يكون محتاجا من ذرية الواقف ووالديه بقدر الكفاية حتى صدور القانون 247 لسنة 1953 بشأن تعديل المصارف الخيرية .
وذلك بإذن المحكمة .
6 - يجوز بإذن المحكمة استبدال أرض الصهريج بما هو أنفع للخيرات
Q اطلعنا على السؤال المقدم من السيد م أ أ وعلى صورة من كتاب الوصية الصادر من مجلس دمياط الشرعى فى الثامن من شهر صفر سنة 1282 وتبين منها أن الحاج م س أ أشهد على نفسه انه جعل ابنه السيد /س ناظرا على كامل وقفه السابق على تاريخه باقراره فى المجلس، وهو الثلاث ملاليح الكائنة بظاهر ثغر دمياط والمعدة لحبس الماء الملح حتى ينعقد ملحا المصروف ريعها جميعه على ملء الصهريج المعد لخزن الماء العذب بدمياط، وعلى عمارته ومرمته وعلى عمارة المنزل المعروف بسكن الوقف بالثغر، والموقوف على سكنى ذريته وعقبه ذكورا وإناثا ما دامت الإناث فى حاجة إلى السكنى، فإذا انقرضت الذرية كان ريع الوقف مصروفا للخيرات وتبين من السؤال أن هذا الوقف ليس له حجة وأن الصهريج قد اندثر واستغنى عنه، وأن المنزل قد هدم منذ نيف وعشرين عاما وبيعت أنقاضه - ثم استبدلت أرضه ولا يزال مال البدل موجودا بخزانة المحكمة الشرعية، وكان من بعد وفاة الواقف إلى الهدم مشغولا بسكنى أولاده وأولاد أولاده الذكور فقط، وآخر من سكنه من الذرية الطبقة الثانية ويوجد الآن على قيد الحياة أفراد من الطبقات الثالثة والرابعة والخامسة .
وقد ترك الواقف أربعة ذكور وأنثر وتوفى من الذكور اثنان عقيمان والباقى عن ذرية والمطلوب معرفة هل هذا الوقف بجميع أعيانه وقف خيرى أو لا - ولمن يصرف ريع الملاحات ومال البدل المذكور
An إن الصهريج وما وقف على ملئه وعمارته ومرمته وقف خيرى صحيح وإن لم يصرح فى الإشهاد بجهة البر الدائمة التى يصرف إليها ريعه مالا إذ قد جرى العرف على أن من وقف وقفا كهذا يريد تأبيده كما فى الوقف على المسجد المعين - وأما المنزل فلا شبهة فى أنه وقف أهلى، وإقرار الواقف فى حجته بأن الملاليح المذكورة وقف عليه وعلى الصهريج إقرار معتبر شرعا، فتكون هذه الملاليح المذكورة وقف عليه وعلى الصهريج إقرار معتبر شرعا، فتكون هذه الملاليح موقوفة عليهما بالسوية، وبتهدم الصهريج واستغناء الناس عنه بعد موت الواقف يبقى مكانه وقفا إلى الأبد على قول أبى يوسف الذى اخترناه للفتوى فى هذه الحادثة، وهو أولى من قول محمد بعودته غلى ملك الواقف إن كان حيا وورثته إن كان ميتا، لتعذر معرفة الورثة وقت الانهدام، ومعرفة ذرياتهم بعد مضى الوقت الطويل على وفاتهم .
وبناء على ذلك يصرف ما وقف على الصهريج إلى أقرب جهة بر إليه عند أبى يوسف كالمساجد أو المستشفيات أو نحوها .
ولكن بعد صدور القانون رقم 48 لسنة 1946 تطبق عليه المادة 19 منه التى تقضى بصرفه بإذن المحكمة على من يكون محتاجا من ذرية الواقف ووالديه بقدر كفايته، ثم إلى المحتاج من أقاربه كذلك، ثم إلى الأولى من جهات البر حتى صدور القانون رقم 247 لسنة 1953 بتعديل المصارف الخيرية الذى نشر بالوقائع المصرية بتاريخ 21 مايو سنة 1953، ومن حين العمل به تطبق أحكامه ن ويجوز بإذن المحكمة استبدال أرض هذا الصهريج بما هو أنفع للخيرات - أما المنزل وما وقف عليه فإنه وقف أهلى على ذرية الواقف الأحياء يوم إلغاء الوقف الأهلى - بمقتضى القانون رقم 180 لسنة 1952 فيصبح ملكا لجميع الموجودين من الذرية من سائر الطبقات بالسوية بينهم عدا الإناث اللاتى ليست لهن حاجة إلى السكنى فيه وقت صدور هذا القانون - ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/252)
الولادة بواسطة الطبيب
F حسن مأمون .
ربيع الأول 1377 هجرية - 16 أكتوبر 1957 م
M 1 - الأصل شرعا أن بدن المرأة كله عورة، عدا الوجه والكفين والقدمين، وأنه يحرم على الأجنبى النظر منها ما عدا ذلك إلا لضرورة كالطبيب، ولا يتجاوز ذلك قدر الضرورة .
2 - تعتبر حالة الولادة من حالات الضرورة التى يجوز للطبيب أن يباشرها بنفسه
Q امرأة قالت ما هو حكم الولادة بواسطة الطبيب حتى لو كانت الحالة طبيعية .
وهل يحل كشف العورة لطبيب أعزب، وربما كانت أخلاقه سيئة
An المنصوص عليه شرعا أن بدن المرأة الأجنبية كله عورة عدا وجهها وكفيها وقدميها، وأنه يحرم على الأجنبى عنها النظر إلى ما عدا ذلك إلا عند الضرورة، كالطبيب والخاتن للغلام والقابلة والحاقن ، ولا يتجاوز هؤلاء قدر الضرورة، وفى التبيين وينبغى للطبيب أن يعلم امرأة إذا كان المريض امرأة إن أمكن، لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف، وإن لم يمكن فإذا لم يكن بد من نظر الرجل الأجنبى إلى عورة الأجنبية عنه فليستر كل عضو منها سوى موضع المرض، ثم لينظر ويغض بصره عن غير ذلك الموضع ما استطاع، تحرزا عن النظر بقدر الإمكان، وكذلك تفعل المرأة عند النظر إلى الفرج عند الولادة وتعرف البكارة، لأن ما يثبت للضرورة يقدر بقدرها .
والأصل فى ذلك قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } النور 30 ، وقوله تعالى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } النور 31 ، أى يسترنها من الانكشاف كيلا ينظر إليها الغير .
وقال عليه السلام ملعون من نظر إلى سوءة أخيه فأما فى حالة الضرورة فإن الضرورات تبيح المحظورات فأبيح للضرورة شرب الخمر وأكل الميتة، وهذا لأن أحوال الضرورات مستثناة .
قال تعالى { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } الحج 78 ، وقال تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } البقرة 286 ، وهذا هو حكم الشريعة فى النظر إلى عورة الأجنبية ولما كانت حالة الولادة من الحالات الدقيقة التى تستدعى مهارة الطبيب الحاذق إنقاذا لحياة الحامل، وحياة الجنين فى هذه العملية .
كما أنه لا يعلم قبل مجىء المخاض إن كانت هذه الولادة ستكون سهلة، أو عسيرة يخشى منها على حياة الحامل، واحتياطا للمحافظة على حياة الحامل ونجاح عملية الولادة تستثنى حالة الولادة من هذا الحكم العام، وتعتبر من حالات الضرورة التى يجوز للطبيب أن يباشرها بنفسه على أية حال كانت الولادة .
والله أعلم(7/253)
العدل بين الأولاد
F حسن مأمون .
ذو القعدة 1377 هجرية - 2 يونية 1958 م
M 1 - المساواة بين الأولاد واجبة إن قصد بتفضيل أحدهم الإضرار بالآخرين .
2 - تجوز المفاضلة بينهم فى العطية إن كان لها سبب يقتضيها، كاحتياج أحد الأولاد لزمانة أو للزوم دين
Q بالطلب م المتضمن أن رجلا أنفق على ولده الأكبر أكثر من 300 جنيه حتى حصل على البكالوريوس من الجامعة، كما أنفق فى زواج بنته الكبرى 200 جنيه وفى زواج بينه الثانية 250 جنيها وله بعد ذلك ولد فى السنة الأولى بمدرسة التجارة الثانوية وبنت فى ابتدائى عمرها 11 سنة .
ويرغب فى أن يكتب للولد الطالب ما يسوى مائة جنيه حتى يضمن إتمام تعليمه، وللبنت الصغيرة مثله لتستعين بها على الزواج فى المستقبل .
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى فى ذلك
An إن النصوص الشرعية تقضى بوجوب التسوية بين الأولاد إن قصد بالتفضيل الإضرار، ويجواز التفاضل إن كان له سبب كاحتياج الولد لزمانته ودينه ونحوهما .
وعلى ذلك فيجوز للسائل شرعا بدون كراهة أن يعطى لولديه الصغيرين ما يريد إعطاءه لهما بأى طريق كبيع وهبة ووصية ولا يكون بذلك مفضلا لهما بقصد الإضرار بأولاده الآخرين .
بل على العكس ظاهر من استفهامه أنه يريد المساواة بينهم .
وقد أجاز قانون الوصية رقم 71/1946 م الوصية للوارث بالثلث، وينفذ فيه بدون إجازة الورثة .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
والله أعلم(7/254)
المسح على الخفين وجمع الصلاة جمع تأخير
F محمد خاطر .
ربيع الآخر 1395 هجرية - 20 أبريل 1975 م
M 1 - المقرر فقها أن المسح لا يجوز شرعا إلا على الخف المصنوع من الجلد أو ما أخذ حكمه بشروطه .
2 - يجوز شرعا للمسافر الجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير عند جمهور الفقهاء فى المسافة التى تقصر فيها الصلاة ( 81 كيلو ) إلا قليلا ولا يجوز ذلك عند الحنفية
Q بالطلب المتضمن أن السائل يعمل فى طنطا ويقيم فى القاهرة ويسافر يوميا من القاهرة إلى طنطا ثم يعود من طنطا إلى القاهرة .
وأنه فى فصل الشتاء يصل إلى منزله فى القاهرة بعد العصر .
وأنه لذلك حريص على أن يؤدى صلاة الظهر فى مكتبه بطنطا .
وطلب السائل لذلك بيان الحكم الشرعى فى الأمرين التاليين : 1 - هل يجوز له التوضؤ مع المسح على الجورب إذا كان طاهرا وارتداه على وضوء .
وهل يجوز لزوجته وبنته الوضوء مع المسح على الجورب الطويل اللتان تلبسانه تحت البنطلون الطويل أم لا .
2 - هل يجوز للسائل أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير عند عودته من عمله إلى منزله لأنه أحيانا ينشغل عن أداء صلاة الظهر فى موعدها بسبب عمله فى الشركة التى يعمل بها والتفاهم مع عملائها
An 1 - عن السؤال الأول المقرر فقها أن المسح لا يجوز شرعا إلا على الخف المصنوع من الجلد أو ما أخذ حكمه وهو أن يكون ثخينا يمنع وصول الماء إلى ما تحته .
وأن يثبت على القدمين بنفسه من غير رباط - وألا يكون شفافا يرى ما تحته من القدمين أو من ساتر آخر فوقهما - إذا تحققت فى الجورب هذه الشروط وشروط أخرى مبسوطة فى كتب الفقه وأهمها أن يمكن المشى فيه ت جاز المسح عليه شرعا وإلا فلا .
وفى حادثة السؤال لا يجوز شرعا للسائل ولا لزوجته وبنته أن يمسحوا على الجورب لأن الظاهر من السؤال أن الجورب المسئول عن المسح عليه هو الجورب المعتاد لبسه عرفا وهذا الجورب لا تتحقق فيه الشروط التى ذكرناها .
والتى بدونها لا يجوز المسح عليه شرعا . 2 - عن السؤال الثانى اتفق الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد على أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير للمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة وحدد الأئمة الثلاثة المذكورون مسافة القصر بأنه المسافة التى تبلغ نحو ( 81 كيلو ) إلا قليلا .
أما الحنفية فقد حددوها بالأيام فقالوا إنها مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشى الأقدام والسير المذكور هو السير الوسط .
كما قال الحنفية أيضا إن الجمع بين الصلاتين تقديما وتأخيرا لا يجوز شرعا إلا فى عرفة والمزدلفة للحاج فقط .
وفى حادثة السؤال .
المسافة بين القاهرة وطنطا - تزيد عن مسافة القصر التى حددها الأئمة الثلاثة - وعلى ذلك فيجوز للسائل شرعا أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد .
ولا يجوز له شرعا الجمع بينهما عند الحنفية . وهذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/255)
نقل الدم من انسان إلى آخر
F حسن مأمون .
ذو الحجة 1378 هجرية - 9 يونية 1959 م
Mتوقف شفاء المريض أو الجريح أو إنقاذ حياته أو سلامة عضو من أعضائه على نقل دم له من آخر، بأن لا يوجد من المباح ما يقوم مقامه فى شفائه وإنقاذ حياته، يقتضى جواز نقل ذلك الدم إليه للضرورة، وكذلك الحكم عند الحنفية إذا توقف ذلك على تعجيل الشفاء
Q بالطلب المتضمن عن حكم الشرع فيما يتعلق بنقل الدم من إنسان إلى إنسان آخر
An إنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته أو سلامة عضو من أعضائه على نقل الدم إليه من شخص آخر، وذلك بأن لا يوجد من المباح ما يقوم مقامه فى شفائه وإنقاذ حياته، جاز نقل الدم إليه، لأن الضرورة تقضى بنقل الدم لإنقاذ حياة المريض ، أو سلامة عضو من أعضائه .
لقوله تعالى فى آخر آية { إنما حرم عليكم الميتة والدم } { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة 173 ، أما إذا لم يتوقف أصل الشفاء، فإن ذلك جائز أيضا عند بعض الحنفية نرى الأخذ به .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
والله أعلم(7/256)
حكم التصوير
F أحمد هريدى .
5 ديسمبر 1963 م
M 1 - لا بأس باتخاذ الصورة التى لا ظل لها، وكذا الصورة المرقومة فى ثوب، ويلحق بها الصورة التى ترسم على الحائط أو الورق قياسا على جواز تصوير ما لا روح فيه، كالنبات والأشجار ومناظر الطبيعة .
2 - يجوز التصوير الشمسى للإنسان أو الحيوان إذا كان لأغراض علمية مفيدة، تعود على المجتمع بالنفع، مع خلوها من مظاهر التعظيم
Q بالطلب المتضمن أنه توجد مخطوطات مصورة فى العصور الإسلامية - كالكتب الطبية - ففيها تصوير الحشائش فى كتاب ( الأدوية المفردة ) وتصوير بعض الحيوانات فى كتاب ( بيطرنامة ) ورسوم العقاقير النباتية والأعشاب الدوائية فى كتاب، ( الأفربازين والمفردات الطبية ( ورسم يبين طبقات العين وتشريحها فى كتاب ( العين ) وكذا الخرائط والمصورات الجغرافية فى كتاب ( صور الأقاليم السبعة ) وهو أول مصور جغرافي فى الإسلام .
وصور الأرض وأشكالها وطبيعتها واستدارتها وأطوالها فى كتاب ( نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق ) للشريف الإدريسى، وكتاب ( المسالك والممالك ) لابن حوقل فهو يشتمل على عدة صور .
وأمثالها من المراجع الإسلامية، وكلها تمثل ذخيرة علمية وحضارة إسلامية تسامى أعظم الحضارات والثقافات العلمية .
ويعتبر نشرها من أعظم الواجبات لنشر حضارة الإسلام وثقافته، والتعريف بما كان له من فضل على الإنسان، ويريد الطالب نشر نماذج من هذه الكتب فى مؤلفه عنها المسمى ( تصوير وتحلية الكتب العربية فى الإسلام ) وطلب السائل الإفادة عن حكم الشريعة الإسلامية فى نقل ونشر هذه النماذج الموضحة بالرسوم والصور، كما هى فى أصولها المخطوطة
An ورد فى التصوير أحاديث كثيرة، منها ما رواه البخارى عن أبى زرعة قال دخلت مع أبى هريرة دارا بالمدينة فرأى فى أعلاها مصورا يصور فقال سمعت رسول الله ت صلى الله عليه وسلم - يقول ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقى فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة ) قال فى فتح البارى شرح صحيح البخارى قال ابن بطال فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل، فلهذا أنكر ما ينقش فى الحيطان قلت هو ظاهر من عموم اللفظ .
ويحتمل أن يقصر على ماله ظل من جهة قوله كخلقى فإن خلقه الذى اخترعه ليس صورة فى حائط بل هو خلق تام .
ومنها ما رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام ( القرام ستر فيه رقن ونقش وقيل هو ثوب من صوف ملون ) لى على سهوة ( السهوة بيت صغير ضمن الدار ) لى فيها تماثيل .
فلما رآه رسول الله ت صلى الله عليه وسلم - هتكه ( هتكه نزعه ) وقال أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله .
قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين )، قال فى فتح البارى واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ الصور إذا كانت لا ظل لها ن وهى مع ذلك مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالمخاد والوسائد .
ومنها ما رواه البخارى عن زيد بن خالد عن أبى طلحة قال إن رسول الله ت صلى الله عليه وسلم - قال ( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة إلا رقما فى ثوب ) قال فى فتح البارى قال ابن العربى حاصل ما فى اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع .
وإن كانت رقما فأربعة أقوال الأول يجوز مطلقا على ظاهر قوله فى حديث البارى إلا رقما فى ثوب .
الثانى المنع مطلقا حتى الرقم الثالث إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم، وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز .
قال وهذا هو الأصح . الرابع إن كان مما يمتهن جاز، وإن كان معلقا لم يجز .
وقال صاحب الهداية ولا يكره تمثال غير ذى روح، لأنه لا يعبد .
وعلله صاحب العناية بما روى عن ابن عباس أنه نهى مصورا عن التصوير، فقال كيف أصنع وهو كسبى قال إن لم يكن بد فعليك بتمثال الأشجار .
والذى تختاره أنه لا بأس باتخاذ الصورة التى لا ظل لها، وكذلك الصورة إذا كانت رقما فى ثوب ويلحق بها الصور التى ترسم على حائط أو نحوه أو على الورق قياسا على تصوير ورسم مالا روح له كالنبات والأشجار ومناظر الطبيعة .
وبناء على ذلك يكون الرسم والتصوير الشمسى المعروف الآن للإنسان والحيوان وأجزائهما - إذا كان لأغراض علمية مفيدة تنفع المجتمع وتعود عليه بالفائدة مع خلوها من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة حكمه حكم تصوير النبات والأشجار ومناظر الطبيعة وغيرها مما لا حياة فيه - وهو الجواز شرعا .
ومما يذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله أعلم(7/257)
اقتناء الكلاب فى المنازل
F أحمد هريدى .
26 أكتوبر 1968 م
M 1 - اقتناء الكلاب جائز للضرورة، كما إذا كان للصيد أو الحراسة وغيرهما وفيما عدا الضرورة فإنه غير جائز شرعا .
2 - شعر الكلب طاهر، ولمس المتوضىء له لا ينقض وضوءه .
3 - لعاب الكلب نجس عند الحنفية، وفى رواية عن الإمام أحمد
Q بالطلب المتضمن أن السائل نشأ من صغره محبا لكلاب واقتنائها، لما عرف عنها من الوفاء والإخلاف لصاحبها، وأنه من المحافظين على الدين، وأنه يقوم بأداء الفرائض وأنه مواظب على الصلاة، وأن الكثيرين من أقاربه يلومونه على تربية الكلاب لنجاستها وأن هذا قد دعاه إلى الاطلاع على كثير من كتب الدين، وأنه لم يستطع الوصول إلى نتيجة حاسمة فى مدى نجاسة الكلب .
ويذكر السائل أنه اطلع فى جريدة الأهرام منذ أكثر من عشرين عاما على فتوى من دار الإفتاء ردا على أسئلة كانت موجهة من بعض المسلمين فى أندونيسيا عن الكلاب وأنه يذكر أن الفتوى ذكرت أن الكلب حكمه حكم أى حيوان آخر وأنه ليس يجسا حتى لعابه .
ويطلب السائل الإفادة عما يأتى : 1 - هل اقتناء الكلب فى المنزل محرم مع العلم بأنه ينبه أهل الدار إلى الغرباء .
2 - هل جسم الكلب نجس ينقض الوضوء وإذا كان نجسا فما هى الأعضاء النجسة التى تنقض ملامستها الوضوء ( الأنف واللعاب مثلا )
An عن السؤال الأول المقرر شرعا أن اقتناء الكلاب مباح شرعا فى حالة الضرورة، كاقتناء الكلاب للصيد أو الحراسة وما شاكلهما، أما اقتناء الكلاب فى غير حالات الضرورة فلا يجوز شرعا .
عن السؤال الثانى حكى شيخ الإسلام ابن تيمية الخلاف بين الفقهاء فى طهارة الكلب ونجاسته فقال إنهم تنازعوا فيه على ثلاثة أقوال .
الأول أنه طاهر حتى ريقه وهو مذهب المالكية . الثانى أنه نجس حتى شعره وهو مذهب الشافعى، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل الثالث أن شعره طاهر وريقه نجس وهو مذهب الحنفية والرواية الثانية عن الإمام أحمد بن حنبل .
ثم قال وهذا أصح الأقوال . فإذا أصاب البدن أو الثوب رطوبة شعره لم يتنجس بذلك - وإذا ولغ فى الماء أريق وغسل الإناء .
ومن هذا يتبين أن اقتناء الكلب بالمنزل مباح شرعا إذا استدعت الضرورة ذلك، كما إذا كان الاقتناء للحراسة أو للصيد أو ما شاكلهما .
أما اقتناء الكلب لغير ضرورة تقتضى ذلك فغير جائز شرعا .
وأن شعر الكلب طاهر وملامسة الإنسان المتوضىء لشعر الكلب لا ينقض الوضوء .
أما لعاب الكلب فهو نجس فإذا أصاب الإنسان شىء من لعاب الكلب فإنه يتنجس .
وهذا هو مذهب الحنفية، والرواية الثانية عن الإمام أحمد، وهو الذى نختاره للفتوى .
ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ے(7/258)
الدعاية بتعيين هدايا لمن يشترى أكثر دون مقابل مشروعة
F أحمد هريدى .
11 نوفمبر 1968 م
M 1- الدعاية للمحلات التجارية بتقديم هدايا عينية لمن يشترى أكثر دون أدنى زيادة فى أثمان سلعها مقابل هذه الهدايا جائزة شرعا .
2- أوراق اليانصيب حرام لأنها نوع من أنواع القمار .
3- العب بالأزلام والنرد والشطرنج نظير مال يأخذه الغالب والرهان على مال، كل ذلك حرام شرعا
Q بالطلب المقدم من السيد م أ ح من رعايا المملكة الليبية والمقيم بها قال إنه يملك شركة لتوريد مسحوق صابون ( تايد ) للغسيل فى المملكة الليبية، وقد اعتادت هذه الشركة أن تطرح فى الأسواق كل بضعة أشهر إنتاجا من هذا الصابون يحمل وسيلة جدية للدعاية والترويج، تتيح للمستهلك فرصة الاشتراك فى جزء من أرباح الشركة بحصوله على عائد من تلك الأرباح فى صور مختلفة ، تارة تكون نقودا داخل علب الصابون، وتارة تكون هدايا تمنح لمن يقدم أعدادا مختلفة من أغطية علب الصابون - مثل السيارات والثلاجات الكهربائية والتليفزيونات والراديوهات وغير ذلك من أنواع الهدايا المختلفة، كل ذلك دون أن تحمل المستهل أية زيادة فى ثمن علبة الصابون الذى تباع به فى الأسواق المختلفة - بل تتحمل الشركة كافة تكاليف هذه الهدايا على أساس أن ذلك نوع من أنواع الدعاية والمنافسة المشروعة فى المجال التجارى معترف به فى كافة الأسواق العالمية - وأضافت الشركة أخيرا وسيلة جديدة للدعاية تتيح لعدد أكبر من المستهلكين فرصة الاشتراك فى قدر أكبر من أرباح الشركة على نفس المنهج السابق فطبعت صورا عديدة من الهدايا التى قررت توزيعها ووضع ثلث صورة الهدية داخل علبة من علب الصابون، والثلث الثانى فى علبة أخرى وهكذا - وإذا ما تمكن مستهلك من تجمع أجزاء الصورة كاملة تقدم للحصول على الهدية المعينة بالصورة مجانا من أحد مراكز التوزيع المنتشرة فى المملكة الليبية - ولاقت هذه الدعاية الجديدة رواجا عظيما أتاحت لكثير من المستهلكين فرص الحصول على عديد من الهدايا، وبالتالى الاشتراك فى قدر من الأرباح - وتقوم الشركة بهذا كله تحن إشراف المسئولين بوزارة الداخلية الليبية - ولقد كان لذلك أثر سىء لدى شركات الصابون الأخرى المنافسة نتيجة لرواج التوزيع، واتساع نطاقه، وإقبال أكثر المستهلكين على إنتاج الشركة فشنت تلك الشركات هجوما على تلك الدعاية بدعوى أنها حرام شرعا لأنها نوع من أنواع المقامرة، وطلب السائل حكم الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامى فى مشروعية هذه الدعاية التى تقوم بها الشركة على الوجه السابق بيانه
An فى المختار القمار المقامرة .
وتقامروا لعبوا القمار .. والميسر قمار العرب بالأزلام، وفى تفسير الألوسى كان للعرب أقداح تسمى الأزلام والأقلام وهى عشرة ت سبعة منها لكل منها نصيب محدد معروف لأولها سهم ولثانيها سهمان ولثالثها ثلاثة أسهم وهكذا إلى السابع له سبة أسهم .
والثلاثة الباقية غفل لا نصيب لواحد منها، وكانوا يذبحون الجزور ويقسمون لحومها أقساما .
ويضعون الأزلام فى خريطة توضع على يد عدل منهم يجلجلها ويخلطها ببعضها ثم يدخل يده فيخرج باسم رجل منهم قدحا وباسم آخر قدحا وهكذا، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب المرسوم به ذلك القدح .
ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله مع حرمانه .
وكانوا يدفعون هذه الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه .
وكان ذلك يحمل فى كثير على أكل أموال الناس بالباطل ودفع المقامرين إلى السرقة وتلف النفس وإضاعة العيال وارتكاب الأمور القبيحة والرذائل الشنيعة وإثارة العداوة والبغضاء بينهم .
فحرمه الله تحريما قاطعا بقوله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة .
فهل أنتم منتهون } المائدة 90 ، 91 ، وفى حكم ذلك المقامرة بلعب النرد والشطرنج وجميع أنواع القمار وجميع أنواع المخاطرة والرهان وعن ابن سبرين كل شىء فيه خطر فهو من الميسر .
وفى تفسير الجصاص . أحكام القرآن الميسر القمار .
قال ابن عباس المخاطرة قمار . وأن أهل الجاهلية كانوا يخاطرون على المال والزوجة .
وقد كان ذلك مباحا إلى أن ورد تحريمه، ولا خلاف بين أهل العلم فى تحريم القمار .
فإذا نظرنا إلى قمار العرب بالأزلام وإلى لعب النرد والشطرنج نظير مال يعطيه المغلوب للغالب وإلى الرهان وإلى كل صور المخاطرة - نجد فيها تعليق أخذ المال على حصول شىء غير موجود بالفعل، وهو على خطر الوجود قد يوجد وقد لا يوجد، وفيه أكل أموال الناس بغير حق ولا مسوغ شرعى، ويؤدى إلى المفاسد والشرور التى أشرنا غليها فيما نقلناه من تفسير الألوسى، ومن ثم حرمه الله تعالى ونهى عنه نهيا قاطعا - والصورة التى تعملها الشركة على سبيل الدعاية ليست قمارا وليس فيها معنى القمار وإنما هى تخصيص أنواع وألوان من الهدايا النقدية أو العينية لمن يشترون منجاتها وتضمن بذلك كثرة التوزيع واتساع نطاقه إلى حد يعود عليها بالنفع والكسب الوفير .
والمشترون لمنتجات الشركة لا يدفعون شيئا مطلقا نظير هذه الهدايا أو فى مقابلها، وإنما يدفعون فقط ثمن الصابون الذى يشترونه والذى توزعه الشركة بالسعر المحدد له والسائد فى الأسواق العامة، ولدى سائر الشركات دون زيادة قليلة أو كثيرة .
وبذلك يتمحض ما يحصلون عليه من أموال نقدية أو عينية هدايا من قبل الشركة، وبذلك أيضا يبعد صنيع الشركة عن اليانصيب الذى تقوم به بعض الجمعيات بطبع أوراق ذات أرقام معينة تبيعها للجمهور بثمن معين، وتخصص مبالغ مالية للأوراق ذات الأرقام كذا وكذا .
وبعد تمام التوزيع وبيع الأوراق تعلن عن أرقام الأوراق التى خصصت لها المبالغ، ويتقدم حاملو هذه الأوراق ومن وقعت فى أيديهم لأخذ المبالغ المخصصة لها كل بحسب ما خصص لورقته ورقمه .
هذا اليانصيب حرام وغير جائز شرعا لأنه من أنواع القمار وصوره، إذ تحصل فيه الجمعية على رأس المال جميعه من الجمهور مشترى الأوراق وتخصص جزءا مما تحصل عليه لبعض الأوراق، ويحصل صاحب الورقة الرابحة على المبلغ بالثمن الذى دفعه فى الورقة وهو زهيد لا يساوى شيئا بالنسبة لما حصل عليه فهى مخاطرة وقمار - يدفع قروشا على أمل أن يحصل على مئات الجنيهات .
وقد يحصل ذلك وقد لا يحصل . فهو يأخذ مال الغير بدون مقابل ومن غير سبب مشروع وبطريق المخاطرة .
أما عمل الشركة موضوع الاستفتاء فلا يدفع الجمهور شيئا مطلقا نظير ما عليه من الهدايا - وإنما يدفع فقط ثمن الصابون الذى يشتريه، وإذا حصل على هدية فهو يحصل عليها بدون مقابل تشجيعا له على شراء منتجات الشركة .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/259)
سلخ جلد الميت لعلاج حروق الأحياء
F محمد خاطر .
ذو الحجة 1392 هجرية - 3 فبراير 1973 م
M 1- للميت حرمة كحرمته حيا، فلا يتعدى عليه بكسر أو شق أو غير ذلك .
2- قواعد الدين الإسلامى مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر .
3- أخذ الطبقات السطحية من جلد المتوفين بعد وفاتهم لعلاج الحروق الجسمية والعميقة بالنسبة للأحياء، إن حقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت جاز ذلك شرعا .
4- قصر ذلك على الموتى الذين لا أهل لهم، أما من لهم أهل فلا بد من الإذن .
5 - يحتاط عند إصدار قانون بذلك، بحيث يقتصر فيه على الحاجة الماسة فقط، وألا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل
Q طلبت وزارة الصحة المركزية - مكتب الوزير - المستشار القانونى بكتابها رقم 216 المؤرخ 18/10/1972- بيان رأى الدين فى الاستعانة بالطبقات السطحية من جلد المتوفين فى ظرف ثمانى عشرة ساعة بعد الوفاة لعلاج الحروق الجسمية والعميقة بالنسبة للأحياء، حتى يتسنى للسيد الدكتور مدير معهد الحروق بوزارة الصحة فى حالة جوازه شرعا استصدار قانون
An بأنه بعد بحث هذا الموضوع من جوانبه جميعها - وجدنا أن هناك قاعدة يحرص عليها الدين كل الحرص، ويحوطها بسياج متين من رعايته - هذه القاعدة هى أن للميت حرمة تجب المحافظة عليها ويجب أن يكرم الميت وألا يبتذل، لأنه قد ورد عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه النهى عن كسر عظم الميت لأنه ككسره حيا - ومن هذا يتضح لنا أن للميت حرمة كحرمته حيا، فلا يتعدى عليه بكسر أو شق أو غير ذلك وعلى هذا فيكون إخراج الطبقات السطحية من جلد المتوفين بعد وفاتهم فيه اعتداء عليهم غير جائز شرعا، إلا إذا دعت إليه ضرورة تكون المصلحة فيها أعظم من الضرر الذى يصيب الميت .
وذلك لأن قواعد الدين الإسلامى مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر .
فإذا كان أخذ الطبقات السطحية من جلد المتوفين بعد وفاتهم لعلاج الحروق الجسمية والعميقة بالنسبة للأحياء يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت جاز ذلك شرعا، لأن الضرر الذى يلحق بالحى المضطر لهذا العلاج أشد من الضرر الذى يلحق الميت الذى تؤخذ الطبقات السطحية من جلده وليس فى هذا ابتذال للميت ولا اعتداء على حرمته المنهى عنه شرعا، لأن النهى إنما يكون إذا كان التعدى لغير مصلحة راجحة، أو غير حاجة ماسة وتطبيقا لذلك نقول إن أخذ الطبقات السطحية من جلد المتوفين بعد وفاتهم لعلاج الحروق الجسيمة والعميقة للأحياء جائز شرعا إذا دعت غليه الضرورة على نحو ما ذكرنا، وكان يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت .
ونرى قصر هذا الجواز على الموتى الذين لا أهل لهم وليس فى هذا اعتداء على حرمة الميت، لأن الضرورة دعت إليه والضرورات تبيح المحظورات .
ولأن الضرورة شرعا تقدر بقدرها، فقد رأينا لذلك قصر الجواز على الموتى الذين لا أهل لهم .
وبهذا تتحقق مصلحة للأحياء الذين أصابتهم حروق جسيمة أو عميقة أعظم بكثير من الضرر الذى يصيب الميت الذى تؤخذ طبقات جلده السطحية وليس فيه امتهان لكرامته أو ابتذال له .
أما صدور قانون بذلك - فإننا نرى الاحتياط فيه بحيث يقتصر فيه على الحاجة الماسة فقط، وألا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل - أما الأموات الذين لهم أهل فإن أمر أخذ الطبقات السطحية من جلدهم يكون بيدهم وبإذنهم وحدهم، فإذا أذنوا جاز ذلك، وإلا فلا يجوز بدون إذنهم .
وبهذا يعلم الجواب عما جاء بالاستفتاء .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/260)
حكم رضاع الكبش من أنثى الحمار
F أحمد هريدى .
7 مارس 1976 م
Mرضاع الكبش من أنثى الحمار لا أثر له فى تحريمه، وبذا يحل بيعه وأكل لحمه
Q بالطلب المتضمن أن كبشا رضع من أنثى حمار كانا يعيشان معا فى حظيرة واحدة مع بعض الأغنام والمواشى .
وقد تأكد لدى السائل هذا الموضوع - وطلب السائل الإفادة عما إذا كان يحل أكل لحم الكبش أو لا
An إن رضاع الكبش من لبن أنثى الحمار لا يوجب تحريم الكبش .
وبالتالى لا يحرم بيعه - جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار ص 333 الجزء الخامس ( وكره لحم الأتان أى الحمارة الأهلية ولبن الجلالة التى تأكل العذرة، كما حل أكل جدى غذى بلبن خنزير لأن لحمه لا يتغير .
وما غذى به يصير مستهلكا لا يبقى له أثر ) وطبقا لما ذكر يكون رضاع الكبش من أنثى الحمار لا أثر له فى تحريمه .
وبذا يحل بيعه وأكل لحمه . ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/261)
اقامة المتاحف وعرض التماثيل
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الآخرة 1400 هجرية - 11 مايو 1980 م
M 1- القرآن الكريم ذم عبادة الأوثان وردد قصص الأقوام الوثنيين السابقين ومواقف الأنبياء معهم .
2 - التصوير الضوئى المعروف الآن للانسان والحيوان والرسم لا بأس بهما متى كان ذلك لأغراض علمية مفيدة للناس، وخلت الصور والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم وإثارة الغرائز لارتكاب الفواحش والمحرمات .
3 - تحريم النحت والحفر الذى يكون تمثالا كاملا لإنسان أو حيوان .
4 - آثار الأمم السابقة وسيلة لدراسة تاريخهم علميا وسياسيا وحربيا، وأخذ النافع من هذا التاريخ .
وهذا يقتضى جواز إقامة المتاحف .
5 - اعتبار الآثار سجلا تاريخيا يلزم المحافظة عليه .
لأنه من الضرورات العلمية .
6 - جواز استعمال لعب الصغار ولو على هيئة تماثيل لتعليم الأطفال وتسليتهم، ودليل ذلك .
7 - حرمة وضع التماثيل فى المساجد أو حولها، وحرمة الصلاة فى المتاحف .
8 - يحرم الإسلام عرض الجثث الانسانية للموتى لما فيه من امتهان الإنسان الذى كرمه الله سبحانه
Q بكتاب السيد المهندس مركز المنيا برقم 117 فى 13/2/1979 المقيد برقم 76 لسنة 1979 .
وفيه أنه قد وردت شكاوى من بعض المواطنين معترضين على إنشاء متحف للآثار على أساس أن هذا مناف لتعاليم وروح الإسلام وأنه لهذا يستبين الرأى الإسلامى فيما يلى : 1 - هل يحرم الدين الإسلامى إقامة المتاحف عموما .
2 - إذا لم يكن هذا محرما .
فما هى الأشياء التى يحرم عرضها فى المتاحف .
3 - يقال إن الإسلام حرم عرض التماثيل والصور المجسمة عموما سواء فى المتاحف أو غيرها من الأماكن فما رأى الدين فى ذلك خصوصا عرض التماثيل الفرعونية
An إن القرآن الكريم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمة وثنية تصنع أصنامها وتضعها حول الكعبة المشرفة فكانوا يصورون ويعبدون ولقد ذم الرسول عليه الصلاة والسلام الصور وصنعها فى كثير من أحاديثه لعلة التشبيه بخلق الله ولعبادتها من دونه، ومن قبله جاهد الأنبياء عليهم السلام عبادة الأوثان واتخاذها آلهة تعبد من دون الله أو تقربا إلا الله { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } الزمر 3 ، ولقد ردد القرآن الكريم قصة إبراهيم عليه السلام مع الوثنيين فى كثير من صوره ليلفت الناس إلى إخلاص العبادة والعبودية لله رب العالمين وساق القرآن كثيرا من المحاجة التى جرت والمحاورات بالمنطق والاستدلال العلمى فيما بين الأنبياء وأقوامهم فى شأن عبادة غير الله فى العديد من السور .
إباحة التصوير والخلاف فيه ومن هنا كان اختلاف فقهاء الإسلام فى حكم التصوير المجسم التماثيل الكامل أو الناقص ، وحكم الرسم بين التحريم والكراهة .
إباحة التصوير الضوئى والرسم الذى تدل عليه الأحاديث النبوية الشريعة التى وراها البخارى وغيره من أصحاب السنن وترددت فى كتب الفقهاء أن التصوير الضوئى للإنسان والحيوان المعروف الآن والرسم وكذلك لا بأس به متى كان لأغراض علمية مفيدة للناس، إذا خلت الصور والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة، وخلت كذلك من دوافع تحريم غريزة الجنس وإشاعة الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات .
تحريم النحت والحفر المكون لتمثال كامل لإنسان أو حيوان النحت والحفر الذى يتكون منه تمثال كامل لإنسان أو حيوان فإنه محرم .
لما رواه البخارى ومسلم عن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتا فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا قالوا تمثال مريم قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون وفى رواية الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم فهذا النص صريح فى أن نفس صنع التماثيل معصية ، وإنما كان ذلك سدا لذريعة عبادة التماثيل واتخاذها وسيلة للتقرب إلى الله كما كانت محاجة بعض الأمم السابقة حسبما حكى القرآن الكريم .
الآثار وسيلة لدراسة التاريخ وإذ كان ذلك وكانت الأمم الموغلة فى القدم كالمصريين القدماء والفرس والرومان، وغير أولئك وهؤلاء ممن ملئوا جنبات الأرض صناعة وعمران قد لجئوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيا وسياسيا وحربيا نقوشا ورسوما ونحتا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمى والحضارى النافع، وكان القرآن الكريم فى كثيرة من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير فى الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار، وكانت الدراسة الجادة لهذا التاريخ لا تكتمل إلا بالاحتفاظ بآثارهم وجمعها واستقرائها .
إذا منها تعرف لغتهم وعاداتهم ومعارفهم فى الطب والحرب والزراعة والتجارة والصناعة، وما قصة حجر رشيد الذى كان العثور عليه وفك رموزه وطلائمه فاتحة التعرف علميا على التاريخ القديم لمصر ، وما قصة هذا الحجر وقيمته التاريخية والعلمية بخافية على أحد .
والقرآن الكريم حث على دراسة تاريخ الأمم وتبين الآيات فى هذا الموضع إذ كان كل ذلك .
كان حتما الحفاظ على الآثار والاحتفاظ بها سجلا وتاريخا دراسيا، لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه، من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة فى القرآن الكريم فى آيات كثيرة .
منها قوله تعالى { أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور } الحج 46 ، وقوله تعالى { قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شىء قدير } العنكبوت 20 ، وقوله سبحانه { أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } الروم 9 ، وقوله تعالى { أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شىء فى السموات ولا فى الأرض إنه كان عليما قديرا } فاطر 44 ، إقامة المتاحف ضرورة لما كان التحفظ على هذه الآثار هو الوسيلة الوحيدة لهذه الدراسة أصبح حفظها وتهيئتها للدارسين أمرا جائز إن لم يكن من الواجبات باعتبار أن هذه الوسيلة للفحص والدرس ضرورة من الضروروات .
وقاعدة الضرورة مقررة فى القرآن الكريم فى قوله تعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } الأنعام 119 ، وغير هذا من الآيات .
ولعل مما نسترشد به فى تقرير هذه الضرورة الدراسية والأخذ بها ما نقله أبو عبد الله محمد ابن أحمد النصارى القرطبى فى كتابه الجامع لأحكام القرآن عند تفسيره قول الله تعالى فى سورة سبأ { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل } سبأ 13 ، من استثناء لعب البنات المجسمة من تحريم صنع التماثيل .
فقد قال فى المسألة الثامنة ما نصه وقد استثنى من هذا لعب البنات لما ثبت (عن عاشئة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم تزوجها وهى بنت سبع سنين، وزفت إليه وهى بنت تسع ولعبها معها ومات عنها وهى بنت ثمان عشرة سنة) وعنها أيضا قالت (كنت ألعب بالبنات عند النبى صلى الله عليه وسلم وكان لى صواحب يلعبن معى) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينفمعن منه أى يتخفاء منه فيسر بهن أى يرسلهن ويبعثهن إلى ليلعبن معى .
أخرجهما مسلم . قال العللماء وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجة البنات حتى يتدربن على تربية أولادهن .
ثم إنه لا بقاء لذلك، وكذلك ما يصنع من الحلاوة أو من العجين لا بقاء له .
فرخص فى ذلك . وتخريجا على هذا كان الاحتفاظ بالآثار سواء كانت تماثيل أو رسوا أو نقوشا فى متحف للدراسات التاريخية ضرورة من الضرورات الدراسية والتعليمية لا يحرمها الإسلام لأنها لا تنافيه، بل إنها تخدم غرضا علميا وعقائديا إيمانيا حث عليه القرآن فكان ذلك جائزا إن لم يصل إلى مرتبة الواجب، بملاحظة أن الدراسات التاريخية مستمرة لا تتوقف .
حرمة وضع التماثيل فى المساجد أو حولها وحرمة الصلاة فى المتاحف هذا ويجب الالتفات إلى ضرورة البعد بهذه التماثيل وكافة الآثار عن المساجد إذ يحرم جمعها ووضعها فيها أو حولها أو قريبا منها، كما تحرم الصلاة فى الأماكن التى تحتويها (المتاحف) حتى لا تشتبه الأمور وتؤول إلى عبادتها وتصير بتقادم الزمان وضعف العقائد آلهة تعبد، ويسجد لها من دون الله الذى نعوذ به من كل سوء فى الدنيا والدين .
وبعد فإنه مما سلف يستبين الجواب واضحا على الأسئلة المطروحة .
بما موجزه أولا لا يحرم الإسلام إقامة المتاحف بوجه عام، لأن ما يحفظ بها من آثار وسيلة لدراسة تاريخ الأمم السابقة .
ثانيا لا يحرم الإسلام عرض أى شىء من الآثار ما دام حفظها وعضها بهدف الدراسة، ويحرم عرض الجثث الإنسانية للموتى لما فيه من امتهان الإنسان الذى كرمه الله سبحانه .
ثالثا وبناء على ما سلف لا يحرم الإسلام عرض التماثيل والصور المجسمة بالمتاحف للتاريخ والدراسة ويحرم عرضها على وجه التعظيم، كما يحرم صنعها لهذا الغرض .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/262)
حكم سماع الموسيقى
F جاد الحق على جاد الحق .
رمضان 1400 هجرية - 12 أغسطس 1980 م
M 1 - الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق فى أمور معينة .
2 - سماع الموسيقى وحضور بمجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسق والفجور ، أو اتخذت وسيلة للمرحمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الواجبات
Q بالكتاب الوارد من مجلة منبر الإسلام المقيد برقم 217 لنسة 1980 باستطلاع الحكم الشرعى فى الموسقى منفردة معزولة عن أى لون من ألوان الفنون التى تصاحبها عادة بعد أن أثير هذا فى الندوة التى عقدها المجلس فى هذا الشأن واختلف الندويون بين مرحم ومبيح
An نقل ابن القيسرانى فى كتابه السماع ( س 31 و ص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى ) قول الإمام الشافعى الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد فيه فهو سنة والإجماع أكبر من خبر المنفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معانى فما أشبه منها ظاهرة أولاها به، فإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولادها وليس المنقطع بشىء ما عدا منقطع ابن المسيب وفى هذا الكتاب أيضا ( س 31 و ص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى ) وأما القول فى استماع القضيب والأوتار ويقال له التغيير .
ويقال له الطقطقة أيضا فلا فرق بينه وبين الأوتار إذ لم نجد فى إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون استماعه لأنه ما لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة .
وأما الأوتار فالقول فيها كالقول فى القضيب، لم يرد الشرع بتحريمها ولا بتحليلها، وكل ما أوردوه فى التحريم فغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صار هذا مذهبا لأهل المدينة، لا خلاف بينهم فى إباحة استماعه، وكذلك أهل الظاهر بنوا الأمر فيه على مسألة الحظر والإباحة .
وأما القول ( المرجع السباق ص 71 وما بعدها ) فى المزامير والملاهى فقد وردت الأحاديث الصحيحة بجواز استماعها، كما يدل على الإباحة قول الله عز وجل { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } الجمعة 11 ، وبيان هذا من الأثر ما أخرجه مسلم فى باب الجمعة عن جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفى صلاة) وعن جابر بن عبد الله (أنه كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام، فأنفتل الناس إلهيا حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية) وأخرج الطبرى هذا الحديث عن جابر وفيه (أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب لهم الجوارى بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما) .
فهذا عتاب الله عز وجل بهذه الآية .
ثم قال ابن القيسرانى ( من 72 من المرجع السابق ) والله عز وجل عطف اللهو على التجارة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه وبالإجماع تحليل التجارة، فثبت أن هذا الحكم مما أقره الشرع على ما كان عليه فى الجاهلية، لأنه غير محتمل أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم حرمه ثم يمر به على باب المسجد يوم الجمعة، ثم يعاتب الله عز وجل من ترك رسوله صلى الله عليه وسلم قائما، وخرج ينظر إليه ويستمع ن ولم ينزل فى تحريمه آية، ولا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة، فعلمنا بذلك بقاءه على حاله، ويزيد ذلك بيانا ووضوحا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها زفت امرأة من الأنصار إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما كان معكن من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وهذا الحديث أورده البخارى ( شرح عمدة القارىء على صحيح البخارى 146/20 هامش المرجع السابق ) فى صحيحه فى كتاب النكاح .
وقد عقد الغزالى فى كتاب إحياء علوم الدين ( ص 1150 ج - 6 لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356 هجرية ) الكتاب الثامن فى السماع وفى خصوص آلات الموسيقى قال إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرب أو الخنين وهى المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائل الآلات ونقل القرطبى فى الجامع الأحكام القرآن ( ج - 14 ص 54 ) قول القشيرى ضرب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن نحن بنات النجار حبذا محمد من جار ثم قال القرطبى وقد قيل إن الطبل فى النكاح كالدف والكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن رفث ( أحكام القرآن لابن العربى ج - 3 ص 1494 ) ونقل الشوكانى فى نيل الأوطار ( ج - 8 ص 104 و 105 ) فى باب ما جاء فى آلة اللهو أقوال المحرمين والمبيحين وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث (كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه) بقول الغزالى قلنا قوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة ثم قال الشوكانى وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح، وساق أدلة أخرى فى هذا الصدد من بينها حديث ( ج - 8 ص 106 المرجع السابق ) من نذرت أن تضرب بالدف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ورده الله سالما من إحدى الغزوات وقد أذن لها عليه صلوات الله وسلامه بالوفاء بالنذر والضرب بالدف، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية فى مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكانى إلى رسالة له عنوانها إبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع .
وفى المحلى ( ج - 9 ص 60 ) لابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها .
وفعوده على باب داره متفرجا .
وعقد البخارى فى صحيحه ( ج - 9 ص 171 فى آخر كتاب الاستئذان .
المطبعة الأميرية سنة 1305 هجرية على هامشه صحيح مسلم ) بابا بعنوان كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله .
وعقب فى الرشاد السارى على هذا العنوان بقوله ولو كان مأذونا فيه، كمن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذكر أو تفكر فى معانى القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدا .
وفى الفقه الحنفى جاء فى كتاب البدائع ( ج - 6 ص 269 ) للكاسانى فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل وأما الذى يضرب شيئا فى الملاهى فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعا كالقضيب والدف ونحوه لا بأس به ولا تسقط عدالته وإن كان مستشنعا كالعود ونحون سقطت عدالته، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه .
وفى مجمع الأنهر ( ج - 2 ص 198 ) فى ذات الموضع أو يلعب بالطنبور لكونه من اللهو، والمراد بالطنبور كل لهو يكنون شنيعا بين الناس احترازا عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع قبولها، إلا أن يتفاحش بأن يرقصوا به فيدخل فى حد الكبائر .
وجاء مثل هذا فى كتاب الدر ( ج - 4 ص 398 ) المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين وفى المغنى لابن قدامه ( ج - 10 ص 240 و 242 ) الملاهى على ثلاثة أضرب محرم وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته .
وضرب مباح وهو الدف فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) أخرجه مسلم، وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعى أنه مكروه فى غير النكاح وهو مكروه للرجال على كل حال .
وأما الضرب بالقضيب فمكروه إذا انضم إليه محرم أو مكروه كالتصفيق والغناء والرقص، وإن خلا عن ذلك كله لم يكره، لأنه ليس بآلة طرب ولا يطرب ولا يسمع منفردا بخلاف الملاهى، ومذهب الشافعى فى هذا الفصل كمذهبنا .
وفى لسان العرب اللهو ما لهوت به ولعبت به وشغلك من هوى وطرب ونحوهما، والملاهى آلات اللهو .
وفيه القصب كل نبات ذى أنابيب، والقاصب الزامر، والقصاب الزمار .
وفى المصباح المنير وأصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، وألهانى الشىء شغلنى، وفى فتوى للإمام الأكبر ( ص 375 - 385 فتاوى الشيخ شلتوت طبعة 1379 هجرية - 1959 م الادارة الثقافية بالأزهر ) المرحوم الشيخ محمود شلتوت فى تعلم الموسيقى وسماعها ك ان الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجدها لها أثرا فى نفسه، به يهدأ وبه يرتاح وبه ينسشط وتسكن جوارحه، فتراه ينشرح بالمناظر الجميلة كالخضرة المنسقة والماء الصافى والوجه الحسن الروائح الزكية، وأن الشرائع لا تقضى على الغرائز بل تنظمها، والتوسط فى الإسلام أصل عظيم أشار إليه القرآن الكريم فى كثير من الجزئيات، منها قوله تعالى { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } الأعراف 31 ، وبهذا كانت شريعة الإسلام موجهة الإنسان فى مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فلم تترك لا نتزاع الغريزة فى حب المناظر الطيبة ولا المسموعات المستلذة وإنما جائت بتهذيبها وتعديلها إلى مالا ضرر فيه ولا شر .
وأضاف الإمام الأكبر فى هذه الفتوى أنه قرأ فى الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادى عشر المعروفين فيه بالورع والتقوى رسالة هى (إيضاح الدلالات فى سماع الآلات) للشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى قرر فيها أن الأحاديث التى استند بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفوسق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عنده فى سماع الأصوات والآت المطربة أنه إذا اقترن بشىء من المحرمات أو اتخذ وسيلة للمحرمات أو أوقع فى المحرمات كان حرامات، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحا فى حضوره وسماعه وتعلمه .
وقد نقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم، وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء وانتهت الفتوى إلى أن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة وإنما يحرم إذا استعين به على محرم أو اتخذ وسيلة إلى محرم أو ألهى عن واجب ونخلص من هذه النقول من كتب فقه المذاهب وأحكام القرآن واللغة إلى أن الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق على الحداء وفى تحريض الجند على القتال وفى العرس وفى العيد وقدوم الغائب وللتنشيط على الأعمال الهامة، وأن الاختلاف الذى ثار بين الفقهاء وجرى فى كتبهم كان فى حل أو عدم حل الاشتغال بالموسيقى سماعا وحضورا وتعلما إذا صاحبها محرم كشرب الخمر أو غناء ماجن أو غزل أو كانت الموسيقى مما يحرك الغزئز ويبعث على الهوى والفسوق كتلك التى تستثير فى سامعها الرقص والخلاعة وتلك التى تستعمل فى المنكرات المحرمات كالزار وأمثاله أو فوتت واجبا .
وهذا ظاهر مما قاله ( انظر الهوامش السابقة ) فقهاء المذهب الحنفى من أن الضرب غير المستشنع لا بأس به ولا يسقط العدالة وفسروا المستشنع بأن يرقصوا به فيدخل فى حد الكبائر .
وظاهر أيضا مما قال به ابن ( انظر الهوامش السابقة ) العربى المالكى فى أحكام القرآن من أن الطبل فى النكاح كالدف - وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن رفثا .
ومن جملة ما قال به ابن قدامة فى المغنى ( انظر الهوامش السابقة ) نقلا لمذهب الإمامين الشافعى وأحمد فى هذا الموطن يتضح أنه لا يخالف أو يختلف مع ما قال به الفقه الحنفى والمالكى وأورده من قيود .
ثم إن ما جاء فى عبارات الفقهاء ( انظر الهوامش السابقة ) من إجازة الضرب ببعض الآلات دون بعض يبدون أن المنع فى بعضها إنما هو للآلات التى تدفع سامعها لفحش القول أو الرقص وليس لذات الآلات، كما يدل على هذا قول فقهاء ( انظر الهوامش السابقة ) الحنفية الذى سبق نقله، ومال قال به الفقه الحنبلى والشافعى ( انظر الهوامش السابقة ) من انضمام المرحم أو المكروه كالتصفيق والرقص هو المحرم، وما قال به ابن العربى المالكى ولم يكن معه رفث .
لما كان ذلك وكانت القضية قد واجهها الفقه على هذا الوجه وتصدى لتحقيق النصوص فيها صاحب كتاب السماع ( انظر الهوامش السابقة ) وهو محمد بن طاهر ابن على بن أحمد بن أبى الحسن الشيبانى أبو الفضل المقدسى المعروف بابن القيسرانى من رجال الحديث وقال إنه لا فرق بين استماع القضيب وبين الأوتار إذ لم نجد فى إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون اسماعه لأنه لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة كما تصدى لذلك الشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى فى رسالته ( انظر الهوامش السابقة ) المنوه بها آنفا التى قرر فيها أن الأحاديث التى استدل بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفسوق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك .
وهذا أيضا قول ابن حزم ( انظر الهوامش السابقة ) إن الأمر مرتبط بالنية .
فمن نوى ترويح نفسه وتنشيطها للطاعة فهو مطيع محسن، ومن لم ينو لا طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها وقعوده على باب داره متفرجا .
وأيضا قول الغزالى ( انظر الهوامش السابقة ) فيما نقله الشوكانى فى تفسير الحديث الشريف (كل هلو يلهو به المؤمن فهو باطل) لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة، ومالا فائدة فيه من قسم المباح .
كما قال الشوكانى . لما كان ذلك كان القول بالتحريم على وجه الإطلاق خاليا من السند الصحيح قال تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } النحل 116 ، والقول بأن تحريم سماع الموسيقى وتعلمها وحضورها من باب سد الذرائع أو من باب أو درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليس مقبولا لأن الموسيقى وإن كان قد يصاحبها الخمر والرقص وغير هذا من المنكرات إلا أن هذا ليس الشأن فيها دائما ، ومن ثم صار مثلها مثل الجلوس على الطريق .
ففى الحديث الشريف ( شرح السنة للبغوى 3338/12 ) الذى أخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إياكم والجلوس بالطرقات فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها .
فقال فإذا أبينهم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه .
قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
ومن هذا نأخذ أن من المباحات ما يحرم إذا اقترن به محرم ، وعندئذ تكون الحرمة طارئة، بمعنى أنها ليست حكما أصليا .
لما كان ذلك .
كان الوقوف عند الوسط ( الموافقات للشاطبى ج - 4 ص 258 وما بعدها طبع المكتبة التجارية تحقيق المرحوم الشيخ عبد الله دراز ) من الأقوال هو الأولى بالاتباع .
ومن ثم نميل إلى أن سماع الموسيقى وحضور مجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسوق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الوجبات، كما جاء فى تبويب ( ارشاد السارى ج - 2 ص 171 على هامشه صحيح مسلم ) البخارى فإنها فى هذه الحالات تكون حراما كالجلوس على الطريق دون حفظ حقوقه التى بينها ذلك الحديث الشريف لأن الحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله ( أعلام الموقعين لابن القيم ج - 1 ص 32 ) قال جل شأنه { قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون .
قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } الأعراف 32 ، 33 ، قال ابن العربى ( أحكام القرآن ج - 2 ص 782 ) من معانى (زينة الله) جمال الدنيا فى ثيابها وحسن النظرة فى ملابسها وملذاتها قال تعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } الأعراف 157 ، قال الشوكانى ( نيل الأوطار ج - 8 ص 105 ) الطيبات فى الآية تشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزا المستلذ، وهو الكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الظاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام، فتدخل أفراد المعانى الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر وهو الظاهر .
وقد صرح ابن عبد السلام فى دلائل الأحكام أن المراد فى الآية بالطيبات المستلذات .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/263)
الزى الجامعى وهل يجوز الحضور بالجلباب
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الأول 1401 هجرية - 14 يناير 1981 م
M 1 - الالتزام بلبس الثياب وستر البدن للرجال والنساء أمر شرعى واجب الامثتال لثبوته بالقرآن والسنة .
2 - هيئة الثيات وطريقة إحاطتها بالجسد وتفاصليها ترك الشارع بيانها باعتبارها أمورا دنيوية لتعرف بالضرورات والتجارب والعادات .
3 - أمر الناس موكول إلى أولياء الأمور فيهم كل فى موقعه ولأولى الأمر على الناس الطاعة فيما لا معصية فيه، وهذا يتناول المسائل المباحة التى لم يرد فيها نص صريح .
4 - هيئة الزى وما يلبسه الطلاب والطالبات من المباحات التى تخضع للعرف والعادة، ولا دخل للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة فى تحديد رسمها وهيئتها .
5 - على الجامعة أن تلزم الطالبات بارتداء الزى السابغ الساتر لجميع الجسد دون الوجه والكفين ، ودون أن يشف أو يحدد تفاصيل الجسد .
والطلاب بالزى الذى استقر العرف على ارتدائه فى الجامعات أو تراه مناسبا .
6 - لا يجوز للطلاب الخروج على تنظيمات الجامعة فيما تفرضه من زى فى النطاق المشروع
Q بكتاب اتحاد كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية الوارد بدون رقم وبلا تاريخ، والمقيد برقم 350 سنة 1980 بالسؤال التالى ما هو الزى الذى يجب أن تلزم به الجامعة الطلاب الطالبات وهل يجوز أن يحضر الطلاب بالجامعة بالجلباب فى فصول الدراسة
An قال الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } الأعراف 31 ، وقال سبحانه { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } النور 31 ، وقال سبحانه { يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } الأحزاب 59 ، وجه الله سبحانه وتعالى فى الآية الأولى الخطاب عاما شاملا إلى بنى آدم ليشمل الرجال والنساء والمسلمين وغير المسلمين .
آمرا إياهم بالزينة أى بلبس الثياب للستر والزينة عند اجتماع يلتقى فيه بنو آدم، سواء كان ذلك فى المسجد أى مسجد، أو ناد أو مدرسة أو جامعة، وبهذا تكون هذه الآية الكريمة قد قررت أصلا من أصول الاصلاحات الدينية والمدنية، يدل لهذا ما ذكره المفسرون فى أسباب نزولها من أن العرب كانوا يطوفون حول البيت متجردين من الثياب، رجالا ونساء على حد سواء وهذا الأمر قد كان سائدا فى كثير من أمم الأرض، بل إنه مازال إلى اليوم فى بعض البلاد الأفريقية والآسيوية التى لم يدخلها الإسلام .
ولم تحدد هذه الآية نوع الثياب ولا هيئتها (الموديل) لأن الإسلام يشرع أصولا صالحة لكل زمان ومكان، فالأمر العام أن يأخذ الإنسان زينته عند كل اجتماع مع الغير حسب وسعه وقدرته وفى نطاق عرف زمنه وعادات قومه، وما اصطلح عليه الناس من هيئة للزى ورسمه وحب الزينة وتهيئة الثياب أمر مشروع فى الإسلام، ارتفع بهذه الآية إلى مرتبة الواجبات المفروضات، لأن الزينة بهذا المعنى من أسباب العمران، وفيها إظهار استعداد الإنسان لمعرفة سنن الله وآياته، والانتفاع بما خلق من نعم امتن بها على عباده، كما استنكر قول من يقولون بتحريم الطيبات من اللبس والطعام وسائر الطيبات، نجد كل هذا واضحا فى قوله سبحانه { قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } الأعراف 32 ، وقوله تعالى { والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين .
والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } النحل 80 ، 81 ، كل ذلك دون إسراف أو اتخاذه وسيلة التكبر والاستعلاء على الناس ففى القرآن الكريم الكثير من أوامر الله الناهية عن الإسراف والتبذير والتكبر على الناس والتعالى عليهم، وإنما إظهارا لنعمة الله وشكرا له فقد روى أبو داود عن أبى الأحوص عن أبيه قال (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثوب دون (يغنى غير لائق) فقال ألك مال قال نعم .
قال من أى المال قال قد آتانى الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق .
قال فإذا آتاك الله فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته) وفى هذا الباب أحاديث كثيرة أخرجها الترمذى وأبو داود وغيرهما .
ثم اختص الله النساء بالآيات الأخرى (31 سورة النور و 59 سورة الأحزاب) ففى آية سورة النور كان أمر الله للنساء المسلمات بألا يبدين زينتهن للناظرين، ثم استثنى فيها بعض الناظرين وما يجوز للمسلمة إظهاره من الزينة لغير هؤلاء .
قال العلماء إن ظاهر الزينة هو الثياب والوجه والكفان ، يباح للمرأة المسلمة أن تبدى هذا لكل من دخل علهيا من الناس ، ويؤكد هذا المعنى ما رواه أبو داود عن عائشة رضى الله عنها قالت (إن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق (تظهر ما تحتها من جسدها) فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها يا أسماء إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه) .
وذهب بعض العلماء إلى أن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك ( كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج - 12 ص 218 وما بعدها ) وفى آية سورة الأحزاب أمر صريح واضح لكافة بنات ونساء المؤمنين بأن يسترن أجسادهن بارخاء الجلاليب عليهن حتى لا يبين ولا يظهر من أجسادهن إلا ما قضت ضرورة التعامل بإظهاره وهو الوجه والكفان على ما تقدم بيانه .
والجلاليب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار وروى عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء .
وقال أبو بكر ( أحكام القرآن لأبى بكر بن العربى ج - 2 ص 1586 ) بن العربى فى تفسيره اختلف الناس فى تفسير الجلباب على ألفاظ متقاربة عمادها أنه الثوب الذى يستر البدن .
وبهذا المعنى كانت هذه الآية آمرة لجميع بنات ونساء المسلمين بستر أجسادهن، وإذا ضمت إليها آية سورة النور كان هذا الستر من قمة الرأس إلى أخمص القدمين فيما عدا الوجه والكفين وفى رأى بعض الفقهاء والقدمين، وعلى ألا تصف الملابس الجسد أو تبدى تفاصيلة، وقد بينت السنة الشريفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه للنساء ألا يبدين أجسادهن لغير أزواجهن ومن جاءوا بعدهم فى آية سورة النور .
( كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج - 14 ص 243 وما بعدها ) لما كان ذلك كان الالتزام بلبس الثياب وستر البدن للرجال والنساء أمرا شرعيا واجب الامتثال لأنه ثابت بالقرآن والسنة .
أما هيئة هذه الثياب وطريقة إحاطتها بالجسد وتفاصيلها، فإن الشرع أمرا شرعيا واجب الامتثال لأنه ثابت بالقرآن والسنة .
ومن أجل هذا لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم لباس خاص لا يتعداه إلى غيره، وقد نقلت كتب السنة أنه كان يلبس الضيق من الثياب والواسع منها، وكذلك الصحابة والتابعون ولم يرد عن النبى عليه الصلاة والسلام ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين صفة أو هيئة خاصة للثياب سواء للرجال أو للنساء .
وإذ كان ذلك وكانت حاجة الناس إلى من يقودهم ويسوس أمورهم ويقوم بصالحهم، وكان أمر الناس موكولا إلى أولياء الأمور فيهم كل فى موقعه الذى يتولى الأمر فيه .
كان لأولى الأمر على الناس الطاعة فيما لا معصية فيه .
ووجوب إقامة أولى الأمر، قد استنبطه فقهاء المسلمين من نصوص القرآن الكريم ومن السنة الشريفة، فقد فهموه من قول الله سبحانه { وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة } البقرة 30 ولزوم طاعتهم فهموه من قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } النساء 59 ، قال كثير من العلماء إن أولى الأمر فى هذه الآية هم الأمراء والولاة والعلماء، وفى هذا قال ابن تيمية (ان المراد بأولى الأمر، أصحاب الأمر وذووه وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام .
كما قال (أولو الأمر صنفان الأمراء والعلماء) .
( تفسير الألوسى ج - 5 ص 66 و السياسة الشرعية لابن تيمية ص 162 طبعة سنة 1961 م دار الجهاد ) فحاجة المجتمع ماسة إلى ضرورة إقامة ولى يرجع إليه فى تنظيم شئون الناس، وجمهور الفقهاء على أن إقامة الحكام وولاة الأمر من فروض الدين، قال ابن تيمية (إن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، ولا قيام للدين إلا بها فإن بنى آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، ولا بدلهم عند اجتماعهم من رأس، حتى قال النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود (إذا خرج ثلاثة فى سفر، فليؤمروا عليهم أحدهم) لأن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل) .
وهذا أمر يكاد يكون متفقا عليه بين الأمة الإسلامية جميعا .
( الفصل فى الملل والنحل لابن حزم ج - 4 ص 87 ) وإذا كانت إقامة أولياء الأمور من الواجبات التى لا تستقيم الحياة والنظام إلا بها كانت ظاعتهم واجبة شرعا فيما لا معصية فيه، امتثالا لأمر الله فى تلك الآية الكريمة، وتحقيقا لمعنى الولاية، حتى لا تتفرق كلمة المسلمين، وضمانا لانتظام أمور الدولة .
ففى الحديث الشريف (لا طاعة لبشر فى معصية الله) . أخرجه ابن أبى شيبة عن على رضى الله عنه .
لهذا قال العلماء إنه يشترط لطاعة ولى الأمر، ألا يكون أمره بمعصية متيقنة، وهذا يتناول المسائل المباحة التى لم يرد فيها نص صريح وكانت بهذا موضع الاجتهاد، فالامتثال فى المباح أمرا أو نهيا لا يترتب عليه معصية، فتجب طاعة ولى المر إذا أمر بفعل المباح أو بتركه .
وقد سبق لعمر بن الخطاب رضى الله عنه أن تعرض لتحريم المباح فى بعض الصور، فإن أكل اللحوم المشروعة مباح بنص القرآن الكريم { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } المائدة 1 ، { كلوا من طيبات ما رزقناكم } البقرة 172 ، جاءت هذه الإباحة من غير تقييد ببعض الأيام دون بعض، ودرحج المسلمون على ذلك منذ عهد النبوة، ولما كانت خلافة عمر رأى أن يمنع الناس من أكل اللحم يومين متواليين أسبوعيا، فكان يأتى مجزرة الزبير ابن العوام بالبقيع ولم يكن بالمدينة غيرها فإذا رأى رجلا اشترى لحما يومين متتابعين ضربه بالدرة وقال (ألا طويت بطنك يومين) .
( عمر بن الخطاب لأبى الفرج الجوزى ص 68 ) وهذا اجتهاد من الخليفة الثانى أداه إلى حظر تناول اللحم يومين متتاليين حتى يكون هناك مجال لتداوله بين الناس، وقد كان اللحم مباحا طوال جميع الأيام على ما يقتضيه نص القرآن الكريم .
ومنع عمر كبار الصحابة من التزوج بالكتابيات، وقال أنا لا أحرمه ولكنى أخشى الإعراض عن الزواجب المسلمات، وفرق بين كل من طلحة وحذيفة زوجتيهما الكتابيتين، فاالزواج بالكتابية مباح عند من فعله من الصحابة بنص القرآن الكريم، ولأن النهى عن نكاح المشركات لا يشمل الكتابيات، ومع ذلك اجتهد عمر وهو ولى أمر المسلمين ورأى المصلحة فى منعه وإن كان لا يحرمه، والتزم بأمره صحابيان من أهل الاجتهاد ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج - 3 ص 68 ) ولقد ابتنى على هذا ما قال به الفقهاء من سلطة ولى الأمر فى تغيير المباح إلى الوجوب أو التحريم، بما لا يختلف مع أصول الشريعة أو يناقضها وأن عليه أن يتحرى مصلحة الناس فى نطاق أحكام الشرع، وما جرى به العرف والعادة الصحيحان .
وإذ كان تحديد هيئة الزى أو الثياب من المور التى لم يرد فيها نص فى القرآن والسنة، بل لم تعرض نصوصها لهذا التحديد، لأنه من الأمور التى تختلف فيها الأحكام، باختلاف العصور والأعراف ، كان هذا من الأمور المنوطة بولى الأمر، وكان تحديد للناس جميعا أو لفئة معينة جائزا، ولقد جرت عادة المسلمين وعرفهم، بل وعرف وعادة الناس جميعا على تحديد زى لرجال الجيش والشرطة وتحريمه على غيرهم، إذ المقوصد بهذا أى يندس فى مزاولة المهام المنوطة بهم من ليس منهم، وليكونوا معروفين لعامة الناس وخاصتهم، لأن الشريعة - كما قال ابن القيم ( أعلام الموقعين ج - 3 ص 14 - 22 ) - مبناها وأساسها على الحكم والمصالح، فهى عدل كلها ورحمة ومصالح وحكم .
وإذ كانت هيئة الزى وما يلبسه الطلاب والطالبات من المباحات التى تخضع للعرف والعادة، ولا دخل للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة فى تحديد رسمها وهيئتها .
كان لأولى الأمر، فى الجامعات والمدارس بمقتضى ما تقدم من القواعد الشرعية - أن يلزموا الطلبة والطالبات بالزى الذى يرونه مناسبا، بحيث لا يكشف عورة ولا ينبىء عنها، ويمتنع على هؤلاء مخالفة ما يراه أولياء الأمر فى الجامعة أو المدرسة، باعتباره أمرا تنظيميا من صاحب الاختصاص المنوط به رعاية المصلحة شرعا، وباعتبار أن ما يأمرون به لم يمنعه نص شرعى، بل أوجب القرآن طاعة أولى الأمر مادام ما يأمرون به لا يدخل فى دائرة المعاصى، بمعنى أنهم لم يأمروا بفعل ما حرم الله، ولم ينهوا عن فعل ما ألزم الله به الناس، وما عدا هذا فيجوز أن يضع له ولى الأمر من الأنظمة ما يرى فيه مصلحة للناس ولكيان الحكم، اتباعا لما فعل عمر بن الخطاب فى المثالين سالفى الذكر مع أن كلا منهما مباح بنص القرآن .
لما كان ذلك ففى واقعة السؤال يكون على الجامعة أن تلزم الطالبات بارتداء الزى السابغ السائر لجميع الجسد من الرأس إلى القدم فيما عدا الوجه والكفين دون أن يشف عما تحته أو يحدد تفاصيل الجسد، وأن تلزم الطلاب بالزى الذى استقر العرف فى المجتمع على ارتدائه فى الجامعات أو الزى الذى تراه مناسبا، ولا يجوز للطلاب الخروج على تنظيمات الجامعة فيما تفرضه من زى فى النطاق المشروع، فإذا كانت الجلابية ليست زى الجامعات عرفا، فلاى يجوز للطلاب ارتداؤها داخل الجامعة وكان عليها أن تلزمهم بذلك ، باعتبار أن القائمين على الأمر فيها هم من أولياء الأمور فى نطاقهم يعملون للمصلحة المنوطة بهم، ماداموا لم يأمورا بمعصية امتثالا للقرآن الكريم، ولحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ففى الصحيحين أن النبى بالغ فى الترغيب فى طاعة الأمراء فقال (من أطاعنى فقد أطاع الله ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى) وروى البخارى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اسمعوا وأطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة ما اقام فيكم كتاب الله) .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/264)
اطلاق اللحى
F جاد الحق على جاد الحق .
شعبان 1401 هجرية - 21 يونيه 1981 م
M 1 - إطلاق اللحى من سنن الإسلام التى ينبغى المحافظة عليها .
2 - إتلاف شعر اللحية بحيث لا ينبت بعده جناية توجب المساءلة بالدية على خلاف فى مقدارها .
3 - إطلاق الأفراد المجندين اللحى اتباع لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك فى ذاته، ولا ينبغى إجبارهم على إزالتها، أو عقابهم بسبب إطلاقها
Q بالكتاب 60/81 المؤرخ 16/66/1981 المقيد برقم 194 سنة 1981 وبه طلب بيان الرأى عن إطلاق الأفراد المجندين اللحى، حيث إن قسم القضاء العسكرى قد طلب الإفتاء بخصوص ذلك الموضوع، لوجود حالات لديها
An إن البخارى روى فى صحيحه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (خالفوا المشكرين، ووفروا اللحى، واحفو والشوراب) وفى صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (احفوا الشوارب واعفوا اللحى) وفى صحيح مسلم أيضا عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم ( البراجم مفاصل الأصابع من ظهر الكف (بتصرف مختار الصحاح) ) ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء .
قال بعض الرواة وتسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة) .
قال الإمام النووى فى شرحه حديث (احفوا الشوارب واعفوا اللحى) أنه وردت روايات خمس فى تلك اللحية، وكلها على اختلاف فى ألفاظها تدل على تركها على حالها، وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال بين فقهاء المسلمين فى أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث السابق الذى روته عائشة (عشر من الفطرة) .
ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسننه ما أشار إليه فقه ( تحفة المحتاج بشرح المنهاج وحواشيها ج - 9 ص 178 فى باب التعزير ) الإمام الشافعى من أنه (يجوز التعزيز بحلق الرأس لا اللحية) وظاهر هذا حرمة حلقه على رأى أكثر المتأخرين .
ونقل ابن قدامة الحنبىل فى المغنى ( ص 433 ج - 8 مطبعة الامام فى باب التعزير ) أن الدية تجب فى شعر اللحية عند أحمد وأبى حنيفة والثورى، وقال الشافعى ومالك فيه حكومة عدل .
وهذا يشير أيضا إلى أن الفقهاء قد اعتبروا التعدى بإتلاف شعر اللحية حتى لا ينبت جناية من الجنايات التى تستوجب المساءلة، إما بالدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثورى، أو دية يقدرها الخبراء كما قال الإمامان مالك والشافعى .
ولا شك أن هذا الاعتبار من هؤلاء الأئمة يؤكد أن اللحى وإطلاقها أمر مرغوب فيه فى الإسلام وأنه من سننه التى ينبغى المحاظفة عليها .
لما كان ذلك كان إطلاق الأفراد المجندين اللحى ابتاعا لسنة الإسلام فلا يؤاخذون على ذلك فى ذاته، ولا ينبغى إجبارهم على إزالتها، أو عقابهم بسبب إطلاقها - إذ (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) وهم تبعون لسنة عملية جرى بها الإسلام .
ولما كانوا فى إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين وغيرهم فى الالتزام بأحكام الدين ، فرائضه وسننه، لما فى هذا من حفز همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق، والالتزم عن طيب نفس حيث يعملون بإيمان وإخلاص .
وتبعا لهذا لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمدا لأوامر عسكرية، لأنه - بافتراض وجود هذه الأوامر - فإنها - فيما يبدون ت لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد، أو تقلل من جهدهم، وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال، وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم .
ولا يقال إن مخالفة المشركين تقتضى - لأن - حلق اللحى، لأن كثيرين من غير المسلمين فى الجيوش وفى خارجها يطلقون اللحى ، لأنه شتان بين من يطلقها عبادة اتباعا لسنة الإسلام وبين من يطلقها للمجرد التجمل، وإضفاء سمات الرجولة على نفسه، فالأول منقاد لعبادة يثاب عليها، إن شاء الله تعالى، والآخر يرتديها كالثوب الذى يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهى مهمته .
ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم { أرأيت الذى ينهى .
عبدا إذا صلى . أرأيت إن كان على الهدى . أو أمر بالتقوى .
أرأيت إن كذب وتولى . ألم يعلم بأن الله يرى } العلق 9 - 14 ، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/265)
الغاء الوقف الأهلى وسنده
F جاد الحق على جاد الحق .
شعبان 1400 هجرية - 29 يونيه 1980 م
M 1 - وقف المسجد صحيح نافذ لازم شرعا، متى توفرت شروطه .
2 - وقف غير المسجد عند جمهور الفقهاء صحيح على خلاف فى لزومه وفيما يجوز وقفه وما لا يجوز .
3 - عدم لزوم الوقف وجواز الرجوع عنه مذهب أبى حنيفة ويرى باقى الأئمة لزومه من وقت حصوله على خلاف فى ذلك .
4 - الوقف يتم الإرادة المنفردة، ولا يكون إلا مؤبدا، وأجاز البعض تأقيته .
5 - الوقف فى مرض الموت ولو لكل أملاكه صحيح بإجازة الورثة وإلا كان كالوصية صحيح فى الثلث باطل فيما عداه .
6 - تصرف ولى الأمر بالمصلحة فيما بتعلق بالأمور العامة وصدور قانون إلغاء الوقف على غير الخيرات من هذا القبيل
Q من السيد / .
بجامعة الملايو - ماليزيا بالكتاب المحرر فى 9 من شهر جمادى الآخرة سنة 1400 هجرية 24 من أبريل سنة 1980 المقيد لدينا برقم 175 سنة 1980 وقد جاء به أن السائل قال إنه قد استولى ولا يزال يستولى على فكرى وهمى من حين لآخر سؤال ولم أجد له جوابا شافيا مقنعا وأتوقع الرد على هذا لما فى الرد من مصلحة تهم المسلمين، وبالأخص مسلمى ماليزيا ، .
وسؤال كالآتى بعد الاطلاع على المادة الأولى من قانون الوقف (الوقف الأهلى) رقم 180 لسنة 1952، حيث تنص على أنه (لا يجوز الوقف على غير الخيرات) مما يبدون لى أن هذه المادة تشير إلى إلغاء الوقف الأهلى إن صح تصورى .
فهل يعتبر هذا إلغاء مشروعا لدى الشرع، فإذا كان كذلك فما وجهة نظر الفقهاء فى ذلك استنادا إلى الحجج المعتبرة لديهم والله يوفقكم مع رجائى التفضل فى الرد عليه
An إن الأصل فى جواز الوقف وشرعيته هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضى الله عنه حينما شاوره فى أرض له بخيبر، حبس أصلها وسبل الثمرة)، وقد اختلف أفهام الأئمة وفقهاء المذاهب المعتبرة فى معنى هذا الأثر ومداه تبعا لاختلاف ما وصل إلى كل منهم من الروايات لهذا الحديث، وما روى من آثار أخرى عن وقوف لبعض الصحابة رضى الله عنهم .
وتبعا كذلك لاختلاف مداركهم لمدلول تلك الآثار، ولقد أدى هذا إلى اختلافهم فى خصائص الوقف وحقيقته اختلافا بينا واسع المدى، ولعل فقهاء المذاهب الإسلامية لم يتخلفوا على عقد من العقود الشرعية اختلافهم فى الوقف .
ونوجز عناصر كل ذلك فيما يلى اتفاق واختلاف اتفقت كلمة الفقهاء على أن وقف المسجد صحيح نافذ لازم متى توافرت الشروط، ولا يعرف - فيما طالعنا من كتب الفقه التى بأيدينا أن أحدا منهم خالف فى أصل صحة وقف المسجد ولزومه بشروطه وإن تفاوتوا فى بعض الأحكام التفصيلية .
أما وقف غير المسجد فقد تشعبت فيه أقوالهم ، فمنهم من قال ببطلانه وهذا مروى عن على بن ابى طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود من فقهاء الصحابة، وبه قال شريح من فقهاء التابعين ومروى أيضا عن الإمام أبى حنيفة وعن أبى جعفر الطبرى ، فقط روى عن ابن مسعود قول لا حبس إلا فى سلاح أو كراع، وروى ابن أبى شيبة موقوفا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قوله لا حبس عن فرائض الله إلا ما كان من سلاح أو كراع، وروى الطحاوى فى شرح معانى الآثار أن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس وآثار أخرى رواها الطحاوى وابن حزم .
(معانى الآثار ج - 2 ص 649 والمحلى لابن حزم ج - 9 ص 175 وفتح القدير للكمال بن الهمام الحنفى المصرى ج - 5 ص 42) .
وذهب جمهور الفقهاء وأئمة الأمصار إلى جواز وقف غير المسجد وصحته على خلاف بينهم فى لزومه، وفيما يجوز وقفه وما لا يجوز، وحججهم فى هذا مشروحة ومستفيضة فى مواضعها من كتب الفقه .
ومما سلف يتضح أن ما ذهب إليه بعض فقهاء الصحابة والتابعين قول له أدلته، ويصح الاستناد إليه والأخذ به متى دعت إلى ذلك مصلحة الأمة وخيرها، وإن خالف ما عليه جمهور الفقهاء .
أما عدم لزوم الوقف وجواز الرجوع عنه فهو قول افمام أبى حنيفة نفسه فى اصح الروايتين عنه وقول زفر بن الهذيل (المبسوط للسرخسى ج - 12 ص 37 والفتاوى الخانية ج - 3 ص 285 وشرح معانى الآثار للطحاوى ج - 9 ص 175) .
أما لزوم الوقف الصحيح الناجز من وقت حصوله، لا يباع ولا يرهن ولا يوهب ولا يورث ولا ينقض فهو قول باقى الفقهاء على اختلاف بينهم فى لزوم الوقف وعدم لزومه .
ولقد اختلف الفقهاء كذلك فى عقد الوقف، فقالت طائفة إنه يتم بالإرادة المنفردة، ولا يتوقف انعقاده وصحته وثبوت الاستحقاق للموقوف عليه إلى القبول، وطائفة ثانية تقول إن الأصل فى العقود أنها رباط بين متعاقدين وهذا يقتضى اشتراط القبول، والوقف من العقود فلابد فيه من القبول، هذا بينما ذهبت طائفة ثالثة إلى أن الوقف لابد أن يظهر فيه معنى القرية، فى حيز أن طائفة رابعة لا تشترط ذلك .
ثم من قال من الفقهاء إن الوقف عند غير لازم وللواقف فسخه .
قال أيضا إن الزوم وعدمه تابع لمشيئة الواقف، ولا يجبر على إنفاذه لو أراد الفسخ، وأن لوارثته كذلك هذه المشيئة والاختيار .
ومن قالوا بلزوم الوقف متى انعقد صحيحا اختلفوا، فمنهم من جعله لازما بالنسبة للعقد وللشروط وللموقوف ومن وقف عليه، وتبعا لهذا منعوا الواقف من اشتراط الحق فى الاستبدال أو التغيير فى المصارف والشروط، لأن فى هذا منافاة لمقتضى العقد وهو اللزوم، ومنهم من أجاز للواقف اشتراط كل ذلك ورتب عدم لزوم الوقف فيما يشترط فيه التغيير .
ثم جرى الخلاف أيضا فى أبدية الوقف أو عدمها فمنهم من قال إن الوقف لا يكون إلا مؤبدا، ومنهم من أجازه مؤبدا ومؤقتا .
كما وقع الاختلاف فى ملكية الموقوف، وهل يخرج بالوقف عن ملك الواقف لا إلى مالك، أو يبقى فى ملكه، أو يخرج إلى ملك الموقوف عليه وإن كان جهة عامة .
ولقد ترتب على هذا الاختلاف أن تنوعت تعاريف الفقهاء للوقف فراعى كل منهم حقيقة الوقف وخصائصه التى انتهى إليها اجتهاده .
وفى تأبيد الوقف وتأقيته كانت أقوال الفقهاء متنوعة حيث ذهب الإمامان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى إلى أن التأبيد من شروط صحة الوقف وأن توقيته مبطل له، وأن التأبيد قد يكون صراحة فى القعد، أو يجعل مآل الاستحقاق فيه أخيرا إلى جهة بر لا تنقطع غالبا كالمساكين ومصالح المساجد .
ونقل عن الإمام أبى يوسف رحمه الله تعالى قولان أحدهما أنه لا يشترط التأبيد لصحة الوقف، وأنه بعد انقطاع الجهة الموقوف عليها يرجع ألوقف إلى ملك الواقف أو لورثته، جاء هذا القول فى أوائل كتاب الوقف فى المبسوط للسرخسى ج - 12، وجاء فى أجناس الناطفى فروع دالة على هذا القول وقال الناطفى إن عليه الفتوى، وفى فتح القدير وإذا عرف عن أبى يوسف جواز عوده إلى الورثة فقد يقول فى وقف عشرين سنة بالجواز، لأنه لا فرق أصلا .
أما القول الآخر عن أبى يوسف فهو أنا التأبيد شرط لصحة الوقف، لكنه لا يشترط النص عليه ولا جعله لجهة لا تنقطع، لأن لفظ الوقف والصدقة منبىء عن التأبيد .
أما وقف المساجد فلا بد فيه من التأبيد لأن التوقيت ينافيه ، ولأن المسجدية جهة لا تنقطع، فمتى وجد من الواقف ما يدل عليهما حصل التأبيد .
(فتح القدير للكمال بن الهمام على شرح الهداية ج - 5 ص 64 وما بعدها والإسعاف ص 71 وما بعدها) .
وذهب الفقه المالكى إلى أن التأبيد فى الوقف ليس شرطا لصحته فيصح مؤبدا، ومؤقتا، إذا لم يتأبد الوقف رجع بعد انقطاع جهته ملكا لمالكه أو لورثته، وإذا تأبد لا يباع ولا يوهب ولا يورث .
(حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 4 ص 100 إلى ص 105 طبع دار الطباعة سنة 1287 هجرية ) .
ولفقهاء المالكية تفصيلات فيمن يستحق الوقف المؤبد بعد انقطاع مصرفه .
وقد جاء فى إجارات المدونة انه لا بأس بأن يكرى أرضه على أن تتخذ مسجدا عشر سنين فإذا انقضت كان النقض لمن بناه .
(منح الجليل شرح مختصر خليل ج- 4 ص 36 أوائل الوقف) وهذا واضح فى أن المسجد يصح أن يكون وقفه مؤقتا كسائر الوقاف، وأظهر الأقوال فى فقه الإمام الشافعى أن الوقف لا يكون إلا مؤبدا .
(التحفة ج - 2 ص 322) . وفى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل لا يصح الوقف مؤقتا (الفروع لابن مفلح ج - 2 ص 867) .
وفى المغنى لابن قدامة (ج - 6 ص 214) المطبوع مع الشرح الكبير أن الوقف المنقطع، وهو ما لا يعلم انتهاؤه، فالوقف مع ذكر ما ينقطع به يصح، وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعى فى أحد قوليه، وقال محمد ابن الحسن لا يصح وهو القول الثانى للشافعى .
وفى الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية (ج - 4 ص 101) ان مأخذ الوقف المنقطع هو أن الوقف هل يسح توقيته بغاية مجهولة أو غير مجهولة فعلى قول من قال لا يزال وقفا لا يصح توقيته، وعلى قول من قال يعود ملكا يصح توقيته، فإن غلب جانب التحريم فالتحريم لا يتوقف، وإن غلب جانب التمليك فتوقيته جميعه قريب من توقيته على بعض البطون، كما لو قال وقفت على زيد سنة ثم على عمر سنة ثم على بكر سنة .
وذهب فقه الإمامية إلى صحة الوقف الؤقت لمدة صراحة، والمؤقت ضمنا بذكر مصرف ينقطع، وقالوا بانتهاء الوقف بانتهاء المدة وانقطاع المصرف (جواهر الكلام ص 638) .
مسلك القانون المصرى فى التأبيد والتأقيت وسنده لهذا الاختلاف فى تأبيد الوقف وتوقيته أخذ القانون المصرى رقم 48 لسنة 1948 بمذهب الحنفية فى المجسد فلابد من تأبيده، وكذلك الموقوف على المسجد حيث لا يجوز الرجوع ولا التغيير فيه، وعدل القانون عن هذا المذهب فيما عداه إلى الأخذ بقول القائلين بجواز تأبيد الوقف الخيرى وتوقيته تيسيرا على الناس فى فعل الخير .
وقد أخذ فى جواز تأقيته بالمدة وبذكر مصرف ينقطع مع التصريح بعودته ملكا بعد الانتهاء بمذهب المالكية .
وهو أيضا مذهب الإمامية وأحد قولين فى مذهب الإمام أحمد بن حنبل وإحدى روايتين عن الإمام أبى يوسف فيما إذا ذكر الواقف جهة تنقطع، وما اقتضاه التوقيت فى المدة على ما ستظهره الكمال بن الهمام فى فتح القدير، واعتبر الوقف مؤبدا إذا أطلق عن التأبيد والتوقيت أخذا بالرواية الأخرى عن أبى يوسف .
كما أخذ هذا القانون بوجوب توقيت الوقف على ما عدا وجوه الخير، ومبنى هذا القول بجواز توقيت الوقف، والقول بعدم جوازه أصلا .
فمن وقت الوقف من تلقاء نفسه بمدة معينة لا تجاوز 60 ستين سنة جاز وقفه، ومن وقته بطبقة أو بطبقتين جاز أيضا أخذا بقول القائلين بجواز توقيت الوقف، وإن تجازو ذلك صح وقفه على الطبقتين، وفى المدة المذكورة فقط، وبطل فيما عدا ذلك أخذا فى الجائز بقول المجيز، وفى الباطل بقول من قال بعدم جواز الوقف أصلا .. وتصحيح الوقف فى بعضه وإبطاله فى بعض آخر بمعنى إعطاء كل أمر منهما حكما لم يعط للآخر، لا مانع منه فقهاء وإن كان العقد واحدا، إذ لو وقف فى عقد واحد ما يجوز وقفه وما لا يجوز صح الوقف فيما يجوز وقفه وبطل فيما لا يجوز وقفه، ولو وقف المريض مرض الموت كل أملاكه ورد الورثة وقفه صح وقفه فى الثلث وبطل فيما زاد عليه .
بهذه الأحكام جرى نص المادة الخامسة من هذا القانون إذا جاء بها وقف المسجد لا يكون إلا مؤبدا، ويجوز أن يكون الوقف على ما عداه من الخيرات مؤقتا أو مؤبدا وإذا أطلق كان مؤبدا، أما الوقف على غير الخيرات فلا يكون إلا مؤقتا ولا يجوز على أكثر من طبقتين .
تصرف ولى الأمر فى التشريع وغيره ومناطه شرعا من القواعد الشرعية ان تصرف الإمام (ولى أمر المسلمين) منوط بالمصلحة، نص على ذلك الإمام الشافعى إذ قال (منزلة الإمام من الرعية منزلة الولى من اليتيم) .
وأصل هذه القاعدة ما أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن البراء ابن عازب قال قال عمر رضى الله عنه (إنى أنزلت نفسى من مال الله بمنزلة والى اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت) .
وهذه القاعدة واردة بعنوان القاعدة الخامسة فى كتابى الأشباه والنظائر لابن نجيم المصرى الحنفى وللسيوطى الشافعى .
وقد أسندها ابن نجيم إلى الإمام أبى يوسف أيضا، وساق واقعات عن الخليفتين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ثم قيد القاعدة بأن فعل الإمام إذا كان مبنيا على المصلحة فيما يتعلق بالأمور العامة لم ينفذ أمره شرعا إلا إذا وافقه، فإن خالفه لم ينفذ وأورد أمثلة لهذا القيد .
إلغاء الوقف الأهلى فى مصر وهل يجيزه الشرع تقدم أن فقهاء المذاهب قد اختلفوا فى تأبيد الوقف وتأقيته، بل إن منهم من قال إن الوقف باطل أصلا وغير جائز، وفى نطاق هذا وما سبق تفصيله صدر القانون المصرى رقم 180 لسنة 1952 ونصت مادته الأولى على أنه لا يجوز الوقف على غير الخيرات .
ونصت مادته الثانية على إنهاء كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصا لجهة من جهات البر .
وجاء فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون إن نظام الوقف نشأ لتشجيع التصدق على الفقراء من طريق حبس الملك على وجه التأبيد بيد أن تطور الأوضاع الاقتصادية فى عالم اليوم كشف عن مسافة الخلف بين آثار نظام الوقف وبين ما تتطلبه الأوضاع الاقتصدارية من حرية تداول المال وما جد فى ثناياها من معانى البر، ولذلك أضحى نظام الوقف أداة لحبس المال عن التداول، وعقبة فى سبيل تطور الحياة الاقتصادية على نحو جعل الفقراء فى طليعة ضحايا هذا النظام، ذلك أن نصيبهم من خيرات الوقف تضاءل حتى أصبح عديم الجدوى، فضلا عن أن حبس الأموال حال دون استثمارها على وجه يفسح مجال العمل والكسب الكريم لهؤلاء الفقراء ، وهذه هى أرفع صور البر وأبلغها فى معنى التقرب إلى الله وبصدور تشريع الإصلاح الزراعى للحد من الملكية الزراعية صار من الضرورة التنسيق بين نظام الوقف وبين أغراض للإصلاح، وكانت مناسبة موفقة لإعادة النظر فى هذا النظام على الأقل فيما يتصل بحبس الملك على غير الخيرات، وقد قصد من مشروع القانون إلى إلغاء نظان الوقف على غير الخيرات حتى يتسنى تطبيق أحكام تشريع الإصلاح الزراعى على الأراضى الزراعية الموقوفة التى يتمتع فيها المستحقون بحكم الواقع بمركز لا يختلف فى جوهره عن مركز الملاك فى الوقت الحاضر - وحتى يتسنى إطلاق طائفة جسيمة من الأموال من عقالها لتصبح عنصرا من عناصر التداول .
وهذا الذى أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية بيان للمصلحة العامة التى استهدفها هذا القانون من إنهاء الوقف على غير الخيرات (الوقت الأهلى) .
ولما كان تقدير المصلحة منوطا بولى المر المسلم - كما سبق بيانه وتأصيله - كان ما انتهى إليه القانون واقعا فى نطاق الشرع، إذا قد تقدم أن من الفقهاء من قال بعدم لزوم الوقف بل وببطلانه وعدم جوازه أصلا .
وأخذا بفقه هؤلاء كان لولى الأمر فى مصر إصدار هذا القانون باعتباره مقلدا، له أن يختار من أقوال الفقهاء ما يراه مناسبا لمصالح الناس وله أن يأخذ حكما من مذهب فى مسألة وحكما فى مسألة أخرى من مذهب آخر على ما حرره علماء أصول الفقه فى أحكام التقليد والتلفيق والتخريج .
وكما سلف القول كان جائزا تصحيح بعض الوقف وإبطال بعضه الآخر .
فحين استبقى القانون الوقف على الخيرات اتبع قول القائلين بلزوم الوقف عليها، وحين أنهى الوقف على غير الخيرات (الأهلى) اتبع قول القائلين بعدم جواز الوقف أصلا وبطلانه، وذلك تلفيق فى التشريع تجيزه أقوال الفقهاء وعلماء أصول الفقه .
ولا شك أن المصلحة التى تغياها هذا القانون واضحة ظاهرة لأن تطور الأنظمة الاقتصادية اقتضى إطلاق الأموال المحبوسة عن التداول حرصا على تعميرها، وزيادة غلاتها وخبراتها حين تؤول ملكا خاصا لمن استحقها، ومن ثم تكون هذه المصلحة شرعية جاءت فى إطار القواع المتقدمة، وأقوال الفقهاء المختلفة فى شأن الوقف المشار إليها .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/266)
التداوى بالخمر
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1399 هجرية - 12 مارس 1979 م
Mالخمر حرام ويجوز التداوى بالمحرم عند الضرورة بشروط معينة
Q بالطلب المتضمن بيان رأى الدين فيما إذا كانت الخمر هى العلاج الوحيد بدون بديل لشفاء مريض مسلم .
والحكم الشرعى فى ذلك
An إن الخمر رجس محرم قطعا بقول الله تعالى فى سورة المائدة { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة 90 ، وقد أبان النبى صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثيرة تحريم الخمر أيا كانت المادة التى أخذت منها .
ومن هذه الأحاديث (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) رواه الإمام مسلم فى صحيحه .
وقوله (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه الإمام أحمد وابن ماجه والدار قطنى .
وقد اختلف فقهاء المذاهب فى إباحة التداوى بالمحرم ومنه الخمر .
فمنع التداوى بالمحرم فقهاء مذهبى الإمام مالك وأحمد بن حنبل، وأجاز التداوى به فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة فى القول المختار وفقهاء المذهب الشافعى فى أحد الأقوال وذلك بشرطين أحدهما أن يتعين التداوى بالمحرم بمعرفة طبيب مسلم خبير بمهنة الطب معروف بالصدق والأمانة والتدين .
والشرط الآخر ألا يوجد دواء من غير المحرم ليكون التداوى بالمحرم متعينا، ولا يكون القصد من تناوله التحايل لتعاطى المحرم، وألا يتجاوز به قدر الضرورة .
هذا وأساس هذه الإباحة الضرورة، لأن صون نفس الإنسان عن الهلاك من الضرورات الخمس التى هى مقاصد الإحكام فى الإسلام .
وقد استدل الفقهاء الذين أجازوا التداوى بالمحرم عند الضرورة بالشروط السابقة بآيات القرآن الكريم التى أباحت المحرمات عند الضرورة، ومنها قوله تعالى فى سورة البقرة { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة 173 ، ولما كانت إباحة التداوى بالمحرم حسبما تقدم فى قول فقهاء المذهب الحنفى، وقول فى مذهب الإمام الشافعى للضرورة ، وكانت الضرورة تقدر بقدرها، فإنه ينبغى ألا يتمادى المريض المسلم فى تعاطى المحرم استغلالا لحال الضرورة .
فإن الله سبحانه يعلم السر وأخفى . وعلى المسلم الحريص على دينه أن يتحرى الصدق، وأن يبتعد عن الشبهات استبراء للدين، وألا يسوغ لنفسه رخصة أباحها الله دون حاجة وضرورة، وأن يجد ويجتهد فى طلب مشورة أكثر من طبيب مسلم قبل الإقدام على التداوى بالمحرم .
هذا وإنه مع التقدم العلمى فى كيمياء الدواء لم تعد حاجة ملحة لاستعمال الخمر فى التداوى لوجود البديل المباح .
ومما تقدم يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/267)
تفضيل الابن البار بالمال وحرمان العاق منه
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1400 هجرية - 18 فبراير 1980 م
M 1 - تفضيل بعض الأولاد ببعض من المال دون بعض مكروه ويجوز ذلك مادام هناك سبب يدعو إليه .
2 - عقوق الولد لأمه وتعديه عليها يبيح تفضيل غيره عليه فى العطية
Q بالطلب المتضمن أن للسائلة ابنين أنفقت على تربيتهما وتعليمهما حتى كبرا، والتحق كل منهما بوظيفة يتكسب منها، وقد زوجت أحدهما وهيأت له أسباب الراحة بالسكن فى شقة ملائمة على حسابها، ولكن هذا الابن الذى تزوج وأنجب أولادا بدأ يعاملها بقسوة، بل ويعتدى عليها بالضرب والشتم والسب العلنى فهو عاق لدرجة أنها لا تطيق رؤيته .
أما الولد الآخر فهو بار بها يعطف عليها ويحترمها ويقدرها ويعترف بفضلها، ويبذل قصارى جهده للعمل على إرضائها ، وأن السائلة إزاء ذلك تريد أن تتصرف فى مالها بحيث لا ينال هذا الولد العاق شيئا منه .
وأن تعطى ذلك المال السائلة كما تقول فى مالها لأى إنسان آخر دونهما، أو أن الولد البار قبل التصرف لنفسه .
هل يكون فى تصرفها هذا شىء تحاسب عليه أم ماذا
An عن النعمان بن بشير قال قال النبى صلى الله عليه وسلم (اعدلوا بين أبنائكم .
اعدلوا بين أبنائكم . اعدلوا بين أبنائكم) رواه أحمد وأبو داود والنسائى .
وروى مسلم وأبو داود وأحمد عن جابر قال (قالت امرأة بشير انحل ابنى علاما (أى اعطه عبدا) وأشهد لى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ابنة فلان (أى زوجته وسماها) سألتنى أن أنحل ابنها غلامى .
فقال له إخوة قال نعم .
قال فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته . قال لا . قال فليس يصلح هذا، وإنى لا أشهد إلا على حق) ورواه أبو داود من حديث النعمان بن بشير .
قال فيه (لا تشهدنى على جور . إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم) .
هذا وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على كراهية التفاضل أو التفضيل أو إفراد بعض الأولاد ببعض المال أو كله .
ثم اختلفوا هل يحرم ذلك التخصيص أو التفضيل بينهم فيرى أبو حنيفة والشافعى أن ذلك لا يحرم وقال الإمام مالك إنه يجوز إعطاء الرجل بعض ماله لبعض ولده دون بعض .
وقال الإمام أحمد بن حنبل إن التفاضل بين الأولاد أو تفضيل بعضهم على بعض أو تخصيصه لا يجوز، ومن فعل ذلك فقد أساء .
والذى نختاره للفتوى ما قال به الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعى بشرط أن يكون هناك سبب يدعو إلى تخصيص بعض الأولاد بشىء من المال دون بعض .
وقد قال بهذا أيضا فقهاء الحنبالة، كما جاء فى كتاب المغنى لابن قدامة فى باب الهبة إذا قال فإنه خص بعضهم لمعنى بقتضى تخصيصه لحاجة أو زمانة (أى مرض طويل مزمن) أو عمى أو كثرة عائلته أو استغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل فذلك جائز وكذا لو صرف غطيته ومنعها عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصيه الله فله ذلك، ولا شك أن عقوق الابن وتعديه على أمه بالضرب والشتم والسب من أكبر الفوسق والآثام لأن الله أمر بالبر بالوالدين، وجعل برهما قرين عبادته فقال { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } النساء 36 ، وغير هذا من الآيات والأحاديث الوفيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الشأن .
ومنها حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (يا رسول الله من أحق بحسن صحابتى قال أمك .
قال ثم من قال أمك . قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك) رواه البخارى .
وإذا كان ذلك كان للسائلة أن تصرف مالها غلى البار من أولادها إثم عليها فى ذلك، وإن كان الأولى من هذا أن تعفو وتصفح وتدعو لولدها العاق بالهداية والتوفيق وتترك المال على ذمتها، فإن الآجال بيد الله { وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت } لقمان 34 ، وفى العفو عن الإساءة الكثير من الآيات الكريمة منها قوله تعالى { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } الشورى 40 ، وفى الحديث الشريف (أحسن إلى من أساء إليك) .
وبهذا علم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم(7/268)
الصيد الواقع فى الماء
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1400 هجرية - 23 فبراير 1980 م
M 1 - الصيد حلال شرعا ما لم يكن لمجرد اللهو أو تعذيب الحيوان أو كان فيه ضرر بالناس .
2 - إذا وقع الصيد فى الماء فأخرج ميتا لا يحل أكله
Q بالطلب المتضمن أنه يوجد لدى أهالى الصحراء الغربية موسم لصيد الطيور فى شهرى أغسطس وسبتمبر من كل عام، والصيادون يكونون بجوار البحر الأبيض المتوسط، فأحيانا يضربون الطيور بالبندقية فتقع فى البحر وينزل أحدهم لإخراجها منه وأحيانا يجدونها لا تزال بها حياة فيذبحونها فيكون أكلها حلالا، وأحيانا يجدونها ميتة وليس بها حياة .
وقد اختلفت الآراء فى ذلك فبعض العلماء يقول إن أكلها حلال .
والبعض يحرم أكلها بعد إخراجها من البحر ميتة . وطلب السائل الإفادة عن حكم الدين فيما أخرج من البحر ميتا
An إن الصيد من الحلال الطيب الذى أباح الله أكله والانتفاع به ن وهو مباح إذا لم يترتب عليه إضرار للناس بإتلاف مزارعهم، أو إزعاجهم فى منازلهم أو كان الغرض منه مجرد اللهو أو اللعب أو القمار وتعذيب الحيوان .
وإلا فيحرم، وقد ثبت حل الصيد وأكله بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى فى سورة المائدة { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } المائدة 4 ، وقوله تعالى أيضا { وإذا حللتم فاصطادوا } المائدة 2 ، وأما السنة فما رواه البخارى ومسلم أنا أبا ثعلبة قال (قلت يا رسول الله أنا بأرض صيد أصيد بقوسى وبكلبى الذى ليس بمعلم وبكلبى المعلم فما يصلح لى فقال الرسول ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل) وروى مسلم عن عدى بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه .
فإذا وجدته ميتا فكل ، إلا أن تجده قد وقع فى الماء فمات .
فإن لا تدرى الماء قتله أو سهمك) ولو رمى صيدا فوقع فى الماء أو على سطح أو جبل ثم تردى منه على الأرض فمات حرم .
لقوله تعالى فى سورة المائدة { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية } المائدة 3 ، إلخ الآية .
ولهذا أجمع فقهاء المسلمين على أن الصيد إن وجد فى الماء ميتا أو تردى من فوق سطح أو جبل ميتا لا يحل أكله، لجواز أن يكون موته اختناقا بالماء أو قتل مترديا من السطح أو الجبل، فيدخل فى هذه المحرمات المنصوص عليها فى هذه الآية الكريمة .
لما كان ذلك فإن الصيد الذى وقع فى الماء لا يحل أكله أو الانتفاع به إذا خرج ميتا فاقدا كل مظاهر الحياة، وكذلك ما تردى من فوق جبل أو سطح فمات قبل إرداكه .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/269)
نزول المريض على رأى الأطباء
F جاد الحق على جاد الحق .
شعبان 1400 هجرية - 9 يونيه 1980 م
M 1 - على المريض النزول على رأى الأطباء لأن من الضرورات فى الإسلام المحافظة على النفس من التلف .
2 - إذا تيسر وجود الطبيب المسلم للعلاج كان أولى، وإلا جاز ذلك للطبيب غير المسلم للضرورة .
3 - على المريضة أن تطلقع أولياء أمرها على رأى الأطباء ليكونوا على علم ودراية بسبب زوال غشاء البكارة، وأنه ضرورة علاج للمحافظة على صحتها .
ولهم أن ياشروا معها كل ذلك . 4 - الدم الأسود الذى ينزل من رحم المرأة قبل ميعاد الدولة الشهرية بأسبوع أو خمسة أيام هو من ألوان دم الحيض حسبما قرر الفقهاء، وعليها أن تعتبر ذلك مبدأ الدورة الشهرية مادام يسيل تلقائيا إلى الخارج .
5 - تحرم عليها الصلاة كما يحرم عليها الصوم إلى انقطاعه كعادتها أو إلى مدة أقصاها عشرة أيام .
6 - تقضى الصوم إن كان فى شهر رمضان ولا تقضى الصلاة
Q بالطلب المقدم من الآنسة ف س بأمريكا المتضمن أنها طالبة بإحدى الجامعات بأمريكا، وتبلغ من العمر ثلاثين عاما ولم يسبق لها الزواج، وأنها دخلت إحدى المستشفيات للعلاج من روم فى رجلها اليمنى، وعند الكشف عليها وجد الأطباء أن لديها أوراما غير معروفة داخل الرحم المر الذى يتطلب إدخال آلة لأخذ عينات من هذه الأورام وتحليلها، وهذا يعنى إجراء فحص داخلى مما يتسبب عنه إزالة غشاء البكارة ، ولما امتنعت عن إتمام هذا الإجراء أخرجوها من المستشفى على أن تعود إليها فى أقرب وقت لإجراء هذه الفحوص قبل أن يستفحل الأمر، وأشاروا عليها بإحضار أحد الأطباء المسلمين ليقف على أن هذا الفحص لازم للعلاج .
ثم انتهت إلى السؤال عن هل إجراء مثل هذه العملية من الناحية الدينية جائز أو يعتبر زنا وإذا جاز لها إجراء تلك العملية فما هى الخطوات التى تتبعها ليعرف الأهل ما حدث وما حكم الصلاة فى حالة نزول نزيف أسود قبل ميعاد الدورة الشهرية بأسبوع أو خمسة أيام وما حكم الصوم أيضا فى رمضان فى حالة نزول هذه المادة السوداء التى تشبه القهوة وليس دم حيض
An إنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تداوى وأمر بالتداوى .
فقد روى عن أسامة بن شريك قال (جاء أعرابى فقال يا رسول الله أنتداوى قال نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله) رواه أحمد .
وفى لفظ ( قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا، قالوا يارسول الله وما هو قال الهرم) رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذى وصححه .
لما كان ذلك وكان الظاهر من السؤال أن الأطباء الذين تولوا فحص السائلة قد قرروا لزوم أخذ جزء من الأورام الداخلية بالرحم لتحليلها لمعرفة، نوعها وتشخيص المرض إن كان تحديد طرق العلاج، كان على السائلة النزول عند رأيهم، لأن من الضرورات فى الإسلام المحافظة على النفس من التلف .
ففى القرآن الكريم قوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، وقوله تعالى { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، ولا شك أن إهمال العلاج من باب إهلاك النفس الإنسانية ومؤد إلى قتلها، وهو مرحم ومنهى عنه شرعا بهذه النصوص .
وإذا تيسر وجود الطبيب الملم كان أولى، وإلا جاز ذلك للطبيب غير المسلم للضرورة، أو أخذا بمذهب الإمام مالك رحمه الله الذى يجيز العمل برأى الطبيب غير المسلم الثقة .
ومن ثم فعلى السائلة المبادرة إلى إجراء هذا الفحص حماية لنفسها عن الهلال امتثالا، لأمر الله بالمحافظة على النفس فى القرآن الكريم، وترخيص الرسول صلى الله عليه وسلم فى التداوى بل وأمره به .
وعليها أيضا أن تطلع أولياء أمرها على رأى الأطباء، ليكونوا على علم ودراية بسبب زوال غشاء البكارة، وأنه ضرورة علاج للمحافظة على صحتها، وعليهم أن يباشروا معها كل ذلك .
أما عن الدم الأسود المشبه للقهوة الذى ينزل من رحم السائلة قبل ميعاد الدورة الشهرية بأسبوع أو خمسة أيام، فإن الدم الأسود من ألوان دم الحيض حسبما قرر الفقهاء .
وتبعا لذلك عليها أن تعتبر هذا مبدأ الدورة الشهرية مادام يسيل تلقائيا إلى الخارج، وعندئذ تحرم عليها الصلاة كما يحرم الصوم إلى حين انقطاع الدم كعادتها، أو إلى مدة أقصاها عشرة أيام، ويجب عليها أن تقضى الصوم إن كان فى شهر رمضان ولا تقضى الصلاة .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/270)
جراحة تحويل الرجل إلى امرأة وبالعكس جائزة للضرورة
F جاد الحق على جاد الحق .
شعبان 1401 هجرية - 27 يونية 1981 م
Mإجراء عملية جراحية بتحويل الرجل إلى امرأة أو العكس جائز متى كان المقصود منها إبراز عضو خلقى مطمور ولا يجوز ذلك لمجرد الرغبة فى التغيير فحسب
Q بالطلب المقدم من السيد / أ س أ - من ماليزيا المتضمن أن مركز البحث الإسلامى فى ماليزيا طلب منه بيان حكم الشريعة الإسلامية فى إجراء عمليات جراحية يتحول بها الرجل إلى امرأة وما أشبه ذلك .
وبيان ما إذا كان يوجد من النصوص الشرعية والفقهية ما يؤيد ذلك وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع حتى يتسنى له أن يرسله إلى حكومة ماليزيا
An عن أسامة بن شريك قال (جاء أعرابى فقال يا رسول الله أنتداوى .
قال نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله) - رواه أحمد وفى لفظ (قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى .
قال نعم . عباد الله تداووا .
فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا .
قالوا يا رسول الله وما هو . قال الهرم) . رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذى وصححه ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 200 ) وعن جابر قال (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه) رواه أحمد ومسلم .
( المرجع السابق ص 204 ) وفى حديث عرفجه الذى قطع أنفه يوم الطلاب قال (أصيب أنفى يوم الكلاب فى الجاهلية فاتخذت أنفا من ورق (فضة) فأنتن على، فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفا من ذهب) ( صحيح الترمذى بشرح ابن العربى المالكى ج - 7 ص 269 و 270 طبعة أولى المطبعة البهية المصرية بالأزهر سنة 1350 هجرية - 1931 م ) - قال ابن العربى فى شرحه لهذا الخبر إنه استثناء من تحريم الذهب بإجازة الانتفاع به عند الحاجة على طريق التداوى .
وعن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبى سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عندها وفى البيت مخنث (بفتح النون وكسرها) وهو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة، وفإن كان ذلك فيه خلقه فلا لوم عليه، وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه فهو المذموم ( صحيح البخارى بشرح ارشاد السارى للقسطلانى ج - 7 ص 1460 طبعة سادسة المطبعة الأميرية ببولاق 1305 هجرية مع شرح النووى على صحيح مسلم فى باب اخراد المتشبهين بالنساء من البويت ) وفى فتح البارى بشرح صحيح البخارى ( ج - 9 ص 273 طبعة حسنة 1348 هجرية المطبعة البهية المصرية بالأزهر ) لابن حجر العسقلانى فى باب المتشبهين بالنساء (أما ذم التبشبيه بالكلام والمشى فمختص ممن تعمد ذلك وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتركه والإدمان على ذلك بالتدريح، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين ، وأما إطلاق من أطلق - كالنووى - وأن الخنث الخلقى لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثنى والكسر فى المشى والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم .
واستدل لذلك الطبرى بكونه صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على النساء حتى سمع منه التدقيق فى وصف المرأة، كما فى ثالث أحاديث الباب الذى يليه، فمنعه حينئذ .
فدل على أنه لاذم على ما كان من أصل الخلقة .
لما كان ذلك كان من فقه هذه الأحاديث الشريفة وغيرها من الأحاديث الواردة فى التداوى إجازة إجراء جراحة يتحول بها الرجل إلى امرأة، أو المرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب الثقة إلى وجود الدواعى الخلقية فى ذات الجسد بعلامات الأنوثة المطمورة، أو علامات الرجولة المغمورة، باعتبار هذه الجراحة مظهرة للأعضاء المطمورة أو المغمورة تداويا من علة جسدية - لا تزول إلا بهذه الجراحة، كما جاء فى حديث قطع عرق من أبى بن كعب وكيه بالنار حسبما تقدم .
ومما يزكى هذا النظر ما أشار إليه القسطلانى والعسقلانى فى شرحيهما على النحو السابق حيث قالا ما مؤداه إن على المخنث أن يتكلف إزالة مظاهر الأنوثة، ولعل ما قال به صاحب فتح البارى (بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك) واضح الدلالة على أن التكلف الذى يؤمر به المخنث قد يكون بالمعاجلة والجراحة علاج، بل لعله أنجح علاج .
ولا تجوز هذه الجراحة لمجرد الرغبة فى التغيير دون دواع جسدية صريحة غالبة، وإلا دخل فى حكم الحديث ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 6 ص 192 ) الشريف الذى رواه البخارى عن أنس قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبى صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرد عمر فلانا) رواه أحمد والبخارى .
وإذا كان ذلك جاز إجراء الحراحة لإبراز ما استتر من أعضاء الذكورة أو الأنوثة، بل إنه يصير واجبا باعتباره علاجا متى نصح بذلك الطبيب الثقة .
ولا يجوز مثل هذا الأمر لمجرد الرغبة فى تغيير نوع الإنسان من امرأة إلى رجل أو من رجل إلى امرأة .
وسبحان الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/271)
حكم ماء الزنا
F بكرى الصدفى .
جمادى الأولى 1325 هجرية
M 1 - ماء الزنا لا اعتبار له شرعا فلا يثبت به نسب .
2 - الإقرار بنسب ولد مع ذكر أنه من الزنا لا يعتد به ولا يثبت النسب .
3 - إذا ادعى نسب هذا الولد غليه من ذلك فلا يقبل ذلك منه لقطع نسبه منه شرعا قبل ذلك
Q فى رجل مسلم وجد عنده امرأة نصرانية وعاشرها دون يعقد عليها وأنجب منها بنين وبنات ثم توفى هذا الرجل المسلم وترك ما يخصه فى وقف وقدره ثمانية أفدنة فهل هؤلاء الأولاد يكون لهم استحقاق فى ذلك الوقف المذكور بعد وفاة ذلك الرجل المسلم
An صرح العلماء بأن ماء الزنا لا اعتبار له فلا يثبت به النسب .
فإذا قال الشخص المذكور إن الأولاد المذكورين أولادى من الزنا لا يثبت نسبهم منه ولا يجوز له أن يدعيهم لأن الشرع قطع نسبهم منه فلا يحل له استلحاقهم به فلا يكون لهم شىء فى ريع الوقف المذكور فى هذه الحادثة حيث كان الأمر كما ذكر فى السؤال واللّه سبحانه وتعالى أعلم(7/272)
الحرام لا يحرم الحلال
F محمد بخيت .
رمضان 1336 هجرية - 20 من يونية 1918 م
Mالزنا بامرأة لا يحرم أختها
Q شخص متزوج بامرأة وزنى بأختها .
فهل تحرم عليه امرأته
An نفيد أنه لا تحرم امرأة الرجل المذكور عليه بزناه بأختها .
بل الواجب على ذلك الرجل أن يستغفر اللّه تعالى ويتوب بأن يندم على ما وقع منه ويعزم على أن لا يعود إليه(7/273)
تحريم بالزنا
F عبد الرحمن قراعة .
صفر 1345 هجرية - 10 من اغسطس 1926 م
M 1 - إذا زنى رجل بامرأة ثم تزوج بانتها ودخل بها ثم زنى بأمها حرمتا عليه .
2 - التكفير عن هذا الذنب يكون بالتوبة والندم والعزم على عدم العودة لمثل ذلك
Q زنى شاب بامرأة ثم تزوج بابنتها وبعد دخوله بها زنى بأمها .
فهل تبقى هذه الزوجة على ذمته شرعا وكيف يكفر عن هذا الذنب
An علم ما جاء بخطابكم المؤرخ 6 اغسطس سنة 1926 الذى يتضمن أن شابا زنى بإمرأة ثم تزوج بابنتها وبعد دخوله بها زنى بأمها وتستفهمون عن بقاء هذه الزوجة على ذمته شرعا بعد ذلك وعن كيفية مايلزم للتكفير عن هذا الذنب .
وجوابنا عن ذلك أن كلا من المرأتين البنت وأمها حرمت على هذا الشاب حرمة مؤبدة .
أما الأم فلوطئه بنتها وأما البنت فلوطئه لأمها قبل العقد وبعده .
ومنه يعلم أن هذه البنت لم تكن زوجة له فى حالة من الحالات . وأما التكفير عن ذلك الذنب فيكون بالتوبة والندم والعزم على عدم العود لمثل ذلك ومع هذا فهو لا يفيد حل نكاحه لواحدة منهما(7/274)
ولد الزنا لا يثبت نسبه
F علام نصار .
ربيع الثانى 1370 هجرية - 28 يناير 1951 م
M 1- قبول الإقرار بالنسب مبنى على احتمال تخلق الولد من نكاح أو وطء بشبهة .
2- الزنا لا يصلح سببا لثبوت النسب ولو ادعاه الزانى .
3- إقرار الرجل بالنسب وقيد الولود باسمه بواسطته لا يعتد به بعد إقراره بأنه من زنا
Q بكتاب نيابة الأزبكية رقم 7511 المؤرخ 19 يوليه سنة 1950 المرفق به المذكرة الخاصة بالجناية رقم 1671 سنة 1949 جنايات الأزبكية المتضمن أن امرأة مسلمة غير متزوجة اتصلت بشخص مسيحى متزوج وعاشرها فحملت، وفى يوم 13 يونية سنة 1948 وضعت مولودة ثم التجأت المرأة إلى شخص مقيم فى منزلها طالبة منه قيد الطفلة فى دفتر قيد المواليد، فقبل وقام بالتبليغ وقرر أنه والد المولودة، وبسؤال المرأة قررت أنها حملت بالطفلة من الشخص المسيحى، وبسؤال المسيحى أقر باتصاله بالمرأة وأنها حملت أثناء المعاشرة لها .
ومن الجائز أن تكون هذه المولودة نتيجة تلك المعاشرة، وبسؤال الشخص الذى قيدها قرر أن المرأة هى التى طلبت منه تبنى هذه المولودة فقبل وقام بقيدها بدفتر المواليد، وذكر أن هذه المولودة ليست ابنته وأنه لا يعرف والدها الحقيقى .
وطلب الإفادة عما يأتى : 1- حكم هذه المولودة شرعا .
2- هل للشخص الذى قيدها أن يستحق مثل هذه المولودة فيثبت فى دفتر المواليد أنه والدها، أم أن مثل هذه المولودة تعتبر مقطوعة النسب فلا تستلحق وما قيمة الإقرار فى دفتر المواليد شرعا
An نفيد أن المنصوص عليه شرعا أن الإقرار بالولد إنما يصح شرعا ويثبت به النسب إذا كان الولد مجهول النسب ويولد مثله لمثل المقر ويصدق المقر فى ذلك إن كان من أهل التعبير عن نفسه .
وأن الزنا لا يصلح سببا لثبوت النسب .
وأنه إذا صرح به لا يثبت النسب ولو ادعاه الزانى - ومعنى هذا أن قبول الإقرار بالنسب فيما ذكر مبنى على احتمال تخلق الولد من نكاح أو وطء بشبهة - أما إذا تمخض الزنا سببا فلا يثبت به النسب - وعلى ذلك فالجواب عن السؤال الأول أن هذه المولودة لا يثبت نسبها من المسيحى، لأن وطأه لأمها محض زنا، كما روته مذكرة النيابة على لسانها، والزنا لا يثبت به نسب لاسيما من مسيحى وعن الثانى أن استلحاق الشخص الذى قيد هذه المولودة لنفسه غير مقبول شرعا، ولا يثبت به نسب البنت منه لتصريح أمها بأنها من الزنا، وتصريحه هو بأنها ليست بنته، وإنما أراد إنقاذ أمها من عثرتها وظهور أمرها بأن يتبنى البنت وإن لم تكن له - فالمصرح به أولا وآخرا أن البنت ليست من هذا الشخص، وبمثله لا يثبت النسب شرعا - لما سبق تقريره فى النصوص الشرعية .
والجواب عن السؤال الثالث أنه لا قيمة لإقراره بنسبة البنت إليه وقيدها باسمه فى دفتر المواليد للأسباب السابق ذكرها .
والله أعلم(7/275)
وطء الأم
F حسن مأمون .
ذو القعدة 1374 هجرية - 23 يونية 1955م
Mزنا الرجل بأمه أو بإحدى محارمه كبيرة شنعاء .
وهى أفظع فى الإثم وأبلغ فى العقاب، ويجب الإقلاع عنها والندم على ارتكابها، والتوبة عنها، وليس الانتحار تكفيرا لها، بل هى جريمة أخرى يعاق عليه شرعا
Q من السيد/ .
عن بيان الحكم الشرعى فيمن غره الشيطان فزين له مواقعة أمه فواقعها .
فهل إذا تاب واستغفر الله من هذه السيئة يغفر الله له، أم ينتحر
An إن زنا الرجل المكلف العاقل المختار بأجنبية من أفحش الكبائر التى نهى الله ورسوله عن ارتكابها، وتوعد المقترفين لها بالعذاب الشديد .
قال تعالى { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، وزنا الرجل بإحدى محارمه كبيرة شنعاء، أفظع فى الإثم وأبلغ فى العقاب وإنه كبيرة يقلع عنها المسلم، ويندم على ارتكابها، ويتوب عنها مع عدم العودة إليها مرة ثانية، ويرجى أن تقبل توبته منها - فأمره إلى الله سبحانه وتعالى وليس الإقدام على الانتحار وقتل النفس سبيلا إلى تكفير هذا الذنب الكبير .
إنما هو جريمة أخرى نهى الله عنها، وتوعد مقترفها بالعقاب الشديد فلا تقدم على قتل نفسك، وتب إلى ربك مما اقترفت من الزنا، ودوام على الطاعات وعلى الاستغفار، وأمرك إلى الله .
والله أعلم(7/276)
الإكراه على الزنا
F حسن مأمون .
ذو القعدة 1376 هجرية - 26 يونية 1957م
M 1- إكراه الرجل على الزنا ولو بملجئ لا يرخص له به، لأن فيه قتل النفس حكما، وهى ولد الزنا بضياعه، ولا يستباح ذلك ولو لضرورة ما كالقتل .
2- إكراه المرأة على الزنا يملجئ يرخص لها به، لأن نسب الولد لا ينقطع عنها، بل ينسب إلى الأم، لم يكن الزنا فيه فى معنى القتل من جانبها .
3- يسقط الحد عنها بزناها مكرهة .
ولا يسقط عن الرجل بذلك لأنه لما لم يكن الملجئ رخصة له لم يكن غيره شبهة تدرأ الحد .
4- لا يحل للمرأة المكرهة على الزنا بملجئ أو بغيره قتل نفسها لتنجو من عار الزنا
Q بالطلب المتضمن أن امرأة مسلمة وقعت أسيرة فى يد عدو أراد اغتصابها، وحاولت الدفاع عن نفسها وشرفها فعجزت ويئست فانتحرت حتى لا تمكنه من نفسها - فهل تعتبر شهيدة، أو منتحرة وعليها عقوبة الانتحار
An جاء فى الدر شارح التنوير وحاشيته رد المحتار ولو أكره على الزنا بملجئ لا يرخص له، لأن فيه قتل النفس وهى ولد الزنا بضياعه، لأنه هلك حكما، لعدم من يربيه، فلا يستباح بضرورة ما كالقتل .
وفى جانب المرأة يرخص لها الزنا بالإكراه الملجئ لا بغيره، لأن نسب الولد لا ينقطع بل ينسب إلى الأم، فلم يكن الزنا فى معنى القتل من جانبها، بخلاف الرجل لكن يسقط الحد فى زناها لا زناه .
لأنه لما لم يكن الملجئ رخصة له لم يكن غير الملجئ شبهة له وجاء فى در التنقى شرح مجمع الأنهر - والحاصل أن الزنا لا يرخص للرجال بحال، لتضمنه قتل النفس .
وأما فى حقها فيرخص بالملجئ ثبوت نسبه منها، فلم يكن زناها فى معنى القتل إلا بغير الملجئ لكنه يسقط الحد عنها للشبهة لا عنه، لأنه لما لم يرخص له الملجئ لم يكن غير الملجئ شبهة له - ومما سبق يتضح أن المنصوص عليه شرعا، أن المرأة إذا أكرهت على الزنا بمجلئ كقتلها إن لم تطاوع المكره رخص لها فى الزنا ولا حد عليها .
وإذا أكرهت بغير الملجئ سقط الحد عنها أيضا عند المطاوعة - لوجود الشبهة ولكن لا يرخص لها فى الزنا - وفى كلتا الحالتين لا يحل لها أن تقتل نفسها لتنجو من عار الزنا لأن قتل نفسها جريمة شنيعة، لا يقبل الله صاحبها ولا يرضى عنه، وهى فى هذه الحالة لا تقل إثما عمن قتل نفسا حرم الله قتلها بغير حق .
قال الله تعالى { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، وقال عليه الصلاة السلام فيما روى عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه (من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده ينوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه فى يده يتحساه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) وعن جابر رضى الله عنه أن رجلا قتل نفسه بمشاقص ( المشقص سهم فيه نصل عريض ) فلم يصل عليه النبى صلى الله عليه وسلم - رواه الجماعة إلا البخارى .
والله أعلم(7/277)
لا قنوط من رحمة الله
F جاد الحق على جاد الحق .
20 ذو الحجة 1401 هجرية - 18 أكتوبر 1981 م
M 1 - على من ارتكب ذنبا ألا يقنط من رحمة الله، وأن يرجع إليه بالتوبة، ويكثر من الاستغفار وقراءة القرآن والصلاة والصدقات .
لما ورد أن هذه الأمور تمحو الخطايا . 2 - الواقع فى الذنب لا يتحدث به، وإلا كان من المجاهرين بالذهب الذين لا يقبل الله لهم توبة
Q بالطلب المقدم من السيد / .
المتضمن أنه عصى الله مع بنت أخ زوجته المتزوجة وندم على ما فعل، ويسأل هل لو تاب إلى الله يقبل الله توبته وما كفارة خطئه
An قال الله تعالى { قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } الزمر 53 ، وقال تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين .
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } آل عمران 133 - 135 ، وفى الصحيحين عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله أى الذنب أعظم قال أن تجعل الله ندا وهو خلقك قلت ثم أى قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك .
قلت ثم أى قال أن تزنى بحليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديق ذلك قوله تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما .
يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا - إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما } الفرقان 68 - 70 ، وفى صحيح البخارى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال أيها الناس توبوا إلى ربكم فوالذى نفسى بيده إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة .
ومن هنا كان على من ارتكب ذنبا أن يرجع إلى الله بالتوبة ويكثر من الاستغفار وقراءة القرآن والصلاة والصدقات وعمل الحسنات، فقد ورد أن هذه الأمور تمحو الخطايا حيث روى عم عمرو ( رواه الطبرانى وغيره البيان والتصريف ج - 1 ص 130 ) بن العاص رضى الله عنه قال أراد معاذ بن جبل سفرا فقال أوصنى يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم إذا أسأت فأحسن .
وروى ( زاد المسلم ج - 1 ص 12 ) عدى بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (اتقوا النار ولو بشق تمرة) رواه البخارى ومسلم .
وعن ( رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح ) معاذ بن جبل رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار) ... وعن أبى هريرة ( رواه مالك ومسلم - الدين الخالص ج - 2 ) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) ... وقال صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) .
( أخرجه الامام أحمد فى الزهو - البيان والتصريف ج - 1 ص 65 ) فبادر أيها المسلم بالتوبة إلى الله مما اقترفت من إثم كبير، توبة خالصة نادما على ما فرطت فى جنب الله، ولا تتحدث بهذه المعصية وإلا كنت من المجاهرين بها وقد سترها الله عليك، ولا يقبل الله توبة مجاهر بالذنب لأنه قدوة سيئة، وأكثر من الصدقات والإحسان إلى الفقراء واليتامى والمساكين رغبة فى مغفرة من الله ورضوان، فإنه سبحانه وعد التائبين المتصدقين بالقبول وهو سبحانه القائل { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } النساء 110 ، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/278)
القضاء فى الغيبة
F حسونة النواوى .
رمضان 1313 هجرية
M 1 - إذا كان المدعى عليه فى المصر واختفى أو تعنت أو كان ذا سلطان لا يجب الخصم إلى حضور مجلس القضاء يعذر إليه بالحضور قبل الحكم عند محمد وأبى يوسف .
2 - إذا غاب المدعى عليه بعد إعلانه يقضى عليه بلا إعذار لأنه أرفق بالناس .
3 - لا تعارض بين ذلك وبين ما جاء فى لائحة المحاكم الشرعية من وجوب العمل بأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة لأن قول أبى يوسف المأخوذ به هنا هو المعول عليه والمعتمد فيما يتعلق بالقضاء
Q بإفادة من حضرة قاضى محكمة مصر الكبرى الشرعية مؤرخة 19 رمضان سنة 1313 منظور بالمجلس الشرعى بمحكمة هذا الطرف قضايا متنازع فيها بعض أشخاص بعضها فى مواريث وبعضها فى حقوق أخرى والمدعى عليه فى كل منها منكر لما ادعى عليه وفى بعضها أقام المدعى بينه شهدت له بما ادعاه بحضور وفى وجه خصمه المدعى عليه وقبل الحكم فيها غاب المدعى عليه عن المجلس وامتنع عن الحضور إليه مع وجوده فى مصر وطلبه مرارا تعنتا منه بقصد الإضرار بخصمه ولم يمكن إحضاره بأى طريقة من الطرق .
والمدعى متردد على المحكمة متضررا من عدم حضور خصم ويطلب الحكم له فى دعواه وحيث إن أبا يوسف رحمه اللّه يرى فى مثل ذلك أن يقضى على المدعى عليه فى غيبته كما هو مصرح به فى جملة نصوص معتبرة فى المذهب منها ما فى الخانية من كتاب الدعوى والبينات .
إذا غاب المدعى عليه بعد ما سمع القاضى عليه البينة أو غاب الوكيل بالخصومة بعد قبول البينة قبل التعديل أو مات الوكيل ثم عدلت تلك البينة لا يقضى بتلك البينة .
وقال أبو يوسف رحمه اللّه تعالى يقضى .
وقال شمس الأئمة الحلوانى رحمه اللّه تعالى وهذا أرفق بالناس .
وما فى الانقروية من مسائل شتى القضا ما نصه قال عن أبى حنيفة إذا اختفى المشهود عليه لا يقضى عليه حتى يحضر وقال محمد يعذر ثلاثة أيام ينادى على بابه فإن ظهر وإلا قضى عليه وإن غاب عن المصر لا يقضى عليه وقال أبو يوسف فى الأمالى يقضى عليه من قضاء خزانة الأكمل نقلا عن العيون قال هشام قلت لمحمد ما تقول فى رجل له حق على ذى سلطان فلا يجيبه إلى القاضى فأخبرنى أن أبا يوسف كان يعمل بالإعذار وهو قول أهل البصرة وبه نأخذ والإعذار أن يبعث إلى بابه من يناديه أياما إن القاضى يدعوك إلى مجلس الحكم فإن أجابه وإلا جعل القاضى وكيلا عنه ولا يأخذ أبو حنيفة بالإعذار وفى فصل القضا على الغايب من الانقروية أيضا والذى توجه عليه الحكم ثم اختفى لا يقضى عليه عند أبى حنيفة وقال محمد ينادى على بابه ثلاثة أيام فإن خرج وإلا قضى عليه وإن لم يختف لكنه غاب لا يقضى وكتب بهامشها نقلا عن البزازية فى نوع من المعاملة فى الفصل الثانى وإن لم يتوار ولكنه لا يقضى عليه لعجز القاضى عن الإعذار وهذا أوفق للقياس وقال الثانى يقضى وهو أرفق بالناس وبالهامش أيضا فى فصل القضا على الغايب قال وفى دعوى التتمة وذكر فى آخر الباب الثانى والثلاثين فى آداب القاضى إذا ثبت له على غيره مال إما بإقرار أو بينة قامت عليه بحضرته ثم غاب المطلوب عن خصمه وامتنع من الحضور معه فالقاضى على قول أبى يوسف ينصب عنه وكيلا ويحكم عليه بالمال إن سأل الخصم ذاك وما نقل فى الهندية فى الباب الحادى والثلاثين فى القضا على الغائب أن المذكور عن أبى يوسف فى عامة الكتب أنه كان يقول أولا إن القاضى لا يقضى فى فصل البينة حتى يحضر الغايب وفى فصل الإقرار يقضى حتى ابتلى بالقضا وقال يقضى فيهما جميعا واستحسن ذلك حفظا لأموال الناس وصيانة لحقوقهم كذا فى الذخيرة .
وحيث مما توضح يعلم أن المشهود عليه إذا كان فى المصر واختفى أو تعنت أو كان ذا سلطان لا يجيب خصمه على القاضى .
محمد وأبو يوسف يقولان بالإعذار وأما إذا غاب عن المصر .
محمد مع أبى حنيفة يقولان لا يقضى عليه لعجز القاضى عن الإعذار وأبو يوسف لأنه أرفق بالناس فضلا عن أن قول أبى يوسف هو المعول عليه والمعتمد فيما يتعلق بالقضا وعلى حسب ما نص بالبند العاشر فى لائحة إجراءات المحاكم الشرعية يجب العمل بأرجح الأقوال فى مذهب الإمام الأعظم وقد رؤى مكاتبة فضيلتكم للنظر فى ذلك والإفادة بما يتراءى ليجرى العمل على موجبه
An الذى نراه فى أمثال المسائل المذكورة بهذه الإفادة هو العمل يقول أبى يوسف لأنهم نصوا على أن الفتوى على قوله فيما يتعلق بالقضا لزيادة تجربته واللّه أعلم ،والتعليل المذكور مذكور فى شرح الدر المختار من كتاب القضا نقلا عن البزازية .
قبيل فصل فى الحبس(7/279)
لا تبطل الشهادة اذا حصل التعريف بغير اشارة
F حسونة النواوى .
محرم 1314 هجرية
Mلا تلزم الإشارة من الشهود إلى المدعى عليه اذا تم تعريفه بغيرها
Q بإفادة من قاضى مديرية الدقهلية مؤرخة 17 محرم سنة 1314 مضمونها أنه لحصول الاشتباه عنده فى صحة الإعلام الشرعى الصادر من محكمة مركز فارسكور الشرعية بثبوت وص4اية من يدعى على منتصر الوصاية المختارة على أولاد أخيه بدر منتصر القصر قد حول النظر فيه على مفتى المديرية فأفاده بما يفيد اشتباه فى صحته أيضا ولذا يؤمل الإطلاع عليه والإفادة بما يزيل هذا الاشتباه ومضمون الإعلام المذكور صدور الدعوى الشرعية بعد التعريف الشرعى بمحكمة فارسكور المذكورة من على منتصر بدر على يوسف حليمة بن عبد الرازق بأن عليه وبذمته للحاج بدر منتصر عمدة الناحية المذكورة ابن بدر منتصر ستة وتسعين قرشا فضة جيدة مضروبة ضرب مصر رايج ومستعمل كل قرش منها بأربعين نصفا فضة صاغا ميريا وذلك عن قرض شرعى كان اقترضه المدعى عليه من الحاج بدر منتصر المذكور حال حياته وأقرضه ذلك من ماله الخاص به شرعا وقبضه منه واستهلكه فى شئون نفسه وصار مثله دينا لازما وحقا واجبا بذمته له إلى الآن وأن الحاج بدر منتصر المذكور توفى إلى رحمة اللّه قبل تاريخه ببندر الزقازيق شرقية ودفن بها وانحصر إرثه الشرعى فى أمه وزوجته وبنته فرحة البالغة وأولاده القصر الخمسة وهم عبدالحليم وبدر وعبدالهادى وصديقة وأحمد وأنه لا وارث للمتوفى المذكور سواهم وأن من جملة ما خلفه وتركه الحاج بدر المذكور ويورث عنه شرعا مبلغ القرض المذكور الذى بذمة هذا المدعى عليه المذكور وأن المدعى عليه ممتنع من أداء ذلك المبلغ للورثة المذكورين وأن الحاج بدر منتصر المتوفى المذكور سنة 1303 وهو فى حال صحته ونفوذ تصرفاته وجواز أمره وطواعيته واختياره أقام هذا المدعى وصيا مختارا من قبله على القصر المذكورين وأنه قبل الوصاية المذكورة لنفسه حال حياته وبعد وفاته ومات مصرا على الوصاية المذكورة وطالب هذا المدعى عليه بنصيب محاجيره الخمسة القصر المذكورين وقدره سبعة وأربعون قرشا وعشرون فضة من مثل مبلغ القرض المرقوم ليحوزه لهم إرثا من والدهم المذكور للذكر مثل حظ الأنثيين وسأل سؤاله عن ذلك وبسؤاله عن ذلك أجاب معترفا بترتب المبلغ المذكور بذمته للحاج بدر منتصر المذكور وأنه باق بذمته له إلى الآن وأنكر ماعدا ذلك فكلف هذا المدعى إثبات ما ادعاه وأنكره هذا المدعى عليه فأحضر شاهدين شهد كل منهما على انفراده فى غيبة الآخر بعد استشهاده عقب الدعوى والجواب المذكورين بوفاة المتوفى المذكور وانحصار إرثه فى ورثته المذكورين وبوصايته لأخيه هذا المدعى الوصاية المختارة على أولاده الخمسة القصر المذكورين وقبولها منه لنفسه حال حياته وبعد وفاته وموته مصرا عليها على الوجه المطابق للدعوى .
ولما لم يبد هذا المدعى عليه طعنا ولا جرحا فى الشاهدين المذكورين ولا فى شهادتهما زكيا وعدلا سرا ثم علنا بشهادة شاهدين فعند ذلك حكم قاضى محكمة المركز المذكور لهذا المدعى على هذا المدعى عليه بثبوت الوصاية المختارة المذكورة على القصر الخمسة المذكورين من قبل والدهم المذكور وبوفاة المتوفى المذكور وانحصار إرثه فى ورثته المذكورين لا وارث له سواهم وأمر هذا المدعى عليه بأداء سبعة وأربعين قرشا وأربعة وعشرين فضة لهذا المدعى مثل نصيب محاجيره فى مبلغ القرض المذكور ليحوزه لهم إرثا من والدهم المذكور فامتثل لذلك حكما وأمرا وامتثالا شرعيا بالطريق الشرعى .
وتوضح بفتوى مفتى المديرية المذكورة المحررة منه لقاضيها أن وجه اشتباهه عدم الإشارة فى الشهادة من الشهود للمدعى عليه الحاضر مع أنها لازمة كما فى التنوير وشرحه (وهى أن على حاضر يحتاج الشاهد إلى الإشارة إلى الضمين) وأن المدعى قال فى الدعوى وصار مثله دينا لازما بذمته له مع أن المستقر فى الذمة هو الدين لا مثله
An بالاطلاع على الإعلام الشرعى الصادر من محكمة مركز فارسكور الشرعية المؤرخ بتاريخين ثانيهما 26 شعبان سنة 1312 المنوه عنه بهذه الإفادة ظهر أنه صحيح شرعا ولا وجه للاشتباه فيه(7/280)
وفاة ووراثة بالزوجية
F حسونة النواوى .
ربيع ثان 1314 هجرية
M 1 - الشهادة بالزيادة على الدعوى تكون مخالفة لها ويكون ذلك مانعا من قبولها .
2 - لا تقبل دعوى الطلاق على ميت لأن شرط الدعوى بذلك أن يكون حاضرا
Q بافادة من نايب مديرية الجيزة المؤرخة فى 8 ربيع آخر سنة 1314 مضمونها أنه مرسل طيه المرافعة المختصة الشيخ أحمد السقارى الوكيل عن عديلة عوض اللّه بزوجية ووراثة موكلته المذكورة للمرحوم الحاج أحمد صوان والد المدعى عليه للاطلاع والإفادة عن الحكم الشرعى فى ذلك مع الإفادة أيضا عما إذا كان مدعى الطلاق المذكور عجز عن إثباته هل يكلف مدعى الوفاة والوراثة والزوجية ببينة تشهد له طبق دعواه المذكورة أم لا وذلك لاشتباه مفتى المديرية وصورة الملخص المذكور (دعوى الشيخ أحمد السقارى الوكيل عن السيد أفندى شعراوى الوكيل عن الست عديلة عوض اللّه على عثمان أفندى صوان ابن المرحوم الحاج أحمد صوان الثابت من التوكيلين المذكورين شفاها لدينا بالمجلس بوفاة ووراثة ورثة المرحوم الحاج أحمد صوان المذكور الذى من ضمنهم زوجته الست عديلة المذكورة وبزوجبتها ووراثتها له وسؤال المدعى عليه المذكور وإجابته بإنكار زوجية ووراثة الست عديلة المذكورة لوالده المرحوم وادعائه هو والوكيل عنه فى ذلك الشيخ على ناصر الثابت توكيله لدينا شفاها بالمجلس أيضا بأن الست عديلة المذكورة بعد أن تزوجها الحاج أحمد رضوان المذكور وعاشرها معاشرة الأزواج طلقها ثلاثا وهى فى ذلك الوقت تقيم بناحية البتانون منوفية بطوعه واختياره وفى حال صحته وسلامة عقله وانقضت عدتها منه فى حال حياته ومات وهى أجنبية منه وبسؤال سيد أفندى شعراوى المذكور وإجابته بأن الست عديلة موكلته المذكورة زوجة للمرحوم أحمد صوان المذكور وأنه مات وهى حلال له وعلى عصمته وكانت مقيمة معه بمنزله بمنيل الروضة لحين وفاته وكلف الشيخ على ناصر المذكور بإحضار البينة الشرعية التى تشهد له طبق دعواه الطلاق المذكورة فوعد بإحضارها ثم أحضر شاهدين شهدا بأن الحاج أحمد صوان المذكور طلق زوجته عديلة المذكورة فى ناحية البتانون منوفية وهو فى حال صحته وكمال التصرفات الشرعية لا إكراه ولا إجبار بقوله لها أنت طالق بالثلاث فى نظير إبرائها له من مؤخر صداقها وذلك فى أواخر شهر رمضان سنة 1300 وانقضت عدتها وخرجت من عصمته قبل وفاته الصادرة الدعوى المذكورة بمحكمة مديرية الجيزة الشرعية بتاريخ 17 يونية سنة 1896
An بالاطلاع على هذه الإفادة والملخص المرفق بها ظهر أن شهادة الشاهدين على الوجه المسطور بذلك الملخص غير مقبولة شرعا، وحينئذ فمتى كانت دعوى الطلاق صحيحة وأثبتها المدى بالبينة الشرعية يحكم له بذلك، وإن عجز عن إثباتها فبعد تحليف الزوجة بالوجه الشرعى يمنع من دعواه المذكور مادام عاجزا عن البرهان الشرعى .
وإذا كانت دعوى مدعى الوفاة والوراثة والزوجية صحيحة شرعا وأراد المدعى المذكور إثباتها بالبينة الشرعية لأجل التعدى فلا مانع من ذلك ويجرى ما تقتضيه الأصول الشرعية .
واللّه تعالى أعلم وجه كون الشهادة المذكورة غير مقبولة زيادتها على الدعوى بما قاله الشاهدان فى شهادتهما (فى نظير إبرائها له من مؤخر صداقها) وقد نصوا على أن الشهادة لو خالفت الدعوى بزيادة يحتاج إلى إثباتها فإن ذلك يمنع من قبولها .
كما يؤخذ من الأنقروية وغيرها، ولا يقال إن الشهادة بالطلاق حسبة وهى لا تتوقف على دعوى حتى يحتاج لعدم المخالفة بينهما .
لأنا نقول إن ما هنا شهادة بعد الموت بالطلاق وهى من قبيل الشهادة بالمال .
فلابد من تقدم دعوى عليها . وعلى فرض كونها حسبة فهى غير مقبولة أيضا لأنه قيد القبول فى النهاية بما إذا كان الزوج حاضرا، أما إذا كان غائبا فلا .
كما فى تكملة ابن عابدين عند قول المصنف (وبلا طلب لو فى حقوق اللّه تعالى كطلاق امرأة) فى كتاب الشهادات(7/281)
شهادة المسيحى على عقد زواج المسلم مبطلة له
F عبد الرحمن قراعة .
محرم 1342 هجرية 5 سبتمبر 1923 م
Mإذا كان أحد الشاهدين على عقد زواج المسلم مسيحيا بطل العقد
Q فى رجل مسلم تزوج بمسلمة وكان شهود العقد أحدهم مسلم والثانى مسيحى، فهل يكون العقد صحيحا شرعا أو باطلا
An فى متن التنوير وشرحه مانصه .
وشرط حضور شاهدين حرين أو حر وحرتين مكلفين سامعين قولهما على الأصح فاهمين أنه نكاح على المذهب مسلمين لنكاح مسلمة ومنه يعلم أن العقد المذكور باطل شرعا لكون أحد الشاهدين المذكورين غير مسلم .
كما ذكر بالسؤال واللّه أعلم(7/282)
شهادة الوكيل لموكله غير جائزة
F عبد المجيد سليم .
محرم 1361 هجرية 3 فبراير 1942 م
Mلا يجوز للوكيل أن يشهد فيما هو موكل فيه وإن لم يخاصم بالفعل ولا تقبل شهادته فى ذلك ولو بعد عزله من الوكالة
Q شخص وكل آخر وخوله الخصومة عند للحصول على نصيبه فى تركة ما .
فهل لهذا الوكيل أن يشهد بصحة دعوى موكله فى القضية التى وكل فيها وما حكم هذه الشهادة مع العلم بأنه أخفى على المحكمة أنه وكيل من شهد له، مع العلم بأنه كان وكيلا عمن شهد له وقت أداء الشهادة
An اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأن علماء الحنفية اتفقوا على أن من يكون خصما فى شىء لا تقبل شهادته فيه .
فالوصى بعد قبوله الوصاية لا تقبل شهادة فيما هو وصى فيه سواء أخاصم بالفعل أم لا، ولو كانت شهادته بعد عزله من الوصاية .
وإن لم يقبل الوصاية بعد وفاة الموصى ولم يرد حتى شهد عند القاضى فالقاضى يقول له أتقبل الوصاية أم تردها فإن قبل أبطل شهادته لصيرورته خصما من وقت الموت، وإن رد الوصاية أبقى شهادته لعدم صيرورته خصما وإن سكت ولم يخبر بشىء توقف القاضى فى شهادته لأن سبب الرد موقوف .
وأبو يوسف جعل حكم الوكيل بمجرد قبوله الوكالة كحكم الوصى، فلا تقبل شهادته فيما وكل فيه سواء أخاصم بالفعل أم لا، ولو كانت شهادته بعد العزل .
وأبو حنيفة ومحمد لا يجعلان للوكيل حكم الوصى .
إذ قالا إن الوكيل لا يصير خصما إلا بالمخاصمة بالفعل أمام القضاء .
وقد فرقا بين الوصى والوكيل بفرق يعلم مما ذكره صاحب المحيط فى كتاب الشهادة .
والظاهر أنه على رأيهما إذا شهد وهو وكيل قبل المخاصمة أن القاضى يتوقف فى شهادته فلا يحكم بقبولها ولا يردها، فإن عزل قبل المخاصمة قبلها، وإن خاصم عن الموكل فى المشهود به ردها قياسا على الوصى الذى لم يقبل الوصاية ولم يردها حتى شهد .
هذا، وقد قالوا إن الفتوى على على قول أبى يوسف فيما يتعلق بالقضاء وتوابعه التى فيها الشهادة لزيادة تجربته يراجع شرح الرسالة المسمى مقصود رسم المفتى لابن عابدين وعلى ذلك يكون قول أبى يوسف هنا هو المفتى به .
وحينئذ لا يكون للوكيل المذكور أن يشهد فيما هو موكل فيه وإن لم يخاصم بالفعل ولا تقبل شهادته إذا شهد فى ذلك ولو بعد عزله من الوكالة .
وبهذا علم الجواب عن السؤال واللّه تعالى أعلم(7/283)
سماع دعوى الوراثة بالزوجية وعدمه
F حسن مأمون .
جمادى الثانية 1375 هجرية - 15 يناير 1956 م
M 1- لا تسمع عند الإنكار دعوى الإرث بسبب الزوجية لمطلقة توفى زوجها بعد سنة من تاريخ الطلاق/ طبقا لنص المادة 17 من القانون 25 سنة 1929 .
2- تسمع دعوى المطلق إرثه بسبب الزوجية لمطلقته المتوفاة بعد سنة من تاريخ الطلاق، مادامت لم تقر قبل وفاتها بانقضاء عدتها ولا تطبق عليه المادة آنفة الذكر
Q من السيد/ .
ما حكم الفقرة الثانية من المادة 17 من قانون المحاكم الشرعية رقم 25 لسنة 1929 التى نصها (كما أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى الإرث بسبب الزوجية لمطلقة توفى زوجها بعد سنة من تاريخ الطلاق) هل حكم هذه الفقرة خاص بعدم سماع الدعوى التى ترفع من الزوجة التى توفى زوجها بعد سنة من تاريخ الطلاق، ولا تمنع من سماع دعوى الزوج الذى ماتت مطلقته بعد سنة من تاريخ الطلاق، أو أن حكم الاثنين واحد فتشملهما هذه الفقرة ويكون حكم الزوج كحكم الزوجة
An إن حكمة تشريع هذه الفرقة كما جاء بمذكرتها التفسيرية من أن المشرع لاحظ بعد أن اعتبر كل طلاق يقع رجعيا بمقتضى المادة الخامسة من القانون المذكور إلا ما نص على كونه بائنا فيها - أن هذا قد يغرى بعض النساء على الدعاوى الباطلة بعد وفاة أزواجهن، فيدعين كذبا أن عدتهن لم تنقض من حين الطلاق إلى وقت الوفاة وأنهن وارثات، وليس هناك من الأحكام الجارى عليها العمل الآن ما يمنعهن من هذه الدعاوى مادام كل طلاق يقع رجعيا، لأن الطلاق الرجعى لا يمنع الزوجة من الميراث إذا مات زوجها فى العدة، ومن السهل على فاسدات الذمم أن يدعين كذبا أنهن من ذوات الحيض، وأنهن لم يحضن ثلاث مرات، ولو كانت المدة بين الطلاق والوفاة عدة سنين، وعسير على الورثة أن يثبتوا انقضاء عدتها لأن الحيض لا يعرف إلا من جهتها، ودعوى إقرارها بانقضاء العدة لا تسمع إلا بالقيود المدونة بالمادة 119 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، وهيهات أن تحقق هذه القيود، لهذا رؤى منع سماع دعوى الوراثة بسبب عدم انقضاء العدة إذا كانت المدة بين الطلاق والوفاة أكثر من سنة سواء أكانت الدعوى من الزوجة أو من ورثتها من بعدها فهذا كله يدل على أن حكم هذه الفقرة خاص بعدم سماع هذه الدعوى إذا كانت مرفوعة من الزوجة أو من ورثتها بعد وفاتها وذلك فضلا عن أن نص الفقرة المذكورة صريح كل الصراحة فيما ذكر غير محتاج إلى تأويل أو إيضاح .
أما الزوج فإن حكمه فى مثل هذه الحالة باق على الأصل الفقهى، ولم تتعرض له هذه الفقرة ولا غيرها .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم .
ے(7/284)
دعوى الدين على التركة
F حسن مأمون .
ذو الحجة 1378 هجرية - 8 يونية 1959 م
M 1- دعوى الدين على التركة على وارث واحد صحيحة شرعا متى كان هو واضع اليد على أعيان التركة، وكونه مستأجرا لبعض الأعيان غير مانع من صحة الدعوى .
2- لا حاجة إلى إدخال جميع الورثة فى مثل هذه الدعوى
Q من السيد/ .
بالطلب المتضمن أن شقيق السائل توفى سنة 1954 عن زوجته وأمه وبنته وإخوته الأشقاء ومنهم السائل، وقد قسمت تركته بين ورثته المذكورين فخص السائل جزء منها بصفته شقيق المتوفى وقد استأجر السائل باقى أعيان التركة من باقى الورثة المذكورين، ثم رفعت زوجة المتوفى المذكور دعوى على شقيقه المذكور بمؤخر صداقها باعتباره وارثا وواضعا يده على أعيان التركة، وطلب بيان الحكم الشرعى فيما إذا كانت هذه الدعوى صحيحة وهى مرفوعة عليه وحده ومعه باقى الورثة أو لا
An إن جاء فى الفتاوى الأنقروية أنه ذكر الحاكم - ادعى الدين فى التركة لا حاجة إلى ذكر كل الورثة، بل إذا ذكر واحدا منهم وبرهن عليه أنه واجب عليه أداء الدين من تركته التى فى يده يكفى .
وهذا ينطبق على السائل بصفته وارثا، وأما بصفته مستأجرا والعقار فى يده فمادام طرفا فى الدعوى فالحكم يسرى عليه وينفذ .
ومن هذا يعلم أن الدعوى المذكورة صحيحة على السائل بصفتيه المذكورتين والله سبحانه وتعالى أعلم(7/285)
نزاع فى أعلام شرعى
F أحمد هريدى .
ربيع الآخر 1385 هجرية - 12 يولية 1965 م
Mوجود نزاع فى الوراثة أو فى دليلها يقتضى رفع الأمر إلى القضاء للفصل فى النزاع بحكم ملزم
Q من السيد/ .
بالطلب المتضمن أن رجلا توفى سنة 1925 عن أولاد ذكور وإناث، وقد قاموا بعمل إشهاد شرعى بوفاة والدهم وإثبات ورثته الشرعيين، وأثناء السير فى المادة تقدم اثنان ذكر وأنثى إلى المحكمة وقالا إنهما ولدا المتوفى، وقدما للإثبات شهادتى ميلادهما على أنهما من سيدة أخرى كان المتوفى يعاشرها حال حياته وليس لديهما وثيقة شرعية، ولا يعلم الورثة عن ذلك شيئا، وأنكروا نسبة الولدين المذكورين إلى مورثهم، وطلب السائل بيان ما إذا كان للولدين المذكورين حق فى ميراث المتوفى المذكور .
وهل يكونان من أولاده
An إذا قدم الولدان اللذان يدعيان أنهما ولدا المتوفى ما يثبت نسبهما منه شرعا كانا ولديه ويرثان منه ميراث الأولاد، وكانت لهما سائر الحقوق التى للأولاد الشرعيين ثابتى النسب .
وإذا حصل نزاع فى نسبتها إلى الميت أو فى الدليل المقدم منهما لإثبات النسب فيجب رفع الأمر إلى القضاء ليفصل فى النزاع بحكم ملزم .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم(7/286)
شهادة الكافر على المسلم
F أحمد هريدى .
ربيع الآخر 1388 هجرية - 20 يولية 1968 م
M 1- شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين فى السفر للضرورة بشرط عدم وجود مسلمين عند الحنابلة ويرى الإمامان مالك الشافعى عدم جواز شهادتهم مطلقا، لا على ذميين ولا على مسلمين، ويرى الإمام أبو حنيفة جواز شهادتهم على بعضهم فقط .
2- مذهب الظاهرية عدم جواز قبول شهادة الكافر أصلا إلا على الوصية وفى السفر ويحلف الكافر مع شهادته .
3- يرى الإمام ابن تيمية أن ما نقل عن الإمام أحمد من تعليل جواز هذه الشهادة وقبولها بالضرورة يدل على جوازها وقبولها فى كل ضرورة حضرا وسفرا
Q من السيد/ .
قال أن سيدة رفعت دعوى تطليق للضرر على زوجها وهما مسلمان أمام قضاء الأحوال الشخصية فى الجمهورية العربية المتحدة، وأن وقائع القضية وحوادثها وأسباب طلب التطليق حدثت بين الزوجين أثناء إقامتهما بالخارج فى بلد غير إسلامى، وفى مكان لم يوجد فيه أحد من المسلمين أثناء جريان الحوادث ووقوع الأسباب، وأهل المكان جميعا والجيران من غير المسلمين وقد شهدوا الحوادث وعلموا الأسباب، ولم يقبل القضاء شهادة أحد من هؤلاء المحيطين العالمين بحقيقة أمور الزوجين وأحوالهما، وما جرى بينهما بحجة أنه لا ولاية لكافر على مسلم .
ويقول السائل هل يضيع الحق نتيجة لهذه الظروف .
وهل تقف الشريعة الإسلامية جامدة أمام هذا الوضع، ولا تجد حلا لمثل هذه المشكلة يخرج الناس من الضيق والحرج ويطمئنهم على حقوقهم ويحفظ عليهم مصالحهم
An المسالة على هذا الوضع لها جانبان جانب القضية المعروضة على القضاء، والتى يطلب فيهل حل يكفل تحقيق العدالة وصيانة حقوق الزوجية ومصالحها وجانب المشكلة الناشئة من عدم قبول شهادة غير المسلمين على المسلمين - أما الجانب الأول فإن قضاء الأحوال الشخصية فى الجمهورية العربية المتحدة مقيد بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية للمسلمين بما تقرره المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والإجراءات المتعلقة بها، وهى تنص على مايأتى تصدر الأحكام طبقا للمدون فى هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة، ماعدا الأحوال التى ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة، فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقا لتلك القواعد وقد استبقى المشرع هذه المادة بنصها المذكور فى التنظيم القضائى الذى أعقب إلغاء المحاكم الشرعية، وإحالة المسائل التى كانت تفصل فيها إلى دوائر للأحوال الشخصية أنشئت بالمحاكم الوطنية، وبقى القضاء مقيدا بحكمها لا يملك أن يطبق غير الأحكام التى نصت عليها، وليس فى لائحة المحاكم الشرعية ولا فى القوانين التى صدرت لتلك المحاكم، ولا فى مذهب أبى حنيفة ما يجيز شهادة غير المسلمين على المسلمين، فلا يستطيع القضاء فى ظل هذا النظام أن يقبل هذه الشهادة فى موضوع القضية المعروضة وأما الجانب الثانى فإنا نطمئن السائل على أن الشريعة الإسلامية وهى التى عاشت قرونا متطاولة لم يتح لشريعة من الشرائع فى العالم كله أن تعيش مثلها، وفى هذا المدى الطويل طوفت فى الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وتقبلت فى جميع البيئات والمجتمعات، ولاقت مختلف العادات والتقاليد وعاصرت الرخاء والشدة، والسيادة والاستبعاد، والحضارة والتخلف وحكمت فى أزهى العصور وأرقى المجتمعات، وواجهت فى ذلك كله الأحداث والمشاكل والحاجات، فلم تقصر عن حاجة، ولم تضق بمشكلة ولا قعدت عن الوفاء بأى مطلب، ولا تخلفت بأهلها فى أى وقت، ولكن تخلف أهلها حين فرطوا فيها وتهاونوا فى الاستمساك بعروتها الوثقى - هذه الشريعة تفيض بالرحمة واليسر - وإليكم بيان آراء الفقهاء والعلماء المسلمين فى حكم شهادة غير المسلمين على المسلمين - قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين .
فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين .
ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافون أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدى القوم الفاسقين } المائدة 106 ، 107 ، 108 ، قال أبو عبد الله أحمد بن محمد الأنصارى القرطبى المالكى فى تفسيره الجامع لأحكام القرآن فى سبب نزول هذه الآيات لا أعلم خلافا أن هذه الآيات نزلت بسبب تميم الدارى وعدى بن براء - روى البخارى والدارقطنى وغيرهما عن ابن عباس قال كان تميم الدارى وعدى يختلفان إلى مكة للتجارة فخرج معهما فتى من بنى سهم فى بعض الروايات مولى لبنى سهم يقال له بديل بن أبى مريم بتجارة فتوفى بأرض ليس بها مسلم، فأوصى إليهما بأن يبلغا ما ترك أهله - فى بعض الروايات وكانا نصرانيين، وأن الموصى كتب وصيته ثم جعلها فى المتاع فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب فاستحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كتمتا ولا اطلعتما، ثم وجد الجام بمكة .
فقالوا اشتريناه من عدى وتميم، فجاء رجلان من ورثة السهمى فحلفا أن هذا الجام للسهمى ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا قال فخذوا الجام، وفيهم نزلت هذه الآيات - وقال فى تفسير الآيات .
وقد اختلف العلماء فى فهم قوله تعالى { ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } على ثلاثة أقوال : الأول - أن الكاف والميم فى قوله سبحانه { منكم } ضمير للمسلمين وقوله أو آخران من غيركم للكافرين .
فعلى هذا تكون شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة فى السفر إذا كانت بوصية، وهو الأشبه بسياق الآية مع ما تقرر من الأحاديث التى وردت فى أسباب نزول الآيات وهو قول ثلاثة من الصحابة الذين شاهدوا التنزيل .
أبى موسى الأشعرى وعبدالله بن قيس وعبدالله بن عباس - فمعنى الآية على هذا القول - أن الله تعالى أخبر أن حكمه فى الشهادة على الموصى إذا حضره الموت أن يكون شهادة عدلين، فإن كان فى سفر وهو الضرب فى الأرض ولم يكن معه أحد من المؤمنين فليشهد شاهدان ممن حضره من أهل الكفر، فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الشهادة أنهما ما كذبا وما بدلا وأن ما شهدا به حق، وما كتما فيه شهادة، وحكم بشهادتهما .
فإن عثر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا ونحو هذا مما هو إثم - حلف رجلان من أولياء الموصى، وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما - هذا معنى الآية على مذهب أبى موسى الأشعرى وسعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبى مجلز وشريح وعبيدة السلمانى وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدى وابن عباس وغيرهم وقال به من الفقهاء سفيان الثورى ومال إليه أبو عبيد القاسم ابن سلام لكثرة من قال به واختاره أحمد بن حنبل وقال شهادة أهل الذمة جائز على المسلمين فى السفر عند عدم المسلمين وكلهم يقولون منكم من المؤمنين ومعنى من غيركم يعنى الكفار والآية محكمة على مذهب أبى موسى وشريح وغيرهما .
القول الثانى - أن قوله تعالى { أو آخران من غيركم } منسوخ وهذا قول زيد بن أسلم والنخعى ومالك والشافعى وأبى حنيفة وغيرهم من الفقهاء، إلا أن أبا حنيفة خالفهم فقال تجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض، ولا تجوز على المسلمين .
واحتج أصحاب هذا القول بقوله تعالى { ممن ترضون من الشهداء } وقوله { وأشهدوا ذوى عدل منكم } فهؤلاء زعموا أن آية الدين من آخر ما نزل، وأن فيها ممن ترضون من الشهداء فهو ناسخ لذلك .
ولم يكن الإسلام يومئذ إلا بالمدينة، فجازت شهادة أهل الكتاب .
والإسلام اليوم قد طبق الأرض فسقطت شهادة الكفار، وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق لا تجوز والكفار فساق فلا تجوز شهادتهم .
قال القرطبى قلت ما ذكرتموه صحيح إلا أنا نقول بموجبة وأن ذلك جائز فى شهادة أهل الذمة على المسلمين فى الوصية فى السفر خاصة للضرورة، بحيث لا يوجد مسلم، وأما مع وجود مسلم فلا .
ولم يأت ما ادعيتموه من النسخ عن أحد ممن شهدوا التنزيل .
وقد قال بالأول ثلاثة من الصحابة، وليس ذلك فى غيره، ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر عنه أهل العلم ويقوى هذا أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما إنه لا منسوخ فيها وما ادعوه من النسخ لا يصح، فإن النسخ لابد فيه من إثبات الناسخ على وجه يتنافى الجمع بينهما مع تراخى الناسخ، ولا يمتنع اختلاف الحكم عن الضرورات ولأنه ربما كان الكافر ثقة عند المسلم ويرتضيه عند الضرورة فليس فيما قالوه ناسخ .
القول الثالث - أن الآية لا نسخ فيها .
قاله الزهرى والحسن وعكرمة ويكون معنى قوله تعالى { منكم } أى من عشيرتكم وقرابتكم، لأنهم أحفظ وأضبط وأبعد عن النسيان - ومعنى قوله { أو آخران من غيركم } أى من غير العشيرة والقرابة، وقد نقل القرطبى عن أبى جعفر التماس مناقشة هذا التفسير .
ثم قال على أنه قد عورض هذا القول بأن فى أول الآية { يا أيها الذين آمنوا } فالخطاب لجماعة المؤمنين فيكون قوله منكم من المؤمنين المخاطبين فى الآية وقوله من غيركم من غير المؤمنين ولم يجر للعشيرة ولا للقرابة ذكر مطلقا .
وقد روى الإمام البخارى فى صحيحه فى كتاب الوصايا .
الحديث الذى ذكرناه عن القرطبى فى أسباب نزول هذه الآيات من طريق محمد بن أبى القاسم عن عبدالملك ابن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس معبرا عن سماعه بقوله، وقال لى على بن عبدالله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبى زائدة عن محمد ابن أبى القاسم عن عبدالملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس إلخ وجاء فى فتح البارى بشرح صحيح البخار للإمام الحافظ بن حجر العسقلانى الشافعى فى شرح هذا الحديث ما يأتى واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير فى قول الله تعالى { أو آخران من غيركم } الكفار - والمعنى منكم أى من أهل دينكم أو آخران من غيركم من غير أهل دينكم وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ .
منهم ابن عباس وأبو موسى الأشعرى وسعيد بن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعى والثورى وأبو عبيد وأحمد وهؤلاء أخذوا بظاهر الآية، وقوى ذلك حديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية .
وقيل المراد بالغير العشيرة. والمعنى منكم أى من عشيرتكم أو آخران من غيركم أى من غير عشيرتكم وهو قول الحسن .
وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة وأن ناسخها قوله تعالى { ممن ترضون من الشهداء } واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق، والكفر شر من الفاسق .
وأجاب الأولون بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وبأن سورة المائدة محكمة .
وعن ابن عباس أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحد من المسلمين فإن اتهما استحلفا أخرجه الطبرى بإسناد رجال ثقات وأنكر أحمد على من قال إن هذه الآية منسوخة وصح عن أبى موسى الأشعرى أنه عمل بذلك بعد النبى - صلى الله عليه وسلم - فقد روى أبو دواد بإسناد رجال ثقات عن الشعبى قال حضرت رجل من المسلمين الوفاة بدقوقا (ويقال دقوقاء بالمد وهى مدينة بالعراق بين أربل وبغداد) ولم يجد أحدا من المسلمين فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته ووصيته فأخبر الأشعرى فقال هذا لم يكن بعد الذى كان فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا كتما ولا بدلا وأمضى شهادتهما .
ورجحه الفخر الرازى وسبقه الطبرى لذلك لأن قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } خطاب للمؤمنين فلما قال { أو آخران من غيركم } وصح أنه أراد غير المخاطبين تعين أنهما من غير المؤمنين وأيضا فجواز استشهاد المسلم ليس مشروطا بالسفر وأن أبا موسى حكم بذلك ولم ينكره أحد من الصحابة فكان حجة إلى أن قال وقد قبلت شهادة الكافر فى بعض المواضع كما فى الطب .
وجاء - فى كتاب أحكام القرآن فلإمام حجة الإسلام أبى بكر الجصاص الحنفى فى تفسير هذه الآيات - قد اختلفوا فى معنى الشهادة ههنا قال قائلون هى الشهادة على الوصية فى السفر واجازوا بها شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر وروى الشعبى عن أبى موسى الأشعرى أن رجلا مسلما توفى بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فأحلفهما أبو موسى بع العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا .
وأنها لوصية الرجل وتركته، وأمضى أبو موسى شهادتهما وقال هذا أمر لم يكن بعد الذى كان فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب أبو موسى إلى أنها الشهادة على الوصية التى تثبت بها عند الحكام وأن هذا حكم ثابت غير منسوخ .
وروى مثله عن شريح وهو قول الثورى وابن أبى ليلى والأوزاعى وروى عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابن سيرين وعبيدة وشريح والشعبى .
وقال آخرون إن الشهادة هنا أيمان الوصية بالله إذا ارتاب الورثة بهما، وهو قول مجاهد مرغوب عنه، وإن كانت اليمين قد تسمى شهادة فى نحو قوله تعالى { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } النور 6 ، لأن الشهادة إذا أطلقت فهى الشهادة المتعارفة التى تقام عند الحكام كقوله تعالى { وأقيموا الشهادة لله } الطلاق 2 ، { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } البقرة 282 ، { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } البقرة 282 ، { وأشهدوا ذوى عدل منكم } الطلاق 2 ، وكذلك ما هنا قوله تعالى { شهادة بينكم } وقوله تعالى { أو آخران من غيركم } الخطاب فيه للمؤمنين الموجه إليهم النداء فى صدر الآية { يا أيها الذين آمنوا } أى إن لم يوجد شاهدان من المؤمنين فآخران من غير المؤمنين، والتأويل بأن المراد من غير قبيلتكم لا معنى له، إذا لم يجر للقبيلة ذكر حتى ترجع إليه الكناية، فالكناية إنما ترجع إلى ظاهر مذكور فى الكلام أو معلوم بدلالة الحالة، فاقتضت الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر وقد اختلف فى بقاء هذا الحكم ونسخه .
فذهب أبو موسى الأشعرى ومن ذكرنا من الفقهاء إلى أنه باق وثابت لم ينسخ، وروى عن إبراهيم النخعى أن الآية منسوخة نسختها وأشهدوا ذوى عدل منكم وروى ضمرة ابن جندب وعطية بن قيس قالا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها) والآية تدل على جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر سواء أكان فى الوصية بيع أو إقرار بدين أو وصية بشئ أو هبة أو صدقة، إذ يشمل اسم الوصية ذلك كله إذا عقد فى المرض .
ثم قد روى أن آية الدين من آخر ما نزل من القرآن فهى ناسخة لحكم هذه الآية وهو جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر، لأن الخطاب فيها للمؤمنين .
وقد قيل فيها { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } البقرة 282 ، والكفار غير مرضيين فى الشهادة على المسلمين، وهى عامة فى السفر وغير السفر وفى الوصية وغيرها، فتكون ناسخة لحكم آية المائدة التى معنا - انتهى بتصرف .
وجاء فى كتاب الطرق الحكمية فلإمام المجتهد أبى عبدالله محمد بن أبى بكر الحنبلى المعروف بابن القيم - (أما المسألة الثانية وهى قبول شهادة الكفار على المسلمين فى السفر فقد دل عليها صريح القرآن وعمل بها الصحابة، وذهب إليها فقهاء الحديث - قال صالح بن أحمد قال أبى لا تجوز شهادة أهل الذمة إلا فى موضع فى السفر الذى قال الله تعالى فيه { أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض } فأجازها أبو موسى الأشعرى، وقد روى عن ابن عباس أو آخران من غيركم من أهل الكتاب وهذا موضع ضرورة، لأنه فى سفر ولا تجد من يشهد من المسلمين، وإنما جاءت فى هذا المعنى .
وقال إسماعيل بن سعيد الشالنجى سألت أحمد فذكر هذا المعنى .
قلت فإن كان ذلك على وصية المسلمين هل تجوز شهادتهم قال نعم إذا كان على الضرورة - قلت أليس يقال هذه الآية منسوخة قال من يقول وأنكر ذلك .
قال وهل يقول ذلك إلا إبراهيم وقال فى رواية ابن عبدالله تجوز شهادة النصرانى واليهودى فى الميراث على ما أجاز أبو موسى فى السفر وأحلفه وقال فى رواية أبى الحارث لا تجوز شهادة اليهودى والنصرانى فى شئ إلا فى الوصية فى السفر إذا لم يوجد غيرهم - قال الله تعالى { أو آخران من غيركم } فلا تجوز شهادتهم إلا فى هذا الموضع، وهذا مذهب قاضى العم والعدل شريح وقول سعيد بن المسيب وحكاه عن ابن عباس وأبى موسى الأشعرى) ثم ساق ابن القيم حديث قبول أبى موسى الأشعرى شهادة النصرانيين من أهل دقوقا على وصية المسلم فى السفر وحكمه بها، وحديث ابن عباس عن تميم الدارى فى سبب نزول الآية موضوع البحث والقول بهذه الآية هو قول جمهور السلف وقالت عائشة رضى الله عنها سورة المائدة آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حراما فحرموه، وصح عن ابن عباس أنه قال فى هذه الآية .
هذا لمن مات وعنده المسلمون فأمر الله أن يشهد فى وصيته عدلان من المسلمين ثم قال تعالى { أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض } فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمر الله عز و جل أن يشهد على وصيته رجلان من غير المسلمين وقد تقدم أن أبا موسى حكم بذلك، وقال سفيان الثورى عن أبى اسحق البيعى عن عمرو بن شرحبيل - ولم ينسخ من سورة المائدة شئ - وعن سعيد بن المسيب { أو آخران من غيركم } من أهل الكتاب وفى رواية ابن جبير ومجاهد ويحيى وابن سيرين فهؤلاء أئمة المسلمين أبو موسى الأشعرى وابن عباس وروى نحو ذلك عن على رضى الله عنه - ذكر ذلك أبو محمد بن حزم وذكره أبو يعلى عن ابن مسعود ولا مخالف لهم من الصحابة .
ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وشريح وعبيدة والنخعى والشعبى والسعيدان وأبو مجلز وابن سيرين ويحيى بن يعمر، ومن تابعى التابعين كسفيان الثورى ويحيى بن حمزة والأوزاعى، وبعد هؤلاء كأبى عبيد وأحمد بن حنبل وجمهور فقهاء أهل الحديث، وهو قول جميع أهل الظاهر .
وخالفهم آخرون. ثم اختلفوا فى تخريج الآية على ثلاثة طرق أحدها أن المراد بقوله من غيركم من غير قبيلتكم .
روى ذلك عن الحسن والزهرى - والثانى أن الآية منسوخة وهذا مروى عن زيد بن أسلم وغيره .
والثالث - أن المراد بالشهادة فيها أيمان الوصى بالله تعالى للورثة لا الشهادة المعروفة، وساق ابن القيم المناقشة بين الآخذين بالآية والمؤولين لها احتجاجا وردا .
ثم قال فظهر أن القول بموجب هذه الآية هو الحق الذى لا نعدل عنه نصا وقياسا ومصلحة .
وبالله التوفيق - قال شيخنا رحمه الله (يعنى الإمام المجتهد شيخ الإسلام ابن تيمية وقول الإمام أحمد فى قبول شهادتهم فى هذا الموضع هو ضرورة يقتضى هذا التعليل قبولها فى كل ضرورة حضرا وسفرا وعلى هذا لو قيل يحلفون فى شهادة بعضهم على بعض كما يحلفون فى شهادتهم على المسلمين فى وصية السفر لكان منسوخها - ولو قيل تقبل شهادتهم مع ايمانهم فى كل شئ عدم فيه المسلمون لكان له وجه ويكون بدلا مطلقا - قال الشيخ ويؤيد هذا ما ذكره القاضى وغيره - محتجا به - وهو فى الناسخ والمنسوخ لأبى عبيد أن رجلا من المسلمين خرج فمر بقرية فمرض ومعه رجلان من المسلمين فدفع إليهما ماله ثم قال ادعوا لى من أشهده على ما قبضتماه فلم يجدا أحدا من المسلمين فى تلك القرية، فدعوا أناسا من اليهود والنصارى فأشهدهم على ما دفع إليهما وذكر الوصية، فانطلقوا إلى ابن مسعود فأمر اليهود والنصارى أن يحلفوا بالله لقد ترك من المال كذا وكذا، ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين، ثم أمر أهل المتوفى أن يحلفوا أن شهادة اليهود والنصارى حق فحلفوا .
فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهد به اليهودى والنصرانى وذلك فى خلافة عثمان رضى الله عنه فهذه شهادة للميت على وصيته، وقد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة لأنهم المدعون وقد ذكر القاضى هذا فى مسألة دعوى الأسير إسلاما فقال وقد قال الإمام أحمد فى السبى إذا ادعوا نسبا وأقاموا بينة من الكفار قبلت شهادتهم .
نص عليه فى رواية حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم لأنه قد تتعذر البينة العادلة، ولم يجز ذلك فى رواية عبدالله وأبى طالب قال شيخنا رحمه الله تعالى فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص فيه وفيه روايتان .
لكن التحليف ههنا لم يتعرضوا له، فيمكن أن يقال لأنه إنما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلا كما فى مسألة الوصية بخلاف ما إذا كانوا أصولا .
والله أعلم - ويقول الإمام أبو محمد بن حزم الظاهرى إمام أهل الظاهر بالأندلس فى كتابه المحلى (لا يجوز أن يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم حاشا الوصية فى السفر فقط، فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا، أو كافر وكافرتان، أو أربع كوافر، ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم بعد الصلاة لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين - برهان ذلك قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } الحجرات 6 ، والكافر فاسق فوجب أن لا تقبل .
وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض } فوجب أخذ حكم الله كله .
وأن يستثنى الأخص من الأعم ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع) هذا جانب يسير من النصوص التى تزخر بها كتب الفقه والتفسير والحديث تبين آراء العلماء والفقهاء فى شهادة غير المسلمين على المسلمين، وتدل دلالة صريحة وقاطعة على أن كثيرا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وفقهاء الأمصار والأئمة المجتهدين يرون جواز هذه الشهادة ويقبلونها فى القضاء ويحكمون بها، وإن كانوا يختلفون بعد ذلك فى النطاق والمسائل التى تقبل فيها هذه الشهادة .
وقد رأينا فيما ذكره الإمام القرطبى أنه لا مانع من اختلاف الحكم عند الضرورة وأنه يجوز أن يكون الكافر ثقة عند المسلم، ويرتضيه عند الضرورة، وهذا يشير إلى أن جواز شهادة غير المسلم على المسلم إنما هو للضرورة وفى حالة قيامها .
وفيما تقل عن ابن عباس ما يشير إلى ذلك أيضا وفيما نقل عن الإمام أحمد التصريح بأن جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين هو ضرورة وقد نقل ابن القيم عن شيخه الإمام المجتهد ابن تيمية أنه قال إن ما نقل عن الإمام أحمد من تقليل جواز هذه الشهادة وقبولها للضرورة يدل على جوازها وقبولها فى كل ضرورة حضرا وسفرا وأنه لو قيل تقبل شهادتهم مع أيمانهم فى كل شئ عدم فيه المسلمون لكان له وجه وتكون بدلا مطلقا .
ومن ثم جرى فيها الحلف . وقد رأينا مما ذكرنا أن القائلين بعدم جواز قبول شهادة غير المسلمين على المسلمين فى أى مجال أو نطاق لم يبنوا جميعهم آراءهم على أساس أن الشهادة من باب الولاية، وأنه لا ولاية لكافر على مسلم وإنما بنى أكثرهم الرأي على معان أخرى تتصل بالشروط والمعانى التى اعتبروا توافرها أساسا لقبول الشهادة ولا نريد بما ذكرنا أن نستبيح حكما أو نقرر رأيا فى الموضوع .
وإنما نريد أن نبين أن فى آراء الفقهاء المسلمين ما فيه العلاج الحاسم لهذه المشكلة التى برزت فى حياة الناس، واستعصى على القضاء حلها فى ظل النظام القائم، وقد تتوالى الحوادث وتبدوا المشكلة فى صورة أو أخرى أشد تعقيدا وأكثر إلحاحا فى طلب الحل، وسيبقى القضاء عاجزا عن الحل وغير قادر على مواجهة طلبه مادام هذا الوضع قائما - وقد تضيع حقوق وتهدر مصالح - الأمر الذى لا يمكن قبوله والسكوت عليه .
ولقد كشف التطور الاجتماعى الذى أحدثته الثورة عن ضرورة إحداث تغيير جذرى وشامل فى الأوضاع والنظم والأحكام التى تسود حياة المجتمع، وقامت نهضة تشريعية شاملة تناولت بالتغيير والتبديل النظم والقوانين والأحكام القائمة فى جميع النواحى والجوانب والفروع .
وكان من نتيجة ذلك أن ألفت لجنة لوضع تشريع شامل مستمد من الشريعة الإسلامية، والفقه الإسلامى لتنظيم مسائل الأحوال الشخصية بفروعها المختلفة، وقامت اللجنة فعلا بوضع تشريع شامل اختارت أحكامه من أقوال الفقهاء المسلمين غير متقيدة برأى فقيه ولا بأرجح الأقوال فى مذهب فقيه، بل استهدفت علاج المشاكل التى لازمت التطور الاجتماعى العميق الشامل وكشف عنها التطبيق والعمل فى ظل النظام القائم .
وقدمت اللجنة المشروع إلى وزارة العدل، ولا يزال لدى الوزارة إلى الآن .
وحبذا لو أمكن أن يعاد المشروع إلى اللجنة لتعيد النظر فيه، وتعالج هذه المشكلة موضوع البحث، وما عسى أن يظهره البحث أو تتمخض عنه الحوادث من مشاكل أخرى تمس حياة الناس ومصالحهم .
وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب(7/287)
صحة الشهادة ومدى حجية الصور الفوتوغرافية
F أحمد هريدى .
ربيع الأول 1389 هجرية - 22 مايو 1969م
M 1- قول المدعى أمام القاضى لا بينة لى على الدعوى أو ليس عندى شهود عليها سوى أشخاص عينهم .
ثم أحضر شهودا أو أحضر غير من عينهم لا يسمع القاضى ولا يقبل شهادة واحد منهم إذا سمعها عملا بالمادة 191 من القانون 78 سنة 1931 وهذا هو رأى أبى حنيفة .
ويرى الإمام محمد من الحنفية قبول الشهادة فى الصورتين فى الأصح وهو الأرجح فى المذهب .
2- مذهب المالكية فى ذلك أنه إن عجز المدعى نفسه عن البينة ثم أتى ببينة كنت عنه غائبة غيبة بعيدة، وثبت عذره فى عدم الإتيان بها تقبل بينته، كما يرى المالكية أنه إذا سمع القاضى شهوده ثم أراد إحضار بينة أخرى على الدعوى لا يمنع من ذلك وتقبل منه إلا فى حالة ما إذا استوثق القاضى واستقصى ما عند المدعى بكل الطرق اللهم إلا إذا أثبت عذرا لدى القاضى .
3- إذا قدم المدعى شهودا لم تثبت الدعوى بشهادتهم، فطلب المدعى التأجيل لسماع شهادة امرأة واحدة يجوز للقاضى القضاء برفض الدعوى مادامت شهادتها وحدها لا تكفى فى إثبات الدعوى .
4- الشهادة بحق من حقوق العباد يجب أن تكون مسبوقة بدعوى صحيحة شرعا .
5- يشترط فى صحة الشهادة أن تكون موافقة للدعوى نوعا وكما وكيفا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة .
فإن اختل شرط من ذلك لا تقبل ولا يحكم بمقتضاها .
6- الشهادة بأقل مما ادعاه المدعى لايقتضى رفض الدعوى ولكن يستوجب الحكم بما شهد به الشهود فقط، وترفض الدعوى بالنسبة للباقى .
7- الموافقة اللفظية بين الدعوى والشهادة ليست ضرورية بل تكفى الموافقة فى المعنى .
8- لا يلزم فى صحة الشهادة أن يبين الشاهد مصدر علمه بما شهد به .
9- للقاضى سؤال الشاهد عن الأزمنة والأمكنة والألوان والأوصاف والتفاصيل التى تتعلق بوقائع الدعوى وحوادثها، كما أن له أن يسأله عن مصدر علمه بما شهد للتوثيق، ومعرفة أنه شهد عن علم لا عن مجرد سماع من الغير أو ظن بما يشهد .
10- إذا أغفل الشاهد بيان مصدر علمه بما شهد ولم يسأله القاضى عن ذلك فإن هذا وحده لا تأثير له فى صحة شهادته، فإذا رد القاضى شهادته لهذا السبب وحده كان ذلك مخالفا للقانون، لأن الأمر فى هذه الحالة لا يخضع لسلطة القاضى فى تقدير الدليل، وإنما يصبح منطويا على مخالفة للقانون .
11- لا يجوز الأخذ بالصور الفوتوغرافية للأوراق والمستندات الكتابية فى حالة عدم وجود أصلها
Q بالطلب المتضمن أن هناك نزاعا مرددا أمام القضاء بإحدى الدول العربية الشقيقة حول ملكية عقار، وأنه يراد استطلاع الرأى لدى الحنفية والمالكية وما تقتضيه أحكام المجلة العدلية فى المسائل الآتية : أولا - إذا استشهد المدعى بشهود توفرت فيهم شروط الشهادة الشرعية وحضر بعض هؤلاء وأدوا الشهادة أمام القاضى، وطلب المدعى التأجيل لحضور الباقيين وسماع شهادتهم .
فهل يجوز للقاضى أن يحكم فى الدعوى دون انتظار لسماع شهادة الشهود الذين لم يحضروا رغم اصرار المدعى على سماع شهادتهم وفى واقعة النزاع استشهد المدعى بثلاثة رجال وسيدة وسمعت المحكمة شهادة الرجال الثلاثة ولم تحضر السيدة وتمسك المدعى بسماع شهادتها وطلب التأجيل لحضورها .
فهل يجوز للقاضى أن يقضى برفض الدعوى دون انتظار لساع شهادة السيدة بمقولة أن شهادتها لا جدوى منها ثانيا - هل ينبغى لاعتبار الشهادة موافقة للدعوى أن يبين الشاهد مصدر علمه بما شهد به ولو لم يطلب إليه القاضى ذلك، فإذا قال الشاهد الدار المتنازع عليها ملك المدعى أو ملك مورثه، فهل يلزم للأخذ بشهادته بيان مصدر علمه بذلك ولو لم يستوضحه القاضى ويطلب إليه البيان ثالثا - ما هو الحكم فى الشريعة الإسلامية بشأن حجية الصورة الشمسية (الفوتوغرافية) كدليل ومدى إمكان الاعتداد بها فى الإثبات فى حالة عدم وجود الأصل الذى أخذت منه الصورة .
وهل يصح قضاء القاضى برفض الاستدلال بالصورة الشمسية فى هذه الحالة مطلقا بمقولة أنها عاطلة عن الحجية ما لم يقدم أصلها
An عن النقطة لأولى ذكر الفقهاء أن المدعى إذا قال للقاضى - عند طلب البينة منه على دعواه - لا بينة لى على الدعوى .
أو ليس عندى على ما أدعى به سوى فلان وفلان وعد شهودا وعينهم، ثم أحضر شهودا فى الصورة الأولى، أو أحضر غير الذين عينهم فى الصورة الثانية، لا يقبل القاضى شهادة الذين أحضرهم ولا يسمع شهادتهم، ولا تثبت الدعوى بشهادتهم إذا سمعت .
وعللوا ذلك بأن المدعى حين ذكر أن لا بينة له أو ليس عنده شهود يعتبر مكذبا لهؤلاء الشهود الذين أحضرهم .
والمقرر أن من شروط صحة الشهادة عدم تكذيب المدعى لشهوده .
ومن ثم لم تقبل شهادتهم وهذا عند الإمام أبى حنيفة. وقال الإمام محمد بن الحسن تقبل شهادة هؤلاء الشهود لاحتمال أن المدعى قد نسى أولا ثم تذكر ثانيا، فلا يحمل ما صدر منه على التكذيب ومثل ذلك ما إذا قال الشاهد لا شهادة لى على هذه الدعوى ثم شهد عليها بعد ذلك لا تقبل شهادته عند أبى حنيفة وتقبل عند محمد والأصح قول محمد وهو قبول الشهادة .
غير أن المشرع المصرى قد رأى الأخذ بالقول المخالف للأصح، ونص فى المادة رقم 191 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية على منع القضاة من سماع الشهادة فى الصور المذكور، وعدل بذلك عما هو مقرر أساسا فى المادة رقم 280 من هذا القانون من أن يقضى بأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة سدا لباب التحايل وإحضار الشهود المأجورين ومنعا للفساد بقدر الإمكان، وطبقا للقول الراجح فى مذهب الحنفية يقبل من المدعى فى حادثة الدعوى أى شهود يحضرهم ممن عينهم ومن غيرهم .
أما فى مذهب المالكية فقد جاء فى الجزء الأول من تبصرة الحكام لابن فرحون المالكى صفحة 41 طبع المطبعة البهية بمصر سنة 1302 هجرية ما يأتى مسألة - قال ابن حبيب قال مطرف فى القاضى يتواضع الخصمان عنده الحجج، فيقول لهما اجتهدا فغنى لسن أقيلكما فيضعان حجتهما ويوقع ذلك فى ديوان القاضى .
ثم يريد أحدهما أن يتحول من حجته إلى حجة أخرى فإنى أرى له أن يقبل الناس من حججهم ولا يظفرها عليهم حججا لا ينتقلون عنها إلى غيرها، لأن الرجل قد يضع حجته فيسقط منها كثيرا نسيانا لها أو عجلا أو حصرا .
إلا أن يستوعب أمر الخصمين بالكشف عن أمرهما ويعجزا أنفسهما ويقولا له ليس عندنا من البينة والحجج إلا الذى وضعناه عندك .
ثم إن القاضى وقف ليستشير فى ذلك فحينئذ إن بدا لأحدهما أن ينتقل عن حجته تلك إلى غيرها تكون أنفع له لم يكن له ذلك إلا أن يرى القاضى لذلك وجها ويثبت عنده عذره، فإن أتى ببينة وكان قد عجز نفسه عنها فإن رأى السلطان أن بينته تلك كانت غائبة عنه غيبة بعيدة أو لم يكن يعرف بها قبل ذلك منه ونظر له ما لم يفصل الحكم بينهما إلى أن قال .
قال فضل بن مسلمة قال ابن عبدوس .
حكى ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك رضى الله عنه أنه إذا أتى ببينة لم يكن علم بها أنه يقوم بها .
وهذا النص صريح فى أن المدعى إذا قدم بينة على دعواه وسمع القاضى الشهادة ودونها ثم بدا للمدعى أن يحضر ببينة أخرى على الدعوى فإن المذهب أن تقبل منه البينة ولو كان قد عجز نفسه، أو قال ليس عندى سوى ما قدمت من بينة، لأن الرجل قد يترك شهودا له يعرفون حقه ويشهدون به إما نسيانا أو تعجلا أو حصرا بتأثير الخوف والهيبة، أو عدم معرفة منه بهؤلاء الشهود ثم ينكشف له الأمر ولا يستثنى من ذلك إلا حالة واحدة لا يقبل فيها منه البينة الأخرى وهى ما إذا كان القاضى قد استوثق من أمر المدعى واستقصى ما عنده بكل الطرق وعجز المدعى نفسه وقال ليس عندى من الحجج سوى ما قدمت، وحتى فى هذه الحالة إذا بدا للقاضى أن للمدعى عذرا ووجها فيما قرره وصدر منه وثبت عنده عذره فإن له أن يقبل ببنته فى هذه الحالة، وذلك كله ما لم يكن قد فصل فى الدعوى .
ولكن هل أبدى المدعى فى حادثة الدعوى استعداده لتقديم بينة على دعواه غير التى قدمها وطلب إلى القاضى سماع بينته إذا كان قد فعل فقد طلب حقا مشروعا ومقررا لا يجوز حرمانه منه وإن كان قد اقتصر على من استشهد بهم وتمسك فقط بسماع شهادة السيدة التى لم تحضر، وكان القاضى قد رأى - فى تقديره - أن شهادة الرجال الثلاثة غير كافية للإثبات بقطع النظر عن سلامة التقدير أو قابليته للمناقشة فإنه فى هذه الحالة يجوز للقاضى على أساس تقديره أن يقضى برفض الدعوى دون انتظار لسماع شهادة السيدة، لأن شهادتها وحدها لا تكفى لإثبات الدعوى، إذ أن موضوعها ليس مما يقضى فيه بشهادة امرأة واحدة فلا جدوى من سماع شهادتها إذن .
عن النقطة الثانية نص الفقهاء على أن الشهادة إذا كانت بحق من حقوق العباد وجب أن تسبقها دعوى صحيحة شرعا، ووجب لصحتها أن تكون موافقة للدعوى نوعا وكما وكيفا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة، فلو ادعى عشرة جنيهات وشهد الشهود عشرين جنيها، أو ادعى سرقة ثوب وشهدوا بغصبه منه، أو ادعى قتل وليه وشهدوا بالضرب، أو ادعى عقارا محدودا بحدود معينة وشهدوا بعقار محدد بحدود أخرى، أو ادعى زواج ابنته فاطمة وشهدوا بزواج أخته زينب لم تكن الشهادة موافقة للدعوى فى جميع هذه الصور .
وبالتالى لا تقبل ولا يحكم بمقتضاها - العناية وتكملة ابن عابدين من باب الدعوى) وليست الموافقة فى اللفظ بين الشهادة والدعوى ضرورية، بل تكفى الموافقة فى المعنى، وليس كل اختلاف بين الشهادة والدعوى يضر ويمنع من قبول الشهادة، فلوا شهدا بأقل مما ادعاه المدعى تقبل ويقضى بما شهدا به من الدعوى وترفض فى الباقى، وليس من عناصر التوافق بين الشهادة والدعوى بيان الشاهد مصدر علمه بما شهد به، لأنه ليس من عناصر الدعوى ووقائعها شئ يتعلق بذلك حتى تلزم موافقة الشهادة فيه .
والقاضى حين يريد التوثق من الشاهد وشهادته والوقوف على مدى معرفته بما يشهد به وتمكنه منه يسأله عن الأزمنة والأمكنة والألوان والأوصاف والتفاصيل التى تتعلق بوقائع الدعوى وحوادثها، كما يسأله عن مصدر علمه بما شهد به للتوثيق ومعرفة أنه يشهد عن علم لا عن مجرد الظن أو بالسماع من الغير، لأن الشهادة بالسماع لا تقبل إلا فى مواضع معينة وفى المادة رقم 182 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية يسأل القاضى الشاهد عن الأزمنة والأمكنة وغيرها وعن طريق علمه بالمشهود به وكيفية وصوله إليه، وعن مجلس الشهادة وغير ذلك مما تبين به درجة شهادته بدون حاجة إلى التزكية وإذا لم يطلب القاضى إلى الشاهد بيان مصدر علمه بما شهد به، ولم يبين الشاهد ذلك من تلقاء نفسه لا تعتبر شهادته مخالفة للدعوى، ولا يقدح فى سلامة شهادته وصحتها إذا كانت قد سلمت من أوجه النقص الأخرى التى تؤثر فى صحتها شرعا .
وإذا كان إغفال شهود المدعى فى حادثة الدعوى بيان مصدر علمهم بما شهدوا به هو وحده السبب فى رد شهادتهم فإن الأمر لا يبقى راجعا إلى سلطة القاضى فى تقدير الدليل، وإنما يصبح منطويا على مخالفة للقانون لأن ذلك لا يستوجب رد الشهادة شرعا كما ذكرنا - بيد أنه وردت فى الوقائع عبارة - إذا قال الشاهد إن الدار ملك المدعى أو ملك مورثه - وقد يؤخذ من هذه العبارة أن الشاهد ذكر أن طريق ملكية المدعى للعقار المتنازع عليه هو إرثه من مورثه وأشار إلى الوفاة والوراثة، فإن كان ذلك صحيحا فإنه يكون واجبا على الشاهد أن يبين وفاة المورث وورثته وملكيته للعين إلى وقت وفاته وتركها ميراثا لورثته ولو لم يسأله القاضى عن ذلك وإذا لم يبين ذلك ويستوفيه على الوجه الذى ذكره الفقهاء تكون شهادته ناقصة وغير صحيحة ولا يعول عليها .
ولا يعتبر هذا بيانا لمصدر علمه بما شهد به، بل هو من صلب الشهادة وتتمها يجب على الشاهد أن يذكره من تلقاء نفسه - تراجع التبصرة لابن فرحون المالكى جزء أول صفحة 199 وتكملة ابن عابدين فى فقه الحنفية جزء أول صفحة 194 وما بعدها طبع المطبعة الأميرية بمصر 1299 هجرية عن النقطة الثالثة اختلف الفقهاء اختلافا كثيرا فى جواز الاعتماد فى الإثبات على الخط والأوراق والمستندات الكتابية والحكم بالحق على ذلك .
فجوزه بعض منهم ومنعه آخرون .
وقد أخذ المشرع المصرى برأى القائلين بالجواز وضمن القوانين الصادرة للمحاكم الشرعية بلوائح ترتيبها والإجراءات المتعلقة بها فى سنة 1897، سنة 1910، سنة 1931 أحكاما واسعة فى الإثبات بالخط والأوراق والمستندات الكتابية وتنظيم الإثبات بها وطرق الطعن فيها .
ولم يكن تصوير المستندات والأوراق الكتابية معروفا من قبل، ومن ثم لم يبن الفقهاء - القائلون بجواز الاعتماد فى الإثبات على الخط والأوراق الكتابية - حكم الاعتماد على الصور الشمسية للأوراق كدليل على الدعوى، ومدى جواز الأخذ بها فى الإثبات .
وقد جرى القضاء فى المحاكم الشرعية على عدم جواز الأخذ بالصور الشمسية للأوراق والمستندات الكتابية فى حالة عدم وجود الأصل، لاحتمال أن يكون قد وقع فى الأصل تزوير على وجه لا يظهر ولا ينكشف فى الصورة كزيادة كلمة أو عبارة تغير مضمون السند أو تغير معنى فيه .
أى أن مبنى إهدار دلالة هذه الصور هو الاحتياط ومنع الضرر .
والشريعة تقتضى ذلك وتوجبه. ومن ثم يكون قضاء القاضى فى حادثة الدعوى برفض الاستدلال بالصورة الشمسية فى حالة عدم وجود أصلها بمقولة أنها عاطلة عن الحجية ما لم يقدم أصلها قضاء صحيحا .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله .
أعلم(7/288)
احتراف الموسيقى غير مسقط للشهادة
F أحمد هريدى .
شوال 1389 هجرية - 17 ديسمبر 1969 م
M 1- يشترط فى الشاهد العدالة الظاهرة .
2- احتراف الموسيقى لا يسقط عدالة الشاهد ولا يسلبه أهلية الشهادة ما لم يصحب ذلك منكرا، أو لم تؤد إلى منكر أو محرم شرعا
Q بالطلب المقدم من السيد / م ع المتضمن أن موسيقيا يمتهن الموسيقى ويتكسب من الألحان - تقدم للشهادة فى محكمة الأحوال الشخصية .
طلب السائل الإفادة عما إذا كانت شهادته تقبل أو لا تقبل
An يشترط فى الشاهد أن يكون عدلا - لقوله تعالى { وأشهدوا ذوى عدل منكم } والمقصود بالعدالة - هو العدالة الظاهرة، لأن الأصل فى المسلم أن يكون عدلا .
قال صلى الله عليه وسلم المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا فى قذف .
واحتراف المسئول عنه للموسيقى لا يسقط عدالته ولا يسلبه أهلية الشهادة .
إذ أن الموسيقى تعتبر نوعا من الفن والمعرفة، ومن ثم لا يكون لها تأثير على قبول الشهادة، والعرف له أثره فى مثل هذا الاعتبار، إذ لم يرد من الشارع نص خاص يجعل احتراف الموسيقى أو تعلمها أو تعليمها منافيا للعدالة مادام لم يصحبها منكر، أو لم تؤد إلى منكر أو محرم .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم(7/289)
الحلف بأيمان المسلمين ليس بطلاق
F محمد عبده .
جمادى الآخرة 1317 هجرية
M 1 - الحلف بأيمان المسلمين لا يقع به طلاق لأنه ليس من صيغ الطلاق .
2 - لا يجوز للزوجة أن تمنه نفسها عن زوجها فى هذه الحالة
Q امرأة تدعى على زوجها أنه حلف لها بأيمان المسلمين بجميع الطلاق والعتاق أن لا يفعل الأمر الفلانى وفعله ولا بينة لها وهو ينكر دعواها فهل على تصديقها يكون اليمين المذكور طلاقا ثلاثا أم طلقة واحدة رجعية أم بائنة أو لا يلزمه شىء، وعلى تصديقها يجوز لها أن تمكنه من نفسها مع عملها بحلفه أولا، ولو مكنته يكون عليها إثم أم لا
An حلف الشخص بأيمان المسلمين فيه بحث مشهور فى أن يقع به طلاق لو نواه أو صرح بشموله له كما فى واقعة السؤال .
فقد صرح جماعة بأنه يقع به طلقة رجعية إن نوى به الطلاق أو صرح بشموله .
كما فى قوله الحالف وقال آخرون لا يقع به شىء، لأنه ليس من صيغ الأيمان الشرعية والأيمان الشرعية والذى يظهر أنه كذلك فهو من اللغو الذى يريد قائله التغليظ على نفسه ويستحق التأديب عليه لأنه إحداث فى الشريعة لما ليس منها .
وعلى كل حال فليس للزوجة أن تمنع نفسها منه ولو علمت حلفه لأنه إن وقع عليه طلاق فهو رجعى ولا إثم عليها إن سلمت نفسها لزوجها .
هذا واللّه أعلم(7/290)
شهادة ويمين
F محمد عبده .
رمضان 1317 هجرية
M 1 - تحليف الشاهد غير جائز عندنا .
2 - لا يشترط اليمين فى صحة الشهادة وإنما يجب ذكر لفظ أشهد .
إلا إذا اتهم القاضى شاهدا فله تحليفه جوازا إذا ألح الخصم فى طلب ذلك .
3 - الحلف بلا داع ممقوت شرعا ومنهى عنه
Q من الدكتور بشارة يوسف فيما إذا كانت الشريعة الإسلامية توجب على الشاهد تأدية اليمين لتكون شهادته مقبولة شرعا .
وإن كان ذلك غير واجب . فهل هو جائز على الإطلاق أو فى أحوال خاصة
An أما تحليف الشاهد فليس بجائز عندنا ولا تشترط اليمين فى صحة الشهادة .
وإنما يجب لصحة الشهادة ذكر لفظ أشهد فقط إلا إذا اتهم القاضى شاهدا فهل تحليفه جوازا فى حالة التهمة إذا ألح الخصم فى طلب ذلك .
وأما الحلف لغير داع فهو ممقوت شرعا منهى عنه كما فى قوله تعالى { ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم } البقرة 224 ، ومن اليمين ما يكون مثبتا لحق أو دافعا لدعوى فمن وجهت إليه فهو مخير بين أن يحلف وبين أن يدع حقه أو يؤدى ما يطالبه به خصمه واللّه تعالى أعلم(7/291)
لا يحلف المفتى بأن هذا هو الحكم الشرعى
F محمد عبده .
محرم 1332 هجرية
Mلا يتوقف العمل بفتوى المفتى على حلفه بأنها الحكم الشرعى لأن منزلته مع الحلف كمنزلته فى عدم الحلف فى قوته والعمل به
Q من جناب الخواجة قسطندى كادينا فى الفتوى التى أعطيت بتاريخ 3 محرم سنة 1322 هجرية 258 فتاوى المتعلقة ببنوة ولد لآخر بإقراره ببنوته على الوجه المسطور بالسؤال المحررة عليه هذا الفتوى .
هل هذه الفتوى نافذة ويعمل بها شرعا ولا يتوقف العمل بها على تحليف المفتى يمينا عليها وتكون منزلتها فى القوة منزلة ما لو حلف المفتى يمينا عليها .
أفيدوا الجواب
An فتوى المفتى هى إفادته للحكم الشرعى وهو لا شك يعمل به شرعا ولا يتوقف العمل به على حلف المفتى بأن هذا هو الحكم الشرعى لأن منزلته مع الحلف كمنزلته مع عدم الحلف فى قوته والعمل به - كما لا يخفى(7/292)
الحلف بغير اللّه لا يكون يمينا
F بكرى الصدفى .
ربيع الأول 1329 هجرية
Mالحلف بغير اللّه لا يعتبر يمينا شرعا
Q من حضرة أحمد أفندى أميرة تغيرت على إحدى السيدات المتصلات بها .
فحلفت يمينا بالصيغة الآتية وحياة النبى والبخارى لا ترى وجهى بعد الآن .
فهل هذه اليمين تمنع الأميرة من أن ترى السيدة المحلوف عليها كما كانت من قبل .
وإذا كانت اليمين تمنع فما كفارتها إن رضيت الأميرة عن المحلوف عليها وتريد التكفير عن يمينها أفيدوا الجواب ولكم الثواب
An فى رد المحتار عن الهداية ما نصه ومن حلف بغير اللّه تعالى لم يكن حالفا كالنبى والكعبة لقوله عليه الصلاة والسلام (من كان منكم حالفا فليحلف باللّه أو ليذر) .
ومن ذلك يعلم أن ما صدر من هذه الأميرة فى حادثة السؤال لا يمنعها من أن ترى المحلوف عليها كما كانت من قبل الأن ذلك ليس يمينا شرعا .
واللّه تعالى أعلم(7/293)
يمين وكفارة
F عبد الرحمن قراعة .
جمادى الآخرة 1342 هجرية - 13 يناير 1924 م
Mمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها كفر عن يمينه وأتى الذى هو خير
Q فى حالف باللّه ليفعلن شيئا من الأشياء ثم ظهر له أن غيره خير منه فهل له أن يفعل الذى هو خير ويكفر عن يمينه أولا .
وأى الأمرين أفضل أفعل ما حلف عليه أم عليه ما هو خير منه أفيدوا الجواب
An فى صحيح الإمام البخارى ما نصه حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبى بردة عن أبيه قال أتيت النبى صلى اللّه عليه وسلم فى رهط من الأشعريين استحمله فقال .
واللّه لا أحملكم وما عندى ما أحملكم عليه قال ثم لبثنا ما شاء اللّه أن نلبث أتى بثلاث ذود، غر الذرى ( بياض فى الجبهة، والأغر الأبيض من كل شىء ) ( الذود جمع ذادة .
وهى الراحلة من الابل ) فحلمنا عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا واللّه لا يبارك لنا .
أتينا النبى صلى اللّه عليه وسلم نستحمله فحلف أن يحملنا ثم حملنا فارجعوا بنا إلى النبى صلى اللّه عليه وسلم فنذكره فأتيناه فقال ما أنا حملتكم بل اللّه حملكم وإنى واللّه إن شاء اللّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير .
أو أتيت الذى هو خير وكفرت عن يمينى انتهى .
وفى شرح الدر أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل منهما إما معصية أو واجب كحلفه ليصلين الظهر .
وبره فرض . أو هو أولى من غيره أو غيره أولى منه كحلفه على ترك وطء زوجته شهرا ونحوه وحنثه أولى، أو يستويان كحلفه لا يأكل هذا الخبز مثلا وبره أولى وآية { واحفظوا أيمانكم } تفيد وجوبه - ومن ذلك يعلم الجواب عن هذه الحادثة واللّه أعلم(7/294)
الحلف بالقرآن أو بآية منه يمين
F عبد المجيد سليم .
ربيع الثانى 1358 هجرية 31 مايو 1939 م
Q هل الحلف بالقرآن العظيم كالحلف باللّه تعالى بحيث ينعقد به اليمين ويأثم الحانث به وتلزمه الكفارة أم لا
An إطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن الأئمة الثلاثة مالكا والشافعى وأحمد وعامة أهل العلم قد ذهبوا إلى أن الحلف بالقرآن أو بأية منه أو بكلام اللّه يمين .
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الحلف بالقرآن ليس بيمين .
قال ابن قدامة - من الحنابلة فى المغنى ما نصه وجملته أن الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام اللّه يمين منعقدة تجب الكفارة به بالحنث فيها .
وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعى وأبو عبيدة وعامة أهل العلم .
وقال أبو حنيفة وأصحابه . ليس بيمين ولا تجب به كفارة فمنهم من زعم أنه مخلوق ومنهم من قال لا يعهد اليمين به ولنا أن القرآن كلام اللّه وصفه من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال .
وجلال اللّه وعظمته . وقولهم هو مخلوق قلنا هذا كلام المتزلة وإنما الخلاف مع الفقهاء .
وقد روى عن ابن عمر أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال القرآن كلام اللّه غير المخلوق وقال ابن عباس فى قوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذى عوج } الزمر 28 ، أى غير مخلوق الخ ما قال وقد علل شمس الأئمة السر خس كون الحلف بالقرآن ليس يمينا بأن الناس لم يتعارفوا الحلف بالقرآن فقد جاء فى المبسوط من الجزء السابع صفحة 24 ما خلاصته أنه إذا قال والقرآن لا أقربك لا يكون موليا لأن الناس لم يتعارفوا الحلف بالقرآن والمعتبر فى الأيمان العرف فكل لفظ لم يكن الحلف به متعارفا لا يكون يمينا .
وقد طعن عليه بعض الناس وقالوا القرآن كلام اللّه تعالى والكلام صفة المتكلم فلماذا لم يجعل الحلف بهذه الصفة يمينا ولكنا نقول .
كلام اللّه تعالى صفة ولكن الحلف به غير متعارف .
فكان هذا بمنزلة قوله . وعلم اللّه . وكذلك اختار صاحب الهداية فى تعليل كون الحلف بالقرآن غير يمين على مذهب متقدمى الحنفية أنه غير متعارف ومن أجل ذلك ذهب صاحب فتح القدير إلى أنه يمين لأن العرف الآن الحلف بالقرآن وبهذا يتبين أن الحلف بالقرآن الآن يمين عند الحنفية أيضا للعرف كما قال صاحب الفتح فلا فرق الآن بين الحلف بالقرآن والحلف باسم من أسمائه تعالى وبهذا علم الجواب عن السؤال واللّه أعلم(7/295)
الحلف بالقرآن
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الأولى 1365 هجرية - 15 من أبريل 1944 م
M 1 - الحلف بالقرآن يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها .
2 - كفارتها إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
Q أقسم شخص يعمل دكتورا على كتاب اللّه الكريم ألا يشترى الدخان بهذا النص وقد بطل التدخين فعلا فزاد وزنه حتى خاف على قلبه من السمنة فصار يلهث إذا ما جرى أو سار مسرعا أو تحدث مسرعا وقد خاف إخوانه الأطباء عاقبة ذلك فنصحوه بالعودة إلى التدخين .
فهل من كفارة عن ذلك اليمين يوصى بها الدين الحنيف غير صيام الثلاثة أيام
An وبعد .
فإن الحلف بالقرآن العظيم قد تعارفه الناس فى أيمانهم مثل الحلف بقوله واللّه العظيم فيكون يمينا لأن القرآن كلام اللّه تعالى وممن ذهب إلى ذلك محمد بن مقاتل وقال .
وبه أخذ الجمهور وقال فى التفاوى الهندية وبه نأخذ .
واختاره الكمال بن الهمام الحنفى فى فتح القدير (كما فى الدر وحاشية ابن عابدين وقال الإمام ابن قدامة الحنبلى فى المغنى .
إن الحلف بالقرآن يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعى وأبو عبيدة وعامة أهل العلم مستدلين بأن القرآن كلام اللّه وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال وجلال اللّه وعظمته) .
وكذلك تعارف الناس وخاصة فى هذه الأزمان الحلف بالمصحف أو وضع اليد عليه وقولهم وحق هذا وقد قال العلامة العينى من الحنفية إنه يمين وأقره صاحب النهر وقال ابن قدامة وإن حلف بالمصحف انعقدت يمينه .
وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم يكره ذلك إمامنا (يعنى أحمد بن حنبل) وإسحق لأن الحالف بالمصحف إنما قصد بالحلف المكتوب فيه وهو القرآن فإنه بين دفتى المصحف بإجماع المسلمين انتهى .
والذى يتجه فى النظر أنه يمين منعقدة فإذا حنث الحالف فيها لزمته كفارة اليمين وهى ما ذكر فى قوله تعالى { إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم } المائدة 89 ، والآية صريحة فى أنه لا يصار إلى الصوم إلا عند العجز عن الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وأن الحانث مخير بين هذه الأنواع الثلاثة وأن مصرف النوعين الأولين هم المساكين وهم كما قال فى المغنى الصنفان اللذان تدفع إليهما الزكاة المذكوران فى أول أصنافهم فى قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } التوبة 60 ، والفقراء مساكين وزيادة لكون الفقير أشد حاجة من المسكين ولأن الفقر والمسكنة فى غير الزكاة شىء واحد لأنهما جميعا اسم للحاجة إلى مالا بد منه فى الكفاية انتهى .
فذكر المساكين فى آية الكفارة ليدخل فيهم الفقراء بالأولى وهذا قول عند الحنفية كما ذكر فى الهداية فلا يجوز أن تصرف هذه الكفارة لغير المساكين كما هو صريح الآية فلا تصرف لباقى مصراف الزكاة المذكورين فى آية { إنما الصدقات للفقراء } التوبة 60 ، كما ذكره صاحب المغنى وهو الذى يبنغى التعويل عليه لصراحة آية الكفارة .
فيه والكفارة بالإطعام أن يطعم عشرة مساكين غداء وعشاء فى يوم واحد أو يطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء مدة عشرة أيام .
ويجوز أن تكون بأن يملك عشرة مساكين نصف صاع من بر أو صاعا من نمر أن شعير لكل واحد أو يملك مسكينا واحدا كل يوم من العشرة هذا القدر المذكور .
والكفارة بالكسوة أن يكسو عشرة مساكين لكل مسكين ثوب يستر أكثر بدنه .
وجوز الحنفية إعطاء قيمة الطعام والكسوة للمساكين المذكورين لأن المقصود نفعهم وقد تكون القيمة لهم أنفع كما فى الزكاة وصدقة الفطر .
ومنع إخراج القيمة مالك والشافعى وأحمد فإن لم يجد الحانث شيئا من الإطعام والكسوة وعتق الرقبة صام ثلاثة أيام متتابعة .
وأجاز أحمد فى رواية تفريق الأيام وبه قال مالك والشافعى فى أحد قوليه كما نقله فى المغنى .
أما نصف الصاع فقد نقل ابن عابدين فى باب صدقة الفطر أنه قدح وثلث بالكيل المصرى فالربع المصرى وهو أربعة أقداح يكفى عن ثلاث انتهى .
بتصرف . وعلى ذلك . يعطى العشرة المساكين ثلاثة عشرة قدحا وثلث قدح بالكيل المصرى من التمر والشعير وستة أقداح وثلثى قدح من القمح إذا كان الإطعام بطريق التمليك .
أو قيمة ذلك بحسب السعر الحاضر وقت إخراج الكفارة واللّه تعالى أعلم(7/296)
الحلف بكتاب الله يمين منعقدة تجب فيها الكفارة
F جاد الحق على جاد الحق .
ذو الحجة 1400 هجرية - 2 نوفمبر 1980 م
M 1 - الحلف على كتاب الله الكريم يمين بالله تعالى تعارف الناس الحلف به وألفاظ الأيمان يراعى فيها العرف .
2 - متى حنث فى يمينه وجبت عليه كفارة اليمين الواردة فى قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم } الخ الآية .
3 - الكفارة واحدة عند الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وإحدى الروايات عن الإمام أحمد .
وفى رواية أخرى عنه أنه تجب بكل آية من المصحف كفارة
Q بالطلب المتضمن أن السائل حلف يمينا على كتاب الله الكريم أنه لن يصلح زوجة ابنه فى أى يوم من الأيام إذا زعلت أو غضبت وراحت بيت أبيها، وكان يقصد بهذا اليمين أنه لن يقوم بصلحها من أبيها فى أى يوم نظرا لما حدث بينهما من مشاكل قبل الزواج وبعد الزواج .
وقال إنه ذهب فعلا لصلح زوجة ابنه ذلك لعدم وجود ابنه فى مصر ولم يتم الصلح بينه وبين أبيها .
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى فى هذا اليمين
An إن الحلف على كتاب الله الكريم يمين بالله تعالى .
فقد تعارف الناس الحلف به .
وألفاظ الأيمان يراعى فيها العرف، وجرت أقوال الفقهاء بذلك قال صاحب مجمع الأنهر وفى الفتح (ولا يخفى أن الحلف على المصحف الآن متعارف فيكون يمينا) وقال العينى (لو حلف على المصحف أو وضع يده عليه أو قال وحق هذا فهو يمين، ولا سيما فى هذا الزمان الذى كثر فيه الحلف) وهو مذهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد .
ومن ثم يكون القسم الذى أقسمه الحالف على كتاب الله الكريم بأنه لن يصلح زوجة ابنه إذا زعلت أو غضبت يمينا منعقدة، وتجب فيها الكفارة إذا حنث الحالف .
ولما كان الحالف قد توجه لصلح زوجة ابنه من أبيها فإنه يكون قد فعل المحلوف عليه وحنث بذلك فى يمينه فتجب عليه كفارة اليمين .
وهى المبينة فى قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون } المائدة 89 ، فكفارة اليمين حسبما جاء فى هذه الآية الكريمة هى إطعام عشرة مساكين .
ويجزىء فى إطعام كل مسكين ما يجزىء فى صدقة الفطر، وذلك بإعطاء كل مسكين نصف صاع من قمح (والصاع بالكيل المصرى قدحان وثلث) ويجوز فى مذهب الإمام أبى حنيفة إخراج القيمة نقدا .
فإن لم يطعم العشرة المساكين فليكسهم الكساء المتعارف الذى تجوز فيه الصلاة .
فإن لم يستطيع الطعام ولا الكسوة فليصم ثلاثة أيام متتاليات .
وهى كفارة واحدة عند الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وإحدى الروايات عن الإمام أحمد .
وعنه رواية أخرى أنه تجب على من حلف بالمصحف وحنث فى يمينه بكل آية منه كفارة .
والأخذ بما اتفق عليه الأئمة الثلاثة والرواية الأولى عن الإمام أحمد أولى .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/297)
اقرار بأخوه فى الرضاع
F محمد عبده .
جمادى الآخرة 1317 هجرية
Mالإقرار بالرضاع لا يقبل الرجوع فيه
Q رجل أقر بأن زيدا أخوه من الرضاع وأنه رضع من والدة المقر فى زمن الرضاع الشرعى زيادة عن خمس رضعات متفرقات مشبعات وثبت المقر على ذلك وصدق بصريح التصديق على الوجه المسطور أمام شهود عدول ثم جحد ذلك الرضاع والثبات والتصديق .
فهل ينفعه جحوده بعد ذلك ويحل له تزوج بنت أخيه المذكورة أم كيف الحال
An حيث أقر هذا الرجل بالرضاع المذكور وأصر على ذلك ودام عليه وأشهد على نفسه بالإقرار، فلا يقبل رجوعه عنه، ولا يجوز له أن يتزوج بنت أخيه رضاعا المذكورة لثبوت الحرمة بذلك واللّه أعلم(7/298)
اقرار بالنسب من المحجور عليه للسفه
F محمد بخيت .
ذى القعدة 1337 هجرية 4 أغسطس 1919 م
M 1 - الحجر بسبب السفه والتبذير لا تأثير له على الإقرار بالنسب مادام المقر له بالنسب طفلا يولد مثله لمثل المقر وكان مجهول النسب معروف الأم .
2 - تجب عليه النفقة شرعا لذوى قرباه .
فإذا طلب مالا من القاضى لذلك أجابه القاضى إليه .
ولكن لا يعطيه المال بل يدفع إلى ذوى قرباه بشرط قيام الدليل على القرابة والإعسار .
3 - لا يصدق المحجور عليه للسفه فى إقراره بالنسب إذا كان رجلا إلا فى أربعة أشياء، فى الولد والوالد والزوجة ومولى العتاقة ولا يصدق فيما عدا ذلك
Q من الشيخ محمد الطاهر فى رجل قد حجر عليه لسفهه وتبذيره الفائق الحدود وسوء تصرفه وسوء سيرته وما هو عليه من الخلل فى قواه العقلية وقد أقر ببنوة ولد له معروف الأم فقط .
هل يؤاخذ بإقراره هذا أم يثبت نسب الولد منه أم لا أفيدوا الجواب
An اطلعنا على هذا السؤال وعلى الإعلام الصادر من ديوان البطركخانة المارونية فى 15 يوليو سنة 1912 وتبين أن البطركخانة المذكورة حجرت على الخواجة نجيب خليل دى صعب عن جميع التصرفات الشرعية بأمواله وممتلكاته .
وحيث إنها قالت فى أسباب الحجر (وحيث لدى المذكرة السرية قد أجمع رأى أعضاء ديواننا المشار إليه بوجوب الحكم بالحجر على نجيب المدعى عليه بسبب ما ثبت وما هو مشهور عنه عند العموم من السفه والتبذير وسوء التصرف الغير المنطبق على المعقول واستمراره الظاهر حتى الآن على ذلك محافظة عليه وعلى ثروته الخ) وحينئذ يكون محجورا عليه بسبب السفه وحيث كان كذلك فيكون إقراره ببنوة الولد المذكور صحيحا شرعا متى كان يولد مثله لمثله كما نص على ذلك فى الفتاوى الهندية بصحيفة 59 جزء خامس حيث قال مانصه وإن طلب (أى المحجور عليه للسفه) من القاضى مالا يصل به قرابته الذين يجبر على نفقتهم أجابه إلى ذلك .
ولكن القاضى لا يدفع المال إليه بل يدفعه بنفسه إلى ذوى الرحم المحرم منه ولا ينبغى للقاضى أن يأخذ بقوله فى ذلك حتى تقوم البينة على القرابة وعسرة القريب كذا فى المبسوط قال ولا يصدق السفيه فى إقراره بالنسب إذا كان رجلا إلا فى أربعة أشياء .
فى الولد والزوجة ومولى العتاقة .
فأما فيما عدا ذلك لا يصدق . ومثل ذلك فى تقرير المرحوم العلامة الشيخ الرافعى نقلا عن العناية شرح الهداية بصحيفة 281 جزء ثان(7/299)
ماتدخره الزوجة من مصروف المنزل ملك لها
F عبد المجيد سليم .
رمضان 1347 هجرية 7 مارس 1929 م
M 1 - المبالغ التى توفرها الزوجة من مصروف يدها ملك لها خاصة إذا كان تمليك الزوج لهذه المبالغ لها تمليكا صحيحا فى حال صحته وقبضها لذلك .
2 - إذا أقر الزوج لزوجته بأشياء موجودة بالمنزل وقت الإقرار كان إقراره صحيحا، وتكون الأشياء ملكا للزوجة المقر لها بهذه الأشياء، حسب إقراره بذلك
Q تزوج شخص بسيدة ودفع لها معجل صداقها .
ثم ملكها مبلغا من المال بمقتضى إقرار أمام شهود لتجهيز نفسها من ملابس وحليات ومجوهرات وقد أقر الزوج حال صحته بأن جميع أساسات المنزل والمفروشات والفضيات ملك لتلك الزوجة .
وقد اقتصدت الزوجة لنفسها مبلغ من المصاريف الشهرية التى كان يعطيها لها زوجها المذكور .
فهل المال الذى ملكه الزوج لزوجته لتجهز به نفسها وكذلك الفضيات وجميع أثاث المنزل وكذلك المجوهرات .
يكون ملكا للزوجة المذكورة .
وكذلك المبلغ الذى اقتصدته من مصروف منزلها .
أم تكون هذه الأشياء ضمن تركته . وهل للورثة حق الرجوع إليها فى ذلك أم لا
An نفيد أن المال الذى ملكه الزوج لزوجته المذكورة لتجهز به نفسها من ملابس وحليات ومجوهرات وخلاف ذلك والمبالغ التى اقتصدتها ووفرتها من مصروف يدها كما ذكر بالسؤال ملك لها خاصة ، وليس لأحد من ورثته معارضتها فى ذلك إذا كان تمليكه هذه المبالغ لها تمليكا صحيحا فى حال صحته الموجودة بالمنزل وقت الإقرار، فإنها تكون ملكا لزوجته المذكورة المقر لها بهذه الأشياء حسب إقراره بذلك، فليس لأحد من ورثته حق فيها أيضا كما يعلم ذلك من الرجوع غلى باب الإقرار من كتاب تنقيح الحامدية .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال .
واللّه أعلم(7/300)
انكار الزوجية بعد الاقرار بها غير معتبر
F عبد المجيد سليم .
رجب 1348 هجرية 17 ديسمبر 1929 م
Mإذا أقر المسلم رسميا بزوجته بامرأة مسلمة وأنه دخل بها ثم أنكر ذلك رسميا فلا عبرة بإنكاره بعد إقراره
Q اعترف رجل مسلم أمام هيئة رسمية بزواجه بامرأة مسلمة أيضا واعترف بالدخول بها ومعاشرتها معاشرة الأزواج .
وقد صادقته هى ووالدها وخالها على ذلك ثم رجع أمام هيئة رسمية أخرى وأنكر كل ذلك وقال إنه كان وعدا بزواج .
لا غير . فهل إنكاره بعد الاعتراف له أثره وقيمته أم لا
An إذا كان الأمر كما ذكر بالسؤال فلا اعتبار شرعا لإنكار المقر بعد إقراره المذكور واللّه تعالى أعلم(7/301)
اقرار المورث بدين لبعض الورثة
F حسنين محمد مخلوف .
ذو الحجة 1372 هجرية - 18 أغسطس 1953م
M الإقرار لبعض الورثة بدين لا سبب له بمحرر باطل ما لم يجزه بقية الورثة .
2- القول بتنفيذ الإقرار بالدين للوارث من ثلث المال بلا إجازة الورثة عملا بالمادة 37 من القانون 71 سنة 1946 غير صحيح، لأن الوصية غير الإقرار بالدين .
3- إجازة الورثة له يخرجه من التركة جميعها قبل الوصية الواجبة والميراث
Q توفى شخص فى 17/11/1948 وانحصر ميراثه الشرعى فى أولاده الذكور والإناث، وفى بنت ابنه المتوفى قبله - وقد ترك المتوفى المذكور أطيانا مقدارها 20 فدانا و11 قيراطا ومنقولات وخلافها - استحقت بنت ابنه مقدار الوصية الواجبة وقدره 9ر1 علما بأنه مديون دينا بعضه مضمون ببعض ما تركه من أطيان وديونا أخرى عادية، ومقدار هذه الديون 654 جنيها و 835 مليما وقت الوفاة بما فى ذلك مبلغ 450 جنيها بكمبيالة محررة من المورث فى مرض الوفاة إلى أحد أولاده قابلة للطعن، لأنها وصية اختيارية والقاصرة وصيتها واجبة، كما أن مقدار ثمن الأطيان وخلافها المتروكة 7868 جنيها و 860 مليما - فهل ما تأخذه بنت الابن يتأثر بهذه الديون أم لا
An اطلعنا على السؤال، والجواب - أنه إذا كان هذا المتوفى قد حرر فى مرض موته السند المنوه عنه بالسؤال (الكمبيالة) لابنه م .
ع بالمبلغ المذكور فيه ولم يكن لهذا الدين سبب سوى هذا الإقرار كان الإقرار باطلا ما لم يجزه بقية الورثة، لكونه إقرارا بدين لوارث وهو لا يجوز لحديث (لاوصية لوارث) قال صاحب التكملة (إن نفى الوصية فى الحديث يدل على نفى الإقرار بالطريق الأولى، لأن بالوصية إنما يذهب ثلث المال وبالإقرار يذهب كله فإبطالها للإقرار بالأولى كما فى المنبع) انتهى - وهذا يدل على أن الإقرار غير الوصية .
إذ هو إخبار وحكاية وهى إنشاء تمليك فلا يصح القول بأن هذا الإقرار ينفذ للوارث من ثلث المال بلا إجازة الورثة عملا بالمادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 .
لأن حكم هذه المادة خاص بالوصية وهى غير الإقرار كما أسلفنا، وعلى هذا إذا لم يجز باقى الورثة هذا الإقرار يعتبر كأن لم يكن، ولا تتأثر به الوصية الواجبة ولا أنصباء الورثة، أما إذا أجازوه فيخرج من التركة قبل الوصية الواجبة والميراث .
والله تعالى أعلم(7/302)
الاقرار بالبنوة
F حسن مأمون .
شعبان 1376 هجرية - 26 مارس 1957 م
M 1- اشترط الفقهاء فى صحة الإقرار بالبنوة أن يكون المقر له مجهول النسب، وأن يولد مثله لمثل المقر، وأن يصدقه المقر له إن كان من أهل التمييز .
2- يجب أن يراقب الناس ربهم، فلا يلحقون بهم أبناء غير شرعيين يضاربهم ذوو ارحامهم .
3- الفقه الإسلامى الذ1ى قضى بصحة الإقرار ببنوة من كان مجهول النسب راعى فى ذلك حمل حال المسلمين على الصلاح، وأن المقر لم يفعل ذلك إلا وهو مستوثق أن الولد ابنه شرعا .
4- أخذ ولد من ملجأ اللقطاء والإقرار ببنوته بقصد الإضرار بالورثة بعد الوفاة لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه وإبطاله للتبنى .
5- بناء الأحكام على ما هو الحق والعدل خير من بنائها على قول يقوله الناس ويدعونه زورا وبهتانا .
6- الإقرار بالبنوة متى توفرت شروطه صحيح ويعامل المقر له معاملة الابن من النسب
Q هل الإقرار بالبنوة يقتضى أن تقوم الزوجة برفع دعوى ضد زوجها تطالبه فيها بثبوت نسب ولد مجهول النسب منه، لأنها زوجته رزقت منه بهذا الطفل على فراش الزوجية الصحيحة وأن يصادق الزوج على جميع وقائع الدعوى حتى يمكن الحكم لها بثبوت النسب .
2- هل الإقرار بالبنوة بأية طريقة من الطرق الشرعية تتيح للمقرين بالبنوة والمقر لهم استخراج شهادة بأسمائهم .
3- كيف يكون الإقرار بالبنوة وثبوت النسب
An إن الفقهاء قد اشترطوا فى صحة الإقرار بالبنوة شروطا ثلاثة وهى : أولا - أن يكون المقر له مجهول النسب، فلا يصح الإقرار ببنوة ولد نسبه معروف .
ثانيا - أن يكون الولد المقر له بحيث يولد مثله لمثل المقر .
ثالثا - أن يصدق المقر له المقر فى إقراره إن كان المقر له أهلا للتمييز فإن كان صغيرا غير أهل للتمييز صح الإقرار بتوفر الشرطين الأولين فقط .
وقد قلنا فى هذه الفتوى أيضا ويجب أن يراقب الناس الله سبحانه وتعالى فلا يلحقون بهم أبناء غير شرعيين حتى لا يدخلوا فى عائلتهم من لا يمت إليها بصلة النسب الصحيح - والفقه الإسلامى الذى قضى بصحة الإقرار بالبنوة لمن كان مجهول النسب قد راعى فى ذلك حمل حالة المسلمين على الصلاح، وأن المقر بالنسب لم يقر به إلا وهو مستوثق من أن الولد الذى اقر ببنوته ابنه شرعا، ولم يقصد من ذلك أن يضار الرجل ذوى رحمه وأقاربه ويكيد لهم ويحرمهم من الإرث عن طريق إقراره بنسب ولد مجهول النسب وهو فى الواقع ليس ابنا له، فما يفعله الناس من أخذ ولد مجهول النسب من ملجأ اللقطاء وإقرارهم ببنوته إقرارا له آثاره من ناحية القضاء للإضرار بمن يستحقون الإرث فيهم بعد وفاتهم لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه .
فلنتق الله كل من يريد تغيير حكم الله، ومن يعترض على ما قضى به الإسلام من إبطال التبنى بدعوى أن نظام التبنى معمول به عند الأمم الأخرى، فإن بناء الأحكام على ما هو الحق والعدل خير من بنائها على قول يقوله الناس ويدعونه زورا وبهتانا .
وهذا لا يتعارض مع كفالة اليتامى والفقراء ورعايتهم والإنفاق عليهم وتربيتهم من غير أن يترتب عليها ما يترتب من حقوق للأبناء على الآباء وللآباء على الأبناء فإذا كان الطفل المشار إليه فى السؤال .
والموصوف من السائل بأنه مجهول الوالدين ليس ابنا فى الحقيقة والواقع للسائل، ولم تلده زوجته، وإنما قصدا معا أن يتخذاه ولدا لهما ويريدان أن يتبينا طريق ذلك بهذا السؤال كان ذلك منهم منافيا لروح الشريعة الإسلامية، لما فيه من الإضرار بمن يرثانهما بعد وفاتهما ويسعهما أن ينفعاه من طريق الوصية له بما لا يزيد على ثلث التركة، وهذا لا يمنع من أن الإقرار بالبنوة متى توفرت شروطه صحيح، ويعامل المقر له معاملة الابن من النسب من ناحية وجوب النفقة والإرث وغيرهما من الحقوق التى تثبت للابن على أبيه وأمه وللوالدين عليه طبقا للراجح من مذهب الإمام أبى حنيفة، ويكفى فيد صدور إشهاد به من الزوجين أمام الجهة المختصة يعترفان فيه بأنه ابنهما والله أعلم(7/303)
اقرار بطلاق بائن قبل الدخول والخلوة وأنه الثالث
F حسن مأمون .
رجب 1377 هجرية - 26 يناير 1957 م
M 1- إقرار الرجل فى إشهاد طلاقه لزوجته قبل الدخول والخلوة أنه الثالث لسبقه باثنتين غير مقيدتين قبل هذا التاريخ تبين به منه بينونة صغرى فقط بإقراره الأول، ولا يقع الثانى والثالث الذى وثقه المأذون، لأن الزوجية انقطعت بالأول البائن، ولم تصبح بعده محلا لإيقاع الطلاق عليها .
2- توثيق المأذون هذا الإشهاد ووصفه بأنه الثالث غير صحيح شرعا، ويجوز له العقد عليها برضاها، ويملك به عليها طلقتين
Q بالطلب أن رجلا ذهب إلى مأذون السيدة زينب، وطلق زوجته البكر قبل الدخول والخلوة الطلاق المكمل للثلاث بعد إقراره فى الإشهاد بأنه طلقها قبل ذلك طلاقين غير مقيدين وأن المأذون أثبت هذا الطلاق، وفهم الرجل المطلق بأنها بانت منه بينونة كبرى، لا تحل له بعد حتى تنكح زوجا غيره .
وسأل هل يجوز لهذا الزوج أن يعيد زوجته هذه إلى عصمته
An إن المطلقة قبل الدخول بها والخلوة تبين من زوجها بينونة صغرى لا تحل له من بعد إلا بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها وبإقرار م .
ع بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1957 بأنه طلق زوجته م.ط قبل الدخول والخلوة طلاقين غير مقيدين قبل هذا التاريخ، تبين منه زوجته هذه بينونة صغرى بالأول منهما، فلا يلحقها الطلاق الثانى الذى أقر به ولا الطلق الثالث الذى وثقه المأذون، لأن الزوجية انقطعت بالطلاق الأول البائن، ولم تصبح الزوجة محلا لإيقاع الطلاق عليها فلا يلحقها واحد منهما ويلغو كل منهما، ومن ثم يكون توثيق المأذون هذا الطلاق الأخير ووصفه بأنه الطلاق المكمل للثلاث غير صحيح شرعا، ويكون لهذا المطلق شرعا الحق فى إعادتها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين فإذنها ورضاها بما تبقى له عليها من الطلاق وهو طلقتان فقط وبهذا علم الجواب عن السؤال والله أعلم(7/304)
اقرار رجل ببنوة ولد من زوجة ونفيها هى لذلك
F حسن مأمون .
رمضان 1377 هجرية - 29 مارس 1958 م
M 1- إقرار الرجل بولد من زوجة معينة ومصادقتها له فى ذلك يقتضى ثبوت نسبه منهما وزوجيتها له ولو كانت مصادقتها له بعد وفاته، ويرثان هذا الرجل ويرثهما عند وفاة أى منهما .
2- إذا لم تصادقه الزوجة ولو بعد وفاته يثبت نسبه منه وحده ويتوارثان بهذه العلاقة، ولا توارث بين الرجل والمرأة لعدم وجود سبب يقتضيه .
3- إذا أقامت المرأة حجة على ولادتها للولد ولو شهادة قابلة ثبت نسبه منها ويتوارثان، ولا أثر لثبوت الزوجية بذلك بين الرجل والمرأة لجواز أن يكون ذك من وطء بشبهة .
4- إذا لم تشهد القابلة بذلك صح إقرارها به، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها ويجرى التوارث بينهما، ولكن لايقضى بنسبه منها لأنه لا يثبت بلا حجة وأدناها شهادة القابلة
Q من السيد الأستاذ .
المحامى بالسودان بالطلب المتضمن أن امرأة ادعت على رجل أنه أخذ ابنها البالغ عمره خمس سنوات، وطلبت من المحكمة الشرعية الحكم لها عليه برده ومنعه من التعرض لها فيه، وأجاب الرجل عن دعواها بأن الولد ابنه منها من فراش زواج شرعى وأنه طفلهما وأنها غير مستقيمة فلا تستحق حضانته شرعا وأنكرت هى زوجيتها منه، وقررت أن الولد ابنها من الزنا وليس له أب معروف، وإنها لم تكن فى عصمته بزواج شرعى وقت اتصال المدعى عليه بها، فكلفت المحكمة الرجل بإثبات زواجه بها، وقبل أن يحضر شهوده توفى بصدمة كهرباء .
فطالب إخواته لأبيه وإخواته لأمه شركة النور بتعويض عن وفاته، لأنه كان يساعدهم فى نفقات من تلزمهم نفقتهم ولم يذكروا الابن المتنازع عليه، لأنهم لا يعلمون أن المتوفى كان زوجا لأمه، فحكمت المحكمة لهم بتعويض قدره 1250 جنيها .
ويسأل هل هذا الولد ابن شرعى للمتوفى، وهل التعويض المذكور تركة عنه تقسم بين ورثته قسمة الميراث
An عن هذا الاستفتاء يقتضينا التقديم له بالنصوص الفقهية الكاشفة حكم هذه الحادثة فنقول جاء فى الزيلعى ج 5 ص 27 ما ملخصه وصح إقراره بالولد لأنه إقرار على نفسه وليس فيه حمل النسب على الغير وشرطه أن يكون الولد مجهول النسب يولد مثله لمثله، وأن يصدقه الغلام لأن الحق له فلا يثبت بدون تصديق إذا كان مميزا، فإن كان لا يعبر عن نفسه لا يعتبر تصديقه لأنه فى يد غيره، وذلك لأن النسب من الحوائج الأصلية وهو إقرار على نفسه، وليس فيه ضرر على غيره قصدا فيصح ويثبت النسب، وكما صح إقراره بالولد على الوجه السابق يصح إقراره بالزوجية لأن موجب إقراره يثبت بينهما يتصادقهما على غير إضرار بأحد فينفذا إذا صدقته، وكانت خالية من الأزواج وعدتهم، ولم يكن تحته لأختها أو أربع سواها، كما يصح إقرارها بالولد إن شهدت لها القابلة أو صدقها الزوج، لأن قول القابلة حجة تعيين الولد - والنسب يثبت بالفراش .
لقوله عليه السلام (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فإذا صدقها فقد أقر به فلزمهما بالإقرار له - وهذا إذا كانت ذات زوج أو معتدة وادعت أن الولد منه، لأن فيه تحميل النسب عليه فلا يلزمه بقولها، أما إذا لم يكن لها زوج ولا هى معتدة أو كان لها زوج وادعت أن الولد من غيره صح إقرارها، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها فينفذ عليها ويتوارثان .
إذا لم يكن لها وراث معروف، لأنه اعتبر إقرارها فى حق نفسها ولا يقضى بالنسب، لأنه لا يثبت بدون الحجة وهى شهادة القابلة فإن شهدت لها وصدقها الولد يثبت نسبه منها، وكذلك إذا لم تشهد لها القابلة وقد صدقها زوجها فيه ثبت النسب منهما، لأنه يثبت بتصادقهما لعدم تعديه إلي غيرهما كذا فى شرح الكافى انتهى .
وجاء فى البحر ج 4 ص 165 ومن قال لغلام هو ابنى ومات فقالت أمه أنا امرأته وهو ابنه يرثان استحسانا، لأن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام والنكاح الصحيح هو المتعين وضعا وعادة، لأنه الموضوع لحصول الإدلاء دون غيره .
وفى غاية البيان أنه ليس من الإقتضاء فى شئ، لأن المقتضى وهو النسب يصح بلا ثبوت المقتضى وهو النكاح بأن يكون الوطء بشبهة أو تكون أم ولده فلم يفتقر النسب فى ثبوته إلى النكاح لا محالة فمما سبق من النصوص يتضح أن الحكم فى هذه الحالة يختلف فى حالتى مصادقة هذه المرأة على زوجيتها من هذا الرجل وعدم مصادقتها .
ففى الحالة الأولى وهى حالة مصادقتها على زوجيتها منه ورزقها بالولد على فراش هذه الزوجية ولو جاءت هذه المصادقة منها بعد وفاته يكون هذا الولد موضوع النزاع ابنا لهذا الرجل من هذه المرأة ويغتفر تناقضها فى الإقرارين حفظا لكيان الولد واحتياطا لإثبات نسبه .
ويجرى التوارث بينهما وبين هذا الرجل بصفتها زوجة له فى هذه الحالة .
وفى الحالة الثانية وهى حالة عدم مصادقتها على زوجيتها منه بعد وفاته يكون لهذا الولد معهما حكمان مختلفان فبالنسبة للرجل يثبت نسب الولد منه وحده ويرثه الولد ميراث الابن، لأن إقرار الرجل به فى هذه الحالة استوفى شرائطه الشرعية الموجبة لثبوت نسبه منه، ولا توارث بين الرجل والمرأة حينئذ، لعدم وجود سبب الإرث وهو الزوجية الصحيح .
وبالنسبة للمرأة فإن أقامت حجة على ولادتها له ولو كانت شهادة القابلة ثبت نسبه منها أيضا وورثها ميراث الابن، ولا يترتب على ذلك ثبوت الزوجية بين الرجل والمرأة، لجواز أن يكون الوطء شبهة، كما عزاه صاحب البحر إلى غابة البيان - ومن ثم لا ترثه ميراث زوجة فى هذه الحالة وإن ورث الولد كلا منهما بوصفه ابنا، وإن لم تشهد القابلة صح إقرارها به، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها فينفذ عليها ويجرى التوارث بينها وبينه إن لم يكن لها وارث معروف ولا يقضى بنسبه منها، لأنه لا يثبت بدون حجة أدناها شهادة القابلة، هذا بالنسبة لنسب الولد .
وأما بالنسبة لمبلغ التعويض فإنه لا يعتبر تركة عنه تقسيم بين ورثته قمسة الميراث، لأن التركة هى المال الذى يكون مملوكا للمتوفى حين وفاته، ومبلغ التعويض المشار إليه لم يتقرر له إلا بعد وفاته بحكم المحكمة المدنية فلا يعتبر شرعا تركة عنه .
وأما ما يخص الولد فى التعويض. فالظاهر أن هذه المسالة لم تثر فى القضية نظرا لأن المدعين لا يعترفون بالولد، ولو أثيرت وعرفت المحكمة أن للمتوفى ابنا لأدخلته فى مبلغ التعويض ولبينت نصيبه فيه ونصيب غيره - ومع ذلك فيمكن الاطلاع على الحكم ومعرفة أسبابه .
فإن ظهر منها أنها عوضت المدعين عما كان ينفقه عليهم أخوهم قبل وفاته، وقدرت أن هذا المورد قد انقطع وقررت التعويض بالمبلغ الذى ذكرته فى حكمها، فإن هذا المبلغ يكون مستحقا لهم كما حكمت المحكمة، أما إذا كان المبلغ الذى حكمت به لتعويض ورثته بصفتهم ورثة فهنا يكون البحث عن الابن وضرورة إدخاله فى النزاع ليأخذ نصيبه فى التعويض بعد إثبات بنوته له وأنه كان معه وكان يقوم بالإنفاق عليه .
والله أعلم(7/305)
اقرار بانقضاء العدة
F أحمد هريدى .
ربيع الأول 1381 هجرية - 14 أغسطس 1961 م
Mلا تصدق المرأة المطلقة بائنا بإقرارها فى محضر بوليس بانقضاء عدتها برؤيتها الحيض ثلاث مرات كوامل بعد الطلاق إلا بعد مضى ستين يوما من تاريخ الطلاق
Q طلبت مديرية أمن المنوفية بكتابها رقم 6124 بيان تاريخ انقضاء عدة السيدة / .
وبعد الاطلاع على إشهاد الطلاق المتضمن أنها طلقت من زوجها السيد/ .
طلقة أولى بائنة على البراءة بتاريخ 9 يونيه سنة 1961 بمقتضى الإشهاد رقم 7 لدى مأذون مركز شبين الكوم وعلى محضر البوليس المتضمن أن المطلقة المذكورة رأت الحيضة الثالثة يوم 26/6/1961
An إن عدة المطلقة تنقضى شرعا .
إما برؤيتها الحيض ثلاث مرات كوامل من تاريخ الطلاق إذا كانت من ذوات الحيض وإما بمضى ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق .
إذا لم تكن من ذوات الحيض، وإما بوضع الحمل إذا كانت حاملا وقت الطلاق .
هذا ولا تصدق المطلقة إلا بعد مضى ستين يوما من تاريخ الطلاق، لأن هذه المدة هى أقل مدة يمكن أن ترى الحيض فها ثلاث مرات، واليوم الذى تطهر فيه من الحيضة الثالثة هو تاريخ انقضاء عدتها على وجه التحديد ولا يعرف ذلك إلا من جهتها هى وبإقرارها ولما كانت المطلقة المذكورة قد قررت بمحضر البوليس بتاريخ 13/7/1961 أن الحيضة الثالثة وفق إخبارها هى سبعة عشر يوما، وهذه المدة لا يمكن أن ترى المرأة فيها الحيض ثلاث مرات كوامل .
إذ أن أقل تاريخ يمكن أن تصدق فيه بانقضاء عدتها هو يوم 9/8/1961 لما سبق بيانه وعلى ذلك فلا تصدق المطلقة المذكورة فيما أخبرت به من أنها رأت الحيضة الثالثة فى 26/6/1961 .
والله أعلم(7/306)
الاكراه على الاقرار بالطلاق
F أحمد هريدى .
29 أبريل 1965م
M 1- من أكره على الطلاق أو الإقرار به بملجئ كان طلاقه وإقراره غير صحيح شرعا و يترتب عليه أى أثر .
2- من أقر بالطلاق كاذبا وقع طلاقه قضاء لا ديانة .
3- مجرد الضغط من الأقارب على المطلق أو المقر بالطلاق غير مانع من وقوع الطلاق وصحة الإقرار
Q من السيدة/ .
بالطلب المتضمن إنه كتبت ورقة بتاريخ 8 يونيه سنة 1963 وقد وقع عليها من زوجها، وقد جاء بها أقر وأعترف أنا أ ف م بأنى قد طلقت زوجتى السيدة س م ق طلاقا ثلاثا لا رجوع فيه كما أقرر أن هذه الطلقة مسبوقة بطلقتين .
وقد أذنت لمن يشهد على والله خير الشاهدين ثم كتب إقرار آخر صدق على التوقيع فيه بتاريخ 20/4/1965 جاء فيه أقر وأعترف أنا ا ف م بأننى تحت ضغط وإكراه من عائلتى وزوجتى الأولى بأن الإقرار الذى كتبه عمى وقد وقعت عليه، والذى يتضمن أنى طلقت زوجتى س م ق طلاقا ثلاثا، وهذا الإقرار كتب فى 8 يونيه سنة 1963 أقر وأعترف بأنه لم يصدر منى بنية الطلاق، وأننى منذ زواجنا وأنا أعاشرها معاشرة الأزواج ولم يحدث أنى ألقيت عليها يمين طلاق قبل ذلك التاريخ أو بعده، ولم يصدر منى لفظ الطلاق لا أمامها ولا أمام أية جهة رسمية .
وقد تحرر هذا الإقرار منى بذلك. وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعى فى ذلك
An نص فى مذهب الحنفية على أن من أكره على الإقرار بالطلاق وكان الإكراه مستوفيا لشروطه الشرعية كان ذلك الإقرار غير صحيح لا يترتب عليه أثره .
جاء فى الخانة ولو أكره على أن يقر بالطلاق فأقر لا يقع ومثل ذلك فى الدر المختار ومجمع الأنهر وغيرهما، كما نص على أن من أقر بالطلاق كاذبا وقع طلاقه قضاء لا ديانة .
جاء فى تنقيح الفتاوى الحامدة سئل فى رجل سئل عن زوجته قال أنا طلقتها وعديت عنها، والحال أنه لم يطلقها بل أخبر كاذبا فما الحكم .
وأجاب لا يصدق قضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى .
وفى البحر الإقرار بالطلاق كاذبا يقع قضاء لا ديانة وبمثله أفتى الشيخ إسماعيل والعلامة الخير الرملي - وعلى ذلك فإذا كان الإقرار المشار إليه فى السؤال قد صدر من السائل وهو مكره عليه إكراها ملجئا ممن يقدر عليه، فلا يكون ذلك الإقرار صحيحا ولا تطلق به الزوجة، أما إذا كان الإكراه مجرد ضغط من أقاربه فإن إقراره يكون صحيحا ويقع به الطلاق المبين بالإقرار المذكور، وظاهر من السؤال أن الزوج أقر بالطلاق كاذبا إذ أنه لم يقرر أن إقراره صدر منه بنية الطلاق، وأنه لم يسبق منه طلاق أصلا قبل إقراره فيطبق قضاء وعدم وقوعه ديانة .
فيحل له ديانة أن يعاشر زوجته مادام أنه لم يصل الأمر إلى القضاء .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله أعلم(7/307)
الاقرار بالطلاق ودعوى الخطأ فيه
F أحمد هريدى .
7 يونيه 1965 م
M 1- الإقرار بالطلاق ثم ادعاء الخطأ فيه غير مقبول شرعا إلا في حالة واحدة، وهى ما إذا كان إقرار بالطلاق بناء على فتوى من المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع ديانة ويقع قضاء .
2- لا عبرة بالظن البين خطأه
Q بالطلب المتضمن أن رجلا طلق زوجته طلقتين .
أولاهما في 24/11/1960 وثانيتهما في 24/10/1964 وأنه كان حين صدور هاتين الطلقتين في حالة الغضب الشدي المستحكم وبتاريخ 23 من يناير 1965 طلق زوجته المذكورة بإشهاد رسمى وقرر في إشهاد الطلاق المذكور أنه الطلاق الثالث لسبقه بطلقتين غير موثقتين .
ظنا منه أن اليمينين السابقين على الإشهاد واقعان .
وبعد تحيري الإشهاد بالصفة المذكورة أفهم الزوج أن ما تدون بإشهاد المأذون عن وصف الطلاق لا عبرة به، لأنه غير متفق مع الواقع ولا مع الشرع ولذا فلا يقع إلا بطلاق واحد .
هو الصادر في 23 يناير سنة 1965 .
وطلب السائل الإفادة عن حكم الشرع فيما تدون بالإشهاد عن وصف الطلاق بأنه الثالث .
وهل يحل مراجعة زوجته أو أنها قد بانت منه بينونة كبرى
An نص فى مذهب أبى حنيفة على أنه إذا أقر شخص بشئ - طلاقا أو غيره - ثم ادعى الخطأ في إقراره لم يقبل منه ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلا حالة واحدة وهى ما إذا أقر بوقوع الطلاق بناء على فتوى المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع ديانة، جاء في الأشباه والنظائر في باب الإقرار (إذا أقر بشئ ثم ادعى الخطأ لم يقبل كما في الخانة إلا إذا أقر بالطلاق بناء على ما أفتى به المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع كما في جامع الفصولين والقنية) وجاء في تنقيح الحامدة (وإذا أقر بشئ ثم ادعى الخطأ لم يقبل كما في الخانة إلا إذا أقر بالطلاق بناء على ما أفتى به المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع كما في جامع الفصولين والقنية اشباه من كتاب الإقرار - يعنى لا يقع ديانة وبه صرح في القنية منح - وجاء في الأشباه والنظائر في مسائل القاعدة السابعة عشر ( لا عبرة بالظن البين خطؤه) ولو أقر بطلاق زوجته ظانا الوقوع بإفتاء المفتى ثم تبين عدمه لم يقع ديانة ويقع قضاء .
كما في القنية .
وبما أن حادثة السؤال تندرج تحت النصوص المذكورة فلا يصدق الحالف في ادعائه أن إقراره بالطلاق أمام المأذون كان مبينا على ظن تبين خطؤه وهذا في القضاء وإن كان يصدق في الديانة بينه وبين الله .
وبما أن وثيقة الطلاق ورقة رسمية فيما دون بها بخصوص الطلاق وهى مطابقة في الواقع لما أقر به الحالف أمام المأذون إذ أنه قرر ذلك في طلبه .
وعلى ذلك فتكون المطلقة المذكورة قد بانت من زوجها بينونة كبرى لا تحل لمطلقها بعد ذلك حتى تتزوج بآخر زواجا صحيحا شرعا، ويدخل بها الزوج الثانى دخولا حقيقيا ويطلقها بعد ذلك أو يتوفى عنها وتنقضى عدتها منه شرعا .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله أعلم(7/308)
التبنى والاقرار بالبنوة
F أحمد هريدى .
24 يونيه 1986 م
M 1- الإشهاد بالتبنى ليس إقرارا بالبنوة ولا يترتب عليه أى أثر شرعى .
2- يشترط في صحة الإقرار بالبنوة شروط منها ألا يصرح المقر بأن المقر له ابنه من الزنا أو بالتبنى، فإن صرح بهذا أو ذاك كان إقراره باطلا
Q من السيدة ر س ع أنه بتاريخ 28/11/1945 وبموجب إشهاد شرعى أقر كل من س ع ر وزوجته السيدة س خ م على أنفسهما أنهما تبينا البنت روحية التى تبلغ من العمر خمس سنوات تقريبا، وأنهما ينزلانها منزلة البنت لهما من النسب .
وظل هذا الإشهاد قائما إلى أن توفيت والدتها المذكورة، فتقدم والدها المتبنى بطلب إثبات وراثة زوجته المتوفاة وانحصار إرثها فيه وفى بنتها روحية المذكورة .
وتأجلت المادة أخيرا للحصول على فتوى تفيد إن كانت السائلة تستحق الإرث في والدتها أم لا وطلبت الإفادة عن الحكم الشرعى
An يشترط لتمام صحة الإقرار بالبنوة أن لا يصرح المقر أن المقر له ولده من الزنا أو بالتبنى، فيصح الإقرار إن ذكر فيه أنه ولده من فراش صحيح أو شبهته .
كما يصح أيضا لو لم يبين السبب أصلا ويحمل على أنه يستند إلى الفراش أو شبهته .
أما لو صرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا أو أنه بالتبنى فإن الإقرار يقع باطلا وفى حادثة السؤال أقر كل من س ع ر وزوجته السيدة س خ م أنهما تبنيا البنت روحي وأنهما ينزلانها منزلة البنت من النسب وأسمياها بروحية س ع ر وطبقا لمنصوص عليه يعتبر هذا الإقرار منهما قد صرح فيه بالسبب وهو التبنى فيكون باطلا لا يثبت نسبها منهما شرعا إذ هو إقرار بالتبنى لا بالبنوة .
وعلى ذلك فلا توارث بين السائلة وكل من والدها ووالدتها بالتبنى ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/309)
اقرار بالزوجية
F محمد خاطر .
ذو القعدة 11390 هجرية - 17 يناير 1971م
M 1- إقرار الوارث بوارث آخر معه يعامل به في حق نفسه أى في المال فقط .
2- رجوع زوجة المتوفى بعد إقرارها بزوجة أخرى له غير صحيح لأنه لا ينصب إلا على المال فقط، وقد تعلق به حق الغير ولا علاقة له بالزوجية
Q بالطلب المتضمن أن السائلة كانت متزوجة من المرحوم م ح ع بتاريخ 4/12/1964 - ثم توفى زوج السائلة المذكور بتاريخ 26/4/1976 وأن للمتوفى المذكور زوجة أخرى وأنه بعد وفاة المتوفى المذكور اعترفت زوجته الأخرى المذكورة بزوجية السائلة للمتوفى وحقها في الميراث فيه وذلك في إشهاد الوفاة والوارثة الصادر بتاريخ 30/7/1967 - ثم عادت زوجة المتوفى الأخرى المذكورة ورجعت عن هذا الإقرار بعد ذلك .
وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعى في ميراثها من زوجها المذكور بعد عدول الزوجة الأخرى عن هذا الإقرار، وهل يصح رجوعها عن هذا الإقرار شرعا أم لا يجوز هذا الرجوع
An فيما يختص بإقرار س ا ر زوجة المتوفى الأخرى بزوجية ا ف ح للمتوفى المذكور في إشهاد الوفاة والوراثة المنوه عنه - فإن نصوص الفقهاء بشأن الوارث حين يقر بوارث آخر معه أنه يعامل بإقرار في حق نفسه فقط أى في المال فقط، إذا ما استوفى الإقرار شروط المقررة شرعا ولم تشبه شائبة .
أما الرجوع عن الإقرار بالزوجية الثابت في إشهاد الوفاة والوارثة سالف الذكر .
فقد جاء في كتاب بدائع الصنائع للكاسانى الحنفى الجزء السابع بالصحيفة رقم 233 فى باب الإقرار ما نصه (فأما المال فحق العبد فلا يصح الرجوع فيه) .
وعلى ذلك فيكون رجوع (سعاد) عن إقرارها بصحة زوجية إجلال للمتوفى المذكور هذا الرجوع لا ينصب إلا على المال فقط، لأن إقرارها كما ذكرنا إنما تعامل به في حق نفسها فقط .
أى في المال ولا علاقة له بالزوجية، والرجوع في المال وقد تعلق به حق العبد لا يصح الرجوع فيه كما قرر الفقهاء .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله أعلم(7/310)
التزام بما لا يلزم المبدأ
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الأولى 1399 هجرية - 5 أبريل 1979 م
Mالإقرار يدفع تعويض عند أقدام المقر على فعل مباح له باطل
Q بالطلب المقدم من السيدة / ع أ ن المتضمن أن زوجها حرر على نفسه إقرارا تعهد فيه بدفع 5000 خمسة آلاف جنيه مصرى كتعويض إذا حصل فراق بينه وبين زوجته أو تزوج غيرها وأنه بعد قيام المعاشرة الزوجية بينهما أكثر من عشرين عاما طلقها وتزوج بأخرى، وطلبت السائلة الإفادة عما إذا كان فى تنفيذ الإقرار أو الاستناد إليه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية
An إن الفقهاء اختلوا فى لزوم الشروط التى يقرها الزوجان بهذا الوصف لمصلحة أحدهما أو يفرضها الزوج على نفسه لزوجته، كما إذا شرط لها أن لا يتزوج عليها أو أن لا ينقلها من بلدها أو أن لا يطلقها فقال فقهاء مذاهب المالكية والحنفية والشافعية إن هذا الشرط لا يلزم الزوج، وقال فقهاء المذهب الحنبلى بلزوم الشرط إذا كان فيه نفع للزوجة، ورتبوا لها الحق فى طلب فسخ عقد الزواج عند عدم الوفاء بمثل هذا الشرط .
لما كان ذلك وكان الزوج فى هذا السؤال قد شرط لزوجته أن لا يفارقها أن لا يتزوج غيرها، فإن خالف هذا الشرط يكون ملزما بأن يدفع لها مبلغا قدره خمسة آلاف من الجنيهات على سبيل التعويض .
وكان الطلاق موكولا شرعا للزوج، وكان القضاء فى مسائل الأحوال الشخصية يجرى فى نطاق القواعد المقررة فى المادة 280 من القانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وعمادها أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة .
لما كان ذلك كانت الشروط المسئول عنها باطلة لا يلزم بها الزوج إذا أخل بها، ولا يترتب على مخالفته إياها استحقاق ذلك المبلغ المشروط فى نطاق أحكام فقه المذهب الحنفى ومن وافقه لأن الزوج إذا طلق فقد استعمل حقا منوطا به شرعا .
وبهذا علم جواب السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/311)
اقرار بوصية
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الآخرة 1399 هجرية - 17 مايو 1979 م
M 1 - توقيع أحد الورثة بإمضائه شاهدا على الورقة العرفية بالوصية حال حياة الموصية يعتبر معه على علم بما تضمنته ومقرا إقرارا ضمنيا بالتصرف الذى حملته الورقة .
2 - إنكاره بعد ذلك يعتبر بمثابة رجوع منه عن الإقرار وهو باطل لا يقبل منه لتعلقه بحق العباد
Q بالطلب المتضمن أن سيدة قد توفيت عن غير زوج أو ولد، وانحصر إرثها الشرعى فى أختها الشقيقة وابن أخيها الشقيق فقط - وأن هذه السيدة قد أوصت قبيل وفاتها بثلث تركتها لغير وارثين بمقتضى محرر عرفى مشهد عليه مع شهود آخرين (الوكيل الرسمى للأخت الشقيقة وابن الأخ الشقيق) فهل يقبل من ابن الأخ الشقيق الوارث الذى وقع شاهدا على عقد الوصية أن يعود فينكر واقعة الإيصاء مع العلم بأنه مقر بتوقيعه .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع
An إن الظاهر من السؤال أن الموصية قد أشهدت أحد ورثتها ابن أخيها الشقيق على وصيتها المكتوبة على ورقة عرفية، وأن هذا الوارث قد أقر بعد وفاتها بتوقيعه على هذه الورقة شاهدا، فإذا كان ذلك فهل يقبل منه بعد هذا أن يعود فينكر واقعة الإيصاء التى حوتها الورقة العرفية التى سبق أن وقع عليها بإمضائه بوصفه شاهدا فى حياة الموصية وأنه لما كان الاعتراف بالإمضاء على الورقة العرفية دليلا على علم الموقع بما تضمنته ويعتبر مقرا إقرارا ضمنيا بالتصرف الذى حملته الورقة وقد اعترف فقهاء المذهب الحنفى بالإقرار الضمنى، وأجروا عليه أحكام الإقرار الصريح سواء كان فى مجلس القضاء أو خارجه، ومن هذه الإحكام بطلان الرجوع عن الإقرار المتعلق بحقوق الآدميين - بمعنى أن المقر إذا عاد فأنكر إقراره السابق الصريح أو الضمنى .
كان هذا الإنكار منه رجوعا عن هذا الإقرار فلا يقبل منه، لأن الرجوع عن الإقرار المتعلق بحقوق الناس باطل .
وعلى ذلك ففى واقعة السؤال إذا ثبت أن هذا الوارث قد وعق بإمضائه شاهدا على الورقة العرفية بالوصية حال حياة الموصية فإنه يكون قد علم بالتصرف الذى حوته ويعتبر مقرا به شمنا، فإذا عاد وأنكره لم يقبل منه هذا الإنكار، حيث يكون إنكاره بمثابة رجوع عن الإقرار الضمنى السابق الثابت المتعلق بحقوق العباد، والرجوع عن الإقرار بهذه الحقوق باطل وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/312)
علم الغيب
F عبد المجيد سليم .
ذى الحجة 1333 هجرية - 28 أكتوبر 1915 م
M 1 - لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علما حقيقيا إلا اللّه سبحانه وتعالى لا فرق بين الخمس الواردة فى آية { إن اللّه عنده علم الساعة } الآية وغيرها .
2 - علم غير اللّه ليس فى حقيقته علما بالغيب بالذات، وإنما هو علم حادث بتعليم اللّه تعالى .
3 - لا مانع من أن يطلع اللّه سبحانه من شاء على ما شاء من الغيب ولا يعد ذلك علما بالغيب
Q من الشيخ على على بما صورته فى مسألة أشكلت على أهل الناحية بلدنا (تزمنت الزوايا مركز ومديرية بنى سويف ) وهى هل يجوز لنبينا محمد - صلى اللّه عليه وسلم - أن يطلعه اللّه على الساعة، وعلى الجواز هل ورد ما يثبت ذلك أفيدوا بالجواب ولفضيلتكم الثواب
An اطلعنا على هذا السؤال الموضح أعلاه .
ونفيد أنه فى تفسير الآلوسى بصحيفتى 495، 496 فى آخر سورة لقمان عند قوله تعالى { إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث } الآية ما نصه وكون المراد اختصاص علم هذه الخمس به عز وجل هو الذى تدل عليه الأحاديث والآثار، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة رضى اللّه عنه .
من حديث طويل أنه صلى اللّه عليه وسلم سئل متى الساعة فقال للسائل ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها .
إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم فى النبيان فى خمس لا يعلمهن إلا اللّه تعالى .
ثم تلا النبى صلى اللّه تعالى عليه وسلم { إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث } الآية أى إلى آخر السورة كما فى بعض الروايات وما وقع عند البخارى فى التفسير من قوله إلى الأرحام تقصير من بعض الرواة .
وأخرجا أيضا هما وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمس لا يعلمهن إلا اللّه إن اللّه عنده علم الساعة الآية .
وظاهر هذه الأخبار يقتضى أن ماعدا هذه الخمس من المغيبات قد يعلمه غيره عز وجل وإليه ذهب من ذهب .
أخرج حميدين زنجوية عن بعض الصحابة رضى اللّه تعالى عنهم أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل الظهور فأنكر عليه، فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية، وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم وفى بعض الأخبار ما يدل على أن علم هذه الخمس لم يؤت للنبى صلى اللّه عليه وسلم، ويلزمه أنه لم يؤت لغيره عليه الصلاة والسلام من باب أولى أخرج أحمد والطبرانى عن ابن عمر رضى اللّه تعالى عنهما أن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال أوتيت مفاتيح كل شى إلا الخمس إن اللّه عنده علم الساعة الآية وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال أوتى نبيكم صلى اللّه تعالى عليه وسلم مفاتيح كل شىء غير الخمس إن اللّه عنده علم الساعة الآية .
وأخرج ابن مردويه عن على كرم اللّه وجهه قال لم يغم على نبيكم صلى اللّه تعالى عليه وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية فى آخر لقمان { إن اللّه عنده علم الساعة } إلى آخر السورة ،وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخارى فى الأدب عن ربعى بن حراش قال حدثنى رجل من بنى عامر أنه قال يا رسول اللّه هل بقى من العلم شىء لا نعلمه فقال عليه الصلاة والسلام لقد علمنى اللّه تعالى خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى الخمس إن اللّه عنده علم الساعة الآية .
وصرح بعضهم باستئثار اللّه تعالى بهن، أخرج بن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة أنه قال فى الآية خمس من الغيب استأثر اللّه تعالى بهن فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا إن اللّه عنده علم الساعة، ولا يدرى أحد من الناس متى تقوم الساعة فى أى سنة ولا فى أى شهر ليلا أم نهارا وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أم نهارا، ويعلم ما فى الأرحام فلا يعلم أحد ما فى الأرحام ذكرا أم أنثى أحمد أو أسود، ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا أخيرا أم شرا، وما تدرى بأى أرض تموت ، ليس أحد من الناس يدرى أين مضجعه من الأرض أفى بحر أم فى بر فى سهل أم فى جبل، والذى ينبغى أن يعلم أن كل غيب لا يعلمه إلا اللّه عز وجل .
وليست المغيبات محصورة بهذه الخمس وإنما خصت بالذكر لوقوع السؤال عنها، أو لأنها كثيرا ماتشتاق النفوس إلى العلم بها .
وقال القسطلانى ذكر صلى اللّه تعالى عليه وسلم خمسا وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لاينفى زائدا عليه، ولأن هذه الخمسة هى التى كانوا يدعون علمها انتهى - وفى التعليل الأخير نظر لا يخفى، وأنه يجوز أن يطلع اللّه تعالى بعض أصفيائه على إحدى هذه الخمس ويرزقه عز وجل العلم بذلك فى الجملة، وعلمهما الخاص به جل وعلا ما كان على وجه الإحاطة والشمول لأحوال كل منها وتفصيله على الوجه الأتم .
وفى شرح المناوى الكبير للجامع الصغير فى الكلام على حديث بريدة السابق خمس لا يعلمهن إلا اللّه على وجه الإحاطة والشمول كليا وجزئيا، فلا ينافى إطلاع اللّه تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس لأنها جزئيات معدودة .
وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة انتهى - ويعلم مما ذكرنا وجه الجمع بين الأخبار الدالة على استئثار اللّه تعالى بعلم ذلك وبين ما يدل على خلافه كبعض إخباراته عليه الصلاة والسلام بالغيبات التى هى من هذا القبيل يعلم ذلك من راجع نحو الشفاء والمواهب اللدنية مما ذكر فيه معجزاته صلى اللّه تعالى عليه وسلم وإخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات .
وذكر القسطلانى أنه عز وجل إذا أمر بالغيث وسوقه إلى ما شاء من الأماكن علمته الملائكة الموكلون به ومن شاء سبحانه من خلقه عز وجل وكذا إذا أراد تبارك وتعالى خلق شخص فى رحم يعلم سبحانه الملك الموكل بالرحم بما يريد جل وعلا كما يدل عليه ما أخرجه البخارى عن أنس بن مالك عن النبى صلى اللّه تعالى عليه وسلم قال إن اللّه تعالى وكل بالرحم ملكا يقول يارب نطفة يارب علقة يارب مضغة، فإذا أراد اللّه تعالى أن يفصى خلقه قال أذكر أم أنثى شقى أم سعيد فما الرزق والأجل فيكتب فى بطن أمه .
فحينئذ يعلم بذلك الملك ومن شاء اللّه تعالى من خلقه عز وجل .
وهذا لا ينافى الاختصاص والاستئثار بعلم المذكورات بناء على ما سمعت منا من أن المراد بالعلم الذى استأثر سبحانه به العلم الكامل بأحوال كل على التفصيل فما يعلم به الملك ويطلع عليه بعض الخواص يجوز أن يكون دون ذلك العلم .
بل هو كذلك فى الواقع بلاشبهة) انتهى - وفى تفسير القاضى البيضاوى عند قوله تعالى { فلا يظهر على غيبه أحدا } قال أى على الغيب المخصوص به علمه .
وقال الشهاب عليه قوله على الغيب المخصوص به علمه، لإفادة الإضافة الاختصاص .
واختصاصه به تعالى، لأنه لا يعلم بالذات والكنه علما حقيقيا يقينيا بغير سبب كاطلاع الغير إلا اللّه وعلم غيره لبعضه ليس علما للغيب إلا بحسب الظاهر، وبالنسبة لبعض البشر كما ذكره بعض المحققين انتهى .
ومن ذلك يعلم .
أنه لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علما حقيقيا إلا اللّه سبحانه وتعالى لا فرق بين الخمس وغير الخمس، وأما علم غيره تعالى فليس فى الحقيقة علما بالغيب بالذات، وإنما هو علم حادث بتعليم اللّه سبحانه وتعالى وإطلاعه .
ويعلم مما ذكر أنه لا مانع من أن يطلع اللّه من شاء على ما شاء من الغيب .
ولا يعد ذلك علما بالغيب، وعلى ذلك يجوز أن اللّه سبحانه وتعالى يطلع نبيه صلى اللّه عليه وسلم على الساعة ، كما يعلم مما تقدم عن الأولسى من أن ما ذكر لا ينافى إطلاع اللّه تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس .
واللّه أعلم(7/313)
حلقات الذكر
F محمد بخيت .
جمادى الآخرة 1334 هجرية - 26 أبريل 1916 م
M 1 - لا يجوز ذكر الله إلا بأسمائه التى وردت فى القرآن الكريم وفى الأحاديث الصحيحة .
2 - الذكر الملحون ليس ذكرا شرعيا فلا ثواب فيه .
3 - يجوز الذكر بلفظ هو، حى مشددا لأنه هو الاسم الذى ورد بلفظه فى القرآن الكريم
Q قوم يذكرون الله تعالى بلا إله إلا الله بمد هاء إله وأحيانا يثبتون ياء فى إله فيقولون إيلاها مع مد الهاء أيضا .
وتارة يذكرون بأه آه ويسمون ذلك باسم الصدر، ويذكرون بحى حى بتخفيف الياء وبمجرد الحلق من غير أن نعرف ما ينطقون به .
والله بقصر اللام، واستندوا فى ذلك كله لكتاب وضعه بعض من المدعى أنه من الشاذلية أباح فيه جميع ماتقدم وعزا ذلك الجواز لابن حجر، فهل يجوز الذكر بهذه الصيغ المذكورة مع اعمتاد ما فى هذا الكتاب وصحة ما نسبه لابن حجر على زعمه أم هو ذكر باطل
An اتفق جميع أهل العلم سلفا وخلفا على أن الذكر الملحون ليس ذكرا شرعيا فلا ثواب فيه .
وقد نص على ذلك غير واحد كسيدى مصطفى البكرى وأما ما نسب للعلامة ابن حجر فهو برىء منه .
وبناء على ما ذكر لا يجوز الذكر بشىء من الألفاظ المذكورة بهذا السؤال إلا بلفظ هو ، ولفظ حى، بشرط تشديد الياء من حى، لأنه هو الاسم يطلق على الله سبحانه وقد ورد بلفظه فى القرآن كذلك .
وقد نص الإمام الرازى فى تفسير قوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه } الأعراف 180 ، إن من الإلحاد أن يسمى الله تعالى باسم غير اسمه وجميع أسمائه سبحانه توقيفية .
فلا يجوز أن يذكر الله بمالم يرد إطلاقه عليه فى القرآن والأحاديث الصحيحة .
وأما جميع الألفاظ المذكورة بهذا السؤال فلم يرد واحد منها فى القرآن ولا فى الأحاديث الصحيحة اسما الله تعالى إلا لفظ هو، حى مشددا، ولفظ الجلالة مع مد لامه الثانية مدا طبيعيا مع عدم مد همزة الوصل فى أوله .
وأما مد هاء إله أو إثبات ياء بعد الهمزة فهو لحن محض فلا يجوز الذكر به .
والله تعالى أعلم(7/314)
طوفان نوح
F محمد عبده .
شوال 1317 هجرية
Mلا يجوز لشخص مسلم أن ينكر شيئا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التى صح سندها إلا بدليل عقلى يقطع بأن الظاهر غير مراد
Q ظهر بعض الطلبة ديدنهم البحث فى العلوم الرياضية والخوض فى توهين الأدلة القرآنية وقد قالوا إن الطوفان لم يكن عاما لأنحاء الأرض بل هو خاص بالأرض التى كان بها قوم نوح عليه السلام وأنه بقى ناس فى أرض الصين لم يصبهم الغرق وإن دعاء نوح عليه السلام بهلاك الكافرين لم يكن عاما بل هو خاص بكفار قومه لأنه لم يكن مرسلا إلا إلى قومه بدليل ما صح (وكان كل بنى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) فإذا قيل لهم إن الآيات الكريمة ناطقة بخلاف ذلك لقوله تعالى { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } نوح 26 ، وقوله تعالى { وجعلنا ذريته هم الباقين } الصافات 77 ، وقوله تعالى { لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم } هود 43 ، قالوا هى قابلة للتأويل ولا حجة فيها، وإذا قيل لهم بأن نوحا عليه السلام أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض ويكون عموم بعثته أمرا اتفاقيا لعدم وجود أحد غير قومه ولو وجد غيره لم يكن مرسلا إليهم سخروا واستندوا إلى حكايات أهل الصين، والمطلوب كشف الغطاء عن سر هذا الحادث العظيم والإفادة بما يطمئن إليه القلب
An أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نص قاطع على عمود الطوفان ولا على عمود رسالة نوح عليه السلام، وما ورد من الأحاديث على فرض صحة سنده فهو أحاد ولا يوجب اليقين، والمطلوب فى تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن إذا عد اعتقادها من عقائد الدين، أما المؤرخ ومريد الاطلاع فله أن يحصل من الظن ما ترجحه عنده ثقته بالراوى أو المؤرخ أو صاحب الرأى، وما يذكره المؤرخون والمفسدون فى هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها ولا تتخذ دليلا قطعيا على معتقد دينى أما مسألة عموم الطوفان فى نفسها موضوع نزاع بين أهل الأديان وأهل النظر فى طبقات الأرض، وموضوع خلاف بين مؤرخى الأمم .
أما أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية فعلى أن الطوفان كان عاما لكل الأرض ووافقهم على ذلك كثير من أهل النظر، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة فى أعالى الجبال لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا فى البحر، فظهورها فى رؤوس الجبال دليل على أن الماء صعد إليها مرة من المرات ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض .
ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عاما ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها غير أنه لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر قضية أن الطوفان كان عاما لمجرد حكايات عن أهل الصين أو لمجرد احتمال التأويل فى آيات الكتاب العزيز بل على كل من يعتقد بالدين أن لا ينفى شيئا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث إلى صح سندها وينصرف عنها إلى التأويل إلا بدليل عقلى يقطع بأن الظاهر غير مراد .
والوصول إلى ذلك فى مثل هذه المسألة يحتاج إلى بحث طويل وعناء شديد وعلم غزير فى طبقات الأرض وما تحتوى عليه، وذلك يتوقف على علوم شتى عقلية ونقلية ومن هذى برأيه بدن علم يقينى فهو مجازف لا يسمع له قول ولا يسمح له ببث جهالاته واللّه أعلم(7/315)
أهل الفترة
F محمد بخيت .
ربيع الأول 1338 هجرية - 25 نوفمبر 1919 م
Mأهل الفترة مكلفون بالإيمان والتوحيد بمجرد بعثة آدم .
فمن كان منهم مؤمنا بالله وحده كان كافيا
Q من محمد محمد الجزايرى بما صورته نعوذ بالله من معضلة ليس لها إلا العلماء الراسخون فى العلم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين المأمون وعلى آله وأصحابه مادامت السموات والأرضون أما بعد، فهذا سؤال إلى حضرات العلماء الأعلام جعلهم الله نورا للأنام كاشفين من غوامض العلم اللثام ماقولكم دام فضلكم فى رجلين تنازعا فى مسألة غريبة بالنسبة إلى عوام المسلمين فادعى أحدهما أن أهل الفترة ناجون لعدم وجود الرسول وادعى الثانى بأنهم غير ناجين لمجئ الرسل عامة بالتوحيد من لدم آدم إلى عيسى عليهم السلام وتمادى بينهما النزاع إلى أن تكلما فى أبوى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال الأول هما ناجيان حيث أنهما من أهل الفترة ولقوله صلى الله عليه وسلم (فأنا خيار من خيار من خيار) ولقوله (خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح) وقال الثانى أنهما ماتا مشركين واستدل بالحديث المروى عن ابن عباس ولفظه ( أنه لما فتح الله مكة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أى والديه أحدث به عهدا فقيل أمك فذهب إلى قبرها ووقف معتبرا يبكى فقال عمر رضى الله عنه يارسول الله نهيتنا عن الزيارة والبكاء .
وزرت وبكيت فقال قد أذن لى فيه ولما رأيت ما هى فيه من عذاب الله وإنى لا أغنى عنها من الله شيئا فبكيت رحمة لها ) وهذا الحديث موجود فى تفسير الفخر الرازى وأبى السعود على هامشه وفى البيضاوى وفى مصابيح السنة للإمام البغوى وكثير من الكتب وعدوه سببا لنزول قوله تعالى { ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى } التوبة 113 ، الخ واستدل أيضا بالحديث المروى عن الإمام على وهو أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه فقال أتستغفر لهما وهما مشركان فقال الرجل قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فحكى ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى { ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية - واستدل أيضا بالحديث المروى عنه وهو أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال - كان أبى فى الجاهلية يصل الرحم ويقرى الضيف ويمنح من ماله وأين أبى فقال أمات مشركا فقال نعم، قال فى ضحضاح من نار، فولى الرجل يبكى فدعاه صلى الله عليه وسلم فقال إن أبى وأباك وأبا إبراهيم فى النار، واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم (استأذنت ربى فى زيارة قبر أمى فأذن لى واستأذنته فى الاستغفار لها فلم يأذن لى ) - وهذا الحديث موجود فى مصابيح السنة للامام البغوى وكشف الغمة للشعرانى وأيضا حمل قوله تعالى { وتقلبك فى الساجدين } الشعراء 219 ، على أنه صلى الله عليه وسلم يتفقد المصلين ويقلب بصره فيهم وينظرهم من خلفه كما ينظرهم من أمامه، وعلى تسليم أنه يتقلب فى أصلاب الساجدين وبطون الساجدات فهذا محمول على ماقبل انتقال النور المحمدى من أحد أصوله إلى من بعده فإذا انتقل منه جاز أن يعبد غير الله كما فى فتح البيان نقلا عن الحفناوى مع أن الجمهور على خلاف ما ادعاه الرجل الأول فى تفسير هذه الآية، وأيضا اتفق الجمهور على أن آزر مات مشركا كما صرح به القرآن وما جاز على أحد والديه يجوز على الباقين بعد اتفاقهم أيضا على أن نسبه صلى الله عليه وسلم ينتهى إلى إسماعيل عليه السلام فأوى الرجلين على الصواب وهل أهل الفترة ناجون مطلقا أو هالكون مطلقا مع أن العلماء قسموهم ثلاثة أقسام كما فى شرح مسلم وهل والدا المصطفى صلى الله عليه وسلم داخلان فى أهل الفترة مع ورود هذه النصوص أم لا ولو اعتقد معتقد أنهما ماتا على الشرك هل يكفر أم لا مع هذا الخلاف وما حكم من يحكم عليه بالكفر وهل هذه المسألة من ضروريات الدين يجب على المكلف تحصيلها أم لا أفتونا مأجورين ولازلتم ملجأ للحائرين ودليلا للمسترشدين
An اطلعنا على هذا السؤال - ونفيد أنه قال فى شرح مسلم الثبوث بصحيفة 98 جزء ثان ما نصه (وأما الواقع فالمتوارث من لدن آدم أبى البشر إلى نبينا ومولانا أفضل الرسل وأشرف الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يبعث نبى قط أشرك بالله طرفه عين) وعليه نص الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر وفى بعض المعتبرات أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن حقيقة الكفر وعن حكمه بتبعية آبائهم .
وعلى هذا فلا بد من أن يكون تولد الأنبياء بين أبوين مسلمين أو يكون موتهما قبل تولدهم لكن الشق الثانى قلما يوجد فى الآباء ولا يمكن فى الأمهات .
ومن ههنا بطل ما نسبه بعضهم من الكفر فى أم سيد العالم مفخر بنى آدم صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم وذلك لأنه حينئذ يلزم نسبة الكفر بالتبع وهو خلاف الإجماع، بل الحق الراجح هو الأول، وأما الأحاديث الواردة فى أبوى سيد العالم صلوات الله وسلامه عليه وآله وأصحابه فمتعارضة مروية آحادا فلا تعويل عليها فى الاعتقاديات، وأما آزر فالصحيح أنه لم يكن أبا إبراهيم عليه السلام بل أبوه تارح كذا صحح فى بعض التواريخ وإنما كان آزر عم إبراهيم ورباه الله تعالى فى حجره والعرب تسمى العم الذى ولى تربية ابن أخيه أبا لم وعلى هذا التأويل قوله تعالى { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } الأنعام 74 ، وهو المراد بما روى فى بعض الصحاح أنه نزل فى أب سيد العالم صلى الله عليه وآله واصحابه { ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } فإن المراد بالأب العم .
كيف لا وقد وقع صريحا فى صحيح البخارى أنه نزل فى أبى طالب .
هذا وينبغى أن يعتقد أن آباء سيد العالم صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم من لدن أبيه إلى آدم كلهم مؤمنون وقد بينه السيوطى بوجه أتم - وفى الفتاوى الحامدية بصحيفة 33 جزء ثان طبعة أميرية سنة 1300 أنه قد وردت أحاديث دالة على طهارة نسبه الشريف عليه الصلاة والسلام من دنس الشرك وشين الكفر - ومن ذلك يعلم أنه لا شك ولا شبهة فى موت أبوى النبى صلى الله عليه وسلم على الإيمان، وأنه لا حاجة إلى التمسك بالحديث الضعيف من أن الله سبحانه وتعالى أحيا أبويه وآمنا به وأن محل كون أن الإيمان لا ينفع بعد الموت فى غير الخصوصية لأن ذلك يرجع إلى تخصيص القواعد العقلية القاضية بانتهاء التكليف بالموت، وأنه لا تكليف بعده ولا إلى ما تكلفه بعض العلماء فى ذلك، ومن هذا يعلم أيضا أن أحد الرجلين المتنازعين القائل بأن أبوى النبى صلى الله عليه وسلم ناجيان هو الذى على الصواب لا لما قاله من أن أهل الفترة ناجون، ولا لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } الإسراء 15 ، بل نجاتهما لأنهما كانا على الإيمان وماتا عليه وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن حقيقة الكفر وعن حكم تبعية آبائهم إلى آخر ما تقدم .
وأما أهل الفترة فالحق أنهم مكلفون بالإيمان وجميع ما اتفقت عليه الشرائع وكان معلوما مشهورا لما قرره المحققون من الأصوليين من أن لا حكم قبل الشرع أى قبل البعثة لأحد من الرسل فالأحكام موجودة فكل من بلغته الأحكام فيما يتعلق بالإيمان أو غيره كان مكلفا به ولم تختلف الشرائع فى وجوب الإيمان والتوحيد فالخطاب به معلوم لكل من بلغته دعوة أى رسول كان .
فان جميع المكلفين من لدن بعثة آدم الذى هو أول الرسل بعثا إلى أن تنتهى دار التكليف مخاطبين شرعا بوجوب الإيمان والتوحيد وأما بعد البعثة ولو لواحد من الرسل فلا خلاف فى وجود الأحكام ووجوب العمل بها على من بلغته .
وأما أهل الفترة الذين هم قوم كانوا بين رسولين فلم يدركوا الأول ولا أدركوا الثانى، فاختلاف العلماء فيهم إنما هو فيما اندرس من الشرائع وخفيت فيه الأحكام على هؤلاء القوم، فذهب فريق إلى أن الأصل فيما اندرست أحكامه هو الإباحة، وقال فريق هو الحظر، وقال فريق بالوقف وهذا الخلاف بين أثمتنا أهل السنة فى حكم هؤلاء بعد البعثة وكل فريق من هذه الفرق يستند فى قوله إلى الدليل الشرعى وهذا الخلاف غير الخلاف الذى وقع بين المعتزلة أنفسهم فى الأفعال التى خفيت فيها المصلحة والمفسدة أو انتفاؤهما ولم تكن ضرورية للعباد واختلفوا فيها على ثلاثة أقوال أيضا الإباحة والحظر والوقف، فإن هذا الخلاف الذى هو بين المعتزلة موضوعه فيما قبل البعثة لأحد من الرسل وفيمن لم تبلغه دعوة أحد من الرسل أصلا .
وأهل السنة ينفون الحكم أصلا قبل البعثة لأحد من الرسل فليس عند أهل السنة قبل البعثة لأحد من الرسل شىء من الأحكام لاحظ ولا إباحة ولا غيرها .
وأما خلافهم فى أهل الفترة على الأقوال الثلاثة المتقدمة فإنما هو بعد ورود الشرع، وخاص بمن درس فيه الشرائع، وأما ما اتفقت عليه الشرائع كالإيمان والتوحيد والزنا والقتل فلا خلاف فى التكليف به لكل من اجتمعت فيه صفات التكليف بلا فرق بين أهل الفترة وغيرهم، كما فصلنا ذلك على الوجه الحق فى كتاب البدر الساطع على جمع الجوامع .
ومن ذلك يعلم أن أهل الفترة الذين ولدوا بعد عيسى عليه الصلاة والسم وقبل بعثة سيد الحق جميعا ومنهم أبو المصطفى عليه الصلاة والسلام مكلفون بالإيمان والتوحيد بمجرد بعثة آدم خصوصا وأن رسالة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت عامة ولم تنسخ إلا فيما خالفها مما يتعلق ببنى إسرائيل فى شريعتهم فمن كان منهم مؤمنا بالله وحده كان ناجيا ومن لم يكن مؤمنا أو ارتكب قتل النفس بغير حق كان عاصيا مخلدا فى النار إن كان كافرا وإلا فلا، وأما ما يتعلق بالاعتقاد فقد قال فى الفتاوى الحامدية بصيحفة 331 من الجزء المذكور سئل القاضى أبو بكر بن العربى أحد أئمة المالكية رحمه الله تعالى عن رجل قال إن آباء النبى صلى الله عليه وسلم فى النار فأجاب بأنه ملعون لأن الله تعالى يقول { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة } الأحزاب 57 ، قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه أنه فى النار وقال الإمام السهيلى رحمه الله تعالى فى الروض الأنف (وليس لنا نحن أن نقول ذلك فى أبويه عليه الصلاة والسلام لقوله عليه الصلاة والسلام لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات والله تعالى يقول { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا } وقد أمرنا أن نمسك اللسان إذا ذكر أصحابه رضى الله عنهم بشىء يرجع إلى العيب والنقص فيهم .
فلأن نمسك ونكف عن أبويه أحق وأحرى إذا تكرر ذلك فحق المسلم أن يمسك لسانه عما يخل بشرف نسب نبيه عليه الصلاة والسلام بوجه من الوجوه ولا خفاء فى أن إثبات الشرك فى أبويه إخلال ظاهر بشرف نسب نبيه الطاهر، وجملة هذه المسائل ليست من الاعتقاديات فلاحظ للقلب فيها، وأما اللسان فحقه الإمساك عما يتبادر منه النقصان خصوصا عند العامة لأنهم لا يقدرون على دفعه وتداركه) .
ومن ذلك يعلم أن الرجل الثانى الذى قال بموت أبوى النبى صلى الله عليه وسلم على الكفر قد أخطأ خطأ بينا يأثم ويدخل به فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا يحكم عليه بالكفر لأن المسألة ليست من ضروريات الدين التى يجب على المكلف تفصيلها هذا هو الحق الذى تقتضيه النصوص وعليه المحققون من العلماء والله أعلم(7/316)
رأى الافتاء فى كتاب ( الله والانسان )
F حسن مأمون .
شوال 1376 هجرية - 23 مايو 1957 م
M 1 - لا ينكر الدين الإسلامى تمجيد العقل والعلم والحرية، وإظهار أثر ذلك فى تقدم الفرد والجماعة .
2 - ما جاء بالكتاب من أن ( الطريقة العصرية فى بلوغ الفضيلة ليست الصلاة، وإنما هى الطعام الجيد والكساء الجيد والمسكن الجيد والمدرسة والملعب وصالة الموسيقى ) خطأ، لأنه جعلها من العوائق المانعة من بلوغ الفضيلة، وقد حظ المؤلف من قدر الصلاة ونسى أثرها فى تقويم النفوس .
3 - الصلاة لا تتعارض مع مطالب الحياة ولا تنافيها، بل هى رأى الفضائل كلها .
4 - الصلاة شرعت بأمر الله سبحانه وتعالى، وليست من صنع الناس كما يقول المؤلف .
5 - تحريم الخمر إنما جاء ليحفظ على الناس عقولهم .
6 - تحريم الزنا إنما جاء لحمل الناس على الزواج الصحيح، والتناسل بسببه حفظا للولد وللنوع الإنسانى على أكمل وجه .
7 - ليست الأديان سببا من أسباب الخلط فى معنى السعادة، بل هى موضحة لها كل الوضح مقررة أنها ليست تحررا مطلقا من كل قيد وإلا لأوقعت صاحبها فى الهلاك .
8 - ذات الله سبحانه وتعالى منزهة عن صفات الحوادث ومتصفة بجميع صفات الكمال، وليس الله سبحانه وتعالى فكرة متطورة كما يقول المؤلف .
9 - ليست الأديان قصة من القصص التى لا أصل لها، وإنما الأديان السماوية حقيقة أيدها الله سبحانه وتعالى بالمعجزات وآخرها القرآن الكريم .
10 - الحياة الثانية حقيقة اتفقت عليها الأديان السماوية كلها .
11 - ما جاء بالكتاب من أن ( الله ليس فوق الجدل وليس فوق العقل وليس فوق الواقع بل هو العقل والواقع إلخ ) إن أريد به أن الكون خلق بلا خالق، أو أن العقل هو الذى أوجده، فهذا مردود بتفاوت العقول ذاتها، وإن أريد به التفكير فى الكون فهذا لا يقتضى إنكار ذات الله الذى أوجد الكون وخلق العقل للإنسان للتفكير والتدبير .
12 - معرفة أسرار الكون كافية وحدها للإيمان بوجود الله وقدرته وعظمته
Q من الأستاذ م ح أ بطلب يرغب فيه منا أن نطلع على كتاب الله والإنسان ونبدى رأينا فيه
An الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده .
وبعد فقد اطلعنا على هذا الكتاب الذى ألفه الدكتور م .
م وأخرجه فى مارس سنة 1957 بعد أن نشر بعض فصوله فى مجلة روز اليوسف .
ونظرا لأن هذا الكتاب قد أثار ضجة كبيرة .
وطلب منى الطالب بصفته ممثلا لمجمع البحوث العلمية وجماعة البر والتقوى إبداء رأيى فيما نشر بمجلة روز اليوسف من الكتاب، وفى الكتاب نفسه بعد طبعه وتوزيعه على القراء - وقد قرأت هذا الكتاب من أوله إلى آخره قراءة هادئة غير متأثر بما أثير حوله، لأننى لا أحب أن يصدر حكمى عليه فى جو عدائى له أو جو يسيطر عليه فكرة سيئة عنه .
ولذلك أجد من الإنصاف أن أقول إن الكاتب عنى فى كتابه بتمجيد العقل والعلم والحرية، وإظهار أثرها فى تقدم الفرد والأمة .
ولا جدال فى أن الدين الإسلامى قد سبقه إلى ذلك فقد عرف للعقل قيمته وقدره .
وطالب الناس بالتفكير فى خلق الله وبالنظر والاعتبار ونجد آيات القرآن الكريم حافلة بذلك - كما أنه دعا إلى العلم بكل ما يحتاج إليه الإنسان فى حياته وبعد مماته، وكل ما يرفع شأن البشرية ويحقق على الوجه الأكمل معنى خلافة الإنسان عن الله فى أرضه يعمرها ويستخرج كنوزها ويفيد من كل ما أودع الله فيها - وأيضا فإن الإيمان الذى فرضه الإسلام وسائر الأديان السماوية، وهو الإيمان بأن للعالم إلها واحدا هو الله سبحانه وتعالى، وهو المستحق وحده للعبادة والذى يستعان به، ولا يستعان بغيره فى كل شئون الحياة، يحقق معنى حرية الإنسان فى أسمى صورها وأعلى مراتبها .
فالمؤمن إيمانا صادقا لا يكون عبدا لغيره، ولا عبدا لشهواته، ولا لأى شىء آخر سوى الله سبحانه وتعالى الذى خلقه وخلق كل شىء - فدعوة الكتاب إلى تمجيد العلم والعقل، وإلى أن يفكر الإنسان تفكيرا حرا مستقيما دعوة لا ننكرها عليه، ولا ينكرها عليه الدين الإسلامى .
فما جاء فى آخر الكاتب من الدعوة غلى أن يتكاتف المسلم المفكر الحر والسياسى اليقظ ورجل الدين العصرى إلى أن يكونوا فى توثب دائم ليكسروا الدروع السميكة حول أعدائنا، ويمزقوا عن وجوههم القبيحة النقاب لا شىء فيه وهو مما نوافقه عليه .
غير أن الكتاب لم يخل من أخطاء لا نستطيع أن نمر عليها بدون إبداء رأينا فيها .
وقبل أن نبين هذه الأخطاء نقول إننا قد خرجنا من قراءة الكتاب بحقيقة لمسناها، وهى أن الكاتب قد عاش فى وسطنا المصرى الشرقى وشاهد بعض تصرفات ممن لا يفهمون الدين الإسلامى أو لا يفهمون منه إلا بعض رسومه وأشكاله، والذين يحاولون أن يقتنعوا بهذه الصور الشكلية التى لا روح فيها ولا غناء متناسي روح الدين وتعاليمه التى ترفع من شأن الإنسان وتدفعه غلى العمل الحر الكريم لنفسه ولأسرته ولوطنه بل وللإنسانية .
كلها، ولعل الكاتب قد ظن أن ما يراه بمثل حقيقة الدين الإسلامى فازدرى هؤلاء وكتب ما كتب متأثرا بهم وبأحوالهم، ولو أنصف لعالج هذه العيوب من طريق آخر غير طريق الهجوم على الدين الإسلامى وعلى الأديان كلها هجوما واضحا نلمسه فى كتابه فى كثير من المواطن - وأعتقد أن هذا الكاتب وأمثاله لم يقعوا فيما وقعوا فيه من خطأ إلا لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء دراسة الأحكام التى دعا الإسلام الناس إلى اتباعها، بدليل أننى لم أجد فى كتابه شيئا منسوبا إلى الدين يستحق أن ينقد أو أن يزدرى .
وسنذكر بعض أمثلة من خطئه الذى لا نقره عليه .
بل إننا نعتقد أنه لو راجع نفسه لا يقر هذا الخطأ .
من ذلك قوله فى ص 24 ( والطريقة العصرية فى بلوغ الفضيلة ليست الصلاة، وإنما هى الطعام الجيد والكساء الجيد والمسكن الجيد والمدرسة والملعب وصالة الموسيقى ) فإنه إذ يمجد الطريقة العصرية يخطىء الطريق .
فيظن أن الصلاة من العوائق التى تمنع من بلوغ الفضيلة، ولذلك حط من قدرها، ونسى أو تناسى أثرها فى تقويم الخلق وتهذيب النفس ولا يفهم معنى للربط بين الصلاة وبين ما يتطلبه الجسم والعقل، فقد أمر الله الناس بالصلاة وفرضها عليهم، ونهاهم عن الزهد فى الحياة وأباح لهم الطيبات من الرزق وكل ما يحتاج إليه الجسم ليكون قويا والعقل ليؤدى واجبه فى فائدة صاحبه .
فالصلاة لا تتعارض مع مطالب الحياة ولا تنافيها . فلا وجه لقوله إن الفضيلة ليست الصلاة بل الصلاة تجىء على رأس الفضائل كلها .
وإذا كان هذا هو ما قد يفهمه بعض المتصوفة من الدين، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يفهمه كاتب متحرر يحاول أن يحل مشكلته مع نفسه ومشاكل الناس مع أنفسهم بتأليفه هذا الكتاب .
ومن أمثلة خطئه أيضا ما كتبه فى ص 26 ( لقد صنعنا الصلاة وحددناها إلى هكسلى وأجداده .
وجربناها على المذاهب الأربعة ولم يبق إلا أن نجرب الطعام الجيد ) .
وفى هذه العبارة خطأ فاضح، فليس من الإنصاف أن يقول كاتب إننا صنعنا الصلاة، فالصلاة لم يصنعها الإنسان وإنما أمر بها الله، ولا أدرى ما الذى دعاه إلى مثل هذا التهجم على أوامر الله بإنكار فائدتها أولا، وبنسبة صدورها لا إلى الله بل إلى الناس ثانيا .
ولو قال بدل هذه العبارة إننا امتثلنا أمر الله بالصلاة وذقنا أثرها وحلاوتها فى صدورنا، فلنضف إليها أيضا ما تحتاج إليه أجسامنا ومقومات حياتنا، لنكون أقوياء بإيماننا وبأجسامنا وأرواحنا، حتى نستطيع أن نواجه عدونا بهذه الأسلحة مجتمعة .
ومن ذلك أيضا قوله فى ص 54 ( والأديان سبب من أسباب الخلط فى معنى السعادة، لأنها هى التى قالت عن الزنا والخمر لذات وحرمتهما، فتحولت هذه المحرمات إلى أهداف يجرى وراءها البسطاء والسذج على أنها سعادة وهى ليست بسعادة على الإطلاق ) ولا أدرى هل ذكر الحقائق أمر معيب فإذا قرر الدين الإسلامى أن الخمر والزنا لذات كما يقول الكاتب، أى مشتهيات تشتهيها النفوس وتميل إليها الحيوانية التى هى جزء من الإنسان ثم حرمها، فهل يكون ذلك دعوة للناس إليها أو يكون إيحاء للناس بأن السعادة فيها الواقع أن الدين وهو يحرم بعض ما يشتهيه الإنسان ويلذ له إنما يحرمه للضرر الذى يعود عليه من الجرى وراء لذاته، فقد حرم الخمر ليحفظ على الناس عقولهم، وحرم الزنا ليحملهم على الزواج والتناسل، فيحفظ بذلك النوع الإنسانى على أكمل الوجوه ، ويقيه شر الإنحلال والانهيار والانقراض - هذه هى الحقيقة التى ما أظن أن الكاتب غفل عنها، ولكنه مع هذا يخطىء فى التعبير فيقول إن الأديان سبب من أسباب الخلط فى معنى السعادة، ولو أنصف لقرر أن الأديان واضحة كل والوضوح فى إفهام الناس معنى السعادة، وأن السعادة ليست تحررا بحيث يفعل الإنسان كل ما يريد، وكل ما تشتهيه نفسه ولو كبه ذلك على وجهه وأوقعه فى الهلاك ثم يستمر الكاتب فى خطئه ويتجاوز هذا الخطأ إلى الطعن فى الذات العلية .
فيتحدث عن الله تعالى حديثا ما كان يليق من كاتب مثله أن يتحدث عنه بهذه العبارات التى لا تليق .
ومن ذلك قوله فى ص 111 ( إن الله فكرة إنه فكرة فى تطور مستمر كما تدل على ذلك قصة الأديان ) ثم ينتهى إلى قوله وشريعة هذا الدين ( أى الذى يدعو إليه ) بسيطة جميلة إنها الولاء للحياة - لا أيها الكاتب المتعلم تعليما جامعيا .
ليس الله فكرة كما تقول .
وإنما الله سبحانه وتعالى ذات منزهة عن صفات الحوادث ومتصفة بجميع صفات الكمال، وهو الذى خلقك وخلق كل ما تراه حولك فليس الله فكرة متطورة كما تقول .
وليست الأديان قصة كباقى القصص التى لا أصل لها .
وإنما الأديان السماوية حقيقة أيدها الله سبحانه وتعالى بالمعجزات التى أجراها على أيدى رسله ن ومن هذه المعجزات المعجزة الباقية الخالدة التى أعجزت العرب وغير العرب عن أن يأتوا بمثلها وهى القرآن الكريم الذى قلت فى ص 18 إنك فتحت عينيك فى يوم لتجد نفسك وحيدا وإلى جوارك مصحف وحجاب لمنع الفقر .
فالمصحف الذى وجدته والذى لا يمكن أن يكون مثلك بعيدا عنه هو المعجزة التى يكفيك أن تقرأه تمعن النظر فيه، لتعرف الأسس التى تضمنها، والتى لو عمل بها الفرد وعملت بها الأمة لتحقق الفرد الصالح والأمة الصالحة، ولما صار الشرق كما تراه الآن بعيوبه وبضعفه، فإن الإسلام لا يعرف الضعف والضعفاء، ولا يعرف السعادة التى يحققها حجاب أو دعاء، كما تريد أن تلمز به الإسلام بحملك الحجاب مع المصحف - فلا يوجد فى الشريعة الإسلامية حجاب يمنع الفقر أو يجلب السعادة، وإنما يوجد عمل دائب مستمر لتحقيق معنى السعادة الحقيقية - السعادة المؤسسة على قوة المادة وقوة الروح معا، ولعلك لو تحدثت عن الشرق وقد استحال أمره إلى أن يكون له جيوش ومصانع وطيارات وغير ذلك مما يوجد فى الغرب، والذى لا يحول الإسلام بينه وبين أن يبلغه لما كان حديثك عن الإسلام هذا الحديث المتأثر بحالة الشرق الآن تأثر دعا إلى أن تمجد المادة التى وصل إليها الغربيون والتى لم يصل إليها الشرق بعد .
لا لأن الدين قد حال بينه وبين بلوغه، ولكن الاستعمار الذى رزح على صدر الشرق والشرقيين فى القرون الأخيرة هو السبب الأكبر فى ذلك كله .
ثم يتابع بعد أفكاره لله فى صورته الحقيقية إنكار الحياة الثانية التى اتفقت عليها الأديان السماوية كلها، والتى يدعو إليها العقل والعدل فليس من العدل أن يتحارب الناس بعضهم مع بعض، وأن يغلب قويهم ضعيفهم، ويظلم بعضهم البعض من غير أن يكون هناك حياة ثانية يأخذ فيها الله سبحانه وتعالى بيد المظلوم من الظالم .
ومن ذلك قوله عن الحياة الآخرة صفحة رقم 2662 بعبارة فيها سخرية فى ص 119 وما بعدها (فلا محل لافتراض بقاء آخر روحانى لهذا الترابط المادى البحت وإنها لنهاية طبيعية إذن أن يبعث الإنسان حيا بعد الموت هو والدود التى فى بطنه والقملة التى فى رأسه فهكذا تعنى روحية الأديان .
وقوله إن دعوى الخلود الشخصى لا يسندها العلم ولم تعد تسندها الضرورات الاجتماعية القديمة) فإن هذه الدعوى العريضة التى يدعيها الكاتب فى كتابه ويقول عنها إن دعوى الخلود الشخصى لا يسندها العلم .
لم يقل لنا إسم العلم الذى ينكر الحياة الآخرة اللهم إلا أن يكون قولا لبعض العلماء المتطرفين الذين يدعون إلى الوجودية والذين مجدهم الكتاب فى أثناء كتابته .
أما العلماء الذين بحثوا فى أصل الإنسان وعرفوا عظمة الله وقدرته فيما كشفوه عن بعض آثارها فى الأرض أو السماء فما أظن أنهم ينكرون الحياة الثانية - أو ينكرون وجود الله وقدرته وعظمته - ثم يعود الكاتب مرة أخرى إلى إنكار الله فى تعبيرات ضعيفة لا يسندها منطق ولا دليل ولا شبه دليه .
كقوله فى ص 131 ( إن الله ليس فوق الجدل، وليس فوق العقل، وليس فوق الواقع .
إن الله هو العقل وهو الواقع وهو مجموع القوى الكونية التى تعمل لخيرنا فى كل وقت، وهى قوى تقبل المراجعة والتفكير والبحث والتطور ) ما الذى يريده الكاتب من هذه العبارات هل يريد أن يوحى إلى قارئيه بأن الكون الذى يعيش فيه ويعيش فيه الناس خلق هكذا بدون خالق .
وهل العقل الذى بمجده ويقول إنه هو الله هو الذى أوجد هذه المخلوقات كلها، وإذا كان العقل هو الموجد كما يقول .
فلماذا وجد عند قوم وكان ضعيفا أو معدوما عند آخرين وإذا كان يريد أن يوحى إلى القراء بأن الكون محتاج دائما إلى التفكير والبحث والتطور، فإن هذه الدعوى لا تتطلب بحال من الأحوال إنكار الله سبحانه وتعالى الذى أوجد هذا الخلق، وخلق للإنسان العقل الذى يفكر ويبحث ويتدبر فى كل مخلوقات الله ليصل أولا إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبألوهيته وربوبيته وليحقق للناس السعادة .
ولعله قال ما قال ليضفى على نفسه الكاتب المتحرر الذى لا يؤمن بالله ولا يقر بوجوده، ولا بأن لهذا العالم إلها واحدا خلقه ونظمه أبدعه على هذه الصورة التى عجز الإنسان عن فهمها ما فيها من أسرار تدل على عظمة الله وقدرته .
ولو أنصف لمجد الله سبحانه وتعالى مادام قد تعلم وعرف قيمة العلم وآثاره فى نهضة الأمم وقوتها .
وجدير بمن يمجد العقل ويمجد العلم أن ينصف فيمجد من خلق العقل ومن خلق الأرض والسماء، وأودع فيها من الأسرار ما دأب الإنسان على كشفه منذ أزمان طويلة، ولا يزال للآن أمامه شوط بعيد أو شوط لا يعلمه إلا الله ليستكمل معرفة هذه الأسرار الكونية التى تكفى وحدها للإيمان بوجود الله وبقدرته وعظمته هذا ما وصلنا إليه من قراءتنا لهذا الكتاب، ولا يفوتنا أننا قد تجاوزنا عن كثير من العبارات اللاذعة والتى تعرض فيها للأديان كلها وحكم عليها بأن فكرتها صعدت من الأرض ولم تنزل من السماء ك صعدت من احتياجات الإنسان ورغباته وضروراته وأنظر ص 113 .
وغير ذلك من العبارات التى لا يراد منها إلا أن ينكر الناس عقائدهم وأديانهم لمجرد فكرة ملأت رأس الكتاب لم يقم عليها دليل ولا برهان .
ولو كانت الأديان تعالج بكتاب يسلك فيه الكاتب مسلك الروائى الخيالى لما بقيت هذه الأديان صامدة آلاف السنين تنادى بجحود كل من ينكرها .
نسأل الله لهذا الكاتب وأمثاله الهداية والرجوع إلى الحق فإن الرجوع إلى الحق فضيلة والله أعلم .
ے(7/317)
متجمد نفقة الزوجة المتوفاة يورث عنها
F علام نصار .
شوال سنة 1370 هجرية - 12 من يوليو سنة 1951 م
Mالمتجمد من النفقة الزوجية فى ذمة الزوج إذا لم يؤده لها أو تبرئه حتى ماتت فانه يعتبر تركة يرثه ورثتها ومنهم زوجها
Q من محمد كنوز .
قال زوجة فرض لها على زوجها الغائب نفقة وكسوة بحكم وصار الحكم نهائيا وتجمد لها مبلغ من حساب هذه النفقة لم يؤدها الزوج - وقد توفيت الزوجة فى مايو سنة 1950 ولها هذا المتجمد بذمة زوجها فهل ورثة الزوجة لهم حق ميراث هذه المتجمد
An ان نفقة الزوجة المذكورة التى فرضت لها على زوجها دين فى ذمته لاتسقط إلا بالأداء أو الابراء طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 فاذا تجمدت النفقة المذكورة للزوجة على زوجها المذكور ولم يؤدها لها ولم تبرئه منها كان المتجمد تركه لها يرثه ورثتها عند موتها ومنهم زوجها والله أعلم(7/318)
مؤخر الصداق والميراث
F حسنين محمد مخلوف .
محرم سنة 1369 هجرية - 16 من نوفمبر سنة 1949 م
Mمؤخر صداق الزوجة المتوفاة تركة يرثه ورثتها ويقسم بينهم قسمة الميراث
Q من حسن خالد قال توفيت سيدة فى سنة 1944 عن ورثتها الشرعيين وهم زوجها وبنتها وأبوها وأمها وتركت ما يورث عنها شرعا مؤخر صداقها فهل يرث أبوها وأمها وبنتها فى مؤخر صداقها أم لا .
وهل للزوج أبى البنت أن يضع ما يخص ابنته فى ميراث أمها من متأخر صداق وخلافه فى احدى البنوك أو احدى الشركات
An اطلعنا على السؤال والجواب أن مؤخر صداق الزوجة المتوفاة من تركتها يرثه ورثتها فلكل من أبيها وأمها سدسه فرضا ولزوجها ربعه فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتها نصفه فرضا فأصل المسألة من أثنى عشر سهما وتعول إلى ثلاثة عشر لكل من أبيها وأمها سهمان ولزوجها ثلاثة أسهم ولبنتها ستة ولأبى البنت القاصر ولاية قبض نصيب بنته المذكورة ويسوغ له ايداعه للحفظ بأحد المصارف واستثماره بمعاملة جائزة شرعا ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله تعالى أعلم(7/319)
توزيع مكافأة المتوفى أثناء الخدمة وباقى مرتبه
F أحمد إبراهيم مغيث .
ربيع ثان سنة 1374 هجرية - 21 من ديسمبر سنة 1954 م
M 1 - مكافأة المتوفى أثناء الخدمة لا تعتبر تركة .
2 - باقى المرتب يعتبر تركة ويقسم بين الورثة الشرعيين قسمة الميراث
Q طلب السيد رئيس مجلس بلدى شبين القناطر ( تقسيم تركة المرحوم عبد الحليم محمد ربيع )
An اطلعنا على كتابيكم المؤرخين فى 25/11، 5/12 سنة 1954 1517/1712 والمطلوب بهما بيان التقسيم الشرعى لمبلغ عبارة عن مكافأة لمدة خدمة ومتأخر مرتب المرحوم الأوسطى الكهربائى عبد الحليم محمد ربيع بين ورثته وهم زوجة وابنان وبنتان فقط - وتفيد أنه بوفاة المتوفى المذكور أثناء الخدمة كما هو الظاهر من كتابكم الأخير لا تكون المكافأة التى قدرت له عن مدة خدمته تركة فلا تقسم بين ورثته قسمة الميراث لأنه لم يتملكها قبل الوفاة بل تقسم بين مستحقيها طبقا للقانون الخاص بذلك يتملكونها ابتداء بمقتضى هذا القانون لا بطريق الخلافة عن الميت هذا بالنسبة للمكافأة وأما متأخر المرتب فيعتبر تركة يقسم بين ورثته الشرعيين قسمة الميراث للزوجة منه الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لأولاده للذكر ضعف الأنثى تعصيبا - وهذا إذا كان الحال كما ذكر ولم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/320)
التعويض والميراث
F حسن مأمون .
شعبان سنة 1306 هجرية - 27 من مارس سنة 1957 م
M 1 - التعويض المستحق من احدى الشركات يخضع فى تقسيمه لقانون الشركة المختصة بصرفه .
2 - إذا لم يكن لدى الشركة قانونينظم صرف التعويض المستحق أخذ حكم التركات .
وقسم بين الورثة طبقا لأحكام المواريث . 3 - بانحصار الارث فى أم وأب يكون للأم السدس فرضا وللأب الباقى تعصيبا .
4 - إذا اجتمع الاخوة والأخوات مع الأب حجبوا عن الميراث
Q من محمد حسن قال توفى شخص سنة 1956 عن أبيه وأمه واخوته واخواته لأبيه وعن أخواته لأمه فقط وتركته عبارة عن مبلغ قدره 500 جنيه قيمة التعويض المستحق من احدى الشركات
An هذا المبلغ يخضع فى تقسيمة لقانون الشركة المختصة بصرفه فإذا لم يكن لدى الشركة قانون ينظم صرفه فانه يأخذه حكم التركات ويقسم قسمتها طبقا لأحكام المواريث فى الشريعة الإسلامية وبناء على هذا يكون لأمه السدس فرضا لوجود من يحجبها إلى السدس وهو عدد من الاخوة والاخوات والباقى يستحقه الاب تعصيبا ولا شئ للاخوة لأب والأخوات لأم بحجبهم جميعا بالأب الذى يحجب الاخوة من كل جهة وهذا إذا لم يكن له وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/321)
الزوجة ترث زوجها ولو لم يدخل أو يختل بها
F حسن مأمون .
رجب سنة 1377 هجرية - 26 من يناير سنة 1957 م
M 1 - وفاة الزوج قبل الدخول والخلوة بزوجته غير مانع لها من الارث فيه .
2 - بوفاة الزوج قبل الدخول والخلوة يتأكد المهر جميعه فى ذمته ولا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء
Q من السيد محمد لطفى بطلبه المتضمن أن رجلا عقد قرانه على امرأة وتوفى قبل الدخول بها والخلوة فهل ترثه شرعا ام لا وهل تستحق جميع المهر أم لا
An ان الزوجية التى هى سبب من أسباب الارث تثبت شرعا بمجرد العقد والزوجة ترث زوجها شرعا ولو لم يدخل بها أو يختل بها قبل الوفاة فيكون لها فى تركته الربع فرضا ان لم يكن له فرع وارث والثمن فرضا ان كان له فرع وارث ولم يكن له زوجة سواها أما إذا كان له أكثر من زوجة فانهن يشتركن فى هذا الفرض إلى الحالين ويقسم بينهن بالتساوى وبوفاة الزوج قبل الدخول والخلوة يتأكد المهر جميعه فى ذمته ولا يسقط إلا بالأداء اليها من تركته أو ابرائها زوجها المتوفى منه لأنه من الديون الصحيحة التى تقضى من التركة قبل قسمتها بين الورثة والله أعلم(7/322)
متجمد النفقة حتى تاريخ الوفاة تركة يستحق فيها الزوج
F حسن مأمون .
ذو الحجة سنة 1376 هجرية - 21 من مايو سنة 1957 م
M 1 - متجمد النفقة المحكوم بها للزوجة حتى تاريخ وفاتها يعتبر تركة يستحق فيها زوجها وما بعد تاريخ الوفاة من حق زوجها فقط ولا يعتبر تركة .
2 - بانحصار الارث فى زوج وأم وابن يكون للزوج الربع فرضا وللأم السدس فرضا وللابن الباقى تعصيبا
Q طلب السيد مأمور مركز ديرمواس .
تقسيم تركة فوزية عبد الباقى المتوفاة فى 28/8/1952 عن زوجها وأمها وابنها فقط وصدر حكم نفقة لهذه المتوفاة على زوجها المذكور وقد تجمد مبلغ من هذه النفقة قبل وفاتها
An المبلغ المتجمد للمتوفاة المذكورة قبل وفاتها فى يوم 28/8/1952 فقط يعتبر تركة عنها يرثه ورثتها الشرعيون فيكون لزوجها ربعه فرضا ولأمها سدسه فرضا لوجود الفرع لاوارث ولابنها الباقى تعصيبا أما المبلغ المتجمد بعد تاريخ وفاتها وهو 28/8/1952 فيكون من حق زوجها ولا يورث عنها شرعا وهذا إذا لم يكن لها وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/323)
مكافأة المتوفى ليست تركة ما لم يمتلكها قبل الوفاة
F حسن مأمون .
محرم سنة 1377 هجرية - 4 من أغسطس سنة 1957 م
M 1 - توزع المكافأة طبقا للقوانين واللوائح لا عن طريق الميراث ما لم يمتلكها المتوفى قبل وفاته .
2 - بوفاة المتوفى عن زوجته وبنته وقد أعطت المصلحة الزوجة نصف المكافأة فلا مانع من اعطاء بنته النصف الباقى
Q طلب السيد سكرتير مجلس بلدى السويس .
تقسيم تركة حسن اسماعيل المتوفى عن زوجته وبنته فقط
An طبقا للاحكام الفقهية ان هذه المكافأة لم يمتلكها المتوفى قبل وفاته فلا تكون تركة عنه وانما توزع طبقا للقوانين وللوائح الخاصة بذلك لدى المصلحة التى كان يعمل بها المتوفى ويمتلكها هؤلاء ابتداء لا عن طريق الميراث عن المتوفى فإذا لم يكن هناك قانون وقد أعطيت زوجته نصف المكافأة فنرى ان تعطى بنته النصف الثانى(7/324)
اختلاف الجنسية وأثره فى الميراث
F حسن مأمون .
صفر سنة 1377 هجرية - 19 من سبتمبر سنة 1957 م
Mبوفاة المتوفى عن ابن تجنس بالجنسية الفرنسية واختين شقيقتين ان كانت قوانين فرنسا لا تمنع توريث الأجنبى عنها .
فالتركة جميعها للابن تعصيبا والا فهى للشقيقتين فرضا وردا مناصفة بينهما
Q من الاستاذ ماهر حلمى .
قال ان فاهى بربيان المسيحى المذهب والمصرى الجنسية توفى بمصر سنة 1957 وترك ابنا مسيحى المذهب وفرنسى الجنسية ومقيم بفرنسا واختين شقيقتين مسيحيتى المذهب ومصريتى الجنسية وطلب بيان ما إذا كان الابن يستحق تركة والده المتوفى أم لا لاختلاف الدارين
An إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة يكون لابنه الفرنسى الجنسية جميع تركته إذا كانت شريعة فرنسا لا تمنع من توريث الاجنبى عنها طبقا للمادة السادسة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 اما إذا فقدها الشرط فتكون تركته لأختيه الشقيقتين مناصفة بينهما فرضا وردا ولا شئ لابنه المذكور فى هذه الحالة لما بينا والله أعلم(7/325)
مكافاة المدة المستحقة بعد الوفاة والمرتب المستحق قبلها
F حسن مأمون .
التاريخ 10 من جماد الثانى سنة 1377 هجرية - 3 من ديسمبر سنة 1957 م
M 1 - المرتب المستحق يكون تركة عن المتوفى ويقسم قستها شرعا .
2 - المكافأة عن مدة الخدمة المستحقة بعد الوفاة ليست تركة ويكون استحقاقها لمن يستحقها من الورثة طبقا للقانون المنظم لها والا كانت تركة وتقسم قسمتها
Q طلب مدير مديرية الفيوم .
تفسيم مبلغ استحقه المرحوم عطيه أحمد قبل وفاته من مرتب شهر مارس سنة 1954 وتقسيم مبلغ مكافأة عن مدة خدمته على ورثته وهم زوجته سعدية عبد الباقى أبو زيد وبنتاه سيدة وحميدة وأخوه الشقيق عبد القادر أحمد فقط
An المبلغ الذى استحقه من مرتب شهر مارس سنة 1954 يعتبر تركة عنه ويرثه ورثته الشرعيون فتستحق فيه زوجته ثمنه فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتيه ثلثاه مناصفة بينهما فرضا ولأخيه الشقيق الباقى تعصيبا - أما مبلغ مكافأته عن مدة خدمته فانه لا يعتبر تركة عنه لأنه لم يتملكه قبل وفاته وانما يكون ملكا لمستحقه من ورثته طبقا للقانون الخاص بذلك وإذا لم يكن هناك قانون للمصلحة التى يتبعها الشخص المتوفى خاص بذلك فنرى أن تقسم هذه المكافأة لأحكام قانون المواريث وحينئذ يجرى تقسيمها كقسمة مبلغ المرتب المذكور وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/326)
ضرب الوارث مورثه ضربا أفضى إلى موته
F حسن مأمون .
رجب سنة 1377 هجرية - 22 من يناير سنة 1957 م
M 1 - ضرب الوارث مورثه ضربا أفضى إلى موته غير مانع من الارث فيه إذا كان قاصدا قلته .
2 - بانحصار الارث فى زوج وأم وبنتين يكون للزوج الربع فرضا وللأم السدس فرضا وللبنتين الثلثان فرضا وفى المسألة عول .
3 - متى استغرقت الفروض التركة فلا شئ للعاصب
Q تضمن سؤال طلبة عبد الدايم أبوشادى المتضمن أن س ع أ اعتدى على زوجته ع ع .
أ اعتداء أدى إلى وفاتها وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتاريخ 2/2/1957 فى القضية رقم - لسنة 1956 شمال القاهرة وأنها توفيت عن بنتيها الفت والهام ووالدتها ست الدار وأخواتها الأشقاء عبد الوهاب وطلبه ومسلم وأختها لأبيها ستوتة وعن أخيها لأمها محمد فقط - وقدم حكم المحكمة المشار إليه وقد جاء به أنه ثبت للمحكمة ورسخ فى يقينها أن س ع أ فى الزمان والمكان سالف الذكر ضرب ع ع أ عمدا فاحدث بها الاصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها ولم يكن يقصد من ذلك قتلا ولكن الضرب أفضى إلى متها
An ان القتل المانع من الارث طبقا للمادة الخامسة من القانون رقم 77 سنة 1943 هو القتل العمد العدوان فقد جاء بها من موانع الارث قتل المورث عمدا سواء كان القاتل فاعلا أصليا أم شريكا أم شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام إذا كان القتل بلا حق ولا عذر وكان القاتل عاملا بالغا من العمر خمس عشرة سنة ويعد من الأعذار تجاوز حق الدفاع الشرعى ) ولأن القتل العمل لا يتحقق إلا إذا ثبت أن الوارث قصده بما أرتكبه سواء كان فعله مباشرة للقتل أو متسببا فيه وقد ثبت من الحكم المرفق أن س .
ع لم يقصد قتل زوجته ع ع ا وإن أدى ضربه إياها إلى قتلها فلا يكون ممنوعا من ارثها طبقا للمادة السابقة .
وبوفاتها عن المذكورين سابقا يكون لزوجها من تركتها الربع فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتيها الثلثان فرضا مناصفة بينهما ولوالدتها السدس فرضا لوجود الفرع الوارث فأصل المسألة من أثنى عشر سهما وتعول إلى ثلاثة عشر سهما تنقسم اليها تركة هذه المتوفاة لزوجها سليمان منها ثلاثة أسهم ولبنتيها ثمانية اسهم مناصفة بينهما ولوالدتها سهمان .
ولا شئ لاخوتها الأشقاء لاستغراق التركة بسهام أصحاب الفروض كما لا شئ لأخيها لأمها لحجبه بالفرع الوارث .
وهذا إذا لم يكن لها وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة . والله أعلم(7/327)
الاقرار بالبنوة يعقب ميراثا
F حسن مأمون .
جمادى أول سنة 1379 هجرية - 21 من نوفمبر سنة 1959 م
M 1 - البنوة الحقيقة سبب من أسباب الارث .
2 - اقرار المتوفى بالبنوة قبل وفاته .
وكان الظاهر لا يكذبه فى اقراره اقرار صحيح شرعا تثبت به البنوة ويترتب عليه جميع الحقوق المشروعة .
3 - البنوة لا تثبت الاقرار إذا صرح المقر باتخاذ المقر له ولدا وليس بولد حقيقى له أو صلح بأنه ابنه من الزنا
Q من السيد محمد القبطان المتضمن أن رجلا مسلما تبنى لقيطين وأقر ببنوتهما بمقتضى اشهادين بعد أن تسلمهما من احدى المستشفيات الأميرية وكانا قد سلما للمستشفى بمقتضى محاضر بوليس رسمية بعد أن عثر على اخذهما بتاريخ 17 مايو سنة 1940 والأخر بتاريخ 2 أغسطس سنة 1940 وان سن كل منهما عند الاقرار 3 سنوات وشهور وسأل هل يستحقان شيئا فى تركة المتوفى باعتبارهما ولدين له بالاسناد إلى اقراره بالبنوة الرسمى أمام القاضى شرعا وان كان الواقع المؤيد بالأوراق الرسمية يكذب هذا الاقرار .
وذكر فى الطلب ان البنت تزوجت والولد أصبح قادرا على الكسب وقدم - أولا الاعلام الشرعى رقم 107 متتابعة الصادر لدى محكمة العطارين الشرعية بتاريخ 21/12/1943 من المكلفين حسين أفندى حسن وهبة مقاول أعمال وزوجته نعمات عبد الرحيم قناوى الشهيرة بحكمت بأنهما أقرا بأن الطفل حمدى ابنهما وانهما يقران ببنوته وانهما رزقا به على فراش الزوجية الصحيحة شرعا - الثابتة بمقتضى وثيقة رسمية بتاريخ 28 سبتمبر سنة 1933 رقم 7 عملية مأذون شرعى قسم مينا البصل - ثانيا - صورة رسمية من الاشهار رقم 486 متتابعة الصادر من محكمة الاسكندرية الابتدائية الشرعية بتاريخ 1/7/1943 من حسين حسن وهبة والست نعمات عبد الرحيم قناوى الشهيرة بحكمت زوجته بأنهما اقرا بأن فتحية الصغيرة بنتهما وانها هى المرزوقة لهما على فراش الزوجية الصحيحة الثابت فى التاريخ المذكور - واطلعنا على ملف الفتوى المقيد طلبها برقم 1208 سنة 1959 المقدم من الأستاذ محمود وصيف المحامى بالاسكندرية والمتضمن طلب الافتاء فى نفس الحادثة وقد قدم معه صورة شمسية من الاعلام الأول المبين سابقا
An انه بالاطلاع على هذا الاستفتاء وما أرفق به تبين أنه نفس الاستفتاء المقيد برقم 1208 سنة 1959 وقد سبق أن أجبنا عليه بفتوانا رقم 341 سجل 88 وهو نفس جوابنا عن هذا الاستفتاء ونصه كالآتى - نفيد بأن المنصوص عليه شرعا أن من أسباب الارث البنوة الحقيقية وهو أن يكون الابن مولودا للمتوفى من فراش صحيح معترف به أو أن يكون المتوفى قد أقر ببنوته قبل وفاته وكان الظاهر لا يكذبه فى اقراره بأن كان المقر له صغيرا ليس من أهل التمييز مجهول النسب ويولد مثله لمثل المقر شرعا .
أما إذا كان المقر له كبيرا فيشترط مع إقرار المتوفى له بالبنوة تصديق المقر له للمقر فى هذا الاقرار .
ولا تثبت البنوة بالاقرار إذا صرح المقر بأنه يتخذه ولدا وليس بولد حقيقى أو صرح بأنه ابنه من الزنا ولما كان الولدان صغيرين ومجهولى النسب ويولد مثلهما لمثل المقر وقت الاقرار فيكون اقرار الرجل المذكور ببنوتهما اقرارا صحيحا شرعا تثبت به بنوتهما الشرعية له ويترتب على هذا الاقرار جميع الحقوق التى للأبناء على الآباء ومنها أنهما يرثانه شرعا عند وفاته باعتبارهما ولدين له(7/328)
أموال صندوق الادخار والميراث
F حسن مأمون .
ذو الحجة سنة 1377 هجرية - 16 من يولية سنة 1958 م
M 1 - المال المدخر يقسم مع التركة قسمة الميراث إذا لم يكن هناك قانون ينظم أموال الادخار ويبين كيفية توزيعها .
2 - إذا وجد قانون ينظم توزيع المال المدخر يجب العمل به .
3 - بانحصار الارث فى زوجة وأولاد يكون للزوجة الثمن فرضا والباقى للأولاد ذكورا واناثا للذكر مثل حظ الأنثيين
Q طلب المدير المساعد لمنطقة قنا التعليمية تقسيم مبلغ استحقه المرحوم محمد عبد المتعال فى صندوق الادخار بين ورثته وفد توفى بتاريخ 14 فبراير سنة 1954 عن ورثته وهم زوجته سعاد محمد وأولاده رجاء ونوال وناهد وجمال فقط
An إذا لم يكن هناك قانون ينظم أموال الادخار وكيفية توزيعها بعد وفاة المدخر فإننا نرى أنه يوزع طبقا لأحكام قانون المواريث وحينئذ يكون لزوجته ثمن تركته ومنها المبلغ المطلوب تقسيمه فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لأولاده للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة .
والله أعلم(7/329)
المنحة والميراث
F حسن مأمون .
ذو الحجة سنة 1377 هجرية - 17 من يوليو سنة 1958 م
M 1 - المنحة إذا اعتبرت تركة تقسم تقسيم التركات .
2 - فان لم تعتبر تركة يطبق فى توزيعها القوانين الموضوعية الخاصة بالمنح والمكافآت .
3 - بانحصار الارث فى أب وأم وزوجة وبنت يكون للبنت النصف فرضا وللزوجة الثمن فرضا وللأم السدس فرضا وللاب الباقى فرضا وتعصيبا
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عبد الله محمد المتضمن أن نجله كان عاملا ببلدية القاهرة قسم النظافة وتوفى عن والده ووالدته وزوجته وبنته من زوجة أخرى مطلقة ولم يترك تركة قود منحته نقابة عمال البلدية منحة قدرها 40 جنيها منها 10 جنيها خارجة المتوفى .
وطلب السائل الافادة عمن يستحق مبلغ الثلاثين جنيها المذكورة
An ان كان مبلغ المنحة المذكورة معتبرا تركة ويقسم تقسيم التركات يكون لزوجته ثمنه فرضا لوالدته سدسه فرضا لوجود فرع وارث ولبنته نصفه فرضا ولوالده الباقى بعد الثمن والسدس والنصف فرضا وتعصيبا .
أما إذا كان مبلغ المنحة يتبع فى توزيعه قانونا خاصا ولا يقسم قسمة التركات فيطبق فى تقسيمه القوانين الموضوعية الخاصة بالمنح والمكافآت .
وبهذا علم الجواب على السؤال .
والله أعلم(7/330)
مكافأة نهاية الخدمة واعانة النقابات مع الميراث
F حسن مأمون .
محرم سنة 1378 هجرية - 22 من يوليو سنة 1958 م
M 1 - المكافأة والاعانة إذا اعتبرا تركة للمتوفى تقسمان على الورثة تقسيم التركات .
2 - بانحصار الارث فى أب وزوجة وأولاد يكون للأب السدس فرضا للزوجة الثمن فرضا والباقى للأولاد للذكر ضعف الأنثى
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيدة فوزية حسن المتضمن أن زوجها المرحوم محمد محمود قابيل ( كاتب حسابات بالمطبعة الأميرية ) توفى فى مايو سنة 1958 عن زوجته الطالبة ووالده وأولاده ذكرين وأنثى فقط وأولاده من زوجة أخرى متوفاة وطلبت السائلة الافادة عما يستحقه كل وارث فى المكافأة المستحقة للمتوفى وكذا فى الاعانة التى تمنح لهم من النقابة
An انه إذا كانت المكافأة والاعانة تعتبر كل منهما تركة تقسم على الورثة تقسيم التركات يكون لزوجته ثمنها فرضا ولوالده سدسها فرضا لوجود فرع وارث ولأولاده الذكرين والأنثى بعد الثمن والسدس تعصيبا للذكر ضعف الأنثى أما إذا كانت لا تعتبر تركة بل تخضع لقانون موضوعى ينظم توزيعها فتقسم طبق القانون الموضوع فى وعلى الوجه الذى نص عليه فيه وبهذا علم الجواب على السؤال .
والله أعلم(7/331)
ميراث المتوفى عنها زوجها
F حسن مأمون .
التاريخ 2 من جمادى ثان سنة 1378 هجرية - 13 من ديسمبر سنة 1958 م
M 1 - من المنصوص عليه شرعا أن المعتدة من طلاق أو وفاة تعتد فى البيت الذى وجبت فيه العدة .
2 - معتدة الوفاة لا تجب لها النفقة بأنواعها ومنها أجر المسكن ومن ثم فلا تقيم أثناء العدة إلا فى نصيبها .
3 - ليس للمتوفى عنها زوجها الحق فى البقاء فى نصيب باقى الورثة بدون أجر .
والا فلهم منعها أو اخراجها منه . 4 - بانحصار الارث فى زوجة وأخوين شقيقين ذكر وأنثى يكون للزوجة الربع فرضا وللأخوين الشقيقين الباقى للذكر ضعف الأنثى تعصيبا
Q اطلعنا على السؤال المقدم من السيد / عبد الله محمد المتضمن أن المرحوم الحاج توفيق شعير توفى سنة 1958 عن زوجته واخويه الشقيقين ذكر وانثى فقط - وان هذا المتوفى ترك عوامه بشارع الجبلاية رقم 18 بالزمالك وزوجة هذا المتوفى مقيمة بتلك العوامة جميعها وتمنع باقى الورثة من حقهم فيها مدعية أن لها الحق فى البقاء فيها مدة انقضاء عدتها وهى أربعة أشهر وعشرة أيام وهذا الحق لها شرعا وبدون أجر وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما إذا كان يحق لهذه الزوجة البقاء فى العوامة المدة المذكورة جميعها بدون أجر أو لا
An أنه بقسمة تركة هذا المتوفى ومنها العوامة المسئول عنها يكون لزوجته ربعها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأخويه الشقيقين الثلاثة الأرباع الباقية للذكر ضعف الأنثى تعصيبا وتثبت ملكية كل وارث من المذكورين فى نصيبه من يوم وفاة هذا المتوفى وله الحق فى الاستيلاء على ريع نصيبه من هذا التاريخ ومن المنصوص عليه شرعا أن المعتدة سواء كانت معتدة من طلاق أو من وفاة تعتد فى البيت الذى وجبت فيه العدة إلا أن معتدة الوفاة لا تجب لها النفقة بأنواعها ومنها أجر سكناها وحينئذ فالمعتدة المسئول عنها تعتد فى نصيبها من هذه العوامة وقدره الربع وإذا لم يكفيها اشترت أو استأجرت من نصيب باقى الورثة ما يكفيها فى ذلك ان كان ذلك فى مقدرتها وليس لها الحق فى البقاء فى نصيب باقى الورثة بدون أجر لهم والا فلهم منعها أو اخراجها من نصيبهم وهذه الأحكام مستفادة من كتابى فتح القدير والبحر ومنه يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالىأعلم(7/332)
الاقرار بالبنوة والميراث
F أحمد هريدى .
شوال سنة 1381 هجرية - 28 من مارس سنة 1962 م
M 1 - الاقرار بالبنوة يثبت به النسب شرعا متى توافرت فيه شروطه ويكون المقر له ولدا للمقر ولكل منهما حقوق قبل الآخر .
2 - يحجب الاخوة لأب بالأخوين الشقيقين .
3 - بانحصار الارث فى زوجة وبنت وأخوين شقيقين يكون للزوجة الثمن فرضا وللبنت النصف فرضا وللأخوين الباقى تعصيبا للذكر ضعف الأنثى
Q اطلعنا على السؤال المقدم من السيد أحمد عزت المتضمن أن المرحوم أحمد فهمى توفى سنة 1961 عن ورثته وهم زوجته عين الحياة أمين سعد وبنته التى تبناها وقيدها بشهادة ميلاد وسماها نادية وأخوان شقيقان منصور ومشرفة ولدا العزب أحمد وأخوته لأبيه سيد أحمد ومحمد وابراهيم وفاطمة وتفيدة أولاد العزب أحمد فقط - وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة هذا المتوفى ومن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث وهل بنته المتبناه تستحق فى تركته شيئا أو لا
An المقرر شرعا أن الاقرار بالبنوة يثبت به النسب شرعا إذا توافرت فيه شروط ثلاثة الأول أن يكون المقر له مجهول النسب والثانى ان يكون المقر له من السن بحيث يولد مثله لمثل المقر والإرث أن يصدق المقر له المقر فى هذا الاقرار إذا كان قد بلغ حد التمييز وأن يكون هذا الاقرار قد جرى على نسق الأوضاع والشروط الواجبة فى الاقرار بصفة عامة - فإذا توفر ذلك فى الاقرار بالبنوة ثبت به النسب وصار المقر له ولدا للمقر وصارت له كل حقوق الولد وعليه واجبات الولد شرعا وبالتالى إذا كان الاقرار فى الحادثة فد توافر فيه ذلك يثبت به النسب شرعا وعلى هذا الاساس تقسم تركة المتوفى على ورثته فيكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنته نادية النصف فرضا والباقى لأخويه الشقيقين للذكر منهما ضعف الأنثى تعصيبا ولا شئ لأخوته لأبيه لحجبهم بالاخوين الشقيقين وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة .
والله أعلم(7/333)
التعويض والادخار والمكافأة فى الميراث
F أحمد هريدى .
ذى القعدة سنة 1381 هجرية - 19 من ابريل سنة 1962 م
M 1 - التعويض بمنزلة مال الدية يقسم قسمة الميراث .
2 - المال المدخر والمكافأة يخضعان للقانون الخاص بالمصلحة التابع لها المتوفى .
3 - إذا لم يكن هناك قانون منظم لكل من مال الادخار والمكافأة قسما قسمة الميراث .
4 - بانحصار الارث فى زوجة وأم وبنت وأخوين شقيقين يكون للزوجة الثمن فرضا وللأم السدس فرضا وللبنت النصف فرضا وللأخوين الشقيقين الباقى تعصيبا
Q اطلعنا على السؤال المقدم من الإمام عطية المتضمن أن المرحوم السيد عطية الشرقاوى توفى بحادث حال تأدية عمله بشركة الأسمنت القومية بحلوان عن ورثته وهم زوجته مشرقة الشهيرة بفهيمة محمد عبد ربه ووالدته خديجة ابراهيم حجازى وبنته أصيلة واخوته الأشقاء الامام وعبد اللطيف وبهية أولاد عطية الشرقاوى فقط وان لهذا المتوفى تعويضا ومكافأة ومال ادخار وطلب بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم هذه الأموال ونصيب كل وارث
An ان مال التعويض بمنزلة مال الدية ومال الدية يقسم قسمة الميراث - أما مال الادخار والمكافأة فان كلا منهما يخضع للقانون الخاص بالمصلحة التى يتبعها هذا المتوفى فإذا لم يكن هناك قانون منظم لكل من مال الادخار والمكافأة فانهما يقسمان قسمة الميراث أيضا وفى هذه الحالة .
فان هذه الأموال جميعها تقسم بين ورثته المذكورين فيكون لزوجته الثمن فرضا ولوالدته السدس فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنته النصف فرضا والباقى لأخوته الأشقاء للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/334)
الحق فى الارث وتقادم الزمان
F أحمد هريدى .
ذى الحجة سنة 1381 هجرية - 22 من مايو سنة 1962 م
M 1 - المقرر شرعا أن الحق فى الارث لا يسقط بتقادم الزمان .
2 - لا تسمع الدعوى بالارث أمام القضاء بمضى المدة المقررة مع الانكار والتمكن وعدم العذر الشرعى .
3 - يبدأ من التركة بتجهيز الميت إلى قبره ثم سداد ديونه ثم تنفيذ وصاياه والباقى بعد ذلك يكون هو التركة التى توزع شرعا على الورثة
Q من السيد / يوسف سعد المتضمن أن خليفة مروان خطاب توفى بتاريخ 18/11/1982 عن ورثته وهم زوجته حفيظة حسن سلامة أولاده محمد ونظيمة ولطيفة وترك ميراثا شرعيا قسم بعضه على جميع الورثة وترك 3 قراريط و 2 فدان ومنازل لم تقسم للآن، ثم توفيت بعده زوجته حفيظة حسن سلامة بتاريخ 16/9/1940 عن أولادها محمد خليفة ونظيمة خليفة ولطيفة وتركتها هى نصيبها فى تركة زوجها خليفة مروان خطاب، ثم توفى ابنها محمد خليفة بتاريخ 26/1/1952 عن زوجته حبيبة دياب وأولاده محمد ونبوية ومنيرة وبهية وان محمد محمد خليفة ابن ابن المتوفى الأول قد تعرض لباقى ورثة جده خليفة مروان خطاب فى القدر الذى لم يقسم من الأطيان والمنازل وقرر أنه لاحق للورثة فى أطيان جده خليفة مروان بعد مضى 33 سنة، وطلب السائل بيان حكم الشرعى فى ذلك وهل يسقط حق الورثة الأصليين فى ميراثهم عن والدهم بطول المدة
An المقرر شرعا أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان وأن عدم سماع الدعوى فى الارث بمضى ثلاث وثلاثين سنة مع الانكار والتمكن وعدم العذر الشرعى ليس مبنيا على سقوط الحق فى ذاته - وانما هو مجرد منع للقضاة من سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه .
حتى لو أقر به الخصم يلزمه، والمنصوص عليه قانونا أن القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التى مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعى من اقامتها وعدم العذر الشرعى فى عدم اقامتها إلا فى الارث والوقف فانه لا يمنع من سماعها إلا بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعى - وهذا كله مع الانكار للحق فى تلك المدة، والمقرر فقها قانونا أن تركة المتوفى التى تورث عنه بعد وفاته هى الباقى بعد تجهيزة وتكفينه ودفنه ثم سداد ديونه .
ثم تنفيذ الوصايا سواء كانت واجبة أو اختيارية، ويتضح مما ذكر أن الحق لا يسقط مهما طالت المدة وانما يسقط حق المطالبة - بمضى المدة المقررة فلا تسمع الدعوى به أمام القضاء ، وظاهر من حادثة السؤال أنه ليس هناك نزاع ولا انكار فى صفة الوراثة ولا فى أن المقدار المشار إليه بالسؤال من الأطيان والمنازل من تركة المتوفى الأول خليفة مروان خطاب فيكون من حق ورثته جميعا اقتسام جميع تركته بينهم بمقدار الأنصباء الشرعية طبقا لأحكام قانون المواريث رقم 77 سنة 1943 ولا محل للاعتراض بالنسبة للمقدار 3 قراريط، 2 فدان والمنازل التى لم يقسم من قبل واذن تقسم جميع تركة خليفة مروان خطاب المتوفى فى 28/11/1928 بين ورثته بما فى ذلك الأطيان والمنازل التى لم تقسم إلى الآن ومن ذلك يعلم الجواب عما جاء بالسؤا ل(7/335)
ميراث من أسلم بعد وفاة مورثه
F أحمد هريدى .
شوال سنة 1380 هجرية - 8 من ابريل سنة 1961 م
M 1 - اتحاد الدين واختلافه معتبر عند وفاة المورث بالنسبة للوارث .
2 - بانحصار الارث فى زوجة وابن أسلم بعد وفاة والده يكون للزوجة الثمن فرضا وللابن الباقى تعصيبا لاتحاده فى الدين مع أبيه حين وفاته
Q اطلعنا على السؤال المقدم من عبد الله أحمد المتضمن وفاة حكيم ابراهيم سنة 1943 عن ورثته وهم زوجته عديلة حنا وبنتاه أنصاف وجيفيان واخواته الأشقاء حبيب وعبد السيد وباخوم ابناء ابراهيم ملطى فقط ثم وفاة حبيب ابراهيم ملطقى سنة 1952 عن ورثته وهم زوجته اجبة مرقص وابنه رمزى فقط وبعد وفاة هذا المتوفى اعتنق ابنه رمزى المذكور الدين الإسلامى بتاريخ 30/4 سنة 1958 وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة كل متوفى ونصيب كل وارث وهل اعتناق رمزى المذكور للدين الإسلامى بعد وفاة والده يؤثر فى القدر الذى ورثه أولا
An بوفاة حكيم ابراهيم عن ورثته يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتيه الثلثان مناصفة بينهما فرضا والباقى لأخوته الأشقاء بالتساوى بينهم تعصيبا وبوفاة حبيب ابراهيم ملطى سنة 1956 عن ورثته المذكورين يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لابنه رمزى تعصيبا لأنه كان متحدا فى الدين مع أبيه حين الوفاة وهو الوقت الذى تثبت فيه الوارثة وينتقل الارث فيعتبر اتحاد الدين أو اختلافه فى ذلك الوقت - أما اعتناق ابنه رمزى الإسلام بعد ذلك فلا أثر له مطلقا ولا يمنعه من الميراث شرعا والله أعلم(7/336)
الاتهام بالقتل عند عدم الثبوت لا يمنع من الميراث
F أحمد هريدى .
شعبان سنة 1381 هجرية - 11 من يناير سنة 1962 م
M 1 - من شروط التوارث وفاة المورث حقيقة أو حكما وحياة الوارث بعد ذلك .
2 - إذا لم يثبت بطريق يقينى أى المتوفيين مات أولا وأيهما مات ثانيا فلا توارث بينهما ويرث كلا منهما ورثته الآخرون .
3 - اتهام الزوج وأم الزوجة بقتل الزوجة وولدها بغير دليل صحيح لا يحرمهما من الميراث .
4 - استغراق أصحاب الفروض للتركة مانع من ميراث العصبة .
5 - بنت الأخ من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات .
6 - بانحصار الارث فى زوج وأم وأخت شقيقة وأختين لأم يكون للزوج النصف فرضا وللام السدس فرضا وللاخت الشقيقة النصف فرضا وللأختين لأم الثلث مناصفة بينهما فرضا وفيما عول .
7 - بانحصار الارث فى أب وجدة لأم يكون للجدة لأم السدس فرضا وللأب الباقى تعصيبا
Q اطلعنا على السؤال المقدم من عبد الحميد أحمد المتضمن أن زوجة السائل ف م د وابنه مسامح واجدا مقتولين بالمساقى وقد قرر الطبيب الشرعى بعد الكشف عليهما أن الزوجة مقتولة من منذ خمسة أيام والابن مقتول من منذ أربعة أو خمسة أيام وذلك وقت العثور عليهما وقد اتهم الزوج فى قتلهما واتهمت أم الزوجة أيضا فى قتلهما ولكن جريمة القتل لم تثبت عليهما وحفظ التحقيق كما جاء بالطلب وقدم السائل صورة عرفية من تقرير الطبيب الشرعى دلت على ما ذكر وان الزوجة ف .
م توفيت عن ورثتها وهم زوجها ع . أ ر وأمها س م وأختها الشقيقة س م م وأختاها لأمها وابنا أخيها الشقيق وبنت أخيها الشقيق فقط وتوفى مسامح عن ورثته وهما والده ع أ ر وجدته لأم فقط وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة كل متوفى ومن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث
An المقرر شرعا أن شرط التوارث وفاة المورث حقيقة أو حكما وحياة الوارث بعد ذلك فإذا لم يتحقق ذلك لا يجرى التوارث بين الشخصين وفى الحادثة موضوع السؤال لم يثبت بطريق يقينى أى المتوفيين مات أولا وأيهما مات ثانيا فلا يجرى التوارث بينهما شرعا ويرث كلا منهما ورثته الآخرون فإذا كانت المتوفاه ف .
م. د توفيت عن زوجها وأمها وأختها الشقيقة وأختها لأمها وابنى أخيها الشقيق وبنت أخيها الشقيق فقط وإذا كان الزوج والأم قد اتهما بقتل هذه المتوفاة ولم يثبت عليهما أنهما قتلاها بدليل صحيح فانهما لا يحرمان من الارث شرعا غذ الحرمان من الارث انما هو للقاتل ولم يثبت انهما قاتلان .
واذن يكون زوجها النصف من تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها السدس فرضا لوجود جمع من الأخوات ولأختها الشقيقة النصف فرضا ولأختيها لأمها الثلث فرضا مناصفة بينهما فأصل المسألة من ستة أسهم وتعول إلى تسعة أسهم وبالقسمة يخص الزوج ثلاثة أسهم ويخص الأم سهم واحد ويخص الأخت الشقيقة ثلاثة أسهم ويخص الاختين لأم سهمان لكل منهما سهم ولا شئ لابنى أخيها الشقيق لأنهما من العصبة ولم يبق لهما شئ من التركة بعد أصحاب الفروض ولا شئ أيضا لبنت أخيها الشقيق لأنها من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات .
وإذا كان المتوفى مسامح عبد الحميد توفى عن والده وجدته لأمه فقط فيكون لجدته لأمه السدس فرضا ولوالده الباقى تعصيبا وهذا إذا لم يكن لكل متوفى وارث أخر ولا فرع يستحق وصية واجبة ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال والله أعلم(7/337)
التنازل عن الميراث بعد الاستحقاق جائز شرعا
F أحمد هريدى .
التاريخ 9 من جماد اخر سنة 1382 هجرية - 6 من نوفمبر سنة 1962 م
M 1 - بانحصار الارث فى زوجة وبنت واخوة أشقاء يكون لزوجته الثمن فرضا وللبنت النصف فرضا والباقى للاخوة الأشقاء تعصيبا بالسوية بينهم .
2 - تنازل الاخوة الأشقاء عن نصيبهم فى التركة بعد استحقاقهم له للبنت جائز شرعا
Q طلبت مديرية أمن الغربية بكتابها رقم 9586 بيان الأنصبة الشرعية لورثة المرحوم حامد عبد الرازق طبيخ المتوفى سنة 1961 عن زوجته الناعسة المرسى طبيخ وبنته جليلة واخوته عبد الرازق ومحمد وبدر ( أنثى ) أولاد عبد الرازق طبيخ مع أن أخوة المتوفى قد تنازلوا عن نصيبهم فى التركة لبنت أخيهم المتوفى كما جاء بالاقرار المرفق
An أنه بوفاة هذا المتوفى سنة1961 عن المذكورين فقط يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود فرع وارث ولبنته نصفها فرضا ولأخوته الباقى بعد الثمن والنصف للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب، وبما أن الأخوة قد تنازلوا عن نصيبهم فى التركة بعد استحقاقهم له لبنت أخيهم وهو تنازل جائز شرعا فيؤول نصيبهم اليها طبقا لهذا التنازل وعلى ذلك فبقسمة تركة هذا المتوفى إلى ثمانية أسهم يكون لزوجته منها سهم واحد والسبعة أسهم الباقية لبنته - وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/338)
تصحيح توريث فى اعلام شرعى
F أحمد هريدى .
التاريخ 18 من مارس سنة 1963 م
M 1 - ما قضى به الاعلام الشرعى من توريث الجدة لأب مع الأم ومن جعل نصيب الأم هو السدس مع عدم الفرع الوارث ومع عدم الجمع من الاخوة غير صحيح شرعا .
2 - بوفاة المتوفى عن أم وجدة لأب وجد لأب يكون للام الثلث فرضا وللجد لأب الباقى تعصيبا ولا شئ للجدة لأب لحجبها بالأم
Q طلبت ادارة التأمين والمعاشات بالقوات المسلحة بكتابها رقم 5484 ومعه الاعلام الشرعى الصادر من محكمة ميت غمر بتاريخ 18 سبتمبر سنة 1962 والمتضمن وفاة محمود محمد السيد محمد الجندى فى سنة 1957 وانحصار ارثه الشرعى فى والدته أمينة محمود محمد واستحقاقها لسدس تركته فرضا وفى جدته لأبيه زينب سيد أحمد حسنين الجندى تستحق سدس تركته فرضا وفى جده لأبيه السيد محمد الجندى ويستحق باقى التركة فرضا وردا والمطلوب له الافادة عما إذا كانت الجدة تستحق فى هذه الحالة فى الميراث من عدمه
An أن ما جاء بالاعلام الشرعى غير صحيح بالنسبة لنصيب الأم ولتوريث الجدة والصحيح هو الآتى - للأم ثلث التركة فرضا لعدم وجود فرع وارث ولا اخوة - وللجد الباقى وهو ثلثا التركة تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب - ولا شئ للجدة لأب لحجبها بالأم(7/339)
ميراث للقيط من المورث بعد ثبوت نسبه
F أحمد هريدى .
رجب سنة 1383 هجرية - 25 من نوفمبر سنة 1963 م
M 1 - ثبوت نسب الولد اللقيط للمتوفى يحجب الأخ الشقيق وأولاد الأخ الشقيق .
2 - متى ثبت نسب الطفل اللقيط للمورث بحكم يكون ابنه شرعا .
3 - بانحصار الارث فى زوجتين وابن يكون للزوجتين ثمن تركته فرضا مناصفة والباقى للابن تعصيبا
Q اطعلنا على الطلب المقدم من السيد / محمد أحمد المتضمن أن عم السائل كان قد تسلم طفلا من مصدر حكومى واستخرج له شهادة ميلاد لقيط وأنه صدر حكم من محكمة المنصورة الاستئنافية بقيد هذا الطفل باسم أبيه ( العم ) المذكور واحدى زوجتيه وقد توفى ذلك العم عن زوجتيه وذلك الطفل وأخ شقيق وأولاد أخ شقيق وطلب السائل الافادة عما إذا كان هذا الولد يحمل لقب الأسرة ويكون له حق الميراث على أنه ابنه عصبا ويمنع باقى الورثة أم لا
An ظاهر من السؤال أنه قد صدر حكم من المحكمة بالحاق نسب ذلك الوالد بالمتوفى وعلى ذلك فيكون ابنة شرعا ويثبت لة جميع الحقوق التى للابناء على الأباء ومنها ارثه إذا توفى .
وعلى ذلك فبوفاة المتوفى عن المذكورين بالسؤال يكون لزوجتيه ثمن تركته مناصفة بينما فرضا لوجود فرع وارث والباقى بعد الثمن يكون لذلك الابن تعصيبا .
ولا شئ لأخيه الشقيق ولا لأولاد أخيه الشقيق لحجبهم بالابن وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر والله أعلم(7/340)
ثبوت النسب بعقد عرفى موجب للميراث
F أحمد هريدى .
رجب سنة 1383 هجرية - 26 من نوفمبر سنة 1963 م
M 1 - متى ثبت نسب الأخ لأم بولادته على فراض زوجية صحيحة شرعا بعقد عرفى كان وارثا ولو لم يقيد فى دفتر المواليد .
2 - بانحصار الارث فى أم وأخوين لأم وعم شقيق يكون للأم السدس فرضا وللأخوين لأم الثلث فرضا بالسوية وللعم الشقيق الباقى تعصيبا
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عطا عبد الراضى المتضمن وفاة المرحوم محمود عبد الحليم سنة 1963 عن أمه أنيسة محمود السباعى وأخيه لأمه محمد صابر اسماعيل وعن أخ لأم آخر يدعى سليم أنجبته أمه عن عقد زواج عرفى ولم يقيد دفاتر المواليد وعن عمه الشقيق عبد الحميد أحمد على فقط وطلب السائل بيان نصيب كل وارث
An بوفاة المرحوم محمود عبد الحليم أحمد على سنة 1963 عن المذكورين فقط يكون لأمه سدس تركته فرضا لوجود اثنين من الاخوة والأخويه لأم الثلث مناصفة بينهما فرضا والباقى لعمة الشقيق تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب .
هذا وعدم قيد سليم بدفتر المواليد لا يمنع من ارثه شرعا مادام نسبه ثابتا بولادته على فراض زوجية صحيحة شرعا بالعقد العرفى المشار إليه .
وهذا إذا لم يكن لهذا المتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/341)
شبكة الزوجة ميراث عنها
F أحمد هريدى .
رمضان سنة 1383 هجرية - 18 من يناير سنة 1964 م
M 1 - الشبكة للزوجة هبة لها من زوجها وتتم بالقبض وتكون ملكا لها وجزءا من تركتها تورث عنها ان كانت باقية .
2 - مؤخر الصداق ملك خالص للزوجة ومن تركتها ويورث عنها .
3 - متى استغرقت الفروض التركة فلا ميراث للعصبة .
4 - بانحصار الارث فى زوج وأخت شقيقة وأخوة لم يكون للزوج النصف فرضا ولأخت الشقيق النصف فرضا وللأخوة لأم الثلث فرضا بالسوية وفيها عول
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / سعيد اسماعيل المتضمن وفاة المرحومة زينب اسماعيل عن زوجها وأختها الشقيقة وأخوتها لأمها وأخوتها لأبيها فقط وطلب السائل بيان من يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث وهل من حق زوج هذه المتوفاة رد الشبكة التى قدمها اليها اثناء خطبتها وهل من حق ورثتها مطالبة زوجها بمؤخر صداقها
An بوفاة المرحومة زينب اسماعيل ابراهيم عنتر عن المذكورين فقط يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأختها الشقيقة النصف فرضا ولأخوتها لأمها الثلث بالتساوى بينهم ( الذكر كالأنثى ) فرضا والمسألة من ستة أسهم وتعول إلى ثمانية أسهم لزوجها منها ثلاثة أسهم ولأختها الشقيقة ثلاثة أسهم ولأخوتها لأمها سهمان يقسمان بالسوية بينهم ( الذكر كالأنثى ) ولا شئ لأخوتها لأبيها ( ذكورا واناثا ) لأنهم عصبة وقد استغرقت أنصباء ذوى الفروض التركة .
ولا حق لزوج هذه المتوفاة فى رد شبكتها لأنها هبة قد تمت بالقبض وتملكتها الزوجة وتصبح جزءا من تركمتها وتورث عنها ان كانت باقية ومن حق ورثة هذه المتوفاة مطالقة زوجها بمؤخر صداقها لأنه ملك خالص لزوجته المتوفاة ويصبح من تركتها ويورث عنها وهذا إذا لم يكن لهذه المتوفاة وارث آخر والله أعلم(7/342)
القدر المتصرف فيه قبل الوفاة يخرج عن الملك
F أحمد هريدى .
صفر سنة 1387 هجرية - 15 من مايو سنة 1967 م
M 1 - المنصوص عليه شرعا أن التركة هى ما يتركه المتوفى باقيا على ملكه إلى حين وفاته .
2 - ما تصرف فيه المتوفى قبل وفاته بأى تصرف يكون خارجا عن ملكه ولا يحتسب من تركته .
3 - بانحصار الارث فى زوج وأم وأخوات شقيقات يكون للزوج النصف فرضا وللأم السدس فرضا وللأخوات الشقيقات الثلثان بالتساوى بينهن فرضا وفى المسألة عول
Q اطلعنا على السؤال المقدم من محمد كمال الدين ابراهيم المتضمن وفاة أحمد ابراهيم بتاريخ 8/8/1959 عن ورثته وهم زوجته أم السعد محمد علام وبناته فتحية ونعيمة وعطيات وهانم وصفية وعلية وفوزية وصباح واعتماد وأخوته الأشقاء خليل ومحمد كمال الدين ونفيسة وفاطمة وزينب وعديله ورقية وأم الرزق أولاد إبراهيم خليل فقط، ثم وفاة علية أحمد ابراهيم عن ورثتها وهم زوجها ابراهيم محمد السرى ووالدتها أم السد محمد علام وأخواتها الشقيقات فتحية ونعمة وعطيات وهانم وصفية فوزية وصباح واعتماد بنات أحمد ابراهيم خليل وعماها الشقيقان خليل ومحمد كمال الدين ابنا ابراهيم خليل وعماتها الشقيقات نفيسة وفاطمة وزينب وعديلة ورقية وأم الرزق بنات ابراهيم خليل فقط وان المتوفى الأول أحمد ابراهيم خليل قد باع ما يملكه من أطيان وعقارات بعقد عرفى لزوجته وبناته وقد صدر حكم من المحكمة المختصة بصحة البيع فى بعضها على اعتبار أنه وصية والبعض الآخر على انه هبة صحيحة وأبطل البيع فيما عدا ما نص عليه بصحته بالحكم المذكور وطلبت بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة كل متوفى ونصيب كل وارث
An المنصوص عليه شرعا ان التركة هى ما يتركه المتوفى باقيا على ملكه إلى حين وفاته وأما ما تصرف فيه بطريق البيع أو الهبة أو أى تصرف آخر قبل الوفاة فيكون خارجا عن ملكه ولا يحتسب من تركته التى تقسم بين ورثته وبناء على ذلك يكون ما نص عليه بصحته مما ورد بالعقد العرفى وصدر به الحكم لا يكون من التركة ويكون ملكا لمن صدر لهم التصرف من المتوفى وحكم به وما بقى بعد ذلك سواء ما أبطلت فيه المحكمة التصرف أو ما بقى على ملكه ولم يتناوله عقد البيع العرفى يكون هو التركة التى تقسم بين ورثته وبوفاة هذا المتوفى أحمد ابراهيم خليل عن ورثته المذكورين يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبناته الثلثان بالتساوى بينهن فرضا والباقى لأخوته الأشقاء للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب .
وبوفاة عليه أحمد ابراهيم عن ورثتها المذكورين يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها السدس فرضا لوجود جمع من الأخوات ولأخواتها الشقيقات الثلثان بالتساوى بينهن فرضا .
فأصل المسألة من ستة أسهم وتعول إلى ثمانية أسهم فيكون لزوجها منها ثلاثة أسهم ولأمها سهم واحد ولأخواتها الشقيقات أربعة أسهم تقسم بينهن بالتساوى ولا شئ لعميها الشقيقين لاستغراق التركة بأصحاب الفروض ولا شئ أيضا لعماتها الشقيقات لأنهن من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات وهذا إذا لم يكن لكل متوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله سبحانه وتعالى أعلم(7/343)
الوصية الواجبة للطبقة الأولى من أولاد البنات فقط
F أحمد هريدى .
صفر سنة 1387 هجرية - 16 من مايو سنة 1967 م
M 1 - أولاد ابن البنت المتوفاة قبل أمها لا يستحقون بطريق الوصية الواجبة لأنها خاصة بالطبقة الأولى من أولاد البنات فقط وهم من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات .
2 - بانحصار الارث فى بنتين وأخوات لأب يكون للبنتين الثلثان مناصفة بينهما فرضا والثلث الباقى للأخوات لأب بالتساوى بينهن تعصيبا
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيدة / حميدة أحمد المتضمن وفاة المرحومة حبيبة مصطفى سنة 1966 عن بنتيها حميدة ورتيبة بنتى أحمد ابراهيم وعن أخواتها لأبيها نعيمة وزيكة وصلوحة بنات مصطفى أحمد وعن أولاد ابن بنتها حسين وسيد وحسنى وأمال أولاد صالح سيد قطب فقط وطلبت السائلة بيان نصيب كل وارث هل أولاد ابن بنتها المتوفاة قبلها يستحقون شيئا عن طريق الوصية الواجبة أم لا
An بوفاة المرحومة حبيبة مصطفى أحمد سنة 1966 عن المذكورين فقط يكون لبنتيها حميدة ورتيبة ثلثا تركتها مناصفة بينهما فرضا والثلث الباقى لأخواتها لأبيها بالتساوى بينهن تعصيبا لصيرورتهن مع البنتين عصبة بمنزلة أخ لأب ولا شئ لأولاد ابن بنتها لا عن طريق الميراث لأنهم من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفرض والعصبات ولا عن طريق الوصية الواجبة - لأن الوصية الواجبة خاصة بأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وذلك تطبيقا للمادة 76 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 والله أعلم(7/344)
هبة وميراث
F أحمد هريدى .
رجب سنة 1387 هجرية - 18 من أكتوبر سنة 1967 م
M 1 - المقرر شرعا أن من موانع الرجوع فى الهبة موت أحد العاقدين الواهب أو الموهوب له .
2 - بوفاة الزوجة عن زوجها الذى وهب لها مبلغا من المال صار المبلغ الموهوب من ضمن تركتها يورث عنها ان كان باقيا
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / محمد محمد المتضمن وفاة امرأة عن زوجها وعن ابنها فقط وكان زوجها المذكور قد أعطى زوجته المتوفاة المذكورة مبلغا وقدره خمسمائة جنيه على سبيل الهبة لخدمتها له أثناء مرضه الذى امتد ثمانية عشر عاما .
كما جاء بالسؤال ثم توفى الزوج الواهب وطلب السائل بيان هل من حق ورثة هذا الزوج شرعا استرداد المبلغ المذكور الموهوب أم يصبح هذا المبلغ من ضمن تركة هذه الزوجة ويقسم قسمة الميراث
An المقرر شرعا أنه من موانع الرجوع فى الهبة موت أحد العاقدين الواهب أو الموهوب له وفى حادثة السؤال يقرر السائل أن الزوجة الموهوب له توفيت كما توفى الزوج الواهب وبهذا لا يحق لورثة الزوج الواهب المطالبة بشئ من المبلغ الموهوب وقدره خمسمائة جنيه ويصبح حقا خالصا للزوجة الموهوب لها ويصير من ضمن تركتها يورث عنها ان كان باقيا ولأن الزوجية والوفاة من موانع الرجوع فى الهبة شرعا وبوفاة هذه الزوجة عن المذكورين فقط يكون لزوجها ربع تركتها فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لابنها تعصيبا وهذا إذا لم يكن لهذه المتوفاة وارث آخر غير من ذكر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/345)
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة تركة
F محمد خاطر .
شعبان سنة 1395 هجرية - 17 من أغسطس سنة 1975 م
Mمؤخر صداق الزوجة المتوفاة دين فى ذمة زوجها يضاف إلى تركتها ويقسم قسمة الميراث
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد رقيب أول فتحى أحمد المتضمن وفاة المرحومة هلالية أحمد سنة 1975 عن زوجها صدقى عبيد بدوى وأمها فاطمة عبد الوهاب جمعة وأخوتها الأشقاء فتحى ( الطالب ) ومحمد وابراهيم وحمادة ورضا ( ذكر ) فقط .
وطلب السائل الافادة عن نصيب كل وارث فى تركة المتوفاة المذكورة كما طلب الافادة عن الحكم بالنسبة لمؤخر الصداق أم مقدم الصداق فقد قرر السائل أنه قد تم قبضه عند العقد
An المقرر فقها أن المهر يجب بالعقد ويتأكد جميعه بأمور منها وفاة أحد الزوجين وعلى هذا فبوفاة الزوجة موضوع السؤال تستحق الزوجة المذكورة جميع المهر مقدمه ومؤخره ويعتبر مؤخر الصداق دينا فى ذمة الزوج يضاف إلى تركتها ويقسم مع باقى تركتها على ورثتها الشرعيين وبوفاة الزوجة المذكورة المرحومة هلالية أحمد عبد الفضيل سنة 1975 عن المذكورين فقط يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها سدسها فرضا لوجود جمع من الاخوة ولأخوتها الأشقاء الباقى بعد النصف والسدس - وهو الثلث بالسوية بينهم تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب وهذا إذا لم يكن للمتوفاة المذكورة وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/346)
ميراث زوجة بعقد عرفى
F محمد خاطر .
جمادى الأولى سنة 1397 هجرية - 7 من مايو سنة 1977 م
M 1 - لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية .
2 - إذا صادق ورثة المتوفى على عقد الزواج العرفى سمعت الدعوى وثبتت الزوجية به واستحقت الزوجة به ميراثا فى زوجها المتوفى .
3 - لا تسمع دعوى الزوجية إذا لم يصادق ورثة المتوفى على عقد الزواج العرفى ولا تستحق المدعية به ميراثا
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / جليلة عبده المتضمن أن السائلة تزوجت بشخص وأنجبت منه أولادا ثلاثة ثم طلقت منه طلاقا أول على الابراء بوثيقة رسمية - وأثناء وجود السائلة فى عدة هذا الطلاق راجعها الزوج ثانية بعقد عرفى على يد شهود وقد وعدها هذا الزوج باثبات هذا العقد رسميا وانقضى على ذلك عشر سنوات - وقد توفى هذا الزوج قبل أن يثبت هذا العقد رسميا وقصة هذا العقد مشهورة فى البلدة - قود ترك هذا المتوفى تركة وله زوجة أخرى غير سائلة .
وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع وهل لها الحق شرعا فى ميراث هذا الزوج أم لا
An تنص الفقرة الأخيرة من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة المحاكم الشرعية على أنه ( لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية فى الحوادث الواقفة من أول أغسطس سنة 1931 وعلى هذا فإذا كان عقد الزواج العرقى المسئول عنه قد صدر بعد أول أغسطس سنة 1931 وصادق عليه ورثة المتوفى فان دعوى الزوجية والحالة هذه تكون مسموعة شرعا وتكون الزوجية ثابتة به ويكون للسائلة الحق فى ميراث زوجها المتوفى المذكور فتستحق هى والزوجة الأخرى الثمن بالسوية بينهما فرضا لوجود الفرع الوارث - أما إذا لم يصادق ورثة المتوفى الذكور على هذا العقد وانكروه فإن دعوى الزوجية لا تسمع به حينئذ ومن ثم لا تسمع دعواها الوارثة فى تركته بسبب الزوجية طبقا للمادة المذكورة .
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم(7/347)
جميع المهر والشبكة حق للزوجة بوفاة الزوج
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الأول سنة 1399 هجرية - 25 من فبراير سنة 1979 م
M 1 - بوفاة المتوفى عن زوجة لم يدخل ولم يختل بها يكون ما دفعه لها من مهر وشبكة حق لها .
2 - إذا كان المبلغ المدفوع للزوجة قدر المهر المسمى فى العقد كان هو الواجب وصار ملكا لها - وان كان المسمى أكثر منه فان الباقى منه والمؤجل يصير دينا فى ذمة الزوج يستوفى من التركة .
3 - يحجب الاخوة الأشقاء أو لأب بالأب .
4 - بانحصار الارث فى زوجة ووالدين يكون للزوجة الربع فرضا وللأم السدس فرضا لوجود جمع من الأخوة والباقى للأب تعصيبا
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عبد الرحمن عبد اللطيف المتضمن أن للسائل ابنا عقد قرانه على فتاة وأنه قد دفع لها مهرا قدره ألف ومائة جنيه وقدم لها شبكة قيمتها ثلاثمائة وخمسون جنيها وان ابنه قد توفى قبل ان يدخل بزوجته ولم يلتق بها وطلب السائل بيان حق زوجة ابنه التى توفى عنها قبل الدخول بها وحق ورثة ابنه المتوفى وهم والده عبد الرحمن عبد اللطيف، ووالدته وهيبة عبد الجواد وزوجته التى لم يدخل بها ايمان فاروق عبد الحافظ واخوته محمد قاسم وفتحية ووفاء أولاد عبد الرحمن عبد اللطيف فقط
An أولاد المنصوص عليه شرعا ان المهر يتأكد جميعه بأمور منها موت أحد الزوجين قبل الدخول والخلوة ويتقرر جميعه للزوجة وبموت الزوج المذكور فى حادثة السؤال قبل الدخول الخولة فان المهر يتقرر جميعه للزوجة فان كان المبلغ المدفوع قدر المهر المسمى فى العقد كان هو الواجب الذى صار ملكا لها بمجرد القبض .
وان كان المسمى أكثر من المبلغ المدفوع فان الباقى من المهر والمؤجل منه يصير دينا فى ذمة الزوج تستوفيه الزوجة من تركة زوجها قبل تقسيمها على الورثة .
أما الشبكة فانها بتسليمها للزوجة حال حياة الزوج قد صارت ملكا لها حتى على فرض انها هبة إذ أنه لا يصح الرجوع فيها بوفاته .
ومن ذلك يتبين أن جميع ما قبضته زوجته صار ملكا لها ولا حق لأحد فى الرجوع عليها بشئ من المهر والشبكة لتأكدهما بالموت .
ثانيا بوفاة هذا الزوج عن المذكورين فقط يكون لزوجته ربع تركته فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولوالدته سدسها فرضا لوجود عدد من الاخوة ولوالده الباقى بعد الربع والسدس تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب .
ولا شئ لأخوته سواء كانوا أشقاء أو لأب لحجبهم بالأب الأقرب منهم جهة وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال ولم يكن لهذا المتوفى وارث آخر غير من ذكر والله سبحانه وتعالى أعلم(7/348)
زوجة لم يوثق عقد زواجها مع أولاد منها ومن غيرها
F جاد الحق على جاد الحق .
جماد آخر سنة 1399 هجرية - 24 من مايو سنة 1979 م
M 1 - بوفاة المتوفى عن زوجة لم يوثق عقد زواجها رسميا وأولاد منها ومن غيرها يكون لها الثمن فرضا إذا أقر لها الورثة جميعا بالزوجية والباقى لأولاده منها ومن غيرها تعصيبا للذكر ضعف الأنثى إذا أقر أولاده من غيرها بنسبهم من أبيهم .
2 - إذا جحد النسب فعلى أولادها منه اثبات نسبهم بكافة طرق الاثبات الشرعية .
3 - إذا ثبت النسب استحقوا نصيبهم فى الميراث مثل الأولاد الأخرين تماما .
4 - إذا انركت زوجتيها فلا ميراث لها فى التركة
Q اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / أمين عبد الغنى المتضمن وفاة المرحوم عبد الغنى فراج عن أولاده من زوجته الأولى التى توفيت قبله بعامين وهم أربعة ذكور وأربع اناث .
وعن زوجته الثانية التى توفى وهى على قيد الحياة وكان قد تزوجها بدون وثيقة زواج رسمية وعن أولادها منها وهم أربعة ذكور وثلاث اناث فقط .
وطلب السائل الافادة عمن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث
An انه لما كانت المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 تقضى بانه لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية فى الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية .
وكان المتوفى عبد الغنى فراج محمود قد توفى عن زوجة لم يوثق عقد زواجه بها رسميا فانه إذا أقر ورثته المذكورون بهذه الزوجية .
يكون لهذه الزوجة من تركته الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث .
والباقى ( بعد الثمن ) لأولاده جميعا سواء من الزوجة المتوفاة حال حياته أو ممن بقيت بعده تعصيبا للذكر منهم ضعف الأنثى أما إذا أنكر الورثة أو بعضهم هذه الزوجية فلا تسمع دعواها ولا تنال هذا النصيب من التركة وتكون جميعها لأولاده جميعا للذكر ضعف الانثى تعصيبا إذا لم يجحد أولاد الأولى نسب أولاد الزوجة الأخيرة للمتوفى فإذا جحد أولاد الأولى نسب هؤلاء كان لهم أن يثبتوا النسب بكافة طرق الاثبات الشرعية فإذا ثبت النسب بعد الجحود استحقوا الميراث على وجه ما سبق وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال ولم يكن لهذا المتوفى وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة - والله سبحانه وتعالى أعلم(7/349)
المعاش والتركة
F جاد الحق على جاد الحق .
جماد أول سنة 1401 هجرية - 7 من مارس سنة 1981 م
M 1 - المعاش غير التركة ولو كان استحقاقه بسبب المورث .
2 - يرجع فى المعاش إلى الجهة التى تنظمه
Q من السيد / خضر أحمد المتضمن أولاد وفاة المرحوم محمد زكى شعبان الذى ترك زوجته وأولاده القصر واستحقوا بعده معاشا من القوات المسلحة .
ثانيا توفى بعده والده المرحوم زكى شعبان وترك زوجتيه وأولاد ابنه المتوفى قبله واستحق ورثته عنه معاشا فهل يستحق أولاد ابن المتوفى الثانى وزوجة ابنه معاشا من معاش هذا الجد أم لا
An أن المعاش وإن كان مستحقا بسبب المورث إلا أنه لا يعتبر من التركة ولذلك تنظمه قوانين المعاشات المختلفة وفى شأن الاستحقاق فى المعاش عن المرحوم زكى شعبان يرجع إلى الجهة المختصة والله سبحانه وتعالى أعلم(7/350)
احداث الزاوية الحمراء
F جاد الحق على جاد الحق .
شعبان 1401 هجرية - 25 يونية 1981 م
M 1 - لا تفرقة فى الإسلام بسبب الدين أو الجنس أو اللون .
2 - دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم .
3 - الحوادث الفردية بين مختلفى الديانات يجب وأدها فى الحال قبل اتساع نطاقها
Q عن أحداث الزاوية الحمراء فنشر هذا البيان
An بمناسبة حوادث الزاوية الحمراء يوم الأربعاء 17 يونية 1981 أصدرت دار الإفتاء البيان التالى وقد نشر بجريدة الأهرام يوم 20/6/1982 م .
لمصلحة من هذا الذى حدث قرأت بأسف شديد الباين الذى أذاعته وزارة الداخلية أمس عن وقوع شجار بين اثنين من المواطنين أحدهما مسلم والآخر قطبى امتدت آثاره إلى قتل وجراح لغيرهما ومآسى أخرى .
فتذكرت قول الله سبحانه فى القرآن الكريم { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات 13 ، مساواة تامة فى الإنسانية تتبعها المساواة العادلة فى الحقوق والواجبات، ويؤكد هذا ويشرحة قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع (أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وليس لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلى بالتقوى) هذه دعوة الإسلام إلى المساواة تذكيرا لبنى الإنسان أن أصلهم واحد لا تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو اللن، بل لقد أوصى الإسلام بغير المسلمين، وأوضح أن لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، تسرى على هؤلاء وأولئك قوانين الدولة، إلا أن غير المسلمين تحترم عقائدهم، وما يدينون به .
فدماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين، حكم بهذا ووصى به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حين قال (من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار) .
وقال (من آذى ذميا فقد آذانى) وقال (من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق كاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة) وبهذا العهد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، إبان رسول الله خصمك ) وقال رضى الله عنه فى عهده لأهل بيت المقدس عقب فتح المسلمين له (هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأمالهم وكنائسهم ) إن الإسلام حين ذكر أخبار الأنبياء السابقين احترمهم جميعا، دفع عنهم الإثم ونفى عنهم العدوان فى سورة الأنبياء، خاطبنا، بل خاطب الإنسانية على امتدادها فقال { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } الأنبياء 92 ، إن الإسلام دين السلام مع الله، ومع الناس، ومع النفس، هكذا فصل القرآن، وبهذا أمر رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، وما كان الإسلام باغيا ولا متعديا، إنه يدعو إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وبالرسل وأنبياء الله السابقين عليه قال تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة 285 ، وإذا كان لأهل كل دين عقائدهم وأساليبهم الإيمانية فى ظل من حرية العقيدة والعبادة فإن الإسلام قد سبق كل النظم لأنه دين الله، فقرر أن { لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى } البقرة 256 ، إن أهل مصر اشتهروا فى التاريخ - كل التاريخ - بالأخوة والسماح، ولهذا كانوا غوثا للمظلوم، وموئلا للمطارد يجد عندهم الأمن والأمان .
هذه مريم وابنها عيسى عليهما السلام يفدان إلى مصر تضمهما، وتحميهما، وقد كان أمامهما - حين طوردا - جهات ونواح شتى، ولكن الله سحبانه قد اختار لهذه الأسرة المقدسة هجرتها إلى مصر ، ووجدت من المصريين كل رعاية وعون، بل وحماية وتقديسا، وها هى مصر فى ظل الإسلام موئل سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طاردهم الأمويون .
أيها المصريون - مسلمين وأقباط - هذا شرف لبلادكم العزيزة الكرمية، هذا رضوان من الله عليها وتكريم لها فصونوا هذه البلاد واحفظوها من الفرقة والاختلاف وحافظوا عليها كما كانت دائما واحة الأمن والأمان .
فهكذا كانت مصر وستظل، آمنة بأهلها ويتخطف الناس من حولها، لقد عاش الإسلام والمسيحية هنا هذه القرون، يرتوى المسلمون والمسيحيون من ماء النيل، ويفلحون أرضها، يبذرون الحب ويعتمدون على الرب ويعيشون إخوة متجاورين متحابين .
ليتذكر المواطنون أن مصر قد تحررت من الاستعمار بوحدتها، فلنعد إلى التاريخ أيضا ولنطالع تلك الصحائف الغنية صحائف الرجال، الذين تغاضوا عن كل أسباب الفرقة والتباعد فى ثورة الشعب فى سنة 1919، فدخل القص الزهر خطيبا ودخل عالم الأزهر الكنيسة داعيا للوطن والوطنية، والتقت القلوب قبل الكلمات، وكان رصاص العدو لا يفرق بين المسلم والمسيحى، ولقد استمر جهاد المواطنين، دون تراخ أو تباعد عن ساحة الاستشهاد حتى تحررت مصر واستردت ذاتها .
ولما نكبت فيما كسبت، وولى أمرها الرشيد من أبنائها، احتسب نفسه وجهده لخلاصها واسترداد كرامتها، فماذا كان كان هذا الإخاء الوطنى فى حرب رمضان 1939 - أكتوبر 1973 أن وقف المصريون، بل الوطن العربى - مسلمين ومسيحيين - يقاتلون، لا يفرقهم الدين ، فقد ارتوت أرض المعارك بدماء المسلمين والمسيحيين على السواء ، هذا الإخاء فى الوطن، ليس وصية للمسلمين فحسب، بل هو كذلك صلب المسيحية، التى ترفع دائما نداء وشعار المحبة والسلام، والسلام الذى ينادى به الإسلام، ويتمثل فى دعاء الرسول محمخد صلى الله عليه وسلم (اللهم أنت السلام، ومنك السلام وإليك السلام، فحينا ربنا بالسلام) ويقرؤه إخواننا الأقباط فى الأنجيل إذ يقول (المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة) إن الدين بأهله، وعلى أهل الدين - أى دين - أن يحفظوا تعاليمه الحقة، فيؤدون واجباتهم ، ويأخذون حقوقهم، وبالكلمة الكيبة الهادئة، وليس باستثارة الطائفية وإثارة البغضاء والشحناء التى تستتبع إرقاة الدماء، وقتل الأنفس التى حرم الله فى جميع شرائعه قتلها إلا بالحق .
إنه لا ينبغى أن يتسبب حادث فردى فى هذا الذى رواه بلاغ وزارة الداخلية الذى اهتزت له قلوب المواطنين مسلمين ومسيحيين - فلا أحد فى هذا اولطن يود أن يجرى فيه ما جرى فى غيره .
وإذا كان ما حدث قد تولاه المختصون من رجال الأمن والنيابة العامة فليترك الجميع التحقيقات تأخذ سيرها، لتكشف عن الحقيقة فى هذا الأمر ، إذ أنى أستبعد أن يقدم مواطن صالح مختص لوطنه ولدينه على إثارة الفتنة وإشاعة الفرقة، وقد يكون وراء هذا دوافع ليست من أخلاق المواطنين .
إن الشياطين يئسوا من الاستجابة لهم ، فيما حاولوا ويحاولون من فتن واضطراب فركبوا موجة اختلاف الدين والطائفية، لانهم يعلمون أن شعب مصر، شعب متدين، جاءوا ليلبسوا عليهم دينهم، ويدفعوهم ليخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .
أيها المواطنون - أقباطا ومسلمين - لا تدعوا لشياطين الإنس سبيلا للتفرقة بينكم تحت أى شعار، إن أعداء الوطن يتربصون به .
{ والله من ورائهم محيط } البروج 20 ، إن الله نصحنا فى القرآن الكريم بقوله سبحانه { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } الأنفال 25 ، نعم إن الفتن يجب أن توأد فى مهدها، وألا تترك لتزداد اشتعالا بفعل أهل السوء الذين تؤرقهم وحدة هذا الوطن، فهم لا يفترون، يعيثون فى الأرض فسادا وفرقة، والله سبحانه يدعونا بهذه النصيحة إلى أن نأخذ على يد المفسدين بحزم وعزم، وهذا ما نأمل من أولى الأمر لأن معظم النار من المستصغر الشرر .
حفظ الله كنانته فى أرضه وأتم عليها نعمة الوحدة والأمن، والله متم نوره - ولو كره الحاقدون - على مصر، أمنها، وأمانها، ووحدتها .
وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، وإنا لهذا النصر لمرتقبون .
دعوة قالها نبى وحكاها القرآن { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } يوسف 99(7/351)
مهام دار الافتاء بالقاهرة
F جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1401 هجرية - 3 نوفمبر 1981 م
M 1 - الإفتاء بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على وجه اللعموم والشمول .
2 - أول من قام بالإفتاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فقهاء الصحابة ومن بعدهم .
3 - قديما كان لكل مديرية أو ولاية مفت، ولوزارة الحقانية مفت، ولوزارة الأوقاف مفت، وفوق كل هؤلاء مفتى السادة الحنفية، أو مفتى الديار المصرية الذى حل محل هؤلاء جميعا الآن .
4 - الفتوى فى القضايا كانت ملزمة للقضاة قديما وغير ملزمة الآن .
5 - ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام، هى الالتزام بعرض الواقعة والأدلة حسبما تحملها أوراق الجناية على الأدلة الشرعية بمعاييرها الموضوعية المقررة فى الفقه الإسلامى .
6 - يعاون المفتى عدد من العلماء المتخصصين فى الفقه الإسلامى والإداريين .
7 - تستقبل دار الإفتاء وفودا من قضاة الأحوال الشخصية فى البلاد الآسيوية الإسلامية للتدريب فيها على أعمال الإفتاء فنيا وإداريا
Q من لجنة العدالة - المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية .
بالكتاب المؤرخ 30/6/1981 الذى قيد برقم - 361/1981 بدار الإفتاء وقد جاء به إنه قد نشأت بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فكرة القيام بمسح اجتماعى شاشمل للمجتمع المصرى، يقوم برصد حركة وتحليل واقع المجتمع المصرى وتغيره فى جميع مجالاته، ونظم رفه وحضره فى المرحلة الزمنية من سنة 1952 إلى سنة 1980 بمراحل ثلاث : 1 - مرحلة بداية الثورة من سنة 1952 إلى سنة 1961 .
2 - مرحلة تطبيق النظام الاشتراكى من سنة 1962 إلى سنة 1972 .
3 - مرحلة الانفتاح الاقتصادى من سنة 1973 إلى سنة 1980 .
وأن يعنى المسح بالتركيز على دراسة النظم المختلفة للمجتمع المصرى لاسيما ما يتخذه المجتمع من إجراءات وجهود رسمية وشعبية لمقابلة احتياجاته .
ومن الموضوعات التى تقوم لجنة العدالة بدارستها ومسحها موضوع الإفتاء من حيث النشأة والتطور، والقوانين المنظمة وعدد القضايا والفتاوى وأنواعها ، وضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام، والجهاز الفنى والإدارى .
وأن اللجنة قد ارتأت إسناد وضع تقرير شامل حسب تلك العناصر إلى المفتى خدمة للوطن
An استجابة لهذا الكتاب تحرر التقرير التالى : 1 - تمهيد (أ) الإفتاء فى اللغة العربية أفتاه فى الأمر أبانه له .
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى فى عديد من الآيات ( سورة النساء 127، 176 وسورة يوسف 43 وسورة الصافات 11 ) وفى اصطلاح علماء الفقه الإسلامى وأصوله .
أن الإفتاء . بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على جهة العموم والشمول .
ومن عباراتهم فى شأن المفتى : المفتى قائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم، لأن العلماء ورثة الأنبياء كما يدل عليه الحديث الشريف (ان العلماء ورثة الأنبياء، ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم) .
والمفتى نائب فى تبلغ الأحكام .
وهذا معنى كونه قائما مقام النبى (ب) مكانة الإفتاء قال الإمام النووى فى كتابه المجموع شرح المهذب للشيرازى .
اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل، لأن المفتى وارث الأنبياء صولات الله وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ .
ولهذا قالوا المفتى موقع عن الله تعالى (ج ) حكم الإفتاء تكاد نصوص الفقهاء تتفق على أن تعليم الطالبين، وإفتاء المستفتين فرض كفاية، فإن لم يكن وقت حدوث الواقعة المسئول عنها إلا واحد تعين عليه فإذا استفتى وليس فى الناحية غيره تعين عليه الجواب، فإن كان فيها غيره وحضر فالجواب فى حفهما فرض كفاية، وإن لم يحضر غيره، وجهان أصحهما لا يتعين والثانى يتعين .
(د) أول من قام بالإفتاء كان هذا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده فقهاء أصحابه والتابعين ثم الفقهاء المجتهدون فى الشريعة وعلماء المسلمين بشروط استوجبوا توافرها فيمن يتصدى للافتاء، وقد استنبطوا تلك الشروط من أصول الشريعة .
( الفتاوى الإسلامية من دار الافتاء المصرية طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المجلد الأول فى التقديم والتصدير ففيها من ص 5 حتى 32 بيان لكل ما يتعلق بالافتاء من أحكام وأسانيدها ومراجعها الفقهية والأصولية ) وأهمية الإفتاء فى هذا العصر ان فيها (فقه وتطبيق الواقعات الجديدة، وهى فى ذات الوقت منهل حافل، ينهل منه الدارسون لعلوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والاقتصاد، إذ تحمل الاستفتاءات الرسمية، والشعبية صورة لواقع حياة الناس فى مصر ، وبل وربما فى العالم الإسلامى ) ( المرجع السابق ص 5 ) والإفتاء صنو القضاء فى النشأة، فقد قاما فى حياة المسلمين معا منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان المبلغ وحيا عن الله، والمفتى للناس الأحكام، والقاضى يفصل فى الأنزعة وفق ما يسمع من دعاوى وأدلة يبين كل ذك بأصلو قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يزال القضاء والفتوى يجريان عليها .
2 - نشأة دار الافتاء المصرية، ولقب مفتى الديار المصرية لم أعثر - بالرغم مما بذل من جهد فى البحث والرجوع إلى المصادر التاريخية بل وسؤال بعض المؤرخين الاسميين المعاصرين - على بدء إنشاء دار الإفتاء بواقعها الحالى فيما قبل - شهر جمادى الآخرة سنة 1313 هجرية نوفمبر سنة 1895 م، وفقط، قد تردد لقب المفتى، أو مفتى الديار المصرية، فى بعض اللوائح والقوانين الصادرة فيما قبل هذا التاريخ على ما سنبينه فيما بعد أما هذا التاريخ .
فهو التاريخ الذى وجدناه مدونا فى افتتاح السجل الأول من مكتبة دار الإفتاء ونص المديون به هو دفتر قيد فتاوى الديار المصرية المحولة على حضرة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر مولانا الشيخ حسونة النواوى بأمر عال صادر لنظارة الحقانية بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1895 نمرة 10 وبلغ لحضرته من النظارة المذكورة بتاريخ 7 جمادى الثانية سنة 1313 هجرية نمرة 55 وعلى الله حسن الختام، ثم كان تعيين الإمام الشيخ محمد عبده .
وقد وجد مدونا فى افتتاح فتاويه بالسجل الرقيم 2 من سجلات الفتاوى قرار تعيينه مفتيا بالعبارات التالية صدر أمر عال من المعية السنية بتاريخ 3 يونية سنة 1899 م - 24 محرم سنة 1317 هجرية نمرة 2 سايرة صورته فضيلتلو حضرة الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية بناء على ماهر معهود فى حضرتكم من العالمية وكمال الدراية قد وجهنا لعهدتكم وظيفة إفتاء الديار المصرية، وأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية والقيام بهمام هذه الوظيفة .
عطو فتلو الباشا رئيس مجلس النظار بذلك .
الختم عباس حلمى وهكذا تتابع تعيين المفتين باسم مفتى الديار المصرية بقرار من رئيس الدولة، وإن كان منذ قيام الجمهورية يسمى باسم مفتى جمهورية مصر العربية ( المرجع السابق ص 34 و 35 ) .
3 - إفتاء الديار المصرية قبل جمادى الآخرة سنة 1313 هجرية نوفمبر سنة 1985 م يدل استقراء الوثائق التاريخية التى تحت أيدينا على أنه كان لكل مذهب من المذاهب الأربعة مفت، فهناك مفتى الحنفية، ومفتى المالكية، ومفتى الشافعية ومفتى الحنابلة، وكان يطلق على هؤلاء المفتين أيضا شيوخ المذاهب، وكان المفتى الحنفى هو الذى يطلق عليه لقب مفتى الديار المصرية، أو مفتى افندى الديار المصرية .
ففى ولاية محمد على باشا عام 1245 هجرية - 1829 م .
كان تأليف مجلس الشورى، ويضم نقيب الأشراف، والشيخ الأمير مفتى المالكية، والشيخ محمد المهدى مفتى الحنفية .
وفى عام 1258 هجرية - 1842 م كان استفتاء الوالى إلى المفتى فى جواز تصرف الفلاحين فى ممتلكاتهم بالبيع والهبة والوقف .
وفى ولاية عباس باشا الأول عام 1265 هجرية - 1849 م كان تأليف المجلس الخصوصى ويضم مفتى الحنفية، وشيخ الأزهر .
وبالمناوبة الشيخ السادات والشيخ البكرى (وهما نقيبا الأشراف) .
وفى ولاية اسماعيل باشا عام 1280 هجرية - 1863 م كان رفع مرتب فمتى المالكية الشيخ عليش إلى 1500 قرشا .
وفى عام 1281 هجرية - 1864 م كان تحديد مرتبات ( كلمة مفاتى جمع تكسي شاذ وغير صحيح، ومفرده مفتى، وجمعه الصحيح جمع مذكر سالم فيجمع على مفتين ) مفاتى مجالس مصر والاسكندرية والأقاليم .
وفى عام 1282 هجرية - 1865 م صدر أمر عال إلى ناظر الداخلية يتضمن إشارة صريحة إلى مفتى الديار المصرية ويطالب بوضع تشريع لمعاقبة من يتصدى للإفتاء دون (رخصة) وهذا الأمر صادر من الخديو فى 11 رجب 1281 هجرية .
وفى عام 1288 هجرية - 1781 م كان تعيين الأستاذ الأنور مفتى السادة الحنفية، وشيخ الأزهر عضوين بالمجلس المخصوص .
وفى ولاية عباس باشا الثانى 1313 هجرية - 1895 م كان الأمر العالى بإسناد إفتاء الديار المصرية إلى شيخ الأزهر حسونة النواوى ( مرجع هذه البيانات هو المؤرخ الإسلامى الدكتور أحمد عطية الله نقلا عن كتاب تقويم النيل للمرحوم أمين باشا سامى ) هذا وقد تردد لقب مفتى الديار المصرية غير ما سلف ذكره فيما يلى (أ) كتابى نظارة الجهادية فى 5، 12 صفر سنة 1298 هجرية إلى مفتى أفندى وإلى شيخ الجامع الأزهر فى شأن الشهادات التى من مشيخة الجامع الأزهر إلى المشتغلين بطلب العلم الشريف .
(ب) قرار نظارة الداخلية فى يولية سنة 1885 م بتشكيل مجالس التأديب للمديريات والمحافظات ولمصلحة بيت المال، ومن بين أعضاء مجلس تأديب هذه المصلحة - المفتى .
(ج ) جاء فى الأمر العالى فى 26 مارس سنة 1885 م الخاص بالقرعة العسكرية (التجنيد) فى الاستثناء والمعافاة من الخدمة العسكرية فى المادة - 26 - أن حملة القرآن الشريف يعفون من الخدمة العسكرية إذا خلوا من أى عمل آخر، ويمتحنون فى القرآن بحضور مجلس القرعة، بمعرفة القاضى، والمفتى (والمقصود هنا مفتى الإقليم وليس مفتى الديار المصرية) .
(د) فى الأمر العالى إلى رياسة المجلس الخصوصى فى 5 ربيع الثانى سنة 1290 هجرية نمرة - 275 باختصاص (مفاتى) المجالس والمديريات وديوان الأوقاف بأعضاء الأجوبة الشرعية، وما يسأل عنه من إحدى دهات الحكومة عند اللزوم، كما أن (مفاتى) مصر والاسكندرية منوطون بما يسألون عنه من الحوادث التى فيها سواء كانت من الحكومة أو خلافها، وعدم خروج كل شخص عما هو منوط به ، ومنع عن مداهم من التعرض لإعطاء فتاوى .
(هاء) الأمر العالى الصادر فى 9 رجب سنة 1297 هجرية - 17 يونية سنة 1880 م نمرة - 11 باصدرا لائحة المحاكم الشرعية بعد استصوابها بموافقة كل من حضرات شيخ الجامع الأزهر ومفتى السادة الحنفية وقاضى أفندى محكمة مصر الكبرى .
وقد جاء فى المادة الخامسة من هذه اللائحة أن اللجنة المنوط بها النظر فى تعيين القضاة وأعضاء المجالس الشرعية أن من أعضائها مفتى السادة الحنفية .
(و) المادة 22 من هذه اللائحة نصت على أنه إذا اشتبه أمر من الأمر الشرعية على المجلس الشرعى بمحكمة مصر الكبرى، أو من كان له ولاية الحكم بالمحكمة المذكورة، فعليه أن يستفتى من حضرة مفتى أفندى السادة الحنفية بالديار المصرية وبمقتضى ما تصدر به فتواه يكون العمل، وإذا حصل اشتباه من أحد قضاة سائر المحاكم الشرعية ومجلس محكمة اسكندرية والنواب فى أمر من الأمور المذكورة، فعليه أن يستفتى المفتى الموظف من طرف الحكومة الموجود بدائرة محكمته بالولاية التابع لها لإجراء العمل بمقتضى فتواه الشرعية فإن اشبته الأمر مع ذلك على من ذكر ، أو على المفتى أيضا، فحين ذاك يتحرر بطلب الإفتاء عما صار إليه الاشتباه فيه من حضرة مفتى أفندى السادة الحنفية المومى غليه، وبمقتضى ما تصدر به فتواه يكون العمل .
(ز) درا الإفتاء ( قاموس القضاء والادارة لفيليب جلاد ج - 5 ص 530 ط .
1894 م، وذات المرجع الفقرات الست السابقة عليه ج - 1 ص 151، ج - 2 ص 490 - 499 و ج - 3 ص 409 و ج - 4 ص 136 و 146 ) جاء هذا العنوان بمناسبة الأمر العالى الصادر لنظارة الحقانية بتاريخ 17 ربيع الثانى سنة 1311 هجرية - 27 أكتوبر سنة 1893 م بإحالة كل الأعمال التى من خصائص مفتى افندى الديار المصرية لمرضه على مفتى الحقانية، لصالح المصلحة .
4 - التطور والقوانين المنظمة من هذه الإشارات، وبتتبع نصوص تلك الأوامر العالية ولوائح المحاكم الشرعية الصادرة فى سنة 1856 م، وسنة 1880 م، و1897 م وسنة 1909 م وسنة 1910 م وسنة 1914 وسنة 1931 يتبين الآتى (أ) جاء فى المادة - 21 من لائحة 1856 م ( وينبغى للقاضى - أيضا - أن يشاور العلماء ويستفتيهم فى الدعاوى المشكلة، ولا يستقل فى ذلك برأيه حذرا من الخطأ فى الأحكام الشرعية .
(ب) ثم نجد الرجوع إلى المفتى فيما يشبته على القاضى صار أمرا حتما بمقتضى المادة 22 من لائحة سنة 1880 م وتدل هذه المادة على أنه كان لكل ولاية مفت يجب الرجوع إليه، فإذا اشتبه الحكم الشرعى فى القضية على مفتى الولاية وعلى القاضى أو اختلفا كان على القاضى الرجوع فى شأنه لزوما إلى مفتى افندى السادة الحنفية بالديار المصرية، ويكون العمل بمقتضى فتواه .
ونجد الرجوع إلى مفتى الديار المصرية، والالتزام قضاء بفتواه فيما يشتبه من الأحكام الشرعية على القضاة وعلى مفتى المديريات نراه واضحا فى الفتاوى التى دونت فى سجلات دار الإتاء، ردا على الاستفتاءات الواردة من هؤلاء، وذلك حتى تاريخ العمل بلائحة 25 من ذى الحجة 1314 هجرية - 27 مايو 1897 م حيث قصرت هذه اللائحة مجال الإفتاء على غير القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية على ما سيأتى بيانه .
هذا وتدل هذه اللائحة والتى قبلها على أن المحاكم الشرعية كانت هى المحاكم العامة فى البلاد، تفصل فى الدماء والأموال وغيرها من فروع القضاء وفقا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية .
(ج ) اعتبرت نصوص لائحة 1897 م مفتى الولاية أو المديرية عضوا فى محكمة المديرية المكونة من ثلاثة أعضاء، وتكون الرياسة للقاضى (م 6) ومفتى الديار المصرية عضوا فى المحكمة العليا المكونة من خمسة أعضاء يرأسها قاضى مصر (م7) .
ونصت كذلك على اشتراك مفتى الديار المصرية فى لجنة اختيار القضاة ومفتى الميدريات وفى تأديبهم .
(د) نصت المادة / 100 على أن تقتصر أعمال المفتيين على إفتاء المحاكم الأهلية والحكومة والأفراد فى غير القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية .
(هاء) جاء نص المادة / 18 من لائحة سنة 1910 م بأنه فيما عدا محكمة المحروسة (القاهرة) يؤدى كل نائب أو من يقوم مقامه وظيفة الإفتاء فى دائرة المحكمة المعين فيها .
كما جاءت المادة / 377 من هذه اللائحة مقررة أن أعمال النواب أو من يقوم مقامهم فيما يتعلق بالإفتاء تكون قاصرة على إفتاء المحاكم الهلية والحكومة والأفراد فى غير القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية، وليست المحاكم مقيدة بفتوى أيا كانت، وذات المعنى قررته المادة 376 من اللائحة الشرعية رقم 78 سنة 1931 م .
(و) اختيار وتعيين مفتى الديار المصرية جرى نص المادة العاشرة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والاجراءات وانتخاب بها الصادرة بأمر عال فى 27 مايو سنة 1897 م بما يلى انتخاب قاضى مصر يكون منوطا بنا وتعيينه يكون حسب القواعد المتبعة وانتخاب وتعيين مفتى الديار المصرية يكون منوطا بنا وبأمر منا بالطرق المتبعة .
وقد ألغيت هذه المادة بمقتضى القانون رقم 12 لسنة 1914 م بإلغاء وتعديل بعض مواد هذه اللائحة .
وجاء فى المذكرة الإيضاحية فى صدد إلغاء المادة العاشرة من لائحة سنة 1897م ما يلى وألغيت المادة - 10 بفقرتيها وكانت الأولى منهما تنص على الإجراءات الخاصة بتعيين قاضى مصر، أما الفقرة الثانية فإنها تنص على ما يتعلق بتعيين مفتى الديار المصرية، وإنه وإن كان مفتى الديار المصرية موظفا تابعا لوزارة الحفانية، إلا أنها ترى أنه لائحة المحاكم الشرعية ليست محلا للنص على إجراءت تعيينه، لأن هذه الوظيفة لا علاقة لها بأعمال المحاكم الشرعية .
وهذا الذى قالته المذكرة الإضاحية سائغ بعد إذ لم يعد مفتى الديار المصرية عضوا فى المحكمة العليا الشريعة بمقتضى تشكيلها الذى نص عليه القانون رقم 12 لسنة 1914 وجرت عليه لائحة المحاكم الشرعية الصادرة فى 1931 م .
وجرى العمل بعد هذا على ما كان مقررا فى المادة الملغاة ، فيتعيبن مفتى الديار المصرية بقرار من رئيس الدولة باختياره وبالطرق المتبعة .
على أنه قد نص فى قانون الإجراءات الجنائية على أنه فى حال خلو وظيفة المفتى أو غيابه أو قيام مانع لديه يندب وزير العدل بقرار منه من يقوم مقامه ( المادة 381/3 من قانون الاجراءات الجنائية ) .
5 - خلاصة تدل نصوص الأوامر واللوائح - على الوجه السابق - على أنه كان لكل مديرية أو ولاية مفت، ولزارة الحقانية مفت، ولوزارة الأوقاف مفت وفوق كل هؤلاء مفتى السادة الحنفية أو مفتى الديار المصرية، وأن الفتوى فى القضايا كانت ملزمة للقضاة حسب لوائح 1856 م، 1880، ثم لم تعد ملزمة للقضاة فى المحاكم الشرعية فى لائحة 1897 م وتعديلاتها بالقوانين أرقام 25 لسنة 1909 م و 31 لسنة 1910 م - و 12 سنة 1914 م ثم الاستعاضة عن كل هذه القوانين باللائحة الأخير بالمرسوم 78 لسنة 1931 م .
هذا وبإلغاء المحاكم الشرعية القانون رقم 462 لسنة 1955 م لم يعد فى المحاكم الابتدائية إفتاء، وصارت أعمال الفتوى سواء للحكومة أو للأفراد وللهيئات مقصورة على مفتى الديار المصرية فى القاهرة .
ومما يجدر التنويه عنه أنه منذ أول يناير 1956 تاريخ العمل بقانون إلغاء المحاكم الشرعية آلت إلى دار الافتاء الاشهادات التى كانت من اختصاص رئيس المحكمة العليا الشرعية، وهى اشهاد خروج المحمل بكسوة الكعبة الشريعة وبكسوة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمقدار المبلغ النقدى المهدى من الأوقاف إلى فقراء الحرمين الشريفين (الصرة) وإشهاد وفاء النيل ، الذى بمقتضاه يحق شرعا للدولة جباية ضرائب الأراضى الزراعية .
وقد توقف هذان الاشهادان حيث كان آخر إشهاد بخروج المحمل فى 26 من شهر ذى القعدة سنة 1381 هجرية أول مايو سنة 1962 م بسب خلافات سياسية بين جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية فى ذلك الوقت امتنعت السعودية بسببه عن التصريح بدخول الكسوة من مصر، وكان آخر اشهاد بوفاء النيل فى 12 من شهر رجب الفرد سنة 1392 هجرية - 21 أغسطس سنة 1972 م بسبب حجز مياه فيضان النيل بالسد العالى فوق أسوان بعد هذا التاريخ .
كما كان من اختصاص رئيس المحكمة العليا الشرعية استطلاع أهلة الشهور القمرية التى فيها مواسم دينية - وهى أشهر المحرم وربيع أول ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو الحجة وصار هذا من اختصاص دار الإفتاء منذ إلغاء المحاكم الشرعية، تقوم به اللآن .
6 - عدد وأنواع القضايا والفتاوى يحتويها الجدول المرفق ( ينظر الجدول المشار اليه فى نهاية الفتوى ) ، مع ملاحظة أن من بينها فتاوى إلى أفراد عديدة من العالم الإسلامى أى من خارج جمهورية مصر .
7 - ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام تحيل محاكم الجنايات وجوبا إلى المفتى القضايا التى ترى بالإجماع وبعد إقفال باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفها، وذلك قبل النطق بالحكم، تنفيذا للمادة 381/2 من قانون الإجراءات الجنائية .
وهذا الإجراء معمول به منذ صدور القانون الجنائى الوضعى ولائحة الإجراءات الجنائية فى مصر فى أواخر القرن التاسع عشر، أى منذ نحو مائة سنة أو تزيد وبمقتضاهما توقف تطبيق العقوبات المقررة فى الشريعة الإسلامية (فى الجنايات أو الحدود والتعازير) كما توقف تطبيق قواعد الإثبات فى فقه هذه الشريعة عند النظر فى الجرائم بوجه عام .
وأصبح على محكمة الجنايات عند النظر فى قضايا القتل العمد أن تسلك فى الإثبات القواعد المبينة فى قانون الإجراءات الجنائية، والذى استقرت قواعده ونصوصه أخيرا تحت هذا العنوان، وعليها أن تستكمل ما لم يرد فيه بما ورد فى قانونى المرافعات المدنية والإثبات .
وكان لزاما أن تفسح أمام المحكمة معايير الإثبات الجنائى على ما تفصح حرتيه، ومع ذلك لا يجوز له أن يبنى حكمه على أى دليل لم يطرح أمامه فى الجلسة .
وكل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة الإكراه أو التهديد به، يهدر ولا يعول عليه) .
وفى هذا النص نجد عبارة (يحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته) - هذه الحرية غير المحدودة إلا بالقواعد العامة التى أشارت المادة إلى بعضها، تعطى المحكمة معايير واسعة فى الاستدلال بينما طرق الإثبات فى فقه الإسلام جاءت مقننة ذات أبعاد وشروط ينبعى على القاضى التثبت من توافرها، ففى الشهادة يشترط النصاب، أى عدد الشهود وأوصاف أخرى يلزم توافرها فى الشهود، وكذلك فى الإقرار والإنكار واليمين وغير هذا من الطرق مما هو مبين فى موضعه من كتب فقهاء المسلمين وبهذا لا يكون للقاضى تكوين عقيدته فى القضية بكامل حريته، بل فى نطاق الأدلة كل دليل بشروطه، ومن الأدلة التى قال بها الفقهاء ويعمل بها فى الفتوى القرائن التى تنطق بها الوقائع والأوراق، أى القرائن القاطعة .
وبعد هذا التمهيد يمكن القول بأن ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام تتلخص فى أن المفتى حين يفحص القضة المحالة إليه من محكمة الجنايات، أنما يدرس الأوراق منذ بدايتها فإذا وجد فيها دليلا شرعيا ينتهى حتما ودون شك بالمتهم إلى الإعدام أفتى بهذا الذى قامت عليه الأدلة .
فعمل المفتى هو عرض الواقعة والأدلة التى تحملها أوراق الدعوى على أنواع وشروط الأدلة ومعاييرها فى الفقه الإسلامى، دون الالتزام بمذهب معين، بل عند اختلاف الفقهاء يختار الرأى الذى يمثل العدالة وصالح المجتمع ذلك لأن لكل دليل شروطه التى يلزم توافرها حتى يؤخذ به قضاء على ما هو مبين فى موضعه من كتب الفقه، وهذا هو منشأ الاختلاف الذى قد يقع وكثيرا ما يقع، بين الفتوى فى بعض قضايا الإعدام، وبين الرأى الذى انتهت إليه المحكمة، لأن مستقى الدليل وضوابطه تختلف اختلافا بينا فى القوانين الوضعية المعمول بها عنها فى الفقه الإسلامى، المستمد من الأصول الأصلية للاسلام .
كما أن الفعل الذى أدى إلى موت المجنى عليه تتفاوت عناصر تكييفه بأنه قتل عمد فى الفقه الإسلامى عنها فى القوانين السارية وليس ذلك اختلافا فى تقدير الدليل، بل هو اختلاف فى ذات الدليل وضوابطه ومعايره، ففى فقه الإسلام يجرى القاضى فى الاستدلال على قواعد فى كل دليله بحسبه، أما فى هذه القوانين فإن القاضى يحكم فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته فى نطاق القواعد القانوينة العامة .
وبإيجاز تصبح ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام هى الالتزام بعرض الواقعة والدلة حسبما تحملها أوراق الجناية على الأدلة الشرعية بمعايرها الموضوعية المقررة فى الفقه الإسلامى وتكييف الواقعة ذاتها وتوصيفها قتلا عمدا إذا تحققت فيها الأوصاف التى انتهى الفقه الإسلامى إلى تقريرها لهذا النوع من الجرائم وهى إجمالا القتيل آدمى حى، وموت المجنى عليه نتيجة لفعل الجانى ، وأداة القتل ووسيلته وثبوت قصد القتل، إما من الآلة المستعملة أو من الدلة القضائية كالإقرار والشهود، وقصد احداث الوفاة، فإذا توافرت عناصر التكييف وقام عليها الدليل أو الأدلة الشرعية كانت الفتوى بالإعدام، أما إذا خرج ما تحمله الأوارق عن هذا النطاق، كان الإعمال لقول عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه الذى صارقا عدة فقهية فى قضاء الجنايات لدى فقهاء المسلمين (لأن يخطىء الإمام فى العفو خير من أن يخطىء فى العقوبة) لأن القرآن حرم قتل النفس الإنسانية بغير حق، سواء كان هذا القتل عدوانا أو كان جزاء وقاصا .
فوجب التحقق من واقع الجريمة وتكييفها وقيام الدليل الشرعى على اقتراف المتهم اياها حتى يقتص منه .
8 - الجهاز الفنى والإدارى بدار الإفتاء جرى العمل بدار الإفتاء منذ أن ارتبطت بنظارة الحقانية ثم وزارة الحقانية ثم وزارة العدل على أن يعاون المفتى عدد من العلماء بالفقه الإسلامى والاداريين .
وكان من الوظائف الرئيسية فيها وظيفة أمين الفتوى بدرجة - موظف قضائى - وهو المنوط به إعداد الفتوى للعرض على المفتى ، والمعاونة فى البحوث الفقهية والقانونية، ولكثرة العمل الفنى كان ينتدب للعمل بدار الإفتاء علماء فنيون بدرجة موظف قضائى من قضاة المحاكم الشرعية .
ودار الإفتاء منذ إلغاء المحاكم الشرعية تعتبر من الإدارات الرئيسية فى ديوان وزارة العدل .
ويتكون الجهاز الذى يعمل فيها الآن من (أ) المكتب الفنى للمفتى وأعضاؤه منتدبون من رجال القضاء ومن النيابة على الوجه التالى ورئيس بالمحكمة من الفئة أ، ثلاثة رؤساء بالمحكمة من الفئة ب .
ثلاثة وكلاء للنائب العام من الفئة الممتازة . وجحميعهم من المتخرجين من كلية الشريعة بالأزهر الشريف، وسبق لهم أن مارسوا العمل القضائى بالمحاكم أو العمل الفنى بدار الإفتاء .
ومن هذا المكتب انبثقت شعبتان إحدهما شعبة تبويب الفتاوى بمبادئها وإعدادها للنشر، ويعمل بهذه الشعبة اثنان من الرؤساء بالمحكمة من الفئة ب ووكلاء النيابة الثلاثة ومهمتها تبويب الفتاوى واستظهار مبادئها ، واختيار ما ينشر منها من واقع السجلات الموجودة بمكتبة الدار منذ سنة 1313 هجرية - 1895 م وقد نفذ النشر فعلا وصدر منها للآن اثنا عشر جزءا تحت عنوان الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية .
وهذه المرحلة من النشر تحوى المختار من فتاوى (المتنوع) أى ماعدا الوقف والمواريث، فإنه سيكون لكل من هذين النوعين مجموعة مستقلة .
وقد أصدر المفتى توجيهات محددة تنظم عمل هذه الشعبة .
الشعبة الأخرى ويعمل بها رئيس بالمحكمة من الفئة (أ)، ورئيس بالمحكمة من الفئة (ب) ومهمة هذه الشبعة اعداد الأسئلة الواردة لدار الإفتاء للعرض على المفتى ومعاونته فى البحوث الفقهية والعلمية والقانونية، التى تتطلبها المسائل المعروضة للبحث .
(ب) المكتب الإدارى يرأسه سكرتير عام الدار - إدارى بدرجة باحث أول .
ويتكون من قسمين (أ) قسم السجلات والمكتبة ويعمل به باحث ثان خريج كلية الشرعية سنة 1965 ويرأس هذا القسم وهو منتدب من النيابة العامة .
باحث ثالث خريج كلية الشرعية سنة 1976 .
ثلاث سيدات إحداهن ليسانس الحقوق سنة 1973 وأخريان ليسانس الآداب فى سنة 1974 وسنة 1980 .
باحثان ليسانس الحقوق سنة 1977 .
وتقوم السيدات الباحثان بالعمل بالسجلات مع أعمال إدارية أخرى أما البابحثون فالمتخرجان منهم من كلية الشريعة يعملان بالإضافة إلى أعمال هذا القسم فى إعداد وعرض بعض الأسئلة الواردة على الرئيس بالمحكمة من الفئة أ الذى يتولى عرضها على المفتى برأيه النهائى، كما يقوم الباحثان المتخرجان من كلية الحقوق فوق العمل فى هذا القسم، بمعاونة المكتب الفنى بشعبتيه فى تحديد المراجع ومواضع البحوث المطلوبة منها، بالإضافة إلى ما يناط بهما من أعمال إدارية أخرى .
(ب) قسم السكرتارية ويعمل به باحث أول إدارى ويرأس القسم .
عدد 8 - كاتب وكاتبة لأعمال السكرتارية والنسخ .
وهذا التنظيم جرى وفقا للقرارات الداخلية التى أصدرها المفتى فى السنوات 1978، 12979، 1980، 1981 .
هذا وليس لدار الإفتاء ميزانية مالية مستقلة، ولكنها كما تقدم القول معتبر من إدارات ديوان وزارة العدل، وكل العاملين بها من باحثين وكتاب مقيدون على ميزانية ديوان هذه الوزارة - عدا رئيس قسم السجلات والمكتبة فهو مقيد على ميزانية النيابة العامة .
9 - دار الإفتاء ودورها فى تدريب المفتين للمسلمين وفوق ما تقدم فإن دار الإفتاء تستقبل وفودا من قضاة الأحوال الشخصية فى البلاد الأسيوية الإسلامية، للتدريب فيها على أعمال الإفتاء فنيا وإداريا .
وقد تدرب فيها لمدة عام قاضيان من جزيرة برونى المجاورة لماليزيا والثالث من هذه الجزيرة مازال فى التدريب للآن، حيث ينتهى تدريبه فى آخر عام 1981 م، كما أتمت الدار تدريب سكرتير عام دار الإفتاء فى جمهورية جزر القمر الإسلامية لمدة ثلاثة أشهر، وذلك على الأعمال المكتبية والإدارية وعاد فعلا إلى بلاده .
وفى التدريب الآن أيضا اثنان من القضاة من ماليزيا، وقد سبق أن وافق المفتى على تدريبهما لمدة عامين .
ومنهج هذا التدريب حسب قرار المفتى رقم 4 لسنة 1980 يشمل دراسة الفتوى وأعمالها النفية والإدارية والمكتبية، والعمل على ترتيب زيارتهم للمحاكم بواسطة إدارة التدريب بوزارة العدل، لاشتغالهم فى بلادهم أصلا بقضاء الأحوال الشخصية .
ويشرف على هؤلاء فى التدريب الفنى كل من الرئيسين بالمحكمة من الفئة أ و ب من أعضاء المكتب الفنى للمفتى، وذلك بالنسبة لدراسة الفتوى وأعمالها ويقوم سكرتير عام دار الإفتاء بتدريب المبعوثين على العمل الإدارى والمكتبى وإطلاعهم على أسسه المعمول بها .
وبهذا البيان يتضح - عملا - المهام المنوطة بدار الإفتاء، والنوعيات التى تواجهها بالبحث والدراسة وبالتدريب، وهذه المهام ليست مفصلة قانونا وإنما استقرت عملا .
والله نسأل أن يوفق العاملين الذين يبتغون الخير للعباد والبلاد، وأن يجزيهم الجزاء الأولى .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/352)
الروح والنفس
F جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1402 هجرية - 10 نوفمبر 1981 م
M 1 - الروح جسم نورانى علوى حى يسرى فى الجسد بإذن الله لا يقبل التحلل ولا التبدل ولا خلافهما تعطى للجسمس الحياة وتوابعها .
2 - لا ينبغى الاشتغال بما استأثر الله بعمله .
3 - جمع النقود فى المساجد جائز متى دعت الحاجة إلى ذلك بشروطها .
4 - القاعدة العامة التى تسود حقوق كل من الزوجين قبل الآخر هى الإحسان فى المعاملة وتجنب المضارة .
5 - المباشرة الجنسية بين الزوجين حقهما معا، ولكل منهما الاستجابة للآخر .
وعلى الزوجة حفظ ماله وكتم أسراره . وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه .
6 - الحامل إذا ماتت فى الولادة تغسل ويصلى عليها .
ولها حكم الشهداء فى الآخرة
Q بكتاب الهيئة العامة للاستعلامات - قطاع الإعلام الخارجى وحدة تركيا المؤرخ 31 مارس شنة 1981 الموجه إلى السيد مدير تحرير مجلة منبر الإسلام، المحال إلى دار الإفتاء بتاريخ 21 سبتمر سنة 1981 وقيد بها برقم 307 سنة 1981 يحوى أسئلة موجهة من فضيلة الأستاذ على سورمش .
واعظ مدينة ريجانلى بتركيا نصها : 1 - هل الروح هى النفس .
2 - هل الروح هى التى تعذب أم النفس .
3 - هل يجوز جمع النقود فى الجوامع .
4 - ما أقوال العلماء والمفسرين فى حق الزوج .
5 - إذا ماتت المرأة الحامل عند الولادة، ما حكم غسلها ، والصلاة عليها .
وقد انتهى الخطاب بطلب نشر الإجابة على هذه الأسئلة بمجلة منبر الإسلام
An عن السؤال الأول إن كلمتى الروح والنفس ترددتا فى آيات كثيرة فى القرآن الكريم وكثر ورود الكملة الأخيرة منفردة ومجموعة قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد .
وقد اختلف العلماء فى الروح والنفس .
هل هما شىء واحد أو هما شيئان متغايران فقال فريق أنهما يطلقان على شىء واحد، وقد صح فى الاخبار إطلاق كل منهما على الأخرى، من هذا ما أخرجه البزار بسند صحيح عن ابى هريرة (ان المؤمن ينزل به الموت، ويعاين ما يعاين، يود لو خرجت نفسه والله تعالى يحب لقاءه، وان المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنةين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا) .
فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح على النفس، والنفس على الروح وقال القريق الآخر إنهما شيئان، فالروح ما به الحياة، والنفس هذا الجسد مع الروح، فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها، وهى تلتذ، وتفرح وتتألم وتحزن .
فالروح جسم نوارانى علوى حى يسرى فى الجسد المحسوس بإذن الله وأمره سريان الماء فى الورد، لا يقبل التحلل، ولا التبدل ولا التمزق ولا التفرق، يعطى للجسم المحسوس الحياة وتوابعها ويترقى الانسان باعتباره نفساب النواميس التى سنها الله وأمر بها فهو حين يولد يكون كباقى جنسه الحيوانى، لا يعرف إلا الأكل والشرب، ثم تظهر له باقى الصفات النفسية من الشهوة والغضب ، والمرض والحسد والحلم والشجاعة، فإذا غلبت عليه إنابته إلى الله وإخلاصه فى العبادة تغلبت روحه على نفسه فأحب الله وامتثل أوامره وابتعد عما نهى عنه، وإذا تغلبت نفسه على روحه كانت شقوته .
وقد جاءت الروح فى القرآن الكريم وفى السنة بمعان، فهى تارة الوحى كما فى قوله تعالى { يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده } غافر 15 ، ويسمى القرآن روا باعتباره أحيا الناس من الكفر الشبيه بالموت، وأطلق الروح على جبريل { نزل به الروح الأمين .
على قلبك لتكون من المنذرين } الشعراء 193 ، 194 ، وقوله { وأيدناه بروح القدس } البقرة 253 ، وفى الحديث الشريف (تحابوا بذكر الله وروحه) قيل المراد بالروح هنا أمر النبوة أو القرآن، وهو المعنى عند أكثر العلماء فى قوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } الشورى 52 ، ولكن الروح المسئول عنها هى ما سأل عنها اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم الله فى القرآن بقوله سبحانه { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } الإسراء 85 ، فهذه الروح التى يحيا بها الإنسان، قد استأثر الله فى علمه بكنهها وحقيقتها، لم يخبر بذلك أحدا من خلقه، ولم يعط علمه بالعباد، وهى التى نفخها فى آدم وفى بنيه من بعده، وهى من خلق الله سر أودعه فى المخلوقات، وكلمة النفس تجرى على لسان العرب فى معان فيقولون خرجت نفسه أى روجه، وفى نفس فلان أن يفعل كذا أى فى روعه وفكره .
كما يقولون قتل فلان نفسه أو أهلك نفسه أى أوقع الإهلاك بذاته كلها وحقيقته، فمعنى النفس فى هذا جملة الإنسان وحقيقته .
كما فى قوله تعالى { ولا تقتلوا أنفسكم } النساء 29 ، وتطلب كلمة النفس على الدم فيقال سالت نفسه، ذلك لأن النفس تخريج بخروجه وقد أطلق القرآن هذه الكملة على الله فى قوله { تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك } والمعنى والله أعلم - تعلم ما عندى ولا أعلم ما عندك أو كما قال ابن الأنبارى ان النفس فى هذه الآية الغيب، ويؤكده ما انتهت به الآية { إنك أنت علام الغيوب } المائدة 116 ، أى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم .
فلفظ الروح والنفس من الألفاظ التى تؤدى أكثر من معنى يحددها السباق والسياق واللحاق ، وهما فى الواقع متغايرتان فى الدلالة حسبما تقدم وإن حلت إحداهما محل الأخرى فى كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ولكن على سبيل المجار لا الحقيقة .
وقد اختلف أهل العلم فى الروح .
هل تموت أو لا تموت فذهبت طائفة إلى أنها تموت لقول الله سبحانه { كل شىء هالك إلا وجهه } القصص 88 ، وقالت طائفة أخرى إنها لا تموت للأحاديث الدالة على نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله تعالى إلى الجسد .
قال القاضى محمود الألوسى فى تفسيره ( ج - 15 فى تفسير سورة ص 195 دار الطباعة المنيرية ) والصواب أن يقال موت الروح هو مفارقتها للسجد، فان أريد بموتها هذا القدر فهى ذائقة الموت، وإن أريد أنها تنعدم وتضمحل فهى لا تموت، بل تبقى مفارقة ما شاء الله تعالى ثم إلى الجسد وتبقى معه فى نعيم أو عذاب أبد الآبدين وهى مستثناة ممن يصعق عند النفخ فى الصور على أن الصعق لا يلزم منه الموت، والهلاك ليس مختصا بالعدم، بل يتحقق بخروج - الشىء عن حد الانتفاع به ونحو ذلك .
عن السؤال الثانى تقدم اختيار تغاير النفس والروح، بمعنى ما يصدق عليه كل من هذين اللفظين إذ النفس هى مجموع الجسد والروح، أما هذه فذاتية نورانية يقذفها الله من فضله فى الإنسان عند خلقه إياه .
ومتى فارقت الروح البدن بموته كان مستقرها مختلفا، فارواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى أعلى عليين، فقد صح أن آخر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم الرفيق الأعلى) ومستقر أرواح الشهداء فى الجنة وأرواح أطفال المؤمنين ما هو قريب من ذلك وأرواح غير المسلمين وغير المؤمنين فى سجين وفى كل هذا تروى أخبار وآثار تطالع فى محلها من كتب الحديث .
وإذا كان هذا المعنى، هو المردد فى المنقول، والثواب والعقاب أمر غيبى مفوض إلى الله سبحانه .
وإذا كانت الروح بعد افتراقها عن الجسد هى التى تذهب إلى الجنة أو إلى سجين، كما جاءت الاخبار، كان العذاب للروح، حتى يبعث الناس يوم القيامة، فيكون الثواب والعقاب للنفس التى هى الانسان - أى الجسد والروح معا .
اقرأ إن شئت قول الله تعالى { ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } آل عمران 25 ، .
وقوله تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 ، وقوله تعالى { يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه } هود 105 ، وقوله تعالى { وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون } النحل 111 ، وقوله تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة } المدثر 38 ، وقوله تعالى { يا أيتها النفس المطمئنة .
ارجعى إلى ربك راضية مرضية } الفجر 27 ، 28 ، فهذه الآيات وأمثالها مما جاء فى القرآن الكريم وما جاء فى السنة على هذا النسق كل أولئك يدل على أن العذاب للنفس إنما يكون بعد البعث من القبور والنشور يوم القيامة .
أما عذاب الروح وحدها فبعد مفارتقها للجسد بالموت، وبعد السؤال فى القبر تكون فى عليين أو فى سجين، وهذا لا ينافى عذاب القبر للروح والجسد لمن استحقه كما جاء ذكره فى الأحاديث الشريفة ومنها ما رواه ابن عباس رضى الله عنه ( البخارى ج - 1 ص 224 ) (مر النبى صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ) وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة خلافا لابن حزم، وابن هبيرة .
هذا وما استأثر الله بعلمه لا ينبغى الاشتغال به، فلا تذهبن إلى ما نقل عن الفلاسفة قديما وحديثا، فإنهم انطلقوا إلى ما لا يعرفون، فتاهوا ولا يزالون .
واقرأ دائما قول الله سبحانه { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } الإسراء 85 ، وابتعد فى عظاتك للناس عن المتشابهات حتى لا تزيغ عن الجادة وتنحاو عن الطريق المستقيم .
واقرأ قول الله سبحانه وتوجيهه { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } الإسراء 36 ، فقد قال القاضى ابن العربى قول الناس هل الحوض قبل الميزان والصراط أو الميزان قبلهما أم الحوض، فهذا هو ما لا سبيل إلى علمه، لأن هذا أمر لا يدرك ينظر العقل ولا ينظر السمع وليس فيه خبر صحيح .
( أحكام القرآن لابن العربى ص 1212 القسم الثالث طبع دار المعارف بيروت ) ولا ريب أن حقيقة الروح والنفس ومن يعذب ومن يثاب كل أولئك من هذا القبيل .
( يراجع فى السؤالين الأول والثانى تفسير الفخر الرازى ج - 5 ص 434 وما بعدها الطبعة الثانية سنة 1324 هجرية وتفسير ابى السعود ج - 6 ص 458 على هامش الفخر الرازى طبعة ثانية سنة 1324 هجرية، وتفسير الألوسى ج - 15 ص 155 - 164 طبع ادراة الطباعة المنيرية، وتفسير ابن كثير ص 60 و 61 ج - 3 طبعة 1367 هجرية - 1948 م ولسان العرب لابن منظور فى مادتى روح ونفس ومعجم ألفاظ القرآن من عمل مجمع اللغة العربية الطبعة الثانية مادة روح بالمجلد الأول ص 521 - 523 ومادة نفس المجلد الثانى ص 741 - 747 ) عن السؤال الثالث لا بأس أن يعطى السائل فى المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا .
فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبر فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفتعها إليه - وفى كتاب الكسب لمحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة قال أبو مطيق البلخى لا يحل للرجل أن يعطى سؤال المسجد لما روى فى الآثار .
ينادى يوم القيامة مناد ليقم بغيض الله فيقوم سؤال المسجد .
قال والمختار أنه إن كان السائل لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين يدى المصلى، ولا يسأل الناس إلحافا فلا بأس بالسؤال والإعطاء، لأن السؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد حتى يورى أن عليا تصدق بخاتمه وهو فى الركوع، فمدحه الله بقوله { ويؤتون الزكاة وهم راكعون } المائدة 55 ، أما إذا كان السائل يتخطى رقاب الناس، ويمر بين يدى المصرى فيكره إعطاؤه لأنه إعانة له على أذى الناس .
( كتاب اعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشى ص 253 المسألة 51 طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1385 هجرية ) لما كان ذلك جاز جمع النقود فى الجوامع متى دعت حاجة إلى ذلك بمراعاة تلك الشروط التى أوضحها الفقهاء أخذا من الآثار والأخبار الواردة فى كتب السنة عن إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك، دون تشويش أو تخط أو مرور بين أيدى المصلين .
عن السؤال الرابع ليس من السهل تفصيل حقوق كل من الزوجين قبل الآخر، أو تفصيل حق واحد منهما لكثرة تنوع تلك الحقوق وتجددها، لأنها تشمل كل ملابسات الحياة فى جميع حقائقها ومظاهرها، ولقد فصل القرآن الكريم بعض الحقوق التى لكل منهما على الآخر، وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة بذكر شىء منها زائدا على ما ورد فى القرآن .
وجماع هذه الحقوق قول الله سبحانه وتعالى { ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } البقرة 228 ، وجاء ذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع ( إن لكم من نسائكم حقا وإن لنسائكم عليكم حقا ) ( نيل الأوطار ج - 5 ص 364 ) ومع ذلك فقد قرر الله للرجال على النساء درجة، أى منزلة أكدتها الآية { الرجال قوامون على النساء } النساء 34 ، وهذه القوامة أو تلك الدرجة، لا تخل بالمساواة بين الرجل والمرأة، إذ الدرجة التى هى قيام الرجل على المرأة يقتضيها النظام فى كل عمل مشترك، وإلا صار الأمر فوضى، ومراعاة النساء لهذه الدرجة، يجعل ما لهن من شئون الزوجية قبل أزواجهن مثل ما عليهن لهم تماما وقد جاء هذا القول فيما رواه الطبرى فى تأويل قوله تعالى { وللرجال عليهن درجة } لا أعلم إلا أن لهن مثل الذى عليهن إذا عرفن تلك الدرجة .
( تفسير الطبرى ج - 2 ص 257 ) والقاعة العامة التى تسود كل حقوق الزوجية وتقيدها هى الإحسان فى المعاملة وتجنب المضارة ( الأم للامام الشافعى ج - 5 ص 95 والبدائع للكاسانى الحنفى ج - 2 ص 334 ) وإذا كان بيان حقوق الزوج على وجه الحصر متعذرا، فإنه يكفى أن نشير فيما يلى إلى أبرزها : أولا - حق تدبير المعيشة وإدارة حياتهما من حيث الاسكان والاستقرار فى بيت الزوجية ومراقبة سلوكها داخل المسكن وخارجه ، واتصالها بالغير والنظر فيما يجوز لها أن تزاوله من عمل داخل المنزل وخارجه، والانتقال بها إلى حيث يشاء ويرتزق ما دام مأمونا عليها .
وإعطاء الزوج هذا الحق أو تلك السلطة يقصد به المحافظة على ما منحته الشريعة للزوج من حقوق قبل زوجته بمقتضى عقد الزواج، ودفع الضرر عن نفسه وعنها وحماية حياتهما الزوجية مما قد يضر بها .
وقد تحدث الفقهاء فى تلك الحقوق المفوضة للزوج وقالوا إنها مقيدة بما تتقيد به سائر الحقوق فى شريعة الإسلام وهو ألا يترتب عليها ضرر بالزوجة .
كما تحدثوا فى حقه فى منعها من الاتصال بمحارمها وقالوا إنه ليس له منعها إلا إذا كانوا مفسدين أو يفسدونها عليه .
ثانيا - حق التأديب وأساس هذا الحق التشريعى قول الله سبحانه { واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } النساء 34 ، وهذا الحق فرغ عن كون الرجال قوامين على النساء، وقد قال الفقهاء فى حدود هذا الحق بأن الرجل حق تعزير زوجته، كما للقاضى حق تعزير الناس كافة، لكنهم قيدوا هذا الحق بقيود، يعتبر بخروجه عنه متعديا لأن شرعية هذا الحق مقصود به إصلاح حال الزوجة، إذا ما بان لزوجها أنها قد تنكبت السبيل المستقيم، فلا حق له فى تعزيرها لمجرد الانتقام والإيذاء ولا فى الخروج عن تلك الوسائل التى قررتها تلك الآية الكريمة .
ثالثا - حق المباشرة الجنسية على خلاف بين الفقهاء فيما إذا كان هذا حقه الخالص أو أن الاستمتاع حق مشترك بينهما، لأنه لا يمكن لأحدهما الانفراد به، بل لابد من المشاركة التى تدعو إليها طبيعة الفعل، وأيا ما كان فان حق الزوج أن تستجيب له زوجته متى بدت رغبته، ولم يكن بها مانع شرعى وفقا لأحكام الله تعالى { فأتوهن من حيث أمركم الله } البقرة 222 ، وقوله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } البقرة 223 ، ويتقيد هذا الحق بألا يحدث منه ضرر للزوجة، والأحاديث الشريفة فى هذا الباب كثيرة .
ولعله من المرجحات للقول بأن العمل الجنسى بين الزوجين حقهما معا ولكل منهما الاستجابة الآخر أنه قد أجيز للزوجة طلب الطلاق للهجر فى الفراش وترك المضاجعة، وأن الإيلاء من الزوجة والإصرار عليه سبب للطلاق فى قول الأئمة الفقهاء من غير مذهب أبى حنيفة الذى مذهبه أنه بمجرد مضى مدة الإيلاء المقررة فى القرآن دون أن يفىء إليها تطلق منه طلقة بائنة .
رابعا حفظ مال الزوج وكتم أسراره، وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه ( فى بيان حقوق كل من الزوجين من غير حصر كتب فقه المذاهب فى باب النفقة وحديث كلكم راع ) وفى بيان هذه الحقوق أحاديث كثيرة منها ما جاء فى خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع .
استوصوا ( رواه ابن ماجة والترمذى منتقى الأخيار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 6 ص 120 وما بعدها ففيه بيان حقوق أخرى للزوج ) بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان، ليس تملكون منهم شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فاهجروهن فى المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فان أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن فى بيوتكم لمن تكرهون وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهن وطعامهن .
ومنها الحديث الذى رواه البخارى ومسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
( زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم برقم 559 ج - 1 ص 302 و 303 ) وفيه والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها .
عن السؤال الخامس اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن المرأة الحامل إذا مات فى الولادة تغسل ويصلى عليها، ولها حكم الشهداء فى الآخرة وثوابهم فضلا من الله ورحمة .
قال ابن قدامة فى المغنى ( فأما الشهيد بغير قتل كالمبطون والغريق وصاحب الهدم والنفساء، فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، لا نعلم فيه خلافا إلا ما يحكى عن الحسن لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت فى نفاسها فقام فى وسطها .
متفق عليه ( ج - 2 ص 405 مع الشرح الكبير مطبعة المنار سنة 1345 هجرية ) والله سبحانه وتعالى أعلم(7/353)
دور الشريعة الإسلامية فى تحقيق أهداف المجتمع
F جاد الحق على جاد الحق .
1 أبريل 1979 م
M 1 - الأحكام الشرعية التى فصلها المصدران الأساسيان وهما القرآن والسنة، وما أجمع عليه المسلمون، وما ثبت بالقياس الصحيح، كل ذلك ثابت لا نقاش فيه، أما ما لم يرد فيه نص قاطع أو إجماع فهو محل اجتهاد .
2 - تطبيق الشريعة الإسلامية فى المجتع إنما يعنى ربطه بالأسس الشرعية الثابتة دون الجزئيات المتغيرة، على أن الأخلاق الإسلامية لا تدخل فى المتغيرات .
بل هى من الأعمال الثابتة التى يجب أن يلتزم بها المجتمع .
3 - لابد من التفريق بين أخلاقيات وعادات الناس وأعرافهم .
4 - شريعة الإسلام دواء لما أصاب المجتمع من علل وأمراض اجتماعية، تخلق فيه روح الصفاء والتآلف والبذل والعطاء .
5 - الضروريات الخمس وهى حفظ النفس والعقل والنسل والدين والمال اعتبرها الإسلام غاية وأساسا لقيام المجتمع السليم، وذلك لا يختلف فى القرن العشرين عنه فى القرون السابقة .
6 - شريعة الإسلام قامت على اعتبارات من الدين والأخلاق والعدالة المطلقة بين الناس على اختلاف عقائدهم الدينية .
7 - غير المسلمين يلتزمون بالقانون الإسلامى كقانون فقط لا مساس فيه بالقعيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها .
8 - الشريعة كقانون مطبقة فعلا على جميع المصريين دون حرج أو اعتراض فى الميراث والوصية والولاية على المال .
9 - طبيعة العقوبات فى الشريعة لا تسمح بالتفريق فى العقوبة بين الأفراد لأى سبب أو وصف من الأوصاف .
10 - تطبيق حد الردة على المسلم الذى يرتد عن الإسلام استقرار للعقائد الدينية السماوية المتآخية فى هذا الوطن .
11 - التريث غير مطلوب لتطبيق الشريعة الإسلامية فى الحكم والقضاء حتى نعد جيلا جديدا على أساس خلق الإسلام .
12 - الإسلام والسياسة متداخلان لا انقصام بينهما، وهو شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضربه، لأنه صمام الأمن والأمان لها .
13 - يحكم العرف والعادة ما لم يصادما نصا قطعيا فى القرآن والسنة .
أو إجماعا سابقا للأمة فى عصر من العصور
Q فى مجلة المصور بالآتى س 1 يقول السيد محمد رشيد رضا الأحكام المنزلة من الله تعالى .
منها (أ) ما يتعلق بالدين نفسه كأحكام العبادات وما فى معناها كالنكاح والطلاق وهذه لا تحل مخالفتها .
(ب) ومنها ما يتعلق بأمور الدنيا كالعقوبات والحدود والمعاملات المدينة والمنزل من الله تعالى فى هذا قليل وأكثره متروك للاجتهاد .
ويقول الكاتب توفيق الحكيم إن الثابت من أحكام الدين هو الإلهيات بما فى ذلك علاقة الإنسان بالله وإن المتغير هو الانسانيات مثل المعاملات والاخلاقيات .
فما هو رأى فضيلتكم فى نصيب هذين الرأيين من الصواب والخطأ فيما يتصل بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية
An ج - 1 كرم الإسلام الإنسان وسخر الله له ما فى الأرض جميعا وجعله خليفته فيها وعلمه ما لم يكن يعلم ليعمر هذا العالم وشاءت إرادته تعالى ألا يترك الناس تسودهم الأهواء يستقل القوى بكل شىء وتنحصر يد الضعيف صفرا بغير شىء فجاءت رسله تترى فى كل عصر وزمان للهداية والرشاد حتى كانت خاتمة الراسلات الإسلام الذى هدفت شريعته إلى تكوين مجتمع فاضل يضم الأسرة الإنسانية كلها فبدأت بتربية ذات المسلم ليكون عضوا سليما فى هذا المجتمع فهذبت نفسه بالعبادات { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت 45 ، ومن أجل هذا الهدف كانت الضروريات فى الشريعة الإسلامية خمسا لحفظ النفس الإنسانية سامية تقية نفية آمنة مطمئنة - حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال - ثم كانت أحكام هذه الشرعية بمعناها العام الشامل للعقيدة أى ما يجب الإيمان به فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته والدار الآخرة والرسل السابقين والقضاء والقدر وغير هذا مما اصطلح العلماء على تسمية بحوثه بعلم الكلام أو التوحيد، وما يشمل ما نسميه بالعلاقات الاجتماعية وهو المثل الأعلى الذى يجب على الإنسان بلوغه فى التعامل مع مجتمعه .
واصطلح على أنه علم الإخلاق، ثم فقه الشريعة الشامل لأحكام الله تعالى فيما يخص العمل من عبادات ومعاملات وحدود وتعازير، فهذه الشريعة الخاتمة لابد أن تحكم أحوال الإنسان حتى غاية الزمان، ومن أجل هذا جاءت أحكام الله محددة فيما فرضه من عبادات وفيما يتصل بتكوين الأسرة وترتيب نظامها منذ بدء الولادة للطفل الإنسانى وحتى مماته وتوريث تركته كما جاءت الحدود العقابية على بعض الجرائم الماسة بنظام المجتمع محددة كذلك، ومن ثم فإن الأحكام الشرعية التى فصلها المصدران الأساسيان وهما القرآن والسنة وما أجمع عليه المسلمون وما ثبت بالقياس الصحيح كل هذا ثابت لا نقاش فيه، أما ما لم يرد فيه نص قاطع أو إجماع فهو محل الاجتهاد ويدخل فيه العقود المالية وغيرها من طرق الكسب والتجارة وعقوبات التعزير على ما جد من جرائم، واستنباط الأحكام لمثل هذا لابد أن يكون فى نطاق الضوابط العامة للتعامل بين الناس الواردة فى كتاب الله وسنة روسله صلى الله عليه وسلم مثل { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، ففى هذه الآية ضوابط عامة لا يسوغ لأحد مخالفتها وللمجتمع الإسلامى أن يقننها فى قواعد حاكمة لتعاملة، ويجوز أن تتغير أسماء التعرفات والتجارات بتغير العصر والزمن وانحسار العادات والأعراف ولكن يظل التعامل قائما فى هذا النطاق الذى أمرت به هذه الآية الكريمة، وعلى هذا فان تطبيق أحكام الشريعة الاسمية فى المجتمع إنما يعنى ربطه بالأسس الشرعية الثابتة دون الجزئيات المتغيرة، على أن الأخلاق الإسلامية لا تدخل فى المتغيرات بل هى من العمد الثابتة التى يجب أن يلتزم بها المجتمع، فالصدق والأمانة والعفة ليس التحلى بها موضع اجتهاد ، على أنه لا يغيب عن البال أن الإسلام قد ربط دائما العمل بالنية وحاسب عليها فقد يتصدق المسلم وينفق أمواله بغية الذكر فى الدنيا أو التقرب من حاكم وهو فى هذا الحال مراء فلا يقبل الله منه هذا العمل، وفى سعى الرجل وكسبه للانفاق على زوجه وولده صدقة مع أنه يؤدى واجبا لزمه بعقد الزواج وبمقتضى الأبوة لطفله .
فالاجتهاد فى الأحكام الشرعية لا يدخل نطاق ما حدده المشرع سبحانه بنص قاطع فى القرآن الكريم أو بقول الرسول أو فعله أو تقريره كما لا يدخل الاجتهاد فى أخلاقيات هذا الدين ولابد أن نفرق بين أخلاقياته وعادات الناس وأعرافهم لأن هذين يكتسبان وقد ينشآن عن أصل فى الدين أو البيئة أو تقليدا للغير ويجب رد كل أوليئك إلى النصوص الأصلية للشريعة احتكاما إليها { قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث } المائدة 100 ، { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول } النساء 59 ، ص 2 ما هو دور الشريعة الإسلامية فى تحقيق أهداف المجتمع روحيا وماديا ج - عنى الإسلام بتربية الفرد المسلم لأنه عماد الأسرة التى هى الخلية الأولى فى المجتمع الإنسانى فرباه على نقاء السيرة والسريرة وعلى الإخلاص والنصيحة لدينه وعشيرته لم يفرق بين بنى الإنسان بسبب اللون أو الجنس قال تعالى { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات 13 ، وفرض الصلاة وسن فيها الجماعة خمس مرات فى اليوم والليلة ثم صلاة أسبوعية جامعة ثم مؤتمرا سنويا أشتمل فى الحج كل ذلك لتصفو نفس الجماعة المسلمة بل الأمة الإسلامية وتجتمع على كلمة سواء .
أرأيت كيف حث الله تعالى فى آياته على صدق العقيدة مع الإخلاص له وحده فى العبادة وعلى البر بالوالدين وصلة الرحم وإكرام اليتيم والمسكين والإحسان إلى الجار والرحمة بالفقير والمحتاج ومساعدة الضعفاء، ثم التحذير من البخل والرياء والنهى عن الكفر الجحود ومعصية الرسول إليك واحدة من هذه الآى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا } النساء 36 ، ورسول الله صلوات الله عليه يقول حماية للمجتمع (لا ضرر ولا ضرار) أرأيت أجمع وأشمل من هذه العبارة الوجيزة كيف جاءت بقاعدة شاملة تحمى الفرد والأمة .
وقول الله { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة 2 ، ثم ما فرضه الإسلام من تكافل بين الأسرة الواحدة ثم بين الأسر المتجاورة ثم الأمة كلها، كل هذا متمثل فى نظام الزكوات والكفارات والصدقات والنذور والوصايا، ثم مع هذا وقبله دعوة هذه الشريعة الإنسان للعمل والكسب والعمارة محاطا بقواعدها فى بيان والحلال والمحرم من الكسوب والأموال قال جل شأنه { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله } الجمعة 10 ، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .
وقال تعالى { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } الحديد 7 ، أليس الإنسان خليفة الله فى الأرض فما فى يده من مال ومتاع ملك لمولاه ومستخلف فيه، ومن هنا كانت شريعة الإسلام دواء لما أصابنا من علل وأمراض اجتماعية وتخلق فيه روح الصفاء والتآلف والبذل والعطاء ومع كل هذا تدفعه للعمل والكسب وعمارة الأرض حتى يكون قوى البناء كالجسد الواحد .
س 3 ما مدى ضرورة الشريعة الإسلامية فى القرن العشرين ج - الإسلام دين ودنيا غير موقوت بعصر وأوان وإنما هو دين الله ما دامت على الأرض حياة، أرأيت إلى شريعة حفظت حياة الإنسان وكرامته أى إنسان منذ تحرك فى بطن أمه جنينا فمنعت الاعتداء على نفس الإناسن أو أى جزء منه بل حافظت على سمعته وبعدت به عن مواطن الاحتقار والإهانة وقدست حريته وجعلت كل هذا ضروريا وشرعت عقوبات التعدى قال تعالى { ولكم فى القصاص حياة } البقرة 179 ، وعقوبة القذف والزنا ثم حافظت على عقل الإنسان وسلامته، ومن أجل هذا حرمت الخمر وكل ما يضر بعقل الإنسان ثم حافظت على النسل الإنسانى فكان على الوالد كفالة والده .
ومن هنا كان تنظيم الإسلام للزواج ومنع الاعتداء على الأعراض ثم حفظ الدين فكانت حماية العقيدة لأنها رابطة الإخلاص فى المجتمع، ونحن نرى من حولنا المجتمعات المادية منحلة متحللة لا تدعمها رابطة ولا تشدها عاطفة ثم المحافظة على المال، فبعد أن دعت إلى تحصيله بالطرث المشروعة وإنفاقه فى أوجه البر والخير منعت الاعتداء عليه بالسرقة أو الغصب أو أكله بالباطل رشوة أو تغريرا أو نصبا واحتيالا أو ربا .
هذه الضروريا الخمس اعتبرها الإسلام غاية وأساسا لقيام المجتمع السليم، وذلك لا يختلف فى القرن العشرين عنه فى القرون السابقة بل اننا لو رجعنا البصر كرتين فى تاريخ الإسلام لوجدنا أن الأمة الإسلامية سادت نفسها وغيرها حين سادتها أحكام شريعتها وحين غفل المسلمون عن تطبيقها غاض خيرهم وانفض جمعهم وهانوا على أنفسهم وعلى غيرهم حتى تخطفتهم الأمم من حولهم، أليس التاريخ خير شاهد ثم أرايت نظاما قانونيا عاش أربعة عشر قرنا فما وهن لما أصاب أهله وما استكان لانصرافهم، تلكم هى الشريعة الإسلامية بسطت ظلها على الإنسان فى المجتمع المسلم نفسا ومالا وعيالا تدعمه وتنفث فيه من قوتها حتى يستوى عوده على هدى الله قال تعالى { إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا } الإسراء 9 ، س 4 ما موقف غير المسلمين فى حالة تطبيق الشريعة الإسلامية وهل تضار الوحدة الوطنية ج - يلزم أن يستقر فى الأذهان أن شريعة الإسلام قامت على اعتبارات من الدين والأخلاق والعدالة المطلقة بين الناس على اختلاف عقائدهم الدينية وهى فى تقديسها لهذه العدالة لم ترع المسلمين وحدهم بل كافة المواطنين، وحين حرمت التعدى والظلم وغيرهما من الموبقات لم تفرق بين المسلم وغير المسلم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله } المائدة 8 ، أى لا ينبغى أن يحملكم أى خلاف مع آخرين بسبب ما كالمخالفة فى الدين على مجانبة العدل فى الأحكام ن ومن ثم فان الإسلام سوى فى الحكم والأحكام بين طوائف الناس جميعا، ومن هنا فان غير المسلمين إنما يلتزمون بالقانون الإسلامى كقانون فقط لا مساس فيه بالعقيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها كمسائل الزواج والطلاق، ففى هذا الخصوص يقرر فقه الإسلام أن غير المسلمين يتركون وما يدينون، فيجب إذا ألا نخلط بين الإسلام كدين وبينه كقانون، وما لنا نذهب بعيدا فالشريعة كقانون مطبقة فعلا على جميع المصريين دون حرج أو اعتراض، فهذه قوانين الميراث والوصية الوقف والولاية على المال جميعها مصدرها الوحيد فقه الشريعة الإسلامية والك راض بها ووحدة الأمة مصونة فى ظلها، وقد كانت البلاد العربية فى إبان حضارتها يحكمها قانون واحد يتمثل فى الشريعة الإسلامية التى ظلت سائدة مطبقة تطبيقا شاملا فى مختلف النواحىة على مدى قرون طويلة دون تفريق بين المسلم وغير المسلم، بل الكل أمام قانونها سواء كما يأمر بذلك النص القرآنى الكريم سالف الذكر، فإذا عادت بلادنا إلى مقوماتها الأصلية تعين علينا الرجوع غلى هذه الثورة الفقهية لنقنن منها أنزة تتسق مع حاجات العصر، وإلا فهل يرضى غير المسلم أن لا يعاقب سارقه بقطع يده إذذا ثبتت السرقة ثبوتا شرعيا بل هل يليق أن يترك من يعتدى على عرض غير المسلم دون عقاب رادع إن نظام التجريم فى فقه الإسلام مقصوده الزجر والردع عن اقتراف تلك الجرائم، بل والعلاج الحاسم للعود، ثم هل هناك مجتمع يشفق أو يرحم من يسرق أمواله ويهتك أعراضه ويروع الأطفال والنساء، ان توفير الأمن فى الأمة وتقويم السلوك أمر متعلق بالنظام العام فى الدولة، وهو فى نفسه لا يمس عقيدة دينية ولا يحد منها، ولقد عاشت وحدة الوطن فى ظل القانون الإسلامى أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان أمن فيه غير المسلمين قبل المسلمين على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم ، فالمسلم يقتص منه عدلا بقتل غير المسلم كما يرجم إذا زنى بغير المسلمة كما تقطع يده إذا سرق المال .
والحال كذلك بالنسبة للجانى إذا كان غير مسلم لأن القصد هو سلامة المجتمع كله ومعاقبة المجرم أيا كان دينه ليصلح المجتمع .
ومن هذا يتضح أن طبيعة العقوبات فى الشريعة لا تسمع بالتفريق فى العقوبة بين الأفراد لأى سبب أو وصف من الأوصاف إذ العقوبة مقررة للجريمة حتى تسرى النصوص الحنائية على الكافة .
س 5 ما هو رأى فضيلتكم فيما يثار حول الردة ج - ان الأساس فى الشريعة فى التجريم هو حماية الأمة، ومن أجل هذا كانت الحدود فى الإسلام حازمة بالقدر الذى يكفى لاستئصال الجريمة وتأديب المجرم على وجه يمنعه من العودة إلى ارتكابها، بل ويزجر غيره عن التفكير فى مثلها، وعقيدة الجماعة فى حاجة إلى هذه الحماية حتى تعيش مستقرة، من أجل هذا كان حد الردة كغيره من الحدود المكافحة للجريمة الماسة بأمن المجتمع ، ذلك لأن التساهل يؤدى حتما إلى تحلل الأخلاق وفساد المجتمع، وفى تطبيق حد الردة على المسلم الذى يرتد عن الإسلام استقرار للعقائد الدينية السماوية المتآخية فى هذا الوطن، ولمنع هؤلاء اذين يتنقلون بين الأديان لأهواء فاسدة لا يقرها الدين أى دين، والمحاكم مليئة بالمنازعات التى ثارت بين الأزواج، والتى لجأ بعض الأطراف فيها إلى اعتناق دين غير دينه هربا من الزوج أو من الزوجة .
أو قصدا للزواج بمن لا تدين بدينه، ومن الأمور الثابتة أن رجال القانون المصريين من غير المسلمين قد شاركوا فى تقنين المواريث والوصية ولاوقف والولاية على المال من فقه الإسلام، بل وكثير من أحكام التقنين المدنى من هذا الفقه .
ومن يتصفح محاضر لجان مجلس الشيوخ والنواب فيما قبل يوليه سنة 1952 يجد ذلك واضحا، كما يجد أن هؤلاء القانون لم يتعترضوا على هذا التقنين، وأمر آخر يجب أن يكون فى الحسبان أن آثار الردة مطبقة فعلا فى المواريث وغيرها، فإذا جاءت الدولة الآن لتقنن أمرا قائما تحمى به وحدة الأمة وهذه الوحدة مسألة أمن دولة يقضى بها الدستور فإن على جميع المواطين أن يعوانوا فى هذا السبيل، ثم أين هى حوادث الارتداد الفعلى ان الواقع هو حيل قانونية لا تتصل بالعقيدة وإنما تتخذ وسلة للهروب من التزامات أو الحصول على مكاسب ليست حقا ن ولعل الحقائق التاريخية الثابتة شاهدة على أن غير المسلمين عاشوا بين مواطنيهم المسلمين ثلاثة عشر قرنا من الزمان، وقد كان الجميع شركاء فى السراء والضراء والكل فى الوطن مواطن، وكما سبق أن قلت ان الحدود تطبيق قانونى على الجميع وإن إنفاذ حد الردة يحمى العقائد الدينية ويجعل الثبات عليها والالتزام أمرا مستقرا .
س 6 ما رأى فضيلتكم فى أن التشريع الإسلامى يعتمد اعمادا كبيرا على ضمير الفرد وإحساسه برقابة الله تعالى وأنه بغير هذا المضير وهذا الاحساس لا يمكن أن يستقيم التطبيق، وإنما يقتضى وجودهما إعداد جيل جديد على أساس خلق الإسلام وقيمة ومبادئه .
ج - إننا لا نبدأ من فراغ، فالدين الإسلامى قائم بحمد الله المعبود، ونحن نتلو القرآن الكريم ونسمعه ونعم بشرعه فى الكثير من نواحى الحياة وليست الصلة منقطعة بين الإسلام وواقع الحياة، فان التقنين المدنى فى مصر قد أخذ بالكثير من قواعد الفقه الإسلامى وقانون العقوبات أكثره يدخل تحت باب التعازير، والإسلام حين علم المسلم أن الله مطلع عليه ومراقب له قال تعالى { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور } غافر 19 ، وقال جل شأنه { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } المجادلة 7 ، وحين وضح الرسول صلوات الله وسلامه هذا بقوله (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) إنما أراد بهذا أن يكون المسلم سليم السيرة والسريرة .
فالأخلاق ترتبط فى الإسلام أشد الارتباط بالقانون المستنبط من القرآن والسنة، ولكنه من الخطأ أن يقال أنه لا تمييز بين السلوك أو الأخلاق وبين القواعد القانونية، لأن الإسلام وإن جعل التربية الخلقية جزءا من العمل يخضع للثواب والعقاب، إلا أن الفقه الإسلامى قد ماز بين قواعد الأخلاق وقواعد القانون .
ففى كتب هذا الفقه على اختلاف مذاهبه يفرقون بين ما هو واجب قانونا ويعبرون عنه بقضاء وما هو واجب ديانة أى خلقيا دون جزاء دنيوى، بل ان القرآن الكريم قد جنب هذه عن تلك فجاءت نصوصه فى الحدود سابغة قاطعة وفى الأخلاق بقوله تعالى { ولا تطع كل حلاف مهين .
هماز مشاء بنميم .
مناع للخير معتد أثيم } القلم 10 ، 11 ، 12 ، { ويل لكل همزة لمزة .
الذى جمع مالا وعدده } الهمزة 1 ، 2 ، فهذا من قبيل قواعد الأخلاق التى يحاسب عليها المسلم فى الآخرة، ولم يفرض لها جزاء فى الدنيا، والإسلام حين يسبغ على القاعدة القانونية صفة الأخلاق إنما يريد أن يقرها فى نفس المجتمع ليحاسب كل فرد نفسه .
ومن هذا يتضح أننا لسنا فى حاجة إلى التريث فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى الحكم والقضاء حتى نعد جيلا جديدا على أساس خلق الإسلام وقيمه ومبادئه، لأننا أمة مسلمة نقيم أمور الإسلام ولا ينقصنا إلا القليل نبغى استكماله، وبه يعتدل سلوكنا على الجادة .
س 7 هل تنفضل فضيلتكم بتفصيل العلاقة بين السياسة والدين فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية .
ج - لعل الرد على هذا التساؤل فى آيات من القرآن الكريم وعدة من أحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ففى القرآن قول الله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } النساء 58 ، إلى آخر هذه الآية والتى تليها .
فقد قال العلماء فى شأن هاتين الآيتين ان فيهما جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة .
ومن هنا ندرك أن الإسلام نظم أمور الناس فى علاقتهم بربهم وفى علاقاتهم الأسرية وحقوق الجيرة، ثم سياسة الدولة، فجعل الحكم شورى ورسم طريق العدالة المطلقة، والمتتبع لآيات القرآن وأحاديث الرسول يرى صنوف السياسة وقواعدها فى إدارة أمور الناس وحسن اختيار الحكام والقضاة، كما يرى أن الإسلام والسياسة متداخلان لا انفصام بينهما لأنه دين ودنيا يسوس نفس الإنسان ويهذبها بالعبادات وصالح العمل، ويسوس علاقة الإنسان بزوجه وولده ووالديه والناس جميعا، ويضع لكل علاقة حكما وحدا ، ولكل عمل مواصفات العامل الذى يقول به، يتمثل هذا فى قول الرسول الأمين إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات .
حتى فى الصلاة وضع معايير لمن يؤم الناس فيها (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فان كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم .
وقد حمل إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه مال عظيم من الخمس فقال (ان قوما أدوا الأمانة فى هذا لأمناء فقال له بعض الحاضرين انك أديت الأمانة إلى الله تعالى الأمانة إليك ولو رتعت رتعوا) من هذا وغيره مما تزخر به كتب هذه الشريعة من نصوص وآثار يبدون جليا أن الإسلام لا يفارق السياسة وإنما هو دين وسياسة، ولذلك فالنصوص التشريعية فى القرآن والسنة عامة تعرض لكليات الأمور مقرونة بحكمة تشريعها والمصلحة التى اقتضتها للارشاد إلى استنباط الأحكام لما يجد من أحداث فى العلاقات الخارجية كدولة وفى العلاقات بين الأفراد بل وبينهم وبين أولياء أمورهم على اختلاف صنوفهم .
أرأيت بعد هذه الإشارات كيف أن الإسلام شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضر به لأنه صمام الأمن والأمان لها .
س 8 كيف يمكن استخلاص أسس التلاحم المنشود بين أصول الشريعة الإسلامية والتشريع العصرى بما يوافق البنيات أو التركيب الحضارى الراهن لعصرنا ومجتمعنا ج - لا جدال فى أن مصدر الأحكام فى الشريعة الإسلامية هو نصوص القرآن والنسة وما يلحق بهما مما أجمعت عليه الأمة ثم ما هدى إليها اجتهاد علمائها على أساس هذه الأصول، وأن النصوص منها العام القطعى مثل قول الله سبحانه { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } المائدة 1 ، { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } الحج 78 ، { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } النساء 29 ، وهناك نصوص قطعية خاصة مثل آيات المواريث وتحريم الربا والزنا والخمر والميسر، ومما أجتمعت عليه الأمة بطلان زواج المسلمة بغير المسلم ووجوب نفقه الزوجة على زوجها ، ومما قطعت فيه السنة، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
وفى هذا النطاق يدور استنباط الأحكام من هذه المصادر فى باب المعاملا وفى التقنين الإدارى والاقتصادى والتجارى والجنائى ما دامت فى نطاق القواعد العامة لهذه الشريعة، ويضيق الوقت والنطاق عن تلاوة آيات القرآن الكريم التى نصت أو أشارت إلى قواعد قانونية فى شتى فروع القانون، كما اصطلحنا على تسميتها الآن، ففى كتاب الله أهم قواعد القانون الدولة المتعلقة بالسلم والحرب والمعاهدات، ففيه قاعدة المعاملة بالمثل وفيه حكم الأسرى فى الحروب والالتزام بالمبرم من المعاهدات والوفاء بها ووجوب إعلان إلغاء المعاهدات دون عذر، وفى هذا يقول فقيه مسلم (وفاء بعهد من غير غدر خير من غدر بغدر) وفى القرآن الدعوة إلى السلم وفيه العمل على الصلح بين التنازعين وردع المعتدين، وفيه المساواة بين الناس والدعوة إلى تحكيم الحجة والبرهان والمجادلة بالحسنى وصولا للحق، وفيه المساواة بين الرجل والمرأة فى الأهلية حيث حفظ لها رأيها وحريتها لا تذوب ولا تؤول إلىولاية زوجها كما تقرر أكثر قوانين الغرب الذى نسعى إلى تقليده، وفيه القواعد العامة للمعاملات المدينة، وفيه مبادىء قانون الإثبات مدنيا وجنائيا، وفيه أحكام الزواج والطلاق وتنظيم أمور حقوق الزوجين وفاقا وافتراقا، وحقوق الأولاد والوالدين وذوى القربى، وفيه عقوبات محددة للجرائم الماسة بأمن وسلامة المجتمع وثمة جرائم أخرى ناط تقدير العقوبة عليها بأولياء الأمور وهذه موضع الاجتهاد ومحل للتعديل والتبديل تبعا لتطور الأزمان، وكما قيل يحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون وهذا هو مؤدى القول المشهور .
إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان .
إذ عموم قواعدها ومرونتها تجعلها غير جامدة ولا هامدة ، ولا مانع إطلاقا من تحكيم العرف والعادة إذا لم يصادما نصا قطعيا فى القرآن والسنة أو إجماعا سابقا للأمة فى عصر من العصور، وقد جرت نصوص الفقهاء المسلمين بذلك بل ان الدولة الإسلامية حين امتدت أطرافها نقل عمر بن الخطاب نظام الداوين وطرق جباية الموال عن الفرس والروم واستخدمهم فى هذه الأعمال للقيام بها ولتدريب المسلمين عليهيا .
ومن هنا كان لنا أن ننقل عن غيرنا ما لا يناقض أصول الإسلام .
وبعد فان كتب فقه الإسلام على اختلاف مذاهبه تحوى الكثير الوفير من القواعد العادلة التى تعالج مشاكل مجتمعنا بروج العصر دون تضييق أو خروج على أحكام الإسلام العامة والخاصة القطيعة، وأنه ينبغى أن تكون تلك القواعد هى المورد للمقننين والمصلحين بدلا من أن نستورد ما نشأ على غير أرضنا وفى غير بيئتنا وعادانا، وسنجد - ان فعلنا ذلك - أن تشريعنا المستمد من أصول الإسلام عصرى يواكب هذه الحضارات التى نعيشها، ويقول المجتمع إلى بر الأمن والسلام حافظا عليه دينه وتقاليده مشمولا برضى الله الذى رضى لنا هذا الدين وجعلنا خير أمة { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } آل عمران 110 .
ے(7/354)
أحوال النبى عيسى عليه السلام
F جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الأولى 1399 هجرية - 24 أبريل 1979 م
M 1 - رفع الله سبحانه وتعالى عيسى عليه السلام من بين أعدائه فلم يقتلوه ولم يصلبوه كما يزعم من يزعم الآن وقد التبس أمره على خصومه وقت القبض عليه بالاشتباه الذى كان سببا فى نجاته منهم .
2 - ينبغى الوقوف عند حد المسكوت عن بيانه فى آيات القرآن الكريم .
3 - نفى القتل والصلب عن عيسى عليه السلام وإثبات رفعه لا يجوز جحوده ومن جحده كان مرتدا .
4 - جمهور أهل العلم على أن عيسى عليه السلام حى عند الله تعالى حياة لم تثبت كيفيتها ولا طبيعتها .
5 - العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالأدلة القطعية الثبوت والدلالة من القرآن والسنة ونزول عيسى عليه السلام لم يثبت بدليل قطعى الثبوت والدلالة من القرآن والسنة فمن حجد ذلك لا يكون به مرتدا .
6 - ما ورد من الأحاديث الدالة على نزول عيسى عليه السلام وأن ذلك من علامات الساعة تقبلها جمهور العلماء بقبول حسن .
7 - القول بموت عيسى عليه السلام فعلا من الاعتقاد برفعه إلى الله سبحانه وتعالى وعدم قتله وصلبه لا يقتضى ردة صاحب هذا القول .
8 - ليس هناك ما يؤكد أن عيسى عليه السلام قد نشر دعوته فى الهند وأفغانستان والسند وإيران، وإنما انتشر ذلك بفعل اتباعه وجهدهم .
9 - الترجمة الحرفية للقرآن الكريم غير جائزة شرعا
Q بالكتاب الوارد من / عميد معهد علوم الشريعة الإسلامية - بجنوب أفريقيا - بتاريخ 10 من ذى القعدة سنة 1398 هجرية الموافق 3/10/78 م والمقيد برقم 284/1978 المطلوب به فتوى عن أحوال النبى عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأتم التسليم - والمحدد به الأسئلة التالية : 1 - ما هو حال النبى عيسى وفق الكتاب والسنة الشريفة الثابتة .
2 - ما حكم من قال ان عيسى قد مات .
3 - هل توجد أية أدلة تدل على أن عيسى قد نشر دعوته لأناس فى الهند وأفغانستان والسند وإيران .
4 - لماذا لم تطبع ترجمة القرآن الكريم فى دولة إسلامية إذ أن الترجمة التى نشرها أساتذة مسلمون من الهند بينهم من يدعى / محمد أسد - جاء فيها أن النبى عيسى عليه السلام مات وأن اعتقاد المسلمين فى عودته خطأ
An إن القرآن الكريم قد أخبر بنهاية أمر عيسى السلام مع قومه فلا ثلاث سور على الوجه التالى : 1 - قال الله تعالى فى سورة آل عمران { فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون .
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } آل عمران 52 - 55 .
2 - قال الله تعالى فى سورة النساء { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا .
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما } النساء 157 ، 158 .
3 - قال الله تعالى فى سورة المائدة { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب .
ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد } المائدة 116 ، 117 ، صدق الله العظيم .
تأويل قوله تعالى { متوفيك } وأصل مادة توفى فى لغة العرب .
لفظ { إنى متوفيك } فى آيات سورة آل عمران ولفظ { فلما توفيتنى } فى آيات سورة المائدة لامتبادر منهما أن عيسى عليه السلام قد مات لن كلمة (توفى) وردت فى القرآن الكريم بمعنى الموت، حتى صار هذا المعنى هو المتبادر منها عند النطق بها، كما يأتى لفظ (توفيت) فى اللغة بمعنى القبض والأخذ، وعلى هذا يكون معنى { إنى متوفيك } ، { فلما توفيتنى } إنى قابضك من الأرض ، كما يقال توفيت من فلان ما لى عليه بمعنى قبضته واستوفيته - ويأتى لفظ (يتوفى) بمعنى النوم كما فى قوله تعالى فى سورة الأنعام فى الآية 60 (وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم غليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم بعملون) .
ففى هذه الآية جاء لفظ (يتوفى)، مقصودا به النوم، كما استعمل لفظ (يبعث) - الذى يشير عادة إلى البعث فى الحياة الأخرى بعد الموت فى الدنيا - بمعنى الأيقاظ من النوم وعلى هذا فإنه يمكن أن يقصد بلفظ (إنى متوفيك) و (فلما توفيتنى) معنى النوم أيضا بدلا من الوفاة بمعنى الموت السابق ذكره .
تأويل قول الله { ورافعك إلى } { بل رفعه الله إليه } فلفظ { ورافعك إلى } فى آيات آل عمران و { بل رفعه الله إليه } فى آيات سورة النساء فسره جمهور المفسرين على أن الله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء - واللفظ الأخير { بل رفعه الله إليه } اخبار عن تحقيق ما وعد الله به فى آيات آل عمران بقوله تعالى { إنى متوفيك ورافعك إلى } وقد جاء لفظ الرفع فى القرآن الكريم بالرفع المادى المعنى الذى يدل على التشريف والتكريم، وإذا كان القول بالرفع المادى هو المقبول لأن به نجاة عيسى عليه السلام من أعدائه فعلا روحا وجسدا لزم عليه أن يسبق هذا الرفع المادى موته حيقيقة أو حكما بالنوم، لأن فى رفعه حيا بحياته العادية فى الدنيا تعذيبا له لما علم الآن بالتجربة العلمية من أن الإنسان كلما صعد فى الجو إلى أعلى ضاق صدره لقلة الاكسوجين فى الهواء كما يقول العلماء التجريبيون الآن .
ولعل الآية الكريمة فى سورة الأنعام تشير إلى صدق هذه التجربة العلمية ( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء) من الآية رقم 125 .
فجماع ما تقدم يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام وأنجاه من القتل والصلب، يعنى أنه توفاه وأماته إما حقيقة أو حكما بالنوم ليعفيه ويجنبه بهذه التوفية أقسى العذاب الذى يتعرض له الجسد الإنسانى الحى لو صعد بحالته العادية فى الدنيا إلى السماء، أو أنه رفع حيا وما زال كذلك حياة لا تدرى طبيعتها .
تأويل قوله تعالى { ولكن شبه لهم } فلفظ { ولكن شبه لهم } فى آيات سورة النساء السابق تلاوتها اختلف المفسرون فى صفة التشبيه وكيفيته - على ما حكاه الطبرى فى تفسيره - فقال بعضهم إن اليهود حين أحاطوا بعيسى عليه السلام مع أصحابه لم يكونوا يعرفونه بشخصه وأشكل عليهم استخراجه بذاته من بين من كانوا معه لأن الله حولهم جيمعا إلى شبه عيسى وصورته ، ولذلك ظنوا أن من قتلوه هو عيسى وليس كذلك .
وقال آخرون ان شبه عيسى ألقى على أحد أصحباه فأخذه اليهود وقتلوه .
ويأتى لفظ (شبه) فى اللغة العربية بمعنى لبس الأمر من قولهم اشتبهت الأمور وتشابهت التبست فلم تتميز ولم تظهر ومنه اشتبهت القبلة ونحوها أى لم تتبين جهتها - ومعنى (ولكن شبه لهم) على هذا أن الأمر بشأن المصلوب لبس على من قبضوا عليه وحاكموه ومن صلبوه، وأن الذى جعل الأمر يلتبس عليهم أن الله قد خلص المسيح عليه السلام ورفعه إليه دون أن يدرك ذلك من حضروا للقبض عليه بعد أن التبس عليهم شخصه وذاته فواقع المر قد لبس عليهم أو التبس واختلط فلم يدركوا ذات المسيح عليه السلام .
ويمكن أن يقال أيضا إن قوله تعالى { ولكن شبه لهم } معناه أى وقعت الشبهة لهم فظنوا أنهم قتلوه مع أنهم قتلوا غيره ظانين أنه هو .
وقد كذب الله سبحانه وتعالى وهمهم بقوله { وما قتلوه وما صلبوه } كما زعموا ولكن وقعت لهم شبهة فى ذاته فقتلوا وصلبوا غيره .
ومن هذا العرض لما تحمله هذه الآيات فى شأن وفاة عيسى عليه السلام وهل كانت وفاة موت أو وفاة نوم أو وفاة قبض ونقل ورفع وما يحتمله قوله تعالى { ورافعك } وقوله { بل رفعه الله إليه } من الرفع المادى بمعنى أنه نقله بذاته وجسمه من بين من أرادوا القبض عليه وقتله فلم يمكنهم منه أو أن الرفع أدبى ومعنوى رفع مكانة وتشريف وما قيل فى قوله تعالى { ولكن شبه لهم } من هذا يظهر اختلاف العلماء فى شأن عيسى عليه السلام .
المختار من هذه التأويلات والذى اختاره أن الله سبحانه وتعالى قد رفع عيسى عليه السلام من بين أعدائه ولم يمكنهم من القبض عليه فلم يقتلوه ولم يصلبوه كما يزعم أتباعه الآن وأن أمره التبس واشتبه على خصومه بأى طريق من طرق التلبس بالاشتباه التى أرادها الله سبحانه وأنجاه الله بها ولم تفصح الآيات المتلوة آنفا عن هذا الطريق بل جاء الفعل (شبه) بالبناء للمجهول الأم الذى كثرت فى بيانه واستبانته الأفهام، ومن الحكمة وحسن التأويل لآيات القرآن الكريم الوقوف عند ما سكتت عن بيانه والكف عن استكشاف مالا طائل وراءه لأنه غير ثابت فطعا - إذ المر الذى تفيده قطعا تلك الآيات أن الله تعالى لم يمكن اليهود من قتل عيسى عليه السلام وصلبه ولكن شبه لهم والتبس أمره عليهم فلم يعرفوا ذاته وقطع القرآن فى رفعه من بين أظهرهم واستخلاصه من أيديهم بقوله تعالى { وما قتلوه يقينا .
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما } ما يجب الإيمان به وبذلك تكون العقيدة الصحيحة للمسلم فى هذا هو ما قطعت به هذه الآية من نفى قتل عيسى عليه السلام وصلبه ومن إثبات رفعه إلى الله تعالى، فهذا القدر لا يجوز لمسلم جحوده، ويخرج عن الإسلام من اعتقد ما يقول المسيحيون الآن من قتل ذاات هذا النبى وصلبه .
أما رفعه عليه السلام حيا أو ميتا أو نائما إن كان حيا وما مكانه وما كيفية حياته وهيئتها فان هذا مما اختلف فى شأنه العماء إذ لم تفده آيات القرآن الكريم على وجه قطعى الدلالة .
وجمهور أهل العلم على أن عيسى عليه السلام حى عند الله تعالى حياة لم تثبت كيفيتها ولا طبيعتها مستدلين بما سنورده فيما يلى عن واقعة نزوله وعودته إلى الأرض .
نزول عيسى إلى الأرض يدل مجموع الأحاديث المروية فى كتب السنة على أن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض داعيا بالإسلام وحاكما بشريعته ومتبعا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
من هذا ما أخرجه البخارى فى صحيحه فى كتاب الأنبياء عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فليكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية (أى يلغيها ولا يقبلها من أحد من أهل الأديان الأخرى إذ لا يقبل منهم غير الإسلام دينا) ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ) ثم قال أبو هريرة أقرءوا إن شئتم قول الله تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا } النساء 159 ، وقد رواه مسلم فى صحيحه هكذا عن أبى هريرة وزاد أنه (يقتل الدجال) ما حكم من جحد نزول عيسى هذا الحديث الشريف وأمثاله ليس من الأدلة القطيعة الثبوت والدلالة لأنه ليس من المتواتر فلا يفيد قطعا نزول عيسى عليه السلام للأرض .
كذلك لم تفد آيات القرآن الكريم نزوله على وجه قاطع، وإن كانت الآيتان 159 من سورة النساء، 61 من سورة الزخرف تحتملان الدلالة على هذا فى أحد التأويلات الكثيرة لكل منهما والتى أوردها الكبرى فى تفسيره .
ولما كانت أسس العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالدليل القطعى الثبوت والدلالة من القرآن والسنة .
فإن من جحد نزول عيسى عليه السلام وعودته إلى الأرض لا يخرج عن الإسلام ولا يعتبر كافرا لأن ماحجده غير ثابت بدليل قطعى من القرآن أو السنة .
ومع هذا فقد تقبل جمهور أهل العلم منذ حدث رواة هذا الحديث به وبأمثاله من الصحباه رضوان الله عليهم ومنذ أن دونت السنة الشريفة تقبلوا الأحاديث الشريفة الدلالة على نزول عيسى عليه السلام وعودته إلى الأرض قبولا حسنا وآمنوا بها وعدوا نزوله من أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى .
وأختار طريق هؤلاء والاقتداء بهم باعتبار ذلك خبرا عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى مع عدم تكفير من يجحد نزول عيسى عليه السلام ما حكم من قال بموت عيسى ما كانت عبارة القرآن الكريم فى قوله تعالى { إنى متوفيك } فى آيات سورة آل عمران { فلما توفيتنى } فى سورة المائدة تحتمل الموت والنوم والاستيفاء والقبض على ما سبق بيانه فإنه مع هذه الاحتمالات تكون دلالة الآيات على حياته عليه السلام الآن غير قاطعة ، فمن قال من المسلمين بموته فعلا يكون متأولا لما يحتمل التأويل فلا يخرج بهذا القول من الإسلام ولا يعتبر كافرا ما دام معتقدا ومقرا بأن الله سبحانه وجلت قدرته قد رفعه إليه من بين أعدائه ولم يمكنهم من قتله وصلبه امتثالا وتصديقا لقوله تعالى { وما قتلوه يقينا .
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما } هل نشر عيسى دعوته بالهند أما أن عيسى عليه السلام قد نشر دعوته فى الهند وأفغانستان والسند وإيران فليس هناك ما يؤكد هذا الزعم وإنما انتشرت بفعل أتباعه وجهدهم كما هو ملموس الآن من انتشار جماعات التبشير التى تلبس ثوب الإصلاح الاجتماعى والتطبيب العلاجى أو تفتح المدارس للتعليم فى المجتعمات التى تغلب فيها الأمية .
هل تجوز ترجمة القرآن الكريم أما عن ترجمة القرآن الكريم فإن الترجمة الحرفية لآيات القرآن الكريم غير جائزة شرعا، وإنما تجوز ترجمة المعنى والتفسير، فإذا وجدت ترجمة لفظية للقرآن فيجب ألا يعتمد عليها ولا تعتبر قرآنا .
وانا نأمل أن تقوم الجهات المعنية بترجمة تفسير مختار للقرآن الكريم بدلا من الترجمة المشار إليها فى السؤال وغيرها من الترجمات المنتشرة فى الغرب والشرق بيد المستشرقين أو بعض المسلمين الذين لا يحسنون صنعا .
والله الموفق والهادى إلى الصراط المستقيم وهو سبحانه وتعالى أعلم(7/355)
نقل الأعضاء من انسان إلى آخر
F جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1400 هجرية - 5 ديسمبر 1979 م
M 1 - الإيصاء ببعض أجزاء الجسم لا يدخل فى نطاق الوصية بمعناها الشرعى .
2 - إرادة الإنسان بالنسبة لشخصه مقيدة بعدم إهلاك نفسه .
3 - يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حى متبرع لوضعه فى جسم إنسان حى بشروطه، كما يجوز نقل الدم من إنسان لآخر بذات الشروط متى غلب على ظن الطبيب واتفادة هذا الأخير بهذا النقل .
4 - يكون قطع العضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته، أو بموافقة عصبته .
وهذا إذا كانت شخصيته وأسرته معروفة .
وإلا فبإذن النباية العامة . 5 - يمتنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أى أدوات أو أدوية متى بان للطبيب أن هذا كله لا جدوى منه .
6 - عند تزاحم المرضى على ضرورة نقل عضو أو دم إليهم بينما الموجود عضو واحد أو كمية دم لا تكفى إلا لواحد منهم يكون للطبيب إيثار بعضهم بذلك إذا غلب على ظنه انتفاع ذلك المريض به وإلا تجرى القرعة بينهم فى ذلك
Q 1 - هل يجوز الوصية بقطع عضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك أو بموافقة عصبته .
2 - هل ينطبق على هذه الوصية المعنى الشرعى أو القانونى أو اللغوى .
3 - هل يجوز تببرع إنسان حى بعضو من أعضاء جسده لشخص آخر مهدد بالموت أو التبرع ببعض دمه، وما معيار ذلك وهل يجوز اقتضاء مقابل مادى فى نظير العضو أو الدم المتبرع به .
4 - هل يمكن نقل عضو من ميت دون وصية منه أو ترخيص من ورثته .
ومن أصحاب الحق فى هذا الترخيص شرعا . 5 - ما هو التعريف الفقهى للموت .
ومتى يعتبر الإنسان ميتا .
6 - ما حكم شق بطن من ماتت حاملا وجنينها حى، وما إذا مات الجنين فى بطن أمه وما حكم شق شطن الميت لاستخراج ما يكون قد بالتلعه من مال قبل وفاته وآراء الفقهاء فى ذلك والرأى المختار للفتوى .
7 - ما حكم المفاضة بين عدد من المرضى تساوت حالتهم المرضية فى وجوب نقل عضو أن نقل دم مع عدم وجود أعضاء أو كمية من الدم أو الدواء كافية لإنقاذ الجميع .
8 - ما حكم الإسلام فى استعمال الأجهزة الطبية التى تساعد على التنفس والنبض مع التأكد من موت الجهاز العصبى .
وقد وردت تلك الأسئلة بالطلب المقدم من السيد / المستشار عبد المجيد أبو طالب - المقيد برقم 149 سنة 1979 المتضمن أنه قد انتشر فى بلاد الغرب التبرع أو الإيصاء ببعض أجزاء الجسم بعد الوفاة خدمة للمرضى المحتاجين إليها كالكلى والقرنية وغيرها - ويطالب بعض الأطباء فى مصر بنشر هذا التقليد النافع .
وأن للسائل رغبة فى مسايرتهم للاعتبارات الإنسانية - إلا أنه يخشى أن يكون فى ذلك مخالفة لتعاليم الدين أو امتهان للجسم البشرى .
وبالطلب المقدم من السيد / ناجى مصطفى كمال - الطالب بنهائى طب الأزهر والمقيد برقم 177/979 الذى جاء به أن لديه رغبة فى كتابة وصية نصها (أتبرع بجسدى بعد الوفاة لمشرحة كلية طب جامعة الأزهر للاستفادة من الأعضاء السليمة إذا لزم الأمر لزراعتها للمحتاجين إليها من المسلمين أو للاستفادة بها بقسم التشريح للدراسة العملية لطلاب الكلية) .
وطلب السائل الأول بيان ما إذا كان يوجد من النصوص الشرعية والفقهية ما يؤيد اتجاهه وطلب السائل الآخر بيان ما إذا كانت وصيته على هذا الوجه مقبولة من الناحية الشرعية، وإذا لم تكن مقبولة شرعا، فهل هناك قانون وضعى يبيح هذه الوصية
An إن الوصيلة فى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وبهذا المعنى تكون الوصية شرعا جارية من الأموال والمنافع والديون وقد عرفها قانون الوصية بأنها .
تصرف فى التركة مضاف لما بعد الموت .
وبهذا فإن الإيصاء ببعض أجزاء الجسم كما جاء فى السؤال لا يدخل فى نطاق الوصية بمعناها الاصطلاحى الشرعى، لأن جسم الإنسان ليس تركة ولكنه يدخل فى المعنى اللغوى للفظ الوصية، إذ هذا للفظ يطلق بمعنى العهد إلى الغير فى القيام بفعل شىء حال حياة الموصى أو بعد وفاته .
كما أن التبرع بجزء من الجسم حال الحياة هل يجوز شرعا باعتبار أن الإنسان صاحب التصرف فى ذاته أو غير جائز باعتبار أن هذه الإرادة ليست مطلقة بدليل النهى شرعا عن قتل الإنسان نفسه .
والذى أختاره أن كل إنسان صاحب إرادة فيما يتعلق بشخصه وإن كانت إراة مقيدة بالنطاق المستفاد من قول الله تعالى فى سورة البقرة { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } البقرة 195 ، وقوله سبحانه فى سورة النساء { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، يدل لذلك ما ساقه الفقهاء من نصوص فى شأن الجهاد بالنفس وتعريضها بذلك للقتل، وما أوجبه الإسلام فى شأن إنقاذ الغرقى والحرقى والهدمى مع ما قد يترتب على ذلك من هلاك المجاهد أو المنقذ ، فإذا جزم طبيب مسلم ذو خبرة أو غير مسلم كما هو مذهب الإمام مالك بأن شق أى جزء من جسم الإنسان الحى بإذنه وأخذ عضو منه أو بعضه لنقله إلى جسم إنسان حى آخر لعلاجه إذا جزم أن هذا لا يضر بالمأخوذ منه أصلا إذ الضرر لايزال بالضرر ويفيد المنقول إليه جاز هذا شرعا بشرط ألا يكون الجزء المنقول على سبيل البيع أو بمقابل، لأن بيع الإنسان الحر أو بعضه باطل شرعا .
وبعد هذا فإن السؤال المطروح هل يجوز شرعا للانسان التبرع أو الإيصاء ببعض أجزاء جسمه بعد الوفاة خدمة للمرضى المحتاجين كالكلى والقرنية وغيرها أو لا يباح ذلك لا جدال فى أن الله سبحانه كرم الإنسان وفضله على كثير من خلقه، ونهى عن ابتذال ذاته ونفسه والتعدى على حرماته حيا وميتا .
وكان من مقاصد التشريع الإسلامى حفظ النفس، كما تدل على ذلك الآيتان الكريمتان المتلوتان آنفا، ويدل على تكريم الإسلام للموتى من بنى الإنسان ما شرع من التكفين والدفن وتحريم نبش القبول الا لضرورة، كما يدل على هذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت بقوله (كسر عظيم الميت ككسره حيا) .
وإذا كان الإسلام قد كرم الإنسان حيا وميتا فهل يجوز شق جسده بعد الوفاة ومتى .
حين نرجع إلى كتب الفقه الإسلامى التى بأيدينا نرى أن الفقهاء قد تحدثوا فى باب الجنائز عن شق بطن من ماتت حاملا وجنينها حى وما إذا مات الجنين فى بطن أمه، وفى هذا يقول فقهاء المذهب الحنفى حامل ماتت وولدها حى يضطرب، شق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج ولدها، ولو بالعكس بأن مات الولد فى بطن أمه وهى حية قطع وأخرج، وذلك لأنه متى بانت علامة غالبة على حياة الجنين فى بطن الأم المتوفاة كان فى شق بطنها وإخراجه صيانة لحرمة الحى وحياته، وهذا أولى من صيانة حرمة الميت، ولأن الولد إذا مات فى بطن أمه الحية وخيف على حياتها من بقائه ميتا فى بطنها ولم يمكن إخراجه دوت تقطيع كان للقابلة إدخال يدها بآلة تقطعه بها وتخرجه حفظا لحياة الأم، وفى شأن شق البطن لإخراج ما ابتلعه الميت من مال قالوا إنه إذا ابتلع الإنسان مالا مملوكا له ثم مات فلا يشق بطنه لاستخراجه لن حرمة الآدمى وتكريمه أعلى من حرمة المال، فلا تبطل الحرمة الأعلى للوصول إلى الأدنى، أما إذا كان المال الذى ابتلعه لغيره فإن كان فى تركته ما يفى بقيمته أو ورقع فى جوفه بدون فعله فلا يشق بطنه، لأن فى تركته وفاء به ولأنه إذا وقع فى جوفه بغير فعله لا يكون متعديا، أما إذا ابتلعه قصدا فإنه يشق بطنه لاستخراجه لأن حق الآدمى صاحب المال مقدم فى هذه الحال على حق الله تعالى .
سيما وهذا الإنسان صار متعديا ظالما بابتلاعه مال غيره فزالت حرمته بهذا التعدى .
وفى فقه الشافعية أنه إن ماتت امرأة وفى جوفها جنين حى شق بطنها لأنه استبقاء حى بإتلاف جزء من الميت، فأشبه إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت، وهذا إذا رجى حياة الجنين بعد إخراجه ، أما إذا لم ترج حياته ففى قول لاتشق بطنها ولا تدفه حتى يموت ، وفى قول تشق ويخرج .
وعن ابتلاع الميت المال قالوا وإن بلغ الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة، وإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان أحدهما يشق لأنها صارت للورثة، فهى كجوهرة الأجنبى، والثانى لا يجب لأنه استهلكها فى حياته فلم يتعلق بها حق الورثة .
وفى فقه الماليكة أنه يشق بطن الميت لاستخراج المال الذى ابتلعه حيا سواء كان المال له أو لغير، ولا يشق لإخراج جنين وإن كانت حياته مرجوة .
ويقول فقه الحنابلة إن المرأة إذا ماتت وفى بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها، ويخرجه القوابل من المحل المعتاد .
وإن كان الميت قد بلع مالا حال حياته فإن كان مملوكا له لم يشق لأنه استهلكه فى حياته إذا كان يسيرا، وإن كثرت قيمته شق بطنه واستخرج المال حفظا له من الضياع ولنفع الورثة الذين تعلق بهم حقهم بمرضه، وإن كان المال لغيره وابتلعه بإذن مالكه فهو كحكم ماله، لأن صاحبه أذن فى إتلافه، وإن بلعه غصبا ففيه وجهان أحدهما لا يشق بطنه ويغرم من تركته، والثانى يشق إن كان كثيرا لأنه فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بإبراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم .
وفى فقه الزيدية أن المرأة إذا ماتت وفى بطنها ولد حى شق بطنها واستخرج الولد لقوله عز وجل { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة 32 ، وذلك بشرائط أن يكون الولد قد بلغ وقتا ومدة يعيش إذا خرج حيا ، وأن يكون الشاق بصيرا بإخراجه وأن يكون هناك من يكلفه ويقوم به إذا خرج حيا .
وروى صاحب الروض النضير عن الحسن بن زياد قال كنت عند أبى حنيفة فجاءه رجلان على حمارين فسلما عليه ثم مضيا فقال لى أبو حنيفة أتدرى من هذا .
يعنى أحدهما فقلت لا فقال هذا ماتت أمه وهى حامل به فجاؤوا فسألونى عن امرأة ماتت وفى بطنها ولد حى فقلت الحقوا لساعة فشقوا بطنها وأخرجوا الولد .
قال فهذا هو . وينص فقه الشيعة الامامية على أنه إذا مات ولد الحامل قطع وأخرج، ولو ماتت هى دونه يشق جوفها من الجانب الأيسر وأخرج، وفى رواية يخاط بطنها .
وخلاصة ما تقدم .
أن فقه مذهبى الإمامين أبى حنيفة والشافعى يجيزان شق بطن الميت سواء لاستخراج جنين حى أو لاستخراج مال، وأن فقه مذهبى مالك وأحمد بن حنبل الشق فى المال دون الجنين .
والذى أختاره فى هذا الموضع هو ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية من جواز شق بطن الميت لمصلحة راجحة، سواء كانت لاستخراج جنين حى أو مال للميت أو لغيره، إذا كان ذا قيمة معتد بها عرفا ينتفع بها الورثة أو تقضى به ديونه، وأما الحديث الشريف الذى رواه البيهقى فى السنن الكبرى كما ورى فى سسنن أبى دواود وسنن ابن ماجه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كسر عظم الميت ككسره حيا) فالظاهر أن معناه أن للميت حرمة وكرامة كحرمة الحى، فلا يعتدى على جسمه بكسر عظم أو غير هذا مما فيه ابتذال له لغير ضرورة أو مصلحة راجحة .
وهذا المعنى ظاهر ما ذكره المحدثون فى بيان سبب الحديث من أن الحفار الذى كان يحفر القبر أراد كسر عظم إنسان دون أن تكون هناك مصلحة فى ذلك .
(البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث الشريف ج - 3 ص 64) .
وبهذا المفهوم يتفق الحديث مع مقاصد الإسلام المبينة على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد، وفى استدلال الفقه الزيدى بالآية الكريمة (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) .
إشارة إلى رجحان العمل بهذه الرخصة التى ارتآها فقهاء مذاهب الحنفية والزيدية والشافعية والشيعة الامامية كما تقدم فى النقل عنهم .
وإذ قد انتهينا إلى اختيار جواز شق بطن الميت لاستخراج ما ابتلعه من مال أو لاستخراج جنين حى ترجى حياته .
فهل يجوز هذا شرعا لأخذ جزء من جسم الميت وإضافته إلى جسم الإنسان الحى على سبيل العلاج والجواء أو لا يحل هذا .
أو بعبارة أخرى هل يحل شرعا نقل جزء من جسم إنسان ميت إلى جسم إنسان حى بقصد علاج هذا الخير أو لا يحل .
وتقدمة للإجابة على هذا التساؤل يتعين التعرف على حكم الإسلام على الإنسان بعد الموت، هل جسده ميتة نجس كسائر الميتات ، وهل ما ينفصل منه حال حياته يصير ميتة نجسا كذلك يقول الإمام النووى الشافعى فى كتابه المجموع شرح المهذب فى بيان الجلود النجسة ان الصحيح فى المذهب أن الآدمى لا ينجس بالموت لكن لا يجوز استعمال جلده ولا شىء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته، وأن قولا ضعيفا فى المذهب قد قال بنجاسة الآدمى بالموت .
وفى الفقه الحنفى ان الآدمى ينجس بالموت ثم اختلف فقهاء المذهب هل هى نجاسة خبث باعتباره حيوانا دمويا فيتنجس الموت كسائر الحيوانات أو هى نجاسة حدث يطهر بالغسل كالجنب والحائض إعمالا لحديث أبى هريرة رضى الله عنه كما جاء فى فتح القدير للكمال بن الهمام (سبحان الله .
المؤمن لا ينجس حياو لا ميتا) وحديث ابن عباس رضى الله عنهما قال (لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس بنجس حيا ولا ميتا)، أخرجه الحاكم والدار قطنى مرفوعا كل بسنده .
والأظهر فى الفقه المالكى أن الآدمى الميت ولو كافرا طاهر كما جاء فى الشرح الكبيرة وحاشية الدسوقى فى بيان الأعيان الطاهرة والنجسة، وأن ما انفصل منه حيا أو ميتا طاهر كذلك .
والصحيح عند الحنابلة كما جاء فى المغنى لابن قدامة فى بيان ما ينجس به الماء أن الآدمى طاهر حيا وميتا ومقابل الصحيح أنه ينجس بالموت ويطهر بالغسل .
ويرى فقه الزيدية أن جسد الآدمى المسلم طاهر حيا أو ميتا، وأن ما يلحقه هو الحديث الأكبر أو الأصغر، ويقول ابن حزم فى كتابه المحلى إن كل ما قطع من المؤمن حيا أو ميتا طاهر .
ومن هذا العرض الوجيز نرى أن كلمة الفقه الشافعى والمالكى والحنبلى والزيدى والظاهرى متفقة على أن الصحيح أن جسد الإنسان المسلم طاهر حيا أو ميتا، وإذا أخذنا من الفقه الحنفى القول بأن النجاسة بعد الموت إنما هى نجاسة حدث لا خبث ويطهر بالغسل كالجنب والحائض .
فإن رأى هذه المذاهب يكاد يتفق على طهارة جسد المؤمن بعد الموت، وعلى طهارة ما انفصل منه حال الحياة كذلك .
ثم ننتقل بعد هذا للبحث فى أقوال الفقهاء عما إذا كان يحل قطع جزء من جسم إنسان حى أو ميت ونقله إلى جسم إنسان حى لعلاجه أو بديلا لجزء تالف فى جسد هذا الأخير أو لا يحل ذلك يقول الفقه المالكى كما جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى - إذا سقطت السن جاز ردها وربطها بشريط من ذهب أو من فضة وإنما جاز ردها لأن يمتة الآدمى طاهرة، وكذا يجوز أن يرد بدلها سنا من حيوان مذكى وأما من ميتة فقولان الجواز والمنع ، وعلى الثانى فيجب قلعها فى كل صلاة ما لم يتعذر عليه قلعها وإلا فلا .
وفى الفقه الحنفى نقل العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول فى بيان حكم الوشم عن عزانة الفتاوى فى مفسدات الصلاة كسر عظمهن فوصل بعظم كلب ولا ينزع إلا بضرر جازت الصلاة .
وقد بدائع الصنائع للكاسانى فى أواخر كتاب الاستحسان ولو سقط سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكانها بالإجماع، وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله، ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها وقال أبو يوسف رحمه الله لا بأس بسنه ويكره سن غيره، ونقل صاحب البحر الرائق فى كتاب الحظر والإباحة عن الذخيرة رجل سقط سنه فأخذ سن الكلب فوضعه فى موضع سنه فثبتت لا يجوز ولا يقطع لو أعاد سنه ثانيا وثبت قال ينظر إن كان يمكن قلع سن الكلب بغير ضرر يقلع .
وإن كان لا يمكن إلا بضرر لا يقلع . وفى الفقه الحنبلى قال ابن قدامة فى المغنى فى الجنائز وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات لم ينزع إن كان طاهرا وإن كان نجسا فأمكن إزالته من غير مثله أزيل لأنه نجاسة مقدور على إزالتها من غير مضرة .
وفى الفقه الشافعى كما جاء فى المجموع للنووى فى باب طهارة البدن إذا انكسر عظمه فينبغى أن يجبره بعظم طاهر .
قال أصحابنا ولا يجوز أن يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبره بنجس نظر إن كان محتاجا إلى الجبر ولم يجد طاهرا يقوم قمامه فهو معذور .
وان لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه أثم ووجب نزعه إن لم يخف منه تلف نفسه ولا تلف عضو ولم يوجد أحد الأعذار المذكور فى التيمم، فان لم يفعل أجبره السلطان ولا ستصح صلاته معه ولا يعذر بالألم إذا لم يخف منه وسواء اكتسى العظم لحما أم لا هذا هو المذهب، وهناك قول أنه إذا اكتسى العظم لحما لا ينزع وإن لم يخف الهلاك .
حكاه الرافعى ومال إليه الحرمين والغزالى وهو مذهب أبى حنيفة ومالك .
وإن خاف من النزع هلاك النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو لم يجب النزع على الصحيح من الوجهين ثم قال فى مداواة الجرحى بدواء نجس وخياطته بخيط نجس كالوصل بعظم نجس ولو انقلعت سنه فردها موضعها .
قال اصحابنا العراقيون لا يجوز لأنها نجسة وهذا بناء على طريقتهم - ان عضو الآدمى المنفصل فى حياته نجس وهو المنصوص عليه فى الم ولكن المذهب طهارته وهو الأصح عند الخراسانيين، فلو تحركت سنه فله أن يربطها بفضة وذهب وهى طاهرة بلا خلاف .
وفى استبدال جزء من جسم الإنسان بالذهب ورد حديث عرفجة بن أسيد الذى أصيب أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفسا من ذهب، وقد أخذ بهذا الحديث فقهاء الحنفية فى باب الحظر والإباحة وفقهاء الحنابلة كما نقله ابن قدامة فى غير موضع من كتابه المغنى .
وفقهاء الشافعية . فقد أورده النووى فى باب الآنية وغيره، ونص الشافعية على أنه يحل لمن ذهبت سنه أو أنملته أن يتخذ بديلا لها من الذهب إمضاء لحديث عرفجة، سواء أمكنه اتخاذ ذلك من فضة أم لا واختلفت كلمتهم فيمن ذهبت أصبعه أو كفه أو قدمه هل له أن يتخذها من فضة أو من ذهب بين محرم ومبيح .
وفى جواز أكل لحم الآدمى عند الضرورة قال فقهاء الحنفية - على ما جاء فى الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى الجزء الخامس - إن لحم الإنسان لايباح فى حال الاضطرار ولو كان ميتا لكرامته المقررة بقول الله تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } الإسراء 70 ، وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حى وأكله ولو كان مباح الدم كالحربى والمرتد والزانى المحصن لأن تكريم الله لبنى آدم متعلق بالانسانية ذاتها فتشمل معصوم الدم وغيره .
وبهذا أيضا يقول الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية .
ويقول الفقه المالكى إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمى وهذا أمر تعبدى، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمى إذا كان ميتا بناء على أن العلة فى تحريمة ليست تعبدية وإنما لشرفه وهذا لا يمنع الاضطرار على ما أشار إليه فى الشرح الصغير بحاشية الصاوى فى الجزء الأول .
وأجاز الفقه الشافعى والزيدى أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها ألا يجد غيره كما أجاز للانسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله استبقاء للكل بزوال البعض كقطع العضو المتآكل الذى يخشى من باقئه على بقية البدن، وهذا بشرط ألا يجد محرما آخر كالميتة مثلا، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع الجزء أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل .
فإن كان مثله أو أكثر لم يجز قطع الجزء، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمى آخر معصوم الدم، كمما لايجوز للآخر أن يقطع عضوا من جسده ليقدمه للمضطر لأكله .
وفى الفقه الحنبلى إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله فى حال الاضطرار ولا إتلاف عضو منه مسلما كان أو غير مسلم، أما الإنسان الميت ففى إباحة الأكل منه فى حال الضرورة قولان أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل منه لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت، قال ابن قدامة فى المغنى إن هذا القول هو الأولى .
ونخلص مما سلف إلى أن فقهاء الماليكة والشافعية والحنابلة قد صرحوا بأنه إذا كسر عظم الإنسان فينبغى جبره بعظم طاهر - على حد تعبير الشيرازى الشافعى فى المهذب، وأنه لا يجوز جبره بعظم نجس إلا عند الضرورة، كما إذا لم يوجد سواه، وأنه يجوز رد السن الساقطة إلى مكانها وربطها بالفضلة أو بالذهب ، كما يجوز استبدالها بسن حيوان مذكى .
ونص الفقه الحنفى على أنه لو وصل عظم إنسان بعظم كلب ولا ينزع إلا بضرر جازت الصلاة معه وهذا النوع وأمثاله من فروع الحنفية يتخرج عليه .
أنه إذا قضت الضرورة بوصل العظم المكسور بعظم نجس فلا حرج فى ذلك ولا إثم، بدليل إجازة الصلاة ما دام يتعذر نزعه إلا بضرر .
كما نخلص إلى أن جسم الإنسان الميت طاهر وما انفصل منه حال حياته كذلك طاهر، وإلى جواز شق بطن الآدمى الميت لاستخراج جنين حى ترجى حياته أو مال ابتلعه قبل وفاته على الاختلاف بين فقهاء المذاهب كما تقدم بيانه، وإلى أنه يجوز اضطرار أكل لحم إنسان ميت فى قول فقهاء الشافعية والزيدية وقول فى مذهب الميالكية ومذهب الحنابلة، ويجوز أيضا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق الإشارة إليها، ويجوز وصل عظم الإنسان المكسور بعظم طاهر على نحو ما تقدم أيضا فى سنده الفقهى .
وتخريجا على ذلك وبناء عليه يجوز شق بطن الإنسان الميت وأخذ عضو منه أو جزء من عضو لنقله إلى جسم إنسان حى آخر يغلب على ظن الطبيب استفادة هذا الأخير بالجزء المنقول إليه، رعاية للمصلحة الراجحة التى ارتآها الفقهاء القائلون بشق بطن التى ماتت حاملا والجنين يتحرك فى أحشائها وترجى حياته بعد إخراجه، وإعمالا لقاعدة الضرورات تبيج صفحة رقم 3710 المحضورات، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، التى سندها الكتاب الكريم والسنة الشريفة، فإن من تطبيقاتها كما تقدم جواز الأكل من لإنسان ميت عند الضرورة صونا لحياة الحى من الموت جوعا، المقدمة على صون كرامة الميت إعمالا لقاعدتى اختيار أهون الشرين وإذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، وإذا جاز الأكل من جسم الآدمى الميت ضرورة جاز أخذ بعضه نقلا لإنسان آخر حى صونا لحياته متى رجحت فائدته وحاجته للجزء المنقول إليه .
هذا عن الإنسان الميت، أما عن الإنسان الحى واقتطاع جزء منه فقد تقدمت الإشارة إلى أن فقه كل من الشافعية والزيدية يجيز أن يقطع الإنسان الحى جزء نفسه ليأكله عند الضرورة بشرط ألا يجد مباحا ولا محرما آخر يأكله ويدفع به مخمصته، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع جزئه أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل .
ومتى كان الحكم هكذا فإنه يجوز تخريجا عليه القول بجواز تبرع إنسان حى يجزء من جسده لا يترتب على اقتطاعه ضرر به متى كان مفيدا لمن ينقل إليه فى غالب ظن الطبيب .
لأن للمتبرع - كما تقدم - نوع ولاية على ذاته فى نطاق الآيتين الكريمتين { ولا تقتلوا أنفسكم } النساء 29 ، و { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، ولا يباح أى جزء .
بل الجزء أو العضو الذى لا يؤدى قطعه من المتبرع إلى عجزه إو إلى تشويهه .
وبهذا المعيار يكون حكم نقل الدم من إنسان لآخر .
وإذ قد انتهى الرأى إلى إجازة شق جسم الميت أو تشريحه لأخذ عضو أو جزء منه وجواز نقله إلى جسم إنسان حى يستفيد به، وإلى جواز تبرع إنسان حى بأخذ عضو منه أو جزء عضو وجواز نقل هذا إلى إنسان آخر حى بالشروط سالفة الإشارة .
فإنه يمكن إيجاز الإجابة على الأسئلة المرددة فى هذا الموضع على الموجه التالى إنه يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حى متبرع لوضعه فى جسم إنسان حى بالشروط الموضحة آنفا .
ومن هذا الباب أيضا نقل الدم من إنسان لآخر بذات الشروط .
ويحرم اقتضاء مقابل للعضو المنقول أو جزئه، كما يحرم اقتضاء مقابل للدم لأن ربيع الآدمى الحر باطل شرعا لكرامته بنص القرآن الكريم وكذلك بيع جزئه ويجوز كذلك أخذ جزء من إنسان ميت ونقله إلى إنسان حى، ما دام قد غلب على ظن الطبيب استفادة هذا الأخير بهذا النقل باعتباره علاجا ومداواة، وذلك بناء على ما تقدم من أسس فقهية ويجوز قطع العضو أو قطع جزئه من الميت إذا أوصى حى بذلك قبل وفاته أو يموافقة عصبته بترتيب الميراث إذا كانت شخصية المتوفى المأخوذ منه معروفة وأسرته وأهله معروفين، أما إذا جهلت شخصيته أوعرفت وجهل أهله فإنه يجوز أخذ جزء من جسده نقلا لإنسان حى آخر يستفيد به فى علاجه أو تركه لتعليم طلاب كليات الطب، لأن فى كل ذلك مصلحة راجحة تعلو على الحفاظ على حرمة الميت، وذلك بإذن من النيابة العامة التى تتحقق من وجود وصية أو إذن من صاحب الحق من الورثة أو إذنها هى فى حالة جهالة شخص المتوفى أو جهالة أسرته .
ولا يقطع عضو من ميت إلا إذا تحققت وفاته .
والموت - كما جرى بيانه فى كتب الفقه - هو زوال الحياة .
وعلامته إشخاص البصر وأن تسترخى القدمان وينعوج الأنف وينخسف الصدغان وتمتد جلدة الوجه لتخلو من الانكماش .
وفى نطاق هذا يجوز اعتبار الإنسان متى زالت مظاهر الحياة منه، وبدت هذه العلاماة الجسدية، وليس ما يمنع من استعمال أدوات طبية للتحقق من موت الجهاز العصبى، لكن ليست هذا وحده آية الموت بمعنى زوال الحياة بل إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض وكل أولئك دليل على الحياة، وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبى لخواصه الوظيفية، فإن الإنسان لا يعتبر ميتا بتوقف الحياة فى بعض أجزائه، بل يعتبر كذلك شرعا وتترتب آثار الوفاة من تحقق موته كلية فلا يبقى فيه حياة ما، لأن الموت زوال الحياة، ويمتنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أية أدوات أو أدوية متى بان للطبيب أن هذا كله لا جدوى منه، وأن الحياة فى البدن فى سبيل التوقف، وعلى هذا فلا إثم إذا أوقفت الأجهزة التى تساعد على التنفس وعلى النبض متى بان للمختص القائم بالعلاج أن حالة المحتضر ذاهبة به إلى الموت .
ولعله من التتمة بيان حكم ما قد يثار عن المفاضلة بين عدد من المرضى الذين تساوت حالتهم المرضية فى ضرورة نقل عضو أو نقل دم أو إعطائه دواء، حالة أن الموجود هو عضو واحد أو كمية من الدم أو الدواء لا تكفى لإنقاذ الجميع، فهل تجوز المفاضلة بين المرضى فى هذه الحال المتعلقة بأمور الحياة والموت أم ماذا لامراء فى أن الآجال موقوتة عند الله سبحانه وتعالى، وأمر غيبى لا يصل إليه علم الإنسان .
وأن المرض ليس دائما علامة على قرب الأجل أو على حتمية الموت عقبه، وغلبة الظن أساس شرعى تقوم عليه بعض الأحكام فإذا غلب على ظن الطبيب المختص بحكم التجربة والممارسة، وبشرط إجادته وحذقه مهنة الطب أن أحد هؤلاء المرضى يفيده هذه العضو أو تلك الكمية من الدم أو الدواء كان إيثاره بذلك، باعتبار أن العلامات والقرائن قد أكدت انتفاعه بهذا العضو أو بالدم إذا نقل إليه، أما إذا لم يغلب على ظن الطبيب ذلك بقرائن وعلامات مكتسبة من الخبرة والتجربة، فإن الإسلام قد أرشد إلى اتخاذ القرعة طريقا لاستبانة المستحق عند التساوى فى سبب الاستحقاق وانعدام أوجه المفاضلة الأخرى، وهذه القرعة قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمور كثيرة، منها الإقراع لمعرفة من ترافقه من نسائه أمهات المؤمنين فى سفره .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/356)
الحيل المشروعة وغيرها
F جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1402 هجرية - 14 نوفمبر 1981 م
M 1 - الحيل المشروعة هى ما لا تهدم أصلا شرعيا ولا تتعارض مع مصلحة شرعية .
2 - مبنى الشريعة على مصالح العباد فى العالج والآجل .
3 - قبض الشخص مبلغا لشراء شىء ثم استقطاعه منه مبلغ باعتبار أنه حقه ورده الباقى لصاحبه من الحيل غير المشروعة
Q بالطلب المقيد وبه أن السائل يشتغل فى شركة قطاع خاص، وقد اتفق معه صاحب العمل على أجر إضافى بواقع 50 من الأجر الأصلى إذا مكث فى العمل من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة السادسة مساء، وأنه قبل ونفذ العمل فى هذه المدة طوال أيام الشهر، وأنه فى نهاية الشهر صرف له صاحب العمل المرتب فقط، وامتنع عن صرف ال- 50 المتفق عليها أجرا إضافيا .
وأن السائل بحكم وضعه فى العمل قبض مبلغ 130 جنيها لشراء مستلزمات للورشة، مع أن الورشة فى غير حاجة إلى شراء هذه المستلزمات وبعد أن قبض هذا المبلغ فى يده ذهب إلى الإدارة المالية بالشركة لحساب قيمة الجر الإضافى وهو ال- 50 فبلغ 95 جنيها أخذها من المبلغ الباقى وهو 35 جنيها - إعلاما لصاحب العمل بأنه قد فعل ذلك لهذا الغرض .
والسؤال ما رأى الدين هل طريقة أخذه للمبلغ والحصول عليه حرام أو حلال
An فى لسان العرب لابن منظور أن الحيلة - بالكسر - الاسم من الاحتيال، ويقال لا حيلة له ولا احتيال ولا محالة ولا محيلة، والاحتيال مطالبتك الشىء بالحيل .
وقال الشاطبى فى كتاب الموافقات فى أصول الشريعة التحيل بوجه سائغ، مشروع فى الظاهر، أو غير سائغ على إسقاط حكم أو قبله إلى حكم آخر، بحيث لا يسقط أو لا ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل، ليتوصل بها إلى الغرض المقصود، مع العلم بكونها لم تشرع له، فكان التحيل مشتملا على أمرين أحدهما قلب أحكام الأفعال بعضها إلى بعض فى ظاهر الأمر .
والآخر جعل الأفعال المقوصد بها فى الشرع معان، وسائل إلى قلب تلك الأحكام .
ثم قال الحيل فى الدين بالمعنى المذكور غير مشورعة فى الجملة والدليل على ذلك ما لا ينحصر من الكتاب والسنة، لكن فى خصوصات يفهم من مجموعاها منعها والنهى عنها على القطع .
وساق الشاطبى الأدلة على هذه القاعدة التى قررها إلى أن قال لما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك ، لن مقصود الشارع فيها مما يتبين، فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخرى هى معانيها، وهى المصالح التى شرعت لأجلها، فالذى عمل من ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات ( ج - 2 ص 378، 380 حتى 385 وما بعدها تحقيق المرحوم الشيخ عبد الله دراز طبع المكتبة التجارية ) وقد أقام الشاطبى حكمه هذا على الاحتيال والحيلة على جملة من الأصول الشرعية الكلية، والقواعد القطعية موجزها .
أولا الاحيتال ومخالفة قصد الشارع ذلك أن المحتال قد قصد إلى ما ينافى قصد الشارع فبطل عمله لأن قصد المكلف ينبغى أن يكون موافقا لقصد الشارع، ومن ابتغى غير هذا فأولئك هم العادون، لأنه ناقض الشريعة وكل من ناقضها كان عمله النقيض باطلا .
وقد أقام الشاطبى الأدلة على أن مخالفة قصد الشارع مبطلة للعمل .
باعتبار أن هذه المقاصد مشروعة للامتثال ( الموافقات ج - 2 ص 231 وما بعدها ) ثانيا الاحتيال وقاعدة اعتبال المآل فقد بين الشاطبى أن تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعى أو تحويله فى الظاهر إلى حكم آخر، كان مآل العمل خرم قواعد الشريعة فى الواقع ( المرجع السابق ج - 4 ص 201 ) إذ أن هذا العمل مناقض لقاعدة المصالح مع أنها معتبرة فى الأحكام وهو أيضا مضاد لقصد الشارع من جهة أن السبب لما انعقد سببا وحصل فى الوجود صار مقتضيا شرعا لمسببه لا لغيرة وما كان مضادا لقصد الشارع كان باطلا ( ذات المرجع ج - 2 ص 278 ) ثالثا - فى الاحتيال انعدام الإرادة فى العقد المتحيل به ذلك أن ركن العقد هو الرضا، وإذا كانت الإرادة أمرا خفيا لا يطلع عليه أحد جعل الشارع مظنة الرضا، وهو صيغة العقد قائمة مقام الرضا، وإذا قصد العاقد خلاف معنى لفظ العقد لم يصح القول بأنه قاصد لمدلوله حكما، وترتب الأثر إنما يكون بحكم الشارع لا بإرادة العاقد ( المرجع السابق ج - 1 ص 216 ص 330 وأعلام الموقعين لابن القيم ج - 3 ص 95 وما بعدها طبع ادارة الطباعة المنيرية ) هذا .
وقد أفاض ابن القيم فى الحديث عن الحيل مبينا منها المحرم والمباح موردا أمثلة شتى بلغت المائة وست عشرة مثالا ( المرجع السابق ج - 3 ص 140 وما بعدها حتى نهاية الجزء و ج - 4 من افتتاحه حتى ص 101، واغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم ج - 2 ص 69 ) هذا ولما كان قد تردد فى بعض النقول السابقة أن الحيلة قد تكون مباحة، لا سيما بعد ما سلف من أن ابن القيم قد أورد أمثلة للمباح منها فى كتابيه أعلام الموقعين، وإغاثه اللهفان من مصايد الشيطان - لزم أن نشير إلى ضابط عام للحيل المشروعة ذلك أن اللحيل التى جاء الشرع بذمها والتحذير منها، بل وإبطالها هى ما هدم أصلا شرعيا، أو نقض مصلحة شرعية، فان كانت الحيلة لا تهدم أصلا شرعيا، ولا تناقض مصلحة شهد الشارع باعتبارها، فهى غير داخلة فى النهى وغير باطلة .
وقد وقع اختلاف الفقهاء فى بعض مسائل الحيل من جهة أنه لم يتبين فيها بدليل واضح أنها من النوع المحظور، أو من ذلك النوع المشروع ، ومن ثم يلحقها بعضهم بالأول، بينما قد يلحقها بعضهم بالثانى والحيل المشروعة هى ما كان المقصود بها إحياء حق، أو دفع ظلم أو فعل واجب، أو ترك محرم، أو إحقاق حق، أو إبطال باطل، ونحو ذلك مما يحقق مقصود الشارع الحكيم، إذا كان الطريق سائغا مأذونا فيه شرعا .
وبهذا الاعتبار يمكن تعريف الحيلة الجائزة بأنها .
طريق خفى مأذون فيه شرعا، يتوصل به إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة لا تتنافى ومقاصد الشرع ولا بد فيها من توافر ثلاثة أمور الأول أن يكون طريقها خفيا، إما لأن ظاهرة خلاف باطنه، أو لأن الذهب لا يلتفت إلى هذا الطريق عادة وإن لم يكن له ظاهر وباطن .
الثانى أن يكون الطريق مأذونا فيه شرعا، بألا يكون فيه تفويت حق الله أو للعباد .
الثالث أن يكون المقصود الذى يراد التوصل إليه مشروعا .
ومع هذه الأمور قد قسموا الحيل الجائزة إلى قسمين الأول أن تكون الطريق التى يسلكها المحتال مفضية إلى المقصود شرعا ، ولكن فى إفضائها إليه نوع خفاء .
أما إن كانت مفضية إلى المقوصد إفضاء ظاهرا بوضع الشارع لها فليست من الحيل عند الاطلاق لغة، كالعقود الشرعية التى تترتب عليها أحكامها مثل البيع والإقالة والكفالة والحوالة والإجارة والسلم والخيارات، فإن أحكامها تترتب عليها بحكم الشارع وإذنه، وهى فى الأحكام التشريعية وزان الأسباب الحسية فى الأحكام القدرية كل يفضى إلى المقصود وسالكه سالك للطريق المشروع .
الثانى أن تكون الطريق التى يسلكها المحتال لمقصوده قد وضعت فى الشرع لمقصود آخر، غير أن ما يقصده المحتال منها لا يتنافى مع ما يقصده الشارع، فإن حصلت المنافاة بين المقصودين كانت الحيلة من الفريق المحظور ( هذا التقسيم وما قبله من سمات الحيل الجائزة مستخلص من المراجع السابقة ) وقد قال ابن القيم فى إغاثة اللهفان بعد إيراده لأمثلة من الحيل الجائزة بلغة ثمانين مثالا، قال والمقصود بهذه الأمثلة وأضعافها مما لم نذكره بيان أن الله سبحانه أغنانا بما شرعه لنا من الحنيفية السمحة، وما يسره من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وسهله للأمة عن الدخول فى الآصار والأغلال وعن ارتكاب طرق المكر والخداع والاحتيال، كما إغنانا عن كل باطل ومحرم وضار ، وبما هو أنفع لنا منه من الحق والمباح النافع .
( ج - 2 ص 69 ) لما كان ذلك وكان بناء الشريعة على مصالح العباد فى العاجل والآجل وهذا ثابت بالعديد الوفير من آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت الأعمال متعبرة بذلك، لأن مقصود الشارع فيها .
فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه أصل المشروعية، كان موافقا لأحكام الشرع دون إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والباطن مخالفا فالعمل غير صحيح وغير مشروع لوجوه الأول أن الشارع لما لم يشرع هذا السبب لذلك المسبب المعين دل على أن ذلك التسبب مفسدة لا مصلحة، وأن المصلحة المشروع لها المسبب منتفية بذلك التسبب، فيصبح العمل باطلا لمخالفته لقصد الشارع .
الثانى أن هذا السبب بالنسبة إلى المقصود غير مشروع، فصار كالسبب الذى لم يشرع أصلا، وإذا كان السبب الذى لم يشرع أصلا لا يصح، فكذلك ما شرع إذا أخذ لما لم يشرع له .
الثالث أن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لذاتها وإنما المقصود بها أمور أخر هى معانيها، وهى المصالح التى شرعت لأصلها، فما يفعل على غير وضعه الشرعى لا يكون مشروعا .
من أجل ذلك كانت قاعدة سد الذرائع من قواعد الشريعة الثابتة قطعا بالكتاب والسنة، لأن من الأفعال ما يكون مباحا فى ذاته، ولكنه يؤدى إلى الإضرار بالدين أو بالعباد، فإجازة الحيل بإطلاق فيه عبث ظاهر بالحقوق، فوق ما فيه من مناكير أخرى يأباها الإسلام .
وإذا كانت العقود الشرعية معتبرة، وسد الذرائع قاعدة سديدة ثابتة وفق الأدلة المشروحة فى مواضعها، والمشار إلى بعضها فيما تقدم، كان ما فعله السائل داخلا فى نطاق الحيلة غير المشروعة، لأنه قد اقتضى من صاحب العمل مبلغا من النقود نقدا بقصد شراء مستلزمات للعمل الذى يقوم به لحساب رب العمل، وتكييف هذا أنه صار وكيلا فى هذا الشراء وأمينا على ما أقبضه إياه، وهذا هو القصد المشروع من هذا الفعل، والذى يقره الشرع حين أقبضه المبغل (130 جنيها) فإذا ما اقتضى السائل من هذا المبلغ ما اعتبره دينار له على رب العمل فقد احتال إلى هذا بطريق غير مشروع لاقتضاء الدين الذى قد يكون محل منازعة، وقد انقلب السائل بهذا العمل إلى قاض يقضى لنفسه فى خصومة هو مدعيها، دون رضاء أو استماع لأقوال المدعى عليه رب العمل .
وبذلك فقد ظفر السائر - بغير اختيار من عليه الحق - بما يدعيه حقا له مع أن سبب الحق فى هذه الواقعة ليس ثابتا طقعا، والآخذ بهذا الطريق ظالم فى الظاهر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الفعال وسمى الآخذ بهذا الطريق خائنا فى الحديث الذى رواه أبو هريرة ( الكنز الثمين فى أحاديث النبى الأمين برقم 109 ومراجعة من كتب السنة ) ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) ونزولا على هذا الحديث كان على السائل سلوك الطريق القانونى لاقتضاء الحق إن كان .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/357)
تحية الإسلام
F جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1402 هجرية - 13 ديمسبر 1981 م
Mإفشاء السلام سنة مشرعة تأليفا لقلوب المؤمنين وما عداه غير مشروع ولا يترتب عليه التحية بغير المشروع الوقوع فى كفر أو شرك
Q بالطلب المتضمن أن أحد الخطباء المصريين بالسعودية قال فى إحدى خطبه ان (صباح الخير) لا يقولها إلا المشرك والكافر ولا يقولها المسلم لأخيه .
ويسأل عن حكم ذلك شرعا
An عن أبى هريرة رضى الله عنه ( صحيح الترمذى ج - 10 ص 160 - 163 باب الاستئذان والآداب ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذى نفسى بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على أمر إذا أنتم فعلتموه تحاببتم .
أفشوا السلام بينكم) .
وعن أبى رجاء ( صحيح الترمذى ج - 10 ص 160 - 163 باب الاستئذان والآداب ) عن عمران بن حصين (أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم قال قال النبى صلى الله عليه وسلم عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبى صلى الله عليه وسلم عشرون .
ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثون) .
وفى الصحيح ( صحيح الترمذى ج - 10 ص 160 - 163 باب الاستئذان والآداب ) ( خير الإسلام أن تعطم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) .
ومن هذه النصوص الشريفة يتضح لنا أن تحية الإسلام هى السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
يحيى بها المسلم أخاه المسلم، إذ أن هذه التحية إذا صدرت دعت القلوب الواعية لها إلى الإقبال عليها وتحصيل ثوابها العظيم وأثرها أعظم وهو شيوع السلم بين المسلمين والمحبة الصادقة فيما بينهم، وهذا من أسس الإيمان الذى هو مفتاح الجنة .
وتحية السلام ( المصدر السابق مع شرح الإمام أبى بكر العربى المالكى ط .
أولى 1353 هجرية - 1934 م ) هى أول كلمة دار بها الحوار بين آدم والملائكة، فإنه لما خلقه الله قال له اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم فاستمع ما يجيبونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال لهم السلام عليكم، فقالت له الملائكة وعليك السلام ورحمة الله .
وكل سلام منه بعشر حسنات . قال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ، فعلينا نحن المسلمين التمسك بسنة الإسلام فى التحية، وهى إفشاء السلام التزاما بما ورد عن نبينا محمد صلى الله عليه ونسلم وامتثالا لقول الله سبحانه { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر 7 ، أما ألفاظ التحية الشائعة فى عصرنا كصباخ الخير ومساء الخير وأمثالها فغير مشروعة فى الإسلام والأولى بالمسلم أن يتمسك بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا ولا يترتب على التحية بالألفاظ الشائعة بدلا من كلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كفر المسلم أو وقوعه فى الشرك، بل إنه من باب ترك الأولى فقط، ولا ينبغى لمسلم أن يكفر مسلما أقام الصلاة، لما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه أبو داود (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار) .
والدعوة إلى الله وإلى تعاليم الإسلام ينبغى أن تكون فى نطاق قول الله سبحانه { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } النحل 125 ، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/358)
كتيب الفريضة الغائبة والرد عليه
F جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الأول 1402 هجرية - 3 يناير 1982 م
M 1 - الرجوع إلى لغة العرب فى فهم معانى القرآن واجب .
2 - الإيمان شرعا هو التصديق بما وجب الإيمان به .
والإسلام هو النطق بالشهادتين والعمل بما جاء به الإسلام والبعد عما نهى عنه .
3 - ارتكاب المسلم ذنبا من الذنوب مخالفا بذلك نصا من القرآن أو السنة لا يخرجه عن الإسلام ما دام معتقدا صدق النص ومؤمنا بوجوب التزامه به ولكنه يكون عاصيا فقط .
أما جحوده ما وجب الإيمان به فيكون به كافرا .
4 - من كفر مسلما أو وصفه بالفسوق ارتد عليه ذلك إن لم يكن صاحبه على ما وصف .
5 - النزاع فى شىء من أمور الدين يرد إلى الكتاب والسنة والعالمين بهما .
6 - الجهاد نوعان جهاد فى الحرب وهو مجاهدة المشركين بشروطه ويكون بالقتال وباليد وبالمال وباللسان وبالقلب ، وجهاد فى السلم وهو جهاد النفس والشيطان والجهاد فى مواضعه ماض إلى يوم القيامة .
7 - الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى حالة احتلال بلاد المسلمين ويكون بكافة الوسائل .
8 - حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (بعثت بالسيف بين يدى الساعة) صحيح ولكنه جاء مبينا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدى عليها أو التصدى للمسلمين .
9 - حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد جئتم بالذبح) ليس المراد به المعنى الحقيقى للذبح وإنما المقصود به معنى مجازى هو التهديد .
10 - تكفير الحاكم لمجرد تركه لبعض أحكام الله وحدوده دون تطبيق لا سند له من القرآن أو السنة ولكنه يكون بذلك آثما .
11 - ما جاء فى الكتيب من أن أحكام الكفر تعلو بلادنا وإن كان أهلها مسلمين، مناقض للواقع .
12 - الإسلام لا يبيح الخروج على الحاكم المسلم وقتله، ما دام مقيما على الإسلام يعمل به حتى ولو بإقامة الصلاة فقط .
13 - إذا خالف الحاكم الإسلام، على المسلمين أن يتولوه بالنصح والدعوة السليمة، وإلا فلا طاعة له فيما أمر به من معصية أو منكر .
14 - دعوى أن قوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الخ الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء، غير صحيحة .
15 - فتوى ابن تيمية الواردة فى الكتيب فى باب الجهاد .
خاصة بالتتار .
وهم عنده كفار . 16 - الشورى أساس الحكم فى الإسلام، والخليفة مجرد وكيل عن الآمة يمضع لسطلانها .
17 - تسمية الحاكم بالخليفة .
أمر تحكمه عوامل السياسة فى الأمة الإسلامية، ولا تتعطل بسببها مصالح الناس خاصة بعد تفرق المسلمين إلى دول ودويلات، وانتخاب الحاكم فى كل عصر قائم مقام البيعة بالخلافة فى صدر الإسلام .
18 - الخلافة والإمارة والولاية ورئاسة الجمهورية وغيرها من الأسماء مجرد اصطلاحات ليست من رسم الدين ولا من حكمه .
19 - العلم فى الإسلام يتناول كل ما وجد فى هذا الكون، فضلا عن العلم بالدين عقيدة وشريعة وآدابا وسلوكا .
20 - العلم جهاد، وجهاد العلماء ثابت تاريخيا ولا مراء فيه .
21 - الأصل فى الإسلام التعامل مع الناس جميعا، المسلم وغير المسلم، فيما لا يخالف نصا صريحا من كتاب أو سنة أو إجماع
Q تقرير عن كتاب الفريضة الغائبة اطلعنا على صورة ضوئية لهذا الكتاب فى أربع وخمسين صفحة وقد احتوى فى جملته على تفسيات لبعض النصوص الشرعية من القرآن والسنة وعنى بالفريضة الغائبة الجهاد داعيا إلى إقامة الدولة الإسلامية، وإلى الحكمبما أنزل الله مدعيا أن حكام المسلمين اليوم فى ردة، وأنهم أشبه بالتتار، يحرم التعامل معهم، أو معاونتهم، ويجب الفرار من الخدمة فى الجيش، لأن الدولة كافرة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بالجهاد وبالقتال كأمر الله فى القرآن، وأن أمة الإسلام تختلف فى هذا عن غيرها فى أمر القتال وفى الخروج على الحاكم، وأن القتال، فقد كان المجاهدون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده وفى عصور التابعين، وحتى عصور قريبة ليسوا علماء، وفتح الله عليهم الأمصار ولم يحتجوا بطلب العلم، أو بمعرفة علم الحديث وأصول الفقه، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للإسلام ، لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخله نابليون وجنوده بالخيل والنعال فماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة وآية السيف نسخت من القرآن مائة آية وأربعا وعشرين آية .
وهكذا سار الكتاب فى فقراته كلها داعيا إلى القتال والقتل
An فيما يلى الحكم الصحيح مع النصوص الدالة عليه من القرآن ومن السنة فى أهم ما أثير فى هذا الكتيب تمهيد (أ) القرآن نزل بلسان عربى مبين على رسول عربى، لا يعرف غير لغة العرب .
ففى القرآن الكريم قول الله سبحانه { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } يوسف 2 ، وقوله تعالى { وكذلك أنزلناه حكما عربيا } الرعد 37 ، فوجب أن نرجع إلى لغة العرب وأصولها لمعرفة معانى هذا القرآن واستعمالاته فى الحقيقة والمجاز وغيرهما وفقا لأساليب العرب، لأنه جاء معجزا فى عبارته، متحديا لهم أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية .
ولا شك أنه نزل على رسول عربى قال جل شأنه { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } إبراهيم 4 ، (ب) الإيمان وحقيقته الإيمان فى لغة العرب، هو التصديق ملطقا، ومن هذا القيل قول الله سبحانه حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام قال تعالى { وما أنت بمؤمن لنا } يوسف 17 ، أى ما أنت بمصدق لنا فيما حدثناك به عن يوسف والذئب .
وقول النبى صلى الله عليه وسلم فى تعريف الإيمان (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خير وشره) ومعناه التصديق القلبى بكل ذلك وبغيره مما وجب الإيمان به .
والإيمان فى الشرع هو التصديق بالله وبرسله وبكتبه وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر .
قال تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } البقرة 285 ، وهكذا توالت آيات الله فى كتابه ببيان ما يلزم الإيمان به .
والإيمان بهذا تصديق قلبى بما وجب الإيمان به، وهو عقيدة تملأ النفس بمعرفة الله وطاعته فى دينه .
ويؤيد هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (اللهم ثبت قلبى على دينك) وقوله لأسامة وقد قتل من قال لا إله إلا الله (هلا شققت قلبه) .
وإذا ثبت أن الإيمان عمل القلب، وجب أن يكون عبارة عن التصديق الذى من ضرورته المعرفة، ذلك لأن الله إنما يخاطب العرب بلغتهم ليفهموا ما هو المقصود بالخطاب، فلو كان لفظ الإيمان فى الشرع مغايرا عن وضع اللغة، لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين أن معنى الزكاة والصلاة غير ما هو معروف فى أصل اللغة، بل كان بيان معنى الإيمان إذا غاير اللغة أولى .
(ج ) الإسلام وحقيقته الإسلام يقال فى اللغة أسلم دخل فى دين الإسلام، وفى الشرع كما جاء فى الحديث الشريف (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) .
وبهذا يظهر أن الإسلام هو العمل بالقيام بفرائض الله من النطق بالشهادتين وأداء الفروض والانتهاء عما حرم الله سبحانه ورسوله .
فالإيمان تصديق قلبى، فمن أنكر وجحد شيئا مما وجب الإيمان به فهو كافر، قال الله تعالى { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } النساء 136 ، أما الإسلام فهو العمل والقول، عمل بالجوارح ونطق باللسان، ويدل على المغايرة بينهما قول الله سبحانه { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم } الحجرات 14 ، والحديث الشريف فى حوار جبريل عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام يوضح مدلول كل منهما شرعا على ما سبق التنويه عنه فى تعريف كل منهما ( حديث جبريل من الايمان والإسلام والاحسان وراه الترمذى ج - 10 ص 77 و 78 بشرح القاضى ابن العربى ) وهما مع هذا متلازمان، لأن الإسلام مظهر الإيمان .
(د) متى يكون الإنسان مسلما حدد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بى، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله) رواه البخارى .
وفى قوله (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن ذرة) .
وراه البخارى . هذا هو المسلم، فمتى يخرج عن إسلامه ، وهل ارتكاب معصية بفعل أمر محرم، أو ترك فرض من الفروض ينزع عنه وصف الإسلام وحقوقه قال الله سبحانه { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء 116 ، وفى حديث طويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ذاك جبريل أتانى قال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق، قال وإن زنى وإن سرق ..) رواه البخارى .
هذه النصوص من القرآن والسنة تهدينا صراحة إلى أنه وإن كانت الأعمال مصدقة للإيمان ومظهرا عمليا له، لكن المسلم إذا ارتكب ذنبا من الذنوب بأن خالف نصا فى كتاب الله، أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يخرج بذلك عن الإسلام، ما دام يعتقد صدق هذا النص ويؤمن بلزوم الامتثال له، وفقط يكون عاصيا وآثما لمخالفته فى الفعل أو الترك .
بل إن الخبر الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دال على أن الإيمان بالمعنى السابق منقذ من النار فقد روى أنس رضى الله عنه .
قال (كان غلام يهودى يخدم النبى صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم ويعوده (يعنى يزوره وهو مريض) فقعد عند رأسه، فقال له أسلم .
فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده . فقال له أبوه أطع أبا القاسم .
فأسم . فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذى أنقذه من النار) رواه البخارى وأبو داود .
(هاء) ما هو الكفر فى اللغة كفر الشىء ستره (أى غطاه) والكفر شرعا أن يجحد الإنسان شيئا مما أوجب الله الإيمان به بعد إبلاعه إليه، وقيام الحجة عليه .
وهو على أربعة أنحاء كفر إنكار، بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود وكفر معاندة، وكفر نفاق .
ومن لقى الله بأى شىء من هذا الكفر لم يغفر له، قال تعالى { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء 116 ، وقد شاع الكفر فى مقابلة الإيمان، لأن الكفر فيه ستر الحق، بمعنى إخفائه وطمس معامله، ويأتى هذا اللفظ بمعنى كفر النعمة ، وهو بهذا ضد الشكر .
وأعظم الكفر حجود وحدانية الله باتخاذ شريك له، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته .
والكافر متعارف بوجه عام فيمن يجحد كل ذلك .
وإذا كان ذلك هو معنى الإيمان والإسلام والكفر مستفادا من نصوص القرآن والسنة، كان المسلم الذى ارتكب ذنبا وهو يعلم أنه مذنب عاصيا لله سبحانه وتعالى معرضا نفسه لغضبه وعقابه، لكنه لم يخرج بما ارتكب عن ربققة الإيمان وحقيقته، ولم يزل عند وصف الإسلام وحقيقته وحقوقه .
وأيا كانت هذه الذنوب التى يقترفها المسلم خطأ وخطيئة، كبائر أو صغائر، لا يخرج بها عن الإسلام ولا من عداد المؤمنين، ذلك مصداقه قول الله سبحانه { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء 116 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت ( المحلى لابن حزم ج - 11 ومثله رواه مسلم ) قال (أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا (أى لا يرم أحدنا الآخر بالكذب والبهتان) فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له ، ومن ستر الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) وبهذا يكون تفسير خلود العصاة فى نار جهنم الوارد فى بعض آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } النساء 14 ، يمكن تفسير هذا - والله أعلم - بالخلود الآبد المؤبد إذا كان العصيان بالكفر أما إذا كان العصيان بارتكاب ذنب - كبيرة أو صغير خطأ وخطئية دون إخلال بالتصديق والإيمان .
كان الخلود البقاء فى النار مدة ما حسب مشئية الله وقضائه، يدل على هذا أن الله سبحانه ذكر فى سورة الفرقان عددا من كبائر الأوزار ( الآيتان 68، 69 من سورة الفرقان ) ثم أتبعها بقوله سبحانه { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما .
ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا } الفرقان 70 ، 71 ، وهذا لا يعنى الاستهانة بأوامر الله طمعا فى مغفرته، أو استهتارا بأموامره ونواهيه، فإن الله أغير على حرماته وأوامره من الرجل على أهله وعرضه، كما جاء فى الأحاديث الشريفة .
ذلك هو الكفر، وتلك هى المعصية، ومنهما تحدد الكافر، والعاصى أو الفاسق، وأن هذين غير ذاك فى الحال وفى المال .
(و) هل يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه .
أو تكفير المؤمن الذى استقر الإيمان فى قلبه ومن له الحكم بذلك إن كان له وجه شرعى قال الله سبحانه { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } النساء 94 ، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من أصل الإيمان وعد منها الكف عمن قال لا إله إلا الله ، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل ) ( رواه أبو داود ) وقوله (لا يرمى رجل رجلا بالفسق، أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك) .
( رواه الامام أحمد فى مسنده ج - 18 ) من هذه النصوص نرى أنه لا يحل تكفير مسلم بذنب اقترفه سواء كان الذنب ترك واجب مفروض، أو فعل محرم منهى عنه، وأ، من يكفر مسلما أو صفه بالفسوق، يرتد عليه بهذا الوصف إن لم يكن صاحبه على ما وصف .
من له الحكم بالكفر أو بالفسق قال الله تعالى { فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول } النساء 59 ، وقال سبحانه { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } التوبة 122 ، وقوله { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الأنبياء 7 ، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الزهرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ( أعلام الموقعين لابن القيم ج - 2 ص 126 ) (سمع النبى صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون فى القرآن (يعنى يتجادلون فى بعض آياته) فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا يكذب بعضه بعضا، فما علمتم منه فقولوا وما جهلتهم منه، فكلوه إلى عالمه) .
هذا هو القرآن، وهذه هى السنة، كلاهما يأمر بأن النزاع فى أمر من أمور الدين يجيب أن يرد إلى الله وإلى رسوله، أى إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله، وأن من يتولى الفصل وبيان الحكم هم العلماء بالكتاب وبالسنة، فليس لمسلم أن يحكم بالكفر أو بالفسق على مسلم، وهو لا يعلم ما هو الكفر، ولا ما يصير به المسلم مرتدا كافرا بالإسلام، أو عاصيا مفارقا لأوامر الله .
إذ الإسلام عقيدة وشريعة .
له علماؤه الذين تخصصوا فى علومه تنفيذا لأمر الله ورسوله فالتدين للمسلمين جميعا، ولكن الدين وبيان أحكامه وحلاله وحرامه لأهل الاختصاص به وهم العلماء، قضاء من الله ورسوله .
وبعد هذا التمهيد ببيان هذه العناصر، نتابع قراءة ذلك الكتيب على الوجه التالى .
لنرى ما إذا كانت أفكاره فى نطاق القرآن والسنة أو لا .
2 أولا الجهاد جاء فى ص 3 وما بعدها أن الجهاد فى سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى، وخطورته العظمى على مستقبيل هذا الدين، قد أهمله علماء العصر وتجاهلوه، بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الإسلام من جديد ثم ساق الكتاب حديث (بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى) الخ الحديث .
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب قريشا فقال (استمعوا يا معضر قريش أما الذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) وبهذا رسم الطريق القويم الذى لا جدال فيه، ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو فى قلب مكة .
والجهاد فى سبيل الله أمر جاء به القرآن، وجرت به السنة، لا يمارى فى هذا أحد .
ولكن ما هو الجهاد الجهاد فى اللغة أصله المشقة، يقال جاهدت جهادا، أى بلغت المشقة .
وفى الشرع جهاد فى الحرب، وجهاد فى السلم .
فالأول هو مجاهدة المشركين بشروطه، والآخر هو جهاد النفس والشيطان - ففى الحديث (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفس) وللحديث روايات أخرى وليس من الأحاديث الموضوعة كما جاء فى هذا الكتيب، فقد رواه البيهقى وخرجه العراقى على الاحياء ( أحياء علوم الدين للغزالى وعلى هامشه تخريج الأحاديث للحافظ العراقى فى كتاب شرح عجائب القلب ) فالجهاد ليس منحصرا لغة ولا شرعا فى القتال ، بل إن مجاهدة الكفار تقع باليد وبالمال وباللسان وبالقلب، وكل أولئك سبيله الدعوة إلى الله بالطريق الذى رسمه الله تعالى فى القرآن، وابتعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن } النحل 125 ، هل الجهاد فرض عين على كل مسلم قال أهل العلم بالدين وأحكامه إن الجهاد بالتقال كان فرضا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم من دعاه الرسول من المسلمين للخروج للقتال، وأما بعده فهو فرض كفاية إذا دعت الحاجة .
ويكون فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى كل عهد وعصرنا إذا احتلت بلاد المسلمين ويكون بالقتال وبالمال وباللسان وبالقلب .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( رواه أحمد وأبو داود والنسائى ) (جاهدوا المشركين بأوالكم وأيديكم وألسنتكم) .
وجهاد النفس هو فرض عين على كل مسلم ومسملة دائما وفى كل وقت ، وفى هذا أحاديث شريفة كثيرة ، منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( ضمن حديث وراه الترمذى وقال حديث حسن صحيح ) (المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله عز وجل ) .
حديث (بعثت بالسيف بين يدى الساعة ) هو حديث صحيح لكن ما مدلوله وهل تؤخذ ألفاظه هكذا وحدها دون النظر إلى الأحاديث الأخرى وإلى سير الدعوة منذ بدأت .
وإن ما قال به هذا الكتيب هو ما قال به المستشرقون، حيث عابوا على الإسلام فقالوا إنه انتشر بالسيف .
ألا ساء ما قال هؤلاء وأولئك، فإن القرآن قد فصل فى هذه القضية وما كان رسول الله إلا مبلغا ومنفذا للوحى، ولا يصدر منه ما يناقض القرآن الذى يقول { لا إكراه فى الدين } البقرة 256 ، ويقول { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } النحل 125 ، ويقول { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } يونس 99 ، ويقول { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد } آل عمران 20 ، ويقول { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } القصص 56 ، ذلك القرآن أصل الإسلام، والسنة مفسرة له لا تختلف معه، وحديث بعثت بالسيف مع هذه الآيات لا يؤخذ على ظاهره، فقد جاء بيانا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدى عليها، أو التصدى للمسلمين، وإلا فهل استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم السيف لإكراه أحد على الإسلام اللهم لا وما كان له أن يخالف القرآن الذى نزل على قلبه .
وقوله الشريف (وجعل رزقى فى ظل رمحى) إشارة إلى آية الغنائم ( الآية 41 من سورة الأنفال (واعلموا انما غنمتم من شىء فان لله خمسة وللرسول ولذى القربى) ) وقسمتها، وأن له رزقا فى بيت مال المسلمين، حتى لا ينشغل عن الدعوة بكسب الرزق وكان هذا مبدأ فى الإسلام، فأصبح لولى أمر المسلمين مرتبا فى بيت مال المسلمين حتى يتفرغ لشئونهم، فأصبح لولى أمر المسلمين مرتبا فى بيت مال المسلمين حتى يتفرغ لشئونهم، وهذا هو ما فهمه أصحاب رسول الله، فإن أبا بكر رضى الله تعالى عنه بعد أنه اختاره المسلمون خليفة توجه إلى السوق كعادته للتجارة ، فقابله عمر رضى الله عنه وقال له ماذا تصنع فى السوق .
قال أعمل لرزقى وزرق عيالى، فقال له قد كفيناك ذلك، أو قد كفاك الله ذلك .
مشيرا إلى هذه إلى هذه الآية، فإن فيها قول الله (فأن لله خمسه ) فمرتب الخليفة من هذا الخمس هذا هو الحديث الذى يستهدى به الكتيب فى حتمية القتال لنشر الإسلام فهو استدلال فى غير موضعه، إيراد للنص فى غير ما جاء فيه ولا يحتمله وإلا - على زعم هذا الكتيب - كان الحديث مناقضا للقرآن .
وذلك ما لا يقول به مسلم . أما ما نقله الكتاب من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش (استمعوا يا معشر قريش، أما والذى نفسه محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) .
فإن قصة هذا القول - كما جاءت فى السيرة النبوية ( ج - 1 ص 309 و 310 طبعة ثالثة دار احياء التراث العربى بيروت 1391 هجرية - 1971 م ) لابن هشام قال ابن اسحاق فحدثنى يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته .
قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرها عليه من أمر هذا الرجل قط سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كمما قالوا فبينما هم فى ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفا بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول .
قال فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ثم مضى، فلما رجع مر بهم الثانية غمزوه مثلها، فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف .
ثم قال أتسمعون يا معشر قريش أما والذى نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح ثم استطردت الرواية إلى ما كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الذين غمزوه بالقول ثلاث مرات وهو يطوف حول البيت فى ذات اليوم واليوم التالى .
فما معنى هذه العبارة الأخيرة فى قول الرسول حسبما جاء فى هذه القصة (لقد جئتكم بالذبح) .
تعود إلى اللغة نجدها تقول ذبحت الحيوان دبحا قطعت العروق المعروفة فى موضع الذبح بالسكين، والذبح الهلاك، وهو مجاز، فإنه من أسرع أسبابه، وبه فسر حديث ولاية القضاء ( فكأنما ذبح بغير بسكين ) ويطلق الذبح للتذكيه، وفى الحديث (كل شىء فى البحر مذبوح) أى ذكى لا يحتاج إلى الذبح، ويستعار الذبح للإحلال ، أى لجعل الشىء المحرم حلالا، وفى هذا حديث أبى الدرداء رضى الله عنه (ذبح الخمر، الملح والشمس .
) أى أن وضع الملح فى الخمر مع وضعها فى الشمس يذبحها أى يحولها خلا فتصبح حلالا ( تاج العروس فى مادة ذ .
ب .
ح ) فأى معنى لغوى للفظ الذبح فى هذه القصة يعتد به لا يجوز أن يكون المراد المعنى الأصلى للذبح، وهو قطع العنق من الموضع المعروف، لأن الله أبلغ الرسول فى القرآن { لا إكراه فى الدين } البقرة 256 ، { إنك لا تهدى من أحببت } القصص 56 ، { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين } المائدة 92 ، { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين } التغابن 12 ، { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين } النحل 82 ، وهو لم يفعل ذلك، يعنى لم يذبح أحدا لا فى مكة ولا فى غيرها، ولم يكره أحدا على اتباعه، فيستبعد المعنى الأصلى لمعارضته للقرآن .
وإذا يكون المعنى المجازى هو المراد بهذا التهديد، فإنهم قد غمزوه وعابوه وشتموه وهو يطوف بالبيت فهددهم بالهلاك، بأن يدعو الله عليهم كما فعل السابقون من النبياء، أو بالتطهير مما هم فيه من الشرك، يعنى أنه جاءهم بالدين الصحيح الذى يتطهرون باتباعه، وهذا المعنى الأخير هو المتفق مع ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو لقومه بالهداية إلى الإسلام .
بهذا البيان - مع واقع القرآن والسنة، ومن لغة العرب التى نزل بها القرآن - يظهر بوجه قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم لهم يهدد قومه بالذبح الذى قصده هذا الكتيب وصرف القصة إليه وهو القتل، فالرسول إنما كان يهدد بما يملك إنزاله بهم، لا بما يفوق فدرته الذاتية، فقد كان ومن تبعوه قلة، لا يستطيعون ذبخ مخالف لهم، وهو لم يفعل حتى بعد أن هاجر وصارت له عدة وعدد من المؤمنين بل إن تفسير الذبح فى هذا التهديد بالمعنى المتبادر لهذا اللفظ يتعارض مع ما عرف عن رسول الله من خلق وحكمة ورحمة بالناس، وقد أكد القرآن كل هذه الصناف لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء 107 ، وقال سبحانه { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنتب فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } آل عمران 159 ، وقال { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم 4 .
ثالثا - الحكم بما أنزل الله فى القرآن الكريم قول الله سبحانه { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } النساء 65 ، وقوله { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } الإسراء 82 ، وقوله { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون } الأنعام 155 ، وقوله { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } النحل 89 .
وفى الحديث الشريف الذى رواه مالك فى الموطأ .
(تركت فيكم أمرين لت تضلوا ما تمسكتم بهما .
كتاب الله وسنة رسوله) . فالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، هما المرجع فى التشريع الإسلامى، فقد اشتملا على العقائد والعبادات والمعاملات ، وعلى أحكام وحكم وعلوم وفضائل وآداب وأنباء عن اليوم الآخر وغير هذا مما يلزم الإنسان فى حياته وفى آخرته .
وقد أمر القرآن بالأخذ به ، وبما جاء به رسول الله (أى سنته) ذلك قول الله سبحانه { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر 7 ، وقوله تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله } النساء 80 ، وقوله جل شأنه { ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور 63 ، وقوله تعالى { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } النور 51 ، وقوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة 44 ، وقوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } المائدة 45 ، وقوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } المائدة 47 ، ذهب الخوارج إلى أن مرتكب الكبيرة كافر، محتجين بهذه الآيات الثلاث الأخير، وهذا النظر منهم غير صحيح .
ذلك لأننا إذا رجعنا إلى قواعد اللغة ودلالات الحروف والأسماء نجد أن كلمة (من) الواردة فى تلك الآيات من أسماء الموصول، وهذه الأسماء لم توضع - فى اللغة - للعموم، بل هى للجنس، تحتمل العموم، وتحتمل الخصوص .
قال أهل العلم باللغة والتفسير، وعلى هذا يكون المراد ، والمعنى (والله أعلم) أما من لم يحكم بشىء مما أنزل الله أصلا فأولئك، أى من ترك أحكام الله نهائيا وهجر شرعه كله، هم الكافرون وهم الظالمون، وهم الفاسقون، وذلك بدليل ما سبق من الأحاديث الدالة على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج بها عن إيمانه وإسلامه وإنما يكون آثما فقط .
أو أن المراد فى هذه الآيات بقول الله ( بما أنزل الله ) هو التوارة، بقرينة ما قبله وهو قوله { إنا أنزلنا التوراة } وإذا أخذنا هذا المعنى كانت الآيات موجهة للهيود الذين كان كتابهم التوارة، فإذا لم يحكموا بها كانوا كافرين أو ظالمين أو فاسقين، والمسلمون غير متعبدين بما اختص به غيرهم من الأمم السابقة ، فقد كانت - مثلا - توبة أحدهم من ذنب ارتكبه قتل نفسه { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } البقرة 54 ، وحرم هذا فى الإسلام { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، وشرع بديلا لقتل النفس التوبة بالاستغفار وبالصدقات .
وبهذا البيان يكون مجرد ترك بعض أوامر الله أو مجرد فعل ما حرم الله مع التصديق بصحة هذه الأوامر وضرورة العمل بها، يكون هذا إثما وفسقا، ولا يكون كفرا، ما دام مجرد ترك أو فعل دون جحود أو استباحة .
وعلى ذلك يكون تكفير الحاكم لتركه بعض أحكام الله وحدوده دون تطبيق لا يستند إلى نص فى القرآن أو فى السنة، وإنما نصوصهما تسبغ عليه إثم هذه المخالفة، ولا تخرجه بها من الإسلام، ولعل فيما قاله رسول الله وأوردناه فيما سبق من قوله (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل ) لعل فى هذا الرد القاطع على دعوى تكفير المسلم الذى لم يجحد شيئا من أصول الإسلام وشريعته .
ثالثا بلادنا دار لإسلام جاء فى ص 7 من هذا الكتيب أن أحكام الكفر تعلوا بلادنا، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، وهذا قول مناقض للواقع، فهذه الصلاة تؤدى، وهذه المساجد مفتوحة وتبنى، وهذه الزكاة يؤديها المسلمون، ويحجون بيت الله، وحكم الإسلام ماض فى الدولة، إلا فى بعض الأمور كالحدود والتعامل بالربا وغير هذا مما شملته القوانين الوضعية .
وهذا لا يخرج الأمة والدولة عن أنها دولة مسلمة وشعب مسلم، لأننا - حاكما ومحكومين نؤمن بتحريم الربا والزنا والسرقة وغير هذا، ونعتقد صادقين أن حكم الله خير وهو الأحق بالاتباع، فلم نعتقد حل الربا وإن تعاملنا به، ولم نعتقد حل الزنا والسرقة وغير هذا من الكبائر وإن وقع كل ذلك بيننا، بل كلنا - محكومين وحاكمين - نبتغى حكم الله وشرعه ونعمل به فى حدود استطاعتنا، والله يقول { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن 16 ، وعقيدتنا فيما أمر الله بقدر ما وهبنا من قوة .
رابعا ما السبيل إلى تطبيق أحكام الله غير المنفذة .
وهل يبيح هذا قتل الحاكم والخروج عليه .
نسوق لرسم الطريق والجواب عن هذا .
الحديث الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه عن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ( تصلون أى تدعون لهم ويدعون لكم، لأن الصلاة فى اللغة الدعاء ) ، ويصلون عليكم ( تصلون أى تدعون لهم ويدعون لكم، لأن الصلاة فى اللغة الدعاء )، وشرار أئتمكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم .
قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم .
(أى نقاتلهم) قال لا ما أقوموا فيكم الصلاة .
لا ما أقاموا فيكم الصلاة تصلون عليهم (يعنى تدعون لهم) ) ومثله الحديث الذى رواه أحمد وأبو يعلى قال (يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود .
فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله ، قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة) .
وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن أم سلمة (هند بنت أبى حذيفة) رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (انه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضى وتابع .
قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم ، قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة) .
ومعناه أن من كره بقلبه، ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان، فقد برىء من الإثم وأدى وظيفته ، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضى بفعلهم وتابعهم فهو العاصى .
بهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها نهتدى إلى أن الإسلام لا يبيح الخروج على الحاكم المسلم وقتله مادام مقيما على الإسلام يعمل به، حتى ولو بإقامة الصلاة فقط، وأن على المسلمين إذا خالف الحاكم الإسلام أن يتولوه بالنصح والدعوة السليمة المستقيمة كما فى الحديث الصحيح ( رواه الترمذى ج - 8 ص 113 و 114 بشرح القاضى ابن العربى ) (الدين النصيحة .
قلنا لمن يا رسول الله ، قال لله ولرسوله ولأئمة الملسمين وعامتهم) فإذا لم يقم الحاكم حدود الله وينفذ شرعه تاما، فليست له طاعة فيما أمر من معصية أو منكر، ومعنى هذا أن الحكم بما أنزل الله لا يقتصر على الحاكم فى دولته، بل يشمل كل أفراد المسلمين رجالا ونساء، وعليهم الالتزام بأمر الله فيما افتراض من طاعات والانتهاء عما نهى من منكرات .
ذلك أخذا بمجموع نصوص القرآن والسنة، وإلا فإن هذا الاتجاه والفكر الذى ساقه هذا الكتاب من باب من يقرأ قول الله { فويل للمصلين } الماعون 4 ، 5 ، ويسكت ولا يتبعها بقوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } الماعون 4 ، 5 ، ومن يقرأ قول الله { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة } النساء 43 ، ويسكت ولا يتبعها بقوله سبحانه { وأنتم سكارى } النساء 43 ، بل إن هذا الفكر ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، ويقول فى دين الله بغير علم، وذلك إثم عظيم يحمله كل من يبث هذا الفكر، وعلى المجتمع مقاومته ونبذه، وعلى الدولة الوقوف ضده .
والسبيل المستقيم مع أصول الإسلام فى القرآن والسنة أن نطالب جميعا بتطبيق أحكام الله دون نقصان بالأسوة الحسنة والحجة الواضحة، لا بالقتل والقتال وتكفير المسلمين وإهدار حرماتهم .
هكذا أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى { لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة } الأحزاب 21 ، وهكذا يجب أن نكون، وأن تكون دعوتنا إلى الله وإلى تطبيق شرع الله وتعميق العمل به فى السوك والحكم .
خامسا - آية السيف (ص 27 - 29) وقد عنى الكتيب المعروض بها .
وهى قول الله سبحانه فى سورة التوبة { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } التوبة 5 ، ونقل الكتاب أن هذ الآية نسخت مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة، فهى ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء .
هذه الآية الكريمة، كما هو منطوقها واردة فى مشركى العرب الذين لا عهد لهم، حيث نبذت عودهم، وضرب الله لهم موعد الأربعة الأشهر الحرم ، وقد فرق القرآن فى المعاملة بين مشركى العرب، والمشركين وأهل الكتاب من الأمم الخرى .
والأمر بقتال مشركى العرب فى هذه الآية وما قبلها مبنى على كونهم البادئين بقتال المسلمين والناكثين لعهودهم، كما جاء فى آية تالية فى ذات السورة { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة } التوبة 13 ، ولقد أطلق بعض الناس القول فى أن آية السيف ناسخة لغيرها من الآيات حسبما نقل هذا الكتيب، ولكن الصواب أنه لا نسخ، وأن كل لآية واردة فى موضعها، كما أن الأصل أن الإعمال مقدم على الإهمال .
بل إن آية السيف جاء فى آخرها ما يوقف حكم أولها { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } التوبة 5 ، فمن آمن وأسلم تائبا بذلك عن الشرك وأقام الصلاة وآتى الزكاة امتنع قتالهم وقتلهم .
فالآية موجهة إلى المشركين الكافرين بأصول الدين، وغير موجهة إلى الأمر بقتال المسلمين، فالاستدلال بها على أنها آمرة بقتال المشركين وغيرهم فى غير موضعه، بل يناقض لفظها، وفى صدد المشركين أجاز القرآن التعاهد معهم والوفاء بهذه المعاهدة فى قوله تعالى { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } التوبة 7 ، وقوله { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } المائدة 1 ، وقوله { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } الإسراء 34 ، فكيف إذن يقال إن آية السيف ناسخة لأمثال هذه الآيات التى نظمت التعاهد مع المشركين وغيرهم من أهل الكتاب، وكيف يمدون حكمها إلى السملم الذى ترك فرضا من الفرائض عن غير جحود أو فعل موبقة منيها عنها تحريما، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (أمرت أن أقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق بثلاث فى قوله (لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو فتل نفس بنفس) .
فكيف مع هذا يستباح قتل المسلم الذى يصلى ويزكى ويتلو القرآن باسم آية السيف .
فليقرءوا قول الله سبحانه { الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } غافر 35 ، سادسا - السلاجقة والتتار هم أولئك الوثنيون الزاحفون من الشرق، أخضعوا واحتلوا بلاد ما رواء النهر وتقدموا إلى العراق، وظلوا يزحفون حتى وقعت فى أيديهم أكثر الأراضى الإسلامية .
ثم من بعدهم المغول التتار المتوحشون الوثنيون الذين سفكوا دماء المسلمين بالقدر الذى لم يفعله أحمد من قبلهم .. وقد وصف ابن الأثير فظائعهم، وجعلهم مساجد بخارى اصطبلات خيل ، وتمزيقهم للقرآن الكريم، وهدم مساجد سمرقند وبلخ فقال ( ابن الأثير حوادث سنة 617 هجرية ) (لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة، استعظاما لها كارها لذكرها، فأنا أقدم إليها رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذى يسهل عليه نعى الإسلام إلى المسلمين ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك الخ ) .
هؤلاء الذين حاربهم ابن تيمية وأفتى فى شأنهم فتاويه التى ولغ فيها هذا الكتيب اختصارا وابتسارا واستلالا بها فى غير موضعها .
أين هؤلاء من المسلمين فى مصر وأولى الأمر المسلمين فيها، وهل هناك وجه للمقارنة بين أولئك الذين الذين صنعوا بالمسلمين ما حملته كتب التاريخ فى بطونها وبين مصر حكامها وشعبها ، أو أن هناك وجها لتشبيه هؤلاء بأولئك .
هذا الكتيب إنما يروج ما قال به المستشرقون من انتشار الإسلام بالسيف، وواقع الإسلام قرآن وسنة، وواقع تاريخه يقول لهم { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا }الكهف 5 ، سابعا - فتاوى ابن تيمية التى نقل منها الكتيب تقدم القول بأنه لا وجه للمقارنة بين حكام مصر للمسلمين وبين التتار لكن هذا الكتيب قد أشار إلى فتوى لابن تيمية فى المسألة 516 من فتاويه فى باب الجهاد .
وبمطالعة هذه الفتوى نرى أنها قد أوضحت حال التتار، وأ،هم وإن نطق بعضهم بكلمة الإسلام، لكنهم لم يقيموا فروضه حيث يقول وقد شاهدنا عسكر القوم، فرأينا جمهورهم لا يصلون، ولم نر فى عسكرهم مؤذنا، ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله، ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق، وإما زنديق منافق، لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن، وإما من هو من شر أهل البدع، كالرافضة والجهمية، والاتحادية ونحوهم، إلى أن قال وهم يقاتلون على ملك حنكسخان إلى أن قال وهو ملك كافر مشرك من أعظم المشركين كفرا وفسادا وعدوانا من جنس بختنصر وأمثاله إن اعتقاد التتار كان فى حنكسخان عظيما، فإنهم يعتقدون أنه ابن الله إلخ .
هذه العبارت وأمثالها مما جاء فى تسبيب الفتوى تفصح عن أن ابن تيمية قد وقف على واقع حال التتار ، وأنهم كفار غير مسلمين وإن نطقوا بكلمة الإسلام تضليلا للمسلمين .
فما لهذا الكتيب قد ابتسر الفتوى .
- إن واضع هذا الكتاب وأتباعه تصدق عليهم الآية { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون } ، أين هؤلاء التتار من جيش مصر الذى عبر وانتصر بهتاف الإسلام الله أكبر من شهر رمضان ورجاله صائمون مصلون يؤمهم العلماء، وفى كل معسكر مسجد وإمام يذكرهم بالقرآن ، وبأحكام دين الله - إن هذه الأقوال الجائزة التى جاءت فى هذا الكتيب فاسدة مخالفة للكتاب والسنة { ألا ساء ما يحكمون } النحل 59 ، ثامنا - هذا الكتيب لا ينتسب للاسلام وكل ما فيه أفكار سياسية نرى هذا واضحا فى الكثير من عناوينه (أ) الخلافة والبيعة على القتال إن الشورى هى أساس الحكم فى الإسلام، وبهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم فى قوله { وشاورهم فى الأمر } آل عمران 159 ، أى فى الأمور التى تتعلق بأمور الحياة والدولة ، لا فى شأن الوحى والتشريع، وما يأتى من عند الله .
وقال سبحانه { وأمرهم شورى بينهم } الشورى 38 ، وقال { لست عليهم بمسيطر } الغاشية 22 ، وقال { وما أنت عليهم بجبار } ق 45 ، والحاكم فى الإسلام وكيل عن الأمة، لذلك كان من شأنها أن تختار الحاكم وتعزلهم، وتراقبهم فى كل تصرفاتهم، ويجب أن يكون الحاكم المسلم عادلا قويا فى دينه ومقاومته لأهل البغلا والعدوان .
ويتفق أهل العلم بالإسلام وأحكامه على أن (خليفة المسلمين) هو مجرد وكيل عن الأمة يخضع لسلطانها فى جميع أموره، وهو مثل أى فرد فيها فهو فرد عادى، لا امتيا زله ولا منزلة إلا بقدر عمله وعدله .
فالإسلام أول من سن بتلك الآيات مبدأ الآمة مصدر السلطات .
والإجماع منعقد منذ عصر الصاحبة على وجوب تعيين حاكم للمسلمين ، واستنادا إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموضع .
ولم تحدد نصوص الإسلام كريا لاختيار الحاكم (ولى الأمر) لأن هذا مما يختلف باختلاف الأزمان والأماكن .
ومن ثم كان الاختيار بطريق الانتخاب المباشر أو بغيره من الطرق داخلا فى نطاق الشورى فى الإسلام .
وتسمية خليفقة للمسلمين أمر تحكمه عوامل السياسة فى الأمة الإسلامية على امتداد أطرافها وأقطارها، وليس من الأمور التى تتعطل من أجلها مصالح الناس وإقامة الدين، بعد أن تفرق المسلمون إلى دول ودويلات، لكن المهم أن يكون هناك الحاكم المسلم فى كل دولة إسلامية، ليقيم أمور الناس وأمور الدين، حتى إذا ما اجتمعت كلمة المسلمين كأمة وصاروا فى دولة ذات كيان سياسى واحد بعرف العصر وأساليبه، كما هم فى واقع الدين أمة واحدة مع اختلاف لغاتهم وأوطانهم، إذا اجتمعت الكلمة حق عليهم أن يكون لهم حاكم واحد .
وانتخاب الحاكم بالطرق القررة فى كل عصر، قائم مقام البيعة التى ترددت فى كتب فقهاء الشريعة، فما البيعة إلا إدلاء باالرأى والتزام بالعهد وقد كان المسلمون يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الوقوف معه وحمايته مما يحمون منه أنفسهم ونساءهم وأولادهم، فهو عهد والتزام منه بحماية الرسول وحماية دعوته، فقد كان يستوثق منهم لدينه بهذه البيعة .
والقتال فى ذاته ليس هدفا - كما تقدم - وكما يقضى القرآن والسنة، وإنما هو وسيلة لحماية الدين والبلاد، ولم يكن آنذاك تجنيد إجبارى وجيش نظامى متفرغ لهذه المهمة، حتى إذا ما جيش عمر بن الخطاب ومن بعده الجيوش ودون الدواوين، لم يعد هناك مجال هلذه البيعة على القتال خارج صفوف جيش الدولة، وإلا كان هؤلاء الذى يتبايعون على مثل هذا خارجين على جماعة المسلمين، وحل قتالهم ، والأخذ على أيديهم .
ذلك ما يقتضيه القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، فمن خرجك على الجماعة كان الجزاء كما قال سبحانه { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } المائدة 33 ، ماذا يعنى لفظ الخليفة وتاريخه فى الإسلام .
الخلافة اسم مصدر من استخلف، والمصدر الاستخلاف، وهذا المعنى دخل فى الاصطلاح الشرعى فى اسم الخليفة ومهمته فقط اصطلح علماء الشريعة على أن الخليفة نائب فى القيام فى سياسة الأمة وتنفيذ الأحكام، وقد توقف هذا اللقب بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه، ولم يلقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الخلفاء بعده، وإنما أطلق عليهم اسم أمير المؤمنين، وهذه الإمارة اصطلاح ليس من رسم الدين ولا من حكمه فلنسم الحاكم واليا أو رئيس جمهورية أو غير هذا من الأسماء التى يصطلح عليها، إذ لا مشاحة فى الاصطلاح .
فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا . أيريدون إطلاق اسم خليفة رسول الله على من يحسن القيام بأمر الدين ومن يخالفة، كان أولى بهذا عمر بن الخطاب وأمثاله، وهم قد رأوا أنهم أقل من أن يحملوا هذا اللقب فاستبدلوه بأمير المؤمنين لقبا للحاكم لا غير لا يعطيه امييازا، بل هو من أفراد المسلمين ولكنه ولى أمرهم باختيارهم .
(ب) الإسلام والعلم جاء فى كتيب (الفريضة الغائبة) تحت عنوان الانشغال بطلب العلم ص 22 وما بعدها إننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمر شرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم، خاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد، نترك فرض عين من أجل فرض كفاية، وحدود العلم أن من علم فرضية الصلاة فعليه أن يصلى .
الخ ومن كتب هذا لم يقرأ القرآن، وإذا كان قد قرأ فإنه لم يفهم ما قرأ، أو أنه ممن آمن ببعض الكتاب وأعرض عن بعض فلنستعرض بعض ما أمر به القرآن الكريم وتوجيهاته إلى العلم والتعليم إن أول نداء فتح الله به على نبيه إيذانا ببدء الوحى قوله سبحانه { اقرأ باسم ربك الذى خلق .
خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم .
الذى علم بالقلم . علم الإسنان ما لم يعلم } العلق 1 - 5 ، والقراءة طريق العلم والمعرفة، ثم يذكر القرآن خلق الإنسان وتكوينه ويمن الله بنعمة العلم .
وبالعلم أعلى الله قدر آدم على الملائكة المقربين فى قوله سبحانه { وعلم آدم الأسماء كلها } البقرة 31 ، والعلم فى الإسلام يتاول كل ما وحد فى هذا الكون، فضلا عن العلم بالدين عقيدة وشريعة وآدابا وسلوكا .
والعلم جهاد ففى الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع) رواه الترمذى عن أنس رضى الله عنه .
ولقد ذكر أمامه صلى الله عليه وسلم رجلان، عالم وعابد فقال (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم ) رواه الترمذى عن أبى أمامه .
والإسلام يدعو إلى دراسة الدين وفقه - قال سبحانه { لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } التوبة 122 ، ويدعوا إلى دراسة نفس الإنسان والكون فى قول الله { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم } فصلت 53 ، ويدعو إلى دراسة التاريخ وأحوال السابقين من الأمم والشعوب فى قوله تعالى { أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } محمد 10 ، ويدعو إلى دراسة علم النبات والزراعة فى قول الله { فلينظر الإنسان إلى طعامه .
أنا صببنا الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقا } عبس 24 - 26 ، وإلى دراسة الحيوان فى قوله الله { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } الغاشية 17 ، وإلى دراسة الفلك فى قول الله { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } يس 37 ، وإلى دراسة الجغرافيا فى قول الله { وفى الأرض آيات للموقنين } الذاريات 20 ، وإلى دراسة الجيولوجيا فى قول الله { ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } فاطر 27 ، وإلى دراسة الكيمياء والفيزياء فى قول الله { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } الحديد 25 ، ولو ذهبنا نستقصى أوامر القرآن وحثه على العلم والتعلم وتفضيله العلماء على غيرهم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموطن لاحتجنا إلى كتاب بل إلى كتب .
وكما بدأ القرآن فى النزول بكلمة العلم وتفضيله { اقرأ باسم ربك } كان افتداء الأسارى فى بدر تعليم أولاد المسلمين القراءة والكتابة وهكذا كانت السنة الشريفة مع القرآن تبيانا وهداية إلى العلم .
وهكذا كان شأن العلم فى الإسلام . فهل بعد هذه المنزلة نغض من شأنه، ونقول إنه يكفى منه القليل ، والله يقول { قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الزمر 9 ، إن هذه الدعوة الأثيمة إلى التقليل من فضل العلم، هى دعوة إلى الأمية والبدائية باسم الإسلام، وفيها تحريض للشباب بالانصراف وهجر دراستهم فى المدارس والجامعات والامتناع عن استيعاب العلوم، علوم الدين وعلوم الدنيا، وهى الدعوة التى أوى إليها بعض الشباب الذين غرر بهم هؤلاء المفسدون، ونسى أولئك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعبد الله بن عباسله عنهما بقوله (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) وفى هذا الرد على الدعوة للانصراف عن العلوم الشرعية .
وقد روى عن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال (أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية) وهذه دعوة من رسول الله لأحد أصحابه ليتعلم لغة أخرى غير العربية، وقال زيد ابن ثابت أيضا (أمرنى رسول الله أن أتعمل له كلمات من كتاب يهود .
وقال إنى والله لا آمن يهود على كتابى قال زيد فما مر بى نصف شهر حتى تعلمته له، قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى هيود كتبت إليهم وإذا كتبوا له قرأت كتابتهم ) ( سنن الترمذى ج - 4 ص 167 ) نابليون والأزهر وعلماؤه جاء فى ص 23 من الكتيب وهناك مجاهدون منذ بداية دعوة النبى صلى الله عليه وسلم، وفى عصور التابعين حتى عصور قريبة، لم يكونوا علماء، وفتح الله على أيديهم أمصارا كثيرة، ولم يحتجوا بطلب العلم بمعرفة علم الحديث وأصول الفقه، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للإسلام لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخل نابليون وجنوده الأزهر بالخيل والنعال ماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة .
وبهذا بلغ هذا الكتيب حدا مفرطا فى الحط من شأن العلم وجهاد العلماء .
وإذا أهملنا علوم الحديث والفقه وأصول الفقه والتفسير والعقيدة، وكل هذه العلوم الأصلية فى الشريعة المنبثقة عن القرآن والسنة .
فما هو قوام هذا الدين، وكيف يتعرف المسلمون أحكام الدين .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث بعد الرسالة نحو ثلاث عشرة سنة فى مكة يعلم أتباعه أصول الدين وعلومه، ولم يبدأ جهاده إلا بعد أن استقرت فى قلوب جمهرة من أصحابه، كانوا هم القادة فى العلم والمرجع فى الفتوى .
ثم أليس فى القرآن { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } التوبة 122 ، وأليس فيه { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الأنبياء 7 ، أفبعد هذا نغض من شأن علم الحديث وأصول الفقه وغيرهما من علوم الدين، ونغض كذلك من شأن علوم الحياة التى حث عليها القرآن حسبما تقدمت الإشارة إلى بعض أوامره فى شأنها .
سبحان الله هذا بهتان عظيم .
إن الكتيب يعيب على الأزهر وعلمائه بادعائه أنهملم يعلموا شيئا حين دخل نابليون وجنوده الأزهر بخيلهم ونعالهم، متجاهلا التاريخ المسطور الأمين بوصف جهاد العلماء وقيادتهم لشعب مصر، ومطاردتهم للاستعمار ومنذ عهد نابليون ومن قبله ومن بعده، وهل خرج نابليون وأتباعه مدحورين إلا بجهاد الشعب بقيادة الأزهر وكان هذا هو الجهاد المشروع الذى أفتى به العلماء وقادوه من الأزهر ومن غير الأزهر، وليس ذلك الجهاد الذى يستعمل فيه السلاح فى غير موضعه، أو يجاهد فى غير عدو، فيقتل المواطنين عدوانا وظلما، ويدعى لنفسه حق تكفير المسلمين واستباحة دمائهم .
(ج ) التعامل مع غير المسلمين والاستعانة بهم فى ص 43 نقل الكتيب بعض الأحاديث فى النهى عن الاستعانة بالمشرك والتعامل معه وهذا - كما تقدم - من باب الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض، وشرع الإسلام كل لا يتجزأ، فلابد حين نستقى حكما ونستنبطه من القرآن والسنة أن نستوفى كل النصوص المؤدية إلى الحكم صحيحا بمعرفة أهل الاختصاص والعلم بالأحكام .
وإذا رجعنا إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم نجده قد استعان فى هجرته بعبد الله بن أريقط وهو مشرك، وقد اتخذه دليلا لرحلة الهجرة يرشده إلى الطريق، وقد رافقه حتى وصل إلى المدينة، أليس هذا استعانة من الرسول بمشرك لم يتبع دينه بعد .
ولما دخلت بلاد الفرس والروم فى الإسلام ودون عمر بن الخطاب الدواوين ونقل عنهم بعض نظمهم الإدارة استعان فى ذلك ببعض خبرائهم وهم على دينهم، أليس هذا استعانة بغير المسلمين من أمير المؤمنين الذى ملأ الأرض عدلا، وكان القرآن ينزل مؤيدا لما اقترحه ورآه فى كثير من أمور الدين والدنيا .
فالأصل فى الإسلام التعامل مع الناس جميعا، المسلم وغير المسلم فيما لا يخالف نصا صريحا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو حكما أجمع عليه المسلمون .
وبالإضافة إلى ما سبق من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم واتخاذه مشركا دليلا ورائدا لرحلة الهجرة، فقد ثبت فى السنة وفى السيرة الشريفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل دعوة يهودى لتناول الطعام فى بيته ومعه السيدة عائشة قبل نزول آية الحجاب، وقد قبل هدية امرأة يهودية وكانت الهدية شاة مسمومة .
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى ، وعمل على بن أبى طالب على بئر ليهودى بتمرات، وعقد الرسول صلى الله عليهوسلم معاهدة مع اليهود بعد هجرته مباشرة، وظل على عهده ومعاهدته لهم حتى نقضوها هم، وجرى تعامل المسلمين فى هذا العهد مع غيرهم من المخالفين فى الدين فى التجارة والزراعة وغيرهما ولم ينعزلوا عن جيرانهم وكيف ينعزلون والقرآن قد نزل وقال الله سبحانه فيه { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } الممتحنة 8 ، وقال { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان } المائدة 5 ، هل هناك إباحة للتعامل أكثر من تبادل الطعام بين المسلمين وغير المسلمين من أهل الكتاب وحل نسائهم زوجات للرجال من المسلمين كل ذلك ما لم يرد نص صريح فى القرآن والسنة يمنع التعامل فى شأن ما مع غير المسلمين، ومن المأثور وإعمالا لهذه الآية الكريمة (خالط الناس ودينك لاتكلمنه) ويوضح هذا ويؤازره الحديث الشريف الذى رواه الترمذى وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - (الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذى يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ( ج - 2 من أحياء علوم الدين للغزالى مع تخريج الحافظ العراقى للأحاديث ) (د) الخدمة فى الجيش إن الجيش هو عدة البلاد، وهو المنوط به حماية أمنها الخارجى والداخلى، وهو فى الجملة معهود إليه من الشعب بحماية الأرض والعرض وهو البديل المشروع للبيعة التى كانت تعقد بين أفراد المسلمين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، فقد كان عهده معهم أن يمنعوه (أى يدافعون عنه) مما يمنعون منه أولادهم ونساءهم، حتى إذا ما استقرت دولة المسلمين كان لها الجيش المنظم المتفرغ لهذه المهام، وهذا نوع من الجهاد فإن المرابطة فى سبيل الله من الجهاد وحراسة الحدود والثغوب من الجهاد فى سبيل الله، وفى الحديث الشريف (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله .
) .
وراه الترمذى . هل هناك وجه للمقارنة بين جيش مصر، والتتار إن المفارقة ظاهرة حتى من تلك النبذ التى ساقها كتيب (الفريضة الغائبة) نقلا من فتاوى ابن تيمية .
إذ كيف نقارن بين جيش مصر الذى له فى كل معسكر مسجد وإمام يقيم بهم شعائر الإسلام، ويصومون رمضان، ويتلون القرآن، يقدمون أنفسهم فداء لاسترداد الأرض وتطهير العرض هاتفين فى كل موطن وموقع الله أكبر .
وبين التتار الذين وصفهم ابن تيمية بقوله قد شاهدنا عسكرهم، فرأينا جمهور لا يصلون، ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله الخ ما سبقت الإشارة إلى بعضه وموضعه من فتاويه، وتاريخهم المظلم على ما تقدمت الإشارة إليه نقلا عن ابن الأثير المؤرخ .
تاسعا أفكار سياسية منحرفة عن الإسلام وخارجه عنه إن مستقى هذا الكتيب ومورده فى جملته أفكار طائفة الخوارج، وهم جماعة من أتباع على بن أبى طالب رضى الله عنه خرجوا عليه بعد قبوله التحكيم فى الحرب التى كانت بينه وبين معاوية بن أبى سفيان فى شأن الخلافة، ثم انقسم هؤلاء الخوراج من بعد ذلك إلى نحو عشرين فرقة، كل واحدة منها تكفر الأخريات، وقد سموا بهذا الاسم إما - على حسب زعمهم وأوهامهم - لخروجهم فى سبيل الله، وإما للخروج على الأمة والجماعة، وهذا هو واقع التسمية ، لأنهم فى جملة مذاهبهم قد حكموا بالكفر على سيدنا على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وعلى ابنيه الحسن والحسين، سبطى الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن عباس وأبى أيوب الأنصارى، كما أكفروا أيضا عائشة وعثمان وطلحة والزبير، وأكفروا كل من لم يفارق عليا ومعاوية بعد التحكيم وأكفروا كل مسلم ارتكب ذنبا .
( كتاب الفرق بين الفرق للبغدادى سنة 429 ص 193 ) وهى فى ذات الوقت أفكار استشراقية، روجها المستشرقون وأتباعهم فى مصر وغيرها من بلاد المسلمين ، محرفين الكلم عن مواضعه، مطلقين على بعض آيات القرآن عناوين لا تحملها ولا تصلح لها، متأولين هذه الآيات، بما يطابق أغراضهم وأهواءهم، ابتغاء فتنة فى الدين يثيرونها بين الناس حتى تلتبس عليهم الأمور، فهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إنى برىء منك .
هؤلاء الخوارج - فى تاريخهم القديم وما أشبه الليلة بالبارحة - لما طلبوا من عبد الله بن الزبير حين أرادوا الانضمام إليه فى قتاله مع الأمويين بعد أن أكفروا على بن أبى طالب والزبير وطلحة، لما طلبوا منه البراءة من هؤلاء رد عليهم بقوله إن الله أمر - وله العزة والقدرة - فى مخاطبته أكفر الكافرين وأعتى العاتين بأرق من هذا القول، فقال لموسى وأخيه صلى الله عليهما { اذهبا إلى فرعون إنه طغى .
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } طه 43 ، 44 ، فهم الآن يذيعون هذه الأفكار التى انطمست ( كتاب العقد الفريد ج - 2 ص 394 )، ولم تبق إلا فى بطون الكتب يقرؤها الدارسون لتاريخ الفرق .
هذا ولا ينبغى أن يطلق على هؤلاء الذين اتخذوا هذا الكتيب منهجا وصف الجماعة الإسلامية، أو المتطرفين فى الدين أو المتعصبين له، لأن الدين لا ينحرف، وإنما ينحرف عنه، ومن تطرف فى الدين فقد انحرف عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأولئك النفر من أصحابه الذين ذهبوا إلى بيوته يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها عدوها قليلة، وقال أحدهم مالنا وله، لقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما أنا فإنى أصول ولا أفطر .
وقال آخر وأنا أقوم الليل ولا أنام وقال ثالث وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج، فلما قابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم أأنتم الذين قلتم البارحة كذا وكذا قالوا نعم، فقال لهم أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى) .
هؤلاء لم ينحرفوا عن الدين، فلم يتركوا العبادة ولكنهم تغالوا فيها فردهم الرسول إلى الصواب، إلى العمل الوسط، الذى يستديمون به طاعة ربهم، والقيام بفرائضه، يحلون الحلال ويحرمون الحرام .
عاشرا هل الجهاد فريضة غائبة إن الجهاد ماض إلى يوم القيامة والجهاد قد يكون قتالا، وقد يكون مجاهدة للنفس والشيطان .
وإذا أمعنا النظر البصير فى آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى شأن الجهاد بالقتال نجد أوامرهما فى هذا موجهة إلى قتال الكفار الذين تربصوا بالإسلام ونبى الإسلام، وأرادوا إطفاء نور دعوته والقضاء عليه، ولم يكن قتالا لنشر هذه الدعوة وإكراه الناس على الدخول فيها قسرا وجبرا - كما سلف - .
ولذلك لا نجد فى القرآن ولا فى السنة الأمر بالقتال موجها ضد المسملين أو ضد المواطنين من غير المسلمين، إذ قد سمى الإسلام هؤلاء أهل الذمة، لهم مالنا وعليهم ما علينا من حقوق وواجبات ، وأمر المسلمين بترك أهل الكتاب وما يدينون، فيما بخص العقيدة والعبادة .
فإذا حدث ما يستدعى القتال دفاعا عن الدين والبلاد، فذلك ما يدعو إليه الإسلام ويحرص عليه، ويقوم به الجيش الذى استعد وأعد وأنيطت به هذه المهام، وهذا هو الجهاد قتالا ويكون الجهاد بمجاهدة النفس والشيطان، وهذا هو نوع الجهاد المستمر الذى ينبغى على كل إنسان، وعلى المسلم بوجه الخصوص أن يجاهد نفسه حتى يصلح من أمرها، وتنطبع على الخير والبر والأمانة والوفاء بالعهد ، ومغالبة الشيطان والشر، سعيا إلى طاعة الله ومرضاته، وأداء فرائضه، والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه .
ولا يكون الجهاد بإكفار المسلمين، أو بالخروج على الجماعة والنظام الذى ارتضته فى نطاق أحكام الإسلام .
ولا يكون الجهاد بتأويل آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما لا تحتمله ألفاظها وتحميلها معانى لا تحتويها مبانيها، إلا كان تحريفا للكلم عن مواضعه، وهو مما نهى الله سبحانه وتعالى عنه .
ولا يكون الجهاد بقتل النفس التى حرم الله قتلها، لأن له نطاقا حدده الله .
وإنما الجهاد فى مواضعه ماض إلى يوم القيامة، جهاد بالقتال إذا لزم الأمر دفاعا عن دين الله عن بلاد المسلمين، وعن النفس وعن المال وعن العرض، وجهاد للنفس حتى تكون فى طاعة الله ومجاهدة للشيطان، فليس الجهاد فريضة غائبة، ولكنه فريضة ماضية إلى يوم القيامة فى حدود أوامر الله وكما فسر رسول الله قوله سبحانه { وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } الأنعام 153 ، صدق الله العظيم والله سبحانه وتعالى .
أعلم .
( نص كتاب الفريضة الغائبة ) ( آثرنا أن ننقل نص الكتاب كما ورد فى الأصل، دون التعرض لتصحيح الأخطاء ما عدا ما ورد فى آيات القرآن الكريم ) بسم الله الرحمن الرحيم الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون من سورة الحديد .
قال عبد الله بن المبارك حدثنا صالح المرى عن قتادة عن ابن عباس قال ان الله استبطا قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال الم يأن للذين آمنوا الآية .
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغرفه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
أما بعد فان الجهاد فى سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى وخطورته العظمى على مستقبل هذا الدين فقد أهمله علماء العصر وتجاهلوه بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الاسم من جديد آثر كل مسلم ما يهوى من أفكاره وفلسفاته على خير طريق رسمه الله سبحانه وتعالى لغزة العباد ... والذى لا شك فيه هو أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم فهو منهم .
أخرجه الامام أحمد عن ابن عمر . ويقول ابن رجب قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف يعنى أن الله بعثه داعيا بالسيف إلى توحيد الله بعد دعائه بالحجة فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعى بالسيف .
هديه صلى الله عليه وسلم فى مكة ويخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم طواغيت مكة وهو بها (استمعوا يا معشر قريش، أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) فأخذ القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأنما على رأسه طير واقع وحتى ان أشدهم عليه ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول انطلق يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (لقد جئتكم بالذبح) قد رسم الطريق القويم الذى لا جدال فيه ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو فى قلب مكة .
الإسلام مقبل واقامة الدولة الإسلامية واعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى جل وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه .
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام ان الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وان أمتى سيلبغ ملكها مازوى إلى منها رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذى .
وهذا لم يحدث إلى الآن . حيث ان هناك بلادا لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث ان شاء الله .
(ب) ويقول عليه الصلاة والسلام (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الله الإسلام وذلا يذل به الكفر) رواه أحمد والطبرانى قال الهيثمى رجاله رجال الصحيح - المدر أهل القرى والأمصار .
الوبر أهل البوادى والمدن والقرى .
(ج-) وفى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل كنا عند عبد الله بن عمرو ابن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا .
قال فقال عبد الله بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب اذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المديتنين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية فقال صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولا القسطنطينية .
رواه أحمد والدرامى (رومية) هى روما كما فى (معجم البلدان) وهى عاصمة ايطاليا اليوم .
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من اخبار النبى صلى الله عليه وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى باذن الله ولابد ولتعلمن نبأه بعد حين .
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها اذا شاء الله ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ماشاء الله أن تكون يكون ثم يرفعها اذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها اذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الإسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطر إلا سبته مدرارا ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئا إلا أخردته ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح .
والملك العارض قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الانقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم ارادة الشعب ... والحديث من المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الاقتصادية والزراعية .
الرد على اليائسين ورد بعض اليائسين على هذا الحديث وهذه المبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس اصبروا فانه لا يأتى زمان الا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام قال الترمذى حسن صحيح ويقولون لا داعى لاضاعة الجهد والوقت فى أحلام وهنا نذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار عليه وسلم موجه إلى جبل الصحابة حتى يلقوا ربهم وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص، وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر .
فى آخر الزمان ويملآ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا .
وبشر الله طائفة من المؤمنين بقوله عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصاحلات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم منن بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا) من الآية 55 سورة النور والله لا يخلف الميعاد .
نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم .
اقامة الدولة الإسلامية هو فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ويقول { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الاسم { سورة أنزلناها وفرضناها } ومنه فان حكم اقامة حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين وتكون أحكام الله فرضا على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن مالم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا اذا كانت الدولة لن تقوم الا بقتال فوجب علينا القتال .
ولقد أجمع المسلمون على فرضية اقامة الخلافة الإسلامية .
واعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية .
ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية .
فعلى كل مسلم السعى لاعادة الخلافة بجد لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .
والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة .
النار التى نعيش فيها ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة اسلامية من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام وأفتى الامام أبو حنيفة أن دار الاسم تتحول إلى دار كفر اذا توافرت ثلاثة شروط مجتمعة 1 - أن تعلوها أحكام الكفر .
2 - ذهاب الأمان للمسلمين . 3 - المتاخمة أو المجاورة وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسملين وسببا فى ذهاب الأمن .
وأفتى الامام محمد والامام أبو يوسف صاحبا أبى حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فان كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام (فهى دار اسلام) وان كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر (فهى دار كفر) .
بائع الصنائع جزء - 1 وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع (كتاب الجهاد) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم اسلام ثم تولى أمرها أناس اقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أن سلم فأجاب ان هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الاسم ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام ببما يستحقه والحقيقة انه لهذه الأقوال لا نجد تناقضا بين أقوال الأئمة فأبو حنيفة وصاحباه لم يذكروا أن أهلها كفار فالسلم لمن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون .
الحاكم بغير ما أنزل الله والاحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة 44 ، فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار .
كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } المائدة 50 ، قال ابن كثير ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمر على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء واصطلاحات التى وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بأرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذى وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامة وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قيل، ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل ما تابع سيرتهم .
هذا بالاضافة إلى قضية الحكم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 الجزء الرابع ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين ان من سوغ ابتاع غير دين الاسم أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب .
كما قال تعالى { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا .
أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } النساء 150 ، 151 ، حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام فحكام هذا العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الاستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية .
فهم لا يحملون من الاسم إلا الاسماء وان صلى وصام وادعى أنه مسلم .
وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل وان كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فانه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن ا2لمرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد .
ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى الى غير ذلك من الأحكام .
واذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرئعه أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه .
ويقول ابن تيمية ص 293 .
وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها .
أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنها .
أن المرتد يقتل وان كان عجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فانه لا يقتل عند أكثر العلماء كأببى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام واذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه .
اذا فما موقف المسلمين من هؤلاء يقول بن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع اسلام الظاهرة المتواترة فانه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وان تكلمت بالشهادتين فاذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وان امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك ان امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق وكذلك ان امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك ان امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة، كذلك ان امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون وكذلك ان اظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الالحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الولين من المهاجرين والأنصار والذين ابتعوهم باحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ولهذا قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين .
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله اذا لم يتنهوا عن الربا والربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فاذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن يترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة ان امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة فانه يجب فتالها اذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكمب ينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب، ونحو ذلك من شرائع الإسلام فانهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله .
المقارنة بين التتار وحكام اليوم 1 - واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } صفحة 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق ين كل من خرج عن الحكمب ما انزل الله أيا من كان وبين التتار وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغير وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للاسلام بصلة ولا لأى من الشرائع .
2 - وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور .
يقو السائل واصفار حالهم للامام هؤلاء التتار الذين يقدمون الى الشام فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها (أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها التجنيد الاجبارى ) وما حكم من يكون مع عسكرهم من المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك وما يقال فيمن زعم أنه مسلمون والمقاتلون لهم مسلمون وكلاهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما .. (وهى نفس الشبهة) الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها ان الله شاء الله .
الفتاوى الكبرى ص 280، 281 مسألة (516) . 3 - ويقول ابن تيمية فى وصف التتار (ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق اما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الاسلام والا من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والاتحارية ونحوهم ( وهم من أصحاب البدع ) وأما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكمنهم لا يحجون البيت العتيق وان كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم اقام الصلاة وإيتاء الزكاة أليس ذلك هو الكائن 4 - وهم يقاتلون على ملك جنكيز خان (اسم ملكهم) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وأن كان كافرا ، ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وان كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكقر أمرائهم ووزائرهم أن يكون المسلم عندم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى .
الفتاوى ص 286 . ملحوظة أليست هذه الصفات هى الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم .
5 - وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان اظهارهم للاسلام يعظمون أمر جنكير خان كما يقاتلون المسلمين بل أعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والانقيادويحملون اليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الامام للامام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الموال والدخول فى ما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منهما .
6 - ويضيف ابن تيمية ويقول ( من دخل فى طاعتهم الجاهلية وسنتهم الكفرية كان صديقهم ومن خالفهم كان عدوهم ولو كان من أنبياء الله ورسله وأوليائه) ص 288 .
7 - ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء على عصر التتار فيقول ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الاصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والايمان حتى يتولى قضاء القاضة من كان أقرب إلى الزندقة والالحاد والكفر بالله ورسوله بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما لابد له منه لأجل من هناك من المسلمين حتى ان وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنا مضمونه ان النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهون عن دينهم ولا يؤمرون بالانتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقول الله تعالى فى سورة الكافرون { قل يا أيها الكافرون .
لا أعبد ما تعبدون .
ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم . ولا أنتم عابدون ما أعبد .
لكم دينكم ولى دين } وزعم أن هذه الآية تقتضى أنه يرضى دينهم قال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة ص 288، 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله .
أليس مصنف وزير التتار هو نفس مصنف (الاخاء الدينى) و (مجمع الاديان) بل الأخير أفظع وأجرم .
مجموعة فتاوى لابن تيمية تفيد فى هذا العصر ومن هناك يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى ابن تيمية فى حكم هؤلاء وكنا قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة (ماردين) التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزل دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .
ما هو حكم اعانتهم ومساعدتهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ردا على هذا السؤال ص 280 (باب الجهاد) واعانة الخارجين عن شرعية دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل (ماردين) أو غيرهم والمقيم بها أن كان عاجزا عن قامة دينه وجبت الهجرة عليه والا استجنبت ولم تجب .
ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس تغيب أو ترعيض أو مصانعة فاذا لم يكون الا بالهجرة تعينت ويضيف ان تيمية قاصدا أهالى ماردين الذى يعاونون (التتار السلطة الحاكمة ) (ولا يحل سبهم عموما بالنفاق بل السب والرمىب النفاق يقع على الصفات المذكورة فى الكتاب والسنة .
فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم) أى ليس كلهم .
حكم الجنود المسلمين الذين يرفضون الخدمة فى جيش التتار ص 280 مسألة (513) فى رجل جندى وهو يريد ألا يخدم (الجواب) أذا كان للمسلمين به منفعة وهو قادر عليها لا ينبغى له أن يترك ذلك لغير مصلحة راجعة على المسلمين بل كونه مقدما فى الجهاد الذى يجعله الله ورسوله أفضل من التطوع بالعبادة كصلاة التطوع والحج وصيام التطوع والله أعلم .. حكم أموالهم مسألة (514) اذا دخل التتار الشام ونبهوا أموال النصارى والمسلمين ثم نهب المسلمون التتار وسلبوا القتلى منهم فهل المأخوذ من أموالهم وسلبهم حلال أم لا (الجواب) كل ما أخذ من التتار يخمس ويباح الانتفاع به (ومعنى يخمس أى غنيمة) .
حكم قتالهم يقول ابن تيمية فى ص 298 مسألة (217) قتال الذين قدموا الى بلاد الشام واجب بالكتاب والسنة فان الله يقول فى القرآن وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله والدين هو الطاعة فاذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله .
وجب القتال حتى يكون الدين كله لله ولهذا قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين .
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } وهذه الآية نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا الصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا بين الله أنهم محاربون له ولرسوله فاذا كان هؤلاء محاربين لله ولرسوله يجب جهادهم فكيف بمن يترك كثيرا مع شرائع الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على ان الطائفة الممتنعة اذا امتنعت عن بعض الواجبات الإسلامية الظاهرة فانه يجب قتالهم اذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة أو صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحب أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو استحلال ذوات النفوس والأموال بغير الحق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فانهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله .
وقد ثبت فى الصحيحين أن عمر لما ناظر أبا بكر فى مانعى الزكاة .
قال له أبو بكر كيف لا أقاتل من ترك الحقوق التى أوجبها الله ورسوله وان كان قد أسلم كالزكاة وقال له فان الزكاة من حقها والله لو منعونى عقال بعير كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها .
قال عمر فما هو إلا أن رأيت قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعلمت أنه الحق وقد ثبت فى الصحيح غير مرة أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج وقال فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قرءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية اينما لقيتموهم فاقتلوهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد .
وقد اتفق السلف والأئمة على قتال هؤلاء وأول من قاتلهم على بن أبى طالب رضى الله عنه ومازال المسلمون فى صدر خلافة بنى أمية وبنى العباس مع الأمراء وان كانوا ظلمة وكان الحجاج ونوابهممن يقاتلونه فكل ائمة المسلمين يأمرون بقتالهم والتتار وأشباههم (أمثال حكام اليوم) أعظم خروجا عن شريعة الإسلام من مانعى الزكاة والخوارج من أهل الطائف الذين امتنعوا عن ترك الربا فمن شك فى قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام وحيث وجبت قتالهم قوتلوا وأن كان فيهم المكره .. هل قتالهم قتال بغى يقول ابن تيمية ص 283 باب الجهاد (فقد يتوهم البعض أن هؤلاء التتار من أهل البغى المتأولين ويحكم فيهم بمثل هذه الحكام كما أدخل فى هذا الحكم ما نعى الزكاة والخوارج وسنبين فساد هذا التوهم ان شاء الله ويقول ابن تيمية فى ص 296 كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون حرمه فهو شهيد ، فكيف بقتال هؤلاء الخارجين عن شرائع الإسلام المحاربين لله ولرسوله الذين صولهم وبغيهم أقل ما فيهم فان قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والاجماع وهؤلاء صائلون معتدون على المسلمين فى أنفسهم وأموالهم وحرمهم من شر البغاة المتأولين الظاملين ولكن من زعم أنهم يقاتلون كما تقاتل البغاة المتأولون أن يكون لهم تأويل سائغ خرجوا به ولهذا قالوا ان الامام يراسلهم فان ذكروا شبهة بينها وان ذكروا مظلمة ازالها فأى شبهة لهؤلاء المحاربين لله ورسوله الساعين فى الأرض فسادا الخارجين عن شرائع الدين انهم لقولون انهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا من هذه الطائفة .
حكم من والاهم ضد المسلمين يقول ابن تيمية فى ص 291 باب الجهاد (وكل من نفر اليهم من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الاسلام واذا كان السلف قد سلموا مانعى الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين .
ويقول ابن تيمية ص 293 (وبهذا يتبين أن من كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفارا فان المسلم الأصلى اذا ارتد عن بعض شرائعه أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد فى تلك الشرائع متفقها أو متصوفا أو تاجرا أو كاتبا أو غير ذلك فهؤلاء شر من الترك الذين لم يدخلوا فى تلك الشرائع وأصروا على الكفر ولهذا يجد المسلمون من ضرر هؤلاء على الدين ما لا يجدونه من ضرر أولئك وينقادون للاسلام وشرائعه وطاعة الله ورسوله أعظم انقياد من هؤلاء الذين ارتدوا عن بعض الدين ونافقوا على بعض وان تظاهروا الانتساب إلى العلم والايمان) .
حكم من يخرج للقتال فى صفهم مكرها يقول ابن تيمية ص 292 ايضا (فانه لا ينضم اليهم طوعا من المظهرين الإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر ومن أخرجوه معهم مكرها فانه يثبت على نيته ونحن علينا أن نقاتل العسكر جميعه اذ لا يميز المكره من غيره) .. تحذير للمكره ويقول ابن تيمية محذرا المكره فى ص 295 باب الجهاد (المكره على القتال فى الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه افساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوما فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كمانعى الزكاة والمرتدين ونحوهم فلا ريب ان هذا يجب عليه اذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وان قتله المسلمون وإن أكرهه بالقتل ليس حفظ نفسه ذلك المعصوم أولى من العكس فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو) .
اراء وأهواء ولكن هناك أراء فى الحقل الإسلامى لازالة هؤلاء الحكام واقامة حكم الله عز وجل فما قدر هذه الآراء من الصحة .
الجمعيات الخيرية هناك من يقول اننا نقيم جميعات تابعة للدولة تدفع الناس الى اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وأعمال الخير والصلاة والزكاة وأعمال الخير تلك أوامر من الله عز وجل لا يجب علينا التفريط فيها ولكن اذا تساءلنا هل كل هذه العمال والعبادات هى التى سوف تقيم دولة الإسلام فالاجابة الفورية بدون أدنى تفكير هى .. لا هذا بالاضافة إلى أن هذه الجمعيات خاضعة أصلا للدولة ومفيدة بسجلاتها وتسير بأوامرها .
الطاعة والتربية وكثرة العبادة وهناك من يقول ان علينا أن ننشغل بطاعة الله وبتربية المسلمين وعلينا بالاجتهاد فى العبادة لأن كل هذا الذل الذى نعيش فيه من ذنوبنا ومن أعمالنا سلط علينا ويستدل أحيانا بالحكمة القائلة من مالك بن دينار يقول الله عز وجل (انا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدى فمن أطاعنى جعلتهم عليه رحمه ومن عاصنى جعلتهم عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم) .
والحقيقة من ظن أن هذه الحكمة هى ناسخة لفريضتى الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فقد أهلك نفسه وأهلك من أطاعه واستمع له ومن يريد حقا أن ينشغل بأعلى درجات الطاعة وأن يكون فى قمة العبادة فعليه بالجهاد فى سبيل الله وذلك مع عدم اهمال بقية اركان الإسلام .
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام ويقول صلى الله عليه وسلم .
(من لم يغز أو تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية أو على شعبة من نفاق) ولذلك يقول المجاهد فى سبيل الله عبد الله بن المبارك الذى أبكى الفضيل .
يا عاد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب ويقول البعض ان الانشغال بالسياسة يقسى القلب ويلهى عن ذكر الله وأمثال هؤلاء كأنما يتجاهلون قول النبى صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر والحق يقول من يتكلم بهذه الفلسفات أما أنه لا يهتم بالإسلام أو هو جبان لا يريد أن يقف بصلابة مع حكم الله .
قيام حزب اسلامى وهناك من يقول ان علينا أن نقيم حزبا اسلاميا فى قائمة الأحزاب الموجودة وفى الحقيقة أن هذا يزيد الجمعيات الخيرية بكونه حزبا يتكلم فى السياسة بالاضافة إلى ذلك فان الهدف الذى قام من أجله تحطيم دولة الكفر سوف يكون العمل عن طريق الحزب هو عكسه وهو بناء دولة الكفر فهم يشاركونهم فى الآراء ... ويشتركون فى عضوية المجالس التشريعية التى تشرع من دون الله .
الاجتهاد من أجل الحصول على المناصب وهناك من يقول ان على المسلمين الاجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأالمراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم .. والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيالا أو مزاحا ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فان الواقع حائل دون تحقيقه فهمها وصل الأمر إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا فى بناة الدولة ولن يصل الأمر الى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا اذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة .
الدعوة فقط وتكوين قاعدة عريضة ومنهم من يقول ان الطريق لاقامة الدولة هو الدعوة فقط واقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل وقليل من عبادى الشكور وقوله سبحانه { وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله } وتلك سنة الله فى أرضه فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأمولة ويقول سبحانه { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } ويقول سبحانه { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } ويقول صلى الله عليه وسلم ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفهن فى قلوبكم الوهن وذلك بعد أن سالوه صلى الله عليه وسلم أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال بل أنتم يومئذ كثير ولكن عثاء كغثاء السيل .
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الاعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله ... فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الاعلامية من أيدى هؤلاء ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى { إذا جاء نصر الله والفتح .
ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا } .
ويجدر بنا فى استعراض هذه النقطة الرد على من يقول انه لابد أن يكون الناس مسلمين حتى نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا نفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو انما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان وقادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم اذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل .
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة (دعوة الناس إلى الإسلام) فالأساس هو أن يأخذ الاسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله .
الهجرة وهناك من يقول ان الطريق لاقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة الى بلد أخرى واقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين، ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين وهل هذه الهجرة شرعية أم لا .
للاجابة على هذا التساؤل ندرس أنواع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله كانت هجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه، يقول ابن حجر والهجرة الى الشىء الانتقال اليه من غيره، وفى الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت فى الإسلام على وجهين الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما فى هجرتى الحبشة .
وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة . الثانى الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر اليه من أمكنه ذلك من المسلمين .
ولا عجب فى ذلك فان هناك من يقول انه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لاقامة الدولة الإسلامية .
اذا فما هو الأسلوب الصحيح يقول الله تعالى { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } ويقول سبحانه { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } .
الانشغال بطلب العلم وهناك من يقول ان الطريق الآن هو الانشغال بطلب العلم، وكيف نجاهد ولسنا على علم وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمر شرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم خاصة اذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات وننادى بها ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الذى تعمق فى العلم إلى درجة أنه عرف الصغيرة والكبيرة كيف يمر عليه قدر الجهاد وعقوبة تأخيره أو التقصير فيه ومن يقول ان العلم جهاد عليه أن يعلم أن الفرض هو القتال لأن الله سبحانه وتعالى يقول { كتب عليكم القتال } ومعلوم أن رجلا شهد الشهادتين بين يدى رسول الله صلى اله عليه وسلم ثم نزل ميدان القتال فقاتل حتى قتل قبل أن يفعل شيئا سواء فى العلم أو فى العبادة فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا العمل القليل بالأجر الكثير .
وحدود العلم أن من علم فرضية الصلاة فعليه أن يصلى، ومن علم فرضية الصيام فعليه أن يصوم كذلك، ومن علم فرضية الجهاد فعليه أن يجاهد ومن يصرح بعدم علمه بأحكام الجهاد فعليه أن يعرف أن أحكام الإسلام سهلة وميسرة لمن اختلص النية لله فعلى هذا أن ينوى الجهاد فى سبيل الله وبعد ذلك فأحكام الجهاد تدرس بسهولة ويسر وفى وقت قصير جدا والأمر لا يحتاج إلى ومن أراد أن يزداد من العلم فوق هذا الحد فليس هناك حكر على العلم فالعلم متاح للجميع أما تأخير الجهاد بحجة طلب العلم فتلك حجة من لا حجة له وهناك مجاهدون منذ بداية دعوة النبى صلى الله عليه وسلم وفى عصور التابعين حتى عصور قريبة لم يكونوا علماء وفتح الله على أيديهم أمصارا كثيرة ولم يحتجوا بطلب العلم أو بمعرفة علم الحديث وأصلو الفقه بل أن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للاسلام لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخل نابليون وجنوده الأزهر بالخيل والنعال ماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة فالعلم ليس هو السلاح الحاد والقاطع الذى سوف يقطع دابر الكافرين ولكن هذا السلاح الذى ذكره لنا المولى عز وجل فى قوله قالتوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ونحن لا نحقر قدر العلم والعلماء بل ننادى به ولكن لا نحتج به فى التخلى عن فرائض شرعها الله .
بيان أن أمة الإسلام تختلف عن الأمم الأخرى فى أمر القتال يوضح الله تعالى أن هذه الأمة تختلف عن الأمم الأخرى فى أمر القتال ففى الأمم السابقة كان الله سبحانه وتعالى ينزل عذابه على الكفار وأعدائه دينه بالسنن الكونية كالخسف والغرق والصيحة والريح وهذا الوضع يختلف مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالله سبحانه وتعالى يخاطبهم قائلا لهم { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } أى أنه على المسلم أولا أن ينفذ الأمر بالقتال بيده ثم بعد ذلك يتدخل الله سبحانه وتعالى بالسنن الكونية وبذلك يتحقق النصر على أيدى المؤمنين من عند الله سبحانه وتعالى .
الخروج على الحاكم جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جنادة بن أبى أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته عن رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع المر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان .
بواح أى ظاهر والمراد بالكفر هنا المعاصى .
معنى عندكم من الله فيه برهان أى تعلمونه من دين الله .
ويقول النووى فى شرح الحديث (قال القاضى عياض أجمع العلماء على أن الأمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لو ترك اقامة الصلوات والدعاء اليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند له لأنه متأول قال القاضى لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب امام عادل ان أمكنهم ذلك إلا لطائفة وجبت عليهم القايم بخلع الكافر (صحيح مسلم - باب الجهاد) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير .
ويقول ابن تيمية (كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة اللمتواتر فانه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وان تكلمت بالشهادتين) .
(الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 281) .
العدو القريب والعدو البعيد وهناك قول بأن ميدان الجهاد اليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أن تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يضر ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى أولا ان قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد .
ثانيا ان دماء المسلمين التى ستنزف حتى وأن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله وهؤلاء الحكام انما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم الغير إسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راسة مسلمة وقيادة مسلمة ولا خلاف فى ذلك .
ثالثا ان أساس وجود الاستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الاستعمار هو عمل غير مجدد وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت .
فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الانطلاقة .
الرد على من يقول ان الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من قال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وان الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل ردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل أى الجهاد فى سبيل الله .
قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه ائمة الكفر الذين حجبوه عن البشر، وبعد ذلك لا يكره أحد فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل والا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها .
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى - أما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فانما عليك اثم ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون الله فان تولوا فقلوا اشهدوا بأنا مسلمون ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أيضا .
بشم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاء الله فانى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين اسلم تسلم فان أبيت فان اثم المجوس عليك (أخرجه بن جرير عن طريق ابن اسحاق) .
وأخرج البيهقى نص رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى باسم اله ابراهيم واسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران سلام عليكم .
فانى أحمد اليكم اله ابراهيم واسحاق ويعقوب أما بعد فانى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فان أبيتن فقد آذنتكم بحرب والسلام .
وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس والى ملك اليمامة والى المنذر بن ساوى عظيم البحرين والى الحارث بن أبى شمر الغسانى والى الحارث بن عبد كلال الحميرى والى ملكى عمان وغيرهم .
آية السيف ولقد تكلم أغلب المفسرين فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } .
قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية (قال الضحاك بن مزاحم انها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة .
قال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة نزلت براءة .
ويقول الحافظ محمد بن أحمد بن محمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل (وتقدم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والاعراض والصبر على أذاهم بالأم بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فانه وقع منه فى القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } { كتب عليكم القتال } وقال الحسين بن فضل فيها هى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض والصبر على أذى الأعداء فالعجب ممن يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد .
وقال الامام أبو عبد الله محمد بن حزم فى الناسخ والمنسوخ باب الاعراض عن المشركين (فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وسنذكرها فى مواضعها ان شاء الله تعالى ) انتهت .
ويقول الامام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة آية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها ناسخا لأولها وهى قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } (كتاب الناسخ والمنسوخ) .
فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب وقال السدى والضحاك ان آية السيف منسوخة بآية فاذا لقيتم الذى كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء وهى أشد على المشركين من آية الشيف وقال قتادة بالعكس ولا أعلم أحدا خالف القول بالمنسوخ سوى السيوطى قال فى كتاب الاتفاق (الأمر حين الضعف والقلة بالصبر بالصفح ثم نسخ بايجاب القتال وهذا فى الحقيقة ليس بل هو من قسم المنسأ كما قال تعالى { أو ننسها } فالمنسأ هو الأمر بالتقال إلى أن يقوى المسلمون وفى حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية فى ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هو المنسأ وقال ذكر جماعة أن ما ورد من الخطاب والتوقيت والغاية مثل قوله فى البقرة لاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره حكم غير منسوخ لأنه مؤجل بأجل .
انتهى كلام السيوطى .
وبالرغم من مخالفة السيوطى لكل الأقوال السابقة مما لا يدع مجالا للشك بأن الصواب هو الأخذ بالقول الأول .
فبالاضافة إلى ذلك فانه قد أخطأ من فهم أن القول بعدم نسخ آيات العفو واصفح يعنى تعطيل فريضتى الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو اسقاط فرض الجهاد فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجهاد ماض إلى يوم القيامة ويقول الأستاذ عبد الوهاب خلاف فى كتاب علم أصول الفقه ص 227 فان كونه ماضيا إلى يوم القيامة يدل على أنه باق ما بقيت الدنيا .
وتعطيل الجهاد بحجة النسأ ليس ايفاقا للغزو فقط ولكنه ايقاف لينة الغزو أيضا وخطورة ذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يغز أو تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية والأمر المتفق عليه أن المسلمين كى يجاهدوا لابد لهم من قوة ولكن كيف تتحقق هذه القوة وأنت معطل لفرض الجهاد والله سبحانه وتعالى يقول { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم } فكونك لا تريد الخروج يتلوه تركك للعدة فالمسلم الذى أوقف فرض الجهاد انى له أن يأخذ بأسباب القوة ويقول صلى الله عليه وسلم اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة، وترطوا الجهاد فى سبيل الله، وأخذوا أذناب البقر أنزل الله عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم .
مواقف المسلمين فى القتال جيوش المسلمين على مر العصور قليلو العدد والعدة ويواجهون جيوشا أضعافهم ويحتج البعض بأن تلك خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والرد على ذلك هو أن وعد الله بالنصر دائم مادامت السموات والأرض ومن الممكن أن تطلع على ما حدث مع ظهير الدين بابر الذى واجه الملك الهندوكى (دانا سنجى) وجيشه عشرون ألفا وجيش الملك الهندوكى مائتا ألف وانتصر القائد المسلم بعد توبته عن شرب الخمر وغيره كثيرون المجتمع المكى والمجتمع المدنى وهناك من يدعى أننا نعيش فى مجتمع مكى مجتهدا فى ذلك كى يحصل على رخصة بترك الجهاد فى سبيل الله فان من يضع نفسه فى مجتمع مكى لكى يترك فريضة الجهاد فعليه أن يترك الصوم والصلاة وأن يأكل الربا لن الربا لم يحرم إلا فى المدينة والصواب هو أن مكة هى فترة نشأة الدعوة وقول الله سبحانه وتعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا } قد نسخ كل هذه الأفكار التثبطية بحجة أننا ميكون فنحن لا نبدأ كما بدأ النبى صلى الله عليه وسلم ولكن نأخذ بما انتهى به الشرع ونحن لسنا فى مجتمع مكى ولسنا أيضا فى مجتمع مدنى ولكى تعرف المجتمع الذى نعيش فيه راجع فصل (الدار التى نعيش فيها) .
القتال الآن فرض على كل مسلم والله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال { كتب عليكم الصيام } وفى أمر القتال قال { كتب عليكم القتال } أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن الفرض هو الجهاد ومن هنا يقول اننى اذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد .
واذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك فقد أديت الفرض .
فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم .
والسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع أولا اذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصارف وتعيين عليهم المقام لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا } وقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } ثانيا - اذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم .
ثالثا - اذا استنفر الامام قوما لزمهم لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل .
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير } وقال صلى الله عليه وسلم إذا استنفرتم فانفروا انتهى .
وبالنسبة للاقطار الإسلامية فان العدو يقيم فى ديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالاضافة الى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم .
وأعلم أنه اذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم .
مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو مازال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الامام بن القيم الذى قسم الجهاد إلى مراتب 1 - جهاد النفس .
2 - جهاد الشيطان . 3 - جهاد الكافر والمنافقين .
وهذا الاستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش .
ذلك لأن ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه الى مراحل .. والا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا ايمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما يندى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحدينى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم عمل قليل وأجر كثير .. وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان يدمن الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور نذكر بن القيم ان حديث رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال جهاد النفس أنه حديث موضوع (المنار للسيف) وما قصد بوضع هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين .
خشية الفشل وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث نرد فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .
والرد على ذلك هو ان اقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبين بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيط المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى باقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم للكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة .
ثم ان قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن اخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .
وبالاضافة إلى ذلك فان قوانين الله كلها عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين ليطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون .
لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون } وهذا وعد الله فانهم (المنافقين) اذا رأوا أن القوة فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخذع لهذه الأصوات فانها سرعان ما تخمد واتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } .
القيادة وهناك من يحتج بعدم وجود قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة والقائلون لهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم اذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو ارضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين رواه الحاكم ورمز السيوطى الى صحته .
فينبغى أن تكون للأحسن اسلاما ويقول صلى الله عليه وسلم لأبى ذر انك ضعيف وانها أمانة وينبغى أن تكون للاقوى والأمر نسبى ، وما نستنتجه أن قائد المسلمين فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فانهم يستطيعون أن يخرجوا من أنفسهم القيادة .
واذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن تفقد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز .. وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من ايجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا فى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها .
والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لاعادة الإسلام لهذه الأمة واقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر لم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى .
البيعة على القتال والموت أخرج البخارى عن سلمة رضى الله عنه قال بايعت النبى صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل الشجرة فلما حف الناس قال يا ابن الأكوع إلا تبايع .
قلت بايعت يا رسول الله . قال أيضا . فبايعته الثانية فقلت له يا أبا سلمة على أى شىء كنتم تبايعون يومئذ .
قال على الموت وأخرجه أيضا مسلم والترمذى . وأخرج البخارى ص 415 أيضا عن عبد الله بن زيد رضى الله عنه قال لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال له ان ابن حنظلة يبايع الناس على الموت فقال لا أابيع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أيضا مسلم فى العين ص 15 والبيهقى .
والرواية السابقة تفيد جواز البيعة على الموت ولسنا بصدد دراسة موقف عبد الله بن زيد .
وهناك فارق بين بيعة الموت والبيعة المطلقة للخليفة فقط وليس معنى ذلك أن أمير الجند لا يطاع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعنى ومن يعصى الأمير فقد عصانى (متفق عليه) .
وعن ابن عباس فى قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } نزلت فى عبد الله بن حذافة بعثه رسول الله فى سرية أى كان أمير جهاد .
التحريض على الجهاد فى سبيل الله ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وايمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن ادخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة) متفق عليه .
ويقول صلى الله عليه وسلم من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وأن مات على فراشه .
رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده .
قال هل تسطتيع اذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال من يستطيع ذلك .
قال أبو هريرة ان فرض المجاهد ليستن (يتحرك) فى طوله يكتب له حسنات .
قال أبو هريرة ان فرض المجاهد صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال .
يغفر له من أول دفعه دم، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الايمان، ويزوج من الحول العين، ويشفع فى سبعين من أقاربه (الترمذى) .
عقوبة ترك الجهاد ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذلك ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل .
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير } التوبة 38 ، 39 .
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات (هذا شروع فى عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والطلال فى شدة الحر وحمارة القيظ فقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } أى اذا دعيتم للجهاد فى سبيل الله اثاقلتم الى الأرض أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخفض وطيب الثمار { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } ما لكم فعلتم رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال { فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل } ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } قال ابن عباس استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم ويستبدل قوما غيركم أى لنصرة نبيه وإقامة دينه .
كما قال تعالى { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } { ولا تضروه شيئا } أى ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه .
ويقول صلى الله عليه وسلم اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة .
تركوا الجهاد فى سبيل الله، وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم ، ولا يجب على مسلم ان يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة .
شبهات فقهية والرد عليها هناك من خيشى الدخول فى هذا النوع من القتال محتجا بأن الذين يواجهونه هم جنود فيهم المسلم وفيهم الكافر فكيف نقاتل مسلمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان القاتل والمقتول فى النار .
ولقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية لنفس السؤال فكانت مسألة من مسائل الفتاوى الكبرى .
(517) فى أجناد يمتنعون عن قتال التتار ويقولون ان فيهم من يخرج مكرها (والجواب) يقول ابن تيمية (فمن شك فى قتالهم فهو باتفاق المسلمين كما قال العباس لما أسر يوم بدر يا رسول الله انى خرجت مكرها فقال النبى صلى الله عليه وسلم أما ظاهرك فكان علينا وأما سريتك فالى الله وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار اذا تترسوا أى احتموا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر اذا لم يقاتلوا فانهم يقاتولن وان أفضى ذلك إلى قتل المسملين الذين تترسوا بهم وان لم يخف على المسملين ففى جواز القتال المفضى إلى قتل هؤلاء المسلمين قولان مشهوران للعلماء وهؤلاء المسلمون اذا قتلوا كانوا شهداء ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدا فان المسلمين اذا فاتولا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيدا ومن قتل شهيدا وهو فى الباطن لا يستحق القتل لاجل مصلحة الإسلام كان شهيدا .
وقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال يغزو جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض اذ خسف بهم فقيل يا رسول الله وفيهم المكره فقال يبعثون على نياتهم فاذا كان العذاب الذى ينزله الله بالجيش الذى يغزو المسلمين ينزله بالمكره وغيره فكيف يالعذاب الذى يعذبهم الله به أو بأيدى المؤمنين كما قال تعالى { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا } ونحن نعلم أننا لا نقدر على التمييز بين المكره وغيره فاذا قتلناهم بأمر الله كنا فى ذلك مأجورين ومعذورين وكانوا هم على نياتهم فمن كان مكرها لا يستطيع الامتناع فانه يحشر على نيته يوم القيامة فاذا قتل لاجل قيام الدين لم يكن ذلك بأعظم من قتل من يقتل من عسر المسلمين وأما اذا هرب أحدهم فان من الناس من يجعل قتالهم بمنزلة قتال البغاة المتأولين وهؤلاء اذا كان لهم طئافة ممتنعة فهل يجوز اتباع مدبرهم وقتل اسيرهم والاجهاز على جريحهم على قولين للعلماء مشهورين فقيل لا يفعل ذلك لأن منادى على بن أبى طالب نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير وقيل بل يفعل ذلك لأنه يوم الجمل لم يكن لهم طائفة ممتنعة وكان المقصود من القتال دفعهم فلما اندفعوا لم يكن إلى ذلك حاجة بمنزلة جفع الصائم وقد روى أنه يوم الجمل وصفين كان أمرهم بخلاف ذلك فمن جعلهم بمنزلة البغاة المتأولين جعل فيهم هذين القولين والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغة المتأولين فان هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلا وانما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعى الزكاة وأهل الطائف ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام وهذا موضع اشتبه على كثير من الناس من الفقهاء .
أسلوب القتال المناسب مع تقدم الزمن وتطور البشرية يبدو تساؤل لا شك أن أساليب القتال الحديثة قد تختلف شيئا ما عن أساليب القتال فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فما هو أسلوب قتال المسلم فى العصر الحديث وهل له أن يعمل عقله ورأيه مخادعة الكفار فن من فنون القتال فى الإسلام يقول (الحرب خدعة) ويقول النووى فى شرح الحديث (أتفق العلماء على جواز خداع الكفارة فى الحرب كيفما أمكن الخداع الا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل ) ومعلوم أنه لا عهد بيننا وبينهم حيث أنهم محاربون لدين الله سبحانه وتعالى والمسلمون أحدار فى اختيار أسلوب القتال المناسب على أن تتحقق الخدعة وهى النصر بأقل الخسائر وأيسر السبل .
أسلوب القتال فى غزة الأحزاب بعد أن نجح ساسة اليهود فى تأليب الأحزاب الكافرة على النبى صلى الله عليه وسلم ودعوته .
وأصبح الوضع خطيرا، رسم المسلمون على عجل خطة فريدة لم تسمع العرب عنها من قبل، فهم لا يعرفون إلا قتال الميادين المكشوفة، وتلك الخطة أشار بها الفارسى وهى حفر خندق عميق يحيط بالمدينة من ناحية السهل ويفصل بين المدافعين والمغيرين، فأسلوب القتال ليس وحيا ولا سنة ثابتة ولكن المسلم له أن يعمل عقله ويدبر ويخطط والأمر يعود فيه للمشورة .
الكذب على الأعداء وقد صح فى الحديث جواز الكذب فى ثلاثة أشياء قال الطبرى انما يجوز من الكذب فى الحرب المعارضة دون حقيقة الكذب فانه لا يحل هذا كلامه والظاهر هو اباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعويض أفضل والله أعلم (سلم شرح النووى) .
تخطيطات اسلامية ومن خلال دراسة السرايا يخرج السملم بتخطيطات اسلامية وخدع قتالية تمضى أحكامها على كثير من المسلمين ونذكر على سبيل المثال 1 - سرية مقتل كعب بن الأشرف فى السنة الثالثة من الهجرة فى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم من لكعب ابن الأشرف فانه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله .
قال نعم . قال فاذن لى أن أقول شيئا (وهو استئذان من النبى صلى الله عليه وسلم بأن يتكلم كلاما وحتى لو كان منافيا للايمان وذلك لاظهار الكفر أمام كعب بن الأشرف فأذن له) .
قال صلى الله عليه وسلم قل فأتاه محمد بن مسلمة فقال ان هذا الرجل (يقصد النبى صلى الله عليه وسلم قد سألنا صدقة وقد عنانا وهبذا القول ظاهره انكار الصدقة والتعدى على النبى صلى الله عليه وسلم وهذا كفر) وهذا يفيد بأنه من الممكن للمسلم اظهار موالاته الكاملة للعدو فى الحرب ولو وصل الأمر إلى اظهار الشرك والكفر .
وانى قد أتيتك استسلفك قال وأيضا والله لملته، قال أنا قد ابتعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى شىء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلنا وسقا أو وسقين، فقال كعب نعم ارهنونى، قالوا أى شىء تريد قالوا ارهنونى نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال أرهنونى أبناءكم قالوا كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكنا نرهنك الأمة (أى السلاح) فواعداه أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أوب نائلة وهو أخو كعتب من الرضاعة فدعاهم الى الحصن فنزل اليهم فقال له امرأته أين تخرج هذه الساعة فقال له أسمع صوته كأنه يقطر، قال انما هو أخى محمد بن مسلمة ورضيعى أبو نائلة ان الكريم اذا دعى إلى طعنة بليل لأجاب .
قال ويدخل محمد بن مسلمة ومعه رجلان ميل لسفيان سماهم عمرو قال (الحارث بن بشر ، وعياد بن بشر) قال عمرو فقال محمد بن مسلمة اذا جاء فانى قائل (أى جاءب بشعره) فأشمه فاذا رأيتمونى استمكت من رأسه فدونكم فاضربوه (وتلك هى طريقة للتمكن من قتله حيث انه كان ضخم الجثة قوى البنية) وفى هذه القصة من الفوائد فى فن القتال الكثير وقد زعم بعض المستشرقين ومن فى قلوبهم مرض أن مقتل كعب بن الأشرف كان غدرا وخيانة له والرد عليهم هو أن ذلك الكافر قد نقض عهده وأمعن فى ايذاء المسملين وقد جاء اليهود إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد مقتل كعب بن الأشرف فقالوا يا محمد قد طرق أى قتل صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غليله بلا جرم ولا حدث علمناه قال صلى الله عليه وسلم أنه لو قر كما تد غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه آذانا وهاجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان للسيف .
(الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 71 لابن تيمية) .
2 - سرية عبد الله إلى أبى سفيان، وكانت فى السنة الرابعة وسببها أن النبى بلغه أن شعبان بن خالد الهذلى يقيم بعمرنه وأنه يجمع الجموع لحرب المسلمين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أنيس الجهنى بقتله قال عبد الله قلت يا رسول الله انعته (صفه لى) حتى أعرفه فقال صلى الله عليه وسلم انك اذا رأيته اذكرك الشيطان وآية ما بينك وبينه ذلك قال واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول (هو نفس أذن محمد بن مسلمة) فأذن لى ثم قال لى (انتسب إلى خزاعة) (وهذا كذب ولكنه مباح) .
قال عبد الله فعرفته تبعث (أى بوصف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعرت بالخوف منه فقلت صدق رسول الله .
قال عبد الله وكان وقت العصر قد دخل حين رأيته فخشيت أن تكون بينى وبينه محادثة تشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومىء أيماء برأسى .
فلما انتهيت إليه قال ممن الرجل قلت من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك ( وفى هذا القول اظهار الموالاة ) قال أجل أنى لا جمع له قال عبدالله فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثى وانشدته وقلت عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم ( وهذا القول كفر ) قال ( أبى سفيان ) أنه لم يلق أحد يشبهنى، وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به، فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه .
فقال اجلس قال عبد الله فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغترته فقتلته وأخذته راسه ثم خرجت وتركت ظمأته منكبات عليه .
فلما قدمت المدينة وجدت رسو الله عليه الصلاة والسلام فلما رآنى قال افلح الوجه .
قالت افلح وجهك يا رسول الله ، ثم وضعت الرأسى بين يديه وأخبرته خبرى .
3 - قصة نعيم بن مسعود فى غزوة الأحزاب .
لما جاء نعيم ابن مسعود مسلم أوصاه أن يكتم اسلامه ورده على المشركين يوقع بينهم فذهب نعيم الى بنى قريظة وقال لهم على هيئة النصيحة لا تقاتلوا مع القوم ( يقصد قريشا وغطفان ) حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم يكونون ب أيديكم وذلك بعد أن أقنعهم أن قريشا وغطفان بصفتهم ليسوا من أهل المدينة فغن حدث شىء لحقوا ببلادهم وتركهم للنبى صلى الله عليه وسلم فقالوا له لقد اشرت بالرأى .
ثم أتى قريشا وأخبرهم أن يهود بنى قريظة قد ندموا على تحالفهم معكم وأرسلوا إلى محمد يقولون ( هل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين رجالا من أشرافهم فتضرب أعناقهم ) وأتى غطفان فقال مثل ذلك .
فأرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل فى نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم ( اغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ) فأجابوا أن هذا يوم السبت لا نعمل فيه شيئا ولن نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا فانا نخشى ان اشتد عليكم القتال أن تنتشروا إلى بلادكم .
فلما رجعت الرسل قالت قريش وغطفان ( والله الذى حدثكم به نعيم بن مسعود لحق ) انا والله لا ندفع اليكم رجلا وأحدا من رجالنا .
فقالت بنو قريظة أن الذى ذكر لكم نعيم لحق .
ومن هنا انشب نعيم الفرقة فى صفوف الأحزاب . نقطة هامة جواز انغماس المسلم فى صفوف الكفار ان كان فى ذلك مصلحة للمسلمين يقول بن تيمية فى باب الجهاد صفحة 296 وقد روى مسلم فى صحيحه عن النبى صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود وفيها ان الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة الدين ولهذا جحوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار وأن غلب على ظنه أنهم يقتلونه اذا كان فى ذلك مصلحة المسلمين .
ويعنى كلام بن تيمية جواز انغماس المسلم فى صفوف الجيش الكافر وان أدى ذلك إلى قتله حتى قبل أن يرى بعينه الفائدة من انغماسه .
الدعوة قبل القتال جواز الاغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير انذار روى الامام مسلم عن بن عدى قال كتبت إلى نافع أسئلة عن الدعوة قبل القتال قال .
فكتب الى انما كان ذلك فى أول الإسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى احسبه قال جويرية او قال البيته ابنه الحارث .
الشرح قال النووى فى هذا الحديث جواز الاغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة بغير انذار بالاغارة وفى هذه المسألة ثلاث مذاهب حكاها المازرى القاضى احدهما يجب الانذار مطلقا قال مالك وغيره وهذا ضعيف والثانى لا يجب مطلقا وهذا اضعف منه أو باطل، والثالث يجب ان لم تبلغهم الدعوه ولا يجب ان بلغتهم لكن يستحب ، وهذا هو الصحيح وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصرى والثورى والليث والشافعى وأبو ثور وابن المنذر والجمهور .. وقال ابن المنذر وهو قول أكثر أهل العلم انتهى ( مسلم شرح النووى ) .
جواز تبيت الكفارة ورميهم وان أدى إلى قتل ذراريهم الاغارة ليلا عن ابن عباس عن الصعب بن جثمامه قال قلت يا رسول الله أنا نصيب فى البيان من ذرارى المشركين ( ذريتهم ) قال هم منهم ( رواه مسلم ) الشرح سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم صبيان المشركين الذين يبيقون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال هم من آبائهم أى لا بأس لأن أحكام آبائهم جارية عليهم فى الميراث وفى النكاح وفى العصاص والديات وغير ذلك والمراد اذا لم يتعدوا من غير ضرورة .
انتهى ) مسلم شرح النووى باب الجهاد ) الكف عن قصد النساء والرهبان والشيخ بالقتل عن ابن عمر قال وجدت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والشيوخ ( رواه الجماعة إلا النسائى ) .
ويروى أحمد وأبو داود أنه فى احدى الغزوات مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون اليها يعنى وهم يتعجون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما كانت هذه لتقاتل .
فقال لأحدهم الحق خالدا فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا (أى أجيرا) .. وحديث ابن عباس السابق فى جواز قتل الذرارى لا يتناقض مع هذا الحديث حيث أن لكل منهما حالة تختلف عن الأخرى .
الاستعانة بمشرك عن عائشة رضى الله عنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بجرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة فرح أصحاب رسول الله صلى الله عليهه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال الرسول صلى الله عليه وسلم تؤمن بالله ورسوله قال لا فقال ارجع فلن تستعين بمشرك قال ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركنا الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال هل النبى صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة فقال ارجع فلن تستعين بمشرك قالت ثم رجع فأدركنا بالبيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم .
فقال له صلى الله عليه وسلم فانطلق (رواه مسلم) يقول النووى قد جاء حديث آخر ان النبى صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل اسلامه فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الول على اطلاقه وقال الشافعى وآخرون ان الكافر حسن الرأى فى المسلمين ودعت الحاجة الى الاستعانة به استعين والا فيكره .
وحمل الحديثين هذين الحالتين، واذا حضر الكافر بالاذن رضخ له ولا يسهم له وهذا هم مذهب مالك والشافعى وأبو حنيفة والجمهور وقال الزهرى والأوزعى يسهم له والله أعلم انتهى (مسلم بشرح النووى) باب الجهاد .
ويقول مالك فى الاستعانة بالمشركين والكفرة إلا أن يكونوا خداما للمسلمين فيجوز وقال أبو حنيفة يستعان بهم ويعاونون على الاطلاق متى كان الإسلام هو الغالب الجارى عليهم فان حكم الشرك هو الغالب كره .
وقال الشافعى يجوز وذلك بشرطين أحدهما أن يكون بالمسلمين قلة ويكون المشركون كثرة .
والثانى أن يعلم من المشركين حسن رأى فى الإسلام وميل اليه ومتى استعان بهم رضخ لهم ولم يسهم (أى أعطاهم مكافأة ولم يشركهم فى سهام المسلمين من الغنيمة) .
جواز قطع اشجار الكفار وتحريقها روى الامام مسلم عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بنى النضير وقطع وهى البويرة زاد قتيبة وابن رفح فى حديثهما فأنزل الله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قامئة على أصولها فباذن الله وليخرى الفاسقين (مسلم شرح النووى الجزء 12) .
قال النووى فى شرح الحديث فى هذا الحديث جواز قطع شجر الكفار واحراقه (مسلم شرح النووى باب الجهاد) .
من خشى الأسر فله أن يستأسر وله ان يقاتل حتى يقتل عن أبى هيرية (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غزة رهطا عينا .
وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصارى، فانطلقوا حتى اذا كانوا بالهدأة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لبنى لحيان فنقروا لهم قريبا من مائتى رجل كلهم رام، فاقتصوا أثرهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم انزلوا وأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق اليوم فى ذمة كافر ، اللهم خبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقلتوا عاصما فى سبعة، فنزل اليهم ثلاثة وهطر بالعيهد والميثاق منهم حبيب الأنصارى، وابن دئنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم اطلقوا أوتار فسيسهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول القدر والله لا أصحبكم ان لى فى هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه على ان يصحبهم فأبى، فقتلوه وانطلقوا .
بخبيب وابن دئنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، وذكر قصة قتل خبيب، إلى أن قال استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب .
فأخبر والنبى صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا) مختصر لأحمد والبخارى وأبو داود .
وتنظيم الجيش المسلم عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه رواه أحمد .
وعن البراء بن عازب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم ستلقون العدو غدا وان شعاركم حم لا ينصرون رواه أحمد .
وعن الحسن عن قيس بن عباد قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال رواه أبو داود .
الأوقات التى يستحب الخروج فيها للغزو عن كعب بن مالك (أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج فى يوم الخميس فى غزوة تابوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس) متفق عليه .
وعن النعمان بن مقرن (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا لم يقاتل فى أول النهار أخر التقال حتى تزول الشمس وتهب الرياح ونزل النصر) رواه أحمد وأبو داود وصححه البخارى .
وقال انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات .
استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو وادعية القتال من أدعيته صلى الله عليه وسلم فى القتال اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم (صحيح مسلم) .
أمر هام يجب التنبيه عليه الاخلاص فى الجهاد فى سبيل الله والاخلاص هو تجريد قصد التقرب الى الله عز وجل من جميع الشوائب وقيل هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق .
وفى باب تلبس ابليس على الغزاة يذكر الامام ابن الجوزى قد لبس ابليس على خلق كثير خلجوا إلى الجهاد ونيتهم المباهاة والرياء ليقال فلان غاز وربما كان المقصود ان يقال شجاع أو كان طلب الغنيمة وانما الأعمال بالنيات .
عن أبى موسى قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأى ذلك فى سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل اللهه .
أخرجاه وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال اياكم ان تقولوا مات فلان شهيدا أو قتل شهيدا فان الرجل ليقاتل ليغنم ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه .
ويالاسناد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما علمت فيها قال قاتلت فيك حتى قتلت قال كذبت ولكنك قاتلت حتى يقال هو جرىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه وألقى فى النار .
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها .
فقال ما عملت فيها فقال تعمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن فقال كذبت ولكنك تعملت ليقال هو عالم فقد قيل وقرأت القرآن ليقال هو قارىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار .
ورجل وسع الله عليه فأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما علمت فيها فقال ما تركت من سبيل انك جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار (تفرد باخراجه مسلم) .
وباسناد مرفوع عن أبى حاتم الرازى قال سمعت عبده بن سلميان يقول كنا فى سرية مع عبد الله بن المبارك فى بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرجد رجل من العدو فدعا الى البراز فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله فازدحم الناس عليه فكنت فيمن ازدحم عليه فاذا هو ملثلم بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فاذا هو عبد الله بن المبارك فقال وأنت يا أبا عمر ومن يمتنع علينا قلت فا،روا حرمكم الله الى هذا السيد المخلص .
كيف خاف على اخلاصه برؤية الناس له ومدحهم اياه فستر نفسه .
وكان ابراهيم بن آدم يقاتل فاذا اغتنموا لم يأخذ شيئا من الغنيمة ليوفر له الأجر وقد ليس ابليس على المجاهد اذا غنم .
فربما أخذ من الغنيمة ما ليس له فاما أن يكون قليل العلم فيرى أن أموال الكفار مباحة لمن أخذها ولا يدرى أن الغلول من الغنائم معصية .
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا .
فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب .
ثم انطلقنا إلى الوادى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له فلما نزلنا قام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحاله فرمى بسهم فكان فيه حتفه .
فلما قلنا له هنيئا له الشهادة يا رسول الله فقال كلا والذى نفس محمد بيده ان الشملة تلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزغ الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبته يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار .
وقد يكون الغازى عالما بالتحريم إلا أنه يرى الشىء فلا يصبر عنه وربما ظن أن جهاده يدفع عنه ما فعل .
وها هنا يتبين أثر الايمان والعلم .
روينا باسناد عن هبيره بن الأشف عن أبى عبيدة العنبرى قال لما هبط المسلمون المداين وجمعوا الأقباض الذين معه .
ما رأينا مثل هذا قط .
أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعذله ما عندنا ولا ما يقاربه فقال له هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا ما اتيتكم به .
فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال والله لا أخبركم لتحمدونى ولا أغريكم لتقرظونى ولكن أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى اصحابه فسأل عنه فاذا هو عامر بن عبد قيس .
هناك من يتم اسبعادهم عن الطريق فانتهوا ان للشدائد أهلا وذروا ما ترين الأهواء لهو بطلب منهم الانتهاء عن الغى ويدعوهم إلى الافصاح عما ستروه من دافع حب الراحة وتجنب المشقة وهو نفسه الدافع الذى حكاه القرآن عن الخلفين فى سورة التوبة اذ يقول الله تعالى { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون } وان هؤلاء لهم نموذج فى ضعف الهمة واطراوة الارادة وكثيرون هم الذين يشفقون من المتاعب وينفرون من الجهد ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم ويفضلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز وهم يتساقطون اعياء خلف الصفوف الجادة الزاحفة العارفة بتكاليف الدعوات ولكن هذه الصفوف تظل فى طريقها المملوء بالعقبات والأشواك لأنها تدرك بفطرتها ان كفاح العقابات والأشواك بفطرة فى الانسان وانه ألذ وأجمل من القعود والتخلف والراحة البليدة التى بالرجال ، فى ظلال القرآن 10/26 هؤلاء الذين آثروا الراحة على الجهد فى ساعة العسرة وتخلفوا عن الركب فى أول مرة هؤلاء لا يصلحون للكفاح ولا يرجون للجهاد ويجوز أن يؤخذوا بالتقاضى ولا أن يتاح لهم شرف الجهاد الذين تخلفوا عنه وهم راضين، فان رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتهم بالعقود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين (ان الدعوات فى حاجة الى طبائع صلبة مستقيمة ثابتة مصحة تصمد فى الكفاح الطويل الشاق والصف الذى يتخلله الضعاف والسترخون لا يصمد لأنهم يخذلونهم فى ساعة الشدة فيشيعون فيه الخذلان والضعف والاضطراب فالذين يضعفون ويتخلفون يجب نبذهم بعديا عن الصف وقاية لهم من التخلخل والهزيمة والتسامح مع هؤلاء حناية على الصف كله .
فتاوى الفقهاء فى تنفية الصف كان للسلف أقوال كثيرة فى ذلك .
فمثال كلام السلف الأول من ذلك استعراض الامام الشافعى فى كتاب الأم لحوادث المنافقين المتتالية عن المشاركة فى الغزوات النبوية الكرمية وتنبيه الى من يشتهد فى أجيال المسلمين بعد ذلك يمثل ما وصف به أولئك المنافقون فانه يقاس عليهم ويعاقب بمثل ما عوقبوا به .
يقول الشافعى (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه يلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ثم غزا النبى صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق فشهد معه عدد فتكلموا بما حكى الله من قولهم ونفاقهم ثم غزا غزوة تبوك قوم منهم نفروا ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم انزل الله بغزوة تبوك من أخبارهم فقال ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين .
قال الشافعى فأظهر الله لرسوله أسرارهم وخبر السماعين لهم وايتائهم أن يفتنوا من معه بالكذب والارجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم اذا كانوا على هذه النية وكان فيهم ما دل على أن الله أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزوا من المسلمين لأنه ضرر عليهم .
يقول الشافعى أفمن شهر بمثل ما وصفص الله المنافقين لم يحل للامام أن يدعه يغزو معه لطلبه فتنة وتخذيله اياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون ضررا عليهم من كثير من عددهم الامام الشافعى 4/89 .
وأستمر الفقه على هذا حتى استلم رايته بن قدامة المقدسى فقال (ولا يصطحب الأمير معه مخزلا وهو الذى يثبط الناس عن غزو ويزهدهم فى الخروج اليه والقتال والشمقة مثل أن يقول الحر أو البرد الشديد والمشقة شديدة ولا تؤمن هزيمة هذا الجيش وأشباه هذا ولا مرجفا وهو الذى يقول قد هلكت سرية المسلمين ومالهم من مدة ولا طاقة لهم بالكفار والكفار لهم قوة ومدد وصبر ولا يثبت لهم أحد ونحو هذا ولا من يعين على المسلمين بالتجسس للكفار واطلاعهم على عورات المسلمين ومكاتبتهم بأخبارهم ودلالتهم على عوارتهم أو ايواء جواسيسهم، ولا من يوقع العداوة بين المسلمين ويسعى بالفساد لقوله تعالى { ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين .
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة } ولأن هؤلاء مضرة على المسلمين فيلزمه منعهم المغنى لابن قدامة 8/351 .
غرور الفقيه يمنع تأميره اننا نجد فى فقه عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما يسوغ ابعاد الصادق صاحب الخير عن المسئولية اذا كان فيه نوع من حب الظهور والخيلاء سدا للذريعة وصيانة له من احتمالات الافتتان والجناية على نفسه وعلى الدعوة .
فقد روى أن الراشد الخامس لما ولى الخلافة أرسل إلى أبى عبيد المزجى وكان فقيها ثقة فى الحديث من شيوخ الأوزاعى ومالك وممن يستعين به الخليفة سليمان بن عبد الملك فقال عمر هذا الطريق الى فلسطين وأنت من أهلها فألحق بها فقيل له يا أمير المؤمنين لو رأيت أبا عبيد وتشيره للخير فقال ذاك أحق إلا فتنة كان أبهة للعامة، تهذيب التهذيب 12/158 .
ولقادة جماعات المسلمين هذا اليوم أن يقولوا لكل داعية يتطلع للمسعة والجاه والمكانة الاجتماعية المرموقة مثل الذى قاله عمر لأبى عبيد .
ويفهموه أنه قد أخطأت بداية الطريق إلى مرادك فمررت بديار دعوة التواضع والبذر والالتزام الخططى هذه الطريق إلى ديار أشكالك فالحق بهم .
فالحق بهم .. بسم الله الرحمن الرحيم تقديم للمرحلة الرابعة من الفتاوى اسلامية فى أحكام الوقف بقلم صاحب الفضيلة الامام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر أحمدك اللهم عرفانا بفضلك، وشكرا لواسع كرمك، وأسألك قريب هدايتك، واستتمام نعمتك، بنصرة شريعتك واستسلام لعزتك، والاستعانة بقدرتك والتوكل عليك، بيدك ناصيتى وناصية كل شىء، واصلى وأسلم على سيدنا محمد الذى كانت بعثته رحمه للعالمين، جاء بالكتاب المبين، وبالسنة المطهرة، والشريعة السمحة المحكمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من اتبعهم، وعلى من نقلوا الينا علومهم وفقههم الذى استنار به المسلمون من بعدهم، فكان منهم الأئمة الهداة، الذين وقفوا انفسهم على استظهار أحكام الله من قرآنه وسنة رسوله، فاختصروا وأوضحوا، وأصلوا وفرعوا ن وحبسوا أنفسهم لجلاء الأحكام للناس فى كل فروع الحياة فأبانوا أن شرع الله جاء شاملا للدين والدنيا فما ترك شيئا إلا والله فيه بيان فى القرآن أو سنة رسول الله .
ولقد تصدى أولئك الأعلام من فقهاء الصحابة ومن بعدهم ممن حملوا عنهم هذا الدين، تصدى كل هؤلاء لافتاء الناس وأعلامهم بهذا الشرع القيم .
واذا كان الإسلام دين الله الخاتم إلى بنى الانسان فقد جاء شاملا بقواعده واصوله وتفصيلاته، وافيا موفيا بحاجة البشرة فى نظم حياتهم وتعاملهم .
وكان من العقود التى تعامل بها أهل الإسلام نظام الوقف، واختلف فى شأنه فقهاؤهم اختلافا بينا واتسع مداه فيما عدا وقف المسجد الذى اتفقوا على أنه صحيح نافذ لازم متى توافرت شروطه، وأن اختلفوا فى بعض هذه الشروط .
وكان هذا الاختلاف من الفقهاء فى شأن الوقف على غير المسجد لأن الفقه الإسلامى كان قد نضج وأكتمل، وأرسيت قواعده وأصوله، قبل انتشار نظام الأوقاف وذيوع مشكلاته فى العالم الإسلامى .
ولقد تصدى الفقهاء للافتاء فى مشاكله، باعتبار أن أحكام الوقف كلها اجتهادية كما أن هذه الأحكام تتغير بتغير العرف والزمان، ومن ثم كانت الفتوى والقضاء بما هو أنفع للوقف ومستحقيه إلى غير هذا من القواعد التى اصلها الفقهاء فتكونت مجموعة فقهية للوقف تتسم بالمرونة والصلاحية مسايرة للازمان والاحوال، ومجاراة للنافع والاصلح .
ولقد ظل الافتاء فى الوقف والقضاء فى منازعاته زمنا مديدا غير محصور فى مذهب امام معين، سواء فى عصور القضاة والفتيين المجتهدين، أو فى أزمان من جاءوا بعدهم من المقلدين المتبعين ، حتى كان حكم محمد على باشا لمصر فاوجب أن تكون الفتوى والقضاء فى هذهذ البلاد طبقا لمذهب الامام أبى حنيفة فى كل الأمور التى تعرض للفتيا أو على القضاء .
وكان مما يعرض على المفتين فى مصر فى الحقبة التى توالى نشرها تحت عنوان (الفتاوى الإسلامية عن دار الافتاء المصرية) موضوعات تتعلق بالاوقاف، تصدى المفتون لها فجعلوا غامضها، وخرجوا أحكامها وردوها إلى أصولها فى الفقه الحنفى فى الفترة التى أنفرد فيها بالاعمال، ثم باعمال القوانين المتعاقبة مع أحكام هذا الفقه فيما جد من واقعات بعد العمل بتلك القوانين .
ولقد قامت صيحات فى أزمان متتالية ضد نظام الاوقاف، غذاها جمود بعض الحكام القضائية، وقعودها دون حل لبعض المشاكل التى تكاثرت وتراكمت فى شأن نظارة الاوقاف، وبعض الشروط التى كان يضعها بعض الواقفين، وفى شأن التصرف فى الاعيان التى تخربت وانعدم ريعها أو قل، وكان ذلك وقوفا عند لفظ قيل (شرط الواقف كنص الشارع) ثم كان الاصلاح التشريعى فى مصر الذى كان من بين ثماره القانون رقم 48 لسنة 1946 باحكام الوقف .
ولم يكن هذا القانون شاملا لأحكام الوقف جميعها، بل اقتصر على اختيار الأحكام التى رؤى ان فى تطبيقها علاجا لمواضع الشكوى التى تكاثرت على مدى حقة من الزمان .
وبصدور هذا القانون والعمل به بدأت فترة حديدة فى التطبيق القضائى فى منازعات الوقف، فقد كانت قبله وحتى تاريخ العمل به محكومة بأرجح الأقوال فى فقه مذهب الامام أبى حنيفة فقط، ومنذ العمل بهذا القانون أصحبت المنازعات فى المسائل المتعلقة بالوقف خاضعة لنوعين من الأحكام أحدهما أحكام هذا القانون، والآخر أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة فيما لم ينص عليه فى هذا القانون (48 لسنة 1946) على ما هو مفصل فى أحكامه الختامية .
وسنرى فى فقه فتاوى الوقف التى تبدأ بهذه المقدمة اجتهادات فقهية قيمة سواء فى فترة التطبيق الخالص لفقه الإمام أبى حنيفة أو فى الفترة التى بدأت العمل بالقانون المرقوم بالاضافة إلى الفقه الحنفى فيما لم يرد فيه نص فى القانون .
وسرنى أيضا من سير الفتاوى بعد ما تعاقب من قوانين بدأت بالقانون رقم 180 لسنة 1952 م بالغاء الوقف على غير الخيرات أن هذه المرحلة التى أعقبت هذا القانون وتوابعه أدت إلى انهاء وجه من أوجه التعاون على البر، والتحصين للثروات العقارية، وما اعتور سبل البر من فتور ضنا بالأموال عن التبديد والضياع، فقد انكمشت هذه السبل أو توقفت، فلم نعد نسمع أن أحدا قد أوقف وقوفا على المساجد أو المستشفيات، أو الملاجىء، أو المدارس أو تحفيظ القرآن كما كان متداولا فى أغراض الواقفين فى الأزمان الخالية، بل لقد تبددت وقوف كثيرة وكبيرة كانت مدادا وسندا للدعوة الإسلامية، وفيها ومنها كان العون لطلاب العلم وللعلماء فى الأزهر ومعاهده .
وغير هذا من جهات البر والعلم . نعم ستقص علينا هذه الفتاوى انباء هذا المجتمع واتجاهاته الاجتماعية والاقتصادية فى فترة قاربت المائة من السنين، وتعرض علينا فقه المفتين فيما عرض عليهم من مشكلات اجتهدوا لاسباغ الحكم الشرعى عليها، والعلم يحيا بنشره ودرسه وقد قيل قديما حياة العلم مذاكرته .
اللهم أنا نسألك علما نافعا ينفعنا فى ديننا ودنيانا .
اللهم افتح لنا أبواب فضلك ورحمتك، واجز اللهم كل من شاركوا فى هذا العمل من عطائك الذى لا ينفد، فانا قصدنا العمل خالصا لوجهك وتوطيدا لأحكام شريعتك .
ونحمد الله أولا وآخرا ونصلى ونسلم على رسول الله، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
شيخ الأزهر القاهرة 20 من شوال سنة 1403 هجرية 30 من يوليو سنة 1983 م جاد الحق على جاد الحق .
ے(7/359)
رؤية الهلال
F محمد عبده .
ربيع الأول سنة 1320 هجرية
Mثبوت رؤية الهلال فى معرفة أوائل الشهور العربية إنما يكون بالشهادة شرعا ولا يعول على الحساب فى ذلك
Q بافادة من جناب مدير عموم المساحة مؤرخة فى 17 يونية سنة 902 6808 مضمونها أن هذه المصلحة أخذت من عهد قريب فى حساب النتيجة الميرية السنوية ويهمها أن تكون هذه النتيجة غاية فى الضبط ليصح التعويل عليها فى الأعمال الدينية وترغب المصلحة الإفادة عما إذا كان المعول عليه فى تعيين أوائل الشهور العربية بحسب الشرع الإسلامى هو الرؤيا كما فى رمضان أو الحساب وتنفرد بعض الشهور بالرؤيا ويتحتم فيها ذلك كما يتحتم فى تعيين أول شهر الصوم وعما إذا كانت والحالة هذه النتيجة الدينية المبنية على الرؤيا تنطبق على النتيجة المدنية المبنية على الحساب أو بينهما فرق وما هو هذا الفرق مع الإشارة غلى المؤلفات العربية التى تفى المقام ويمكن التعويل عليها فى هذا الموضوع
An المقرر شرعا أن أول الشهر إنما يعرف برؤية الهلال ويثبت ذلك بالشهادة المعروفة عند أهل الشرع، لا فرق فى ذلك بين رمضان وشوال وغيرهما .
أما العمل بالحساب ففيه خلاف بين علماء بعض المذاهب والمعول عليه أن لا يلتفت إلى الحساب لأن أحكام الدين الإسلامى مبنية على الأسهل والأيسر للناس فى أى قطر كانوا وأى بقعة وجدوا .
وأما مظان وجود هذا الحكم فهى أبواب الصوم فى جميع كتب الفقه المعتبرة والله أعلم(7/360)
الوصية بقراءة القرآن الكريم
F محمد عبده .
محرم سنة 1324 هجرية
Mالوصية بقراءة القرآن الكريم باطلة لما فيها من شبهة الاستئجار على قراءة القرآن
Q من حضرة حامد أفندى فى امرأة تملك منزلا لا غير أوصت فى حالة صحتها وكمال عقلها بثلث منزلها الكائن بجهة كذا ليصرف ثمنه فى خرجتها وأعمال رحمات وقراءة قرآن شريف، وبثلثه الثانى لمن أقامته وكيلا عنها فى قبض مالها واستلامه وفى دفع ما عليها، وبثلثه الثالث لتدفع قيمته للديون المطلوبة منها، وقد أقامت الوكيل المذكور وصيا مختارا من قبلها لتنفيذ ما أوصت به على الوجه المذكور، ثم من بعد مدة ماتت مصرة على ذلك وتركت وارثا شرعيا لم يجز ما أوصت به مورثته على وجه ما ذكر فماذا يكون الحكم فى الوصية المذكورة والحالة هذه، وما يصح منها ويجب تنفيذه على الوصى وما لا يصح منها أفيدوا الجواب
An نص العلماء على أنه يبدأ من تركة المتوفى الخالية غن تعلق حق الغير بعين من أعيانها كالرهن بتكفينه وتجهيزه من غير إسراف ولا تقتير بما يناسب حال أمثاله، ثم تقضى ديونه الثابتة التى لها مطالب من جهة العباد، ثم تنفذ وصيته الشرعية من ثلث الباقى، يقسم الباقى بين ورثته الشرعيين، وعلى أن الوصية لقراءة القرآن الشريف باطلة لما فيها من شبهة الاستئجار على قراءة القرآن .
إذا تقرر هذا ولم يجز الوارث المذكور فى هذا الحادثة تلك الوصية وكان الأمر كما ذكر فى السؤال فالذى يقتضيه الحكم الشرعى فى ذلك أن تقدم خرجة المتوفاة المذكورة الشرعية من جميع تركتها المذكورة، ثم تقضى ديونها الثابتة التى لها مطالب من جهة العباد من الباقى بعد ذلك، ثم يقسم ثلث هذا الباقى بين الرحمات المذكورة من أعمال البر كالصدقة والوكيل المذكور بالسوية بينهما .
هذا ما ظهر لى أخذا مما نص عليه العلماء .
والله تعالى أعلم(7/361)
زكاة الوقف
F محمد بخيت .
شوال سنة 1933 هجرية
M 1- لا تجب الزكاة فى ريع الوقف الخيرى عند الشافعية والحنفية .
2- تجب الزكاة فى الريع إن كان الوقف على معين أو جماعة معينين لأنهم يملكون الريع ملكا تاما متى بلغ نصابا لكل منهم وتحققت شروط الوجوب شرعا .
3- إذا كان الوقف على معينين ونقص نصيب كل منهم عن النصاب ولكن بلغ مجموع نصيبهم نصابا وتحققت شروط الوجوب وجبت الزكاة فى الريع كله متى وجدت شروط الخلطة له .
4- الأعيان الموقوفة ذاتها لا زكاة فيها ولو كانت زكوية
Q من السيد عبد الرحمن ناظر بماصورته التمس من مكارم أخلاق مولاى الغراء إرشادى إلى ما يجب عمله فى المسألتين الآتيتين على مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه جعلكم الله نورا يستضاء به وموردا عذبا يغترف منه .
المسألة الأولى أوقف رجل ثلث أملاكه على الأعمال الخيرية واشترط أن يحجز فى آخر كل عام عند توزيع ريعها جزءا صغيرا لما يحدث من الطوارئ، وقد يكون عند ناظر الوقف مبلغ يزيد عن النصاب وحال عليه الحول - فهل تجب فيه الزكاة أم لا المسالة الثانية نظرا للحالة اضطر ناظر الوقف أن يضع ما عنده من الاحتياطى وما تحصل من إيراد هذا العام فى أحد المصارف بدون شرط خوف الضياع، وفى آخر العام الميلادى أضاف المصرف ربحا على المبالغ المودعة عنده، فهل يجوز للناظر استلام هذا الريح أم لا وإن كان يجوز له ذلك فهل يوزعه على المستحقين باعتبار أنه إيراد جديد أم يضيفه إلى الاحتياطي هذا ما نرجو من فضيلة الأستاذ الأكبر إرشادنا إليه والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
وتقبلوا بقبول احترام المسلمين هنا
An اطلعنا على خطاب حضرتكم المسطر أعلاه .
ونفيد أنه مرسل لحضرتكم طى هذه الإجابة عن المسألتين المذكورتين به على مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه المسطرة من حضرة صاحب الفضيلة الشيخ سليمان العبد شيخ السادة الشافعية بالجامع الأزهر الشريف، ومن حضرة الأستاذ الشيخ محمد الحلبى من كبار علماء الشافعية بالجامع المذكور .
وملخص الجواب عن المسألة الأولى أن ريع الوقف إن كان الوقف على جهة عامة كالمساجد والفقراء ونحو ذلك من سبل الخير فلا زكاة فى الريع، وإن كان الوقف على إنسان معين أو جماعة معينين وجبت الزكاة فى الريع، وإن كان الوقف على إنسان معين أو جماعة معينين وجبت الزكاة فى الريع لأنهم يملكونه ملكا تاما يتصرفون فيه جميع أنواع التصرف ، فإن بلغ نصيب كل منهم نصابا وجبت الزكاة فيه إن حصلت شروط الوجوب، وإن نقص نصيب كل منهم وبلغ نصيب جميعهم نصابا ووجدت شروط الخلطة مع وجود شروط الوجوب وجبت الزكاة فى الريع، وأما الأعيان الموقوفة إن كانت زكوية فلا زكاة فيها - وملخص الجواب عن المسألة الثانية أنه ليس للناظر أخذ شىء من مال الوقف على وجه الضمان، فإن فعله ضمنه، ولا يجوز له إدخال ما ضمنه فى مال الوقف .
وإقراض الناظر مال الوقف كإقراض مال الصبى، فلا يجوز لغير القاضى إقراض مال الوقف إلا لضرورة كسفر أو نهب، فيقرضه مليا أمينا خاليا ماله عن الشبهة، ويأخذ رهنا إن رأى فى أخذه مصلحة .
وحينئذ فما فعله الناظر من الوضع فهو إما قرض بالقول فلابد من الشروط المعتبرة فيه، ولم يوجد جميعها فى هذا القرض فهو فاسد وغير جائز له .
وإما قرض وضعى بالمعاطاة مع الاتفاق المعلوم بين المصارف والمقرض فلا يجوز أيضا - وحينئذ فلا يجوز للناظر استلام هذا الربح بل هو لصاحبه الأصلى من المصارف، وإذا كان لا يجوز استلامه له لبقائه على ملك صاحبه، فلا يجوز للناظر رده على مال المستحقين، ولا على الاحتياطى، ولا يجوز للناظر الانتفاع به بل يجب رده، وهو ضامن للمال الموضوع فى أحد المصارف، فإذا استلمه منه فلا يبرأ من ضمانه بالاستلام بل لابد من تسليمه للقاضى ثم يدفعه له القاضى فيبرأ - وليس وضع الناظر مال الوقف المذكور بأحد المصارف من قبيل الإيداع الشرعى - لأن من شرط الوديعة أن لا تستهلك وأن ترد بعينها، وعادة المصارف جرت على استهلاك كل ما يودع فيها إلا إذا كان مودعا بخزينة خاصة لصاحب المال توضع هى فى المصرف، على أن الناظر ليس له إيداع مال الوقف أيضا إلا عند القاضى الشرعى بشروطه هذا ما تفيده نصوص مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه التى يفتى بها وأما الجواب على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه فأما عن المسألة الأولى فهو أن ريع الأوقاف الموقوفة على الأعمال الخيرية لا زكاة فيه ولا فيما تكون عند الناظر وزاد عن النصاب كما هو مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه - وأما عن المسألة الثانية فوضع الناظر ما عنده من الاحتياطى وما تحصل من إيراد هذا العام كما ذكر فى أحد المصارف ليس من الإيداع فى شىء، لأن المصارف جرت عادتها على استهلاك ما يودع فيها وشرط الوديعة أن لا تستهلك وأن ترد بعينها كما هو مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه بل هو من باب القرض وليس للناظر أن يقرض مال الوقف، وإنما ذلك للقاضى الشرعى .
وحينئذ يكون الناظر المذكور ضامنا لما وضعه بأحد المصارف .
وأما الربح الذى نتج عن ذلك فهو باق على ملك صاحبه، ولا يجوز للناظر قبضه من المصرف متى كان ذلك فى دار الإسلام، فإن قبضه وكان ذلك فى دار الإسلام كما ذكرنا ملكه الناظر ملكا خبيثا فيجب عليه رده لمن قبضه منه فإن لم يرده كان الواجب عليه أن يتصدق به على الفقراء .
والله أعلم(7/362)
بناء المساكن على أرض الجبانة
F محمد إسماعيل البرديسى .
شوال سنة 1338 هجرية - 14 يولية سنة 1920 م
Mأرض الجبانة لا يجوز شرعا بناء مساكن عليها ولا غرس أشجار فيها أو نباتات، كما لا يجوز بيعها ولو نقلت منها عظام الموتى إلى مكان آخر لأن لها حكم المقبرة
Q بافادة واردة من وزارة الداخلية رقم 29 سنة 1920 نمرة 277 صورتها فى مدينة بورسعيد جبانة قديمة منع الدفن فيها منذ زمان بعيد ثم نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب، وقد حصل الشروع فى هذه الأيام فى تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام يكون أحدهما مخصصا لإقامة ورشة عليه لأجل إصلاح عربات البلدية، والثانى لإنشاء مشتل لتربية النباتات والأشجار وأما القسم الثالث فسيباع بالمزاد العلنى للأفراد لاستخدام ثمنه فى الوفاء بالنفقات التى أوجبها نقل تلك العظام والرفات، ولكن بلدية بورسعيد صاحبة المشروع قد رأت فيما بعد أن أرض الجبانات ولو نقلت منها العظام والرفات يجب أن تبقى مقدسة ولا يليق أن يبنى عليها مساكن وغيرها .
فبناء عليه نرجو فضيلتكم إصدار الفتوى الشرعية فى هذه المسألة وتفضلوا يا صاحب الفضيلة بقبول وافر احترامنا
An اطلعنا على خطاب دولتكم رقم 29 يونية سنة 1920 نمرة 277 الذى يتضمن أن فى مدينة بورسعيد جبانة قديمة منع الدفن فيها منذ زمن بعيد ، ثم نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب وقد حصل الشروع فى هذه الأيام فى تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام - أحدها يكون مخصصا لإقامة ورشة عليه - وثانيها لإنشاء مشتل لتربية النباتات والأشجار وثالثها سيباع بالمزاد العلنى للأفراد وأن بلدية بورسعيد قد رأت فيما بعد أن أرض الجبانات ولو نقلت منها العظام والرفات يجب أن تبقى مقدسة ولا يليق أن يبنى عليها مساكن وغيرها ويراد إصدار فتوى شرعية منا فى هذه المسألة .
ونفيد إنه قال فى الفتاوى الهندية بصحيفة 470 جزء ثان ما نصه (وسئل هو (أى القاضى الإمام شمس الأئمة محمود الأزوجندى) أيضا عن المقبرة فى القرى إذا اندرست ولم يبق فيها أثر الموتى لا العظم ولا غيره هل يجوز زرعها واستغلالها قال لا، ولها حكيم المقبرة كذا فى المحيط ) .
ومن ذلك يعلم أن أرض الجبانة المذكورة لا يجوز شرعا أن يبنى عليها مساكن، ولا أن تغرس فيها أشجار ولا نباتات ولا يجوز شرعا بيعها، ولو نقلت منها عظام الموتى إلى محل آخر، لأن لها حكم المقبرة .
وللإحاطة تحرر هذا والخطاب المذكور عائد من طيه كما ورد .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام(7/363)
عقد بيع بشرط المنفعة للبائع مدى الحياة
F محمد إسماعيل البرديسى .
شوال 1339 هجرية - 25 من يونية 1921 م
M 1- اشتمال عقد البيع على شرط المنفعة للبائع مدى حياته مفسد للعقد شرعا .
2- لا يعتبر هذا العقد وصية، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع وهذا ليس كذلك .
3- يبقى المبيع على ملك البائع ويورث عنه شرعا
Q بخطاب وزارة المالية رقم 29 سنة 1921 نمرة 244-17-88 بما صورته مرفق ضمن الأوراق طيه الواردة لهذا بمكاتبة مديرية الشرقية الرقيم 17 الجارى نمرة 134 صورة عقد بيع مقول بصدوره من عبد النبى موسى عسكر ببيع 4 سهم 7 قيراط أرض زراعية ومعطى له بمقتضاه حق الانتفاع أيام حياته على أن يكون بعد وفاته الأرض المذكورة وجميع ما يمتلكه ملكا وأثرا واستحقاقا لزوجته الست نفيسة بالأمل بعد الاطلاع على صورة العقد المذكور التكرم بالإفادة عما يقتضيه الحكم الشرعى فيما إذا كان العقد المذكور يعتبر وصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت أو يعتبر بيعا صحيحا شرعيا نافذا بعد وفاته أم لا هذا ولا ذاك أو يعتبر مالا موروثا عن المتوفى .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
An اطلعنا على خطاب الوزارة رقم 29 مايو سنة 1921نمة 244-17-88 بخصوص العقد المقول بصدوره من عبد النبى موسى عسكر ونفيد أن البيع الذى اشتمل عليه العقد لم يكن بيعا صحيحا شرعا لاشتمال على شرط مفسد للبيع وهو اشتراطه أن يكون الانتفاع له طول حياته وليس وصية أيضا لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع وتمليكه هنا لم يكن بهذا الطريق - وحينئذ يكون القدر المبيع مما يجرى فيه التوارث لأنه باق على ملك البائع .
وللإحاطة تحرر هذا، والأوراق عائدة من طيه كما وردت(7/364)
الانتقال من مذهب اسلامى إلى آخر
F عبد الرحمن قراعة .
ذو الحجة سنة 1340 هجرية - 22 أغسطس 1922م
Mيجوز انتقال الشخص من مذهب إسلامى إلى آخر سوءا كان لغرض دينى أولا، متى كان الانتقال إلى مذهب من مذاهب الأئمة الأربعة
Q من عبد الصمد عيس فى رجل عاص قد تعبد منذ ثلاثين عاما على مذهب الإمام مالك من كل الوجوه من غي تلفيق، ثم انتقل إلى مذهب الإمام أبى حنيفة من غير تلفيق من كل الوجوه من منذ شهرين .
هل ذلك جائز أم لا
An متى كان المنتقل عاميا وكان انتقاله لغرض دينى أو لكم يكن لغرض أصلا فإنه يجوز له الانتقال من مذهب إلى مذهب آخر من مذاهب الأئمة الأربعة المعروفة فى بلاد الإسلام، وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال(7/365)
حكم وقف المسلم بعد ردته
F عبد المجيد سليم .
ذو القعدة سنة 1351 هجرية 18 مارس سنة 1933 م
Mوقف المسلم لا يبطل بردته عند أبى يوسف (من الحنفية) وعليه الفتوى
Q من جان أبو طاقية بالآتى سيدة تدعى روجينا جيولتى بنت يوسف تاملو إسرائيلية أيطالية لا تعرف اللغة العربية .
ثم بتاريخ 14 أبريل لسنة 1932 أسلمت . ثم بعد إسلامها وقفت وقفا أهليا على نفسها أيام حياتها، ثم من بعدها على أشخاص عينتهم عنها .
ثم رجعت عن دين الإسلام بتاريخ 8 مارس سنة 1933 فهل والحال ما ذكر يبقى وقفها كما هو أو يبطل وتتصرف فيه تصرف الملاك فى أملاكهم
An اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأنه قد ذهب الخصاف إلى أن السلم إذا وقف وقفا فى حال إسلامه ثم ارتد والعياذ بالله عن الإسلام بطل وقفه بالارتداد .
وقد تبعه فى ذلك كثير ممن جاء بعده ، وقد اعترضه شارح الوهبانية حيث قال على ما جاء بتقرير المرحوم الشيخ الرافعى على رد المحتار ما نصه (ولى فى هذه المسألة نظر، فإن حبوط عمله ينبغى أن يكون فى إبطال ثوابه لا فى إبطال ما يتعلق به من حق الفقراء، وصار إليه فإنه ينبغى أن لا يبطل حقهم بفعله) .
وهو اعتراض وجيه وأصله لصاحب المحيط حيث قال على ما جاء فى حاشية عبد الحليم على الدرر مانصه (وعندى فى هذه المسألة نظر، فإن حبوط علمه ينبغى أن يكون فى إبطال ثوابه لا إبطال ما يتعلق به حق الفقراء وصار إليهم فإنه ينبغى أن لا يبطل حقهم بفعله ، قال عبد الحليم بعد هذا ما نصه (أقول ومن الله الإعانة والتوفيق إن هذا النظر مدفوع عن آخره لما أن هذه المسألة مبنية على قول أبى حنيفة والوقف عنده حبس العين على ملك الواقف، ومن ذلك صح تمليكه وإرثه والرجوع عنه يعد كونه وقفا صحيحا، فإذا بقى الموقوف فى ملكه لم يبق فرق بين الوقف قبل الارتداد وبعده، وقد سبق فى باب المرتد أن تصرفاته موقوفة .
إن أسلم نفذت وإن هلك حقيقة أو حكما بطلت .
إذا عرفت هذا ظهر أن وقفه باطل على كلتا الحالتين من غير فرق عنده خلافا لهما فيهما .
فإنه إن وقف حال الإسلام فعند أبى يوسف خرج عن ملكه بمجرد قوله وقفت هذا لهذا، وعند محمد خرج عنه به وبالتسليم والقبض فلم يبق فى ملكه عندهما، فلا يبطل بالردة إلى آخر ماقاله ) .
وهذا تحقيق للمسألة جديد بالاعتبار والتعويل عليه، وبه يزول إشكال صاحب المحيط الذى تبعه فيه شارح الوهبانية وعلى ذلك فبارتداد الواقفة المذكورة عن الإسلام لا يبطل وقفها على قول أبى يوسف المفتى به والذى جرى عليه العمل هذا ما ظهر لنا .
والله تعالى أعلم(7/366)
هبة المرأة نفسها لمطلقها ثلاثا
F عبد المجيد سليم .
رمضان سنة 1357 هجرية - 30 أكتوبر سنة 1938 م
Mهبة المرأة نفسها لمن طلقها ثلاثا غير جائزة شرعا .
إلا إذا تزوجت بآخر ودخل بها دخولا حقيقيا ثم طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها منه شرعا
Q من أحمد مختار قال رجل طلق زوجته ثلاث مرات فحرمت عليه شرعا .
ولرغبتهما فى المعاشرة محافظة على أولادهما وهم ثلاثة أطفال .
هل يجوز أن تهب الزوجة نفسها بأى حال إلى زوجها فتعاشره معاشرة شرعية شبيهة بالمعاشرة الزوجية وإذا كان الجواب بالإيجاب نرجو الإفادة عن كيفية وصيغة الهبة ثم ما حكمها شرعا
An اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه متى كان الحال كما جاء بالسؤال بانت المرأة المذكورة من مطلقها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تتزوج بغيره ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه .
فإن كانت الهبة المذكورة بالسؤال يقصد بها تزوج المرأة لمطلقها بطريق عقد الزواج الشرعى المستوفى لشروطه فلا بد أن يكون هذا العقد بعد ما ذكرنا من تزوجها بزوج آخر إلخ .
وإن كان المقصود غير ذلك فليس هذا بسبب مشروع لحلها له وبهذا علم الجواب والله أعلم(7/367)
حقيقة الخمر وحكمها
F عبد المجيد سليم .
صفر سنة 1358 هجرية - 12 أبريل سنة 1939 م
M 1- كل ما خامر العقل وستره فهو خمر ومحرم شرعا .
2- حد شارب الخمر الجلد مع اختلاف فى مقداره، والزيادة عليه تعزيز مفوض للامام، وهو الذى يقيم الحد أو نائبه .
3- لا يجوز لغير المسلمين بيع الخمر علنا .
4- النهى عن المنكر يكون إذا لم يترتب على هذا النهى منكر أعظم من هذا المنكر ومفسدة أشد من مفسدة فعل المنكر
Q من الأستاذ مصطفى أفندى قال ما حكم الإسلام فى الخمر، وما هو حد شارب الخمر، وإلى أى حد يجوز لغير المسلمين الاتجار فيها وبيعها للمسلمين على رؤوس الأشهاد، وما هو حد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
وما قول فضيلتكم فى مسلم أساءه الاستهتار بالدين إذ رأى الحانات تفتح أمام المساجد فدعا المسلمين إلى العمل على إغلاقها وقصر بيعها على أهل الذمة فى أحيائهم ولفضيلتكم أكرم الثواب
An اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بما يأتى عن المسألة الأولى أن حكم الخمر فى الشريعة الإسلامية هو الحرمة .
وذلك ثابت بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة 90 ، 91 ، وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام وروى عبد الله بن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه رواه أبو داود .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة فى تحريم الخمر .
قال ابن قدامة فى المغنى (وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر) .
هذا والخمر - كل مسكر خامر العقل وستره - فاسم الخمر يتناول كل شراب مسكر - سواء أكان من العنب أو من غيره، وهذا ماعليه جمهور الفقهاء وأهل الحديث جميعا، ويدل على ذلك ما جاء فى البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (خطب عمر رضى الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد نزل تحريم الخمر وهى من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل .
والخمر ما خامر العقل ) وما رواه البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال (كنت أسقى أبا عبيدة وأبا طلحة وأبى ابن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها) والفضيخ بوزن عظيم اسم للبسر إذا شدخ ونبذ .
والزهو بفتح الزاى وسكون الهاء بعدهما واو هو البسر الذى يحمر أو يصفر قبل أن يترطب .
وفى البخارى عن أنس أيضا قال (كنت قائما على الحى أسقيهم - عمومتى وأنا أصغرهم سنا - الفضيخ فقيل حرمت الخمر فقالوا أكفئها فكفأتها) وعن بكر بن عبد الله أن أنس بن مالك حدثهم (أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر) غلى آخر ما جاء فى البخارى .
وما أحسن ما نقله الحافظ بن حجر عن القرطبى من قوله (الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناول اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة .
لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم بتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شىء من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم لما كان تقرر عندهم من النهى عن إضاعة المال، فلما لم يفعلوا وبادروا إلى الإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر بما يوافق ذلك (وهو ممن جعل الله الحق على لسانه وقلبه ) وسمعه الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك .
وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة فى ذلك ثم ذكرها .
قال وأما الأحاديث عن الصحابة التى تمسك بها المخالف فلا يصح منها شىء على ما قال عبد الله بن المبارك وأحمد وغيرهم وعلى تقدير ثبوت شىء منها فهو محمول على نقيع الزبيب أو التمر من قبل أن يدخل حد الإسكار جمعا بين الأحاديث .
وقد قال أبو بكر بن العربى فى كتابه أحكام القرآن عند قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر } إن الخمر كل شراب ملذ مطرب قاله أهل المدينة وأهل مكة وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة ذكرناها فى شرح الأحاديث ومسائل الخلاف فلا يلتفت إليها والصحيح ما روى الأئمة أن أنسا قال حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا قليل وعامة خمرها البسر والنمر خرجه البخارى .
واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب، وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم وبادروا بالامتثال لاعتقادهم بأن ذلك كل خمر إلى آخر ما قال .
وجملة القول أن اسم الخمر المحرمة فى الشريعة الإسلامية يتناول كل مسكر، إما على سبيل الحقيقة اللغوية أو على سبيل الحقيقة الشرعية، بأن يكون الشارع نقلها من نوع خاص من الشراب المسكر إلى مفهوم يتناول جميع أنواع الشراب المسكر .
وعلى فرض أن اسم الخمر لا يطلق حقيقة على كل شراب مسكر .
فالنصوص المستفيضة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الصحاح والسنن والمسانيد قاطعة بأنه صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر ولولا خشية الإطالة لذكرنا هذه النصوص .
ومن شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى كتب الأحاديث أو باب الأشربة وحد الشراب الجزء الرابع من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكر رحمه الله كثيرا من هذه الأحاديث، ثم قال (فمن اعتقد من العلماء أن النبيذ الذى رخص فيه يكون مسكرا يعنى من نبيذ العسل والقمح ونحو ذلك فقال يباح أن يتناول منه ما لم يسكر فقد أخطأ .
وأما جماهير العلماء فعرفوا أن الذى أباحه هو الذى لا يسكر، وهذا القول هو الصحيح فى النص والقياس أما النص فالأحاديث كثيرة فيه .
وأما القياس فلأن جميع الأشربة المسكرة متساوية فى كونها تسكر ، والمفسدة الموجودة فى هذا موجودة فى هذا، والله تعالى لا يفرق بين المتماثلين، والتسوية بين هذا وهذا من العدل والقياس الجلى، فتبين أن كل مسكر خمر حرام .
والحشيشة المسكرة حرام، ومن استحل المسكر منها فقد كفر) .
وجاء فى تفسير الألوسى عند قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر } .
الآية بعد كلام ما نصه (وعندى أن الحق الذى لا ينبغى العدول عنه أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأى اسم سمى متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده حرام، وقليله ككثيرة، ويحد شاربه ويقع طلاقه ونجاسته غليظة .
وفى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن النقيع وهو نبيذ العسل فقال - كل شراب أسكر فهو حرام - وروى أبو داود - نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر - وصح - ما أسكر كثيره فقليله حرام - وفى حديث آخر - ما أسكر الفرق ( مكيال يسع ستة عشر رطلا ) منه فملء الكف منه حرام - والأحاديث متضافرة على ذلك) إلى آخر ما قال الألوسى (والفرق مكيال مخصوص بالمدينة) ومما ذكرنا كله يتبين جليا أن الحق أن كل مسكر حرام قليله وكثيره فى ذلك سواء .
ومن هذا كانت الفتوى فى مذهب أبى حنيفة على رأى محمد القائل بذلك عن المسألة الثانية أن حد شارب الخمر، هو الجلد، ولكن الفقهاء اختلفوا فى مقداره فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه ثمانون جلدة .
وذهب الإمام الشافعى إلى أنه أربعون جلدة . وعن الإمام أحمد روايتان قال ابن قدامة فى المغنى وبهذا قال مالك والثورى وأبو حنيفة ومن تبعهم لإجماع الصحابة فإنه روى أن عمر استشار الناس فى حد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف اجعله كأخف الحدود ثمانين فضرب عمر ثمانين ،وكتب به إلى خالد وأبى عبيدة بالشام .
وروى أن عليا قال فى المشورة إنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فحدوه حد المفترى - روى ذلك الجرجانى والدار قطنى وغيرهما .
والرواية الثانية أن الحد أربعون وهو اختيار أبى بكر - من الحنابلة ومذهب الشافعى لأن عليا جلد الوليد بن عطية أربعين ثم قال جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلى - رواه مسلم .
وعن أنس قال - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فضربه بالنعال نحوا من أربعين، ثم أتى به أبو بكر فصنع مثل ذلك، ثم أتى به عمر فاستشار الناس فى الحدود .
فقال ابن عوف أقل الحدود ثمانون فضربه عمر - متفق عليه - وفعل النبى صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه بفعل غيره ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعلى رضى الله عنهما، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآه الإمام) انتهت عبارة المغنى - والظاهر لنا وجاهة القول بأن الحد أربعون وللإمام أن يعزر مع إقامة الحد بما يراه أصلح هذا ومن يقيم الحد إنما هو الإمام أو من ولاه الإمام ذلك .
عن المسألة الثالثة لايجوز تمكين غير المسلمين من بيع الخمور ظاهرا فى أمصار المسلمين، لان إظهار بيع الخمر إظهار للفسق فيمنعون من ذلك .
نعم لهم أن يبيعوا الخمر بعضهم لبعض سرا .
وعلى الجملة لا يجوز الاتجار بالخمر فى أمصار المسلمين على رؤوس الأشهاد .
كما يؤخذ هذا من البدائع صفحة 113 من الجزء السابع ومن فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فى باب الأشربة من الجزء الرابع .
عن المسألة الرابعة إن من أوجب الواجبات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وذلك ثابت بالكتاب الكريم والسنة، قال الله تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } آل عمران 104 ، وقال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة 2 ، ومعنى التعاون على البر والتقوى الحث عليهما وتسهيل طرق الخير وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان .
وقد روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وروى الترمذى عن حذيفة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر .
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث المتضافرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد فصل العلماء شروط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبينوا حدود ذلك .
وأحسن من كتب فى هذا الموضوع على ما رأينا هو حجة الإسلام الغزالى فى الجزء الثانى من كتاب إحياء علوم الدين، فقد أطال رحمه الله تعالى القول فى ذلك وشرح هذا الموضوع شرحا وافيا والذى يهمنا فى الإجابة عن هذا السؤال هو ما ذكره من أنه إذا كانت المعصية راهنة وصاحبها مباشر لها كلبسه الحرير وإمساكه العود والخمر فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن مالم يؤد إلى معصية أفحش منها أو مثلها وذلك يثبت للآحاد والرعية) فهذا صريح فى أن النهى عن المنكر إنما يكون إذا لم يترتب على هذا النهى منكر أعظم من هذا المنكر ومفسدة أشد من مفسدة فعل المنكر .
وهذا هو الذى ينبغى ألا يكون فيه خلاف .
وقد قال المحقق ابن القيم فى أعلام الموقعين من الجزء الثالث فى مبحث تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد - بعد كلام مانصه (فإنكار المنكر أربع درجات الأولى أن يزول ويخلفه ضده .
الثانية أن يقل وإن لم يزل بجملته .
الثالث أن يخلفه ماهو مثله .
الرابعة أن يخلفه ماهو شر منه . وحينئذ لا يجوز الأمر بالمعروف ولا النهى عن المنكر إذا ترتب على ذلك مفسدة أشد وشر أعظم من ترك المعروف وفعل المنكر .
ومن هذا يعلم أنه إذا كان المسلم الذى ساءه الاستهتار بالدين إذ رأى الحانات تفتح أمام المساجد إلى آخره دعا المسلمين إلى العمل على إغلاق هذه الحانات بطريقة لا يترتب عليها شر أعظم ولا فتنة أكبر بأن دعاهم إلى مطالبة أولى الأمر بمنع فتح هذه الحانات والانجار بالخمر ومنع سائر المنكرات التى فشت فى الأمة فأماتت القلوب وأفسدت على العقول إدراكها فأصبح كثير من الناس يستحسنون القبيح ويستقبحون الحسن، وفقدت منهم قوة التمييز بين الخير والشر والنافع والضار والحسن والقبيح كان هذا المسلم ومن يقوم معه قد أدوا ماهو واجب على حسب استطاعتهم .
أما إذا قاموا بأنفسهم بإزالة هذا المنكر وتغييره بأيديهم وكان هذا مما يترتب عليه فتنة وشر للأمة أعظم من الاتجار بالخمر فذلك مما لا يجوز فعله، بل هو محظور لما يترتب عليه من المفاسد والمضار كما قدمنا .
هذا وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن تغيير المنكر باليد إنما هو على الأمراء والحكام، والتغيير باللسان على العلماء، والتغيير بالقلب على العوام ذهابا منه إلى أن التغيير باليد يعتمد القدرة وأنه لا قدرة لغير الأمراء والحكام .
ولكن حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده .
إلى آخره) نص كما قال العلامة البركوى فى كون الوجوب على هذا الترتيب على كل شخص، وهو قول أكثر العلماء وهو المختار للفتوى .
غير أن الأمر مقيد كما قلنا سابقا بما إذا لم يترتب على ذلك شر أعظم ومفسدة أكبر وخلاصة القول أن الشريعة الإسلامية كما قال المحقق ابن القيم - مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد، وهى عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها .
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة .
فإذا أمرت بشىء فإنما تأمر به لما فيه من المصلحة الراجحة، وإذا نهت عنه فإنما تنهى عنه لما به من المفسدة الراجحة .
فعلى المسلم حينئذ أن يتبع قواعد دينه، فيكون حكيما فى دعوته إلى الله، وفى أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .
هذا ما ظهر لنا والله سبحانه وتعالى أعلم(7/368)
ميراث المرتد
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الأولى 1366 هجرية 26 مارس سنة 1947م
M 1- مال المرتد الذى مات على ردته يكون فيئا فى بيت مال المسلمين وهذا عند الإمام أحمد بن حنبل، وقيل يكون لورثته المسلمين .
وهو مروى عن أبى بكر الصديق وآخرين . 2- فى مذهب الحنفية الجارى عليه العمل اتفق الإمام وصاحباه على توريث المسلم من المرتد فيما تملكه قبل درته .
واختلفوا فيما تملكه وهو مرتد الصاحبان على أنه يكون ميراثا لورثنه المسلمين ، والإمام على أنه يكون فيئا فى بيت مال المسلمين
Q من عبد الحميد حسن قال ما مصر مال المرتد الذى كسبه قبل اعتناقه الإسلام هل يرثه فيه ورثته الذين من دينه الأصلى أو المسلمين منهم أو أنه يعود إلى بيت المال وذلك بالنسبة لشخص كان مسيحيا ثم اعتنق الإسلام ثم ارتد إلى المسيحية وبقى عليها حتى مات
An إن المرتد إذا مات على ردته فعند الإمام أحمد بن حنبل كما فى المغنى لابن قدامة يكون ماله فيئا فى بيت مال المسلمين ، وهو قول ابن عباس وربيعة ومالك وابن أبى ليلى والشافعى وأبى ثور وابن المنذر وهو المشهور عنه .
لقول النبى عليه السلام (لا يرث المسلم الكافر ولا الكفر المسلم) وقوله (لا يتوارث أهل ملتين شتى ) ولأنه كافر فلا يرث المسلم كالكافر الأصلى، ولأن ماله مال مرتد فأشبه الذى كسبه فى ردته، ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان ولأنه يخالفهم فى حكمهم، فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا يؤكل له ذبيحة ولا يحل نكاحه إن كان امرأة، فأشبه الحربى مع الذمى .
وقيل إنه يكون لورثته المسلمين .
وهو مروى عن أبى بكر الصديق وعلى وابن مسعود وبه قال بن المسيب وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبى والأوزاعى والثورى وابن شبرمة وأهل العراق وإسحق .
وعلة هذا القول أن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل لورثته المسلمين، كما لو انتقل بالموت، والمشهور هو القول الأول أما مذهب الحنفية الجارى عليه العمل فى الديار المصرية فقد اتفق الإمام وصاحباه على توريث المسلم من المرتد فيما تملكه قبل ردته غير أنهم اختلفوا فيما تملكه وهو مرتد - فذهب الصاحبان إلى أنه يكون ميراثا لورثته المسلمين أيضا، وذهب الإمام إلى أنهم لا يرثونه فيه بل يكون هذا المال فيئا فى بيت مال المسلمين .
وعلى هذا يكون جميع ماتملكه هذا المرتد قبل ردته لورثة المسلمين .
والله أعلم(7/369)
الشريعة الإسلامية بها ما يحقق العدالة الاجتماعية
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الأولى سنة 1367 هجرية - 3 ابريل سنة 1948 م
M 1- فى الشريعة الإسلامية ما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها للأفراد والجماعات .
2- الفرد فى الشريعة الإسلامية قوام الجماعة، والجماعة فيها عضد للفرد وظهير له فى أداء رسالته والتمتع بحقوقه .
3- فى كتاب الله ما يهدى إلى الحق وإلى الطريق المستقيم فى كل ما يمس شئون الحياة .
4- الإسلام يبيح الملكية المطلقة للأفراد ويوجب بجانب ذلك على الأغنياء حقوقا للفقراء يؤدونها إليهم، كما يوجب على الفرد العمل كى لا يكون عالة على غيره، ولتقوى الأمة بالعمل والإنتاج .
5- لا يسوغ لمسلم الأخذ بغير هدى الإسلام فيما شرعه من الأحكام كما لا يسوغ له دعوة الناس إلى غير ما دعا إليه الإسلام من الحق ونوره .
6- لا يوجد فى الشريعة الإسلامية ما يحول بين المرء والتملك، وليس فيها ما يسوغ تسمية الملاك بالمحتكرين مهما اتسعت ثورتهم .
7- العمل على هدم الثروات باعتبارها ضرب من الاحتكار يأباه الإسلام الذى يحترم حق الملكية ويحميها .
8- لم تحدد الشريعة الإسلامية حدا لا يتجاوزه المالك، ولم تلزم أحدا بالنزول عن ملكه مجانا أو بثمن .
9- استغلال الأراضي الزراعية بالتأجير فقط أو مزارعة مشروع متى خلا العقد من الجهالة والغرر والشروط المبطلة له
Q طلبت منا وزارة الداخلية بكتابها المؤرخ فى 9 مارس سنة 1948 بيان الحكم الشرعى فيما تضمنه المنشور الذى وضعته إحدى الهيئات بالمملكة المصرية بعنوان مشاكلنا الداخلية فى ضوء النظام الإسلامى من أن الإسلام يرفض أن توجد طبقة تحتكر الثروة وفى مقدمة ما عنى به من الناحية الاقتصادية توزيع الملكيات الزراعية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع العلاج الناجع لما تعانيه مصر الآن من التباين الشاسع فى توزيع هذه الملكيات .
فقال من كان له أرض واسعة فيزرعها أو يمنحها أخاه ولا يؤاجرها إياه ولا يكريها وأن مؤدى ذلك أن الملكية الفردية يجب أن تكون محدودة بطاقة الإنسان على زرع أرضه، وما زاد عن ذلك يجب أن يوزع على المعدمين، فلا استغلال بالايجار بل لا تأجير مطلقا، وكذلك عمر بن الخطاب حينما فتح المسلمون أرض سواد العراق وأرادوا قسمة أربعة أخماسها بين الفاتحين أبى عليهم ذلك وقال ما يفتح بلد فيكون فيه كبير نيل حتى يأتى المسلمون من بعدهم فيجدوا الأرض قد قسمت وحيزت وورثت عن الآباء وتضيع الذرية والأرامل .
وانتهى المنشور إلى القول بأن الإسلام يحارب الإقطاعات الشائعة اليوم فى النظام الرأسمالى الذى يبيح الملكية المطلقة، كما يحارب الشيوعية اللادينية التى تنادى بأن تكون الأرض ملكا للدولة فينهار بذلك ركن من أركان الاقتصاد السليم فضلا عن تجاهل المبدأ الغريزى فى الإنسان وهو حب التملك ، وأن الحل الوسط بين الرأسمالية والشيوعية هو أن يتملك الإنسان بقدر طاقته الزراعية وما زاد عن ذلك يجب أن يعطيه ليغيره من المعدمين مجانا .
ذلك ما زعموا أنه حل لهذه المعضلة فى ضوء النظام الإسلامى
An والحق الذى لا مرية فيه أن فى الشريعة الإسلامية ما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها بالنسبة للأفراد والجماعات، فقد اعتبرت الفرد قواما للجماعة وسنت له النظم الصالحة لحياته فى نفسه وباعتباره عضوا فى أسرته وفى عشيرته وفى أمته وفى المجتمع الإنسانى عامة ليكون لبنة متينة فى بنائه وعضوا قويا فى كيانه .
كما اعتبرت الجماعة عضدا للفرد وظهيرا له فى أداء رسالته والتمتع بحقوقه والقيام بواجباته .
ووثقت الصلة بين الفرد والجماعة بالتكافل فى كثير من الحقوق والواجبات، ولم تدع شأنا من شئون الفرد والجماعة إلا أنارت فيه السبيل وأوضحت النهج وكشفت عما فيه من صلاح وفساد وخير وشر ، فكانت لذلك خاتمة الشرائع وأبقاها على الدهر وأصلحها لكل أمة وزمان ، قررت أسمى المبادئ وأعدل النظم فى الاجتماع والسياسة الثقافة والاقتصاد وما إلى ذلك مما يكفل للأمة إذا هى استمسكت بها واعتصمت بهديها القوة والسلطان والحياة المشرقة الرافهة التى يسودها التعاون على البر والخير ويظلها الأمن والسلام .
وهذا كتاب الله الذى أنزله على صفوة خلقه بين أيدينا نطالع فيه ما يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم فى كل ما يمس شئون الحياة .
ونجد فيه العلاج الشافى لكل نازلة والحل الموفق لكل معضلة مما فيه كل الغنى عما سواه من مذاهب وآراء استحدثها الغرباء عنه وأولع بها بعض الدخلاء فيه أو الجهلاء بمقاصده ومراميه .
وهل يستوى تشريع إلهى حكيم أنزل الله على رسوله لمصالح عباده وهو العليم الخبير بما يصلح لهم ويسعد حالهم ومذاهب وآراء يصنعها آحاد الناس كتشريع ونظام عام على مايظنون ويتخيلون .
وهل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون . وما هذه الثورات الفكرية والاضطرابات الدولية والدماء المراقة والأموال المستنزفة والمدن المهدمة والمدنيات المنهارة والحضارات المحتضرة والوشائج المقطعة إلا نتائج لتلك المذاهب والآراء المستحدثة التى لا يقرها الإسلام فى سياسة الشعوب ونظام الاجتماع والعمران ويقرر فى ضوء الحق والواقع ما فيها من هدم وإفساد ولسنا نطمع فى أن يكون الناس أمة واحدة ولكنا ندعو أم الأرض على اختلاف العقائد والنحل وفيهم الفلاسفة والعباقرة ودعاة الأمن والإصلاح أن يدرسوا مبادئ الإسلام وتعاليمه فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة دراسة العالم المدقق والمفكر الحر ليعلموا أنها وحدها هى النظام المثالى للاجتماع والحضارة والعدل والسلام وأنه لا منجى للعالم مما حاق به إلا بالأخذ بها العيش فى ظلالها .
اندفعت أمم من الغرب بدافع الجشع والطمع وعبادة المال إلى استعمار البلاد الشاسعة واستعباد الأمم الضعيفة واستغلال مواردها واحتكار مرافقها ولبست لذلك مسوح الرهبان خداعا للشعوب وتغريرا بالعقول، فمرة تزعم أنها إنما أقدمت على ذلك لترقيها وترفع مستواها وتسعد أهلها اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ومرة تزعم أنها إنما تبسط يدها عليها وتتحكم فى مواردها وخيراتها لتنقذ الطبقة الدنيا من مخالب الرأسمالية وهى فى كل هذه المظاهر الكاذبة مخادعة مرائية لا تبغى إلا السيادة والغلب واحتكار الأمم الضعيفة والشعوب المفككة كما تحتكر الأمتعة والسلع .
وأى فرق بين ما تنعاه على الأثرياء من احتكار الثروات العقارية وبين ما تهالكت عليه وبذلك فى سبيله المهج والأموال من إخضاع الشعوب لسلطانها وبسط يدها فى جميع مرافقها قهرا عنها وإرغاما لها .
أليس ذلك احتكارا لملكية الشعوب بأسرها نفوسا وأموالا بل هو أبشع صور الاحتكار وأفحش أساليبه .
ليس لنا وراية الإسلام تظلنا وتعاليمه ترشدنا أن ننخدع بهذه البروق الخالية ونذعن لتلك الدعايات الهادمة وندع ماشرعه الله لنا من النظم الحكمية المالية والاجتماعية بل ذلك حقيق أن يوقظ دول الإسلام وينبه منها الشعور لما يراد بها ويدبر لها من كيد وإذلال ، وأن يحفزها لجمع الكلمة والتئام الصفوف وتضافر القوى للدفع فى صدور هذه الدول الطامعة التى لا تبغى من وراء دعايتها إلا الهدم والتدمير .
ومما احتالوا به لاذكاء نار الفتنة فى نفوس طبقات العمال وأشباههم من الشعوب وهم الكثرة الغالبة إظهار التحنن لهم والحدب عليهم بدعوى وجوب محو الملكيات العقارية بتاتا أو وجوب تقصير مداها إلى حد الكفاف (على النحو الذى عالج به المنشور توزيع الثروة العقارية بين الأفراد) بزعم أنه علاج إسلامى .
أما الإسلام الحنيف فقد ساير سنن الوجود وطبيعة العمران وقرر أسمى المبادئ فى نظام الملكية فأباح الملكية المطلقة للأفراد وأوجب بجانب ذلك على الأغنياء فى أموالهم حقوقا يؤدونها للفقراء والمساكين وذوى الحاجة سدا لخلتهم وينفقون منها فى المصالح العامة التى تعود بالخير على المجتمع وفى آيات القرآن والأحاديث النبوية من الحث على أداء هذه الحقوق والترهيب من الإخلال بها، والترغيب فى التصدق والإنفاق والبر والمواساة ما لو ابتعه المسلمون كانوا أسعد الأمم حالا وأهناها بالا وأبعدها عما نراه من المآثم والشرور أوجب الزكاة فى الأموال تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء وهى الركن المالى فى دعائم الإسلام، وأمر بالبر والاحسان لذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل .
وقال تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } آل عمران 92 ، وضاعف مثوبة الصدقات فقال تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } البقرة 261 ، وحث على صدقة السر فقال تعالى { إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير } البقرة 271 ، إلى غير ذلك من الآيات التى عدلت الأغنياء بالفقراء وأسعدت الفقير بحظ من ثمرات ملكية الغنى يسد خلته ويكفى حاجته، وبجانب ذلك حث القرآن فى كثير من الآيات على العمل والكسب، ونهت السنة عن البطالة وإراقة ماء الوجه بالسؤال والاستجداء كيلا يتكل الفقراء على الأغنياء ويعيشوا عليهم عالة يتكففونهم وفى ظلال هذه التعاليم التى يكمل بعضها بعضا يعيش العامل والفقير والغنى عيشة راضية مطمئنة لا يشوبها كدر ولا ينغصها ألم .
احترم الإسلام حق الملكية فأباح لكل فرد أن يتملك بالأسباب المشروعة مايشاء من المنقولات والعقارات وأباح له استثمارها والانتفاع بها فى نطاق الحدود التى رسمها وخوله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها وأوجب عليه صيانتها ونهاه عن إضاعتها وصرفها فى غير المشروع من وجوهما استكمالا لوسائل العمران .
وفى الحديث (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وفى حديث آخر .
(من قتل دون ماله فهو شهيد) وقد أضاف القرآن الأموال إلى أصحابها إضافة التملك فقال تعالى { وفى أموالهم حق للسائل والمحروم } الذاريات 19 ، وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما .
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } النساء 29 ، 30 ، وشرع الإسلام أسباب ملكية الأعيان والمنافع وطرائق انتقالها من مالك إلى آخر، أقام للتعامل بين الناس نظما وحدودا تكفل صيانة حق الملكية، وتمكن المالك من استيفاء حقه والانتفاع بثمرة ملكه، وتخول المستأجر الانتفاع بملك غيره، وحرم من وسائل التعامل ما يقضى إلى التهارج والتقاتل كالربا فى صورة المختلفة والعقود التى فيها جهالة وغرر ومخاطرة، وحرم الغصب والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل وسن الحدود والعقوبات جزاء لمن ينتهك حرمة الملكية ويتعدى حدودها المشروعة قال تعالى { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } البقرة 229 ، بل نهى سبحانه عن أدنى أنواع التعرض للأموال، وهو تنمى زوالها عن الغير فقال تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليما } النساء 32 ، للارشاد إلى أن التفاضل فى المال لا يسوغ العدوان عليه ولو بالتمنى المذموم، فإن ذلك قسمة صادرة من الحكيم الخبير، وعلى العبد أن يرضى بما قسم الله له ولا يتمنى حظ المفضل حسدا وحقدا بل يسأل الله من واسع فضله وجزيل إنعامه، فإن خزائن ملكه لا تنفد قال تعالى { أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون } الزمر 52 ، وقال تعالى { ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون } الأحقاف 19 ، أقام الشارع هذه النظم الحكيمة الآخذ بعضها برقاب بعض صيانة للمجتمع من الفوضى والفساد ورعاية لمصالح العباد وهو أعلم بها، ولم يترك الأمر سدى تعبث به الأهواء ويضل الناس فيه السبيل، فانزل القرآن الكريم هدى ونورا، وجاءت السنة النبوية بيانا له وتنويرا، وجاء فيهما من التعاليم ما إن تمسك به المسلمون كانوا على بينة من دينهم وعلى هدى من أمرهم، وكانت السعادة ملاك إيمانهم، وليس بعد الحق إلا الضلال، فليس لمسلم أن يأخذ بغير هدى الإسلام فيما شرعه من الأحكام، ولا أن يدعو الناس إلى غير ما دعا إليه من الحق والنور .
هذه كلمة الإسلام فى احترام حق الملكية الفردية للعقار وصيانته من العدوان وهو حق تقتضيه سنة العمران وغريزة الإنسان، غير أن بعض العقول قد غشيها فى هذا العصر غواش من الظلم حجبت عنها نور الحق فارتطمت فى عميائها بالصخور وتردت فى المهاوى .
وتلقفها فى إبان هذه العمايا وغمرة هاتيك الحيرة شياطين من الإنس يوحون إليهم زخرف القول غرورا ويمنونهم بباطل الأماني وكاذب الأحلام فذهب دعاة هدامون إلى إهدار ملكية العقار الفردية، وأقاموا نظامهم الاقتصادى والاجتماعى على هذا المبدأ - وسيعلمون بعد حين أنه غير صالح للبقاء وأنه وأن امتد به الزمن حينا فسيقضى عليه بالفناء وقال آخرون إن الإسلام يرفض وجود طبقة تحتكر الثروة، وإنه حق لو كان هناك احتكار، ولكنه فى الواقع حديث عن وهم وخيال، فليس هناك طبقة تحول بقوتها بين الناس وأسباب الغنى والثراء وتمنعهم بحولها من التملك والشراء وليس هناك احتكار من أحد للثروة بالمعنى المفهوم من الاحتكار، بل هناك نواميس طبيعية وسنن اجتماعية قضت بتفاوت الناس فى القوى والمدارك والعمل والإنتاج فكن منهم طوائف العمال والصناع والزراع وفيهم الجهال والعلماء والإنتاج، فكان منهم طوائف العمال والصناع والزراع وفيهم الجهال والعلماء والأغبياء والأذكياء والكسالى والمجدون، والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق يبسط لمن يشاء ويقدر، ولهذا التفاوت آثاره الطبيعية فى الكسب والتملك، كما قضت هذه السنن بخضوع التعامل بين الناس لقاعدة العرض والطلب والحاجة والاستغناء، ولم يشذ عنها التعامل فى العقار فلا يزال فى ظلها حرا فى الأسواق يتبادله من الأفراد من يشاء بالبيع والشراء لا حظر من أحد على أحد، وليس وجود طبقة عاجزة عن التملك بطريق الشراء مما يسوغ حسبان القادرين عليه محتكرين مادام مرد الأمر فيه إلى عوامل أخرى ليس بينها حجر فريق على حرية فريق .
وقد ترك الإسلام الحنيف الناس أحرارا فى التعامل بالبيع والشراء ولم يقيدهم فى ذلك إلا بما يكفل صحة العقود ويدفع التنازع والتخاصم وأكل الأموال بالباطل .
وليس فى أحكامه ما يحول بين المرء والتملك، وما يسوغ تسمية الملاك محتكرين مهما اتسعت ثروتهم بل العمل على هدم هذه الثروات بزعم أنها ضرب من الاحتكار مما يأباه الإسلام الذى يقدس حق الملكية ويحرم العدوان عليه .
قالوا إن الإسلام يوجب أن تكون الملكية الفردية محدودة بطاقة الإنسان، ومازاد عن طاقته الزراعية يجب أن يعطى منحة للمعدمين بالمجان، ولا يجوز أن يستغل المالك أرضه بالتأجير بصوره المختلفة، والعجب أن يشرعوا للناس مالم يشرعه الله ويوجبوا عليهم مالم يوجبه، فمن البدهى أن الشريعة الإسلامية لم تحدد للملكية الفردية حدا لا يتجاوزه المالك، ولم توجب عليه أن ينزل عما زاد عن طاقته الزراعية للمعدمين بالمجان ولا لغير المعدمين بالثمن وقد كن من الصحابة رضوان الله عليهم من يملك الثروات الطائلة كعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد أصحاب الشورى فى الخلافة وكان بجانب هؤلاء الجم الغفير ممن لا يملك شروى نقير كأهل الصفة وأشباههم وكان فى الأنصار كثير من أهل المزارع الواسعة ولم يوجب الرسول على أحد ممن تضخمت ثرواتهم بجهودهم أن يوزع ما زاد عن طاقته الزراعية على المعدمين لا من العقار ولا من المنقول .
نعم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صدر الإسلام حين قدم المدينة بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار .
آخى بينهم على المواساة والبر والتوارث بعد الموت دون ذوى الأرحام إلى أن نزل قوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله } الأحزاب 6 ، فنسخ التوارث بعقد الأخوة وبقى التوارث بالقرابة .
أما المواساة والترافق بين المؤمنين عامة فأمر مندوب إليه مرغوب فيه، وفيما تلونا من آيات القرآن من الحث عليه وعلى معونة الفقراء والمحتاجين بلاغ للناس، ولكن هذا شىء ووجوب التنازل عن الملك شىء آخر .
ولا واجب فى الدين إلا ما أوجبه الشارع الحكيم وقد أجازت الشريعة لمالك الأرض أن يتصرف فيها كيف يشاء فله أن يزرعها كلها أو بعضها بنفسه وله أن يؤجرها لغيره بطريق المزارعة أو بالنقد بلا تحديد بالطاقة وعيش الكفاف وله أن يمنحها أو يمنح منها للغير غنيا أو فقيرا .
الاستغلال بطريق المزارعة فأما الاستغلال بالمزارعة وهى نوع نم التأجير مشروع فأصله أن أهل المدينة كانوا أكثر الناس حقولا ومزارع، وكانوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغلون الأرض بطريق المزارعة وتسمى أيضا المخابرة (مشتقة من الخبير وهو الفلاح وهى عقد بين المالك والعامل على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها فتارة كانوا يحددون نصيب المالك بالشطر أو الثلث أو الربع، وتارة يحددونه بما ينبت على حافة الأنهر أو الجداول أو أن له ثمرة قطعة معينة من الأرض وللعامل ثمرة قطعة أخرى ونحو ذلك مما من شأنه أن يفضى إلى التنازع والتشاحن وأكل الأموال بالباطل لما فيه من الجهالة والغرر .
وتارة يجمعون بين التحديدين . فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوعين الأخيرين من الكراء لما فيهما من المخاطرة المفضية إلى النزاع .
وعن حنظلة بن قيس الأنصارى قال سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والفضة فقال لابأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بما على الماذيانات (لفظة معربة معناها حافة النهر ومسايل الماء) وإقبال الجداول (رءوس - الأنهر الصغيرة) وأشياء من الزرع فيلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا، ويهلك هذا .
ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه .
فأما شىء معلوم مضمون فلا بأس به رواه مسلم وأبو داود والنسائى .
وفى رواية عن رافع قال حدثنى عماى أنهما كانا يكتريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء (جمع ربيع وهو النهر الصغير) وبشىء يستثنيه صاحب الأرض فنهى النبى عن ذلك (رواه البخارى وأحمد والنسائى) وفى رواية عنه .
كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا كنا نكرى الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ومما تصاب ويسلم ذلك فنهينا .
فأما الذهب والورق(الفضة) فلم يكن يومئذ (رواه البخارى) وفى رواية عنه .
كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكترى الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا (أخرجه البخارى ومسلم) وعن أسيد بن ظهير كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع، ويشترط ثلاث جداول والقصارة (بضم القاف وهى الحب فى السنبل بعد ما يداس) وما يسقى الربيع، وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة .
فأتانا رافع بن خديج فقال نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بكم رافقا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل (الزرع) رواه أحمد وابن ماجة .
فهذه الروايات صريحة فى أنه عليه السلام إنما نهى عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها إذا اشتملت على ما يؤدى إلى المخاطرة والغرر من مثل هذه الشروط الفاسدة، فأما إذا خلت منها فيجوز كراؤها به مثل كرائها على النصف أو الربع مما يخرج منها، وهذا هو الذى فهمه ابن عمر حيث رد على رافع فى قوله (نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع، بقوله (قد علمت أنا كنا نكرى مزارع، بقوله (قد علمت أنا كنا نكرى مزارعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاء وشىء من التبن) أخرجه فى الصحيح .
وحاصل رده كما ذكره القسطلانى .
أنه ينكر على رافع إطلاقه فى النهى عن كراء الأرض ويقول إن الذى نهى عنه النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى كانوا يدخلون فيه الشرط الفاسد، وهو أنهم يشترطون ما على الأربعاء وطائفة من التبن وهو مجهول وقد يسلم هذا ويصيب غيره آفة أو بالعكس فتقع المزارعة ويبقى الزارع أو رب الأرض بلا شىء .
وهو ما فهمه أيضا ابن عباس رضى الله عنهما حيث قال كما فى الصحيح أنه عليه السلام لم ينه عنه .
أى عن كراء الأرض بشطر ما يخرج منها ولكن قال (لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئا معلوما) .
قال الخطابى وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما يخرج من الأرض وإنما أراد بذلك أن يتمانحوا أراضيهم وأن يرفق بعضهم ببعض - وقد ذكر رافع فى رواية عنه فى هذا الباب (باب المزارعة) النوع الذى حرم منه والعلة التى من أجلها نهى عنها .
وذلك قوله كان الناس يؤاجرون الخ .
فأفاد أن المنهى عه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عاداتهم أن يشترطوا فيها الشروط الفاسدة، وأن يستثنوا من الزرع لرب الأرض ما على السواقى والجداول والمزارعة، وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما فى السواقى والجداول ويهلك سائر الزرع فيبقى العامل لاشىء له وهذا خطر - ملخصا - .
وقال الليث ابن سعد وكان الذى نهى عنه من ذلك مالو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما ففيه من المخاطرة .
وهو ما وافق عليه الجمهور من حمل النهى عن كراء الأرض بما يخرج منها على الوجه المفضى إلى الغرر والجهالة - قال فى الفتح ونيل الأوطار - وعليه تحمل الأحاديث المطلقة الواردة فى النهى عن المزارعة والمخابرة كما هو الشأن حمل المطلق على المقيد .
وفى منتقى الأخبار .
أن حديث حنظلة بن قيس بيان لما أجمل فى المتفق عليه من إطلاق النهى عن كراء الأرض .
وممن حمل النهى على ذلك وأجاز كراء الأرض يجزء مما يخرج منها كالنصف والثلث والربع دون أن يقارنه شرط مفسد للعقد الخلفاء الراشدون وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وسعد بن مالك وحذيفة ومعاذ بن جبل وأسامة وخباب وعمار بن ياسر .
وهو قول ابن المسيب وطاووس وابن أبى ليلى والأوزاعى والثورى والقاضى أبى يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر واحم بن حنبل استنادا لما ثبت فى الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر بعد أن ظهر عليهم على أن يزرعوا له أرضها ولهم نصف ما تخره من ثمر أو زرع، واستمر اليهود على ذلك إلى صدر من خلافة عمر حتى أجلاه عنها إلى تيماء وأريحاء - وعن أبى جعفر قال بالمدينة أهل بيت هجرة ألا يزرعون على الثلث والربع - وزارع عمر وعلى وسعد بن مالك وابن مسعود ومعاذ وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وكثير غيرهم- وقال ابن القيم فى زاد المعاد فى قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع فإن النبى صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على ذلك واستمر إلى حين وفاته ولم ينسخ البتة ودرج عليه الخلفاء الراشدون .
وجملة القول أنه يجوز استغلال الأرض بكرائها يجزء من الخارج منها على الوجه الذى لا يفضى إلى المنازعة والتخاصم، وهو قول الجمهور، والقول المفتى به عند الحنفية، والمختار عند الشافعية كما ذكره النووى خلافا لما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والشافعى من عدم جواز كرائها به استنادا إلى أحاديث النهى المطلقة، وقد علمت أنها محمولة على ما فيه شروط مفسدة .
على أنه قد روى عن زيد بن ثابت أنه قال يغفر الله لرافع أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتى النبى عليه السلام رجلان من الأنصار قد اقتتلا فقال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع .
ومقصوده كما فى سبل السلام أن رافعا اقتطع الحديث فروى النهى ولم يروا أوله فأخل بالمقصود .
استغلال الأرض بالايجار ونعنى به تأجيرها بالذهب أو الفضة أو بما جرى به التعامل من النقود والأوراق المالية ولا شك فى جوازه، ويقاس على ما ذكر التأجير بغيره من سائر الأشياء المعلومة المتقومة كما (فى سبل السلام ونيل الأوطار) ويدل عليه حديث حنظلة بن قيس السابق .
قال ابن عباس إن أمثل ما انتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة (رواه البخارى) وعن سعد بن أبى وقاص إن أصحاب المزارع فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقى وما سعد بالماء (ما جاء من الماء من غير طلب) مما حول النبت فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا فى بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك، وقال اكروا بالذهب والفضة (رواه أحمد وأبو داود والنسائى) وقال ابن المنذر إن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة .
ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه .
وقد تبين من ذلك أنه يجوز استغلال الأرض المملوكة بطريق المزراعة المستوفية شرائط الصحة وهى نوع من التأجير، وبطريق التأجير بالنقد وما يقاس عليه، ولا شك أن هذا رفقا عظيما بالناس .
فإن الملاك قد يعجزون عن العمل بأنفسهم فلا يستطيعون الانتفاع بأرضهم إلا بتأجيرها للغير، والمستأجرون قد لا يملكون الأرض مع استطاعة الزراعة فلا يتيسر عيشهم إلا بالاستئجار من الملاك فرعاية للمصلحتين أجازت الشريعة استغلال الأرض بهاتين الطريقتين وكثيرا ما كن حظ المستأجر أوفر من حظ المالك، وخاصة إذا اتقى الله فى عمله وعزم على وفاء دينه وإعطاء المالك حقه فإن الله يعينه ويريحه ويبارك له فى رزقه فالقول بأنه لا استغلال بالإيجار للأرض المملوكة بل لا تأجير مطلقا قول زائف لا يعول عليه، ولا يلتفت إليه من الوجهة الشرعية والعملية الحديث الذى رووه رواياته ومعناه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فان أبى فليمسك أرضه .
أخرجه البخارى ومسلم وأصل هذا الحديث ما رواه جابر رضى الله عنه قال كنا نخابر على عهد رسول الله فنصيب من القصرى (القصرى كبشرى بقية الحب فى السنبل بعد الدياس ) ومن كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو فليحرثها أخاه وإلا فليدعها .
رواه مسلم وأحمد وفى رواية عنه كنا فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فقال .
من كانت له أرض فليزرعها فان لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها وما رواه رافع بن خديج عن عمه ظهير بن رافع قال ظهير لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقا .
قلت ما قال رسول الله فهو حق قال دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون بمحافلكم قلت نؤاجرها على الربيع (يشترطون لأنفسهم ما ينبت على النهر وعلى الأوثق من الثمر والشعير قال عليه السلام لا تفعلوا ازرعوها أو امسكوها .
قال رافع قلت سمعا وطاعة رواه مسلم . وهذه الروايات يفسر بعضها بعضا وتدل على أنه عليه السلام لما وجدهم فى المدينة يكرون الأرض بعقود مزارعة تشتمل على شروط فاسدة نهاهم عنها فضائها إلى التنازع والتقاتل كما صرح به فى حديث سعد بن أبى وقاص، وحديث زيد ابن ثابت، وأرشدهم إلى ما ينبغى أن يفعلوه فى استغلال مزارعهم فقال مرة كما فى رواية سعد اكروا بالذهب والفضة، وهو جائز بالإجماع لأن الكراء بهما وبما فى معناهما لا مخاطرة فيه .
وقال مرة كما فى رواية ابن عباس لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما .
وفى رواية من كانت له أرض فانه إن يمنحها أخاه خير له .
وهو صريح فى عدم إيجاب منح الأرض يدون أجر، وفى جواز أخذ الأجرة، لأن الخيرية والأولوية ظاهرة فى الجواز فيكون المراد مجرد استحباب المنح والترغيب فيه مواساة ورفقا كما صرح به ابن عباس، وخيرهم مرة ثالثة بين هذا الأمر المستحب وهو إعطاء الأرض منحة بدون أجر، وبين أن يزر عوها بأنفسهم أو يتركوها بدون زرع .
والأمر فى الثلاثة للندب لا للوجوب .
بقرينة جواز تأجير الأرض بالذهب أو الفضة بالإجماع .
وجواز تأخيرها بالنصف أو الثلث أو الربع على طريق المزارعة كما فعل الرسول فى أرض خيبر مستمرا على ذلك إلى وفاته، وكما فعل أصحابه فى حياته وبعد وفاته كما سبق .
وقد انعقد الإجماع على عدم وجوب الإعارة بلا فرق بين المزارعة وغيرها فوجب حمل هذا الحديث على الاستحباب والندب، كما أوضحه صاب منتقى الأخبار على أن الإمام الصنعانى قال فى سبل السلام بعد رواية حديث النهى فى المزارعة أنه كان فى أول الأمر لحاجة الناس وكون المهاجرين ليس لهم أرض فأمر الأنصار بالتكرم والمواساة، ويدل عليه ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال كان لرجال من الأنصار فضول أرض، وكانوا يكرونها بالثلث والربع فقال النبى صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسكها .
وهذا كما نهوا أول الأمر عن ادخار لحوم الأضاحى ليتصدقوا بها، ثم بعد أن اتسع حال المسلمين زاد الاحتياج، فأبيح لهم المزارعة وتصرف المالك فى ملكه بما يشاء من إجارة وغيرها، ويدل على ذلك ماوقع من المزارعة فى عهده صلى صلى الله عليه وسلم وفى عهد الخلفاء من بعده، ومن البعيد غفلتهم عن النهى وترك إشاعة رافع له فى هذه المدة وذكره فى آخر خلافة معاوية .
سواء أقلنا إن أحاديث النهى عن المزارعة إنما وردت فى المزارعة الفاسدة أم أن النهى عنها كان عاما أول الأمر للحاجة ثم زال بزوال سببه فان الذى استقر عليه الأمر فى حكم الشريعة الإسلامية أن المالك حر يتصرف فى مالكه بما يشاء من زرع ومزارعة وتأجير لا حجر عليه فى شىء من ذلك ولا إيجاب (ما فعله عمر فى سواد العراق ) لما فتح المسلمون سواد العراق فى خلافة عمر بن الخطاب، رأى الفاتحون أن يقسم بينهم قسمة تمالك كقسمة الغنائم فأبى عمر عليهم ذلك، وقال كما فى كتاب الخراج لأبى يوسف والله لا يفت بعدى بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى أن يكون كلا على المسلمين فاذا قسمت أرض العراق بعلوجها وأرض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أهل الشام والعراق .
فترك .
الأرض مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها، وضرب على رءوسهم الجزية وعلى الأرض الخراج ليكون ما يجبى من ذلك سدا لحاجة المسلمين عامة، ينفق منه على الجيوش المقاتلة وسد الثغور وبناء القناطر والجسور وأرزاق العمال والموظفين وما إلى ذلك مما يتوقف عليه صيانة البيضة وبقاء الدولة .
وقد أسلم كثير من أهل السواد، فوضعت عنهم الجزية، وتداولت الأيدى أرضه، وأصبحت ملكا للمسلمين وغيرهم يتصرف كل مالك فى ملكه بما يريد من أنواع التصرف .
ومن هؤلاء الملاك التابعون وتابعوهم وأئمة المسلمين والفقهاء والمحدثون ومن بعدهم على تتابع القرون إلى وقتنا هذا .
فأى صلة بين هذا وبين ما يدعون إليه من قصر ملكية الفرد على قدر عيش الكفاف، ووجوب تنازله عما زاد عن ذلك منحة للمعدمين .
الرأسمالية ولقد أسرف الكاتبون فى الطعن على الرأسمالية مجاراة لتلك الدعايات الهادمة وصوروها للعامة بأبشع الصور فإن عنوا احتكار الملكية بمعناه بمعناه الحقيقي فنحن أول من ينكره وينعى عليه ، وإن أرادوا مجرد الملكية كان طعنهم مراغمة للشرائع ومكابرة للعقول .
وقد تبين مما أسلفنا أن النظام المالى فى الإسلام يحترم حق الملكية، ويعاقب على العدوان عليه ويبيح للمالك حق التصرف فى ملكه بما يشاء من بيع ورهن وإجارة ومزارعة وإعارة ووقف ونحو ذلك ولا يوجب عليه، يمنح ملكه لغيره، ولا أن يكتفى من زراعة أرضه بما يحصل له عيش الكفاف كما تبين من سياق الحديث الذى استندوا إليه ومما ذكره أئمة الحديث فى بيانه .
أنه لا يمت بصلة إلى مازعموه وكذلك فعل عمر فى سواد لا يؤيد ما ذهبوا إليه .
ولسنا ننكر أن أمر الطبقات الفقيرة فى بلادنا يحتاج إلى علاج حاسم، ونرى بالإجمال أنه لا علاج له إلا باتباع تعاليم الإسلام الحقة فى النظم المالية والاجتماعية، ولبيان ذلك تفصيلا مجال آخر والله أعلم(7/370)
زواج الرجل بزوجة الغير من علمه بذلك باطل
F حسنين محمد مخلوف .
28 أبريل سنة 1949 م
M 1- تزوج الرجل زوجة آخر مع علمه بذلك باطل، ولا عدة عليها عند المتاركة ولو دخل بها .
2- تزوج الرجل زوجة آخر مع عدم علمه بذلك فاسد، وتجب المتاركة عليهما، وعليها العدة من حين المتاركة إن كان قد دخل بها
Q طلب وكيل نيابة الدرب الأحمر الجواب عن سؤال تضمنته الإجابة التالية
An اطلعنا على السؤال الوارد إلينا بتاريخ 2-3-1949 - 1882 المطلوب معرفة الحكم الشرعى فيمن تزوجت بزوج وهى على عصمة زوج آخر هل تلزمها العدة بعد طلاقها من الزوج الثانى أم لا وذلك للتصرف فى القضية رقم 11 سنة 1949 حصر تحقيقات الدرب الأحمر .
والجواب أنه إذا كان زواج الثانى بهذه المرأة مع علمه بأنها زوجة للأول كان زواجه بها باطلا ،ولا عدة عليها ولو دخل بها .
لأن وطأه لها زنا . والزنا لاحرمة له . وإن كان زواج الثانى بها مع عدم علمه بأنها زوجة للأول كان زواجه بها فاسدا تجب المتاركة فيه شرعا، وعليها العدة إذا كان قد دخل بها محافظة على حقه فى نسب ولده لعذره بعدم علمه بنكاح الأول .
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/371)
تصرف الزوجة فى مالها
F حسنين محمد مخلوف .
جمادى الثانية 1365 هجرية - 14 مايو 1946 م
Mللمرأة الرشيدة التصرف فى مالها كله ولا حقق لزوجها فيه .
وفى رواية عن أحمد أنه ليس لها التصرف فى مالها بزيادة عن الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها
Q من محمد أسعد قال : 1- هل أموال الزوجة حسب الشريعة الإسلامية مستقلة عن أموال الزوج .
2- وهل للزوج الحق فى أى إشراف أو مراقبة على أموال زوجته .
3- وهل فى حالة وفاة الزوجة للزوج أكثر من نصيبه الشرعى المحدد فى القانون من عدمه حسب الشريعة الإسلامية
An اطلعنا على هذا السؤال وإليك الجو اب ذهب أبو حنيفة والشافعى وابن المنذر وأحمد فى إحدى الروايتين إلى أن للمرأة الرشيدة التصرف فى مالها كله بالتبرع والمعاوضة ولا حق لزوجها فيه، ولا يملك الحجر عليها فى تصرفها فيه كلا أو بعضا .
فلا فرق فى ذلك بينها وبين الرجل الرشيد وذهب أحمد فى الرواية الأخرى إلى أنه ليس لها التصرف فى مالها بزيادة عن الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها لما رواه ابن ماجه أن امرأة كعب ابن مالك أتت النبى صلى الله عليه وسلم بحلى تريد التصدق به فقال لها لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها، فهل استأذنت كعبا فقالت نعم فبعث إليه فقال هل أذنت لها أن تتصدق بحليها .
قال نعم فقبله النبى صلى الله عليه وسلم .
ولما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى خطبة خطبها لا يجوز لا مرأة عطية إلا بإذن زوجها إذ هو مالك عصمتها ولأن حق الزوج متعلق بمالها والعادة أن الزوج يزيد فى المهر من أجل مالها ويبسط فيه وينتفع به - وقد استدل الجمهور بقوله تعالى { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } النساء 6 ، وهو ظاهر فى فك الحجر عن اليتامى وإطلاق أيديهم فى التصرف ذكورا كانوا أو إناثا متى أنس رشدهم .
ومتى وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن وأجابوا عن حديث ابن ماجه بأنه ضعيف وعن حديث أبى داود بأنه مرسل .
ومع ذلك فهو محمول على النهى عن تبرعها من مال زوجها وأما تبرعها من مالها فليس محمل النهى بدليل أنه يجوز لها التبرع بالثلث فأقل من مالها بدون إذن للزوج، وليس هناك ما يدل على التحديد بالثلث بل هو تحكم ليس فيه توقيف ولا عليه دليل انتهى من المغنى للامام ابن قدامه الحنبلى بتصرف وزيارة .
وما ذكر من أن للزوج حقا فى مالها غير مسلم، وما جرت به العادة من تبسطه فى مالها فهو من تسامح الزوجات فى حقوقهن مبالغة فى إرضاء الأزواج وسبيل إلى حسن المعاشرة لا تقرير لحقهم فى أموالهن .
وقد أفاد فى المغنى أن مذهب الإمام مالك يتفق مع الرواية الأخرى عن أحمد وبيانه كما فى الشرح الكبير لأبى البركات الدردير وحاشية الدسوقى عليه أن الزوجية من أسباب الحجر على الزوجة الحرة الرشيدة فى تبرعها لغير زوجها بأزيد من ثلث مالها فإذا تبرعت به لغيره كان لزوجها رد الجميع لحمله على قصدها إضرار زوجها فعوملت بنقيض قصدها وله إمضاؤه وله رد الزائد على الثلث وهذا بخلاف المريض إذا تبرع بزائد على الثلث فليس للوارث رد الجميع بل رد الزائد عن الثلث فقط أو إجازة الجميع .
والفرق بين الزوجة والمريض من جهة أخرى أن الزوجة قادرة على إنشاء ما أبطله الزوج بعد مدة وهى نصف عام على .
قول أصبغ وابن عرفة بخلاف المريض وما لم يحصل من الزوج رد فتبرعها جائز ماض .
وأما تبر عها بالثلث فأقل محجور عليها فيه إذ قصدت به ضرر زوجها على ما اختاره ابن حبيب .
وغير محجور عليها فيه ولو قصدت به إضراره عند ابن القاسم .
وإنما كانت الزوجية موجبة للحجر فيها ذكر لأن المقصود من ما لها تجمل الزوجة به فحجر الشارع عليها لأجله وبذلك جاز لها التبرع لزوجها بما شاءته ولو بكل مالها انتهى بتصرف وإيضاح وظاهر أن هذه العلة تقتضى الحجر مطلقا فكيف ساغ جواز التبرع بالثلث فأقل بدون إذن عند ابن القاسم مطلقا وعند ابن حبيب إذا لم تقصد إضرار الزوج على أن جعل الزوجية من أسباب الحجر على الزوجة وسليها حريتها فى التصرف فى مالها والذهاب إلى أن المقصود من مالها تجمل الزوجة به وبسطه يده فى إنفاقه من شأنه أن يبغض الأبيات من الزوجات فى الزواج والأزواج ويبت حبل المودة بينهما ويفتح أبوابا من الشر والنزاع بين الزوجين لحرص الزوجة بطبيعة كونها مالكه على إطلاق يدها فى مالها الذى تملكه وحرص الزوج بدافع غريزة حب المال على حجرها ليبسط يده فيه فى حياتها ويدخره ميراثا له بعد وفاتها كما أن من شأنه أن يجعل الزوج هو المتصرف فى مالها وذلك يغرى راغبى الزواج بالكلف بذوات الأموال للانتفاع العاجل بها والإعراض عمن عداهن وإن كن ذوات حسب ودين .
وفى ذلك ما لا يخفى من الفساد الاجتماعى والبعد عن المقاصد الأصلية للنكاح .
وصفوة القول أن مذهب الجمهور أقوى، دليلا وأوضح سبيلا وهو الذى جرى عليه القضاء الشرعى منذ قرون ولا تزال المحاكم الشرعية مقيدة به طبقا للمادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 وهو أعدل وأقوم وخاصة فى هذه الأزمنة الأخيرة ومن هذا يتضح الجواب عن السؤالين الأول والثانى - وأما الجواب عن السؤال الثالث فهو أن للزوج من تركة زوجته المتوفاة النصف فرضا عند عدم الولد وولد الابن وإن نزل والربع فرضا مع الولد وولد الابن وإن نزل والله أعلم .
ے(7/372)
الحلف بغير الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل يجوز الحلف بغير الله ؟
An روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال حين سمع عمر يحلف بأبيه " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وروى أبو داود والترمذى وقال : حسن ، قوله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر" وفى بعض الروايات " فقد أشرك " وفى بعضها " فقد كفر وأشرك " .
قال العلماء : إن الحلف الذى يجوز وتترتب عليه آثاره هو ما كان بالله أو بصفة من صفاته ، أما الحلف بغير ذلك فهو غير ملزم ولا تترتب آثار على عدم البر به ، ومع ذلك فهو ممنوع كما نص عليه الحديث ، وجاء التغليظ بأنه خروج عن الإسلام عن طريق الكفر بالله وعدم الإيمان به ، أو عن طريق الشرك ، أى ضم غير الله إليه فى الألوهية وما يتبعها ، ودرجة المنع من الحلف بغير الله مختلف فيها بين الحرمة والكراهة، يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار ج 8 ص 236 " : للمالكية والحنابلة قولان -أى قول بالحرمة وقول بالكراهة التنزيهية - وجمهور الشافعية على أنه مكروه تنزيها، وجزم ابن حزم بالتحريم ، وقال إمام الحرمين : المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل : فإن اعتقد فى المحلوف به ما يعتقد فى الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافرا .
ويثار هنا سؤالان ، الأول لماذا يحلف الله بالمخلوقات كالشمس والقمر والليل ، والثانى كيف يحلف الرسول صلى الله عليه وسلم بغير الله وقد نهى عنه ؟ .
أثار ذلك الحافظ ابن حجر فى فتح البارى " وخلاصة ما جاء فيه : أن لله أن يحلف بما شاء من خلقه لا يسأل عما يفعل " وذلك لتعظيم المحلوف به وهو سبحانه صاحب الأمر فى خلقه ، وفيه لفت لأنظارنا أن نتدبر وجه العظمة فى هذا المحلوف به .
أما حلف الرسول بغير الله فقد جاء فى الصحيح أنه قال للأعرابى الذى أقسم ألا يزيد ولا ينقص عما تعلمه من الرسول من الواجبات (أفلح وأبيه إن صدق " وأجيب عنه بأجوبة :
أ-الطعن فى صحة هذه اللفظة-وأبيه -كما قال ابن عبد البر: إنها غير محفوظة ، وزعم أن اصل الرواية " أفلح والله " فصحفها بعضهم .
ب - أن ذلك كان يقع من العرب ويجرى على ألسنتهم من دون قصد للقسم أى الحلف ، والنهى أنتا ورد في حق من قصد حقيقة الحلف ، قاله البيهقى، وقال النووى : إنه الجواب المرضى .
ج -أنه كان يقع فى كلامهم على وجهين للتعظيم وللتأكيد، والنهى إنما ورد عن الأول وهو التعظيم .
د-أن الحلف بغير الله كان جائزا، وما صدر من النبى كان على الجواز، ثم نسخ ، قاله الماوردى، وقال السهيلى : أكثر الشراح عليه ، قال المنذرى :
دعوى النسخ ضعيفة، لإمكان الجمع بين الأمرين المختلفين ، ولعدم تحقق التاريخ حتى يعرف السابق من اللاحق .
هـ - أنه كان فى ذلك حذف ، والتقدير " أفلح ورب أبيه " قاله البيهقى .
و- أنه للتعجيب ، وليس قسما ، قاله السهيلى .
ز-أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم ، لكن يرد على هذا بأن الخصوصيات لا تثبت بالاحتمال ، بل لا بد لها من دليل ، فيبقى الأمر عاما للرسول وغيره .
ثم يقول الشوكانى : وأحاديث الباب تدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد- أى لا تترتب عليه آثاره - لأن النهى يدل على فساد المنهى عنه ، وإليه ذهب الجمهور .
وقال بعض الحنابلة : إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة .
بعد هذا العرض نرجو ممن لم يطلعوا على ما قاله العلماء فى الحلف بغير الله ألا يسرعوا فى تجريم من حلف بالنبى أو بغير الله بوجه عام ، فقد قال بعض الفقهاء بعدم الحرمة وبأنه مكروه كراهة تنزيه بمعنى عدم العقوبة فيه ، وأخطر ما يكون التجريم هو الحكم بالكفر أو الشرك على من حلف بغير الله وهو لا يريد تعظيمه كتعظيم الله ، فإن من كفر مسلما بدون وجه حق كان كافرا ، والحديث معروف فى ذلك وهو " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه البخارى ومسلم .
وفى رواية لأبى داود والنسائى والترمذى وصححه " ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله " والحاكم على الحالف بغير الله بالكفر لم يطلع على نيته ، وقد أمر الله بالتبيُّن ، وقال فى ذلك { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} النساء : 94 ، وسبب نزولها معروف فى سرية كان قائدها أسامة بن زيد(7/373)
علم الغيب
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل أطلع الله أحدا على علم الغيب ؟
An مما يتصل بالعقيدة الإيمان بالغيب ، كما قال تعالى فى وصف المتقين { الذين يؤمنون بالغيب } البقرة : 3 ، وقد وردت نصوص تتحدث عن الغيب منها : قوله تعالى { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } الأنعام : 59 ، وصح فى الحديث الذى رواه البخارى أنها خمس ، وهى التى جاءت فى قوله تعالى { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير } لقمان : 34 ، وقوله تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا . إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن : 26 ، 27 ، وقوله تعالى{ قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } الأعراف : 188 ، والغيب ما قابل الشفاعة، أى ما يغيب على الإنسان العلم به ومنه ما يمكن التوصل إليه بالوسائل المختلفة، كالمسروق يعرف بالبحث عنه ، والمجهول يعرف بالتعلم ، كالكهرباء والفيروسات وما إليها ، ومنه ما لا يمكن التوصل إلى معرفته بالوسائل العادية بل لا بد فيه من خبر صادق ، كأحوال الآخرة ، التى يجب أن نؤمن بها لورودها فى القرآن والسنة .
ومن الغيب قيام الساعة وما ذكر فى مفاتح الغيب ، وقد يعرف شئ ع منها بإطلاع الله سبحانه عليها من يرتضيه من الرسل ، كما نصت على ذلك الآية .
والإيمان باختصاص الله بعلم مفاتح العيب واجب بدليل الحصر فى قوله :
{ لا يعلمها إلا هو . ومن ادعى عَدم اختصاصه بذلك كفر، لأنه كذب القرآن الكريم الصريح فى الدلالة عليه ، ومن حاول معرفة هذه المفاتح ليشارك الله فيها كفر أيضا ، أما من يحوم حولها مؤمنا بأنه لن يصل إلى العلم اليقينى به فلا يكفر، ومعلوماته التى يصل إليها من وراء هذه المحاولة معلومات ظنية لا يقينية، والفرق بين علم الله تعالى ومعارف البشر يتركز فى نقطتين أساسيتين ، أولاهما أن علم الله عن أى شىء شامل لجميع ما يتصل بهذا الشىء ، والثانية أن علمه سبحانه يقينى لا ظنى . أما علم غيره من البشر فلن يجمع الأمرين معا ، لا فى الكم ولا فى الكيف ، قال تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء :
85 ، وقال : { وما لهم به من علم . إن يتبعون إلا الظن . وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم : 28 ، ولئن حصل علم بشىء عن شىء فهو علم قاصر .
وقد حاول الإنسان أن يبحث عن المجهول المستقبل منذ خلق وفيه غريزة حب الاستطلاع ، وبذل فى ذلك جهودا كبيرة، واتخذ وسائل متعددة ، وكان من هذه الوسائل ما عرف باسم الكهانة والتنجيم والعرافة والطيرة والطرق وضرب الرمل وقراءة الفنجان وقياس الأثر وما يبتكر غير ذلك .
وفيما يلى تعريف بكل منها :
1 - الكهانة ، هى ادعاء علم الغيب ، بالإخبار عن المضمرات ، أو عن المغيبات فى مستقبل الزمان بأية وسيلة من الوسائل ، وقد تختص بما كان فيه اتصال بالجن ( يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22 ) .
2 -التنجيم : وهو الاستدلال بالنجوم فى مواقعها وتحركاتها على ما سيكون فى المستقبل من مطر أو حر أو برد أو مرض أو موت وغير ذلك ، وقيل هو الكهانة ( يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22 ) .
.
3 -العرافة : هى ادعاء معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها علَّى مواقعها كالمسروق من الذى سرقه ، والضالة أين مكانها ، وقيل هى السحر " ( يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22 ) .
4- الطيرة : بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن -وهى مصدر تطير، مثل تخير خيرة ، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما-ومعناها التشاؤم بالشىء ، أو الاستدلال من طيران الطائر، أو من رؤية شئ أو سماع صوت على ما سيحصل للإنسان ، وقد كان العرب يزجرون الطير من أماكنها . فإن طارت يمينا استبشرت ، وإن طارت شمالا تشاءمت ، ويقال لها أيضا " العيافة" من عاف عيفا ، وسيجىء حديث عن الفرق بين الطيرة والفأل .
5 - الطرق: وهو الضرب بالحصا أو الودع ، وقيل : هو الطيرة وقيل :
ضرب الرمل .
6-ضرب الرمل : وهو وضع خطوط وعلامات على الرمل ، لمعرفة ما يخبأ للإنسان ويعرف أيضا بالخط ، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال : " كان نبى من الأنبياء يخط ، فمن وافق خطه فذاك " وكذب ابن القيم نسبة الخط إلى إدريس عليه السلام ، وجاء فى تفسيره : أن "الحازى " أى المحترف لذلك يأتيه الرجل ليعرف حظه ، فيخط على أرض رخوة خطوطا كثيرة بالعجلة، ومعه غلام ، ثم يمحو منها على مهل خطين خطين والعلام يقول : ابنى عيان ، أسرعا البيان ، فإن بقى خطان فهما علامة النجح ، وإن بقى خط واحد فهو علامة الخيبة، ويقول ابن الأثير فى " النهاية " : إنه علم معروف فيه تصانيف ، ويعمل به الآن ، ولهم فيه اصطلاحات ، يستخرجون به الضمير وغيره ، وكثيرا ما يصيبون فيه ( هكذا يقول ) ويرجع فيه إلى شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 23 ، 7 -قراءة الفنجان : وهى الاستدلال بآثار القهوة على الفنجان على ما يفكر فيه شاربه ، ويزعم بعض المعاصرين أن أثر الزفير على القهوة يعطى مؤشرات صادقة ، لكن إذا كان ذلك من الناحية الطبية أو العضوية فهل تمكن معرفة المستقبل ؟ فيه كلام .
8 - قياس الأثر : وهو أخذ قطعة من ثياب الإنسان أو متعلقاته وقياسها بالشبر والأصابع ، والاستدلال بذلك على ما يكون لصاحبه .
وهذه الأشياء وأمثالها نهى الإسلام عنها ، لأنة تتنافى مع اختصاص علم الله بالغيب يقول النبى صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " ( رواه البزار بإسناد جيد والطبرانى بإسناد حسن دون قوله " ومن أتى كاهنا " ) ويقول " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزله الله على محمد ، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة "( رواه الطبرانى ) ، ويقول " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما"( رواه مسلم ) ويقول " من أتى عرافا أو كاهنا فصدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " (رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه) ويقول " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من للسحر زاد ما زاد " (رواه أبو داود وابن ماجه ) ويقول : " العيافة والطير والطرق من الجبت " ( رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه ) والجبت ما عبد من دون الله 0 وقد ذكر الله تعالى فى القرآن الكريم أن الجن لا يعلمون الغيب ، فكيف يصدقها من يعتمد على أخبارها ؟ قال تعالى { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين } سبأ : 14 ، والاتصال بالجن ممكن ، وكذلك استخدامهم فى بعض الأغراض ، فقد سخرهم الله لسليمان كمعجزة ، فلا مانع من تسخيرهم لغيره ، ولم يرد نص يمنع ذلك ، وقد حدث لبعض الناس بطرق يعرفونها ، ووضح ذلك المحدث الشبلى فى كتابه " آكام المرجان " .
يتبين من هذه النصوص أن الاعتقاد بان غير الله يعلم الغيب علما يقينيا شاملا كفر بما جاء فى القرآن الكريم خاصا بذلك ، ومن مارس هذه الأعمال ينسحب حكمه على من يلجأون إليه لمعرفة الغيب ، فمن صدقه فقد كفر، ومن لم يصدقه فقد ارتكب إثما عظيما ينقص من إيمانه ، ولا يقبل الله صلاته أربعين يوما .
روى الشيخان أن ناسا سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن الكاهن أو الكهان فقال " لا ليسوا بشىء " فقالوا : يا رسول الله انهم يحدثونا أحيانا بشىء أو بالشىء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك الكلمة من الوحى يخطفها الجنى فيقرها - أى يلقيها - فى أذن وليه ، فيخلط معها مائة كذبة " وجاء فى البخارى " إن الملائكة تنزل فى العنان ، وهو السحاب ، فتذكر الأمر قضى فى السماء ، فيسترق الشيطان السمع فيسمعه ، فيوجه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم " .
هذا وقد أبدلنا بهذه الأمور وسيلة يمكن بها أن نطمئن لما نقدم عليه من عمل ، وهى صلاة الاستخارة مع دعائها المعروف الذى جاء به الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ولنسمع قول الله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم ، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} الإسراء: 36 .
تنبيهات التنبيه الأول عن علم الساعة :
سبق بيان أن علم الساعة من مفاتح الغيب التى استأثر الله بعلمها ، والآيات القرآنية كثيرة فى ذلك ، وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة ، التى من أقواها حديث جبريل حين سأل النبى صلى الله عليه وسلم عنها، فقال " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " ثم ذكر له بعض علاماتها .
ومع ذلك حاول بعض الناس قديما وحديثا معرفة موعدها ، وأثبت الواقع خطأهم ، ثم جاءت نحلة البهائية أخيرا وزعمت أنها تعرف موعد قيام الساعة بناء على أمرين ، أولهما سر العدد 19 والثانى بعض آيات من القرآن الكريم ، وفيما يلى تفصيل ذلك والرد عليه .
أولا : العدد 19 المذكور فى قوله تعالى فى وصف جهنم : { عليها تسعة عشر } المدثر: 30 ، زعموا أن له سرا حاولوا أن يثبتوه بحصر الحروف الموجودة فى بعض السور، أو فى فواتحها من الحروف المقطعة أو فى بعض الكلمات ، وبطريق التعويض عن الحروف بأرقام على النظام اليهودى فى الأبجدية حددوا وقت قيام الساعة .
ويرد على هذا بأن القرآن فيه أعداد أخرى كالعشرة والمائة والألف وغيرها ، فلماذا اختاروا هذا العدد بالذات ؟ وبأنهم لم يتبعوا المنهج العلمى عند حصر الحروف ، فأسقطوا بعضها ليتم لهم ما يريدون ، كما كشف عن ذلك المتبعون للحصر الذى أعلنوه ، وبأن أية مجموعة كبيرة من الأعداد يمكن التوصل منها إلى مجموعات تقبل القسمة على أى عدد من الأعداد ، وليس شرطا أن يكون العدد 19 ، وذلك من البدهيات عند علماء الرياضة ( بحث الدكتور على موسى أستاذ الفيزياء الرياضية بكلية العلوم جامعة عين شمس ، المنشور بجريدة اللواء الإسلامى : عدد 116 ، فى 7 رجب 1405 هجريه 28/3/1985 م ) كما زعموا أن اليهود أخبروا النبى صلى الله عليه وسلم بأن حروف " الم " تدل على. عدد السنوات التى تعيشها دعوته ولم ينكر عليهم ذلك .
وهذا خبر مدسوس ليس له سند يعتمد عليه .
ثانيا : استدلوا من القرآن الكريم بآيتين ، أولهما قول الله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها ، قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت فى السموات والأرض ، لا تأتيكم إلا بغتة، يسألونك كأنك حفى عنها ، قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون } الأعراف : 187 ، قالوا : إن قوله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } يفيد أن بعضا قليلا من الناس يعلمون موعد الساعة ، وهم من هذا القليل . ويرد عليهم بان نفى العلم عن أكثر الناس منصب على الإيمان بما سبق فى الآية ، من اختصاص علم الله بها ، وبأنها ثقيلة ولا تأتى إلا بغتة ، فأكثر الناس وهم الكافرون يجهلون هذه الحقيقة المقررة فى الآية، ولا معنى لما فهموه من أن أكثر الناس جاهلون بموعد الساعة والقليل بعلمه ، ففى فهمهم لأول الآية وآخرها تضارب ، والقرآن الكريم منزه عن ذلك .
ومع احتمال فهمهم هذا فالاستدلال به ساقط ، لأنه ليس هو الفهم الوحيد المتعين لها ، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
والآية تدل بصراحة على نفى علم أحد بالساعة، أى بوقت حدوثها ، فَذلك من اختصاص الله وحده ، وذلك واضح فى قصر علمها عليه سبحانه بأكثر من أسلوب ، وفى أنها تأتى بغتة، وفى عدم علم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك . فلا بد من توافق آخر الآية مع هذه المقررات الصريحة فيها . ونفى علم أحد بموعدها يستوى فيه القليل والكثير من الناس .
والآية الثانية التى استدلوا بها هى قوله تعالى{ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى} طه : 15 ، قالوا إن فعل " كاد " إذا كان مثبتا يدل على نفى ما بعده ، فمن يقول : كدت أقع يدل على أنه لم يقع ؟ وعلى هذا فمعنى " أكاد أخفيها " أنه لم يخفها ، فتمكن معرفتها بطريق أو بآخر، وليس حتما أن يكون ذلك عن طريق الوحى فقط كما قال تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا . إلا من ارتض من رسول } الجن : 26 ، 27 ، بل يمكن أن يكون بطريق الحساب أو بغيره .
ويرد على ذلك بأن الفعل " خفى " يستعمل فى اللغة للستر وللإظهار، فهو من الأضداد ، يقال : خفاه يخفيه خفيا ، من باب رمى .
وخفيا أيضا-بضم الخاء وكسر الفاء-وفى بعض القراءات " أخفيها " بفتح الهمزة، وكما أن الخفى الثلاثى يفيد الستر والإظهار كذلك يفيدهما الإخفاء وهو مصدر الفعل الرباعى أخفاه . وعلى هذا فالآية ليست دليلا قاطعا على مدعاهم ، فقد يكون معناها : أكاد أظهرها ، بل يجب المصير إلى هذا المعنى لتتوافق الآيات بعضها مع بعض ، والمتشابه يرد إلى المحكم كما قال تعالى { هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب } آل عمران : 7 ، وهؤلاء فى قلوبهم زيغ يبتغون الفتنة ، حيث تمسكوا بالمتشابه ولم يأبهوا بالمحكم الذى يجب رده إليه ، وليسوا من الراسخين فى العلم على أى وجه يكون الوقف فى الآية " مذهب السلف ومذهب الخلف " لأنهم فى محاولتهم لتقديس العدد 19 خالفوا المنهج العلمى وزيفوا ، وفى عدم رد المتشابه إلى المحكم ظهر جهلهم بأصول البحث ، ولم يؤمنوا بما جاء فى القرآن الكريم نصا فى عدم علم أحد بالساعة إلا الله سبحانه .
وبهذا يظهر أن استدلال هؤلاء استدلال واه ضعيف أو فاسد لا يثبت مدعاهم ، ولم يعتبروا بمن سبقهم ممن زعموا علم الساعة وحددوا موعدها فافتضح أمرهم ، وليس المهم هو معرفة وقت قيامها بل المهم هو الاستعداد لها ، وقيامة كل إنسان موته أو عقب موته ، فمن مات فقد قامت قيامته ، لأنه لا عمل بعد الموت ، بل جزاء وحساب ، كما فى القيامة الكبرى . وقد نبه النبى صلى الله عليه وسلم من سأله عنها إلى الاستعداد لها ، فكل من الموت والقيامة يأتى بغتة ، روى البخارى ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن إعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة ؟ فقال " ما أعددت لها " ؟ قال : حب الله ورسوله ، قال " أنت مع من أحببت " .
التنبيه الثانى عن العلم بما فى الأرحام :
مما اختص الله بعلمه : ما فى الأرحام ، كما سبق فى الآية، وكما قال تعالى أيضا : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ، وكل شىء عنده بمقدار } الرعد : 8 ، ولا ينافى ذلك ما يقال :
إن بعض الناس توصلوا إلى معرفة نوع الجنين قبل أن يولد من بطن أمه ، وهو ما يزال فى الرحم حتى أيامه الأولى، ذلك أن علم الله بما فى الأرحام علم شامل ، وفى الوقت نفسه علم يقينى لا ظنى ، فالله يعلم المولود قبل أن يولد ، بل قبل أن يتكون أصلا، يعلمه علما شاملا، ويخبر الملائكة ببعض ما يعلمه عنه ، وهم لا يعلمون عنه شيئا قبل أن يخبرهم الله به ، كما قال سبحانه عنهم :{ قالوا سبحانك لا علم لنا آلا ما علمتنا} البقرة : 32 ، جاء فى الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد، فوالذى لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" (رواه البخارى ) ، وفى بعض الروايات " ذكر أم أنثى " بدل "عمله " .
فلو فرضنا أن الإنسان عرف نوع الجنين فهل يعرف ما بقى من رزقه وأجله وما تنتهى إليه حياته من سعادة أو شقاء ، على أن معرفة نوع الجنين لا تتيسر فى كل الحالات ، بل فى فترة معينة، أما الله سبحانه وتعالى فيعلم ذلك كل وقت ، بل قبل أن يتكون الجنين كما قلنا، وعلم الله بذلك علم يقينى لا يتطرق إليه الشك ، وعلم الإنسان ظن وأحيانا يتخلف ، ولبعض الناس شواهد لمعرفة نوع الجنين لا تعدو أني تكون ظنونا (انظر كتاب منهج الإسلام فى تربية الأولاد ) .
التنبيه الثالث عن التنجيم :
ينبغى الفرق بين التنجيم وعلم النجوم أو الفلك ، فالتنجيم حدس واستنباط لا يقوم على أسس علمية صحيحة لا تخطئ ، أما علم النجوم فهو علم يدعو إليه الدين لمعرفة أسرار الكون والإيمان بالله أو تعميق الإيمان به ، وقد جاءت الآيات الكثيرة تدعو إلى التفكر فى خلق - السموات والأرض ، والإفادة من مسخرات الكون ماديا وأدبيا .
يقول ابن حجر الهيتمى(الزواجر : ج 2 ص 110) : والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمان ، لمجىء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك ، يزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان ، وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره ، فمن ادعى علمه بذلك فهو فاسق ، بل ربما يؤدى به إلى الكفر .
أما من يقول : إن الاقتران والافتراق الذى هو كذا جعله الله علامة، بمقتضى ما اطردت به عادته الإلهية ، على وقوع كذا وقد يتخلف فإنه لا إثم عليه بذلك ، وكذا الأخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف بها الزوال وجهة القبلة، وكم مضى وكم بقى من الوقت ، فإنه لا إثم فيه ، بل هو فرض كفاية .
وفى حديث الصحيحين عن زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه قال :
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فى أثر سماء - أى مطر- كانت فى الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " أتدرون ماذا قال ربكم "؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " قال :
أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى ، كافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا- أى وقت النجم الفلانى - فذلك كافر بى ، مؤمن بالكوكب " .
قال العلماء : من قال ذلك مريدا أن النوء هو المحدث والموجد فهو كافر، أو أنه علامة على نزول المطر، والذى ينزله هو الله وحده ، لم يكفر، ويكره قول ذلك ، لأنه من ألفاظ الكفرة ، والمهم أن يكون الاعتقاد صحيحا فى أن الله هو فاعل كل شىء ، وأنه وراء الأسباب جميعا ، ولا يقع فى ملكه إلا ما يريد، وما يصل إليه الباحثون ويستنتجونه هو ظن قد يصدق بعضه ويتخلف البعض الآخر .
التنبيه الرابع عن الطيرة والفأل :
سبق القول بأن الطيرة أو التطير يقوم على الربط بين ما يحصل للإنسان فى المستقبل وبين رؤية شىء أو سماع صوت ، والتشاؤم نوع من التطير إذا كان رد الفعل مكروها ، ويقابله التفاؤل والفأل إذا كان رد الفعل مقبولا، وقد تستعمل هذه الألفاظ بعضها مكان البعض الآخر. وللباعث عليه هو رغبة الإنسان فى معرفة ما يغيب له ، وهو قديم تحدث عنه القرآن الكريم ، فقال عن ثمود قوم صالح عليه السلام { قالوا اطيرنا بك وبمن معك . قال طائركم عند الله } النمل : 47 ، وعن قوم موسى عليه السلام { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه . ألا إنما طائرهم عند الله } الأعراف : 131 ، وعن أصحاب القرية التى بعث إليها أصحاب عيسى عليه السلام { قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم و ليمساكم منا عذاب أليم . قالوا طائركم معكم } يس : 18 ، 19 .
وكان معروفا عند العرب فى الجاهلية ، وبخاصة فى طيران الطير أو زجره أو زجر الوحوش وإثارتها ، فما تيامن منها سموه " السانح " وما تياسر سموه " البارح " وما استقبلهم سموه " الناطح " وما جاءهم من الخلف سموه " القعيد أو القاعد " . ومن اشتهر عندهم بمعرفة ذلك يسمونه " العائف أو العراف " ومنهم عراف اليمامة والأبلق الأسيدى وعروة بن زيد .
ومنهم من كان يقدح فيه ولا يعترف به ، كالمرقش السدوسى وجهم الهذلى، وجاء فى ذلك قول المرقش :
ولقد غدوت وكنت لا لم أغدو على واق وحائم * فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم * وكذاك لا خير ولا شر على أحد بدائم * لا ينعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم* قد خط ذلك فى السطور الأوليات القدائم * والواقى هو الصرد - نوع من الطيور - والحائم هو الغراب .
يقول ابن القيم : من اهتم بذلك أسرع إليه التأثر، وكثر وساوسه فيما يسمعه ويراه ويعطاه ، فإذا أهدى إليه سفرجل أو سمع اسمه تشاءم وقال :
سفر وجلاء ، وهكذا، وذكر عدة حوادث فى ذلك .
وقد ذم الله التطير وحكاه عن قوم هم أعداء الرسل ، ومعنى طائركم وطائرهم ما قض وقدره عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم ، وهو راجع عليهم ، وذمه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الصحيحين عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب بقوله " ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفى غير ذلك من الأحاديث التى سبق ذكرها . وجاء فى مسلم أن معاوية بن الحكم السلمى قال : يا رسول الله ، ومنا أناس يتطيرون ، فقال " ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنه " .
فبين أن تأثيرها ليس من ذاتها ، بل من الإنسان نفسه الذى يعتقد فيها .
ومع نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الطيرة كان يحب الفأل الحسن ، ففى الصحيحين " لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح " وفى لفظ "وخيرها الفأل " وفى لفت " وأصدقها الفأل " ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " إذا أبردتم إلى بريدا فاجعلوه حسن الاسم حسن الوجه " وله فى الفأل حوادث ، منها اختيار من اسمه "يعيش " ليحلب الناقة ورفض من اسمه " حرب " ، وأخبر عمر عن سبب ذلك ونفى أنه تطير فقال " ظننت يا عمر أنها طيرة ، ولا طير إلا طيره ، ولا خير إلا خيره ، ولكن أحب الفال " وكره المرور يوم بدر بطريق فيه جبلان لم يعجبه اسمهما ولا اسم الساكنين فيه . وفى الصحيحين أنه قال " الشؤم فى ثلاث ، فى المرأة والدار والدابة " وفى الموطأ أنه أمر امرأة بالتحول من دارها لما أصابهم فيها من مكروه .
وقد علق ابن القيم على ذلك بأن الفال ليس فيه شرك بل فيه تقرير لطبيعة الإنسان فى حب الخير وكراهية الشر، كما يحب الصوت الحسن والرائحة الطيبة والأخبار السارة عن الخصب والصحة والانتصار، مع اعتقاد أن هذه الأمور لا تؤثر أبدا إلا بإذن الله كما فى التشاوم بالدار، والتشاؤم قد يؤدى الى الشرك وترك التوكل على الله .
أما الفأل فيفضى إلى الأمل والطاعة وتوحيد الله . وقال بعضهم فى الفرق بين التطير والفأل : إن الفأل فيه إبانة عن شىء حاصل فى النفس وهو الارتياح الذى ظهر بسماع الاسم الحسن مثلا، أما التطير ففيه استدلال على شىء غير حاصل .
وحديث الشؤم روى بوجهين ، أحدهما بالجزم والثانى بالشرط . فالأول " الشؤم فى الدار والمرأة والفرس " والثانى " إن يكن من الشؤم شىء حقا ففى الفرس والمسكن والمرأة " فقالت طائفة : لم يجزم النبى صلى الله عليه وسلم بالشؤم فى هذه الثلاثة، بل علقه على الشرط ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من طرفيها . وقالت طائفة أخرى : إضافة الشؤم إليها مجاز واتساع ، أى قد يحصل مقارنا لها لأنها هى نفسها مما يوجب الشؤم ، فقد تكون الدار قد قض الله أن يميت فيها بعضا من خلقه ، فمن كتب الله عليه الموت فى تلك الدار حسن إليه سكناها حتى يقبض فيها . سئل مالك رضى الله عنه عن الشؤم فى الدار فقال : إن ذلك كذب فيما نرى، كم من دار سكنها ناس فهلكوا، ثم سكنها آخرون فملكوا .
وقال آخرون : إنما يلحق الشؤم من تشاءم منها، أما من توكل على الله فلا يلحقه ضرر منها، ولذلك نصح النبى صلى الله عليه وسلم المرأة أن تتحول عن هذه الدار ما دامت تتشاءم منها ، وهو من باب الرحمة والتيسير، بدل أن يرغمها على سكناها ونفسها لم تتهيا لترك الشؤم وللاتكال على الله بعد ، فقد يزيدها ذلك أعتقادا فى التطير وهو شرك ، أو يسلمها إلى الحزن بكراهة الدار، ولو أرغم من ضاق رزقه فى بلد على عدم مفارقتها لكان ذلك هو الحرج الذى لا يرضاه الله لعباده .
ثم يجيب ابن القيم إجابة جامعة عن كل ما نسب إلى الرسول وغيره من الفال بقوله : إن بين الأسماء والمسميات ارتباطا بقدرة الله . وألهمه الله للعباد ، وليس ارتباط العلة بمعلولها ، بل ارتباط تناسب وتشاكل ، ولكل شىء من اسمه نصيب بقدر ما، ووقوع حوادث مرتبطة بأشياء أخرى هو مصادفة واتفاق وليس على سبيل التسبب والتأثير .
ثم يقول : تعطيل الأسباب تعطيل للشرع ومصالح الدنيا، والاعتماد عليها كلية شرك بالله تعالى، فالمقامات ثلاثة : أحدها تجريد التوحيد وإثبات الأسباب ، وهو ما جاء به الشرع ، والثانى الشرك فى الأسباب بالمعبود، والثالث إنكار الأسباب بالكلية محافظة من منكرها على التوحيد .
فالمنحرفون طرفان مذمومان ، إما قادح فى التوحيد بالأسباب ، وإما منكر للأسباب بالتوحيد، والحق غير ذلك ، وهو إثبات التوحيد والأسباب وربط أحدهما بالآخر، فالأسباب محل حكمه الدينى والكونى ، والحكمان عليها يجريان بل عليها يترتب الأمر والنهى والثواب والعقاب ، والتوحيد تجريد الربوبية والإلهية عن كل شرك . وذكر فى التوفيق بين النهى عن الاقتراب من المجذوم وبين أكل النبى معه ، أن النبى صلى الله عليه وسلم أثبت السبب وأمر بالفرار، وأثبت المانع وهو التوكل فأجاز المؤاكلة ، لكن لا يقدر كل أحد على المانع وهو التوكل ، فأرشد إلى مجانبة المجذوم تشريعا للفرار من أسباب الأذى ، ووضع يده معه تعليم للأمة بدفع الأسباب بما هو أقوى منها ، وإعلام بأن الضرر والنفع بيد الله عز وجل . فالمؤمن إذا وثق بالله لا يضره السبب ، كما قيل عند الطيرة ( اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك ، اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت ، ولا يذهب بالسيئات آلا أنت ، ولا حول ولا قوة آلا بك " ثم يمض لحاجته .
هذا الأثر ذكره ابن القيم فى بحثه عن الطيرة والتشاؤم ، روى أبو عمرو فى " التمهيد" بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من أرجعته الطيرة من حاجته فقد أشرك " قال : وما كفارة ذلك ؟ قال " أن يقول أحدهم . . . " وذكر الحديث ، وأورد عن كعب الأحبار مثل ذلك وأنه فى التوراة(7/374)
قراءة الكف
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى قراءة الكف ؟
An الإسلام أمرنا بالعلم والبحث والنظر، ووجهنا إلى عدم الظن فى كل الأحوال ، وإلى أن تكون معلوماتنا مبنية على الحقائق ما أمكننا ذلك ، والآيات والأحاديث فى ذلك كثيرة .
والناس من قديم الزمان لهم طرق فى الاستنتاج قد تصح نتائجها وقد تبطل ، ولكنهم مع ذلك مغرمون بحب الاستطلاع ، والوصول إلى معلومات تهمهم عن طريق شواهد ومقدمات ، وسمعنا فى ذلك عما يسمى بالكهانة والعرافة والتنجيم وضرب الحصا . . . وشاع فى أيامنا ما يعرف بقراءة الفنجان وقراءة الكف .
وقد عكف جماعة على دراسة خطوط الكف عندما رأوا صدق دلالتها فى بعض الأحوال فنرى مثلا الدكتورة إكرام عبد السلام أحمد أستاذ طب الأطفال بقصر العينى تقول : هناك نوعان من خطوط اليد، خطوط ثنايا الكف ، وهى واضحة عند النظر إليها وأساسها ثلاثة خطوط ، اثنان عرضيان تحت الأصابع الأربع ، والثالث بحد منطفة الإبهام وهو منحن وهى متشابهة فى جميع الناس ، وإذا تغيرت يكون هناك شذوذ ، أما خطوط الأصابع فهى عكس ذلك لا تكاد تتشابه أو لا تتشابه مطلقا من شخص لآخر، وعليها الاعتماد فى البصمات ، وهى ترى إما بالعدسة المكبرة وإما بالطبع بالحبر .
واكتشفت أن تغير الخطوط الثلاثة فى الكف يدل على تأخر عقلى أو اختلاف فى الكروموسومات التى تنشا عنها تشوهات خلقية . وسبب ارتباط ذلك باليد أن اليد يبدأ تكوينها فى الأشهر الثلاثة الأولى مع تكوين أعضاء الجسم ، فأى اختلال فى التكوين يظهر فيها .
وقد بحثت ارتباط الخطوط ببعض الأمراض كالتأخر العقلى وروماتيزم القلب وأمراض الجهاز العصبى، كما يمكن دراسة بعض الإمراض أو التكهن بها من خلال بصمات الأصابع " الأهرام 26 / 8 " .
وواضح من هذا الكلام أن هذه الخطوط لها ارتباط بالتكوين العضوى لجسم الإنسان وما ينشأ عنه من تأثير فى القوى العقلية ، لكن التنبؤ بالمستقبل من النظر فى هذه الخطوط هو الذى ما يزال رجما بالغيب لم تقم له قواعد ثابتة يقينية .
هذا ، وقارئ الكف العالمى ( دافيد براندون جونز ) حاول أن يربط بين خطوط الكف وبين المستقبل بوجه عام ، وله فى ذلك بحوث واطلاعات واستنتاجات كثيرة ( القبس 4 / 6 / 979 1 ) ولكن كل ذلك لا يتعدى مرحلة الظن ، ولا ينبغى الاعتماد على أقوال هؤلاء فى رسم الخطوط لحياتنا المستقبلة ، فإن المقدمات غير اليقينية لا تلزم عنها نتائج يقينية .
وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم دعاء الاستخارة فى كل ما يهمنا من الأمور، والأولى الالتجاء إلى الله بها ، فهو وحده مالك الأمر كله ، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو .
ويثار هنا سؤال : هل أطلع الله رسوله على ما يكون فى غد؟ والجواب ما جاء فى قوله تعالى { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السؤ} الأعراف : 188 ، وصح فى مسلم أن عائشة رضى الله عنها قالت : من زعم أن رسول الله يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم الفرية على الله . وتلت قوله تعالى { قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله } النمل : 65(7/375)
الرقى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الرقى ؟
An الرقى جمع رقية، وهى كلمات يقولها الناس لدفع شر أو رفعه ، أى يحصنون بها أنفسهم حتى لا يصيبهم مكروه ، أو يعالجون بها مريضا حتى يبرأ من مرضه ، وكان العرب قبل الإسلام يعتقدون أنها مؤثرة بنفسها دون تدخل لقدرة أخرى غيرها ، واختيار- كلماتها مبنى على اعتقادات قد يرفضها الدين ، ولذلك كان موقف الإسلام منها هو تصحيح الخطأ فى الاعتقاد ، وتقرير أنه لا تأثير لها إلا بإرادة اللَّه تعالى ، وكذلك رفض الكلمات التى تتنافى مع العقيدة الإسلامية الصحيحة . فإن كانت كلماتها مقبولة مع اعتقاد أن أثرها هو بإرادة اللَّه سبحانه كان مسموحا بها ، مثلها مثل الدعاء أو الدواء ، وبهذا يمكن أن نفهم ما جاء من نصوص رافضة أو مجيزة لها .
فمما ورد فى رفضها حديث البخارى ومسلم عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب الذى جاء فيه " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفى رواية لمسلم زيادة " ولا يرقون " . فالراقى وطالب الرقية مذمومان ، وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه أنه دخل على امرأته وفى عنقها شىء معقود، فجذبه فقطعه ثم قال : لقد أصبح آل عبد اللّه أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " قالوا : يا أبا عبد الرحمن هذه الرقى و التمائم قد عرفناها.. فما التولة ؟ قال : شىء تصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن " ( رواه ابن حبان فى صحيحه ، والحاكم وصححه ) . والتولة بكسر التاء وفتح الواو. ومما ورد فى إجازتها :
(أ) حديث الصحيحين من رقية بعض الصحابة بفاتحة الكتاب لسيد الحى الذى لدغ فشفاه اللَّه ، ثم أقرهم النبى صلى الله عليه وسلمِ " على فعلهم وما أعطاه إياهم هذا السيد ، وبين أن العلاج بكتاب اللَّه أحق أن يؤخذ عليه الأجر .
(ب ) حديث الصحيحين عن عائشة رضى اللَّه عنها : أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن نسترقى من العين .
(جما حديث الصحيحين : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث فى كفيه بقل هو اللَّه أحد والمعوذتين ، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده .
(د) حديث الصحيحين : أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله ، يمسح عليه بيده اليمنى ويقول " اللهم رب الناس أذهب البأس ، واشف أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما " .
(هـ ) ما رواه مسلم أن جبريل عليه السلام أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اشتكيت ؟ قال " نعم " فقال جبريل : باسم اللَّه أرقيك من كل داء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد، اللَّه يشفيك ، باسم اللَّه أرقيك .
(و) ما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات اللَّه التامة من شر ما خلق لم يضره شىء حتى يرتحل من منزله ذلك " .
( ز ) ما رواه مسلم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فى الرقية من الحمة والعين والنملة .
(ج ) ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبى العاص لما اشتكى إليه وجعا يجده فى جسده منذ أسلم " ضع يدك على الذى تألم من جسدك وقل : بسم اللّه " ثلاثا " وقل سبع مرات : أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" .
(د) ما رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أذن للشفاء بنت عبد اللَّه أن ترقى من النملة بعد أن عرضت عليه ، وقال " لا باس بها " النملة بكسر الميم بثور فى الجنبين ، اللحمة ضرر ذوات السموم .
(ى) ما رواه ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعمارة بن حزم فى الرقية من الحية بعد أن عرضت عليه ، وقال " لا بأس بها " .
قال النووي فى شرح صحيح مسلم فى الجمع بين الأحاديث الناهية عن الرقى والمجيزة لها : أن المنهى عنه هو الرقية بكلام الكفار، والرقى المجهولة والتى بغير العربية وما لا يعرف معناها، فهى مذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو قريب منه أو مكروه ، وأما الرقى بآيات القرآن والأذكار المعروفة فلا نهى عنها بل هى سنة ( ج 14 ص 196 ) وقد روى مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم "اعرضوا علىَّ رقاكم ، لا باس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " . وقال ابن حجر فى فتح البارى : أجمع العلماء على جواز الرقية عند اجتماع ثلاثة شروط : أن تكون بكلام اللَّه أو بأسمائه أو صفاته ، وباللسان العربى أو بما يعرف معناه من غيره ، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها ، بل بتقدير اللَّه (نفثات صدر المكمد لسفارينى : ج 2 ص 642 )(7/376)
التمائم
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى التمائم ؟
An التمائم جمع تميمة، قال الحافظ المنذرى : يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها ، يرون أنها تدفع عنهم الآفات . واعتقاد هذا الرأى جهل وضلالة ، إذ لا مانع إلا اللَّه ، ولا دافع غيره . ذكره الخطابى (الترغيب والترهيب : ج 4 ص 96 ) .
فالنهى عنها عند اعتقاد أنها تؤثر بنفسها ، فذلك شرك وبدون هذا الاعتقاد جهالة ، جاء فى الحديث " من علق تميمة فلا أتم اللَّه له ، ومن علق ودعة فلا أودع اللَّه له " (رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد جيد والحاكم وصححه ). وفى حديث آخر ( من علق فقد أشرك "(رواه أحمد برواة ثقات ) وعن عائشة رضى اللّه عنها قالت :
ليست التميمة ما يعلق به بعد البلاء، إنما التميمة ما يعلق به قبل البلاء (رواه الحاكم وصححه) .
ويؤخذ من كلام المنذرى أن التميمة خرزة ، وفى الحديث ذكر التميمة والودعة ، فهل هما شىء واحد؟ وإذا كان ذلك فلملذا التكرار والعطف يقتضى المغايرة ؟ وقد يجاب على ذلك بان الودعة هى الخرزة الصدفية المعروفة التى تتكون فى البحار، والتميمة كل شىء يعلق من أية مادة تكون ، كقطعة خشب أو خرقة أو غيرهما ، مما يعتقد الجهلة منفعته . وتفسير عائشة يدل على أنها كانت للحفظ من الإصابة ودفع الشر، وليست للاستشفاء من مرض واقع .
ومهما يكن من شىء فإن أعتقاد أن هذه الأشياء تؤثر بنفسها دون توقف على إرادة الله تعالى يتنافى مع الإيمان .
ومثل التمائم ما يعرف بالأحجبة ، وهى كتابات تعلق بقصد دفع الشر أو رفعه ، فإن كانت كلمات من القرآن الكريم أو ذكر اللَّه تعالى ، مع اعتقاد أنها لا تؤثر إلا بإرادته سبحانه فلا يؤثر ذلك على الإيمان ، مع التنبيه على صيانة كلام اللَّه تعالى من كل ما يخل بتوقيره ، ومع التوصية بطلب العلاج عند المختصين .
وجاء فى زاد المعاد لابن القيم (ج 4 ص 119) أن جماعة من السلف أجازوا كتابة شىء من القرآن ثم إذابته بالماء والتداوى به سقيا أو غسلا، روى ذلكُ عن مجاهد ومثله عن أبى قلابة ، ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها أثر من القرآن ثم يغسل ويسقى .
وجاء فى " الفتاوى الإسلامية " ( ج 10 ص 3567): اختلف العلماء فى جواز كتابة بعض آيات من القراَن أو أسماء لتكون تمائم ، فقالت طائفة بجوازه ، ونسبوا هذا إلى عمرو بن العاص وأبى جعفر الباقر، رواية عن الإمام أحمد، وقالت طائفة بمنعه لحديث أحمد " من علق تميمة . . . " وجزم كثير من العلماء بقول الطائفة الأخيرة، لعموم هذا النص ، وسدا للذريعة حتى لا يكبر الصغار وهم يعتقدون أن التمائم هى التى تشفى وتحفظ دون إرادة اللَّه . ولا يحل لمسلم أن يأخذ أجرا على كتابة هذه الآيات ، وليس هناك حديث يقول " خذ من القرآن ما شئت لما شئت " .
ويراجع فى ذلك تفسير القرطبى ( ج 10 ص 318)(7/377)
العدوى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى العدوى ؟
An العدوى انتقال المرض من المصاب به إلى آخر، بطريق مباشر أو غير مباشر، وكان العرب يعتقدون أن الجسم المريض يؤثر حتما فى الجسم السليم عند وجود الفرصة ، وذلك دون حساب أو تقدير لإرادة اللَّه تعالى .
ولما كانت العدوى حقيقة واقعة لم ينكرها الإسلام ، وإنما أنكر الاعتقاد الشائع حولها، ولهذا جاءت نصوص تثبتها كحقيقة طبية، ونصوص تنفيها كمؤثر حتمى بعيد عن إرادة اللّه .
فمما جاء فى إثباتها حديث " إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " ولما سمعه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه رجع من الشام . ولما قيل له : أفرارا من قدر اللَّه قال ؟ : أفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه (رواه البخارى) .
وحديث ( لا يورد ممرض على مصح " (رواه مسلم). وحديث " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"( رواه البخارى تعليقا). وعدم مبايعة النبى صلى الله عليه وسلم لرجل مجدوم كان فى وفد ثقيف (رواه مسلم) .
ومما جاء فى نفى العدوى حديث " لا عدوى ولاطيرة ولا هامة ولا صفر " (رواه البخارى). وحديث " فمن أعدى الأول "؟ (رواه أحمد والبيهقى والطبرانى) وذلك فى معرض الحديث عن الإبل يدخل فى وسطها بعير أجرب . وحديث : وضع النبى صلى الله عليه وسلم يد مجذوم معه فى الطعام وقوله : " كل باسم اللَّه توكلا على اللَّه وثقة باللَّه "( رواه الترمذى) .
وقد وضح ابن القيم هذا الموضوع فى كتابه " زاد المعاد " وذكر أنه لا تعارض بين الأحاديث القوية ، فالإثبات على أنها سبب عادى ، والنفى يحمل على أنها لا تؤثر بنفسها .
والهامة : طائر يزعم العرب أن عظام الميت تصير طائرا يطير من قبره ينادى بأخذ الثأر له وتقول : اسقونى اسقونى ، فإذا اخذ بثأره سكتت .
والصفر: حية فى البطن تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه كما كان يزعم العرب . وقيل : أراد بالصفر الشهر الذى كانوا يؤخرون به حرمة المحرم إلى صفر(7/378)
الحسد بالعين
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حكم الدين فى الحسد بالعين ؟
An الحسد بالعين حقيقة ملموسة لا ينكرها أحد. وهى طاهرة موجودة من قديم الزمان . وأن عجز بعض الناس عن تفسيرها تفسيرا علميا، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العين حق ، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين " رواه مسلم . وقد اتخذ النبى صلى الله عليه وسلم لها إجراء وقائيا وإجراء علاجيا، فقد ورد عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان . كما روى الترمذى وصححه أن أسماء بنت عميس قالت : يا رسول اللَّه ، إن بنى جعفر تصيبهم العين ، فأسترقى لهم ؟فقال : " نعم ، ولو كان شىء يسبق الفضاء لسبقته العين " .
وجاء فى مسند أبى داود عن عائشة قالت : كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ، وروى مالك أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حنيف يغتسل ، فقال : واللَّه ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة .
قال : فلَبِط سهل ، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال " علام يقتل أحدكم أخاه ، إلا بركت ، اغتسل له " فغسل له عامر وجهه ويده ومرفقيه و ركبتيه وأطراف رجليه داخلة إزاره فى قدح ، ثم صب عليه ، فراح مع الناس ، وقد ذكر ابن القيم فى كتابه " زاد المعاد ج 3 ص 116 " عدة أحاديث فى هذا الموضوع ، وعلق عليها بقوله : أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها . وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجابا ، وأكثفهم طباعا ، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها .
وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا فى سببه ووجهة تأثير العين . ثم ذكر ابن القيم وجهات نظر مختلفة وتفسيرات لكيفية الإصابة بالعين ، منها قوله :
أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين ، فيتضرر. قالوا : ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك . وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعى أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك ، فكذلك العائن . ثم قال : وهو يلتقى مع قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الأبتروذى الطفيتين من الحيات أنهم ليلتمسان البصر ويسقطان الحبل ويؤمن ابن القيم بذلك حتى قال : إن نفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى فيوصف له شىء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره .
وذكر ابن القيم علاج الإصابة بالعين مستوحى من الأحاديث النبوية ، مع أدعية واردة تفيد فى هذا الموضوع ، وأفاض فى بيان تأثير العلاج النبوى بالاغتسال بالماء الذى اغتسل به العائن بما لا يدع مجالا للشك فى أهميته ، فارجع إليه إن شئت .
هذا ، والأبحاث النفسية الحديثة لا تنكر أثر العين ، بل أثر القوى الأخرى ، وهى تثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله ، وأثر الاستعاذة والتحصن فى تقوية الروح لتدفع خطر العين(7/379)
معنى نزول الله إلى السماء الدنيا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وردت أحاديث تقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ليسمع دعاء التائبين والمسترزقين ، فكيف يكون هذا النزول ، وهل الله فى مكان ينزل منه ؟
An روى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعونى فأستجيب له ، من يسألنى فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له " .
هذا الحديث من المتشابه الذى يوجد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية ، والمسلمون حياله فريقان ، فريق يطلق عليهم اسم السلف ، وفريق يطلق عليهم اسم الخلف ، فالأولون يؤمنون بأن الله سبحانه ينزل من عرشه إلى سماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وكماله ، بعيدا عن المشابهة للحوادث كما قال سبحانه { ليس كمثله شىء} الشورى : 11 ، والآخرون يصرفونها عن ظاهرها ويريدون بها لازمها ، بمعنى القرب والرحمة وسرعة الاستجابة كما يجىء فى كلام العرب تعبيرا عن الرجل الكريم بأنه لا تطفأ له نار .
وعلى شاكلة ذلك كان تفسيرهم لليد والعين فى قوله تعالى { يد الله فوق أيديهم } الفتح :10 ، وقوله { ولتصنع على عينى } طه : 39 .
ومن موقف السلف والخلف من الإيمان بالظاهر ومن التأويل كان الوقف فى قوله تعالى { فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } آل عمران : 7 ، فالأولون يقفون عند قوله تعالى { وما يعلم تأويله إلا الله } ويكون قوله : " والراسخون " كلاما مستأنفا ، أو مبتدأ خبره " يقولون آمنا به " والآخرون لا يقفون عند قوله {الله } وأنما يصلون به على العطف " والراسخون فى العلم " فالذى يعلم التأويل عند الأولين هو الله فقط ، والذى يعلمه عند الآخرين الله والراسخون فى العلم . " راجع موضوع :
الرحمن على العرش استوى "(7/380)
القضاء والدعاء وعمل البر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q وردت نصوص يؤخذ منها أن الدعاء يرد القضاء وأن صلة الرحم تزيد فى العمر، فكيف يكون ذلك مع أن قضاء الله واحد وعلمه لا يتغير ؟
An روى الحاكم وصححه وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم فى قال " لا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد فى العمر إلا البر . . . " ورواه الترمذى وقال : حسن غريب ، أى رواه راو واحد فقط - وجاء فى حديث البزار والطبرانى والحاكم " لا يغنى حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء ينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " ومعنى يعتلجان :
يتصارعان ويتدافعان .
قال العلماء فى هذا : إن القضاء نوع من علم الله تعالى بما سيكون عليه حال العبد قبل خلقه ، ومنه قضاء مبرم لابد من وقوعه لا يدفعه ولا يرفعه شىء، ومنه قضاء معلق فى وقوعه أو رفعه على شىء ، فالموت مثلا قضاء مبرم لابد منه ولا يدفعه شىء " وطول العمر قضاء معلق على فعل ، مثل صلة الرحم وعمل خير آخر ، كما فى حديث " من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه " رواه أحمد وغيره .
ومن هذا النوع المعلق أن يعلم الله سبحانه أن شيئا سيحصل للعبد عند دعائه ، وأن مرضا سيصيبه لا يبرأ منه إلا بالدعاء والعلاج ، فكل حركات العبد والكون معلومة مكشوفة لله تعالى، ولكنها مغيبة عنا ، ولذلك أمرنا بطاعته ، ومن الطاعة الدعاء الذى يؤكد الإنسان شيه إيمانه بضعفه وحاجته إلى الله ، وقد عبر عن هذا فى الحديث بأنه العبادة أو مخ العبادة ، فإذا حصل الدعاء وتم ما أراد الله كانت إرادته مرتبطة بدعاء العبد كما علمها من قبل ، وما دام القضاء مغيبا علينا فعلينا امتثال أمر الله فى الدعاء وغيره ، ولو علمنا ما قدر لنا ما كان هناك معنى للتكليف ولركدت حركة الحياة(7/381)
سجود الشمس تحت العرش
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقال إن الشمس عند الغروب تسجد تحت العرش ،فهل هذا صحيح ؟
An قال تعالى{ حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما } الكهف : 86 ، المعروف أن الأرض كروية ، ولها دورتان ، دورة حول نفسها ينتج عنها الليل والنهار ودورة حول الشمس ينتج عنها الفصول الأربعة ، والشمس هى أيضا لها دوران حول نفسها ، على ما يفيده قوله تعالى{ والشمس تجرى لمستقر لها } يس : 38 ، فى أحد التفاسير ، وكانت هذه الحقيقة مجهولة إلى وقت قريب ، سبق بها القرآن المنزل من عند اللَّه .
ومشرق الشمس ومغربها هو فى حقيقته ظهور جزء من الأرض فى مقابلها واختفاؤه عنها ، فحركه الشروق والغروب حركة ظاهرية فى رأى العين للشمس ، وهى فى الحقيقة لنا ، وعندما تغيب الشمس عنا أو نغيب عنها يراها الناظر إليها وهو على شاطئ البحر أو المحيط أنها تغوص فى الماء كأن عينا ابتلعتها أو سقطت هى فيها .
ووصف العين فى الآية بأنها حمئة ، قال بعض المفسرين : إنها ذات حمأة وطين ، وفى قراءة ... حامية أى حارة ساخنة ، وذلك كله تخيل وتصور للناظر يعطيه لون الماء فى زرقته التى تميل ،من بعد إلى السواد ، أو توهج الشمس عن طريق تفرق أشعتها عند الغروب كأن نارا توقد فى هذا الماء ، فالتصوير كله بحسب ما يراه الناظر بصرف النظر عن الحقيقة .
ذلك ما يعطيه لنا العلم الحديث ، الذى يقول إن نصف الكرة الأرضية يكون نهارا حين يقابل الشمس ، والنصف المقابل يكون ليلا حين تغيب عنه .
لكن ورد فى البخارى حديث عن أبى ذر يقول فيه : كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد عند غروب الشمس ، فقال " يا أبا ذر تدرى أين تغرب الشمس " ؟ قلت : اللَّه ورسوله أعلم . قال " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش "، فذلك قوله تعالى { والشمس تجرى لمستقر لها } .
وأخرجه النسائى بلفظ فإنها تذهب حتى تنتهى تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها ، وتطلب ، فإذا كان ذلك قيل لها : اطلعى من مكانك ، فذلك قول اللَّه {والشمس تجرى لمستقر لها } .
فكيف يستقيم الإخبار عن سجودها تحت العرش عند مغيبها ، ومع قول القرآن إنها تغرب فى عين حمئة ؟ ولم يفت شراح الحديث القدامى هذا السؤال ، فقد قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى " لا تخالف بين الحديث والقرآن ، فإن المراد بالآية نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب ، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب .
وقال الخطابى : يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر استقرارا لا نحيط به نحن ، وليس فى سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعوقها عن دورانها فى سيرها ، وهناك أقوال أخرى لا يوجد لها سند صحيح .
وقال بعض العلماء : إن المراد بسجودها تحت العرش خضوعها للّه وانقيادها للنظام الذى وضعه لها .
وهذا أمر يجرى على كل كائن فى الوجود مهما تصور الإنسان عظمته وفتن بقوته وأثره ، فهو تحت حكم اللّه يتصرف فيه كيف يشاء ، وكل حركة فى الكون فهى بأمره سبحانه .
وعند نهاية العالم سيغير اللَّه نظام الكون المشاهد لنا ، فتشرق الشمس من حيث غربت . واللّه على كل شىء قدير .
وبهذا لا يوجد تعارض بين مقررات العلم وبين القرآن والحديث ، فالكل من اللَّه سبحانه واللَّه حكيم خبير(7/382)
الشرك الخفى
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الشرك الخفى ؟
An عن أبي سعيد الخدرى رضي اللَّه عَنه قال : خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن نتذكر المسيخ الدجال فقال "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال "؟ فقلنا : بلى يا رسول اللَّه فقال "الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " رواه ابن ماجه والبيهقى . وجاءت فيه روايات بألفاظ متقاربة كلها تفيد أن الرياء مذموم ، كأن الإنسان يشرك مع اللَّه غيره في أداء العبادة ، قال تعالى في ذم المرائين {إن المنافقين يخادعون اللَّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلا} النساء : 142 ، وقال تعالى{فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون ويمنعون الماعون } الماعون : 4 - 7 .
والأحاديث في ذم الرياء كثيرة ، منها حديث مسلم في الثلاثة الذين يكونون أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة ، المجاهد والعالم والجواد ، كانوا يحرصون على ثناء الناس عليهم. ، وحديث البخاري ومسلم "من سمَّع سمَّع اللَّه به ، ومن يراء يراء اللَّه به " أي من أظهر عمله للناس رياء أظهر اللّه نيته الفاسدة يوم القيامة وفضحه على رءوس الأشهاد .
وحديث ابن خزيمة في صحيحه "يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر" قالوا وما هو؟ . قال "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا، لما يرى من نظر الناس إليه ، فذلك شرك السرائر" وجاء في حديث أحمد والطبرانى أن النبي حذَرهم من هذا الشرك الخفي فسألوه كيف يتقونه ؟فقال "قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه " وفي بعض الروايات : يقال ذلك ثلاث مرات كل يوم(7/383)
أهل الفطرة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما حساب الذين ماتوا قبل الإسلام ، هل يدخلون الجنة أم يدخلون النار ؟
An أهل الفطرة هم الذين لم يروا نبيًّا سابقًا ولا نبيًّا لاحقًا، عاشوا وماتوا في فترة ليس فيها نبي ، ومنهم العرب الذين ماتوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يأتهم نبي بعد إسماعيل فمن أمن من هؤلاء بالرسل الذين أرسلوا إليهم فهم في الجنة ، ومن لم يؤمن فهو في النار، وهناك جماعة لم تبلغهم دعوة أي نبي من الأنبياء ، وقد اختلف فيهم العلماء ، فقال أى بعضهم ، كان الواجب عليهم أن يعرفوا ربهم بعقولهم عن طريق النظر في مخلوقاته ليؤمنوا به ، فمن توصل منهم إلى معرفته وآمن به نجا ، ومن لم يفعل ذلك فهو في النار .
وقال آخرون : لا يكلف هؤلاء بالإيمان إلا بحسب شرع يأتى إليهم ،فإذا لم يجئ فلا مسئولية عليهم ، قال تعالى{وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً} الإسراء: 15 .
وحجة كل فريق مبسوطة فى الكتب المتخصصة، راجع كتاب :
الملل والنحل للشهرستاني ، المواهب للقسطلانى مع شرح الزرقانى ، وسترى الحديث عن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم له نصيب كبير من البحث .
ومهما يكن من شيء فإن معرفة ذلك ليست فرضًا علينا، وليست عقيدة نسأل عنها، والبحث شهوة عقلية لا تغير من واقع هؤلاء الناس شيئًا ، فربهم أعلم بهم وقد أفضوا إليه بما قدموا(7/384)
الرب والإله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما الفرق بين الرب والإله ؟
An الرب فى اللغة هو المالك للشيء ، ويطلق على السيد المالك للعبد، وعلى المربى، ولا يقال "الرب " مطلقا بغير إضافة لشيء إلا للّه تعالى ، المتكفل بمصالح الخلق ، أما بالإضافة فيطلق على غير اللّه ، كرب الدار ورب الفرس ، ذكره الأصفهانى فى " المفردات " .
والإله بالتعريف اسم للمعبود بحق ، وهو اللَّه سبحانه ، وإذا ذكر بدون التعريف " إله " كان اسما لكل معبود ولو باطلا .
ويقول الراغب الأصفهانى فى " المفردات " الإله حقه ألا يجمع ، إذ لا معبود سواه ، لكن العرب - لاعتقادهم أن ههنا معبودات -جمعوه فقالوا : الآلهة .
قال اللَّه تعالى { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } الأنبياء : 43 ، وقال { أجعل الآلهة إلها واحدا } ص : 5(7/385)
اقتران صفات الله بلفظ "كان"
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q تأنى فى بعض الآيات صفات الله تعالا فيها عبارة " كان " مثل " كان الله غفورًا " فهل هذه الصفات ، كانت فى الماضى وزالت عنه وتغيرت أم باقية ؟
An إذا وصف اللَّه نفسه فى القرآن الكريم لم يأت هذا الوصف دائما مقرونا بلفظ " كان " فكثيرا ما يأتى الوصف بدون ذلك قال تعالى{ إن اللَّه على كل شيء قدير } البقرة : 109 ، { إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين } البقرة : 222 ، { واستغفروا اللَّه إن اللّه غفور رحيم } المزمل : 20 .
وفى بعض الآيات يأتى الوصف مع لفظ " كان " كقوله تعالى {وكان اللّه غفورا رحيما } الأحزاب : 59 ، وقوله { وكان اللّه بكل شىء عليما} الفتح : 26 ، وقوله تعالى { وكان اللَّه سميعا بصيرا } النساء :
134 .
وليس المراد بذلك أن اللَّه سبحانه كان متصفا بالمغفرة والرحمة والعلم والسمع والبصر فى زمن مضى، ثم زالت عنه هذه الصفات فى الزمن الحاضر ولا يتصف بها فى المستقبل ، ذلك لأن تقسيم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل هو بالنسبة لنا نحن ، حين نتحدث ونحدد ما يقع من أحداث قبل زمن الحديث عنها أو فى أثناء الحديث أو بعده ، أما اللَّه سبحانه فهو منزه عن الزمان . وما كان مخلوقا لا يتحكم فيمن خلقه .
وكأن اللَّه سبحانه حين يقرن صفاته بلفظ " كان " يبين لنا أنه موصوف بذلك قبل أن يخبرنا ، بل قبل أن يخلقنا ، فهى صفات أصيلة فيه وجبت له لذاته لا لعلة أوجدتها فيه . فقد كان اللَّه بصفاته ولا شيء معه وقد نبه المفسرون على ذلك ، فجاء مثلا فى تفسير الجلالين لقوله تعالى فى أول سورة النساء { إن اللَّه كان عليكم رقيبا } قوله : أى لم يزل متصفا بذلك . وقال الجمل فى الحاشية : نبه به على أن " كان " قد استعملت هنا فى الدوام ، لقيام الدليل القاطع على ذلك(7/386)
تخلقوا بأخلاق الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل هناك حديث يقول : تخلقوا بأخلاق الله ، وكيف يقال عن صفات اللّه أنها أخلاق ؟
An لا يوجد حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ ، ذلك أن الخُلق كما عبر عنه العلماء ملكة راسخة فى النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير فكر ولا روية، ولا يمكن أن يعبر عن صفات اللَّه مثل الرحمة والعدل بأنها آثار لملكة راسخة فى النفس .
والذى ورد أن السيدة عائشة رضى اللّه عنها سئلت عن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن رواه مسلم وغيره ، وجاء فى زيادة : يغضب لغضبه ويرضى لرضاه .
وقد علق العارف باللَّه عمر شهاب الدين بن محمد بن عمر السهروردى المتوفى ببغداد فى المحرم سنة 632 هجريه - فى كتابة عوارف المعارف على قول السيدة عائشة بقوله : ولا يبعد أن قول عائشة رضي اللَّه عنها : كان خلقه القراَن فيه رمز غامض وإيماء إلى الأخلاق الربانية ، فاحتشمت الحضرة الإلهية أن تقول : كان متخلقا بأخلاق اللَّه تعالى، فعبرت عن المعنى بقولها :
كان خلقه القرآن ، استحياء من سُبُحات الجلال ، وسترًا للحال بلطيف المقال ، وهذا من وفرة عقلها وكمال أدبها . " الزرقانى على المواهب اللدنية ج 4 ص 246 " .
فإذا جاء التعبير على لسان بعض رجال التصوف بلفظ " أخلاق اللّه " فلم يجىء هذا التعبير عن النبى صلى الله عليه وسلم . وإن كانت صفات اللَّه سبحانه معروفة(7/387)
الوجودية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هى الوجودية وما موقف الإسلام منها ؟
An الوجودية مذهب أو اتجاه فكرى يعنى بالبحث فى الوجود الإنسانى ، ويصورها "ريجيس جوليفييه " فى كتابه "مذاهب الوجودية" بأنها اعتقاد أن أساس وجود الإنسان هو ما يفعله بمعنى أن أفعاله هى التى تحدد وجوده ، كما قال سارتر: أنا موجود فأنا أفكر، على عكس ما قال ديكارت : أنا أفكر فأنا موجود .
إن هذا المذهب ليس جديدا ، فقد اهتم به كثيرون من الفلاسفة والأدباء والمتصوفين وغيرهم من قديم الزمان ، وإن كان أبرزهم حديثا هو "كير كجارد" الدانمركى المتوفى سنة 1855 م وآخرهم "جان بول ساتر" الفرنسى المولود فى 21 من يونيو سنة 1905 م والمتوفى فى يوم الثلاثاء 15 من إبريل 1980 م .
وبعض المعتنقين لهذا المذهب يؤمنون بوجود اللَّه الذى خلق الإنسان ، لكن يرون أنه مى به فى تيه يعيش فيه بين الألم والخوف والقلق ، ومن هؤلاء : كير كجارد ، جبرييل مارسيل ، وبعضهم لا يؤمنون بأن اللّه خلق الإنسان ، بل هو الذى خلق نفسه بنفسه ، وذلك لعدم اليقين بمصدر وجوده الحقيقى، ومنهم : هيدجر، سارتر .
والذين درسوا تاريخ هؤلاء تبين له أن ظروف حياتهم هى التى أملت عليهم هذا الاتجاه فى التفكير، فقد كان "كير كجارد" منطويا على نفسه منعزلا، ولذلك حلل الوجود البشرى تحليلا يعيش فى جو الحصر النفسى والتمزق الداخلى والشعور بالخطيئة ، وكذلك "سارتر" حيث اهتم اهتماما كبيرا بفكرة العدم باعتباره داخلا فى نسيج الوجود، فالفرد عنده يعيش فى مواقف تتصف بالتميع ، ويحاول أن يتخطى حدود نفسه ويخدعها ، ومن أجل أن وجوده مرتبط بوجود الآخرين يرى تصارع إرادتهم مع إرادته فى جو كله غثيان ، والفرد يسعى جاهدا إلى تحقيق رغباته لكن ذلك غير ممكن ، لأن إمكاناته لا تسعفه .
ويمكن أن نحدد أهم الصفات المميزة للوجوديين فيما يلى :
1- الإيمان بأن التجربة الفردية هى أساس المعرفة ، وليس العقل أو غيره موصلا إلى معرفة الحقيقة .
2- الإغراق فى تقديس الحرية الشخصية فكرا وسلوكا ، وعدم الاهتمام بالآخرين بقدر الاهتمام بالنفس ، ولذلك كثر فيهم الشذوذ والتطرف والآراء الغريبة والإنسان هو صانع وجوده بنفسه ، لأنه رب أفعاله .
3- التشاؤم والقلق والتمزق ، فالوجودى يحاول أن يخلع نفسه من نفسه ليعيش نفسا أخرى ، لأنه إما أن يكون قد قذف به فى الكون وترك مع الطوفان بلا مدد أو وقاية ، كما يقول الملحدون ، وإما أن يكون اللَّه قد ترك له حرية الاختيار، وإن كان الاختيار نفسه محدودا بحواجز خارجة عن إرادته وهو يشعر بها عند الفشل والمقاومة ، فالوجود عندهم يتأرجح دائما بين الوجود والعدم أو بين الاختيار والجبر .
وهى تجرد الإنسان من كل ثقة فى الحياة ، وتهدم كل أساس ينطلق منه العمل . يقول "هيدجر" إننا قد ألقى بنا إلى هذا العالم ولست أعرف لماذا ولا كيف ، والشيء الوحيد الذى أعرفه حق المعرفة هو أننى سأموت يوما من الأيام ، فالإنسان مستقبله محدود ومتناه ، وأنا أعرف ذلك .
إن لهم تعبيرات غريبة عن التجربة الفردية التى يعيشونها ، يقول عنها "كارل ياسبرز" إنها الإحساس بمدى هشاشة الوجود الإنسانى، ويقول عنها "هيدجر" هى المضى نحو الموت ، ويقول عنها "سارتر" : الإحساس بالغثيان والتقزز بل إن كثيرا منهم لا يرضى أن يقال عنه : إنه فيلسوف ، وإنما يقال : كاتب أو أديب ، لأن الفيلسوف الوجودى يقصر بحثه على الوجود الخاص به ، وهو يرى أن فلسفة البحث عن الوجود هى العدم ، وذلك ما قاله هيدجر. ومن هنا اعتبر كبار النقاد أن سارتر أديب أولا، ثم فيلسوف ثانيا .
3- تقوم الوجودية على إنكار وجود اللّه ، وبالتالى إنكار حياة بعد الموت ،أو على عدم الرضا بقضاء اللّه وحكمته فى هذا الوجود، وأنه بقدرته يمكن أن يغير أى حال إلى حال آخر، الأمر الذى جعلهم يعيشون حياة القلق والتشاؤم والاهتمام بالذات وانتهاز الفرص التى ربما لا تتاح بعد .
إن الناظر إلى هذا الفكر يراه مخالفا للإسلام ، وذلك لما يأتى :
(ا) أن الإسلام يقوم على الإيمان بوجود اللَّه وبالحياة الآخرة ، فالوجود الزمنى فى الدنيا معه وجود آخر دائم بعد الموت ، فالعدم ليس نهاية الوجود كله ، بل إن الحياة الآخرة خير لمن اتقى واستقام أمره .
(ب) ليست وسائل المعرفة الصحيحة قاصرة على إحساس الفرد نفسه بما يعانيه من تجربة ، فهناك العقل وميدان التفكير واسع غير محدود، وهناك الوحى المنزل من عند اللَّه على رسله .
(ج) ليست الحرية الشخصية فى الإسلام أو فى أى دين آخر، بل فى أى تشريع أو عرف ، حرية مطلقة بغير حدود ، فهناك ضوابط موضوعة لاستقامة السلوك وللمحافظة على حقوق الآخرين ، ضرورة أن الإنسان مدنى بطبعه ، لابد أن يعيش فى مجتمع له حقوقه ، ومعلوم أن الأهواء الشخصية مختلفة، وفى بعضها تضارب كبير، والإنسان ليس كالحيوانات التى تسيرها غرائزها فى أكثر أحوالها .
(د) الإسلام لا يرضى عن التشاؤم المطلق ، أو اليأس المقنط بل فتح باب الأمل ودعا إلى النشاط والعمل ، ووعد بالعفو عن المسيء إذا أناب إليه ، وباليسر والفرج لمن توكل عليه ، وآمن برحمته وحكمته وهو يباشر نشاطه المأمور به .
وكل ذلك له أدلته من الكتاب والسنة وآثار السلف وواقع التاريخ الذى أثبت أن المسلمين انطلقوا بإيمانهم العميق بالله وبالحياة الآخرة ، وبالأمل الواسع فى نصره وتأييده وبالتزامهم الصادق للحدود التى وضعها اللَّه للسلوك - انطلقوا إلى الآفاق الواسعة ، ينشرون كلمة الحق ويعمرون الدنيا بالخير .
ولا حاجة بالمسلمين اليوم إلى استيراد أفكار وفلسفات وأنماط سلوك وضيعة هى نتاج عقول تخطىء وتصيب ، وهى نضح لمعاناة شخصية فى ظروف خاصة{ومن أحسن من اللَّه حكما لقوم يوقنون } المائدة : 50 ، يقول "بول فولكييه "فى كتابه "هذه هى الوجودية" إن غموض شخصيات من اعتنقوا هذا المذهب جعل تعبيراتهم غامضة وليس من السهل فهمها أو تحديد المعانى المرادة منها ، ولذلك لما اعترض على سارتر بهذا الغموض قال "لا عجب فى عدم فهم ما أكتب ، لأن الواقع محال ولا يدركه الفهم " أمثل هؤلاء يتخذون زعماء؟ يمكن الرجوع إلى ما يأتى :
1 - دائرة معارف الشعب ، المجلد 3 ص 569 .
2 -دراسات قى الوجودية ، للدكتور عبد الرحمن بدوى .
3 - الفلسفة الوجودية ، للدكتور زكريا إبراهيم .
4 - المذاهب الهدامة ، لعباس العقاد .
5 - الوجودية ، للدكتور محمد الفيومى .
6 - قضايا العصر، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية .
7 - الأهرام 1 / 0 1 / 1983 ، 26/ 4 / 1985 .
8 -اللواء الإسلامى 11/ 4/ 1985 .
9 - الوجودية فى الميزان ، للدكتور مصطفى غلوش .
10 - الوجودية فى الميزان ، للشيخ محمد أبو المكارم(7/388)
رؤية الله يوم القيامة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q سمعنا حديثا يقول "إنكم ترون ربكم يوم القيامة " فهل هذا حديث صحيح ؟
An ذكرنا فى إجابة سابقة خلاف الناس فى رؤية الله فى الدنيا ، وأشرنا إلى أن هناك أخبارا تؤكد جواز رؤيته فى الآخرة ، وزيادة فى التأكيد نقول : جاءت فى ذلك أحاديث متفق عليها ، منها حديث رواه البخارى ومسلم عن أكثر من عشرين من أكابر الصحابة منهم أبو سعيد الخدرى الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم " هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال "هل تضارون فى رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا" قلنا لا ، قال "فإنكم لا تضارون فى رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون فى رؤيتهما ، ثم ينادى مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أهل الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات -بقايا - من أهل الكتاب ، وبعد إلقاء اليهود والنصارى فى جهنم يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر ينتظرون رؤية الله ، فيأتيهم على غير الصورة التى رأوه أول مرة. . . . . . وعند رؤيته يسجد له كل مؤمن ،ولا يستطيع من كان يسجد له رياء وسمعة . . . إلى آخر الحديث . وفى حديث آخر للبخارى ومسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان " .
يؤخذ من هذا أن أهل الموقف جميعا يرون الله ، وتكون الرؤية للمؤمنين نعيما ولغيرهم شقاء، يوضحه قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة . ووجوه يومئذ باسرة . تظن أن يفعل بها فاقرة} القيامة : 22 - 25، فإذا فرغ من الكافرين وألقى بهم فى جهنم يرى المؤمنون ربهم مرة ثانية، فقد ورد فى صحيح مسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم " ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس : 26، فرؤية الله فى الآخرة واقعة ولا ينبغى الجدال فيها ، وعلينا أن نستعد للقائه فى جنة النعيم فذلك أولى(7/389)
السجود لغير الله
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q إذا كان السجود لله وحده فلماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، وكيف سجد أخوة يوسف له ؟
An أولا: سجود الملائكة لآدم ليس سجود عبادة، بل سجود تحية ، ثانيا الذى أمر بذلك هو الله ، ولابد من امتثال أمره ، لكن لو أمر أحد غير الله بالسجود لغير الله حرم الأمر وحرم الامتثال ، جاء فى الحديث النبوى "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذى وصححه .
وقال المفسرون بعد اتفاقهم على أن سجود الملائكة لآدم لم يكن سجود عبادة : إن الله أمرهم أن يضعوا جباههم على الأرض ، وذلك تكريما لآدم ، أو كان السجود للّه ولكن القبلة هى آدم ، كما يقال :
صلى الإنسان للقبلة ، أى إليها ، وقيل : إن السجود لم يكن سجودا ماديا بأية هيئة ولكنه سجود معنوى وهو الإقرار والاعتراف بفضل آدم . ومهما يكن من شىء فإن السجود للتحية- لا للعبادة-ظل معروفا من قديم الزمان حتى زمن يعقوب عليه السلام قال تعالى عن يوسف {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجَّدا} يوسف : 100، بل بقى إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولما رأى الصحابة سجود الشجر والجمل له قالوا : نحن أولى بالسجود لك فقال : "لا ينبغى أن يُسجد إلا لله رب العالمين " وروى ابن ماجه فى سننه والبستى فى صحيحه أن معاذ بن جبل لما قدم من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما هذا"؟ قال : يا رسول الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأباطرتهم وأساقفتهم ، أردت أن أفعل ذلك بك ، فقال "فلا تفعل فإنى لو أمرت شيئا أن يسجد لشىء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها، حتى لو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه "والقتب رحل صغير على قدر سنام الجمل .
من هذا يعرف أن سجود العبادة ممنوع ، وأن سجود التحية لآدم كان بأمر من الله ، وسجود إخوة يوسف كان للتحية أيضا ، ونهى عنه الإسلام مطلقا، حتى لو كان للتحية(7/390)
التنبؤات الفلكية
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما موقف الإسلام من أقوال الفلكيين فى أول كل سنة عن الأحداث التى ستحصل فى الكون ؟
An من المعروف فى العقائد أن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، كما قال سبحانه {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام : 59 ، وقال {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان : 34، وقال {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا . إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن : 26 ، 27، .
وعلم الله يتميز بأمرين ، أولهما الصدق واليقين بحيث لا يعتريه شك ، والثانى الإحاطة والشمول فلا يغيب عن علمه شيء ، وكل ما ينشر عن الفلكيين أو غيرهم أكثره استنتاج وفراسة وظن وتخمين وبراعة فى الربط بين حركات النجوم وتأثيرها على الجو حرارة وبرودة ورطوبة وجفافا وعواصف وأمطارا، وما ينتج عن ذلك من رخاء أو قحط أو قلاقل وفتن نتيجة للحالة الاقتصادية وما تؤثر فيه من الناحية السياسية والحربية والاجتماعية وما إلى ذلك .
ولا شك أن الآثار والنتائج هى محصلة عدة عوامل يتفاعل بعضها مع بعض ، وتنتج بشكل طبيعى نتائج مختلفة يمكن إدراكها قبل وقوعها لمن عندهم فراسة وحسن تقدير وربط بين الأسباب والمسببات .
ومع ذلك فكله من باب الظنون التى لا يقطع بها ، فقدرة الله وإرادته فى تصريف هذه الأسباب وفى إنتاجها للمسببات فوق كل تدبير وتقدير وحساب من البشر، قال تعالى {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} النور: 43 ، .
وقال تعالى {الله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} الروم : 48 ، 49 .
فالخلاصة أن هذه التنبؤات ظنية وليست قطيعة ، ومن ادعى أنها قطعية فقد خالف قول الله فى علمه للغيب ، وتعيين أشخاص يموتون أو يتولون مناصب أو يعزلون ، كل ذلك إفراط فى التخمين يكذبه الواقع كثيرًا ، ويبقى الأمر كله لله وحده ، والأمثلة على ذلك كثيرة فى التاريخ "انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم ، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 282 -300" يقول الدميرى "742-808 هـ " فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى" : روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر أصحابى فأمسكوا" رواه الطبرانى وأبو نعيم فى الحلية ، وحسنه بعض أصحاب الأمالى عن ابن مسعود ، وقال "أخاف على أمتى بعدى ثلاثا ، حيف الأئمة والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر" رواه ابن عبد البر وابن عساكر وهو ضعيف وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : تعلموا من النجوم ما تهتدوا به فى البحر والبر ثم أمسكوا .
ويبين الدميرى سر النهى عن ذلك بعدم فتنة الناس بالنجوم ، حتى لا يربطوا بينها وبين الأحداث فينسوا ربهم الذى خلق كل شيء ، وبأن نتائجها ظنية لا يجوز الحكم بالظن ، وبأن الاشتغال بالنجوم من هذه الناحية فضول ليست فيه فائدة تذكر، وهناك ما هو أهم منه. هكذا يقول الدميرى، وقال كثيرا غير ذلك "ج ا ص 15 ، 16 مادة الأسد " وجاء فى ذلك قول محمد بن عبد الله بن محمود الحسينى :
لا شىء أجهل ممن يدعى ثقة * بحدسه ويرى فيما يرى ريبا قد يجهل المرء ما فى بيته نظرا * فكيف عنه بما فى عينه احتجبا وقول سيدنا على ، أو يوسف بن عبد البر :
أمنتحلى النجوم أحلتمونا * على علم أرق من الهباء علوم الأرض ما أحكمتموها * فكيف بكم إلى علم السماء وأنا أقول : إذا كان الاشتغال بعلم النجوم من أجل معرفة أسرار الكون وحسن استخدامها كما يحصل الآن من الجهود فى غزو الفضاء -كما يعبرون -فلا بأس به ، بل الدين يشجعه ما دام ذلك من أجل الخير، أما سوء استخدام هذا العلم أو ادعاء معرفة الغيب على وجه اليقين فذلك ضلال لا يوافق عليه الدين(7/391)
القضاء والقدر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى الكتب أن محاجة حدثت بين آدم وموسى وأن آدم غلبه لأنه اعترض على قضاء الله فكيف يصح ذلك ؟
An روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "احتج آدم وموسى فقال له موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ، أتلومنى على أمر قدر الله على قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" وجاء هذا الحديث بروايات أخرى .
المراد بقوله : خط لك بيده ، ألواح التوراة ، والأربعون سنة هى ما بين قوله تعالى : {أنى جاعل فى الأرض خليفة} إلى نفخ الروح فيه ، أو هى مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح . وقد تحدث شراح الحديث وكثرت أقوالهم لتوضيح الصلة بين قدر الله ومسئولية العبد وخلاصة أقوالهم ما يأتى :
أنكر القدرية هذا الحديث لأنه يثبت القدر وهم لا يقولون به ، إذ لو صح لاحتج كل مخالف بالقدر السابق ، ولو ساغ ذلك لانسدَّ باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكب من الفواحش ، والمثبتون للحديث ردوا عليهم ، ووضحوا كيف كانت الغلبة لآدم على موسى بقولهم :
(ا) إن موسى كان له مثل حال آدم حيث قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وتاب الله عليه كما تاب على آدم ، قال تعالى{وعصى آدم ربه فغوى .
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} وقال فى شأن موسى : {قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له } وليس من اللائق أن يلوم أحد غيره على حال وقع مثلها له .
(ب ) إن اللوم على المخالفة يكون مشروعا إذا كان قبل التوبة ، أما بعدها فلا فائدة تذكر منه .
(ي ) إن لوم موسى لآدم كان بعد موته وانتقاله من دار التكليف إلى دار الجزاء ، حيث كان لقاؤهما على أرجح الأقوال فى البرزخ بعد موت موسى، فالتقت أرواحهما فى السماء كما جزم بذلك ابن عبد البر والقابسى ، وإذا كان الله قد لام آدم فى الدنيا بقوله : {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وهو أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده كما ورد، فلا يسوغ لموسى أن يؤنب آدم ، والله سبحانه بكرمه لا يؤنبه بعد موته ، وقد ورد أيضا النهى عن التثريب على الأَمة التى زنت وأقيم عليها الحد .
هذا، ولا يجوز أن يكون هذا الحديث متكأ لمن يقترف معصية، فإذا وجه إليه اللوم يقول : هذا قدر الله ، كما قال آدم ، وذلك لأن من كان باقيا فى الدنيا دار التكليف تجرى عليه الأحكام من لوم وعقوبة ونحوهما .
قال النووى : فى ضمن كلامه على هذا الحديث (شرح صحيح مسلم ج 16 ص 202) : ولأن اللوم على الذنب شرعى لا عقلى، وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم ، فمن لامه كان محجوجا بالشرع ، فإن قيل : فالعاصى منا لو قال : هذه المعصية قدرها الله عليَّ لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله ، فالجواب أن هذا العاصى باق فى دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها ، وفى لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل ، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت ، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن فى القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل . والله أعلم(7/392)
من لم تبلغه الدعوة
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q 1- ما حكم الذى ينشأ فى مجتمع كافر ولم تبلغه الدعوة الإسلامية، ولم يسمع عن شىء اسمه الإسلام ،أو بلغه الإسلام ولكن بصورة مشوهة ثم مات ولم يسلم ؟ .
2- ما حكم الذى يعيش فى مجتمع مسلم ، ولكنه لا يعمل بالإسلام ، أو يعمل بخلاف ما يريده الإسلام من الاعتقادات ، وذلك عن جهل ولم يجد من يعرفه الإسلام الصحيح ، وما حكم إرثه ؟
An لقد تحدث العلماء عمن لم تبلغهم الدعوة وعن الذين لم يدركوا نبيا سابقا أو لاحقا وهم أهل الفترة ، وأطنب فى بيان حكمهم كثيرون من العلماء كإمام الحرمين فى البرهان والغزالى فى المستصفى والمنخول والرازى فى المحصول والباقلانى فى التقريب وغيرهم .
وتناول حكمهم رجال الفقه والأصول والكلام ، بناء على القاعدة الأساسية فى الحسن والقبح هل هما عقليان أم شرعيان ، كما تحدثوا عن المؤاخذة وعدمها هل هى فى الدنيا فقط أم الدنيا والآخرة إلى آخر ما تحدثوا فيه . ومما استشهدوا به قوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء :15 ، أى أن اللّه لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم ، كما قال الجمهور، وقالت فرقة : هذا عامٌّ فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى : {كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} الملك : 8 ، 9 .
وورد فى أهل الفترة أحاديث فى أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة ، والصحيح من هذه الأحاديث ثلاثة .
إن الذى لم تبلغه الدعوة فى عصرنا هذا أمثال سكان الكهوف والأدغال والجزر النائية الذين لا يعرفون وسائل الاتصال بالعالم من حولهم ، وهم قلة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها ، وكثرت الرحلات وتنافس الاستعمار فى استغلال مناطق الأرض .
ومن سمع بأن هناك رسولا جاء بدين اسمه الإسلام وجب عليه أن يبحث عنه إن استطاع ، فإن لم يسمع أو سمع ولم يستطع البحث كان معذورا ، كما قال العلماء .
وقد اشترط العلماء فى لزوم الدعوة لمن بلغتهم أن تبلغهم صحيحة غير مشوهة ، فإذا وصلت مشوهة كانوا معذورين فى عدم الإيمان بها ، وقد نص على ذلك الإمام الغزالى فى كتابه "فيصل التفرقة" فبعد أن ذكر أن أكثر النصارى من الروم والترك فى زمانه ناجون لعدم بلوغ الدعوة إليهم ، قال : بل أقول : حتى الذين بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشوهة فعلمهم أهلوهم منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كذبا فهؤلاء عندى كالصنف الأول ، أى ناجون ، وأما سائر الأمم الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بالتواتر ظهوره وصفاته ومعجزاته الخارقة، وعلى رأسها القرآن ، وأعرضوا عنه ولم ينظروا فيما جاء فيه فهم كفار. اهـ ملخصا .
وعلى هذا نقول : إن من لم تبلغه الدعوة أصلا، أو بلغته مشوهة أو بلغته صحيحة ولم يقصر فى البحث والتحرى فهو معذور ، أى يرجى له عدم الخلود فى النار .
أما المسلم الذى يعيش بين المسلمين ولا يعمل بالإسلام لجهله فله حالتان :
الأولى : جهله بالعقيدة كوحدانية الله والبعث ، أو جهله بما يعلم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم وحرمة القتل والخمر، وهذا لا يعذر فى جهله ، فلو ترك شيئا مما وجب عليه أو ارتكب محرما إن كان منكرا جاحدا فهو كافر، وإن كان غير منكر ولكنه متكاسل مثلا فهو غير كافر ، بل مؤمن عاص .
ومن حكم بكفره انقطع التوارث بينه وبين غيره من المسلمين إذا مات على ذلك ، أما العاصى فإن تاب ترجى له المغفرة ، وإن مات ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء : 48 .
أما من قصر فى غير ما علم من الدين بالضرورة لجهله به ، وذلك كالمسائل الفرعية فى الفقه وبخاصة الدقيقة منها فهو معذور ، وعليه أن يسعى ليتعلم .
والحاصل أن الجهل نوعان : جهل لا يعذر به المسلم الذى نشأ فى مجتمع مسلم ، وجهل يعذر به ، الأول كالجهل بالأركان الأساسية للدين ، والثانى كالجهل بالفروع التى تكون محلا لاختلاف الآراء ، ومنكر الأمور الأساسية كافر، والمقصر فيها دون إنكار مؤمن عاص ، ومنكر الأمور الثانية أو المقصر فيها معذور. والله أعلم(7/393)
مولانا وسيدنا
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما رأى الدين فى قول بعض الناس للعالم يا مولانا ، أو لحامل القرآن يا سيدنا ؟
An 1 -تحدث النووى فى كتابه "الأذكار ص 360" عن لقب المولى، فقال :
يكره أن يقول المملوك لمالكه : ربى ، بل يقول : سيدى . وإن شاء قال :
مولاى ففى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقل أحدكم : أطعم ربك ، وَضِّئْ ربك اسق ربك ، وليقل : سيدى ومولاى . .. " وفى رواية لمسلم "لا يقل أحدكم : ربى، وليقل : سيدى ومولاى" .
ثم قال فى ص " 361" : قال الإمام أبو جعفر النحاس فى كتابه "صناعة الكتاب " : أما المولى فلا نعلم اختلافا بين العلماء أنه لا ينبغى لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين : مولاى . قلت : وقد تقدم جواز إطلاق مولاى، ولا مخالفة بينه وبين هذا ، فإن النحاس تكلم فى المولى- بالألف واللام - وكذا قال النحاس : يقال سيد لغير الفاسق ، ولا يقال السيد - بالألف واللام - لغير الله تعالى - والأظهر أنه لا بأس بقوله : المولى والسيد: لغير الفاسق .
2 - وقال النووى فى الكتاب المذكور "ص 359" اعلم أن "السيد يطلق على الذى يفوق قومه ويرتفع قدره عليهم ، يطلق على الزعيم والفاضل ويطلق على الحليم الذى لا يستفزه غضبه ، ويطلق على الكريم ، وعلى المالك ، وعلى الزوج .
وقد جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق "سيد" على أهل الفضل ، فمن ذلك ما رويناه فى صحيح البخارى عن أبى بكر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد بالحسن بن على رضى الله عنهما المنبر فقال "إن ابنى هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضى الله عنه "قوموا إلى سيدكم أو خيركم " كذا فى-بعض الروايات "سيدكم أو خيركم " وفى بعضها "سيدكم " بغير شك وروينا فى صحيح مسلم أن سعد بن عبادة رضى الله عنه قال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله . . . الحديث ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى ما يقول سيدكم " .
وأما ما ورد فى النهى فما رويناه بالإسناد الصحيح فى سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا للمنافق سيد ، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل " قال النووى : والجمع بين هذه الأحاديث :
أنه لا بأس بالإطلاق : فلان سيد ويا سيدى وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلا خيِّرا ، إما بعلم وإما بصلاح وإما بغير ذلك ، وإن كان فاسقا أو متهما فى دينه أو نحو ذلك كره أن يقال سيد، وجمع بين الأحاديث أبو سليمان الخطابى "فى معالم السنن " بنحو ذلك .
والخلاصة أنه لا مانع أن يطلق الإنسان لقب مولاى أو سيدى ، أو المولى أو السيد على من يستحق ذلك دينا ، كالعالم والصالح ومعلم القرآن وزعيم الجماعة وغيرهم ممن ذكروا فى إطلاقات السيد . أما وصف الفاسق بذلك فمكروه ، إلا إن خيف شر ، أو حصول فتنة فيجوز بمعنى من المعانى البعيدة عن الدين قياسا على ما قيل فى كراهة السلام - التحية - على المبتدعين والعصاة الفاسقين ، الذين روى البخارى فيهم عن عبد الله بن عمرو قوله : لا تسلموا على شربة الخمر، وقال النووى فى الأذكار ص " 354" : إن اضطر إلى السلام على الظَّلمة بأن دخل عليهم ، وخاف ترتب مفسدة فى دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلم -سلَّم عليهم ، قال الإمام أبو بكر بن العربى : قال العلماء : يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، المعنى الله عليكم رقيب(7/394)
الوصول إلى القمر
F عطية صقر .
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q هل صحيح أن الناس وصلوا إلى القمر ، أرجو الاستدلال بآية من القرآن على أن فى مقدور الإنسان الوصول إلى القمر وإن كانت الإجابة " لا " أرجو كذلك الاستدلال بآية من القرآن ، لأن القرآن به كل شيء موضح فيه ؟
An أقول للسيد السائل : إن الوصول إلى القمر تم بالفعل ولا مجال للشك فيه ، وعلى المسلم أن يكون على صلة بالأحداث التى تجرى حوله ، وألا يعيش بعقله وفكره منزويا عن العالم باستكشافاته الحديثة وإنجازاته العلمية الواسعة .
والوصول إلى القمر أو إلى أى كوكب آخر من الكواكب التى يحاولون اختبار ظروفها ليس فيه ما يعارض الدين أو يكذب القرآن ، فإن الله سبحانه أمر بالبحث والنظر فى ملكوت السماوات والأرض ، قال تعالى : {أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف :
185 .
والبحث العميق يوصل إلى الإيمان القوى بالله إذا كان بحثا منصفا بعيدا عن التعصب والأهواء ، ولا توجد آية ولا حديث يمنع محاولة الوصول إلى القمر .
وليس فى الوصول إليه خرق للسماوات ، فهو وغيره من النجوم والكواكب موجود فى السماء الأولى قال تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } الصافات : 6 ، ولو قرأت أقوال المختصين عن سعة الكون لعرفت أن القمر، كما عبر بعض المحدثين ، ضاحية من ضواحى الأرض ليس بعيدا عنها كما يظن الناس .
وقد حاول بعض الناس أن يستدل بقوله تعالى : {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء} الأعراف : 40 ، على أنه لا يمكن اختراق السموات ، وقد علمت أن القمر وما سواه موجود فى السماء الدنيا ولا يحتاج إلى اختراق ، على أن المراد بعدم فتح الأبواب عدم قبول الدعاء والأعمال وعدم رفع أرواحهم إلى عليين .
والقرآن يكتفى فى النواحى العلمية بتوسيع المجال للنظر والتشجيع على البحث فى الكون كله أرضه وسمائه ، ولا حاجة بعد ذلك للنص على جزئيات معينة، فهى كثيرة، والقرآن دستور فقط للباحثين والعاملين فى مختلف المجالات(7/395)