"دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشروعية قص الشارب ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى ؛ خالفوا المشركين) متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ؛ خالفوا المجوس) ، وفي بعضها : (أحفوا الشوارب) والإحفاء هو المبالغة في القص ، فمن جز الشارب حتى تظهر الشفة العليا أو أحفاه فلا حرج عليه ؛ لأن الأحاديث جاءت بالأمرين ، ولا يجوز ترك طرفي الشارب ، بل يقص الشارب كله ، أو يحفيه كله ؛ عملاً بالسنة" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود . "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/149) .
وقد اختار الطبري والقاضي عياض جواز الأمرين : الحف والقص ، ومال إليه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/347) .
وانظر : "الموسوعة الفقهية" (25/320) .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
103649
العنوان:
كانت تتأخر عن الدوام ويساعدها المدير في عدم الخصم فكيف ترد المال
السؤال:
عملت في شركة لمدة خمس سنوات ونصف تقريبا. وكنت معظم أيامي أتأخر صباحا بالساعة ومرات بالساعتين في الوصول إلى عملي (إذ لم يكن مديري المباشر يطلب مني أي أعمال إلا ما ندر ، هذا إضافة إلى التسيب في الشركة ومراعاة الموظفات في حالة التأخير وهذا ما جعلني أواظب على تأخيري ). وفي نهاية الشهر كنت أطلب من مدير شؤون الموظفين أن لا يخصم مني ما يجب خصمه تلقاء تأخيراتي المتتالية ، وكان يساعدني في ذلك ويستجيب بنية المساعدة فقط (وبعد أن أعلمه أني بحاجة إلى المال الذي سيخصمه مني). غادرت منذ فترة هذه الشركة . هل يترتب علي دفع ما كان يجب أن يخصم مني خلال فترة عملي في الشركة المذكورة أم يجب علي فقط التوبة النصوحة إلى الله ، وهل أنا المسئولة عن هذا المال الحرام وعلي إرجاعه أم مدير شؤون الموظفين هو الذي سيأثم على ذلك . وإذا كان الجواب نعم علي إرجاعه ، أرجو إفادتي بالتفصيل الممل عن كيفية دفع هذا المبلغ الكبير (صدقات ، وقف ... ) - الذي لم أستطع تحديده بالضبط ولكني قدرته تقريبا والذي أملكه حاليا بعد أن أخذت تعويضي من الشركة المذكورة - إذ إنني لن أستطيع دفعه إلى أصحاب شركتي القديمة (الذين لا يداومون فيها ولكن ممكن الوصول إليهم ) ولا حتى إرجاعه إلى مقر الشركة لأن ذلك سيفتح باب شكوك كثيرة .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان نظام الشركة يقضي بخصم مبلغ من المال في حال التأخر عن الدوام ، وكان إعفاؤك من هذا الخصم من جهة مدير شئون الموظفين ، لا مبرر له إلا القرار الشخصي منه ، بدون إذن إدارة الشركة ومسئوليها ، فيجب عليك رد هذا المال إلى الشركة لأنه حق لها ، إلا أن تعفو عنك الإدارة التي تملك ذلك .(/1)
وهذا هو الأصل في التوبة من الذنوب المتعلقة بحقوق العباد ، أن ترد الحقوق إلى أهلها ؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ).
فالواجب عليك إيصال هذا المال ـ بعد الاجتهاد في تقديره ـ إلى الشركة أو أصحابها ، ولا يجب عليك أن تذكري لهم سبب ردك هذا المال ـ إن كان ذلك سيوقعك في حرج ، ويفتح عليك باب مساءلة ، ولكن المهم هو إيصال المال إليهم بأي طريقة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق/2 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4 .
انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
ونسأل الله لك مزيدا من التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103650
العنوان:
يعمل في شركة تصنيع الأقراص المدمجة
السؤال:
أعمل رئيس حسابات بشركة تصنيع أسطمبات الأسطوانات المدمجة CD ، وهذا الأسطمبات عليها برامج قد أعرفها أو لا ، وقد يكون بها إسلاميات أو أغاني وأفلام أو ألعاب أطفال ، هذا هو نشاط الشركة الأساسي ، دون التفرقة فيما تحتويه الأسطوانة . فهل العمل بها حلال أم حرام أم به شبهة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لك العمل في هذا المجال حتى تطمئن إلى أن الشركة تقتصر على إنتاج المباح من هذه الأسطوانات ، ولا تتعامل مع المحرمات من المعازف والأفلام والبرامج الهدامة .
وإذا كنت تعلم أن الشركة تخلط في إنتاجها بين الحلال والحرام فلا يجوز لك العمل معها أيضا ، كي لا تكون مشاركا لها في الإثم والمعصية .
وهو إثم عظيم ، لأنه يحمل أوزار الناس الذين يستعملون هذه المحرمات ، ويحمل وزر الفساد في الأرض بنشر الشر والباطل .
ولا يجوز أن يتساهل المسلم في هذه الأمور ، فهي من أخطر ما يمكن أن يوجه إلى الأجيال ، وأكثر ما يجب الحرص على تنقيته من الشوائب والحرام .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/73-74) :
" الأصل أنه لا يجوز احتراف عمل محرم بذاته , ومن هنا مُنِع الاتجارُ بالخمر ، واحتراف الكهانة .
كما لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام ، أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم : لما فيه من تغيير خلق الله ، وككتابة الربا : لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل ، ونحو ذلك " انتهى .
وجاء فيها أيضا (34/244-245) :
" طلب الحلال فرض على كل مسلم , وقد أمر الله تعالى بالأكل من الطيبات , فقال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) البقرة/172 , وقال في ذم الحرام: ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) البقرة/188 إلى غير ذلك من الآيات .(/1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به )
– رواه الترمذي (614) وحسنه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي - " انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم : (3149) ، (11517) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103654
العنوان:
حكم لبس العباءة ذات الأكمام
السؤال:
توجد عباءة تلبس على الرأس ولكنها ذات أكمام فما حكم لبسها ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت هذه العباءة ساترة فضفاضة ، لا تشف ولا تصف ما تحتها ، وليست زينة في نفسها ، فلا حرج في لبسها ، وكونها ذات أكمام لا يضر .
ولمعرفة صفة اللباس الشرعي للمرأة ، ينظر جواب السؤال رقم (6991) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ظهر في الآونة الأخيرة عند النساء أكمام للعباءات ضيقة، ويكون حول هذا الكم تطريز أو نحوه، كذلك بعض العباءات يكون الطرف الأخير من الكم شفافاً، ما توجيهكم حول هذه الأشياء؟(/1)
فأجاب : " نحن نقول : لدينا قاعدة مهمة ، وهي أن الأصل في اللباس والطعام والشراب والمعاملات الأصل فيها الحل ، وأنها حلال ، ولا يحل لأحد أن يحرم منها إلا ما دل النص على تحريمه ، فإذا علمنا هذه القاعدة وهي قاعدة دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) البقرة/29 ، وقال: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف/32 ، وقال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) البقرة/275. فكل شيء لم يحرمه الله من هذه الأمور فهو حلال، هذا هو الأصل ، إلا إذا جاء الشرع بتحريمه ، كتحريم الذهب على الرجال، وتحريم الحرير على الرجال، إلا ما استثنى منه، وتحريم إسبال الإزار والسروال والقميص والعباءة للرجال، وما أشبه ذلك، فإذا طبقنا هذه المسألة التي حدثت أخيراً وهي العباءات الجديدة على هذه القاعدة قلنا: الأصل أنها حلال، إلا إذا كان في ذلك لفت نظر أو فتنة، لكونها مطرزة على وجه يلفت النظر، فحينئذ نمنعها ، لا لذاتها، ولكن لما يترتب عليها من الفتنة، وكذلك لو فرض أن النساء صنعن عباءات على شكل عباءات الرجال فإنهن يُمنعن من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء، فهذه العباءات نقول: الأصل فيها الحل ما لم نعلم سبباً للفتنة أو لفت النظر، فتمنع حينئذ " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (46/17) .(/2)
وقال في موضع آخر عن العباءة ذات الأكمام : " أما مسألة العباءة ، فإذا كانت لا تصف حجم البدن فلا بأس بها .. وبالنسبة للعباءة فلا شك أن العباءة الأولى التي ليس لها أكمام والتي تستر المرأة كلها ولا يتبين منها شيء هي خير من هذه، لكن التحريم يحتاج إلى شيء بين، أي: يحتاج إلى دليل واضح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (141/15).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103660
العنوان:
هل يجوز إطلاق لفظ " الجاهلية " على المجتمعات بعد البعثة ؟
السؤال:
هل يجوز إطلاق لفظ الجاهلية على مجتمعات بعد البعثة سواء منها الكافرة أو المسلمة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
يُطلق لفظ " الجاهلية " ويُراد به فترة ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي نسبة لأمرين اثنين يجتمعان في هذه الحقبة ، وهما : الجهل ، والجهالة – أي : السفاهة - .
ولفظ الجاهلية لفظ مذموم ، ويكفي الجهل والجهالة سوءً أن يتبرأ منهما الإنسان ولو كان من أهلهما ، ويكفي العلم والرشد فخراً أن ينتسب إليهما أهلهما ، ولو كان من غير أهلهما .
وفي " المعجم الوسيط " ( 1 / 300 ) :
" الجاهلية " : ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الجهالة ، والضلالة .
انتهى
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
والجاهلية : ما كان قبل الإسلام .
" فتح الباري " ( 10 / 468 ) .
وقال المنَّاوي – رحمه الله - :
والجاهلية : ما قبل البعثة ، سُمُّوا به لفرط جهلهم .
" فيض القدير " ( 1 / 462 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
المراد بالجاهلية ما قبل البعثة ؛ لأن الناس كانوا فيها على جهل عظيم ، فجهلهم شامل للجهل في حقوق الله ، وحقوق عباده .
" القول المفيد على كتاب التوحيد " ( 2 / 146 ) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 10 / ص 601 ) .
وقال :
والنياحة من أمر الجاهلية ، ولابد أن تكون في هذه الأمة ، وإنما كانت من أمر الجاهلية :
إما من الجهل الذي هو ضد العلم .
أو من الجهالة التي هي السفه ، وهي ضد الحكمة .
" القول المفيد على كتاب التوحيد " ( 2 / 149 ) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 10 / ص 603 ) .
ثانياً:(/1)
وقد أرسل الله تعالى نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، فأنار الله تعالى به الكون ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور ، فبدَّد الله به ظلمات الجهل والكفر ، وانتهى ببعثته صلى الله عليه وسلم عهد الجاهلية ، ولكن هل رُفعت الجاهلية عن الأمكنة كلها ، وفي جميع الأزمنة ؟! بالطبع لا ، ولذا فإنه لا يجوز وصف جميع المجتمعات بالجاهلية بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، ولا نزعها عن جميع المجتمعات ـ أيضا ـ ، فما تزال بعض المجتمعات تعيش في مستنقعات الجاهلية ، فلا يرفع عنها هذا الوصف ، وأما من استنار بنور الإسلام من المجتمعات فلا يجوز وصفها بهذا اللفظ ، ولو حصل تقصير في بعض جوانب الإسلام منها فهذا لا يبيح وصفها بالجاهلية ، وعلى هذا التفصيل اتفقت كلمة العلماء المحققين .
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فالناس قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى الجهل ، فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل ، وإنما يفعله جاهل .
وكذلك كل ما يخالف ما جاءت به المرسلون من يهودية ، ونصرانية : فهي جاهلية ، وتلك كانت الجاهلية العامة ، فأما بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون في مصر دون مصر - كما هي في دار الكفار - ، وقد تكون في شخص دون شخص ، كالرجل قبل أن يسلم فإنه في جاهلية وإن كان في دار الإسلام .
فأما في زمان مطلق : فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة .
والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين ، وفي كثير من الأشخاص المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية ) وقال لأبي ذر : ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) ، ونحو ذلك .(/2)
فقوله في هذا الحديث : ( ومبتغ في الإسلام سنَّة جاهلية ) : يندرج فيه كل جاهلية مطلقة ، أو مقيدة ، يهودية ، أو نصرانية ، أو مجوسية ، أو صابئة ، أو وثنية ، أو مركبة من ذلك ، أو بعضه ، أو منتزعة من بعض هذه الملل الجاهلية فإنها جميعها مبتدعها ومنسوخها صارت جاهلية بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن كان لفظ الجاهلية لا يقال غالباً إلا على حال العرب التي كانوا عليها فإن المعنى واحد .
اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 78 ، 79 ) .
2. وفي بيان خطأ مصطلح " جاهلية القرن العشرين " قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله - : بيَّن العلامة الألباني ما في هذا التعبير منْ تسمُّحٍ ، وغضٍّ من ظهور الإسلام على الدِّين كله ، فجاء في كتاب : " حياة الألباني " ما نصه :
مصطلح " جاهلية القرن العشرين " في نظر الألباني :
السؤال : تناول الداعية " سيد قطب " - رحمه الله - مصطلحاً متداولاً بكثرة في إحدى المدارس الإسلامية التي يمثلها ، ألا وهو مصطلح " جاهلية القرن العشرين " فما مدى الدقة والصواب في هذه العبارة ؟ وما مدى التقائها مع الجاهلية القديمة وفقاً لتصوركم ؟ .
فأجاب العلامة الألباني :(/3)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد : الذي أراه أن هذه الكلمة " جاهلية القرن العشرين " لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي - القرن العشرين - فوجود الدِّين الإسلامي في هذا القرن وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه : يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأُولى ، فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى إن كان المعني بها العرب فقط : فهم كانوا وثنيين ، وكانوا في ضلال مبين ، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية : فهي أديان محرفة ، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغيير والتبديل ، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح ، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا ، ما دام أن الله تبارك وتعالى قد منَّ على العرب أولاً ، ثم على سائر الناس ثانياً ، بأن أرسل إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وأنزل عليه دين الإسلام ، وهو خاتم الأديان ، وتعهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ونبيه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الأُمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأُمم من قبلهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعن سَنَن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا : من هم يا رسول الله ؟ اليهود والنصارى ؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمنِ الناس ؟! ) أقول : وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف ، لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشَّر أتباعه بأنهم سيبقون على خطه الذي رسمه لهم ، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة : ( وستفترق أُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ) ، قال عليه الصلاة والسلام : ( كلها في النار(/4)
إلا واحدة ) ، قالوا : ما هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) وفي رواية قال : ( هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي ) .
وأكد ذلك عليه الصلاة والسلام في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين : ( لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) .
فإذن لا تزال في هذه الأُمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة ، فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة ؛ ولذلك فإن الذي أراه : أن إطلاق " الجاهلية " على القرن العشرين فيه تسامح ، قد يُوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله عز وجل انحرافاً كليّاً ، فصار هذا القرن - القرن العشرون - كقرن الجاهلية الذي بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخراجه من الظلمات إلى النور ، حينئذ : هذا الاستعمال ، أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفَّار أولاً ، الذين كما قال تعالى في شأنهم : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) .(/5)
وصْف القرن العشرين بـ " الجاهلية " إنما ينطبق على غير المسلمين الذين لم يتبعوا الكتاب والسنَّة ، ففي هذا الإطلاق إيهام بأنه لم يبق في المسلمين خير ، وهذا خلاف ما سبق بيانه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبشرة ببقاء طائفة من الأُمة على الحق ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبي للغرباء ... ) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ جاء الحديث على روايات عدة في بعضها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم - واصفاً الغرباء - : ( هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنَّتي من بعدي ) ، وفي رواية أُخرى قال عليه الصلاة والسلام : ( هم أُناس قليلون صالحون بين أُناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) فلذلك لا يجوز هذا الإطلاق في العصر الحاضر على القرن كله ؛ لأنَّ فيه - والحمد لله - بقية طيبة لا تزال على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى سنته ، وستظل كذلك حتى تقوم الساعة ، ثم إن في كلام سيد قطب - رحمه الله - وفي بعض تصانيفه ما يشعر الباحث أنه كان قد أصابه شيء من التحمس الزائد للإسلام في سبيل توضيحه للناس ، ولعل عذره في ذلك أنه كان يكتب بلغة أدبية ؛ ففي بعض المسائل الفقهية كحديثه عن حق العمال في كتابه : " العدالة الاجتماعية " أخذ يكتب بالتوحيد ، وبعبارات كلها قوية تحيي في نفوس المؤمنين الثقة بدينهم وإيمانهم ، فهو من هذه الخلفية في الواقع قد جدّد دعوة الإسلام في قلوب الشباب ، وإن كنَّا نلمس أحياناً أن له بعض الكلمات تدل على أنه لم يساعده وقته على أن يحرر فكره من بعض المسائل التي كان يكتب حولها أو يتحدث فيها ، فخلاصة القول أن إطلاق هذه الكلمة في العصر الحاضر لا يخلو من شيء من المبالغة التي تدعو إلى هضم حق الطائفة المنصورة ، وهذا ما عنَّ في البال فذكرته .انتهى .
" معجم المناهي اللفظية " ( ص 212 – 215 ) .
3. وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :(/6)
هل يجوز إطلاق لفظ " الجاهلية " على المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ .
فأجاب :
الجاهلية العامة قد زالت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز إطلاقها على المجتمعات الإسلامية بصفة العموم ، وأما إطلاق شيء من أمورها على بعض الأفراد ، أو بعض الفِرق ، أو بعض المجتمعات : فهذا ممكن ، وجائز ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه : ( إنك امرؤٌ فيك جاهلية ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ) .
" الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة " ( 86 ، رقم السؤال : 31 ) .
ثالثاً:
لا يجوز للمسلم أن ينظر للمجتمعات الإسلامية بعين الكبر في نفسه ، والاحتقار لهم ، ومن ذلك : تعميم الحكم بالجهل والانحراف والهلاك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) رواه مسلم ( 2623 ) .
قال الأمام ابن عبد البر – رحمه الله - :
معناه عند أهل العلم : أن يقولها الرجل احتقاراً للناس ، وإزراء عليهم ، وإعجاباً بنفسه ، وأما إذا قال ذلك تأسفاً ، وتحزناً ، وخوفاً عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم : فليس ممن عني بهذا الحديث ، والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضياً عن نفسه ، معجباً بها ، حاسداً لمن فوقه ، محتقراً لمن دونه ، ويكون في الوجه الثاني ماقتاً لنفسه ، موبخاً لها ، غير راضٍ عنها .
" التمهيد " ( 21 / 242 ) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
103662
العنوان:
إذا حضر النساء حفل الزفاف بملابس شبه عارية فهل يلحق الإثم أصحاب الحفل ؟
السؤال:
نريد أن نقيم حفل زفاف إسلامي ولكن كما تعلمون ، فإن معظم النساء الآن يحضرن وهن مرتديات ملابس شبه عارية إلا من رحم الله فهل علينا نحن أصحاب الحفلة إثم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
حفل الزفاف الإسلامي هو الحفل المنضبط بالشرع ، فلا توجد به آلات للهو غير الدف ، ولا يختلط فيه الرجال بالنساء ، ولا يسمح فيه بالمنكرات المنتشرة كالتصوير والرقص الفاحش والأغاني الهابطة واللباس المستهتر الذي يكشف العورات ويخدش الحياء ، بل يوجد فيه لهو منضبط ، وفرح لا يطغي ، وسرور لا ينافي الأخلاق والقيم .
روى البخاري (5163) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَائِشَةُ ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ ).
وروى ابن ماجه (1900) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي ؟ قَالَتْ : لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ ، فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ : أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ ). حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1995) .(/1)
وروى النسائي (3369) وابن ماجه (1896) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ : الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وينظر : جواب السؤال رقم (11446)
ثانيا :
إذا خشيت حضور بعض النساء بملابس غير لائقة ، فاكتبي في الدعوة الموجهة إليهن : يرجى الحضور بملابس لائقة أو محتشمة أو مناسبة لا تخدش الحياء ، أو نحو هذا من العبارات ، فإن لم يمكن ذلك أو كان فيه حرج عليك فيمكنك الكلام مع العاقلات منهن أنك لا تحبين تلك الملابس العارية ، وأن منظرها يؤذيك ، وأنها تنافي الحياء ...ويتم بواسطتهن نشر ذلك بين المدعوات ، حتى يعلمن قبل مجيئهن أنك لا ترضين بهذا ، ثم إذا حضرت امرأة بلباس لا يليق ، بُذلت لها النصيحة والتوجيه ، وبهذا لا يلحقكم إثم ؛ لأنكم قمتم بالواجب تحذيرا وإنكارا .
ونسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103691
العنوان:
أعطت غيرها حيوانا فآذاه فهل تأثم
السؤال:
ماذا لو كانت نيتي سليمة في فعل شيء إلا أن نتائجه كانت حرامًا ؟ هل يكون إثم ذلك الفعل عليّ ؟ مثلاً : إذا أعطيت أحد الأشخاص حيوانًا كنت تملكه وأوصيته بأن يرعاه ، ثم اكتشفت بعد ذلك أنه أساء معاملة الحيوان ، فهل آثم على ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أعطيتِ غيرك حيوانا وأوصيته برعايته ، لكنه أساء معاملته ، فلا يلحقك إثم بذلك ، إلا إذا كنت تعلمين أنه يسيء للحيوانات ويغلب على ظنك أنه لن ينفذ وصيتك ، فهنا يلحقك الإثم ، لأن هذا التصرف فيه إعانة وتمكين له من الحرام . وإذا أمكن استرجاع الحيوان وإنقاذه من الأذى ، لزمك ذلك .
فمن كانت نيته صالحة ، وتصرف بأمر مباح ، فالأصل أنه لا يأثم ولو ترتب على ذلك أمر محرم ، إلا إذا كان يعلم أو يغلب على ظنه حصول الأمر المحرم من جهة الغير ، فليس له أن يعينه على ذلك . ومثّل الفقهاء لذلك ببيع العنب لمن يعلم أنه يصنعه خمرا ، أو بيع السلاح لمن يعلم أنه يستعمله في الحرام ، فالبيع في أصله مباح ، لكن إذا عُلم أو غلب على الظن أن مشتريه سيستعمله في الحرام ، لم يجز البيع له .
وقالوا مثل ذلك في العارية ، فلا يجوز أن تعطى العارية لمن يستعملها في الحرام ، كإعارة آنية لمن يشرب فيها الخمر ، أو إعارة سكين لمن يذبح بها خنزيرا ، أو إعارة شقة لمن يرتكب فيها الحرام .
وغلبة الظن هنا كالعلم ، فإذا غلب على الظن أن العمل سيترتب عليه شيء من الحرام ، لم يجز .
وينظر : "المغني" (5/131) ، "حاشية الدسوقي" (3/435) ، "مطالب أولي النهى" (3/726) .
وبالجملة ؛ فلا يجوز فعل الحرام ، ولا فعل ما يغلب على الظن أنه يترتب عليه الحرام ، ولو كان من الغير .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103694
العنوان:
حكم وضوء من يغسل اليدين من الرسغين إلى المرفقين ولا يغسل الكفين
السؤال:
بعض المسلمين أثناء الوضوء عند غسل اليدين يغسلون من الرسغ إلى المرفق دون إدخال الكفين في الغسل، فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء جاءت مبينة في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/6 ، فأوجب الله تعالى غسل اليدين إلى المرفقين بعد غسل الوجه ، وهذا لا يتحقق إلا بغسل اليدين من أصابع الكفين إلى المرفقين ، فمن اقتصر على غسلهما من الرسغين إلى المرافق لم يكن أتى بهذا الفرض .
وأما غسل الكفين أول الوضوء فهذا غسل مسنون ، ولا يجزئ عن الفرض عند جمهور العلماء ، خلافا للحنفية .
وجمهور العلماء على أنه يجب الترتيب بين أعضاء الوضوء ، فيغسلها على الترتيب الوارد في الآية : غسل الوجه ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين .
وعليه ؛ فلا يصح الاكتفاء بغسل الكفين في أول الوضوء عن إعادة غسلهما مع اليد ، لأن ذلك يؤدي إلى اختلال الترتيب ، بإدخال غسل الوجه أثناء غسل اليدين ، والواجب أن يكون غسل اليدين كله واقعا بعد غسل الوجه .
والحاصل : أن من توضأ فغسل كفيه ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم غسل يديه من الرسغين إلى المرفقين لم يصح وضوؤه عند أكثر أهل العلم .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : ما حكم من يغسل يده من الرسغ إلى المرفق ، دون غسل الكف ، مكتفيا بغسلها أول الوضوء ، وهل يلزمه إعادة الوضوء ؟(/1)
فأجاب : "لا يجوز في الوضوء الاقتصار على غسل الذراع فقط دون الكف بل متى فرغ من غسل الوجه بدأ بغسل اليدين ، فيغسل كل يد من رؤوس الأصابع إلى المرافق ، ولو كان قد غسل الكفين قبل الوجه ، فإن غسلهما الأول سنة ، وبعد الوجه فرض ، فمن اقتصر في غسل اليدين من الرسغ إلى المرفق فما أكمل الفرض المطلوب ، فعليه إعادة الوضوء بعد التمام ، أو عليه غسل ما تركه إن كان قريبا ، فيغسل الكفين وما بعدهما " انتهى من "اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين" ص 77 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، ولا بد أن تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين " انتهى من "اللقاء الشهري" (3/330) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103700
العنوان:
ماذا يقول من نسي شيئا ويريد تذكره ؟
السؤال:
عندما ينسى المرء شيئا ويريد تذكره : هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم - كما هو شائع - أم أن هناك دعاء معينا لتذكر ما نسيه المرء ؟
الجواب:
الحمد لله
من نسي شيئا وأراد أن يستعين على تذكره واستحضاره ، فعليه أن يستعين بدعاء الله تعالى وسؤاله ، ولم يثبت في الكتاب أو في السنة ـ فيما نعلم ـ ذكر معين يمكن للمسلم أن يستعين به عند النسيان ، وقد ذكر بعض أهل العلم أمرين اثنين نافعين عند النسيان :
الأمر الأول : ذكر الله تعالى ، بالتهليل أو التسبيح أو التكبير أو أي نوع من أنواع الذكر ،
قالوا : لأن النسيان من الشيطان ، وذكر الله طارد له.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) الكهف/23-24 .
قالوا : ومعنى قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي : إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه .
ذكر هذا القول : الماوردي في "النكت والعيون" (2/471) والقرطبي في تفسيره (10/386) وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/128) وغيرهم .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/61-62) :
" في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير :
الأول : أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها ، والمعنى : أنك إن قلت سأفعل غداً كذا ونسيت أن تقول : إن شاء الله ، ثم تذكرت فقل : إن شاء الله .
وهذا القول هو الظاهر ؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله ) الكهف/23 .
وهو قول الجمهور : وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم .(/1)
القول الثاني : أن الآية لا تعلق لها بما قبلها ، وأن المعنى : إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر الله ؛ لأن النسيان من الشيطان ، كما قال تعالى عن فتى موسى : ( وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ ) الكهف/63 ، وكقوله : ( استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله ) المجادلة/19 ، وقال تعالى : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين ) الأنعام/68 وذكر الله تعالى يطرد الشيطان ، كما يدل لذلك قوله تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف/36 وقوله تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ الوسواس الخناس ) الناس/1-4.
أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله . الخَنَّاس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله على وجه غير مخصوص ، كأن يقول لا إله إلا الله ، أستغفر الله ، لا إله إلا الله والله أكبر ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يقول بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة ؟
فأجاب:
"إذا نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول : اللهم ذكرني ما نسيت ، وعلمني ما جهلت ، أو ما أشبه ذلك من الأشياء .(/2)
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه ، والآية يحتمل معناها : اذكر ربك إذا نسيت ؛ لأن الله قال له : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين .
الأمر الثاني : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد في ذلك حديث ، ولكنه ضعيف جدا ، فلا يجوز العمل به ، رواه أبو موسى المديني وذكره الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" في الموطن الثاني والثلاثين من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : إذا نسي الشيء وأراد ذكره .
قال :
" ذكره أبو موسى المديني ، وروى فيه من طريق محمد بن عتّاب المروزي ، ثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي ، ثنا عبد الله بن عبد الله العتكي ، أنبأنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء الله) انتهى .
وهذا سند ضعيف ، فيه علتان :
1- عبيد الله بن عبد الله العتكي : جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/27) : " قال البخاري : عنده مناكير . وقال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه . وقال البيهقي : لا يحتج به " انتهى باختصار . وانظر بعض مناكيره في "الكامل" لابن عدي (4/332) .
2- سعدان بن عبدة القداحي : قال ابن عدي في "الكامل" (4/332) : " غير معروف " انتهى.
ولذلك ضعف الحديث الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص/326)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على مقدمة كتاب "الروض المربع" (الشريط رقم 1/الدقيقة 18.35) عما يقوله بعض الناس إذا نسي شئيا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ رحمه الله :(/3)
" لا أعرف له أصلا يعتمد ، المستحب الذكر المطلق ؛ لأن الله تعالى قال : ( واذكر ربك اذا نسيت ) ، فمن نسي يذكر الله ، يقول : لا إله إلا الله ، سبحان الله " انتهى بتصرف .
نقلا عن هذا الرابط :
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=14356&scholar_id=16&series_id=617
والحاصل : أن الاستعانة على التذكر تكون بدعاء الله تعالى وذكره مطلقا ، ولم يثبت في ذلك ذكر معين أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
103701
العنوان:
شراء المأكولات التي صنعت حسب الديانة اليهودية
السؤال:
في كندا كثير من المأكولات يوضع عليها رموز متعلقة بما هو في دين اليهود من طريقة صنع المأكولات ، وحقا لا أفهمها كلها : KOSHER . فإن تبين أن الطعام صنع حسب KOSHER فهل يحل لنا أن نأكله ؟ لأن كثيرا من المأكولات - حتى الخبز - تحتوي على مكونات كالمونوجليسيرايد والديجليسيرايد... التي لا أعرف أصلها : نباتي أو حيواني ، فيشق علي شراء المأكولات .
الجواب:
الحمد لله
حرم الله تعالى على اليهود أشياء من الطيبات ، عقوبة لهم على معاصيهم ، قال الله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) النساء/160.
أما شريعتنا فهي شريعة سهلة سمحة ، حيث أباح الله لنا جميع الطيبات ، ولم يحرم علينا إلا الخبائث ، قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4 ، وقال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157 .
وبعد الاطلاع على قوانين الطعام المعمول بها في الديانة اليهودية اليوم ، تبين أن جميع المأكولات التي يحلونها هي حلال لنا في شريعتنا ، ولا يستثنى من ذلك شيء – فيما نعلم – إلا الخمر فقط .
ومعنى كلمة (كوشير) التي تكتب عند اليهود ، أي أن هذا الطعام موافق لقوانين الطعام المعمول بها في شريعتهم .
وعلى هذا ؛ فلا حرج على المسلم من الأكل من هذا الطعام ، إلا إذا علم أنهم قد وضعوا فيه شيئا من الخمر .
وننقل هنا نصا معتمدا في دراسة الديانة اليهودية ، من "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (5/315- 318) للدكتور عبد الوهاب المسيري الذي أمضى عقودا من عمره في جمعها وتحقيقها ، وفي هذا النص شرح مفصل لمسألة الطعام والقوانين الخاصة به في اليهودية .
جاء فيه :(/1)
"تُسمَّى القوانين الخاصة بالطعام في العبرية " كاشروت " ، وهي صيغة الجمع من كلمة
" كاشير " أو " كوشير " ومعناها : مناسب أو ملائم .
وتُستخدَم هذه الكلمة لتشير إلى مجموعة القوانين الخاصة بالأطعمة ، وطريقة إعدادها ، وطريقة الذبح الشرعي عند اليهود .
وهي قوانين مصدرها التوراة ، ويُسمَّى الطعام الذي يتبع قوانين الكاشروت " كوشير "، ومعناها : الطعام المباح أكله في الشريعة اليهودية .
وهذه القوانين تحرم على اليهودي أكل أنواع معينة من الطعام ، وتُبيح له أكل أنواع أخرى . والواقع : أن المحرمات تتعلق أساساً بلحوم الحيوانات ، لكن هناك بعض التحريمات الأخرى ، مثل : ثمرة الشجرة التي لم يمض على غرسها سوى أربعة أعوام .
أو أي نبات غُرس مع نبات آخر - باعتبار أن خلط النباتات مثل الزواج المختلط محرم - . ويُطبَّق هذا الحظر على أرض يسرائيل - أي فلسطين – وحسب .
ويُحظَر كذلك شرب أي خمر أعدها أو لمسها شخص من الأغيار (غير اليهود) .
بل يُحرَّم أيضاً أكل خبز أو طعام أعده شخص من الأغيار حتى لو أُعدَّ حسب قوانين الطعام اليهودية .
وهناك تحريم أكل الخبز المُخمَّر في عيد الفصح .
أما بالنسبة للحوم الحيوانات ، فالأمر كالتالي :
أ ) يحل لليهودي أن يأكل الحيوانات والطيور النظيفة :
وهي الحيوانات ذوات الأربع ، والتي لها ظلف مشقوق وليس لها أنياب ، وتأكل العشب وتجتر ، والطيور هي الطيور الأليفة التي يمكن تربيتها في المنازل والحقول وبعض الطيور البرية آكلة العشب والحب .
وما عدا ذلك من الحيوانات والطيور فهي غير نظيفة : ولذلك يُحرَّم أكل الخيل والبغال والحمير لأنها ليست ذات أظلاف مشقوقة ، وكذلك الجمل لأنه ذو خف وليس ذا أظلاف ، ويُحرَّم الخنزير لأنه ذو ناب مع أن أظلافه مشقوقة ، أما الأرانب وأشباهها فهي من القوارض آكلة العشب ، ولكنها ذات أظفار لا أظلاف مشقوقة .(/2)
أما الطيور غير النظيفة ، فهي كل طير له منقار معقوف أو مخلب ، وهي التي تأكل الجيف والرمم ، مثل الصقر والنسر والبومة والحدأة والببغاء .
ب) يُحرَّم على اليهودي أن يأكل لحم الحيوانات إن لم يكن قد ذبحها ذابح شرعي ، وبالطريقة الشرعية بعد تلاوة صلاة الذبح .
جـ) يُحرَّم أيضاً أكل أجزاء معينة من الحيوانات ، مثل عرْق النسا .
كذلك يُحرَّم أكل اللحم الذي لم يُسحَب منه الدم من خلال التمليح (غسل اللحم مما تبقَّى من دم وملح ، بعد تغطيته بالملح لمدة ساعة) .
د ) يحل أكل السمك الذي له زعانف وعليه قشور ، أما أي شيء آخر ، مثل الجمبري والكابوريا وأنواع الأخطبوط والإستاكوزا ، فهو محرَّم . وكذا المحارات .
هـ) يحل لليهودي أكل أربعة أنواع من الجراد ، ويُحرَّم عليه أكل الحشرات والزواحف.
و) يُحرَّم الجمع بين اللحم واللبن ، ولذا يُحرَّم طبخ اللحوم في السمن والزبد ، بل يجب أن تُطبَخ في زيوت نباتية ، كما يحرم تناول اللحم والجبن أو الزبد أو نحوهما في وجبة واحدة - ويجب أن يفصل بين تناول أيٍّ منها والآخر ست ساعات - .
بل من المُحرَّم أن يوضع اللحم في إناء كان قد وُضع فيه لبن أو جبن من قبل ، أو أن تُستعمَل سكين واحدة في تقطيع اللحوم والجبن أو ما إليهما ، ولذلك تُضطر المطاعم التي تقدم الأكل المباح لهم "كوشير" إلى أن يكون لديها مجموعتان من الأوعية ، واحدة لطبخ اللحوم وأخرى للألبان .
ولا يُحرَّم على اليهودي أكل أية خضراوات أو فاكهة ، ومع هذا لا يجوز له أن يأكل من المحاصيل الأربعة الأولى لشجرة ، وهناك كذلك التحريم الخاص بالخميرة في عيد الفصح .
كما يُحرَّم على اليهودي تناول خمر أعدها أو حتى لمسها إنسان غير يهودي .(/3)
وقد ساهمت هذه القوانين إلى حدٍّ كبير في عزل اليهود فعلاً . فالطعام اليومي يضبط إيقاع حياة الإنسان ويتحكم في علاقاته الاجتماعية بالآخرين ، لأن الإنسان الذي يتناول طعاماً مختلفاً عن طعام الآخرين يجد نفسه شاء أم أبى منفصلاً عنهم ، لا يمكنه أن يشاركهم حياتهم اليومية . وحتى أولئك اليهود الذين حاولوا التمرد على انعزالية اليهودية ، كان من العسير عليهم ترك الطعام اليهودي ، ذلك لأنه ليس من اليسير على المرء أن يغيِّر الطعام الذي ألفه وتعوَّد عليه .
كما أن ضرورة ذبح الطيور والحيوانات على يد الذابح الشرعي ، تجعل من المستحيل على اليهودي أن يعيش خارج الجماعة اليهودية .
وقد هاجم اليهود الإصلاحيون قوانين الطعام ؛ لأنها تعطل تطور اليهود واندماجهم ، وذهبوا إلى أن هذه القوانين لا تستند إلى أي أساس ديني أو أخلاقي ، وأنهم لذلك لا يلتزمون بها .
ويواجه يهود المجتمعات الغربية مشكلة الحصول على طعام مباح شرعاً ، حيث لا توجد محلات أطعمة "كوشير" لسد حاجاتهم .
وفي إسرائيل تحاول دار الحاخامية الرئيسية جاهدة أن تُطبِّق قوانين الطعام على الحياة العامة ، كشركات الطيران والفنادق والمطاعم .
والأغلبية العظمى من يهود الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ( ما تزيد على 80% منهم ) والذين يشكلون الأغلبية الساحقة من يهود العالم لا يطبقون أياً من قوانين الطعام ، بل يأكل الكثيرون منهم لحم الخنزير ، ولا يتجاوز من يطبقون كل قوانين الطعام نسبة 4% .
والأمر ليس مختلفاً كثيراً في إسرائيل ، إذ يوجد نحو 30 ألف شخص يعملون في تربية الخنزير وبيعه . ويبدو أن أكثر من نصف السكان اليهود الإسرائيليين يأكلون لحم الخنزير ، ومن بينهم كثير من أعضاء النخبة - وزراء وجنرالات بل أعضاء كنيست – كانوا قد وافقوا على مشروع القرار الخاص بمنع تسويق لحم الخنزير .
وهناك عدة مؤسسات في إسرائيل تقوم بتربية الخنزير وذبحه وبيع لحمه - أهمها كيبوتس مزرا - .(/4)
وتمارس الأحزاب الدينية في الوقت الحاضر ضغطاً شديداً على الحكومة الإسرائيلية لإصدار قرار منع تسويق لحم الخنزير .
أما اللادينيون فإنهم يخشون أن يؤدي هذا إلى أن يباع لحم الخنزير في السوق السوداء ، الأمر الذي يضر بالسياحة والاقتصاد ، ويدفع الإسرائيليين للذهاب إلى المناطق العربية المسيحية لشراء لحم الخنزير ، تماماً كما يذهبون إلى الأحياء العربية أثناء عيد الفصح لشراء الخبز العادي .
وتندلع المناقشات من آونة إلى أخرى حول الطعام المباح شرعاً ، وخصوصاً أن بعض أعضاء المؤسسة الدينية يستخدمون صلاحياتهم في إصدار شهادات الإباحة لتحقيق منفعة شخصية .
ففي عام 1987 ، أعلنت الحاخامية أن نوعاً معيَّناً من التونة ليس مباحاً ، رغم أن اتحاد الأبرشيات اليهودية الأرثوذكسية في أمريكا أصدر تصريحاً به ، وقد فُهم من ذلك أن الحاخامية في إسرائيل تود أن توسع نطاق نفوذها ، وأن تهيمن على عملية إصدار التصاريح هيمنة كاملة .
كما أن الصراع بين السفارد (اليهود المهاجرين من أسبانيا والبرتغال) والإشكناز (المهاجرين من ألمانيا وفرنسا) ينعكس على تصاريح الإباحة ، فنجد أن الحاخامية الإشكنازية ترفض التصاريح التي تصدرها الحاخامية السفاردية ، والعكس بالعكس " انتهى باختصار .
والحاصل : أنه لا حرج على المسلم من أكل الطعام اليهودي المكتوب عليه كلمة "كوشير" إلا إذا علم أنهم أضافوا إليه شيئاً من الخمر .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
103706
العنوان:
تحريم بيع النمر واقتنائه
السؤال:
هل يجوز للشخص أن يشتري نمراً ويقوم بتربيته ؟ وهل يعتبر النمر من القطط ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز شراء شيء من السباع إلا أن يكون مما يمكن تعليمه الصيد ، وأما ما لا يمكن تعليمه الصيد ، فلا يجوز بيعه ولا شراؤه ؛ لعدم نفعه .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن النمر لا يصلح للصيد ، وأنه لا يجوز بيعه .
قال النووي في "المجموع" (9/286) : " القسم الثاني من الحيوان : ما لا ينتفع به فلا يصح بيعه ، وذلك كالخنافس والعقارب والحيات والديدان والفأرة والنمل وسائر الحشرات ونحوها . قال أصحابنا : ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها لأنها منافع تافهة . قال أصحابنا : وفي معناه : السباع التي لا تصلح للاصطياد ولا القتال عليها , ولا تؤكل كالأسد والذئب والنمر والدب وأشباهها ، فلا يصح بيعها ؛ لأنه لا منفعة فيها .
قال أصحابنا : ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة " انتهى .
وقال ابن الهام رحمه الله : " ونقل في النوادر أن الأسد إذا كان يقبل التعليم ويصطاد به يجوز بيعه , وإن كان لا يقبل التعليم والاصطياد به لا يجوز , قال : والفهد والبازي يقبلان التعليم ، فيجوز بيعهما على كل حال انتهى .
فعلى هذا ، ينبغي أن لا يجوز بيع النمر بحال لأنه لا يقبل تعليما " انتهى .
"فتح القدير" (7/118) .
وقال في "كشاف القناع" (3/160) : " ولا يصح بيع سباع بهائم ولا جوارح طير لا تصلح لصيد , كنمر وذئب ودب وسبع وحدأة ونسر وعقعق ونحوها ; لأنه لا نفع فيها كالحشرات " انتهى .
ثانيا :
أما اقتناء النمر لغير الصيد ، فالظاهر منعه لأمرين :
الأول : ما في تربيته من الإسراف والتبذير ، دون فائدة ، والمال والطعام الذي يجلب له كل يوم ، لو أعطي للفقراء والمحتاجين لكان خيرا عظيما .(/1)
الثاني : ما في تربيته من المخاطرة ؛ إذ لا يؤمن انفلاته وإلحاقه الضرر بأهل البيت وغيرهم ؛ لما فيه من الشر والخبث .
وقد صرح بعض الفقهاء بتحريم اقتنائه :
قال زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (3/25) : " ولا يصح بيع سباع لا تنفع كأسد وذئب ونمر وما في اقتناء الملوك لها من الهيبة والسياسة ليس من المنافع المعتبرة .
قال الجمل في حاشيته عليه : " قوله ( وما في اقتناء الملوك إلخ ) أي واقتناؤهم لها حرام " انتهى .
وأكثر من يربي هذه الحيوانات لغير الصيد إنما يربيها للفخر والمراءاة ، دون مبالاة بما ينفقه عليها ، مما يكفي لإطعام الكثير من أهل الحاجة والفاقة .
والنمر من فصيلة القطط ، وهذه الفصيلة تشمل أنواعا من الحيوانات المفترسة كالنمر والوشق والعناق ، وينظر : "الموسوعة العربية العالمية" .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103713
العنوان:
هل فتنة المسيح الدجال تلحق الأموات
السؤال:
هل الإنسان الذي توفي قبل فتنة المسيح الدجال (اللهم أعذنا منها) هل يحيى أو يظل في القبر حتى يوم البعث؟
الجواب:
الحمد لله
فتنة المسيح الدجال أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم (5239) . وفي رواية أحمد (15831) عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ).
وروى البخاري (3057) عن ابْن عُمَرَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : ( إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ) .(/1)
وروى مسلم (2937) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ...).
إلى غير ذلك من النصوص ، وينظر : سؤال رقم : (8806)
وهذه الفتنة إنما تكون للأحياء وقت خروج الدجال ، أما الأموات ، فلا خوف عليهم من هذه الفتنة .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك الدجال أن ينأى عنه ، كما في قوله : ( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ ) رواه أبو داود (4319) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهذا يدل على أن النائي البعيد عن الدجال يسلم من فتنته ، فالميت أولى .
بل أظهر من ذلك أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى لما خسفت الشمس ، فلما انصرف حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :(/2)
( مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا ، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ ، مِثْلَ ، أَوْ قَرِيبَ مِنْ ، فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ـ [ قال الراوي : ] لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ ؛ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ : مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ ـ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا . فَيُقَالُ لَهُ : نَمْ صَالِحًا ، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا .
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ ، أَوْ الْمُرْتَابُ ـ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ !! ) رواه البخاري (184) ومسلم (903) .
فهذا يدل على أن للقبر فتنة أخرى ، سوى فتنة الدجال ، أعاذنا الله بمنه وكرمه منهما ، وأن فتنة القبر ، ليست بأقل شأنا ولا خطرا من فتنة الدجال ؛ ولأجل ذلك كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )
رواه البخاري (1377) ومسلم (589) ، واللفظ للبخاري .
وانظر : " التمهيد " شرح الموطأ ، لابن عبد البر ، رحمه الله (22/245) وما بعدها .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103717
العنوان:
هل زواجه من امرأة صديقه بعد موته يعتبر خيانة له ؟
السؤال:
توفى زوجي ، وأشعر بالقرب من صديقه ، وهو يريد الزواج مني ، ولكنه يشعر دائمًا أنه خان صداقة زوجي ، ويشعر دائمًا بتأنيب الضمير ، فهل زواجه مني خيانة لصداقته لزوجي؟
الجواب:
يجوز لصديق زوجك أن يتزوجك بعد انتهاء العدة ، ولا يعد ذلك خيانة منه لصديقه ، بل هذا يفعله كثير من الناس إكراما وإحسانا لمن مات من أصدقائهم ، لا سيما إذا تركوا خلفهم أولادا ، فتحصل الرغبة في الزواج لصيانة المرأة ، وتربية أولادها .
وعلى كل ؛ فالزواج مشروع ، ولا يوجد ما يمنع منه ، وإذا نوى الزوج إكرام صديقه وتربية أولاده وإعفاف أهله من بعده ، أثيب على ذلك .
ولا يخفى أن الممنوع هو أن تقيم المرأة علاقة مع رجل أجنبي عنها ، سواء كان صديق الزوج أو غيره ، وهذا هو ما يعتبر خيانة وعدم وفاء .
فإذا رغب الرجل في الزواج منك ، وكان مرضي الدين والخلق ، فليتقدم إلى وليك ، واستخيري الله تعالى ، واقطعي علاقتك به من الآن ، حتى يصبح زوجا لك .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103737
العنوان:
حديث ( إنَّ مِن إجلال الله ... )
السؤال:
ما صحة ومعنى الحديث التالي : عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مِن إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم ، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرامَ ذي السلطان المُقسط )
الجواب:
الحمد لله
يروي هذا الحديث الصحابي الجليل أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ : إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ )
رواه أبو داود (4843) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (رقم/358) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/565) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/434) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (2/245) وابن حجر في "تلخيص الحبير" (2/673) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" .
جاء في "عون المعبود بشرح سنن أبي داود" (13/132) :
" ( إِنَّ مِن إجلالِ الله ) أي : تبجيله وتعظيمه .
( إكرام ذي الشيبة المسلم ) أي : تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام ، بتوقيره في المجالس ، والرفق به ، والشفقة عليه ، ونحو ذلك ، كل هذا مِن كمالِ تعظيم الله ، لحرمته عند الله .
( وحاملِ القرآن ) أي : وإكرام حافِظِهِ ، وسماه حاملا له لِما يَحمِل لمشاق كثيرة ، تزيد على الأحمال الثقيلة ، قاله العزيزي . وقال القارى: أي : وإكرام قارئه ، وحافظه ، ومفسره .
( غيرِ الغالي فيه ) أي : في القرآن . والغلو : التشديد ومجاوزة الحد ، يعني : غير المتجاوز الحد في العمل به ، وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانية ، وفي حدود قراءته ومخارج حروفه ، قاله العزيزي .(/1)
( والجافي عنه ) أي : وغير المتباعد عنه ، المعرض عن تلاوته ، وإحكام قراءته ، وإتقان معانيه ، والعمل بما فيه .
وقيل : الغلو : المبالغة في التجويد ، أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى .
والجفاء : أن يتركه بعد ما علمه ، لا سيما إذا كان نسيه ، فإنه عُدَّ مِن الكبائر .
قال في النهاية : ومنه الحديث ( اقرؤوا القران ولا تجفوا عنه ) أي : تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته ، وتشتغلوا بتفسيره وتأويله .
ولذا قيل : " اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل ، واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم " .
وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم ، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله صلى الله عليه و سلم في جميع الأقوال والأفعال . كذا في "المرقاة شرح المشكاة" .
( وإكرام ذي السلطان المُقسط ) بضم الميم . أي : العادل " انتهى مِن "عون المعبود" .
وانظر جواب السؤال رقم (33680) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103738
العنوان:
الطلاء على الأظافر هل يبطل الطهارة ويوجب إعادة الصلوات ؟
السؤال:
امرأة كانت في مكان بعيد عن المدينة ، ولا تعلم بوجوب إزالة الطلاء الذي على الأظافر ، فعندما علمت بوجوب إزالته لم تجد ما يزيل هذا الطلاء ، ولم تستطع النزول إلى المدينة لشراء هذا المزيل ؟ فكانت تتوضأ على هذا الحائل لمدة أسبوع ؟ فما الحكم ؟
الجواب:
الحمد لله
من شروط صحة الطهارة أن يمس الماءُ الجلد ، فلو حال بين الجلد وبين الماء حائل مِن دهون أو طلاء أو شمع أو لصقات لم تصح الطهارة ، والصلاة على تلك الحال صلاة باطلة غير مجزئة .
والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) رواه أبوداود ( 332 ) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
"وإن كان عليه عِلْكٌ ، أو شيء ثخين ، فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد : لم يُجْزِهِ وضوءُهُ ذلك العضوَ حتى يُزيلَ عنه ذلك ، أو يُزيلَ منه ما يعلم أن الماء قد ماسَّ معه الجلدَ كُلَّه ، لا حائل دونه" انتهى .
" الأم " ( 1 / 44 ) .
وقال النووي رحمه الله :
"إذا كان على بعض أعضائه شمع ، أو عجين ، أو حنَّاء ، وأشباه ذلك ، فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو : لم تصح طهارته ، سواء كثر ذلك أم قل ، ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت : صحت طهارته" انتهى .
" المجموع " ( 1 / 529 ) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 5 / 218 ) :
"إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر فلا يجزئها الوضوء" انتهى .(/1)
لذلك ؛ فقد كان الواجب على هذه المرأة الحرص على تحصيل ما تزيل به الطلاء ، ولو بتكلف الذهاب إلى مكانِ بَيعِهِ البعيد ، مع أن إزالتَه ممكنةٌ باستعمال كثيرٍ من سوائل التنظيف المطبخية القوية ، أو بمسحه بشيء مرطب بسوائل الوقود ، ونحو ذلك من المذيبات .
فلا نرى لهذه المرأة عذرا في صلاتها بطهارة باطلة بسبب وجود الطلاء ، والجهل قد يرفع الإثم لكنه لا يصحح الصلاة .
فعليها إعادة الصلوات التي صلتها بطهارة ناقصة بسبب وجود هذا الطلاء .
نسأل الله لنا ولها العفو والمغفرة .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103739
العنوان:
حول حديث الأعمى الذي قتل أم ولده لشتمها النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
سؤالي يتعلق بالحديثين التاليين : ( أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه ، فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تتزجر ، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه ، فأخذ المغول - سيف قصير - فوضعه في بطنها ، واتكأ عليها ، فقتلها ، فوقع بين رجليها طفل ، فلطخت ما هناك بالدم ، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمع الناس فقال : أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام ، فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس وهو يتزلزل ، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! أنا صاحبها ، كانت تشتمك وتقع فيك ، فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجرها فلا تنزجر ، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، وكانت بي رفيقة ، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك ، فأخذت المغول ، فوضعته في بطنها ، واتكأت عليها حتى قتلتها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا اشهدوا أن دمها هدر ) [ رواه أبو داود ، وقال عنه الألباني : صحيح ، في كتابه " صحيح سنن أبي داود " الحديث رقم (4361) [ " أن أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت له أم ولد ، وكان له منها ابنان ، وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتسبه فيزجرها ، فلا تنزجر ، وينهاها فلا تنتهي ، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقعت فيه ، فلم أصبر أن قمت إلى المغول ، فوضعته في بطنها ، فاتكأت عليه ، فقتلتها ، فأصبحت قتيلا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجمع الناس ، وقال : أنشد الله ! رجلا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام . فأقبل الأعمى يتدلدل فقال : يا رسول الله ! أنا صاحبها ، كانت أم ولدي ، وكانت بي لطيفة رفيقة ، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، ولكنها كانت تكثر(/1)
الوقيعة فيك وتشتمك ، فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجرها فلا تنزجر . فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك ، قمت إلى المغول فوضعته في بطنها ، فاتكأت عليها حتى قتلتها . فقال رسول الله : ألا ؛ اشهدوا أن دمها هدر ) [ رواه النسائي ، وقال عنه الألباني : إسناده صحيح . في كتابه " صحيح سنن النسائي " الحديث رقم 4081 ] يلاحظ أن رواية أبي داود فيها عبارة غير موجودة في رواية النسائي ، وهي : " فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم " أنا أعلم حكم المرتد ، وأن المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه . إن الذي لفت نظري هي العبارة المشار إليها أعلاه ، حيث أنه قد يتبادر إلى الذهن أن حد الردة يطبق أيضا على الجنين . هل هذه العبارة المشار إليها صحيحة وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة ، هل يمكن تفسير ذلك بأن الرجل كان أعمى ولم يكن يعلم أن أمته حامل ؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة ، هل يمكن تفسير ذلك بأن الطفل لم يمت كما قال بذلك السيد لا أقصد من سؤالي إثارة الشكوك حول أن الإسلام هو الدين الحق ، ولكني أردت الرجوع إلى العلماء حتى يوافوني بالرد الذي أستطيع به الرد على من يطعن بالإسلام . وفقكم الله لما يحب ويرضى .
الجواب:
الحمد لله
الكلام على هذه الحادثة المذكورة في السؤال في المسائل الآتية :
أولا : الحكم على الحديث .
الحديث رواه أبو داود ( 4361 ) ، ومن طريقه الدارقطني ( 3 / 112 ) ومن طرق أخرى أيضا ، ورواه النسائي في " المجتبى " ( 4070 ) وفي " السنن الكبرى " ( 2 / 304 ) ، وابن أبي عاصم في " الديات " ( رقم 249 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 11 / 351 ) والحاكم في " المستدرك " ( 4 / 394 ) والبيهقي في " السنن الكبرى " ( 7 / 60 ) جميعهم من طرق عن عثمان الشحام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس به ، على اختلاف في ألفاظ الروايات وتطويل وتقصير .(/2)
وهذا سند حسن ، رواته ثقات ، ولذلك فقد قبل الحديث : أبو داود والنسائي بإخراجهما له وسكوتهما عنه ، والإمام أحمد أيضا ، فقد قال المجد ابن تيمية : " واحتج به أحمد في رواية ابنه عبد الله " انتهى من " نيل الأوطار " ( 7 / 208 ) ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وصححه الذهبي في " تلخيصه " ، وابن حجر في " بلوغ المرام " ( 363 ) وقال : رواته ثقات ، وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 5 / 91 ) : إسناده صحيح على شرط مسلم . انتهى .
ويشهد له ما جاء عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا ) .
رواه أبو داود في " السنن " ( 4362 ) ، ومن طريقه : البيهقي في " السنن الكبرى " ( 7 / 60 ) ، والضياء المقدسي في " المختارة " ( 2 / 169 ) .
قال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 1251 ) : إسناده صحيح على شرط الشيخين ، لكنه ضعفه في " ضعيف أبي داود " بالانقطاع .
ولعل الأقرب هو الحكم بإرسال الحديث ، فقد قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ( 5 / 68 ) : " وقال الدارقطنى فى " العلل " : لم يسمع الشعبي من عليٍّ إلا حرفاً واحداً ، ما سمع غيره .
كأنه عنى ما أخرجه البخاري فى " الرجم " عنه عن علي حين رجم المرأة قال : رجمتها بسنَّة النبى صلى الله عليه وآله وسلم " انتهى كلام ابن حجر .(/3)
لكن مراسيل الشعبي مقبولة عند كثير من أهل العلم ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " الصارم المسلول " ( ص 65 ) : وهذا الحديث جيد ؛ فإن الشعبي رأى عليّاً ، وروى عنه حديث شراحة الهمدانية ، وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة ، وهو كوفي ، فقد ثبت لقاؤه ، فيكون الحديث متصلا ، ثم إن كان فيه إرسال لأن الشعبي يبعد سماعه من علي : فهو حجة وفاقاً ؛ لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل ، لا يعرفون له مرسلا إلا صحيحا ، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي ، وأعلمهم بثقات أصحابه . انتهى .
وللقصة شاهد آخر يرويه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ( 4 / 210 ) فيقول :
أخبرنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن معقل قال : ( نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة عمة رجل من الأنصار ، فكانت ترفقه وتؤذيه في الله ورسوله ، فتناولها فضربها فقتلها ، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أما والله يا رسول الله إن كانت لترفقني ، ولكنها آذتني في الله ورسوله ، فضربتها فقتلتها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبعدها الله تعالى ، فقد أبطلت دمها ) .
وهذا السند رواته ثقات .
والحاصل بمجموع هذه الروايات : أن أصل القصة ثابتة في السنة النبوية .
ولكن : هل هي حادثة واحدة أم متعددة ؟ .
الذي يبدو أنها حادثة واحدة ، وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال :
ويدل عليه – أي : على أنها حادثة واحدة - : كلام الإمام أحمد ؛ لأنه قيل له في رواية عبد الله : في قتل الذمي إذا سَبَّ أحاديث ؟ قال : نعم ، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة ، قال : سمعها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين .(/4)
ويؤيد ذلك : أن وقوع قصتين مثل هذه لِأَعْمَيَيْنِ ، كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم ، وكلاهما قتلها وحده ، وكلاهما نشد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيها الناسُ : بَعِيدٌ في العادة .
" الصارم المسلول " ( ص 72 ، 73 ) باختصار .
ويبقى إشكال في الجمع بين الاختلاف الذي جاء في الروايات في طريقة قَتل اليهودية : هل كان خنقاً أم طعناً بالسيف في بطنها ؟ .
ذكر ابن تيمية فيه احتمالين : احتمال أن ابن أم مكتوم خنقها ثم طعنها ، والاحتمال الثاني وجود الخطأ في إحدى الروايتين .
انظر " الصارم " ( ص 72 ) .
ثانياً:
ليس في الرواية ما يدل على أنه كان في بطن اليهودية جنين ، ومَن فهم ذلك مِن السياق فقد أخطأ ، وأما قوله في بعض ألفاظ الروايات : ( فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم ) : فلا يدل على هذا بوجه من الوجوه ؛ بل الظاهر أنه طفل من طفليها الذين وصفهما بقوله :
( مثل اللؤلؤتين ) ، جاء إلى أمه مشفقا عليها فتلطخ بالدم ، والدليل على ذلك أن لفظ رواية الطبراني للحديث فيه : ( فَأَصْبَحَ طِفْلَيْهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُلَطَّخَيْنِ بِالدَّمِ ) – كذا بالياء : " طفليها " - ، وأيضا في لفظ رواية البيهقي : ( فَوَقَعَ طِفْلاَهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُتَضَمِّخَانِ بِالدَّمِ ) .
ويدل على ذلك : ما جاء في " سؤالات الآجري أبا داود السجستاني " ( ص 201 ) :
قال أبو داود : سمعت مصعبا الزبيري يقول : عبد الله بن يزيد الخطمي : ليس له صحبة ، قال : وهو الذي قتل الأعمى أمه ، وهو الطفل الذي سقط بين رجليها ، التي سبَّت النبي صلى الله عليه وسلم .
انتهى .(/5)
إذاً فليس هناك جنين مقتول ، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بأخذ الجنين بجريرة أمه ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ، على أن اختلاف ألفاظ الحديث ورواياته ، ومجيئها مرسلة أحيانا عن عكرمة ، كما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " الأموال " ( رقم 416 ) ، ونقد بعض الحفاظ لمرويات عثمان الشحام بوجود المناكير فيها ، كما قال يحيى القطان : تعرف وتنكر ، ولم يكن عندي بذاك ، وقال أبو أحمد الحاكم : لم يكن بالمتين عندهم . وقال الدارقطني : بصري يعتبر به : كل ذلك يوجب الشك والتوقف في بعض التفاصيل المذكورة في القصة ، لكنه لا يرقى إلى رد أصل الرواية ونفي قيام الحادثة ، فقد جاءت لها شواهد أخرى سبق ذكرها ، وقبلها أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين .
ثالثاً:
في هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب ، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين ، فحقوق اليهود المعاهدين مصونة محفوظة ، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر ، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان ، ولم يكن يأخذ منهم الجزية ، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة ، لينظر في عقابه ويقضي في أمره ، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات ، بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه ، حُرِمَت جميعَ حقوقها ، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كان مسلما أو ذميّاً أو معاهداً ، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم ، ونقض لكل حرمة وحق وعهد ، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات .
انظر " أحكام أهل الذمة " ( 3 / 1398 ) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم : ( 22809 ) .(/6)
وأما أن " المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه " ، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الإشكال ، فقال :
" يبقى أن يقال : الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو نائبه ؟ " ، ثم قال رحمه الله :
" و جوابه من و جوه :
أحدها : أن السيد له أن يقيم الحد على عبده ، بدليل قوله صلى الله عليه و سلم : ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) [ رواه أحمد (736) وغيره ، وحسنه الأرناؤوط لغيره ، ومال الألباني إلى أن هذه الجملة من كلام علي ، كما في الإرواء (2325) ] ، و قوله : ( إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ) [ رواه أبو داود (4470) وهو في الصحيحين بلفظ : " فليجلدها الحد " ] ، و لا أعلم خلافا بين فقهاء الحديث أن له أن يقيم عليه الحد ، مثل حد الزنا و القذف و الشرب ، ولا خلاف بين المسلمين أن له أن يعززه ، واختلفوا هل له أن يقيم عليه قتلا أو قطعا ، مثل قتله لردته ، أو لسبه النبي صلى الله عليه و سلم وقطعه للسرقة ؟ وفيه عن الإمام أحمد روايتان : إحداهما : يجوز ، وهو المنصوص عن الشافعي ، والأخرى : لا يجوز ، كأحد الوجهين لأصحاب الشافعي ، وهو قول مالك ، وقد صح عن ابن عمر أنه قطع يد عبد له سرق ، وصح عن حفصة أنها قتلت جارية لها اعترفت بالسحر ، وكان ذلك برأي ابن عمر ؛ فيكون الحديث حجة لمن يجوز للسيد أن يقيم الحد على عبده بعلمه مطلقا ...
الوجه الثاني : : أن ذلك أكثر ما فيه أنه افتئات على الإمام ، والإمام له أن يعفو عمن أقام حدا واجبا دونه .
الوجه الثالث : أن هذا ، وإن كان حدا ، فهو قتل حربي أيضا ؛ فصار بمنزلة قتل حربي تحتم قتله ، وهذا يجوز قتله لكل أحد ...(/7)
الوجه الرابع : أن مثل هذا قد وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، مثل المنافق الذي قتله عمر بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما لم يرض بحكمه ، فنزل القرآن بإقراره ، ومثل بنت مروان التي قتلها ذلك الرجل ، حتى سماه النبي صلى الله عليه وسلم ناصر الله ورسوله ؛ وذلك أن من وجب قتله لمعنى يكيد به الدين و يفسده ، ليس بمنزلة من قتل لأجل معصيته من زنا و نحوه . " انتهى من الصارم المسلول (285-286) .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
103746
العنوان:
المال المستثمر يزكى مع ربحه عند حولان الحول على أصل المال
السؤال:
لدي أموال وضعتها عند صديق لي لتشغيلها ويعطيني أرباحا نصف سنوية فكيف أدفع زكاتها؟ ولدي أيضا مبلغ من المال وضعته في حساب توفير في بنك إسلامي فكيف أحسب زكاة ماله أيضا؟ هل أعطي زكاة على أرباح الأموال المذكورة أم أعطي للمال كاملا ؟
الجواب:
الحمد لله
من ملك نصابا من المال وحال عليه الحول ، وجب عليه أن يزكيه ، والنصاب ما يعادل 85 جراما من الذهب أو 595 جراما من الفضة ، والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر .
وإذا كان هذا المال مستثمرا ، في شركة مع صديق أو في بنك إسلامي ، ونتج من ذلك ربح ، فإن الربح يزكى مع أصل المال ، وحوله هو حول أصل المال .
قال ابن قدامة رحمه الله في المال الناتج من ربح التجارة : "فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله , فيعتبر حوله بحوله . لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (2/258).
وعليه؛ فإذا كان لديك عشرة آلاف مثلا ، وحولها في رمضان ، فإنه إذا جاء رمضان ، وجب أن تزكي جميع ما لديك من رأس المال ، والربح الحاصل إلى رمضان ، ويمكن معرفة هذا الربح في وقت إخراج الزكاة بسؤال البنك أو الشريك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103747
العنوان:
حكم العمل في مشروع محاربة ختان الإناث
السؤال:
أنا مقدم علي زواج بعد 3 أشهر وقد عرض علي أن أعمل في مشروع محاربة ختان الإناث بمرتب عالي يعينني على مصروفات الزواج والتجهيزات ، فإذا رفضت فسوف أعمل بمرتب ضعيف جدا لكن في مجال آخر غير موضوع ختان الإناث .
الجواب:
الحمد لله
ختان الإناث مشروع ، وهو دائر بين الوجوب والاستحباب ، ولا يُعلم عن أحد من الفقهاء القول بتحريمه ، وقد سبق بيان ذلك مفصلا ، مع بيان فوائده الصحية والطبية ، وفتاوى أهل العلم في شأنه ، وانظر : جواب السؤال رقم (60314) و(45528) .
ولا وجه لمحاربة الختان الذي هو من سنن الفطرة ، لكن ينبغي محاربة الطرق السيئة في إجرائه ، كالختان المسمى بالفرعوني ، وفيه يتم استئصال البظر كله ، مما يكون له أثر سيء على المرأة .
وعليه ، فإن كان غرض المشروع هو محاربة الصور الخاطئة من الختان مع إقرار العمل بالختان الصحيح ، فلا حرج في العمل فيه ، وإن كان الغرض هو محاربة الختان كله ، والتنفير منه ، ودعوة الناس إلى تركه ، فلا يجوز العمل فيه حينئذ ؛ لأنه مضاد للشرع ، فإن ختان الإناث أقل أحواله الاستحباب .
ولا يحملنك ضعف الراتب على طلب الزيادة بالحرام ، فإن متاع الدنيا قليل ، ونعيمها زائل ، وما عند الله تعالى خير وأبقى ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، فتمسك بالحلال مهما كان قليلا فإن الله تعالى يبارك فيه ، ودع الحرام مهما كان كثيرا فإن عاقبته إلى قلة وذلة .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .(/1)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103750
العنوان:
قراءة الفاتحة وراء من يسرع في صلاته
السؤال:
إذا كان الإمام يقرأ ويصلى بسرعة ، وبعض المأمومين لا يستطيعون قراءة الفاتحة ، فهل لهم أن يتأخروا عن الإمام ؛ حتى يتسنى لهم قراءة الفاتحة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10995) .
والفاتحة لا تسقط عن المأموم ، إلا في موضعين :
الأول : إذا أدرك المأموم الإمام راكعا ، فإنه يركع معه ، وتحسب له الركعة وإن لم يكن قرأ الفاتحة .
الثاني : إذا دخل مع الإمام في الصلاة قبيل الركوع ولم يتمكن من إتمام الفاتحة ، فإنه يركع معه ولا يتم الفاتحة ، وتحسب له هذه الركعة .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (74999) .
ثانياً :
لا يجوز للإمام أن يسرع في الصلاة بحيث لا يتمكن المأمومون من الإتيان بأركان الصلاة وواجباتها ، والواجب نصح هذا الإمام أن يتمهل في قراءته بحيث يتمكن من خلفه من المصلين من إتمام صلاتهم .
فإن لم يستجب الإمام للنصح واستمر في هذا الإسراع الذي يُخل بالصلاة ، وعلم المأموم أنه لن يتمكن من إتمام الأركان ، وجب على المأموم مفارقة الإمام ويكمل منفرداً .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"من دخل مع الإمام في أول الصلاة وعرف من الإمام أنه لا يتأنى في صلاته، وأنه لا يمكنه متابعة الإمام، إلا بالإخلال بأركان الصلاة ففي هذه الحال يجب عليه أن يفارق الإمام، وأن يكمل الصلاة وحده؛ لأن المتابعة هنا متعذرة إلا بترك الأركان، وترك الأركان مبطل للصلاة" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (13/117) .
أما إذا كان تأخر المأموم بسبب إسراع الإمام القراءة في ركعة من الصلاة ، أو تأخَّر المأموم في القراءة ، فإنه لا يركع حتى يتم الفاتحة ولو رفع الإمام من الركوع ، ثم يتابع الإمام فيما بعد ذلك .(/1)
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما الحكم في رجل صلى مع جماعة صلاة رباعية من أول الصلاة فلما سلم الإمام قام هذا الرجل وأتى بركعة خامسة فلما سأله الإمام قال: إنني في الركعة الثالثة لم أتمكن من قراءة الفاتحة فأتيت بهذه الركعة بدلاً عنها؟
"هذا صحيح، وخير من ذلك أنه لما قام وركع الإمام قبل أن يكمل قراءة الفاتحة أن يكمل الفاتحة ويتابع الإمام ولو رفع الإمام من الركوع" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (13/134) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103755
العنوان:
التبرج ليس من نواقض الوضوء
السؤال:
هل التبرج يبطل الوضوء ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بالحجاب الشرعي ، وأن لا تبدي زينتها للرجال الأجانب؛ قال الله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ) النور /31 ، وقد سبق ذكر الأدلة الدالة على وجوب حجاب المرأة في جواب السؤال (21134) و (21536) ، و (11774) .
وإذا تبرجت المرأة وهي على وضوء ، فإن وضوئها صحيح ولا ينتقض بذلك ، لكنها ارتكبت أمراً محرماً بتبرجها ، وقد سبق بيان نواقض الوضوء في جواب السؤال (14321) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103756
العنوان:
حكم تسمية البنت بلينة وياسمين
السؤال:
ما هو حكم تسمية البنت ب لينة وياسمين؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في تسمية البنت بلينة أو ياسمين ، واللينة هي النخلة الصغيرة أو النخلة بصفة عامة ، والياسمين معروف .
قال الله تعالى : ( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الحشر/5
وانظر للفائدة : جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103789
العنوان:
حكم خياطة ما يعين على المعصية
السؤال:
أعمل خيَّاطة ، وقد عملت أغطية لكراسي تستعمل في أعراس أغلبها ليست إسلامية ، وفيها ما فيها من المنكرات والمحرمات , هل أنا آثمة في فعلي هذا ؟ وهل المبلغ الذي تقاضيته في المقابل حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
خياطة الثياب والستائر والأغطية للاستعانة بها على المحرمات : لا تجوز ، كخياطة الستائر لقاعات الرقص والغناء ، أو خياطة ثياب الحرير للرجال ، أو خياطة الألبسة الضيقة والمتكشفة لمن يعلم – أو يغلب على ظنه - أنها ستلبسه أمام الرجال الأجانب عنها، ونحو ذلك من صور الإعانة على فعل المحرم.
والقاعدة التي تجمعها هي : "تحريم بيع أو تصنيع أو الاستئجار على أي عمل يعين على معصية الله ".
دليل ذلك قول الله عز وجل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) أي : ليُعن بعضكم بعضا على البر ، وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأعمال الظاهرة والباطنة ، من حقوق الله ، وحقوق الآدميين .
والتقوى في هذا الموضع : اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله ، من الأعمال الظاهرة والباطنة .
وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها ، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها : فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه ، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها ، بكل قول يبعث عليها وينشط لها ، وبكل فعل كذلك .
( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها .
( وَالْعُدْوَانِ ) وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ، ثم إعانة غيره على تركه .(/1)
( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) على من عصاه وتجرأ على محارمه ، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل" انتهى .
"تفسير السعدي" ( ص 218 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"إذا أعان الرجلَ على معصية الله : كان آثماً ؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان ، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وساقيها ، وشاربها ، وآكل ثمنها .
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها ، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما : كقتال المسلمين ، والقتال في الفتنة .
ومن أخذ عِوضًا (الأجرة) عن عين محرمة ، أو نفع استوفاه ، مثل أجرة حَمَّال الخمر ، وأجرة صانع الصليب ، وأجرة البَغِيّ ، ونحو ذلك : فليتصدق بها ، وليتب من ذلك العمل المحرم ، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله ؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث ، ولا يعاد إلى صاحبه ؛ لأنه قد استوفى العوض ، ويتصدق به ، كما نص على ذلك مَن نَصَّ من العلماء ، كما نَصَّ عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر ، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 141 – 142 )
ونقل في "شرح العمدة" ( 4 / 385 – 387 ) عن الإمام أحمد تحريم خياطة الثياب للجنود الظلمة ، وأنه إذا فعل ذلك فقد أعانهم على الظلم .
ثم قال شيخ الإسلام :
"وكل لباس يغلب على الظن أن يُستعان بلبسه على معصية : فلا يجوز بيعه ، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم ، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية" انتهى باختصار .(/2)
وعلى هذا؛ فما قمتِ به من خياطة أغطية لكراسي الأفراح التي ترتكب فيها المعاصي والآثام عملٌ محرم ، وكسبكِ منه محرَّم أيضاً ، والواجب عليكِ التوبة إلى الله تعالى منه ، والتصدق بالأجرة التي أخذتيها مقابل هذا العمل المحرم.
ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيراً ، وأن يتقبل توبتك.
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103793
العنوان:
خطبها رجل يعمل في بنك ربوي
السؤال:
تقدم لخطبتي رجل يصلي وذو خلق وجميع مواصفاته جيدة لكنه يعمل في بنك ربوي مدير قسم المحاسبة استخرت ولكني أنتظر إجابتك لقبوله أو رفضه لأني أخاف أن يكون حراما علي وعلى أولادي مستقبلاً وأتمنى إذا كانت هناك توضيحات أكثر على هذا الموضوع تعلمني به .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز العمل في البنوك الربوية مطلقا ، لا في المحاسبة ولا في غيرها ، لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية ، والعمل في مجال كتابة الربا أو حسابه أشد وأعظم ؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
وينظر : جواب السؤال رقم (21113) .
والمال الناتج عن هذا العمل مال محرم ، ولهذا ننصحك برفض هذا الخاطب ؛ لأن قبولك له يعني أن يكون طعامك وشرابك ونفقتك من المال الحرام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ،
فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) رواه مسلم (1015) .
قال ابن رجب رحمه الله : " فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء " انتهى .(/1)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح ، والرزق الحلال المبارك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103798
العنوان:
حكم الاكتتاب في الشركة المتحدة الدولية للمواصلات (بدجت السعودية)
السؤال:
ما حكم الاكتتاب في الشركة المتحدة الدولية للمواصلات (بدجت السعودية) ؟
الجواب:
الحمد لله
نشاط هذه الشركة نشاط مباح وهو تأجير السيارات ، وبيع السيارات المستعملة ، غير أن لها تعاملات ربوية، وتتعامل بالتأمين التجاري ـ وهو محرم ـ مما يجعل هذه الشركة من الشركات المختلطة، وأكثر العلماء المعاصرين على تحريم المساهمة في الشركات المختلطة ، وهو ما اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وصدر به قرار المجمع الفقهي .
وعلى هذا، فلا يجوز الاكتتاب في هذه الشركة.
وقد سئل الشيخ الدكتور محمد العصيمي عن الاكتتاب في هذه الشركة (بدجت السعودية) فأجاب:(/1)
"فقد اطلعت على نشرة الاكتتاب الصادرة من الشركة المتحدة الدولية للمواصلات، المطروحة للاكتتاب العام، وحيث إن نشاط الشركة نشاط مباح وهو تأجير السيارات تأجيرا قصيرا وطويل الأجل، وبيع السيارات المستخدمة، وبعض الخدمات ذات العلاقة، إلا أن النشرة قد نصت على أن للشركة مطلوبات على البنوك تبلغ مائة وثمانية عشر مليونا منها قرض لأجل بأكثر من خمسة وثلاثين مليونا وذلك بضمان عوائد التأمين على السيارات المملوكة للشركة، وهو في العرف البنكي قرض ربوي، والباقي قرض تمويل تأجيري لم يفصح عن طبيعته. وكذلك لدى الشركة نقد لدى البنوك بقيمة تزيد على عشرين مليون ريال لم يفصح عن طبيعته، ومن البعيد أن يكون حسابا جاريا بدون فائدة ربوية، كذلك فمن ضمن مصادر الدخل الأخرى (ص28) مبلغ يزيد على أربعة عشر مليونا سمته الشركة دخل التعويض والاسترداد يفرض على العميل المستأجر للسيارات وما هو إلا تأمين تجاري بحت، ثم هناك تسهيلات قصيرة ومتوسطة الأجل بلغت رسومها أكثر من ثمانية ملايين ريال. ومع كل هذا فقد نصت نشرة الاكتتاب على أن "جميع عمليات تمويل السيارات تتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية، كما تسعى الشركة مستقبليا للحفاظ على هذه التوجه" ص 28، ثم خففت النشرة من قوة العبارة السابقة في مكان آخر وقالت: "وتهدف الشركة إلى جعل جميع التسهيلات الائتمانية التي تحصل عليها والمتعلقة بالسيارات متوافقة مع الشريعة الإسلامية" ص 32. وحيث إن ما نص عليه من الالتزام بالضوابط الشرعية في تمويل السيارات طيب ومشروع وتشكر عليه الشركة، إلا أنه غير كافٍ في جعلها من الشركات المباحة، حيث يجب أن تلتزم بالضوابط الشرعية في القروض كلها، وفي الاستثمارات كلها، وهو أمر لم تنص عليه النشرة، بل الحقائق التي ذكرت أعلاه تدل على خلافه، وعليه فلا أرى جواز الاكتتاب بها.(/2)
وإني أوصي القائمين على هذه الشركة بتقوى الله عز وجل، والحرص على رضاه والتقرب إليه في كل الأمور خاصة في أمور التمويل والاستثمار. وقد وجد من التمويلات الإسلامية ما يفي بكل احتياجاتها التمويلية، خاصة أنها تقوم بنشاط يسهل على البنوك التجارية الإسلامية تغطيته بعقود شرعية، بل وأن تضع لمديوينته صكوكا إسلامية متداولة قائمة على التأجير التشغيلي الحقيقي وليس الصوري. وأرجو أن يكون ذلك بديلا لما ذكرته الشركة في ملخص النظام الأساسي من إصدار السندات والأسهم الممتازة. كما أوصيهم بالتأمين التعاوني الحقيقي والالتزام به، لا كما أشارت نشرة الاكتتاب في ص 43. وإن مما يعين الشركة على مثل ذلك التوجه الشرعي تعيين مستشار شرعي لها، خاصة أنها نصت في النشرة على سعيها للحفاظ على التوجه الإسلامي في التمويل.
وإن الشركات المساهمة مشكورة تحتاط في أمور كثيرة من المخاطر (مثل المخاطر الائتمانية والسوقية والتسويقية ومخاطر تقلبات العملة وأسعار الفائدة وغيرها)، وهذه أمور يحمدون عليها وتدل على الحرص على تسيير أمور الشركات على الوجه اللائق من الناحية الفنية والاقتصادية. إلا أني أذكرهم ونفسي المقصرة أن حق الله أولى، وأننا يجب أن نوقر الله سبحانه وتعالى وأن نحسب حساب المخاطرة في عصيانة أشد من حسباننا للمخاطرات السابقة. فالله سبحانه يمهل ولا يهمل، وهو عز وجل يغار على محارمه أن تنتهك، ولا طاقة لأحد بعقابه في الدنيا ولا في الآخرة. وإن المثلات أمامنا في كل مكان وعلى كل مستوى. فالحذر الحذر، فإن الله بالمرصاد. (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا).
وفق الله الجميع لكل خير، وعصمنا وإياهم من الزلل ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103812
العنوان:
حكم لعبة " اليوغي "
السؤال:
ماحكم لعبة " اليوغي " ؟
الجواب:
الحمد لله
البحث في هذه اللعبة يشكل جزئية صغيرة من مفردات البحث في تأثير الثقافة على مخرجات الحضارات والمجتمعات ، وفي اصطباغها بطرائق التفكير ومبادئ الاعتقاد التي تحملها تلك الحضارة ، إذ لا يمكن الفصل – لا عقلا ولا واقعا – بين الفكر والإنتاج ، ولا بين العقيدة والسلوك ؛ لأن الطبيعة البشرية غير قادرة على التحرر من قيود الموروث الثقافي الذي نشأت وتربت عليه .
ومن هنا يبدأ النظر في جميع أشكال الألعاب المستوردة من الشرق أو الغرب .
فقد نبه كثير من التربويين إلى صور من السلوك والأخلاق التي تحملها أنواع الألعاب والأفلام الكرتونية الوافدة ، ووجدوها غريبة عن ثقافة المسلمين ، بعيدة عن القيم التي تستمدها قلوبهم وعقولهم من مشكاة الوحي ونور النبوة ، حتى اتسع الأمر ، فلا يكاد أحد يحصي أوجه الخلفيات العقائدية والثقافية للألعاب والأفلام الوافدة ، ولم تعد عملية الانتقاء تجدي كثيرا من النفع في ظل هذا التدفق الهائل عبر وسائل الإعلام اليوم .
و" اليوغي " بجميع أشكاله – سواء كان فلما كرتونيا أو لعبة إلكترونية أو لعبة يدوية على شكل بطاقات – واحدٌ من وجوه التأثير العقائدي في برامج الأطفال الموجهة ، وإن كنا لا ندعي لزوم تعمد إخفاء التوجيه الفكري المؤثر في برامج الأطفال جميعها ، ولكننا نتحدث عن واقع مشاهَدٍ بغض النظر عن دوافعه وأسبابه .
فأنت حين تشاهد حلقات من المسلسل الكرتوني " يوغي يوه " - وهي التي تحكي لك بوضوح أحداث هذه الخرافة - لا تكاد تستوعب الكمَّ الهائل من خليط الأساطير والخيالات التي بنيت عليها فكرة " اليوغي "، تتشابك فيها العقائد الوثنية والبوذية والفرعونية والإلحادية والنصرانية وغيرها ، لتخرج بمزيج لا يطيقه عقل الكبير فضلا عن الصغير المستسلم لما يتسارع أمام عينيه من أحداث وألغاز وأسرار .(/1)
تبدأ القصة من ذهاب البطل " يوغي يوه " إلى مصر الفرعونية ليحصل على بطاقات " اليوغي " التي تحمل صورا من الوحوش والأرواح والأشكال الغريبة ، ولكلٍّ طاقةٌ محددة على كل بطاقة ، ليحارب بها الشر وينشر الخير ، فتبدأ معركة الوحوش التي تحملها ، ثم انتقلت هذه المعركة إلى أيدي الأطفال والأولاد عن طريق بطاقات " اليوغي " التي يتنافسون في شرائها وتحصيلها .
وكي نكون أكثر موضوعية ، وأكثر اعتدالا ، ونبتعد عن طرفي الإفراط والتفريط في التعامل مع كل وافد غريب ، لزم أن نقسم الأوجه التي تقوم عليها الألعاب والبرامج إلى ثلاثة أركان رئيسة :
الأول : القصة والأفكار التي تحكيها أحداث الفلم الكرتوني ومراحل اللعبة .
الثاني : الآليات والوسائل التي تنفذ فيها أحداث القصة وتُؤدَّى بها مراحل اللعبة .
الثالث : الهدف والغاية التي تصل إلى ذهن المتلقي وعقله بعد إتمام اللعبة .
ومناط الحكم الشرعي بالتحليل أو التحريم لا بد أن يراعى فيه الجوانب الثلاثة كلها ؛ لأن الشريعة لا تقتصر في بناء أحكامها على الصورة الظاهرة ، بل تعتبر الخلفيات المؤثرة ، كما تعتبر المآلات المتوقعة ، كما تقرر القاعدة المشهورة : " الأمور بمقاصدها "
وفي لعبة " اليوغي " نجد الفساد في الجوانب الثلاثة :
أما فساد القصة والفكرة :(/2)
فهي مليئة بمناقِضات العقيدة الإسلامية ، تجد في بطاقاتها أسماءَ آلهة كثيرة ، منها " إله الأفعى " مثلا ، وبعض الأشياء أزلية في تصويرهم ، كبطاقة " الإبريق الأزلي " ، وفيها بطاقات " سحرية " كـ " الفارس السحري " الذي كتب عنده بأنه " حافظ الكرسي الملكي " ! ، ومنها ما كتب عليها كلام يشبه الطلاسم السحرية الحقيقية ويخشى من تأثيرها على قارئها ، ومن البطاقات ما تحمل اسم " ملاكة كبيرة " فتصور الملائكة بالنساء الجميلات ، كما أن في بعضها ما يُظهر عقيدة تناسخ الأرواح ، والقدرة على الخلق والإيجاد من العدم ، وكلها تصور الحياة بقدر من النقاط يمكن زيادته وإطالته كما يمكن نقصه وفقده ، إلى أشياء كثيرة تهول الناظر فيها ، فلا يكاد يحصي فسادها وخروجها عن مسلمات العقيدة الإسلامية .
وذلك لا يعني تحريم الخيال في ألعاب الأطفال و" أفلام الكرتون " ، فهو مفيد في توسيع المدارك وتعليم التفكير ، وخاصة الخيال العلمي ، وله شاهد في اللعب التي كانت عند عائشة رضي الله عنها ، فقد كان منها فرس له جناحان ، فَقَالَ لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ؟ قَالَتْ : جَنَاحَانِ . قَالَ : فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ !! قَالَتْ : أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ ! . قَالَتْ : فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ ) رواه أبو داود (4932) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
لكن الذي ننكره أن يبلغ الخيال حد التعدي على مقام الألوهية وثوابت العقيدة ، وأن يخرج إلى تقرير الكفر الذي نعاه القرآن الكريم على أصحابه .
وأما فساد الآلية والوسيلة :(/3)
فهي لعبة تعتمد على الحظ في جزء كبير منها ؛ لأن أوراق البطاقات توزع على اللاعبين عشوائيا ، ثم يبدؤون في اللعب بها بحسب ما تحمله البطاقات المسحوبة ، وقد نص فقهاء الشافعية على حرمة اللعب بكل ما معتمده الحزر والتخمين ، قياسا على حرمة اللعب بالنرد الوارد في النصوص .
جاء في "نهاية المحتاج" للرملي (8/295) :
" ( ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح ) لخبر مسلم : ( من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) وفي رواية لأبي داود : ( فقد عصى الله ورسوله )
ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق .
قال الرافعي ما حاصله : ويقاس بهما ما في معناهما من أنواع اللهو , فكل ما اعتمد الحساب والفكر - كالمنقلة : حفر أو خطوط ينقل منها وإليها حصى بالحساب ـ لا يحرم ، ومحلها في المنقلة إن لم يكن حسابها تبعا لما يخرجه الطاب الآتي وإلا حرمت - , وكل ما مُعتَمَدُهُ التخمين يحرم , ومن القسم الثاني ـ كما أفاده السبكي والزركشي وغيرهما ـ : الطاب وهو عصى صغار ترمى وينظر للونها ويرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه , ومن ذلك أيضا الكنجفة – وهي أوراق فيها صور ، كما في الحاشية - " انتهى .
كما أن كثيرا من اللاعبين بـ " اليوغي " يلتزمون العوض في لعبهم ، فالفائز يحصل على بطاقة نادرة أو قوية ، قد تباع في السوق بمبالغ كبيرة ، فضلا عن أن الورق الملعوب به كله يشترى ويباع ، وترتفع قيمة البطاقة بحسب قوة الطاقة التي تحملها ، وهذه صور من الميسر الذي جاءت الشريعة بتحريمه تحريما قطعيا .
وأخيرا : في " اليوغي " أيضا فساد الهدف والغاية والأثر :(/4)
فهي تغرس في ذهن الممارس والمشاهد الأفكار التي تحملها ، وكثيرا ما يتدرج ذلك في نفوسهم من غير شعور ، فتجري على ألسنتهم كلمات استدعاء الوحوش والآلهة أو البعث من القبور – إذ يعتاد اللاعبون على إخراج البطاقات التي ذهبت إلى المقبرة بطرق معينة - ، فتتشكل في عقلية المُتَلَقِّين – وهم هنا فئة الفتيان والأطفال بل وبعض الشباب – صورٌ من الأوهام التي تؤثر في قابل الأيام على العقل الباطن في فكره وعقيدته وإنتاجه .
وفي هذا الرابط فتوى لبعض أهل العلم في هذه اللعبة :
http://www.islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=103991
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
103845
العنوان:
معنى ( الخبيثات للخبيثين ) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً ؟!
السؤال:
كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فأمر بضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله ، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله عزّ وجلّ : ( الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر ، فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه . فما هو تفسير آية ( الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ ) ؟! وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب ، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح ، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي ، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها ، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث ، وأكثر حديثها كذب وخداع ، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام ، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح ، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين ، ولمن أراه من الصالحين ، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم ، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها ، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي ، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة ، وهل سأجد من تعينني(/1)
على الصلاح ، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور ؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً ، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله ، وبالذات لما كنت أرى علامات منها ، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي ، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير ، ولا أزكى نفسي ، ولكني - والله - أحب دينه ، وأغار عليه بشدة ، وأبغض الكذب بغضاً شديداً ، باختصار : فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار ، إلا برحمة وفضل من الله ، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام ، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة ، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور ، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل ، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد ، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها ؟ أعلم أنه بلاء من الله ، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية ، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) النور/ 26 ، فقال بعضهم : هو الخبث والطِّيب في الأقوال ، فيكون معنى الآية : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول .(/2)
وقال آخرون : هو الخبث والطيب من الأفعال ، فيكون معنى الآية : الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال ، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال .
والقول الثالث في الآية : أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح ، فيكون معنى الآية : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء .
ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها ، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول ، وعليه الجمهور من المفسرين ، ويليه : القول الثاني .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ) أي : كل خبيث من الرجال والنساء ، والكلمات ، والأفعال مناسب للخبيث ، وموافق له ، ومقترن به ، ومُشاكِل له ، وكل طيِّب من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال مناسب للطيب ، وموافِق له ، ومقترن به ، ومشاكِل له ، فهذه كلمة عامة وحصر ، لا يخرج منه شيء ، من أعظم مفرداته : أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم ، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء ، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقين ، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح .
فكيف وهي هي ؟ صدِّيقة النساء ، وأفضلهن ، وأعلمهن ، وأطيبهن ، حبيبة رسول رب العالمين ، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ، ثم صرح بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً ، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال :(/3)
( أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا ، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا .
( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) تستغرق الذنوب .
( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) في الجنة صادر من الرب الكريم .
" تفسير السعدي " ( ص 563 ) .
ثانياً:
ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح ، وهذا هو الذي ينبغي على الحكام المسلمين أن يفعلوه ، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها ؛ لأن الطعن في عرض عائشة تكذيب للقرآن ، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل واحدٍ من هذين يوجب الكفر المخرج من الملة ، ويستحق فاعله القتل على الردة .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 22 / 185 ) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها : فقد كذّب صريح القرآن الّذي نزل بحقّها ، وهو بذلك كافر ، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها اللّه منه - : ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ، فمن عاد لذلك : فليس بمؤمنٍ .
وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي اللّه عنهنّ ؟ .
قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة : إنّهنّ مثلها في ذلك ، واستدلّ لذلك بقوله تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) .
والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه ، وذلك ممنوع .
والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة : أنّهنّ - سوى عائشة - كسائر الصّحابة ، وسابّهنّ يجلد ، لأنّه قاذف .
انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/4)
قذْف عائشة بما برأها الله منه : كفر ؛ لأنه تكذيب للقرآن ، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم ، أصحهما : أنه كفر ؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ( الخبيثات للخبيثين ) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 5 / ص 86 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 954 ) .
ثالثاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ ) .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله ، وتقوم بخدمته ، وتربي أولاده ، وتحفظ ماله وبيته ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات الدِّين ، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها ، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من ينكح المرأة لجمالها ، ومنهم من ينكحها لحسبها ، ومالها ، فالرجال يختارون من النساء كلٌّ حسب رغبته ، وعادته ، وعرفه ، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث عن ذات الدين ، والاقتران بها ؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه ، وفي بيته ، وعلى أولاده .
ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق ، فما تزال أمة الإسلام بخير ، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام ، ويتربين عليه .
ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده ، فلا يخرج ما حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي تزوجتها .(/5)
والناس يعرف بعضهم بعضاً ، ويختلط بعضهم ببعض ، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن أقربائهم ، وجيرانهم ، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد ، والمدرسة ، والزيارات ، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها ، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه ؛ وذلك بمحافظتهما على الصلاة ، والالتزام بالشرائع الظاهرة ، والأخلاق في التعامل مع الآخرين ، وما يخفيه أحدهم في باطنه : فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته ، ولا يلام من اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن ؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس والاطلاع عليها .
ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً ! فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك ، وعلم باطنك ؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا أهل الدين والخلُق من الرجال ، وذلك بحسب ما يظهر منهم ، مع السؤال والاستفصال من المقربين لهذا الخاطب ، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع مثله – بل وأضعافه – من الرجال ، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب زواجك الأول ، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة ، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى ، وعلى الأخلاق الفاضلة ، ومن ثمَّ تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها ، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها ، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار ، وأن يرزقك زوجة صالحة ، تعفُّك ، وتعفها ، وتُحسن إليها وتُحسن إليك ، وأن يرزقكم ذرية طيبة .
ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين : ( 26744 ) و ( 10376 ) .
والله الموفق(/6)
رقم السؤال:
103846
العنوان:
يشك في نجاسة ثوبه بعد التبول
السؤال:
أنا طالب في دولة أجنبية للدراسة وأقضي معظم اليوم في مكان العمل وعند احتياجي للتبول فأنا أبول واقفا لإحساسي بإمكانية إصابة مقعد الدورة بالنجاسة وكذلك لعدم قبولي نفسيا الجلوس عليها مع المحاولة قدر الاستطاعة الأمن من الإصابة برزاز البول وأنا أستعمل مناديل ورقية للاستجمار من البول ، فما هو حكم قطرات البول البسيطة التي قد تسقط على السروال بعد التبول واقفا ( مع أخذ الحيطة ) ؟ كما أرجو توضيح هل يختلف الحكم في حالة تأكد الشخص من حدوث ذلك عنه في حالة الظن فقط ؟ وهل يكفي الرش بالماء أو المسح علي ما يعتقد أنه موضع الإصابة برزاز البول ؟ وهل الإكثار من الأسئلة في هذا الأمر من الوسواس ؟
الجواب:
الحمد لله
السنة أن يبول الإنسان قاعداً ، فإذا بال قائماً ، فلا حرج عليه ما دام يأمن أن لا تصيب النجاسة ثوبه وبدنه .
وإذا بال الإنسان قائماً ، ثم تحقق أنه قد أصاب ثوبه شيء من البول ، فإنه يجب عليه أن يغسل الموضع الذي أصابته النجاسة ، ولا يكفي أن يرش أو يمسح على مكان النجاسة ، بل الواجب هو غسل النجاسة ، فيسال الماء عليها.
إذا شك الإنسان هل أصاب ثوبه شيء من البول أو لا ؟ فلا يلزمه غسل الثوب ، لأن الأصل طهارة الثوب حتى يتيقن الإنسان أن النجاسة قد أصابته .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " إذا كنت قد تحققت من نزول القطرة وجب عليك الاستنجاء والوضوء منه لكل صلاة وغسل ما أصاب ملابسك منه ، أما مع الشك فلا شيء عليك في ذلك ، وينبغي أن تُعرض عن الشكوك حتى لا تصاب بالوسوسة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (5/106) .
وسؤال الإنسان عما ينفعه من أمور دينه ، فهذا ليس عيباً ولا وسوسة ، بل هو طلب للكمال ، وحرصٌ على الخير .
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (39684) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103847
العنوان:
حكم تهييج الشهوة بين زوجين بالشتائم البذيئة وقبيح الكلام والضرب !
السؤال:
أنا شاب ، 31 عاماً ، مقبل على الزواج خلال شهرين ، كنت أتحدث مع خطيبتي عن أمور المعاشرة الزوجية ، فاكتشفت أنها تريد مني أن أضربها على جميع أنحاء جسدها ، وأن أوجه لها الشتائم البذيئة ! وأن أصفها بصفات بنات الليل ! وأن أذلها أثناء المعاشرة ، مع العلم هي تعاني من مرض الاكتئاب من عشر سنوات ، ولا يوجد تحسُّن في حالتها ، فبالله عليكم ماذا أفعل ؟ وهل لو عملت معها هكذا من باب حبي لها وإشباع رغبتها الزوجية حلال أم حرام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم مقاصد النكاح هو أن يعف الرجل نفسه ، وأن تعف المرأة نفسها ، وهو ما يحصل بالجماع بين الزوجين ، وبه تكتمل صورة العفاف في الزوجين ، من غض البصر ، وحفظ الفرج ، بل وحفظ الأعضاء جميعها من الوقوع في الزنا ، فكما أن العين تزني : فإن الأذن تزني ، واليد تزني ، والرجل تزني ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وفضلاء الأطباء يروْن أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة .
وقال :
ومن منافعه - أي : الجماع : غض البصر ، وكف النفس ، والقدرة على العفة عن الحرام ، وتحصيل ذلك للمرأة ، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه ، وينفع المرأة ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه ، ويقول : ( حبِّب إليَّ مِن دنياكم : النساء والطيب ) .
" زاد المعاد " ( 4 / 228 ) .
ولم تقيِّد الشريعة الزوجَ بطريقة معينة يأتي بها امرأته ، بل قد نهي عن جماعها في زمن الحيض والنفاس ، ونهي عن جماعها في الدبر .
ثانياً:(/1)
الكلام بين الزوجين عند الجماع بما يعينهما على قضاء الوطر ، وكمال اللذة المشروعة : مباح ، وربما طلب منه ـ في تلك الحال ـ ما يكون فيه من التعبير عن الحب ، والعشق ، والغرام بينهما ، فهو أدعى للألفة والمودة بينهما ، وهو يهيِّج الطرفين للجماع ليعف كل واحد منهما نفسه ، ويعف زوجه .
ومقدمات الجماع من التقبيل والكلام الذي يكون بين الزوجين هو " الرفث " – على أحد الأقوال – وإنما ينهى عنه المحرم حال إحرامه ، وفيه الإشارة إلى حلِّه في غير هذه الحال ، وهو الثابت المعلوم من حال خير القرون ومن بعدهم ، وهو المذكور في كتب الفقه أنه من آداب الجماع ، ومما يزيد المحبة بين الزوجين .
قال تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/ من الآية 197 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين :
أحدهما : مباشرة النساء بالجماع ، ومقدماته .
والثاني : الكلام بذلك ، كأن يقول المحرم لامرأته : إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا .
ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) البقرة/ 187 ، فالمراد بالرفث في الآية : المباشرة بالجماع ، ومقدماته .
" أضواء البيان " ( 5 / 13 ) .
ولا حرج أن يذكر الزوجان ما يهيج شهوتهما من الكلام ، ولو كان بذكر ألفاظ العورة باسمها العرفي ، وقد بينا جواز ذلك في جواب السؤال رقم : ( 45597 ) ، وليس في ذكر كلمات الغرام والعشق بين الزوجين حرج ، وليس في ذكر العورة باسمها الصريح أو العرفي حرج إذا كان هذا يهيج الشهوة بينهما ، ولله در الإمام ابن قتيبة حيث لفت النظر إلى أن ذكر الأعضاء باسمها ليس فيه إثم ، إنما الإثم في قذف الأعراض ، وجعل تلك الألفاظ ديدناً .(/2)
قال ابن قتيبة – رحمه الله - :
وإذا مرّ حديث فيه إفصاح بذِكر عورة ، أو فرج ، أو وصف فاحشة : فلا يحملنك الخشوع ، أو التخاشع على أن تُصَعِّرَ خدك ، وتُعرض بوجهك ؛ فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم ، وإنما المأثم في شتم الأعراض ، وقول الزور ، والكذب ، وأكل لحوم الناس بالغيب .
" عيون الأخبار " ( 1 / المقدمة صفحة ل ) .
وقال – رحمه الله - :
لم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هِِجّيراك [ يعني : عادتك ] على كل حال ، وديدنك في كل مقال ، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها ، أو رواية ترويها تنقصها الكناية ، ويذهب بحلاوتها التعريض .
" عيون الأخبار " ( 1 / المقدمة صفحة م ) .
وهذه الإباحة بين الزوجين في الكلام عند الجماع لا ينبغي أن تتحول إلى سب وقذف بالمحرم والفحش ، حتى ولو لم يكن يريد حقيقة السب ، وإنما يريد التصريح بذلك الكلام ، فليس من عادة المؤمن أن يعود لسانه السب والقذف .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَعَّانِ وَلَا الَلَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ ) .
رواه الترمذي ( 1977 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وفي هذه الأفعال مشابهة لأهل الفساد من الزواني والزانيات ، ولا يليق بالمسلم أن يجعل فراش الزوجية الطاهر كحال ما يحدث في بيوت الدعارة بين الساقطين والساقطات ، فهم أحق بتلك الألفاظ ، وأهل لها ، لا امرأته العفيفة الطاهرة .
ثم إنه يُخشى من اعتياد الزوجين على هذه الكلمات ، فتصبح علاقتهما من غيرها باردة ، وجافة ، أو تصبح عادة لهما في حياتهما في غير وقت الجماع ، خاصة إذا حدث شجار ، أو تقلبت النفوس والقلوب ؛ وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على متأمل .(/3)
على أن الذي أفزعنا في سؤالك حقا ، يا عبد الله ، هو حديثك مع خطيبتك في هذه الأمور ، وبهذه الصراحة ، وهي جرأة منكما لا تحمدان عليها ، بل تذمان بها كل الذم ؛ فكيف تسمح لنفسك بالكلام في ذلك مع خطيبتك ، وهي امرأة أجنبية عنك ، وكيف تسمح ـ هي أيضا ـ بالكلام في ذلك ، وبكل هذه الصراحة معك ، وأنت رجل أجنبي عنها ، ثم كيف تتاح لكما فرصة الخلوة التي تتمكنان فيها من هذا الحديث الذي يستحيل أن يذكر ، ولو بالتلميح أمام غيركما .
إن هذا السؤال يدل على أنكما تساهلتما كثيرا في طبيعة العلاقة بينكما ، وتعديتما حدود الله تعالى فيما بينكما ، فألقى الشيطان في قلوبكما من جمار الشهوة ما تظنان أنها لا يطفئها شيء مما اعتاد الناس ، فرحتما تبحثان عن كل غريب ، ولو شاذا !!
فالواجب عليكما أن تضعا حدا لهذه المخالفات ، وتتوبا إلى الله عز وجل من ذلك التعدي الذي وقعتما فيه ؛ ولتعلما أن ما بقي أمامكما شيء يسير ، فاصبرا حتى يجمع الله بينكما على ما يحب ويرضى من الحلال الطيب ، وساعتها سوف تعلمان أن أمر العفة لا وقضاء الوطر الحلال ، لا يحتاج إلى كل ذلك : " وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ " .
وانظر حول العلاقة بالمخطوبة جواب السؤال رقم (2572) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
103849
العنوان:
لا يشترط ذكر اسم المنوب عنه في الحج والعمرة
السؤال:
هل يشترط التلفظ بالنية عندما أنوي العمرة لأحد أقاربي وهو متوفى بأن أقول : لبيك اللهم عمرة لجدي .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجوز للإنسان أن يحج أو يعتمر عن غيره بشرط أن يكون قد حج واعتمر عن نفسه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : ( لبيك عن شبرمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن شبرمة ؟ قال : قريب لي ، قال : هل حججتَ قط ؟ قال : لا ، قال : فاجعل هذه عن نفسكَ ، ثم حُجَّ عن شبرمة ) رواه أبو داود ( 1811 ) وابن ماجه ( 2903 ) - واللفظ له - .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 4 / 171 ) .
ثانياً :
الحج والعمرة عن الغير لا يشترط فيهما ذكر اسم الشخص المنوي عنه الحج أو العمرة ، ولا التلفظ بذلك ، بل تكفي النية عنه ، والنية محلها القلب .
ولكن الأفضل أن يقول عند أول تلبية : لبيك اللهم عن فلان – كما في حديث ابن عباس السابق - .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء : " الحج عن الغير يكفي فيه النية عنه ، ولا يلزم فيه تسمية المحجوج عنه ، لا باسمه فقط ولا باسمه واسم أبيه أو أمه ، وإن تلفظ باسمه عند بدء الإحرام أو أثناء التلبية أو عند ذبح دم التمتع إن كان متمتعا أو قارنا – فحسن ؛ لما روى أبو داود وابن ماجه ، وصححه ابن حبان ، عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : " من شبرمة " ؟ قال : أخ لي أو قريب لي ، قال : " حججت عن نفسك " ؟ قال : لا . قال : " حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة " . انتهى بتصرف .
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (11/82) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
رجل حج عن امرأة وعندما أراد الإحرام من الميقات نسي اسمها ماذا يصنع؟
فأجاب :(/1)
"إذا حج عن امرأة أو عن رجل ونسي اسمه فإنه يكفيه النية ولا حاجة لذكر الاسم، فإذا نوى عند الإحرام أن هذه الحجة عمن أعطاه الدراهم أو عمن له الدراهم كفى ذلك، فالنية تكفي؛ لأن الأعمال بالنيات ، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/79) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103867
العنوان:
هل يصلي بثياب النوم
السؤال:
هل تتنجس الملابس التي أنام بها (الأمر الذي يتبعه عدم جواز الصلاة فيها) ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأصل في الملابس أنها طاهرة ، إلا إذا طرأ عليها نجاسة توجب تطهيرها .
ومجرد نوم الإنسان في الثياب لا يجعلها نجسة ، بل هي طاهرة حتى يتيقن أنها أصابتها نجاسة .
قال الشيخ ابن عثيمين : " الإنسان بملابسه الأصل فيه أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه ، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه الرجل أنه يجد الشيء في صلاته ـ يعني الحدث ـ فقال : (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، فإذا كان الشخص لا يجزم بهذا الأمر فالأصل الطهارة ، وقد يغلب على الظن تلوث الثياب بالنجاسة ولكن ما دام الشخص لم يتيقن فالأصل بقاء الطهارة " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/107) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (12720) .
ثانياً :
يجوز للإنسان أن يصلي بثياب النوم ما دامت طاهرة ساترة للعورة ، وإن كان الأحسن والأكمل للإنسان في صلاته أن يلبس ثيابا حسنة ، مما يتزين ويتجمل بها ، وذلك امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31 .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن حكم الصلاة بثياب النوم وحضور الجماعات بها ؟
فأجاب : " لا بأس بالصلاة بثياب النوم إذا كانت طاهرة سواء أتي بها إلى المسجد أم لم يأت بها ، اللهم إلا إذا كانت تلك الثياب تلفت للنظر بحيث يعتب عليه ، ويكون شهرة يتكلم به في المجالس من أجلها ، فإنه ينبغي للإنسان أن يتجنب كل أمر يكون سبباً لاغتيابه بين الناس " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/362) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
103869
العنوان:
وظيفته البحث عن مشاريع للشركة ومنها بناء البنوك الربوية
السؤال:
أنا شاب التحقت بالعمل في شركة كبيرة للمقاولات ووظيفتي هي البحث عن المشاريع الجديدة التي يعلن عنها سواء كان ذلك عن طريق الإنترنت أو الجرائد أو غيرها ومتابعتها. الشركة تقوم بالتقديم للعمل في بناء الأبراج السكنية والتجارية والمصانع ومولدات الطاقة والنفط وغيرها .. سؤالي هو: في بعض الأحيان يكون هناك مشروع بناء برج مكاتب لأحد البنوك أو الأبراج التي يكون بها سوق في أحد أدوارها - وعلى حد علمي أن أي مساعدة للبنوك سواء في البناء أو التأجير يعد من التعاون على الإثم والعدوان - ، إذا فرض ووجدت مشروعا ضخما لأحد البنوك وأنا أعلم أنه إذا أبلغت الشركة عن هذا المشروع وقامت الشركة ببنائه سيلحقني الإثم بسبب هذا لأنني تعاونت على الإثم والعدوان وساعدت على بناء هذا البنك. وأعلم كذلك أنه إذا غضضت النظر عن هذا المشروع ولم أرسل تقريرا عنه إلى الإدارة فأنا مقصر في عملي ويلحقني الإثم بسبب تقصيري في عملي وعدم أداء الأمانة . ماذا أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
التعامل بالربا محرم ، وهو من كبائر الذنوب ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضى الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه . وقال : هم سواء .(/1)
وإذا ثبت تحريم التعامل بالربا ، فإنه يحرم المعاونة عليه بأي نوع من أنواع المعاونة ، وذلك لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2.
فلا يجوز إنشاء البنوك الربوية ، ولا تجهيزها ، ولا عمارتها ، ولا إعانتها بأي وجه من وجوه الإعانة .
وليس لك أن تدل الشركة على بناء بنك ربوي، وإلا كنت معينا على الإثم والمعصية .
وليس هذا تقصيرا منك في العمل ولا خيانة للأمانة كما ظننت ، بل هذا من النصح للشركة ، والإعانة لها على الخير دون الشر . وتعاقدك معها إنما ينصرف إلى الدلالة المباحة لا المحرمة .
وأما البنوك الإسلامية التي لا تتعامل بالربا فلا حرج في إنشائها والدلالة عليها .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103870
العنوان:
خطيبته تجالس رجلاً أجنبياً عنها
السؤال:
أنا شاب اسمي رائد خطبت فتاة اسمها نورا – ما ذكرت الأسماء إلا لأثبت للفتاة أنني سألتكم- لدي مسألة شرعية أود السؤال عنها: خطيبتي لها خمس أخوات اثنتان منهن متزوجات من أبناء عمهن وتسكن إحداهن في الشقة المقابلة لهم مباشرة . في مساء أحد الأيام زارت خطيبتي بيت زوج أختها المقابل لمنزل والدها -هو ابن عمها- مع أختيها ، وقضوا حسب قولها وقتا ممتعا من المرح والمزاح والحديث الذي يسري عن القلب والضحك والسرور والسعادة والانبساط ولكن عندما أخبرتني ضقت مما سمعت إذ إنني شعرت بأنه ليس من حقها شرعا أن تذهب لبيت زوج أختها وتقضي الوقت وتضحك وتفعل ما فعلت من مرح وسعادة لسببين : الأول : أنه حصل بدون علمي وبدون موافقتي . والثاني : أنني أشعر أن الفتاة عليها التزام بيتها سواء كان بيتها عند والدها أو بيت زوجها . إضافة إلى أنني لا أحب هذا النوع من الاختلاط الذي لا تحكمه أية ضوابط شرعية في الحديث أو النظر فأين غض البصر في جلسة كهذه ملؤها الضحك والمزاح ، كما أنني أعلم أن صوت المرأة عورة فكيف إذا ضحكت حتى ولو بصوت منخفض ، فالضحك ضحك ، حاولت جاهدا أن أقنعها أن هذا شيء يجب اجتنابه ولكن لا فائدة ، أجابتني أن ما فعلته ليس حراماً أو عيباً ، إن زوج أختي مثل أخي ، عدمت الوسيلة إلا من الله تعالى بالدعاء لها ، ثم منكم ، أفيدوني أي الرأيين الصائب ، من هو المحق ومن هو المخطئ ، أريد إجابة شرعية تكون فصلا بيني وبينها عند الله ، حيث إنها أصرت على تكرار ما حدث لمرات أخرى بحجة أن هذا ليس عيباً أو حراماً ، الآن أصبحت مشتتا ولا أعرف أهو حرام أم لا ، أهي آثمة أم لا ، هل أنا مساءل عن هذا الأمر عنها أمام الله أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(/1)
اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد ، واختلاطهم في المجالس ، وارتكابهم ما ينافي الحياء من الضحك والمزاح ، هذا كله من الأمور التي حرمتها الشريعة ؛ لأنّ ذلك من أسباب الفتنة ، وثوران الشهوات ، ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم ( 1200 ) .
ثانياً :
أخت الزوجة تعدُّ أجنبيّة عن زوج أختها ، فلا يحل له النظر إليها ، ولا الخلوة بها ، ولا مصافحتها .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة ، ويعتبر أجنبيا عنها ، لا يحل لها أن تكشف وجهها له ، ولا تصافحه ، ولا تخلو به ، ولا أن تسافر معه ، شأنه شأن الرجال الأجانب ، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى .
وانظر جواب السؤال: ( 32689) .
ثالثاً :
يجب التنبه إلى أن المرأة المخطوبة تعتبر أجنبية عن الخاطب ، فلا يجوز له أن يخلو بها ، ولا أن يحادثها إلا فيما يتعلق بموضوع الزواج مع وجود محرم معهما ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13704) و (77236) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103871
العنوان:
توجيه ونصح لمن يعاني من سرعة الإنزال ويلتزم أدعية معينة
السؤال:
أنا شاب مقبل على الزواج ، ولكن لدي مشكلة ألا وهي سرعة القذف ، و أنا أعلم أن هذا ابتلاء وسوف يسبب لي الكثير من المتاعب عند الجماع بعد الزواج ، حاليّاً : أتّخذ وسيلة لمعالجة نفسي بالقرآن الكريم من هذا الموضوع ، وأفعلها يوميّاً وهي : قبل النوم : أضع كفي على ذكري وأقرأ الفاتحة ، وأقرأ ( وننزّل من القرآن ما هو شفاء و رحمة ....) الآية ، وأقرأ ( وإذا مرضت فهو يشفين ) ، كل واحدة منهم سبع مرات ، ثم أقول : " أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني" سبع مرات ، ثم أدعو ، ثم أنفث على ذَكَري ثلاث مرات ، وكل صباح - وأنا ذاهب إلى عملي في السيارة - أضع يدي على ذَكَري ، وأقرأ آخر آيتين من سورة البقرة ، وآية الكرسي ، والفاتحة ، والمعوذات ، والإخلاص ، والآيتين اللتين ذكرتهما سابقا ، بالإضافة إلى الدعاء الذي ذكرته ، ثم أنفث ثلاث مرات على ذَكَري ، أفعل ذلك ثلاث مرات ، بعد ذلك أدعو الله أن يشفيني من هذا . هل ما أفعله فعل صحيح أم أن هناك وسائل أخرى أو آيات أخرى ؟ لا أريد أن أتزوج وأنا بهذه الحالة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا ندري كيف تعاني من سرعة في القذف وأنت غير متزوج ! فمثل هذا الشيء لا يظهر إلا بالزواج فكيف تشكو منه ؟! .
والذي يظهر لنا أن هذا الأمر إن لم يكن وهماً منك لا حقيقة لوجوده : فقد تكون عرفتَه من فعل العادة السرية ! فإن كان كذلك : فاعلم أن عليك المبادرة لترك فعلها ؛ فإن لها أضراراً كثيرة ، ومن أضرارها أنها تسبب سرعة الإنزال بمجرد احتكاك الذكر بمهيج .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :(/1)
ثبت في علم الطب أن الاستمناء يورث عدة أمراض ، منها : أنه يُضعف البصر ، ويقلل من حدته المعتادة إلى حدٍّ بعيد ، ومنها : أنه يضعف عضو التناسل ، ويحدث فيه ارتخاء جزئيّاً ، أو كليّاً بحيث يصير فاعله أشبه بالمرأة لفقده أهم مميزات الرجولة التي فضَّل الله بها الرجل على المرأة ، فهو لا يستطيع الزواج ، وإن فرض أنه تزوج : فلا يستطيع القيام بالوظيفة الزوجية على الوجه المطلوب ، فلا بد أن تتطلع امرأته إلى غيره ؛ لأنه لا يستطيع إعفافها ، وفي ذلك مفاسد لا تخفى .
ومنها : أنه يورث ضعفاً في الأعصاب عامة نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية ، ومنها : أنه يورث اضطراباً في آلة الهضم ، فيضعف عملها ويختل نظامها ، ومنها : أنه يوقف نمو الأعضاء خصوصاً الإحليل والخصيتين ، فلا تصل إلى حد نموها الطبيعي ، ومنها : أنه يورث التهاباً منويّاً في الخصيتين ، فيصير صاحبه سريع الإنزال إلى حدٍّ بعيد ، حيث ينزل بمجرد احتكاك شيء بذكره أقل احتكاك .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 122 ، 123 ) .
ولا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق من هذا الأمر ، وكما أخبرناك فإنه إن كان السبب هو فعل العادة السرية فإنه يُرجى أن يكون بتركك لها أن ييسر الله لك الأمر ، وأن لا يظهر هذا العارض معك بعد زواجك ، وإن استمر معك بعد الزواج : فإنك تُوصى بأن لا تباشر الإيلاج حتى تلاعب زوجتك وتستمتع معها ، وتهيجها ، حتى إذا بلغت الذروة أولجت بعدها ؛ لتعف نفسك وتعفها ، على ألا تبالغ ـ أيضا ـ في تلك الملاعبة ؛ فإنها ربما كانت من أسباب سرعة القذف .(/2)
فإن لم يُجد ذلك : فيمكنك استشارة طبيب مختص ليدلك على أدوية تبطئ من الإنزال ، ولعله مع التعود على الجماع ، وخاصة بعد انقضاء الفترة الأولى أن يزول هذا العارض من غير حاجة لدواء ، فالمعلوم أنه من اشتدت عليه العزوبة جامع في أول زواجه مرات كثيرة في اليوم الواحد ، ويكون سريع الإنزال ؛ حتى تنقضي مدة يسيرة فترجع الأمور لطبيعتها .
وقد رويت أحاديث ضعيفة فيها استحباب معاشرة الزوج قبل الإيلاج ، والتحذير من أن يقضي شهوته دونها ، وهي وإن كانت ضعيفة الإسناد ، إلا أنها مقبولة المعنى ، وفيها من الآداب النافعة في ذلك الباب شيء حسن .
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله - :
ويستحب أن يلاعِب امرأته قبل الجماع ؛ لتنهض شهوتُها ، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ ، قلت : وذلك إليَّ ؟ نعم إنك تقبِّلها ، وتغمزها ، وتلمزها ، فإذا رأيتَ أنه قد جاءها مثل ما جاءك : واقعتها ) .
فإن فرغ قبلَها : كُره له النزع حتى تفرغ ؛ لما روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ، ثم إذا قضى حاجته : فلا يَعجلها حتى تقضي حاجتها ) ؛ ولأن في ذلك ضرراً عليها ؛ ومنعاً لها من قضاء شهوتها .
" المُغني " ( 8 / 136 ) .
وكلا الحديثين ضعيفان ، لكنهما صحيحان فقهاً ، كما بينَّا .
قال المناوي – رحمه الله - :
( إذا جامع أحدكم أهله ) أي : حليلته ، قال الراغب : وأهل الرجل في الأصل يجمعه وإياهم سكن ثم عبر به عن امرأته .
( فليصدقها ) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال ، من الصدق في الود والنصح ، أي : فليجامعها بشدة ، وقوة ، وحُسن فعل جماع ، ووداد ، ونصح ، ندباً .
( فإن سبقها ) في الإنزال وهي ذات شهوة :(/3)
( فلا يعجلها ) أي : فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها ، بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره ، فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها ؛ فإن ذلك من حسن المعاشرة ، والإعفاف ، والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف ... .
ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده : أن الرجل إذا كان سريع الإنزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل : أنه يُندب له التداوي بما يبطئ الإنزال ؛ فإنه وسيلة إلى مندوب ، وللوسائل حكم المقاصد .
" فيض القدير " ( 1 / 325 ) .
ثانياً:
أما بخصوص الأدعية التي تقولها معالجاً بها نفسك : فإنه يصح منها ما ثبت بالسنَّة النبوية الصحيحة ، وما عداه : فيجوز استعماله لكن بشرط ألا يجعل وردا دائما ، كما تجعل الأذكار المأثورة .
وقراءتك لقوله تعالى : ( وننزّل من القرآن ما هو شفاء و رحمة ....) الآية ، وقوله ( وإذا مرضت فهو يشفين ) لا بأس به ، وإن كان الأكمل من ذلك والأفضل أن تتداوى بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وترقي نفسك برقيته .
وقد بيَّنا هذا الثابت فيها في جواب السؤال رقم : ( 75399 ) فانظره ، واكتف بما فيه تجد خيراً إن شاء الله .
وأما وضع اليد على الفرج ، أو مسحه أثناء قراءة الرقية وما فيها من قرآن ، فلا نرى ذلك لك ، ونخشى أن يكون في استعمال القرآن في مثل ذلك امتهان له ؛ ثم إن المشكلة التي ذكرتها ليست مرضا ظاهرا حتى تفعل ذلك لرقيته ، ولو تحقق كونه مرضا ، فليس المرض في الفرج ، كما تظن ، ولأجل ذلك استعملت ما ذكرت من الرقية ، وإنما هو ـ لو ثبت ـ مشكلة أساسها في جهازك العصبي الذي لا يتمكن من التحكم في القذف على الوجه المعتاد .(/4)
والخلاصة : أننا لا ننصحك بالتأخر في الزواج ، لأجل حل هذه المشكلة ، فإنها لن تتبين حقيقة إلا بعد زواجك ، فربما كانت وهما ، أو زيادة في الشهوة ، لأجل ما أنت فيه من العزوبة ، لا يلبث أن يزول بعد فترة من الزواج ، وإذا قدر بقاؤه ، فيمكن استعمال بعض الأدوية المناسبة ، بعد استشارة طبيب مختص .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
103878
العنوان:
خال المرأة وعمها محرم لها ولبناتها
السؤال:
هل يجوز لبس الحجاب أمام عم وخال الأم ؟
الجواب:
الحمد لله
خال الإنسان يعتبر خالاً له ولجميع ذريته ، وكذلك عم الإنسان يعتبر عماًّ لجميع ذريته.
وعلى هذا ، فلا حرج على المرأة أن تخلع حجابها أمام خال أمها وعم أمها ، ولها مصافحته والخلوة به ، لأنه محرم لها ، قال الله تعالى في جملة المحرمات من النساء : ( وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) النساء / 23 .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/90) : " وَيَحْرُمُ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُهُنَّ ; لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأُخْتِ , وَكَذَلِكَ بَنَاتُ بَنَاتِ الْأَخِ " انتهى .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : عندي أخت ، ولها أولاد وبنات ، وهؤلاء الأولاد تزوجوا وأنجبوا أولادا وبنات ، هل يصح لي أن أقبل هؤلاء البنات ، حيث إنني خال أبيهم ، وكذلك بنات أختي تزوجن وأنجبن أولادا وبنات ، هل يصح لي أن أقبل تلك البنات ، حيث إنني خال أمهن ، وهل هن لا يتغطين عني ؟
فأجابت : " يكون الرجل محرما لبنات بنات أخته ، ولبنات أبناء أخته وإن نزلن ؛ لأنه خال لهن ، ولا يحتجبن منه ؛ لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) إلى قوله : ( وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ) ، وهذا يشمل البنات القريبات والنازلات في الدرجة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17/384) .
وسئلت أيضا : هل يجوز للمرأة أن تكشف وتسلم على خال أمها وعم أمها ، وكذلك خال أبيها وعم أبيها ، وما المستند الفقهي في تحليل ذلك أو تحريمه ؟
فأجابت : " يجوز أن تبدي المرأة من زينتها لخال أمها وعم أمها ولخال أبيها وعم أبيها مثل ما تكشفه منها لمحارمها ؛ لأمرين :(/1)
الأول : أنهم محارم لها ، يحرم على كل منهم نكاحها ؛ لعموم قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ) النساء / 23.
وبيانه : أن المراد ببنات الأخ في الآية بنات الأخ وإن نزلن لا بنات الأخ لصلبه فقط ، وعم أبي المرأة أخ لجدها ، والأجداد وإن علوا آباء ، فتدخل هذه المرأة في عموم تحريم بنات الأخ ، وعم أم المرأة أخ لوالد أمها، فتدخل في عموم بنات أخته ، والمراد ببنات الأخت في الآية بنات الأخت وإن نزلن ، لا بنات الأخت للصلب فقط ، وخال أم المرأة أخ لأم أمها ، وخال أبيها أخ لأم أبيها ، فتدخل هذه المرأة في عموم تحريم بنات الأخت ، وإذا ثبت أنها من محارم من ذكروا في السؤال جاز لها أن تكشف لهم من زينتها ما تكشفه لمن ذكرهم الله في قوله : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ . . . الآية) النور/31 .
الثاني : أن الله أباح للمرأة أن تكشف لأبناء أخيها وأبناء أختها وإن نزلوا ما تكشفه من الزينة لسائر محارمها من الآباء والأبناء والإخوة ، قال تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ .. ) سورة النور / 31 .
وخال أم المرأة وخال أبيها، وعم أمها وعم أبيها وإن علوا في معنى أبناء الإخوة وأبناء الأخوات وإن نزلوا من جهة النسب ، فكان الحكم في إبداء الزينة بالنسبة للجميع واحداً ، وأما تسليمهم عليها فبالمصافحة فقط " انتهى .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103880
العنوان:
صفة اللحد والشق في القبر
السؤال:
هل يجوز إهالة التراب على وجه الميت المدفون في شق مباشرة ؟ وما هي الطريقة الصحيحة لهذا العمل ( وهو دفن الميت في شق ) نظرا للاضطرار لهذه الطريقة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
صفة الشق : أن يحفر في وسط القبر حفرة على قدر الميت ، ويُبنى جانباها بالطوب اللبن حتى لا تنضم على الميت ، ويوضع فيها الميت على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة ، ثم تسقف هذه الحفرة بأحجار أو غيرها ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت ، ثم يهال التراب .
وصفة اللحد : أن يحفر في أسفل جدار القبر الأقرب إلى القبلة مكاناً يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ثم تسد هذه الحفرة بالطوب اللبن خلف ظهر الميت ، ثم يهال التراب .
انظر : "أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية" (ص 30) للدكتور عبد الله السحيباني .
واللحد والشق جائزان بإجماع العلماء ، غير أن اللحد أفضل ، لأنه هو الذي فُعل بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، روى مسلم (966) أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مات فيه : (الْحَدُوا لِي لَحْدًا ، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا ، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/188) : " َالسُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ , كَمَا صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/252) : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ , لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ , وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ " انتهى .(/1)
وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/360) : " ولكن إذا احتيج إلى الشق ، فإنه لا بأس به ، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية ، فإن اللحد فيها لا يمكن ؛ لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم ، فتحفر حفرة ، ثم يحفر في وسطها ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي بها الميت ؛ من أجل ألا ينهد الرمل ، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات " انتهى .
وعلى هذا ، فالتراب لا يُهال على وجه الميت أو جسده مباشرة ، سواء كان القبر لحداً أو شقاً ، لأنه في اللحد يكون الميت داخل الحفرة التي حفرت في جدار القبر ، فلا يهال التراب فوقه ، وفي الشق يهال التراب على سقف الشق ، ولا يهال على الميت مباشرة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103881
العنوان:
استعمال الخمر في طبخ اللحوم حرام
السؤال:
بعض المطاعم قبل طبخ اللحوم تحللها في الكحول أو الخمر ، ثم بعد ذلك تطبخها ، وذلك لكي يكون اللحم أكثر طراوة وألذ .. فما حكم أكل ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
حرمة الخمر في الإسلام من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ، وهي من الكبائر الموبقات ، جاء تحريمها في نص الكتاب العزيز ، قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90 ، وتحريمها شامل لجميع أشكال الانتفاع بها أكلا أو شربا ، فلا يجوز استعمالها في الطعام أو الشراب بأي طريقة كان ذلك الاستعمال .
جاء في الموسوعة الفقهية (25/95) :
" طبخ بالخمر لحما فأكل من مرقته فعليه الحد ; لأن عين الخمر موجودة . وكذلك إن لَتَّ ( أي عجن ) به سويقا فأكله ، نص على ذلك الشافعية , والحنابلة" انتهى .
وقال السرخسي في "المبسوط" (24/25) – من كتب الأحناف - :
" ولو عجن الدقيق بالخمر , ثم خبز كرهت أكله ; لأن الدقيق تنجس بالخمر , والعجين النجس لا يطهر بالخبز , فلا يحل أكله " انتهى .
وقال أيضاً : (24/23) :
"فإن صنع الخمر في مرقة , ثم طبخ لم يحل أكله , ولا يحل هذا الصنع ; لأن فيه استعمال الخمر كاستعمال الخل , وقد بينا أن هذا منهي عنه" انتهى .
وهذا شبيه جدا لما ورد السؤال عنه ، أنه يستعمل الخمر كاستعمال الخل .
فلا يجوز تحليل اللحوم بالخمر ولا نقعها بها ، كما لا يجوز طبخها بها مطلقا ، وفي الحلال غنية عن الحرام ، وقد أمر المسلم باجتناب الخمر اجتنابا تاما ، فيجب مقاطعة المطاعم التي تستعمل الخمر في مكونات طعامها وفي تجهيزه وطبخه ، بل ويجب نصحهم ووعظهم وتحذير الناس منهم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103882
العنوان:
اعترف رجل أنه زنى بها وعند زوجها قرائن على ذلك فهل يطلقها ؟
السؤال:
أنا متزوج منذ 13 سنة ، ولي بنتان : 11 سنة ، و 9 سنوات ، قبل - عدة أسابيع - أكتشف بالصدفة حدوث مكالمات تليفونية طويلة المدة ، ومجهولة ، على هاتف المنزل ، ثم علمت فيما بعد أن مع زوجتي هاتفاً محمولاً سرّاً ، والأخطر هو خروجها من المنزل بدون علمي ، وعندما أواجهها إما أن تنكر ، أو ترد بتبريرات واهية ، اشتكيت لأهلها دون جدوى ؛ نظراً لإصرارها الدائم على نفي حدوث أي خطأ ؛ وعدم وجود شخص قوي محايد ، أخيراً تلقيت عدة مكالمات تليفونية على محمولي تفيد أنها سرقت مبلغاً كبيراً من المال من عشيقها ، ثم قابلني هذا الشخص ، وادعى أنه زنى بها مرات عديدة داخل منزلي ! ووصف لي البيت بدقة ، وأدق الأسرار الزوجية التي لا يعرفها ألا أنا وهي - أسرار عني ، وعن البنات ، وعن أسرتها ، و فَرش حجرة النوم , وكذلك رقم هاتفها المحمول الذي لم أكن أعلم أنها تمتلكه أصلاً ، وتفاصيل خلافاتنا الزوجية ، وصفات كاذبة عني ، وعن أهلي ، ثم ادعى أنها في إحدى المرات سرقت منه المال بعد أن زنى بها ، الأدهى أنها لا تزال على الإنكار دون إبداء أي تفسير عن تلك المعلومات السليمة والمفصلة !! وترفض الطلاق على اعتبار أنها ضحية مكيدة من هذا الرجل اللعين !! أحيانا تُظهر التوبة ، وقراءة القرآن والصلاة ، أمامي ، وأحيانا أخرى تنهال عليَّ بالشتائم لأتفه الأسباب !! المشاكل بيننا تتفاقم ، واستمرار الحياة الزوجية مستحيل ، البنات في حالة انهيار كامل ، حالتي النفسية سيئة جدّاً ، وكذلك مستوى أدائي في العمل الآن , وبعد أدائي صلاة الاستخارة عشرات المرات لا أريد الإبقاء عليها كزوجة ، وعليه : ليس أمامي إلا التفاهم معها على الطلاق بالتراضي ، ولكن شروطها المادية مبالغ فيها جدّاً ؛ على اعتبار أنها بريئة ، وترفض الطلاق ، وطلباتها كالآتي : 30000 نفقة متعة ،(/1)
وحسبتها كالآتي : ( 500 شهريّاً - 12 شهر ، 5 سنوات - ) + نفقة عدة 3000 ( 1000 ، 3 شهور ) + 5000 مؤخر صداق + 1200 نفقة شهرية للبنات !! + كل محتويات شقة الزوجية + مصاريف العلاج والدراسة والكسوة + شقة تمليك جديدة لحضانة البنات !! . الأسئلة : 1. هل من حق تلك المرأة أن تطلب مثل تلك الطلبات ، خصوصاً نفقة المتعة ؟ 2. هل من حقي طلب اللعان بيننا ؟ . 3. هل من حقي طردها من شقة الزوجية الحاليَّة أو نقل مسكن الزوجية إلى مكان آخر ؟ . 4. فما هو رأي الدين والقانون فيما حدث ، وبماذا تنصحوني أن أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
من الواضح أن الحياة مع تلك الزوجة أضحت مستحيلة الاستمرار ، وسواء صدقت أم كذبت فإن القرائن التي تملكها كافية لتجعلك تطلقها ، وتبحث عن امرأة صالحة مطيعة ، ولا ندري كيف تطيب لك حياة لدقيقة واحدة معها وأنت قد علمت بتلك المكالمات ، والسرقة ، والخروج من البيت دون إذنك ، وكل ذلك قد يتحمله المرء ، لكن أن يأتيك من يزعم أنه زنى بزوجتك ! ويصف لك البيت وغرفة النوم بدقة ! : فهذا ما لا يتحمله المرء ، ولأن يموت أهون عليه من سماع هذا لو كان كذباً ، فكيف وقد اجتمعت ـ مع ذلك ـ قرائن كثيرة على صدقه ؟!! .
ثانياً :
جاءت الشرائع السماوية بما يحفظ الأعراض من انتهاكها ، ومن قذفها واتهامها بالباطل ، وقد رتبت الشريعة المطهرة الحد على من قذف امرأة أو رجلاً ، واتهم أحدهما بارتكاب فاحشة الزنا ، وشرع الله تعالى أن يُجلد القاذف ثمانون جلدة ، وأن لا تُقبل شهادته ، وهو من الفاسقين ، إلا أن يشهد أربعة واقعة الزنى ، ويرون الميل في المكحلة .(/2)
وقد استثني الزوج من هذا الحكم ، وذلك أن تقوم أيمان أربعة يحلفها أنها زانية مقام الشهود الأربعة ، فإن حلف تلك الأيمان فإنها تستحق الرجم ، ويمكنها أن تدفع الرجم عنها بأربعة أيمان تحلفها أنه من الكاذبين ، وهنا يفرَّق بينهما ، ولا يلتقيان بعدها ، وهذا هو ما يسمى " اللعان " ، ويكون بالشهادة عليها بالزنى ، وبنفي الحمل أن يكون منه، وبنفي الولد الذي تنجبه.
قال ابن قدامة - رحمه الله - :
إذا قذف زوجته المحصنة : وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان : لزمه ذلك كله ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ...
ولنا : قول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه .
وأيضا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ ) ، وقوله لما لاعن : " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة ) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة ، كالأجنبي .
" المغني " ( 9 / 30 ) .
ثالثاً :
وزنى الزوجة لا يوجب فسخ النكاح ، ولا يُسقط مهرها ، وقد فرَّقت الشريعة بين ابتداء نكاح الزانية فلم يكن جائزاً ، وبين دوام النكاح فلم يكن محرَّماً عليه إمساكها ، فإن تابت وحسنت توبتها : فخير تقدمه لنفسها ، وإن أصرَّت على زناها : فلا خير فيها ، ويحل له أن يطلقها ، كما يحل له أن يضيق عليها لتفتدي نفسها منه .(/3)
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
الزوج له أن يستوفي حد الفاحشة من البغي ، الظالمة له ، المعتدية عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الرجل على امرأته ( وأن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه ) فلهذا كان له أن يقذفها ابتداء ، وقذفها إما مباح له ، وأما واجب عليه إذا احتاج إليه لنفي النسب ، ويضطرها بذلك إلى أحد أمرين : إما أن تعترف ، فيقام عليها الحد ، فيكون قد استوفى حقه ، وتطهرت هي أيضاً من الجزاء لها ، والنكال في الآخرة بما حصل ، وإما أن تبوء بغضب الله عليها ، وعقابه في الآخرة الذي هو أعظم من عقاب الدنيا ؛ فإن الزوج مظلوم معها ، والمظلوم له استيفاء حقه إما في الدنيا وإما في الآخرة ، قال الله تعالى ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) بخلاف غير الزوج ، فإنه ليس له حق الافتراش ، فليس له قذفها ، ولا أن يلاعن إذا قذفها ؛ لأنه غير محتاج إلى ذلك مثل الزوج ، ولا هو مظلوم في فراشها ، لكن يحصل بالفاحشة من ظلم غير الزوج ما لا يحتاج إلى اللعان ؛ فإن في الفاحشة إلحاق عار بالأهل ، والعار يحصل بمقدمات الفاحشة .
فإذا لم تكن الفاحشة معلومة بإقرار ، ولا بينة : كان عقوبة ما ظهر منها كافياً في استيفاء الحق ، مثل الخلوة ، والنظر ، ونحو ذلك من الأسباب التي نهى الله عنها ، وهذا من محاسن الشريعة .
" قاعدة في المحبة " ( ص 202 ، 203 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في عدم سقوط المهر - :(/4)
ولا يسقط المهر بمجرد زناها ، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي ، قال : لا ، مال لك ، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها ، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك " ؛ لأنها إذا زنت قد تتوب ، لكن زناها يبيح له إعضالها ، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 320 ) .
وانظر جوابي السؤالين : ( 83613 ) و ( 42532 ) .
رابعاً :
وعليه : فقد علمتَ أنه يجوز لك أن تلاعنها لما عندك من قرائن على وقوعها في الزنا ، وعليك تحمل آثار أيمانك ، وإن أردت السلامة فطلقها من غير ملاعنة ، وإن لاعنتها : فلها مهرها ، وليس لها نفقة ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً ولم ينف حملها .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
لا نفقة لها عليه ، ولا سكنى ، كما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا موافق لحكمه في المبتوتة التي لا رجعة لزوجها عليها ، وأنه موافِق لكتاب الله ، لا مخالف له ، بل سقوط النفقة والسكنى للملاعَنة أولى من سقوطها للمبتوتة ؛ لأن المبتوتة له سبيل إلى أن ينكحها في عدتها ، وهذه لا سبيل له إلى نكاحها ، لا في العدة ، ولا بعدها ، فلا وجه أصلاً لوجوب نفقتها وسكناها وقد انقطعت العصمة انقطاعاً كليّاً .
فأقضيته صلى الله عليه وسلم يوافق بعضُها بعضاً ، وكلها توافق كتاب الله والميزان الذي أنزله ليقوم الناس بالقسط ، وهو القياس الصحيح كما ستقر عينك إن شاء الله تعالى بالوقوف عليه عن قريب .
" زاد المعاد " ( 5 / 356 ) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله - :
فأما الملاعَنة : فلا سكنى لها ، ولا نفقة ، إن كانت غير حامل ؛ للخبر ، وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا : إنه ينتفي عنه ، أو قلنا : إنه ينتفي بزوال الفراش .(/5)
وإن قلنا لا ينتفي بنفيه ، أو لم ينفه ، وقلنا : إنه يلحقه نسبه : فلها السكنى ، والنفقة ؛ لأن ذلك للحمل ، أو لها بسببه ، وهو موجود ، فأشبهت المطلقة البائن .
فإن نفى الحمل فأنفقت أمه ، وسكنت من غير الزوج ، وأرضعت ، ثم استلحقه الملاعِن : لحقه ، ولزمته النفقة ، وأجرة المسكن ، والرضاع ؛ لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له ، فإذا ثبت له أب : لزمه ذلك ، ورجع به عليه .
" المغني " ( 9 / 291 ) .
وبه تعلم أن ما تطلبه زوجتك من نفقة وسكنى أنه لا يلزمك منهما شيء إن لاعنتها ، إلا أن تكون حاملاً ، فتنفق عليها من أجل حملها ، وإن طلقتَها طلاقاً باتّاً : فليس لها إلا مهرها ، ولا يلزمك نفقتها ، ولا سكناها ، إلا أن تكون حاملاً ، أو يكون معها أولادك ، فتنفق عليهم ، وعلى ما في بطنها ، لا عليها .
قال تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق/ من الآية 6 .
خامساً:
وأما " متعة الطلاق " - وهو مال أو متاع يُعطى للمطلقة بعد طلاقها - : فقد اختلف أهل العلم في المطلقة التي تستحقه ، فمنهم من ذهب إلى العموم فقال : تعطى المتعة لكل مطلقة وجوباً ، قبل الدخول أو بعده ، سمي المهر أم لم يسمَّ .
وذهب آخرون إلى أنه في المطلقة قبل الدخول ممن لم يسمَّ لها مهر ، وفي قول ثالث : أنها للمطلقة قبل الدخول ، ولو سمي لها مهر .
والأخذ بالقول الأول هو الأحوط ، وقد رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن المعاصرين : الشيخ الشنقيطي ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمهم الله - ، لكن الشيخ العثيمين قيَّد الوجوب فيما لو طالت مدة زواجهما .
وهذه المتعة المفروضة لا ينبغي أن تكون مرهقة للمطلِّق ، بل على قدر وسعه وطاقته ، ولذا لم يأت لها تحديد في الشرع .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - :(/6)
والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعاً لقوله تعالى : ( عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ ) البقرة/236 ، فإن توافقا على قدر معين : فالأمر واضح ، وإن اختلفا : فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط ، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى : ( عَلَى الموسع قَدَرُهُ ) الآية البقرة/236 ، هذا هو الظاهر ، وظاهر قوله : ( ومَتِّعُوهُنَّ ) البقرة/236 وقوله : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ ) البقرة/241 يقتضي وجوب المتعة في الجملة ، خلافاً لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلاً .
" أضواء البيان " ( 1 / 192 ) .
وقد ذكرنا لك من قبل أن زناها يبيح لك أن تعضلها وتضيق عليها حتى تفتدي منك ، وتختار الطلاق ، مقابل التنازل عن حقوقها المادية أو بعضها ، وبإمكانك أن تهددها بإطلاع أهلها ، أو من تهابه منهم ، على ما حدث . فإن أبت الافتداء والتنازل عن حقوقها المالية بعد ذلك كله ، فالذي نختاره لك أن تطلق هذه المرأة ، مهما كانت تكلفة طلاقها ، لكن لا تمكنها من الحصول على مال زائد عما يحكم لها به ، إن وصلت المسألة بينكما للقضاء ، ولك أن تحتال على ذلك ، أعني على منعها من ظلمك ، وأخذ أكثر من المهر المسمى لها ( مؤخر الصداق ) ، والحقوق الثابتة لها شرعا ، على ما أشرنا إليه من قبل ، وليس لك أن تحتال على إسقاط حقها .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
103885
العنوان:
نفقة الزوجة هل تلزم بالعقد أو بالتمكين
السؤال:
سوف أعقد قراني على بنت عمي هذا الصيف وبعد سنة سوف أدخل بها . هل علي لها نفقة قبل الدخلة ؟
الجواب:
الحمد لله
نفقة الزوجة واجبة على زوجها بالمعروف ؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 ، وقوله : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/233 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : ( وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم (1218).
وقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) ومسلم (3233) .
وهذه النفقة تجب إذا استلم الزوج زوجته ، لا بمجرد العقد ، في قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .
فإذا سلمت المرأة نفسها ومكنت زوجها من الاستمتاع بها ، وجبت النفقة .
وكذلك لو بذلت نفسها ، وكان التأخير من الزوج ، فإنه تلزمه النفقة ، كما لو عقد عليها ، وقالت أو قال أهلها : متى ما شئت أن تأخذها فخذها ، لكنه أخر الدخول لسبب من جهته ، فتلزمه النفقة .
قال ابن قدامة رحمه الله : "وجملة الأمر : أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج , على الوجه الواجب عليها , فلها عليه جميع حاجتها ; من مأكول , ومشروب , وملبوس , ومسكن" انتهى.
وقال في "روض الطالب" مع شرحه "أسنى المطالب" (3/432) : " لا تجب النفقة بالعقد بل بالتمكين " انتهى .
وقال الحجاوي في "زاد المستقنع" : " ومن تسلّم زوجته ، أو بذلت نفسها ، ومثلها يوطأ ، وجبت نفقتها ".(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " وقوله : " أو بذلت نفسها " يعني قالت : لا مانع لدينا من الدخول ، ولكن الزوج قال : أنا لا أريدها الآن ، عندي اختبارات لمدة شهر ، وسآخذها بعد هذا الشهر ، فمدة هذا الشهر تجب فيه النفقة على الزوج ؛ لأن الامتناع من قِبله " انتهى من "الشرح الممتع" (13/487).
وبناء على ذلك ؛ فإذا كان اتفاقك معهم على أن الدخول سوف يكون بعد سنة ، فلا تجب عليك نفقتها في هذه السنة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103886
العنوان:
موضع التورك في الصلاة
السؤال:
هل هيئة التورك موضعها في التشهد الأخير من كل صلاة ، أم في الصلاة الرباعية فقط ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
التورك في الصلاة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : ( وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ ) .
والتورك له صفات ثابتة :
الصفة الأولى : أن يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ، ويجعل أليتيه على الأرض .
الصفة الثانية : أن يفرش القدمين جميعاً ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ، ويجعل أليتيه على الأرض .
ثانياً :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضع التورك في الصلاة ، فذهب الحنابلة : إلى أن التورك يكون في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان ، وأما إن كانت الصلاة ذات تشهد واحد ، كصلاة الفجر أو السنن التي تُصلى مثنى مثنى ، فإنه يجلس مفترشاً.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/364) : " ثُمَّ يَجْلِس فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ ، فَأَكْثَر مُتَوَرِّكًا ؛ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ، فَإِنَّهُ وَصَفَ جُلُوسَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا ، وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا , وَزِيَادَة يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا , وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا , وَحِينَئِذٍ لَا يُسَنَّ التَّوَرُّكُ ، إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ أَصْلِيَّانِ ، فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا " انتهى .
وذهب الشافعية : إلى أن التورك مستحب في التشهد الأخير من الصلوات كلها ، سواء كانت ذات تشهدين أو تشهد واحد ؛ وذلك لعموم حديث أبي حميد المتقدم ، وفيه : ( وإذا جلس في الركعة الأخيرة ).(/1)
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" : "وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّد الصُّبْح كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِير مِنْ غَيْره ؛ لِعُمُومِ قَوْلُهُ : ( فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة ) " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/431) : " مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا " انتهى .
والراجح هو مذهب الحنابلة ؛ وقد اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ عبد الله بن قعود) .
انظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15) .(/2)
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ . لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى). وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ , وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ , فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ , وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ , إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ , وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ , فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ " انتهى باختصار .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" : متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة ؟
فأجاب : " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين ، أي : الأخيرة من المغرب ، والأخيرة من العشاء ، والأخيرة من العصر ، والأخيرة من الظهر ، أما الصلاة الثنائية ، كالفجر ، وكذلك الرواتب ، فإنه ليس فيها تورك ، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (13340).
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103889
العنوان:
ما هو التنطع المذموم ؟
السؤال:
ما معنى التنطع في الإسلام ؟ وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا ؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم (2670)
وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة ، تتوافق ولا تتعارض ، وكلها تجتمع في معنى واحد ، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني :
1- الغلو في العبادة والمعاملة ، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة ، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة ، ونهت عن التشدد في الدين ، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد .
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :
" أي : المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى .
2- الابتداع في الدين ، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) - :(/1)
" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( هلك المتنطعون ) ، وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس ، وليستظل ، وليتكلم ، وليتم صومه ) رواه البخاري . وهذا باب واسع " انتهى .
3- التقعر في الكلام ، والتشدق باللسان ، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه ، حيث لا معنى ولا مضمون ، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره .
فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ )
رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند .
وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان )
قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :
" المُتَنَطِّعون : هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم . مأخوذ من النِّطَع ، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم ، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى .
4- الخوض فيما لا يعني ، والسؤال عما لا ينبغي ، وتكلف البحث فيما لا يغني .
قال الخطابي :(/2)
" المتنطع : المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم " انتهى . نقلا عن " عون المعبود " (12/235)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :
" المتنطع : هو المتعمق ، البحاث عما لا يعنيه ؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات ، قد يوجب اعتقاد تحريمه ، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات ، فقبول العافية فيه ، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة ، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :
" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك .
ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ، ويحتاج إلي الأكل والشرب ، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً ، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث : هلك المتنطعون .
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد ؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها ، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها ، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم ، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً ، فنحن نقول لهؤلاء : إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا ، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم ، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...(/3)
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية ؛ فتجده يقول : يحتمل كذا ويحتمل كذا ، حتى تضيع فائدة النص ، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه . هذا غلط . خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية ، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان ، ولأورد عليها كل شيء ، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان ، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله .
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء ، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر ، وهو في عافية من ذلك . أيضاً في الاغتسال من الجنابة ، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال ، في إدخال الماء في أذنيه ، وفي إدخال الماء في منخريه .
وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون )
فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار .
ثانيا :
أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة ، والمحافظة على حدود الله ، وامتثال أوامره ، فهذا من واجبات الدين ، وسبيل دخول جنة رب العالمين ، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة ، والطعن في الأحكام الثابتة ؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها ، فكيف يكون التزامها ، والتمسك بها ، والعض عليها بالنواجذ تنطعا ؟!!(/4)
والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة ، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية – ، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد ، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع !! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
أما ما لم تأت به النصوص ، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع ، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه ، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة .
ثالثا :
أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)
فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة ، والتقصير في الواجبات ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها ، ولكن المراد بقوله ( بين أمرين ) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي ، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات ، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :
" قوله : ( بين أمرين ) أي : من أمور الدنيا ، يدل عليه قوله : ( ما لم يكن إثما ) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها ، وقوله : ( ما لم يكن إثما ) أي : ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم ، فإنه حينئذ يختار الأشد . وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط : ( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ) " انتهى .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
103895
العنوان:
درست بعض العلم فهل تعلمه للناس؟
السؤال:
لم أتعلم العلم الشرعى بصورة مكتملة فقد درست بعض مسائل التوحيد الأولية فى مفهوم التوحيد وتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات وغير ذلك من المسائل التي وردت في كتاب معارج القبول للحافظ الحكمى ثم علمنا الشيخ هنا مدخلاً إلى علم مصطلح الحديث وبعض أبواب الفقه ثم دراسة الأحاديث النووية وبعض الرقائق ، ثم تركنا الشيخ وابتليت بمهمة التعليم الشرعي في المسجد هنا للنساء فهل علي إثم ؟ وماذا عساي أن أفعل كي أكون أهلا لهذا الأمر ؟
الجواب:
الحمد لله
جزاك الله خيرا على اهتمامك بتعلم دينك ، وتعليمه للناس ، ونبشرك إذا أخلصت النية لله تعالى بالثواب الجزيل ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ) رواه الترمذي (2609) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1838) .
فمن فضل الله تعالى أن من علم الناس شيئا من أمر دينهم استحق ذلك الدعاء ، لأن ما علمهم إياه يوصلهم إلى الخير .
وفي صحيح البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " و قال في الحديث : (ولو آية) أي : واحدة ، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ، ولو قَلَّ ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى .
لكن على من تصدَّر لدعوة الناس إلى شيء من أمر الدين أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه ، ولا يشترط أن يكون عالما بالدين كله ، وفي بيان هذه المسألة يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله :(/1)
"إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه ، أو طالب علم مُجِدٍّ في طلبه ، أو عامياً لكنه علم المسألة علماً يقيناً .. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( بلغوا عني ولو آية ) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغاً كبيراً في العلم ، لكنه يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه ، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز .
ولهذا نجد عند الإخوة الذين يدعون إلى الله وليس عندهم من العلم إلا القليل نجدهم لقوة عاطفتهم يحرمون ما لم يحرمه الله ، ويوجبون ما لم يوجبه الله على عباده ، وهذا أمر خطير جداً ، قال الله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل/116،117 ، انتهى بتصرف.
"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 329 .
وبناء على هذا ؛ فإننا نحثك على مواصلة ما قد ابتدأت به من طلب العلم ، وتبليغه للناس ، فما يسر الله لك تعلمه من مسائل العقيدة أو العبادة فلك أن تبلغيه للناس كما تعلمت ، واستعيني في مواصلة طلبك للعلم بالأشرطة المسجلة للعلماء الثقات ، وهي بحمد الله كثيرة وموجودة على بعض المواقع ، فاحرصي على سماع أشرطة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ففيها خير كثير ، وعلم غزير ، وكذا ما تيسر لك الوصول إلى سماعه أو قراءته من كلام العلماء المعروفين بالعلم وسلامة المعتقد .
وفقنا الله تعالى وإياك لما يحب ويرضى وإياك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103918
العنوان:
هل تتخلص من المال الذي أخذته من العمل الحرام ؟
السؤال:
طوال عملي في المصانع التابعة لشركات أجنبية ، طوال 6 سنوات تقريبا ، والمختلطة من حيث التوقيت في العمل ، ومن حيث الجنسين وما يتبع ذلك من محادثات ومزح وما إلى ذلك ومشاهدة أشياء محرمة وفواحش تقع بين بعض الشبان وبعض الفتيات ، وذلك على سبيل الصدفة ، خصوصا عند العمل ليلا ، وطبعا كنت أحصل على أجري كل شهر ، والآن وقد تركت العمل منذ سنتين بقي لدي أشياء كنت قد اشتريتها من تلك الرواتب التي كنت أتقاضاها ، منها آلة خياطة كنت أيضا أخيط عليها الملابس للفتيات ، وقد كنت لا أهتم لاحتشام هذه الملابس ، بل كنت أخيط كل ما تريده زبوناتي ، ولكن الآن تبت إلى الله عز وجل ، ولم أعد أفعل ذلك . سؤالي هو : ما حكم تلك الأموال التي كنت أتقاضاها ، وما حكم ما بقي من الأشياء التي اشتريتها بذاك المال ، وكيف أتصرف فيها ، ومنها آلة الخياطة ، وبعض الذهب ، وبعض الأثاث والمفروشات ؟ أفيدوني لما فيه مرضات الله سبحانه وتعالى عني ؛ لأني أريد أن تكون توبتي خالصة لله ، ونقية من كل شائبة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أَنْ مَنَّ عليك بالتوبة ، ورزقك الإنابة ، فوالله إن خير ما يكسبه المرء في دنياه صدق الرجوع إلى الله ، ومن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار والافتقار ، وأراه عيوب نفسه وجهلها وظلمها وتعديها حدوده ، وألان قلبه إلى التوبة والاستغفار والندم على الذنب والتفريط .
فقد كان عملك في الأماكن المختلطة وفي صنع وإنتاج ما يستعمل على الوجه الحرام من المحرمات التي تمنعها الشريعة الإسلامية ، حفظا للدين ، وصيانة لمجتمعات المسلمين ، والتزاماً بحدود الله ، وتعظيماً لشرعه ، ومعرفةً لقدره عز وجل .
قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (ص/32) :(/1)
" وأما علامات تعظيم المناهي : فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها ، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها ، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها ، وأن يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس ، وأن يجانب الفضول من المباحات حشية الوقوع في المكروهات ، ومجانبة مَن يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها ، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه ، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته " انتهى .
ثانيا :
خياطة الملابس النسائية الفاضحة - لمن تلبسها في المعصية وتستعملها في الفتنة – من الأعمال المحرمة ؛ لما فيها من الإعانة على المنكر ، والواجب على المسلم تعظيم حدود الله فلا يرضى أن يعصى الرب تعالى من طريقه ، ولا يقبل أن يكون من أعوان الشيطان وحزبه.
قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (4/387) :
" وكل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم ، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية " انتهى .
وقال أيضا – كما في "مجموع الفتاوى" (22/141) - :
" إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما ؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان ، ولهذا لعن النبى صلى الله عليه وسلم الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وساقيها ، وشاربها ، وآكل ثمنها .
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها ، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما : كقتال المسلمين ، والقتال فى الفتنة " انتهى .
وقال ابن حزم في "المحلى" (7/522) :
" ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا :(/2)
كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن بها أنه يعمله خمرا . وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته . أو كبيع السلاح أو الخيل : ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين . أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .
والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى .
فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/73) :
" لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم : لما فيه من تغيير خلق الله ، وككتابة الربا : لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل ، ونحو ذلك " انتهى .
ثالثا :
التوبة من المال الحرام شرطها التخلص منه ، وذلك بصرفه في مصالح المسلمين ، وفي أوجه البر المختلفة .
قال ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (22/142) :
" ومن أخذ عِوضًا (أجرة) عن عين محرمة ، أو نفع استوفاه ، مثل : أجرة حَمَّال الخمر ، وأجرة صانع الصليب ، وأجرة البَغِيّ ، ونحو ذلك ، فليتصدق بها ، وليتب من ذلك العمل المحرم ، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله ؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث " انتهى .
وجاء في "الفروع" (2/666) لابن مفلح :
" والواجب في المال الحرام التوبة وإخراجه على الفور " انتهى .
فالواجب عليكِ تقدير ما حصلته من أجرة خياطة ثياب النساء المتبرجات ، ثم إخراجه للفقراء والمساكين رجاء تكفير الإثم والمعصية السابقة .(/3)
أما الأموال التي حصلتِها من العمل في المصنع – ومنها آلة الخياطة - فلا يجب عليك إخراجها ولا التخلص منها ؛ لأن الحرام لم يتعلق بأصل العمل ، بل بالاختلاط الذي صاحبَه ، وهو أمر خارجٌ عن أصله ، اللهم إلا إذا كان عمل المصنع في الحرام ، كمصانع الخمور والدخان والآلات المحرمة ، فيجب عليك حينذ إخراج الأجرة التي أخذتها منه .
وإن ضاق عليك الحال ، ولم تتمكني من إخراج جميع المال الذي حصلته من خياطة الملابس المحرمة ، فلا حرج عليك من إبقاء ما تحتاجين إليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (29/308) :
" فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار وكانوا فقراء ، جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
103919
العنوان:
الانتفاع بالتأمين الصحي الذي تقدمه شركته مع اقتطاع جزء من راتبه
السؤال:
تعاقدت أحد المنشآت مع شركة للتأمين لتوفير الخدمات الطبية لموظفيها، وجعلت نوعية العلاج على فئات : أ- يتمتع بخدمات عالية ويدفع مبلغا شهريا ثابتا . ب- يتمتع بخدمات أقل ويدفع مبلغا شهريا ثابتا أقل من الفئة أ . ج- يتمتع بخدمات أقل ولا يدفع أي مبلغ شهري ، وإنما يدفع نقدا 10% من تكلفة علاجه في كل مرة يراجع فيها المستشفى. مع ملاحظة أن المنشأة تدفع مبلغا سنويا لشركة التأمين يفوق بطبيعة الحال المبالغ التي تفرضها على موظفيها. فما حكم هذا بالنسبة للموظف؟ وهل هذه الفئات الثلاثة في الحكم سواء أم أن هناك فرقا؟
الجواب:
الحمد لله
التأمين التجاري محرم بجميع أنواعه ، لما فيه من الربا والميسر وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (8889) .
لكن من أجبر على هذا التأمين ، كالتأمين على الرخصة أو السيارة فلا إثم عليه .
وكذلك من التزمت له جهة العمل بالعلاج ، وتعاملت مع شركة التأمين ، ولم يدفع هو من راتبه شيئا ، فلا حرج عليه في الاستفادة من العلاج ؛ لأنها خدمة قدمت له بوجه مباح .
ولا يجوز أن يدفع شيئا من ماله يذهب إلى شركات التأمين .
وعليه؛ فالجائز من الحالات التي ذكرتها الحالة الأخيرة (ج) لأن الموظف لا يدفع فيها شيئا للتأمين ، وإنما يدفع جزءا من تكلفة علاجه فقط .
وينظر : جواب السؤال رقم (103233) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103920
العنوان:
أخذ مالا ليضارب فيه فهل يصح أن يكتب على نفسه شيكا بالمبلغ؟
السؤال:
شخص أعطى لآخر مبلغا من المال ليضارب له به في الأسهم نظير نسبة محددة . فكتب الآخذ للمعطي شيكا بقيمة المبلغ وترك التاريخ مفتوحا ، ليكون المعطي مطمئنا على ماله فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أعطى الإنسان ماله لغيره ليضارب له في تجارة مباحة ، من أسهم أو غيرها ، فإنه لا يجوز أن يشترط عليه ضمان المال ، بل المضارب أمين ، فلا يضمن إلا إذا تعدى أو قَصَّر أو خالف شرط صاحب المال .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله , فإن كان مالهما متساويا في القدر , فالخسران بينهما نصفين , وإن كان أثلاثا , فالوضيعة أثلاثا . لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم . وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي وغيرهما ...
والوضيعة (الخسارة) في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى .
وقال أيضا : " متى شرط على المضارب ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة , فالشرط باطل . لا نعلم فيه خلافا. نص عليه أحمد . وهو قول أبي حنيفة , ومالك" انتهى من "المغني" (5/40).
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة 1408هـ ، الموافق 1988م بشأن سندات المقارضة :
"لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال ، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضِمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (4/3/2159) .(/1)
وعلى هذا ، فالذي ينبغي أن يكتب بينكما عقد مضاربة ، يذكر فيه رأس المال ، وكيفية توزيع الأرباح ، ومجال التجارة ، ومدة العقد ... ونحو ذلك مما يقطع النزاع ، ويحفظ لكل واحد من المتعاقدين حقه ، ويشهد على ذلك شاهدان .
ولكن .. إذا نظرنا إلى الواقع ، فنظراً لفساد ذمم كثير من الناس ، وقلة أمانتهم ، وتكرار قضايا الاحتيال ، وأكل الأموال بالباطل ، فإن أصحاب الأموال يلجأون إلى كتابة "شيك" أو "وصل أمانة" ليضمن حقه ، حتى لا يتلاعب به شريكه ويأكل عليه أمواله ، فإذا ذهب إلى المحكمة ومعه عقد الشركة فإن القضية قد تبقى في المحكمة سنوات حتى يأخذ حقه ، أما قضايا "الشيك " أو "وصل الأمانة" فهي أسرع ، وأَضمن لحقه، وهذا التصرف لا بأس به ، لكن لا يجوز لصاحب المال أن يطالب بماله إلا في الأحوال التي حصل يثبت فيها تقصير العامل أو تسببه في تضييع المال.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103921
العنوان:
حكم تقديم دورات في مهارات العرض والتفاوض لموظفي البنوك وشركات التأمين
السؤال:
ما حكم تقديم برامج ودورات تدريبية لشركات التأمين والبنوك الربوية؟ وهل هناك فرق بين تقديم الدورات التطويرية العامة كمهارات العرض والإلقاء ومهارات التفاوض ، وبين الدورات المتخصصة في مجال التأمين والبنوك؟
الجواب:
الحمد لله
التعامل بالربا من أعظم المنكرات ، وقد جاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في غيره من الذنوب ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه . وقال : هم سواء .
والتأمين التجاري محرم بجميع أنواعه ؛ لقيامه على الربا والميسر ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (8889) .
وعليه ؛ فلا يجوز الإعانة على شيء من ذلك ، لا ببناء ، ولا صيانة ، ولا تدريب ولا تطوير ، سواء كان ذلك في برامج التأمين والبنوك ، أو في مهارات العرض والتفاوض ونحو ذلك ؛ لأن هذه الدورات إنما تنشأ لإعانة الموظفين ، والارتقاء بالمؤسسة وأفرادها ونظمها ، وكل ذلك إعانة لها على القيام بمهامها ، وهي مهام محرمة ، فلا يجوز إعانتهم عليها ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103922
العنوان:
حكم إنشاء مركز تدريب إعلامي مختلط
السؤال:
ما حكم المشاركة في إنشاء مركز تدريب إعلامي ، وكما هو معروف إن هذا المجال يشارك فيه الرجال والنساء سويا في التدريب ويصعب فصلهم ؟
الجواب:
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في الدراسة والعمل محرم ؛ لما يشتمل ويترتب عليه من المحاذير والمفاسد ، وينظر جواب السؤال رقم (1200) و (97231) .
وعليه ؛ فلا يجوز إنشاء مركز تدريب إعلامي مختلط ، والواجب فصل الرجال عن النساء ، هذا إذا غلب على الظن انتفاع النساء بهذه الدراسة ، واستعمالهن لها في المباح ، وأما إذا غلب على الظن أنهن يتدربن ليعملن في المجالات المحرمة ، فلا يجوز إلحاقهن بالمركز مطلقا ؛ إنكارا للمنكر ، ودرءا للفساد وانتشاره . قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) أخرجه مسلم (4831) .
وقال صلى الله عليه وسم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103923
العنوان:
اقتباس الألفاظ النبوية وتضمينها في الشعر
السؤال:
قال احد الشعراء فأنا قتيل العشق ملء إرادتي رفع الكتاب وجفت الاقلام ولما نوقش في الشطر الثاني من البيت قال : انه للضرورة الشعرية وأنه من قبيل رواية الحديث بالمعنى وأن الكتاب الذي سجل أقدرانا رفع وحفظ وأن الأقلام قد جفت فما توجيهكم حول هذا ؟
الجواب:
الحمد لله :
أما بعد : فإن المعنى الذي أراده القائل هنا لا يزال صحيحا موافقا للمعنى الوارد في الحديث النبوي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي (2440) من حديث ابن عباس ، وقال حسن صحيح ،
فإن وصف القلم بالجفوف قد ورد في الأحاديث الصحيحة أيضا ففي صحيح البخاري (4686) قال صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق " قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/119): ( أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافا لا مداد فيه لفراغ ما كتب به ) .
وأما قوله : " رفعت الصحف " ، فهو من تمام هذا المعنى : أن هذا أمر قد جرى به سابق القدر ، ولم تعد الصحف منشورة يكتب فيها ، بل رفعت وطويت من قديم ، حتى لقد جف مدادها ، كناية عن قدم رفعها .
وقد ورد حديث ابن عباس بلفظ : ( قضي القضاء و جفت الأقلام وطويت الصحف ) رواه البيهقي في الشعب (192ـ ط الرشد ) ، والطبراني في الكبير (12/238) ، وقال محقق الشعب : إسناده حسن ، والحديث صحيح لطرقه . اهـ .
وجاء الأثر بلفظ : رفع الكتاب ، كما ذكره الناظم ، عن الحسن بن علي رضي الله عنه ، موقوفا عليه ، قال : ( رفع الكتاب وجف القلم ، وأمور تقضى في كتاب قد خلا )
رواه عبد الله بن أحمد في السنة (783) والفريابي في القدر (84) والطبراني في الكبير (2684) وتمام في فوائده (1375) .(/1)
والمعنى في الجميع واحد ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : " هو كنايةٌ عن تقدُّم كتابة المقادير كلِّها ، والفراغ منها من أمدٍ بعيد ، فإنَّ الكتابَ إذا فُرِغَ من كتابته ، ورفعت الأقلامُ عنه ، وطال عهده ، فقد رُفعت عنه الأقلام ، وجفتِ الأقلام التي كتب بها مِنْ مدادها ، وجفت الصَّحيفة التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها ، وهذا من أحسن الكنايات وأبلغِها .
وقد دلَّ الكتابُ والسننُ الصحيحة الكثيرة على مثل هذا المعنى ، قال الله تعالى :
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) وفي " صحيح مسلم [ 2653 ] " عن عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله كتبَ مقاديرَ الخلائق قبل أنْ يخلُقَ السَّماوات والأرض بخمسين ألفَ سنة ) .. " انتهى من جامع العلوم والحكم (1/508) .
و لكن هنا مسألة أخرى وهي ما حكم اقتباس كلمات من القرآن أو الحديث ووضعها في الشعر أو النثر من كلام الناس ؟
والجواب : أن ذلك جائز عند جمهور أهل العلم إذا كان لمقاصد حسنه تضاهى وتشابه المقاصد الشرعية ، أما الكلام الفاسد ككلام أهل البدع أو كلام أهل المجون والفحش ، ونحو ذلك ، فإنه لا يجوز اقتباس الألفاظ الشريفة ووضعها فيه .
انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية (6/17) .
قال السيوطي رحمه الله في الإتقان (1/297 ) (وفي شرح بديعية ابن حجة الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول ومباح ومردود.
فالأول: ما كان في الخطب والمواعظ والعهود.
والثاني: ما كان في الغزل والرسائل والقصص.
والثالث: على ضربين: أحدهما: ما نسبه الله إلى نفسه، ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه: كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله:"إن إلينا إيابهم* ثم إن علينا حسابهم".
والآخر تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله:(/2)
أوحى إلى عشاقه طرفه === هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلفه === لمثل ذا فليعمل العاملون
قلت: وهذا التقسيم حسن جدا وبه أقول ) انتهى .
وقال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية (2/ 289) : " سئل ابن عقيل عن وضع كلمات وآيات من القرآن في آخر فصول خطبة وعظية؟ فقال: تضمين القرآن لمقاصد تضاهي مقصود القرآن لا بأس به تحسينا للكلام ، كما يضمن في الرسائل إلى المشركين آيات تقتضي الدعاية إلى الإسلام، فأما تضمين كلام فاسد فلا يجوز .. " انتهى .
ومما سبق يتبين أن ما فعله هذا الناظم غير جائز ، لما فيه من امتهان النصوص الشرعية الكريمة ، ووضعها في غير موضعها اللائق بها .
ثم إن المعنى الذي ذكره هذا الناظم مختل غير متناسب ؛ فحق الذي يقول : إنه قتيل العشق ملء إرادته ، أن يقر على نفسه بالجناية ، وأنه الذي أورد نفسه الموارد حتى أتلفها ، لا أن يذيل ذلك برفع الكتاب وجفاف القلم ، وما فيه من تقرير سبق المقادير ؛ اللهم إلا أن يكون الرجل لا يعلم مغزى الكلام ، ولا يدري معنى الحديث ، وإنما هو شيء اجتلبته القافية ، وضرورة الشعر ، فهذا شأنه أن يعلم مقاصد الكلام ، ويدرب على أن يضع الشيء موضعه ؛ وقد قالوا في البلاغة : إنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103925
العنوان:
تقتني الأثاث قبل الزواج فهل يجوز ذلك ؟
السؤال:
لقد دأبت الفتيات في مجتمعنا ـ ومنذ حصول إحداهن على عمل أو كانت من عائلة ميسورة ـ دأبن على تجهيز أنفسهن باقتناء المفروشات وهو عبارة عن كل ما يحتاجه البيت من أغطية وسجاجيد وأيضا أواني الطبخ وآلات كهربائية إلخ .....علما بأن ذلك يحدث دون أن يكون قد تقدم لإحداهن عريس ولكنهن يفعلن ذلك من باب العادة والحث من قبل الأم والقريبات وكانت نفسي تأبى ذلك ولكن لم تكن لدي معلومات دينية عن ذلك ومن خلال متابعتي للبرامج الدينية سمعت من بعض الشيوخ قال كلاما استراحت له نفسي لقد قال : كيف تفعل الفتيات ذلك وإحداهن لا تعلم إن كانت ستعيش أم لا ؟ وإذا عاشت فهي ليست بضامنة إن كانت ستتزوج أم لا ؟ لأن الزواج رزق من عند الله يرزق به من يشاء من عباده ، فكيف تجهز الفتيات أنفسهن لشيء في علم الله وحده لا يعلم حدوثه من عدمه إلا هو سبحانه وتعالى، وكيف يشجع الأهل بناتهم على ذلك ؟ وكنت اشتريت بعض الأشياء إثر إلحاح زوجة عمي والتي أحترمها كثيرا ثم توقفت ، فما حكم هذه الأشياء ؟ وماذا أفعل فيها ؟
الجواب:
الحمد لله :
اقتناء ما قد يحتاجه الإنسان في حياته جائز ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله قوت سنتهم ، من تمر وغيره ، ففي صحيح البخاري (5357) عن عمر رضي الله عنه : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (9/503) : "التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع ، لأن الذي كان يُدَّخَر لم يكن يحصل إلا من السنة إلى السنة ، لأنه كان إما تمرا وإما شعيرا ، فلو قُدِّر أن شيئا مما يُدَّخَر كان لا يحصل إلا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لأجل ذلك . والله أعلم" انتهى .(/1)
ولكن ينبغي للمسلم أن لا يتوسع في النفقات ، فلا يشتري من الأثاث ما لا يحتاج إليه ، فقد روى مسلم (2084) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" : "قال العلماء : معناه : أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا ، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم ، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه ويساعد عليه ، وقيل : إنه على ظاهره ، وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل ، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عَشاءً ، وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به ، لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه وغير ذلك" انتهى .
فلا حرج على المسلم في ادخار ما يحتاج إليه من طعام أو أثاث أو غير ذلك ، ما لم يصل إلى حد الإسراف ، وتضييع الأموال .
وأما كون المسلم قد يموت ولا ينتفع بما اشتراه ، فإن هذا لا يضره ، فيستنفع به غيره من ورثته ، وهو صدقة على الوارث ، لا سيما إذا كانوا محتاجين.
وأما كون المرأة قد لا تتزوج فإن هذا من سوء الظن الذي لا يليق بالمسلم ، فعلى العبد أن يحسن ظنه بالله تعالى ، وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي ) رواه البخاري (6856) ومسلم (4832) .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين على الله ، وسيد الزهاد في الدنيا وأفضلهم ، ومع ذلك كان يدخر قوت أهله سنة ، كما سبق .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103932
العنوان:
اشتراط المحرم في سفر المرأة ولو كان السفر قصيرا
السؤال:
نحن نسكن بمنطقة ريفية وفي بعض الأحيان أود زيارة بيت عمي والذي يقع في مدينة تبعد عنا 50كم ويلزمني ذلك استعمال وسائل نقل عمومية مختلطة وأذهب دائما دون محرم لأن أبي يرى أن مصاريف المواصلات مكلفة فإما أن أذهب وحدي أو لا أذهب ، وأنا ليس لدي أي مكان آخر أذهب إليه ، علما وأني أذهب كل 5 أو 8 أشهر مرة فهل يجوز لي الذهاب من دون محرم أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم ، وهذا يشمل السفر الطويل والقصير عند جمهور أهل العلم ، فكل ما سمي سفرا مُنعت منه المرأة إلا مع محرم .
روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ .فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا ، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا).
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة : "فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك ؛ لرواية ابن عباس في صحيح مسلم : ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى بتصرف .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا ، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى .(/1)
وعلى هذا ، فإذا كانت هذه المسافة يعتبرها الناس في بلدكم سفراً ، فلا يجوز لك السفر من غير محرم ، وأنت مأجورة على نيتك إن شاء الله ، ولتكن صلتك بعمك بالاتصال الهاتفي ، فذلك يكفيك إن شاء الله .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103933
العنوان:
قال لصهره : أختك طالق فهل يقع الطلاق؟
السؤال:
هل يقع الطلاق إذا قال زوجي لأخي : أختك طالق؟
الجواب:
الحمد لله
إذا قال الزوج لصهره : أختك طالق ، وهو يريد زوجته ، فهو كما لو قال : امرأتي طالق ، أو زوجتي طالق ، فيقع الطلاق ، ولا يشترط في الطلاق أن يكون أمام الزوجة أو أن تسمعه الزوجة ، وينظر جواب السؤال رقم (31778) .
والطلاق الذي يقع هنا : طلقة واحدة ، فللزوج أن يراجع زوجته في العدة ، إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103966
العنوان:
تريد أن تقسم حسناتها بينها وبين والديها
السؤال:
هل أستطيع أن أقسم حسناتي ثلثا لي وثلثا لوالدتي وثلثا لوالدي – أي كل الحسنات المكتسبة من كل أعمال الخير التي يثاب الإنسان عليها في يومه وليله ، من تسابيح واستغفار وصدقات ودعاء - من دون طبعا الصلاة والزكاة والحج والصيام - ، أم أني أستطيع أن أقسم فقط حسنات الصدقات بيني وبينهم من دون سائر العبادات التي ذكرتها ؟ وهل أستطيع أن أتصدق عنهم في حياتهم وبعد مماتهم ؟ وهل أستطيع أن أجري لوالدي صدقات جارية من مالي الخاص ليأخذوا هم الثواب - كبناء مسجد وتوزيع مصاحف...- وهم ما زالوا على قيد الحياة ؟ وهل أستطيع أن أفعل ذلك بعد مماتهم ؟ وهل أستطيع إذا اكتسبوا على سبيل المثال مالا حراما أن أسدده عنهم من مالي الخاص ؟ وأخيرا ، أنا في كل سجود أدعو الدعاء التالي ثلاث مرات : " رب اغفر لي ولوالدي ووالديهم وإخواني ، ونجنا من عذاب القبر ، وأخلدنا في الفردوس الأعلى " كما أستخدم السبحة للترديد يوميا 200 مرة : " رب اغفر لي ولوالدي ولإخواني وللمؤمنين والمؤمنات " . هل ما أفعله هو عمل طيب ويفيد أم هو بدعة وضياع للوقت ؟ وهل إن كان ما أفعله جيدا ومفيدا ، فهل فعلا ممكن بدعائي هذا المتواصل المتكرر أن يغفر الله لي ولوالدي ووالديهم ولإخواني كل ذنوبنا ، وينجينا من عذاب القبر ، ويخلدنا في الفردوس الأعلى ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نشكر لك حرصك على بر والديك وعلى إيصال الخير لهما ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك الأجر والتوفيق ، وأن يجمعك بوالديك وجميع المسلمين في الجنة .(/1)
لا خلاف بين أهل العلم جميعا على وصول ثواب الصدقة للأموات إذا أهدى المتصدق الثواب إليهم ، وخاصة الوالدين ، كذلك لا خلاف في أن الدعاء للأحياء والأموات يجلب لهم الخير والرحمة إذا تقبله الله عز وجل ، وقد شهدت بذلك مجموعة من الأحاديث الواردة في السنة الصحيحة ، والتي سبق بيانها بالشرح والتفصيل في مجموعة من أجوبة الموقع ، يمكنك مراجعة بعضها في الأرقام الآتية : (12652) ، (42384) ، (102322) .
ثانيا :
يجوز للمتصدق أن ينوي تقسيم أجر صدقته بينه وبين والديه أثلاثا أحياءاً كانوا أم أمواتاً ، "لأن الثواب ملك للمتصدق ، فله أن يهديه جميعه وله أن يهدي بعضه ، يوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه ، فإذا أهدى الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز ، كما لو أهداه إلى غيره" نقلا عن "الروح" لابن القيم (ص/190) ، يذكره في معرض المناقشة .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (20996) عن الشيخ ابن باز رحمه الله جواز الصدقة عن الحي والميت .
على أننا نرشدك إلى الأفضل وهو أن تعملي الأعمال الصالحة لنفسك ، ويكون ثوابها كلها لك ، وتكثري من الدعاء لوالديك فهذا هو الأفضل والأكمل . وانظري جواب السؤال رقم (42088) .
ثالثا :
أما سائر العبادات المندوبة كالصوم والحج والعمرة وقراءة القرآن والأذكار والإحسان إلى الناس ونحوها من أعمال البر ، فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الأموات .
قال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170) :
" فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها ، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة .
نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال : قيل لأبي عبد الله : الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك ، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه ؟ قال : أرجو . أو قال : الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها .
وقال أيضا : اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ، وقل : اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر .(/2)
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل " انتهى .
وقد سبق في الموقع ترجيح القول الثاني ، أنه لا يصل إلى الميت ثواب شيء من الأعمال إلا ما دلت النصوص على وصوله ، كالصدقة والدعاء والحج والعمرة ، لقول الله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) النجم/39 .
وراجعي جواب السؤال رقم (46698) .
رابعاًَ :
أما تسديد المال الحرام عنهم ، فالمال الحرام كالمسروق والمغصوب والذي خُدع صاحبه ونحو ذلك يتعلق به حقان : الأول : حق الله تعالى في ارتكاب ما حرم .
الثاني : حق صاحب المال في أخذ ماله بغير حق .
وتسديد المال لصاحبه نرجو أن يسقط حق صاحب المال ، ولكن يبقى حق الله تعالى ، فلا يسقط إلى بالتوبة ، أو بعفو الله تعالى عن المسيء .
خامساً:
أما الدعاء الذي ذكرته ، فلا حرج فيه ، لكن لا تلتزمي فيه عددا معينا ، واجتهدي في الدعاء قدر استطاعتك ، من غير تقييد بعدد معين ولا اعتقاد فضل معين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103968
العنوان:
تنشيف الأعضاء بعد الوضوء
السؤال:
هل يجوز التنشيف بالمنشفة أو المنديل بعد الوضوء ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للإنسان إذا توضأ أن ينشف أعضاء وضوئه ؛ لأن الأصل في هذا الفعل الإباحة .
قال ابن قدامه رحمه الله في "المغني" (1/195) : " لَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد ، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس , وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وهو الأصح ، لأن الأصل الإباحة" انتهى بتصرف .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء .
فأجاب : " تنشيف الأعضاء لا بأس به ؛ لأن الأصل عدم المنع ، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع .
فإن قال قائل : كيف تجيب عن حديث ميمونة رضي الله عنها ، حينما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ، قالت : فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده ؟
فالجواب : أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور : إما لأنه لسبب في المنديل ، أو لعدم نظافته ، أو يخشى أن يبله بالماء ، وبلله بالماء غير مناسب ، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه ، وإلا لما أتت به" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/93) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103977
العنوان:
أمها تنهاها عن الحجاب فماذا تفعل ؟
السؤال:
أمي تكرهني ، وصرت أشك في أمرها، أعلم أنك ستقول أنه من عمل الشيطان، وأنا فعلا أذكر نفسي بهذا في كل ثانية، فهي تغضب من كلام وحوار عادي جداً، والله يا سيدي الشيخ أنا لم أقصد في مضايقتها إلا أني أحاول أن أذكرها بتعاليم ديننا ، فهي متبرجة وتعمل في أماكن مختلطة، وأخاف عليها ، وفي نفس الوقت هي تكره لي فعلي للخير، تكرهه كرهاً شديداً، وعندما يضيق بها الأمر تنهار بدون سبب حتى تشعرني بالذنب وتقول أني بنت عاقة وأنها غير راضية عنى، وتبدأ تقول" "أنت واحدة محجبة أنتي؟ أنت واحدة تعرف ربنا" وأبدأ أشعر أن الخير مني بعيد فعلاً لكني فعلاً لم أضايقهم ، واستغفر الله وأذهب لمصالحتهم، لكنها ترفض الحديث معي ، وأنا والله لا أتكبر عليها فكلنا مسلمين ، لكني أريد أن أعرف "غضب الأم من غضب الله " وأخاف فعلاً أي يصيبني مقت من الله عز وجل. قد وصل بي الأمر أني كنت فعلا محجبة من قبل وتركت الصلاة وتركت الحجاب الشرعي بسبب هذا، ولكني الآن تائبة وأخاف أن أقع في هذا مرة أخرى. أنصحني جزاك الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
فإن حق الوالدين عظيم فقد قرن الله سبحانه حقهما بحقه فقال جل شأنه : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23
( وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)
وقد أحسنت أيتها الأخت غاية الإحسان في اعتذارك لأمك ومحاولة مصالحتها وإن لم تكوني أسأت إليها ، فإن أولى الناس بالإحسان إليه وبره والعفو عن إساءته وحسن صحبته .(/1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
( يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
وإساءة أحد الوالدين مهما بلغت لا تبرر للولد أن يقصر في حقوقهما عليه فضلا عن أن يسيء إليهما ، وقد أمر الله عز وجل بحسن صحبتهما ، وإن اجتهدوا غاية الاجتهاد في دعوة الولد إلى الشرك ، فقال سبحانه : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/15 .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/586) : " أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا ، أي محسنا إليهما "
فإن كان هذا أدب الشرع مع الوالدين اللذين يأمران ولدهما أن يشرك بالله ، ويجاهدانه على ذلك ، أي يحاولان معه ـ جهدهما ـ أن يقع في ذلك ، فلا شك أن الوالدين المسلمين أولى بالصحبة بالمعروف ، حتى وإن كانا عاصيين ، حتى وإن أمرا ولدهما بمعصية الله ؛ غير أنه ـ أيضا ـ لا يجوز له أن يطيعهما إذا أمراه بالمعصية ؛ كما قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) من حديث علي رضي الله عنه ، واللفظ لمسلم .(/2)
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لهما , وكذلك كل الفرائض , لا طاعة لهما في تركها . يعني إذا وجب عليه الجهاد . لم يعتبر إذن والديه ; لأنه صار فرض عين وتركه معصية , ولا طاعة لأحد في معصية الله .
وكذلك كل ما وجب مثل الحج , والصلاة في الجماعة والجمع , والسفر , للعلم الواجب . قال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال ; لأنها عبادة تعينت عليه , فلم يعتبر إذن الأبوين فيها , كالصلاة , ولأن الله تعالى قال : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولم يشترط إذن الوالدين " انتهى . المغني (9/171) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين , وهو ظاهر إطلاق أحمد , وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر , فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا , وإنما لم يقيده أبو عبد الله لسقوط الفرائض بالضرر وتحرم في المعصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , فحينئذ ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب , لكن يستطيب أنفسهما , فإن أذنا وإلا حج وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم , وعليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك , حتى أن كثيرا من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدة الحج . والحج واجب على الفور عند أكثر العلماء , والقول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جدا مخالف للسنة الثابتة , ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم رواية واحدة , وفي غيرهم روايتان , وهي طريقة أبي محمد وطريقة أبي البركات في العمرة ثلاث روايات ثالثها تجب على غير أهل مكة " انتهى . الفتاوى (5/381) .
وكل ما نوصيك به ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تحذري من أن يضحك عليك الشيطان مرة أخرى ، ويصرفك عن الطريق الهداية ، والعمل بطاعة ربك ؛ فإن هذا هو مقصوده منك : أن يصدك عن سبيل الله ، وعن الصلاة ؟!!(/3)
واعلمي أن ما تلاقينه من المتاعب والمصاعب ، مع والدتك ، أو أسرتك ، أو أصدقائك ومجتمعك : اعلمي أن ذلك كله من ابتلاء الله تعالى لك : ليظهر صدقك مع ربك ، ويتميز الصادق في محبة الله وطاعته من الكاذب . قال الله تعالى : (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت : 1-3 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن [تمام] حكمته ، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان ، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه ، فإنهم لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق ، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.(/4)
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها . " انتهى . تفسير السعدي (626) .
فاحذري ـ يا أمة الله ـ من طاعة الشيطان ، والرسوب في الاختبار ؛ ولتكن زلتك الأولى درسا تلقنتيه ، يحصنك من العودة مرة أخرى عن طريق ربك ، ولتكن توبتك التي ذكرتيها لنا بداية للطريق الصحيح مع ربك ، والصبر على أمره :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران/200.
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
103991
العنوان:
حكم أكل إنسان الماء
السؤال:
هل يوجد شيء اسمه إنسان الماء ؟
الجواب:
الحمد لله
إنسان الماء حيوان يعيش في الماء يشبه الإنسان ، وهل له وجود حقيقي ، أو هو أسطورة تحكى ؟ في ذلك نظر .
جاء في هامش "الموسوعة الفقهية "(5/129) ما يلي : " إن المراجع العلمية الحديثة التي بين أيدينا يستفاد منها أن إنسان الماء ويسمى بالفرنسية : سيرين (sirene) هو حيوان أسطوري يوصف في القصص الخيالية بأن نصفه الأعلى امرأة ونصفه الأسفل سمكة .
راجع : معجم وموسوعة لا روس الفرنسية في كلمة sirene .
ثم قالت الموسوعة : الشائع من القديم أن عجائب البحر وحيوانه أكثر وأكبر من عجائب البر اليابس ، وأنه لا يوجد في البر نوع من الحيوان إلا وله نظير في البحر ، وهذا قد أكده الأستاذ محمد فريد وجدي في دائرة معارفه نقلا عن المصادر العلمية الحديثة . راجع : دائرة معارف القرن العشرين ، كلمة : بحر – حيويا " انتهى بتصرف .
وقال الدميري في "حياة الحيوان الكبرى" : " إنسان الماء: يشبه الإنسان ، إلا أن له ذنبا . قال القزويني: وقد جاء شخص بواحد منها في زماننا " انتهى .
وقد ذكر كثير من الفقهاء إنسان الماء ، واختلفوا في حكمه ، فمنهم من أباحه لعموم الأدلة التي تبيح ما في البحر ، وهذا مقتضى مذهب الشافعية والحنابلة ، وقول أكثر المالكية ومذهب ابن حزم وغيرهم ، ومنهم من حرمه لأنه من غير جنس السمك ، وهو قول الحنفية والليث بن سعد .(/1)
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (6/60) : " وأما ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه فهو حلال كله كيفما وجد , سواء أُخذ حيا ثم مات أو مات في الماء , طفا أو لم يطف , أو قتله حيوان بحري أو بري هو كله حلال أكله . وسواء خنزير الماء , أو إنسان الماء , أو كلب الماء وغير ذلك ، ذلك حلال أكله ، قَتل كل ذلك وثني أو مسلم أو كتابي أو لم يقتله أحد . برهان ذلك قول الله تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا ) وقال تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) فعمّ تعالى ولم يخص شيئا من شيء ( وما كان ربك نسيا ) " انتهى .
وقال الدرير – مالكي – في الشرح الصغير (2/182) : "ويباح الحيوان البحري مطلقاً ، وإن ميتا أو كلبا أو خنزيرا ولا يفتقر لذكاة " انتهى بتصرف .
قال الصاوي في حاشيته عليه : " قوله : ( أو كلبا أو خنزيرا ) : وكذلك الآدمي . ويعني : بذلك إنسان الماء . والله أعلم .
وقال النووي – شافعي - في "المجموع" (9/33) : " وأما ما ليس على صورة السمك المشهورة فالأصح عند الأصحاب : يحل الجميع ،لأن الصحيح أن اسم السمك يقع على جميعها , وقد قال الله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) قال ابن عباس وغيره : صيده ما صيد , وطعامه ما قذف , ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) " انتهى بتصرف.
وقال المرداوي – حنبلي- في "الإنصاف" (10/364) : "وجميع حيوانات البحر مباحة إلا الضفدع , والحية , والتمساح " انتهى .
وقال الكاساني – حنفي - في "بدائع الصنائع" (5/35) : " أما الذي يعيش في البحر فجميع ما في البحر من الحيوان محرم الأكل إلا السمك خاصة فإنه يحل أكله إلا ما طفا منه ، وهذا قول أصحابنا رضي الله عنهم " انتهى .(/2)
وقال ابن عابدين – حنفي – في "رد المحتار" (6/307) : " وما عدا أنواع السمك من نحو إنسان الماء وخنزيره خبيث فبقي داخلا تحت التحريم ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد ترجيح جواز أكل التمساح وحية البحر : " فالصواب أنه لا يستثنى من ذلك شيء ، وأن جميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلا في الماء حلال حيّها وميتها ؛ لعموم الآية الكريمة – يعني قوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) " انتهى من "الشرح الممتع" (6/327) ط. فجر.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104018
العنوان:
هل ترفض طلب زوجها الجماع إذا عرفت أنه سيضيع صلاة الفجر؟
السؤال:
أعلم أن المرأة تلعنها ملائكة السماء إذا رفضت جماع زوجها ، فماذا لو أن طاعة الزوج في ذلك قد تجعله يرتكب ذنبًا عظيمًا ، مثلاً : قد لا يقوم بالاغتسال قبل الفجر فيضيع عليه صلاة الفجر ، فهل لي أن أرفض في هذه الحالة ؟
الجواب:
الحمد لله
التقصير في أداء الصلاة المفروضة وإخراجها عن وقتها من كبائر الذنوب ، والذي يعتاد ذلك ويتساهل فيه على خطر كبير ، إنما يمضي في هلكته في الآخرة ، ويسعى في خسارته عند الله تعالى .
والواجب أيضا على الزوجة أن تعين زوجها على طاعة الله ، وتجنبه المعاصي ما استطاعت إليه سبيلا ، بالكلمة الطيبة ، والموعظة الحسنة ، والأخذ بالأسباب المشروعة ، وليس الممنوعة .
فإذا استطعت أن تتفقي مع زوجك على وقت تتمكنان بعده من أداء الصلاة في وقتها ، والمحافظة عليها ، فهو أفضل .
وإلا فما عليك إلا النصح والوعظ ، وإعانته على الصلاة بالتلطف والإحسان ، فإن استجاب فالحمد لله ، وإلا فهو الذي يتحمل الإثم وليس أنت ، ولا يجوز لك الامتناع من فراشه إذا علمت منه التقصير ، فكل مكلف يتحمل تبعة ما يعمل ، ويسأل عما كسبت يداه وليس أحد غيره .
ثم إن هناك فرقا بين تخلف الزوج عن أداء الصلاة جماعة ، فهذا إثم ، ولكنه أقل شأنا من تخلفه عن أداء الصلاة في وقتها ، فإن الإثم في هذه الحالة عظيم إذا تعمد صاحبه الوقوع فيه.
وعلى كل حال نسأل الله تعالى لك التوفيق والقبول ، لما نرى من حرصك على صلاتك وصلاة زوجك ، ونسأله عز وجل أن يلهم جميع المسلمين محبته ورجاءه والخوف من عقابه.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104020
العنوان:
هل يكرر النهي والتذكير ، كلما تكرر نفس المنكر ؟!
السؤال:
يراودني كثيرا أن أنهى عن المصافحة المحرمة بين أهلي و أقاربي ، لأن هذه العادة المحرمة القبيحة انتشرت عندنا كثيرا ، و قد سبق لي وأن نهيت بعض أقاربي عن ذلك ، و لكنني الآن أسأل ، هل يجب علي أن أنهاهم في كل مرة أراهم يتصافحون ، لأن ذلك يؤلمني كثيراً ، أم سأنهاهم مرة و أتركهم مرة ؟ وأخيرا هل سأنهاهم وهم مجتمعون يعني في الملأ ، خاصة إذا كان فيهم واحد فقط يصافح ؟
الجواب:
الحمد لله
فالأمر كما تفضلت أخي الكريم أن مصافحة النساء للرجال الأجانب منكر دلت النصوص على تحريمه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لَأَنْ يُطَعْنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطِ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ ). رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5045)
وفي صحيح مسلم ( 1866 ) عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " .
والمنكر يجب تغييره على من رآه من المكلفين وكان قادراً على ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (70) من حديث أبي سعيد .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: ( قوله صلى الله عليه وسلم "فليغيره " أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين.) انتهى.(/1)
وقال العلامة القرافي رحمه الله في الفروق (4/257): " قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعاً فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في بيان من يجب عليه إنكار المنكر: " ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين –أي يصير واجباً على شخص بعينه- كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على المنكر أو تقصير في المعروف، قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين " انتهى.
فإنكار المنكر إذا لا يتقيد بعدد بحيث ينكر مرة أو مرتين ثم يترك ؛ بل من رأى منكرا وقدر على إنكاره ، وجب عليه ذلك .
لكن اختلف العلماء في مسألة الإنكار على من يظن أنه لا ينزجر عن المنكر بالإنكار عليه فمنهم من يرى وجوب الإنكار عليه إعذاراً إلى الله ، وتأميلا في أن ينتفع الموعوظ ، وهو ظاهر كلام النووي السابق . ومنهم من يرى عدم الوجوب لكنه يستحب عنده .
قال العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/215): " وقال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية: حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن الإمام أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه وصحح القول بوجوبه وهو قول أكثر العلماء، وقد قيل لبعض السلف في هذا فقال يكون لك معذرة " انتهى.(/2)
وبهذا يتبين أنه : إن كنت قادراً على النهي عن هذا المنكر ، دون أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم ، كأن يعاند من تنكر عليه فيصرح باستحلال المحرم ، أو الجرأة على الشريعة وأحكامها ، أو نحو ذلك من المنكرات التي قد تترتب على إنكار المنكر ، خاصة إذا صاحبه غلظة من الآمر ، أو إحراج له أمام من لا يحفظ هيئته عنده ، فإذا وجدت هذه القدرة : فإنه يجب عليك أن تنكر هذا المنكر وإن ظننت أنهم لن ينتهوا عن ذلك، وينبغي أن تتلطف بمن تنكر عليه قدر الاستطاعة لعل ذلك يكون سبباً في قبوله النصح.
وأما هل تنكر هذا المنكر سراً أو جهراً، فالجواب أن الأصل أنه من أظهر المنكر أنكر عليه جهراً ، ومن أسر به لم تجز المجاهرة بالإنكار عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (3/434): " وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة " انتهى .
لكن مسألة الإسرار أو الجهر ترجع ـ في الحقيقة ـ إلى فقه المصلحة المرجوة من كل منهما ، فإن غلب على الظن أن الفاعل ينتفع بالإسرار ، ويعاند بالعلانية ، وجب الإسرار له ، والتلطف في أمره ، ثم كل حال هنا بحسبها ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وفي الختام نذكرك أيها الأخ الحبيب بثواب الله تعالى لمن تصدى لدعوة الناس إلى الخير وتذكيرهم به .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله و ملائكته و أهل السموات و الأرضين حتى النملة في جحرها و حتى الحوت ليصلون - أي يدعون بالخير- على معلم الناس الخير ) رواه الترمذي (2609) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (1838)
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104030
العنوان:
حكم شراء شريط أو كتاب للمشاركة في مسابقة التحفيظ
السؤال:
قمنا بإعداد مسابقة دينية للنساء وتكون الإجابات من شريط وكتيب فما حكم ذلك إذا كنا نوزع الأشرطة والكتيبات مجانا ؟ وما الحكم إذا طلبنا من المتسابقين شراءها من المحلات أو من قبلنا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت المسابقة فيها تحفيز على طلب العلم ، ومعرفة الأحكام الشرعية ، أو مراجعة القرآن والحديث ، فلا حرج أن يبذل فيها المتسابق مالا ، فيشتري شريط المسابقة أو كتابها من المحلات أو من الجهة القائمة على المسابقة .
والأصل أنه لا يجوز بذل العوض في المسابقات إلا فيما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ ) رواه الترمذي (1700) وأبو داود (2574) والنسائي (3586) وابن ماجه (2878) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والسبَق : هو المال الذي يبذل في المسابقة.
والنصل: السهام.
والخف : الإبل.
والحافر : الخيل.
لكن ألحق بعض العلماء ما كان في معنى ذلك مما يستعان به على الجهاد ونصرة الدين ، كالمسابقة على البغال والحمير ، والأقدام ، وكالمسابقات الدينية والفقهية ، ومسابقات تحفيظ القرآن الكريم والسنة النبوية ، فيجوز بذل العوض في ذلك .
ويجوز بذل العوض في هذه المسابقات من أحد الطرفين أو منهما جميعاً أو من طرف ثالث .(/1)
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه: " الفروسية ص (318) : "المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة ، والإصابة في المسائل ، هل تجوز بعوض ؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي ، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا ، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي ، وهو أولى من الشباك (المشابكة بالأيدي) والصراع والسباحة ، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز ، وهي صورة مراهنة الصدِّيق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته ، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه ، وأن الصدِّيق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار ، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد ، فهي في العلم أولى بالجواز ، وهذا القول هو الراجح " انتهى.
وقال أيضا (ص 97) : " قالوا: وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل، لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد القوة للجهاد فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى.
وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية " انتهى.
وينظر: "حاشية ابن عابدين" (6/403) .
فإذا كانت هذه المسابقة ، يستعان بها على البحث والتعلم ، ونصرة الدين وإعلاء كلمته ، فلا حرج في إنشائها ، وبذل الجوائز عليها ، ولا حرج على المتسابق في شراء كتيب المسابقة أو شريطها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104043
العنوان:
تدمير المواقع الإباحية
السؤال:
هل تدمير أو اختراق مواقع وسيرفرات المواقع الإباحية والشاذة - أعاذنا الله منها - هل هو حرام أم حلال ؟
الجواب:
الحمد لله
إنَّ مِن عظيم ما ابتُلي به الناس في هذه الأزمان ، وتفردوا به عن سائر القرون الماضية ، ما يرونه ويشاهدونه من انتشار العري والتهتك والإباحية ، وألوان الشهوة التي لا يردعها خُلُق ولا حياء ولا دين ، حتى غدت أجساد النساء أرخص سلعة ، وأهون بضاعة ، ولم تكد بيوت المسلمين تسلم من شررها ولا خطرها ، فهي موجودة في التلفاز والإنترنت وفي الشوارع والطرقات وفي الكتب والصحف والمجلات والجوالات ، تتنافس في قلة الحياء وتتسابق إلى استحواذ قلوب الناس والتأثير فيها .
ولعل مِن أعظمها خطرا وأشدها ضررا مواقع " الإنترنت " الإباحية ، لسهولة الوصول إليها ، ولكثرتها وتنوعها وزيادة أعدادها المخيفة ، مما ينبئ عن خطر عظيم يهدد البشرية كلها ، حين تغدو الخطيئة ديدنها ، وتضيع قيم الحياء والعقل والإيمان في أودية الفاحشة ، فلتستعد حينئذ للعقاب الإلهي أو للهلاك الكوني الذي تقضي به سنة الله لكل من انحرف عن الفطرة وأوغل في الطغيان .
يقول الله عز وجل : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/41 .
ولما جاء الإسلام داعيا إلى الإصلاح والتطهير ، أوجب على كل من التزمه وآمن بمبادئه السعي الجاد في تخليص الناس من الشر وتحذيرهم منه ، في مبدءٍ عظيم من مبادئ هذا الدين " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، والذي هو واجب شرعي على جميع المسلمين ، كلٌّ بحسب موقعه وقدرته .
وليس لأدوات الفساد حرمةٌ في الشريعة الإسلامية ، بل ولا تعترف الشريعة بماليتها ، فهي موادٌ مُهدَرَةٌ ، حقُّها الإتلاف ، وفرضها التدمير والإهلاك .(/1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (28/113) - :
" المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعا لها ، مثل الأصنام المعبودة من دون الله ، لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها ، فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها ، وكذلك آلات الملاهي : مثل الطنبور ، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ، وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عن أحمد ، ومثل ذلك أوعية الخمر ، يجوز تكسيرها وتخريقها ، والحانوت الذي يباع فيه الخمر ، يجوز تحريقه ، وقد نص أحمد على ذلك هو وغيره من المالكية وغيرهم ، واتبعوا ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي وقال : إنما أنت فويسق لا رويشد.
وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمر بتحريق قرية كان يُباع فيها الخمر . رواه أبو عبيدة وغيره ؛ وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية ، وهذا أيضا على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما " انتهى .
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (36/34) .(/2)
ولكن الذي نراه في شأن المواقع الإباحية أنها مسؤولية الدولة والمؤسسات العامة والمراكز المتخصصة ، وليست مسؤوليةً فردية ، ونرى أن الخطر الذي قد تجره هذه المواقع على أفراد المسلمين الذين يحاولون تدميرها وإفسادها – ولو بلغوا من الإيمان والتقوى مراتب عالية - أعظم من قدر الجهد الذي يبذلون ، والنتائج التي يحصلون ، وذلك أنه ليس بوسع أحد اليوم القضاء على جميع المواقع الفاسدة ، ولا حتى على معشار معشارها ، فالعلاج سيكون باتخاذ وسائل الحذر والحماية العامة ، بحجب المواقع الفاسدة في الدول الإسلامية ، وتطوير البرامج لمراقبة هذا الحجب ، ونشر الوعي والحذر العام ، وهذه جهود لا تستطيعها إلا المؤسسات والدول ، وليس الأفراد الذين يقعون ضحية عاطفتهم نحو التغيير ، فيتعلق في قلوبهم من مفاسد هذه المواقع ما لم يكن بالحسبان ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (39923) كي يكون المسلم على حذر ، فلا يفقد شيئاً من دينه وخلقه ، في سبيل تحقيق حلم بعيد المنال.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/121-122) :
" على المسلم أن يغض بصره عن النظر في تلك المجلات الفاسدة ؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبعدا عن الفتنة ومواقعها ، وعلى الإنسان ألا يدعي العصمة لنفسه ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء .(/3)
ويجب على مَن وَلاَّه الله على أي من بلاد الإسلام أن ينصح للمسلمين ، وأن يجنبهم الفساد وأهله ، ويباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، ومن ذلك منع هذه المجلات المفسدة من النشر والتوزيع ، وكف شرها عنهم ، وهذا من نصر الله ودينه ، ومن أسباب الفلاح والنجاح والتمكين في الأرض ، كما قال الله سبحانه : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) الحج/40-41 .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
104053
العنوان:
هل سبقت محاولات لنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال:
ما هي حقيقة محاولات سرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أرجو من حضرتكم التفصيل في شرح ذلك .
الجواب:
الحمد لله
تذكر كتب التاريخ حوادث أربعة في محاولات نبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، محاولتان تولَّى كِبرَهما بعضُ النصارى ، والثالثة والرابعة باء بإثمهما الحاكم العبيدي الزنديق الذي ادعى الربوبية .
المحاولة الآثمة الأولى :
تبوأ إثمها ووزرها الحاكم العبيدي الزنديق : منصور بن نزار بن معد المصري الإسماعيلي المدعي الربوبية ، قال فيه الذهبي "سير أعلام النبلاء" (15/174) :
" كان شيطانا مريدا جبارا عنيدا ، كثير التلون ، سفاكا للدماء ، خبيث النِّحلة ، عظيم المكر ، له شأن عجيب ، ونبأ غريب ، كان فرعون زمانه ، أمر بسب الصحابة رضي الله عنهم ، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع " انتهى باختصار .
وقال السمهودي في "وفاء الوفا" (2/652) :
"وقد وقع بعد الأربعمائة من الهجرة ما نقله الزين المراغي عن "تاريخ بغداد" لابن النجار قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن المبارك المقري ، عن أبي المعالي صالح بن شافع الجلي ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمد المعلم ، ثنا أبو القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي : أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر ، وزين له ذلك ، وقال : متى تم لك ذلك شد الناس رحالهم
من أقطار الأرض إلى مصر ، وكانت منقبة لسكانها .(/1)
فاجتهد الحاكم في ذلك ، وأعد مكاناً ، أنفق عليه مالا جزيلا . قال : وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف ، فلما وصل إلى المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ما جاء فيه ، وحضر معهم قارئ يعرف بـ " الزلباني " ، فقرأ في المجلس : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/12، 13 فماج الناس ، وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند ، ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم : الله أحق أن يخشى ، والله لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع ، وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية .
فما انصرف النهار ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من قوتها ، حتى دحرجت الإبل بأقتابها ، والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض ، وهلك أكثرها وخَلْقٌ من الناس ، فانشرح صدر أبي الفتوح ، وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره من امتناع ما جاء فيه " انتهى بتصرف .
المحاولة الآثمة الثانية :
ويبدو أنها محاولة ثانية من الحاكم العبيدي أيضا ، ينقلها أيضا السمهودي في "وفاء الوفا" (2/653) فيقول :
" ونقل ابن عذرة في كتاب "تأسي أهل الإيمان فيما جرى على مدينة القيروان" لابن سعدون القيرواني ما لفظه :(/2)
ثم أرسل الحاكم بأمر الله إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل الذي أراد نبشه دارا بقرب المسجد ، وحفر تحت الأرض ليصل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأوا أنوارا ، وسمع صائح : إن نبيكم ينبش ، ففتش الناس ، فوجدوهم ، وقتلوهم " انتهى .
المحاولة الآثمة الثالثة :
وقعت سنة (557هـ) في عهد السطان الملك العادل نور الدين زنكي رحمه الله ، وكان الذي تولى كبرها النصارى .
رأى السلطان نور الدين رحمه الله في نومه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول : أنجدني ! أنقذني من هذين !
فاستيقظ فزعا ، ثم توضأ وصلى ونام ، فرأم المنام بعينه ، فاستيقظ وصلى ونام ، فرآه أيضا مرة ثالثة ، فاستيقظ وقال : لم يبق نوم . وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي ، فأرسل إليه ، وحكى له ما وقع له ، فقال له : وما قعودك ؟ اخرج الآن إلى المدينة النبوية ، واكتم ما رأيت .
فتجهز في بقية ليلته ، وخرج إلى المدينة ، وفي صحبته الوزير جمال الدين .
فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد : إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحضر معه أموالا للصدقة ، فاكتبوا من عندكم . فكتبوا أهل المدينة كلهم ، وأمر السلطان بحضورهم ، وكل من حضر يأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي صلى الله عليه وسلم له فلا يجد تلك الصفة ، فيعطيه ويأمره بالانصراف ، إلى أن انفضت الناس .
فقال السلطان : هل بقي أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة ؟ قالوا : لا . فقال : تفكروا وتأملوا . فقالوا : لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئا ، وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج . فانشرح صدره وقال : علي بهما ، فأُتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهما بقوله : أنجدني أنقذني من هذين .(/3)
فقال لهما : من أين أنتما ؟ فقالا : من بلاد المغرب ، جئنا حاجين ، فاخترنا المجاورة في هذا المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : اصدقاني ، فصمما على ذلك . فقال : أين منزلهما ؟ فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة .
وأثنى عليهما أهل المدينة بكثرة الصيام والصدقة ، وزيارة البقيع وقباء .
فأمسكهما وحضر إلى منزلهما ، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه ، فرفع حصيرا في البيت ، فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة ، فارتاعت الناس لذلك ، وقال السلطان عند ذلك : اصدقاني حالكما ! وضربهما ضربا شديدا ، فاعترفا بأنهما نصرانيان ، بعثهما النصارى في حجاج المغاربة ، وأعطوهما أموالاً عظيمة ، وأمروهما بالتحيل لسرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانا يحفران ليلا ، ولكل منهما محفظة جلد على زي المغاربة ، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور ، وأقاما على ذلك مدة ، فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت ، وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال ، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة .
فلما اعترفا ، وظهر حالهما على يديه ، ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره ، بكى بكاء شديدا ، وأمر بضرب رقابهما ، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم ، وحفر خندقا عظيما حول الحجرة الشريفة كلها ، وأذيب ذلك الرصاص ، وملأ به الخندق ، فصار حول الحجرة الشريفة سورٌ رصاصٌ ، ثم عاد إلى ملكه ، وأمر بإضعاف النصارى ، وأمر أن لا يستعمل كافر في عمل من الأعمال .
ذكر هذه الحادثة جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي (ت 772هـ) في رسالة له اسمها : " نصيحة أولي الألباب في منع استخدام النصارى " ويسميها بعضهم بـ " الانتصارات الإسلامية " نقلها عنه علي بن عبد الله السمهودي (ت 911هـ) في كتابه " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى " (2/648-650) .(/4)
وذكرها الحافظ جمال الدين عبد الله بن محمد بن أحمد المطري (ت 765هـ) ، وكان رئيس المؤذنين في الحرم النبوي ، وهو مؤرخ ، له كتاب " الإعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام " قال : " سمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر عمن حدثه من أكابر من أدرك ، أن السلطان محمودا...وذكر القصة بنحو ما سبق مع اختلاف يسير .
نقلا عن "وفاء الوفا" (2/650).
المحاولة الآثمة الرابعة :
يحدثنا عن هذه المحاولة العلامة الرحالة ابن جبير ، أبو الحسين محمد بن أحمد ، المتوفى سنة (614هـ) ، يذكرها في "رحلته" في أحداث سنة (578هـ) (ص/34-35) ، وذلك بعد وصوله إلى الإسكندرية ، حيث قال :
" لما حللنا الإسكندرية في الشهر المؤرخ أولا – يعني ذي القعدة - ، عاينَّا مجتمعا من الناس عظيما ، بروزا لمعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال ، ووجوههم إلى أذنابها وحولهم الطبول والأبواق ، فسألنا عن قصتهم ، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقا وجزعا : وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب في أقرب المواضع التي لهم من بحر القلزم – البحر الأحمر - ، ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بِكِراء – أي بأجرة - اتفقوا معهم عليه ، فلما حصلوا بساحل البحر سمروا مراكبهم ، وأكملوا إنشاءها وتأليفها ، ودفعوها في البحر ، وركبوها قاطعين بالحجاج ، وانتهوا إلى بحر النعم ، فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركبا ، وانتهوا " عيذاب " – اسم مكان - فأخذوا فيها مركبا كان يأتي بالحجاج من جدة ، وأخذوا أيضا في البر قافلة كبيرة تأتي من قوص " عيذاب " ، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحدا ، وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن ، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله ، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام ولا انتهى رومي ذلك الموضع قط .(/5)
ومن أعظمها حادثة تسد المسامع شناعة وبشاعة ، وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإخراجه من الضريح المقدس .
أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم ، فأخذهم الله باجترائهم عليه ، وتعاطيهم ما تَحُولُ عنايةُ القدرِ بينهم وبينه ، ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم ، فدفع الله عاديتهم بمراكب مرت من مصر والإسكندرية ، دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد المغربة البحريين ، فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه فأخذوا عن آخرهم ، وكانت آية من آيات العنايات الجبارية ، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان ، نيف على شهر ونصف أو حوله ، وقتلوا وأسروا ، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها ، ووجه منهم مكة والمدينة ، وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمرا عظيما ، والحمد لله رب العالمين " انتهى .
فهذه هي المحاولات التي وقفنا عليها ، والله تعالى حافظ جسد نبيه صلى الله عليه وسلم من أن تصل إليه أيدي أعدائه بسوء ، وللمزيد حول هذا الموضوع يراجع كتاب "القبة الخضراء ومحاولات سرقة الجسد الشريف" لمحمد علي قطب ، الدار الثقافية .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
104054
العنوان:
خطيبها يرفض أن تتحجب
السؤال:
أنا بنت تونسية متدينة ، بس عندي مشكلة أن خطيبي رافض أن أتحجب - ولو الحجاب العصري - أسأل هل أرتبط به أو أرفضه ؟ علما أن أغلبية التونسيين هكذا .
الجواب:
الحمد لله
وصيتنا لك – أختنا الكريمة – هي وصية الله تعالى للناس أجمعين ، للأولين والآخرين ، وصية جامعة لخيري الدنيا والآخرة ، يقول الله تعالى فيها : ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) النساء/131
أي خير في الدنيا إذا كانت في سخط الرب تعالى ، وأي سعادة فيها إن لم تكن في طريق مرضاة الله عز وجل ، وهل يرضى المؤمن أن يعمر دنياه ويهدم آخرته .
يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ) الحشر/18-20 .
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الرجل أن يختار المرأة صاحبة الدين ، فقد أمر المرأة وأولياءها أن يختاروا الرجل صاحب الدين أيضاً .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1022) .(/1)
والذي يمنع امرأته من ارتداء الحجاب ، ليس هو صاحب الخلق والدين الذي يستحق أن يزوج ، بل غالب الظن أنَّ مَن يمنع امرأته من ارتداء الحجاب فإنه يتساهل في غير ذلك من الكبائر والموبقات ، وأكل الحرام ، وعدم تعظيم أحكام الله تعالى .
ومثل هذا ، كيف يحافظ على امرأته وبيته ، أم كيف يربي أولاده على طاعة الله وهو يعصيه ويأمر بمعصيته؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/62) :
" ولا ينبغي للوليّ أن يزوّج موليته إلاّ التّقيّ الصّالح " انتهى .
وقال الشيخ صالح الفوزان في "المنتقى" (4/سؤال رقم/198) :
" يجب عند الزواج اختيار الأزواج الصالحين المتمسكين بدينهم ، الذين يرعون حرمة الزواج وحسن العشرة ، ولا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر ، وقد كثر التساهل في زماننا هذا ، في هذا الأمر الخطير ، فصار الناس يزوجون بناتهم ومولياتهم برجال لا يخافون الله واليوم الآخر ، وصرن يشتكين من مثل واقع هذا الزوج ، ووقعن في حيرة من أمر هؤلاء الأزواج ، ولو أنهم تحروا قبل الزواج الرجل الصالح ليسر الله سبحانه وتعالى ، ولكن هذا في الغالب ينشأ من التساهل وعدم المبالاة بالأزواج الصالحين ، ورجل السوء لا يصلح أبدًا ، ولا يجوز التساهل في شأنه لأنه يسيء إلى المرأة ، وربما يصرفها عن دينها ، وربما يؤثر على ذريتها" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (النكاح/اختيار الزوج/سؤال رقم 16) :
"الواجب على ولي المرأة إذا تقدم إليها خاطب أن يبحث عن دينه وخلقه ، وإذا كان مرضيا فليزوجه ، وإذا كان غير مرضي فلا يزوجه ، وسيسوق الله إلى موليته من يرضى دينه وخلقه إذا علم الله من نية الولي أنه إنما منعها هذا الخاطب من أجل أن يتقدم إليها من هو مرضي في دينه وخلقه ، فإن الله تعالى يوفر له ذلك " انتهى .
فالذي نراه لك عدم قبول هذا الخاطب ، وسيعوضك الله تعالى خيراً منه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104055
العنوان:
قصة خرافة عن كوكب " الزهرة " ونجم " سهيل "
السؤال:
ما هي حقية كوكب الزهرة أنها كانت امرأة ، ونجم سهيل أنه كان رجلا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعنهما .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
القصة التي تُروى عن كوكب الزُّهرة ، جاءت في سياق قصة أخرى تحكي أمر هاروت وماروت ، حاصلها أن الملائكة تعجبوا مِن عصيان بني آدم في الأرض ، فأمرهم الله أن يختاروا منهم مَن ينزل إلى الأرض وتركب فيه الشهوة ، كي ينظروا أيطعيون أم يعصون ، فاختاروا هاروت وماروت ، فجاءت الزهرة – امرأة حسناء – فتعرضت لهما حتى أغوتهما ، ثم مسخها الله كوكبا في السماء ، وأدرك الملائكةُ الأمر فاستغفروا للمؤمنين .
جاءت هذه الرواية من حديث ابن عمر على وجهين :
1- من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار .
وذلك من طرق عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار به .
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/73-74) وعنه الطبري في "تفسيره" (2/429-430) ، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) ، وهذا سند صحيح متصل رجاله ثقات .
2- من قول النبي صلى الله عليه وسلم :
وذلك من طريق نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به ، وقد رواه عن نافع ثلاثة :
- فرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
عند الطبري في تفسيره (2/432) . وفرج بن فضالة : له أحاديث مناكير . انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/262) ، ومعاوية بن صالح : له أوهام . انظر: "تهذيب التهذيب" (10/211)
- زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا .(/1)
رواه أحمد في المسند (2/134) ، وعبد بن حميد (787) ، وابن حبان في صحيحه (14/63) ، والبزار (2938) – كشف الأستار- ، والبيهقي في "السنن" (10/4-5) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (662) . وموسى بن جبير : قال فيه ابن حبان : يخطئ ويخالف . وقال ابن القطان : لا يعرف حاله . كذا في "تهذيب التهذيب" (10/339) ، وزهير بن محمد فيه كلام أيضا ، خلاصة حكم الحافظ ابن حجر عليه أنه ثقة يغرب ويأتي بما ينكر . انظره في "تهذيب التهذيب" (3/350)
- موسى بن سرجس عن نافع :
كما عند ابن مردويه - كذا نقله ابن كثير في تفسيره (1/354) - ، وموسى بن سرجس لم يُنقل عن أحد فيه حكم ، فهو مجهول الحال ، وقد ضعف الترمذي حديثا له رواه في سننه . انظر "تهذيب التهذيب" (10/307)
وبذلك يتبين أن الرواية الصحيحة هي من كلام كعب الأحبار ، وليست المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن رفعه [ أي نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ] منكر ظاهر من خطأ بعض الرواة ، دلنا على ذلك اجتماع قرائن نكارة المتن وضعف السند ، ومخالفة الصحيح .
لذلك قال أبو حاتم - كما في "العلل" (2/69) – عن واحدة من روايات الرفع :
"هذا حديث منكر" انتهى .
وقال البزار : " وإنما أتى الرفع هذا عندي من زهير ؛ لأنه لم يكن بالحافظ " انتهى .
وقال البيهقي عن روايته عن كعب الأحبار : " وهذا أشبه " انتهى .
ويقول ابن كثير رحمه الله بعد أن وصف الروايات عن نافع بالغرابة :
" وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع ، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل " انتهى . "تفسير القرآن العظيم" (1/354)
وقد مال الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" إلى تصحيح أصل القصة فقال (ص/39) :(/2)
" له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة ، لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها " انتهى .
غير أن كلام المتقدمين الذين ضعفوا الرواية أولى وأقرب ، فالطرق الكثيرة مخالفةٌ للطريق الصحيحة ، وضعف رواتها يرجح رجوعها إلى كعب الأحبار وليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيق المسند (2/143) على كلام الحافظ بقوله :
" أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها ، فلا ، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية ، إلى مخالفتها الواضحة للعقل ، لا من جهة عصمة الملائكة القطعية فقط ، بل من ناحية أن الكوكب الذي تراه صغيرا في عين الناظر قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف ، فأنَّى يكون جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة " انتهى .
ومن أظهر علامات نكارة القصة التفاوت الكبير في ألفاظ رواياتها ، فمنها المختصر ومنها المطول ، ومنها الزائد ومنها الناقص ، وبعضها فيها لعن النبي صلى الله عليه وسلم كوكب الزهرة وبعضها يسكت عن ذلك ، بل ومنها ما يذكر مسخ الزهرة إلى كوكب ، ومنها ما يسكت عنه ، أما الرواية عن كعب الأحبار فقد جاءت بلفظ واحد مختصر ، ليس فيه ذكر قصة الزهرة ومسخها إلى كوكب ، وإنما تقتصر على قصة الملكين هاروت وماروت .
وقد وردت القصة عن ابن مسعود وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم ، وعن جماعة من التابعين ، ساق مروياتهم الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ثم قال (1/360) :(/3)
" وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين ، كمجاهد والسدي والحسن وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال " انتهى .
ثانيا :
أما ما يُحكى عن النجم " سُهيل " ، أنه كان رجلا من بني آدم ، ثم مُسخ إلى نجمٍ مُعلق في السماء ، فكل ما ورد فيه مكذوب موضوع ، وقصة خرافة يتناقلها الناس والرواة ، وهذا تفصيله :
1- عن عمرو بن دينار أنه صحب ابن عمر في السفر ، فكان إذا طلع سُهيلٌ قال : لعن الله سهيلا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كان عشَّارا – يأخذ عشر الأموال ضريبة - يظلمهم ويغصبهم أموالهم ، فمسخه الله شهابا ، فجعله حيث ترون )
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/147) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم/651) ، والبزار – كما في "كشف الأستار" (1\902 و903) جميعهم من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار به
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن يزيد .
لكن عند البزار متابعة مبشر عن عمرو بن دينار ، إلا أنها متابعة ساقطة ، فقد قال البزار بعد إخراجه لهما :
" لا نعلم أحدا رواه عن عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا إبراهيم : وهو لين الحديث , وإنما ذكرناه على ما فيه من العلة لأنا لم نحفظه إلا من هذين الوجهين " انتهى .
وذكره الذهبي في "الميزان" (3\433) في ترجمة مُبَشِّر ، وعده من مناكيره .
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/187) :
" هذا الحديث لا يصح موقوفا ولا مرفوعا " انتهى .(/4)
ومن دلائل نكارة الحديث وتخليط إبراهيم بن يزيد أنه يرويه مرة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر ، ومرة عن عمرو عن عبد الرحمن بن السايب عن ابن عمر . = كما أسنده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق الدارقطني -
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لعن الله سهيلا - ثلاث مرات - , فإنه كان يعشر الناس في الأرض , فمسخه الله شهابا )
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/108) , وكذا أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (649،650) في باب : ما يقول إذا رأى سهيلا . والخطيب البغدادي في "السابق واللاحق" (ص/78) والدارقطني في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187)
من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه .
يقول ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/188) :
" وقد رواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح . وهذا لا يصح لأن مداره على جابر الجعفي . قال جرير : لا أستحل أن أروي عنه . وقال أبو حنيفة : ما رأيت أكذب منه . وقال يحيى بن معين : لا نكتب حديثه " انتهى .
وجاء في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187) :
" وسئل عن حديث أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا رأى سهيلا لعنه وقال : كان رجلا ينحس الناس بالظلم فمسخه الله شهابا .
فقال : يرويه جابر الجعفي ، واختلف عنه :
فرواه الثوري عن جابر : فقال إبراهيم بن خالد وأبو حذيفة عن الثوري عن جابر عن أبي الطفيل عن علي ولا أراه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وخالفهما وكيع ومحمد بن عبد الوهاب القناد فروياه عن الثوري موقوفا بغير شك .
ورواه عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر مرفوعا أيضا ، ورفعه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن جابر .
والصحيح موقوفا " انتهى .
3- وفي رواية أخرى عن علي بن أبي طالب بسياقٍ مختلفٍ جاء فيها :(/5)
" أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن المُسوخ ؟ فقال : هم ثلاثة عشر...فذكرها ثم قال :
وأما سهيل فكان عشَّارًا باليمن ، وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت " انتهى .
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/249) للزبير بن البكار في "الموفقيات" ، و"ابن مردويه" و"الديلمي" ولم أقف على إسناد منها .
ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" في " باب ذكر المسوخ " (1/185) بسنده ثم قال :
" هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما وضعه إلا ملحد يقصد وهن الشريعة بنسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو مستهين بالدين لا يبالي ما فعل ، والمتهم به مغيث – مولى جعفر بن محمد عنه عن أبيه عن جده عن علي - .
قال أبو الفتح الازدي : خبيث كذاب لا يساوي شيئا ، روى حديث المسوخ ، وهو حديثٌ منكر .
قال المصنف – ابن الجوزي - : وحديث ابن حبيبة الصحيح : ( فإنه ما مسخ الله عز وجل شيئا فجعل له نسلا ) يرد هذا " انتهى .
فالحاصل أنه لم تثبت الحكاية عن مسخ رجل إلى النجم " سهيل " بسند مرفوع صحيح ، وكل ما ورد في ذلك من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهي أحاديث منكرة ضعيفة ، حكم عليها أهل العلم بالوضع والترك ، منهم الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4196) .
وغاية ما هنالك أنه قد تصح فيها بعض الآثار الموقوفة عن بعض الصحابة ، غير أن هذه الآثار ليس لها حكم الرفع ، والأخذ بما فيها موضع شك ، لاحتمال تلقيها عن بني إسرائيل احتمالا قويا ظاهرا ، كما هو الأمر في قصة مسخ الزهرة إلى الكوكب المعروف ، والخرافات التي ترويها الإسرائيليات تأتي بهذا القبيل من القصص والأحداث .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
104056
العنوان:
نذرت أن تصوم كل خميس
السؤال:
أنا طالبة عمري 14 سنة ، كنت قد نذرت نذرا ، أن أصوم كل خميس على مدى العمر ، ولكنني لم أفكر فيه جيدا ، مثلا : عندما يأتيني الحيض كيف سأفعل ، وعند الزواج مثلا هل سيوافق زوجي على ذلك أم لا ، أو عند حدوث أي شيء يمنعني من الوفاء بنذري ، فهل ينطبق علي قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نذر فيما لا يملك ) ، فهل في هذه الحالة لا يجب علي الوفاء بنذري لأنه نذر خاطئ من الأساس ؟ في نفس هذا النذر عند مجيء الخميس وهو اليوم ، كنت ناوية أن أصوم ، ولكنني لم أستأذن من أبي ، فعندما ضبطت المنبه حتى أقوم للتسحر فلم أستيقظ ، واستيقظت بعد أذان الفجر بنصف ساعة ، فكنت محتارة أصوم أم لا ، ولكنني قررت الصوم ، ولكن أبي كان غضبان مني ، ولم يكن موافقا أن أصوم ، لأنني لم أتسحر ، وأنا أصلا جسمي ضعيف ، وكان عندي صداع في رأسي ، ولكن كان قليلا ، فأفطرت ، وأبي حلف أن لا أصوم أي خميس ؛ لأنه غير موافق ، فماذا أفعل ؟ هل أكفر عن نذري أم لا ؛ لأن هذا النذر أصلا هل هو صحيح أم خاطئ كما قلت ؟ هل إذا لم أقدر على وسائل التكفير الأولى مثل إطعام 10 مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة: أصوم 3 أيام ؟ علما بأن أبي مثلا إذا لم يوافق على إخراج الكفارة أصوم 3 أيام ، ما هو الرد على ذلك ؟ ملاحظة : لا أعرف عدد أيام الخميس التي مضت حتى أصومها إذا كان علي صيامها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لما كان النذر سببا للمشقة والعنت – لما يترتب عليه من وجوب لم يكن واجباً في الأصل – جاءت الشريعة بالنهي عنه ، وانظري جواب السؤال (27303) .
فمن اختار لنفسه بعد ذلك النذرَ وجبَ عليه تحمل ما التزمه ، طاعة لله تعالى ، يحتسب أجره عنده سبحانه وتعالى .(/1)
فمن نذر أن يصوم كل خميس وجب عليه الوفاء به ؛ لأنه نذر قربة وطاعة ، ولا يجوز نقضه والحنث فيه ، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) .
ونقل في "الموسوعة الفقهية" (40/146-147) : اتفاق أهل العلم على هذا .
فلا يجوز تضييع النذر وعدم الوفاء به من غير عذر ، ولمعرفة عقوبة إخلاف النذر ؛ يراجع جواب السؤال (42178) .
وليس هناك عذر في تركك الوفاء بالنذر إلا في إحدى حالتين :
1- أن تكوني صبية غير بالغة ، فشرط صحة النذر البلوغ .
قال النووي في "المجموع" (8/433) :
" فأما الصبي فلا يصح نذره " انتهى بتصرف .
وقد ذكرت أن عمرك 14 سنة ، فيحتمل أنك بالغة ، ويحتمل أنك لم تبلغي بعد ، ولمعرفة علامات البلوغ راجعي جواب السؤال رقم (70425) .
2- أن يصيبك من الصيام حرج ومرض ومشقة كبيرة غير معتادة بسبب ضعف جسمك ـ كما ذكرت ـ يقدرها الطبيب المسلم ، فإن قرر أن الصيام يضرك فيجوز لك حينئذ ترك النذر ، والتكفير عنه بكفارة اليمين ، التي هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .
قال ابن قدامة في "المغني" (10/72) :
" مَن نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين " انتهى .
أما إذا كانت المشقة التي تلحقك بسبب الصيام مشقة عادية محتملة كالتي تصيب كل صائم ، فهذا لا يجيز لك تركه .
ثانياً :
وأما بالنسبة لأيام الأعذار : فإذا كان ترك الصيام بسبب الحيض ، فلا قضاء عليك ولا كفارة ، لأن أيام الحيض تكون مستثناة من النذر ، لتعذر صيامها شرعاً .
وأما إذا كان ترك الصيام بسبب المرض ، فقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بوجوب قضائه.
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=112667
ولا يجب مع القضاء كفارة يمين لأن فطرك كان بعذر .(/2)
وأما إذا كان ترك الصيام بدون عذر فيجب قضاؤه ، وإخراج كفارة يمين ، لمخالفة النذر بلا عذر .
قال الشيخ ابن عثيمين في امرأة نذرت أن تصوم كل يوم اثنين وخميس ثم تركت ذلك :
"يجب عليها أن توفي بالنذر تصوم الاثنين والخميس ، وهذا لا يضر إن شاء الله ، لأنهما يومان في الأسبوع ، وما مضى فإنها تقضيه وتكفر كفارة يمين عن فوات الزمن الذي عينته ، فإذا كان مضى عليها أربعون اثنين وأربعون خميس ، وجب أن تقضي ثمانين يوما مع كفارة اليمين ، لفوات الوقت الذي عينته ثم تستقبل أمرها فتصوم كل يوم اثنين وخميس" انتهى .
فعلى هذا ؛ فما مضى من الأيام لم تصوميها ، عليك أن تجتهدي في معرفة عددها ، وتقضيها ، وعليك مع ذلك كفارة يمين .
ثالثاً :
ليس للوالد أن يمنع ولده من صوم النذر ، بل ولا صوم التطوع إذا كان مستطيعا ولا يضره الصوم ، ويتأكد هذا في صوم النذر لأنه صوم واجب .
وأما الزوج ففي حالتك ليس له المنع أيضاً ، لأن النذر كان سابقاً على حقه ، لأنه كان قبل الزواج .
قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/141) :
" لا يحتاج في صوم رمضان إلى إذنه – يعني الزوج - ولا يمتنع بمنعه ، وفي معنى صوم رمضان كل صوم واجب مضيَّق : كقضاء رمضان ، أو نذرت قبل النكاح أو بعده بإذنه صيام أيام بعينها " انتهى .
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (105285) فتوى الشيخ صالح الفوزان فيمن نذرت قبل الزواج أن تصوم تسع ذي الحجة ، أنه ليس لزوجها أن يمنعها من هذا الصوم .
رابعاً :
كفارة اليمين هي : إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، أي خصلة من هذه الخصال فعلتها أجزأ ذلك عنك ، فإن عجزت عن الخصال الثلاثة فإنك تصومين ثلاثة أيام ، فإذا كان الصوم يضرك بسبب ضعف جسمك ، فلا شيء عليك وتسقط عنك الكفارة لعدم الاستطاعة ، ولا يجب على والدك أن يخرج الكفارة عنك ، بل الكفارة واجبة عليك أنت .
والله أعلم .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104059
العنوان:
هل يصح الرجوع في النذر؟
السؤال:
أنا طالبة وكنت أدعو الله أن أحصل على المركز الأول على الفصل ، ونذرت إن تحقق ذلك أن أصوم يوماً حددته ، وكان يوم الخميس ، وقبل ابتداء النصف الثاني للدراسة الذي تظهر فيه النتائج علمت أن المدرسة سترتب الأوائل على المدرسة وليس على الفصول ، فغيرت نذري ، أنني سوف أصوم نفس اليوم الخميس إذا حصلت على المركز الأول على المدرسة ، وليس على الفصل . وظهرت النتائج وحصلت على المركز الثاني على المدرسة ، والمركز الأول على الفصل ، ولهذا لم أصم هذا اليوم ، لأنني لم أحصل على المركز الأول على المدرسة . فهل أنا في مذنبة في هذه الحالة ؟ وماذا أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
نذرك إن كان ترتيبك الأول على فصلك أن تصومي يوم الخميس ، هو من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به عند تحقق الشرط ، وحيث إنك أتيت الأولى على فصلك فيلزمك صيام يوم كما نذرت ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَن نذر أن يطيع الله فليطعه ) رواه البخاري ( 6318 ) .
والنذر لا يصح الرجوع فيه ، لما سبق من لزوم الوفاء به ، ولقول عمر رضي الله عنه : ( أربع جائزة في كل حال [أي ماضية نافذة] : العتق والطلاق والنكاح والنذر ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/82). وعن علي رضي الله عنه : ( أربع لا رجوع فيهن إلا بالوفاء : النكاح , والطلاق , والعتاق , والنذر ) ذكره ابن حزم في المحلى (8/197) .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (7/267).
وأما نذرك الثاني وهو ما يتعلق بالترتيب على المدرسة ، فلا يلزمك فيه شيء ؛ لعدم تحقق الشرط .
وعلى هذا ؛ فإن كان نذرك أنك تصومين أي يوم خميس ، فيلزمك الوفاء به .
وإن كان نذرك أنك تصومين يوماً محدداً وقد فات فيلزمك قضاء هذا اليوم ، فتصومين يوم خميس آخر ، وعليك مع ذلك كفارة يمين ، لأنك لم تصومي اليوم الذي حددت صيامه بالنذر.
قال المرداوي في "الإنصاف" (28/212) :(/1)
"وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر ، فعليه القضاء وكفارة يمين ـ بلا نزاع ـ وإن لم يصمه لعذر ، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ وفي الكفارة روايتان ( يعني عن الإمام أحمد ) والمذهب : أن عليه الكفارة أيضاً ، وصححه ابن قدامه وغيره" انتهى بتصرف .
واعلمي أن النذر مكروه وإن لزم الوفاء به ؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ . وَقَالَ : (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104066
العنوان:
كيف يزكي أمواله في صندوق الرائد
السؤال:
هل تجب الزكاة على الأموال الموضوعة في صناديق الاستثمار الشرعية في البنوك مثل صندوق الرائد ؟ وعلى أي سعر يتم احتساب مبلغ الزكاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
سبق الجواب عن صندوق الرائد ، وكيفية إخراج زكاة الأموال المستثمرة فيه ، وهذا نصه :
"أولا :
صندوق الرائد التابع سابقا لبنك سامبا يعد تصنيفه من ضمن صناديق الاستثمار التي تضارب في أسهم سوق المال في المملكة العربية السعودية وهي تضارب بيعا وشراء في أسهم الشركات التي فيها نسبة من الربا قرضا أو اقتراضا ، وأي صندوق استثماري يتعامل مع الشركات التي اقترضت بالربا فلا يجوز الدخول معه ؛ لأن مالك السهم يعد شريكا في التصرف , فإما أن يكون راضيا بالمعاملات الربوية , فهذا محرم ولاشك , أو يكون غير راضٍ فعليه حينئذ أن يخرج منها أو يمنعهم من التعامل المحرم, وهذا لا يستطيعه فلم يبق إلا الخروج وعدم الدخول في مثل هذه الصناديق " انتهى من جواب للدكتور عبد الله السلمي .
وسئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله : " أموالي في صندوق الرائد كيف أتخلص؟
فأجاب : يجوز الانتظار حتى عودة رأس المال. والله أعلم " انتهى .
ثانيا :
في زكاة الأسهم – بصفة عامة - تفصيل ، يختلف بحسب نية مالكها :
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ. الموافق 6-11 فبراير 1988م.
" إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار ؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك:(/1)
فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة ؛ فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة ، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية ، وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة ، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح" انتهى من "مجلة المجمع" (1/879).
وبناء على ذلك :
فإن كنت اشتركت في الصندوق تريد الريع فقط ، فالزكاة في الريع ، لا في أصل الأسهم ، وحيث إن الريع هنا منه ما هو محرم كما سبق ، فلا تجب الزكاة إلا في القدر الحلال منه السالم من الربا ، ويجب عليك التخلص من الفوائد الربوية بإنفاقها في أوجه البر المختلفة .
وإن كنت اشتركت في الصندوق تريد المتاجرة في الأسهم ، فالزكاة في الأصل وفي الربح ، فتزكي القيمة السوقية لأسهمك عند نهاية الحول .
والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) .
لمزيد التفصيل في زكاة الأسهم ، راجع جواب السؤال (69912) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104076
العنوان:
هل يجوز أن يسترد قرضه من رجل جل ماله حرام
السؤال:
هل يجوز لي آخذ حقي من قرض وغيره من شخص جل ماله حرام ؟ وإن كان لا يجوز فكيف أستطيع الوصول لحقي ؟
الجواب:
الحمد لله
المال الحرام نوعان :
الأول : ما حرم لكسبه ، كالمأخوذ بالربا والمعاملات المحرمة .
الثاني : ما حرم لعينة ، كالمسروق والمغصوب .
فالأول يجوز أن تتقاضى منه حقك ، لأن حرمته راجعة على كاسبه فقط ، وأما أنت فتأخذه بوجه مشروع .
وأما الثاني ، فلا يجوز أن تأخذ منه شيئا ؛ لأنه مال غير مملوك لسارقه وغاصبه ، بل هو ملك لصاحبه ، ويجب رده إليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب ، مثل الربا ، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته ، أما ما حرم لعينه كالخمر [ أي لو مات وترك خمرا ] فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه ، وكذلك ما كان محرما قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (10/27) .
وينظر جواب السؤال رقم (13503) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104077
العنوان:
عليه صيام نذر فهل يجوز أن يصومه مع رمضان
السؤال:
علي صيام من نذر نذرته فهل يجوز أن أصومه مع رمضان ؟
الجواب:
الحمد لله
يجب الوفاء بنذر الطاعة والبر ، كمن نذر أن يصوم يوما أو أكثر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَن نذر أن يطيع الله فليطعه ) رواه البخاري (6318) .
وهذا النذر إن كان معينا بوقت ، وجب الوفاء به في وقته ، كمن نذر صوم ثلاثة أيام من أول الشهر ، وإن كان مطلقا غير معين ، جاز صومه في أي وقت ، إلا رمضان ويومي عيدي الفطر والأضحى وأيام التشريق .
أما رمضان ، فلأن الزمان فيه مشغول بصوم الفرض ، فلا يصح أن يوقع فيه صوما آخر .
وأما يوما العيد وأيام التشريق فللنهي عن صومها ، فقد روى البخاري (6212) عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ ، فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ ، يَوْمَ النَّحْرِ ، فَقَالَ : أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ مِثْلَهُ لا يَزِيدُ عَلَيْه .
قال الحافظ ابن حجر : " انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا نذرا " انتهى .
وروى البخاري (1998) عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا : لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ .
وقد نَبَّه أهل العلم على أن رمضان لا يصح أن يصام فيه غيره :(/1)
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/315) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : يتعيّن رمضان لصوم رمضان , فلا يصح فيه غيره , فلو نوى فيه الحاضر أو المسافر أو المريض صوم كفارة أو نذر أو قضاء أو تطوع أو أطلق نية الصوم لم تصح نيته , ولا يصح صومه , لا عما نواه , ولا عن رمضان " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : " وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره , كالنذر والقضاء ; لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عنه , فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه , لزمه أن يأتي بالأصل . فإن نوى صوما غير رمضان , لم يصح صومه , لا عن رمضان , ولا عن ما نواه . هذا الصحيح في المذهب , وهو قول أكثر العلماء" انتهى .
وقال أيضاً (13/645) :
"فإن قال : لله عليّ أن أصوم شهرا ، فنوى صيام شهر رمضان لنذره ورمضان ، لم يجزئه ، كما لو نذر أن يصلي ركعتين ، لم تجزئه صلاة الفجر عن نذره وعن صلاة الفجر" انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الواجب لمن نذر الصيام إذا كان معلقاً بشرط أن يوفي به من حين أن يوجد الشرط ولا يتأخر ، مثال ذلك: قال: إن شفاني الله من هذا المرض فلله عليَّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام ، فشفي من المرض ، فالواجب أن يبادر الإنسان بالصوم ولا يتأخر ؛ لأن الله تعالى قال: ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) التوبة/76-77.(/2)
أما النذر الذي ليس معلقاً بشرط ، إنسان أراد أن يحمل نفسه على الصوم فقال: لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام. من غير سبب، فهذا يجب عليه أن يبادر لكن ليس كوجوب الأول ، فإذا أتاه رمضان وهو لم يصم فمن المعلوم أنه يبدأ برمضان ، وإذا انتهى رمضان صام النذر، لكن لو أنه صام النذر في رمضان لم يصح صوم نذره ولا صوم رمضان. إنسان عليه نذر ثلاثة أيام فصام من رمضان ثلاثة أيام للنذر ، فماذا عليه ؟ لا ينفعه عن النذر ولا عن رمضان ، أما كونه لا ينفعه عن النذر فلأن رمضان وقته مضيَّق لا يصح أن يصوم غيره فيه ، وأما كونه لا يجزئ عن رمضان فلأنه لم ينو عن رمضان ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) " انتهى من "اللقاء الشهري" (52/4) .
والحاصل : أن شهر رمضان يتعين فيه صوم الفريضة خاصة ، ولا يجوز أن يصام فيه غيره ، لا تطوعا ولا نذرا ، لا للحاضر ولا للمسافر ، كما لا يجوز تشريك النية فيه ، بأن ينوي الفرض والنذر معا ؛ لأنهما عبادتان مقصودتان ، فلا يفعلان بنية واحدة .
وعلى هذا ، فلا يجوز لك أن تصوم النذر مع رمضان .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104078
العنوان:
خطر الإعجاب بين الجنسين ، وعلاجه ، وكيفية تصرف المعجَب فيه
السؤال:
عندما يُعجب شخص في شخصيتك ، وينجذب لها ، ثم يتعدى الحد المعقول ( مثل الإعجاب بين الفتيات ) في هذه الحالة ماذا علينا أن نعمل ؟ وما هي الأساليب لعلاج هذا الشخص بدون ضرر لك وله ؟ علما أن الإنسان لا يأمن نفسه من الفتنه ، وبماذا تنصحون هذا الشخص المصاب بهذه الحالة (من ناحية الدين والدنيا ) ؟ . أثابكم الله الموضوع جدّاً مهم ، رزقكم الله الفردوس الأعلى
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن الميل الفطري الطبيعي هو ميل الرجل للمرأة ، وميل المرأة للرجل ، وأما ميل الشخص لواحد من بني جنسه فهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ولا تجده حتى عند البهائم ، فهو ـ بالإضافة إلى انتكاس فطرته ـ متردٍّ إلى ما هو أسوأ حالا من البهيمية .
وقد هذَّب الإسلام الميل الفطري وجعل له نهاية شرعية وهي الزواج ، ومن لم يرض هذه النهاية الشرعية فإنه يكون مختاراً لفاحشة الزنا ، وأما العلاقة المنحرفة من ميل الفتاة لمثيلتها ، والرجل للرجل : فهو شذوذ ، وانحراف عن الفطرة السليمة الصحيحة ، وتنتهي تلك العلاقات الآثمة بما هو أقبح من الزنا وهو اللواط بين الذكور ، وتنتهي علاقات النساء غير السوية بالسحاق ، وهو من المحرمات أيضاً .(/1)
وتبدأ العلاقة الآثمة بين أفراد الجنسين بما يسمَّى " الإعجاب " ، وهو مرض خطير تفشى في المجتمعات ؛ نتيجة للفراغ الإيماني ، والعلمي ، ونتيجة لتقليد المجتمعات الكافرة المنتكسة في فطرتها ، ويتطور هذا الإعجاب حتى يصير " عشقاً " لا تستطيع الفتاة التخلي عن رؤية عشيقتها ، وإن لم تتمكن فتسمع صوتها ، أو ترى صورتها ، ثم تنتهي تلك العلاقة الآثمة بالسحاق المحرَّم ، ولا ترى تلك الشاذات في الرجل ما تراه في تلك العشيقة من إطفاء الشهوة ، وملء القلب بعاطفة الحب ، وقل الأمر ذاته في العلاقات الآثمة بين الذكور ، فالعشق بينهما يصل لشغاف القلب ، حتى لا يرى في الدنيا غيرَه ، ولو طلب المعشوق من عاشقه السجود له لفعل ! نسأل الله الستر والسلامة . وتنتهي تلك العلاقة الآثمة بالفاحشة الشنيعة وهي اللواط ، ولا يُرى في أولئك الشاذين ميلٌ لامرأة ، ولو كانت من أجمل النساء .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم المساحقة والاستمناء ؟ .
فأجابوا :
المساحقة بين النساء حرام ، بل كبيرة من كبائر الذنوب لكونها عملا يخالف قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) المؤمنون/ 5 – 7 .
وكذا الاستمناء محرم ؛ لهذه الآية الكريمة ؛ ولما فيه من الضرر العظيم .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 68 ) .
ثانياً:
مَن علم من نفسه أنه يوجد من هو معجب فيه من المقربين منه أن يبادر لعلاجه بالحكمة ، ولا نعني بالحكمة التساهل معه في النظر والزيارة والملامسة ، فهذا مما يزيد في مرضه ، وبالتالي يزيد في ألمه ، بل الحكمة تعني تقديم العلاج المناسب بالطريقة المناسبة ، ومن ذلك :(/2)
1. تقوية جانب الإيمان فيه ، من خلال حثه على الطاعات ، واجتناب المنكرات .
2. غرس حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلبه .
3. تعليمه معاني الحب في الله ، وأن ميزانه هو إيمان المحبوب بربه وفعله للطاعات ، لا لهيئته ، ولا لصورته ، ولا لجاهه .
4. عدم فسح المجال له بالاتصال المتكرر ، ولا بالزيارة المستمرة ، والتبيين له بأن العلاقة شرعية فإذا تعدت حدودها حرمت ، ووجب قطعها .
5. عدم تمكينه عند اللقاء من مداومة النظر ، أو العناق ، أو التقبيل .
6. تكليفه بمهام علمية ودعوية ، كتجميع أدلة مسألة ، أو تلخيص كتاب ،أو سماع أشرطة ، وكذا القيام بأعمال دعوية كدعوة الناس ، وتوزيع كتيبات وأشرطة ، وغير ذلك مما فيه إشغال وقته بما يفيده من الطاعات والمباحات .
ثالثاً:
والمسلم إذا رأى من نفسه إعجاباً بغيره ، وخشي أن يكون هذا من خطوات الشيطان : فليسارع للتخلص منه ، وليبادر لعلاج نفسه ، قبل أن يستفحل أمره ويصل للعشق المحرم ، وإذا أراد التخلص من ذلك فعليه بفعل أمور ، منها :
1. أن يعلق قلبه بربه تعالى ، فهو المنعم والمتفضل عليه بالنعم الجليلة ، فليوجه حبَّ قلبه للخالق عز وجل .
2. أن يقطع صلته بكل من يرى نفسه قد تعلق به ، فلا يداوم على سماع صوته ، ولا رؤية صورته ، وليحرص على عدم لقائه ، ولو كان المحبوب معلِّماً أو مربيّاً أو رحماً ، وهذا من خير ما يعالج به نفسه ويداويها به .
3. أن يداوم النظر في سير الصالحين والعلماء والمجاهدين ، ليعلم موقعه من أولئك الذين قدَّموا أوقاتهم وأنفسهم في سبيل عز الإسلام والمسلمين ، وهو منشغل بنظر في صورة محبوبه ، أو التلذذ بسماع صوته ، أو التمايل بقراءة كلماته ، وهذا مما لا يليق بالمسلمين فعله ولو لمرة واحدة ، فكيف أن تكون تلك هي حياته !
4. وينبغي له كذلك أن يقف على الآثار الخطيرة والعظيمة لهذين المرضين المهلكين وهما الإعجاب المحرَّم ، والعشق المتلف ، ومن هذه الأضرار :(/3)
1. انصراف الإنسان عن ربه وخالقه إلى مخلوق ضعيف يضره ولا ينفعه .
2. جلب الهم ، والغم ، والحُزن ، والولَه ، والكآبة في الدنيا ، والعذاب في الآخرة .
3. ومن الأضرار : تخيل صور من الحرام مع محبوبه ومعشوقه ، كالنظر ، واللمس ، والتقبيل بشهوة ، وربما يوصل ذلك المرأة إلى السحاق ، والرجل إلى اللواط لتحقيق تلك الصور من عالم الخيال في عالم الوجود .
4. ومن الأضرار : تلوث الفطرة السليمة بضعف الرغبة الجنسية الطبيعية ، مما يؤدي هذا إلى فشل المرأة في علاقتها مع زوجها ، ورغبتها لما اعتادته من الحرام ، وكذا بالنسبة للرجل .
رابعاً:
العلاقة بين المسلمين يجب أن يكون مبناها على الشرع ، وتأسيسها على التقوى ، ومن التقى بغيره في الدنيا على معصية : انقلبت علاقتهما يوم القيامة إلى عداوة .
قال الله عز وجل : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف/ 67 .
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
يقول تعالى ذكره : المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا ، بعضهم لبعض عدوّ ، يتبرأ بعضهم من بعض ، إلا الذين كانوا تخالّوا فيها على تقوى الله .
" تفسير الطبري " ( 21 / 637 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله – :
أي : كل صداقة وصحابة لغير الله : فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة ، إلا ما كان لله عز وجل ، فإنه دائم بدوامه .
" تفسير ابن كثير " ( 7 / 237 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فالمُخَالّة - أي : الصداقة والمحبة - إذا كانت على غير مصلحة الاثنين : كانت عاقبتها عداوة ، وإنما تكون على مصلحتهما : إذا كانت في ذات الله ، فكلٌّ منهما وإن بذل للآخر إعانة على ما يطلبه ، واستعان به بإذنه فيما يطلبه : فهذا التراضي لا اعتبار به ، بل يعود تباغضاً ، وتعادياً ، وتلاعناً ، وكل منهما يقول للآخر : لولا أنت ما فعلت أنا وحدي هذا ، فَهَلاكِي كان مني ومنك .(/4)
والرب لا يمنعهما من التباغض والتعادي والتلاعن ، فلو كان أحدهما ظالماً للآخر فيه : لنُهيَ عن ذلك ، ويقول كل منهما للآخر : أنت لأجل غرضك أوقعتني في هذا ، كالزانيين كل منهما يقول للآخر : لأجل غرضك فعلتَ معي هذا ، ولو امتنعتَ لم أفعل أنا هذا ، لكن كل منهما له على الآخر مثل ما للآخر عليه ، فتعادلا .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 129 ) .
وباب التوبة مفتوح لمن أراد ولوجه ، والنعيم بالإيمان والطاعة موجود لمن رغب بالدخول في ناديه ، والله تعالى يغفر الذنب ، ويقبل التوب ، ويبدل السيئات حسنات ، قال تعالى : ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 70 ، وقال سبحانه : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/ 82 .
وللمزيد من الفائدة : تنظر : أجوبة الأسئلة : ( 10050 ) وفيه بيان لماذا حرَّم الإسلام السحاق واللواط ، و ( 21058 ) وفيه بيان : عقوبة السحاق ، و ( 60351 ) و ( 36837 ) وفيهما التعليق على ظاهرة التقبيل اليومي والتقبيل على الفم بين طالبات المدارس ، و ( 591 ) وفيه بيان حكم حب المرأة للمرأة لدرجة عدم القدرة على الفراق .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
104107
العنوان:
سلم قبل تمام الصلاة سهوا وشرع في صلاة أخرى
السؤال:
سلَّمت سهواً بعد الركعة الثانية من الرباعية ثم كبَّرت مباشرة للراتبة وحينها أدركت أنني لم أتم الفريضة, في ذلك الوقت نويت الفريضة التي لم أتمها والنافلة التي بعدها صلاتَي تطوع وأعدت الفريضة والراتبة. ما هو الحل في مثل تلكم الحالة فيما لو تكررت مستقبلاً ؟
الجواب:
الحمد لله
من نسي وسلّم قبل تمام صلاته ثم ذكر قريبا فإنه يعود فيتم صلاته ويسجد للسهو ؛ لما روى البخاري (1227) ومسلم (573) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ (يعني من ركعتين) ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ : الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
وإن شرع في صلاة النافلة ، ثم تذكر أنه لم يتم الفريضة قطع النافلة ، وأتم فريضته وسجد للسهو .
قال ابن قدامة في "المغني" (1/373) : "من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طولِ الفصل ونقضِ وضوئه , فعليه أن يأتي بما بقي , ثم يتشهد ويسلم , ثم يسجد سجدتي السهو... فإن طال الفصل , أو انتقض وضوؤه استأنف الصلاة ( أي أعادها من جديد) .......
فإن لم يذكر حتى شرع في صلاة أخرى ، نظرت فإن كان ما عمل في الثانية قليلا , ولم يطل الفصل , عاد إلى الأولى فأتمها . وإن طال بطلت الأولى . وهذا مذهب الشافعي " انتهى .
وقال في "كشاف القناع" (1/400) : " وإن لم يذكر من سلّم قبل إتمام صلاته حتى شرع في صلاةٍ غيرها قطعها مع قرب الفصل ، وعاد إلى الأولى فأتمها ؛ لتحصل له الموالاة بين أركانها ، ثم سجد للسهو " انتهى .(/1)
وطول الفصل وقصره ليس له حد معين ، فيرجع فيه إلى العرف والعادة .
وأما جعل الفريضة الأولى (الناقصة) تطوعا ، فهذا لا يصح ؛ لأن الأعمال بالنيات ، وقد صليتها بنية الفرض ، وخرجت منها كذلك . وحيث إنك أعدت الفريضة بعد ذلك ، فقد أديت ما عليك ، وكان الأولى لك : أن تقطعي النافلة وتعودي إلى الفريضة فتكمليها ثم تسجدي سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة ثم تصلي النافلة بعد ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104111
العنوان:
الصلاة خلف من يكتب التمائم
السؤال:
هل تجوز الصلاة خلف إمام يكتب التمائم التي يعتقد بعض الناس أنها تنجي من السحر والعين؟ إذا كانت لا تجوز فما العمل ؟ مع العلم أننا نسكن في قرية لا تحتوي إلا على مسجد واحد ، الذي يؤمه هذا الإمام ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ ) رواه أحمد (17440) و حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ ) رواه أحمد والحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6394
والتمائم إذا كانت من القرآن ، فهي مما اختلف فيه العلماء ، والراجح المنع ؛ لعموم الأدلة ، وسدا للذريعة ، ولما في ذلك من الامتهان غالبا ، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها ، ويدخل بها الخلاء ، ونحو ذلك .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن ، واختلفوا إذا كانت من القرآن ، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها ، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى .
وينظر : سؤال رقم (10543) ورقم (20349) .
ثانيا :
إذا كانت التمائم التي يكتبها هذا الإمام مشتملة على أمور شركية ، كسؤال غير الله تعالى من الجن أو الملائكة أو الصالحين ، أو كان هذا الإمام ممن يمارس هذا النوع من الشرك ، أو يدعي علم الغيب ، فلا تجوز الصلاة خلفه ، وأما إن خلت من الشرك ، وكان هو من أهل التوحيد ، فالصلاة خلفه صحيحة ، ويجب نصحه بكل حال ؛ لأن التمائم محرمة بجميع أنواعها كما سبق .(/1)
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الصلاة خلف من يكتب التمائم للناس فأجابت : " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة ، ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها ، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية ، فلا يصلى خلف الذي يكتبها ، ويجب أن يبين له أن هذا شرك ، والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن الصلاة خلف من يكتب التمائم ، فأجاب : " وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل : فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم ، لأنها شرك ، وهذا لا يصلى خلفه ، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة ، فهذه محل خلاف بين أهل العلم ، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط ؛ لأنه في فتح الباب لكتابتها وتعليقها وسيلة إلى التمائم المحرمة ، ولأنه في كتابة القرآن الكريم على صفة تمائم وحروز في ذلك تعريض لإهانته ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله بها ، لكن لا بأس بالصلاة خلف من يكتبها .
فالحاصل أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية أو بأسماء مجهولة أو بدعاء لغير الله أو استنجاد بالشياطين والمخلوقين والجن ، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها والذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا، أما إذا كانت من القرآن الكريم فالأحوط تجنبها وتركها وعدم استعمالها " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : " هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال ، علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن ؟ وجهونا جزاكم الله خيرا .(/2)
فأجاب : إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات ، فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه ؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية , يقول جل وعلا : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) [النمل/65] وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) الآية من سورة البقرة/102 . أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطا للدين وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه .
أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة ، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم . أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلى خلفه ؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها . ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104148
العنوان:
تم عقد الزواج في المحكمة دون حضور ولي المرأة وعلى المذهب الحنفي !
السؤال:
أنا من العراق ، وتزوجت قبل 6 سنوات ، وعندي طفل ، وفي العراق عقد النكاح يتم في المحكمة ، وعلى المذهب الحنفي ، وعند العقد كان والدها حاضراً ، ولكن لا يجوز أن يدخل على القاضي سوى أنا ، وهي ، ولكن والدها وقَّع في الأوراق كشاهد مع والدي ، فهل زواجنا صحيح أم باطل ؟ وهل عليَّ فعل شيء ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
جزاك الله خيراً على حرصك ، وتحريك عن أمور دينك ، وعتبنا عليك أن ذلك جاء متأخراً ! فمن المفترض أن يكون سؤالك بعد الحدث مباشرة دون تأخير ، ولكن لعلك لم تكن تعلم خطأ عقد النكاح بتلك الطريقة.
ثانياً:
تعقد بعض الدول عقود النكاح في محاكمها الشرعية وفق الأحكام في المذهب الحنفي ، وتجد ( المأذون ) يجهر بأن عقد التزويج على الكتاب والسنَّة ومذهب الإمام أبي حنيفة ! وهذا مخالف للشرع ، ولا ينبغي اعتماد مذهب بعينه في عبادة المسلم ومعاملاته ، ولا ينبغي للدول فعل ذلك ، فقد يكون في هذا المذهب ما هو مخالف للشرع ، وقد يوجد ما هو أصوب منه ، فكيف يُعتمد مذهبٌ بعينه في أمور المعاملات كلها ؟! ومن أسهل الطرق في الرد على من يتمسك بعقد النكاح بهذه الطريقة ، أن يقال لهم : كيف كانت تعقد الأنكحة قبل الإمام أبي حنيفة رحمه الله ؟!
والعاقل يعلم أن هذه العبارة عبارة باطلة ، ويعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يتزوج أحد منهم بهذه العبارة ، ويعلم أن الأئمة لم يتزوجوا كذلك ، ومنهم الإمام أبو حنيفة نفسه ! بل ما عُرف ذلك إلا من المتعصبة ، والذين بلغ ببعضهم التعصب أن زعم أن عيسى عليه السلام عندما ينزل سيحكم بالمذهب الحنفي !
والمذهب الحنفي لا يَشترط الولي في عقد النكاح ، فيجوز عندهم أن تزوِّج المرأة نفسها بنفسها ، وهذا مخالف للقرآن والسنَّة الصحيحة .(/1)
وإذا تمَّ عقد زواج المرأة بدون وليها فنكاحها باطل – وانظر جواب السؤال ( 7989 ) . وفي غالب الأحيان يتم عقد الزوجية قبل ذهاب العروسين للمحكمة ، فيطلب الرجلُ المرأةَ من وليها ، وتتم الموافقة ، وتحديد المهر ، ويتم العقد في حضور بعض أفراد الأسرتين ، ثم يتم توثيق ذلك في المحكمة الشرعية ، أو غيرها ، فيكون دور المحكمة أو المأذون هو التوثيق فقط ، وهذا لا بأس به .
لكن . . نظرا لاختلاف العلماء في صحة هذا العقد ، فإنه إذا حكم به الحاكم لم ينقض حكمه ، ويقال حينئذ بصحته ، حتى لا يقع اضطراب بين الناس .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/346) عن العقد بدون ولي :
"فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم , أو كان المتولي لعقده حاكما , لم يجز نقضه ، وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة . وذهب بعض العلماء إلى أنه ينقض ، لأنه خالف نصا . والأول أولى ; لأنها مسألة مختلف فيها , ويسوغ فيها الاجتهاد" انتهى بتصرف .
وإذا أردت الاحتياط ، فعليك أن تطلب من أبيها أن يعيد العقد مرة أخرى ، فيقول لك : زوجتك ابنتي . وتقول : قبلت ، ويُكتفى بما سبق من التوثيق . هذا هو الأولى والذي يقتضيه الاحتياط لعقد النكاح ، حتى يكون العقد صحيحا بلا شبهة .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104163
العنوان:
المقصود بالذكر والدعاء دبر الصلاة
السؤال:
ما معنى دبر كل صلاة ؟ هل معناه قبل السلام من الصلاة أم بعده ؟ وهل يسن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
دبر الصلاة : عقبها وخلفها ، أو آخرها .
وقد ورد الترغيب في الذكر والدعاء دبر الصلوات في عدة أحاديث ، منها :
1- ما رواه البخاري (6330) ومسلم (594) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) .
2- وروى البخاري (6329) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ . قَالَ : كَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا ، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا ، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ ، قَالَ أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ ، وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ ، تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا ، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا ، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا ) .
وللبخاري (843) : (تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ).
ولمسلم (595) : ( تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً ).(/1)
3- وروى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ : ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً ، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً ) .
والمراد بدبر الصلاة في هذه الأحاديث : عقب الصلاة وخلفها ، أي : بعد السلام ، كما جاء مصرحا به في بعض الروايات ، وكذلك ما جاء في قراءة آية الكرسي والمعوذات دبر الصلاة ، فإن المراد بذلك بعد السلام .
4- وروى أبو داود (1522) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ : (يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
ورواه النسائي (1303) بلفظ : ( فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
والمراد بدبر الصلاة هنا : آخر الصلاة قبل التسليم ؛ لأن "دبر الشيء" يكون منه ، ويتأكد هذا بقوله في رواية النسائي : (في كل صلاة) .
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/294) : " ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده ، وكان شيخنا [أي ابن تيمية] يرجح أن يكون قبل السلام ، فراجعته فيه ، فقال : دبر كل شئ منه كدبر الحيوان " انتهى .(/2)
5- وروى الترمذي (3499) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : ( جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ) والحديث حسنه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي .
والظاهر أن المراد بدبر الصلاة هنا : قبل السلام .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "والظاهر أن المراد بدبر الصلوات المكتوبة في حديث أبي أمامة "إن صح" آخر الصلاة" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/268) .
وقد ذكر أهل العلم في ذلك : أن ما ورد في النصوص مقيداً بدبر الصلاة ، فإن كان ذِكْراً (كالتسبيح والتحميد والتكبير وقراءة آية الكرسي والمعوذات) فالمراد بدبر الصلاة هنا : بعدها.
وإن كان دعاءً ، فالمراد بدبر الصلاة : آخرها ، أي قبل التسليم .
إلا إذا جاء ما يدل على أن هذا الدعاء المعين يقال بعد التسليم ، كقوله صلى الله عليه وسلم (استغفر الله ثلاثاً) ، فهذا دعاء ولكن دلت السنة على أنه يقال بعد السلام .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
ما المراد بدبر الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الحث على الدعاء أو الذكر دبر كل صلاة ؟ هل هو آخر الصلاة أو بعد السلام ؟
فأجاب
"دبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام ، ويطلق على ما بعد السلام مباشرة ، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك ، وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعاء، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه لما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد ، ثم قال : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) وفي لفظ : (ثم ليتخير بعد المسألة ما شاء) . متفق على صحته .
ومن ذلك : حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح .(/3)
ومن ذلك : ما رواه البخاري رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة : (اللهم إني أعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، ومن عذاب القبر) .
أما الأذكار الواردة في ذلك ، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ذلك في دبر الصلاة بعد السلام . ومن ذلك أن يقول حين يُسلم : أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً ثم ينصرف الإمام بعد ذلك إلى المأمومين ويعطيهم وجهه ، ويقول الإمام والمأموم والمنفرد بعد هذا الذكر والاستغفار : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله . لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن . لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد .(/4)
ويستحب أن يقول المسلم والمسلمة هذا الذكر بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثم يُسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثاً وثلاثين ثم يقول تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وهذا كله قد ثبتت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويُستحب أن يقرأ بعد ذلك آية الكرسي مرة واحدة سراً ، ويقرأ : (قل هو الله أحد) والمعوذتين بعد كل صلاة سراً مرة واحدة ، إلا في المغرب والفجر فيُستحب له أن يكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات ، ويُستحب أيضاً للمسلم والمسلمة بعد صلاة المغرب والفجر أن يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث . عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/194) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"والمتأمل في هذه المسألة يتبن له : أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها ، وإن كان دعاء فهو في آخرها .
أما الأول : فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر ، فقال تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) النساء/103 ، وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين). فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة .(/5)
وأما الثاني : فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد التشهد الأخير محلا للدعاء ، فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها ، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء فيه ، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعاً ، أو بعيداً بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/268) .
ثانيا :
لا يشرع رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة ؛ لعدم ورود ذلك عنه صلى الله عليه وسلم .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/103) : " ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي ، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده ، أو منهما جميعا ، بل ذلك بدعة ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به ، لورود بعض الأحاديث في ذلك " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (21976) ورقم (7886)
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
104164
العنوان:
هل يجوز إتيان الزوجة في حملها ؟ وهل له فوائد أو مضار ؟
السؤال:
ما هي الوصايا والإرشادات التي تخص إتيان الزوجة وهي حامل في الشهر التاسع ؟ وهل الجماع خلال هذه الفترة مكروه ، أو فيه ضرر عليها ، أو يؤدي إلى الإسراع في إنجاب الطفل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
يجوز الاستمتاع بالزوجة على كل الأحوال ، وفي كل الأوقات ، إلا ما نهى الشرع عنه ، من الإتيان في الدبر ، أو وقت الحيض ، والنفاس .
أما الحامل : فليس هناك دليل يحرم جماعها إلا إذا خيف الضرر على الجنين ، ويقدر ذلك الطبيبة المتمرسة في مهنتها .
قال الله تبارك وتعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة/ 223 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
قال ابن عباس : الحرث موضع الولد .
( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أي : كيف شئْتم ، مقبلة ومدبرة في صِمام واحد ، كما ثبتت بذلك الأحاديث .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 588 ) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
متى يجب على الرجل أن يتجنب الجماع مع زوجته خلال فترة الحمل ؟ وهل الجماع ـ خاصة خلال الثلاثة الأشهر الأولى من الحمل ـ يؤدي إلى ضرر بالجنين ؟
فأجابوا :
"لا بأس بجماع الحامل ما لم يكن فيه ضرر على الحمل ، وإنما الممنوع جماع الحائض ؛ لقوله تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) البقرة/ 222 .
ومثلها النفساء حتى تطهر من النفاس ، والمحرمة بحج أو عمرة" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 19 / 353 ) .
وسئل الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله عن جماع الحامل .
فأجاب :(/1)
"ليس في الشريعة الإسلامية نهي عن جماع الرجل زوجته الحامل ، وإنما النهي خاص بجماع المرأة الحائض أو النفساء ، وأما إذا قرر الأطباء لامرأة معينة لظروفها الصحية أن جماع زوجها يضر بها : فهذه حالة خاصة لا يقاس عليها" انتهى .
" فتاوى وبحوث الشيخ عبد الله بن منيع " ( 4 / 228 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 21725 ) .
ثانياً :
وأما أن الجماع في الشهر الأخير من حملها يضر الزوجة : فهذا يُرجع فيه لأهل الاختصاص ، وهو يختلف باختلاف طبيعة المرأة ، وحملها ، والآثار الناشئة عن الحمل ، وأما من حيث الأصل : فلا ضرر على المرأة ولا على الجنين من الجماع في الحمل ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم شبَّه الجنين بالزرع ، ومني الرجل بالماء الذي يسقي هذا الزرع ، وهذا يدل على استفادة الجنين من ماء الرجل ، مما يعني فائدة الجماع والإنزال في رحم الزوجة الحامل.
قال ابن القيم رحمه الله :
"قال الإمام أحمد : الوطء يزيد في سمعه وبصره ".
" زاد المعاد " ( 5 / 140 ) .
وأما بخصوص أنه يسرِّع في إنجاب الطفل : فهذا قول بعيد عن الصحة ، إلا إن كان الجماع عنيفاً ، والرحم ضعيفاً ، هكذا يقول أهل الاختصاص .
وعلى الزوج أن يراعي نفسية زوجته الحامل ، وتعبها ، وخاصة في الأيام الأخيرة ، وعليه أن يختار الوضعية المناسبة للجماع حتى لا تتضرر الزوجة ، ويتضرر جنينها .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104165
العنوان:
والداها يرفضان لبسها للنقاب بحجة أنها صغيرة
السؤال:
أنا طالبة لدي 14 سنة ، وفي الصف الثاني الثانوي إن شاء الله ولكنني ، أرتدي حجابا بحيث يستر جسدي كله ، وفضفاض ولأغطي باللحاف أو الخمار كل صدري ونحري ولكن لا ينكشف مني إلا الوجه والكفان تطبيقا لما قاله بعض العلماء من أنهما ليسا بعورة بسبب هذه الإشكالية التي وقعت بين العلماء على قضية الحجاب ولكنني أحاول جاهدة أن أفعل أحسن من ذلك فحاولت تكرارا ومرارا أن أقنع أبي وأمي بأن أرتدي النقاب ولكن دون جدوى فهم يقولون لي بأنني مازلت صغيرة ولم أبلغ إلا من سنتين فقط فماذا أفعل هل أطيعهما وهما يتحملان وزري وإثمي وذنبي ويحملانه أمام الله وأنا لا إثم علي أم أعصيهما تقربا لله علما بأنني إذا فعلت ذلك قد يحدث لي العديد من المشكلات التي لا حصر لها معها وما يترتب عليه من غضب من قبلهما نحوي وأنت تعلم يا سماحة الشيخ فماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ستر المرأة وجهها عن الأجانب ، واجب ، في أصح قولي العلماء ، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774) .
ثانيا :
لا يجوز للفتاة أن تطيع والدها أو أمها في ترك ستر الوجه ، وقد اقتنعت بوجوب ستره ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
كما لا يجوز للأب أن يأمر ابنته بكشف الوجه ، ولو كان يرى أن النقاب مستحب ، لأنها مكلفة بما علمت واقتنعت ، وستسأل عن ذلك ، لا عن قناعة والدها ورأيه ، فحيث تركت النقاب كانت عاصية لربها ، فماذا يفيدها طاعتها لأبيها حينئذ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري (7257) ومسلم(1840) .
ثالثا :(/1)
ينبغي أن تجتهدي في نصح والديك ، وإقناعهما بأن لك الحرية في اختيار القول الذي ترينه صوابا ، سواء بمعرفة أدلته ، أو بتقليد من وثقت به من أهل العلم ، وأنه لا يجوز لك شرعا أن تدعي هذا القول لكونه يخالف رأي أبيك أو أمك ، وأن تركك لستر الوجه يعني الوقوع في الإثم والمعصية . سواء تركته مرة أو مرتين أو أكثر ، فكلما خرجت أمام الأجانب كاشفة ، أثمت بذلك .
ولعله قد ظهر لك من هذا الجواب أن المسألة ليست في إقناع والديك بوجوب النقاب ، فهذا قد يتحقق وقد لا يتحقق بناء على وضوح الأدلة وخفائها ، وسُبل الإقناع بها ، لكن المسألة التي ينبغي التركيز عليها هي أن الفتاة المكلفة لا يلزمها اتباع رأي أبيها ، ولا يجوز لها أن تدع ما اقتنعت به لأجل رأيه وقناعته ، ولا يجوز له أن يلزمها برأيه .
ولأن المسألة خلافية ، والخلاف فيها معتبر بين أهل العلم ، فالواجب في مثل ذلك الترفق في الحديث مع الوالدين فيها ، والصبر عليهما ، وعدم حمل أمرهما على الإثم ومعصية الله عز وجل ، أو الرغبة عن شرعه ، فربما كانا مقتنعين بعدم الوجوب ، كما أنك مقتنعة بالوجوب ، ولأن من حقهما رعايتك وتربيتك ، فهما يريان منعك من أمر ليس واجبا : من حقهما .
والذي يظهر من سؤالك أن والديك لا يعترضان على أصل ستر الوجه ، ولكن ينظران إلى صغر سنك ، وهذا مما يسهل السبيل لإقناعهما ، فإنه إن كان ستر الوجه واجبا ، فإن الفتاة البالغة مطالبة به ، وتأثم بمخالفته ، ولا فرق بين أن يكون عمرها 14 سنة أو 20 سنة .
وأما المشاكل المتوقعة من إصرارك على رأيك ومخالفتك لوالديك ، فهي مشاكل معتادة ، تزول بمرور الوقت واعتياد الوالدين على رؤية النقاب ، والأمر يحتاج إلى صبر وتضحية ، وحسب المؤمنة أن يرضى عنها ربها وإن سخط الناس .(/2)
وبعض الآباء يخافون من ارتداء بناتهم النقاب في سن مبكرة ، خشية أن ينفروا منه بعد ذلك ويضطروا لخلعه ، ولهذا نقول : أظهري مدى قناعتك بالنقاب ، ورغبتك في ارتدائه ، وتمسكك به ، وبددي تلك المخاوف . وبعضهم يخاف عليها من أنها إن انتقبت لم يرها أحد كما ينبغي ، مما يؤثر على زواجها فيما بعد .
والخلاصة : أن الذي ننصحك به في هذه المشكلة : أن تتأني في التعامل مع والديك ، وأن توسطي من يقنعهما بذلك إن تيسر لك ، وتقدمي لهما بعض الأشرطة لأهل العلم الذين يبحثون ذلك ، ويقررون فيه ما تعتقدينه من الوجوب ، بشرط أن يكون محل ثقة عند والديك ، وإن غلب على ظنك أن مشاكل لبس النقاب ، مع أسرتك ، أكثر مما تحتملينه ، فبإمكانك تأخير اللبس قليلا حتى يقتنعا ، أو تخف حدة توترهما ، مع التقليل من خروجك خارج البيت ، والاختلاط بالأجانب لأقصى ما يمكن ، وإن استطعت أن تلبسيه في الشارع ، حيث لا يريانك ، فهو طيب إن شاء الله .(/3)
رقم السؤال:
104166
العنوان:
هل إنفاقه على زوجته القريبة يعتبر برا وإحسانا إلى أهلها؟
السؤال:
أنا متزوج من ابنة خالتي فهل يعتبر إنفاقي عليها صدقة وصلة وتعتبر حسن معاملتي لها براً بأمي وخالتي ؟
الجواب:
الحمد لله
نفقة الزوج على زوجته منها ما هو واجب ، ومنها ما هو صدقة ومعروف وإحسان ، وإذا كانت الزوجة قريبة له كبنت خالته ، فلا شك أن الإحسان إليها يعتبر إحسانا إلى أمها ، وإلى أم الزوج أيضا .
والنفقة الواجبة تتعلق بالسكنى والطعام والكسوة ، كما قال الله تعالى : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) الطلاق/6، وقال تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/233 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : ( وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم (1218).
والرجل يثاب على نفقته على زوجته ، كما روى البخاري (1295) ومسلم (1628) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : (إِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك ) أَيْ : فِي فَمِهَا .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " َفِيهِ : أَنَّ الْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال يُثَاب عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى" انتهى .
وروى البخاري ( 55 ) ومسلم ( 1002) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً ).(/1)
وروى مُسْلِمٍ (994 ) عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : بَدَأَ بِالْعِيَالِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللَّهُ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ .
فما ينفقه الرجل على زوجته وعياله ، له أجره عند الله ، بشرط أن يحتسب ذلك ، فينوي التقرب إلى الله تعالى بأداء الواجب ، أو إدخال السرور عليهم ، أو البر والإحسان إلى قرابته.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104172
العنوان:
لم يستطع الوضوء والتيمم في المستشفى فصلى على حاله
السؤال:
ذهبت للمستشفى ومكثت هناك ثلاثة أيام لم أستطع فيها الوضوء للصلاة أحضرت حجرا وتيممت ولكن صلاة الفجر لم أستطع التيمم وأنا في الأصل مقعد حركيا لا أستطيع الحركة إلا بمساعدة وأحببت ألا أضيع علي صلاة الفجر فتخيلت نفسي أتيمم وصليت الفجر ، وأيضا لم أكن مستقبل القبلة ، هل عملي هذا جائز أم لا ؟ وهل علي قضاء ؟
الجواب:
الحمد لله
المريض إذا لم يستطع أن يتوضأ ، ولم يجد من يوضئه ، فإنه يتيمم ، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليه غبار ، أو يحمل معه ترابا في إناء أو كيس يتيمم به ، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله .
وكذلك الحال بالنسبة لاستقبال القبلة ، فإن استطاع ذلك لزمه ، وإن عجز عنه صلى على حاله ، لقول الله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة/286.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا ؟
فأجاب : " الجدار من الصعيد الطيب . فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين - ، فإنه يجوز التيمم عليه ، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو ( بالبوية ) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج ، ويكون كالذي يتمم على الأرض ؛ لأن التراب من مادة الأرض ، أما إذا لم يكن عليه تراب ، فإنه ليس من الصعيد في شيء ، فلا يتيمم عليه .
وبالنسبة للفرش نقول : إن كان فيها غبار فليتيمم عليها ، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد" انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : إني طريح الفراش ولا أقوى على الحركة فكيف أقوم بعملية الطهارة لأداء الصلاة وكيف أصلي ؟(/1)
فأجابت : "أولا: بالنسبة للطهارة يجب على المسلم أن يتطهر بالماء ، فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة وصلى حسب حاله ، قال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وقال جل ذكره : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، أما ما يتعلق بالخارج من البول والغائط فيكفي فيه الاستجمار بحجر أو مناديل طاهرة يمسح بها محل الخارج ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل .
ثانيا:
بالنسبة للصلاة فإن الواجب على المريض الصلاة قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، لما ثبت عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب . وقوله جل وعلا : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم)" انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 78 .
فإذا كنتِ قد صليت الفجر ، من غير وضوء ولا تيمم ، وبدون استقبال القبلة ، لعجزك عن ذلك ، وعدم وجود من يوضؤك ، أو ييممك ، ومن يوجهك للقبلة ، فصلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها ، كما لا يلزمك تخيل التيمم ، بل هذا لا يشرع ولا يفيد .
وإن كان يمكنك التيمم ، أو الوضوء أو الاستقبال بمساعدة غيرك ، لكنك فرطت في طلب المساعدة ، فقد قصرت في تحصيل الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة ، وعليك إعادة ما صليته من غير طهارة أو استقبال للقبلة .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104174
العنوان:
هل القراءة واستماع الشروح طريقة صحيحة في طلب العلم ؟
السؤال:
أنا طريقتي في طلب العلم أقرأ الكتب العلمية في العقيدة وغيرها من الاستماع للشروحات في المسجل ، للشيخ العثيمين رحمه الله ، فهل تعد هذه الطريقة صحيحة في الطلب ؟ وهل أقول أن الشيخ العثيمين أو غيره من المشائخ ( شيخي ) إذا كنت لم أثن الركب عنده ، ولم أحضر مسجده ، أي أنني تابعته في الأشرطة فقط ؟ وجزاكم الله خيراً كثيراً ، وبارك الله فيكم وفي علمكم ..
الجواب:
الحمد لله
أولا :
العلم الشرعي يقوم على ثلاثة أركان :
1- الحفظ : وأعني به حفظ ما يتيسر من : النصوص القرآنية والنبوية والأفكار والمعلومات والمتون العلمية .
2- الفهم : فهم المسائل الكلية والجزئية ومعرفة تعليلها وتفسيرها .
3- التحليل والاستنتاج والابتكار : بناء على الربط بين النصوص ، وفهم المقاصد الشرعية والقواعد الكلية في أنواع العلوم الشرعية .(/1)
وأما القراءة وحضور الدروس واستماع المحاضرات المسجلة وسؤال أهل العلم ما هي إلا وسائل لتحصيل هذه الأركان ، وكلما تنوعت هذه الوسائل تحققت النتيجة الأفضل ، ولا شك أنها جميعها وسائل مهمة ، إلا أنَّ مَن لم تتيسر له جميعها فلا يعدم أن يجتهد في المتيسر منها ، خاصة أن القراءة وسيلة سهلة ميسورة اليوم ، وهي أفضلها وأجمعها على الإطلاق ، فمن اجتهد فيها وفي استماع المحاضرات فقد حصَّل خيرا كثيرا ، بشرط أن يلتفت إلى أركان العلم الثلاثة المذكورة فيسعى في تنميتها وتطويرها في نفسه من خلال القراءة ، فلا يجعل القراءة غاية ، بل هي وسيلة لتحصيل تلك الأركان ، وذلك يعني العناية التامة بحفظ المهم من المقروء ومراجعته بين الحين والآخر ، وفهمه الفهم الحسن على وجهه ، مع محاولة مناقشة وجهه وتفسيره ونقده إن أمكن ، فإذا تعود القارئ على هذا النوع من القراءة حصل الفائدة المرجوة ، وإلا لم يَجنِ مِن قراءته إلا الثقافة العامة والاطلاع العام .
ثانيا :
استماع المحاضرات المسجلة أيضا من الوسائل المفيدة في تحصيل العلم الشرعي ، وتعويض العجز عن السفر والرحلة للقاء العلماء والمشايخ ، بل وتوفير الوقت والجهد والمال ، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة التي قد سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (89575)
يقول الشيخ عبد العزيز السدحان في "معالم في طريق طلب العلم" (41-42) :
" الأشرطة السمعية : هي والله نعمة ، لكن كثيرا منا فرط فيها ، وسبب التفريط في هذه النعمة يعود إلى عدم الاهتمام بترتيب الوقت ، ولقد قرأت أثرا في أول الموضوع أن السلف كانوا يقولون : إن العلم يؤتى ولا يأتي ، والآن يؤتى ويأتي بواسطة هذه الأشرطة التي تعين طالب العلم ، ولقد ذكر المستمعون لها أن فيها خيرا كثيرا ، ولقد انتفعت بها واستفدت خيرا ، أقول هذا من باب التحدث بالنعمة . والصنعاني يقول في منظومته في الحج :
ومن لم يجرب ليس يعرف قدره فجرب تجد تصديق ما قد ذكرناه .(/2)
أليس من نعمة الله عليك أن يكون العلم مصاحبا لك في سيرك ، وفي اضطجاعك على فراشك ، وفي جلوسك على مائدتك ؟
وإن الواحد منا إذا أحسن انتقاء الأشرطة ، ورتب وقتا لسماعها في سيارته أو منزله لوجد في ذلك خيرا كثيرا .
وقد حدثت أن أحد الشباب الصالحين قد حفظ القرآن الكريم كله بفضل الله ، ثم بسبب هذه الأشرطة ، ويقول عن نفسه : إنه كان يستمع إلى قراءة الشيخ محمد صديق المنشاوي سنتين كاملتين ، كلما انتهى من شريط أعاده حتى أصبح القرآن سلسا على لسانه .
فلا تستبعد هذا على نفسك ، ولكن رتب وقتك ، ورتب هذه الأشرطة في أثناء سماعك لها ، ولا تدخل شريطا على آخر حتى تفرغ من الأول ، فإن لم تستفد من الشريط الأول فأعده مرة ومرتين وكرات ومرات .
وإذا أردت أن تعرف قدر الساعات التي تهدر فانظر في سيرك كم تسمع خلاله من شريط ، فإذا كان الشريط الواحد مدته ساعة أو ساعة ونصف ، فهذه أوقات تهدر لا يفطن لها الواحد منا إلا إذا نبه لها ، فرتب لنفسك وقتا تسمع فيه درسا في أثناء سيرك ، خاصة وقد تباعدت المنازل والدور ، وكثر الذهاب والإياب ، لأجل العمل والزيارات ، كزيارة رحم أو زيارة أخ في الله ، وقضاء حاجة من متطلبات المنزل وغيرها ، ثم حافظ على هذا الترتيب وسترى أنك لا تنزل من سيارتك إلا وقد سمعت من الفوائد الشيء الكثير .
ذكرت هذا لكثرتها ، ولأن فيها من العلم الشيء الكثير ، ولأن مشايخنا وكبار مشايخنا علمهم محفوظ فيها ، وتباع بأيسر الأثمان ، ويستطيع الواحد منا أن يتناولها في كل وقت .
وأعرف إخوة شغلوا عن حضور الدروس لكثرة الأعمال والأشغال ، فعوضوا هذا بالاستماع إلى الأشرطة فنفعهم الله بها " انتهى .
ثالثا :
لفظ الشيخ قد استعمله علماء الحديث ـ في هذا السياق ـ بمعنى الراوي الذي يروي الحديث لمن دونه ، فيكون هو شيخه وذاك تلميذه ، ولو سمع منه حديثا واحدا فقط .(/3)
وأطلقه كثير من العلماء المتأخرين على العالم الذي لازمه الطالب ، فأخذ عنه علمه وهديه وسمته ، وصاحبه زمانا يتحقق فيه مقصد التفقه والتعليم .
ولعل هذا الاصطلاح الأخير هو السائد في عصرنا اليوم . وبناء عليه :
فالذي يريد أن يسمي واحدا من العلماء بأنه " شيخه " ، فينسب نفسه إليه ، ينبغي أن يراعي اختلاف المدلول الذي يحمله هذا اللفظ عبر العصور ، ومراعاة ذلك تكون بالصدق وعدم الإيهام ، فلا ينبغي أن تطلق على أحد العلماء بأنه " شيخك " موهما أنك لازمته وحضرت له وأخذت عنه الشيء الكثير ، في حين أنك لم تسمع منه شيئا ، ولم تحضر دروسه إلا القليل ، وقد تكون لم تره أصلا ، فمن أوقع المستمعين في هذا الوهم يُخشى عليه أن يشملَه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ )
البخاري (5219) ومسلم (2129)
يقول النووي في "شرح مسلم" (14/110) :
" قال العلماء : معناه : المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده ، يتكثر بذلك عند الناس ، ويتزين بالباطل ، فهو مذموم " انتهى .
أما من أطلق لفظة " شيخي " – يقصد بها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مثلا – وكان المستمعون يدركون أنه إنما يعني تلمذة استماع المحاضرات والأشرطة ، وليس الحضور والملازمة الحقيقية ، فلا حرج عليه حينئذ ، فهو لم يزور الحقائق ، ولم يستكثر بما لم يعط . وقد كان الشيخ صديق حسن خان القنوجي ، المولود سنة (1248هـ) ينقل عن الإمام الشوكاني المتوفى سنة (1250هـ) ويقول : قال شيخنا . ولا يقصد به التلمذة الحقيقية ، لأن الشوكاني توفي وعمره سنتان فقط ، ولكنه أراد مشيخة القراءة والكتب ، فقد اشتغل القنوجي بكتب الشوكاني وعلومه ، وتبع منهجه فيها .
وللتوسع انظري جواب السؤال رقم : (1813) ، (10124) ، (20191) ، (22330)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
104178
العنوان:
قطع العمرة ثم أكملها بعد سنوات فماذا يلزمه تجاه المحظورات
السؤال:
قام شخص بالإحرام للعمرة لأول مرة وكان ذلك وعمره 16 سنة ثم طاف وبعد ذلك نزع الإحرام ولم يكمل عمرته ، ثم علم أنه يجب عليه أن يكمل عمرته ، وبعد هذا العلم بعدة سنوات لبس الإحرام وأكمل عمرته , السؤال : ما الذي يجب عليه الآن من حيث الكفارة وكم عددها إذا كان هناك كفارة ؟
الجواب:
الحمد لله
من أحرم بالعمرة ، لزمه إتمامها ، لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) البقرة/196 ،
ولا يملك المحرم أن يفسخ عمرته ، إلا إن كان قد اشترط وحصل له ما يمنعه من إكمال العمرة ، أو حُصر بعدو أو مرض . والاشتراط أن يقول عند إحرامه : اللهم محلِّي حيث حبستني .
ومن أحرم وطاف ، ثم رفض عمرته ، فهو باقٍ على عمرته ولا يتحلل منها إلا بإكمالها .
وإذا كان المسئول عنه قد رجع بعد علمه بوجوب إكمال العمرة ـ ولو بعد سنوات ـ ولبس إحرامه وأكمل عمرته ، فبهذا يكون قد تحلل ، ولا شيء عليه فيما ارتكبه قبل ذلك من المحظورات جهلا أو نسيانا .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح ؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام ؟
فأجاب : " هذا العمل غير صحيح ، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي ، قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت ، وعمرتها صحيحة ، لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة ، وهذا من خصائص الحج والعمرة ،
فلو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل ، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل . ولهذا قال العلماء : إن النسك لا يرتفض برفضه .(/1)
وعلى هذا نقول : إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة ، وتكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه ، بل هي باقية عليه .
وخلاصة الجواب : بالنسبة للمرأة نقول : إن عمرتها صحيحة ، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية ، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه . وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها ، والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها ، لأنها جاهلة ، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار .
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (36522) و (49026) .
ولكنك ذكرت في سؤالك أنه لم يكمل عمرته إلا بعد علمه بوجوب إكمالها بسنوات ، وهذا تفريط منه ، وتعد لحدود الله ، فعليه الفدية عما فعله من المحظورات في هذه المدة .
ويلزمه لكل محظور فدية ولو كرره عدة مرات .
فعليه فدية للبس المخيط ، وإن استعمل الطيب لزمته فدية أخرى .
وتلزم الفدية بحلق الشعر ، كما تلزم بتقليم الأظفار .
وكذا لو باشر فأنزل أو استمنى لزمته الفدية .
وينظر جواب السؤال رقم (11356) لمعرفة محظورات الإحرام .
وإذا كان جامع امرأته في هذه المدة فعليه فدية الجماع ، وفسدت بذلك عمرته ، وعليه قضاؤها ، ولا يسقط بذلك ما عليه من الفدية للمحظورات التي ارتكبها .
والفدية هي :
ذبح شاة تعطى لفقراء الحرم ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قمح أو أرز أو غيره ، ونصف الصاع ما يساوي كيلو ونصفاً تقريباً .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104197
العنوان:
للمحرم أن يحلق أو يقص شعره بنفسه عند التحلل
السؤال:
هل يجوز أن يقص الرجل شعره بنفسه للتحلل من العمرة وأيضا بالنسبة للمرأة ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للحاج والمعتمر أن يقص شعره بنفسه للتحلل من حجه أو عمرته ، سواء كان رجلا أو امرأة ، كما يجوز له أن يقص شعر غيره ممن يريد التحلل .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ويحلق هو بيده ، أو يكلف من يحلقه ، خلافاً لما قاله بعض العلماء : إنه إذا حلق نفسه بنفسه فعل محظوراً، فنقول : لم يفعل محظوراً ، بل حلق للنسك " انتهى من "الشرح الممتع" (7/328).
وسئل رحمه الله : المرأة إذا قصرت شعرها بنفسها هل يلزمها شيء؟
فأجاب : "لا ، إذا قصرت المرأة شعرها بنفسها ، أو حلق الرجل رأسه بنفسه ، أو حلقه له مُحْرِم ، أو حلقه له مُحِلٌّ ، كل هذا جائز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (224/42).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104198
العنوان:
هل تأكل من مال والديها المأخوذ من حساب التوفير الربوي
السؤال:
أعيش مع أمي وأبي ولهم أموال في البنوك بفوائد ، وينفقون علي من هذه الأموال فما حكم هذه الأموال بالنسبة لي ؟ وما هي الحدود التي ينبغي علي اتباعها؟ وهل علي أن أبحث عن مصدر دخل آخر أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في حساب التوفير بالبنوك الربوية ؛ لأن حقيقته أنه قرض ربوي محرم ، وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وينظر جواب السؤال (9054) و (82669) و(72413) .
وعلى هذا ؛ فالواجب أن تنصحي والديك بترك التعامل بالربا ، والحذر من سوء عاقبته في الدنيا والآخرة .
وأما الأكل من مالهما ، والاستفادة منه فلا حرج عليك في ذلك ، لأن المال المأخوذ بالربا حرام على المرابي فقط ، أما من أخذ هذا المال من المرابي بسبب مباح كأولاده وزوجاته وغيرهم فلا حرج عليهم في ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق ؟
فأجاب : "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته ، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك ، فكل ، والإثم عليه هو .
، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت ، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى . ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي : دهن متغير الرائحة) فأجابه وأكل ، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله ، فليأكل والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/13) .(/1)
وسئل أيضا رحمه الله : رجل جمع أمواله من الربا وأبناؤه متحرجون من الأكل من هذا المال، ثم إذا مات هذا الأب، هل يجوز لهم أن يرثوا هذا المال؟ وكيف يتوب هذا الرجل؟
فأجاب : "أولاً: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدع الربا، ثم إذا كان هذا الربا الذي جمعه عن جهل لا يدري أنه حرام، أو عن شبهة كأن يقال: إنه حرام ولكن لم يتيقن، فإنه حلال له أن يبقيه عنده، لقوله تعالى: ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) البقرة/275. أما إذا كان عالماً لكنه كان عاصياً ثم منَّ الله عليه بالتوبة والهداية فمن تمام توبته أن يتصدق بهذا المال، تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله؛ لأنه لو تقرب به إلى الله لم يقبل منه، لكن ينوي التخلص، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بهذا، بإنفاقه صدقة على فقير، أو في إصلاح طرق، أو إصلاح مساجد وما أشبه ذلك.
أما بالنسبة لأولاده فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ويجيبوا دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا. وأما إذا ورثوه من بعده فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه ، لكن هم كسبوه بطريق شرعي بالإرث ، وإن تبرعوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الصدقة تمحو ما قبلها من السيئات " "لقاء الباب المفتوح"(181/19) .
وعلى هذا ، فلا يلزمك البحث عن مصدر دخل آخر .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .(/2)
رقم السؤال:
104202
العنوان:
هل هذه العبارة صحيحة ؟
السؤال:
هل في هذه العبارة محظور : " لو يعرف الشخص منا وش مع الغيب بيجي له كان جنبنا المشاكل قبل ما يوقع ضررها " ؟
الجواب:
الحمد لله
هذه العبارة معناها : أن الإنسان لو يعلم ما يكون له في الغيب ، لكان تجنب ما يقابله من المشاكل والشرور ؛ وهي متفقة مع عقيدة المسلم ، وليس فيها أي خطأ أو محذور ؛ لأن الغيب مما استأثر الله به ، ولو فُرض أن الناس يطلعون على الغيب ويعلمون بالحوادث قبل وقوعها لاستكثروا من كل خير ، واجتنبوا كل شر ، فنظروا أسباب الصحة والغنى والسعادة فسلكوها ، ورأوا أسباب الفقر والمرض والهلاك فاجتنبوها ، وهو فرض عقلي لأمر مستحيل ، الغاية منه بيان عجز الإنسان وضعفه واستسلامه للقدر الذي قضاه الله عز وجل .
وفي القرآن الكريم ما يدل على صحة معنى هذه العبارة .
يقول الله تعالى : ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/188
جاء في تفسير ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" (3/524) قوله :
" والأحسن في هذا ما رواه الضحاك ، عن ابن عباس : ( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ) أي : من المال . وفي رواية : لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه ، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه ، وما مسني السوء ، قال : ولا يصيبني الفقر .
وقال ابن جرير : وقال آخرون : معنى ذلك : لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ، ولعرفت الغَلاء من الرخص ، فاستعددت له من الرخص .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) قال : لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته " انتهى .
ويقول الشيخ السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص/311) :(/1)
" ( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) أي : لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع ، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه ، لعلمي بالأشياء قبل كونها ، وعلمي بما تفضي إليه .
ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء ، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها ، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (49004)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104210
العنوان:
تعاني من انفلات الريح ويشق عليها أن تنتظر انقطاعه وهي خارج المنزل
السؤال:
أعاني من خروج كثير للريح لكنه منقطع ، وقد قرأت في موقعكم جوابا مفصلا حول الموضوع لكن بقيت لي بعض الإشكالات حتى أتمكن من الصلاة ، فمن عادتي أن أحاول استفراغ الريح وانتظر حتى يتوقف وأصلي ، لكني أحيانا أتعرض للحرج عندما أكون في غير بيتنا فعندما أكون ضيفة أحيانا لا أتمكن من أداء الصلاة بغير خروج الريح ، لأني كما قلت سابقا من عادتي استفراغ الريح قبل الصلاة وإلا فلن أستطيع الصلاة بطهارة إلا نادرا وهذا يحدث صوتا ورائحة كريهة وهذا مما يحرجني فما الحكم إذا صليت مع خروج الريح؟ وهل هذا يعني أني لا أزور أحدا إلا عند الضرورة ؟ وهل تدخل الضرورة في إجابة الوليمة (العرس) أو زيارة أخواتي في الله أو عيادة المرضى وزيارة ذوي الرحم ؟ كما أني أحيانا أريد الخروج وقد يكون خروجا ضروريا أو غير ضروري وأحيانا تطول مدة انتظاري لتوقف خروج الريح أحيانا حتى أكثر من ساعة ونصف وأحيانا أقل فهل إذا صليت مع خروج الريح ثم خرجت تعد صلاتي باطلة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية ، ونشير عليك بمراجعة الأطباء ، فإن لكل داء دواء .
ثانيا :
الذي يظهر لنا من سؤالك أنك مصابة بانفلات الريح ، ولا يلزمك أن تنتظري داخل الخلاء ساعة ونصف لاستفراغ الريح ، لأن في هذا مشقة بالغة لا تأتي بها الشريعة ، وقد قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) البقرة /185 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الدِّينَ يُسْر) رواه البخاري (39) .
وعلى هذا ، فعليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ثم تصلي بهذا الوضوء ، ولو خرجت الريح بعده أو أثناء الصلاة ، وأنت معذورة في هذا .(/1)
ويجوز لك الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك ، لأن الجمع رخصة في حق المستحاضة ومن في حكمها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) : " ويجمع المريض والمستحاضة " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) : " يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين ( المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة " انتهى .
ولا حرج عليك في الخروج من البيت لحاجة أو ضرورة أو زيارة أخواتك ما دمت ستصلين الصلاة في وقتها ، ولو مجموعةً كما سبق .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104215
العنوان:
من السنة نفض الفراش قبل النوم
السؤال:
متى نقوم بنفض الفراش ثلاث مرات ؟ هل قبل النوم أم بعده ؟ وكيف الطريقة ؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (6320) ومسلم (2714) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " ( دَاخِلَة الْإِزَار ) : طَرَفه , وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَنْفُض فِرَاشه قَبْل أَنْ يَدْخُل فِيهِ , لِئَلَّا يَكُون فِيهِ حَيَّة أَوْ عَقْرَب أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْمُؤْذِيَات , وَلْيَنْفُضْ وَيَدُهُ مَسْتُورَة بِطَرَفِ إِزَاره , لِئَلَّا يَحْصُل فِي يَده مَكْرُوه إِنْ كَانَ هُنَاكَ " انتهى .
وبهذا تعلم أن نفض الفراش يكون عند إرادة النوم ، ويكون بطرف ثوبك أو غيره .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104236
العنوان:
حكم المساهمة في بناء صالة أفراح وقد تقام فيها حفلات غير منضبطة
السؤال:
ما حكم المساهمة في بناء قاعة أفراح (صالة) كتزويدهم بمواد البناء علماً أن بعض الحفلات التي تقام فيها لا تكون مضبوطة بأحكام الشرع ، ويكون فيها مخالفات شرعية ؟
الجواب:
الحمد لله
قاعات الأفراح يستعملها الصالحون المنضبطون بأحكام الشرع ، ويستعملها غيرهم ، فيجب النظر إلى من سيستعملها ، وبه يتضح حكم المساهمة في إنشائها وبنائها ، فإن علمنا من حال صاحبها أنه لن يؤجرها لمن يعصي الله فيها فهذه لا إشكال في جواز بنائها والمساهمة فيه .
وإن علمنا من حال صاحبها أنه سيؤجرها لمن يعصي الله فيها إما بالاختلاط أو بالأغاني والمعازف المحرمة ، أو بغير ذلك من أنواع المعاصي ، فهذه أيضاً لا إشكال في تحريم بنائها والمساهمة فيه ، لقول الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 .
وأما إن كان سيؤجرها من يراعي أحكام الشرع ومن لا يراعيها ، فالحكم هنا للأكثر ـ حسب غلبة الظن ـ فإن كان الأكثر سيستعملها استعمالاً محرماً فلا يجوز المساهمة في بنائها ، وإن كان الأكثر سيستعملها استعمالا مباحاً فلا حرج من بنائها ، وإثم استعمالها المحرم يقع على من أجرها ومن عصى الله تعالى فيها ، وإن استوي الاستعمالان ، حرم بناؤها تغليباً لجانب التحريم .
ويمكن معرفة ذلك حسب حال أهل البلد وعاداتهم في الأفراح، وحسب حال صاحبها ومالكها .
والذي يظهر لنا من حال بلاد الحرمين الشريفين أن أكثر استعمال هذه الصالات يكون مباحاً ، والحرام فيها قليل ، وعلى هذا فلا حرج من بنائها .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
104241
العنوان:
إذا تاب من الرشوة هل يرد الرشاوى لأصحابها؟
السؤال:
أخذت رشوة مبالغ نقدية وهدايا فكيف التوبة وما الحل في الفلوس والهدايا ؟ وإذا تعذر إرجاع هذه الأشياء لصاحبها فما الحل ؟ وإذا تصدقت بها فهل يجوز إخراج نقود بثمن الهدايا ؟ وهل يمكن تزويج أحد الشباب من هذه النقود أو فتح مشروع لأحد الشباب المحتاجين ؟
الجواب:
الحمد لله
أخذ الرشوة عمل محرم ، وهو من كبائر الذنوب ، لما جاء فيه من الوعيد واللعن ، فقد روى أبو داود (3580) والترمذي (1337) وابن ماجه (2313) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
والواجب على من وقع في الرشوة أن يتوب إلى الله تعالى ، فيقلع عنها ، ويعزم على عدم العود إليها ، ويندم على ما فات .
وهل يلزمه رد الرشاوى إلى أصحابها ؟ في ذلك تفصيل :
1- إن كان دافع الرشوة إنما دفعها ليتوصل بها إلى حق له ، فيلزم رد ماله إليه ؛ لأنه مال مأخوذ بالباطل والظلم والتعدي .
2- وإن كان قد دفع الرشوة ليتوصل بها إلى غير حقه ، وقد حصل له ذلك ، فإن الرشوة لا ترد إليه ؛ حتى لا يجمع بين العوضين ، بين الوصل إلى غرضه ومنفعته – التي لا تحق له – وبين عودة ماله إليه . ويلزم التائب حينئذ أن يتخلص من الرشاوى التي لا تزال بيده ، بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة ونحو ذلك من أوجه الخير .
قال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغنى وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده .
فقالت طائفة : يرده إلى مالكه ؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل
لصاحبه في مقابلته نفع مباح .(/1)
وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389).
وفي حال وجوب رد الرشوة إلى صاحبها ، وتعذر الوصول إليه ، لعدم العلم بمكانه ، أو لوفاته وعدم العلم بورثته ، بعد البحث والتحري ، فإنك تتصدق بالمال على نية صاحبه .
والتخلص من الرشوة يكون بإعطائها للفقراء والمساكين وبذلها في المصالح العامة كما سبق ، ولو أعطيتها لمن يحتاج إلى الزواج ، ليستعين بها في زواجه ، فهذا حسن ، وكذلك لو أقمت بها مشروعا لأحد الشباب المحتاجين .
وما كان من الرشاوى العينية ، فإنك تتخلص منه ، أو تبيعه وتخرج ثمنه ، ولو احتفظت به وأخرجت قيمته فلا بأس .
وإذا ترتب على أخذ الرشوة ضياع حق لإنسان ، لزم رد الحق إليه أو التحلل منه ، لأن الذنب إذا تعلق بحقوق العباد لم تتم التوبة منه إلا بذلك .
قال النووي رحمه الله : " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية. والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33 .
وينظر جواب السؤال رقم (65649)
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104242
العنوان:
هل يبيع السلعة لمن يسدد الثمن بشيك من بنك ربوي
السؤال:
أعمل في مؤسسة بيع مواد كهرباء مندوب مبيعات وعندما أقوم ببيع العميل نقداً ، يقدم لي شيكا مصرفيا وكل عميل يكتب شيكا من بنك مختلف ، إما ربوي أو غير ربوي ، ثم أعطي هذا الشيك إلى قسم المحاسبة وهم يقومون بإجراءات التحويل إلى حساب المؤسسة في بنكها المعتمد ، وسؤالي : هل تعاملي بهذه الشيكات يعتبر مساهمة وإعانة على استمرار الربا في هذه البنوك وأكل أموال الناس بالباطل وتقوية للبنوك ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في تقاضي الثمن من المشتري بواسطة الشيك ، ولو كان من بنك ربوي ، ولا حرج من التعامل من البنوك الربوية لضرورة حفظ المال إذا لم يوجد بنك إسلامي شرط أن يكون وضع المال في تلك البنوك من غير فوائد وانظر جواب السؤال رقم (22392) .
ومبايعة من يتعامل بالربا أو يودع أمواله في البنوك الربوية ، جائزة ؛ ويدل على الجواز ما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع اليهود في المدينة ، وهم كما ذكر الله تعالى يأكلون السحت ويأخذون الربا .
فهذا العميل المتعامل بالربا ، يجوز أن تبيع له ، ولو كان يدفع الثمن من حسابه الربوي ، أو بقرض يأخذه من البنك الربوي .
وإعطاء الشيك للمحاسبة ، وتحويل ما فيه إلى المؤسسة أو البنك المعتمد لدى المؤسسة ، لا يعتبر من كتابة الربا ، بل هو كتابة وتسجيل للثمن الذي أخذ بوجه مباح مشروع ، فلا فرق بين أن يدفع المشتري الثمن نقدا ، أو عن طريق الشيك .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا ، لكن معاملته إياه بطريق سليم ، فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي إن اشتري منه سلعة بثمن ، ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج ؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت ، فقد قبل هديتهم ، وقد قبل دعوتهم ، وقد باع واشترى منهم صلى الله عليه وسلم ، قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر ، وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة ، واشترى منهم فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه ، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً ، ومات ودرعه مرهونة .
والخلاصة : أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104244
العنوان:
حكم شحن بطاقة الماستر كارد ثم شراء السلع بها
السؤال:
أستعمل بطاقة ائتمان غير مغطاة (ماستر كارد) ولكن على النحو التالي : أولا : لا يوجد أي بنك إسلامي هنا (أقيم في ألمانيا) ، ثانيا : هذه الشركة المصدرة للبطاقة لا توفر خدمة فتح حساب جاري لتغطية الكارد ولا حتى تغطيته بأي حساب بنكي آخر، ولكن يمكن شحن الكارد وذلك بتحويل مبلغ مالي إلى حساب الشركة البنكي، فأنا لا أستعمل الكارد إلا عند عمليات الشراء لتجنب الزيادات الربوية وقبل أي عملية شراء أشحن الكارد بقيمة المشتريات (ولا توجد أي مصاريف أخرى) بحيث لا يكون هناك مجال بأن أتأخر في التسديد ممّا يؤدي إلى بدء العداد الربوي، فهل يجوز هذا النوع من الاستعمال؟ وهل يجوز لي أن أدلّ أصدقائي على هذا الكارد وإن كانوا يستعملون بطاقات ائتمان مغطاة ، ولكن لدى بنوك ربوية وذلك لأنّ هذه الشركة لا تأخذ رسوما سنوية على الكارد ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير الشرعية ، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (97846) و(97530) .
وإذا كنت تدفع المال أولا ، وهو ما يسمى بشحن الكارد ، ثم تشتري السلع بالبطاقة ، فلا حرج في ذلك .
وينبغي التنبيه على أمرين :
الأول : أنه لا يجوز الدخول في عقد الفيزا إذا تضمن اشتراط غرامة على التأخير ؛ لأنه شرط ربوي محرم ، فلا يجوز إقراره ولو كان الإنسان عازما على السداد في الوقت .
إلا إذا اضطر للتعامل بها ، فلا حرج في ذلك بشرط أن يعلم من نفسه القدرة على تسديد المبلغ في فتره السماح قبل حساب الفوائد الربوية .
وانظر جواب السؤال رقم (3402) .
الثاني : أنه يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من البائع ، وقد اختلف العلماء هل يجوز تحميل هذه العمولة على المشتري أم لا ؟ والذي يظهر لنا أنه لا بأس بذلك ، وينظر في هذا جواب السؤال (103187) .(/1)
ولا حرج في دلالة الأصدقاء على هذه البطاقة ما دامت سالمة من المحذورات الشرعية .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104245
العنوان:
جاءته رسالة تفيد بأنه حصل على جائزة ويطلب منه دفع تكلفة نقلها إليه !
السؤال:
أنا من مستعملي الإنترنت منذ مدة وقد تلقيت مؤخرا رسالة إلكترونية من منظمة دولية مختصة في تطوير خدمة البريد الإلكتروني عبر الإنترنت أخبروني فيها أني قد فزت بجائزة مالية وللحصول عليها يرجى الاتصال بوكيلها المكلف بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط . وعند اتصالي به طلب مني دفع تكلفة تحويل مبلغ الجائزة من أوربا إلى بلدي (الجزائر) . فما حكم هذه الجائزة مع العلم أني لم أدخل في اشتراك مسبق وأن هذه المنظمة تقوم سنويا باختيار مجموعة من مواقع البريد الإلكتروني التابعة لمشتركي hotmail و yahoo وذلك دون علمهم ثم يتم إخبارهم بفوزهم .
الجواب:
الحمد لله
ينبغي أن تعلم أن كثيرا من هذه الدعاوى ما هي إلا ستار للنصب والاحتيال ، فيكون الغرض من الاتصال بك وبغيرك هو الاستيلاء على مبلغ التحويل المزعوم ، دون أن يكون للجائزة وجود أصلا ، وإلا فمَن بذل الجائزة هل يعجز عن ثمن تحويلها !
وأحيانا يكون الهدف هو تحصيل المال من خلال الاتصال الهاتفي برقم معين ، فيزعم المتصل أنه يخاطبك للاتفاق على الجائزة وطريقة استلامها ، ويطيل الحديث ، ليجني ثمن الاتصال بعد الاتفاق مع مزود خدمة الاتصال .
فالواجب أن تحرص على مالك ، وأن تحذر طرق الحيل والخداع التي كثرت في هذا الزمان.
وإذا تيقنت من وجود هذه المنظمة ، ومن صدقها في بذل الجائزة ، فلا حرج عليك في أخذها ، وفي دفع ثمن تحويلها إليك ، دون أن تشارك في الدعاية لهذه المنظمة أو الترويج لها وأنت لا تعلم حالها ولا الهدف الذي تسعى إليه أو أنشئت من أجله .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104246
العنوان:
المعاشرة الزوجية مع وجود الطفل الرضيع
السؤال:
ما مدى صحة حديث : (إذا أراد الرجل أن يجامع زوجته يخرج الرضيع من الغرفة) ؟
الجواب:
الحمد لله
الحياء خلق المسلم ، يرتفع به عن كل دنيء من الأعمال والأقوال ، ويحافظ به على كريم العادات وجميل الصفات ، وهو من الإيمان ، وعلامة الفضل والإحسان ، وهو أيضا من الفطرة التي ركبها الله في النفس البشرية ، لا يتركه إلا من ارتكست فطرته وبلي إيمانه .
وللحياء مظاهر كثيرة ، منها : التستر حال الجماع عن أعين الآخرين ، بل وعَن سمع الآخرين ، عن كل مَن يدرك ويميز ما يراه ويسمعه ؛ لما في الجماع من كشف العورات التي جاء الإسلام بسترها ، ولما يخشى من إثارة شهوة الناظر أو السامع ، ووقوع ذلك في قلبه موقعا سيئا ، أو تحدثه بما رآه بين الناس ، فينشر أسرار البيوت التي بناها الإسلام على الستر والعفة والحياء .
قال ابن حزم في "المحلى" (9/231) :
" الاستتار بالجماع فرض , لقول الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ) " انتهى .
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/228) :
"لا يجامع بحيث يراهما أحد , أو يسمع حسهما ، ولا يقبلها ويباشرها عند الناس .
قال أحمد : ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله" انتهى .(/1)
أما إخراج من لا يميز ولا يدرك كالطفل الرضيع فلم يرد فيه أمر من الشرع ، وليس فيه حديث نبوي ، والنص الذي ورد في السؤال ليس بحديث ، وإنما هو قول لبعض فقهاء المالكية ، اعتمادا على أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أراد جماع أهله أخرج الصبي في المهد ، مبالغة في التستر والحياء ، وليس بيانا لحكم شرعي ولا إيجابا له ، ولا بأس بتقليده لمن أحبه ووجد سعة في بيته ولم يخش ضررا على الطفل أن يمكث وحده من غير مراقبة ، أما أن يقال بلزومه مطلقا ، فهذا بعيد .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/178) :
"يُخِلُّ بالاستتار وجود شخص مميز مستيقظ معهما في البيت , سواء أكان زوجة , أم سرية (أَمَة) , أم غيرهما , يرى أو يسمع الحس , وبه قال الجمهور , وقد سئل الحسن البصري عن الرجل يكون له امرأتان في بيت , قال : كانوا يكرهون – يعني : يُحَرِّمُون ، كما هو اصطلاح السلف - أن يطأ إحداهما والأخرى ترى أو تسمع .
ويُخِلُّ بالاستتار وجود نائم , نص على ذلك المالكية , فقال الرهوني في "حاشيته على شرح الزرقاني لمتن خليل" : لا يجوز للرجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت ( يعني في نفس الغرفة ) أحد يقظان أو نائم ؛ لأن النائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال .
ويَخِلُّ بالاستتار - عند جمهور المالكية - وجود صغير غير مميز , اتباعا لابن عمر الذي كان يخرج الصبي في المهد عندما يريد الجماع .
وذهب الجمهور - ومنهم بعض المالكية - إلى أن وجود غير المميز لا يخل بالاستتار ; لما فيه من مشقة وحرج " انتهى .
وانظر : "المدخل" لابن الحاج المالكي (2/184) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/380) – من الطبعة المصرية - :(/2)
" الصحيح في هذه المسألة أنه يحرم الوطء بمرأى أحد ، اللهم إلا إذا كان الرائي طفلاً لا يدري ، ولا يتصور ، فهذا لا بأس به ، أما إن كان يتصور ما يفعل ، فلا ينبغي أيضاً أن يحصل الجماع بمشاهدته ولو كان طفلاً ؛ لأن الطفل قد يتحدث بما رأى عن غير قصد .
فالطفل الذي في المهد - مثلاً – له أشهر ، هذا لا بأس به ؛ لأنه لا يدري عن هذا الشيء ، ولا يتصوره ، لكن من له ثلاث سنوات ، أو أربع سنوات ، يأتي الإنسان أهله عنده ، فهذا لا ينبغي ؛ لأن الطفل ربما في الصباح يتحدث ، فلهذا يكره أن يكون وطؤه بمرأى طفلٍ ، وإن كان غير مميز ، إذا كان يتصور ويفهم ما رأى " انتهى .
والخلاصة : أن ما ذكر في السؤال ليس بحديث نبوي ، وإنما هو قول لبعض الفقهاء ، والصواب الذي عليه الجمهور أنه لا حرج من وجود الطفل الرضيع حال الجماع .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104257
العنوان:
ما هو لباس الشهرة ؟
السؤال:
هل يعتبر اللباس الذي يلبسه الرياضيون والمغنون من لباس الشهرة المنهي عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
التوجيه الشرعي في أمر اللباس يستحب للناس أن يتوسطوا ويعتدلوا فيه ، من غير إسراف ولا مخيلة ، ومن غير رداءة ولا رثاثة ، فالاعتدال مندوب في جميع الأمور ، ومنها اللباس الذي يقي الإنسان من الحر أو البرد ويتزين به للناس .
يقول الله عز وجل : ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ ) رواه النسائي (2559) وحسنه الألباني في "صحيح النسائي"
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرَف ومَخِيلة " انتهى .
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/171) .
وقد ورد في خصوص لباس الشهرة أحاديث منها حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه أبو داود (4029) والنسائي في "السنن الكبرى" (5/460) وابن ماجه (3606) وأحمد في "المسند" (2/92) وغيرهم ، وحسنه الألباني والأرناؤوط .
فمن لبس ما فيه إسراف ظاهر – بالنسبة لمجتمعه - يوحي بالتكبر والخيلاء ، أو لبس الرديء الرث – بالنسبة لمجتمعه – يشعر بالزهادة والعبادة ، فقد تجاوز القصد والاعتدال وحاد عن السبيل .
يقول السرخسي في "المبسوط" (30/268) :(/1)
" والمراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن والجودة في الثياب على وجه يشار إليه بالأصابع ، أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخَلِقِ – القديم البالي - على وجه يشار إليه بالأصابع , فإن أحدهما يرجع إلى الإسراف والآخر يرجع إلى التقتير ، وخير الأمور أوسطها " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (6/136) :
" ويكره لبس زي مُزْرٍ بِهِ لأنه من الشهرة , فَإِن قَصَدَ به الاختيال أو إظهارَ التواضع حَرُمَ لأنه رياء " انتهى .
والمقياس والميزان هو عادة الناس والمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان ، فما كان بالنسبة لهم إسرافا ومخيلة أو كان رديئا رثا فهو مكروه مذموم ، وهو من الشهرة التي نهى عنها بعض السلف من الصحابة والتابعين :
قال ابن عمر رضي الله عنهما :
" من لبس رداء شهرة أو ثوب شهرة ألبسه الله نارا يوم القيامة "
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/81).
وقال سفيان الثوري :
( كانوا يكرهون الشهرتين : الثياب الجياد التي يشتهر فيها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم ، والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه )
ثانيا :
ومن الشهرة أيضا لباس ما تنكره عادات المجتمع وتقاليده ، وما يخالف في هيئته أو لونه ما يعرفونه ويألفونه ، مما يؤدي إلى حديث الناس عنه وغيبته والوقوع في نيته وقصده ، والمسلم مأمور بكف الغيبة عن نفسه ، أما اللباس الذي لا يستنكرونه ولا يستغربونه ، ويعتادون على رؤيته أو يأخذونه بالقبول ، فلا حرج من لبسه إذا كان ساترا للعورة .
عن عدي بن الفضل قال : قال لي أيوب :
" اُحْذُ نعلين على نحو حذو نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ففعلت ، فلبسها أياما ثم تركها ، فقلت له في ذلك فقال : لم أر الناس يلبسونها " انتهى .
ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (رقم/62)(/2)
وعن الحصين قال : كان زبيد اليامي يلبس برنسا ، قال : فسمعت إبراهيم النخعي عابه عليه ، قال : فقلت له : إن الناس كانوا يلبسونها ، قال : أجل ! ولكن قد فني من كان يلبسها ، فإن لبسها أحد اليوم شهروه وأشاروا إليه بالاصابع .
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/81)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (6/136-137) :
" لبس الألبسة التي تخالف عادات الناس مكروه لما فيه من شهرة , أي ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع , لئلا يكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته , فيشاركهم في إثم الغيبة ، قال في لسان العرب : الشهرة ظهور الشيء في شُنعة حتى يشهره الناس " انتهى مختصرا .
ثالثا :
هناك عدة عوامل مؤثرة في الحكم على لباس الشهرة في زماننا هذا ، منها :
1- اتساع حال الناس اليوم ، وانفتاح الدنيا عليهم ، وانتشار المال بين أيديهم ، مما يسر عليهم شراء أفضل أنواع الثياب وأجودها .
2- التضخم الصناعي الهائل لأشكال وأنواع وألوان الألبسة اليوم ، فملايين المصانع تقدم يوميا آلاف التصاميم التي تنتشر في جميع أنحاء العالم اليوم ، فاعتاد الناس على لبس كل جديد ، وتقبل كل تغيير ، وقلت أنواع الألبسة التي ترفضها المجتمعات مطلقا .
3- الاختلاط بين الأجناس والأعراق ، وكثرة أسفار الناس وتنقلاتهم بين البلدان ، فلم تعد البلاد حكرا على أهلها ، بل صار البلد الواحد يحوي من أهل الشرق والغرب أعدادا كبيرة ، فكان له الأثر الظاهر أيضا في تقبل أنواع الألبسة الكثيرة .
4- ثم إن انتشار وسائل الإعلام بجميع أشكالها كان له الأثر الأكبر في تنويع ثقافات الألبسة ، وتناقلها بين الناس ، واستفادة بعضهم من بعض في هذا المجال .
كل ذلك أثَّر في فقه اللباس الشرعي ، فقد أحال الشرع الأمر إلى عرف الناس وعاداتهم ، وهي قد تأثرت اليوم بالعوامل الأربعة السابقة ، مما غير كثيرا من أحكام اللباس التي كانت في العصور السابقة .(/3)
فلا نرى أن لباس الرياضيين – إذا كان ساترا للعورة – أو لباس "البدلة الإفرنجية" ، أو خروج الرجل حاسر الرأس أو اللباس الخاص بأصحاب المهن والحرف المعينة ، كلباس الأطباء ولباس القضاة ولباس العمال ونحو ذلك : مِن الشهرة المذمومة ، فهي لا تحمل معنى الشهرة أصلا ، لا من حيث الإسراف والخيلاء ، ولا من حيث مخالفة المجتمع .
ولكن إذا وُجِدَ أَنْ لَبِسَهَا أحدٌ في مجتمعه الذي ما زال محافظا على تراثه وعادته ، ولم يتأثر بالعوامل الأربعة السابقة ، فكان مستغربا مستنكرا في قومه ، فهذا يكره في حقه ، ولا ينبغي له المشاقة والمخالفة ، فإن قصد بها الرياء والسمعة والتزكية ، أو إظهار الزهد أو إظهار الخيلاء والكبرياء أثم وحرم لباسه ذلك .
رابعا :
لا يخفى أن الشرط المهم الذي يقيد جميع الكلام السابق هو كون اللباس ساترا للعورة ، غير شفاف ولا واصف للون العورة ولا حجمها ، وليس فيه تشبهٌ بلباس الديانات الأخرى ولا تشبهٌ بالنساء أو أهل الفسق والمجون ، وليس حريرا بالنسبة للرجال ، فإن لم تنطبق فيه هذه الشروط فلا يجوز لبسه ولا بيعه ولا شراؤه .
وبالتأمل في كثير من لباس الرياضيين اليوم نجدها غير منضبطة بالستر الشرعي المطلوب ، فهي إما قصيرة تكشف أكثر الفخذ ، أو ضيقة تحجم العورة المغلظة ، فمثل هذه الألبسة لا يجوز لبسها بسبب مخالفتها الضوابط الشرعية .
وأما من أراد أن يلبس لباس المغنين والممثلين ، فقد تقحم باب سوء وفتنة وشر ، حين سعى نحو التشبه بأهل الفسق وأصحاب المعاصي والفساد ، وقد كان الواجب عليه كره المعصية وبغض شعارها ولباسها ، وتجنب أهلها والمفتونين بها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود (4031)
فلا يجوز لبس ما يتميز به المغنون والممثلون ، والأصل أن يقلد المسلم قدوة الخير والعلم والفضل ، وأما قدوة المعصية فهي سبيل غضب الله عز وجل .(/4)
وانظر جواب السؤال رقم (36891)
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
104295
العنوان:
هل تصح عمرتها وهي تاركة للصلاة
السؤال:
أريد أن أعتمر وزوجتي لا تصلي هل هذه العمرة صحيحة ؟
الجواب:
الحمد لله
تارك الصلاة إن كان جاحدا لوجوبها ، فهو كافر بالإجماع ، وإن كان تركُه لها تكاسلا وتهاونا مع الإقرار بالوجوب ، فقد اختلف العلماء في حكمه ، والصحيح أنه كافر أيضا ؛ لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم (5208) .
وعليه ؛ فإن أدت زوجتك العمرة وهي تاركة للصلاة ، لم تصح عمرتها ، وهكذا لا يصح صومها ولا حجها ولا زكاتها ولا شيء من عبادتها إذا استمرت على ترك الصلاة .
والواجب عليك أن تأمرها بالصلاة وتعينها عليها وترغبها فيها وتحذرها من عاقبة تركها ، قال الله تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه/132
وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 .
وإذا استمرت الزوجة على ترك الصلاة لم يحل لك البقاء معها ؛ لأنه لا يجوز إبقاء المسلم على كافرة تحته ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) الممتحنة/10 .
وأما عمرتك أنت فصحيحة ولا علاقة لها ببطلان عمرة الزوجة .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامدا أو متهاونا ؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام ؟(/1)
فأجاب : "من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعا ولا يصح حجه ، أما إن كان تركها تساهلا وتهاونا فهذا فيه خلاف بين أهل العلم ، منهم من يرى صحة حجه ، ومنهم من لا يرى صحة حجه ، والصواب : أنه لا يصح حجه أيضا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وهذا يعم من جحد وجوبها ، ويعم من تركها تهاونا ، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (16/374).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "هذا الذي لا يصلي وهو يصوم لا ينفعه صومه ، لأن من شرط صحة الصيام : الإسلام ، وتارك الصلاة ليس بمسلم فلا ينفعه صوم ولا زكاة ، ولا حج ، بل ولا يجوز له دخول المسجد الحرام وحرم مكة ما دام على تركه الصلاة ، لأنه - والعياذ بالله - مرتد خارج عن الإسلام ويترتب على ترك الصلاة إضافة لما ذكرنا من عدم قبول أعماله الصالحة يترتب عليه إنه إن كان ذا زوجة فإن زوجته ينفسخ نكاحها منه ، وكذلك لا يجوز لأحد أن يزوجه ما دام لا يصلي ، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ، أو يكفن ، أو يصلى عليه ، أو يدفن في مقابر المسلمين . . .
ثم إن تارك الصلاة إذا مات على ذلك فإنه يدخل النار - والعياذ بالله - ويخلد فيها كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من لم يحافظ عليهن - أي الصلوات الخمس - لم تكن له نوراً ولا برهاناً ، ولا نجاةً يوم القيامة وحشر مع فرعون ، وهامان ، وقارون ، وأبي بن خلف ) .(/2)
فالمسألة خطيرة في ترك الصلاة ، ولكنه للأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين اليوم يتهاونون بالصلاة فيتركونها عمداً بدون عذر شرعي ثم يتصدقون وينفقون ويحجون وهذه كلها وكل الأعمال لا تقبل مع الكفر ، قال الله تعالى : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/62).
وانظر جواب السؤال رقم (72245) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104298
العنوان:
إذا طلب الوالد منه مالا ولم يكن عنده فهل يلزمه الاقتراض
السؤال:
الوالد الله يحفظه لنا أحيانا يطلب منا أنا وإخوتي مساعدته لزواج أحد إخوتي أو تغيير أثاث المنزل أو غير ذلك من الأشياء التي ليست مهمة وأكثر الأحيان أقوم بدفع ما يخصني ولكن مرة من المرات لا أستطيع لأنها لا تكون متوفرة لدي فيزعل علي لفترة ثم أقوم بطلب سلفة من البنك وآتي بها له وهكذا ، علما أن حالته المادية متوسطة ، هل يجوز أن أعصيه وأقول له : المبلغ ليس عندي أم أذهب إلى البنك وآخذ دَيْناً في شيء لا يعتبر مهما بهذه الدرجة؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
للأب أن يأخذ من مال ولده ، ما احتاج إليه ، إذا كان لا يضر بالابن ، وذلك لما روى ابن أبو داود (3530) وأحمد (6640) من حديث عبد الله بن عمرو أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا ، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي . فَقَالَ: ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ). صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ومعنى الحديث ـ كما قال الخطابي رحمه الله ـ : أن هذا الرجل كان يحتاج المال من أجل النفقة وكان مال الابن قليلاً بحيث تستأصله النفقة وتأتي عليه كله ، فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم في ترك النفقة على أبيه . وانظر : "عون المعبود" .
ويشترط أن يكون الأب بحاجة إلى هذا المال ، عند جمهور الفقهاء خلافا للحنابلة ؛ لما روى الحاكم ( 2 / 284 ) والبيهقي ( 7 / 480 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أولادكم هبة الله لكم { يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور } فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها ) . صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2564 ).
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيرا كان الولد أو كبيرا , بشرطين :(/1)
أحدهما : أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته .
الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر . وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى .
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا ) متفق عليه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ) رواه الدارقطني ؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه " انتهى من "المغني" (5/395) باختصار .
فإذا احتاج الأب للمال فله أن يأخذ من مال ولده ، فينفق على نفسه وعلى من يعول ، بشرط ألا يضر بالابن وألا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته ، كسيارته التي يركبها ونحو ذلك . وانظر جواب السؤال رقم (9594) .
ثانيا :
إذا لم يكن لديك مال فلا يلزمك الاقتراض ، ولك أن تقول لوالدك : إنه لا مال لديك الآن ، أو أنك بحاجة إلى المال الموجود معك ، ولا يعد هذا عصيانا له .
ولا يجوز أن تقترض من البنك الربوي بحال ، لما جاء من لعن آكل الربا وموكله ، ولا يجوز طاعة الأب فيما لو أمر بهذا الاقتراض ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
والحاصل : أن الأب إذا احتاج إلى المال لينفق منه أو يشتري به أثاثا للبيت ونحو ذلك ، جاز له أن يأخذ من مال أولاده ، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر عليهم ، وألا يأخذ ما تعلقت به حاجتهم ، فإذا لم يكن لديهم مال فائض فلا يلزمهم الاقتراض .
وينبغي أن يتعاون الإخوة في مساعدة من لم يتزوج منهم ، كلٌّ حسب استطاعته وقدرته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104299
العنوان:
العمل في برمجة مواقع إنترنت تتعامل ببطاقات الفيزا
السؤال:
أنا أعمل مبرمج مواقع بالإنترنت وقد طلب مني العمل في إعادة تنظيم برمجة إحدى المواقع التي تم برمجتها مسبقا بالفعل وتم تسليمها للعميل ، المشكلة تنحصر في أن بعض أقسام هذا الموقع تهدف للتعريف بالشركة صاحبة الموقع وأنشطتها والخدمات التي توفرها لعملائها وبعض الأقسام الأخرى متعلقة بتوفير خدمة الشراء عن طريق الإنترنت - المعروفة باسم ال (e-commerce) - لأي منتج من منتجات الشركة صاحبة الموقع وهذا يكون عن طريق أن يقوم مستخدم الموقع بملء بعض البيانات الشخصية عنه على أن يكون من ضمنها رقم الفيزا كارد الخاصة به أو رقم الماستر كارد أو رقم ........ أي نوع من أنواع الكروت التي يستطيع أن يقوم باستخدامها للشراء عبر الإنترنت-- ومن المعروف أن كل هذه الأنواع من الكروت يتم توفيرها من قبل بنوك إسلامية وأخرى ربوية --.... وقد تم الانتهاء من هذه العملية التنظيمية للأكواد بالفعل وقد شاركت في هذا مع العلم أني ابتعدت بقدر المستطاع عن كل الصفحات والأكواد التي تتعلق بشكل مباشر بتقديم خدمة الشراء عن طريق الإنترنت والأسئلة الآن تنحصر فيما يلي: 1- هل العمل في برمجة الصفحات والأكواد المتعلقة بتوفير خدمة الشراء عن طريق الإنترنت المعروفة باسم ال (e-commerce) حلال أم حرام . 2- إن كان العمل في مثل هذه الخدمات حراما ---- فقد سبق لي العمل بالفعل بأحد هذه المواقع فهل إخراجي وتصدقي بالجزء من الراتب الخاص بي بما يوازي عدد الأيام التي عملت بها في مثل هذه الخدمة يحلل باقي الراتب أم لا ؟ وكيف يمكنني تطهير هذا الراتب ؟ 3- إن كان العمل بمثل هذه الخدمة حراما فهل يجب علي أن أترك العمل في أي موقع يوفر هذه الخدمة ؟ أم فقط عليّ اجتناب العمل في الصفحات والأقسام والأكواد التي تتعلق بشكل مباشر بهذه الخدمة وأن أعمل في بقية الصفحات أو الأقسام التي(/1)
تتعلق ببقية أنشطة الشركة والتعريف بها وغيرها من الأقسام الأخرى في الموقع ؟--- أم أن علي ترك شركة البرمجيات التي أعمل بها بشكل نهائي ؟ 4- إن كان علي فقط تجنب الأكواد التي تتعامل مع هذه الخدمة بشكل مباشر والعمل في بقية الأقسام الأخرى في الموقع ففي حالة وجود بعض التداخل فمثلا قد يقوم المستخدم بإدخال بعض البيانات عنه بما فيها رقم الفيزا ويتم استخدام هذه البيانات في التعامل مع خدمة الشراء عن طريق الإنترنت وفي نفس الوقت تستخدم في أي من أقسام الموقع الأخرى التي لا تتعلق بهذه الخدمة فما حكم هذه الحالات ؟ 5- إن كانت المعلومات المتوفرة لدي تؤكد أن نشاط الشركة التي أعمل بها الآن مختلط بين هذه النوعية من المواقع التي توفر خدمة الشراء عن طريق الإنترنت وبين نوعيات أخري من المواقع التقليدية التي لا توفر هذه الخدمة فهل يجوز لي العمل في هذه الشركة ؟ فمثلا : الخطط المستقبلية الآن تهدف للتعاقد على بعض المواقع التي تهدف بعض أقسامها لاستخدام هذه الخدمة ال (e-commerce) والتعاقد علي مواقع أخرى تهدف لخدمة وتيسير إدارة المطاعم التابعة لبعض الفنادق العالمية وبالطبع هذه المطاعم يتم بيع الخمور بها . وهناك خطط مستقبلية أخري للتعاقد على موقع يتعلق بإحدى الوزارات التي تعطي قروضا ربوية للشباب بالتعاون مع أحد البنوك الربوية ؟ وقد يكون هناك تعاقدات أخري ستتم ليس فيها أي ريبة مثل المدارس أو التعليم أو المستشفيات . ففي ضوء هذه المعلومات هل لي أن أستمر في العمل في هذه الشركة إلي أن يتضح لي طبيعة العمل القادم أم أن علي تركها من الآن ? 6- مع العلم أني الآن قد طلب مني العمل في تكوين مكتبة للأكواد الخاصة بالشركة كي يتم استخدامها فيما بعد في أي موقع جديد ولست أعلم هل سيتم استخدامها في أي نوع من المواقع بشكل محدد فقد يتم استخدامها في مواقع المدارس والمستشفيات وو إلخ أو يتم استخدامها في أي من المواقع الأخرى التي(/2)
تتعامل ب ال (e-commerce) أو تتعامل مع البنوك أو الفنادق أو إلخ فما حكم عمل هذه المكتبة للأكواد ؟ أرجو الإجابة على كل سؤال من الأسئلة الخمسة السابقة بشكل واضح لبيان حكم كل حالة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
بطاقات الائتمان أو الفيزا ، يجوز التعامل بها في البيع والشراء إذا سلمت من المحاذير الشرعية التي سبق بيانها في جواب السؤال رقم (97846) ورقم (97530) .
ولا حرج في تصميم المواقع ذات الصبغة والوجهة المباحة ، ولو كانت توفر خدمة الشراء عن طريق الإنترنت ، إلا إذا تضمن ذلك النص على اسم بطاقة الفيزا الممنوعة شرعا ، كأن يكتب في الصفحة مثلا : أدخل رقم ماستر كارد ، أو غيرها مما يتعامل بالربا ولا ينضبط بالشرع ، فلا يجوز لشركة التصميم أو المبرمج أن ينص على اسم البطاقة المحرمة ؛ لما في ذلك من الدلالة على الحرام والإعانة عليه . قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) .
وكثير من المواقع التي توفر خدمة الشراء على الإنترنت ، لا تحدد بطاقة معينة ، كما تتيح الشراء عبر الحوالة البريدية والبنكية ، وغير ذلك .
ثانيا :
إذا كان قد سبق لك العمل بإحدى هذه المواقع من قبل ، مع عدم علمك بالتحريم ، فلا شيء عليك ، ولا يلزمك إخراج شيء من الراتب ، وإن كان مع العلم بالتحريم فيلزمك التخلص من قدر الراتب الذي استلمته في مقابل العمل المحرم ، وتعطيه للفقراء والمساكين بنية التخلص منه ، لا الصدقة ؛ لأن الصدقة لا تكون من المال الحرام .
ثالثا :(/3)
إذا كانت الشركة توفر خدمة الشراء عن طريق الإنترنت ، وتورد أسماء البطاقات المحرمة ، فإنه يجوز لك البقاء فيها بشرط أن تعمل في إنشاء الصفحات والأقسام التي لا تتعلق بهذه الخدمة ؛ حتى لا تقع في إثم الإعانة على المعصية والدلالة عليها .
رابعا :
لا يلزمك تجنب الأكواد التي تتعامل مع هذه الخدمة بشكل مباشر ، فقد قلنا إن الممنوع هو تسجيلك ونصك على اسم البطاقة المحرمة ، وليس مجرد تمكين المستخدم من الشراء أو وضع رقم فيزته ، فقد يكون ممن يستعمل بطاقة لا محذور فيها . وفي حال استخدامه لبطاقة محرمة ، فإن إثم ذلك عليه .
وينبغي التنبه هنا إلى أن البائع – في الإنترنت وخارجه - يجوز أن يبيع سلعته لمن يستعمل بطاقة الفيزا مطلقا ، دون التفتيش عن حالها وطريقة تعامل المشتري بها ، وهل لديه رصيد أم لا ، وهل تفرض عليه غرامة تأخير أم لا ؛ إذ لا يكلف البائع بذلك ، ولا يلزمه سؤال المشتري عن مصدر ماله ، وإنما يلزمه ألا يتعامل بالحرام ، كبيع الذهب لمن يشتري بالبطاقة . كما أن بعض المشترين قد يتعامل ببطاقة محرمة ، لكن على وجه يسلم فيه من ارتكاب المحذور ، كما هو معروف فيما يسمى بشحن الكارد ، فيشحن الكارد بقيمة المشتريات ثم يشتري ما يريد ، ويسلم بذلك من المحاذير .
والمصمم والمبرمج لا يجوز له أن يعين على شيء من الحرام ، كذكر أسماء البطاقات المحرمة ، أو تصميم ما يدعو للقمار والميسر ، أو شرب الخمور ، أو الدعارة ، أو نحو ذلك من المحرمات .
خامسا :
يجوز لك العمل في هذه الشركة بشرط ألا تعين على شيء من الحرام كما سبق ، فلا تشارك في برمجة ما يتعلق ببيع المحرمات أو الدلالة عليها أو الإعلان عن القروض الربوية ، ولك أن تستمر في العمل حتى يتضح لك طبيعة العمل القادم ، فإن أمكنك تجنب ما فيه من محذور ، فواصل عملك ، وإن وجدت عملا خاليا من الشبهة ، نقيا في جميع أقسامه ، فهذا أولى من غير شك .
سادسا :(/4)
لا حرج في تنفيذ ما طلب منك من تكوين مكتبة للأكواد الخاصة بالشركة كي يتم استخدامها فيما بعد في أي موقع جديد ولو فرض أنه تم استخدامها في المواقع التي تتعامل ب ال (e-commerce) أو تتعامل مع البنوك أو الفنادق ؛ لأن المحذور كما سبق هو النص على البطاقة المحرمة ، أو الدلالة على البنك الربوي ، أو السلعة المحرمة ، وليس مجرد تمكين الموقع من البيع والشراء وتسجيل رقم بطاقة المستخدم .
ونحن نحمد الله تعالى أن رزقك الحرص على تحري الحلال والبعد عن الحرام ، والاهتمام بذلك ، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والتسديد ، ولعلك بالبحث والتحري تجد العمل الأفضل البعيد عن الشبهة .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
104300
العنوان:
يريد الزواج من فتاة ووالداه يرفضان لسوء سمعتها
السؤال:
أنا في مشكلة كبيرة فأنا تبت والحمد لله منذ مدة وأرجو من الله أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين لكن لي مشكلة وهي أني أريد الزواج من فتاة وأهلي غير موافقين منذ سنين لأن لها سمعة سيئة هي تريد التوبة أيضا لكن المشكلة في الزواج والداي يرفضان فكرة الزواج منها مطلقا وأنا لا أخفي عليكم أني أريد الزواج منها لكن لا أريد أن أخسر والدي هي تريد التوبة واشترطت عليها أن ترتدي الحجاب الشرعي وأنا لا يهمني الماضي إن تغيرت . والزواج لشاب من سني آمن ماذا أفعل ؟ انصحوني إخواني في الله وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نهنئك على التوبة والاستقامة ونسأل الله تعالى لك الثبات ومزيدا من الخير والهدى والفلاح .
ثانيا :
لا شك أن الزواج فيه الأمن والاطمئنان والعفة والإحصان ، وهو خير ما يوصى به الشباب ، لا سيما عند كثرة الفتن والمغريات ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400).
ثالثا :
من عرفت بالسوء ثم تابت واستقامت فلا حرج في الزواج منها .
وإذا كان والداك يرفضان هذه الفتاة لسمعتها وماضيها ، فهما على حق في ذلك ، أو على الأقل وجهة نظرهما مقبولة ، ليست باطلة ، فعليك أن تطيعهما في عدم الزواج منها ، إلا في حالة أن تخشى الوقوع في الزنا بها ، عياذا بالله من ذلك.
ونصيحتنا أن تغلب جانب العقل على العاطفة ، وأن تبحث عن غير هذه المرأة ، ممن ترضى دينها وخلقها ، وبهذا تحقق جملة من المصالح ، أعظمها إرضاء والديك .
وأكثر من دعاء الله تعالى ، أن يلهمك الصواب والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104330
العنوان:
حكم الصلاة في مسجد به قبر داخل حجرة
السؤال:
ما حكم الصلاة بمسجد يضم حجرة على يساره ، بها قبران ، وتفتح هذه الحجرة لاستخراج بعض لوازمه كالمنبر مثلاً .
الجواب:
الحمد لله
" المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها ، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ، ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور ، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور ، لا قبر ولي ولا غيره ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك ، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . قالت عائشة رضي الله عنها : يحذر ما صنعوا ) أخرجه البخاري ( 1330 ) ومسلم ( 529 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير، فقال : ( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله ) متفق على صحته.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك ) خرجه مسلم في صحيحه (532 ) عن جندب بن عبد الله البجلي .
فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد ، ولعن من فعل ذلك ، وأخبر : أنهم شرار الخلق ، فالواجب الحذر من ذلك .(/1)
ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا ، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا ، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد ، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت ، أو الاستغاثة به ، أو الصلاة له ، أو السجود له ، فيقع الشرك الأكبر ، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى ، فوجب أن نخالفهم ، وأن نبتعد عن طريقهم ، وعن عملهم السيئ . لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد ، فالواجب هدمه وإزالته ؛ لأنه هو المحدث ، كما نص على ذلك أهل العلم ؛ حسماً لأسباب الشرك وسداً لذرائعه . والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (10/246).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : قام أهل بلدتنا بهدم مسجد لكي يعيدوا بناءه وكان هذا المسجد مقاما على قبر ، وبعد أن بدءوا البناء ارتفع هذا البناء على القبر ، ولم يضعوه خارج المسجد ، فما حكم التبرع لهذا المسجد ؟ وهل تجوز الصلاة فيه بعد بنائه على القبر؟ مع العلم بأن القبر في حجرة وبابها في المسجد .
فأجابت : "إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز التبرع لبناء هذا المسجد ، ولا المشاركة في بنائه ، ولا تجوز الصلاة فيه ، بل يجب هدمه" انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز . عبد الرزاق عفيفي . عبد الله بن غديان . عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/411).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104336
العنوان:
سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع دون السامع
السؤال:
ما حكم قراءة القرآن جماعة ، وسجود تلاوة جماعة للذين يقرؤون، والذين لا يقرؤون القرآن؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
قراءة القرآن جماعة على صوت واحد ، ليس مشروعا ؛ لعدم وروده في السنة ، والأصل في العبادة التوقيف ، حتى يدل الدليل الصحيح على المشروعية ، في أصل العبادة ووصفها وزمانها ومكانها وعددها ، فلا تخص العبادة بشيء من ذلك إلا بدليل .
قال الشاطبي رحمه الله : " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك .
ومنها التزام العبادات المعينة ، في أوقات معينة ، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان ، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39).
وإذا كان بصوت مرتفع يشوش على الذاكرين والجالسين ، كان أشد كراهة ، لعوم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ) رواه أحمد (4928) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وأما إن كان أحد الجماعة يقرأ ، والباقون يستمعون لقراءته ، أو يتناوبون القراءة فيما بينهم ، وهو ما يعرف بالإدارة بالقراءة ، أو كان الجماعة في المسجد ، وكل منهم يقرأ لنفسه ، لا يشوش أحدهم على صاحبه ، ولا يوافقه بقراءته ، فهذا لا بأس به ، بل هو قربة مشروعة ، محبوبة لله تعالى .(/1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم (2699) .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" فصل : في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين ، وفضل القارئين من الجماعة والسامعين ، وبيان فضيلة من جمعهم عليها ، وحرَّضهم وندبهم إليها " ثم قال : " اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهر " ، ثم ذكر الحديث السابق ، وما أشبهه .
انظر : التبيان في آداب حملة القرآن (72-74)
ثم ذكر بعده فصلا في " الإدارة بالقرآن " ، قال :
" وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك ، ثم يسكت ويقرأ الآخر من حيث انتهى الأول ، ثم يقرأ الآخر ، وهذا جائز حسن ؛ وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه فقال : لا بأس به " . التبيان (74) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الِاجْتِمَاعُ لِذِكْرِ اللَّهِ ، وَاسْتِمَاعِ كِتَابِهِ ، وَالدُّعَاءِ : عَمَلٌ صَالِحٌ ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ . فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا مَرُّوا بِقَوْمِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إلَى حَاجَتِكُمْ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ { وَجَدْنَاهُمْ يُسَبِّحُونَك وَيَحْمَدُونَك } .(/2)
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا أَحْيَانًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ فَلَا يُجْعَلُ سُنَّةً رَاتِبَةً يُحَافَظُ عَلَيْهَا إلَّا مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمَاعَاتِ ، مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَمِنْ الْجُمُعَاتِ وَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا مُحَافَظَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَوْرَادٍ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ : فَهَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا .
فَمَا سُنَّ عَمَلُهُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ كَالْمَكْتُوبَاتِ : فُعِلَ كَذَلِكَ ، وَمَا سُنَّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مِنْ الْأَوْرَادِ عُمِلَ كَذَلِكَ ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم - يَجْتَمِعُونَ أَحْيَانًا : يَأْمُرُونَ أَحَدَهُمْ يَقْرَأُ وَالْبَاقُونَ يَسْتَمِعُونَ . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ : يَا أَبَا مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ ، وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ : اجْلِسُوا بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً . وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ التَّطَوُّعَ فِي جَمَاعَةٍ مَرَّاتٍ وَخَرَجَ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَفِيهِمْ قَارِئٌ يَقْرَأُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ يَسْتَمِعُ " . مجموع الفتاوى (22/521) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/112) : " ما حكم قراءة القرآن في المسجد جماعة ؟(/3)
الجواب : السؤال فيه إجمال ، فإذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة : فهذا غير مشروع ، وأقل أحواله الكراهة ، لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم ، لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به .
وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه أو تعلمه ، ويقرأ أحدهم وهم يستمعون ، أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتق بصوته ، ولا بموافقة مع الآخرين : فذلك مشروع ، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم " انتهى.
وجاء فيها أيضا (2/480) : " الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه ، ويتفهموا معانيه ، مشروع وقربة يحبها الله , ويجزي عليها الجزاء الجزيل ، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) " انتهى .
ثانيا :
سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع ، دون السامع الذي يسمع بلا إصغاء أو قصد .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/361) : " ويسن السجود للتالي والمستمع ، لا نعلم في هذا خلافا . وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها . وقد روى البخاري , ومسلم , وأبو داود , عن ابن عمر , قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة , فيسجد , ونسجد معه , حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته } .(/4)
فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له , وروي ذلك عن عثمان , وابن عباس , وعمران ، وبه قال مالك . وقال أصحاب الرأي : عليه السجود . وروي نحو ذلك عن ابن عمر , والنخعي , وسعيد بن جبير , ونافع , وإسحاق ; لأنه سامع للسجدة , فكان عليه السجود كالمستمع . وقال الشافعي : لا أؤكد عليه السجود , وإن سجد فحسن .
ولنا ما روي عن عثمان رضي الله عنه : أنه مر بقاص , فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه , فلم يسجد . وقال : إنما السجدة على من استمع . وقال ابن مسعود , وعمران : ما جلسنا لها . وقال سلمان : ما عدونا لها . ونحوه عن ابن عباس , ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر : إنما السجدة على من سمعها . فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد , فيحمل عليه كلامه جمعا بين أقوالهم ; ولا يصح قياس السامع على المستمع , لافتراقهما في الأجر " انتهى .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
104339
العنوان:
قصة دعاء يستغيث منه الشيطان ؟
السؤال:
أود السؤال عن دعاء يتناقل الآن في المنتديات بعنوان : " دعاء يستغيث منه الشيطان " ، وهو ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع : " أنه كان يدعو الله كل يوم بدعاء خاص ، فجاءه شيطان وقال له : يا إمام ! أعاهدك أني لن أوسوس لك أبدا ، ولن آتيك ولن آمرك بمعصية ، ولكن بشرط أن لا تدعو الله بهذا الدعاء ، ولا تعلمه لأحد . فقال له الإمام : كلا ! سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت . هل تريد معرفه هذا الدعاء ؟ كان يدعو فيقول : " اللهم إنك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا ، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم ، اللهم آيسه منا كما آيسته من رحمتك ، وقَنِّطه منا كما قَنَّطته من عفوك ، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك " فهل يصح هذا الأثر ؟ وجزاك الله الجنة .
الجواب:
الحمد لله
في هذه الحكاية جانبان اثنان لا بد من التنبيه عليهما :
أولا :
شرعية كلمات الدعاء المذكورة عن محمد بن واسع رحمه الله ، فهي جمل صحيحة المعاني ، مستقيمة المقاصد ، ليس فيها ما يستنكر ولا ما يستغرب ، فالدعاء بتقنيط الشيطان من إغوائك وإضلالك له ما يشهد له ، وليس اعتداء في الدعاء ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يصيبه اليأس من العباد في بعض الأزمان والأحيان ، فقال :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ )
رواه مسلم (2821)
وليس بمستنكر أن يسأل العباد ربهم أن يحقق لهم ذلك ويعصمهم من الشيطان ، وهو من جنس الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، فلا حرج على مَن دَعا به وسأل الله تعالى بما جاء فيه ، من غير اعتقاد فضل خاص أو أثر معين لكلماته ، بل يعتقد أنها كغيرها من كلمات الدعاء ، الصدق والإخلاص فيها هو سبب قبولها ، وليس شيئا غير ذلك .
ثانيا :(/1)
أما عن وقوع الحادثة المذكورة ومجيء الشيطان إلى محمد بن واسع ومخاطبته بذلك الكلام ، فهذا لا نستطيع أن نؤكده ، ولا ننفيه أيضا ، والسبب أننا لم نجد سند هذه القصة في كتب الأثر والرواية ، كما أننا لا نرى في مقصودها شيئا مستنكرا يستحق التكذيب :
فكلمات الدعاء مقبولة شرعا وهي كالاستعاذة ، والشيطان يتصاغر عند الاستعاذة بالله ، وأشد ما يجده إذا حالت رحمة الله بينه وبين العباد ، فقد استكبر هو عنها فلا يريد أن تنال أحدا من الخلق .
أما تفاصيل القصة فلعل الأقرب أنها رؤيا منام ، وليست حقيقة واقعة ، وإن كان الشيطان يعرض للبشر بصورة رجل ، كما عرض لأبي هريرة رضي الله عنه حين وكَّله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ مال الصدقة . رواه البخاري معلقا (3275)
وفي كتب السير كثيرٌ من القصص المشابهة ، ولم نر أحدا من أهل العلم يعقب عليها بالتكذيب والنفي . انظر كتاب "سلاح اليقظان لطرد الشيطان" للشيخ عبد العزيز السلمان (ص/15)
ومحمد بن واسع من أئمة العلم والدين ، توفي سنة (123هـ) وكان من عباد أهل البصرة وأفضلهم ، حتى قال فيه سليمان التيمي : " ما أحد أُحِبُّ أن ألقى الله بمثل صحيفته مثل محمد بن واسع " انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (6/119) ، فلا يستبعد أن الشيطان يئس من إغوائه وإضلاله فجاء يطلب منه الكف عن الدعاء عليه .
ورغم ذلك فالجزم بثبوتها خطأ أيضا ، إذ لم نر من ذكرها إلا أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/38) ومِن المعلوم أن كتاب "الإحياء" يحوي الكثير من الأحاديث والآثار والقصص الضعيفة والموضوعة ، فلا يُركن إلى نقله .
جاء في "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (26/129-130) :
" السؤال :(/2)
قال محمد بن واسع رحمه الله : كنت أقول صباحا ومساء : " اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا ، مطلعا على عوراتنا ، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم , اللهم فآيسه منا كما آيسته من رحمتك , وقنطه منا كما قنطته من عفوك , وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك .
قال محمد بن واسع : فرأيت إبليس في المنام فقال : لا تعلم هذا الدعاء لأحد فقلت : والله لا أمنعه من مسلم !
فما رأي سماحتكم بهذا الدعاء ؟ وهل يجوز الدعاء به ؟
فأجاب عنه سماحته بتاريخ 18/ 12/ 1414هـ .
محمد بن واسع الأزدي البصري من صغار التابعين ، ومن الثقات العباد رحمه الله .. وهذا الدعاء لا بأس به ، ولم أقف عليه في ترجمة محمد المذكور في "البداية" لابن كثير .
ويكفي عن ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، كما قال سبحانه : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأعراف/200 ، وقال سبحانه : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الشيطان في صلاته وغيرها بقوله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وربما قال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه .. وقد فسر أهل العلم الهمز بالصرع ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر ، يعنون بذلك المذموم ، والله ولي التوفيق " انتهى .
والخلاصة : أنه لا ينبغي الجزم بثبوت مثل هذه القصة ؛ إذا لم ترد مسندة في كتاب ، ولم ترد أيضا في كتاب يتحرى الدقة ، وإن كان الدعاء لا بأس به ، ولا نكارة في معانيه ولا ألفاظه ، من غير اعتقاد أن يترتب عليه فضيلة معينة ، لا ما جاء في القصة ، ولا غيرها من الفضائل ، ومن غير أن يتخذ ـ أيضا ـ وردا ثابتا ، كالأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104342
العنوان:
من دان بغير الإسلام فهو كافر سواء كان من الصابئة أو من غيرهم
السؤال:
هنا بالمغرب جماعة تسمى بالصابئين يدعون أنهم على دين إسماعيل عليه السلام ما حكمهم في الدين ؟ وهل هم على صواب أم هم ضالون ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حال الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم ، هل هم من النصارى أو من اليهود أو المجوس ، إلى غير ذلك من الأقوال ، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (49048) .
وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيجب أن يعتقد أن كل من دان بغير دينه فهو كافر ، ولا ينفعه انتسابه إلى إبراهيم أو إسماعيل أو موسى أو عيسى عليهم السلام ، لأن الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء ، وأوجب على الجن والإنس اتباعه والإيمان به ، وجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع ومهيمنة عليها ، كما قال سبحانه : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) الأحزاب/40، وقال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) آل عمران/81 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/170 ، وقال سبحانه : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا ) المائدة/48 .(/1)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) رواه مسلم (153) .
وعليه ؛ فهذه الجماعة التي ذكرتها إذا كانوا لا يدينون بالإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهم كفار ، لا شك في ذلك ولا ريب .
وقد أوردت الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة نبذة عن الصابئة الذين يعيشون اليوم في جنوبي العراق وإيران ، وأنهم يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم ، وذكرت شيئا من عبادتهم كالصلاة التي تختلف عن صلاة المسلمين ، والطهارة والتعميد .
ينظر : "الموسوعة الميسرة" (2/724- 733) .
وأما الصابئة بالمغرب فلا نعلم شيئا عن حالهم ، وحسبك ما ذكرنا من أن كل من دان بغير الإسلام فهو كافر ، سواء انتسب إلى اليهودية أو النصرانية أو الصابئة أو غيرها ، حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه وبكتابه ويلتزم شريعته . وقد نص أهل العلم على أن المسلم يكفر ويرتد إذا اعتقد أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف إذا خرج عنها بالفعل .(/2)
قال في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (6/171) في باب المرتد : " من اعتقد أن لأحدٍ طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو لا يجب عليه اتباعه ، أو أن له أو لغيره خروجا عن اتباعه صلى الله عليه وسلم وعن أخذ ما بُعث به ، أو قال : إن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر ؛ لتضمنه تكذيب قوله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الأنعام/153 . أو اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ، فهو كافر " انتهى بتصرف .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104345
العنوان:
صفة العمرة عن الصبي غير المميز
السؤال:
أنوى أداء العمرة بإذن الله وسيكون معي زوجي وأبنائي الثلاثة وجميعهم دون سن الرابعة. فأرجو توضيح كيفية إحرامهم وأداء النسك لهم وكذلك التحلل هل يفضل لهم الحلق أم التقصير؟
الجواب:
الحمد لله
يصح الحج والعمرة من الصبي المميز وغير المميز في قول جمهور العلماء ، بل حُكي الإجماع على ذلك .
وصفة العمرة للصبي غير المميز وهو من دون السابعة ، أن ينوي عنه وليه ، بعد أن يلبسه الإحرام ويجنبه المحظورات ، فينوي أن الصبي صار محرما .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فيحرم عنه : أي ينوي أن هذا الصبي صار محرماً ، لا أن ينوي أنه هو أحرم عن الصبي ؛ لأن هذا لا يستقيم ، لكن ينوي أن هذا الصبي دخل في الإحرام ، وإذا فعل ذلك انعقد إحرام الصبي " انتهى من "شرح الكافي" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
وكذلك ينوي له الطواف والسعي ، وله أن يحمله فيهما ، والأفضل في حال حمله أن يطوف لنفسه ، ثم يطوف للصبي ، وإن اكتفى بطواف واحد أجزأ عنهما على الراجح .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده ، ولو كان ذلك واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/257).(/1)
وسئل الشيخ ابن جبرين عن ذلك فقال : " حيث صح الإحرام بالصبي فإن الولي هو المسئول عنه ، فيلبسه الثياب ويعقد عليه إحرامه وينوي عنه النسك ويلبي عنه ويمسك بيده في الطواف والسعي ، فإن كان عاجزاً كصغير أو رضيع فلا بأس بحمله ، ويكتفي بطواف واحد عن الحامل والمحمول على الصحيح ، فإن فعل الصبي محظوراً عن جهل كلبس أو تغطية رأس فلا فدية لعدم القصد فإن كان عمداً كحاجة إلى اللباس لبرد ونحوه فدى عنه وليه " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/182).
فإذا طاف الصبي وسعى ، بقي الحلق أو التقصير ، والأفضل الحلق لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة . رواه مسلم (1303) ، إلا أن يخشى عليه من البرد ونحوه فيكتفي بالتقصير ، ويجب أن يكون التقصير من جميع الرأس ، كما هو مذهب مالك وأحمد رحمهما الله ، وينظر جواب السؤال رقم (36847) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104346
العنوان:
أوصت بحرمان ابنها الأكبر من ميراثها لأنها زوجته من مالها
السؤال:
امرأة ماتت وتركت مبلغا من المال وبعضا من الذهب وقبل موتها أوصت بأن لا يعطي ابنها الأكبر من مالها لأنها زوجته من مالها ، وقالت : يكفي أني زوجته ..والفلوس والذهب تقاسموها فيما بينكم ولا تعطوا ابني الأكبر شيئا لأنه قد أخذ حقه .. فهل ننفذ وصيتها....أم نعطي ابنها الأكبر قسمته ... وهل نقسم المال في الوقت الحالي أم ننتظر الأبناء الصغار حتى يكبروا ..لأنهم حاليا ما زالوا قصر .. وأيضا الأبناء والبنات الكبار يطالبوننا بالقسمة الآن .. فما هو الحل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
هذه الوصية المتضمنة حرمان الابن الأكبر من الميراث ، لا تجوز ولا تصح ، لما فيها من تعدي حدود الله ، والمضارة بأحد الورثة ، وقد قال تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) النساء/12
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " أي : لتكون وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة أو ينقصه ، أو يزيده على ما قدر الله له من الفريضة ، فمن سعى في ذلك ، كان كمن ضاد الله في حكمته ، وقسمته " انتهى .
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه : " الإضرار في الوصية من الكبائر ".
قال الحافظ في الفتح : رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ، ورواه النسائي ورجاله ثقات .
وتزويج الأم لابنها عمل صالح ، ولا يلزمها أن تعطي لبقية إخوانه نظير ما دفعته من المال ، بل من احتاج منهم للزواج في حياتها زوجته ، ومن الخطأ ما يفعله بعض الناس إذا زوج ولدا من أولاده أن يوصي للبقية بمال ، ويظن هذا من العدل ، ومثله ما حصل هنا من المرأة المسئول عنها ، فإنها أرادت حرمان ولدها من التركة ، ظنا منها أن ذلك من العدل .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لا يجوز للإنسان أن يفضل بعض أبنائه على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطي الأنثى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) فإذا أعطى أحد أبنائه 100 درهم وجب عليه أن يعطي الآخرين مائة درهم ويعطي البنات 50 درهما ، أو يرد الدراهم التي أعطاها لابنه الأول ويأخذها منه ، وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة ، أما النفقة الواجبة فيعطي كلا منهم ما يستحق ، فلو قدّر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج ، وزوّجه ودفع له المهر لأن الابن لا يستطيع دفع المهر فإنه في هذه الحال لا يلزم أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى لهذا الذي احتاج إلى الزواج ودفع له المهر لأن التزويج من النفقة ، وأود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلا ؛ يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم ، ويكون عنده أولاد آخرون صغار ، فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين وهذا حرام لا يجوز لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث والوصية لوارث محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) ، فإن قال : أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله ، فإننا نقول إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت فزوجهم مثلما زوجت إخوتهم ، فإن لم يبلغوا فليس واجبا عليك أن تزوجهم " انتهى من فتاوى إسلامية ( 3 / 30 ) .
والحاصل : أنه لا يجوز أن يوصى الإنسان لبقية الأبناء بمبالغ لزواجهم ، ولا أن يحرم من سبق تزويجه ، من ميراثه كله أو من بعضه ؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى ومن الإضرار في الوصية .
والواجب قسمة التركة على جميع الورثة ، كل يأخذ نصيبه الشرعي منها .
ثانياً :(/2)
وأما مطالبة بعض الورثة بقسمة التركة ، فهذا حقهم ، فيجب إجابتهم لذلك ، وأما الصغار ، فيحفظ لهم مالهم ، وينفق عليهم منه ، فإذا بلغوا وكانوا راشدين أعطوا ما تبقى من أموالهم ، لقول الله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) النساء/6.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104349
العنوان:
الإيداع في البنك الربوي لغرض حفظ المال
السؤال:
كانت لي فلوس في بنك ربوي أخرجتها ووضعتها في بنك إسلامي أصل هذا البنك ربوي (بنك مصر) فهل علي وزر ؟ وإذا كنت لا أملك مكانا أضع فيه الفلوس أو أخاف من أن أصرفها فهل هذه ضرورة تبيح لي هذا المحذور ؟ ولو وجدت آراء للعلماء في هذا الموضوع أرجو توضيح الآراء .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في وضع المال في البنك الإسلامي المنضبط بالشرع ، ولو كان أصله ربوياً ، بل ينبغي تشجيع البنوك على التخلص من الربا ، وضبط معاملاتها بالشرع ، ونحن لا علم لنا بالبنك المذكور ولا بجدية تحوله إلى بنك إسلامي .
ثانيا :
الإيداع في البنك الربوي محرم ، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة ؛ لأنه إن كان بفائدة فهو القرض الربوي الصريح ، وإن كان بغير فائدة فهو من إعانة البنك على الربا ، لأنه معلوم أن البنك يستفيد ويتقوى بهذه الأموال .
إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله ، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي ، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات ، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة من باب : الضرورة تقدّر بقدرها ، وارتكاب أخف الضررين ، فهذه حالة مستثناة من عموم الحكم بتحريم الإيداع في البنك الربوي .
وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما قولكم -وفقكم الله- فيمن يودع أمواله لدى البنوك التي تتعامل بالربا ، وتستعين بما لديها من ودائع الناس في المعاملات الربوية ، مع العلم أن هذا المودع يستطيع حفظ ماله عن السراق بالصناديق المحكمة والخاصة بحفظ الأموال ؟(/1)
فأجابوا : "إذا كان البنك يستعين بما وضعه لديهم المودع من الأموال في المعاملات الربوية ، وكان صاحب المال يستطيع أن يحفظ ماله من السراق ونحوهم بطرق أخرى ليس فيها ربا - حرم عليه إيداعه في البنك وغيره ممن يستعمله في معاملات محرمة ، ويستعين به على ارتكاب المنكرات ، فإن وسيلة الشر شر ، والإعانة على فعل المحرم حرام ، والوسائل لها حكم الغايات" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/343) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول ، فهل يجوز ذلك أم لا ؟
فأجاب : "لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة ؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان ، والله سبحانه قد نهى عن ذلك ، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية ، فلا حرج إن شاء الله ؛ للضرورة ، والله سبحانه يقول : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) ومتى وجد بنكا إسلاميا أو محلا أمينا ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه ، لم يجز له الإيداع في البنك الربوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز"(19/414).
وينظر جواب السؤال رقم (22392) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104354
العنوان:
إذا كان بقدميه ما يمنع وصول الماء وتعذرت إزالته
السؤال:
تلتصق بقدمي أشياء نظرا لأن قدمي مشققة فلا أستطيع إخراجها هل هذا يبطل الوضوء ؟ وفي مرة التصق بقدمي زفت أخرجت جزءا منه ولم أستطع أن أخرج الباقي ، هل هذه الصلاة جائزة ؟ يوجد برامج للموبايل تذكر بأوقات الصلاة وهكذا ولكن لها حقوق طبع فهل هذا جائز ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ، ويعفى عن الشيء اليسير جدا كالوسخ تحت الأظفار أو في شقوق الرجلين بعد الاجتهاد في إزالته .
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/158) : "لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته . قاله ابن عقيل . . . وقيل : تصح , وهو الصحيح , وإليه ميل المصنف (ابن قدامة) , واختاره الشيخ تقي الدين ( ابن تيمية) وقيل : يصح ممن يشق تحرزه منه , كأرباب الصنائع والأعمال الشاقة من الزراعة وغيرها .
وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما ، واختاره " انتهى.
وإذا تعذر إزالة ما لصق بالجلد ، وكان كثيرا لا يعفى عنه ، فإنك تمسح عليه كالجبيرة .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وإذا كان هناك مانع يمنع وصول الماء لم يصدق عليه أنه غسل العضو ، لكن شيخ الإسلام رحمه الله قال : إن الشيء اليسير يعفى عنه لا سيما فيمن ابتلي به . وهذا ينطبق على العمال الذين يستعملون البوية فإنه كثيرا ما يكون فيه النقطة أو النقطتان إما أن ينسوها أو لا يجدون ما يزيلونها به في الحال ، فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يعفى عن هذا . ولكن ينبغي أن نأخذ بالحديث – [ وهو ما روى مسلم (243) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى ] - وأنه لا يعفى عن الشيء ولو كان يسيرا ، فهو إن أمكنه أن يزيله قبل أن يخرج وقت الصلاة أزاله ، وإلا مسح عليه وصار كالجبيرة " انتهى من "شرح الكافي".
ثانيا :
برامج الموبايل إذا لم يأذن أصحابها في نسخها ، فلا يجوز نسخها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (95173)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104394
العنوان:
توفيت عن أخت وبنات عم وأبناء أبناء عم
السؤال:
توفيت امرأة عن أخت شقيقة ، وبنت عم ، وثمانية أبناء أبناء عم ، وأربع بنات عم . كيف تقسم التركة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا توفيت امرأة عن أخت شقيقة ، وبنت عم ، وثمانية أبناء أبناء عم ، وأربع بنات عم ، فتقسم التركة كما يلي :
للأخت الشقية النصف فرضا ؛ لقوله تعالى: ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) النساء/176 .
والباقي لأبناء أبناء العم ، تعصيبا ؛ يقسم عليهم بالسوية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615).
ولا شيء لبنت العم ، ولا لبنات العم الأربع ، لأنهن لا يرثن لا بفرض ولا تعصيب .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104397
العنوان:
رضع معظم أولاد خالته من أمه ورضع هو من خالته فما حكم أخيه؟
السؤال:
أنا رضعت من خالتي ، وأمي أرضعت معظم أولادها ، فهل يجوز لأخي الزواج من ابنة خالتي مع العلم أنه لم يرضع من خالتي ؟
الجواب:
الحمد لله
من رضع من امرأة خمس رضعات معلومات ، صار ابنا لها من الرضاع ، وأخا لجميع أبنائها الذكور والإناث .
ودليل ذلك ما رواه مسلم (1452) عَنْ عَائِشَة َرضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ) .
وحد الرضعة كما قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (5/575) : " الرضعة مرة من الرضاع بلا شك ، كضربة وجلسة وأكلة ، فمتى التقم الثدي فامتص منه ثم تركه من غير عارض كان ذلك رضعة ، لأن الشرع ورد بذلك مطلقا فحمل على العرف ، والعرف هذا . والقطع العارض لتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود عن قرب لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة ، كما أن الآكل إذا قطع أكلته بذلك ثم عاد عن قريب لم يكن أكلتين بل واحدة ، هذا مذهب الشافعي . . . ولو انتقل من ثدي المرأة إلى ثديها الآخر كانا رضعة واحدة " انتهى .
وعليه : فإذا كنت رضعت من خالتك خمس رضعات ، فأنت أخ لجميع أبنائها وبناتها ، ولا يجوز لك أن تتزوج واحد منهن .
وحكم الرضاع يتعلق بالشخص الذي رضع وأولاده ، أما إخوته فلا يشملهم حكم الرضاع .
وعلى هذا ؛ فإذا كانت ابنة خالتك التي يريد أخوك أن يتزوجها رضعت من أمك ، فهي أخته من الرضاع ، فلا يجوز له أن يتزوجها ، وإذا لم تكن رضعت من أمك فلا حرج عليهما في النكاح ، لعدم وجود ما يمنع منه ، ولا يؤثر على ذلك رضاعك من أمها ، ولا رضاع إخوتها من أمك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104398
العنوان:
مسئولية أصحاب المواقع والمشرفين عليها عن وجود المنكرات والصور المحرمة
السؤال:
ينتشر في المواقع والمنتديات صور النساء .. والأغاني والمنكرات , ما حكم فتح منتديات وأقسام في المواقع للأغاني والطرب والفن والسينما والفضائيات ؟ وهل على المشرف العام وصاحب الموقع والأعضاء عامة إثم في أي مشاركة ؟ فالبعض يتعذر بقوله "لم نجبر أحداً على إضافة صور النساء في المواضيع والتواقيع والصور الشخصية" كذلك هل على المشرف أو المدير أو صاحب الموقع إثم في حالة أن العضو يضع صورا نسائية في توقيعه ومشاركاته ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز فتح مواقع أو أقسام للغناء والطرب ولا لأخبار المغنيين والفنانين والأفلام ونحوها ، لما في ذلك من نشر المنكرات والدعاية والإعانة عليها .
وقد دلت الأدلة الصحيحة على تحريم استماع الموسيقى ، وتحريم الاختلاط ، وكشف العورات في الواقع أو في الأفلام ونحوها ، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (5000) ورقم (1200)
وعليه ؛ فالواجب إنكار هذه المنكرات ومحاربتها ، لا تشجيعها ولا الدلالة أو الإعانة عليها ، ومن أعان على المنكر أو دل عليه كان شريكا لفاعله في الإثم .
قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم (4831) .
ثانيا :(/1)
تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والطير والحيوان ، ووضع ذلك في المنتديات ، أو الاحتفاظ بها للذكرى ، لا يجوز ؛ لعموم الأدلة في تحريم التصوير ، ولعن فاعله ، وانظر جواب السؤال رقم (22660) ، (8954) .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان لضرورة أو حاجة ماسة ، كصور إثبات الشخصية ونحوها .
ويدخل ضمن التصوير المحرم رسم الصور الكرتونية المتخيلة أو المشوهة لذوات الأرواح ؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ ، وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ .
والدُّرنوك : هو نوع من الستائر .
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ، ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع ، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح ، سواء كان نحتا ، أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق ، أم كان نسيجا ، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز ، وسواء كان للشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جمل أو شوه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي . فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها ، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس . . إلخ، وذلك لعموم النصوص ، ولما فيها من المضاهاة ( يعني لخلق الله ) ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى .
ثالثا :(/2)
وضع صور النساء في المنتديات ، عمل قبيح ، لما فيه من استعمال التصوير المحرم ، ولما فيه من إثارة الفتن وتهييج الشهوات ، والواجب على القائمين على الموقع أن يمنعوا ذلك ؛ لأن إنكار المنكر وإزالته واجب على من قدر عليه ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) .
وتعذر البعض بقولهم : "لم نجبر أحداً على إضافة صور النساء في المواضيع والتواقيع والصور الشخصية" لا يفيدهم ؛ لأنهم مأمورون بإنكار المنكر كما سبق .
وإذا وضع المشارك صورة محرمة ، أثم بذلك ، وأثم من سكت عن إزالة المنكر ، من مشرفٍ أو مسئول ، وقد حلت اللعنة ببني إسرائيل لقعودهم وسكوتهم عن إنكار المنكر بينهم ، كما قال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة/78، 79(/3)
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن عاقبة السكوت على المنكر هي الهلاك العام ، والعقوبة العامة ، كما روى البخاري (2493) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا ، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا ، جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ) .
فوصيتنا لأصحاب المواقع والمنتديات والمشرفين عليها أن يتقوا الله تعالى ، وأن يضعوا الضوابط التي تمنع الأعضاء من نشر المنكرات أو الترويج لها ، وأن يزيلوا كل منكر ينشر في مواقعهم ؛ لأنهم مسئولون عن ذلك ، وألا تحملهم الرغبة في تكثير المشاركين على تجاوز حدود الله ، والمشاركة في الإثم بإقراره والسكوت عليه .
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
104399
العنوان:
هل يصح أن يعق عن ابنه بالإبل أو البقر
السؤال:
هل يمكن لمن أراد العقيقة أن يذبح عجلا لابنه بدلا من خروفين؟
الجواب:
الحمد لله
السنة الواردة في العقيقة أن يعق عن الغلام بشاتين ، وعن الفتاة بشاة ؛ لما رواه أبو داود (2842) عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
واختلف أهل العلم : هل تجزئ العقيقة بالإبل والبقر أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى جواز العقيقة بهما ، وذهب البعض إلى المنع من ذلك ؛ لأن السنة لم ترد إلا بالغنم .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (30/279) : " يجزئ في العقيقة الجنس الذي يجزئ في الأضحية , وهو الأنعام من إبل وبقر وغنم , ولا يجزئ غيرها , وهذا متفق عليه بين الحنفية والشافعية والحنابلة , وهو أرجح القولين عند المالكية ، ومقابل الأرجح أنها لا تكون إلا من الغنم " انتهى .
والأفضل أن تكون العقيقة من الغنم ، اتباعا للسنة ، فالشاة هنا أولى من البعير ومن البقرة أو العجل .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أما الأضاحي فقال المؤلف: " أفضلها إبل ، ثم بقر ، ثم غنم" ، ومراده إن أخرج بعيراً كاملاً فهو أفضل من الشاة... إلا في العقيقة فالشاة أفضل من البعير الكامل ؛ لأنها التي وردت بها السنة ، فتكون أفضل من الإبل " انتهى من "الشرح الممتع" (7/424) .
وعلى هذا ؛ فلا حرج من العقيقة عن الابن بعجل (بقرة) غير أن الشاتين أفضل .
وينبغي أن يعلم أنه يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية ، ومن هذه الشروط : أن تكون البقرة قد أتمت سنتين ودخلت في الثالثة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41899) فلا تجوز العقيقة ولا الأضحية بعجل صغير لم يتم سنتين .(/1)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104404
العنوان:
كراهة الصلاة مع استقبال وجه إنسان
السؤال:
هل يجوز الصلاة وأمامي شخص جالس على الكرسي ولا أرى إلا ظهره ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في الصلاة خلف إنسان جالس قد أعطاك ظهره ، وإنما يكره استقبال وجهه ؛ إذا كان سيؤدي إلى إشغال المصلي .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ويكره أن يصلي مستقبلا وجه إنسان ; لأن عمر أدب على ذلك ، وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير , وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة , تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله , فأنسل انسلالا . متفق عليه" انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/230) : " يكره أن يصلي وبين يديه رجل أو امرأة يستقبله ويراه , وقد كرهه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ; ولأنه يشغل القلب غالبا , فكره كما كره النظر إلى ما يلهيه , كثوب له أعلام , ورفع البصر إلى السماء وغير ذلك مما ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة , وقال البخاري في صحيحه : كره عثمان رضي الله عنه أن يستقبل الرجل وهو يصلي , قال البخاري : وإنما هذا إذا اشتغل به , فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت : ( ما باليتُ ، إنّ الرجل لا يقطع صلاة الرجل ) " انتهى.
وأما الجالس المولي ظهره ، إذا كان لا يتحرك ولا يشغل المصلي ، فلا حرج في الصلاة خلفه ، كما أنه لا حرج في الصلاة إلى النائم ؛ لما روى البخاري (382) ومسلم (512) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا ، قَالَتْ : وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ ) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104407
العنوان:
بماذا تنصحونني مع هذه الفتاة ؟
السؤال:
مشكلتي أني متعلق بفتاة كانت خطيبتي قبل ، حدثت مشاكل بيننا وتركتها ، وهذه المشاكل حدثت لأننا أخبرنا الناس حول النكاح ، وبعد ذلك غيرت رأيها حول النكاح ، لذلك حدثت مشاكل ، والآن تقدمت لخطبتها من جديد ، ولم يأتني الرد من أهلها ، ولكن رأيت الفتاة في مكان ما ، وهي قالت لي بأنها لا تريد أن تتزوجني ، وكانت علاقتي سابقة معها ، وهي في الفترة التي كانت هي خطيبتي : كنا نتحدث عبر الإنترنت والهاتف بشكل يومي ، ولمدة سنتين ، وكنا فقط نتحدث فيما يرضى الله ؛ ولأن قلبي متعلق بها ، ولا أستطيع نسيانها ، وأحبها ، وأنا أحببت الفتاه أكثر عندما رأيتها متمسكة في دينها ، ولكنها ترفضني باستمرار عندما أسالها أو أراها في مكان ما ، وأنا - والحمد لله - إنسان مصلٍّ وأخاف الله ، أسأل الله أن يحفظني من فتن الدنيا ، وأريد أن أتزوج وأستر على نفسي وعلى الفتاة !! وأنا أريد أن أستر عليها أيضا لأنها أرسلت لي صورها من غير حجاب ورأيت شعرها وكتفيها !! ولقد أرجعت صورها لها من فترة بطلب منها !! بماذا تنصحونني ، وبماذا تنصحون الفتاه ؟ وما الأفضل لنا ؟ وأتمنى لكم التوفيق .
الجواب:
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يفرج عنا وعنك ، وأن يرزقك السعادة في الدنيا والآخرة ، كما أسأله سبحانه أن يتقبل منك سعيك نحو العفاف ، ورغبتك في الوصول إلى ما يُرضِي اللهَ عز وجل.
ثم نوصيك بالتأني والتأمل في علاقتك بهذه الفتاة ، بعد أن فشلت سنتان من الزمن في الجمع بينكما للوصول إلى الزواج السعيد ، ولا بد أن هناك أسبابا حقيقية وراء هذا الفشل .(/1)
ولعل من أهمها - إذا كانت خطبتكما من غير عقد شرعي – تجاوزُ حدود الله تعالى في المبالغة في الحديث والاتصال اليومي من دون وجود رابط شرعي بينكما ، وهذا التعدي مما ينتشر اليوم بدعوى التعارف والتآلف ، وقد ثبت أن مفاسده تربو على مصالحه المتوهمة ، وأن الأمر لا بد أن يصاغ بطريقته الحقيقية الشرعية ، وهي العقد الكامل ، وإلا فقد أسرف الطرفان على أنفسهما ، ووقعا – غالبا – في كثير من المشاكل ، والعلاقة التي تبدأ بمخالفة شرع الله مآلها الانقطاع والضياع .
لذلك فالنصيحة لك أن تطوي الأيام السابقة بالتوبة والاستغفار ، وتعزم على فتح صفحة جديدة يكون الشرع والعقل فيها الحَكَم الأول والأخير ، وليست العاطفة التي قد تقود إلى الآلام أو الإحباط أو الفشل .
إن التحدي الذي يواجهك اليوم هو القدرة على الاستغناء عن الخلق بالخالق ، وهو الواجب الذي يحقق السعادة للمسلم المستسلم لأمر الله ، فالتعلق بغير الخالق سبحانه مذلة للإنسان ، مجلبة للهم والأحزان ، يتحول القلب فيها إلى ريشة تسير حيث يسير المحبوب ، وتقف حيث تستقل ركائبه ، وذلك ما لا يرضاه الله سبحانه ، ولا يجوز لعاقل أن يرضاه لنفسه .
وأنت بتقدمك لطلب الفتاة من أهلها تكون قد أتممت ما ينبغي عليك ، وفي أي نتيجة يكون الخير فيها لك إن شاء الله :
فهي إذا وافقت تكون قد أقبلت إليك ناسية الماضي المتراكم من الخلافات التي فرقت بينكما ، ليكون ذلك عبرة للتخلص من أسباب الخلاف والشقاق ، والسعي دائما للتفاهم والحوار ، وتقديم كل منكما من التنازل ما يرضى به قرينه وشريكه .(/2)
أما إذا رفضت : فينبغي أن يكون ذلك باعث اطمئنان لقلبك ونفسك ، وليس باعث هم وحزن ، فقد كفاك الله شر الاقتران بفتاة عن غير رضى ولا ارتياح ، فيجب عليك أن تربأ بنفسك عن إيواء مَن لا ترضى بك زوجا ولا قرينا ، ويجب أن يكون ذلك دافعا لك للبحث عن تلك الفتاة التي يتعلق قلبها بك ، وترتاح لمرآك وحضورك ، وليست التي تتردد في الارتباط بك .
يقول الله عز وجل : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/216
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره (ص/96) :
" الغالب على العبد المؤمن أنه إذا أحب أمرا من الأمور فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له ، فالأوفق له في ذلك ، أن يشكر الله ، ويجعل الخير في الواقع ؛ لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه ، وأقدر على مصلحة عبده منه ، وأعلم بمصلحته منه ، كما قال تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ، فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره ، سواء سرتكم أو ساءتكم " انتهى .
فلا تُطمِع نفسك بما لم يكتب الله تعالى من رزق في الدنيا ، فهي أقدار مقسومة وآجال مضروبة ، ولن تنال منها إلا ما كتب لك ، فلا تحزن إن فات محبوب ، ولا تفرح إذا تحصل مطلوب ، واسأل الله تعالى دائما الثبات والطمأنينة والرضا والقناعة .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ) رواه مسلم (1054)
لقد خلق الله القلب نبعا فياضا من مشاعر المحبة والوفاء والإخلاص والاحترام ، ولا ينضب هذا النبع إلا حين يصير الجسم جثة هامدة باردة بالموت ، حينها فقط يمكنك أن تيأس وتخاف ألا يبذل القلب حبه لمن يستحق المحبة .(/3)
أما أن تحاول إقناع نفسك بأن هذه هي الفرصة الوحيدة والأخيرة ، وأنها قصة ضحية لا يمكن أن يسعد في حياته مع غير تلك الفتاة ، فاسمح لي أن أقول لك إنك مخطئ في ذلك الظن ، وأن الشيطان هو الذي يسول ويملي لك ، وأنك إن استرسلت في تعلقك ذلك فلن تبلغ إلا إلى الشقاء والتعاسة .
والحل سهل إن شاء الله تعالى ، بشرط أن تدرب نفسك على تحمل الألم القلبي ، وتأكد أنه لن يطول ، إنما هي أيام أو أسابيع ، وغايتها ستة أشهر يعدها علماء النفس فترة فطام نفسي ، يسلو القلب فيها عن حزن فراق أو موت ، ويعود بعدها أقوى وأثبت مما كان إن شاء الله .
وثمة قاعدة يتفق عليها جميع العقلاء والحكماء والعلماء والمربون وعلماء النفس وأصحاب الخبرة والتجربة ، وهي : أن كل شخص في الدنيا يمكنه أن يستغني عن أي شخص آخر ، فالله سبحانه وتعالى حصر حاجة النفوس إليه سبحانه ، وقطع عنها كل علقة مطلقة بالبشر .
فإذا أدركت هذه الحقيقة ، هان عليك الخطب ، وسهل عليك الأمر ، وكسبت دنياك وقلبك وآخرتك ، ودرأت عن نفسك أوهام الشيطان ووساوسه ، ثم فوق كل ذلك ، تعاملت مع الأمر بكل هدوء وعقلانية ، فإن يسر الله هذه الفتاة زوجة كان بها ، وإن لم ييسرها فإن الله سبحانه يقول : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130
هذه هي القاعدة التي ننصحك بحفظها والإيمان بها والعمل على ضوء ما فيها .
وَكانَت لِقَطعِ الحَبلِ بَيني وَبَينَها كَناذِرَةٍ نَذرًا وَفَت فَأَحَلَّتِ
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وَلَم يَلقَ إِنسانٌ مِنَ الحُبَّ مَيعَةً تَعُمُّ وَلا عَمياءَ إِلّا تَجَلَّتِ
فَإِنَ سَأَلَ الواشُونَ فِيمَ صَرَمتُها فَقُل نَفس حُر ّسُلِّيَت فَتَسَلَّتِ
ويمكنك الاستعانة بما في الأجوبة الآتية : (39931) ، (81991) ، (72389) ، (101713)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
104412
العنوان:
هل يمكن أن يُعذر المرء بترك الصلاة بسبب الجهل بوجوبها ؟
السؤال:
إذا مات مسلم ترك الصلاة في بلد الكفر ، أو مسلم ترك الصلاة في بلد الإسلام ، ما هو أسوأ من الآخر ؟ وهل من مات في بلد الكفر عنده عذر بعد الموت لأنه عاش في بيئة غير مسلمة لا يسمع الأذان - مثلاً - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ترك الصلاة كفر أكبر ، يخرج التارك من ملة الإسلام بتركه لها ، وقد دلَّ على ذلك : القرآن ، والسنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم .
قال الله تبارك وتعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) المدثر/ 38 – 43 .
وعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) . رواه مسلم ( 82 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"مَن مات مِن المكلفين وهو لا يصلي : فهو كافر ، لا يُغسَّل ، ولا يصلَّى عليه ، ولا يُدفن في مقابر المسلمين ، ولا يرثه أقاربه ، بل ماله لبيت مال المسلمين في أصح أقوال العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) أخرجه الإمام أحمد ، وأهل السنن بإسناد صحيح ، من حديث بريدة رضي الله عنه .
وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله تعالى : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأفعال تركه كفر إلا الصلاة " ، والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة .(/1)
وهذا فيمن تركها كسلا ولم يجحد وجوبها ، وأما من جحد وجوبها : فهو كافر ، مرتد عن الإسلام ، عند جميع أهل العلم" انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 10 / 250 ) .
ثانياً:
لا فرق بين يموت تاركاً للصلاة وهو في بلاد المسلمين ، أو وهو في بلاد الكفار ، إلا أن إثمه قد يزيد في حال وجوده بين أظهر المسلمين ؛ لما يراه من صلاة الناس ؛ ولما يسمعه من النداء لها في كل حين .
ثالثاً:
قد يسلم بعض الناس ويعيش في دولة كافرة ولا يدري شيئاً عن أركان الإسلام وواجباته كالصلاة وغيرها ، وهذا يُتصور فيمن نشأ في بادية بعيدة عن العلم والمسلمين ، أو في أدغال الغابات ونحو ذلك فهذا لا يحكم بكفره ، بل ولا إثمه ، لأنه معذور بالجهل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
لكن مِن الناس مَن يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر به ، فلا يُحكم بكفر أحدٍ حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة ، كما قال تعالى : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) ، ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ، أو لم يعلم أن الخمر حرام : لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا ، وتحريم هذا ، بل ولم يعاقب ، حتى تبلغه الحجة النبوية .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 406 ) .
وقال ابن حزم رحمه الله :
ولا خلاف في أن امرءً لو أسلم ، ولم يعلم شرائع الإسلام ، فاعتقد أن الخمر حلال ، وأن ليس على الإنسان صلاة ، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى : لم يكن كافراً ، بلا خلاف يُعتد به ، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى ، حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر .
" المحلَّى " ( 11 / 206 ) .
ويشترط في هذا الجهل أن لا يكون في قدرة صاحبه أن يدفعه بالسؤال وطلب العلم .
قال القرافي المالكي رحمه الله :(/2)
القاعدة الشرعية دلَّت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل ؛ فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله ، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ، ثم يعملوا بها ، فالعلم والعمل بها واجبان ، فمن ترك التعلم والعمل ، وبقي جاهلا : فقد عصى معصيتين ، لتركه واجبين .
" الفروق " ( 4 / 264 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
إن هذا العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته ، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها : لم يكن معذوراً .
" مجموع الفتاوى " ( 20 / 280 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
وأما القادر على التعلم المفرِّطُ فيه ، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي : فهذا الذي ليس بمعذور .
" أضواء البيان " ( 7/357 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 10065 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
104433
العنوان:
توضيح فتوى اللجنة الدائمة في تحريم بيع الأسهم إذا كانت تمثل نقوداً
السؤال:
أرجو توضيح المقصود من هذه الفتوى حيث إني فهمت أنها تحرم بيع الأسهم المملوكة في أغلب الشركات حتى النقية وهذا خلاف المشهور : السؤال اشتريت عدة أسهم من شركة الراجحي المصرفية للاستثمار ، وأريد بيعها الآن ، والسؤال : ما حكم شراء الأسهم من هذه الشركة ؟ وما حكم بيعها ؟ وهل يجوز أن أتعامل مع الشركة المذكورة بشراء أسهم أو بيعها ؟ الجواب : إذا كانت الأسهم أسهما تجارية (عبارة عن نقود يباع بها ويشترى طلبا للربح) ، فلا يجوز بيعها ؛ لأنه يكون بيع نقود بنقود غائبة ، وغير متساوية ، وذلك هو الربا بنوعيه : التفاضل والنسيئة . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . (14/352) .
الجواب:
الحمد لله
المقصود من هذه الفتوى أن الأسهم إذا كانت تمثل نقودا فقط ، فإنه لا يجوز بيعها بأزيد أو أنقص ، بل لابد من التساوي والتقابض . والأسهم تكون نقودا فقط في مرحلة تأسيس الشركة قبل أن تتحول النقود إلى موجودات أو يتحول كثير منها إلى موجودات .
وأما الأسهم التي تمثل موجودات ، كمصانع أو معدات ، أو معادن ، أو زروع ، أو عقارات أو غير ذلك ، فإنه يجوز بيعها وشراؤها ، إذا كانت نقية ، وهذا ما تجده في نفس الفتاوى ، راجع الفتوى السابقة واللاحقة للفتوى التي نُقلت .
هذا ؛ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز بيع الأسهم بعد الإذن في تداولها باعتبار أن الشركة تمتلك موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً، ومن ذلك قيمة الترخيص ، ولأن التغيرات في قيمة السهم بعد بدء التداول لا ترتبط ارتباطا كليا بالتغير في قيمة موجودات الشركة نفسها أو مطلوباتها، وإنما ترجع إلى عوامل أخرى كالعرض والطلب على الأسهم والمؤشر العام والحقوق المعنوية وغير ذلك .(/1)
وانظر جواب السؤال رقم (82146) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104446
العنوان:
حكم حضور وليمة يعلم أنها بمناسبة عيد ميلاد أحد الأفراد
السؤال:
ما حكم حضور وليمة عشاء لدى منزل صديق بدون توضيح أن المناسبة هي ذكرى مولد أحد أهل المنزل وبدون أي تهنئة أو ذكر لموضوع يوم الميلاد ولكن الشبهة أن يوم الدعوة هو يوم المولد ووجود كعكة بعد العشاء ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يشرع الاحتفال بمولد أحد من الناس ؛ لأن ذلك إن فعل تعبدا وتقربا إلى الله فهو بدعة لعدم وروده في الشرع ، وإن فعل عادة متكررة فهو عيدٌ محدَث مبتدع أيضا ، وتشبهٌ بغير المسلمين الذين أخذت عنهم هذه الاحتفالات . وينظر جواب السؤال رقم (1027)
ومن دعي إلى وليمة وعلم أو غلب على ظنه أنها احتفال بمولد أحد من الناس لم يشرع له الحضور ؛ لما في حضوره من إقرار المنكر والإعانة عليه ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2
وينظر جواب السؤال رقم (9485) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104447
العنوان:
إذا قال بين السجدتين : رب اغفر ولوالدي
السؤال:
ما حكم من يقول رب اغفر لي ولوالدي في الجلسة بين السجدتين؟ وهل هذا جائز؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي التمسك بما ورد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين السجدتين ، وهو قوله : رب اغفر لي ، كما روى النسائي (1145) وابن ماجه (897) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي) .
وثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين أيضاً : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني .
فقد روى الترمذي (284) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) .
ورواه أبو داود (850) بلفظ : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) .
وعند ابن ماجه (898) بلفظ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَارْفَعْنِي) .
والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/414) : " وأما حديث ابن عباس فرواه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد جيد , ورواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد . . وذكر اختلاف ألفاظه ثم قال : فالاحتياط والاختيار : أن يجمع بين الروايات ويأتي بجميع ألفاظها وهي سبعة : (اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واجبرني وارفعني واهدني وارزقني)" انتهى .(/1)
وأما الزيادة على هذا الدعاء ، فالذي يظهر جواز ذلك ، لكن الأفضل الاقتصار على الوارد ، وجعل الدعاء للوالدين في السجود ، أو قبل التسليم من الصلاة ، وقد روى مسلم (479) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ [أي : جدير] أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ثم يرفع من السجدة قائلا : الله أكبر ويجلس مفترشا يسراه ، ناصبا يمناه ، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، أو على الركبة ، باسط الأصابع على ركبته ، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، أو على ركبته اليسرى ، ويبسط أصابعه عليها ، هكذا السنة ويقول : رب اغفر لي , رب اغفر لي , رب اغفر لي , كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله , ويستحب أن يقول مع هذا : اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني , لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم , وإذا قال زيادة فلا بأس كأن يقول : اللهم اغفر لي ولوالدي ، اللهم أدخلني الجنة ، وأنجني من النار ، اللهم أصلح قلبي وعملي ونحو ذلك , ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/36) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104454
العنوان:
الطريقة الصحيحة لرقية الطفل الصغير
السؤال:
لدي طفلة عمرها سنة وعدة شهور ، عندما أكمل أذكار الصباح والمساء يوميا أنفث عليها ، فهل هذا جائز ، وهل هذه هي الطريقة الصحيحة في رقية الطفل الصغير ؟
الجواب:
الحمد لله
الطريقة الصحيحة لرقية الطفل الصغير لحفظه وتحصينه هي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما .
فقد روى البخاري (3371) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ ) .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/410) :
قوله : "وهامّة": واحدة الهوام ذوات السموم .
قوله : " ومن كل عين لامة " : قال الخطابي : المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل " انتهى باختصار .
ويستحب كذلك في رقية الأولاد قراءة المعوذتين عليهما ، ومسح أجسامهم أثناء القراءة ، أو قراءتهما بين الكفين ثم النفث فيهما بريق خفيف لتمسح أبدانهم بما تصل إليه اليد ، أو قراءتهما في الماء ومسحهم أو تغسيلهم به ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ نفسه وغيره بهما.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا ) رواه الترمذي ( 2058 ) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .(/1)
والنفث بالريق مع المعوذتين مأخوذ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبيل النوم ، فقد كان يقرأ بهما في كفيه وينفث ثم يسمح جسده الطاهر بهما ، فلما مرض كانت عائشة تفعل ذلك له ، مما يدل على أن الصغير يمكن أن تنفث له أمه بالمعوذتين وتمسح بهما عنه .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِـ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعاً ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ ) رواه البخاري (5748) .
أما أذكار الصباح والمساء ، فلم يرد ـ فيما نعلم ـ أنها تقرأ على الآخرين بقصد الرقية ، فلا ننصحك بالاستمرار بها ، واقتصر على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه الكفاية ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104456
العنوان:
حكم غسل خرقة الحيض قبل رميها
السؤال:
هل على المرأة تنظيف الثوب الذي تضعه لمنع مرور دم الحيض قبل رميه ؟
الجواب:
الحمد لله
لم يذكر أحد من أهل العلم – فيما نعلم- أن المرأة ينبغي لها أن تغسل الخرقة التي يكون فيها شيء من دم الحيض قبل إلقائها ، بل ظاهر فعل الصحابيات أنهن لم يكن يغسلن هذه الخرق ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك ، ولم يرد أنه نهاهن ، فقد روى الترمذي (61) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) وهو حديث صحيح ، صححه أحمد ويحي بن معين وابن خزيمة وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله .
والمقصود بالحِيَض : جَمْعُ حِيْضَةٍ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي دَمِ الْحَيْضِ .
فالظاهر أنهم كانوا يرمونها ملوثة بالدم ، وإلا لم يسأل الصحابة عن طهارة الماء الذي توجد فيه هذه الخرق .
وليس معنى الحديث : أنهم كانوا يلقون هذه الأشياء في البئر عمداً ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أعظم وأجل من ذلك . وإنما المراد : أن البئر كانت في مسيل بعض الأودية ، فيأتي السيل وقد حمل معه هذه الأشياء ، فيلقيها في البئر.
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
104459
العنوان:
حكم مذاكرة المواد الدراسية في المسجد
السؤال:
هل يجوز لي أن أحفظ بعض المواد الدراسية كالرياضيات والعلوم الفيزيائية إضافة إلى المواد الأخرى كالتربية الإسلامية ، وإنجاز تمارينها في المسجد ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في دراسة ومراجعة المواد الدراسية من رياضيات وعلوم فيزيائية وغيرها في المسجد ، بل هذا مما يرجى فيه الخير لك ، لأدائك الصلاة مع الجماعة ، وتحصيلك أجر انتظار الصلاة والبقاء بعدها ، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ ) رواه البخاري (647) ومسلم (649).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ ؟ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نُحِبُّ ذَلِكَ . قَالَ : أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ ؟ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ) رواه مسلم (803).(/1)
وبطحان : موضع بقرب المدينة . والعقيق : واد مشهور بالمدينة .
والكوماء من الإبل : العظيمة السنام .
فاحرص على اغتنام وجودك في المسجد ، واقرأ ما تيسر لك من كتاب الله تعالى ، وصل ما استطعت من النوافل ، لتجتمع لك الفضائل ، وتنال الدرجات ، وتحظى بالتوفيق .
نسأل الله أن يزيدك علما وهدى وتقى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104460
العنوان:
حديث ( مَن استغفر للمؤمنين كتب له بكل مؤمن حسنة )
السؤال:
جاء في الحديث ( مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة ) ما المقصود بالحديث ؟ وهل هو على ظاهره ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، وما ورد في ذلك لا يثبت ، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة ، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل ، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك :
1- عن عبادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة ) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234) من طريق بكر بن خنيس عن عتبة بن حميد عن عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت .
وعيسى بن سنان : ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية . انظر "تهذيب التهذيب" (8/212)
وعتبة بن حميد : قال فيه أحمد : ضعيف ليس بالقوي . وقال أبو حاتم : صالح الحديث .
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه . انظر "تهذيب التهذيب" (1/428)
فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده جيد . وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد .
2- عن أم سلمة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( من قال كل يوم اللهم اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة )
رواه الطبراني في الكبير(23/370) وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي ، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى : ضعيف ، ليس حديثه بشيء ، وقال مرة : متروك الحديث .(/1)
وقال النسائي والدارقطني: متروك . وقد مشاه شعبة ، وقال : اكتبوا عنه ، فإنه شريف . وقال البخاري : سكتوا عنه . وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة ، لكنها منكرة الاسناد " انتهى .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف " انتهى .
3- عن أنس رضي الله عنه ، جاء عنه من طريقين :
- من طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ :
( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز و جل عليه من آدم فما دونه ).
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم .
قلت : فيه علتان : الأولى : ضعف شعيب بن كيسان ، والثاني : الانقطاع بينه وبين أنس ، فقد قال البخاري عقب إخراجه له : " لا يعرف له سماع من أنس ، ولا يتابع عليه "
لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته ، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف .
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر " انتهى .
- من طريق معمر عن أبان عن أنس مرفوعا بلفظ :
( ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به )
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217)
قلت : وأبان الذي يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه . انظر "تهذيب التهذيب" (1/99)
4- عن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض )
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) :(/2)
" رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة ، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء ، وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله المسمين ثقات " انتهى .
5- عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من لم يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة )
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/128) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه من لم أعرفهم " انتهى .
6- عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
( أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، فإنها زكاة )
رواه ابن حبان (3/185) في صحيحه ، وإسناده ضعيف ؛ لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم ، وقد ضعفها أحمد وأبو داود وغيرهما ، انظر "تهذيب التهذيب" (3/209)
ثانيا :
الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام ، فقد دعا به نوح عليه السلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) نوح/28
ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/41
وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) محمد/19
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10(/3)
فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر لإخوانهم المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به .
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217) :
" عن ابن جريج قال : قلتُ لعطاء : أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات ؟
قال : نعم ، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك ، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس ، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ )
قلتُ : أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً ؟ قال : لا .
قلت : فبِمَن تبدأ ، بنفسك أم بالمؤمنين ؟
قال : بل بنفسي ، كما قال الله : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ) " انتهى .
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) :
" والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه ، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم ، فيصير هِجِّيراه : ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات ، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة ، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به .
وسمعتُ شيخَنا - أي ابن تيمية – يذكرُه ، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه ، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها ، وسمعتُه يقول : إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به ، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله وفضلِه ، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد ، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل " انتهى .
فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولخصوص الأجور المذكورة فيها ، وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات .(/4)
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
104486
العنوان:
هل تحذر أولادها من عمتهم ؟!!
السؤال:
أخت زوجي لها سوابق في الزنا بالمحرمات ، وقطعنا عنهم فترة 15 سنة ، ثم رجع زوجي يكلمهم ، فخفت على أولادي فطعنت بشرفها أمامهم ليبعدوا عنها ، قلت : إن عمتكم مارست الجنس مع خالها ، فهل يجوز ذلك لأبعد أطفالي - مع أن أطفالي منقطعون عنها ، ولكن خفت من زوجي يؤثر عليهم - ؟ فتكلمت على شرفها ، هل يجوز ؟ . وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
حفظت الشريعة المطهرة أعراض الناس من أن تنال بالسوء ، فشرعت لذلك حدَّ الزنى ، وحدَّ القذف ، حتى لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالفعل وهو يعلم أن مصيره الجلد ، أو الرجم حتى الموت ، إلا أن يكون مفضلاً للخزي والعار والموت ، على الطهارة والنقاء والسلامة ، كما لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالقول وهو يعلم أنه سيقام عليه حدُّ القذف ، وسترد شهادته ، ويكون من الفاسقين ، إلا أن يكون متجرِّئا على الباطل ، راضياً بالسوء والمنكر ، على طهارة اللسان وعفته .
وأنت أيتها الأخت السائلة : لا يخلو ما قلتيه في حق أخت زوجك من أمرين :
الأول : أن تكون الجريمة منها غير ثابتة عليها شرعاً ، وإنما هي أقاويل وافتراءات .
والثاني : أن تكون تلك الجريمة ثابتة عليها .
وثبوت تلك الجريمة لا يكون بادعاء الناس ، ولا بأقاويلهم المفتراة ، بل لا بدَّ من ثبوتها بإحدى الطرق الشرعية ؛ حماية للأعراض ؛ وحفظاً لها من طعن السفهاء ، ومن طرق ثبوت جريمة الزنى – بالمحارم وبغيرهم - :
1. شهادة أربعة رجال ، يرون الفرج في الفرج – الميل في المكحلة - .
2. اعتراف الزانية على نفسها أنها فعلت تلك الجريمة .
ولا يعد اعتراف الطرف الآخر بينة على طرفه المقابل حتى يعترف هو بفعله .
وعليه :(/1)
فلو أن تلك الجريمة المدعاة على أخت زوجتك لم تكن ثابتة بشهادة الشهود ، ولا باعترافها : فإن قولك لأبنائك عنها : يعد قذفاً تستحقين عليه الحدَّ الشرعي ، فيلزمك أن تتوبي وتستغفري ربك تعالى ، وتكذِّبي نفسك أمام أولادك .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 4 ، 5 .
وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور/ 23 .
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
والذين يَشْتمون العفائف من حرائر المسلمين ، فيرمونهنّ بالزنا ، ثم لم يأتوا على ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهنّ أنهنّ رأوهن يفعلن ذلك : فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها .
" تفسير الطبري " ( 19 / 102 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
قوله تعالى في هذه الآية : ( يرمون ) معناه : يقذفون المحصنات بالزنا صريحاً ، أو ما يستلزم الزنا ، كنفي نسب ولد المحصنة عن أبيه ؛ لأنه إن كان مِن غير أبيه : كان مِن زنى ، وهذا القذف هو الذي أوجب الله تعالى به ثلاثة أحكام :
الأول : جلد القاذف ثمانين جلدة .
والثاني : عدم قبول شهادته .
والثالث : الحكم عليه بالفسق .
فإن قيل : أين الدليل من القرآن على أن معنى ( يرمون المحصنات ) في هذه الآية : هو القذف بصريح الزنى ، أو بما يستلزمه كنفي النسب ؟ .
فالجواب : أنه دلت عليه قرينتان من القرآن :(/2)
الأولى قوله تعالى : ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ) بعد قوله ( يَرْمُونَ المحصنات ) ، ومعلوم أنه ليس شيء من القذف يتوقف إثباته على أربعة شهداء إلا الزنى ، ومن قال: إن اللواط حكمه حكم الزنى : أجرى أحكام هذه الآية على اللائط .
القرينة الثانية : هي ذكر ( المحصنات ) بعد ذكر الزواني في قوله تعالى ( الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ) النور/ 3 ، وقوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) النور/ 2 ، فذِكْر المحصنات بعد ذكر الزواني : يدل على إحصانهن ، أي : عفتهن عن الزني ، وأّن الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى .
" أضواء البيان " ( 5 / 431 ) .
وأما إن كانت تلك الجريمة المنكرة قد ثبتت على أخت زوجك أنها فعلتها بشهادة أربعة عدول ، أو باعترافها : فإنها تكون مرتكبة لجريمة نكراء ، وإذا كان الزنى من كبائر الذنوب : فإن الزنى بالمحارم أقبح منه ، وأشد إثماً ، وأعظم جرماً .
قال ابن نجيم الحنفي – رحمه الله - :
والزنا محرم بجميع أنواعه ، وحرمة الزنا بالمحارم أشد ، وأغلظ ، فيجتنب الكل .
" البحر الرائق شرح كنز الدقائق " ( 8 / 221 ) .
وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - :
وأعظم الزنا على الإطلاق : الزنا بالمحارم .
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 2 / 226 ) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن من زنى بمحرم من محارمه قتل ، سواء أكان محصناً أم غير محصن ، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن عقوبة الزنى بالمحارم هي عقوبة الزاني بالأجنبية ، فيجلد مئة جلدة إن كان غير محصن ، ويرجم حتى الموت إن كان محصناً .
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - :(/3)
قد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد ، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال ، أو حده حد الزاني ، على قولين ، فذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد - في إحدى روايتيه - : إلى أن حدَّه حد الزاني ، وذهب أحمد ، وإسحق ، وجماعة من أهل الحديث إلى أن حدَّه القتل بكل حال .
" الجواب الكافي " ( ص 123 ) .
ومن آثار ثبوت تلك الجريمة على أخت زوجك : أنه لا يعد ما قلتيه في حقِّها قذفاً ، إلا إن كانت قد تابت من ذلك الفعل توبة نصوحاً ، أو أقيم عليها الحد الشرعي – إن كان الحد هو الجلد - ، فإن ثبتت جريمتها ، ولم تتب منها ، ولم يقم عليها حد الجلد : جاز تحذير أولادك وغيرهم ممن يمكن أن يتأثروا بها ، أو تسوء أخلاقهم بمصاحبتها وزيارتها ، وليس هذا من الغيبة المحرمة ، بل هو من الغيبة الجائزة .
قال النووي – رحمه الله - :
اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة : فإنها تُباح في أحوال ، للمصلحة ، والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي ، لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها ، وهو أحد ستة أسباب :
...
الرابع : تحذير المسلمين من الشرّ ، ونصيحتهم .
" الأذكار للنووي " ( ص 792 ) .
على أن يكون ذلك التحذير لا يكون دافعه وجود خلاف شخصي ، بل يجب أن يكون على وجه النصح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح ، وابتغاء وجه الله تعالى ، لا لهوى الشخص مع الإنسان ، مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية ، أو تحاسد ، أو تباغض ، أو تنازع على الرئاسة ، فيتكلم بمساويه مظهراً للنصح ، وقصده في الباطن الغض من الشخص ، واستيفاؤه منه ، فهذا مِن عمل الشيطان ، و( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، بل يكون الناصح قصده أنَّ الله يصلح ذلك الشخص ، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ، ودنياهم ، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 221 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
104487
العنوان:
هل صحيح أن الأذان للغافلين؟
السؤال:
ما رأيكم في هذه المقولة " الأذان للغافلين " ؟ وهل هي مما قاله العلماء ؟
الجواب:
الحمد لله
فهذه المقالة لا نعرفها منسوبة إلى أحد من أهل العلم ، فإن كان المقصود بها أن الذاكرين لله تعالى لا يغفلون عن مراقبة أوقات الصلوات ، فلا يحتاجون لتنبيه المؤذن لهم ، إن كان المقصود ذلك فهذا صحيح في غالب الأحيان ، فقد كان بعض السلف يبادرون إلى المساجد قبل الأذان ، فلا يؤذن المؤذن إلا وهم في المسجد ، ومنهم من مضى غالب عمره على ذلك ، "ففي سير أعلام النبلاء" للذهبي رحمه الله (4/221) عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال : " ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد " قال الذهبي : إسناده ثابت .
وفي السير أيضا (5/ 240): عن ربيعة بن يزيد رحمه الله قال : " ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد ، إلا أن أكون مريضا أو مسافرا " .
ولكن من المعلوم أنه ما من أحد إلا ويعرض له ما يشغله ، أو قد يكون في أول الوقت نائما ، فشرع الله الأذان لإعلام الناس بالصلاة ، ولا يُذَم مَنْ إذا سمع الأذان أجابه ، وقام إلى صلاته وإن كان مشغولا قبله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن الأذان الأول للفجر قال : (لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره ، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، ولينبه نائمكم ) رواه البخاري ومسلم .
ويظهر لنا – والله أعلم – أن إطلاق هذه الكلمة غير صحيح ، ولهذا لم نجدها لأحد من العلماء.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104488
العنوان:
هل العدل من أسماء الله تعالى ؟
السؤال:
هل العدل من أسماء الله سبحانه و تعالى ؟
الجواب:
الحمد لله :
فالعدل لم يرد إطلاقه اسما لله تعالى في القرآن ولم يصح به حديث، ولكن ورد في حديث عد الأسماء المشهور الذي رواه الترمذي وغيره، وقد تكلم العلماء في هذا الحديث وضعفوا رفع هذا العد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري (11/217): (قال ابن العربي: يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة وهو الأظهر عندي.)
وقال الصنعاني في سبل السلام (4/108): (اتفق الحفاظ أن سردها –أي عد أسماء الله تعالى في الحديث- إدراج من بعض الرواة.)
لكن ورد العدل مقيداً بكونه وصفاً لكلمات الله تعالى، كقوله سبحانه: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.) الأنعام (115) .
ولذا اختلف العلماء في عد العدل من أسماء الله تعالى ، فجماعة منهم عدوه من الأسماء ، كما فعل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في آخر تفسيره حيث قال وهو يعدد أسماء الله تعالى ويتكلم عن معانيها – : ( الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه.) انتهى.
وقال البيهقي في الأسماء والصفات (1/198): (ومنها العدل وهو في خبر الأسامي مذكور.) انتهى .
وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم منهم الخطابي وابن منده وآخرون .
وذهب فريق آخر إلى عدم عده من أسماء الله ، لما ذكرناه من أنه لم يرد إطلاقه اسماً على الله تعالى في نص صحيح ، ومن هؤلاء الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، حيث عد تسعة وتسعين اسماً من الكتاب والسنة في كتابه القواعد المثلى، ولم يذكر اسم (العدل) منها وهكذا فعل الحافظ ابن حجر العسقلاني وآخرون .(/1)
على أنه قد ثبت وصفه سبحانه بالعدل في أفعاله ، كما في البخاري (3150) ومسلم (1062) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ، في شأن الذي اعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَقَالَ : فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) .
قال ابن القيم رحمه الله :
والعدْلُ من أوصافهِ في فعلهِ ومقالِهِ والحكم في الميزانِ
وورد في معناه عن معاذ رضي الله عنه ، أنه كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ ، إِلَّا قَالَ : ( اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ ... ) رواه أبو داود (4611) ـ موقوفا على معاذ ـ وصححه الألباني .
قال في عون المعبود : " أي حاكم عادل " .
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
104500
العنوان:
داعية يسأل عن كتب في موضوع التكفير والحاكمية والاستغاثة بالنبي
السؤال:
أنا أقوم بالدعوة ، وترد عليَّ أسئلة متعلقة بمسألة التكفير والخروج على الحكام ، وكذلك الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب منه الغوث ، فهل يمكن أن تدلني على مراجع فيها الجواب عن مثل هذه الإشكالات ، أو الإجابة عليها .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفق مسعاكَ ، وأن ييسر أمرك ، وأن يزيدك علماً وهدى وتوفيقاً .
وبخصوص المسألة الأولى : فهذا ما ننصحك به من كتب :
1. " نواقض الإيمان القولية والعملية " الدكتور عبد العزيز عبد اللطيف .
2. " نواقض الإيمان الاعتقادية " الدكتور محمد بن عبد الله الوهيبي .
3. " ضوابط التكفير " الدكتور عبد الله القرني .
4. " الحكم بغير ما أنزل الله ، أحواله ، وأحكامه " الدكتور عبد الرحمن المحمود .
5. " وجوب تحكيم شرع الله " الشيخ عبد العزيز بن باز .
6. " ظاهرة الغلو والتكفير ، الأصول ، والأسباب ، والعلاج " الدكتور ناصر عبد الكريم العقل .
7. " الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرين " عبد الرحمن بن معلا اللويحق .
وأما بخصوص المسألة الثانية : فإليك ما ننصحك به من كتب :
1. " الواسطة بين الحق والخلق " شيخ الإسلام ابن تيمية .
2. " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " شيخ الإسلام ابن تيمية .
3. غاية الأماني في الرد على النبهاني ، للألوسي .
04" التوسل أنواعه وأحكامه " الشيخ الألباني .
04 " الرد على شبهات المستعينين بغير الله " أحمد بن إبراهيم بن عيسى .
5. " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ .
6. " تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد " سليمان بن عبد الله آل الشيخ .
7. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " الشيخ صالح الفوزان .(/1)
وكتب الفتاوى المشهورة للمشايخ الأجلاء : محمد بن عبد الوهاب ، ومحمد بن إبراهيم ، وعبد العزيز بن باز ، ومحمد بن صالح العثيمين ، وكذا " فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، و " فتاوى اللجنة الدائمة " ، فقد احتوت هذه الكتب على الكثير من الفوائد لكل المسائل الواردة في السؤال .
والله الموفق(/2)
رقم السؤال:
104501
العنوان:
هل للمطلقة ثلاثا أن تبقى في البيت لتربية أبنائها
السؤال:
طلقني زوجي ثلاث طلقات بدون ورقة قانونية . هل يجوز الرجوع إلى الدار من أجل الأطفال ؟ بمعنى العيش معه في نفس المنزل دون رؤيته .
الجواب:
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات ، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها ، فإنها تصبح أجنبية عنه ، ولا يحل له الخلوة بها ، ولا لمسها ، ولا النظر إليها ، بل هي أجنبية كسائر الأجنبيات .
ولا فرق بين أن يكون الطلاق بورقة قانونية ، أو بدونها ، فحيث حصل الطلاق من الزوج ترتبت عليه آثاره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية وليس له عليها حكمٌ أصلاً " انتهى من " الفتاوى الكبرى" (3/349).
وعليه ؛ فإذا أمكن أن تعيشي في مكان مستقل من منزله ، بحيث تنتفي الفتنة ، ولا يراك ، ولا يدخل عليك ، فلا حرج في هذا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104531
العنوان:
يريد الزواج من نصرانية تقيم في دولة أخرى
السؤال:
أنا من الجزائر وأقيم في الجزائر وقد تعرفت على امرأة أصلها من الفلبين وتقيم بالإمارات العربية وهي مسيحية كاثوليكية وأريد الزواج منها وهي كذلك ، وقالت لي تعال : إلى الإمارات ونتزوج هنا ، فهل يجوز لي هذا الزواج ؟ وكيف أدعوها إلى الإسلام بعد زواجنا ؟ وأعرف أنها ستشترط أن تبقى في العمل ، لأن إقامتها في الإمارات بتأشيرة العمل . وأريد أن أسألكم سؤال إنها تلقي علي تحية السلام عليكم وأرد عليها وعليكم السلام . وأريد منكم أن تدلوني على كتب أو عناوين بريدية باللغة الإنكليزية لأعلمها الإسلام أو أدلها عليها .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الإسلام لا يمانع من زواج المسلم بالمرأة النصرانية إذا كانت عفيفة، وذلك لقوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ...) المائدة/5.
ومعنى (محصنات) في هذه الآية : أي الحرائر العفيفات.
ويراجع في هذا جواب السؤال رقم (2527) و (26885).
أما إن كانت المرأة غير عفيفة ، وهي التي لها أصدقاء وخلان تعاشرهم فإن الإسلام يمنع من نكاحها مسلمة كانت أم كتابية ، كما يمنع أن يكون للرجل صديقة أو خليلة ، صيانةً للحياة الزوجية من الانهيار ، وحفظاً للأنساب من الاختلاط والضياع ، وتجنباً لأسباب الخلاف والتهمة والظنون .(/1)
والواجب على من يتزوج امرأة كتابية أن يدعوها إلى الإسلام ، على الدوام ، فهذا حقها عليه ، وهذا واجبه نحوها ، وهي أولى من غيرها بالدعوة إلى الإسلام ، فحق الزوجة على زوجها كبير ولو كانت كتابية ، ومن أهم تلك الحقوق : دعوتها إلى الطاعة ، وأصل الطاعة : الإيمان بالله تعالى ، قال الله عز وجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران/110.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (3009).
وباب الدعوة إلى الله واسع ، فاجتهد في دعوتها ودعوة غيرها من الكفار إلى الإسلام ، ويمكن أن تسترشد بتجارب المراكز والمساجد الإسلامية الموثوقة في البلد الذي تعيش فيه لتوفير الكتب المناسبة، والأشرطة المناسبة للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وفقك الله لما يحب ويرضى.
وراجع هذين الموقعين للحصول على معلومات أكثر عن الإسلام باللغة الإنجليزية.
http://www.islamworld.net/
و http://www.islamtomorrow.com/ .
ثانياً:
إذا سلم غير المسلم سلاما واضحا : السلام عليكم ، فإنه يرد عليه : وعليكم السلام .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (43154) .
ويستوي في هذا الحكم الزوجة الكتابية وغيرها ، لعموم النصوص الواردة في ذلك .
ثالثاً:
الذي يظهر لنا من سؤالك أنك تعرفت عليها عن طريق المحادثات ، فينبغي أن تعلم أن محادثة الرجل للمرأة الأجنبية -كما هو واقع الآن بكثرة- لا يخلو من الوقوع في محذورات شرعية ، ويخشى منها الفتنة ، ولذلك فعليك أن تعزم على الزواج منها وتسعى في ذلك ، أو تقطع علاقتك بها .
وينظر للفائدة سؤال (45645) .(/2)
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
104532
العنوان:
مصابة بمرض الخوف ، وينتابها الهم والغم ، فكيف تقي نفسها وتعالجها ؟
السؤال:
أعاني منذ وقت قليل من مخاوف عديدة ، وأولها هي : أني أخاف من الأمراض ، وخاصة من مرض السرطان ، فأجد نفسي أنظر إلى جسدي لا ألاحظ أشياء تدلني على أني مريضة ، أو أخاف بمجرد إحساسي بأي وجع ، وصل بي الحد إلى أني لا أصلي بخشوع ، ولا أستطيع التسبيح من كثرة الخوف والفزع الذي يمنعني من العيش ، أحب ربي ، وثقتي في كرمه وجوده ورحمته كبيرة ، لكني وبعد محاولات عديدة للتخلص من هذا : أجد نفسي أغرق . أرجوكم ساعدوني بالدعاء لي بالصحة ، وهل هذا مرض نفسي ، أم وساوس من الشيطان ؟ وهل هناك أدعية للتخلص من الهموم ؟ . ادعوا لي أرجوكم ، وحتى أهلي قلقون كثيراً عليَّ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
اعلمي أن مصدر هذا التخويف لك هو الشيطان ، فعليك أن تستعيني بربك تعالى عليه ، وتحذري كيده ومكره ، وتكثري من الاستعاذة بالله تعالى منه .
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 175 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :(/1)
"أي : فإذا سوَّل لكم ، وأوهمكم : فتوكلوا عليَّ ، والجؤوا إليَّ ، فأنا كافيكم ، وناصركم عليهم ، كما قال تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) الزمر/ 36 – 38 ، وقال تعالى : ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) النساء/ 76 ، وقال تعالى : ( أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) المجادلة/ 19 ، وقال تعالى : ( كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) المجادلة/ 21 ، وقال تعالى : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) الحج/ 40 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد/ 7 ، وقال تعالى : ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) غافر/ 51 ، 52" انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 172 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :(/2)
"وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده ، وأنه من لوازم الإيمان ، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله ، والخوف المحمود : ما حجز العبد عن محارم الله" انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 157 ) .
ثانياً:
من جعل الله وليّاً له : لم يكن للشيطان عليه سبيل ، ومن تخلى عن ولاية الله فقد جعل الشيطان وليّاً له .
قال الله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل/ 98 – 100 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"أي : فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب ، وأجلُّها ، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة : فإن الشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة ، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ، ومعانيها .
فالطريق إلى السلامة من شرِّه : الالتجاء إلى الله ، والاستعاذة به من شرِّه ، فيقول القارئ : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " متدبراً لمعناها ، معتمداً بقلبه على الله في صرفه عنه ، مجتهداً في دفع وساوسه ، وأفكاره الرديئة ، مجتهداً على السبب الأقوى في دفعه ، وهو التحلي بحلية الإيمان ، والتوكل ؛ فإن الشيطان ( لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ ) أي : تسلط ( عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ ) وحده لا شريك له ( يَتَوَكَّلُونَ ) فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شرَّ الشيطان ، ولا يبقى له عليهم سبيل .(/3)
( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ ) أي : تسلطه ( عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ) أي : يجعلونه لهم وليّاً ، وذلك بتخليهم عن ولاية الله ، ودخولهم في طاعة الشيطان ، وانضمامهم لحزبه ، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم ، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا ، وقادهم إلى النار قَوْدًا" انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 449 ) .
ثالثاً:
علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ما نقي به أنفسنا من الهموم والغموم ، وعلَّمنا ما نزيل به ما يصيبنا منهما .
أما الوقاية : فهي في الإيمان ، والعمل الصالح ، قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
وأما العلاج : فبالأدعية الثابتة في السنَّة النبوية ، ومنها :
1. عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) . رواه أحمد ( 3704 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1822 ) .(/4)
2. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنتُ أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه كثيراً يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) رواه البخاري ( 2736 ) .
ضَلع الدَّين : غلبته وثقله .
3. عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ) رواه الترمذي ( 3427 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
يصاب الإنسان أحياناً بهموم وغموم ، فما الأشياء التي تزيل الهموم والغموم التي تصيب المسلم ؟ وهل يشرع أن يرقي الإنسان نفسه ؟ .
فأجاب :
"أولاً: يجب أن تعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء : هي من جملة ما يُكفّر عنه بها ، ويُخفّف عنه من ذنوبه ، فإذا صبر واحتسب : أثيب على ذلك ، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم ، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه -وذكر الحديث المتقدم .... ، فإن هذا من أسباب فرج الهم والغم .
وكذلك قوله تعالى : ( لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، فإن يونس عليه الصلاة والسلام قالها ، قال الله تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ ) ، ولا حرج أن يرقي الإنسان نفسه ، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه بالمعوذات عند منامه ، ينفث بيديه ، فيمسح بهما وجهه ، وما استطاع من جسده" انتهى .(/5)
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 17 / جواب السؤال رقم 493 ) .
ولمزيد الفائدة انظري جواب السؤال ( 21677 ).
رابعاً:
الخوف مصدره الشيطان ، يمكر بك ، ويكيد لك ؛ ليصدك عن دين الله تعالى ، فيفسد عليك صلاتك ، وعموم طاعتك لربك تعالى ، فاحذري مكره ، وكيده ، وتوكلي على ربك تعالى أشد التوكل ، والجئي إليه ليصرف عنك كيد الشيطان وفتنته .
وحضور قلبك في صلاتك ، وخشوعك فيها مرجعه لقوة إيمانك ، وثقتك بربك تعالى ، وهو ما يعينك على صرف الموانع التي تحول بينك وبين الخشوع وحضور القلب في الصلاة .
وما يوسوس لك به الشيطان : فاصرفيه عنك ، ولا تستسلمي له ، فكيد الشيطان ضعيف ، ومن كان الله معه فهو منصور دائماً.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن ييسر لك الخير حيث كان .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
104533
العنوان:
بماذا يبدأ في تعليم من أسلم حديثا ؟
السؤال:
عندما يريد شخص اعتناق الإسلام بسبب دعوتي إليه ، ما هو أول ما أعلمه ، وكيف أعلمه إن كان لا يعرف اللغة العربية ، وأنا لا أعرف لغته ، مثلا يتكلم هو ( الإنكليزية ) ، كيف يتم تعليمه ، وإن كان هناك كتب أو مواقع فأرجو منكم أن تدلوني إلى الصواب .
الجواب:
الحمد لله
بداية نسأل الله تعالى أن يبارك في جهدك وعملك ، وأن يجعله في ميزان حسناتك ، ونسأله تعالى أن يوفق جميع المسلمين للعمل لهذا الدين.
ثم ننصحك أخي الكريم بالعناية بأمور مهمة في دعوة هذا الشخص إلى الإسلام وتعليمه أحكامه ، منها :
1- لا بد أن تبدأ معه بتعليمه معنى الشهادتين ؛ لأنها مفتاح الإسلام وخلاصته ، فتشرح له التوحيد الذي هو عز المسلم في الدنيا وفوزه في الآخرة ، حتى يتعلق قلبه بالله عز وجل ، فتعلمه أن العبودية المطلقة لله عز وجل ، وإسلام الوجه له يعني الانقياد لطاعته ، والتخلص من جميع قيود الهوى والشهوات .
ومن الكتب المفيدة في شرح هذه المعاني كتاب : " تعريف عام بدين الإسلام " للشيخ علي الطنطاوي .
2- وعليك بتوجيهه إلى كتاب الله تعالى ، وحثه على العناية به قراءة وتدبرا وتفكرا في معانيه ، فهو نور وهدى أنزله الله للناس ، يشرح به صدورهم ، ويثبت به نفوسهم ، وهو كله بركة وخير وأجر ، وله من الأثر في النفوس والقلوب ما يدركه كل من قرأه .
قال الله عز وجل : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) المائدة/15-16 .
فينبغي أن تُعَلِّمَه شيئا من القرآن الكريم ، وشيئا عن كيفية نزوله وعن سوره وآياته .(/1)
3- ثم تعلمه شيئا عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، عن مولده ونشأته وبعثته ، وبداية دعوته إلى هذا الدين العظيم ، ثم هجرته إلى المدينة وتحمله كل بلاء في سبيل إيصال الهدى والخير إلى الناس ، ثم تبين له أن شخصه صلى الله عليه وسلم متمثل بين أيدينا اليوم في سنته وأحاديثه المروية الصحيحة ، فمن أراد أن يقرأ عن هذا الرسول الكريم من أوثق المصادر فعليه بصحيحي البخاري ومسلم ، وعليه بالقراءة في كتب السنة النبوية عموما ، وكتب السيرة ، ففيها شرح مفصل لحياته صلى الله عليه وسلم وهديه .
والكتب التي ننصح بها في هذا المقصد :
" مختصر صحيح البخاري " للزبيدي ، " مختصر صحيح مسلم " للمنذري ، " رياض الصالحين " للنووي ، " الرحيق المختوم " للمباركفوري .
وكلها لها ترجمات إلى اللغة الانجليزية مطبوعة .
4- وعليك بتعليمه شيئا موجزا حول أركان الإسلام الخمسة : الشهادتين ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج . وشيئا موجزا عن أركان الإيمان الستة : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره .
فلو خصصت لهذا الأخ المسلم الجديد جلسات للحديث عن كل ركن من هذه الأركان ، والقراءة معه في بعض الكتب التي تتحدث عنها لكان مفيدا ونافعا جدا بإذن الله تعالى .
واحرص في تعليم هذه الأركان على عدم الخوض في التفاصيل الخلافية ، والاقتصار على المقاصد المهمة التي يتفق عليها جميع المسلمين ، مع تنبيهه إلى وجود خلاف في بعض التفاصيل ، لكنه ليس خلافا مذموما ، ولا تفرقا ونزاعا بين المسلمين والحمد لله ، بل هو خلاف نابع من طبيعة النصوص الشرعية ، ولحكمة أرادها الله عز وجل ، للمصيب فيها أجران ، وللمخطئ فيها أجر واحد .
ومن الكتب المفيدة في هذا : كتاب "ما لا يسع المسلم جهله" لكل من الدكتور عبد الله المصلح ، والدكتور صلاح الصاوي . فهو كتاب نافع في التعريف بمقاصد الإسلام المهمة وأحكامه الرئيسية .(/2)
يمكنك تحميله من هنا :
http://assawy.zouitni.com/showBook.php?ss_bookId=11
5- وِلْتُخَصِّصْ جزءا من تعليمك له لبيان المحرمات في الإسلام ، ليعرف أن دائرة الحرام في الشريعة دائرة ضيقة محصورة ، وما سواها كله مباح حلال بإذن الله ، فينبغي أن يعرف الكبائر المتفق على حرمتها : الشرك ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وغيرها ، وحبذا لو تَعَلَّمَ شيئا عن صغائر الذنوب ، كي يحذرها ويجتنبها أيضا ، خاصة أن المقبل إلى الإسلام يحمل من الصدق – في الغالب - ما يدفعه إلى الالتزام التام بأحكام الشريعة .
ويمكنك الاستعانة بكتاب " الكبائر " للإمام الذهبي ، فهو كتاب مفيد وجامع في بابه .
6- ومن المهم جدا أن تبين له أن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين المعاملة ، يحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، ويعد حسن الخلق من أكثر ما يدخل الناس الجنة ، وأن الرجل يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ، فالصدق ، والأمانة ، والوفاء ، وحفظ العهد والوعد ، والعفو ، والجود ، والإحسان ، والرحمة ، وغيرها من الأخلاق ، كلها من صميم الدين وصلبه ، يجمع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (273) والحاكم في "المستدرك" (2/670) وصححه ووافقه الذهبي ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (45) .
7- ومن أهم ما ينبغي عليك العناية في تعليمه أبواب الرقائق وأعمال القلوب ، والقلب كالزهرة إن لم يعتن المرء بها غلبتها الأشواك والأدران ، وجلاء القلب بتعلم عظمة الله تعالى ، وتنمية الخوف من عذابه ، ورجاء ثوابه ، وحبه سبحانه والشوق إلى لقائه .(/3)
ويتعلم المسلم أيضا الإخلاص والتوبة والخشوع والزهد والورع ، وتعظيم الحرمات ، والصبر والرضا والشكر واليقين والتوكل ، وهي كلها من العبادات القلبية المهمة التي تحتاج إلى عناية ورعاية ، وسيجد كل من يعتني بتحقيقها عظيم اللذة القلبية والسعادة الإيمانية ، ومن غفل عنها فقد غفل عن خير كثير .
وكتب العلامة ابن القيم تعلم أعمال القلوب ، وتنور بصيرة المسلم في هذه الأبواب ، ومن أهمها : " مدارج السالكين " غير أننا ننصح بقراءة تهذيبه للشيخ عبد المنعم العزي .
8- وأخيرا من المهم أيضا تعليمه شيئا عن بطلان الأديان الأخرى ، وخاصة الدين الذي كان عليه ، ليزداد يقينه بالإسلام الذي صار إليه ، وليحصن نفسه من أي شبهة تطرأ أو ترد ، ثم ينظر عظيم فضل الله عليه حين هداه إلى الإسلام والدين القويم .
هذه أفكار نظن أنها كافية في المساعدة على تعليم الإسلام ، وهي وإن بدت كثيرة طويلة شاقة ، إلا أنك تملك التحكم في طولها وقصرها ، فتستطيع أن تقتصر على المناسب للمتلقي ولك ، أو تطول إذا وجدت فسحة من العمر والوقت .
وإذا كان اختلاف اللغة بينك وبينه عائقا يحول دون تحقيق المقصود ، فليس هناك حل إلا أن تستعين بمن يترجم لكما ، كما يمكنكما استعمال الكتب والمواد السمعية والبصرية المترجمة إلى اللغتين : العربية والانجليزية ، ومنها على هذا الرابط :
http://saaid.net/book/list.php?cat=92
أو أن يبذل أحدكما جهده في تعلم لغة الآخر .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم.(/4)
رقم السؤال:
104534
العنوان:
تريد مفارقته ، وهو لا يرغب بذلك ، والحكومة لا تعترف بعقد زواجهما !
السؤال:
امرأة تزوجت رجلاً إسلاميّاً ، والعقد الإسلامي لا يُعترف به هنا في ألمانيا ، والآن تريد أن تتطلق منه ، وهو لا يريد ، ويقول : إنها لا تستطيع ، ماذا نفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إذا توفرت أركان عقد الزواج كاملة : فالعقد صحيح ، وإن لم يوثَّق في الدوائر الرسمية .
ولكن ينبغي عدم التهاون في تسجيله حتى لا يؤدي ذلك إلى التلاعب أو إنكار أحد الزوجين للعقد .
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من غير ضرورة أو حاجة ملحة .
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي ؟ .
فأجاب :
"لا أحفظ حديثاً في اللعن ، لكن هناك وعيد شديد ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) ، وهذا وعيد شديد ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن رائحة الجنة حرام عليها ، فهذا وعيد شديد ، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها ، وفي بعلها ، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي ، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له ، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس" انتهى . وستأتي قصتها .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 8 / السؤال رقم 18 ) .(/1)
وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في حقها هو طلب الطلاق من غير بأس ، فإن كانت كراهيتها للبقاء معه بسبب سوء خلقه ، أو تقصيره في الحقوق الزوجية : جاز لها طلب الطلاق ، وبالطلاق تأخذ كامل حقوقها المالية منه ، وأما إن كانت الكراهية من قبَلها ، وكانت لا تستطيع البقاء معه مع عدم وجود ما يعيبه في دينه وخلقه : فإنها لا تطلب الطلاق ، بل تطالب بالمخالعة ، فتدفع له المهر الذي أعطاها ، ثم يفارقها .
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
رجل تزوج امرأة ، ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق ، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته ، فقال لها بعد الدخول : إن شئت خالعتك ، فرفعت أمرها للقضاء ، وحصلت على الطلاق ، وهو يرغب في بقائها معه ، فهل يقع هذا الطلاق ؟ .
فأجاب :
"هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع - والخلع معناه : أن يفارق الزوج زوجته بعوَض ، سواء كان العوض منها ، أو من أبيها ، أو من رجل أجنبي - ونحن نقول :
أولاً : لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) ، أما إذا كان هناك سبب شرعي ، بأن كرهته في دينه ، أو كرهته في خلُقه ، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين : فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق ، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة ، بأن ترد عليه ما أعطاها ، ثم يفسخ نكاحها .(/2)
ودليل ذلك : ( أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين ، ولكن أكره الكفر في الإسلام ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين حديقته ؟ وكان قد أصدقها حديقة ، فقالت : نعم يا رسول الله ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) ، فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها : فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة ، بل أن يأمره بذلك ، قال بعض العلماء : يلزم بأن يخالع ؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه ؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها .
أما أكثر العلماء فيقولون : إنه لا يلزم بالخلع ، ولكن يندب إليه ويرغب فيه ، ويقال له : ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ) .
وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة : فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر ، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه ، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج ، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة ، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته ، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً ، حتى يكون ذلك خلعاً شرعيّاً" انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 54 / السؤال رقم 1 ) .
والخلاصة :
أن العقد بين الزوجين – كما هو الظاهر –صحيح ، ولا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها إلا من ضرورة ، فإن كانت كراهية البقاء معه بسبب من الزوج : طلبت الطلاق وأخذت حقوقها كاملة ، وإن كانت الكراهية من قبَلها : طلبت المخالعة ، ويفضَّل أن يقبل بها ، ولا يمانع .(/3)
والذي نشير به عليهما : توسيط أهل الخير من أهل العلم والحكمة للإصلاح بينهما ، فإن وصلت الأمور لطريق مسدودة : فلا يجوز لها الزواج من غيره اعتماداً على عدم اعتراف الحكومة الألمانية بعقد زواجها ، بل لا بدَّ من أن يكون الفراق بينها وبين زوجها وفق الكتاب والسنَّة ، وحينئذ ، فلابد للزوجين من الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية ليتم حل مشكلتهما وفق أحكام الشريعة .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
104542
العنوان:
هل يجوز أن يهب شقتين لابنتيه في حياته؟
السؤال:
لدي طفلتان وأمتلك مبلغا من المال وسيارة وشقتين , فهل يجوز لي أن أكتب لكل طفلة شقة حال حياتي ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للرجل أن يهب بعض ماله لأولاده ، كما يجوز أن يقسم تركته في حياته ، بشرط ألا يقصد الإضرار بالورثة .
قال في " الإنصاف " (7/142) : " لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده . على الصحيح من المذهب . وعنه: يكره . (يعني : عن الإمام أحمد قول آخر بالكراهة) قال في الرعاية الكبرى : يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له" انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" : " (16/463) : " ننصح والدك ألا يقسم ماله في حياته ، فربما احتاج إليه بعد ذلك" انتهى .
ويشترط في الهبة أن تكون منجّزة ، فتعطي لابنتيك الشقتين حال حياتك وصحتك ، وتسجلهما باسميهما ، لأن تعليق الهبة على الموت له حكم الوصية ، ولا تجوز الوصية لوارث .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : أنا عندي من الأولاد بنت واحدة ، وأملك بيتا من طابقين ، ولي إخوان ، فهل أستطيع أن أمنح بنتي جزءا من البيت ، أم هذه المنحة تؤثر على حق الورثة ، وبالتالي تكون المنحة حراما ؟
فأجابت : "إذا كان منحك للجزء من بيتك لابنتك منجّزا ولم تقصد حرمان بقية الورثة بأن قبضتْه في الحال ، وملكت التصرف فيه- فلا بأس بذلك ؛ لأن هذا من باب العطية ، وإن كان منحك لها بالوصية فهذا لا يجوز ؛ لأنه لا وصية لوارث ، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا وصية لوارث)" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/213)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ...
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104545
العنوان:
تريد لبس النقاب وخطيبها يقول لها البسيه بعد الزواج
السؤال:
خطيبتي تريد النقاب أنا أقول بعد الزواج فهل عليّ وزر أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب عنها واجب ، في أصح قولي العلماء ، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774).
وعليه ؛ فينبغي أن تعين خطيبتك وتشجعها على لبس النقاب ، وأن تفرح وتسرّ بذلك ، لا أن تصدها عنه ، أو تدعوها لتأخير لبسه إلى وقت الزواج ، فإنها مأمورة بطاعة ربها ، قبل الزواج وبعده ، وعليها أن تسارع في ذلك ، وأن تحذر الإثم والذنب المترتب على العصيان والمخالفة .
قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .
وينظر جواب السؤال رقم (36807) ورقم (2572 ).
وينبغي أن تحمد الله تعالى وتشكره أن وفقك لخطبة الفتاة الصالحة التي تسعى للفضيلة ، وترغب في لبس النقاب ، في زمان يلهث فيه كثير من النساء خلف الأزياء الفاتنة ، والملابس الفاضحة .
واعلم أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يحل له النظر إليها أو الخلوة بها أو مصافحتها ، حتى يتم عقد النكاح فتصبح زوجة له .
نسأل الله لكما التوفيق والثبات والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104546
العنوان:
تأخر استلامه للراتب فهل يبدأ حول الزكاة من وقت الاستحقاق أم من استلامه؟
السؤال:
بعدما حصلت على الوظيفة لم أستلم الراتب إلا بعد ستة أشهر ولا أعلم إن كان حول زكاة هذا المال يبدأ من وقت استحقاقي للمال أم من وقت تسلمي للمال وهو تقريبا ستة أشهر أو أكثر ؟
الجواب:
الحمد لله
من ملك نصابا وحال عليه الحول ، وجبت عليه الزكاة ، والنصاب ما يعادل 85 جراماً من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، وحولان الحول هو مرور سنة قمرية على ملك المال .
فالحول يبدأ مِن ملك النصاب ، والموظف إذا لم يستلم راتبه أصبح دَيْناً على جهة العمل ، وزكاة الدَّيْن فيها تفصيل :
فإن كان الدين على مليء ، وهو المعترف بالدين القادر على سداده ، فإنه يزكى ، كما لو كان المال حاصلا باليد .
إن كان الدين على معسر أو مماطل ، فلا تلزم زكاته ، حتى يقبضه الإنسان ، ويمضي عليه حول من لحظة قبضه .
وعليه ؛ فإن كانت جهة عملك ، معترفة لك بالمال ، باذلة له ، فإن الحول يبدأ من وقت استحقاقك للمال .
وأما إذا كانت مماطلة وأخَّرت الراتب بغير حق ، فتبدأ حساب الحول من يوم استلامك الرواتب المتأخرة .
ولمزيد الفائدة عن كيفية إخراج زكاة الرواتب انظر جواب السؤال رقم (26113) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104584
العنوان:
هل يشتري هذه المرأة التي يزعم مرافقها أنها ملكه؟
السؤال:
منذ أيام التقيت برجل مسيحي هنا في السعودية وقد كانت معه امرأة مسيحية أيضا كان قد جاء معها من خارج المملكة ، وقد عرض ذلك الرجل أن يبيعني تلك المرأة بعد أن أخبرني أنه اشتراها من حيث جاء ، وقد قابلت تلك المرأة وأخبرتني أن ذلك الرجل يملكها بعد أن اشتراها ، فهل يجوز شراء تلك المرأة ، وهل يسمى ذلك ملك يمين ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز بيع المرأة الحرة ، سواء كانت مسلمة أو كافرة ؛ لما روى البخاري (2227) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) .
وأما الأَمَة فيجوز بيعها ، وامتلاكها ، لكن يندر جدا وجود الإماء في هذا العصر .
ولهذا لا يجوز شراء صبي على أنه عبد ، أو شراء امرأة على أنها أَمَة ، حتى يتأكد الإنسان من وجود الرق .
وبعض البلدان الفقيرة يبيعون أولادهم وبناتهم ، وهم أحرار ، وهؤلاء لا يجوز بيعهم بحال .
كما أن البعض يخلط بين الخادمة والأمة ، والخادمة حرة ، تؤجر نفسها للخدمة ، فلا يجوز بيعها ، كما لا يجوز الاستمتاع بالنظر إليها أو لمسها ؛ لأنها كسائر الأجنبيات ، وأما الأمة فيجوز الاستمتاع بها . وينظر جواب السؤال رقم (12562).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : قد ذكرتم جواز شراء الجواري -الإماء- إذا كان ذلك بسببٍ مشروع ولم تذكروا هذا السبب؟
فأجاب : "إذا كان الرق ثبت بسببٍ شرعي ، أي: بطريق شرعي ، وذلك لأنه يوجد أناس يبيعون بناتهم ، فهل إذا باعوهن يكن أرقاء ؟ لا.(/1)
ويوجد أناس يسرقون البنات ويبيعونهن ، هل يكون هذا طريقاً شرعياً ؟ لا.
فالطريق الشرعي أصله : هو أن المسلمين إذا قاتلوا الكفار وغلبوهم واستولوا على أهليهم صار النساء سبياً ، وكن أرقاء بهذا السبي " انتهى من "دروس وفتاوى الحرم المدني".
فلا يجوز لك شراء هذه المرأة حتى يثبت صاحبها أنها أمةٌ مملوكة ، وأنّى له ذلك !
على أننا ننبه إلى الحذر من أصحاب الأغراض السيئة الذين يمكنهم استعمال هذه الحيلة لنشر الأمراض بين المسلمين ، أو تشويه سمعتهم بأنهم يتاجرون في النساء ، أو خداعهم وأخذ أموالهم ، فيبيع الرجل صاحبته ، ويقبض المال ، ثم ما تلبث أن تهرب خلفه .
نسأل الله أن يحفظنا من كل سوء ومكروه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104587
العنوان:
حلف بالطلاق أنه إن سمع صوتها أخرجها من المنزل
السؤال:
هل العبرة في الحلف بالطلاق المعلق مطلق اللفظ أم نية الحالف ؟ مثلا لو قال لزوجته : لو سمعت صوتك سأخرجك خارج المنزل ، حالفا بالطلاق ، وهو يقصد أن لا ترفع صوتها بالبكاء ، حتى لا يسمع الجيران فبكت بصوت منخفض ، ولم يخرجها هل يكون الطلاق وقع أم مجرد يمين يكفر عنه ؟ وهل الحكم يقع على أي صوت في أي وقت أم على ما نوى ؟
الجواب:
الحمد لله
الطلاق المعلق كقول الزوج لزوجته : إن سمعت صوتك فأنت طالق ، محل خلاف بين أهل العلم ، فالجمهور على أنه يقع الطلاق عند وقوع الأمر المعلق عليه ، دون نظر إلى نية الزوج ، هل أراد الطلاق أم لا ؟
وذهب بعض أهل العلم - واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - إلى أن هذا الطلاق ، ويرجع إلى نية القائل ، فإن قصد الحث على فعل شيء أو المنع من فعله ، فإن الطلاق لا يقع ، ويلزمه كفارة يمين عند الحنث .
وإن قصد إيقاع الطلاق عند حصول الشرط ، طلقت زوجته .
والله تعالى مطلع على نيته لا تخفى عليه خافية ، فليحذر المسلم من التحايل على ربه ، ومن خداع نفسه .
والحلف بالطلاق كقول الزوج : عليّ الطلاق أو الطلاق يلزمني إن سمعت صوتك ، فيه نفس الخلاف السابق .
والذي عليه الفتوى في هذا الموقع هو الأخذ بالقول الثاني ، وهو مراعاة نية الزوج .
هذا بالنسبة لأصل الحلف أو تعليق الطلاق .
ثم إنه يعمل بنية الزوج أيضا في تحديد مراده ، وفي المدة التي يريد منع الزوجة فيها ، فإن كان مراد بقوله : إن سمعت صوتك ، ألا ترفع صوتها بحيث يسمعها الجيران ، فيعمل بهذه النية ، فإن بكت بصوت منخفض لا يسمعه الجيران فلا يقع الطلاق .
وكذلك إن كانت نيته هي عدم رفع الصوت في هذا الوقت فقط ، عُمل بنيته .(/1)
وخلاصة الأمر في هذه الصورة المسئول عنها : أن الزوج إن كان يريد منع زوجته ولا يريد الطلاق ، فإنه في حال الحنث تلزمه كفارة اليمين ، ولا يقع الطلاق بذلك ، وإن كان يريد الطلاق ، فإنها تطلق .
وإن كان يريد منع زوجته من رفع صوتها ، فخفضت صوتها ، فإنه لا يحنث ، ولا يلزمه شيء .
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن لا يستعمل الطلاق في غير موضعه ، فإن الطلاق لم يوضع للتهديد والتخويف ولا لظلم المرأة وقهرها ، وليحذر من الحلف بالطلاق حتى لا يعرض حياة الزوجية للانهيار والفشل ، ثم يندم حين لا ينفعه الندم .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104588
العنوان:
تزوجها ثم اكتشف أن اسمَها مزوَّر
السؤال:
تزوجت قبل عام ، واكتملت شروط النكاح المعروفة لدي ، من موافقة ولي أمرها وشهود ومهر وغيرها ، وأخبرتني قبل الزواج أن اسمها الثلاثي ( أ م د ) كما جاء في أوراقها الرسمية ، وبعد عام اكتشفت أن اسمها ( أ س ى ) ، وأنها غيرت اسم والدها وجدها بأسماء لا تربطها بهم صلة ، لكي يسهل عليها دخول المملكة ، وجعلتني أردد اسمها غير الحقيقي لمدة عام ، ولم تصارحني بالحقيقة ، علماً بأنها دائماً تكذب حتى في أبسط الأشياء ، فهل عقد النكاح هذا باطل ؟ علماً بأني لم أسمع حتى من ولي أمرها أنه ذكر اسمها الحقيقي أثناء عقد النكاح .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ليس من أركان عقد النكاح ولا من شروطه التسمي بالاسم الصحيح ، بل يكفي تعيين المرأة المراد خطبتها والعقد عليها ، فإن حصل خطأ أو تزوير في الاسم فلا يؤثر ذلك على صحة النكاح .
جاء في "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (12،48،49) في معرض ذكر شروط النكاح :
" ( أحدها : تعيين الزوجين ) لأن عقد النكاح على أعيانهما ، الزوج والزوجة ؛ والمقام مقام عظيم يترتب عليه أنساب ، وميراث ، وحقوق ، فلذلك لا بد من تعيين الزوجين ، فلا يصح أن يقول : زوجت أحد أولادك ، أو زوجت أحد هذين الرجلين ، أو زوجت طالباً في الكلية ، بل لا بد أن يعين ، وكذلك الزوجة فلا بد أن يعيِّنها فيقول : زوجتك بنتي .
والتعيين له طرق :
الأول : الإشارة ، بأن يقول زوجتك ابنتي هذه ، فيقول : قبلت .
الثاني : التسمية باسمها الخاص ، بأن يقول : زوجتك بنتي فاطمة ، وليس له بنت بهذا الاسم سواها .
الثالث : أن يصفها بما تتميز به ، مثل أن يقول : ابنتي التي أخذت الشهادة السادسة هذا العام ، أو ابنتي الطويلة ، أو ابنتي القصيرة ، أو البيضاء ، أو السوداء ، أو العوراء ، أو ما أشبه ذلك .(/1)
الرابع : أن يكون التعيين بالواقع ، مثل أن يقول : زوجتك ابنتي ، وليس له سواها " انتهى باختصار .
فالنكاح من حيث الصحة : صحيح .
أما ما فعلته تلك الفتاة فهو من المحرمات التي لا خلاف في تحريمها ، أن ينتسب المسلم إلى غير أبيه ، وقد عدها أهل العلم من الكبائر لما جاء فيها من التغليظ ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (638) ، (1942) .
فالواجب عليها التوبة من فعلتها تلك وتصحيح الاسم ، وتقوى الله تعالى في لسانها فلا تتحدث إلا بالصدق ، واللسان سبيل إلى الجنة أو إلى النار ، ويجب على المسلم أن يتحرى فيه الحق والعدل والصدق والإنصاف .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104589
العنوان:
عود دم النفاس في الأربعين
السؤال:
أنجبت وظل نزول الدم أسبوعين وكان متقطعا قليلاً ثم ظللت أسبوعين آخرين أو أكثر تنزل منى إفرازات صفراء ورأيت علامة الطهر اليوم الرابع والثلاثين من النفاس فاغتسلت وصليت الظهر وجامعني زوجي ، وفي العصر نزلت عليَّ إفرازات صفراء وبعد يومين نزل على دم حتى نهاية الأربعين رأيت الطهر فاغتسلت وصليت ، ولكن كان ينزل منى بعض الدم القليل جدا ، وأنا الآن منذ الأمس ينزل عليَّ الدم بصفة مستمرة ، فلا أدرى هل أنا على طهر أم مازلت نفساء ؟ وما حكم الأيام التي كانت تنزل عليَّ فيها إفرازات صفراء هل عليَّ قضاء الصلاة التي لم أصلها فيها أم أنها من النفاس ؟
الجواب:
الحمد لله :
المرأة إذا نزل منها الدم بسبب الولادة فإنها نفساء ، ولا تزال كذلك حتى ترى الطهر أو تتم أربعين يوماً.
وعليه ؛ فما مضى عليك أيتها الأخت قبل أن تري الطهر كله نفاس وإن كان في بعض الأيام عبارة عن إفرازات صفراء، لأن الصفرة والكدرة ما دامت متصلة بالنفاس فهي منه ، فلا صلاة عليك في هذه المدة .
وقد سئُل الشيخ محمد العثيمين رحمه الله عن المرأة ترى دم النفاس لمدة أسبوعين ثم يتحول تدريجياً إلى مادة مخاطية مائلة إلى الصفرة ويستمر كذلك حتى نهاية الأربعين، فهل ينطبق على هذه المادة التي تلت الدم حكم النفاس أم لا ؟
فأجاب : "هذه الصفرة أو السائل المخاطي ما دام لم تظهر فيه الطهارة الواضحة البينة فإنه تابع لحكم الدم ، فلا تكون طاهراً حتى تتخلص من هذا" انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" صـ 304.(/1)
أما اغتسالك وصلاتك بعد رؤية الطهر في اليوم الرابع والثلاثين فصحيح والحمد لله ، وجماع زوجك لك بعد ذلك جائز ، والإفرازات الصفراء التي نزلت بعد ذلك ليست من النفاس ، لأنها جاءت بعد الطهر، وقد روى أبو داود في سننه (264) وصححه الألباني عن أم عطية رضي الله عنها قالت : (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) .
وعليه ؛ فالصلاة في هذه الأيام واجبة ، فإن كنت لم تصلها فعليك قضاؤها.
وأما عود الدم بعد ذلك فإنه نفاس ما دام في الأربعين، قال العلامة ابن باز رحمه الله : "إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ، ثم عاد إليها الدم في الأربعين ، فإن صومها صحيح ، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم ، لأنه نفاس ، حتى تطهر أو تكمل الأربعين" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/133).
وما دمت قد رأيت الطهر عند تمام الأربعين فقد انتهى النفاس وغسلك وصلاتك صحيحان، وأما عود الدم بعد ذلك فإنه حيض ، ما لم يجاوز أكثر وقت الحيض، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "فإذا عاد عليها الدم بعد الأربعين فهو حيض إلا أن يستمر عليها أكثر الوقت فإنها تجلس عادتها فقط" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (4/289، 290).
وبهذا تعلمين أيتها الأخت أنك أيام نزول الدم بعد الأربعين حائض ، ولو كان هذا الدم متقطعاً ما لم يجاوز أكثر وقت الحيض وهو خمسة عشر يوماً.
لكن : إذا كان هذا الدم قليلاً جداً كما تقولين كقطرة أو قطرتين ، فإنه لا يكون حيضاً ، ولا يمنع من الصلاة والجماع ، ولكن عليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها .
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
104606
العنوان:
يحب والده المتوفى ويريد أن يحسن إليه
السؤال:
أتقدم إليكم بسؤالي هذا والقلق ينتابني حيال والدي رحمه الله ، والدي توفي منذ سنتين ، وكان لديه تقصير تجاه رب العالمين وذلك : 1- لم يكن مواظباً على الصلاة المكتوبة , كان يصلي أحياناً وأحياناً لا يفعل كسلاً ، وليس إنكاراً لوجوبها . 2- كان قليلاً ما يصوم رمضان ويحتج بأنه مريض وعليه أن يأخذ دواء القلب ، أو أنه ضعيف لا يستطيع , ولكنه كان من المدخنين ، وأنا أظن أنه لم يكن مواظباً على الصيام بسبب ضعف مقاومته لترك التدخين . 3- كنا في فترة بعيدة من الزمان نملك دكاناً للبقالة ، وحسب علمي وكما أذكر أنه لم يكن يخرج زكاة البضاعة التي فيه , وكانت أوضاعنا المادية صعبة , ولم تربح تجارتنا ، وبعنا الدكان بعدها . 4- أحياناً ربما امتلك مبلغاً من المال يمكنه من الحج ولكنه لم يحج , وكان دائماً يقول لي إنه يتمنى الذهاب إلى الحج ولكنه لا يستطيع ، حيث إنه كان يعاني من مشاكل كثيرة وخطيرة في العينين ، وكان عليه أن يبتعد عن الزحام والشمس والتعب ، ولكن بعد وفاته تبرع بعض الناس وقاموا بالحج عنه - أظنهم ثلاثة أشخاص منفردين ، وليسوا من أقربائه – . أحببت والدي كثيراً ، وكذلك أحبه كل من عرفه . لذلك أرجو منكم أن تبينوا لي ماذا يمكنني عمله من أجل البر بوالدي , أنا أحبه وأخاف عليه من عذاب القبر ومن عذاب يوم القيامة .
الجواب:
الحمد لله
إذا أردت أن تنفع وتبر والدك بعد وفاته ، فيمكنك أن تنفعه بما يأتي :
1- الدعاء الصادق له ، قال الله تعالى : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/40-41 .(/1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم : ( إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواه مسلم (1631) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعالى لَيَرْفَعُ لِلرَّجُلِ الدَّرَجَةَ ، فَيَقُولُ : أَنَّى لِي هَذِهِ ؟ فَيَقُولُ : بِدُعَاءِ وَلَدِكَ لك ) رواه الطبراني في "الدعاء" (ص/375) ، وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/234) للبزار ، ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/78) .
قال الذهبي في "المهذب" (5/2650) : إسناده قوي . وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث .
2- التصدق عنه .
3- أداء الحج والعمرة عنه ، وإهداء ثوابهما إليه ، وقد سبق في موقعنا تفصيل هذه الأمور في جواب السؤال رقم (12652) .
4- قضاء دينه : كما فعل جابر بدين والده عبد الله بن حرام رضي الله عنهما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم . والقصة رواها البخاري (2781) .
أما ما فاته من صيام رمضان ومن أداء الزكاة فهذا لا يمكن للولد استدراكه ، فإذا تعمد المسلم التقصير في هذين الفرضين فلا بد أن يتحمل وزرهما ، ولا يؤديها أحد عن أحد .
ومثل ذلك : الصلاة ، فإنه لا يصلي أحد عن أحد .
وقد أخبرنا ربنا عز وجل بأن المسلم مجازى بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر :
يقول الله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7-8 ، إلا أن يتجاوز الله برحمته وفضله عن السيئات .
غير أن الزكاة تشبه الدَّيْن ، فهي حق للمستحقين الزكاة ، فعليك أن تقدر الزكاة التي لم يخرجها في حياته وتقوم بإخراجها عنه ونرجو أن يكون ذلك سبباً للتخفيف عنه .(/2)
نسأل الله أن يجزيك خيراً على حبك لوالدك وحرصك على بره ، وأن يعفو عنه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104613
العنوان:
حكم التداوي بألبان الحمر الأهلية
السؤال:
معروف أن أكل لحم الحمر الأهلية حرام ، وأن الله إذا حرم شيئا حرمه كله ، وقد قرأت أن حليب الحمار علاج للمرأة التي لا تحمل ( علاج للحمل ) فما الحكم في هذه الحالة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية ، ولا التداوي بألبانها .
والحمر الأهلية ، كانت مباحة في أول الأمر ، ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. روى البخاري (5520) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْل .
وروى البخاري (5527) ومسلم (1936) عن أبي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ : حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية . قال أحمد : خمسة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوها . قال ابن عبد البر : لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها" انتهى من "المغني" (9/324) .
وإذا حرم لحمها حرم لبنها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/325) : " وألبان الحمر محرمة , في قول أكثرهم . ورخص فيها عطاء , وطاوس والزهري . والأول أصح ; لأن حكم الألبان حكم اللحمان " انتهى .(/1)
وقال أيضا (9/338) : "وَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ , وَلا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ , مِثْلِ أَلْبَانِ الأُتُنِ ( جمع أتان وهي أُنثى الحمار) ، وَلَحْمِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ , وَلا شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِهِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا) ; وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ : (إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ )" انتهى .
وقال في "شرح المنتهى" (3/412) : "ويحرم ترياق (دواء السموم) فيه من لحوم الحيات ، أو الحمر ، وتداوٍ بألبان حمر ، وكل محرم " انتهى بتصرف .
وقال ابن القيم رحمه الله : "المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها ، وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا ، عقوبةً لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) النساء /160 ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ، وتحريمه له حميةً لهم ، وصيانةً عن تناوله ، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب .
وأيضا : فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع .
وأيضا : فإنه داء ، كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء .(/2)
وأيضا : فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بيناً ، فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته " انتهى من "زاد المعاد" (4/156) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/31) : " لا يجوز التداوي بشرب ألبان الحمر الأهلية " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الشيخ عبد الرازق عفيفي . الشيخ عبد الله بن غديان . الشيخ عبد الله بن قعود .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104614
العنوان:
حلف زوجها بالطلاق ألا تذهب إلى بيت أهلها
السؤال:
حلف علي زوجي بالطلاق مكررا اليمين في نفس الوقت دون أن يقطعه شيء ألا أذهب لبيت أهلي ، وعندما سألته عن نيته قال إنه نوى الطلاق ، وذلك حتى لا يرجع في كلامه عندما يهدأ ويسمح لي بالذهاب لهم أي هو يريد أن يمنع نفسه من أن يسمح لي بالذهاب ، ويريد أن يمنعني أيضا ، وأريد أن أوضح لكم أن زوجي كثيرا ما يحلف علي بالطلاق ، إما تهديدا أو منعا لي من فعل شيء ما ، والظاهر لي أن حلفه هذا الغرض منه تأديبي وحرماني من بيت أهلي لأني أغضبته ، وهذا لعلمي بزوجي وطريقة تفكيره وتصرفه في حياتنا ، وأنا أريد أن توضحوا لي بالتحديد هل هذا طلاق أم يمين يكفر عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا حلف الزوج بالطلاق ألا تذهبي إلى بيت أهلك ، فهل يقع الطلاق بمجرد ذهابك أم لا ؟ في ذلك خلاف بين العلماء .
فأكثر العلماء على أن الطلاق يقع بمجرد الذهاب ، لأن هذا طلاق معلق على شرط ، فيقع الطلاق عند وقوع الشرط .
وينظر "المغني" (7/372).
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين ، فأراد صاحبه الحث على فعل شيء أو المنع منه ، ولم يرد الطلاق ، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط ، ولا يقع طلاقه . وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله ، وعلى هذا القول ينظر في نية زوجك ، فإن نوى وقوع الطلاق عند حصول الشرط ، وقع الطلاق ، وإن أراد منع نفسه أو غيره من شيء ، أو حث نفسه أو غيره على فعل شيء ، ولم يرد الطلاق ، ثم حنث ؛ فعليه كفارة يمين ، ولا يقع الطلاق بذلك.
ولكنك ذكرت أن زوجك يقول إنه نوى الطلاق ، وعليه ؛ فإن ذهبت إلى بيت أهلك وقعت طلقة واحدة ولو كان قد كرر اليمين .(/1)
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ويمسك عن الحلف بالطلاق ، فإن الإكثار من ذلك قد يؤدي إلى الحياة المحرمة مع الزوجة ، وهذا من البلاء المنتشر اليوم ، أن يبقى الرجل مع زوجته التي طلقها مرات ومرات ، يخادع نفسه ويخدعها ، ويعيش في الحرام ، وينجب أولادا في الحرام ، وهو في الحقيقة زان فاجر ، وهي زانية مثله ، يمنون أنفسهم بالأماني ، ويغضون الطرف عن ذلك لوجود الأولاد ، وقد كان الزوج في سعة من أمره ، لو أمسك لسانه عن الحلف .
نسأل الله العفو والعافية والسلامة .
وينظر جواب السؤال (39941) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104620
العنوان:
حلف على زوجته بالطلاق ألا تعطي مالا لأختها
السؤال:
امرأة أعطت أختها مالا كان لها عندها ولكن دون أن يدرى زوجها ، لأنه كان على مشاكل مع أختها ، ثم حلف على زوجته بالطلاق ألا تعطي لأختها المال دون أن يدرى ، فلم تعط زوجته لأختها شيئا بعد ذلك ، ولم يدر زوجها أنها أعطت أختها مالا قبل أن يحلف ، مع العلم أن المال الذي أعطته لأختها ليس من مال زوجها . فما الحكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
للمرأة أن تتصرف في مالها كما تشاء ، إذا كانت رشيدة ، في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله : "للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله , بالتبرع , والمعاوضة . وهذا إحدى الروايتين عن أحمد . وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر" انتهى من "المغني" (4/299) .
لكن حسن العشرة مع زوجها تقتضي إعلامه وإخباره بذلك ، فإن رغبت في صلة رحمها وكره ذلك فعلته سرا .
وإن حلف عليها بالطلاق ألا تعطي أختها كما في السؤال ، فإن هذا يتعلق بالعطية في المستقبل ، وأما ما كان قبل حلفه فلا يتعلق به الطلاق .
والحلف بالطلاق فيه خلاف بين أهل العلم :
فالجمهور على أن الطلاق يقع عند وقوع المحلوف عليه ، فإذا أعطت الزوجة مالا لأختها وقع الطلاق . وينظر "المغني" (7/372) .
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين ، فأراد صاحبه الحث على فعل شيء أو المنع منه ، ولم يرد الطلاق ، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط ، ولا يقع طلاقه . وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله ، وعلى هذا القول ينظر في نية الزوج ، فإن نوى وقوع الطلاق عند وقوع المحلوف عليه ، وقع الطلاق ، وإن كان يريد المنع فقط ولا يريد الطلاق ، فحينئذ إذا أعطت الزوجة مالا لأختها ؛ لزمه كفارة يمين ، ولا يقع بذلك الطلاق .(/1)
ويرجع أيضا لنية الزوج فيما يتعلق بمدة المنع ، ويُنظر هل أراد منع زوجته من دفع المال مطلقا ، أو كانت نيته إلى زوال المشكلة ، أو منعها من إعطائها هذا الشهر ، أو نحو ذلك ، فيعمل فيه بحسب نيته .
وينظر جواب السؤال رقم (103308) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104636
العنوان:
الصلاة في مسجد بني بقرض ربوي
السؤال:
ما حكم الصلاة في مسجد اشتُرِيَ بقرضٍ ربويٍ ؟ وكيف نتخلص من الربا وقد عمت البلوى بها في بلدان أوربا ؟ مع العلم أن القائمين على أ مر المسجد لم يقصدوا ذلك وقد خُدعوا من طرف بنك يدّعي بأنه مموّل من بنك إسلامي ، وبعد إمضاء العقد اكتشفوا أنهم قد تورّطوا وخُدعوا وأنّ المخادِعين الآن هم في السجن بسبب كذبهم وحيلهم واختلاس الأموال .
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في الصلاة في هذا المسجد ، ولو اشتري بقرض ربوي ، والإثم على من تعامل بالربا . وإذا كان القائمون على المسجد لم يقصدوا التعامل بالربا ، فلا إثم عليهم .
وينبغي أن يعلم أن الربا محرم بجميع بصوره ، فلا يجوز الاقتراض بالربا ولو كان لبناء مسجد . وينظر جواب السؤال رقم (10234) .
ومن اقترض بالربا ، واشترى بذلك بيتا أو متاعا ، جاز له الانتفاع به ، ويلزمه التوبة إلى الله تعالى من التعامل بالربا .
وينظر جواب السؤال رقم (22905) ورقم (75410) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104659
العنوان:
حكم إمامة من ينطق الضاد ظاء
السؤال:
إذا أخطأ الإمام بتغيير حرف الظاء بدل الضاد في سورة الفاتحة في الصلاة في قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فهل علي أن أرده أو أن صلاتي تبطل ؟ علماً أني أخبرته بفارق المعنى بين الظالين والضالين ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي للمصلي أن يفرق بين الضاد والظاء ويخرج كلا منهما من مخرجه .
لكن . . . إذا أخل به ، فصلاته صحيحة على الراجح ، للتقارب بين مخرجيهما ، ولا يلزمك التصحيح له أثناء الصلاة ؛ لأن هذا ليس من باب الخطأ العارض ، بل هو راجع إلى اعتياد النطق بذلك .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/143) : " والصحيح من مذاهب العلماء : أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم" انتهى .
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/482) : "وحكم من أبدل منها أي الفاتحة حرفا بحرف , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه , حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى ، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله إلا ضاد المغضوب والضالين إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء ; لأن كلا منهما أي الضاد والظاء من أطراف اللسان , وبين الأسنان ، وكذلك مخرج الصوت واحد ، قاله الشيخ في شرح العمدة " انتهى بتصرف .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/24) : "أولا : مخرج الضاد من إحدى حافتي اللسان اليمنى أو اليسرى بعد مخرج الياء وقبل مخرج اللام مما يلي الأضراس ، وتخرج اللام من أقرب حافة اللسان إلى مقدم الفم ، وصوت الضاد بين صوت الدال المفخمة والظاء المعجمة تقريبا .
ثانيا:(/1)
من قدر على أن يجود حرف الضاد حتى يخرجه من مخرجه الصحيح وجب عليه ذلك ، ومن عجز عن تقويم لسانه في حرف الضاد أو غيره كان معذورا وصحت صلاته ، ولا يصلي إماما إلا بمثله أو من دونه ، لكن يغتفر في أمر الضاد والظاء ما لا يغتفر في غيرهما ؛ لقرب مخرجهما وصعوبة التمييز بينهما في المنطق ، كما نص عليه جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في تفسير الفاتحة" انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله: (أو يبدل حرفاً) أي : يُبدل حرفاً بحرفٍ ، وهو الألثغ ُ، مثل: أنْ يُبدِلَ الرَّاءَ باللام، أي : يجعلَ الرَّاءَ لاماً فيقول : (الحمدُ لله لَبِّ العالمين) فهذا أُمِّيٌّ ؛ لأنه أبدلَ حرفاً مِن الفاتحة بغيرِه .
ويُستثنى مِن هذه المسألةِ: إبدالُ الضَّادِ ظاءً ، فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ ، وهو المذهبُ ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما ، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً ، فإنَّ العاميَّ لا يكادُ يُفرِّقُ بين الضَّادِ والظَّاءِ ، فإذا قال : (غير المغظوب عليهم ولا الظالين) فقد أبدلَ الضَّادَ وجعلها ظاءً ، فهذا يُعفى عنه لمشقَّةِ التَّحرُّز منه ، وعُسْرِ الفَرْقِ بينهما ، لا سيَّما مِن العوامِ" انتهى .
من "الشرح الممتع" (4/246).
فتبين بهذا العفو عن الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء ، وصحة صلاة وإمامة من يفعل ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104662
العنوان:
إذا كان الزوج هو الولي ، فهل يزوج نفسه؟
السؤال:
بنت عمي شقيق والدي ، أرغب في الزواج منها ، وأنا وليها بموجب وكالة شرعية ، وأرغب في أن أتزوجها ، وليس لدينا أقرباء عصبة ، ولا إخوة ، ولا يوجد من يحل محلي في ولايتها ، فهل أقول لها : " زوجتك نفسي " بحضور الشهود وتقول لي : قبلت ؟ أم أوكل المأذون ؟ أم ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان ولي المرأة في النكاح هو ابن عمها وأراد أن يتزوجها ، فلا حرج في ذلك إن رضيت به.
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وليُّ المرأة التي يحل له نكاحها - وهو ابن العم ، أو المولى ، أو الحاكم ، أو السلطان - إذا أذِنت له أن يتزوجها : فله ذلك" انتهى .
"المغني" (7/360) .
وفي هذه الحال له أن يتولى عقد النكاح عن نفسه وعن المرأة لأنه وليها ، فيقول : قد تزوجتك، أو زوجت نفسي فلانة ، ونحو ذلك من العبارات ، ولا يحتاج أن يقول : قبلت ، لأن إيجابه يتضمن القبول ، ولا تحتاج هي أيضا أن تقول : قبلت ، لأن المرأة لا تتولى عقد النكاح لا لنفسها ولا لغيرها ، وإنما يعقد لها وليها .
وله أن يوكل رجلاً يتولى إنكاحها له نيابة عنه ، سواء كان هذا الوكيل المأذون أم غيره .
وحينئذ يقول وكيله : زوجتك فلانة ، ويقول هو : قبلت . وبهذا ينعقد النكاح ، وهذان الأمران قد ورد فعلهما عن الصحابة رضي الله عنهم .
قال الإمام البخاري رحمه الله :
"بَاب إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْخَاطِبَ . وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ : أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . فَقَالَ : قَدْ زَوَّجْتُكِ .
وَقَالَ عَطَاءٌ : لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا" انتهى(/1)
وصحح الألباني أثر المغيرة بن شعبة ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في " إرواء الغليل " (1854) ، (1855) .
وينبغي أن يعلم أنه لابد من الإشهاد على العقد في الحالين ، ولمعرفة أركان النكاح وشروطه راجع جواب السؤال رقم (2127) .
انتهى
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104665
العنوان:
جواز ركوب البحر للنزهة
السؤال:
هل يجوز ركوب البحر للنزهة أم أنه منهي عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز ركوب البحر للنزهة وغيرها ؛ لأن الأصل الإباحة ، وقد امتن الله تعالى على عباده بأن يسر لهم جريان الفلك في البحر .
قال الجصاص رحمه الله في "أحكام القرآن" (1/150) : " باب إباحة ركوب البحر: وفي قوله تعالى : (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) دلالة على إباحة ركوب البحر غازيا وتاجرا ومبتغيا لسائر المنافع ; إذ لم يخص ضربا من المنافع دون غيره . وقال تعالى : (هو الذي يسيركم في البر والبحر) ، وقال : (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله) ، وقوله : (ولتبتغوا من فضله) قد انتظم التجارة وغيرها ، كقوله تعالى : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) ، وقال تعالى : (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) وقد روي عن جماعة من الصحابة إباحة التجارة في البحر ، وقد كان عمر بن الخطاب منع الغزو في البحر إشفاقا على المسلمين " انتهى .
وورد النهي عن ركوب البحر إلا للحاج والمعتمر والغازي ، لكنه حديث ضعيف .
وهو ما رواه أبو داود (2489) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا) .
قال الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (4/169) : " اتفق الأئمة على تضعيفه " انتهى .(/1)
ومما ورد في ركوب البحر : ما روى أحمد (20767) عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ ، فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (828) .
وهو يفيد المنع من ركوب البحر عند هيجانه واضطرابه ، ويفهم منه : جواز ركوبه عند عدم هيجانه .
قال الحافظ في الفتح : " ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقا " انتهى .
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/343) : " والحديث يدل على عدم جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104675
العنوان:
حكم الفحص الطبي قبل الزواج والتحايل على ذلك
السؤال:
يلزموننا في بلادنا بأداء الفحوصات الطبية قبل الزواج ، وأنا وخطيبتي دائما نقوم بفحوص والحمد لله بخير ، وتكاليف التحاليل باهظة قليلا ، فهل لنا بعد أن تثبتنا من سلامتنا من الأمراض المعدية عدم القيام بفحوصات أخرى ونقتصر الطريق ، ونذهب إلى طبيب ويمدنا بشهادة سلامة من الأمراض من غير فحوص ، أو نقوم بالفحوص ونأخذ الشهادة التي ليس لها دور في صحة العقد أو فساده لكن يجب أن يرفق ملف العقد عند التسجيل بالشهادة الطبية؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز الفحص الطبي قبل الزواج ، ويتأكد عند غلبة الظن بوجود أمراض وراثية في العائلة ، وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : ما حكم إجراء الفحص للطبي للزوجين قبل الزواج ؟
فأجاب : "لا بأس بذلك إذا خيف من مرض داخلي ، مما يؤثر على الصحة ، ويمنع من راحة الزوجين ، واستقرار الحياة والطمأنينة فيها ، فربما كان في أحدهما مس أو صرع ، أو مرض مزمن ولو سهل ، كربو أو سكر أو بلهارسيا أو روماتيزم ، وهكذا مرض العقم ، وعدم الإنجاب ، لكن إذا كان ظاهر الزوجين السلامة ، والبيئة والمجتمع الذي هما به لا توجد فيه هذه الأمراض ونحوها فالأصل أن لا مرض ولا خوف ، فلا حاجة إلى فحص طبي لكل زوجين ، لكن إذا قامت قرائن ، وخيف من وجود مرض خفي ، وطلب أحد الزوجين أو الأولياء الكشف لزمه ذلك ، حتى لا يحصل بعد العقد خلاف ونزاع " انتهى نقلا عن موقع المسلم .
http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_question_main.cfm?id=931
ثانيا :
ليس للطبيب أن يصدر شهادة تفيد الخلو من الأمراض من غير فحص ، إلا إن كان هو الذي فحص المريض من قبل ، أو كان الأمر يقتضي كشف العورة ، وقد تأكدتما من سلامتكما ، فلا مانع من أخذ هذه الشهادة بلا فحص ، تجنبا لكشف العورة الذي لا يوجد ما يبرره .(/1)
وكذلك إذا كان ما بقي من الفحوصات ليس له أهمية ، ويكلفكم الكثير من الأموال من غير حاجة أو مصلحة تترتب على ذلك ، فلا حرج عليكم من أخذكم الشهادة .
والواجب على المسؤلين أن يرفقوا بمن تحت أيديهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه قائلاً : (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رواه مسلم (1828) .
فإن ألزموا الناس بتلك الفحوصات ، فليكن ذلك مجاناً ، وليعدوا المستشفيات العامة لذلك ، مراعاة لحال الفقراء ، الذين لا يجدون ما يكفيهم من الأموال ، وحتى لا يفتحوا الباب لأخذ الرشوة من أجل استخراج تلك الشهادة ، من غير إجراء الفحوصات .
أما أنت أخي السائل فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى فيما تنوي فعله ، والظالم هو من ألزمك بما لم يلزمك الله به ، وحمَّلك من النفقات ما لا تطيق ، أو يشق عليك ، من غير داعٍ إلى ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104720
العنوان:
مسائل في " خلو الرجل " ، وكلمة لأصحاب العقارات للتخفيف على الناس
السؤال:
سؤالي متعلق بالسكن , إذ نظراً لارتفاع كلفته يلجأ العديد من الناس في " المغرب " لوسائل يخفضون بها أجرة الكراء , وهي كما يلي : " شراء مفتاح " ، وهي دفع مبلغ مالي كبير لصاحب المنزل مقابل السكن بأجرة مخفضة ، ويصبح المقرض بموجب العقد مالكاً لحق التصرف في المنزل ، بحيث يمكنه إن أراد تغيير سكناه أن يسكِّن أي شخص يرد له المبلغ الذي دفعه لصاحب المنزل ، أرجو إفادتي , هل هذه الطرق مشروعة لخفض كلفة الإيجار أم لا ؟ وفي حالة النفي هل توجد وسيلة حلال تؤدي نفس الغرض ؟ .
الجواب:
الحمد لله
1. الذي يظهر لنا أن ما يسميه السائل " شراء مفتاح " هو ما يسمى في بعض الدول " الخلو " أو " نقل قدم " أو " الفروغية " ، وهو المال الذي يُدفع للمالك – أو للمستأجر بعقد شرعي – مقابل التمكين من العقار .
2. لا يُغيِّر دفع هذا المبلغ من طبيعة العقد ، فهو لا يزال عقد إجارة .
3. لا ينبغي تسمية المال المدفوع قرضاً ؛ لأنه لا يرده المالك إلى المستأجر ، ولو كان قرضاً لكانت المعاملة محرَّمة ؛ لأنه يصبح من القروض التي تجر منافع ، وهي عقود ربوية بلا شك ، وينطبق على ذلك القاعدة المتفق عليها " كل قرضٍ جرَّ نفعاً فهو رباً " .
4. يجوز للمستأجر أن يؤجر العقار بأقل أو أكثر من الأجرة التي تعاقد عليها مع المالك ، وله أن يأخذ مقابل ذلك ما يسمى ب : "شراء المفتاح" أو "خلو الرجل" ما لم ينص العقد مع المالك على عدم ذلك .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"إذا استأجر إنسانٌ بيتاً ، أو شقةً ، أو معرضاً – مثلاً – مدة ، وبقي له منها زمن : جاز له أن يؤجرها لمثله بقية تلك المدة بقليل ، أو كثير ، دون غبن .(/1)
أما إن كانت مدة إجارته قد انتهت : فليس له أن يؤجر ذلك البيت ، أو الشقة ، أو المعرض –مثلاً - أحداً إلا برضا المالك ، وإلا كان ما أخذه من الأجرة محرَّماً ، سواء كان قليلاً ، أم كثيراً ؛ لأن منافع البيت بعد انتهاء مدة الإجارة حق لمالك العين ، فتصرف غيره فيها بغير رضاه : اعتداء على حقه ، فكان ممنوعاً ، وكان الكسب من ذلك من أكل أموال الناس بالباطل ، لكن إذا كان المستأجر للمحل له مال في المحل ، من فرش ، أو ديكورات ، أو مكيفات ، أو إنارة ، ونحو ذلك : فلا مانع أن يتفق المالك أو المستأجر الجديد مع مالكها على ثمن معلوم لتلك الأموال ، ولا يسمَّى هذا " نقل قدم " ، وإنما هو بيع لتلك الأشياء التي يملكها المستأجر ، وإن لم يرغب المالك أو المستأجر الجديد شراءها : فعلى صاحبها أن ينقلها لانتهاء مدة إجارته" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 92 ) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله : ما رأي الدين في المبالغ التي تدفع كخلو لإيجار الأماكن والمحلات ، سواء من المؤجر للمستأجر أو من المستأجر للمؤجر ؟ .
فأجاب :
"إذا استأجر الإنسان محلاً مدة معلومة : فله أن يسْكُنه تلك المدة ، وأن يؤجِّره لغيره ممن هو مثله في الاستعمال ، أو أقل منه ؛ أي : أن له أن يستغل منفعة المحل بنفسه ، وبوكيله .
أما إذا تمت مدته : فإنه يجب عليه إخلاء المحل لصاحبه الذي أجَّره إياه ، ولا حق له في البقاء ، إلا بإذن صاحبه ، وليس له الحق في أن يمتنع عن إخلاء المحل إلا بأن يدفع له ما يسمى بـ " نقل القدم " أو " الخلو " ؛ إلا إذا كان له مدة باقية فيه" انتهى .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 3 / 221 السؤال رقم 336 ) .(/2)
وانظر جواب السؤال رقم : ( 1839 ) ففيه قرار " مجمع الفقه الإسلامي " حول هذه المسألة بتفصيلات علمية .
والمرجو ممن وسَّع الله تعالى عليهم في المال والعقار أن يراعوا حال الناس ، وضعفهم ، وصعوبة الحياة ، وقلة أو ندرة الحصول على أعمال تدر دخلاً يكفي الرجل وأسرته ، وليعلموا أن ما يفعلونه من تخفيف الأجرة على المستأجرين يدخل في الإنفاق ، والصدقات ، والرحمة للخلق ، وكل ذلك من أعظم الطاعات والأعمال الصالحة ، وقد وعد الله تعالى أهلها بالخير والثواب في الدنيا والآخرة .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) . رواه البخاري ( 4407 ) ومسلم ( 993 ) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال : قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) . رواه الترمذي ( 1924 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) . رواه مسلم ( 2699 ) .
نسأل الله تعالى أن يكتب لمن أنفق ، وتصدَّق ، ورحم : الأجرَ ، والثوابَ ، وأن يفرِّج عنهم وييسر لهم أمورهم في الدنيا والآخرة .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
104726
العنوان:
إمامهم لا ينطق بالراء نطقا صحيحاً
السؤال:
ما حكم الصلاة خلف إمام يقول في تكبيرة الإحرام " الله أكبن " ، بدلا من " الله أكبر " ؟ مع العلم أنه ينطق بها بصورة صحيحة أحيانا ، أريد إجابة مفصلة جزاكم الله خيرا . ملاحظة : وأنا لا أستطيع الذهاب لمسجد آخر ؛ لأن هذا المسجد هو الوحيد في بلدي .
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في أمامة الألثغ وهو الذي يبدل حرفاً بحرف ، كإبدال الراء غيناً أو لاماً ، أو إبدال السين ثاءً ، ونحو ذلك .
فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا تصح إمامته ، لأن قراءته للفاتحة غير صحيحة ، فهو كالأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة .
وذهب آخرون إلى صحة إمامته ، لأنه غير مقصر ، بل هذا ما يستطيعه ، وقياساً على ما لو ترك القيام عاجزا عنه وصلى جالسا ، فإن ذلك لا يمنع أن يكون إماماً .
جاء في الموسوعة الفقهية (35/326) :
" ذهب الشّافعيّة في الجديد وأكثر الحنابلة : إلى أنّه لا يصح الاقتداء بألكن ، يترك حرفاً من حروف الفاتحة أو يبدّله بغيره .
وبهذا يقول الحنفيّة على المذهب ، إلا أنّهم لا يحصرون الحكم في الإخلال بحرف من الفاتحة أو إبداله بغيره , بل يقولون بعدم جواز إمامة من لا يتكلّم ببعض الحروف , سواء كانت من الفاتحة أو غيرها .
ويرى هؤُلاء الفقهاء أنّ الألكن إن تمكّن من إصلاح لسانه وترك الإصلاح والتّصحيح فصلاته في نفسه باطلة , فلا يجوز الاقتداء به , وإن لم يتمكّن من الإصلاح والتّصحيح : بأن كان لسانه لا يطاوعه , أو كان الوقت ضيّقاً ولم يتمكّن قبل ذلك فصلاته في نفسه صحيحة , فإن اقتدى به من هو في مثل حاله صحّ اقتداؤُه ؛ لأنّه مثله فصلاته صحيحة .
وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه لو كانت اللثغة يسيرةً , بأن لم تمنع أصل مخرج الحرف وإن كان غير صافٍ لم تؤثّر , وقواعد الحنفيّة لا تأبى هذا الحكم .(/1)
ويرى المالكيّة في المذهب وبعض الحنفيّة وأبو ثورٍ وعطاء وقتادة صحّة الاقتداء بالألكن , وهذا ما اختاره المزني ، إلا أنّه قيّد صحّة الاقتداء به بأن لم يطاوعه لسانه , أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن فيه التّعلم , وإلا فلا يصح الاقتداء به" انتهى باختصار .
وقد اختار القول بصحة إمامة الألثغ ابن حزم الظاهري ، فقال في "المحلى" (4/217) :
" وأما الألثغ ، والألكن ، والأعجمي اللسان ، واللحَّان ، فصلاة من ائتم بهم جائزة ، لقول الله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه ، لا ما لا يقدرون عليه ، فقد أدوا صلاتهم كما أمروا ، ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن ، قال تعالى : ( ما على المحسنين من سبيل)" انتهى .
وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، حيث قال في "فتاوى نور على الدرب" (أحكام الإمامة/سؤال رقم/18) :
" ويرى آخرون أنها تصح إمامته ؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته ، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع ، وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وإذا كان العاجز عن القيام يُصلى بالمأمومين القادرين عليه فإن هذا مثله ؛ لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن ، هذا عن القيام ، وهذا عن القراءة .
وهذا القول هو الصحيح ، أن إمامة الألثغ تصح وإن كان يبدل حرفاً بحرف ، ما دامت هذه قدرته .
ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلى من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب احتياطاً وخروجاً من الخلاف " انتهى .
فعلى هذا ، تصح الصلاة خلف هذا الإمام ما دام عاجزاً عن النطق الصحيح .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104768
العنوان:
تركها أهلها في صغرها ، ورباها عمُّها وزوجته ، فكيف تتصرف مع أهلها ؟
السؤال:
أبي وأمي أعطياني لعمِّي ، وأنا عمري ثلاثة أيام ، ولقد كبرت في بيت عمي وزوجته ، وأنا أظن أنهما والداي ، إلى أن صار عمري 12 سنة ، وعلمت بالأمر ، فصدمت ، ولكن بعد فترة اعتدت بالوضع ، وصرت أعيش بينهما ، ولكن أبي الحقيقي يعاملني على أنني ابنة أخيه ، وكذلك أمي ، وإخوتي ، إلى أن تزوجت ، ووقعتْ بيني وبينهم مشكلة ، لستُ سبباً فيها ، فقاطعوني ، حتى أنني أنجبتُ إثر عملية قيصرية ، ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عليَّ ، فهل أنا مذنبة في حقهم ؟ وهل أعتبر عاقة لوالدي - مع العلم أنهم قد تخلوا عني منذ صغري - ؟ ، وما هو واجبي تجاههم في الشرع ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن من رحمة الله تعالى بك أن يعوضك عن تقصير أبيك وأمك ، وإهمالهم لشأنك ، بعناية عمك وزوجه ، وقيامهم بأمرك ، وعمك ـ والحمد لله ـ هو محرم لك ، بل هو كأبيك لك ، كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ) رواه مسلم (983) .
وإن كان الواجب على الجميع أن تتم هذه العناية من عمك وزوجه ، وأنت تعرفين كفالته لك على أنك ابنة أخيه ؛ فتربيتهم لكِ ، ومعيشتك تلك الفترة في بيتهم ، وتحت كنفهم : لا يجعلك بنتاً لهم ، ولا ينزع والديك منك ، لا نسبة ، ولا برّاً لهما ، ولا صلةً لأشقائك ، وإن كانوا قد أخطأوا بفعلهم ذاك ، فإنه لا يجوز لك مقابلة الخطأ بخطأ ، بل تعفين وتصفحين ، ولك الأجر إن شاء الله ، وإن كان لعمك أبناء فإنه لا يحل لك أن تختلي بأحدٍ منهم ، ولا أن تكشفي عن شيء من جسمك أمامهم ؛ فهم أجانب عنكِ ، ولست أختاً لهم حتى يحل لك ذلك .
سئل علماء اللجنة الدائمة :(/1)
إنني فتاة في سن الحادية والعشرين من عمري ، ولدت على أيام الحرب – أي : حرب الستين - في الحرب فقدت والدتي ووالدي ، وأطفال كثيرون فقدوا الآباء والأمهات ، جمعونا يوم ذاك ، وأخذونا إلى ملجأ في " عمان " ، عشت في الملجأ شهراً على الأقل ، وجاءت عائلة أردنية ، وأخذتني بالتبني ! لأنهم زوجان لا ينجبان الأولاد ، عشت معهم وكأنني ابنة لهم ، لم يشعروني بأي شيء، فعلا ربوني على الهداية ، والحمد لله رب العالمين ، عرفت من زميلاتي في المدرسة أن لا أهل لي ، في البداية لم أهتم لذلك ؛ لأن والدتي معي ، ولكن الآن والدتي بالتبني توفيت ، وأنا لوحدي مع والدي ، هو رجل كويس ، والحمد لله ، ولكنه محرَّم عليَّ ، أنا أمامه ألبس الطويل الساتر ، ولكن لا ألبس الإيشارب ، عشت عند دار والدتي ، أي : دار جدي بالتبني ، ولكن لم أرتح كثيراً ، فرجعت لوالدي أعيله لأنه مريض ، بعديد من الأمراض ، هل وجودي معه حرام ، وهل عدم لبس الإيشارب أمامه حرام ؟ .
فأجابوا :
التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناك كما كان الحال في زمن الجاهلية ، إنما القصد منه الإحسان ، وتربية الصغير ، والقيام بمصالحه ، حتى يكبر ، ويرشد ، ويتولى شؤون نفسه ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك ، لكنه ليس أباً ولا محرماً لك ، فيجب أن تحتجبي عنه ، شأنك معه في هذا كأي أجنبي ، مع مقابلة إحسانه بالإحسان ، ومعروفه بالمعروف ، مع الحجاب ، وعدم الخلوة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 360 ) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :(/2)
امرأة متزوجة ، ولكن لم يشأ الله أن تنجب أطفالاً ، لذا هل يجوز أن تتبنى طفلاً وتنسبه لها ولزوجها أم لا ، وإذا كان جائزاً فما هي صفات الطفل الذي يجوز تبنيه ، بمعنى : أن يكون أبواه معروفين ، ولكنهما قد ماتا كاليتيم مثلاً ، أو مَن لا يعرف أبواه ونحو ذلك ؟
فأجاب :
التبني كان موجوداً في الجاهلية فأبطله الإسلام ، ونهى عنه ، فالطفل المتبنَّى يكون أجنبيّاً من المتبنِّي ؛ لأنه إنما ينسب لأبويه الحقيقيين ، ولا ينسب لمن تبناه .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ) الأحزاب / 4 ، 5 .
فالواجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا الأمر الخطير الذي أبطله الإسلام ، ونهى عنه ، ولا مانع من أن المسلم يحسن إلى اليتيم ، وإلى الصغير الذي ليس له وليّ يقوم على تربيته ، فالإحسان إليه فيه فضل عظيم ، لكن لا يتبناه .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 / 197 ، السؤال 216 ) .
وانظري جوابي السؤالين : ( 10010 ) و ( 5201 ) .
ثانيا :
أما بخصوص بر والديكِ : فاعلمي أن ما فعلاه في حقك لا يجيز لك التخلي عنهما ، وهجرهما ، ولا يمكنكِ التبرؤ من النسبة إليهما ، ويجب عليكِ برُّها ، والإحسان إليهما ، ويحرم عليكِ جفاؤهما وعقوقهما .
قال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء/ 36 .
وقال سبحانه : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/ 14 .(/3)
وقال عز وجل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/ 23 ، 24 .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
رواه البخاري ( 504 ) ومسلم ( 85 ) .
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا - ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَجَلَسَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ .
رواه البخاري ( 2654 ) ومسلم ( 126 ) .
وانظري أجوبة الأسئلة : ( 22782 ) و ( 13783 ) و ( 11495 ) و ( 3044 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
104771
العنوان:
طريق التقرب إلى الله
السؤال:
أريد أن تدلوني على الطريق الصحيح للتقرب إلى الله عز وجل .
الجواب:
الحمد لله :
طريق التقرب إلى الله قد بينه الله عز وجل لنا في كتابه أوضح بيان ، وبعث إلينا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، فلم يترك خيرا إلا ودلنا عليه ، ولا ترك شرا إلا وحذرنا منه ، ونحن نذكر هنا حديثا واحدا من الأحاديث الجامعة النافعة التي بَيَّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم الطريق التي تقربنا إلى الله جل شأنه بأوجز عبارة ، وأحسن أسلوب وأبينه ، فقد روى البخاري (6502) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) .
فهذا الحديث بيان شافٍ وكافٍ لطريق ولاية الله تعالى لمن أراد أن يكون من أولياء الله تعالى.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" (2/335) : "ذكر في هذا الحديث ما يتقرب به إليه ، وأصل الولاية القرب ، وأصل العداوة البعد ، فأولياء الله هم اللذين يتقربون إليه بما يقربهم منه" انتهى بتصرف.(/1)
فهذا الحديث بيان للطريق التي تقرب من الله تعالى ، وما على المؤمن إلا أن يتدبر هذا الحديث جيدا ، ويتفهمه ثم يتبع ذلك بالعمل بما فيه ، وهو بإذن الله بعد ذلك صائر إلى ولاية الله تعالى ، والقرب منه بقدر ما عمل مبتغيا بعمله وجه الله تعالى ، متبعاً سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي بيان ما تضمنه الحديث يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في الموضع السابق من كتابه "جامع العلوم والحكم" : "فَقَسَّم أولياءه المقربين قسمين : أحدهما : من تقرب إليه بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات ، وترك المحرمات ، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده . والثاني : من تقرب إليه بعد الفرائض بالنوافل" انتهى.
فالمسلم عليه أن يجاهد نفسه أولا للقيام بالفرائض التي افترضها الله عليه ، كالصلوات الخمس، وهي أعظم الفرائض العملية ، وأداء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت إن كان مستطيعا ، وكذا باقي الفرائض العملية الأخرى كبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وأداء حق الزوجة ، والأبناء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيما يقدر عليه ، ونحو ذلك من العبادات الجليلة التي لا تزيده من الله إلا قربا ، وكذا العبادات القلبية من الإخلاص لله تعالى وحبه ، وحب رسوله وشرعه وحب المؤمنين والتوكل على الله والخوف منه إلى غير ذلك من عبادات القلب المفروضة عليه .
وعليه أن يجاهد نفسه أيضا للقيام بحق الله تعالى في النوع الثاني من الفرائض ، وهي فرائض الترك ، أي : التي فرض الله علينا فيها الترك ، كترك الزنى ، والربا وشرب الخمر والسرقة والظلم والغيبة والنميمة إلى غير ذلك من المحرمات ، فإذا فعل شيئا من ذلك بادر بالتوبة والإصلاح .
وهو في كل ذلك محتاج إلى العلم الشرعي ليعبد الله على بصيرة .
ثم ينبغي للمؤمن بعد ذلك أن يكثر من نوافل الأعمال ، فإنه بها ينال الدرجة الرفيعة عند الله ، ويحصل بذلك محبة الله تعالى كما سبق في الحديث .(/2)
وهذه النوافل كثيرة ينبغي للمسلم أن يبدأ بالأهم فالأهم منها ، وأفضلها وأجلها تعلم العلم الشرعي وتعليمه للناس .
ومن ذلك : النوافل المؤكدة من الصلوات كالرواتب وقيام الليل وصلاة الوتر .
وكذا الإكثار من ذكر الله تعالى والصدقات ، ومما يعين المسلم على القيام بهذا أن يرتب ساعات يومه وليلته فيجعل للفريضة وقتها وللنافلة وقتها ويستعين على ذلك بمجالسة الصالحين والأخيار . وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
104777
العنوان:
هل تجب على الرجل عدة ؟
السؤال:
متى تكون للرجل عدة ؟ وما الحكمة من ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
ليس على الرجل عدة ، وإنما العدة يختص بها النساء ، سواء كان العدة للطلاق أو للوفاة .
والرجل يمنع من الزواج بالخامسة حتى تنتهي عدة مطلقته الرابعة ، كما يمنع من الزواج بأخت زوجته أو عمتها أو خالتها ، حتى تنتهي عدة زوجته ، لكن هذا لا ينبغي أن يسمى عدة.
قال الحطاب رحمه الله في "مواهب الجليل" (4/140) : " أما تسمية مدة منع الزوج من النكاح إذا طلق الرابعة أو طلق أخت زوجه أو من يحرم الجمع بينهما عدة فلا شك أنه مجاز ، فلا ينبغي إدخاله في حقيقة العدة الشرعية ، والله أعلم " انتهى .
وفي الموسوعة الفقهية (29/306) : " انتظار الرجل مدة العدة : ذهب الفقهاء إلى أن العدة لا تجب على الرجل ، حيث يجوز له بعد فراق زوجته أن يتزوج غيرها دون انتظار مضي مدة عدتها إلا إذا كان هناك مانع يمنعه من ذلك ، كما لو أراد الزواج بعمتها أو خالتها أو أختها أو غيرها ممن لا يحل له الجمع بينهما ، أو طلق رابعة ويريد الزواج بأخرى ، فيجب عليه الانتظار في عدة الطلاق الرجعي بالاتفاق ، أو البائن عند الحنفية ، خلافا لجمهور الفقهاء فإنه لا يجب عليه الانتظار . ومنع الرجل من الزواج هنا لا يطلق عليه عدة ، لا بالمعنى اللغوي ولا بالمعنى الاصطلاحي ، وإن كان يحمل معنى العدة ، قال النفراوي : المراد من حقيقة العدة منع المرأة ؛ لأن مدة منع من طلق رابعة من نكاح غيرها لا يقال له عدة ، لا لغة ، ولا شرعا ، لأنه لا يمكّن من النكاح في مواطن كثيرة ، كزمن الإحرام أو المرض ولا يقال فيه إنه معتد " انتهى .(/1)
رقم السؤال:
104780
العنوان:
هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة ؟ وشيء من أحكام الصفوف
السؤال:
نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية ، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة ، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى ، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال ، ومكان لصلاة الجمعة أساساً ، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول ، وتسوية الصفوف في الصلاة ، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة ، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة ، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا ؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات ، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء ! كما علق أحد الإخوة قائلا : إن الإسلام ليس بهذا الضيق ، المهم هو : أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة ؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها ، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول ، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً ؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان ، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية : الكتاب والسنة وإجماع العلماء ، والقياس الصحيح ، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة ، كالأئمة الأربعة وغيرهم .
وقول صاحبك : "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء" .(/1)
فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية ، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم ، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها ، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة .
وقد سبق في جواب السؤال (60131) بيان حكم لبس النساء للبنطلون .
ثانياً :
لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع ، وذلك أمر خطير على الإيمان . فكل ما شرعه الله فهو عظيم ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32 ، وقال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30 .
ثالثاً :
الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة ، ومتراصة ، ومتقاربة ، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول ، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث ، ويجب التراص في الصفوف ، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالَ : يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ) . رواه مسلم (430) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ ) . رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله :
"دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى .(/2)
"عون المعبود" ( 2 / 260 ) .
قال النووي رحمه الله :
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول ، والتراص في الصفوف ، ومعنى إتمام الصفوف الأول : أن يتم الأول ، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول ، ولا في الثالث حتى يتم الثاني ، ولا في الرابع حتى يتم الثالث ، وهكذا إلى آخرها .
" شرح مسلم " ( 4 / 115 ) .
وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف :
وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك ، وهو مما تساهل فيه الناس ، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ( أتموا الصف المقدم ، ثم الذي يليه ، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر ) أخرجه أبو داود ، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة : يتفرقون صفوفًا على اثنين ، وعلى ثلاثة ، ونحوه .
" سبل السلام " ( 2 / 29 ) .
رابعاً :
سبق في جواب السؤال (11199) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه : فإن صلاته باطلة ، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه .
خامساً:
بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف ، والمرور أمامهم ، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة ، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي ؟ .
فأجاب :
لا يضر ، إذا مر بين يدي الصفوف ؛ لأن سترة الإمام سترة لهم ، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف ، وهم يصلون في مِنى .
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" ( 13 / جواب السؤال رقم 421 ) .(/3)
وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم ، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد ، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير ، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه ، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف ، وإتمامها ، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
104801
العنوان:
لم يدفع حصته من إيجار الشقة فهل يجزئه أن يتصدق به؟
السؤال:
كنت قد استأجرت شقة مع رفقة لي وكان مبلغ الأجرة نتحمله جميعاً وحصل أن تأخرنا شهرين عن دفع الأجرة بسبب الإجازة ثم بعد الإجازة لم نجتمع جميعاً ولم نسدد المبلغ وكان علي 400 ريال فقمت بعد أن تذكرت المبلغ بالتصدق به ، ولصاحب البيت ابنان متزوجان وأنا أعرف بيتيهما فهل يجب علي إيصال المبلغ لهما ولو بوضع المبلغ من تحت الباب مع العلم بأن والدهما مازال حياً ولكنني لا أعرف بيته .
الجواب:
الحمد لله
الواجب أن تدفع ما عليك من إيجار الشقة لصاحبها ، ولا تجزئ الصدقة هنا ، لإمكان الوصول إلى صاحب الحق ، كما لا يجزئ دفعها لأبنائه ، بل يلزمك أن تسألهم عن عنوانه وأن توصل إليه ماله لتبرأ ذمتك ، ولا حرج أن تضعها تحت بابه بحيث يغلب على الظن أنه يجدها ويأخذها ؛ لأن المطلوب هو وصول المال إليه بأي طريقة كانت .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهةٍ ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول : إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2 ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .(/1)
وينبغي أن تنصح إخوانك وتذكرهم بعظم شأن المال ، وأن الذنب المتعلق بحق الآخرين لا تكفي فيه التوبة ، بل يشترط رد الحق إلى أهله ؛ لما روى مسلم (2581) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه ذات يوم : ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ . فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
فبادر بإرجاع المال لصاحبه ، ولا تتأخر في ذلك ، وإن كان البحث عن عنوانه يحتاج إلى وقت فاكتب وصية بالمبلغ ، فإن أحدا لا يدري متى يحين أجله .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104803
العنوان:
إذا قال لزوجته طلقتك كاذبا أو كان لا يريد الطلاق
السؤال:
حصلت مشادة شديدة بسبب شكوك زوجي ودار نقاش مُطول وحاد بينه وبيني , وتخللها شتائم وسّباب مما أدى إلى انفجاري وانفجاره... وطلبت الطلاق وكرد فعل طلقني وكان في أثنائه شديد الغضب... بعد 3 سنوات حصل شجار آخر ، وبسبب حملي وأُسلوبه في (الشتائم والسباب)... وطلبت الطلاق ودخلت الغرفة وأغلقتُ الباب...فخاف أن أؤذي نفسي والجنين ، فقال من وراء الباب لإخراجي : "خلاص طلقتك" ولم تكن في نيته تطليقي... أرجوك أفدني في الرد في كلتا الحالتين مع أدله الشرعية في أسرع وقت ممكن، فأنا في حيرة وتوتر....
الجواب:
الحمد لله
الطلقة الأولى التي صدرت من الزوج حال غضبه الشديد ، لا تقع ، كما هو مذهب جمع من أهل العلم ، وقد سبق الكلام على الغضب وأنواعه وتأثير على الطلاق في جواب السؤال رقم (22034) فليراجع .
أما الطلقة الثانية وهي وقول الزوج : " خلاص طلقتك " فهذه يقع بها طلقة واحدة .
ولا تعتبر نية الزوج هنا ؛ لأن الطلاق باللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية .
ولو فرض أن الزوج قال لزوجته : طلقتك ، وهو يريد الإخبار الكاذب ، فإن الطلاق يقع .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/306) :
"إن قال : طلقتها . وأراد الكذب ، طلقت ; لأن لفظ الطلاق صريح , يقع به الطلاق من غير نية " انتهى .
فقول الزوج لزوجته : طلقتك أي الآن ، أو طلقتك من قبل ، وهو كاذب ، يقع به الطلاق .
لكنك ذكرت أن الحامل له على ذلك أنه خاف أن تؤذي الجنين ، فإن كان هذا الخوف صحيحاً له ما يبرره ، بحيث يكون ذلك غالباً على ظنه ، فالذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن هذا نوع من الإكراه ، فلا يقع الطلاق بذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2047) والإغلاق هو : الإكراه ، والغضب الشديد .(/1)
وعلى الزوجين أن يتقيا الله تعالى ، وأن يتعاملا بالمعروف والإحسان ، وأن يتجنبا ذكر الطلاق في جميع الأحوال ، فإن المشاكل لا تعالج بهذا ، بل تزداد شدة وتفاقما ، وقد يترتب على ذلك وقوع الطلاق من حيث لا يريدان .
نسأل الله أن يوفق الجميع لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104805
العنوان:
حقوق ووجبات كل من زوج الأم والربيبة
السؤال:
ما هي حقوق البنت على زوج أمها ، وما واجباتها ؟ وما حقوق الرجل على ربيبته ، وما واجباته ؟
الجواب:
الحمد لله
الربيبة هي ابنة الزوجة من غير زوجها الحالي ، وهي من المحرمات تحريما مؤبدا عليه إذا كان قد دخل بأمها ، وهذا يعني أنها قد أصبحت من محارمه .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/367) :
" إذا تزوج الرجل امرأة ودخل بها حرم عليه تحريما مؤبدا التزوج بإحدى بناتها أو بنات أولادها مهما نزلوا ، سواء كن من زوج سابق أو لاحق ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ - إلى قوله - : وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) النساء/23 .
والربيبة هنا : بنت الزوجة ، ويعتبر محرما لبنات من تزوجها ودخل بها ، ويجوز لهن ألا يحتجبن منه " انتهى .
وسبق تقرير هذه المسألة في جواب السؤال رقم (20750) ، (33711) .
أما حقوق كل من الربيبة وزوج أمها وواجباتهما تجاه بعضهما ، فتتلخص في الصلة والاحترام وحسن المعاملة ، فقد أُمر المسلمون جميعا بالإحسان إلى إخوانهم المسلمين ، فكيف بالمحارم بسبب المصاهرة ، لا شك أن لهم من حق الإكرام والعناية أكثر مما لعموم المسلمين.
غير أن النفقة والخدمة والطاعة لا تجب بينهما ، فلا تأخذ الربيبة حكم أمها في هذه الأمور من حيث الوجوب الشرعي ، فإن أحسن الزوج وأنفق على ربيبته ، وبادلته هي بالإحسان إحسانا فقامت على بيته بالخدمة والرعاية كان الأفضل والأحسن ؛ لأن اجتماع القلوب وتآلف النفوس مقصد تحرص الشريعة على تحقيقه وتحصيله .
وليعلم الزوج أن من حسن عشرته لزوجته : أن يحسن إلى ابنتها . ولتعلم البنت أن من برها لأمها : أن تكرم زوجها وتحسن إليه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله (25/365) :(/1)
" يرجى لمن عال غير البنات : من الأخوات ، والعمات ، والخالات ، وغيرهن من ذوي الحاجة ، فأحسن إليهن ، وأطعمهن ، وسقاهن ، وكساهن ، أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حق من عال ثلاث بنات ، وفضل الله واسع ، ورحمته عظيمة ، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل ، كما يدل على ذلك عموم الآيات والأحاديث في الإحسان إلى الفقير والمساكين من الأقارب وغيرهم ، وإذا كان هذا الفضل في الإحسان إلى البنات ، فالإحسان إلى الأبوين أو أحدهما أو الأجداد أو الجدات أعظم وأكثر أجرا ؛ لعظم حق الوالدين ووجوب برهما والإحسان إليهما ، ولا فرق في ذلك بين كون المحسن أبا أو أما أو غيرهما ؛ لأن الحكم مناط بالعمل . والله ولي التوفيق " انتهى .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (25/296) :
كيف تكون هناك روابط أسرية اجتماعية في البيت المسلم ؟
فأجابت :
" أمر الله بالمحافظة على ما تقوى به الروابط بين أفراد الأسر وجماعاتها ، فأمر بصلة الأرحام والإحسان إليهم فقال سبحانه : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وقال : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ) الآية ، وقال : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) الآيات ، وقال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الآيات ، إلى أمثال ذلك من آيات القرآن .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة قاطع ) يعني : قاطع رحم ، رواه البخاري ومسلم .(/2)
وقال: ( من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ في أثره فليصل رحمه ) رواه البخاري . وقال : ( إن الله حرم عليكم : عقوق الأمهات ، ووأد البنات... ) الحديث ، رواه البخاري ومسلم ، إلى غير ذلك من الأحايث الكثيرة في الحث على صلة الأرحام ، والتمسك بآداب الإسلام ، ومكارم الأخلاق ، والمحافظة على حسن العشرة ، فبهذا تقوى الروابط بين الأسر وأفراد الأسرة ، ويجتمع كل المسلمين ، لا بالتفسخ والخروج على آداب الإسلام ومكارم الأخلاق " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
104806
العنوان:
حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)
السؤال:
هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ناسخ أم منسوخ ؟ حيث أشكل عليّ فهم هذا الحديث ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (3168) ومسلم (1637) وليس منسوخاً ، بل هو من الأحاديث المحكمة التي يجب العمل بها .
وقد جاءت عدة أحاديث ، تدل على المعنى نفسه :
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) أخرجه مسلم (1767).
2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أخرجوا يهودَ أهل الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/169) ، ومحققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132) .
والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث : الجزيرة العربية كلها ، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي ، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :(/1)
" يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة ، لا من النصارى ، ولا من غير النصارى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة ، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية ، فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والبوذيين ، والشيوعيين ، والوثنيين ، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر ، كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج .
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفى بالمسلمين في كل مكان ، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين ، وأن ينتقي من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان ، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة ، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها ، هذا هو الواجب ، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت" انتهى .
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (6/454) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله أيضاً : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ . ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
فأجاب :(/2)
" لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة ، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه شك .
والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية ، كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم ، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة ، عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألا يستقدموا إلا المسلمين .
هذا هو الواجب ، وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف . فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة ، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله ، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين ، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة ، وعنده من الشر ما عنده ، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة .
أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية ، أي : التي يقدرها ولاة الأمر ، وفق شرع الإسلام وحده .
ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم ، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة . وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد ، بل يجب أن تزال من الجزيرة ، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون" انتهى .
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/282) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب :(/3)
"استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي صحيح مسلم أنه قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً). لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا : جائز ، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك : ما يخشى من محبتهم ، والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/41) .(/4)
رقم السؤال:
104808
العنوان:
لا يكره الغسل قبل المغرب ولا بعده
السؤال:
يقال إنه لا يجوز الاستحمام من الساعة 18:00بتوقيت غرينيتش إلى صلاة المغرب ... فما حكم الإسلام في هذا ؟
الجواب:
يباح الاغتسال في أي وقت من الليل أو النهار ؛ لأن الأصل الإباحة ، وليس هناك دليل يمنع من الاغتسال بعد العصر أو قبل المغرب أو في غيرهما من الأوقات .
وقد نصّ بعض الفقهاء من الشافعية وغيرهم على كراهة دخول الحمام قبيل الغروب وبين المغرب والعشاء ، ومنهم من علل ذلك بأنه وقت انتشار الشياطين ، والمقصود بالحمام في كلامهم الحمام العام الذي كان يذهب إليه الناس ، ويحصل فيه التساهل في كشف العورات والنظر إليها .
والصحيح أنه لا يكره أيضا دخول الحمام في هذين الوقتين ؛ لعدم الدليل على هذه الكراهة .
ولهذا قال في "مطالب أولي النهى" (1/189) : "ولا يكره دخوله حماما قرب غروب ولا بعده ؛ لعدم النهي الخاص عنه , خلافا لابن الجوزي " انتهى .
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/322) : " قال ابن الجوزي في منهاج القاصدين : ويكره دخول الحمام قريبا من الغروب وبين العشاءين ؛ فإنه وقت انتشار الشياطين انتهى كلامه . وظاهر كلام غيره يدل على خلافه . وروي عن أحمد أيضا ما يدل على خلافه" انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104812
العنوان:
كتابة التقارير والأبحاث للطلاب أو أخذها من الإنترنت
السؤال:
قرأت في موقعكم فتوى تحرم عمل التقارير للطلاب مقابل مبلغ من المال . ولكني أتساءل لو كان الأستاذ يعلم بأن الطلاب يعملون التقارير عند أشخاص آخرين ، وهؤلاء الأشخاص يسحبون المواضيع من الإنترنت ، بل بعض الأساتذة يقول للطلاب أن يسحبوا من الإنترنت . ففي هذه الحالة هل يكون هذا حراما أيضا ؟ لأني عملت تقارير للطلاب من قبل ، ولكن بعد قراءتي للفتوى توقفت .
الجواب:
الحمد لله
التقارير أو الأبحاث التي تطلب من الطلاب ، الهدف منها تدريبهم على البحث ، واختبار قدراتهم في ذلك ، وتعويدهم على الرجوع للمصادر وغير ذلك ، فيجب أن يقوم بها الطلاب أنفسهم ، ولا يجوز إعدادها لهم ، بمقابل أو بغير مقابل ، لما في ذلك من الغش والكذب وإفساد النشء ، وتخريج الضعفة الذين لا يحسنون التعامل مع هذه المصادر .
ويجوز للطالب أن يستفيد من الأبحاث الأخرى ، وأن يأخذ من الإنترنت ، وأن يستعين ببعض زملائه ، في بعض الجزئيات ، شأن عامة الباحثين ، أما أن يأخذ البحث تاما من غيره ، فهذا هو الغش والزور ، سواء أخذه من طالب أو من الإنترنت ، والأستاذ الذي يقر ذلك أو يشجع عليه ، مشارك في الإثم .
وينظر جواب السؤال رقم (95893).
وقد أحسنت في التوقف عن عمل التقارير للطلاب ، ونسأل الله أن يعفو عما مضى ، وأن يأجرك ، ويرزقك من رزقه الحلال الواسع .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104815
العنوان:
شراء سيارة من الشركة المصنعة عن طريق البنك التابع لها
السؤال:
أنا أعيش في ألمانيا .. وكل شركة من شركات صناعة السيارات الألمانية لها بنك خاص بها.. فمثلا شركة مرسيدس لديها بنك مرسيدس وشركة بي ام دبليو لديها بنك بي ام دبليو... وعن طريق البنك الملحق بالشركة يتم البيع بالتقسيط. فما حكم شراء السيارات بالتقسيط من هذه الشركات ؟ علما بأنه لا يوجد طرف ثالث في البيع...
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان الشراء من البنك ، فيشترط أن يملك البنك السيارة ، أو يشتريها لنفسه أولا ، ثم يبيعها عليك بالتقسيط .
وأما إن كان لا يملك السيارة ، ولا يشتريها لنفسه أولا ، وإنما يقتصر دوره على أن يدفع للشركة ثمن السيارة نيابة عنك ، ثم يسترد منك الثمن مقسطا بزيادة ، فهذا لا يجوز ؛ لأن حقيقته أنه أقرضك ثمن السيارة ، ودفعه نيابة عنك ، على أن يسترد القرض بزيادة ، فهو قرض جر نفعا ، فيكون ربا .
وكون البنك ملحقا بالشركة ، لا يعني أنه يملك السيارات التي تملكها الشركة ، ولذلك اشترطنا أن يملك البنك السيارة أولا قبل بيعها عليك .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (20091) ورقم (36410).
ثانيا :
إذا كان الشراء من الشركة ، من غير وساطة البنك ، فلا حرج في ذلك ، ولو كان السعر بالتقسيط أعلى من السعر نقداً ، لأن الشركة تبيع ما تملكه وتحوزه .
وأما إدخال البنك في هذه المعاملة ، فإن كان لمجرد تحويل الأقساط عليه ، لتصل إلى الشركة فلا حرج ، وإن كان ليدفع المبلغ للشركة كاملا ثم يتقاضاه منك مقسطا ، فهذا هو الربا ، كما سبق ، وهذه الصورة شائعة في تعامل شركات السيارات ، فينبغي الانتباه والحذر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104818
العنوان:
تحديد الاستغفار بعدد معين
السؤال:
هل يجوز الاستغفار بالعدد ، مثلا اليوم أستغفر مائة وغدا مائتين؟
الجواب:
الحمد لله
يستحب للمسلم الإكثار من الاستغفار فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم والليلة مائة مرة .
فعَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم (2702) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/114) وأحمد في "المسند" (2/450) وحسنه محققو المسند .
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( وَاللَّهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) رواه البخاري (6307) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) رواه أبو داود ( 1516 ) ، والترمذي ( 3430 ) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ( ما رأيتُ أحداً أكثر من أن يقول : (أستغفر الله وأتوب إليه) مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/118) .(/1)
فإذا أردت أن تلتزم هذا العدد (مائة) اقتداء به صلى الله عليه وسلم فلك الأجر ، وإذا أردت الزيادة على ذلك فلا حرج ما لم تتخذ عددا معينا أو طريقة معينة ، بل ينبغي أن تجعل تلك الزيادة بحسب ما يتيسر ، لأنه لا يشرع تحديد عبادة بعدد معين لم يرد به الشرع .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104825
العنوان:
الجمع بين آية ( والله يعصمك من الناس ) وموته صلى الله عليه وسلم بالسم
السؤال:
كيف نوفق بين الآية ( والله يعصمك من الناس ) أي : من القتل ، وبين الحديث الذي ترويه عائشة في صحيح البخاري ( يا عائشة ، ما أزال أجد الم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ) ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نص الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة/ 67 .
نص الحديث :
قالت عَائِشَةُ رضى الله عنها : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ . رواه البخاري ( 4165 ) .
" الطعام " : هو الشاة المسمومة .
" أوان " : وقت ، وحين .
" أبهَري " : عرق مرتبط بالقلب ، إذا انقطع مات الإنسان .
وأصل القصة :
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ . رواه البخاري ( 2474 ) ومسلم ( 2190 ) .
ثانياً:(/1)
يجب أن يَعلم المسلم أنه ليس ثمة تعارض بين نصوص الوحي ، وما يظنه بعض الناس من وجود تعارض بين نصوص الوحي بعضها مع بعض : فهو تعارض في ظاهر الأمر بالنسبة له ، وليس تعارضاً في واقع الأمر ، ولذا فإن علماء الإسلام الراسخين لا يعجزهم – بفضل الله وتوفيقه – من بيان أوجه التوفيق بين ما ظاهره التعارض بالنسبة لمن يرى ذلك ممن يخفى عليه وجه الجمع بين تلك النصوص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه ، وليس مع أحدهما ترجيح يقدم به .
" المسودة " ( 306 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً للآخر : فهذا لا يوجد أصلاً ، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق .
" زاد المعاد " ( 4 / 149 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله – أيضاً - :
فصلوات الله وسلامه على مَن يصدّق كلامُه بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ، فالاختلاف ، والإشكال ، والاشتباه إنما هو في الأفهام ، لا فيما خرج من بين شفتيه من الكلام ، والواجب على كل مؤمن أن يَكِلَ ما أشكل عليه إلى أصدق قائل ، ويعلم أن فوق كل ذي علم عليم .
" مفتاح دار السعادة " ( 3 / 383 ) .
وقال الشاطبي – رحمه الله - :
كل مَن تحقق بأصول الشريعة : فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض ، كما أن كل مَن حقق مناط المسائل : فلا يكاد يقف في متشابه ؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة ، فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر ، فيلزم أن لا يكون عنده تعارض ، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف ، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ : أمكن التعارض بين الأدلة عندهم .
" الموافقات " ( 4 / 294 ) .(/2)
وقد برز طوائف من العلماء يتحدون من يزعم وجود تعارض بين نصوص الوحي ؛ ومنهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله حيث كان يقول – كما في " تدريب الراوي " ( 2 / 176 ) - : " لا أعرف حديثين متضادين ، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما " .
ثالثاً:
ما ذكره الأخ السائل مما ظاهره التعارض بين قوله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) مع قوله صلى الله عليه وسلم ( وهذا أوان انقطاع أبهري ) وأنه مات بالسم الذي وضعه له اليهود : فليس بينهما تعارض – بتوفيق الله - ؛ لأن " العصمة " في الآية هي : العصمة من الفتنة ، ومن الضلال ، ومن القتل قبل تبليغ الرسالة ، وكل ذلك قد تحقق له صلى الله عليه وسلم ، وقد عصمه ربه تعالى من كل ذلك ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى ، وقد قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) المائدة/ من الآية 3 ، وقد ذكر بعض العلماء معنى لطيفاً ها هنا ، وهو أن الله تعالى أبى إلا أن يجمع لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة .
وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة ، وعصمه ربه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات ، بل وحتى محاولة اليهود قتله بالسم : فإن الله تعالى قد عصمه منها ، فأخبرته الشاة أنها مسمومة ، ومات الصحابي الذي كان معه ، وأكل منها – وهو بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور - ولم يمت صلى الله عليه وسلم ، ولا يخالف هذا وجوده أثر ذلك السم ، واعتقاده أنه سيموت بسببه ، وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته ، بل فيه أنه يشعر به ، وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله .(/3)
وبكل حال : فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه ، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه ، وسياق الآية يدل على ذلك ، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة ، وأخبره أنه يعصمه من الناس .
ومما يدل على ذلك أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله ، وهو نص إما في عصمته من القتل بالسم حتى فارق الدنيا ، أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة .
وخلاصة الكلام : أنه إما أن يُقال بأن النبي صلى الله عليه سلم عُصم من القتل بالسم – كما سيأتي في كلام ابن كثير والنووي وغيرهما - ، وقد أوحى الله بوجود السم فيها ، وهذا من عصمته له ، أو يقال : إن العصمة هي في أثناء التبليغ لرسالة الإسلام ، ولا ينافي ذلك وقوع القتل بعد التبليغ لها – كما سيأتي في كلام القرطبي وابن حجر والعثيمين - ، وأن الله تعالى جمع بذلك القتل لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة ، وجعل ذلك تذكيراً لنا على الدوام بعداوة اليهود لنا ولديننا .
وهذه بعض أقوال علماء الأمة فيما ذكرناه ، وهو يوضح المقصود إن شاء الله .
1. قال ابن كثير – رحمه الله - :(/4)
ومِن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : حفْظُه له من أهل مكة ، وصناديدها ، وحسَّادها ، ومُعَانديها ، ومترفيها ، مع شدة العداوة ، والبِغْضة ، ونصب المحاربة له ليلاً ، ونهاراً ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره ، وحكمته العظيمة ، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب ، إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش ، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا شرعيَّة ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر ، هابوه ، واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً ، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار ، فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة - ، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود ، فكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء : كاده الله ، ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر : حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر : أعلمه الله به ، وحماه الله منه ؛ ولهذا أشباه كثيرة جدّاً ، يطول ذِكْرها .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 154 ) .
2. وقال النووي – في شرحه لحديث الشاة المسمومة - :
فيه بيان عصمته صلى الله عليه و سلم من الناس كلهم ، كما قال الله : ( والله يعصمك من الناس ) وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته مِن السم المهلك لغيره ، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة ، وكلام عضو منه له ، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذراع تخبرني أنها مسمومة ) .
" شرح مسلم " ( 14 / ص 179 ) .
3. وقال ابن الجوزي – رحمه الله – :
قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) قال ابن قتيبة : أي : يمنعك منهم ، وعصمة الله : منعه للعبد من المعاصي ، ويقال : طعام لا يعصم ، أي : لا يمنع من الجوع .(/5)
فان قيل : فأين ضمان العصمة وقد شُجَّ جبينه ، وكسِرت رَباعيته ، وبولغ في أذاه ؟ : فعنه جوابان :
أحدهما : أنه عصمه من القتل ، والأسرِ ، وتلفِ الجملة ، فأمّا عوارض الأذى : فلا تمنع عصمة الجملة .
والثاني : أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ؛ لأن " المائدة " من أواخر ما نزل .
" زاد المسير " ( 2 / 397 ) .
4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء : فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام , بل أصابه شيء من ذلك , فقد جُرح يوم أحد , وكُسرت البيضة على رأسه , ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر , وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك , وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً , فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل , ومما كتبه الله عليه , ورفع الله به درجاته , وأعلى به مقامه , وضاعف به حسناته , ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ، ولا منعه من تبليغ الرسالة , ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / ص 150 ) .
5. وقال القرطبي - رحمه الله - :
ليس في الآية ما ينافي الحراسة ، كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ، ما يمنع الأمر بالقتال ، وإعداد العدد .
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 6 / 280 ) .
6. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله - بعد أن ساق كلام القرطبي هذا - :
وعلى هذا فالمراد : العصمة من الفتنة ، والإِضلال ، أو إزهاق الروح ، والله أعلم .
" فتح الباري " ( 6 / 82 ) .
رابعاً:
من الشواهد العملية على عصمته صلى الله عليه وسلم من القتل قبل تبليغ الرسالة :(/6)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، قَالَ : وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ ، قَالَ : فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه البخاري ( 2753 ) ومسلم ( 843 ) .
وفي رواية : فقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله يمنعني منك ، ضع السيف ، فوضعه .
قال النووي:
ففيه بيان توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله ، وعصمة الله تعالى له من الناس ، كما قال الله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) .
" شرح مسلم " ( 15 / 44 ) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
104852
العنوان:
كانا على علاقة محرمة ثم تابا وتزوجا من غير ولي فكيف يتصرفون الآن ؟
السؤال:
أنا مقيم بفرنسا ، تزوجت بامرأة أرملة لها أولاد ، وكانت لي معها علاقة غير شرعية – زنا – وتزوجنا بعدها وتبنا إلى الله توبة نصوحاً ، وقد حضر زواجنا إمام من تلك البلدة ، وشهود ، كانوا 5 أشخاص ، ولم أدرِ في ذلك الوقت بشرط الولي في الزواج ، وبعد زواجنا سألتها عن رأي والديها ، قالت لي : بأنهما غير موافقين على الزواج ، مع العلم أن والديها يعيشان في المغرب ، وهي تعيش بفرنسا ، لكن بعد الزواج سامحوها ، والآن العلاقة معهم حميمة ، فزارونا ، وزرناهم ، والآن لدي معها بنتان ، فأرشدوني ، جزاكم الله خيراً ، هل العقد صحيح أم لا ؟ وما عليَّ فعله ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما ، ويغفر لكما ، ويعينكما على طاعته ، وحسن عبادته .
ثانياً:
عقدكم النكاح من غير موافقة ولي الزوجة عليه : باطل ، ويجب عليكم إعادته ، بحضور الولي ، وإن لم يحضر فإنه يوكل من يعقد النكاح نيابةً عنه .
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليٍّ ) .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"جمهور العلماء يقولون : النكاح بغير ولي باطل ، يعزرون من يفعل ذلك ، اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهذا مذهب الشافعي ، بل طائفة منهم يقيمون الحد في ذلك بالرجم، وغيره" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 21 ) .
وقال - أيضا - :(/1)
"دلَّ القرآن في غير موضع ، والسنَّة في غير موضع ، وهو عادة الصحابة ، إنما كان يُزَوِّج النساءَ الرجالُ ، لا يعرف عن امرأة تزوج نفسها ، وهذا مما يفرق فيه بين النكاح ، ومتخذات أخدان ، ولهذا قالت عائشة : (لا تزوج المرأة نفسها ؛ فإن البغي هي التي تزوج نفسها)" انتهى.
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 131 ) .
وقال صاحب " عون المعبود " ( 6 / 101 ) :
"والحق : أن النكاح بغير الولي باطل ، كما يدل عليه الحديث" انتهى .
والواجب عليكما الآن إذا أردتما تصحيح العقد وجعله موافقاً للشرع : أن يُعاد العقد مرة أخرى بحضور ولي الزوجة وموافقته .
وينبغي أن يُعلم أن عليكم الإسراع بتصحيح هذا الوضع ، لأن إقامتكم الآن معاً محرمة ، لأن العقد الذي تم بينكما في السابق غير صحيح .
ويمكنك ـ من أجل المبادرة إلى ذلك ـ أن تتصل بأبيها في الهاتف ويقول لك : زوجتك ابنتي فلانة وتقول قبلت ، وذلك في حضور شاهدين يعلمان صوت الأب ويسمعانه .
ثالثاً:
أما بخصوص الأبناء : فإنهم يُنسبون إليك لأنك عقدت النكاح بدون الولي وأنت تظن أنه صحيح .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104855
العنوان:
أخذ الدية بدلاً عن القصاص في القتل العمد
السؤال:
هل القتل العمد يقبل فيه دية ؟ وهل القاتل يطلق سراحه ؟
الجواب:
الحمد لله :
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة/178 .
قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره : "يمتن الله تعالى على عباده المؤمنين بأنه فرض عليهم القصاص في القتلى ، أي المساواة فيه ، وأن يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول ، إقامةً للعدل والقسط بين العباد" انتهى .(/1)
والقصاص بقتل القاتل لا يكون إلا في القتل العمد بإجماع العلماء ، قال ابن قدامة في "المغني" (8/214) : "أجمع العلماء على أن القَوَد (القصاص) لا يجب إلا بالعمد , ولا نعلم بينهم في وجوبه بالقتل العمد إذا اجتمعت شروطه خلافا , وقد دلت عليه الآيات والأخبار بعمومها , فقال الله تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ) . وقال تعالى : ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) . وقال تعالى : ( ولكم في القصاص حياة ) . يريد - والله أعلم - أن وجوب القصاص يمنع من يريد القتل منه , شفقة على نفسه من القتل , فتبقى الحياة في من أريد قتله . وقيل : إن القاتل تنعقد العداوة بينه وبين قبيلة المقتول , فيريد قتلهم خوفا منهم . ويريدون قتله وقتل قبيلته استيفاء , ففي الاقتصاص منه بحكم الشرع قطع لسبب الهلاك بين القبيلتين . وقال الله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) . الآية . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل له قتيل , فهو بخير النظرين : إما أن يقتل , وإما أن يُفْدَى ) . متفق عليه . وروى أبو شريح الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أصيب بدم , أو خبل , فهو بالخيار بين إحدى ثلاث ، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه : أن يقتل , أو يعفو , أو يأخذ الدية ) . رواه أبو داود . وفي لفظ : ( فمن قتل له بعد مقالتي قتيل , فأهله بين خيرتين : أن يأخذوا الدية , أو يقتلوا ) . وقال عليه السلام : (العمد قود , إلا أن يعفو ولي المقتول ) . – والقَوَد هو القصاص – " انتهى .
ولم يقع نزاع بين العلماء في صحة عفو أولياء الدم عن القصاص إلي الدية ، وهو ما دلت عليه الأحاديث السابقة .
وحينئذ يطلق سراح الجاني ويُلزم بدفع الدية .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
104865
العنوان:
كفارة من جامع زوجته الحائض في رمضان
السؤال:
كيف يكفر التائب عن جماعه لزوجته وهى حائض في دورتها في الأيام العادية وكفارة الجماع وهى حائض في شهر رمضان ؟ فهذا حدث وعندنا علم بحرمة هذه الأفعال ونيتنا الآن التوبة لله وطلب المغفرة فأرجوكم دلوني على عمل أعمله ليغفر الله لي وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
جماع الحائض محرم بإجماع العلماء ؛ لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) البقرة/222 ، ولما روى الترمذي (135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ومن فعل ذلك لزمته التوبة والكفارة ، وهي أن يتصدق بدينار أو نصفه ، على الفقراء والمساكين ؛ لما روى أحمد (2032) وأبو داود (264) والترمذي (135) والنسائي (289) وابن ماجه (640) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فيمن يأتي امرأته وهي حائض : ( يتصدّق بدينار أو بنصف دينار ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والدينار : أربع جرامات وربع من الذهب ، فانظر قيمة هذا وتصدق به ، أو بنصفه ، مع العزم على عدم العود لذلك أبدا .
ثانيا :
إن كان مقصودك بالجماع في رمضان : جماع الحائض في ليالي رمضان ، فالواجب هو ما سبق ذكره من التوبة والكفارة .
وإن كان المقصود هو الجماع في نهار رمضان ، فقد اجتمع هنا ذنبان كبيران ، وهما الفطر في نهار رمضان ، والمعاشرة أثناء الحيض .
أما الجماع في الحيض فقد عرفت ما فيه .
وأما الفطر في نهار رمضان بالجماع ، فيترتب عليه خمسة أمور :(/1)
1- الإثم . 2- فساد الصوم . 3- لزوم الإمساك . 4- وجوب القضاء .
5 – وجوب الكفارة مع التوبة .
فيجب عليك قضاء اليوم الذي أفسدت صيامه بالجماع وعليك مع ذلك : الكفارة .
وهي : عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً . وانظر جواب السؤال (22938) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
104919
العنوان:
الاستغفار سبب لقوة البدن
السؤال:
أمارس رياضة كمال الأجسام لتقوية البدن , وهدفي هو الجهاد في سبيل الله . 1- هل الاستغفار يعطي القوة للجسم ؟ وما هي الأوقات والعدد التي يجب أن نستغفر فيه الله؟ 2- أرجو منكم أدعية أو أذكاراً لزيادة القوة .
الجواب:
الحمد لله
قد أحسنت أخي الكريم حين نويت برياضتك تلك النية الحسنة ، فإن النية الحسنة تحول العادة إلى عبادة .
وأما ما سألت عنه من كون الاستغفار يزيد الإنسان قوة ، فالجواب : نعم ، قال الله تعالى حكاية عن نبيه هود أنه قال لقومه : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) هود/52 .
وقال ابن القيم في "الوابل الصيب" (ص 77) وهو يعدد فوائد الذكر – ومنه: الاستغفار – "الفائدة الحادية والستون:
أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه ، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في مشيته وكلامه وإقدامه وكتابته أمراً عجيباً ، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة - يعني في أسبوع – أو أكثر ، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرا عظيما ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعليا رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثا وثلاثين ، ويكبرا أربعا وثلاثين ، لما سألته الخادم ، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة ، فعلمها ذلك ، وقال : (إنه خير لكما من خادم) فقيل : إن من داوم على ذلك وجد قوة في بدنه مغنية عن خادم" انتهى .(/1)
وأما أوقات الذكر وعدده ، فينبغي للمؤمن أن يذكر الله تعالى في جميع أوقاته وعلى جميع أحواله ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) آل عمران/191 ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه . رواه مسلم .
فليكثر العبد من ذكر الله تعالى والاستغفار ، وكلما أكثر فهو أفضل .
قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الأحزاب/41، 42 .
وقال تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35 .
وروى مسلم (2702) عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) .
وروى أبو داود (1516) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .(/2)
رقم السؤال:
104926
العنوان:
معنى أن العمرة في رمضان تعدل حجة
السؤال:
العمرة في شهر رمضان تعدل حجة ، ما المقصود من ذلك ، أريد شرحا مفصلا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ : ( مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا ؟ قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض ، قَالَ : فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً ) وفي رواية لمسلم : ( حجة معي ) .
ثانيا :
اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين ، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (3/605).
ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت : (الحج حجة ، والعمرة عمرة ، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أدري أَلِي خاصةً . – تعني : أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف ، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" .
القول الثاني : أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه ، ثم عوضه بعمرة في رمضان ، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) :(/1)
" واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر... – وذكر أمثلة لذلك منها - : وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة ، قال : ( اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ) " انتهى .
ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .
وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث : ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم ، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان ، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس ، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال .
انظر : "رد المحتار" (2/473) ، "مواهب الجليل" (3/29) ، "المجموع" (7/138) ، "المغني" (3/91) ، "الموسوعة الفقهية" (2/144).
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير ، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان ، ويدل على ذلك :
1- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة ، فقد قال الترمذي : " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش " ، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة .
2- عمل الناس عبر العصور ، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين ، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر .
وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع ، فيقال : إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية ، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر !
ثالثا :
ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور ، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة ، وبيان ذلك بما يلي :(/2)
لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة ، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى .
فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر ، وليس من حيث الإجزاء .
ومع ذلك ، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر ، وليست في جنسه ونوعه ، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل .
فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج ، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة ، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها ، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد – ، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع .
وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (10022) .
قال إسحاق بن راهويه :
" معنى هذا الحديث – يعني حديث ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ : قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن "
"سنن الترمذي" (2/268)
وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (1/553) :
" قلت : من قال : ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) أثبت هو ؟ قال : بلى ، هو ثبت .
قال إسحاق : ثبت كما قال ، ومعناه : أن يكتب له كأجر حجة ، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى.
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) :(/3)
" معلوم أن مراده : أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي ، فإنها كانت قد أرادت الحج معه ، فتعذر ذلك عليها ، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك ، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة ، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه ، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان ، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه ، فكيف بعمرة !! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى .
وانظر جواب السؤال (13480) .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
104966
العنوان:
تابت من العمل في البنك ويريد أهلها وزوجها أن تبقى فيه!
السؤال:
لي صديقة عمرها 43 سنة ، متزوجة ، وأم لثلاثة أطفال ، تعمل في بنك ربوي مند 20 سنة ، في السنة الأخيرة - والحمد لله - هداها الله سبحانه وتعالى إلى الاقتناع بأن هذا العمل حرام شرعاً ؛ لما فيه من تعاملات ربوية ، ومساعدة على نشرها ، واتخذت قرارها بتركه ، لكن الأمور لم تجرِ بهذه السهولة ، اصطدمت بمعارضة قوية من عائلتها ، من جهة أولى زوجها ، حاول المستحيل لمنعها لدرجة أن الأمر وصل للتهديد بالطلاق إن هي أصرت على موقفها ، فهو لا يريدها أن تترك العمل ؛ لأنها تساهم – تقريباً- بنصف راتبها في مستلزمات البيت ، وما يعزز أكثر رفضه - في نظره - أنه يتحجج بأن عملها يمنح لأطفالهما تأميناً صحيّاً لا يمكنه أن يوفره من خلال عمله ( يعمل في عمل مند أكثر من 15 سنة بعقد قابل للتجديد كل سنة ) تخبره بأنها ستقنع بما يجنيه هو ، وأن الله هو المؤمن وكل شيء بيده ، لكن لا فائدة ، ومن جهة أخرى والدها الذي وصل به الأمر بتخييرها بين رضاه ، وسخطه إن تركت العمل ، يقول لها : يمكنك تركه ولكن بشرط أن تجدي عملا آخر قبل ذلك ، وهذا نراه شرطاً تعجيزيّاً ، وذلك لسببين : أولاً : مشكلة السن ، عمرها 43 سنة ، ثانياً : استفحال مشكلة البطالة في بلادنا ، هناك صعوبة في إيجاد عمل آخر ، كما أنه عمل على إقناع شقيقيها على عدم مساعدتها سواء ماديّاً ، أو معنوياً. مع العلم : أسرتها أسرة ملتزمة بتعاليم ديننا الإسلامي ، لكن عملها هو نقطة خلافهم ، هي الآن حائرة ، لا تدري ما تفعل ، زوجها يخبرها أن الله سبحانه وتعالى أمر الزوجة بطاعة زوجها ، وهذا هو فوزها الأكبر أكثر من أي شيء ، وبين والدها الذي يهدد إن لم تطعه سيسخط عليها دنيا وآخرة ، وبأن بر الوالدين وطاعتهما فوق كل ما تريد أن تفعله ، وأنها يجب عليها المحافظة على عملها لأنه هو مستقبلها ، وأنها يمكن(/1)
أن تمر بظروف قاسية إن تركته . نرجو من فضيلتكم أن تنصحوها ، وأن تضعوها على الطريق الصحيح ، وأن تبينوا لها حكم ما يقول زوجها ، وأبوها .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقها للتوبة من الكسب المحرَّم ، ومن الإعانة على ما يسخط الرب تعالى من العمل في الربا ، وهو من كبائر الذنوب التي توعد الله أصحابها بالمحق والعذاب ، إلا أن يتوبوا ويعودوا لربهم بصدق وإخلاص .
ثانياً :
لا تخلو هذه الدنيا من ابتلاء ، فيبتلى المسلم فيها بأنواع شتى من الابتلاءات ، وقد يُبتلى التائب من ذنبه ، والمقبل على ربه تعالى فعليه أن يصبر ويثبت فإنه الآن في محطة الاختبار ليُرى صدقه في توبته وإقباله على ربه تعالى من عدمه ، لذا فإنه يجب على صديقتك أن تعلم أن ابتلاءها هو في صالحها إن صبرت عليه وتحملته ، وأنه أمرٌ يعرض للتائبين من ذنوبهم ، والمقبلين على ربهم تعالى ، فلا تجزع ، ولا تفزع ، ولا تضجر ، ولتكن مع ربها تعالى بالإنابة ، والدعاء ، والعمل الصالح ، وستجد ما يسرها إن شاء الله ، من التثبيت على الطاعة ، والتوفيق للعمل الصالح .
وطريق الجنة محفوف بالمكاره ، ومن صبر على قطع هذا الطريق فإن نهايته ستكون سعيدة ، وطريق النار محفوف بالشهوات ، ولو استمتع العاصي بدنياه بتلك الشهوات فإنه سيندم على ذلك أشد الندم ، وسيجد من الحسرة والسخط والعذاب ما يُنسيه استمتاعه ذاك .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ) . رواه البخاري ( 6122 ) ومسلم ( 2823 ) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) . رواه مسلم ( 2822 ) .
قال النووي رحمه الله :(/2)
"قال العلماء : هذا من بديع الكلام ، وفصيحه ، وجوامعه ، التي أوتيها صلى الله عليه وسلم ، من التمثيل الحسن ، ومعناه : لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره ، والنار بالشهوات ، وكذلك هما محجوبتان بهما ، فمن هتك الحجاب : وصل إلى المحجوب ، فهتك حجاب الجنة : باقتحام المكاره ، وهتك حجاب النار : بارتكاب الشهوات ، فأما المكاره : فيدخل فيها : الاجتهاد في العبادات ، والمواظبة عليها ، والصبر على مشاقها ، وكظم الغيظ ، والعفو ، والحلم ، والصدقة ، والإحسان إلى المسيء ، والصبر عن الشهوات ، ونحو ذلك .
وأما الشهوات التي النار محفوفة بها : فالظاهر أنها : الشهوات المحرمة ، كالخمر ، والزنا ، والنظر إلى الأجنبية ، والغيبة ، واستعمال الملاهي ، ونحو ذلك .
وأما الشهوات المباحة : فلا تدخل في هذه ، لكن يكره الإكثار منها ؛ مخافة أن يجر إلى المحرمة ، أو يقسي القلب ، أو يشغل عن الطاعات ، أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها ، ونحو ذلك" انتهى .
" شرح مسلم " ( 17 / 165 ، 166 ) .
ثالثاً:
من الواجب على هذه الأخت أن تلتزم الصدق في توبتها ، فتندم على ما فات من عمرها الذي قضته في العمل المحرَّم ، وتعزم عزماً مؤكداً على عدم العود للعمل في البنوك الربوية ، ولا في غيرها من الأماكن المحرَّمة .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"العمل في البنوك التي تتعامل بالربا : من الأمور المحرمة ، ولا يجوز لك أن تستمر فيه ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله عنه بقوله : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكلَ الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهديه ) ، وعليك التوبة إلى الله من ذلك" انتهى .(/3)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 45 ، 46 ) .
وقالوا أيضاً :
"ثبت تحريم الربا بالكتاب ، والسنَّة ، والإجماع ، وثبت أن التعاون عليه بالكتابة ، والشهادة ، ونحوهما : حرام ، وعلى هذا : فالعمل في البنوك الربوية محرم ؛ لما فيه من التعاون على الإجراءات الربوية من حساب ، وصرف ، وقبض ، وتقييد ، وكتابة ، وحراسة ، ونحو ذلك ، وقد قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 46 ، 47 ) .
رابعاً :
أما ما قاله زوجها ووالدها من أن الله تعالى أمر بطاعة الزوج ، وطاعة الوالدين وبرهما ، فهو حق ، قد أمر الله تعالى بذلك ، لكن . . إذا تعارض أمر الله تعالى مع أمر الزوج أو الوالد بحيث أمرا بما يخالف أمر الله ، فلا يشك مؤمن في أن الواجب هو تقديم أمر الله تعالى ، ومن قال غير ذلك فهو على خطر عظيم ، وعليه أن يراجع إيمانه .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري ( 6830 ) ومسلم ( 1840 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 327 ) :
"طاعة المخلوقين - ممّن تجب طاعتهم – كالوالدين ، والزّوج ، وولاة الأمر : فإنّ وجوب طاعتهم مقيّد بأن لا يكون في معصية ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" انتهى .
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله :
"المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى ، ومأمورة بطاعة زوجها ، وبطاعة والديها ، ضمن طاعة الله عز وجل .(/4)
أمَّا إذا كان في طاعة المخلوق : من والد ، أو زوج ، معصية للخالق : فهذا لا يجوز ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) - رواه البخاري - ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ) - رواه أحمد – " انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 1 / 265 ، 266 ، سؤال 161 ) .
فأعلمي صديقتك بحرمة طاعتها لوالديها وزوجها في الرجوع للعمل في البنك الربوي ، وأن غضب والدها عليها لا وزن له عند الله تعالى ؛ لأنه والحالة هذه يكون هو الآثم الظالم لها ، وإن أمكنها أن تتقاعد مبكراً ، وتحصل على راتب شهري بعد تقاعدها ، فذلك خير ، ولا حرج عليها من أخذ هذا الراتب إن شاء الله .
وإن وُفِّقَت إلى الجمع بين إرضاء الله تعالى وعدم إسخاط الوالدين والزوج بالعمل في مكان مباح : فذلك أفضل ، وأجمع للشمل ، وإن عجزت عن التوفيق بين الأمرين : فلتقدم مرضاة الله على رضا أي أحدٍ سواه ، وإن أصابها سوء أو أذى أو ضرر : فلتصبر ، ولتحتسب.
وعليها أن تلين مع زوجها وأبيها وتحاول إقناعهما بأن الحرام مهما كان كثيرا فإنه لا بركة فيه ، وعاقبته إلى زوال .
ونسأل الله أن ييسر لها أمرها ويهدي أهلها .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
104971
العنوان:
إذا طلبت من الخياط تفصيل عباءة ثم ماتت هل يلزم الورثة دفع الثمن؟
السؤال:
في حال لو قمت بتفصيل لبس معين كالعباءة مثلاً , ودفعت للخياط ثلث المبلغ, وحدث لا قدر الله وفاة , هل يلزم على الأهل دفع كامل المبلغ لهم على الرغم من أن العباءة عندهم ولم آخذها منهم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان القماش منك ، والتفصيل من الخياط ، فهذا عقد إجارة ، لا ينفسخ بالموت ، في قول جمهور الفقهاء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/271) : "وإذا مات المُكْرِي والمُكْتَري (أي : المؤجر والمستأجر) , أو أحدهما , فالإجارة بحالها ، هذا قول مالك والشافعي وابن المنذر" انتهى .
وعليه ؛ فيلزم الورثة دفع بقية الأجرة من التركة ، ويأخذون العباءة ، وتكون من جملة تركة الميت .
ثانيا :
وإذا اشتريت القماش من المحل ، واشترطت خياطته وتفصيله عباءة ، فهذا بيع وشرط ، وهو جائز ، والعقد فيه ملزم للطرفين ، ولا ينفسخ بالموت أيضا .
ثالثا :
وإذا كان القماش والعمل من الخياط ، صفقة واحدة ، كأن يقال للخياط أريد عباءة من هذا النوع من القماش ، فهذا عقد استصناع ، وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أنه عقد صحيح وملزم للطرفين . "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (7/2/777) .
وعليه ؛ فيلزم الخياط أن يتم عمل العباءة ، ويلزم الورثة دفع بقية الثمن من التركة ، إلا إذا تراضى الطرفان على فسخ العقد بعد حصول الوفاة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
104976
العنوان:
والده يشرب الخمر ، فكيف يتصرف معه ؟
السؤال:
سؤالي إليكم أسري ، واجتماعي بنفس الوقت ، أبي – يا شيخ حفظكم الله - مبتلى بالمسكر ( الخمر ) منذ زمن , وكلما رأيته بهذه الحالة أنقهر ، وأغتم مما أراه ، وإذا نصحته وقلت له إن هذا الشيء لا يجوز وحرام : يزعل مني ، ويحاول إسكاتي ، مما يجعلني أتصادم معه في الكلام ، وأحياناً أسبه وكأنه واحد من أعدائي , علما بأن أمي متوفية - رحمها الله - منذ سنتين ، وجدتي التي هي أم أبي مريضة في المستشفى بسبب جلطة دماغية عافانا الله وإياكم منها , ومما يزيد الأمر سوءً أن أبي - هداه الله – لا يستطيع المشي إلا على العكاز ، ولمسافة قريبة فقط ؛ لأنه منذ صغره وهو أعرج ، وعمره الآن 60 سنة ، وكما قلت لكم أنني نصحته أكثر من مرة ولكن لا فائدة من الكلام ، حيث إن أصحابه نصحوه ، ولكن لا حياة لمن تنادي , كذلك يعاني من مرض السكر ، والضغط , وأنا لا أريد العقوق به ، ولكن ما الذي يجب أن أعمله تجاهه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
شرب الخمر حرام ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد دلَّ على تحريمه الكتاب ، والسنَّة ، والإجماع ، ولا خلاف بين العلماء في تحريمه .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) المائدة/ 90 ، 91 .(/1)
وللخمر مفاسد على الدين ، والبدن ، والعقل ، والمال ، والعرض ، ولذا فإن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم حرّموا شربها على أنفسهم في الجاهلية : ومنهم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، قالت عائشة رضي الله عنها : " حرَّم أبو بكر الخمرة على نفسه ، فلم يشربها في جاهلية ، ولا إسلام، وذلك أنه مرَّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه ، فإذا وجد ريحها صرف عنها ، فقال أبو بكر : إن هذا لا يدري ما يصنع " .
ومنهم : عثمان بن مظعون ، حيث روي عنه قوله : " لا أشرب شراباً يذهب عقلي ، ويضحك بي مَن هو أدنى مني ، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد " .
ومنهم : قيس بن عاصم ، حيث روي عنه قوله – في سبب تحريم شرب الخمر على نفسه - : " لأني رأيته متلفة للمال ، داعية إلى شرّ المقال ، مذهبة بمروءات الرجال " .
ويتعرض شارب الخمر يعرِّض نفسه لمفاسد وعقوبات في نفسه ، إن لم يتدارك نفسه بتوبة صادقة : هلك ، وانظر بعض هذه المفاسد والعقوبات في جواب السؤال رقم ( 38145 ) .
ثانياً:
أما ما يجب عليه تجاه المنكر الذي يفعله والدك فإنه يتلخص بما يلي :
1. المداومة على نصحه ، ووعظه ، بتبيين حرمة شربه للخمر ، والعقوبات المترتبة على فعله .
2. التلطف في المعاملة ، والإحسان له بالقول والفعل .
3. عدم إعانته على شراء الخمر ، لا من حيث جلبه له ، ولا من حيث إعطاؤه من المال ما يشتري به من ذلك المنكر .
4. عزله عن الأسرة ، أو عزل الأسرة عنه في حال سكره ؛ لئلا تؤثر مخالطته لهم على سلوكهم وأخلاقهم ، خاصة إذا كان في الأسرة من يمكن أن يتأثر به ؛ ولكي يأمنوا شرَّ أفعاله إذا سكر .
5. رفع الأمر لمن يأخذ على يده بالعقوبة ، من حاكم ، أو قاضٍ ، أو جهات مسئولة .
6. الدعاء له بأن يهديه الله ويخلصه من فعل الحرام .
وهذه بعض الفتاوى في الموضوع ، نسأل الله أن تكون نافعة في بيان المقصود .
أ. سئل علماء اللجنة الدائمة :(/2)
ما حكم الإسلام في المسلم الذي يشرب الخمر ، ولا يقبل النصح ، ويعلل ذلك بقوله : " إنه هو الوحيد الذي سيحاسبه الله " ، ولا يسمح لأحد أن يتدخل في شئونه ، فهل يجوز للمسلمين أن يتعاملوا معه أو لا ؟
فأجابوا :
يجب على مَن عرف الحق من المسلمين أن يبلغه قدر طاقته ، وأن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر حسب استطاعته ، فإن قُبلت نصيحته : فالحمد لله ، وإلا رفع أمر مَن ارتكب المنكر أو فرَّط في الواجبات إلى ولي الأمر العام ، أو الخاص ، ليأخذ على يد المسيء حتى يرتدع ، ولا ينتشر الشر ، ودعوى من يشرب الخمر ويصر على ذلك أنه لا يحاسبه على شربها غير الله : ليست بصحيحة إذا كان يشربها علناً ، فإن مَن يراه يشربها مكلف بالإنكار عليه حسب استطاعته ، فإن لم يقم بالواجب عليه نحو من يرتكب المنكر : عوقب على تفريطه في واجب البلاغ والإنكار ، فليس شرب إنسان الخمر علناً مما يختص جرمه بالشارب ، بل يعود ضرره على المجتمع في الدنيا ، وخطره يوم القيامة على الشارب ، والمفرط في الإنكار عليه ، وفي الأخذ على يده ، وعلى مَن عرف من المسلمين حال المجرم أن يهجره في المعاملات ، ولا يخالطه إلا بقدر ما ينصح له ، وما يضطر إليه فيه ، وليجتهد ما استطاع في إبلاغ ذلك إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه الحد ؛ ردعاً له ، ولغيره ؛ وقطعا لدابر الشر والفساد ؛ وتطهيراً للمجتمع من ذلك الوباء .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 81 ، 82 ) .
ب. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً - :(/3)
أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية ، وأستلم راتبا وقدره ( 2981 ) ريالاً ، ولي أب يريد أن أعطيه من الراتب الذي أستلمه ، وأنا لا أقدر ؛ لأنني اشتريت سيارة ، وأسدد أقساطها ، وكل قسط ( 2000 ) ريال ، ولي أخت تعطيه شهريا ( 850 ) ريالاً ، ويوجد عنده محل يبيع ويشتري المواد الغذائية ، ويريد مني نقوداً ، وأنا لا أقدر ، مع أنه يشرب الخمر ! ويريد أن أعطيه نقوداً ، فهل يجوز أن أعطيه نقوداً مع أنه يمكن أن يشتري خمراً بالنقود التي أعطيه إياها ؟ وإذا لم أعطه نقوداً يطردني من البيت ، ويقول :" إن لم تعطني نقوداً فاخرج من البيت " ، وأخواتي لا يعطيهم نقوداً إلا بعد مشقة كبيرة .
أفيدوني في هذا السؤال ، أفادكم الله ، وأسكنكم فسيح جناته ؟ .
فأجابوا :
إذا كان الواقع كما ذُكر من أنه يشرب الخمر ، وكان عنده ما يكفيه لحاجته المباحة : فصاحبه في الدنيا بالمعروف ، وأحسن إليه بما تيسر لك ، مما لا يتمكن من صرفه في محرم ؛ مثل أن تعطيه كسوة ، أو كيس أرز ، أو شيئاً مما يكون أثاثاً للبيت ؛ من سجادة ، أو أواني ، وتبش في وجهه ، وتكلمه كلاماً ليِّناً سمحاً ، ونحو ذلك من المعروف والإحسان ، مع نصيحته بترك شرب الخمر ، وسائر المحرمات .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 173 ، 174 ) .
ج. وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :(/4)
أنا شاب هداني الله للإيمان - والحمد لله - متزوج حديثًا ، وأتقاضى راتباً شهريّاً ، وقد استأجرت بيتًا ، وسكنت فيه مع زوجتي ؛ وذلك لصغر بيت أهلي ، وأعطي أهلي جزءًا من راتبي ، وبعضه لوالدي الذي يشرب الخمر يوميّاً ! فهو مدمن عليها ! لذلك فإن ضميري يؤنبني بأني بذلك أشجعه على شراء الخمر ، علماً أنه يتقاضى راتباً يعطي منه لوالدتي نصفه والباقي يصرفه على شراء الخمر ، والسجائر ، ولعب القمار – أحياناً - ، خصوصاً وأنا بحاجة إلى هذا المبلغ لتكوين نفسي ، وكذلك فإن أختي الكبيرة تعطيه من راتبها ، فما حكم إعطائنا له تلك المبالغ ؟ أفيدونا أفادكم الله .
فأجاب:
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي ، ولاسيما الكبائر ، كشرب الخمر ، ولعب القمار ، وغير ذلك مما حرم الله سبحانه وتعالى ، فيجب على هذا الوالد ، وعلى كل عاصٍ : أن يتوب إلى الله ، ويبادر بالتوبة ، وألا يتجارى مع الهوى ، والشيطان ، فيُهلك نفسه ، فيقع في غضب الله ، وسخطه ، والواجب عليكم أن تناصحوه ، وأن تكرروا له النصيحة ، وتغلظوا عليه ، وإذا كان هناك سلطة إسلامية : فيجب عليكم أن ترفعوا شأنه إليها للأخذ على يده ، وإعانته على نفسه .
وأما بالنسبة لما تعمله أنت ، وأنك هداك الله للإسلام : فهذه نعمة عظيمة ، ونسأل الله لنا ولك الثبات ، ثم ما تعمله من توزيع راتبك على حوائجك ، وعلى أهلك ، وعلى والدك : فهذا شيء تشكر عليه ، ونرجو الله أن يتقبل منا ومنك .
وأما بالنسبة لكون والدك يشرب الخمر ، ويستعين بما تعطيه على ذلك : فإذا تحققت أن والدك يستعين بما تدفعه إليه على معصية الله : فلا تعطه ؛ لأن الله جل وعلا يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 .(/5)
فإذا تحققت من أن والدك يستعين بما تعطيه إياه على معصية الله : فإنك تمنع عنه العطاء ؛ لعله يتوب إلى الله ، ويرتدع عما هو عليه .
وعلى كل حال : الوالد له حق ، لكن إذا كان بالحالة التي ذكرتها ، وأنه يستعين بما تدفعه إليه على شرب الخمر ، ولعب القمار ، وغير ذلك : فإنك لا تعطيه شيئًا يعينه على المعصية .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان " ( 4 / ص 261 ، السؤال 266 ) .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
105062
العنوان:
حكم بطاقة الفيزا لبنك فيصل الإسلامي
السؤال:
ما رأيكم في فيزا بنك فيصل الإسلامي ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية :
1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد .
2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة ، زيادة على التكلفة الفعلية .
3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة ، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط، ، وما زاد على ذلك فهو ربا .
4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية بها .
5- إضافة البائع النسبة التي يطلبها منه البنك على المشتري بدون أن يعلم المشتري ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم (13725) و (103187) .
وليس لدينا اطلاع على بطاقة الفيزا التابعة لبنك فيصل الإسلامي .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105278
العنوان:
كانت متدينة فتزوجت وانقلب حالها فتركت الصلاة !
السؤال:
منذ صغري وأنا مولعة بالدين ، كثيرة الصلاة ، دائمة التعبد ، لدرجة الإدمان ، لكن بعد زواجي تركت الصلاة لكثرة الجماع ومشقة الغسل ، وقد مرَّ على زواجي 6 سنوات ، وأصبح لي بنتان ، وكثرت المسؤولية ، وكرهت نفسي ، لا تعلم كم أنا ضائعة ، أستحلفك بالله أن تساعدني . جزاك الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
بل نعلم كم أنتِ ضائعة ! ونعلم أنكِ أوبقتِ نفسك ، وسلكتِ طريق المهالك ، ولا ندري كيف وصل الحال بك لهذا وأنت تصفين نفسك بأنكِ كنتِ مولعة ! بالدين ، ومدمنة ! على العبادة ، والأصل فيمن كان هذا حاله أن يزداد قرباً من ربه ، وأن يتعلق قلبه بالإسلام أكثر ، وأن يصبح ويمسي وهو يشتاق للجنة ولقاء الله تعالى ، لا أن ينقلب على عقبيه ، وينتكس بعد الهداية .
وما تذكرينه من أعذار ليس بشيء ، فكثرة الجماع والاغتسال لا تمنع من إقامة الصلاة ، وكثرة المسئوليات لا تجعل المرء يرضى لنفسه الخروج من الإسلام لأجل تحملها ، ولو تأملتِ في النساء حولك لرأيت من عندها عشرة من الأولاد أو أقل أو أكثر ، ولم يعقها ذلك عن إقامة الصلاة ، والقيام بحقوق الزوج ، وتربية أولادها ، والأمر يرجع إلى الإنسان نفسه ، فأي طريق رضي سلوكها فقد رضيها طريقاً ، ورضي بعواقبها ، وهل كنتِ تعتقدين أن من ترك الصلاة أنه سيثاب ، ويُعان ، وتَدخل السعادة لحياته ؟! بل لا ينتظر هذا إلا الشقاء والبؤس والحرمان من السعادة والتخلي عن إعانته ، ولن يكون مصيره في الآخرة إذا مات على هذا إلا النار – والعياذ بالله - .
إنهما صورتان متضادتان ، في الفعل ، وفي الحكم ، الأولى : لمن آمن وعمل صالحاً ، والثانية لمن أعرض عن ذكر الله ، فالأولى : وعد الله تعالى أصحابها بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ، والثانية : توعَّد الله تعالى عليها بالشقاء والضنك في الدنيا والآخرة .(/1)
في الأولى قال ربنا تبارك وتعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97
وفي الثانية قال ربنا تبارك وتعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 .
وأنتِ قد اخترتِ بملء إرادتك الطريق الثانية ، فرأيتِ الضياع ، والضنك ، وهذا كله يهون في مقابل ما توعدك الله عليه في الآخرة !
قال ابن القيم – رحمه الله - :
والمقصود : أن الله سبحانه أخبر أن من أعرض عن ذكره - وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى - : بأن له معيشة ضنكاً ، وتكفل لمن حفظ عهده أن يحييه حياة طيبة ، ويجزيه أجره في الآخرة ، فقال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) فأخبر سبحانه عن فلاح من تمسك بعهده علما وعملا ، في العاجلة بالحياة الطيبة ، وفي الآخرة بأحسن الجزاء ، وهذا بعكس من له المعيشة الضنك في الدنيا ، والبرزخ ، ونسيانه في العذاب بالآخرة ، وقال سبحانه : ( ومَن يَعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين ، وضلاله به : إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله ، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيَّض له شيطاناً يقارنه ، فيصده عن سبيل ربه ، وطريق فلاحه ، وهو يحسب أنه مهتد ، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه ، وعاين هلاكه وإفلاسه : قال : ( يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ) وكل مَن أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله : فلا بدَّ أن يقول هذا يوم القيامة .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 43 ، 44 ) .(/2)
فها هما الطريقان أمامكِ ، اختاري أيهما شئتِ ، وعلى حسب اختيارك تكون العاقبة ، في الدنيا والآخرة .
واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة ، ويترتب على ذلك فسخ عقد الزوجية ، وعدم توريثك من أهلك المسلمين شيئاً ، وعدم الصلاة عليكِ بعد الموت ، ولا دفنك في مقابر المسلمين ، نعم ، هذه هي أحكام المرتدين ، الذين أنعم الله عليهم بالهداية للإسلام ، فذاقوا طعم الإسلام ، وحلاوة الإيمان ، ثم رضوا لأنفسهم بالكفر والردة عن الدين .
ولا نجد ما ننصحك به إلا سلوك طريق الإيمان ، وهو طريق السعادة في دنياكِ وأخراكِ ، واستعيني بالله تعالى على القيام بواجباتك تجاه زوجك وأسرتك ، ونظمي مع زوجك أوقات الجماع ، وارجعي لسالف عهدك من الطاعة والعبادة ، قبل أن يُختم لك بشر خاتمة ، فتلقي ربك تعالى وأنت بأسوأ حال – والعياذ بالله - ، وهو ما لا نتمناه لكِ .
واعلمي ـ أنت وهو ، يا أمة الله ـ أن الحياة الزوجية ليست انهماكا في شوات البطن والفرج ، كما قد يظن بعض الغافلين ، بل هي زيادة أعباء ، وتحمل أمانات ، والموفق من يُعان على الموازنة بين الحقوق ، وإعطاء كل ذي حق حقه .
آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟
قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا !!
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ [ يعني : قال : سلمان لأبي الدرداء ] : كُلْ !!
قَالَ [ أبو الدرداء ] : فَإِنِّي صَائِمٌ !!
قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ؛ قَالَ : فَأَكَلَ !!(/3)
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ ، فَنَامَ !! ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُمْ الْآنَ ، فَصَلَّيَا .
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ !!
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ سَلْمَانُ )
رواه البخاري (1986)
وانظري – للأهمية – جواب السؤال رقم ( 14296 ) ، ورقم (82866) .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
105279
العنوان:
الوفاء بالنذر المكروه
السؤال:
نذرت جدتي أن تصوم شهر رجب مدى الحياة نذراً خالصاً لله ، إن تحققت أمانيها ، وبعد أن تحققت صامت كما نذرت إلى أن بلغت سنا ًيصعب معها الصيام ويشقُّ عليها المرض والكبر ، فما الحكم في هذه الحالة ؟ وهل يلزمها الاستمرار ، أم تكفرِّ وتعفي من هذا النَّذر ؟
الجواب:
الحمد لله
"إفراد رجب بالصيام مكروه ، فهذه المرأة نذرت شيئاً مكروهاً وإذا نذر الإنسان شيئاً مكروهاً فالأولى أن لا يفعله ويكفر كفارة يمين ، فعليها أن تُكِّفر كفارة يمين ، بأن تعتق رقبة ، أو تطعم عشرة مساكين ، أو تكسو عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع طعاماً ، أو ثوب يجزيه في صلاته ، فإن لم تقدر على واحدة من الثلاثة خصال المذكورة فإنها تصوم ثلاثة أيام ، هذا هو الأحسن لها ، ولا تفعل هذا النذر" .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/105) .(/1)
رقم السؤال:
105280
العنوان:
حكم سفر الإنسان بمفرده
السؤال:
هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الإنسان بمفرده ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك في أحاديث ، منها :
1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ ) رواه البخاري (2998)
وقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (2/91) هذا الحديث بزيادة فيها :
( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ )
إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة ، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين :
أ - أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر . كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت ، وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده . وهو وإن كان ثقة ، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته .
ب - ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى ، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف رواية الأكثرين .
ولذلك حكم محققو مسند أحمد (9/467) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (249) بشذوذ رواية عبد الواحد . بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها ، كما في "السلسلة الصحيحة" (60)
وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء ، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (380) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/726)(/1)
وروى الطبراني في "الأوسط" (2079) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا ، ولا نام رجل في بيت وحده )
إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي ، لأنه متهم بالكذب .
كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة : فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " لا يسافرن رجل وحده ، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى .
صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/130)
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده ؟ قال : أحب إليَّ أن يتوقى ذلك . نقلا عن "الآداب الشرعية" (1/428)
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ ) رواه الترمذي (1674) وقال حديث حسن . وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62)
وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه ، من ضعف وهلكة ومشقة ، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله ، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة ، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى ، فإن الشيطان من الإثنين أبعد .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) :
" وترجم له ابن خزيمة : " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة " ؛ لأن معنى قوله ( شيطان ) أي : عاص . وقال الطبري : " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام ، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف .(/2)
والحق أن الناس يتباينون في ذلك ، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة ، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك ، وقيل في تفسير قوله : ( الراكب شيطان ) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان ، أو أشبه الشيطان في فعله ، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه ، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه ، بخلاف الثلاثة ، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى .
والظاهر من الحديث أن النهي وارد على من يسافر في الطرق الخالية الموحشة ، أما الطرق الآهلة ، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل ، ولا يعدم معينا ولا أنيسا ، فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه ، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات ، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة ، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه .
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) :
" وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده ، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة ، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد ، مثل طريق القصيم الرياض ، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون ، ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم ، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة ؛ لأن الناس يمرون به كثيراً ، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر ، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى .
ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (62) :
" ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس ، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات . والله أعلم " انتهى .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
105281
العنوان:
حكم تأثيث المكاتب بأثاث فخم وهل يدخل في الإسراف ؟
السؤال:
بخصوص العمل ، فطبيعة الشركة التي أملكها تحتم أن تكون المكاتب فخمة جدّاً ، وتعكس طابع العمل ، وسيتم تجهيزها بمئات الألوف ، علماً بأن الغرض الأساسي من تلك الشركة هو أن أتمكن من التفرغ لطلب العلم ، فهل إن قمت بذلك يعد إسرافاً . وإن كانت طبيعة العمل تحتم أن يلبس الشخص ملابس أنيقة جدّاً ( مثل البدل الأنيقة ، والغالية ، والساعة ، والحذاء الغالي .. الخ ) ، فما العمل ؟ علماً بأني قد أطلب ذلك من العاملين في الشركة لدي ، وقد أقوم بدفع بدلات لهم مقابل ذلك ، وكله بحكم طبيعة العمل .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر لنا أن ما تنفقه الشركات على تأثيث مكاتبها ، والاهتمام بمظهرها وأناقتها : ليس فيه حرج لذاته ، إلا أنه يُجتنب في هذا أمور :
الأول : أن يكون في ذلك إسراف ، وذلك بتجاوز الحد عن قدرة الشركة المالية ، أو يكون ذلك التأثيث وتلك الأناقة زائدة عن الحاجة لها في الشركة ، والاعتدال في الأمور المباحة مطلوبة .
والثاني : أن يكون ذلك بقصد التشبع بما لم تُعط من أجل اصطياد الزبائن ، وإيهامهم بقوة الشركة المادية ، ومن المعلوم أن مثل هذا التأثيث والأناقة أنها رسالة لمن يرى ذلك ، ليحكم من خلال ما يراه على قوة الشركة ، ووجود الأعمال لديها ، ولا يكون الأمر كذلك في واقع الحال ، بل يُفعل ذلك من أجل الإيهام والتغرير بالزبائن .
والثالث : أن تجتنب التماثيل وتعليق صور ذوات الأرواح على الجدران ، ويجوز تعليق صور الأشجار والأنهار وعموم ما ليس له روح .
وانظر جوابي السؤالين : ( 7918 ) .
والرابع : تجنب تعليق آيات من القرآن الكريم .
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم ( 254 ) .
ثانياً:
وأما بخصوص لباس الموظفين : فإنه لا مانع أن تكون ملابسهم وأحذيتهم وساعاتهم أنيقة ومميزة ، لكن على أن لا يكون فيها مخالفات شرعية ، ومنها :(/1)
1. أن تكون ملابسهم موافقة للشروط الشرعية ، فلا تكون من لباس الكفار الخاصة بهم ، ولا تكون ضيقة تصف ، ولا شفافة تشف ، ولا تكون ثيابا فيها إسبال .
وفي جواب السؤال رقم (36891) جملة من أحكام اللباس فلتنظر .
وينظر جواب السؤال رقم (69789) لمعرفة ماهية ثياب الكفار المنهي عنها ، وحكم لبس البدلة .
وتنظر أدلة تحريم الإسبال في جواب السؤال رقم : ( 762 ) .
وفي جواب السؤال رقم : ( 72878 ) تجد أحكام اللباس من حيث لونه .
2. أن لا تكون الساعات ذهبية .
وينظر في ذلك جواب السؤال ( 652 ) وفيه حكم لبس الساعات المطلية بالذهب .
3. أن لا يكون تجاوزٌ للحد في أثمانها ، فلا مانع أن تكون أنيقة ، لكن لا ينبغي تجاوز الحد فيها من حيث عددها ، ومن حيث أثمانها .
وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون ثياب المسلم حسنة ، ونعاله حسنة ، بل إنه أثنى على ذلك .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) رواه مسلم ( 91 ) .
وأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يلبس المرء ما يشاء إذا اجتنب الإسراف والمخيلة .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ ) .
رواه النسائي ( 2559 ) وابن ماجه ( 3605 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ .(/2)
رواه البخاري عنه في صحيحه ، في كتاب اللباس ( 5 / 2180 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
والذي يجتمع من الأدلة : أنَّ مَن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه ، مستحضراً لها ، شاكراً عليها ، غير محتقر لمن ليس له مثله : لا يضره ما لبس من المباحات ، ولو كان في غاية النفاسة ، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة مِن كِبْر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ، وغمط الناس ) ، وقوله ( وغَمْط ) بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهملة : الاحتقار .
" فتح الباري " ( 10 / 259 ، 260 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
105282
العنوان:
الدعاء في الصلاة بالزواج من رجل معين
السؤال:
هل يجوز أن أدعو في الصلاة أن أتزوج برجل محدد ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جواز الدعاء في الصلاة بحاجات الدنيا المتنوعة ، مما يُحِبُّ المُصلي أن يدعوَ به ويحتاج إليه ، كأن يدعو بالزواج أو الرزق أو النجاح وغير ذلك .
واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره : ( ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ )
رواه البخاري (5876) ومسلم (402)
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/331) عَنْ الْحَسَنِ والشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا :
" اُدْعُ فِي صَلَاتِك بِمَا بَدَا لَك " انتهى .
وجاء في "المدونة" (1/192) :
" قَالَ مَالِكٌ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ ، فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ . قَالَ : وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي الْمِلْحِ " انتهى .
وخالف في ذلك الحنفية وأكثر الحنابلة ، فقالوا بعدم جواز الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة ، بل قالوا ببطلان صلاة من دعا بأي شيء من ذلك .
جاء في "الإنصاف" (1/81-82) من كتب الحنابلة :
" الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ , وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ : فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ , وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ .(/1)
وَعَنْهُ – أي عن الإمام أحمد - يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ , وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا . كَقَوْلِهِ : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ , وَحُلَّةً خَضْرَاءَ , وَدَابَّةً هِمْلَاجَةً , وَنَحْوَ ذَلِكَ " انتهى .
وجاء في "الفتاوى الهندية (1/100) من كتب الحنفية :
" وَلَوْ قَالَ : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ " انتهى .
وانظر "فتح القدير" (1/319) ، "نصب الراية" (1/558)
وقد أخذوا ذلك عن جماعة من السلف ، روى عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/332) أنهم كانوا يستحبون الدعاء في الفريضة بما في القرآن فقط ، بل روى عن عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/265-266) :
" قال الحنفيّة والحنابلة : يسنّ الدّعاء في التّشهّد الأخير بعد الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن ، أو بما يشبه ألفاظ السّنّة ، ولا يجوز له الدّعاء بما يشبه كلام النّاس ، كأن يقول : اللّهمّ زوّجني فلانة ، أو أعطني كذا من الذّهب والفضّة والمناصب .
وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فذهبوا إلى أنّه : يسنّ الدّعاء بعد التّشهّد وقبل السّلام بخيري الدّين والدّنيا ، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرّم أو مستحيل أو معلّق ، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته ، والأفضل أن يدعو بالمأثور " انتهى .
والصحيح هو قول المالكية والشافعية ، وذلك لقوة ما استدلوا به ، ولضعف حجة ما استدل به أصحاب القول الآخر .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/454) :(/2)
" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا ، وله – أن يقول - : اللهم ارزقني كسبا طيبا ، وولدا ، ودارا ، وجارية حسناء يصفها ، و : اللهم خلص فلانا من السجن ، وأهلك فلانا ، وغير ذلك ، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا .
وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق .
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن .
واحتج لهم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) رواه مسلم .
وبالقياس على رد السلام وتشميت العاطس .
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء )
فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده ، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً .
ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة ، فدل على أنه لا حجر فيه .
وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد : ( ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه ) و ( أحب إليه ) و ( ما شاء )
وفى روايه أبى هريرة " ثم يدعو لنفسه ما بدا له " قال النسائي وإسناده صحيح .
وعن أبى هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته : ( اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وعياش بن أبى ربيعة ، وسلمة بن هشام ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف ) رواه البخاري ومسلم .
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله ) وهؤلاء قبائل من العرب .
والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة .
والجواب عن حديثهم : أن الدعاء لا يدخل في كلام الناس .
وعن التشميت ورد السلام أنهما من كلام الناس ؛ لأنهما خطاب لآدمي بخلاف الدعاء .
والله تعالى أعلم " انتهى .(/3)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) :
" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني الإمام موسى الحجاوي من الحنابلة - : أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول : اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً ، أو : اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة ، وما أشبه ذلك ؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا ، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله : لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه .
لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ .
والصحيح : أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا ؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا ، وليس للإنسان ملجأ إلا الله ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد ) ويقول : ( أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم ) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ : ( ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء ) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي ، فكيف نقول : لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك ! هذا بعيد جدًّا ...
فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى .
والحاصل أنه لا حرج عليك من الدعاء بتيسير الزواج من رجل معين – إذا كان من أهل الصلاح والخير – وإن كان الأولى دائما استعمال جوامع الدعاء وما أُثِرَ عنه صلى الله عليه وسلم ، وانظري جواب السؤال رقم (5236) ، (6585) ، (75058)
ثانيا :(/4)
ثم نحن - وإن كنا أفتينا لك بجواز دعائك في صلاتك بالزواج من رجل معين - إلا أننا ننصحك – من الناحية النفسية والتربوية – ألا تبالغي في تفكيرك وحرصك على ذلك الموضوع ، فالزواج قسمةٌ من الله سبحانه وتعالى ، ومن رحمته سبحانه بالخلق أن وسَّع عليهم وأغناهم ، فلم يقصُرِ المقسومَ برجل معين ، وإنما علقه بمقوِّمات الخلق والدين ، فحيث حلَّت هذه المقومات ، لزم على المسلم الرضا والقبول .
والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره يؤمن بحكمة الله في أمره وتصريفه ، وأنه سبحانه قد يدفع عن العبد السوء الذي سعى إليه وأحبه وكان يدعو به ، لعلمه سبحانه أن الخيرَ في غيره ، يقول الله تعالى : ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة/216
وشعار المسلم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة : ( وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي ) رواه البخاري (1162)
فنرجو ألا يأخذ هذا الموضوع – من عقلك وقلبك - مساحة أكبر مما ينبغي ، فكثيرون هم – بحمد الله – أصحاب الخلق والدين ، ونسأل الله تعالى يقدر لك الخير حيث كان ، وأن يرزقك الرضا بما قسم لك وقدر .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
105283
العنوان:
حكم التمويل العقاري عن طريق البنك العربي
السؤال:
أرجو إفادتي عن التمويل العقاري عن طريق البنك العربي حيث أقوم بالبحث عن عمارة ثم أخبر البنك بها فيقوم البنك بشرائها ومن ثم يؤجرها لي بعد أن وقعت له على وعد بأني سوف أستأجرها منه ثم يفرغها لي بعد عشرين سنة علما بأنه يأخذ علي فائدة وقدرها 4.75% عن كل سنة .فهل هذا جائز أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في دلالتك البنك على عمارة ليشتريها ، ثم يبيعها عليك مقسطة ، أو يؤجرها عليك .
ويشترط لصحة بيع البنك للعمارة أو تأجيرها أن يملكها ملكا تاما قبل البيع أو التأجير ؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يبيع أو يؤجر ما لا يملك .
وللبنك أن يزيد في ثمن العمارة نسبة 4.75% أو أكثر ، قبل بيعها عليك . وله أن يؤجرها عليك بالأجرة التي تتفقان عليها .
ثانيا :
عقد الإجارة المنتهي بالتمليك ، له صور جائزة ، وأخرى محرمة .
فإذا كان البنك سيؤجر عليك العمارة ، كل شهر بكذا ، مع وعد بتمليكك العمارة في نهاية المدة ، فهذا جائز بشرط أن يكون عقد الإجارة عقدا حقيقيا ، وليس ساترا للبيع ، فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي العمارة على المؤجر (البنك) ، لا على المستأجر ، وكذلك نفقات الصيانة تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة ، وهذا بخلاف البيع ، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد .
ويجوز أن يقترن بعقد الإجارة عقدٌ مستقل بالهبة معلق على سداد الأجرة كاملة ، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم . ثم ينص على عقد الهبة ، كأن يقال : يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (البنك ) يهب الطرف الثاني (العميل) العمارة عند انتهاء المدة وسداد ما عليه من أقساط .(/1)
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك ، وبيان الصور الجائزة والممنوعة ، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة : " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة ، وذلك بعقد مستقل ، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى .
وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301).
وإذا اشترط البنك أن يكون ضمان العمارة أو صيانتها على المستأجر ، كان العقد فاسدا ، ولم تكن الإجارة حقيقية ، ولم يجز لك الدخول في هذه المعاملة .
وإذا كان البنك يشترط دفعة مقدمة تحسم من الأجرة ، فلا بأس ، لكن لا يجوز للمالك أن يستولي على هذا المبلغ المقدم في حال عدم إكمال المستأجر المدة ، وإنما يأخذ منه ما يقابل المدة التي استأجرها ثم يرد إليه الباقي.
ونصيحتنا أن تأخذ صورة من عقد البنك وتعرضه على أهل العلم المختصين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105285
العنوان:
نذرت أن تصوم تسع ذي الحجة وزوجها يمنعها
السؤال:
امرأة نذرت منذ حوالي ثلاث سنوات وقبل أن تتزوج ، نذرت لله تعالى أن تصوم أيام التسع الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام متتابعة وكانت لا تعلم بكراهية النذر ولم تذكر إن كانت استثنت ما بعد زواجها أو أحالت أمره إلى زوجها أم لا ، ولكنها الآن قد تزوجت وزوجها يمانع من صيامها لأنه صيام نفل ، ولا يجوز لها أن تصومه بدون رضاه ، إضافةً إلى عدم تمكنها صحياً من الصيام ، فهي تسأل هل هي ملزمة بالاستمرار في هذا النذر بالصيام مع معارضة زوجها وضعف حالتها الصحية ، أم عليها أن تكفر كفارة يمين وتتخلص منه أو تقضيه فيما بعد في غير وقته المحدد متفرقاً أم ماذا تفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
"أولاً : ينبغي التنبيه على أن النذر مكروه أو محرم الدخول فيه ،لأنه يلزم المسلم بشيء قد لا يستطيعه ، وقد يشق عليه وهو بعافية منه.
وعلى المسلم أن يفعل الخير من صيام وغيره بدون نذر ، ويكون في سعة ، إن شاء تركه ، أما إذا نذر فإنه ألزم نفسه ووجب عليه أن يفي بنذره إذا كان نذر طاعة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (أوف بنذرك) ، ولقوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان/7 ، ولقوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) الحج/29، ولقوله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/27 .
والنذر إذا وقع وكان نذر طاعة ، فإنه يلزم ويجب العمل به ، أما قبل الدخول فيه ، فلا ينبغي للمسلم أن يلزم نفسه وأن يدخل فيه.(/1)
وهذا الذي ذكرته السائلة أنها نذرت أن تصوم التسعة الأولى من ذي الحجة باستمرار، فهذا نذر طاعة ، يلزمها الوفاء به ، وليس لزوجها أن يمنعها من ذلك ، لأن زوجها إنما يمنعها من صيام التطوع ، أما الصيام الواجب المؤقت بوقت محدد فإنه لا يجوز لزوجها أن يمنعها منه ، وهي نذرت أن تصوم هذه الأيام المعنية ، فيجب عليها الوفاء بذلك ، وإذا كانت تقول : إنها لا تستطيع ذلك صحياً، فإن كان القصد أن ذلك يشق عليها ، فهذا لا يمنع من أداء الواجب حتى وإن كان فيه مشقة فإنها تصوم ، لأنها ألزمت نفسها بذلك ، ومعلوم أن الصيام فيه مشقة حتى على القوي .
أما إذا كان قصدها من ذلك أنها لا تستطيع الصيام، فإنها في العام الذي لا تستطيع فيه الصيام لمرض أو ضعف في الجسم تكفر كفارة يمين ، لكن إذا قويت في العام الآخر ، يجب عليها الصيام وهكذا.
فلا يجوز لها ترك ما نذرته ، لأنها ألزمت نفسها بذلك ، ولا ينبغي للمسلم أن يتلاعب بالنذر ، ينذر ويُلزم نفسه ، ثم بعد ذلك يلتمس المخارج ، ويلتمس الحيل، هذا لا يجوز، لأن النذر أصبح واجباً من الواجبات، لا يجوز التخلص منه بدون مبرر شرعي .
وإذا صادفت هذه الأيام وقت عادتها الشهرية ، فإنها تكون معذورة بتركها ، لأن هذا من الأعذار الشرعية ، مثل لو كانت مريضة ، فإن هذا عذر شرعي يسقط عنها صيام هذه الأيام، ولكن إذا جاءت هذه الأيام وليس عندها عذر شرعي بأن كانت صحيحة وطاهرة من الحيض يجب عليها ذلك" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/90) .(/2)
رقم السؤال:
105286
العنوان:
نذرت إذا نجحت أن تصوم أياما متتابعة
السؤال:
أثناء الامتحانات نذرت إن نجحت أن أصوم سبعة أيام متتالية ، بعد أن وفقني الله ونجحت بدأت أصوم النذر ، لكنني لم أستطع مواصلة الأيام السبعة ، فصمتها متفرقة ، فهل فعلي هذا صحيح أم يجب على إعادتها متتابعة ؟ وما العمل لو كنت لا أستطيع صيامها متتابعة؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا نذر الإنسان صيام أيام متتابعة ، وجب عليه الوفاء بنذره وأن يصوم هذه الأيام متتابعة ، ولا يجوز له تفريقها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، وهذا نذر طاعة ، وما ذكرت السائلة من أنها صامت الأيام ولم تستطع المتابعة ، تكون قد أخلت بالوفاء بنذرها، فهي إذا كان قطعها للتتابع لعذر كما ذكرت فإنها تخير بين أمرين : إما أن تستأنف (تصوم الأيام من جديد متتابعة) ، وإما أن تكمل ما بقي ويكون عليها كفارة يمين ، وكفارة اليمين معروفة ، عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد ، أو كسوة عشرة مساكين ، لكل مسكين ثوب يستره في صلاته . تخير بين هذه الأمور الثلاثة ، فإذا لم تستطع واحداً منها فإنها تصوم ثلاثة أيام".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/89) .(/1)
رقم السؤال:
105288
العنوان:
أعطاه الزكاة ثم أهداها الفقير إليه ، فهل يقبلها؟
السؤال:
إذا أعطى الرجل زكاته لمن يستحقها ثم أهداها له مَنْ أخذها فهل يقبلها ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا أعطى الرجل زكاته من يستحقها ثم أهداها له ، فلا بأس بذلك إذا لم يكن بينهما مواطأة ، والأحوط أن لا يقبلها " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/472) .(/1)
رقم السؤال:
105295
العنوان:
هل يدفع زكاته لأمه من الرضاع؟
السؤال:
هل تعطى الأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة من الزكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
" نعم تعطى الأم من الرضاعة من الزكاة ، والأخت من الرضاعة إذا كن مستحقات للزكاة ، وذلك لأن الأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة لا يجب النفقة عليهن ، فهن يعطين من الزكاة بشرط أن تثبت فيهما صفة الاستحقاق " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/417) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
105297
العنوان:
إذا سلم الإمام تسليمة واحدة هل يجوز للمأموم أن يسلم تسليمتين؟
السؤال:
هل إذا سلم الإمام تسليمة واحدة ؛ هل يجوز أن أسلم تسليمتين؟ علما أن المجلس العلمي للمغرب أقر بالتسليمة الواحدة في جميع المساجد
الجواب:
الحمد لله
ينبغي للإمام أن لا يقتصر على تسليمة واحدة في الصلاة ، لأن التسليمة الثانية مشروعة ، وفعلها أفضل ، بل ذهب الإمام أحمد وبعض المالكية إلى وجوبها ، وأن الصلاة لا تصح بدونها ، وإن كان جمهور العلماء على أن التسليمة الثانية سنة مستحبة .
وعلى قول الجمهور ؛ فالاقتصار على تسليمة واحدة لا يبطل الصلاة .
وإذا سلم الإمام تسليمة واحدة ، فلا حرج على المأموم أن يسلم الثانية ، لأن فعل ذلك أكمل وأحوط ، وخروجا من خلاف من أوجبها .
ومشهور مذهب الإمام مالك أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات ، كما سيأتي .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/462) : "الصحيح في مذهبنا أن المستحب أن يسلم تسليمتين , وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حكاه الترمذي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن أكثر العلماء . وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث رضي الله عنهم , وعن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي التابعين , وعن الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي .
وقالت طائفة : يسلم تسليمة واحدة ، قاله ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله عنهم والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي . قال ابن المنذر : وقال عمار بن أبي عمار : كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين ومسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة , وقال ابن المنذر: وبالأول أقول.(/1)
ثم قال النووي : مذهبنا : الواجب تسليمة واحدة , ولا تجب الثانية وبه قال جمهور العلماء أو كلهم . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة , وحكى الطحاوي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعا , وهي رواية عن أحمد وبهما قال بعض أصحاب مالك والله أعلم " انتهى باختصار .
وقال ابن قدامة رحمه الله : "ويشرع أن يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره .
لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده , عن يمينه ويساره ) ، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه , ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) . رواهما مسلم . وفي لفظ لحديث ابن مسعود : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله , وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله) . قال الترمذي : حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" انتهى باختصار من "المغني" (1/323) .
ومذهب الإمام مالك كما في "مواهب الجليل" (1/526) أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات : الأولى عن يمينه للخروج من الصلاة ، والثانية ينوي بها السلام على الإمام ، والثالثة ينوي بها السلام على من على يساره ، وقد أنكر هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله ، واختار أن التسليمة الثانية يقصد بها الإمام والمأمومين معا ، وأن الثالثة بدعة ، قال رحمه الله: " يسلم اثنتين : واحدة عن يمينه ، يعتقد بها الخروج من الصلاة ، والثانية عن يساره يعتقد بها الرد على الإمام والمأمومين , والتسليمة الثالثة احذروها ، فإنها بدعة ، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة" انتهى من "مواهب الجليل" .(/2)
والحاصل : أن المستحب أن يسلم المصلي إماما كان أو مأموما تسليمتين ، فإن اقتصر الإمام على تسليمة واحدة ، استحب للمأموم أن يسلم تسليمتين ، واحدة عن يمينه ، والثانية عن يساره .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105299
العنوان:
شارك رجلاً في زراعة أرض فعلى من تجب الزكاة ؟
السؤال:
تم الاتفاق بيني وبين شخص ما على أن أمنحه قطعة أرض زراعية يقوم بزراعتها مقابل أن يمنحني (10%) من الإنتاج ، وبعد الحصاد استلمت النسبة الخاصة بي من الإنتاج ، فهل أقوم بإخراج الزكاة منها ، أم يجب أن يستخرج هو الزكاة كاملة من الإنتاج الذي هو من نصيبه ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا بلغ نصيبك نصاب الحبوب ، فيجب عليك أن تزكيه ، وإذا زكى الجميع هو قبل أن يعطيك نصيبك ، فهذا يكفي ، أما إذا دفع إليك نصيبك ، ثم زكى هو نصيبه فقط ، فإنه عليك أن تزكي نصيبك إذا بلغ نصاب الحبوب ؛ لأنك تملكه وقت وجوب الزكاة - وهو اشتداد الحب - ، إلا أنه مشاع مع نصيب المزارع ، ونصاب الحبوب هو ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/292) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105302
العنوان:
هل تدفع الصدقة المستحبة لغير المسلم؟
السؤال:
إذا كان الرجل محتاجاً إلى الصدقة وهو لا يصلي ، فهل يجوز التصدق عليه ؟
الجواب:
الحمد لله
" الصدقة الواجبة من الزكاة وغيرها من الواجبات المالية كالكفارات والنذور ، وصدقة الفطر لا تدفع إلى كافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم ، أما صدقة التطوع والتبرعات ، فيجوز دفعها إلى غير مسلم إذا كان يترتب على هذا مصلحة ككونه قريبا من الأقرباء أو غير ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه : ( صِلِي أمك ) ، وكانت كافرة .
أما الزكاة والصدقات الواجبة ، فلا يجوز دفعها إلى الكافر إلا في حالة المؤلفة قلوبهم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الزكاة : ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) يعني المسلمين " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/333) .(/1)
رقم السؤال:
105303
العنوان:
هل كل أرض تُشترى فيها زكاة ؟
السؤال:
اشترينا 3 قطع أراضي إحداها بنية البناء عليها عاجلاً ، والقطعتان الأخريان بنية الاستفادة منها مستقبلاً ببيعها أو عمارتها ، وقد مضى عليها ست سنوات ولم نخرج زكاتها جميعاً ، فهل علينا شيء في ذلك ؟ وكم يجب أن نخرج ؟
الجواب:
الحمد لله
" الأراضي التي يشتريها الإنسان لا تخرج عن أحد ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ما قصده للسكنى ، فهذه لا زكاة فيها ؛ لأنها ليست تجارية .
النوع الثاني : أن يشتري الأراضي بقصد التجارة وطلب الربح بثمنها ، فهذه عروض تجارة إذا حال عليها الحول ، فإنه ينظر كم تساوي عند تمام الحول ، ويخرج ربع العشر من قيمتها التي تساويها في وقت تمام الحول .
النوع الثالث : أن يريد الأرض التي اشتراها للاستثمار بأن يعمرها دكاكين أو عمارات سكنية لتأجيرها ، فهذه لا زكاة في أصلها ، وإنما الزكاة في غلتها ، فإذا قبض من أجرتها ما يبلغ النصاب ، وحال عليه الحول من حين عقد الإجارة ، فإنه يزكيه " انتهى بتصرف .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/309) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105308
العنوان:
متزوج ، وله مواهب متعددة ، ويعاني من التخبط والفوضوية
السؤال:
مشكلتي أنني لا أعرف ما هي مشكلتي بالضبط !!!! أنا شاب قاربت الثلاثين من العمر ، متزوج ولدي بنت واحدة - ولله الحمد – المشكلة هي أنني شخص فوضوي لأبعد حدٍّ ، متخبط جدّاً ، والمشكلة أني - ولله الحمد - متعدد المواهب ، فأنا شاعر ، وقاص ، ومبدع في التأليف ، والإخراج المسرحي والتلفزيوني ، وبارع في مجال الأدب والشعر ، وفي مجال التاريخ ، وكذلك الثقافة العامة ، وفهم الواقع ، سريع الحفظ ، قوي الذاكرة , ومع ذلك فقد كنت مهملاً جدّاً في دراستي ، مع العلم أني كنت أستطيع التفوق ولكن ! أعشق النوم والكسل ، نادراً ما أنجز شيئاً ، أحيانا طموحاتي تتجاوز حدود الخيال ، فأنا أريد أن أكون كل شيء ، فعندما أجد كتاباً في التاريخ - مثلاً - : أجزم أني سأكون مؤرخاً كالطبري ، وعندما أشاهد عالِماً في التلفاز - مثلا - ويعجبني : أقرر بعدها أن أكون طالب علم يشار إليه بالبنان ، وبعد فترة أطالع قصيدة فأقول : سأكون شاعر الأمة الكبير ، وهكذا تجدني في اليوم الواحد أقرر أن أكون أعظم رجل في العالم ، وأصل إلى كل شي ، وأكون ، وأكون ، والعجيب أني أحياناً أرسم ، وأضع خططاً وبرامج وأنا مبدع في ذلك ، ولكنها حبر على ورق ، مع يقيني أني لو عملت ربع هذه الخطط لأصبحت أفضل بكثير مما أنا عليه الآن ، والأغرب من كل هذا أني متميز في مجال التربية ، والشباب ، والمراكز الصيفية ، ولا يستطيع أحد أن يجاريني ، فالأسرة التي أكون أنا رئيسها في المركز : تكون الأولى في كل شيء ، ولكني لم أستطع أن أربي نفسي . أغراضي وملابسي دائما في فوضى ، كل شي بعدي يكون فوضويّاً ، لا أعرف الترتيب ، ولا النظام ، أحس أن الأشخاص المنظمين أناس لا يستمتعون في حياتهم ، أحسهم كـ " الربورتات " التي تؤدي مهامها فقط . أنا كثير الأحلام والخيال ، أما في الواقع : فلا شيء ، بصراحة وأنا(/1)
الآن عاطل ، تركت الجامعة بعد سنوات طويلة ، فأنا متخرج من الثانوية قبل عشر سنوات تقريبا ، دخلت الجامعة وتنقلت بين عدة أقسام فيها ... وفي مجال الأعمال الخيرية والتطوعية كنت الأبرز من بين الشباب ، وإذا استلمت عمل : أُبدع فيه ، ولكن سرعان ما أتركه حتى عُرف عني هذا الأمر ، وأصبحت لا أُكلف بشي ، مع علمهم أنني أفضل من يقوم بأي أمر . عمري يقارب الثلاثين ، ولا يوجد لديَّ دخل ، مع أني متزوج ، ولم أتعظ ، ولكني متضايق جدّاً من حالتي المزرية ، وأنا جاد في البحث عن الحل . والله المستعان .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، ونسأله تعالى أن ييسر أمرك ، ويفرِّج كربك ، ورسالتك تحمل في طياتها شعوراً صادقاً للبحث عن حلٍّ لما تعيشه من اضطرابٍ في التفكير ، وخلل في التصور للأهداف الحياتية ، ولذا فسنحاول جهدنا الوصول بك إلى برِّ الأمان ، ونرجو أن تتعاون معنا بتحقيق ما نقوله لك في واقع العمل ، بعد أن تقرأه في واقع النظر .
1. إذا كنتَ مضطرباً في تحديد الهدف لحياتك فترى نفسك متنقلاً من مهنة إلى أخرى ، ومن عملٍ لآخر ، ومن موهبة لأختها : فلا ينبغي لك أن تتجاهل الغاية التي من أجلها خُلقت ، بل خلق الإنس والجن من أجلها ، وهي توحيد الله وعبادته ، قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/ 56 ، ومعرفتك لغاية واحدة خُلقت لأجلها ، وسيرك في هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها هو أيضاً عامل مساعد قوي في حل مشكلتك ، فإن نسيت أو غفلت أو ضيعتك هموم الدنيا فإياك أن تغفل عن غاية خلقك ، واعمل جاهداً لتحقيقها ، وسترى السعادة في الدنيا قبل الآخرة .(/2)
قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 . قال ابن القيم – رحمه الله - :
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول : إن في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها : لا يدخل جنة الآخرة .
وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري ، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .
" الوابل الصيب " ( ص 67 ) .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن غيره في " مجموع الفتاوى " ( 10 / 647 ) قوله : لقدْ كنت في حال أقول فيها : إن كان أهل الجنة في الجنة في مثل هذا الحال : إنهم لفي عيش طيب . انتهى
2. ونرى أن عندك جوانب إيجابية ينبغي لك استثمارها ، وجوانب سلبية ينبغي لك التخلص منها .
ومن الجوانب الإيجابية عندك :
أ. أنك متعدد المواهب ، فمثلك لا يجد صعوبة في الاستقرار على شيء ، والإبداع فيه .
ب. أنك سريع الحفظ ، وقوي الذاكرة ، وهاتان الميزتان لم تُذكرا إلا في تراجم قليلة من أهل العلم والأدب والإبداع ، فتستطيع أن تملأ صدرك بكتاب الله تعالى ، وتستطيع أن تطلب العلم الشرعي فتكون من الحاملين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، والذابين عنه وعن دينه .
ج. أنك تملك طموحاً قويّاً ، وهذا يعني قوة الشخصية ، وقوة الإرادة .
د. تميزك في جانب الدعوة إلى الله ، وحفظ القرآن ، والقيام بالأعمال الخيرية ، وهذا يمكنك استثماره في تحقيق هدفك في الحياة ؛ لأن مثلك وقف على جوانب من الشرع من الآيات والأحاديث .
وأما الجوانب السلبية التي ينبغي لك التخلص منها فوراً ، ودون تردد :(/3)
أ. عشقك للنوم والكسل ، وهذا أمرٌ محزن أن يكون من مثلك ، فأنت مفعم بالحيوية والطاقة ، وتملك مواهب متعددة ، وعندك طموح قوي ، وكل ذلك لا يتناسب مع الكسل والنوم ، وقد ذم الأطباء والعلماء والعقلاء كثرة النوم ، وجعلوها في سلسلة الأمراض التي تقتل الهمة والعمل وتمرض البدن .
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : خصلتان تقسيان القلب : كثرة النوم ، وكثرة الأكل .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
وأما مفسدات القلب الخمسة : فهي التي أشار إليها : من كثرة الخلطة ، والتمني ، والتعلق بغير الله ، والشبع ، والمنام ، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب .
" مدارج السالكين " ( 1 / 453 ) .
وشرح ما يتعلق بالنوم فقال - رحمه الله - :
المُفسد الخامس : كثرة النوم ؛ فإنه يميت القلب ، ويثقل البدن ، ويضيع الوقت ، ويورث كثرة الغفلة والكسل ، ومنه المكروه جدّاً ، ومنه الضار غير النافع للبدن ... .
وبالجملة : فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول ، وسدسه الأخير ، وهو مقدار ثمان ساعات ، وهذا أعدل النوم عند الأطباء ، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه .
" مدارج السالكين " ( 1 / 459 ) .
فانتبه لهذا الأمر ، والتزم بأنفع النوم وأعدله ، ودع عنك النوم الزائد عن الحاجة ، وانظر لما يسببه من آثار سيئة ، ولا ترضى لنفسك إلا بالكمال .(/4)
ب. يظهر لنا من رسالتك أنك تبحث عن المجد والشهرة ، ولا يهمك تحقيق ما تصبو إليه نفسك إلا من أجل أن تكون مميزاً ويشار إليك بالبنان – على حد تعبيرك - ، وهذا أمرٌ خطير ، ويجب عليك التوقف عن هذه النية ، والتوقف عن السعي لتحقيق مجد وشهرة ؛ فإن هذا من كبائر الذنوب ، وهو مُحبط للأعمال ، وهو مسبب للقلق والكآبة حتى وإن تعلق بأمر غير شرعي ؛ لأن سعيك لأن تكون شاعر الأمة ، أو عالِماً ، أو أعظم رجلٍ في الدنيا : لن يأتي من مواهب متعددة ، وطموح جامح ، مع كثرة نوم ، بل يحتاج لكد وتعب وجد واجتهاد ، وسترى نفسك مع واقعك أنك لن تصبح كذلك ، فتصاب بالإحباط والكآبة ، وهذا هو الواقع ، وأنت قد أخطأت خطأ عظيماً ، وإياك أن تبحث عن مجد نفسك وشهرتها ؛ فإن ذلك سيكون على حساب الأجور والثواب إن كان في أعمالك طاعات ، وسيكون على حساب صحتك وعقلك وبدنك ووقتك إن كان في أعمالك أمور دنيوية ، فاحذر هذا المرض الخطير ، وليكن طلبك للعلم وحفظك للقرآن من أجل الأجور التي عند الله ، وليكن تنافسك مع غيرك داعياً لك للعمل والاجتهاد ، دون نية إزاحة غيرك والجلوس مكانه .
ج. التخبط في الاستقرار على عملٍ معيَّن ، وأنت قد حباك الله مواهب متعددة ، وتملك مواصفات مميزة ، وهذا التخبط سببه هو : عدم الاستقرار على شيء واحد من مواهبك وأعمالك ، فالذي ننصحك به : أن تنظر أي الأشياء أقرب لقلبك من الأعمال التي تتقنها ، اخترها ودع غيرها ، واعمل في حقلها ، وأبدع في صناعتها وإنتاجها وقيامها ، على شرط أن تكون موافقة للشرع ، فوضوح الهدف عندك لتحقيق عمل معيَّن سيجعلك تصرف النظر عن غيره ، واستقرارك على عملٍ واحد دون غيره : سيريح بالك ، ويجعلك تبدع في تحقيقه ، ولك أن تتصور كم سيكون ذلك مساهماً في حل مشكلتك ، وكم سيفرح ذلك زوجتك الصابرة على أفعالك وكسلك ونومك !(/5)
د. الفوضوية في ملابسك وترتيب أغراضك : أمر مخالف للفطرة والعقل ، ولا يمكن لإنسان حباه الله تعالى عقلاً سليماً ويستمتع بالفوضى وعدم الترتيب ، وهب أنك جئت مطعماً لتأكل فيه ، ووجدته فوضويّاً كما هو حالك : فهل ستستمتع بالأكل فيه ؟ وهب أنك جئت محلا للبقالة لتشتري غرضاً فلم تجد رفوفاً ولا ترتيباً للمواد ، ولا تصنيفاً لها ، وسألت صاحب المحل عن شيء منها ، فقال لك : ابحث في كل أغراض المحل فستجده بينها ! فأي عاقل يمكن أن يقول إن هذه الفوضى خير من الترتيب والتنظيم والتصنيف للمواد ؟! وقل مثل ذلك في شئون حياتك كلها ، فالاستمتاع – أخي الفاضل – هو بوضع كل شيء في مكانه المناسب ، والاستمتاع بالنظافة ، والطهارة ، والترتيب ، وليس بعكس ذلك .
أخي الفاضل :
احرص على ما عندك من أمور إيجابية ، ونمِّها ، وقوِّها ، وتخلص مما عندك من سلبيات ، واعلم أنك مسئول عن نفسك ، وعن زوجتك ، وابنتك ، فأي زوج تحب أن تكون ؟ وأي أبٍ تود أن تراه ابنتك ؟ الأمر يرجع إليك في الانطلاق نحو الكمال ، وأن تدع عنك الكسل ، وتنهض لتقوم بعملٍ واحد شرعي ، تبدع فيه ، وتحقق آمالك بالعمل المستقر ، والحياة الهانئة ، فتسعد ، وتسعد زوجتك ، وابنتك ، ولا تنس الهدف الأسمى الذي خُلقت من أجله ، وهو توحيد الله وعبادته ، فأكثر من الأعمال الصالحة ، واستثمر ذاكرتك وقوة حفظك في إتمام حفظ كتاب الله تعالى ، والالتزام بحلقات العلم ، واسأل ربك تعالى أن يوفقك ، وأن يهديك لما فيه صلاح ، وصلاح أسرتك .(/6)
ننصحك بأن تبحث عن عمل وظيفي تلتزم به ، يكون متناسبا مع أقرب مواهبك إلى نفسك ، وأولاها عندك بالعطاء والإبداع ، ولو أمكن أن تعرض شيئا من أعمالك على بعض المجلات الإسلامية ، أو المواقع الإلكترونية الإسلامية ، فربما تجد فرصة للعمل والعطاء عندهم ، وربما يجدون هم ـ أيضا ـ عندك من الموهبة والعطاء ، ما يمكن أن ينفع الناس بما عندك من الخير ، وتستثمر فيه النعمة التي رزقك الله ، شريطة أن تكون جادا في الالتزام ، عازما على إصلاح نفسك وتغييرها .
والله الموفق(/7)
رقم السؤال:
105310
العنوان:
هل يصلي على الملائكة في التشهد؟
السؤال:
هل يجوز أن أصلي على الملائكة في التشهد كما أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (105330) مشروعية الصلاة على الملائكة .
أما في التشهد فلا يشرع ذلك ، لأن الواجب الاقتصار على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير زيادة عليه .
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان : هل يصلي على الملائكة في التشهد كما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب :
"لا ، الصلاة التي في التشهد يُقتصر فيها على الوارد ، ولكن في قولنا : (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) هذا يشمل كل عبد صالح في السماء أو في الأرض ، وتدخل فيه الملائكة " .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52)(/1)
رقم السؤال:
105311
العنوان:
نذرت أن تذبح شاة عن أمها فهل يكفيها الصدقة بالمال؟
السؤال:
كانت والدتي مريضة عندي ، وقد توفيت قبل عامين ، فنذرتُ إن رزقني الله من واسع فضله أن أتصدق بذبيحة في شهر رمضان من تلك السنة ، وأن أهب ثوابها لوالدتي ، وأنا أعمل في إحدى المدارس ، وأتقاضى راتباً شهرياً قدره خمسة آلاف ريال ، ولكني أعطيه زوجي المحتاج ، وصاحب الأسرة الكبيرة وقليل الدخل ، وقد بنى لنا منزلاً وتحمَّل ديوناً كثيرة للناس ، ولذلك فأنا أساعده براتبي الشهري ، ولم أتمكن تلك السنة من الوفاء بنذري ، ولكني كنت أعطي أختي من الراتب مبلغ ألف ريال لتتصدق به على الفقراء ، وأحتسب أجر هذه الصدقة لوالدتي ، فهل تكفي هذه عن النذر ، أم لا بد أن أتصدَّق بذبيحة كما حدَّدت ، ولو بعد فوات السنة التي حدَّدتها لذلك؟
الجواب:
الحمد لله
"أولاً : ننبه أنه لا ينبغي للمسلم أن ينذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّر، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
ينبغي للمسلم أن يفعل الخير وأن يتصدق ، وأن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما يسر الله بدون نذرٍ، لكنه إذا ألزم نفسه بذلك وجب عليه الوفاء ، إذا كان نذره نذر طاعة ، قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ) ، وقال الله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان/7 ، وقال تعالى : ( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ) البقرة/270 .(/1)
فإذا نذر الإنسان نذر طاعة ، وجب عليه الوفاء به ، والسائلة تذكر أنها نذرت أن تذبح شاة في سنةٍ معينة وتوزعها على الفقراء ، هذا نذر طاعة ، لأنَّ ذبح الشاة فيه قربة إلى الله سبحانه وتعالى ، والتصدُّق بلحمها فيه قربة أيضاً ، وقد عيَّنته في وقت محدّد ، كان يجب عليها أن توفي في وقته ، وما دام أنَّها أخرَّته عن وقته ، فإنَّه يجب عليها تنفيذه قضاءً ، يجب عليها أن تذبح ما نذرته تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى ، وتتصدق بلحمه، ويكون هذا قضاء ، وعليها بدل التأخير كفارة يمين .
إذاً يلزمها شيئان :
أولاً : تنفيذ النذر الذي نذرته قضاءً .
ثانياً : كفارة يمين تكون عن تأخيره عن وقته .
وكفارة اليمين ، كما قال الله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89 ، هذه كفارة اليمين .
وأمَّا أنَّها تتصدَّق وتُعطي أختها تتصدَّق بدراهم ، فهذا لا يكفي عن النذر ، لأن النذر معيَّن بذبيحة ، وليس هو صدقة مطلقة ، فلا يكفي عن النذر ، وصدقتها التي ذكرت فيها أجر ، وفيها خير إن شاء الله ، ونرجو أن يصل ثوابها إلى المتوفاة ، ولكنها لا تكفي عن النّذر ، والله أعلم" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/96) .(/2)
رقم السؤال:
105312
العنوان:
نذر أن يصوم شهراً فهل يصوم ثلاثين يوماً متفرقة ؟
السؤال:
نذرت صيام شهر لله تعالى ، ولكن لم أحدد أي شهر ، فهل يجزئ أن أصوم ثلاثين يوماً متفرقةً أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"من نذر صوم شهر وأطلق ، قد ذكر الفقهاء أنَّه يخير بين أمرين ، إما أن يصوم شهراً بالهلال حينئذٍ يلزمه التتابع ، ويجزيه ولو كان هذا الشهر تسعة وعشرين يوماً لأن هذا مسمى الشهر .
ويجوز له أن يصوم بالعدد غير متقيد بالشهر الهلالي ، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً ، لأنه إذا صام بالعدد فلابد أن يكون ثلاثين يوماً ، ويجوز له أن يُفرق هذه الأيام .
فهو مخير بين أن يصوم شهراً هلالياً وحينئذ يتقيَّد بالشهر ، ويجوز له أن يصوم بالعدد ، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً ، سواء كانت متفرقة أو متتالية" .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/102) .(/1)
رقم السؤال:
105313
العنوان:
نذر أن يبني مسجدا ويريد أن يبيع الأرض
السؤال:
لقد منَّ الله عليَّ واشتريت قطعة أرض لبناء بيت عليها وذلك منذ ثلاث سنوات ، وبعد شرائها وشعوري بنعمة الله عليَّ نذرتُ أنني عند بنائها سأعمل الطابق الأرضي كله مسجداً ، ويكون البيت في الدور العلوي ، وقلت أمام أقاربي وأصدقائي : نذرت أن أعمل هذا العمل ، ولكنني وجدتُ أن إمكانياتي المالية لن تسمح لي بالبناء ، نظراً لتكاليف البناء الكبيرة ، وسوف أقوم في الشهور القادمة ببيع هذه القطعة فهل يسقط عنِّي ، أم لابد من عمل شيء بدلاً عنه . ثانياً: بالنسبة للزكاة عن هذه القيمة ، هل أخرج قيمة الزكاة عن المبلغ الذي اشتريتها به فقط ، ومن تاريخ شرائها ، أم أخرج الزكاة عن المبلغ الذي ستباع به ، أفيدوني جزاكم الله كل خير ؟
الجواب:
الحمد لله
"الذي يظهر من سؤالك أنك تريد أن تبني هذه الأرض التي اشتريتها وتجعل الدور الأرضي منها مسجداً ، وأنك نذرت هذا النذر شكر اًلله على أن يسر لك هذه الأرض ، ولكنك في الوقت الحاضر لا تستطيع عمارتها وتسأل هل يجوز لك بيعها؟
لا ، لا يجوز لك بيعها ، لأنك نذرت أن تجعل الدور الأرضي منها مسجداً ، وأن تجعل ما فوقه سكناً ، فما دام أنك لا تستطيع بناءها في الوقت الحاضر ، فإنَّك تنتظر إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى بناءها وتنفِّذ ما نذرت ، لأنك لم تيأس حتى الآن من عدم القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر الذي نذرته .
وليس عليك زكاة في هذه الفترة لأنك لم تقصد بها التجارة ، ولكنك قصدت البناء عليها" .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/104) .(/1)
رقم السؤال:
105314
العنوان:
نذر أن يصوم خمسة أيام كلما شرب الدخان
السؤال:
نذرت أن أصوم خمسة أيام كلما قمت بشرب سيجارة من الدخان ، وكان ذلك من باب العزم على الامتناع عنه ورغبةً منِّي في تركه إلى الأبد ، ومرت الأيام والسنين ، ثم عدتُ إليه وشربته مرة أخرى ، فتذكرت النَّذر ، فصمت خمسة أيام ، فهل هذا يكفي ويُلغي النَّذر ، أم أنَّه يلزمني أن أصوم عن كل سيجارة واحدة خمسة أيام ، كما نصصت في نذري ، فإنني شربت الآن الكثير ، فإذا كان يلزمني عن كل سيجارة خمسة أيام ، فمعناه أنني سأصوم أكثر من ألف يوم تقريباً ، وكيف أستطيع ذلك ؟ وما هو الحل ؟ وهل من مخرج من هذه الكفارة بالصدقة أو نحوها؟
الجواب:
الحمد لله
"أولاً: ننصح السائل وغيره ممن ابتلوا بتناول الدخان أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى ، وأن يتركوا هذا الخبيث الذي يضرهم في دينهم ودنياهم ، وفي صحتهم وأبدانهم ، لأنه ضرر محض لا فائدة فيه بوجه من الوجوه ، وهو خبيث من الخبائث ، والله تعالى يقول في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157 ، والواجب على المسلم أن يكون عنده عزم وقوة وشهامة وقوة إيمان ، يترك ما حرم الله عليه حتى وإن كان من أغلى الأشياء عليه، كيف وهو تافه وخبيث ، فإنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله منه ، وأن يتركه حفاظاً على صحته وعلى ماله وعلى دينه ، لأنه لا يأتي بخير.
أما من ناحية النذر الذي نذرت ، فأنت نذرت ترك محرم وهذا واجبٌ عليك ، والإنسان إذا نذر أن يترك المحرم فإنه يجب عليه الوفاء بنذره ، لأنه إذا نذر الإنسان فعل الواجب أو نذر ترك المحرم ، فقد نذر واجباً عليه ، يجب عليه الوفاء به ، وأنت يجب عليك أن تتركه ولو لم تنذرُ ، فكيف وقد نذرت !(/1)
إذاً ، يتعين عليك تركه نصيحة لنفسك ، ووفاء بنذرك (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/3،2 .
هذا الذي ننصحك به ولا نرى لك غيره أبداً ، لا نرى لك أن تنقض اليمين ، وأن تتعاطى هذا الدخان ، لأنه جريمة وضرر ، فعليك أن تتوب إلى الله وأن تتركه ، وأن تمضي في عزيمتك ، وأن تخلِّص نفسك من أضراره .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ )".
وقولك : كلما شربت أصوم خمسة أيام ، معناه : أن النذر باق لم ينحل ، وأنه كلما شربت سيجارة يلزمك صيام خمسة أيام ، فيتكرر عليك النذر كلما تناولت سيجارة ، وهذا مما يؤكد عليك ترك هذا الخبيث" .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/100) .(/2)
رقم السؤال:
105315
العنوان:
من ارتد ثم عاد إلى الإسلام هل يعيد الحج؟
السؤال:
ما الحكم فيمن ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه ، هل يعيد ما فاته من أعمال من أركان الإسلام ، كالحج والصوم والصلاة ، أم تكفي توبته وعودته إلى الإسلام ، ويبدأ من جديد؟
الجواب:
الحمد لله
"الصحيح من قولي العلماء ، أن المرتد إذا تاب إلى الله ودخل في الإسلام ، مرة أخرى ، تائباً منيباً إلى الله سبحانه وتعالى ، أنه لا يُعيد الأعمال التي أداها قبل الردة ، لأن الله سبحانه وتعالى اشترط لحبوط الأعمال بالردة أن يموت الإنسان عليها ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/217 ، فشرط لحبوط الأعمال استمرار الإنسان على الردة إلى أن يموت .
فدلت الآية بمفهومها على أنه لو تاب قبل الوفاة فإن أعماله التي أداها قبل الردة تكون صحيحة، ومجزئة إن شاء الله " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/61) .(/1)
رقم السؤال:
105316
العنوان:
حكم كتابة البسملة في بداية الأشعار والقصص والمقالات
السؤال:
ما حكم كتابة بسم الله الرحم الرحيم في بداية المقالات والروايات والقصص والأشعار ؟
الجواب:
الحمد لله
الروايات والمقالات والقصص والأشعار إن كان موضوعها حسناً ، كالدعوة إلى التمسك بالدين وحسن الخلق ونحو ذلك ، أو كان موضوعها مباحاً خالياً من المحرمات والمنكرات ، فلا حرج من بدايتها بالبسملة ، بل ينبغي ذلك ، تبركاً بذكر اسم الله تعالى ، واقتداء بالقرآن الكريم ، فإن الله تعالى ابتدأه بالبسملة .
وأما إن كان موضوع هذه المقالات والقصص والأشعار محرماً فلا يجوز كتابتها ، ولا نشرها ولا يجوز قراءتها إلا لمن ينكر ما فيها من الباطل ، ولا يجوز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في بدايتها ، لأن ذكر اسم الله تعالى على شيء من معاصيه يتنافى مع توقير الله تعالى وتعظيمه الواجب ، بل قد يصل الأمر إلى نوع من الامتهان والاستهزاء باسم الله تعالى .
قال الشيخ بكر أبو زيد :
( كل محرم أو مكروه ، من قول أو عمل ، لا يجوز افتتاحه بشيء من ذكر الله تعالى ؛ لما فيه من الامتهان ، وافتتاح المعصية بالطاعة .
وذلك مثل : كتابة البسملة ، أمام الشعر غير الحسن ، واستفتاح اللعب المحرم ، والرهان المحرم ، والبرامج المضلة بالقرآن ، أو الحمد ، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك .
وقد وصل الناس في هذا إلى حد العبث ، وعدم المبالاة ، والتغطية على عقول السذج بمشروعية تلك المحرمات ؛ بل وصل الحال إلى : "سجود المعصية" عندما يفوز فريق رهان على آخر ، يسجد الفائز لتفوقه المحرم ، وهذا السجود من أسباب سخط الله وعقابه ، فالله المستعان .(/1)
وعن مكحول الأزدي قال : قلت لابن عمر : أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله ؟ وقد قال الله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) البقرة/152 ؟ قال : إن ذكر اللهَ هذا ذكره اللهُ بلعنته حتى يسكت .
وعلَّق على هذا الأثر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في "عمدة التفسير" (1/273) قائلاً : " وهذا الذي قال ابن عمر حق ، ينطبق تماماً على ما يصنع أهل الفسق والمجون في عصرنا ، من ذكر الله سبحانه وتعالى في مواطن فسقهم وفجورهم ، وفي الأغاني الداعرة ، والتمثيل الفاجر الذي يزعمونه تربية وتعليماً ، وفي قصصهم المفترى ، الذي يجعلونه أنه هو الأدب وحده أو يكادون ، وفي تلاعبهم بالدين ، بما يسمونه "القصائد الدينية" و "الابتهالات" التي يتلاعب بها الجاهلون من القراء ، ويتغنون بها في مواطن الخشوع وأوقات التخلي للعبادة ، حتى لَبَّسوا على عامة الناس شعائر الإسلام ، فكل أولئك يذكرون الله فيذكرهم الله بلعنته حتى يسكتوا") انتهى من "تصحيح الدعاء" ص-49 .(/2)
رقم السؤال:
105317
العنوان:
إذا قَدَّر المسئولون الزكاة أقل مما يجب
السؤال:
إذا كان ما يجب على صاحب الزرع أكثر مما قدرته لجنة جمع الزكاة ، فهل يلزم صاحب الزرع أن يخرج زكاة الزائد ؟
الجواب:
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال في زكاة الخارج من الأرض : (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) .
فيجب على المرء المسلم أن يخرج هذا القسط مما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض إذا بلغ نصاباً .
وإذا قُدِّر أن الساعي على الزكاة - وهم اللجنة الذين قدروا الزرع وأخذوا زكاته - نقص عن الواقع فإنه يجب على المالك إخراج زكاة ما زاد ، سواءً كان هذا الزائد يبلغ نصاباً أم لم يبلغ ؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوجب سهماً معيناً نسبته كما سبق العشر أو نصف العشر ، فلابد من إخراج هذا الواجب .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/64) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105318
العنوان:
لو أبدلت المرأة ذهبها بذهب آخر ، فهل ينقطع الحول ؟
السؤال:
امرأة عندها ذهب قد بلغ النصاب ، وفي أثناء الحول أبدلت الذهب الذي عندها بذهب آخر ، فهل تبدأ حولاً جديداً للذهب الثاني الذي اشترته ؟
الجواب:
الحمد لله
لا، لا تبدأ له حولاً جديدا ، بل تكمل على حول الذهب الذي كان عندها أولاً .
وذلك لأن القاعدة عند العلماء : أن من أبدل مالاً تجب فيه الزكاة بمالٍ من نفس جنسه لم يبدأ حولاً جديداً ، بل يكمل على حول المال الأول .
فلو أبدل ذهباً بذهب ، أو فضة بفضة ، أو غنم بغنم ، أو إبل بإبل ، أو عروض تجارة بعروض تجارة ، لم ينقطع الحول بذلك ، ويكمل على الحول الأول .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/135) : " إذَا بَاعَ نِصَابًا لِلزَّكَاةِ , مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ بِجِنْسِهِ , كَالْإِبِلِ بِالْإِبِلِ , أَوْ الْبَقَرِ بِالْبَقَرِ , أَوْ الْغَنَمِ بِالْغَنَمِ , أَوْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ , أَوْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ , لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ , وَبَنَى حَوْلَ الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ " انتهى بتصرف .
وقد سئل الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة كان عندها ذهب يبلغ النصاب ، وفي أثناء الحول أبدلته بذهب آخر ، فهل ينقطع الحول ، وتحسب الحول من وقت الإبدال أو لا ينقطع ؟
فأجاب : " لا ينقطع الحول في هذه المسألة ؛ لأن هذه المرأة أبدلت الذهب بجنسه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/45) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105319
العنوان:
لا يجوز خرص غير الثمار
السؤال:
هل يجوز خرص عروض التجارة إذا تعذر إحصاؤها أو شق على التاجر ؟
الجواب:
الحمد لله
معنى الخرص : أن ينظر أهل الخبرة إلى النخل ـ مثلاً ـ بعد ظهور صلاح البلح ، وينظر كم يأتي منه من التمر ؟ ويتم إخراج الزكاة على ذلك ، فهو نوع من الظن والتخمين من غير إحصاء دقيق للمال ، وسبب مشروعية ذلك في الثمار : أن صاحب الثمار قد يحتاج إلى الأكل منها أو الإهداء أو البيع وهي بلح قبل أن تكون تمراً ، وحينئذ لا يمكن تحديد الزكاة ، فأتى الشرع بخرصها دفعاً للحرج والمشقة .
ولم يرد الشرع بخرص شيء من أموال الزكاة إلا الثمار ، لأنها هي التي يصعب أو يتعذر إحصاؤها ، أما غيرها من أموال الزكاة ـ كعروض التجارة ـ فيمكن إحصاؤها .
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين عن خرص عروض التجارة إذا تعذر إحصاؤها أو شق على التاجر ، فأجاب :
" لا يجوز خرصها ؛ لأن الخرص لم يرد إلا في الثمار ، وألحق به بعض العلماء الزروع ، وأما الأموال فلا يمكن خرصها ؛ لأنها أنواع متعددة ، لكن على الإنسان أن يتحرى ما استطاع وأن يحتاط لنفسه ، فإذا قَدَّر أن البضاعة هذه تبلغ مئة وعشرين فليخرج عن مئة وعشرين إبراء لذمته " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/232) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
105320
العنوان:
لا زكاة في الطيور
السؤال:
لدينا في البيت طيور نطعهما ونربيها ، فهل فيها زكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
تجب الزكاة في بهيمة الأنعام ( الإبل ، البقر ، الغنم ) ، وذلك إذا بلغت نصابا وكانت سائمة ، أي ترعى وتأكل مما في الأرض من نباتات ، ولا يتكلف صاحبها شراء علف لها .
وانظر جواب السؤال رقم ( 40156) .
أما غيرها من الحيوانات ، فلا تجب فيها الزكاة ، إلا إذا كانت معدة للتجارة .
فإذا كانت هذه الطيور تربى للتجارة والتكسب فتجب الزكاة في قيمتها في نهاية الحول ، وإذا كانت تربى لغرض أخر غير التجارة ، فلا زكاة فيها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يقوم بعض الناس بتربية الطيور ، فهل عليهم زكاة ؟
فأجاب : " الذين يربون الطيور إذا كانوا يريدون التجارة ، فعليهم الزكاة ؛ لأنها عروض التجارة – أي : أن الإنسان يبيع ويشتري فيها فيتكسب - .
أما إذا كانوا يريدون التنمية يأكلونها أو يبيعون منها ما زاد عن حاجتهم ، فلا زكاة عليهم ؛ لأن الزكاة لا تجب في الحيوان إلا في ثلاثة أصناف : الإبل ، والبقر والغنم فقط ، بشروطها المعروفة " انتهى بتصرف .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/54) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105321
العنوان:
خطبها شاب متدين ورفضه أبوها لأنه غير قبلي
السؤال:
أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة تقدم لي شاب ذو خلق ودين ويصلي وحافظا نفسه ودينه وصليت الاستخارة وارتحت له وموافقة وراضية تمام الرضا به رفضه والدي بحجة أنه ليس بقبلي . تحدثت مع والدي بشأنه وأنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بتقوى الله ، وأني بحاجة للستر والعفاف فقال لي إني إنسانة لا حياء لي إذ إني أسأله الموافقة وأنا بكر لم يسبق لي الزواج ، مع معرفتي أن لا حياء في الدين فضربني ضربا مبرحا ، وقلت له إن الله لا يرضي هذا الظلم وإن الموافقة من حقي ، فقال إن الشريعة لا تجيز تزويج الفتاة من ليس بقبلي حتى لا يحدث بين العائلة مشاكل ، مع العلم أني رافضة للزواج من داخل العائلة بتاتا لكثرة مشاكلهم وعدم تفاهمهم ، وقلت له أن يسأل المشايخ والدعاة إذا كان الحق فيما قال فسأتزوج برأيه وإن كان الحق لي في الاختيار فسأتزوج هذا الشاب.... مع العلم والدي متدين ورفضه فقط حتى لا تحدث مشاكل بين العائلة ، وأنه لن يرضيني أنا ويغضب باقي العائلة 0 فأرجو منكم الرد على الفتوى ، وسيراها والدي ، أرجو نصحكم... جزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفاءةَ شرط في لزوم النكاح ، ثم اختلفوا في الصفات المعتبرة في الكفاءة ، فمنهم من اعتبر النسب ، ومنهم من اعتبر الحرفة والصناعة ، ومنهم من اعتبر اليسار والغنى .
والراجح أن الكفاءة المعتبرة إنما هي في الدين فقط ، فلا يزوج الكافر بالمسلمة ، ولا الفاسق بالعفيفة .
قال ابن القيم رحمه الله مبينا أدلة هذا المذهب: " فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح :(/1)
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات / 13 ، وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات / 10 ، وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) التوبة /71 ، وقال تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) آل عمران/ 195 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض ، إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا ) .
وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوه ، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير . قالوا : يا رسول الله ! وإن كان فيه ؟ فقال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه . ثلاث مرات) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني بياضة : (أنكحوا أبا هند ، وانكحوا إليه . وكان حجاما).
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه ، وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة بن زيد ، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف ، وقد قال الله تعالى : (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) النور/26 . وقد قال تعالى : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) النساء / 3 .(/2)
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا ، فلا تزوج مسلمة بكافر ، ولا عفيفة بفاجر ، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك ، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة ، ولا غنى ولا حرية ، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما ، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات ، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات ، وللفقراء نكاح الموسرات "
انتهى من زاد المعاد 5/144 .
والقول بأن المعتبر في الكفاءة هو الدين فقط يروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ، وبه جزم الإمام مالك ، وهو رواية عن أحمد ، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله .
وينظر :"المغني "(7/27) ، "الموسوعة الفقهية" (34/271) ، "حاشية الدسوقي" (2/249) ، "الفتاوى الهندية" (1/290) ، "تحفة المحتاج" (7/280) ، "كشاف القناع" (5/67) .
فإذا تقدم للمرأة من يرضى دينه وخلقه فإنه لا يرد ، كما جاء في الحديث ، سواء كان قبليا أن غير قبلي .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ومن ذلك أيضاً ما يجري بين الناس الآن من كون القبيلية لا تتزوج بخضيري ، والخضيري لا يتزوج بقبيلية ، والخضيري : هو الذي لا ينتسب لقبيلة من قبائل العرب وأصله من الموالي ، والموالي دخلوا في القبائل وصاروا مندمجين بهم ، لكن لما كان أصله غير قبيلي صاروا يسمونه خضيري والآخر قبيلي ، فمن العادات الباطلة أنه لا يزوج قبيلي بخضيرية ولا خضيري بقبيلية.(/3)
فأما الأول وهو ألا يزوج قبيلي بخضيرية ، فما علمت أحداً من العلماء قال به إطلاقاً ؛ لأن الزوج أشرف نسباً من الزوجة ، الزوج قبيلي ينتسب إلى قبيلة معروفة من العرب ، والزوجة غير قبيلية ، فهذه ما علمت أحداً من العلماء قال: إن القبيلي لا يتزوج بخضيرية ، لكن قال بعض العلماء: إنه لا تزوج القبيلية بخضيري إذا عارض بعض الأولياء ، وإن كان هذا القول مرجوحاً لكنه قد قيل به ، أما الأول فلم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم.
وهذه من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى من أفكار الناس ، ويقال : أليست هذه الخضيرية أو هذا الخضيري أليس حراً ؟ صحيح أن الأمة المملوكة لا يتزوجها الحر بنص القرآن إلا بشروط ، لقوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ) النساء/25 ، لكن امرأة حرة نقول : لا يتزوجها الحر، في دين مَنْ؟ ولهذا كان قول بعض العلماء : إنه لا تزوج القبيلية برجل خضيري إذا عارض بعض الأولياء ، بل غلا بعض العلماء : وقال : لا يصح النكاح أصلاً ، فإن هذه أقوال ضعيفة لا مُعوّل عليها ، فالمؤمنون بعضهم لبعض أكفاء ، المسلمون تتكافأ دماؤهم وتتكافأ أحوالهم ، ولا دليل على التفريق " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 20 .
ثانيا :
إذا تبين هذا فإن وصيتنا للأب أن يفتش عن حال هذا الخاطب فإن كان صالحا مستقيما ، فليزوجه من ابنته ، فإن صاحب الدين هو الذي يحفظها ويرعاها ، إن أحبها أكرمها ، وإن كرهها لم يظلمها .
ولا لوم على الفتاة لو أبدت رأيها ، وبينت رغبتها في قبول الخاطب الذي تراه كفؤا ، فإنها إنما تسعى في الحلال ، وترغب في العفاف .(/4)
وإذا كان التشدد في أمر النسب من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فلا ينبغي للأب أن يلتفت إلى اعتراض بعض أفراد العائلة ، بل قبوله لتزويج غير القبلي ، وقبول غيره لذلك مما يساعد على محو تلك العادة .
وكم جَرَّت هذه العادة على المجتمع من مفاسد ، حتى كثرت العنوسة ، وكثرت حالات الطلاق أيضا ؛ لأن المعول عليه هو أمر القبيلة ، دون نظر في دين الشخص واستقامته ، وقد يتزوج الرجل من لا يرغب فيها ، وتتزوج المرأة من لا ترغب فيه للاعتبار القبلي ، فتحدث المشاكل والقلاقل ، ويكون المصير هو الفراق .
نسأل الله تعالى أن يلهمنا وإياكم الرشد والصواب ، وأن يوفقنا لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
105322
العنوان:
ضرب الأمثلة من القرآن
السؤال:
نسمع كثيراً من الناس يستخدمون الآيات القرآنية لضرب أمثلة أو ما شابه ذلك ، كقوله : (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) الغاشية/7 ، وقوله : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) طه/55 ، ومن تلك الآيات القرآنية الكريمة التي لا يمكن التلفظ بها إلا لما يفيد وينفع ، لا للسخرية والاستهتار ، كالدارج على ألسنة بعض الناس ، وما نسمعه أو نقرأه ، فهل هذا جائز أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
" لا بأس بالتمثيل بالقرآن ، إذا كان ذلك لغرض صحيح ، كأن يقول : هذا الشيء لا يسمن ولا يغني من جوع ، أو يقول : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ، إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض وأنه خُلق منها ويعود إليها ، فالتمثيل بالقرآن إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء فلا بأس به ، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء - كما يقول السائل ، فهذا يعتبر ردة عن الإسلام ، لأن من استهزأ بالقرآن أو بشيء من ذكر الله عز وجل ، فإنه يرتد عن دين الإسلام ، كما قال تعالى : (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة/65، 66 ، فيجب تعظيم القرآن واحترامه ، ولا يمنع هذا أن الإنسان يتمثل به على وجه نزيه ، وعلى وجه طيب ، لا مانع من ذلك ، أما استعماله من باب السخرية والاستهزاء ، فهذا ردة عن الإسلام" انتهى. والله تعالى أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/127) .(/1)
رقم السؤال:
105323
العنوان:
زكاة الأموال التي للناس عند الحكومة
السؤال:
معروف أن صوامع الغلال تستلم محصول القمح والشعير كل عام ثم تقوم بدورها باستقطاع الزكاة وتقوم بتسليم المزارع قيمة المحصول لكن هذه القيمة تبقى لدى الصوامع لعدة سنوات ، فهل تجب فيها الزكاة عن سنة واحدة أم عن كل السنوات الماضية ؟
الجواب:
الحمد لله
لا تجب الزكاة فيما عند الحكومة سواء قيمة زرع أو أجرة أو أي شيء آخر حتى تقبضه ، فإذا قبضته ، فزكه سنة واحدة ، حتى لو بقي عند الدولة خمس أو عشر سنوات أو أكثر زكه سنة واحدة فقط ؛ لأن بقاءه عند الحكومة قد تأخر لظروف لا يستطيع صاحب الحق أن يستوفيه .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" ( 18/ 29) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105324
العنوان:
زكاة السيارات المقسطة
السؤال:
لدي شركة للسيارات ، وأقوم ببيع السيارات بالأقساط كل شهر بكذا ، فكيف تزكى الأموال التي في ذمم الناس ، فبعضها يمكن تحصيلها ، وبعضها مشكوك في تحصيلها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الديون التي في ذمم الناس نوعان :
1 – نوع يكون على شخص مليء باذل بمعنى عنده سيولة ولا يماطل ، بل يدفع متى ما طلب منه ، فهذا ديونه بمنزلة الأرصدة المحفوظة في البنك ، تزكى كل عام بنسبة 2.5% .
2 – نوع يكون على شخص فقير أو مماطل ويشك في تحصيلها منه ، فهذه لا تزكى إلا بعد قبضها لسنة واحدة .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (1117) .
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : أعمل في بيع السيارات بالتقسيط ، فمثلاً أبيع سيارة بخمسين ألف ريال ، كل شهر ألف وخمسمائة ريال حتى نهاية ثمنها ، فكيف أزكي ثمن السيارة ؟ وهل أزكي الأقساط التي ترد إلي إذا حال عليها الحول أم أقوم بزكاة ثمن السيارة قبل حلول أقساطها ؟ حيث إنني لا أملك ثمن السيارة المباعة ، وإنما يأتي إلي على أقساط شهرية ؟ هل الدين الذي لي على شخص إلى وقت معلوم فيه زكاة ؟
فأجاب : " إذا جاء حول الزكاة فأحص ما عندك من النقود وأموال التجارة والديون التي عند الناس وزكها كلها .
مثال ذلك : أن يكون عندك مئة ألف ريال نقد ، وأموال تجارة تساوي مئة ألف ، ولك ديون على الناس تبلغ مئة ألف ، فهذه ثلثمائة ألف فعليك زكاتها كلها ، لكن الديون إن شئت زكيتها كل سنة مع مالك ، وإن شئت أخرت زكاتها حتى تقبضها ، ثم تزكيها لما مضى من السنوات ، إلا إذا كان الدين على معسر لا يستطيع الوفاء فإنك تزكيه سنة واحدة هي سنة قبضه ولو كان بعد سنوات كثيرة " انتهى بتصرف .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/224) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105325
العنوان:
حكم العمل في تصميم المواقع
السؤال:
أعمل في تصميم المواقع ، علماً بأن المواقع التي أصممها لا تحتوي على صور نساء ، ولا صور مخلة بالآداب الشرعية ونحوها ، ولا أدخل لتصاميمي الموسيقى أو الأغاني ، فقط أقوم بتصميم شكل الموقع ، هل علي شيء في ذلك ؟ والمال الذي أكسبه حلال أم حرام ؟ وهل علي إثم إذا قام بعد ذلك العميل الذي قمت بتصميم الموقع له بوضع أشياء محرمة في موقعه من أغاني وصور ونحوها ؟ وهل هناك حرج في إدخالي على التصميم صور الأطفال؟.
الجواب:
الحمد لله
هذه من المسائل التي عم بها البلاء اليوم ، نتيجة انتشار المعاصي ، فتنوعت أساليب المحرمات وأدواتها ، فلم يكد يسلم باب إلا وللشيطان فيه مدخل ، حتى اختلط على المسلمين أمرهم ، ولحقتهم المشقة في تحري الحلال واجتناب الحرام ، والله سبحانه وتعالى حسيب المتقين ، وكافي عباده المؤمنين ، يرى منهم حبهم لطاعته وكرههم لمعصيته ، وسيكافئهم بإذنه مغفرة وعفوا ورضوانا وإحسانا .
وفي قواعد البيع والإجارة الجائزة في الشريعة الإسلامية : كونها مما لا يُعصى الله تعالى بها ، فلا تكون عوناً على معصية ، ولا تؤدي إلى وقوعٍ في محرم ؛ فالشريعة إذا حرمت شيئا، حرمت كل ما يؤدي إليه ويعين عليه ، وأمرت بسد كل طريق يوصل إليه .
قال الله عز وجل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ، ثم إعانة غيره على تركه" انتهى.
"تفسير السعدي" ( ص 218 ) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" ( 3 / 140 ) :(/1)
"لا يصح عند جمهور الفقهاء بيع العنب لمن يتخذه خمرا , ولا بيع بندق لقمار , ولا دار لتعمل كنيسة , ولا بيع الخشبة لمن يتخذها صليبا , ولا بيع النحاس لمن يتخذه ناقوسا . وكذلك كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز" انتهى .
فإذا تيقن البائع أو المصمم أو المنتج أن ما صممه سيُستعمل في الحرام : فلا يجوز أن يبيعه أو ينتجه ، وكذا الحكم إذا غلب على ظنه وإن لم يتيقن .
أما إن شك في الأمر ، أو لم يعلم شيئا عن مآل استعمال ما سيبيعه وينتجه : فلا حرج عليه من بيعه وتصميمه ، والإثم على من يستعمله في الحرام .
قال ابن حزم رحمه الله :
"ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا : كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمراً ، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته ، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين ، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .
والبيوع التي ذكرنا : تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى .
فإن لم يوقن بشيء من ذلك : فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه (يعني: الإثم على المشتري فقط لا على البائع)" انتهى .
"المحلى" ( 7 / 522 ) .
وكذلك الحكم بالنسبة لك أخي السائل :
من جاءك وقد علمت أنه يريد تصميم موقع ليستعمله في الحرام : كالبنوك الربوية أو الصور الإباحية أو بيع المحرمات من خمر وخنزير ودخان أو مواقع الأفلام والموسيقى : فلا يجوز لك تصميم الموقع له ، ولا يحل لك إعانته على المنكر الذي يريد ، بل الواجب عليك نصحه وإرشاده وتذكيره بتقوى الله عز وجل .(/2)
أما إن لم تعلم شيئاً عن سبب طلب تصميم الموقع ، أو كان الغالب استعمال الموقع في المباحات والأشياء النافعة : فلا حرج عليك من تصميمه وبيعه ، ولو خلط صاحبه في استعماله بعض الحرام : فالأحكام الشرعية تبنى على الغالب وليس على القليل النادر .
وانظر إجابات الأسئلة : ( 22756 ) و ( 95029 ) و ( 98062 ) .
وأما حكم إدخال صور الأطفال على المواقع التي تصممها فلا يجوز ذلك ، وقد سبق أن بينا تحريم التصوير ، سواء كان مرسوما باليد أو ملتقطاً بالآلة (الكاميرا الفوتوغرافية) ، ولا يستثنى من هذا التحريم إلا ما تتعلق به حاجة أو ضرورة ، كصور جواز السفر ونحو ذلك مما يحتاج إليه . وانظر جواب السؤال (20325) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
105326
العنوان:
حرق أوراق المصحف الذي تمزق
السؤال:
هل يجوز حرق أوراق من المصحف الشريف إذا خيف عليها الامتهان؟
الجواب:
الحمد لله
نعم، إذا تمزَّق المصحف وخُشي عليه من الامتهان وأصبح في حالة لا يمكن الانتفاع به والقراءة فيه ، فلا بأس أن يُحرق أو أن يُدفن في أرض طاهرة ، لأنَّ كلاً من الأمرين فعله الصحابة رضي الله عنهم فقد دفنوا المصاحف ، وكذلك حرَّقوا المصاحف لمَّا جمعوا النَّاس على مصحفٍ واحد ، وهو مصحف عثمان رضى الله عنه ، حرَّقوا ما عداه من بقية المصاحف.
فالمصحف إذا كان في حالةٍ لا يُمكن الانتفاع به لتمزقه ، فإنَّه إمَّا أن يُدفن في مكان طاهر ، وإمَّا أن يُحرق ، وكلا الأمرين فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/127) .(/1)
ID=22750
Ref=83022
Submitted=2005-12-13 05:28:43
Lang=ara
IP=212.138.47.29
Name=أبو علي
Email=nr404@hotmail.com
Gender=0
Age=32
Country=السعودية
Language=Arabic
Profession=موظف Private=0
Religion=مسلم
Direct=1
Question=
هل الكي بالكهرباء مثل الكي بالنار وينافي التوكل ؟
سؤالي هو : هل الكي بالنار يأخذ حكم الكي بالكهرباء ، فيمن يرجو أن يكون في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ؟
الجواب :
الحمد لله
جاء في الصحيحين من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) رواه البخاري (6472) ومسلم (218) واللفظ له .
وهذا يدل على أن الاكتواء و طلب الرقية مما ينافي التوكل .
وقد اختلف أهل العلم في العلة التي لأجلها كان الاكتواء منافيا للتوكل ، وأظهر أقوالهم : أن الاكتواء فيه تعلق بغير الله وتذلل له فنافى التوكل .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " (ولا يكتوون ولا يتطيرون ) : 1 - لقوة اعتمادهم على الله . 2 - لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله . 3 - ولما في ذلك من التعلق بغير الله .
وقوله : ( ولا يكتوون ) ، أي : لا يطلبون من أحد أن يكويهم .
ومعنى اكتوى : طلب من يكويه ، وهذا مثل قوله : ( ولا يسترقون ) .
أما بالنسبة لمن أعد للكي من قبل الحكومة ، فطلب الكي منه ليس فيه ذلك ؛ لأنه معد من قبل الحكومة يأخذ الأجر على ذلك من الحكومة ، ولأن هذا الطلب مجرد إخبار من الطالب بأنه محتاج إلى الكي ، وليس سؤال تذلل " انتهى من "شرح كتاب التوحيد" انتهى .(/1)
والذي يظهر أنه لا فرق بين الكي بالنار والكي بالكهرباء ، فينبغي ترك ذلك إلا عند الحاجة الماسة إليه .
قال ابن القيم رحمه الله : " فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع : أحدها : فعله ، والثاني : عدم محبته له ، والثالث : الثناء على من تركه ، والرابع : النهي عنه . ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى فإنّ فعله يدل على جوازه ، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه ، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل . وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء والله أعلم" انتهى من "زاد المعاد" (4/64).
فإذا احتاج الإنسان للكي ، فليفعله متوكلا على الله ، معلقا قلبه به وحده ، معتقدا أن الكي نوع من الدواء ، جعله الله سببا للشفاء ، فإذا سلم قلبه من التعلق والتذلل لغير الله تعالى ، فيرجى أن يدخل في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، جعلنا الله وإياك منهم ، بمنّه وكرمه سبحانه .
والله أعلم .
الطب والتداوي(/2)
رقم السؤال:
105329
العنوان:
خطيب الجمعة يقرأ في الصلاة بما يناسب موضوع الخطبة
السؤال:
بعض الخطباء لا يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية ، وإنما يختار من القرآن الكريم ما يناسب موضوع الخطبة ، فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي للمسلمين عموماً أن يعظموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحرصوا عليها علماً وعملاً ، فإن هذا هو دليل صدق محبتهم لله تعالى ، وسبب فوزهم بمحبة الله لهم ، قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/31 .
فإذا كان المسلم صادقاً في محبته لله تعالى ظهر ذلك في اتباعه النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء .
وخطيب الجمعة أولى بالتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فالناس يقتدون به ، والواجب أن يتلقى الناس سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلموها .
وكيف يمكن لهذا الخطيب أن يأمر الناس باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمها ، ثم ينزل من على المنبر ، ويعلن بمخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم !
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي : "سبح اسم ربك الأعلى" و "الغاشية" أو يقرأ بسورتي : "الجمعة" و "المنافقون" .
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يختار آيات من القرآن مناسبة لموضوع الخطبة ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
أفيظن ذلك الخطيب ـ أو غيره ـ أنه أهدى من النبي صلى الله عليه وسلم!
أو علم لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم!
فهذا التصرف من الخطيب : بدعة ، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :(/1)
"لكن هنا مسألة بعض الأئمة يفعلونها : إذا خطب خطبة قرأ في الصلاة الآيات المناسبة لها ، هذا يقال عنه : إنه بدعة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملازماً لقراءة سبح والغاشية ، أو الجمعة والمنافقون ، ولم يكن يراعي موضوع الخطبة" انتهى .
"لقاءات الباب المفتوح" (155/18) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد :
"رتب النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة صلاة الجمعة ثلاث سنن : قراءة سورتي الجمعة والمنافقون ، أو سورتي الجمعة والغاشية ، أو سبح والغاشية .
وقد فشى في عصرنا العدول من بعضهم عن هذا المشروع إلى ما يراه الإمام من آيات ، أو سور القرآن الكريم متناسباً مع موضوع الخطبة .
وهذا التحري لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يعرف عن سلف الأمة ، فالتزام ذلك بدعة ، وهكذا قصد العدول عن المشروع إلى سواه على سبيل التسنن ، فيه استدراك على الشرع ، وهجر للمشروع ، واستحباب ذلك ، وإيهام العامة به ، والله أعلم" انتهى.
"تصحيح الدعاء" (ص 319) .(/2)
رقم السؤال:
105330
العنوان:
مشروعية الصلاة على الملائكة
السؤال:
هل تجوز الصلاة على الملائكة لفضلهم ورفعة قدرهم ؟
الجواب:
الحمد لله
"الصلاة على الملائكة مشروعة أن تقول : عليهم الصلاة والسلام ، وتقول: عليهم السلام ، لأنهم عبادٌ مكرمون، وهم خلق من خلق الله فضلهم الله وسبحانه وتعالى ، على غيرهم كما قال تعالى في حقهم : (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) الأنبياء/ 26 ، وكما قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ) الانفطار/10،11 ، وقال تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ) عبس/15،16 ، إلى غير ذلك ، فهم لهم قدرهم ولهم فضلهم وشرفهم ويُشرع الصلاة عليهم، لا مانع من ذلك ، بل هذا مشروع" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52) .(/1)
رقم السؤال:
105331
العنوان:
الاقتراض بالربا لشراء منزل للزواج
السؤال:
أبلغ من العمر 33سنة وأريد إكمال نصف ديني لكني لا أملك سكنا مع العلم أني أعمل والحمد لله . أنا بحاجة ماسة للمال من أجل شراء سكن ولم أجد سبيلا سوى أن ألجأ للبنوك من أجل الحصول على قرض بنكي مع العلم أن بنوكنا تتعامل بالربا أي بفائدة ، فهل أقوم باقتناء هذا القرض أم أصبر ؟ السؤال الثاني في نفس الموضوع وهو لصديق لي متزوج ويسكن في سكن وظيفي تابع لدولة أي سيأتي زمن ويقوم بتسليم السكن للدولة . السؤال : هل يجوز له اقتراض قرض من أجل شراء سكن يؤوي الزوجة والأولاد ؟
الجواب:
الحمد لله
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا ، لما جاء في الربا من الوعيد ، كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278 ، 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ .
وهذا الاقتراض محرم ، ولو كان لشراء منزل للسكنى ، وانظر جواب السؤال رقم : (21914) ورقم (22905)(/1)
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يحرم الربا حيث وجد ، وبأي صورة على الطرفين ، الطرف المرابي والطرف المقترض، على الإطلاق؟ أم يحرم فقط على الطرف المرابي دون الطرف المقترض ، وإن لم يكن هناك جناح ولا وزر على الطرف المقترض فهل هذا مشروط بالحاجة لهذا المال ، وعدم الاستطاعة والفقر ، أم ليست الحاجة شرطا فيه ؟ فإذا كان يجوز لمن كانت به حاجة فهل يجوز لمن لم تكن به حاجة شديدة الاقتراض من بنك يتعامل بالربا بفائدة سنوية مشروطة 15% في السنة مثلا، حيث يستطيع العمل في هذا المال ، وتحقيق ربح أكبر من الفائدة المشروطة ، 50 % في السنة مثلا ، وبذلك يحقق ربحا من خلال الفرق بين الفائدة المشروطة وبين الربح الذي حصل عليه من خلال عمله في المال المقترض 35% تبعا للمثال المضروب ، أم لا يجوز؟
فأجابت :(/2)
"أولا : يحرم الربا حيث وجد ، وبأي صورة كان ، على صاحب رأس المال ، ومن اقترض منه بفائدة ، سواء كان المقترض فقيرا أم غنيا ، وعلى كل منهما وزر ، بل كل منهما ملعون ، ومن أعانهما على ذلك ، من كاتب وشاهد ملعون أيضا ؛ لعموم الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على تحريمه ، قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) الآيات ، وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) رواه مسلم في صحيحه . . . وروى الإمام أحمد والبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء ) ، وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء ) رواه مسلم .(/3)
وورق البنكنوت في الوقت الحاضر حل محل الذهب والفضة في الثمنية ، فكان الحكم فيه كالحكم فيهما ، فالواجب على كل مسلم الاكتفاء بما أحل والحذر مما حرم الله عز وجل ، وقد وسع الله على المسلمين أبواب العمل في الحياة لكسب الرزق ، فللفقير أن يعمل أجيرا أو متاجرا في مال غيره مضاربة بنسبة من الربح كالنصف ونحوه ، لا بنسبة من رأس المال ، ولا بدراهم معلومة الربح ، ومن عجز عن العمل مع فقره ؛ حلت له المسألة والزكاة والضمان الاجتماعي .
ثانيا: ليس لمسلم سواء كان غنيا أو فقيرا أن يقترض من البنك أو غيره بفائدة ، 5% أو 15% أو أكثر أو أقل ؛ لأن ذلك من الربا ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد أغناه الله عن ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلال كما تقدم ، من العمل عند أرباب الأعمال أجيرا أو الانتظام في عمل حكومي مباح ، أو الإتجار في مال غيره مضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح كما تقدم .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/268).
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي... عبد الله بن غديان... عبد الله بن قعود
فنوصيك أخي بالصبر والاكتفاء بالإيجار ، إلى أن يوسع الله عليك ، وكذلك نوصي صديقك ، فإن الربا أمر عظيم ، وعاقبته وخيمة ، نسأل الله لنا ولكم العافية .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
105332
العنوان:
الاستعاذة في أول الخطبة أو المحاضرة
السؤال:
بعض الناس إذا أراد أن يتكلم في خطبة أو موعظة أو ندوة يبدأ الكلام بـ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
لا تشرع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في بداية كلام إلا القرآن الكريم فقط ، قال الله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98 .
فلا يستحب للخطيب أو المحاضر أن يبدأ كلامه بالاستعاذة ، إلا إذا كان هناك سبب يقتضي ذلك ، كما لو وسوس له الشيطان ، وألقى في نفسه شيئاً من الكبر أو العجب ونحو ذلك ، فلا بأس بالاستعاذة حينئذ لهذا السبب ، ولا تكون الاستعاذة من أجل بداية الكلام ، قال الله تعالى : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت/36 .
وقال الشيخ بكر أبو زيد :
"لا تشرع الاستعاذة بين يدي كلام محبوب غير قراءة القرآن العظيم ؛ لهذا فبدء بعض المتسننة عند بدء حديث أو كلام وعظ ، ونحوه ، بالاستعاذة ، لا أصل له ، هذا مقتضى ما نَبَّه عليه ابن القيم رحمه الله تعالى في سياق فوائد الاستعاذة ؛ إذ قال : (ومنها : أن الاستعاذة قبل القراءة إعلام بأن المأتي به بعدها القرآن ؛ ولهذا لم تشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره ، بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة ، فإذا سمع السامع الاستعاذة استعد لسماع كلام الله تعالى ، ثم شُرع ذلك للقارئ ، وإن كان وَحْدَه ؛ لما ذكرنا من هذه الحكم وغيرها)" انتهى .
"تصحيح الدعاء" (ص273) .(/1)
رقم السؤال:
105333
العنوان:
اشترى أرضا للتجارة ولم يستلمها فهل عليه زكاة؟
السؤال:
رجل اشترى أرضاً للتجارة بمبلغ من المال ، علماً بأن هذا الرجل لم يستلم الأرض حتى الا?ن ، ولا حتى صكها ، فهل عليها زكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
" نعم ، عليه الزكاة في هذه الأرض ، ولو لم يستلم الصك ، ما دام البيع قد ثبت ولزم ، فيزكيها زكاة عروض تجارة ، فيقومها حين وجوب الزكاة بما تساوي ، ويخرج ربع عشر قيمتها " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/234) .(/1)
رقم السؤال:
105334
العنوان:
إذا كسدت الأرض ، فهل فيها زكاة؟
السؤال:
اشتريت أرضاً ، وفي نيتي بيعها إذا ارتفع سعرها ، ولكن الأرض كسدت ونزل سعرها ، وقد بقيت الأرض عندي مدة عشرة سنوات ، ولم ترتفع ، فهل علي زكاة فيها ؟
الجواب:
الحمد لله
الأرض التي اشتراها صاحبها بقصد بيعها بعد فترة إذا ارتفع سعرها ، تجب فيها الزكاة لأنها من عروض التجارة .
وعروض التجارة تُقَوَّم عند تمام الحول بالثمن الذي تساويه ، بصرف النظر عن الثمن الذي اشتريت به ، وتخرج زكاتها ، ومقدار الواجب فيها من الزكاة ربع العشر .
وانظر جواب السؤال رقم (38886 ) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عندي قطعة أرض وأنا أنتظر ارتفاع أسعار الأراضي لبيعها وبقيت عدة سنوات ، فهل أخرج عنها زكاة ؟
فأجاب : " من اشترى أرضاً للربح ثم كسدت الأرض ورخصت وأبقاها لحين ارتفاع السعر فإنه يزكيها كل سنة ؛ لأنها من عروض التجارة ، وإن لم يكن عنده مال يخرج زكاتها ولا يجد مشترياً ، فيقدر ثمنها عند وجوب الزكاة ويقيد زكاتها ، وفي السنة الثانية يقدر زكاة قيمتها ، ثم الثالثة كذلك ، فإذا باعها في أي وقت يخرج جملة الزكاة التي قدرها " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (18/225) .
وسئل أيضاً : عن شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة ، هل عليها زكاة ؟
فأجاب : " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت ، وسواء نَفَقت أو كسدت ، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قَيَّد الزكاة في كل سنة بسنتها ، وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105335
العنوان:
أخذ الأجرة على أداء الشهادة
السؤال:
ما حكم من أعطى إنساناً شهد له على حق ، أو ساعده في قضية صحيحة ، فأعطاه مبلغاً من المال علماً أن الشاهد أو الذي ساعده على الحق ، لم يشترط أي شيء؟
الجواب:
الحمد لله
"أداء الشهادة لا يجوز أخذ العوض (الأجرة) عليه ، لأن الشهادة يجب أداؤها على من هي عنده لله سبحانه وتعالى ، لأجل بيان الحق وإزالة الظلم ، قال تعالى : ( شُهَدَاءَ لِلَّهِ ) النساء/135 ، وقال تعالى : ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) الطلاق/2 ، لا لأجل مطمع دنيوي ، وقال تعالى : ( وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) البقرة/283 .
الذي عنده شهادة بحق يجب عليه أداؤها بدون مقابل وبدون أخذ عوض ، لأن هذا عبادة أمر الله تعالى بها في قوله : ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) الطلاق /2 ، وقوله : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّه ) النساء/135.
وأما من أعانك في خصومة ، أو في قضية ، فهذا إذا كان أعانك بمعنى أنه خاصم عنك ، وتولى الخصومة وكيلاً ونائباً عنك ، فلا مانع أن تعطيه شيئاً من المال مقابل تعبه ، ومن ذلك ما يتقاضاه المحامون، الذين ينوبون عن المدعين ويخاصمون عنهم ويذهبون ويجيئون ، فيأخذون في مقابل أتعابهم ، لأنهم وكلاء عمن له قضية ، أما الشهادة فلا يجوز أخذ مال عنها بحال .
كذلك الحاكم الذي يحكم بين الناس ، لا يجوز له أن يأخذ على حكمه شيئاً منه ، وإذا أخذ فهذا هو الرشوة التي حرمها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع العلماء على تحريمها، إنما كما ذكرنا يجوز للوكيل أو النائب في الخصومة أن يأخذ في مقابل تعبه، إذا شرط هذا، أو أراد من له قضية أن يرضيه بشيء من تعبه ، والله أعلم" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/80) .(/1)
رقم السؤال:
105336
العنوان:
اتصال الجن بالإنس
السؤال:
هل هناك اتصال حقيقة للإنس بالجن ، وهل صحيح ما يُقال بأن هذا الشخص لبسه جن فأصبح هذا الجني يتكلم على لسانه أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
"نعم ، ثابت أن الجن يصرعون الإنس ، ويصيبونه ، والله تعالى يقول في المرابين : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) البقرة/275 .
أي : لا يقومون من قبورهم عند البعث ، إلا كقيام المصروع الذي أصابه الجن وخالطوه ، وذلك أن المرابي والعياذ بالله يتضخم بطنه ، فإذا أراد القيام فإنه يسقط ، وكلما أراد القيام يسقط فضيحة له بين الخلق ، فهو يشبه المصروع الذي أصابه الجن والشياطين ، وهذا دليل على إصابة الجن الإنس ، وهذا شيء ثابت ومعروف بالتجربة والحس ، الجن يخالطون الإنسي ويُخبلونه ويصيبونه ، إما لأن الإنسي قد ضرهم وهم يريدون الانتقام منه ، وإما لأنهم يعبثون به ، أو لغير ذلك من الأغراض التي يريدونها .
والحاصل : أن إصابة الجن للإنس بالصرع ثابت ، ويدل عليه القرآن ، ويدل عليه التجربة والمشاهدة ولا يُنكر هذا إلا جاهل.
وأفضل وسيلة للعلاج من هذا ، قراءة القرآن الكريم على المصاب ورقيته بالأدعية الواردة ، ويزول ما فيه بإذن الله تعالى .
وأما ما يفعله بعض المشعوذين أو الدجالين في هذا الوقت من عمل ، كوصف بعض الأدعية ، وبعض المشروبات ، مدعين بذلك أنهم يخرجون هذا الجني من جسد الإنسان : فالأصل في هذا أنه محرم لا يجوز العلاج بمثل هذه الأمور إلا بالأدعية القرآنية ، والأدعية النبوية " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52) .(/1)
رقم السؤال:
105339
العنوان:
بيع العينة
السؤال:
ما معنى بيع العينة ؟
الجواب:
الحمد لله
بيع العينة هو :
أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ، ثم يشتريها مرة أخرى نقدا بثمن أقل .
فتكون الصورة النهائية حصول النقد للمشتري ، وسوف يسدده بأكثر منه بعد مدة ، فكأنَّه قرضٌ في صورة بيع .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/96) :
" للعينة المنهيّ عنها تفسيرات ، أشهرُها : أن يبيع سلعةً بثمن إلى أجل معلوم ، ثمّ يشتريها نفسها نقداً بثمن أقلّ ، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثّمن الأوّل ، والفرق بين الثّمنين هو رباً ، للبائع الأوّل . وتؤول العمليّة إلى قرض عشرة ، لردّ خمسة عشر ، والبيع وسيلة صوريّة إلى الرّبا " انتهى .
ولظهور الحيلة الربوية في هذا النوع من البيوع ، ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى تحريمه والمنع منه . حتى قال محمد بن الحسن الشيباني في إحدى صور العينة – كما في "فتح القدير" (7/213) - : هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ، اخترعه أَكَلَةُ الربا .
وقد دل على تحريم بيع العينة ما رواه ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ) .
رواه أبو داود (3462) وصححه الطبري في "مسند ابن عمر" (1/108) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/30) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/11).
وقد عقد الإمام عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (8/184) بابا قال فيه :
" باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد اشتراءها بنقد :(/1)
أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته : أنها دخلت على عائشة في نسوة ، فسألتها امرأة فقالت : يا أم المؤمنين ! كانت لي جارية ، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى أجل ، ثم اشتريتها منه بستمائة ، فنقدته الستمائة ، وكتبت عليه ثمانمائة ، فقالت عائشة : بئس والله ما اشتريت ! وبئس والله ما اشترى ! أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ، فقالت المرأة لعائشة : أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل ، قالت : ( من جاءه موعظة من ربه فانتهى ) الآية ، أو قالت : ( إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ) الآية " انتهى .
قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التعليق" (2/558) : إسناد جيد . وصححه الزيلعي في "نصب الراية" (4/16)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/223) :
" مثال بيع العينة : أنا بعت على زيد سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة ، ثم إني اشتريتها من هذا الرجل بثمانية عشر ألفاً ، فهذا حرام لا يجوز ؛ لأنه يتخذ حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعاً صورياً بعشرين ألفاً ، ثم أعود فأشتريها بثمانية عشر ألفاً نقداً ، فيكون قد أخذ مني ثمانية عشر ألفاً وسيوفيني عشرين ألفاً وهذا ربا ، فهذا لا يجوز ؛ لأنه حيلة واضحة ، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( دراهم بدراهم وبينهما حريرة ) ، وهذه تسمى مسألة العِينة ؛ لأن الرجل أعطى عيناً وأخذ عيناً ، والعين : النقد ؛ الذهب والفضة .
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثاً ، فالمحرم خبيث ، فإذا احتلت عليه صار أخبث ؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عزّ وجل ، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية ، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى باختصار .(/2)
وفي كتب الفقهاء توسع في ذكر صور تلحق بالعينة ، وضوابط لتحريم هذا البيع يمكن في مراجعتها في هذه المراجع : "بدائع الصنائع" (5/198) ، "مواهب الجليل" (4/391) ، "الأم" (3/78) ، "إعلام الموقعين" (3/166)
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (98124) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105340
العنوان:
تركت الصلاة وهي مريضة لأنها كانت ممنوعة من الحركة
السؤال:
قريبة لي لم تصل وهي في المستشفى لأنها أجرت عملية في الرحم وكانت ممنوعة من الحركة عن السرير بسبب ما كان على جسدها من أجهزة ، ماذا تفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
قريبتك التي لم تصل بعد إجراء العملية ، قد أخطأت خطأ كبيرا ، فإن الصلاة لا يجوز تركها بحال ما دام عقل الإنسان معه ، وكان عليها أن تصلي مستلقية على ظهرها ، ولو بلا وضوء أو تيمم أو استقبال للقبلة ، كما سبق . ولربما وجدت من يوضئها أو ييممها لو أرادت ذلك .
والواجب عليها الآن أن تقضي ما فاتها من الصلوات ، مع التوبة والاستغفار ، والعزم على عدم العود لذلك .
ويلزمها قضاء تلك الصلوات على الفور ، حسب الاستطاعة ، فتشرع في صلاة ما فاتها بمجرد بلوغها الحكم ، وترتب الأوقات بالنية ، فتصلي الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء عن اليوم الأول ، ثم عن اليوم الثاني ، ولا يجوز تأخير قضاء هذه الصلوات .
فإن شق عليها صلاتها متتابعة في وقت واحد ، فلتصل ما تستطيع ثم تستريح ساعة أو ساعتين ثم تكمل ما عليها من الصلوات . . وهكذا حتى تقضي جميع ما عليها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مريض أجرى عملية جراحية ففاتته عدة فروض من الصلوات ، فهل يصليها مجتمعة بعد شفائه ؟ أم يصليها كل وقت مع وقته كالظهر مع الظهر وهكذا ؟
فأجاب : " عليه أن يصليها جميعا في آن واحد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر في غزوة الخندق صلاها قبل المغرب ، وعلى الإنسان إذا فاتته بعض فروض الصلاة أن يصليها جميعا ولا يؤخرها" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/222).
ووفقنا الله وإياكم للطاعة والإنابة ، ورزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105341
العنوان:
حكم تأجير صالة الأفراح لمن يقيم فيها احتفالا مختلطا
السؤال:
ما حكم تأجير صالات الأفراح ، مع أن بعض الحفلات تكون غير منضبطة بأحكام الشرع ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز تأجير صالات الأفراح لمن يقيم بها حفلات مشتملة على المعاصي ، كالاختلاط بين الرجال والنساء ، أو الأغاني والمعازف المحرمة ، ونحو ذلك من المعاصي ، لقول الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم تأجير البيت لمن يستعمله في معصية الله .
قال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبده المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال الله تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع " انتهى بتصرف .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/228) : " لما كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجل معلوم , اشتُرط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع , وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعي , بأن تكون محرمة كالخمر وآلات اللهو ولحم الخنزير . فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرض غير مشروع , كأن يتخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب القمار , أو أن يتخذه كنيسة أو معبدا وثنيا . ويحرم حينئذ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها , وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية " انتهى.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105343
العنوان:
أجر مرافق المريض
السؤال:
أرجو أن تساعدوني في هذه القضية , حيث إني بحثت في النت عن أدلة لفضل مرافق المريض ، أو الذي يقوم بعنايته ، وأريد بعض القصص ، أو ما هو الأجر المنتظر لمرافق المريض .
الجواب:
الحمد لله
إن من أزكى الأعمال عند الله تعالى ، وأحبها إلى الرحمن ، وأعلاها شرفا ، وأكرمها مروءة ، الإحسانَ إلى الضعيف والمريض والقيامَ على حوائجهم وشؤونهم .
عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه ، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) رواه مسلم (2699) .
ومُرافق المريض والقائمُ على رعايته والعناية به قد أحسن إليه بخدمته ورعايته ، والله تعالى يقول : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195 .
وإعانة المريض وخدمته صدقة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ) رواه مسلم (1009) .(/1)
وكذلك إذا أعان الرجلَ نفسَه ، فحمله أو أعانه في مشيه أو نومه أو دوائه .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : ( أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا )
رواه الطبراني ( 12 / 453 ) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 955 ) .
ولما مرضت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عندها ليمرضها ، وتخلف عن معركة بدر ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ ) رواه البخاري (4066) .
ومرافق المريض لابد أن يتصف بالصبر ، لما يتكبده من مشقة في سهره ، ومراقبته وملاطفته للمريض ، والله تعالى يقول : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10 ولابد أن يكون رحيماً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) رواه أبو داود (4941) والترمذي (1924) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .(/2)
وروى ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" (ص/48) عن الحسن البصري قال : ( لأن أقضى لمسلم حاجة أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة ) .
وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" (232) :
" وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك ، منهم عامر بن عبد قيس وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما ، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان ، وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره فيشترط عليهم أن يخدمهم ، فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له : هذا مِن شَرطي فيغسله ، وإذا رأى مَن يريد أن يغسل رأسه قال : هذا مِن شرطي فيغسله ، فلما مات نظروا في يده ، فإذا فيها مكتوب : " مِن أهل الجنة " فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم " انتهى .
فهنيئا لمن وفقه الله تعالى لتقديم يد العون إلى الضعيف والمريض والمحتاج ، وهنيئا لمن يبذل عمره ووقته وجهده في صنائع المعروف ، ونرجو أن يعامله الله بالرحمة والعفو والرضوان .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105346
العنوان:
هل يحضر نتيجة الاختبار لطالب في كلية الحقوق؟
السؤال:
إحضار نتيجة لطالب في كلية حقوق هل هذه مساعدة علي الإثم ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز إحضار نتيجة الإختبارات لطالب في كلية الحقوق ؛ لأن الدراسة فيها ليست متمحضة للحرام ، فقد يدخلها من يريد معرفة القوانين ومقارنتها بأحكام الشريعة ، أو للتوصل إلى العمل المنضبط في المحاماة لإحقاق الحق ونصرة المظلوم .
وعليه ؛ فلا حرج في مساعدة هذا الطالب بإحضار النتيجة له ، ما لم يتبين أنه يريد الدراسة لغرض محرم .
وينظر جواب السؤال رقم (9496) .(/1)
رقم السؤال:
105359
العنوان:
قراءة الوِرْد وأذكار الصباح والمساء على غير وضوء
السؤال:
هل يجوز أن أقرأ دعاء المساء والصباح والوِرْد على غير وضوء ؟
الجواب:
الحمد لله
" يجوز قراءة الوِرْد ودعاء الصباح والمساء على غير وضوء ؛ لقول عائشة : (كان رسول الله يذكر الله على كل أحيانه) .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/233) .(/1)
رقم السؤال:
105363
العنوان:
رش القبر بالماء بعد الدفن
السؤال:
ما حكم رش القبر بالماء بعد الدفن بحجة أنه يمسك التراب ؟ وهل هو يبرد على الميت ؟
الجواب:
الحمد لله
" لا بأس أن يرش ؛ لأن الماء يمسك التراب فلا يذهب يميناً ويساراً .
أما ما يعتقد العامة من أنهم إذا رشوا برّدوا على الميت فإن هذا ليس له أصل " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/194) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
105365
العنوان:
دفن الحيوان بعد موته
السؤال:
أود أن أسألكم عن الهوام ، مثل الحية ، وغيرها من الهوام ، إذا قدرني الله عليها وقتلتها ، هل أقوم بدفنها ، أو أتركها مكشوفة على الأرض ؟
الجواب:
الحمد لله
" الأمر في ذلك واسع ؛ لأنه لم يرد في الشرع نص يدل على مشروعية دفنها ، ولا على النهي عن ذلك ، والأولى دفنها لئلا يتأذى بها أحد .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز .. الشيخ عبد الرزاق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/444) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
105367
العنوان:
خروج المرأة للتعزية
السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تخرج للتعزية مع أخواتها ، أو أحد محارمها ؟
الجواب:
الحمد لله
" يجوز للمرأة أن تخرج للتعزية المشروعة إذا لم يوجد في خروجها محاذير أخرى ، كتعطر وتبرج ونحو ذلك ؛ مما يسبب الفتنة لها أو بها .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/131) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
105379
العنوان:
حكم قول : جزاك الله ألف خير
السؤال:
ما حكم قول : جزاك الله ألف خير؟ هل هو من المناهي اللفظية؟
الجواب:
الحمد لله
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكافأة من أحسن إلينا ، فإن لم نجد فإننا ندعو الله له : جزاك الله خيرا .
روى أبو داود (1672) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (1617) .
وروى الترمذي (2035) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
( فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ) أَيْ : بَالَغَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اِعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ ، وعجزه عَنْ جَزَائِهِ ، فَفَوَّضَ جَزَاءَهُ إِلَى اللَّهِ ، لِيَجْزِيَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى .
فهذا هو اللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم : (جزاك الله خيرا) ، وهو أكمل من غيره بلا شك ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي العدول عن هذا اللفظ إلى غيره .
وإن كان المسلم إذا قال : جزاك الله ألف خير ، أحياناً ، لا حرج فيه ، مع التسليم بأن اللفظ النبوي أكمل وأفضل .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105390
العنوان:
يحب فتاة ويتساءل : لماذا يرفض المجتمع هذا الحب؟
السؤال:
أنا بصراحة أحب فتاة ، لم أتعرف عليها ، لكن هي قريبة لي ، كنت أجلس معها أيام صغري ، وانقطعت العلاقه بيننا عندما كبرت ، ولم أتواصل معها أبدا بعد ما كبرت ، وقصدي من الحب هو الزواج . سؤالي : هل هذا الحب محرم ، ولماذا يرفض المجتمع هذا الحب ؟
الجواب:
الحمد لله
بداية نشكرك على مصارحتك ، ثم على حرصك على معرفة الحكم الشرعي في أمر مهم يتعلق بكثير من الشباب إن لم يكن بأكثرهم .
" فالحب " الذي يقع بين الناس ، سواء في الجنس الواحد أو بين الجنسين إذا لم تكن أسبابه محرمة ، ويؤدي إلى نتائج محرمة ، فلا حرج فيه ، وهو شيء يجده الإنسان في قلبه لا يستطيع دفعه .
قال ابن حزم :
" وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، إذ القلوب بيد الله عز وجل " انتهى . "طوق الحمامة" (ص/4).
غير أن الشريعة قيدت وضبطت أمرين مهمين يتعلقان بالحب ، وهما :
الأمر الأول : أسباب الحب ومقدماته ، فغالبا ما ينشأ الحب بسبب اختلاطٍ وتمازجٍ أو تبادلِ نظرٍ أو حديثٍ أو مجالسةٍ بين المتحابين ، وهي أعمال داخلة تحت القدرة والتكليف ، جاءت الشريعة بسدها وتحريمها ابتداء بين الجنسين ، فحرمت النظر والخضوع في القول والخلوة واللمس ، وأوجبت العفة وعدم الاختلاط والحجاب والتقوى في السر والعلن ، فمن تجاوز حدود الله في هذه الأسباب أثم ، ولحقه اللوم في كل ما يستتبع هذه التجاوزات من تعلق محرم وحب آثم .
قال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان ، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :(/1)
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه ، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له ، فهذا لا يلام على ذلك ، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره ، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى .
الأمر الثاني : النتائج والتوابع التي يمليها الحب بين المتحابين ، إذ يبدأ القلب بالدفع نحو الاقتراب من المحبوب بكل طريقة ، وتبدأ النفس بالوسوسة لبلوغ الغاية بالوصال مع المحبوب ، بالاتصال بالكلام أو النظر أو تبادل الهدايا والحديث العاطفي أو الوقوع في الإثم والفاحشة ، فإذا تسلح القلب بالتقوى ، وعمرت النفس بالإيمان ، فلم تَخُضْ في هذه المسالك ، ولم تستجب لتلك المهالك ، فقد حفظت حدود الله وشرعه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر ، فإنه يثاب على تقواه لله ، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا ، وكتم ذلك فلم يتكلم به ، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم ، إما شكوى إلى المخلوق ، وإما إظهار فاحشة ، وإما نوع طلب للمعشوق ، وصبر على طاعة الله وعن معصيته ، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق ، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة ، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ، ومن يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (2/125) :(/2)
" قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها ، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه ، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء ، وهو قطع الأعناق والظهور ، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل ، ويقول إنه يرغب في زواجها ، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها ، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه ، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة " انتهى .
فالحاصل : أن المرفوض في الحب هو الأسباب والنتائج المحرمة ، ولما كان الغالب على الخائضين في الحب في هذا الزمان أنهم لا يراعون حرمات الله ولا يتقون عذابه ، ويستبيحون في سبيل حبهم المزعوم كل صغير وكبير ، رفض كثير من الناس هذا المعنى " الحب " ، وأصبح مسلكا مذموما في المجتمعات المحافظة ، والحمد لله .
أما الذي وقع الحب في قلبه من غير سبب محرم منه ، ولا أدى إلى الوقوع في محرم ، فلا يلام على ذلك ، لكن ينبغي أن يسارع في السعي نحو الزواج ، كي يحفظ دينه وعفته ولا يعرض نفسه للفتن .
نسأل الله تعالى أن يحفظ شباب وفتيات المسلمين من كل سوء .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105391
العنوان:
الحالات التي تجوز فيها الغيبة
السؤال:
ما هي الحالات التي يجوز فيها الغيبة ؟
الجواب:
الحمد لله
ذكر العلماء أن الغيبة تجوز في حالات :
الأولى : التظلم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي ، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه .
الثانية : الاستعانة على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قدرته ، فلان يعمل كذا فازجره عنه .
الثالثة : الاستفتاء ، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا ؟ وما طريقي للخلاص ، ودفع ظلمه عني ؟
الرابعة : تحذير المسلمين من شره ، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين ، ومنها : إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً ، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له ، أو نحو ذلك ، فإنك تذكر لهم ذلك على وجه النصيحة ، لا بقصد الإيذاء والإفساد .
الخامسة : أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته ، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس ، فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .
السادسة : التعريف ، فإذا كان معروفاً بلقب : كالأعشى أو الأعمى أو الأعور أو الأعرج جاز تعريفه به ، ويحرم ذكره به على سبيل التنقيص ، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (26/20) : " وتجوز الغيبة في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده - فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره ؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك ، وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين ، فقال :
الذم ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومُعرِّف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومَنْ ... طلب الإعانة في إزالة منكر" انتهى بتصرف .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
105396
العنوان:
وقت أذكار الصباح والمساء
السؤال:
هل أذكار المساء تكون بعد صلاة العصر أو بعد غروب الشمس ؟ أي بعد صلاة المغرب .
الجواب:
الحمد لله
"أذكار المساء تبتدئ من زوال الشمس (أول وقت صلاة الظهر) إلى غروبها ، وفي أول الليل ، وأذكار الصباح تبتدئ من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، قال تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) طه/130 ، وقال سبحانه : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) الأعراف/105 ، والأصال جمع أصيل ، وهو : ما بين العصر والمغرب .
وقال سبحانه : (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الروم/17، 18.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/178) .
وينظر للفائدة سؤال رقم (22765) .(/1)
رقم السؤال:
105397
العنوان:
وضع السحاب في ثوب المرأة
السؤال:
هل يجوز أو هل هو محرم وضع السَّحَّاب في أي موضع من الثوب على ظهر المرأة أو على جنب المرأة أو على الصدر ؟
الجواب:
الحمد لله
"وضع السحاب في ثوب المرأة لا محذور فيه ، ولا تحديد لمحله من ثوبها ، فحسبما تراه أصلح لها وأستر" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/36) .(/1)
رقم السؤال:
105408
العنوان:
صبغ المرأة يدها باللون الأسود
السؤال:
هل يجوز استخدام الصبغة السوداء على اليد التي تسمى بالدوج ؟
الجواب:
الحمد لله
"استعمال الصبغة السوداء التي تسمى (الدوج) لا حرج فيه ، لكن إن كان للدوج جرم يمنع من وصول الماء إلى البشرة وجبت إزالته عند الغسل من الجنابة والحيض والنفاس وعند الوضوء.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/36) .(/1)
رقم السؤال:
105409
العنوان:
دعاء المذاكرة والنجاح!
السؤال:
أبعث إليكم ورقة أرسلتها إلي إحدى المعلمات ، وهي متداولة بين بعض الطالبات أثناء فترة الاختبارات الدراسية ، هذه الورقة بعنوان : (دعاء المذاكرة والنجاح – بإذن الله) وقد جاء فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، دعاء المذاكرة والنجاح ـ بإذن الله ـ قال الله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء ، فإذا وفقت في الدعاء أعطيت الإجابة) ونحن على أبواب الامتحان هداني الله لجميع هذه الأدعية والتوجه بها إلى الله في أوقات المذاكرة ، وعند الامتحان ، وفي حال النسيان . دعاء قبل المذاكرة : اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين ،اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك ، وقلوبنا بخشيتك ، وأسرارنا بطاعتك ، إنك على كل شيء قدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . عند دخول الامتحان : رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا . دعاء بعد المذاكرة : اللهم إني استودعك ما قرأت وما حفظت وما تعلمت فرده عند حاجتي إنك على كل شيء قدير . عند بداية الإجابة : رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، باسم الله الفتاح ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً يا أرحم الراحمين . عند التوجه للامتحانات : اللهم إني توكلت عليك وفوضت أمري إليك ولا ملجأ ولا منجى إلا إليك . عند تعسر الإجابة : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، يا حي يا قيوم برحمتك استغيث ، رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . عند النسيان : اللهم جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي . بعد أن ينتهي من الإجابة يقول : الحمد لله الذي(/1)
هدانا لهذا وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله .
الجواب:
الحمد لله
" هذه الأدعية الموضوعة للمذاكرة والنجاح والمنوعة لكل حالة تعرض للطالب أثناء المذاكرة أدعية مبتدعة ، لم يرد في تخصيصها بما ذكر دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وما ذكر فيها من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو آثار ، إنما وردت لأسباب : إما خاصة بها أو عامة لسؤال الله ودعائه والتضرع له والالتجاء إليه والتوكل عليه سبحانه في كل أمور الإنسان التي تعرض له ، أما تخصيصها بما ذكر فلا يجوز ، ويجب ترك العمل بها لهذا الخصوص ، وعدم اعتقاد صحتها فيما ذكر ، والدعاء عبادة لله ، فلا يصح إلا بتوقيف ، وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يدعو الله بأن ييسر له أموره كلها ، وأن يزيده علماً وفقهاً في الدين ، وأن يلهمه الصواب ، ويذكره ما نسي ، ويعلمه ما جهل ، ويوفقه لكل خير ، ويذلل له كل صعب ، دون أن يجعل لكل حالة دعاء مبتدعاً يواظب عليه ، وذلك أسلم له في دينه , وأحرى أن يستجيب الله لدعائه ، ويوفقه لكل خير ، فالله سبحانه وتعالى وعد من دعاه بالإجابة والتوفيق للهداية والرشاد ، وشرط لذلك الاستجابة لما شرع الله والإيمان به سبحانه ، والاستقامة على دينه كما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/186.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ...الشيخ عبد الله بن غديان... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/183) .(/2)
رقم السؤال:
105410
العنوان:
حكم لبس العباءة التي عليها خيوط من ذهب
السؤال:
ما حكم الخيوط الصفراء الموجودة على العباءات الرجالية ، مع الشك في أنها مخلوطة بالذهب ؟
الجواب:
الحمد لله
"سبق أن سئل أهل الخبرة فيما يوضع على حافة العباءات من الأسلاك والزينة التي يخيل لمن رآها أنها ذهب ، فأخبروا أنها لا يوجد بها شيء من الذهب ، وعلى هذا فلبس العباءة التي على حافتها تلك الزينة مباح ، وعلى تقدير أنها وجد بها شيء من الذهب فهو قليل ، فيكون مباحاً أيضاً ؛ لأنه تابع ولو تيقن أن بها كثيراً من الذهب لحرم لبسها.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/53) .(/1)
رقم السؤال:
105411
العنوان:
حكم لبس "الروب" في حفل التخرج
السؤال:
العديد من الكليات والمعاهد والمدارس تقوم بإلزام خريجيها عند التخرج بلباس خاص ، وحيث قد ذكر العديد من الإخوة أن هذا اللباس هو زي القساوسة والرهبان عند تعميدهم في الكنائس ، فما صحة ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
"يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بألبستهم الخاصة بهم ، سواء كان الكفار من اليهود أو النصارى أو غيرهم ؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة التي تنهى عن التشبه بهم ؛ ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو ثوبين معصفرين : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ) خرجه مسلم في صحيحه ، وثبت في صحيح مسلم : أن عمر رضي الله عنه كتب كتاباً إلى عامله بأذربيجان عتبة بن فرقد رضي الله عنه ، وفيه : (وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير) .
وبناء على ذلك ؛ فلا يجوز لبس ما يسمى بـ (الروب) عند التخرج من مدرسة أو معهد أو كلية ؛ لأنه من ألبسة النصارى ، وعلى المسلم أن يعتز بدينه واتباعه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يلتفت إلى تقليد من غضب الله عليهم وأضلهم من اليهود والنصارى وغيرهم.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/26) .(/1)
رقم السؤال:
105412
العنوان:
حكم لبس البنطلون والبدلة والكرفتة
السؤال:
ما حكم لبس البنطلون إذا كان يلتصق بالجسم ، وإذا كان واسعاً إذا كان محاكاة لما يرتديه الغربيون ؟ وإذا كان يخالفهم في شكل البنطلون (التفصيلة) ؟ وما حكم لبس البدلة ؟ وحكم ما يسمونه رباط العنق (الكرفتة) وغيرها من ملابس الكفار ؟ هل يغير من حكمها أنها أصبحت من عادات المسلمين ، بحيث لا يظن عامتهم أن فيهما تشبهاً بالكفار ؟ وأخيراً . . ما اللباس الذي يمكن أن يرتديه المسلم في هذا الزمان ؟
الجواب:
الحمد لله
"الأصل في الملابس أنها جائزة ، إلا ما استثناه الشرع مطلقاً ؛ كالذهب للرجال وكالحرير لهم ، إلا لجرب أو نحوه ، ولبس البنطلون ليس خاصاً بالكفار ، لكن لبس الضيق منه الذي يحدد أعضاء الجسم حتى العورة لا يجوز ، أما الواسع فيجوز ، إلا إذا قصد بلبسه التشبه بمن يلبسه من الكفار ، وكذا لبس البدلة ورباط العنق (الكرفتة) ليس من اللباس الخاص بالكفار ، فيجوز ، إلا إذا قصد لابسه التشبه بهم . وبالجملة ؛ فالأصل في اللباس الجواز إلا ما دل الدليل الشرعي على منعه كما تقدم.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/40) .(/1)
رقم السؤال:
105413
العنوان:
حكم لبس البدلة والقميص
السؤال:
شاع في كثير من بلاد المسلمين لبس البدلة ؛ ذلك اللباس المكون من جاكيت وبنطلون وقد تقتصر الملابس على بنطلون وقميص أو فانيلا بكُم أو بنصف كم ، في الصيف لشدة الحر ، فهل لبس هذا اللباس يدخل تحت باب التشبه بغير المسلمين أو لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"الأصل في أنواع اللباس الإباحة ؛ لأنه من أمور العادات قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) الأعراف/32 ، ويستثنى من ذلك ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال ، والذي يصف العورة ؛ لكونه شفافاً يرى من ورائه لون الجلد ، أو لكونه ضيقاً يحدد العورة ؛ لأنه حينئذ في حكم كشفها ، وكشفها لا يجوز ، وكالملابس التي هي من سيما الكفار الخاصة بهم ، فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم ، وكلبس الرجال ملابس النساء ولبس النساء ملابس الرجال ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وليس اللباس المسمى بالبنطلون والقميص مما يختص لبسه بالكفار ؛ بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول ، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الألف ومخالفة عادة سكانها في اللباس ، وإن كان ذلك موافقاً لعادة غيرهم من المسلمين ، لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألا يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/38) .(/1)
رقم السؤال:
105414
العنوان:
حكم قول صباح الخير ومساء الخير
السؤال:
حكم قول : (صباح الخير) و (مساء الخير) .
الجواب:
الحمد لله
"لا نعلم بذلك بأساً ، ويكون ذلك بعد البدء بالسلام ، وبعد الرد الشرعي إذا كان القائل بذلك مسلَّماً عليه.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/115) .
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً :
عندنا في مصر عادة في الصباح أن نحيي نقول: (صباح الخير يا فلان) ما حكم هذه التحية في الإسلام؟
الجواب :
الحمد لله
"تحية الإسلام : (السلام عليكم) فإن زاد : (ورحمة الله وبركاته) فهو أفضل ، وإن دعا بعد ذلك من لقيه : (صباح الخير) مثلاً فلا حرج عليه ، أما أن يقتصر بالتحية عند اللقاء على : (صباح الخير) دون أن يقول: (السلام عليكم) فقد أساء.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/119) .(/1)
رقم السؤال:
105417
العنوان:
حكم استخدام الشوذر
السؤال:
هل يجوز استخدام الشوذر ـ وهو : مادة توضع بعد الحناء لكي يصير الحناء أسود على اليد ؟
الجواب:
الحمد لله
"قد دلت السنة على مشروعية خضاب المرأة ليديها بالحناء ، وقرر العلماء أنه مستحب ، وأن تركه مكروه ، وإضافة الشوذر إليه لا حرج فيه.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/36) .(/1)
رقم السؤال:
105419
العنوان:
جلد الثعلب لا يطهر بالدباغ
السؤال:
إذا دبغ جلد الثعلب فهل يطهر ؟ وهل يحل استعماله بالملابس وغيرها ؟ وهل يجوز بيعه وشراؤه والمتاجرة به ؟
الجواب:
الحمد لله
"جلد الثعلب كلحمه نجس ؛ لأنه سبع لدخوله في عموم النهي ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ، وحديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع) ، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وزاد : (أن تفترش) ، وحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود النمور أن يركب عليها ؟) قالوا : (اللهم نعم) . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أنه قال لمعاوية : (أنشدك الله ، هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟) قال : (نعم) رواه أبو داود والنسائي . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر) رواه أبو داود ، هذه النصوص تمنع من استعمال جلد ما لا يؤكل لحمه ، لما في استعمالها من الزينة والخيلاء.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/29) .(/1)
رقم السؤال:
105420
العنوان:
انتساب الزوجة إلى عائلة زوجها
السؤال:
هل يجوز للزوجة أن تضيف اسم زوجها الأخير إلى اسمها الأخير ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للزوجة أن تنتسب إلى عائلة زوجها ، كما هو شائع عند غير المسلمين ؛ لما روى
البخاري (3508) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ – أي نسب - فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ .. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) رواه ابن ماجة (2599) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6104) .
وهذا وعيد شديد لمن غير اسم أبيه أو عائلته وانتسب إلى عائلة أو قوم لا ينتمي إليهم .
كما أن هذا العمل في تشبه بالكفار ، لأن هذه العادة الذميمة لا تعرف إلا فيهم ، وعنهم أخذها بعض الجهلة من المسلمين .
وفيها أيضا جحود ونكران من المرأة لعائلتها وأهلها ، مما ينافي البر والإحسان ومكارم الأخلاق .
وينظر جواب السؤال (6241) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105422
العنوان:
يتدرب على المرضى بسحب الدم منهم
السؤال:
يحتاج الطبيب أن يتعلم طريقة سحب الدم من المرضى ، ولكي يتقن ذلك عليه أن يتدرب مراراً ، وهناك بعض المرضى في غيبوبة تامة ومزمنة ، ولا أمل في علاجهم ، فهل نكون آثمين إن تدربنا عليهم في سحب نسبة قليلة من الدم لا تضرهم ولكنها تجدي بالنفع لنا ، فهل هذا يعد من الضرورات ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يجوز سحب الدم من المرضى للتعلم والتدرب ، ولو كان المرضى لا يرجى شفاؤهم ؛ لأن في ذلك مضرة عليهم ، وظلماً لهم ، أما من كان عقله معه وسمح بأخذ الدم منه لمصلحة غيره فلا بأس بشرط ألا يضره ذلك .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/70) .(/1)
رقم السؤال:
105428
العنوان:
هل يجوز العلاج بالكي بالنار؟
السؤال:
هل يجوز الكي بالنار في رأس المريض أو بعض جسده ؟
الجواب:
الحمد لله
"يجوز كي المريض بالنار لعلاجه إذا احتاج إلى ذلك ، ويرجى أن ينفعه الله به ؛ لما ثبت عن جابر بن عبد الله قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه ، وما ثبت من أن سعد بن معاذ رضي الله عنه لما رُمي ، كواه النبي صلى الله عليه وسلم . بمشقص (نوع من السهام) في أكحله ، ولما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة ، وقال : حسن غريب ، ولما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الشفاء في ثلاثة : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار ، وأنهى أمتي عن الكي) وفي لفظ آخر : ( وما أحب أن أكتوي ) فدل فعله وإخباره صلى الله عليه وسلم ، بأنه من أسباب الشفاء على جواز العلاج به عند الحاجة إليه ، وأما نهيه أمته عن الكي فيحمل على ما إذا لم يحتج إليه المريض ؛ لإمكان العلاج بغيره ، أو على أن العلاج به خلاف الأولى والأفضل ؛ لما فيه من زيادة الألم والشبه بتعذيب الله العصاة بالنار ، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بأنه لا يحب أن يكتوي ، وأثنى على الذين لا يكتون ؛ لكمال توكلهم على الله ، وينبغي أن يتولى ذلك خبير بشؤون الكي ؛ ليكوي من يحتاج إلى هذا النوع من العلاج في الموضع المناسب من جسده ، ويراعى ظروف المريض وأحواله " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/6) .(/1)
رقم السؤال:
105431
العنوان:
لم يعق عن أولاده حتى كبروا
السؤال:
إذا رزق رجل بأطفال ولم يعق عنهم حتى بلغت أعمارهم أكثر من أربع سنوات ، فهل يجوز أن يعق عنهم بعد هذه السن ؟ وإذا كان كذلك فهل يجوز أن يذبح عنهم خارج البلد التي ولدوا فيها ؟ لأن بلدهم لا يوجد فيها فقراء يحتاجون اللحم ، وهناك قرية بعيدة عن مكان ولادتهم ، وبها مستحقون للصدقة ؟ فهل يجوز أن يذبح فيها ، ويتصدق عليهم بلحم الذبائح ؟ أم لا يشترط في ذبيحة العقيقة أن يأكلها الفقراء ؟
الجواب:
الحمد لله
" لا بأس بذلك ، لا بأس أن يذبح عنهم العقيقة ولو زادت أعمارهم عن أربع سنوات ، وكان من المستحسن والأفضل أن يبادر بها ، ولكن إذا تأخرت فلا مانع من ذلك ، يذبحها متى تيسر له ذلك .
وأما بالنسبة لمكان الذبح ، فليس للذبح مكان خاص ، بل يجوز أن يذبحها في البلد الذي ولدوا فيه ، وأن يذبحها في غيره ، لأنها قربة وطاعة لا تختص بمكان .
وأما قضية الأكل ، فالعقيقة تأخذ حكم الأضحية يستحب له أن يأكل منها ، وأن يتصدق منها ، وأن يُهدي منها لجيرانه وأصحابه " انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/572) .(/1)
رقم السؤال:
105433
العنوان:
لا يجوز الاحتفاظ بأجزاء من المتوفين لعرضها في متحف للطب الشرعي
السؤال:
مركز الطب الشرعي يريد إنشاء متحف للطب الشرعي ، والذي سوف يضم عينات وصوراً ومعلومات عن الطب الشرعي ، ومن هذه العينات التي نرغب في عرضها عينات وأجزاء من بعض المتوفين ، والتي تتضح فيها حقائق علمية ، وسوف يتم حفظ هذه العينات بمادة حافظة ، وتعرض في مكان خاص ، علماً بأن أهمية هذه العينات ترجع إلى : أولاً : ندرة وجودها ، وثانيا : أن لها أهمية تعليمية لذوي التحقيقات الطبية ، مثل ذلك : جزء من عظم اخترقه عيار ناري ، كما سوف يعرض صور فوتوغرافية لبعض حالات الطب الشرعي ، والتي تتضح لها علامات طبية شرعية ، مع العلم بأنه سوف نلتزم بإخفاء العورات وصور الوجه ؛ حفظاً لكرامة الإنسان المتوفى . فهل هذا جائز ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يجوز الاحتفاظ بأجزاء الإنسان المنفصلة منه ، بل يجب دفنها ؛ لحرمة الإنسان ، ووجوب صيانة أجزائه من الامتهان ، قال صلى الله عليه وسلم : (كسر عظم الميت ككسره حياً) .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ صالح الفوزان .. الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/99) .(/1)
رقم السؤال:
105434
العنوان:
لا يجوز أخذ الأنسولين المستخلص من الخنزير
السؤال:
هل يجوز لمريض السكر أن يأخذ حقن الأنسولين المستخلص من الخنزير ، لأن هذا النوع أكثر نقاء من المستخلص من العجول ؟
الجواب:
الحمد لله
" استعمال الأنواع من الأنسولين المستخلص من الخنزير حرام ؛ لما ثبت من الأدلة الدالة على تحريم التداوي بالمحرمات ، وأن الله لم يجعل الشفاء في المحرمات ، ومما ثبت في ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( عباد الله ، تداووا ، ولا تتداووا بحرام ) .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/28) .(/1)
رقم السؤال:
105435
العنوان:
لا حرج من إزالة الأصبع السادس من اليد
السؤال:
رزقت ببنت وفي كف يدها اليسرى ما يشبه أصبعاً سادساً ، وأشار علينا بعض من الناس أنه يمكن استئصال هذا الأصبع الزائد ؛ لأنه معلق ويهتز كلما اهتزت يدها ، فنريد حكم الإسلام في هذه العملية الجراحية ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا حرج في إزالة الأصبع الزائد من كف البنت إذا انتفت المفسدة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/58) .(/1)
رقم السؤال:
105436
العنوان:
لا بأس بالتقاط الشيء التافه في الحرم
السؤال:
هل لقطة الحرم لا فرق فيها بين الأشياء الثمينة وغير الثمينة في عدم جواز الالتقاط ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا ، الشيء التافه هذا يؤخذ سواء كان في الحرم أو غيره ، إنما الكلام في الشيء الذي له قيمة واعتبار.
وهذا يختلف باختلاف الزمان ، فقد يكون في زمانٍ الشيء له قيمة ، بينما يكون في زمانٍ آخر ، هذا الشيء ليس له قيمة ، نظراً لكثرة الأموال بأيدي الناس ، بينما يكون هناك زمان فيه فقر وحاجة ، يكون الشيء اليسير له قيمة" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/521) .(/1)
رقم السؤال:
105437
العنوان:
كره الحياة ويتمنى الموت
السؤال:
ما حكم الشرع في رجل كره هذه الحياة الدنيا أشد كراهية ، وسأل الله أن يميته إن كان ذلك خيراً له ، وانتظر الموت ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يجوز للمسلم أن يكره الحياة وييأس فيما عند الله تعالى من فرج وخير ، والواجب عليه أن يصبر على ما يلاقيه من أقدار الله ويحتسب ما يصاب به من مصائب عنده تعالى ، ويسأله سبحانه أن يصرفها عنه ، ويعينه ويأجره على ما يقدر عليه منها ، وينتظر الفرج منه تعالى ، قال سبحانه : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) الشرح /5، 6 ، ويكره للمسلم تمني الموت لضر نزل به من مرض أو ضيق دنياً أو غير ذلك ، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) ، وفي الصورة المذكورة في الحديث نوع تفويض وتسليم للقضاء . وما يصيب المسلم في هذه الدنيا من مصائب كفارة له ، إذا احتسبها عند الله تعالى ولم يتسخط ، وفيها إيقاظ لقلبه من الغفلة ، وموعظة في المستقبل .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ .. الشيخ صالح الفوزان .. الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/398) .(/1)
رقم السؤال:
105438
العنوان:
علَّق طلاق امرأته على فعلها شيء ما ثم أذن لها في فعله
السؤال:
كانت زوجتي تريد القيام بعمل ما ، وكنت في ذلك الوقت غاضباً ، فقلت لها : إن قمت بهذا العمل فأنت طالق ، ولأنه لم يحن وقت أدائها ذلك العمل ، وبعد مضي زمن قليل ، وبعد أن هدأ غضبي أذنت لها في القيام بذلك العمل ، وحينما حان وقت أدائها ذلك العمل عملت ، فهل وقع طلاقي في الأول ، أم أن سماحي لها بعده يلغيه ؟
الجواب:
الحمد لله
"سماحك لها لا يُلغي الطلاق الذي حلفت به عليها ، أو علقت طلاقها بهذا الشرط الذي ذكرت ، فالرجوع عن ذلك لا يفيدك شيئاً ، والطلاق باقٍ بحاله ، إذا فعلت ما أردت منعها منه ، فإنه إن كان قصدك بالطلاق منعها فقط ولم تقصد تعليق طلاقها عليه ، فإنه يكون عليك كفارة يمين ، لأن هذا يجري مجرى اليمين .
أما إن كان قصدك مما ذكرت ، تعليق الطلاق على فعلها هذا الشيء ، فإنه يقع عليها الطلاق ، إذا فعلت ما علقته عليه .
فإن لم يسبقه طلاق يتكمل به ثلاثاً ، فإنه يكون طلاقاً رجعياً ، له أن يراجعها ما دامت في العدة ، أما إذا تكمل بما سبقه ثلاث طلقات ، فإنها تبين منه بينونة كبرى ولا تحل له إلا بعد زوج آخر" انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/656) .(/1)
رقم السؤال:
105439
العنوان:
عقد الزوجية لم يفسخ
السؤال:
سافر أحد أفراد قريتنا ، وطالت غربته في السفر ، فكتب إلى كبير قريتنا رسالة يقول فيها : أخبر زوجتي إن كانت تُريد الخلع أن تفعل ، ولكن كبير القرية لم يخبر أحداً بهذه الرسالة وبعد مضي خمسة وأربعين شهراً ، عاد ذلك الرجل إلى أهله وبيته ، فهل يقع عليه شيءٌ بسبب ما كتبه أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الحال على ما ذكرت من أن كبير القرية لم يُبلِّغ المرأة بتخيير الزوج لها ، إن أرادت الفسخ ولم تعلم بذلك ، ولم يجر منها فسخ ، فإنها باقية على عقد الزوجية ، وهي زوجته ، لأنه لم يحصل ما يرفع عقد الزوجية" انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/535) .(/1)
رقم السؤال:
105440
العنوان:
هل تجوز عمرة بناتها بلا محرم؟
السؤال:
أريد السفر للعمرة مع أولاد أخي ومعي بناتي فهل تجوز عمرة بناتي ؟
الجواب:
يجوز أن تسافري للعمرة مع أبناء أخيك لأنهم محارم لك .
وأما بناتك فإن كن بالغات فلا يجوز لهن السفر من غير محرم ؛ لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا ، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا ).
ولا فرق بين سفر المرأة للحج أو للعمرة أو لغير ذلك ، فالجميع يشترط له المحرم ؛ لعموم الأحاديث ، بل ولما جاء في هذا الحديث من أن المرأة خرجت للحج ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يخرج معها ويدع الجهاد .
وإذا لم تجد المرأة محرما ، لم تجب عليها العمرة ولا الحج .
وإذا خرجت بلا محرم ، كانت آثمة بذلك .
وينظر جواب السؤال رقم (25841).(/1)
رقم السؤال:
105441
العنوان:
لعن الزوجة لزوجها هل يؤثر على النكاح
السؤال:
زوجة كانت تتشاجر مع زوجها فلعنته حيث ، قالت له : لعنك الله ، لعنة النصارى واليهود . فما هو الحكم في هذا ؟ وهل يؤثر هذا على بقائهما زوجين ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لعن المسلم المعيّن لا يجوز ، وهو من كبائر الذنوب ؛ لما روى البخاري (6105) عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ ) .
ولا يخفى أن قتل المؤمن من أعظم الكبائر ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لعنه كقتله ، فدل هذا على عظم تحريم اللعن .
قال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/92) : " الكبيرة التاسعة والثمانون والتسعون والحادية والتسعون بعد المائتين : سب المسلم، والاستطالة في عرضه، وتسبب الإنسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما، ولعنه مسلما ".
ثم ذكر حديث ثابت بن الضحاك السابق ، وقال : " وللطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : ( كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر ) . وروى أبو داود : ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء ، فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الأرض ، فتغلق أبوابها ثم تأخذ يمينا وشمالا , فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا ، وإلا رجعت إلى قائلها ) . وروى أحمد بسند جيد : ( إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه ، فإن أصابت عليه سبيلا ، أو وجدت فيه مسلكا وإلا قالت : يا رب ، وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ، ولم أجد عليه سبيلا , فيقال لها : ارجعي من حيث جئت ) . وروى أبو داود والترمذي : ( لا تلاعنوا بلعنة الله ، ولا بغضبه ، ولا بالنار ) . وروى مسلم : ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة )" انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (36674).(/1)
وإذا كان اللعن من الزوجة لزوجها الذي هو أحق الناس بالاحترام والإكرام ، كان أمره أعظم وأشنع .
ولهذا فالواجب على الزوجة أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تتحلل من زوجها .
ثانيا :
هذا اللعن لا يؤثر على الحياة الزوجية ، لأن المرأة لا تملك إيقاع الطلاق ، واللعن ليس طلاقا أصلا .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105442
العنوان:
طاعة الزوج في قطيعة الرحم
السؤال:
هل للزوجة أن تُطيع زوجها في قطيعة أهلها ، كأمها وأبيها وأخواتها وأقاربها ؟ وعلى من يكون الإثم هنا ؟ علماً أن الزوج يستشهد على إرغام زوجته بقطيعة أهلها بقصة امرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أطاعت زوجها في مثل ذلك إلى أن مات أبوها ، ولم تره ، طاعةً لزوجها ، وأيدها الرسول في ذلك وقال : ( إن أباها دخل الجنة أو غفر له بسبب طاعتها لزوجها ) ، فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما الحكم في هذا الموضوع ؟
الجواب:
الحمد لله
"الله سبحانه وتعالى أوجب حق الوالدين وحق الأقارب ونهى عن قطيعة الوالدين والأقارب ، فقطيعة الوالدين هذا عقوق ، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك ، وكذلك قطيعة الرحم كبيرة من الكبائر ، لقوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22، 23 .
ولا يجوز للزوج أن يحمل زوجته على قطيعة أرحامها بغير حق ، لأنه بذلك يحملها على المعصية ، وعلى مقاطعة أرحامها ، وفي ذلك من الإثم ، والمفاسد الشيء الكثير ، وطاعة الزوج وطاعة كل ذي حق إنما تجب بالمعروف ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة بالمعروف ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) فلا يجوز لهذا الزوج أن يمنع زوجته من صلة أرحامها في حدود المشروع ، في حدود المصلحة ، بل عليه أن يعينها على ذلك ، وأن يُشجعها على ذلك ، لأن في هذا الخير الكثير لها وله ، وأما الحديث الذي أشار إليه السائل ، فهذا لم أسمع به ، ولم أره ، ولا أدري ما حاله" انتهى .
الله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/548) .(/1)
رقم السؤال:
105443
العنوان:
سيسافر ويبقى في الخارج ثلاثة أشهر فهل يلزمه صوم رمضان؟
السؤال:
سوف أسافر بحول الله وقوته إلى إيطاليا في مدينة ميلان وذلك لظروف العمل وإنهاء المشروع الجديد للشركة ، والمدة طويلة تصل إلى 3 أشهر ، وسوف يحل علينا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك هناك . سؤالي : هل يجب الصوم؟ كذلك إذا أفطرت ماذا يجب علي أن أقضى؟
الجواب:
الحمد لله
من سافر إلى موضع ، وعزم على الجلوس فيه أكثر من أربعة أيام ، فإنه يكون في حكم المقيم ، في قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة ، فيلزمه ما يلزم المقيم من الصوم وإتمام الصلاة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً ، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن ، والجمع والقصر ، والفطر في رمضان . وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر ، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر . والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة ، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى .
وعليه ؛ فالواجب عليك أن تصوم رمضان ، وأن تتم الصلاة خلال هذه المدة ، إلا إذا انتقلت من مدينة إلى مدينة ، وكان بينهما مسافة قصر وهي 80 كم ، فيجوز لك الفطر أثناء السفر ، كما يجوز لك الجمع والقصر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105444
العنوان:
زيارة الأقارب إذا ترتب عليها الوقوع في محرم
السؤال:
عندما أزور خالتي أو عمتي تجلس بناتها معنا ، وأضطر إلى مصافحتهنَّ ، وإذا لم أصافحهن عاتبتني عمتي أو خالتي وغضبت علي ، فهل يجوز ترك زيارة العمة أو الخالة حتى تكون وحدها أو لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"صله الرحم واجبة شرعاً ، والعمة والخالة ، ممن يتأكد صلتهما ، ما لم يترتب على ذلك مفسدة من حضور بنات العمة أو الخالة ، ممن لست محرماً لهن ـ كما في السؤال ـ ولا تتمكن من الإنكار عليهن فيما يخالفن فيه الشرع المطهر ، وعليك أن تختار وقتاً مناسباً لزيارة عمتك وخالتك ونحوهما ، تأمن فيه من الاختلاط بمن ليس من محارمك . وينبغي لك أن تبين لعمتك أو خالتك ونحوهما الحكم الشرعي ، وأنه لا يحل للرجل أن يصافح من ليس من محارمه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ . . الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ صالح الفوزان .. الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/342) .(/1)
رقم السؤال:
105445
العنوان:
رفع جهاز التنفس الصناعي عن المريض
السؤال:
مريض مصاب بتلف في خلايا التنفس في المخ ، وليس هناك علاج لهذه الحالة ، ويتنفس عن طريق جهاز ، فهل يجوز رفع الجهاز ؟ مع العلم أنه إذا رفع الجهاز فسوف يتوقف التنفس ويموت .
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الأمر كما ذكر فلا مانع من نزع الجهاز التنفسي عنه إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى ، ولكن يجب أن ينتظر بعد نزعها منه مدة مناسبة حتى تتحقق وفاته .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/82) .(/1)
رقم السؤال:
105446
العنوان:
دية الميت تقسم على ورثته
السؤال:
منذ عدة شهور توفيت والدتي بحادثة دهس سيارة ، ولقد تم التصالح مع السائق مسبب الحادث ، وحسب العرف الشائع عندنا دفع مبلغ قدره خمسون ألف ليرة سورية ، كدية لنا ، والسؤال : هل يجوز لي أن أنفق وأتصدق من هذه الأموال عن والدتي ، وأن يحج عنها شخص آخر ؟ وهل تصح زيارة القبور أيام الأعياد ويوم الجمعة ، وهل صحيح بأن الأرواح تعود للأموات في مثل هذه الأيام ؟
الجواب:
الحمد لله
"أما الدية ، فإنها تعتبر من تركة المتوفاة ، فتكون للورثة ، كل يأخذ نصيبه منها ، بعد ما تسدد ديون الميت وتنفذ وصاياه الشرعية ، وكل يتصرف في نصيبه ، فإذا وصل إليك شيء من هذه التركة ، فإنك تتصرف فيه ، إن شئت تحج منه عن أمك ، أو تتصدق منه عن أمك من نصيبك الخاص .
أما نصيب بقية الورثة ، فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذن ، فإذا اتفقتم ، أو اتفق بعضكم على أن يتصدقوا وأن يحجوا عن أمهم من نصيبهم وميراثهم جاز ذلك ، أما من لم تطب نفسه ولم يأذن بذلك ، يدفع إليه نصيبه ، ولا يؤخذ منه شيء ، لا لصدقة ولا حجة .
وأما قضية زيارة القبور ، فإنها مشروعة في سائر الأيام ، لا في يوم الجمعة خاصة ، أو في يوم العيد خاصة ، بل في سائر الأيام . والزيارة المشروعة هي الزيارة التي يكون القصد منها الاعتبار ، والاتعاظ ، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى وتذكر الموت ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة ) ، ويكون القصد منها أيضاً نفع الأموات بالدعاء لهم والاستغفار لهم ، والترحم عليهم ، فإنهم بحاجة إلى دعوات الأحياء واستغفارهم في سائر الأيام لا في يوم الجمعة خاصة ، ولا في العيد خاصة .(/1)
وكونه ترد أرواحهم في هذين اليومين خاصة لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ولا يجوز الكلام فيه إلا بدليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/623) .(/2)
رقم السؤال:
105447
العنوان:
دخل في الصلاة قبيل الركوع فهل يقرأ دعاء الاستفتاح؟
السؤال:
إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل ، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح ؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
"قراءة الاستفتاح سنة ، وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم ، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها ، ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ) متفق عليه" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) .(/1)
رقم السؤال:
105448
العنوان:
دخل الصلاة قبيل الركوع ولم يكمل الفاتحة
السؤال:
إذا أدرك المصلي الجماعة وكان الإمام يقرأ القرآن بعد الفاتحة في صلاة جهرية كالمغرب مثلا فهل يقرأ هو الفاتحة أم لا يقرأ؛ لقوله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا ) المائدة/204 , وإذا أدرك الإمام واقفاً فقرأ الحمد لله رب العالمين فقط ثم كبر الإمام فهل يركع هو الآخر أم يتم القراءة ؟
الجواب:
الحمد لله
"قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم , في سرية أو جهرية ؛ لعموم أدلة قراءة الفاتحة في الصلاة ، ومن جاء إلى الجماعة وكبر مع الإمام لزمه قراءتها , فإن ركع الإمام قبل إكماله لها وجبت عليه متابعته , وأجزأته تلك الركعة ، كما أن من أدرك الإمام في الركوع إدراكا كاملاً أجزأته تلك الركعة التي أدرك الإمام في ركوعها , وذلك على الصحيح من قولي العلماء , وسقطت عنه الفاتحة , لعدم تمكنه من قراءتها ، لحديث أبي بكرة المشهور المخرج في صحيح البخاري .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
"اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (6/387) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (74999) .(/1)
رقم السؤال:
105449
العنوان:
حكم الواسطة من أجل الحصول على وظيفة أو غيرها
السؤال:
ما حكم الواسطة ، وهل هي حرام ؟ مثلاً إذا أردت أن أوظف أو أدخل في مدرسة أو نحو ذلك واستخدمت الواسطة فما حكمها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً : "إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعين فيها من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها ، والقدرة على تحمل أعبائها والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك – فالشفاعة محرمة ؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها ، وظلم لأولي الأمر بسبب حرمانه من عمل الأكفاء وخدمتهم لهم ، ومعونتهم إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة ، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ، ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال ، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء ، ومفسدة للمجتمع .
أما إذا لم يترتب على الواسطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة ، بل مرغب فيها شرعاًُ ، ويؤجر عليها الشفيع إن شاء الله ، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء ) .
ثانياً : المدارس والمعاهد والجامعات مرافق عامة للأمة ، يتعلمون فيها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، ولا فضل لأحد من الأمة فيها على أحد منها إلا بمبررات أخرى غير الشفاعة ، فإذا علم الشافع أنه يترتب على الشفاعة حرمان من هو أولى من جهة الأهلية أو السن أو الأسبقية في التقديم أو نحو ذلك كانت الواسطة ممنوعة، لما يترتب عليها من الظلم لمن حرم أو اضطر إلى مدرسة أبعد فناله تعب ليستريح غيره ، ولما ينشأ عن ذلك من الضغائن وفساد المجتمع .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/389) .(/1)
رقم السؤال:
105450
العنوان:
حكم التصفيق في الحفلات وغيرها
السؤال:
ما حكم تصفيق الرجال في الحفلات أو المحاضرات إذا أعجبهم شيء ، أو أرادوا تحية المتكلم في المحاضرة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات إلا للمرأة في الصلاة ، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه ، لما رواه البخاري (684) ومسلم (421) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم من التصفيق عند الأذكار والأوراد ، لا شك أنه بدعة ضلالة ، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة ، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
والمكاء : الصفير . والتصدية : التصفيق .
ثانياً :
أما تصفيق الرجال في الحفلات ونحوها مما ليس عبادة ، فأقل أحواله الكراهة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم التصفيق في الحفلات ؟
فأجاب "التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح ، وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا ، أو كبروا أحيانا ، لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا ، ولا يسبحون تسبيحا جماعيا ، بل كل واحد يكبر لنفسه ، أو يسبح لنفسه ، بدون أن يكون هناك رفع صوت ، بحيث يسمعه من بقربه ، فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق ، ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم ، والناس لا يتخذونه عبادة ، ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين : (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة ، وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة .(/1)
وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام" انتهى .
ينظر موقع الشيخ ابن عثيمين على الانترنت
وذهب بعض العلماء إلى تحريمه ، لما فيه من مشابهة المشركين ، والنساء .
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" : "قوله : (إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقاً" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات ؟ .
فأجاب :
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية ، وأقل ما يقال فيه الكراهة ، والأظهر في الدليل تحريمه ؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة ، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة : (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35 .
قال العلماء المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول : سبحان الله أو يقول : الله أكبر ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة ، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق ، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكل ذلك منهي عنه . والله ولي التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/151) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد :
"لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين إلا في موضع واحد للحاجة : وهو للمرأة داخل الصلاة إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته ، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه : فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح ، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق ؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) .(/2)
ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار ، والأوراد ، والأحزاب ، وفي الموالد ، والمدائح في البيوت ، والمساجد ، وغيرها ، ويظهر أنه منذ القرن الرابع ، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387 أنكر عليهم ذلك ، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم ، وتهجينهم ، وتبديعهم ، فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وغيرهم ، قديماً ، وحديثاً ، مقررين بالإجماع : أن التعبد بالتصفيق : بدعة ضلالة ، وخروج على الشرع المطهر ، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه .
ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم ، التصفيق عند التعجب ؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع ، والتعجب .
وإذا كان التصفيق في حالة التعبد : بدعة ضلالة ، كما تقدم ، فإن اتخاذه عادة في المحافل ، الاجتماعات ؛ للتشجيع ، والتعجب ، تشبه منكر ، ومعصية يجب أن تُنكر ، وذلك لما يلي :
معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب ، هو الثناء على الله تعالى وذكره بالتكبير ، والتسبيح ، والتهليل ، ونحوها ، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتاب السنة ، ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال : "باب التكبير والتسبيح عند التعجب " ، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في : "كتاب الأذكار" فقال : "باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها" ، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله ، وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله ، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى .(/3)
إذا عُلِمَ ذلك ، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى ، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال ، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة ، وعليه ، فإن التصفيق في احتفالات المدارس ، وغيرها : إن وقع على وجه التعبد ، فهو بدعة محرمة شرعاً ، لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به ، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء ، كما تقدم .
وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة ، فهو منكر محرم ؛ لأنه تشبه (بالكفار) .
ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر ، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم .
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : "والتصفيق منكر ، يطرب ، ويُخرج عن الاعتدال ، وتنزه عن مثله العقلاء ، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من : "التصدية" وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35 ، فالمكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ، ثم قال : وفيه أيضاً تشبه بالنساء ، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار ، إلى أفعال الكفار والنسوة" انتهى .
فعلى العبد المسلم أن يتقي الله فيما يأتي ويذر ، وأن يتثبت فيما ينسبه إلى الشرع المطهر" انتهى من "تصحيح الدعاء" (ص 86-89 ) باختصار .(/4)
رقم السؤال:
105451
العنوان:
حق المرأة في الميراث
السؤال:
عندنا في بلدنا عادة حينما يتوفى الرجل ويترك خلفه بنات وأبناء ولهم إرث منه ، العادة : هي أن يطلب من البنات التنازل عن إرثهن ، وغالباً ما يتنازلن مجاملة وحياء ، فما حكم هذه العادة ؟ فقد جرت معي مع أخوي الاثنين ، فقد تنازلت أختانا عن نصيبهما من الإرث ، وأخذناه نحن الذكور فقط ، فهل علينا في ذلك إثم ؟
الجواب:
الحمد لله
" هذا العمل لا يجوز ، الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن ، هذا لا يجوز ، لا سيما وأنك ذكرت أنهن يتركنه حياءً ومجاملة ، فيكون هذا قريباً من الإكراه ، فلا يجوز مثل هذا العمل ، بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن ، كما قال سبحانه : (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) النساء/11 ، فالله جل وعلا جعل للبنات نصيباً من الميراث ، وجعل للبنين نصيباً من الميراث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ) والبنت قد تكون أحوج إلى الميراث من الولد ، لضعفها وعجزها عن الاكتساب ، بخلاف الولد ، فإنه يقوى على الاكتساب ، وعلى السفر وطلب الرزق .
وعلى كل حال : هذا التصرف لا يجوز ، ولا يصح استضعاف النساء ، والتغلب عليهن ، وأخذ نصيبهن ولو كان هذا بصورة التبرع منهن ، لأنهن لا يتبرعن بهذا عن طيب نفس ، وإنما يتبرعن به كما ذكرت حياء ومجاملة" انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/625) .(/1)
رقم السؤال:
105452
العنوان:
توفير السكن مقدم على الحج
السؤال:
أقيم الآن أنا وزوجتي في اليمن وإلى هذا الوقت لا نملك السكن في بلدنا ، علماً أنني أملك مبلغاً من المال وإلى الآن لم نحج حجَّ الفريضة ، فهل يجب علينا الحج الآن فوراً ما دمنا قادرين مادياً ، ولو كنا لا نملك بيتاً؟ أم نشتري أولاً مسكناً نسكن فيه ثم بعد ذلك إن كنا قادرين على الحج حججنا ، وإلا أجلناه إلى القدرة ؟
الجواب:
الحمد لله
" من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أوجب الحج على المستطيع ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97 ، وذلك بأن يملك الزاد والراحلة ، ويكون هذا الزاد وهذا المركوب فاضلاً عن كفايته من مسكنه ومصروفه ، ومصروف أولاده إلى أن يرجع ، فإذا كان المبلغ الذي بأيديكم لا يُغطي حاجاتكم الضرورية ، ومنها المسكن ، فإنه لا يجب عليكم الحج حتى توفروا حوائجكم الضرورية ؛ فإذا زاد بأيديكم شيء حججتم ، ولا يجب عليكم الحج ، ولا يلزمكم حتى يتوافر لديكم المال الزائد عن كفايتكم سكناً ونفقة لكم ولأولادكم ومن تجب عليكم نفقتهم" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/493) .(/1)
رقم السؤال:
105453
العنوان:
توفى والده وهو غير راضٍ عنه
السؤال:
أنا شاب في التاسعة عشر من العمر ، توفي والدي وهو غير راض عني ، وأصبح هذا الشعور يؤرقني ليل نهار ، فما الذي يمكنني أن أعمله لكي أريح ضميري الذي يعذبني كثيراً ؟
الجواب:
الحمد لله
"يجب على الولد أن يبرَّ بوالده ، وأن لا يغضبه وأن لا يعقه ، لأن حق الوالد عظيم ، لكن إذا حصل من الإنسان مع والده شيء من الإساءة ، فعليه أن يستحله وأن يستسمحه ، ويطلب منه العفو إذا كان حياً .
أما إذا مات الوالد على هذه الحالة وهو قد غضب على ولده ، فلم يبق حينئذٍ إلا أن يتوب هذا الولد إلى الله سبحانه وتعالى ويستغفره مما حصل ، وأن يعمل للوالد شيئاً من البر بعد وفاته ، بأن يتصدق عنه ، وأن يدعو له ، ويستغفر له ، ويكثر من هذا لعل الله أن يخفف عنه حق والده" انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/583) .(/1)
رقم السؤال:
105454
العنوان:
تحرم زوجة الأب ولو لم يدخل بها الأب
السؤال:
عقد رجل على امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها فهل يحلُّ لابنه أن يتزوج منها ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يجوز للابن أن يتزوج بالمرأة التي عقد عليها والده وطلقها قبل الدخول ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) النساء/22 ، وهذا يصدُقُ على العقد ولو لم يدخل بها ، فزوجة أبيك تحرم عليك بمجرد عقده عليها ، سواء دخل بها أو لم يدخل لعموم الآية ، وكذلك العكس ، فالوالد لا يجوز له أن يتزوج المرأة التي عقد عليها ابنه ، سواء دخل بها أو لم يدخل بها ، لعموم قوله سبحانه وتعالى : (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) النساء/23 ، ولا يشترط في تحريمها الدخول " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/531) .
وينظر جواب السؤال رقم (40251)(/1)
رقم السؤال:
105455
العنوان:
تأخير الصلاة من أجل إجراء عملية جراحية؟
السؤال:
هل يجوز تأخير الصلاة حتى خروج وقتها كصلاة العصر مثلاً للضرورة ، وذلك إذا كان الطبيب في حال إجراء العملية وتحت يده مريض لو تركه ولو لفترة قصيرة فإن في ذلك خطراً على حياته ؟
الجواب:
الحمد لله
"على الطبيب المتخصص في إجراء العمليات أن يراعي في إجرائها الوقت الذي لا يفوت به أداء الصلاة في وقتها ويجوز في حال الضرورة الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير ؛ كالظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء ، حسبما تدعو إليه الضرورة ، أما إذا كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالعصر والفجر ، فإن أمكن أداؤها في وقتها ولو كان عن طريق النوبة لبعض العاملين ، ثم يصلي الآخرون بعدهم فذلك حسن ، وإن لم يمكن ذلك فلا حرج في تأخير الصلاة وقضائها بعد انتهاء العملية للضرورة ، وهي تقدر بقدرها .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ .. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/44) .(/1)
رقم السؤال:
105456
العنوان:
أيهما أفضل : ليلة القدر أو ليلة الإسراء؟
السؤال:
ما هو الراجح من أقوال العلماء في تعين ليلة القدر ، وهل هي أفضل الليالي على الإطلاق ؟ أم لا ؟ وما رأيكم فيمن قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر ؟
الجواب:
الحمد لله
"ليلة القدر ليلة عظيمة ، نوه الله بشأنها في كتابه الكريم ، في قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) الدخان/3 ، 4 وفي قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)القدر/1-5 . فهي ليلة شرفها الله عز وجل على غيرها ، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ، وهذا فضل عظيم ، واختصها بإنزال القرآن فيها ، ووصفها بأنها ليلة مباركة ، وأنها يُقدَّر فيها ما يجري في العام من الحوادث ، وهذه مزايا عظيمة لهذه الليلة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلباً لليلة القدْر ، وهي أفضل الليالي ، لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها ، والتنويه بشأنها ، فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة ، وهذا من رحمة الله تعالى لهذه الأمة وإحسانه إليها ، حيث خصها بهذه الليلة العظيمة .(/1)
وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل ؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وليلة القدْر أفضل بالنسبة إلى الأمَّة ، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم من ليلة المعراج أكمل من حظِّه من ليلة القدر ، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج ، وإن كان لهم فيها أعظم حظ ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به صلى الله عليه وسلم . هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة .
وللإمام العلامة ابن القيم كلام في هذا الموضوع ، يوافق كلام شيخه ، بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وليلة القدر أفضل في حق الأمة .
ومما يجب التنبيه عليه ، أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء ، فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد فيها ، أو يخصها بقيامٍ أو ذكرٍ ، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها ومكانتها .
وأيضاً : ليلة الإسراء لم يثبت في أي شهر هي ، أو في أي ليلة من الشهر هي ، مما يدل على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة ، خلاف ليلة القدر ، فإن الله أخبر أنها في رمضان ، لأن الله تعالى قال : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة/185 ، ثم قال : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) القدر/1 ، فدل على أن ليلة القدر في شهر رمضان ، وإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر الأواخر منه ، وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة ، وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب ، ولكن هي في شهر رمضان قطعاً ، ولا شك أن من شهد ليلة القدر له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له .(/2)
فليلة القدر لها ميزة ، لأنه شُرع لنا فيها الاجتهاد في العبادة ، والدعاء ، والذكر ، وتحريها بخلاف ليلة الإسراء ، فهذه لم يُطلب منا أن نتحراها ، ولا أن نخصها بشيء من العبادات ، وبهذا يظهر أن هؤلاء الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج أنهم مبتدعة ، جاؤا بما لم يشرعه الله ، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول : إن هذه هي ليلة الإسراء والمعراج ، كما يفعله هؤلاء المخرفون المبتدعة الذين اتخذوا دينهم طقوساً ومناسبات بدعية ، وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا مما يجب الانتباه له ، وبيانه للناس ، وأن الله شرع لنا الاجتهاد في ليلة القدر ، وتحريها ، والتقرب إليه فيها كل سنة ؛ بخلاف ليلة الإسراء والمعراج ، فلم يشرع لنا أن نتحراها ، ولا أن نخصها بشيء ، وأيضاً : هي لم تُبين لنا في أي شهر أو في أي ليلة ، بخلاف ليلة القدر ، فإنها في رمضان بلا شك ، والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/430) .(/3)
رقم السؤال:
105457
العنوان:
انتفاع المرتهن بالرهن
السؤال:
ما هو الحكم الشرعي بهذه الصورة : رهن أحد الأشخاص أرضاً زراعية معلومة المساحة ، بمبلغ معين ، لأحد الناس ، لحين قدرته على سداد المبلغ ، ويستلم المرتهن الأرض ويقوم باستثمارها ، ويأخذ إنتاجها لنفسه ولا يُعطي الراهن منه شيئاً ، وذلك لحين سداد مبلغ الرهن ، وقد تطول مدة الرهن إلى عشرات السنين ، ولا يُسلِّم المرتهن الأرض لصاحبها إلا بعد أن يأخذ مبلغ الرهن كاملاً . فأولاً : ما حكم هذا الإنتاج الذي يحصل عليه المرتهن طول هذه المدة ، هل هو حلال أم حرام ؟ وماذا يفعل من فعل هذا إن كان هذا الفعل محرماً هل يجب التوبة منه ؟ ثانياً : ما موقف الراهن الذي أجبرته ظروفه المالية على هذا الرهن ؟ ثالثاً : ما موقف الشهود على العقد الخاص بهذا الرهن ، علماً أن الراهن يُقر في هذا العقد بأنه أباح للراهن منفعة هذه الأرض بلا حصة ولا أجرة لحين تسديد المبلغ ؟
الجواب:
الحمد لله
"انتفاع المرتهن بالرهن فيه تفصيل :
أولاً : إذا كان انتفاعه به بغير إذن الراهن فهذا لا يجوز بحال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبةٍ من نفسه) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) والأحاديث في هذا كثيرة ، فلا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بغير إذن الراهن .
قال في المغني : لا نعلم في هذا خلافاً يعني بين أهل العلم .(/1)
أما إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بالرهن ، فإن كان الدَّيْن ، دَيْنَ قرض ، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن ، وإن أذن الراهن ، لأن هذا يُصبح من الربا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل قرضٍ جر نفعاً فهو رباً) والحديث وإن كان فيه مقال ؛ ولكن إجماع أهل العلم على ذلك ، أن المقرض لا يجوز أن ينتفع من مال المقترض بسبب القرض ، فيكون هذا من الربا ، ولا يجوز كتابة هذا الشيء ولا الشهادة عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) ، وهذا من الربا .
فإذا كان الدين قرضاً ، ورهن المقترض شيئاً عند المقرض فلا يجوز له الانتفاع به ، سواء أذن أو لم يأذن ، لأن هذا من الربا .
أما إذا كان الدين غير قرض ، بأن كان ثمن مبيع مثلاً ، وما أشبه ذلك ، وأذن له الانتفاع به ، فلا حرج عليه في ذلك ، لعدم المحذور" انتهى .
والله أعلم
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/505) .(/2)
رقم السؤال:
105458
العنوان:
العمل في الكنائس وأخذ الأجرة على ذلك
السؤال:
حصل واشتغلت في إحدى الكنائس بأجر يومي ، فما حكم هذا الأجر الذي أخذته هل هو حلال أم حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يجوز للمسلم أن يعمل في أماكن الشرك وعبادة غير الله عز وجل من الكنائس أو الأضرحة ، أو غير ذلك لأنه بذلك يكون مقراً للباطل ، ومعيناً لأصحابه عليه ، وعمله محرم ، فلا يجوز له أن يتولى هذا العمل ، وما أخذه من الأجر في مقابل هذا العمل كسبٌ محرَّم ، فعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى .
ولو تصدق بهذا المبلغ الذي حصل عليه لكان أبرأ لذمته ، ويكون دليلا على صحة ندمه وتوبته .
فالحاصل : أنَّ المسلم لا يجوز له أن يكون معيناً لأهل الباطل ، ولا يكون أجيراً في أماكن الشرك ومواطن الوثنية كالكنائس والأضرحة وغير ذلك من أعمال الكفار والمشركين ، لأنه بذلك يكون عوناً لهم ، على الباطل ، ومقراً لهم على المنكر ، ويكون كسبه حراماً والعياذ بالله" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/720) .(/1)
رقم السؤال:
105459
العنوان:
العلاج بالكي
السؤال:
وجدت في بعض الكتب الدينية أن الكي الذي يعالج به بعض الناس مريضهم مكروه ، ولم يذكروا دليلاً على كراهته ، مع أن التجربة أثبتت أنه مفيد بإذن الله للمرضى ، فأرجو إفادتي عن ذلك مع الدليل ؟
الجواب:
الحمد لله
" الكي نوع من العلاج بنص الحديث ، وهو بإذن الله مفيد إذا أصاب الداء ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يكرهه ونهى عنه أمته لبشاعته ، ولأنه شبيه بالتعذيب بالنار ، وإن لم يقصد به التعذيب ، وإنما قصد به العلاج ، ولذا قيل : إنه مكروه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم إياه إذا وجد غيره من أنواع العلاج ، ونهيه أمته عنه ، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الشفاء في ثلاثة : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار ، وأنهى أمتي عن الكي) ، وروى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لدغةٍ بنار ، توافق الداء ، وما أحب أن أكتوي ) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان .. الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/5) .(/1)
رقم السؤال:
105460
العنوان:
إطالة مدة الخطوبة
السؤال:
تقدمت بالخطوبة لبنت خالي والحمد لله ، وتمت الخطوبة ، ومضى على زمن الخطوبة سنة وثلاثة أشهر ، وحتى الآن لم يتم عقد النكاح ، وهي في انتظاري ، وأنا حتى الآن لم أتمكن من الحصول على المبلغ الذي يُقيم الزواج ، هل يكون علي إثم في هذا التأخير ، وإن كان علي إثم ، أفيدوني ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا إثم عليك في هذا التأخير ما دام أنه بسبب إعسارك وانشغالك بجمع تكاليف الزواج ، لأنه بسبب العذر ، لكن ينبغي لك أن تستسمح منهم وأن تخبرهم بالواقع ، وأنك بحاجة إلى وقت لجمع ما يلزمك من المؤن ، فإذا أخبرتهم بذلك ، وسمحوا لك فلا بأس بذلك ، ولا حرج عليك ، والذي نوصي به ، أن لا يُكلف الزوج من مؤن الزواج ما لا يستطيعه ، بل ينبغي تيسير الزواج ، وتيسير المهر ، والتخفيف من كُلَف الزواج مهما أمكن" انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/549) .(/1)
رقم السؤال:
105461
العنوان:
استعجال موت المريض طلباً لراحته
السؤال:
هل يجوز للمريض الذي لا يرجى أمل في شفائه أن يطلب الموت ، وهل يلبى طلبه تخفيفاً من الألم الذي يتعرض له ؟ البعض يقول : إن من حق الإنسان أن يحدد متى تنتهي حياته إذا كان في حياته تعذيب وألم له ولغيره ، فما رأي الدين في هذا الأمر ؟
الجواب:
الحمد لله
"يحرم على المريض أن يستعجل موته سواء بطريق الانتحار أو بتعاطي أدوية لقتل نفسه ، كما يحرم على الطبيب أو الممرض أو غيره أن يلبي طلبه ، ولو كان مرضه لا يرجى برؤه ، ومن أعانه على ذلك فقد اشترك معه في الإثم ، لأنه تسبب في قتل نفس معصومة عمداً بلا حق ، وقد دلت النصوص الصريحة على تحريم قتل النفس بغير حق ، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام/151 ، وقال تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء/29، 30.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) متفق عليه .(/1)
وعن قلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) رواه الجماعة ، وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقا الدم حتى مات ، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري .
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمنى الإنسان الموت لضر أصابه ، في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه ، فإن كان لابد فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) أخرجه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ البخاري ، وأخرج البخاري أيضاً بلفظ آخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب) .(/2)
فإذا كان الإنسان منهياً عن مجرد تمني الموت وسؤال الله ذلك ؛ فإن إقدام الإنسان على قتل نفسه أو المشاركة في ذلك تعد لحدود الله وانتهاك لحرماته ؛ لأن فعل ذلك ينافي الصبر على أقدار الله ، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره ، وجزع من ذلك ، الذي اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر امتحاناً واختباراً لعباده ، قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء/35 ، وقد يبتلي الله بعض عباده بالمرض ، وهو الحكيم فيما يفعل ، العليم بما يصلح عباده ، ويكون في ذلك خير له وزيادة في حسناته وقوة إيمانه ، وقربٌ من الله سبحانه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله سبحانه وتوكله عليه ودعائه له ، فينبغي للإنسان إذا أصيب بأحد الأمراض : أن يحتسب الأجر في ذلك ، ويصبر على ما أصابه من البلاء ، فإن من أنواع الصبر : الصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه ، وزيادة حسناته ، ورفع درجاته في الآخرة ، ويدل لذلك ما رواه صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عجبت من أمر المؤمن ، إن أمر المؤمن كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير ، وإن أصابته ضراء فصبر فكان ذلك له خير) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، والإمام أحمد في المسند ، وهذا لفظ الإمام أحمد .(/3)
وقوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ) الحج/35 ، وقوله تعالى : (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة/155، 156 ، وقوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35 .
وما رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط) أخرجه الإمام الترمذي في جامعه ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وما رواه مصعب عن سعد عن أبيه رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : (الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) أخرجه الترمذي .(/4)
وعلى ذلك ؛ يحرم على الإنسان المبتلى بأحد الأمراض أن يسعى في قتل نفسه ؛ لأن حياته ليست ملكاً له ، وإنما هي ملك لله الذي قدر الأقدار والآجال ، ولأن العبد بموته تنقطع أعماله ، وحياة المؤمن التي يعيشها يرجى له خير منها ، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه مما مضى من ذنوبه ، ويتزود من الأعمال الصالحات من صيام وزكاة وحج وذكر ودعاء الله سبحانه وقراءة قرآن ، فيرتقي بذلك أعلى الدرجات عند الله ، كما أن المريض يكتب له أجر ما كان يعمله في زمن صحته ، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة .
أما أولئك الذين يرون أن يلبى طلب المريض في قتل نفسه ويعينونه على ذلك من أطباء وغيرهم ـ فإنهم آثمون ونظرتهم قاصرة ، ويدل ذلك على جهلهم ، لأنهم ينظرون إلى حياة الإنسان وبقائه من جهة أن يكون ذا قوة حيوانية ذا سلطة وأشر وبطر ، ولا ينظرون من حياته أن يكون متصلاً بربه متزوداً بالأعمال الصالحة ، قد رق قلبه لله وخضع واستكان وتضرع بين يديه سبحانه وتعالى ، فكان أحب وأقرب إلى الله ممن تجبر وطغى واستغل قوته الحيوانية فيما يغضب الله . كما أن الله سبحانه قادر على شفائه وما يكون اليوم مستحيلاً في نظر البشر قد يكون ميسوراً علاجه مستقبلاً بقدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ .. الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان .. الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/85) .(/5)
رقم السؤال:
105462
العنوان:
إذا مات الزوج قبل الدخول فعلى الزوجة العدة ولها الميراث
السؤال:
إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها ، ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا ؟ وما الحكم من ناحية العدة ، لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة ، فهل عليها عدة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا تم عقد الزواج مستوفياً لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول ، فإن عقد الزواج يكون باقياً ، ويقع به التوارث بين الزوجين ، لعموم قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/12 ، والآية عامة فيمن توفي عنها أو عامة في الوفاة قبل الدخول أو بعد الدخول ، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول ، فإن الزوجية باقية ، والتوارث بينهما مشروع ، لعموم الآية الكريمة .
وأما من ناحية العدة ، كذلك تلزمها عدة الوفاة لو تُوفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول ، لعموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) البقرة/234 ، هذه تعم من تُوفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ، ولها الميراث كما ذكرنا " انتهى .
والله أعلم .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/628) .(/1)
رقم السؤال:
105464
العنوان:
إجراء عمليه لتجميل الصدر
السؤال:
أنا شاب أبلغ من العمر ثماني عشر سنة ، وقبل أربع سنوات حدث لي بروز في الثديين ، وكان مصاحباً لذلك البروز بعض الألم ، وبعد فترة زال الألم والحمد لله وبقي البروز على حاله ، وبروز الثديين هذا واضح من تحت الملابس ، وقد سألت الطبيب المختص عن ذلك فقال إنه يمكن إزالة هذا البروز بسهولة ، وذلك عن طريق عملية جراحية تجميلية ، فهل يجوز إجراء مثل هذه العملية ؟ علماً أن هذا البروز يسبب لي الإحراج أمام الآخرين .
الجواب:
الحمد لله
"يجوز لك إجراء عملية التجميل لإزالة هذا البروز إذا غلب على الظن نجاح العملية ولم ينشأ ضرر يزيد على فائدتها أو يساويه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/62) .(/1)
رقم السؤال:
105465
العنوان:
إجراء عملية لتصغير الأنف
السؤال:
امرأة أنفها كبير وعريض ، وتريد تصغيره بعملية جراحية فهل هذه العملية تغيير لخلق الله ، وإن عدم عملها قد تؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها .
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت ، ورجي نجاح العملية ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية ـ جاز إجراؤها تحقيقاً للمصلحة المنشودة ، وإلا فلا يجوز .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/59) .(/1)
رقم السؤال:
105466
العنوان:
إجراء عملية جراحية لتصغير الشفة
السؤال:
أرغب عمل عملية جراحية في الشفة السفلى في فمي ، حيث إنها كبيرة بعض الشيء ، وتسبب لي بعض الإحراج ، ما مدى جواز هذه العملية من الناحية الشرعية ، وما هي نصيحة فضيلتكم لي في هذا الخصوص ؟
الجواب:
الحمد لله
" يجوز إجراء العملية لتصغير الشفة السفلى إذا أمنت المضرة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/58) .(/1)
رقم السؤال:
105467
العنوان:
ابتلاع الصائم بقايا الطعام الذي في فمه
السؤال:
إذا بقي شيء من طعام بين أسنان الصائم ، هل يعتبر ذلك من المفطرات إذا ابتلعها الصائم ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا أصبح الصائم ووجد في أسنانه شيء من مخلفات الطعام ، هذا لا يؤثر على صيامه ، لكن عليه أن يلفظ هذه المخلفات ويتخلص منها ، ولا تؤثر على صيامه ، إلا إذا ابتلعها ، فإذا ابتلع شيئاً مما تخلف في أسنانه متعمداً ، فإن هذا يُفسد صيامه ، أما لو ابتلعه جاهلاً أو ناسياً ، هذا لا يؤثر على صيامه ، وينبغي للمسلم أن يحرص على نظافة فمه وأسنانه بعد الطعام ، سواء في حاله الصيام أو غيره ، لأن النظافة مطلوبة للمسلم" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/401) .(/1)
رقم السؤال:
105468
العنوان:
هل تحرم عليه زوجته إذا زنى بأختها؟
السؤال:
هل إذا زنى الرجل بأخت زوجته تحرم عليه زوجته ؟
الجواب:
الحمد لله
حرم الله تعالى على الرجل أن يجمع بين الأختين ، قال الله تعالى في ذكر المحرمات من النساء : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) النساء/23 ، واختلف العلماء فيمن زنى بأخت امرأته هل يكون الزنا كالزواج بها أم لا ؟
قال ابن قدامة في "المغني" : " فإن زنى بأخت امرأته فقال أحمد : يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض ثلاث حيض .
ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها , ولا أربع سواها ; لأنها ليست منكوحة , ومجرد الوطء لا يمنع, بدليل الوطء في ملك اليمين لا يمنع أربعا سواها" انتهى .
واستدل من منعه من جماع امرأته حتى تنقضي عدة المزني بها ، بحديثين :
1. ما رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ ) .
2. وما رُْوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَلْعُونٌ مَنْ جَمَعَ مَاءً فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ ) .
والحديثان لا أصل لهما ، فهما موضوعان .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"لا أصل له باللفظين .
وقد ذكر ابن الجوزي اللفظ الثاني ، ولم يعزه إلى كتاب من كتب الحديث ، وقال ابن عبد الهادي: لم أجد له سنداً بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة" انتهى .
" التلخيص الحبير " ( 3 / 343 ) .
والقول الصحيح : أن زناه لا أثر له في تحريم زوجته ، والعدة واجبة عليها إن أرادت النكاح بعد توبتها ، ولا تعلق لعدتها بجماعه لزوجته .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"قال في "الروض المربع" لمؤلفه الشيخ منصور البهوتي الحنبلي : " ومَن وطئ أخت زوجته بشبهة ، أو زنا : حرمت عليه زوجته ، حتى تنقضي عدة الموطوءة " .(/1)
يعني : لو أن رجلاً زنا بأخت زوجته - والعياذ بالله - قلنا له : إن زوجتك حرام عليك حتى تنقضي عدة المزني بها ، فلو قدر أن المزني بها حملت من هذا الوطء : فلا تحل له زوجته حتى تضع المزني بها حملها ، ولو بقي في بطنها أربع سنوات !! لكن تقدم لنا القول الراجح أن الزنا لا أثر له ، ولا يمكن أن نجعل السفاح مثل النكاح الصحيح" انتهى .
" الشرح الممتع " ( 12 / 133 ، 134 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
105469
العنوان:
هل يترك علاج الأطفال المصابين بأمراض مستعصية؟
السؤال:
هناك بعض المرضى يعانون من مرض يؤدي حتماً في مفهوم الطب إلى أن يكون صاحبه متخلفاً عقلياً ، بل قد يؤدي مرضه إلى أن يعيش حياة كلها أمراض ومشاكل ، وأقرب مثال هو : أمراض المخ والجهاز العصبي ، وقد يكون هذا المريض في داخل الرحم حيث تدل التحاليل الطبية مثلاً أن هذا الطفل سيولد معتوهاً بصورة يكون معها أتعاب لوالديه ، بالإضافة إلى ما يكون له هو في حياته . وفي الغرب هناك فكرة معترف بها ، أنه من الأحسن أن لا يعالج هذا الطفل الأول ، بصورة جادة تماماً، يعني يعطى الفرصة ليموت بعكس لو كان طفلاً يؤدي علاجه إلى برئه تماماً ، وكذلك يجهض الطفل الثاني لينزل ميتاً ، بل قد يطلب الوالدان أحياناً هذا ، مدعين أنهم يريدون إراحة الطفل . فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله(/1)
"من الضروريات الخمس التي دلت نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها ، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها ـ حفظ نفس الإنسان ، وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين ، سواء كانت النفس حملاً قد نفخ فيه الروح ، أم كانت مولودة ، وسواء كانت سليمة من الآفات والأعراض وما يشوهها أم كانت مصابة بشيء من ذلك ، وسواء رجي شفاؤها مما بها أم لم يرج ذلك ، حسب الأسباب العادية وما أجري من تجارب ، فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملاً قد نفخ فيه الروح ، أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها طلباً لراحتها أو راحة من يعولها ، أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات ، والمشوهين والعاطلين ، أو غير ذلك مما يدفع الناس إلى التخلص ؛ لعموم قوله تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الإسراء/33 ، ولما ثبت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وتوكيده من قوله : (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم ، وأن يحتسبوا في ذلك ، ولا يملوا من كثرة تردد المريض ولا تضيق صدورهم من طول أمد العلاج ، ولا ييأسوا من حسن العواقب ، فإن الأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء ، ولا يمنعهم من ذلك استحكام الداء واستغلاق العلاج ، وتوقع الموت والهلاك ، فكم مريض استعصى داؤه واستفحل أمره فوهب الله له الشفاء ، وكم من مريض شخص داؤه وعرف دواؤه وأمل فيه الشفاء ، فواتته منيته رغم عناية معالجيه ، ولا تحملنهم المهارة في الطب وكثرة تجاربهم فيه على أن يجعلوا من ظنونهم حسب ما لديهم من أسباب : قطعاً ، وأن يجعلوا من توقعاتهم : واقعاً ، فكم من ظنون كذبت ، ومن توقعات أخطأت ، وليعلموا أنَّا وإن أُمرنا بالأخذ بالأسباب فالشفاء من الله وحده مسبب الأسباب ، وعلم الآجال إليه وحده ، لا يعلمها إلا هو ، وعلى ولي الأمر(/2)
العام أن يهيئ وسائل العلاج من أطباء وأجهزة ومستشفيات ونحو ذلك ، فالجميع راع ومسؤول عن رعيته ، كل في حقله وميدانه بقدر ما آتاه الله من طاقة علمية ، أو مادية عملية ، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم جميعاً أن يحسنوا فإن الله كتب الإحسان على كل شيء ، وهو سبحانه يحب المحسنين .
وليس لهم أن يتركوا العلاج ، ويهملوا فيه ، ويعرضوا عن الأخذ بأسباب الشفاء .
ولأن في وجود المتخلفين عقلياً والمعوقين وذوي الأمراض المزمنة من خير للعباد وذكرى وموعظة ودلالة على عظيم حكمة الله سبحانه وقدرته على ما يشاء ، وعظم نعمته على من سلم من هذه الأمراض ، فيشكره سبحانه ويلتزم طاعته .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى بتصرف .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/389) .(/3)
رقم السؤال:
105470
العنوان:
هل من الغيبة أن يذكر قصة وقعت وإن لم يذكر أسماء أصحابها؟
السؤال:
إذا ذكرت قصة واقعية دون ذكر الأسماء ، فهل تعتبر هذه غيبة ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كانت كريهة ولم توجد قرائن أحوال تعيِّن أو ترجح أصحاب الواقعة ـ فليست بغيبة ، لكن إذا كانت تثير شراً ، أو كانت ذريعة إلى فساد ، فذكرها حرام لذلك ، وإن لم تكن غيبة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/15) .(/1)
رقم السؤال:
105471
العنوان:
هل الحسد موجود؟ وما معناه؟
السؤال:
الحسد في الإسلام موجود أم غير موجود ؟
الجواب:
الحمد لله
" الحسد تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود ، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد ، قال الله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق كاملة ، ومعنى إذا حسد : إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه ، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود .
والحسد على درجات :
الأولى : أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم ، وإن كانت لا تنتقل إليه ، بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به .
الثانية : أن يحب زوال النعمة عن غيره لرغبته فيها ؛ رجاء انتقالها إليه .
الثالثة : أن يتمنى لنفسه مثل النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره ، وهذه الدرجة جائزة وليست من الحسد في شيء بل هي غبطة .
والحاسد يضر نفسه من ثلاثة وجوه :
أحدها : اكتساب الذنوب ؛ لأن الحسد حرام .
الثاني : سوء الأدب مع الله تعالى ، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده ، واعتراض على الله في فعله .
الثالث : تألم قلبه من كثرة همه وغمه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان... الشيخ صالح الفوزان... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/29) .(/1)
رقم السؤال:
105472
العنوان:
هل التحذير من رجل معروف بالفسق يعتبر غيبة؟
السؤال:
هل تحذير الناس من رجل ظاهر الفسق ومعروف بفسقه ، يعتبر غيبة يسأل عنها الإنسان يوم القيامة ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر ، وكان ذكره بما فيه لتحذير الناس من شره حتى لا يغتر به من لم يعرفه جاز ، وإن كان ذلك للتشهي والتسلية ونحوهما لم يجز.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/8) .(/1)
رقم السؤال:
105473
العنوان:
كيف تكون العزة للمؤمنين ؟
السؤال:
كيف تكون العزة للمؤمنين وهم الآن ضعفاء في العالم الذي فسد جوانبه وأوسطه ، والنصارى واليهود هم الذين يسيطرون في العالم كيف يشاؤون؟
الجواب:
الحمد لله
"لا تحصل العزة للمؤمنين والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض إلا بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والعمل بالإسلام والإيمان ظاهراً وباطناً ، وقد جاء في القرآن والسنة وعن السلف الصالح من الآثار ما فيه عظة وادِّكار ، قال الله تعالى : (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء/138، 139 وقال سبحانه : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج/40 ، 41 ، وقال جل وعلا : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور/55 ، وقال جل جلاله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7 ، إلى غيرها من الآيات الكريمات التي بينت ووضحت : أن تمكين المؤمنين وعزهم في هذه الحياة مشروط بقيامهم بما أوجب الله عليهم ، من توحيده وتعظيمه وإجلاله ، والعمل بكتابه واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،(/1)
وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ومحبة أولياء الله المؤمنين ، وبغض أعدائه من المنافقين والكافرين ، ومجاهدتهم ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا هي السفلى ، وغير ذلك من لوازم الإيمان .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال : ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل من خالف أمره فله نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفته ومعصيته ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث : "ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم : ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله ، فمن سلك سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَزَّ ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذَلَّ ، وقد سبق حديث : ( إذا تبايعتم بالعينة ، واتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ـ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم ) .
فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة –حصل له الذل ، فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة ؟" انتهى كلامه رحمه الله .(/2)
ولقد عرف السلف الصالح من الصحابة ، ومن بعدهم هذه الحقيقة ، وهي : أن العزة في التمسك بالإسلام ، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والاجتهاد في طاعة الله ورسوله ، والحذر من معصية الله ورسوله ، فصدرت منهم كلمات ، منها : ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله) ، وثبت عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أنه لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما أظهروا ، جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي ، فقال له جبير بن نفير : يا أبا الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال رضي الله عنه : (ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) .
والحاصل : أن على كل مسلم مسئولية تحقيق العزة للمؤمنين بحسب قدرته ، واستطاعته فيكون بنفسه قائماً بأمر الله تعالى ، عاملاً بالإسلام والإيمان ، ظاهراً وباطناً ناصحاً لإخوانه المسلمين ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، حتى تصلح أحوال المسلمين ، أو يلقى الله على تلك الحال ، وقد اتقاه حسب وسعه والله المستعان" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/46) .(/3)
رقم السؤال:
105474
العنوان:
قول كرم الله وجهه لعلي بن أبي طالب
السؤال:
ما حكم عبارة (كرم الله وجهه) لعلي بن أبي طالب ؟ هل في ذلك تفضيل له عن الصحابة ؟ وإذا قلت : (كرم الله وجوه الصحابة أجمعين) فهل في ذلك بأس ؟
الجواب:
الحمد لله
"تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالدعاء له بـ : (كرم الله وجهه) – هو من صنيع الرافضة الغالين فيه ، فالواجب على أهل السنة : البعد عن مشابهتهم في ذلك ، وعدم تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الدعاء دون سائر إخوانه من الصحابة ؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، رضي الله عن الصحابة أجمعين .
وأما استعمال هذا الدعاء لجميع الصحابة فلا بأس به ، لكنه ليس من الأدعية المأثورة ، والجاري بين المسلمين الترضي عنهم ، رضي الله عنهم ، كما جاء في القرآن الكريم : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/43) .(/1)
رقم السؤال:
105475
العنوان:
قصة ثعلبة (حمامة المسجد) غير صحيحة
السؤال:
هل قصة ثعلبة ونزول قوله تعالى : ( ومنهم من عاهد الله ... الآيات ) صحيحة ؟ علماً بأنهم كانوا يسمونه حمامة المسجد .
الجواب:
الحمد لله
"ما ورد في سبب نزول قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ) التوبة/74 ، أنه ثعلبة بن حاطب – لا يصح سنده ، وثعلبة بن حاطب أنصاري معدود في البدريين ، استشهد يوم أحد ، كما حقق ذلك جماعة من أهل العلم ، منهم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/49) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "قوله تعالى : (ومنهم من عاهد الله ....) الآيات نزلت في بيان حال بعض المنافقين . وأما ما اشتهر من أنها نزلت في ثعلبة بن حاطب في قصة طويلة ذكرها كثير من المفسرين وروجها كثير من الوعاظ فضعيف لا صحة له ، وهي مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة من أن الله يقبل توبة التائب من أي ذنب كان " انتهى من شرح رسالة "أصول في التفسير"(/1)
رقم السؤال:
105476
العنوان:
اشترى أسهم شركة ثم علم أنها تتعامل بالربا
السؤال:
اشتريت أسهماً في شركة على أنها لا تتعامل بالحرام ، ثم عرفت بعد ذلك أن لها أموالاً في البنوك الربوية . فماذا أفعل في هذه الأسهم ؟
الجواب:
الحمد لله
يلزمك بيعها والتخلص منها ، ولا حرج عليك في ذلك ، لأنك لم تكن تعلم أنها محرمة .
وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن ذلك فأجاب :
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فمن تعامل في شركة جائزة ثم تحولت إلى شركة غير جائزة، أو اشتراها ولم يعلم أنها محرمة ثم علم بذلك، أو اشتراها بناء على فتوى المجيزين للشركات المختلطة ثم تبين له أنها لا تجوز فحكمه كالآتي:
يجب عليه بيع ما يملك من أسهم تلك الشركة ولا يجب عليه تطهير شيء، وإن كان بيعه يسبب خسارة فله الانتظار إلى أن يحصل رأس ماله" انتهى .
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=15
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105477
العنوان:
حكم الكذب الذي لا يوقع أحداً في مضرة
السؤال:
ما حكم الكذب الذي لا يوقع أحداً في مضرة أبداً ؟
الجواب:
الحمد لله
"يحرم الكذب مطلقاً ، إلا ما استثناه الشارع ، وليس ما ذكر منها ؛ لعموم الأدلة ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119 ، وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) . وعن عبد الله بن مسعود أيضاً أنه قال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، اقرأوا إن شئتم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119، ثم قال : هل تجدون لأحد فيه رخصة ؟
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/51) .(/1)
رقم السؤال:
105529
العنوان:
إثم الاعتداء على ملك الغير وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة
السؤال:
قضية تؤرقني كثيرا ومنذ أمد بعيد ، والدي وأخوه لهما أرضان متجاورتان ، سكن والدي ولم يسكن عمي ، بقيت أرض عمي بياضا لم تسكن ، بدأ الوالد يزحف شيئا فشيئا على أجزاء من أرض أخيه ، توفي العم وبقي الوالد ولله الحمد بصحة وعافية ، ولكن ما زال يتوسع في الأخذ من أرض العم ، أبناء العم الذين هم الورثة سكتوا ولم يُبْدوا أي شيء . يغضب الوالد غضبا شديدا عندما أكلمه بهذا الموضوع لأني أحاول به أن يتخلص منها بشراء أو برجوع عنها ، ولا يرضى بهذا البتة ، مازلت أسكن مع الوالد بهذه الأرض سؤالي هو : هل يأثم الوالد بفعله هذا وهل يعتبر متعديا على حقوق الغير ؟ هل لمثل هذه الأرض أثر على قبول العبادة التي تؤدى عليها كالصلاة ونحوها ؟ هل آثم لو جاريت الوالد بالسكنى فيها على ما فيها من شبهةٍ ؟ وما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالة ؟ علما بأن بداية هذه المشكلة قديمة ؟ وهل سكوت صاحب الحق يفهم منه أنه قد سامح بذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز الاعتداء على حق الغير ، أرضا كانت أو غيرها ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أحمد ( 20172 ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" ( 1459 ) .
وقد جاء في شأن الأرض وعيد شديد لمن اقتطع منها شيئا بغير حق ، فقد روى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ).(/1)
وروى أحمد عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ ، ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (240) .
وروى مسلم (1978) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ) .
ومنار الأرض : علاماتها وحدودها .
فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرد الحق إلى أهله ، وسكوت الورثة عن فعله لا يعني رضاهم به ، لكن لعلهم يراعون حق القرابة ، ولا يريدون إثارة المشاكل .
وينبغي أن تستمر في نصحه وتذكيره ، ولو استعنت ببعض أهل الخير والصلاح كان حسنا ، كأن تشير على خطيب الجامع أن يتكلم على الظلم وأكل المال بالباطل ويشير إلى الاعتداء على أرض الغير ، فإن هذا المنكر مما تساهل فيه بعض الناس .
ثانيا :
الأرض المغصوبة لا يحل البقاء فيها ، ويلزم الخروج منها ، والصلاة عليها محل خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من يرى عدم صحتها كما هو مذهب الحنابلة ، ومنهم من يرى صحتها مع الإثم ، وهو مذهب الجمهور .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولا أعلم دليلاً أثريّاً يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة، لكن القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان ؛ لأنه مُلْك غيره ، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها ؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ) ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته ؟" انتهى من "الشرح الممتع" (2/248).
ثالثا :(/2)
لا يجوز أن تجاري والدك في السكنى على ما غصب من الأرض ، بل لا يجوز أن تطيعه لو أمرك بذلك ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وأما الجزء المملوك لوالدك فلا حرج عليك ولا عليه في سكناه والانتفاع به .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105531
العنوان:
حكم إجراء عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنترنت
السؤال:
هل يصح عقد النكاح عبر كاميرا الإنترنت ؟ لأني سمعت أنه لا يجوز لأن من شروط عقد الزواج اتحاد المجلس .
الجواب:
الحمد لله
الإيجاب والقبول ركن من أركان النكاح ، لا يصح بدونه ، والإيجاب هو اللفظ الصادر من الولي أو وكيله . والقبول : هو اللفظ الصادر من الزوج أو وكيله .
ويشترط أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد ، قال في "كشاف القناع" (5/41) : "وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا ولو طال الفصل ؛ وإن تفرقا قبل القبول بعد الإيجاب بطل الإيجاب وكذا إن تشاغلا بما يقطعه عرفا ؛ لأن ذلك إعراض عنه أشبه ما لو رده " انتهى بتصرف .
كما تشترط الشهادة لصحة النكاح .
وبناء على ذلك ؛ فقد اختلف أهل العلم في إجراء عقد النكاح بالوسائل الحديثة كالهاتف والإنترنت ، فمنهم من منع ذلك لعدم وجود الشهادة ، مع التسليم بأن وجود شخصين على الهاتف في نفس الوقت له حكم المجلس الواحد ، وهذا ما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي .
ومنهم من منع ذلك احتياطا للنكاح ؛ لأنه يمكن أن يُقلد الصوت ويحصل الخداع ، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء .
ومنهم من جوز ذلك إذا أُمن التلاعب ، وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز رحمه الله .
وبهذا يعلم أن الإشكال ليس في مسألة اتحاد المجلس ، فإن الاتصال الهاتفي أو الإنترنتي من الطرفين في نفس الوقت يأخذ حكم المجلس الواحد .
والشهادة على هذا العقد ممكنة ، بسماع صوت المتكلم عبر الهاتف أو الإنترنت ، بل في ظل التقدم العلمي اليوم يمكن مشاهدة الولي وسماع صوته أثناء الإيجاب ، كما يمكن مشاهدة الزوج أيضا .(/1)
ولهذا ؛ فالقول الظاهر في هذه المسألة : أنه يجوز عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنترنت إذا أُمن التلاعب ، وتُحقق من شخص الزوج والولي ، وسمع الشاهدان الإيجابَ والقبول . وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز رحمه الله ، كما سبق ، وهو مقتضى فتوى اللجنة الدائمة التي منعت النكاح هنا لأجل الاحتياط وخوف الخداع .
ومن أراد السلامة ، فيمكنه إجراء النكاح عن طريق التوكيل ، فيوكل الزوجُ أو الولي من يعقد له أمام شاهدين .
وهذا نص ما أشرنا إليه من كلام أهل العلم :
1- قرار مجمع الفقه الإسلامي :
قرار رقم : 52 (2/6) بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
بعد ما قرر المجمع جواز إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة قال :
"إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه" انتهى .
2- فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء :
السؤال : إذا توفرت أركان النكاح وشروطه إلا أن الولي والزوج كل منهما في بلد، فهل يجوز العقد تليفونيا أو لا؟
"نظرا إلى ما كثر في هذه الأيام من التغرير والخداع ، والمهارة في تقليد بعض الناس بعضا في الكلام وإحكام محاكاة غيرهم في الأصوات حتى إن أحدهم يقوى على أن يمثل جماعة من الذكور والإناث صغارا وكبارا ، ويحاكيهم في أصواتهم وفي لغاتهم المختلفة محاكاة تلقي في نفس السامع أن المتكلمين أشخاص ، وما هو إلا شخص واحد ، ونظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج والأعراض ، والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات - رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية ؛ تحقيقا لمقاصد الشريعة ، ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش والخداع . وبالله التوفيق" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/90) .
3- فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله :(/2)
السؤال : أريد أن أعقد على فتاة وأبوها في بلد آخر ولا أستطيع الآن أن أسافر إليه لنجتمع جميعا لإجراء العقد وذلك لظروف مالية أو غيرها وأنا في بلاد الغربة فهل يجوز أن أتّصل بأبيها ويقول لي : زوجتك ابنتي فلانة . وأقول : قبلت ، والفتاة راضية ، وهناك شاهدان مسلمان يسمعان كلامي وكلامه بمكبر الصوت عبر الهاتف ؟ وهل يعتبر هذا عقد نكاح شرعي ؟
الجواب: "توجه الموقع بهذا السؤال إلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله فأجاب بأنّ ما ذُكر إذا كان صحيحا ( ولم يكن فيه تلاعب ) فإنه يحصل به المقصود من شروط عقد النّكاح الشّرعي ويصحّ العقد . ينظر جواب السؤال رقم (2201) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105539
العنوان:
لا غيبة لمجهول
السؤال:
هل غيبة الشخص بدون ذكر اسمه من الأمور المحرمة ؟ وهل إذا اغتبته بشيء لا ينفعه ولا يضره من الكلام يكون من الغيبة المحرمة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الغيبة هي أن يذكر الإنسان أخاه المسلم في غيبته بشيء يكرهه لو سمعه ، سواء كان ذلك يتعلق بأخلاقه أو بلبسه أو بشكله أو بغير ذلك.
والغيبة من الأمور المحرمة التي جاءت الشريعة بتحريمها ، قال الله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذِكرُك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه ) . رواه مسلم ( 2589 ) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (9784) و (23328) .
ثانياً :
الغيبة لا تكون إلا مع تعيين الشخص المتكلم عنه ، أو الإبهام مع معرفة السامعين بالمتكلم عنه ؛ لأن معرفتهم حينئذ تنزل منزلة التعيين ، وأما مجرد ذكر الفعل دون ذكر تعيين الشخص ، فهذا ليس بغيبة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ) ، وغيره من الأحاديث التي فيها ذكر أفعال دون ذكر أصحابها تحذيراً من فعلها .
فعلى هذا إذا كان الشخص الذي تكلمت عنه غير معروف لدى السامعين ، بل هو مجهول لديهم ، فهذا ليس بغيبة .(/1)
رقم السؤال:
105548
العنوان:
زوجها يعمل حارساً في مصنع للسجائر
السؤال:
أخت تسأل بأن زوجها يعمل في شركة لإنتاج السجائر وعمله حارس أمن ، فهل ماله حلال ؟ علما بأنها حاولت إقناعه بترك عمله والبحث عن عمل آخر ولكنه يرفض وحجته أن شباب اليوم لا يجد عملا فكيف سأجد أنا عملا ! ولو كان عمله حراماً فهل يجوز لها أن تعيش معه وتقبل أن ينفق عليها من هذا المال ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
السجائر لا يجوز شربها ، ولا بيعها ، ولا الإعانة عليها بوجه من الوجوه .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" : (13/31) " شرب الدخان حرام ، وزرعه حرام ، والاتجار به حرام ؛ لما فيه من الضرر العظيم ، وقد روي في الحديث : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ولأنه من الخبائث ، وقد قال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) الأعراف /157 وقال سبحانه : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) المائدة/4 " انتهى .
فعلى هذا ، لا يجوز للإنسان أن يعمل في مصنع للسجائر ، ولو كان عمله حارساً ؛ لأن في ذلك إعانة على أمر محرم ، وقد قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 ، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر ، وذم الساكت والمقر له ، فكيف بالمعين عليه !
ثانياً :
الراتب الذي يأخذه الزوج من عمله في مصنع السجائر يسميه العلماء محرماً لكسبه ، وما كان كذلك ، فهو محرم على كاسبه فقط ، ولا يحرم على من أخذه منه بطريق مباح .
فعلى هذا ؛ يجوز للزوجة أن تأخذ من هذا المال ، ويكون الإثم على الزوج ، أما هي فليس عليها شيء .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13503) و (45018) .(/1)
ونحن نشكر الأخت الكريمة على نصحها لزوجها ، ونوصيها أن تواصل النصح ، ولا تيأس من ذلك ، وعليها أن تبين لزوجها أن مفاتح الرزق ووجوه الكسب كثيرة ، ومن عف عن الحرام عوضه الله خيرا منه ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه .
نسأل الله أن يجنبنا والمسلمين الرزق الحرام ، وأن يغنينا بحلال عن حرامه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
105655
العنوان:
شروح صحيح البخاري المختصرة
السؤال:
أسأل عن كتاب شرح صحيح البخاري ، أريد أسهل كتاب لشرح الصحيح ، ومختصر ، وسهل لغير طالب العلم ؟
الجواب:
الحمد لله
شروح صحيح البخاري كثيرة ومتنوعة ، وهي في أغلبها متخصصة يصعب استيعابها على غير المتخصصين في دراسة العلوم الشرعية ، سبب ذلك صعوبة الطريقة التي كتب فيها البخاري صحيحه ، حيث اهتم كثيرا بتعدد الطرق وتكرار الحديث وكثرة التبويبات ، مما فرق على القارئ أو الحافظ ذهنه وشتت عليه فكره .
ولذلك جاء العلامة أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي (893هـ) فاختصر صحيح البخاري من الأسانيد والمكررات ، وسمى مختصره "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" ، وقد طبع بتحقيق إبراهيم بركة طبعة جيدة فيها شرح مختصر لهذه الأحاديث .
فمن أراد أن يقرأ صحيح البخاري من غير المتخصصين فعليه بمختصر الزبيدي له ، وليحرص على قراءته والاستفادة منه ، ثم ليحاول تفهم الأحاديث الموجودة فيه من كتب الشروح المختلفة ، ومن أيسرها :
1- كتاب "أعلام السنن" للعلامة الخطابي (388هـ) ، وهو شرح مختصر للصحيح .
2- حاشية العلامة السندي ، على صحيح البخاري ، وهي حاشية مختصرة جدا ، وفيها فوائد نافعة .
3- "عون الباري شرح التجريد الصريح" لصديق حسن خان (1307هـ) ، وهو شرح لمختصر الزبيدي ، اعتمد فيه على فتح الباري ، فهو كالملخص له .
وهذه الشروح من أخصر شروح الصحيح وأسهلها، فهي تعتني بمعاني الألفاظ والعبارات والفوائد المستنبطة من الحديث ، ولا تعرج على الأسانيد ومشكلات المسائل والدقائق ، ولا يصعب قراءتها على عامة الناس في الأغلب ، وإن كانت أحيانا تخوض في بعض التفصيلات اللغوية وغيرها ، فعلى القارئ أن يتجاوز ما يصعب فهمه عليه .
على أنه الأقرب من هذه الشروح ، لغير المتخصص ، أن يستعين ببعض الشروح الصوتية لهذه الكتب ، ومنها شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، للصحيح .(/1)
وشرح الشيخ عبد الكريم الخضير ، حفظه الله ، لمختصر الزبيدي .
نسأل الله أن ييسر للكتاب من يقربه إلى عامة الأمة ، ويزيد نفع الناس به .
وانظر عن صحيح الإمام البخاري ومؤلفه (20153) ، (21523)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105660
العنوان:
كتب التاريخ الموثوقة
السؤال:
ما أكثر ما في الكتب من دس للروايات عن هارون الرشيد ، والدولة الأموية ، والعباسية ، وسيرة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم . أتمنى منكم أن ترشدوني إلى أفضل وأصح الكتب التي تتحدث عما ذكرت .
الجواب:
الحمد لله
تاريخُ الإسلامِ صفحاتٌ عظيمةٌ من الأحداث والوقائع المتنوعة ، اختلطت فيها جوانب السياسة والاجتماع والاقتصاد ، وامتزجت بالكثير من العوارض المختلفة أو المتناقضة ، فاحتملت لذلك في طبيعتها مادة خصبة استغلها الكثير من أهل الأغراض والأهواء ، فلم يتورعوا عن التشويه والتحريف والزيادة والنقصان .
وإذا غضضنا الطرف عن العوامل الخارجية التي أدت إلى وجود الخلل في أحداث التاريخ المروية ، وقَصَرْنَا النظرَ على طبيعة المادة المنقولة والمدونة ، لوجدنا أن ذلك الخلل يرجع إلى سببين اثنين رئيسين :
السبب الأول : غياب التدوين المباشر للتاريخ مِن قِبَل شهود العيان ، ومَن عاصر الأحداث ، أو على الأقل غياب الإسناد المقبول لتلك الأحداث ، فقد غلب الإرسال والانقطاع بين المدون والراوي وبين الوقائع المروية ، ففقدت المنهجية العلمية الركن الرئيس فيها ، وغدت أحداث التاريخ نهبة لمن شاء أن يحكي فيها ما يريد ، فالكل يكتب ويشارك ، سواء أسند أم أرسل . كما قال الإمام أحمد رحمه الله : " ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير " انتهى .
رواه الخطيب في "الجامع" (2/162) وفسره بقوله: المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة ، غير معتمد عليها ، ولا موثوق بصحتها ، لسوء أحوال مصنفيها ، وعدم عدالة ناقليها ، وزيادات القصاص فيها " ، وفسرها شيخ الإسلام ابن تيمية بكثرة المراسيل في هذه الأبواب .(/1)
والسبب الثاني : غياب الحس النقدي لدى كثير من كُتَّاب التاريخ الأول ، فلا تكاد تجد في المؤرخين القدامى من يزيد على الحكاية والرواية ، فقد كان هذا سعيهم الأول ، ولعلهم أوكلوا النقد بالتصديق أو التكذيب إلى القارئ الذي غالبا ما يتيه بين آلاف الصفحات المسطرة .
ولعل القراءة المجردة في "تاريخ الأمم والملوك" لابن جرير الطبري ، وفي "الإمامة والسياسة" المنسوب خطأ لابن قتيبة ، وفي "مروج الذهب" لعلي بن الحسين المسعودي ، وفي "تاريخ اليعقوبي" ، و"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني ، وفي "العقد الفريد" لابن عبد ربه ، وفي "تاريخ التمدن الإسلامي" لجرجي زيدان – لعل القراءة المجردة فيها توقف القارئ على الصورة الحقيقية لقدر التشويه الذي لحق بمصنفات التاريخ ومدوناته .
وانظر للتوسع عن كتب التاريخ المشوهة كتاب "كتب حذر منها العلماء" للشيخ مشهور حسن سلمان ، الجزء الثاني .
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/9-10) :
" وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًّا أو سمينًا ، ولم يعرضوها على أصولها ، ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات ، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار ، فضلوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات ، إذ هي مَظِنَّةُ الكذب ، ومَطِيَّةُ الهَذَر ، ولا بد من ردها إلى الأصول ، وعرضها على القواعد " انتهى .
والأدوات التي يحتاجها المؤرخ الناقد متنوعة ما بين علم بأحوال الرواة وطبائع الأمم وقواطع العادات والسنن ودقة في الملاحظة والقياس ، وذلك ما لا يتوفر إلا في القليل من المؤرخين المتقدمين والمتأخرين .
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/28) :(/2)
" فإذا يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال ، والإحاطة بالحاضر من ذلك ، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف ، وتعليل المتفق منها والمختلف ، والقيام على أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها وأسباب حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها وأخبارهم ، حتى يكون مستوعبا لأسباب كل خبره ، وحينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من القواعد والأصول ، فإن وافقها وجرى على مقتضاها كان صحيحا ، وإلا زيفه واستغنى عنه .
وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك ، حتى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما ، وأمثالهم من علماء الأمة ، وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة ، واستخف العوام ومن لا رسوخ له في المعارف مطالعته وحمله والخوض فيه والتطفل عليه ، فاختلط المرعي بالهمل ، واللباب بالقشر ، والصادق بالكاذب ، وإلى الله عاقبة الأمور " انتهى .
ونحن وإن كنا نستشعر النقص في التحقيق التاريخي ، والنقد المنهجي ، إلا أننا لا ننفي وجوده ، فقد سطر نقاد العلماء كتبا محققة محكمة ، محَّصوا فيها الصادق من الكاذب ، والحقيقي من الزائف ، فيمكن الاستفادة منها والرجوع إليها ، والأهم من ذلك : البناء عليها ، ومنها :
"العواصم من القواصم" لأبي بكر ابن العربي المالكي ، "البداية والنهاية" لابن كثير ، و "الكامل في التاريخ" لابن الأثير ، وكتب الحافظ الذهبي عموما : "تاريخ الإسلام" و "سير أعلام النبلاء" ، و"العبر" وغيرها .(/3)
وهناك أيضا كثير من الدراسات المعاصرة النافعة والمفيدة في هذا المجال ، مثل كتاب "التاريخ الإسلامي" للأستاذ محمود شاكر الحرستاني ، و "مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري" للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى ، وكتب الدكتور محمد علي الصلابي التاريخية ـ بصفة عامة ـ كـ " السيرة النبوية" ، وكتبه عن الخلفاء الراشدين ، "الدولة الأموية" ، "الدولة الفاطمية" ، "دولة السلاجقة" ، "الدولة العثمانية" وغيرها كثير ، وأيضا كتاب "تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة" تأليف الدكتور محمد آمحزون .
ففي هذا الكتب ، إن شاء الله ، غنية لمن أراد القراءة في التاريخ ، خاصة لغير المتخصص في دارسة التاريخ أو العلوم الشرعية .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
105695
العنوان:
كم سنة عاش نوح عليه السلام ؟
السؤال:
هل عاش نوح عليه السلام (950) سنة ، ولماذا ذكر قي القرآن أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما ، حيث ميز بين السنة والعام ؟
الجواب:
الحمد لله
في عمر نوح عليه السلام العظة والعبرة البالغة :
فهي قرون طويلة قضاها في قومه يدعوهم إلى الله تعالى ، يشفق عليهم من عذابه ، ويرجو لهم رحمته ، ولم يصبه اليأس ولا أخذه القنوط ، بل رجا أن يهديهم الله على يديه وإن طال الزمان، فكانت سنوات عمره دروسا للدعاة والمعلمين والمربين في الصبر والعزيمة والإيمان.
كما أن فيها من العظة والعبرة لكل إنسان ، ليدرك أن الموت آت وإن طال الزمان ، وأن العمر إنما هو أيام تتقضى مع غروب شمس كل يوم ، لتسدل الستار على قصة روحه التي منحت فرصة نيل السعادة الأبدية في الجنة ، فيا فوزها إن كان سعيها في تحصيل هذه السعادة ، ويا خسارها إن قصرت وفرطت .
روى ابن أبي الدنيا في "الزهد" (رقم/358) بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
جاء ملك الموت إلى نوح عليه السلام ، فقال : يا أطول النبيين عمرا ! كيف وجدت الدنيا ولذتها ؟ قال : " كرجل دخل بيتا له بابان ، فقام في وسط البيت هنيهة – القليل من الزمان - ، ثم خرج من الباب الآخر " انتهى .
والمسلم الحصيف هو الذي يلتفت إلى هذه المعاني والعبر ، فتبعث في نفسه العزيمة وتحثها على العمل ، ولا ينبغي أن يشغل باله كثيرا بتفاصيل التاريخ التي لم يلتفت إليها الوحي في بيانه ، ولم يثبت فيها شيء من أدلة الشريعة المعتمدة .
ومن ذلك السؤال عن تحديد عمر نوح عليه السلام ، فقد ورد فيه عدة أقوال لعلماء للسلف من الصحابة والتابعين ، ولم يثبت فيه شيء من الكتاب والسنة الصريحة كي يجزم بأحد هذه الأقوال ، ولكننا نسرد هذه الأقوال هنا من باب زيادة العلم بما تنقله كتب السلف :
القول الأول : (950) سنة : وهو قول قتادة .(/1)
جاء في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (6/268) :
" وقال قتادة : يقال إن عمره كله كان ألف سنة إلا خمسين عاما ، لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة ، ودعاهم ثلثمائة ، ولبث بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة " انتهى .
روى نحوه ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18041)
القول الثاني : (1050) سنة : قاله ابن عباس .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
" بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة ، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا " انتهى .
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/455) لكل من ابن أبي شيبة (7/18) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم (9/251) ، وصححه وابن مردويه .
القول الثالث : (1020) سنة : قول كعب الأحبار .
روى ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18043) حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب الأحبار، في قول الله: " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما " ، قال:"عاش بعد ذلك سبعين عاما".
القول الرابع: (1400) سنة : يحكى عن ابن عباس ، وهو قول وهب بن منبه :
انظر "تفسير القرطبي" (13/332)
القول الخامس : (1650) سنة : قول عون بن أبي شداد .
عن عون بن أبي شداد ، قال :
" إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاث مائة سنة ، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاث مائة سنة "
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18044) والطبري في "جامع البيان" (20/17)
القول السادس : (1700) سنة ، قول عكرمة .
عن عكرمة رضي الله عنه قال :
" كان عمر نوح عليه السلام قبل أن يبعث إلى قومه وبعدما بعث ألفا وسبعمائة سنة " انتهى .
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/456) لعبد بن حميد(/2)
قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/268) بعد أن استغرب الأقوال السابقة :
" وقول ابن عباس أقرب " انتهى .
ثانيا :
اختلف المفسرون أيضا في الحكمة من استعمال لفظي " السنة " و " العام " ، على قولين :
القول الأول : ذهب بعض المفسرين إلى أنها حكمة لفظية فحسب ، لأن تكرار اللفظ نفسه فيه ثقل على اللسان ، فجاء بلفظ مرادف مغاير ، وهو " عاما " لتحقيق الخفة المطلوبة .
يقول الزمخشري في "الكشاف" :
" فإن قلت : فلم جاء المميز أوّلاً بالسنة وثانياً بالعام ؟ قلت : لأنّ تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة ، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك " انتهى .
وبنحوه في "التحرير والتنوير" (20/146)
القول الثاني : أن استعمال لفظ " السنة " جاء للدلالة على صعوبة السنوات التي قضاها نوح عليه السلام في دعوة قومه ، فهي سنوات عجاف من حيث الخير والمطر والبركة ، ومن حيث مشقتها أيضا على نوح عليه السلام في أمر الدعوة ، حيث واجهه قومه بالإعراض والأذى ، ثم عاش بعد الطوفان وهلاك الكفر من الأرض أعواما من الخصب والنعيم والرخاء ، والعرب تطلق لفظ " السنة " على أيام الجدب والقحط ، و لفظ " العام " على أيام الرخاء والنعيم .
يقول الراغب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (2/140) :
" العام كالسنة ، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب ؛ ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة ، والعام بما فيه الرخاء والخصب ، قال : ( عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) يوسف/49 ، وقوله : ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ) العنكبوت/14 ، ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة .
وقال برهان الدين البقاعي "نظم الدرر" (14/404) :(/3)
" وعبر بفلظ " سنة " ذما لأيام الكفر ... وقال : " عاما " إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين ، وخصب الأرض " انتهى .
ونحوه توجيه الإمام الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (3/386)
وجمع بعض أهل العلم بين هذين القولين ، إذ لا مانع من اعتبار الحكمتين من هذه المغايرة : اللفظية والمعنوية ، وأقوال المفسرين - إن لم تتعارض - فالأخذ بها جميعها أولى من اطراح بعضها :
يقول ابن عادل في "اللباب" (12/429) :
" وقد روعيت هنا نكتة لطيفة ، وهو أن غَايَرَ بين تَمْيِيزي العَدَد فقال في الأول " سنة " وفي الثاني " عاماً " ، لئلا يثقل اللفظ ، ثم إنه خص لفظ العام بالخمسين إيذاناً بأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما استراح منهم بقي في زمن حسن ، فالعرب تعبر عن الخَصْب بالعام ، وعن الجَدْب بالسنة " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (10470) ، (10551)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
105702
العنوان:
إذا غسل الرجل اليمنى وجففها ثم غسل اليسرى هل تنقطع الموالاة؟
السؤال:
ما حكم إذا توضأت وغسلت رجلي اليمنى وجففتها بقطعة قماش هي قريبة مني وغسلت الرجل الأخرى وجففتها هل في وضوئي هذا عدم موالاة ؟
الجواب:
الحمد لله
الموالاة في الوضوء هي ألا يتأخر غسل العضو حتى يجف ما قبله في زمن معتدل ، فلا يؤثر جفاف العضو لشدة حرارة أو وجود ريح أو تنشيفه بثوب مثلا ، إذا لم يمض الزمن الذي يقع فيه الجفاف عادة ، فالمعتبر هو عدم مضي الزمن .
ويجعل بعض العلماء الموالاة هي : ألا يفصل بين غسل الأعضاء بزمن طويل عرفاً ، ولا يقيد ذلك بالزمن الذي يحصل فيه الجفاف .
قال في ابن قدامة في "المغني" (1/181) : " والموالاة الواجبة : أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل ; لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض" انتهى .
وقال في كشاف القناع (1/105) : " والموالاة : المتابعة ، والمراد هنا : أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله في زمن معتدل الحرارة والبرودة . بأن لا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه , ولا مسح الرأس حتى تجف اليدان ولا غسل الرجلين حتى تجف الرأس لو كانت مغسولة , وعلم منه أنه لو أخر مسح الرأس حتى جف الوجه دون اليدين لم يؤثر " انتهى بتصرف .
وعليه ؛ فمن غسل رجله اليمنى وجففها ، ثم غسل الأخرى دون مضي زمن يقع فيه الجفاف عادة ، فوضوؤه صحيح .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105706
العنوان:
اعتمر في نهار رمضان وشعر بالتعب والمشقة فأفطر
السؤال:
لي أخ كان عمره 18 وأخت كان عمرها 17 سنة ذهبا يوما في نهار رمضان بعد الفجر وأخذا عمرة ، ولكن بلغ منهم التعب والمشقة في السعي حتى ظنوا أنهم سيهلكون ، فشربوا ماء وهم في السعي ، فماذا عليهم أن يفعلوا لأنه مضي عليهم 3 سنوات ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان أخواك قد أديا العمرة ، وهما مسافران ، فلا حرج عليهما في الفطر ، لأن المسافر يجوز له الفطر في نهار رمضان ، لقول الله تعالى : (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 .
وإذا كانا غير مسافرين وأفطرا لما ذكرت من حصول التعب والمشقة وخشية الهلاك ، فلا حرج عليهما في ذلك ، فإن الله تعالى قد رخص للمريض في الفطر ، ومن بلغ هذا المبلغ من المشقة فهو في حكم المريض .
ففي الحالين : (السفر وعدمه) لا حرج عليهما ، ولا إثم ، ولكن عليهما قضاء يوم مكان ذلك اليوم .
وأما العمرة فإذا كانت مستوفية لأركانها وواجباتها فهي صحيحة إن شاء الله تعالى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105780
العنوان:
إذا لبست النقاب قد لا تجد عملا
السؤال:
قد سمعت فتاوى كثيرة عن النقاب ، منهم من أجازه ومنهم من قال إنه فرض ، وفي بلدنا من الصعب الحصول على عمل وأنا بالنقاب - مع العلم بحاجتنا للمال فماذا أفعل ؟ وأشعر أنه من واجبي تأمين حياة كريمة لوالدي ، مع العلم أنني أرتدي الخمار .
الجواب:
الحمد لله
الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة هو وجوب ستر المرأة لوجهها عن الرجال الأجانب ، وهو القول الموافق لمقاصد الشريعة الداعية إلى الستر والصيانة وسد الذريعة إلى الفتنة ، وقد سبق بيان أدلة هذا القول في جواب السؤال رقم (1200).
وأما العمل ؛ فإن كان خاليا من المحاذير الشرعية ومنها التبرج والاختلاط ، فلا حرج فيه ، وعليك أن تتقي الله تعالى ، وأن تحرصي على امتثال أوامره ، واجتناب ونواهيه ، واعلمي أن ذلك من أسباب الزرق الحسن ، والحياة الطيبة ، كما قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 ،3 .
ولا يجوز لأحد أن يستعجل الرزق المقدّر بارتكاب الحرام ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) رواه أبو نعيم في الحلية ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .(/1)
فأيقني بأن الرزق من عند الله تعالى ، وأنه ينال بطاعته سبحانه ، وابحثي عن العمل المباح وستجديه إن شاء الله .
وينظر جواب السؤال رقم (93145) للفائدة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105781
العنوان:
تخرج منه قطرات بعد البول وإذا انتظر ربما فاتته الجماعة
السؤال:
السؤال عن المذي وهو أنه عندما يخرج أغتسل منه ثم أذهب إلى الصلاة ولكن عندما أرجع للحمام أكرمكم الله للبول أجد متبقيا ينزل مع البول وأحيانا أبقى في الحمام أكثر من نصف ساعة للتأكد أنه خرج كله فسؤالي هو هل أتأكد أنه خرج تماما أو أنني أغتسل ثم أذهب للصلاة علما بأن بعض الصلوات في المسجد تضيع بهذا السبب وأحيانا أبقى في دائرة الشك بحيث أني أذهب للمسجد وأصلي وأرجع أشك في طهارتي وأصليها مرة أخرى في البيت .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الذي يخرج عقب البول عادة هو الودي ، وهو سائل أبيض ثخين يخرج على شكل قطرات ، وأما المذي فإنه يخرج عقب ثوران الشهوة .
وكلاهما ينقض الوضوء ، ولا يوجبان الغسل . فقولك : " عندما يخرج أغتسل منه " لعلك تقصد أنك تغسِله ، وأما الغُسل فلا يلزمك ، بل يلزمك الوضوء .
قال النووي رحمه الله مبينا الفرق بين المذي والودي: " وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوةٍ , لا بشهوة , ولا دفق ولا يعقبه فتور ، وربما لا يحس بخروجه , ويشترك الرجل والمرأة فيه ...
وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين , يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له , ويخرج عقيب البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة ، وعند حمل شيء ثقيل ، ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما . وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي " انتهى من "المجموع" (2/160).
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : عند نهاية التبول أجد نزول بعض السائل المنوي ، ولا أدري هل يجب الاغتسال بعد كل تبول أو ماذا أفعل ؟ لأني في شك بأن تأثيره نفس تأثير الجماع ؟(/1)
فأجاب: "هذا المني الذي يخرج بعد البول هو الودي المشهور ، وحيث إنه يخرج بعد البول ويسيل سيلانا فإنه لا يوجب الاغتسال ، وإنما ينقض الوضوء ، فيلزم غسل الذكر بعده والوضوء ، ولا يجب الاغتسال ، وإنما يجب الغسل بخروج المني دفقا بلذة ، لا بدونها ؛ والدفق هو أن يندفع اندفاعا قويا ، لا كخروج البول الذي يسيل ويتقاطر ، فلا يضرك خروجه هكذا " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/226).
ثانيا :
إذا قضيت حاجتك ، فيلزمك الانتظار حتى تتيقن انقطاع الخارج ، ثم تستنجي وتتوضأ ، ولو أدى ذلك إلى فوات الجماعة فلا حرج عليك ، لكن ينبغي أن تتهيأ للصلاة قبل وقتها ، ما دمت تعلم أنك تحتاج إلى وقت طويل لقضاء الحاجة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : رجل مصاب بسلس في البول ، يطهر بعد التبول لفترة . لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم ؟
فأجابت : "إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت ، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408)
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله فيمن ابتلي بذلك:
" عليك أولا : أن تحتاط لطهارتك ، فتتوضأ قبل دخول الوقت بنصف ساعة أو نحوها بعد أن تتبول وينقطع أثر البول منك ، رجاء أن يتوقف قبل حضور وقت الصلاة .
وعليك ثانيا: بعد كل تبول أن تغسل فرجك بالماء البارد الذي يقطع البول ويفيد في توقف النقط .
وإذا كانت هذه النقط وسواسا أو توهما فعليك بعد الاستنجاء أن ترش سراويلك وثوبك بالماء ، حتى لا يوهمك الشيطان إذا رأيت بللا أنه من البول ، حيث يتحقق أنه الماء الذي صببته على ثيابك " انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/196).
ثالثا :(/2)
ينبغي أن تحذر من الوسوسة ، فإنها داء وشر إذا تمكن من الإنسان أدخل عليه الهم ، وأورثه الشك ، وثقّل عليه العبادة ، فاحذر من ذلك ، فإذا قضيت حاجتك وتوضأت وصليت ، فلا تلتفت للشك ، إذ الأصل هو الطهارة وصحة الصلاة .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ ؟
فأجاب : " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه ، كما أمر بذلك أئمة المسلمين ، ولا يلتفت إليه ، ولا يذهب ينظر في ذكره ، هل خرج أو لا ؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه ، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء ، فإذا تأكد فكما قلت لك ، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس ؛ لأن هذا ينقطع ، السلس يستمر مع الإنسان ، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين ، هذا ليس بسلس ؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف ، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105787
العنوان:
حلف أن يسمي ولده باسم صديقه ويريد الرجوع عن ذلك
السؤال:
كنت مع أحد الزملاء وحلفت له إذا أتاني مولود ذكر سوف أسميه على اسمك ، واسمه خالد ، وأنا أريد أن أسميه بتال ، وللعلم هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه .
الجواب:
الحمد لله
إذا حلفت أن تسمي المولد خالدا ، ثم رأيت أن تسميه باسم آخر ، فكفر كفارة يمين ، لقوله تعالى : ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/39.
وانظر تفصيل الكلام على هذه الكفارة في جواب السؤال رقم (45676) .
ولم يتضح لنا المقصود بقولك : هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه .
فلا علاقة لهذا بتسميته خالدا أو بتالا ، بل سل الله تعالى أن يحفظه .
وعليك أن تختار له الاسم الحسن ، فإن هذا من الأمور المندوب إليها شرعا ، وانظر جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105817
العنوان:
تغطية قبر المرأة عند إدخالها فيه
السؤال:
أنا من بنجلاديش وهناك عادة ببلدنا أنه عند دفن المرأة فإنه يتم وضع قطعة طويلة من القماش كغطاء سرير فوقها كستار ، وتفسيرا لهذا الصنيع فإن الناس يقولون بأن على المرأة أن تحتجب حتى بعد وفاتها ، فهل هناك أى دليل يدعم القيام بهذا العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
يستحب تغطية قبر المرأة عند دفنها ؛ وذلك لأنه أستر لها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/190) : " وَالْمَرْأَةُ يُخَمَّرُ قَبْرُهَا (أي : يُستر) بِثَوْبٍ ، لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغَطِّي قَبْرَ الْمَرْأَةِ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ قَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا , وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ , فَجَذَبَهُ وَقَالَ : إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ ، وَشَهِدَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ دَفْنَ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ فَخَمَّرَ الْقَبْرَ بِثَوْبٍ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ : ارْفَعُوا الثَّوْبَ , إنَّمَا يُخَمَّرُ قَبْرُ النِّسَاءِ , وَأَنَسٌ شَاهِدٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ لَا يُنْكِرُ . وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ , وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ " انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم تسجية قبر المرأة عند إنزالها القبر ، وما مدة التسجية ؟
فأجاب : " ذكر بعض أهل العلم أنه يسجى - يعني يغطى قبر المرأة - إذا وضعت في القبر لئلا تبرز معالم جسمها ، ولكن هذا ليس بواجب ، ويكون هذا التخمير أو التسجية إلى أن يُصف اللَّبِن عليها " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/173) .(/1)
وقال أيضاً رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" : " أما وضع العباءة على القبر حين تنزيل المرأة فهذا حسن ، وقد ذكره العلماء وقالوا : إن قبر المرأة يسجى عند وضعها فيه – يعني : يغطى- " انتهى .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
105826
العنوان:
حكم تعديل الصور عن طريق الكمبيوتر ووضع رأس فوق جسم لآخر
السؤال:
ما الحكم في تركيب وجه أو رأس إنسان ما على شخصية كرتونية (سوبرمان) مثلا ؟ أو على إنسان آخر ( أن أضع رأس أخي بدل من رأس شخص يعتمر فيتبين أن المعتمر هو أخي) وذلك دون تغيير ملامح الوجه ؟ ودون الرغبة أو القصد في الفساد ؟ أرجو الإجابة عليه بشكل مفصل .
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (82366) أن من أجاز التصوير الفتوغرافي اشترط ألا يتدخل المصِّور في الصورة بتعديل أو تجميل ؛ لأن هذا يدخل في الرسم ، وهو محرم عند جمهور العلماء .
ولا فرق بين أن تكون الصورة المعدلة حقيقية أو خيالية ، فإنه يحرم رسم الجميع ؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ .
والدُّرنوك: هو نوع من الستائر .
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ، ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع ، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح ، سواء كان نحتا ، أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق ، أم كان نسيجا ، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز وسواء كان الشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جُمّل أو شُوّه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي . فمناط التحريم كون ما صوّر من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها ، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس . . إلخ، وذلك لعموم النصوص ، ولما فيها من المضاهاة ( يعني لخلق الله ) ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى .(/1)
وإذا كان تعديل الصورة لأجلس الغش والتدليس ، أو الإساءة إلى الشخص ، كان ذلك أعظم تحريما وإثما .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105844
العنوان:
المسافة التي تبيح القصر
السؤال:
هل يمكن القصر عندما أعرف بأني أتأخر في العودة؟ هل مسافة السفر هي 80 كم (ذهاباً ورجوعاً) أو مسافة ذهاب فقط كي يجوز لي القصر والجمع ؟
الجواب:
الحمد لله
السفر الذي يشرع فيه الترخص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً ، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً ، فمن سافر – ذهابا - لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن ، والجمع والقصر، والفطر في رمضان .
وهذا المسافر إذا وصل إلى البلد التي سافر إليها ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر ، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر .
والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة .
والحاصل : أنه يشترط أن لا تقل مسافة الذهاب عن 80 كيلو ، حتى يباح لك القصر ، وإذا كانت مدة إقامتك أكثر من أربعة أيام فإنك تتمين الصلاة .
أما الجمع بين الصلاتين (الظهر والعصر) و (المغرب والعشاء) فإنه يجوز للمسافر ، ويجوز للمقيم أيضاً إذا شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها ، بسبب مرض أو عمل مهم لا يمكن تأخيره ، كالطلب في الاختبار ، والطبيب في العملية الجراحية ونحو ذلك .
ولمزيد من الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (97844) و (97455) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105846
العنوان:
أفطر أياما متعددة بسبب العادة السرية
السؤال:
أنا شاب في العشرينات من العمر أصبت ببلاء ممارسة العادة السرية ، وقد مضى أكثر من رمضان وأنا أمارس العادة السرية في نهار رمضان ، ومع أنني أعلم حكمها إلا أنني لم أقم بالقضاء تقاعسا وكسلا ، وهكذا حتى يأتي رمضان الذي بعده وأقوم بنفس العمل ، وأنا في هذه الأيام وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك عقدت العزم على التوبة إلى الله توبة نصوحا، ولكن ماذا علي بما ذهب من الأيام الفضيلة السابقة ؟ وأذكر أنه في شهر رمضان الماضي مارست العادة حدود أربعة أيام ، هل علي قضاؤها ؟ وإذا كان يجب هل أستطيع القضاء بعد الشهر الفضيل ؟ لأنني أدرس بالخارج بدولة غير إسلامية والصيام يكون مجهدا ومتعبا بحكم عدم تغير أوقات الدراسة وعدم تغير النظام .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ، وأن يغفر ذنبك ، وأن يثبتك على الطاعة والاستقامة .
وتعمد الإفطار في نهار رمضان ذنب عظيم وجرم كبير ؛ لأنه جناية على فريضة عظيمة فرضها الله تعالى على عباده ، وكتبها علينا وعلى من قبلنا . وإذا كان هذا التعدي بذنب آخر ، وهو العادة السرية المحرمة ، اجتمعت الذنوب ، وتعاظمت الأوزار ، نسأل الله العافية .
وقد سبق بيان تحريم هذه العادة وأثرها في إبطال الصوم في جواب السؤال رقم (40589) .
ثانيا :
يلزمك قضاء ما أفطرت من الأيام ، وإذا لم تتمكن من قضائها قبل رمضان ، بقيت دَيْناً في ذمتك ، ولزمك القضاء بعد رمضان ، والأحوط : أن تخرج مع القضاء كفارة عن كل يوم ، وهي إطعام مسكين نصف صاع من أرز ونحوه ، ونصف الصاع : كيلو ونصف تقريبا .
قال ابن قدامة رحمه الله : "من عليه صوم من رمضان , فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر ; لما روت عائشة قالت : كان يكون علي الصيام من شهر رمضان , فما أقضيه حتى يجيء شعبان . متفق عليه .(/1)
ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر ; لأن عائشة رضي الله عنها لم تؤخره إلى ذلك , ولو أمكنها لأخرته .
فإن أخره عن رمضان آخر نظرنا ; فإن كان لعذر فليس عليه إلا القضاء , وإن كان لغير عذر , فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم . وبهذا قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق .
وقال الحسن والنخعي وأبو حنيفة : لا فدية عليه ; لأنه صوم واجب , فلم يجب عليه في تأخيره كفارة , كما لو أخر الأداء والنذر" انتهى .
من "المغني" (3/40) .
وهذه الكفارة لا تتكرر بمضي الأعوام ، فمن أخر قضاء أيام من رمضان أعواما ، بغير عذر ، لزمته كفارة واحدة عن كل يوم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105897
العنوان:
هل يطلب مساعدة من الدولة ليتمكن من زراعة كلية ؟
السؤال:
عندي مشكلة بصديق لدي عنده كلية شبه متعطلة وتحتاج زراعة كلية والكلية الأخرى لديه لا تتحمل ضغط الجسم طرحنا عليه فكرة رفع التقارير لأهل الخير سواء عن طريق الحكومة أو الأمراء أو الملوك حتى يساعدوه لكن صديقي رافض الفكرة ويعتبرها من الشحاذة وأنه سيفقد كرامته ، فإما أن يدفع تكاليف العملية ، أو يبقى وتتدهور صحته وربما يفقد الكلية الأخرى بسبب التأخر في إجراء العملية وهو لا يستطيع تجميع مبلغ العملية إلا بعد سنوات ربما من الآن فيا ليت تقدمون له النصيحة وهل ما يفعله يعتبر انتحارا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يشفي صديقك ويعافيه ، ويرزقه الصبر واحتساب الأجر ، وأن يجزيه خيرا على تعففه وحرصه على صيانة ماء وجهه وتنزهه عن سؤال الناس .
ثانيا :
التداوي مشروع من حيث الجملة ، لما روى أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : قالت الأعراب : يا رسول الله ، ألا نتداوى ؟ قال : ( تداووا ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد . قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم ) أخرجه الترمذي (1961) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ثالثا :
اختلف العلماء في حكم التداوي ، فذهب جمهورهم إلى عدم وجوبه ، وذهب جماعة منهم إلى وجوبه إذا خشي الإنسان على نفسه التلف بتركه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ليس بواجب عند جماهير الأئمة ، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد " نقله السفاريني في "غذاء الألباب" (1/459) .
وقال في "تحفة المحتاج" (3/182) : " ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه ، واعتُرض بأن لنا وجهاً بوجوبه إذا كان به جرح يخاف منه التلف" انتهى .
وفي حاشيته : "عن البغوي أنه إذا علم الشفاء في المداواة وجبت " انتهى .(/1)
وفي حاشية قليوبي وعميرة" (1/403) : " وقال الإسنوي : يحرم تركه في نحو جرح يظن فيه التلف" انتهى .
وهذا يؤخذ منه أن الدواء إذا تُيقن نفعه وكان المرض مما يخشى منه التلف ، وجب التداوي ، فيدخل في ذلك إيقاف النزيف ، وخياطة الجروح ، وبتر العضو التالف المؤدي إلى تلف بقية البدن ، ونحو ذلك مما يجزم الأطباء بنفعه وضرورته ، وأن تركه يؤدي إلى التلف أو الهلاك.
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي بالقول بوجوب التداوي إذا كان تركه يفضي إلى تلف النفس أو أحد الأعضاء أو العجز ، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره ، كالأمراض المعدية . انظر نص قرار المجمع في جواب السؤال رقم (2148)
وأما زراعة الكلية فليس مما يتقين نفعه ، فلا يجب ، ولا يكون تارك ذلك آثما ولا منتحرا ، لكن يستحب لمن ابتلي بذلك أن يسعى في العلاج بالزراعة إن تيسرت أو بغيرها مما أنزل الله من الدواء .
رابعا :
لا حرج على صاحبك أن يقدم طلب مساعدة من الدولة ، فليس هذا من المسألة المذمومة ؛ لما روى الترمذي (681) والنسائي (2600) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنْ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ ) وصححه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي .
ورواه أبو داود (1639) بلفظ : ( الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا ) .(/2)
قال في "سبل السلام" (1/548) : " كد أي خدش وهو الأثر ، وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه ; لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال ، ولا منّة للسلطان على السائل ; لأنه وكيل ، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه " انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم شحذ الناس، أرجو التفصيل، متى يجوز ومتى لا يجوز؟
فأجابوا : "تحرم المسألة إلا من سلطان ، أو في أمر لا بد منه ؛ كإصابة المسلم بحاجة تحمله حمالة ونحو ذلك ، قال عليه الصلاة والسلام : ( المسألة كد يكد بها الرجل وجهه ، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه ) ، وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة : ( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا حاجة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، -أو قال- سدادا من عيش ، فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكله صاحبه سحتا ) رواه مسلم .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن قعود " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/76) .
وحديث قبيصة فيه تفسير الأمر الذي لابد منه ، ودل هو وحديث سمرة على أن المسألة تباح في حالتين : سؤال ذي السلطان ، والسؤال في الأمر الذي لابد منه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105912
العنوان:
حلف بالطلاق على شيء وحنث وهو لم يدخل بزوجته
السؤال:
تعودت منذ الصغر على لفظ (علي بالطلاق علي بالطلاق) فكانت في شكل مزحة ثم صارت صفة فيَّ .. تم عقد نكاحي على ابنة خالي قبل يوم واحد بالضبط .. لم أدخل بها .. وقعت في ورطة مع التعود وبالمزاح مع أحد الأصدقاء قلت له علي بالطلاق وبالتأكيد لم أقصدها لأنها كانت في شكل مزحة وكذبة أصدقاء على سبيل المزاح كما هو المعتاد بيننا ..
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اعتياد الحلف بالطلاق منكر يلزمك اجتنابه ؛ لأن الحلف لا يكون إلا بالله تعالى ، ولأن الطلاق لم يشرع للتسلية والمزاح واللعب ، بل شرع عند الحاجة إليه لنقض الميثاق الغليظ الذي هو الزواج ، ومن أكثر الحلف به ربما أوقع الطلاق وبانت منه امرأته ، وكان سببا في تمزيق شمل أسرته من حيث لا يريد .
ثانيا :
الحلف بالطلاق كقول الرجل : علي الطلاق أن أفعل كذا ، أو لا أفعل كذا ، أو أنه حصل كذا ، أو لم يحصل كذا ، اختلف فيه أهل العلم ، فجمهورهم على أن الطلاق يقع عند الحنث .
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين ، فأراد صاحبه الحث على شيء أو المنع منه ، أو تصديق شيء أو تكذيبه ، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط ، ولا يقع طلاقه . وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين : " الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين ، لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) التحريم / 1-2 . فجعل الله تعالى التحريم يميناً . ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) البخاري (1)، وهذا لم ينو الطلاق وإنما نوى اليمن ، أو نوى معنى اليمين ، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين ، هذا هو القول الراجح " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/754).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن قال لزوجته : علي الطلاق تقومين معي ، ولم تقم معه . فهل يقع بذلك طلاق ؟
فأجابت : "إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق ، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء ، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86).
وعليه ؛ فإذا كنت لم ترد الطلاق ، وإنما أردت التهديد أو الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب ، ثم حنثت ، فإنه يلزمك كفارة يمين ، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام .
وإذا كنت حلفت بالطلاق على أمر مضى تعلم أنك كاذب فيه ، فإنه تلزمك التوبة من الكذب ، ولا يلزمك كفارة يمين ، لأن من حلف يميناً كاذباً لا كفارة عليه عند جمهور العلماء ، لأن اليمين الغموس أعظم من أن تكفر ، وعلى صاحبها أن يتوب إلى الله تعالى ، ولا يعود إلى ذلك .(/2)
وأما كون الحلف قبل الدخول ، فهذا غير مؤثر في الحكم ، فمن طلق زوجته قبل الدخول ، طلقت ، ولا رجعة له عليها ، لأنها لا عدة عليها .
فاحذر ذلك ، وأمسك لسانك ، واتق الله تعالى في كلماتك .
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
105913
العنوان:
هل يتزوج بنت أخته من الزنا؟
السؤال:
والدي قد أخطأ مع امرأة عمي ونتيجة الخطأ أنجب منها بنتا وهذه البنت تزوجت وأنجبت بنتا وقمت أنا بخطبة هذه البنت هل هي تجوز شرعا لي ؟
الجواب:
الحمد لله
البنت من الزنى لا يحل للزاني أن ينكحها ، ولا لأحد من أبنائه ، وكذلك بنت البنت من الزنى ، لا تحل للزاني ولا لأبنائه .
وهذه الفتاة بالنسبة لك هي بنت أختك من الزنا ، فلا تحل لك .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا ، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى من "المغني" (7/91).
والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم ، لكن هذا هو مذهب الجمهور ، وهو الأحوط .
وهذا لا يعني أنك تصير مَحْرما لهذه الفتاة ، فيحل لك النظر لها والخلوة بها ، فإن التحريم في النكاح لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " الحرام المحض : وهو الزنا : يثبت به التحريم ، ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر " انتهى بتصرف .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
105946
العنوان:
إعطاء الزكاة للجمعيات الخيرية لتوزيعها
السؤال:
هل يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى حسابات الجمعيات الخيرية الخاصة بالزكاة مع وجود أشخاص قد يستحقونها في نفس البلدة التي أعيش فيها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى حسابات الجمعيات الخيرية ، ليتولوا توزيعها ، إذا كان القائمون عليها ثقات يتحرون إخراج الزكاة في مصارفها الشرعية .
والأصل في الزكاة أن تصرف في فقراء البلد التي بها المال ، وإن دعت حاجة إلى نقلها ، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة ، أو أقرباء للمزكي بجانب أنهم فقراء ، أو نحو ذلك : جاز النقل .
وينظر : سؤال رقم (13064) ورقم (43146)(/1)
رقم السؤال:
105953
العنوان:
هل يجزئ إخراج الثياب المستعملة في كفارة اليمين؟
السؤال:
في كفارة اليمين هل تكفي مائة ريال تعطى للجمعيات الخيرية دون البحث عن أشخاص وإطعامهم ؟ وهل إعطاء الجمعيات الخيرية ملابس قديمة عند الشخص وزائدة عن حاجته بغرض إيصالها للمحتاجين يكفي لكفارة اليمين من باب الكسوة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/89 .
وسبق بيانها بالتفصيل في جواب السؤال رقم (45676) .
ويجوز أن توكل من يطعم المساكين أو يكسوهم ، سواء كان الوكيل جمعية خيرية أو شخصا تعرفه ، مع التأكد من أن الوكيل لن يخرجها نقودا ، وإنما سيخرجها طعاما لعشرة مساكين .
وينبغي أن يعلم : أن الواجب في كفارة اليمين إذا كان سيخرجها طعاما ، أن تكون من وسط طعامه ، فلا يلزمه أن يخرجها من أفضل ما يأكل ، ولا يجوز له أن يخرجها من الأقل ، بل من الوسط ، لقول الله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) المائدة/89 .
وحينئذ ؛ يكون تحديدها بـ 100 ريال غير دقيق ، لأنه قد يكون غنياًّ ، فيكون الوسط من طعامه قيمته أكثر من ذلك بكثير ، وقد يكون فقيرا ، فيكون طعامه دون ذلك ، فكل إنسان يخرج الكفارة من أوسط طعامه ، سواء كان غنيا أو فقيرا .
ثانيا :(/1)
الكسوة المجزئة في كفارة اليمين هي ما يصلح للصلاة ، كقميص (ثوب) أو إزار ورداء ، ولا يشترط أن يكون جديدا ، فيجوز إخراج ثياب مستعملة إذا لم تكن قد بليت وذهب نفعها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويجوز أن يكسوهم لبيساً أو جديداً , إلا أن يكون مما قد بلي وذهبت , منفعته , فلا يجزئ ; لأنه معيب" انتهى من "المغني" (10/9).
وقال العدوي في حاشيته على شرح الرسالة (2/26) : " وهل يشترط أن تكون الكسوة جديدة أو لا ؟
والظاهر : أنه لا يشترط ، بل حيث كانت قوية لم تذهب فهي بمنزلة الجديدة " انتهى .
فإذا أخرجت عشرة أثواب ، واعطيتها للجمعية لتوزعها على عشرة مساكين ، جاز ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105958
العنوان:
أهمية التحري في نقل ورواية الأحاديث
السؤال:
ذكرت لأحد الأصدقاء حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم وعندما تركته اكتشفت أني ذكرته بصيغة خاطئة كأن أقول مثلا : ( من قال لأخيه : يا كافر فقد كفر ) وكان ذلك بغير قصد مني ، فهل علي إثم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الناقل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يتحرى الدقة ، فينقل اللفظ كما هو ، أو ينقل المعنى نقلا صحيحا ، حتى لا ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله .
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من يبلغ حديثه كما هو ، فقال : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) رواه الترمذي (2657) وأبو داود (3660) وابن ماجه (230) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن كثير رحمه الله في رواية الحديث بالمعنى : " وأما روايته الحديث بالمعنى: فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى: فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة.
وأما إذا كان عالماً بذلك ، بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها ، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك : فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً ، وعليه العمل ، كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها ، فإن الواقعة تكون واحدة ، وتجيء بألفاظ متعددة ، من وجوه مختلفة متباينة .
ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث، منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء الأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد. وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك. والله أعلم.
وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس رضي الله عنهم يقولون - إذا رووا الحديث - : " أو نحو هذا " ، أو " شبهه " ، " أو قريباً منه "" انتهى من "الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث" .
ثانيا :(/1)
قد أخطأت فيما نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يقل : ( من قال لأخيه : يا كافر فقد كفر ) وإنما بين صلى الله عليه وسلم أن من قال لأخيه يا كافر : إما أن يكون محقا فلا يلحقه شيء ، وإما أن لا يكون أخوه كذلك فيرجع الكفر عليه .
روى البخاري (6104) ومسلم (60) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ : يَا كَافِرُ ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) .
وعند أبي داود (4687) ( أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا ، وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْكَافِرُ) .
وروى البخاري (6045) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ ) .
فينبغي أن تتحرى الدقة فيما تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونرجو أن يعفو الله عنك في خطئك الذي لم تتعمده .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
105998
العنوان:
من علق الطلاق على شيء ففعله ناسيا أو مكرها
السؤال:
نويت إن فعلت أمرا ما أن تطلق زوجتي بنية الطلاق فعلا ، فهل إذا فعلت هذا الأمر مضطرا يقع الطلاق ؟ وهل إذا كررت هذا الفعل يقع الطلاق في كل مرة ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر مقتصرا على نية الطلاق فقط ، ولم تتلفظ ، فلا يقع الطلاق .
قال ابن قدامة رحمه الله : (7/373) : " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق , إلا في موضعين ; أحدهما : من لا يقدر على الكلام , كالأخرس إذا طلق بالإشارة , طلقت زوجته . وبهذا قال مالك , والشافعي , وأصحاب الرأي . ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ...
الموضع الثاني : إذا كتب الطلاق , فإن نواه طلقت زوجته ، وبهذا قال الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم , وأبو حنيفة , ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ..." انتهى .
وأما إذا كنت تلفظت بالطلاق ، وعلقته على فعل شيء معين بنية الطلاق ، فإن الطلاق يقع عند فعل هذا الشيء ، إلا أن تفعله ناسيا أو مكرها ، فلا يقع الطلاق .
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/178) : "متى حلف بطلاق أو غيره على فعل نفسه ففعله ناسيا للتعليق ، أو ذاكرا له مكرها على الفعل ، أو مختارا جاهلا بالمعلق عليه لا بالحكم : لم يحنث ؛ للخبر السابق : ( إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . أي لا يؤاخذهم بشيء من هذه الأمور الثلاثة ما لم يدل دليل على خلافه كضمان المتلف ، فالفعل مع ذلك كَلا فعل " انتهى .
فإذا كان مقصودك بالاضطرار أنك أُكرهت على الفعل ، فلا يقع الطلاق ، وإن لم تكن مكرها وقع الطلاق .
وإذا لم يقع الطلاق لأجل النسيان أو الإكراه ، فإن الطلاق المعلق يظل بحاله ، فإذا فعلت الأمر فيما بعد ، وقع الطلاق .(/1)
وأما هل يقع الطلاق كلما فعلت ؟ فهذا يرجع إلى اللفظ الذي تكلمت به ، فإن قلت : إن فعلت كذا طلقت زوجتي ، فلا يقع الطلاق إلا مرة واحدة . وإن قلت : كلما فعلت كذا طلقت زوجتي ، تكرر الطلاق بتكرر الفعل .
وأما إذا لم تقل شيئا ، وكان الأمر مجرد نية ، فلا يقع شيء من الطلاق ، كما سبق .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106042
العنوان:
رسم الأشخاص من الجهة الخلفية
السؤال:
ما حكم رسم الأشخاص من الخلف ؟
الجواب:
الحمد لله
محل التحريم في الرسم والتصوير هو الوجه ، فإنه المقصود من الرسم أصلا ، حتى إن لفظ
" الصورة " إذا أطلق انصرف إليه .
جاء في "لسان العرب" (4/471) : " قال ابن سِيدَه : الصورة في الشكل " انتهى .
وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ رضي الله عنه : (أَنَّ جَارِيَةً لَهُ لَطَمَهَا إِنْسَانٌ ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمَةٌ) رواه مسلم (1658) .
قال الحافظ ابن حجر "فتح الباري" (1/176) : " أي : الوجه الذي لا يحل ضربه " انتهى .
فإذا كانت الصورة لا تظهر فيها ملامح الوجه ، لم يعد فيه ما يوجب المنع والتحريم .
ويدل لذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن قول جبريل عليه السلام له : (فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ) رواه أبو داود (4158) والترمذي (2806) وقال حسن صحيح . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال ابن قدامة في "المغني" (8/111) :
" فإن قَطَعَ رأسَ الصورة ذهبت الكراهة . قال ابن عباس : الصورة الرأس ، فإذا قطع الرأس فليس بصورة . وحكي ذلك عن عكرمة " انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين – كما في "مجموع الفتاوى" (2/278،279) :
" إذا لم تكن الصورة واضحة ، أي : ليس فيها عين ، ولا أنف ، ولا فم ، ولا أصابع : فهذه ليست صورة كاملة ، ولا مضاهية لخلق الله عز وجل " انتهى .
وقال الشيخ أيضاً في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/150، سؤال/23) وقد سئل عن حكم تصوير الآدمي من قفاه ، فتعجب من وقوعه والغرض منه ثم قال :
" وإذا قدر أنها وجدت فليست بصورة ، يعني : هذه مثل الظل ، مثل إنسان يمشي في الشمس يكون له ظل " انتهى .
وعلى هذا ؛ فلا حرج في رسم وتصوير الشخص من الخلف .(/1)
وانظر جواب السؤال رقم (102988) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106043
العنوان:
قال لزوجته تحرمي علي لو كلمت فلانة
السؤال:
حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي وقلت لها : لو كلمت فلانة تحرمي علي ، وذلك على سبيل التهديد ، وبعدها قامت الأخرى بالاتصال بزوجتي دون أن تعرف ، فما موقفي ؟ وهل يعتبر ظهارا أم طلاقا ؟ أم أنه يوجب كفارة حلف اليمين حيث إنني لم أقصد بكلامي الطلاق أو الظهار .
الجواب:
الحمد لله
إذا قال الزوج لزوجته : أنت حرام علي ، ولم يقصد طلاقا ولا ظهارا ، فالراجح من كلام أهل العلم أن هذا حكمه حكم اليمين ، ولا يقع به طلاق أو ظهار .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81984).
وعلى هذا ؛ فإذا كلمت زوجتك هذه المرأة ، فعليك كفارة يمين ، ولمعرفة هذه الكفارة بالتفصيل راجع جواب السؤال رقم (45676) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106051
العنوان:
حكم الأكل مما صاده تارك الصلاة
السؤال:
لي قريب مولع بالقنص ، وهو شخص لا يصلي ، فهل يجوز لي أكل ما يقتنصه ، مع العلم أنه قد لا يذكر اسم الله قبل القنص ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً : سبق في جواب السؤال رقم (2182) بيان حكم تارك الصلاة ، وأن تاركها كافر .
وعليك بالاجتهاد في نصح قريبك ، وتذكيره بخطر ترك الصلاة ، وعظم جرم ذلك ، وللاستفادة راجع جواب السؤال (47425) ، ففيه بيان الطريقة لدعوة تارك الصلاة ، فإن أعرض بعد إقامة الحجّة عليه ، فإنك تفارقه وتهجره ؛ حتى لا يؤثر فيك .
وانظر جواب السؤال رقم (4420) .
ثانياً :
يشترط لحِلِّ الصيد أن يكون الصائد ممن تحل ذبيحته ، بأن يكون مسلماً أو كتابياً ، فلا يحل صيد المشرك والمجوسي والشيوعي الملحد والمرتد ونحو ذلك .
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/218) : " يشترط في الصيد أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ ، أَيْ : مِمَّنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكِّي فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ " انتهى بتصرف .
فعلى هذا ؛ لا يحل لك الأكل مما صاده قريبك ؛ وذلك لأن تارك الصلاة كافر مرتد ، فلا تحل ذبيحته ولا صيده .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
106053
العنوان:
حكم الأذان لمن صلى في غير المسجد
السؤال:
نحن نعمل في مصانع البتر وكيماويات والبترول نصلي جماعة في مصلى خاص داخل غرفة التحكم والمراقبة ، علما أن المسجد يبعد 100 متر تقريبا من مبنى الغرفة ، وبحكم طبيعة عملنا لا نستطيع ترك المصنع من دون مراقبة ، لذلك نضطر أحيانا إلى تأخير أداء الصلاة إلى ما بعد صلاة المسجد بدقائق معدودة ننتظر أن يأتي من صلى بالمسجد ؛ لينوب عنا ونقوم بالصلاة خاصة في حالات الطوارئ . السؤال : هل يجب علينا الأذان أم نكتفي بالإقامة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
صلاة الجماعة واجبة في المسجد ، لكن إذا كان في حضور الإنسان إلى المسجد تضييع للمصلحة العامة ، أو كان في حضوره حصول لبعض الأضرار ، -كما في حالتكم – فإنه لا حرج عليه من الصلاة جماعة في مكان عمله .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم : (82395) .
ثانياً :
الأذان والإقامة فرضا كفاية ؛ لحديث ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ) .
رواه البخاري ( 602 ) ومسلم ( 674 ) .
وينبني على كون الأذان فرض كفاية أنه إذا أذن من يسمعه أهل المكان ، فقد حصلت الكفاية ، فلا يجب حينئذ الأذان على كل جماعة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/46) : "إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة ، كما لو نام جماعة في غرفة ، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس ، فلا يجب عليهم الأذان ؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ ، لكن عليهم الإقامة" انتهى .
فعلى هذا ؛ لا يلزمكم الأذان ؛ وأذان المسجد القريب منكم يكفيكم ، أما الإقامة ، فإنكم تقيمون الصلاة ؛ لأن في ذلك إعلاماً للحاضرين .(/1)
والأفضل لكم أن تؤذنوا ؛ حتى تنالوا ثواب القيام بهذه العبادة ، وقد روى ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أنه دخل المسجد بعد انتهاء الناس من الصلاة ، فأمر بعض من معه فأذن وأقام ، ثم تقدم أنس رضي الله عنه وصلى بهم . صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/318) .
وإن اقتصرتم على الإقامة فلا حرج .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (10078) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
106094
العنوان:
حكم المتاجرة في العملات بنظام الفوركس مع دفع رسوم على التبييت
السؤال:
هل يجوز التعامل في العملات فيما يسمى الفوركس والذي يتم التداول فيه عن طريق الإنترنت ؟ وما رأيكم في التبييت وكذلك تأخر التسليم (المقاصة) من يوم إلى يومين بعد إنهاء العقد ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز الاتجار في العملات إذا تحقق القبض ، وسلمت المعاملة من الشروط الربوية ، كاشتراط رسوم التبييت ، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه .
أما القبض فسبق الكلام عليه في جواب السؤال رقم (72210) .
وأما رسوم التبييت والمتاجرة بالهامش ، فقد صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي ، وهذا نصه :
" الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه . أما بعد :
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، برابطة العالم الإسلامي ، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، في الفترة من 10-14/3/1427هـ الذي يوافقه 8-12 إبريل 2006م ، قد نظر في موضوع : ( المتاجرة بالهامش ، والتي تعني ( دفع المشتري [العميل] جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه يسمّى [هامشاً] ، ويقوم الوسيط [ مصرفاً أو غيره ] ، بدفع الباقي على سبيل القرض ، على أن تبقى العقود المشتراة لدى الوسيط ، رهناً بمبلغ القرض .
وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت ، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع ، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي :
1- المتاجرة ( البيع والشراء بهدف الربح ) ، وهذه المتاجرة تتم غالباً في العملات الرئيسية ، أو الأوراق المالية ( الأسهم والسندات ) ، أو بعض أنواع السلع ، وقد تشمل عقود الخيارات ، وعقود المستقبليات ، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسة .
2- القرض ، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفاً ، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفاً .(/1)
3- الربا ، ويقع في هذه المعاملة من طريق ( رسوم التبييت ) ، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه ، والتي قد تكون نسبة مئوية من القرض ، أو مبلغاً مقطوعاً .
4- السمسرة ، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر ( العميل ) عن طريقه ، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء .
5- الرهن ، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهناً بمبلغ القرض ، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش ، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة.
ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية :
أولاً : ما اشتملت عليه من الربا الصريح ، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض ، المسماة (رسوم التبييت) ، فهي من الربا المحرم ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278، 279 .
ثانيا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه ، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة ( السمسرة ) ، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع ، المنهي عنه شرعاً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل سلف وبيع ...) الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال : حديث حسن صحيح . وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه ، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم .
ثالثاً : أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالباً ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعاً ، ومن ذلك :(/2)
1- المتاجرة في السندات ، وهي من الربا المحرم ، وقد نص على هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم ( 60 ) في دورته السادسة .
2- المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز ، وقد نص القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم ، أو بعض معاملاتها ربا .
3- بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجيز التصرف .
4- التجارة في عقود الخيار وعقود المستقبليات ، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة ، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً ، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه .. ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر .
5- أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك ، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعاً .
رابعاً : لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة ، وخصوصاً العميل (المستثمر) ، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة . لأنها تقوم على التوسع في الديون ، وعلى المجازفة ، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات ، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار ، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة ، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل ، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديا ، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضرار فادحة .
ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته ، ولا تحدث آثاراً اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها ، والله ولي التوفيق .(/3)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " انتهى من "مجلة المجمع الفقه الإسلامي" العدد 22 ص 229
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
106137
العنوان:
رواية الحديث بالمعنى
السؤال:
أحيانا أنصح الآخرين عندما أراهم على خطأ وأبين لهم الأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ولكن أحيانا أنسى الأحاديث وأذكرها بصيغة مقاربة للصيغة الأصلية أو ذكر جزء من الحديث أو ذكر معناه دون التعرض للمعنى الأصلي ، فهل هذا جائز أو يدخل في باب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأنا أحيانا أتراجع عن النصح خوفا من الوقوع في الخطأ ، وأن أضل نفسي وغيري والعياذ بالله من الضلال ، وبماذا تنصحوني في مثل هذه الحالة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قيام الإنسان بالدعوة إلى الله هذا من أجل الأعمال وأسماها عنده سبحانه وتعالى ، كيف لا ، وهي وظيفة من اصطفاهم الله من خلقه من الأنبياء والرسل ، ومن ورث منهجهم من العلماء والدعاة ، قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف /108 .
وقد امتدح الله سبحانه من سلك تلك الطريق بقوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33 .
لكن يشترط فيمن تصدَّر لدعوة الناس إلى شيء من أمر الدين أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه ، ولا يشترط أن يكون عالما بالدين كله ؛ لما روى البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" : " و قال في الحديث : ( ولو آية ) ، أي : واحدة ، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ، ولو قَلَّ ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه ، أو طالب علم مُجِدٍّ في طلبه ، أو عامياً لكنه علم المسألة علماً يقيناً .. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( بلغوا عني ولو آية ) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغاً كبيراً في العلم ، لكنه يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه ، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز " انتهى .
"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 329 .
ثانياً :
يجوز للإنسان أن يروى الحديث بمعناه عند جمهور أهل العلم ، لمن كان عارفاً باللغة ، ويأمن من اللحن وتغيير المعنى الذي به يتغير الحكم ، وأن لا يكون ذلك التغيير في الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " رواية الحديث بالمعنى ، معناه : نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه .
وهو يجوز بشروط ثلاثة :
1 - أن تكون مِنْ عارفٍ بمعناه : من حيث اللغة ، ومن حيث مراد المروي عنه .
2 - أن تدعو الضرورة إليها ، بأن يكون الراوي ناسياً للفظ الحديث حافظاً لمعناه ، فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره ، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته .
3 - أن لا يكون اللفظ متعبداً به : كألفاظ الأذكار ونحوها " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" .
فعلى هذا ؛ لا بأس أن تروي الحديث بالمعنى إذا لم تكن حافظاً لفظه ، شريطة أن لا يكون في كلامك تغيير للمعنى المقصود من الحديث .
وأخيراً ، نشكر لك اهتمامك بنصح إخوانك المسلمين ، ونبشرك إذا أخلصت النية لله تعالى بالثواب الجزيل .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
106150
العنوان:
ذهبت إلى بيت أهلها وأصبحت تخرج بدون إذن زوجها
السؤال:
زوجتي في زيارة لبيت أهلها في بلدنا الأصلي ، وقد طلبت منها أن لا تخرج من البيت إلا بإذني وهي ترفض أن تأخذ الإذن مني وتخرج أين ما تريد وبعلم أهلها وبتشجيع منهم وهم الذين يوصلونها ، وتقول بأني ليس لي عليها سلطان ، فهل لكم من كلمة توجهونها لها ولأسرتها لعل الله يوصلها لقلوبهم . وللعلم فهي ذهبت زيارة لأهلها مغاضبة مع أطفالها الأربع وهي حامل بالخامس ، فما الحل هل أطلقها وأرتاح أم ماذا ؟ أيضاً : عندما كانت معي في بيتي في مدينة منتريال (كندا) ، فكانت تخرج من البيت بإذني ، وفي مرة من المرات خرجت بدون إذني وفعلت أشياء بدون معرفتي ، وعندما علمت غضبت لذلك وقلت لها : أنت طالق إذا تخرجي من البيت بدون إذني ، والحقيقة : أني عندما علقت الطلاق على الخروج لم يكن يدور في بالي بيت أهلها ولم يكن في حسباني أنها سوف تكون في بيت أهلها بعد سنة ، فهل يقع خروجها من بيت أهلها تحت تعليقي الطلاق على الخروج من البيت بدون إذن ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ، فإن خرجت دون إذنه ، كانت عاصية ناشزا ، تسقط نفقتها ، وتأثم بذلك . لكن يستثنى حالات الاضطرار ، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة ، منها : إذا خرجت لشراء ما لا بد منه ، أو خافت من انهدام المنزل ، ونحو ذلك .
انظر : "أسنى المطالب مع حاشيته" (3/239) .
قال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : "ويحرم خروج الزوجة بلا إذن الزوج أو بلا ضرورة ، كإتيانٍ بنحو مأكل ; لعدم من يأتيها به" انتهى .
ولا فرق في ذلك بين أن تكون الزوجة في بيت زوجها أو بيت أهلها ، فليس لها أن تخرج إلا بإذنه ، فإذا منعها وجب عليها امتثال ذلك ، لأنها مأمورة بطاعة زوجها في غير المعصية ، وقد جعل الله تعالى له القوامة عليها ، وهو مسئول عنها .(/1)
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في الخروج حتى لزيارة أهلها : ما جاء في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( أتأذن لي أن آتي أبوي ) رواه البخاري (4141) ومسلم (2770).
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : "فيه : أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها " انتهى.
ولهذا نوصي الزوجة بتقوى الله تعالى ، ومعرفة حق زوجها ، ووجوب طاعته ، وترك التمرد عليه ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه ، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قَتَب ) .
قال الهيثمي : رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح . "مجمع الزوائد" (4/309) .
والقَتَب هو ما يوضع على البعير تحت الراكب .
كما نوصي أهلها بإعانتها على الطاعة ، وتحذيرها من المعصية ، وليحذروا من إعانتها على مخالفة زوجها ، وعصيان أمره ، فإن ذلك من إفسادها عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أفسد امرأة على زوجها فليس منا) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (324) .
ثانيا :
لا ينبغي أن تتسرع في الطلاق ، لا سيما مع وجود ما ذكرت من الأولاد ، بل حاول أن تعالج هذه المشاكل في جو من الود والتفاهم ، وأن تراعي حق زوجتك ، وما لها من طول الصحبة معك ، ولا يخفى عليك أن البيوت لا تسلم من مثل هذه المنغصات .
ثالثا :(/2)
قولك لزوجتك : أنت طالق إذا تخرجي من البيت بدون إذني ، إذا كانت نيتك فيه منعها من الخروج في منتريال بدون إذنك ، فلا يقع الطلاق إذا خرجت في بلدك الأصلي . وإن كانت نيتك عامة ، وتريد منعها من أي خروج إلا بإذنك ، فإن خرجت ولو في بلدك الأصلي بلا إذن ، وقعت عليها طلقة واحدة .
وينظر جواب السؤال رقم (82400) للفائدة .
ونسأل الله تعالى أن يصلح حالكما ، ويوفق بينكما ، وأن يذهب عنكما نزغات الشيطان .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
106193
العنوان:
أصابها حريق وترك آثارا فهل يلزمها إخبار الخاطب به ؟
السؤال:
أنا بنت في الخامسة والعشرين من العمر كنت قد تعرضت لحادث أصبت نتيجته بحروق لا زالت آثارها موجودة في مناطق من رجلي الاثنين ، وأنا الآن مخطوبة فهل يجب علي إبلاغ الخاطب بهذه الآثار قبل عقد القران علما بأني أود أن أخبره بها لكني أخجل من التحدث إليه .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان أثر الحريق كبيراً ، مشوهاً مما يحتمل أن يكون منفّرا للزوج ، فلابد من إخباره قبل العقد ؛ لأن كتمانه يعد غشا وتدليسا ، والقاعدة : أن كل عيبٍ ينفر الزوج منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة ، يجب بيانه ولا يجوز كتمانه .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (103411) .
وإذا كان الأثر ليس ظاهرا جدا ، أو ليس من شأنه أن يوجد النفرة ، فلا يجب إخبار الخاطب به ؛ لأنه لا يعد عيبا من عيوب النكاح .
وفي حال لزوم إخبار الزوج ، فليكن ذلك عن طريق أبيك أو أخيك ، ولتتجنبي الحديث مع الخاطب إلا عند الحاجة ، لأنه أجنبي عنك كسائر الأجانب .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106196
العنوان:
هل يجوز للإنسان أن يأكل الخل
السؤال:
ما حكم أكل الخل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأصل في الأطعمة أنها حلال ، إلا ما دل الدليل على تحريمه ؛ قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) المائدة/93 ، وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) البقرة/29 ، وقال تعالى : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الأنعام/145 .
ثانياً :
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل الخل ، بل ومدحه وأثنى عليه ، روى مسلم (2052) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ ، فَقَالُوا : مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ ، فَدَعَا بِهِ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ ، وَيَقُولُ : نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ ، نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ) .
(الأُدُم) جمع إدام وهو ما يؤكل بالخبز .
قال النووي رحمه الله في "شرح حديث مسلم" :
"في الحديث فضيلة الخل وأنه يسمى أُدُماً ، وأنه فاضل جيد" انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (19/262) : " لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَكْلِ وَشُرْبِ الْخَلِّ , سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْعِنَبِ أَمْ غَيْرِهِ , كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ أَكْلِ خَلِّ الْخَمْرِ الَّتِي تَخَلَّلَتْ (أي تحولت إلى خل) بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ عِلَاجٍ ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ ) " انتهى.
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
106252
العنوان:
يعمل محاسبا ويترك صلاة الجماعة لذلك أحيانا
السؤال:
طبيعة عملي محاسب ويحين وقت الصلاة فلا أستطيع أن أصلي جماعة في بعض الأحيان حتى يأتي زميلي ويبدلني ، علما أني في خارج العمل أحافظ على الصلوات الخمس في المسجد .
الجواب:
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة على الرجال القادرين ، في أصح قولي العلماء ، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (8918) .
ويستثنى من ذلك من كان في عمل لا يمكنه تركه لترتب الضرر الواضح بذهابه ، كالعامل في حراسة الأماكن الهامة ، والطبيب أثناء إجراء العملية ونحوهم ، فهؤلاء لهم التخلف عن الجماعة.
وأما العمل في المحاسبة فلا يظهر وجه ترك الجماعة لأجله ؛ إذ بالإمكان إغلاق دفاتر المحاسبة وأجهزتها والغرفة الخاصة بموظفيها ، إلى أن تؤدى الصلاة ، وليس لصاحب العمل أن يمنع الموظفين من صلاة الجماعة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72895) .
فنوصيك بالحرص على صلاة الجماعة ، وبذل الأسباب المعينة على ذلك ، ومناصحة القائمين على العمل بخصوصها ، فإن الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي سبب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106284
العنوان:
زكاة العملات إن جمعت على سبيل الهواية
السؤال:
لدي هواية جمع العملات من عدة دول مختلفة ، وأنا أحتفظ بها أكثر من 4 سنوات وسمعت أنه يجب أن أقوم بدفع الزكاة ، وأنا لم أدفع شيئاً حتى الآن من الزكاة - علماً بأن مجموعها قرابة الألف - ، فكيف أزكي تلك العملات ؟
الجواب:
الحمد لله
لم تبين في سؤالك هل ما جمعته من العملات القديمة ، أو الحديثة التي لا يزال الناس يتعاملون بها ؟ .
والعملات لا تخلو من حالتين :
الحال الأولى : أن تكون العملات التي جمعتها قديمة ، وقد انتهى التعامل بها ، فهذه نوعان :
1. أن تكون العملة من الذهب والفضة ، فهذه تجب فيها الزكاة إذا كانت نصاباً بنفسها ، أو كان عندك من الذهب أو الفضة ما يكمل النصاب ، فتزكيها كل سنة .
ونصاب الذهب 85 جراما ونصاب الفضة 595 جراما .
2. أن تكون العملة من غير الذهب والفضة ، وقد انتهى التعامل بها الآن ، فهذه لا تجب فيها الزكاة ؛ لأنها فقدت قيمتها النقدية .
الحال الثانية : أن تكون العملات التي جمعتها هي عملات قائمة الآن ومتداولة ، فهذه فيها الزكاة سواء كانت من ذهب أو فضة ، أو كانت من الأوراق النقدية المعروفة أو من المعادن إذا بلغت نصابا ، وسبق بيان نصاب الذهب والفضة ، أما نصاب النقود فهو إذا بلغت النقود قيمة نصاب الذهب أو الفضة أيهما أقل .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : لي قريب كان لديه هواية في جمع العملات الأجنبية قديماً , وانقطع عنها , فهل يزكي عنها أم لا ؟ وإذا كانت هذه العملات قد مضى عليها الزمن ولا يتعامل بها , فما الحكم ؟(/1)
فأجاب : " إذا كان اتخذها على سبيل التجارة أي : يتكسب فيها , فيشتري هذه العملة بـ(10) ثم يبيعها بعد ذلك بـ(20) ، فهذه عروض تجارة , تقدر قيمتها عند تمام الحول ، ويخرج ربع العشر ، وأما إذا كان مجرد هواية واقتناء فإن بقيت ماليتها أي : مالية هذه النقود , فهي على قيمتها تزكى قيمتها , وإن أبطلت وانتهى التعامل بها ، فلا شيء فيها " انتهى .
فعلى هذا ، إذا كانت هذه العملات التي معك هي من الذهب أو الفضة ، أو كانت يتعامل بها الآن ففيها الزكاة ، وعليك الاجتهاد في تقويمها لكل سنة مضت وإخراج الزكاة ، وهو ربع العشر .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
106285
العنوان:
طلقها وراجعها في الحمل ثلاث مرات
السؤال:
أنا فتاة طلقني زوجي وأنا في الشهر الأول من الحمل ثم استرجعني بعد شهر من الطلاق ، فحصل بيننا مشاكل زوجية فطلقني مرة أخرى وأنا في الشهر السادس ثم استرجعني بعد ذلك ، ثم طلقني وأنا في الشهر الثامن ، فما حكم الطلاق في هذه الحالة ؟
الجواب:
الحمد لله
الطلاق في الحمل طلاق صحيح واقع ، فإذا طلق الرجل زوجته وهي حامل ، فعدتها إلى وضع الحمل ، وله أن يرجعها أثناء حملها ، فإن عاد وطلقها ثانية أثناء الحمل ، وقع الطلاق ، فإن أرجعها ثم عاد وطلقها في حملها ، وقع الطلاق أيضا ، وبانت منه ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
وما يشيع عند بعض الناس أن طلاق الحامل لا يقع ، لا أصل له .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها ، وهو قوله : (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) البقرة/228. رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (2/448) والبيهقي (7/367).
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يجوز تطليق الزوجة الحامل أم لا ؟
فأجاب : "طلاق الحامل لا بأس به ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر لما طلق امرأته وهي حائض : ( راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم طلقها إن شئت طاهراً قبل أن تمسها أو حاملاً ) " انتهى من "فتاوى إسلامية".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والغريب أن بعض العوام يظنون أن الطلاق في الحمل لا يقع ، ولا أدري من أين أتاهم هذا ، الطلاق في الحمل يقع ، حتى لو جامعها الإنسان وهي حامل وطلقها قبل الغسل من الجنابة وقع الطلاق ، إذاً طلاق الحامل من أوكد الطلاق وقوعاً " انتهى من "اللقاء الشهري" (3/495).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106318
العنوان:
تحية المسجد الحرام
السؤال:
ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين ؟ وما الراجح ؟ وما صحة حديث : ( تحية البيت الطواف ) ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين :
الأول : أن يدخله بقصد الطواف ، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً :
فهذا أول ما يبدأ به الطواف ، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف ، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه ، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء ، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد ، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" - .
ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف ، فيصلي ركعتين تحية المسجد ، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف .
الثاني : أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات :
فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد ؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )
أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714)
وأما ما يرويه الناس من حديث ( تحية البيت الطواف ) فليس له أصل في كتب السنة ، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا ، فلا يجوز نسبته إليه .
قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) :
" لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة ، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ :
( من أتى البيت فليحيه بالطواف ) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له ، بقوله (2/51) : " غريب جدا " ، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر ، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده " .(/1)
قلت – أي الشيخ الألباني - : ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه ، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا ، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه ، فلا يقبل إلا بعد ثبوته ، وهيهات ، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم ، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .
وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم ، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده ، انظر : بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى .
وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) :
" من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم ، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران - ، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة - ، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي : الصلاة) عند دخوله . وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع .
وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف ، فإنه يصلي ركعتين...
قال ابن رشد : الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) :(/2)
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت ) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف .
وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف ، ولم يدخله لأجل الطواف ، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم ، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة ، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن : هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف ؟
فأجاب : "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي ، أو ليستمع الذكر ، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد ، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة ، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد ؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
106319
العنوان:
اختلاف وقت الفجر والمغرب بين الدمام والبحرين
السؤال:
هذا السؤال متعلق برمضان في البحرين أنا من أهل الدمام والمعروف لدينا أن الأذان في البحرين لا يختلف عن الأذان في الدمام لاقترابهما ولكن في هذه السنة سمعت أن أذان الفجر في البحرين يكون بعد أذان الفجر في الدمام ، أما أذان المغرب في البحرين فيكون قبل أذان المغرب في الدمام ، فأعتقد والله أعلم أن هناك خطأ في التقويم وإذا كان هناك خطأ مثلاً في البحرين فهل معنى ذلك أنهم يتسحرون في رمضان بعد دخول الفجر أو يفطرون قبل الغروب؟
الجواب:
الحمد لله
وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا ، وهذا هو الفجر الصادق ، وأما الفجر الكاذب ، فهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود ، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة ، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة .
وأما وقت المغرب فيبدأ بغروب الشمس ، ولا حرج في الاعتماد على التقاويم ، ما لم يتبين خطؤها .
وبالرجوع إلى تقويم أم القرى ، تبين أن وقت الفجر في يوم 5 رمضان 1428 الموافق 16/9/2007 ، هو في المنامة : الساعة 01: 4 ، ووقت المغرب : 42: 5
بينما وقت الفجر في الدمام هو : 03: 4 ، ووقت المغرب : 44: 5
وهكذا في جميع أيام الشهر ، يتقدم وقت الفجر والمغرب في البحرين عن وقتهما في الدمام ، بدقائق يسيرة .
ولعلك تراجع الجهة القائمة على التقويم في البحرين ، لمعرفة التقويم المعتمد وصحة ما سمعته عن تأخر وقت الفجر هذه السنة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106328
العنوان:
طلقها ثلاث مرات في طهر جامعها فيه
السؤال:
أنا متزوج من أربعة أشهر وحصل خلاف بيني وبين زوجتي وتدخلت والداتها في الموضوع وقالت لي كلاما غير لائق أفقدني السيطرة على نفسي وقلت لها : بنتك طالق طالق طالق ، واتصلت بوالدها وقلت له : بنتك طالق ثم ذهبت لزوجتي في غرفتها وقلت لها : أنتِ طالق ، كل ذلك بسبب كلام والداتها غير اللائق الذي أجبرني على هذا الشيء ، بدون قصد الطلاق ، وندمت أنا وزوجتي في اليوم التالي ، وسألت زوجتي أحد المشايخ فقال لها : متى آخر مرة جامعك ؟ فقالت : قبل الطلاق بيوم ، فقال : الطلاق غير واقع.. فما رأيكم ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي الحذر من استعمال ألفاظ الطلاق ، فالطلاق لم يشرع للتنفيس أو الانتقام ، بل شرع عند الحاجة إليه لنقض الميثاق الغليظ الذي هو الزواج ، وإذا كان الزوج كلما غضب تكلم بالطلاق ، فربما أوقع الطلاق وبانت منه امرأته ، وكان سببا في تمزيق شمل أسرته من حيث لا يريد.
ثانيا :
الطلاق المشروع هو طلاق الرجل لامرأته وهي حامل ، أو في طهر لم يجامعها فيه ، وأما الطلاق في طهر جامعها فيه فهو طلاق بدعي ، وهل يقع أو لا ؟ جمهور العلماء على وقوعه ، كما أن جمهورهم على أن الطلاق في العدة واقع أيضا ، فإذا طلق الرجل زوجته طلقة ، دخلت في العدة ، فإذا عاد وطلقها ثانية وقع الطلاق ثانيةً ، فإن عاد وطلقها ثالثة ، بانت منه ، ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
وبهذا يتبين لك أن الأمر عظيم ، وأن هذه الكلمة التي تخرج من فمك لها تبعات .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق في الطهر الذي جامعها فيه لا يقع ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم ، وبه يفتي جمع من أهل العلم في هذا العصر .(/1)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه ، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : "شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/1.
والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة . أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة" انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44).
وعلى هذا القول لا يقع عليك شيء من الطلاق .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106399
العنوان:
الدخول إلى غرف المحادثة الأجنبية لأجل الدعوة إلى الله
السؤال:
أنا أقوم بالدعوة ( فقط بقص ولزق عدد من الآيات القرآنية المترجمة والأحاديث النبوية من مواقع إسلامية موثوقة إن شاء الله) بلغات مختلفة عن طريق غرف المحادثة لغير المسلمين علما أني لست من العلماء ولا الدعاة فقط إدراكي بأن هذا المجال أمر سهل جدا ولا عذر لنا بعدم نشر دين الله من هذا الطريق ، علما بأني غالبا ما أستخدم الآيات والأحاديث العامة كـ ( يا أيها الناس, يا بني آدم , يا أهل الكتاب ) وغير ذلك من الأمور المشابهة فقط للفت الانتباه والتشويق لقراءة القران الكريم وأحاول قدر المستطاع أن لا أدخل في مناظرة أبدا معهم لأني لست أهلا لذلك ولا أقوم بإبلاغهم بذلك إلا في الأمور التي أعرفها تماما . هل ما أقوم به جائز ؟ والسبب في طرحي هذا السؤال هو قراءتي لفتواكم -سؤال رقم 83621 - التي تحذر من الدعوة لغير ذوي العلم . وإن كان ما أقوم به غير جائز فأرجو منكم تفسير وتوضيح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) حيث إن هذا الحديث هو سبب حماسي للقيام بهذا الأمر إلا أن فتواكم السابقة هالتني كثيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك واجتهادك في الدعوة إلى الله ، ونسأله سبحانه أن يزيدك اجتهادا وتوفيقا .
ثانياً :
إذا كانت غرف المحادثة المسئول عنها ليس فيها ما يخشى منه الفتنة ، فلا حرج في دخولها ، وكتابة الآيات والأحاديث التي تعرف معناها ومضمونها ، مع تجنب النقاش والجدال في أمر لا تعرفه ، وإحالة الراغب والمستفهم على المواقع المتخصصة ، ويمكنك اختيار روابط الموضوعات المناسبة ووضعها في هذه الغرف .(/1)
ولا شك أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم وبصيرة ، حتى لا تكون فتنة للمدعو أو الداعي نفسه ، ولهذا لا بد أن تكون على علم بمعنى ومضمون ما تنشره . وهذا هو المقصود من الحديث ، فمن علم آية أو حديثا بلغه ، ولا يشترط أن يكون عالما بجميع القرآن أو السنة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة الإفتاء عن مقولة : "من لم يحفظ ستة آلاف حديث فلا يحل له أن يقول لأحد هذا حلال وهذا حرام ، فليتوضأ وليصل صلاته فقط" .
فأجابوا : "كل من تعلم مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية بدليلها ووثق من نفسه فيها فعليه إبلاغها وبيانها عند الحاجة ، ولو لم يكن حافظا للعدد المذكور في السؤال من الأحاديث ؛ لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه ، فرب مبلَّغ أوعى من سامع ) رواه أحمد والترمذي وابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية: ( نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ) رواه الترمذي والضياء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) [رواه البخاري]" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/48) .
وأما ما ذكرناه في جواب السؤال رقم (83621) فالمقصود منه أن المسلم الذي ليس عنده علم لا يدخل في مناظرات مع النصارى أو غيرهم وهو لا يستطيع أن يرد عليهم لضعف علمه ، ولكن الأمر لك ليس كذلك ، فإنك تتجنب الدخول معهم في نقاش ، ويقتصر دورك على إرشادهم إلى بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية ، وهذا العمل عمل صالح إن شاء الله تعالى .(/2)
غير أن الأفضل لك أن تسعى وتجدّ في طلب العلم النافع ، بالحضور عند أهله ، أو قراءة كتبهم أو سماع أشرطتهم ، فإن الدخول إلى غرف المحادثات محفوف بالمخاطر ؛ لأنه لا يخلو من أصحاب شبهات وشهوات ، فلابد أن يكون الداخل متسلحا بعلم يمنعه من الشبهات ، وبتقوى تحجزه عن الشهوات .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
106413
العنوان:
حديث لا غيبة لفاسق
السؤال:
ما قولكم في هذا الحديث : ( لا غيبة لفاسق ) ؟ فإذا صح فهل التحذير من صاحب العين (العائن) يعتبر غيبة له أو لا ؟ ومن الذي يحذر منه ولا تعتبر في حقه غيبة أو نميمة ؟
الجواب:
الحمد لله
"الغيبة محرمة ، شديدة التحريم ؛ لقوله تعالى : (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) الحجرات/11 ، ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره .
وتجوز في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك ؛ كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته ، أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده ـ فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره ؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك . وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال :
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ًومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة .
وأما السؤال عن لفظ : (لا غيبة لفاسق) هل هو حديث أو لا ؟ فقد قال الإمام أحمد : منكر ، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب : باطل .(/1)
ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مُرَّ عليه بجنازة فأثنى عليها الحاضرون شراً ، فقال صلى الله عليه وسلم : (وجبت) ومُرَّ عليه بأخرى فأثنوا عليها خيراً ، فقال صلى الله عليه وسلم : (وجبت) فسألوه صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله وجبت ؟ فقال : (هذه أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار ، وهذه أثنيتم عليها خيراً فوجبت له الجنة ، أنتم شهداء الله في أرضه ) ولم ينكر عليهم ثناءهم على الجنازة شراً التي علموا فسق صاحبها ، فدل ذلك على أن من أظهر الشر لا غيبة له .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/19) .(/2)
رقم السؤال:
106414
العنوان:
تتكلم عن زوجها أمام أولادها وأقاربها
السؤال:
امرأة تقول بأن زوجها يتشاجر معها بعض الأحيان ، ويحصل أن تغضب زوجته ، فبعدما يذهب عنها ويأتيها أولادها وبناتها أو أحد من أقاربها تقوم بالتكلم فيه ـ يعني : زوجها ـ هل هذه غيبة لزوجها ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كانت هذه المرأة تتكلم في زوجها بما يكره أن يقال عنه – فهو من الغيبة المحرمة المنهي عنها شرعاً ، فعليها أن تتوب من ذلك توبة نصوحاً ، وأن تحتسب عند الله الأجر فيما يحصل بينها وبين زوجها ، ومعالجة ذلك بالصبر والإحسان إلى زوجها ، وأن لا تنشر ما يحصل بينها وبين زوجها من خلافات أمام أولاده أو غيرهم ؛ لما في ذلك من معالجة الشر بالشر ، واتساع دائرة الخلاف ، وفيه إيغار لقلوب الأولاد على أبيهم ، وسبب للخلاف معه وقطيعته وعقوقهم له .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/22) .(/1)
رقم السؤال:
106415
العنوان:
تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بالشاة المسمومة التي أكلها في خيبر
السؤال:
هناك شك عند البعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يكون مات مسموماً ، أو من أثر السم الذي قدمته له اليهودية ، فهل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
"ثبت عند أهل العلم بأيام النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله وسيره أنه أكل من شاة مسمومة لامرأة من يهود خيبر ، ثم نطقت الذراع وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة ، فامتنع من الاستمرار في أكلها ، ولما كان في المرض الذي مات فيه كان يقول عليه الصلاة والسلام : ( يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ) رواه البخاري في صحيحه ، فلا وجه للتشكيك في تأثير ذلك السم في جسده صلى الله عليه وسلم بعد ثبوته في الصحيح وغيره .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/36) .(/1)
رقم السؤال:
106416
العنوان:
بوذا كان فيلسوفاً كافراً ولم يكن نبياً
السؤال:
ما حكم الإسلام فيمن يقول : إن (بوذا) نبي ؟
الجواب:
الحمد لله
"بوذا ليس نبياً ، بل كافراً فيلسوفاً ، يتنسك على غير دين سماوي ، فمن اعتقد بنبوته فهو كافر . وقد غلا قومه فيه ، واعتقدوا فيه الألوهية ، وعبدوه من دون الله ، واعتنق هذه النحلة البوذية الوثنية كثير من البشر قديماً وحديثاً ، فالواجب على المسلم بغض هذه النحلة ، وبغض أهلها ، والبراءة منهم ، ومعاداتهم في الله .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/44) .(/1)
رقم السؤال:
106417
العنوان:
بعض الأحوال التي تجوز فيها الغيبة
السؤال:
ما هي المواضع التي يحل فيها الكلام عن أخي المسلم في غيابة ولا تعتبر غيبة ؟
الجواب:
الحمد لله
"الغيبة هي : ذكر المسلم أخاه بما يكره ، من المثالب والمعايب ونحوهما . ولكن هناك مواضع ذكرها العلماء يتكلم فيها المسلم عن أخيه بناء على المصلحة ، وهذه المواضع منها : طلب الإنصاف من الظالم ، فيقول للقاضي أو الحاكم مثلاً : ظلمني فلان بكذا .
ومنها : طلب الفتوى ، فيقول المستفتي للمفتي : فعل فلان بي كذا ، فهل هذا حق له أم لا ؟
ومنها : تحذير المسلمين من أهل الشر والريب ؛ كجرح المجروحين من الرواة والشهود .
ومنها : الاستشارة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو مجاوراته .
ومنها : ذكر المجاهر بالفسق بما يجاهر به .
ومنها : التعريف بالشخص إذا لم يقصد التنقص بأن يكون معروفاً بلقب ؛ كالأعمش والأعرج والأصم ونحوها .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/10) .(/1)
رقم السؤال:
106418
العنوان:
الهدية على الحساب الجاري في البنك
السؤال:
لي أموال في البنك (حساب جاري) وأحياناً يرسل إلي البنك بعض الهدايا ، كالعطور أو البخور ، ويفعل البنك ذلك مع بعض العملاء الذين لهم أموال كثيره فيه . فما حكم هذه الهدايا ؟
الجواب:
الحمد لله
الحساب الجاري في البنك هو قرض ، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا ، وقد ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم : أن الهدية التي يعطيها المقترض للمقرض ربا .
روى البخاري (3814) عن عَبْد اللَّهِ بْن سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ ، فَلَا تَأْخُذْهُ ، فَإِنَّهُ رِبًا) .
والقت : علف للبهائم .
وهذه الهدية يعطيها البنك للعميل من أجل الحساب الجاري (القرض) فتكون ربا.
وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن حكم هذه الهدية .
فقال :
"أما إن كانت على الحساب الجاري فهي ربا بلا شك ، لأن الحساب الجاري قرض ، ولا يصح لصاحبه أن يستفيد منه . وأما إن كان الحساب استثماريا فلا بأس " انتهى .
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=9802(/1)
رقم السؤال:
106419
العنوان:
الطعن في صحابي بأنه كان لا يعرف شيئا في السياسة
السؤال:
ما حكم من يقول في حق الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أنه لا يعرف شيئاً عن السياسة ، مع العلم أن هذه الكلمة فيها نبز لهذا الصحابي .
الجواب:
الحمد لله
"عبد الله بن عمر بن الخطاب صحابي جليل ، من أكابر الصحابة المهاجرين وعلمائهم وفضلائهم ، تجب محبته ومحبة سائر الصحابة ، والترضي عنهم ، ولا يجوز تنقصهم أو تنقص أحد منهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تسبوا أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/44) .(/1)
رقم السؤال:
106420
العنوان:
إذا لعن أحد الزوجين الآخر لم يقع بذلك طلاق أو تحريم
السؤال:
ما هي صفة الرجل إذا لعن زوجته أو الزوجة إذا لعنت زوجها ، هل أحد منهم يحرم على الثاني من ناحية الزواج ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يحرم كل منهما على الآخر بلعنه ، ولا يقع بذلك طلاق ، ولكن لعنه إياها ولعنها إياه من كبائر الذنوب فيجب عليهما أن يتوبا ويستغفرا الله مما حصل منهما ويستسمح كل من لعنه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/62) .(/1)
رقم السؤال:
106421
العنوان:
اتفاق الطبيب مع معمل تحاليل ليحيل المرضى إليه مقابل نسبة من الأجرة
السؤال:
يتعامل كثير من الأطباء في العيادات الخاصة مع أصحاب المختبرات للتحاليل الطبية كالآتي : يحول الطبيب مرضاه المطلوب لهم إجراء تحاليل طبية إلى مختبر خاص معين ، وهناك اتفاق مسبق بين الطبيب وصاحب المختبر على أن تكون للطبيب نسبة معينة تصل في بعض الأحيان إلى 50% من قيمة أجرة التحاليل التي يتقاضاها صاحب المختبر من المريض ، وهي قيمة محددة بتسعيرة ثابتة من قبل وزارة الصحة ، وليس لصاحب المختبر أن يتجاوزها وهو لا يتجاوزها فعلاً ، وإنما يدفع هذه النسبة للطبيب من حقه الخاص الذي يتقاضاه كأجرة من المريض ، ولا يتأثر المريض في هذه الحالة ، لأن صاحب المختبر هو الذي تنازل عن حقه في جزء من الأجرة . 1-فهل على صاحب المختبر من إثم أو حرمة في هذا ؟ 2-وإذا طلب الطبيب تحاليل غير لازمة للمريض ليزيد نسبته دون علم صاحب المختبر ودون اتفاق مسبق على هذا بل إن صاحب المختبر يبرأ إلى الله من هذا ، وهو لا يعلم ما في نفس الطبيب ، إنما يقوم بإجراء التحاليل المطلوبة من قبل الطبيب باعتباره يطلب التحاليل اللازمة للمريض فقط ، ويؤدي عمله بإخلاص ودقة ، فهل على صاحب المختبر من حرمة في هذا؟
الجواب:
الحمد لله
"أولاً : إذا كان الواقع كما ذكر من الاتفاق السابق بين الطبيب في عيادته الخاصة وصاحب المختبر على أن يكون له نسبة من أجرة التحليل ـ فذلك غير جائز للطرفين ؛ لما فيه من الأثرة والتحجير على أصحاب المختبرات الأخرى ، إلا إذا كان صاحب هذا المختبر له امتياز على غيره من جهة الصدق والأمانة والتفوق في التحليل ، فيجوز تخصيصه بالتحويل عليه ؛ لما في ذلك من مزيد مصلحة للمريض وإعانة للطبيب على إحكام العلاج ، لكن لا يجوز للطبيب أن يأخذ نسبة من أجرة التحليل ؛ لأنه أَخْذُ مال في غير مقابل .(/1)
ثانياً : إذا علم صاحب المختبر أن الطبيب طلب تحاليل غير لازمة للمريض ليزيد فيما يأخذه من النسبة لم يجز له أن يقوم بعمل هذه التحاليل ؛ لما في ذلك من التعاون معه على غش المريض وأكل ماله بالباطل ، وعليه أن ينصح للطبيب عسى أن يتوب عن ذلك ، وتسلم الأطراف الثلاثة ، أما إذا لم يعلم صاحب المختبر بذلك فلا إثم عليه في القيام بتلك التحاليل .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود ...
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/432) .(/2)
رقم السؤال:
106422
العنوان:
العمل في برمجة برامج لتسيير سوبر ماركت من مبيعاته الخمر
السؤال:
أتممت دراستي منذ مدة قصيرة واشتغلت كمبرمجة بشركة فرنسية لها فرع إدارة أعمال بالمغرب وقد كنت في فترة تدريب كي أبدء العمل في 15/08/2007 المشكلة تكمن في أني علمت اليوم فقط إني سأشتغل على برمجة برامج لتسيير سوبر ماركت من ضمن منتجاته الخمر أخبروني أنه لا علاقة لي ببيع الخمر فهو من ضمن منتجات الشركة ويباع في فرنسا أنا فقط ستصلني معلومات وأرقام وغيره وأنا علي تنسيقها حسب المطلوب مني وهي لمختلف المنتجات الغذائية أرجو إفادتي هل علي حرج في البقاء أم علي ترك العمل ؟ مع العلم أني وقعت وثيقة تلزمني بأداء راتب 3 أشهر إن قررت ترك العمل ، فهل بإمكاني إن كان علي ترك العمل أن أعمل لمدة 3 أشهر كي أدفع للشركة مستحقاتها ؟
الجواب:
الحمد لله
الخمر لا يجوز شربها ، ولا حملها ، ولا بيعها ، ولا شراؤها ، ولا الإعانة عليها بأي وجه من الوجوه ، كتقييدها في الدفاتر ، أو تسجيلها في الحاسب ونحو ذلك ، لما جاء فيها من الوعيد ، واللعن ، كما روى أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
فإذا كان من مهام عملك كتابة أو تنسيق ما يتعلق بالخمر ، فلا يجوز لك ذلك .
لكن . . إن استطعت أن تعملي ، وتتجنبي ما يتعلق بالخمر بحيث يقوم به غيرك ، فلا حرج .
ولا يجوز لهم أن يلزموك بدفع راتب ثلاثة أشهر ، لأن تركك للعمل إنما هو بسببهم ، فهم الذين اجترؤوا على حرمات الله تعالى ، وبارزوه بمعصيته .(/1)
فإن لم تجدي وسيلة للتخلص منهم ، ولم يكن عندك مال تدفعين منه هذا المبلغ ، وكان يترتب على ذلك مضرة كبيرة كالسجن ، فأنت مضطرة ، ولا حرج عليك في العمل معهم ثلاثة أشهر. وإن كان لا يترتب على عدم دفعك المال مضرة كبيرة ، فلا تعملي معهم ، لأنك غير مضطرة حينئذ .
ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بالرزق الحلال ، والعمل النافع ، وأن يزيدك علما وهدى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106423
العنوان:
حكم صلاة الجنازة في المسجد
السؤال:
هل تجوز الصلاة على الجنازة في المسجد ؟
الجواب:
الحمد لله
السنة أن يصلي على الميت في موضع خاص بالجنائز ؛ خارج المسجد ، لما ثبت في البخاري (1245) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا ) .
لكن إن صلى عليها في المسجد ، فلا بأس ؛ لما روى مسلم (973) ( أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/186) : " لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد " انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما القول الصحيح في حكم الصلاة على الميت في المسجد ؟
فأجاب : " الصحيح أنه لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهل بن بيضاء في المسجد " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/160) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
106426
العنوان:
الخوف من الموت والعذاب ، ووساوس الشيطان في العقيدة
السؤال:
أنا فتاة عمري 25 عاماً ، محجبة ، وأحافظ على الصلاة ، وأقرأ القرآن ، ولكني منذ فترة وأنا أعاني ، حيث أني وبمجرد أن أستيقظ من النوم أبدأ أفكر في جهنم ، وأني سوف أموت في النهاية ، وسيكون مصيري النار ، ثم تطور الأمر إلى أن بدأت أشك في مصداقية الدِّين ، والقرآن ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن كل هذا قد يكون غير حقيقي ، وأني قد أدخل النار حتى لو لم أقترف جرماً ، وبالرغم من أني أعرف أن هذا التفكير كفر بالله ، ورغم أني أستغفر الله دائماً ، وأجتهد في ديني أكثر حتى أثبت : إلا أني لا أستطيع طرد هذه الأفكار ، خاصة بمجرد الاستيقاظ من النوم مباشرة ، حيث أشعر بعدها بتعب ، وإرهاق ، وارتخاء بالأعصاب .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يبارك فيك أيتها الأخت الفاضلة ، وأن يزيدك إيماناً ، ويثبتك على دينه .
واعلمي أن الخوف من الموت والعذاب أمران مطلوبان شرعاً ، وعواقبهما حميدة ، إذا كان هذا الخوف دافعاً لصاحبه للإكثار من الأعمال الصالحة ، وللتزود لما بعد الموت ، وأما إن كان هذا الخوف دافعاً لليأس والفتور والقنوط وترك العمل : فإنه من الوسواس - والعياذ بالله – ليزرع الشيطان في قلب صاحبه الشك من الآخرة ، ثم الإنكار والجحود !
وما الذي يجعل الإنسان يكره الموت ؟ إنهما – غالباً – أمران ، أحدهما مذموم ، والآخر محمود ، فأما المذموم فهو تعلقه بالدنيا ، وأما المحمود فهو الرغبة بالازدياد من الخير ، والشعور بالتقصير في حال أنه لقي ربه على حاله تلك .
ولكي يعالج السبب المذموم : فإن عليه أن يعلم أن الدنيا متاع زائل ، وأن الآخرة هي دار القرار ، والسعادة الأبدية ، وبذا لن يتعلق قلبه بفانٍ على حساب دائم ، ولن يركن إلى زائل على حساب باقٍ .(/1)
قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران/ 185 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها ، وعدم بقائها ، وأنها متاع الغرور ، تفتن بزخرفها ، وتخدع بغرورها ، وتغر بمحاسنها ، ثم هي منتقِلة ، ومنتقَل عنها إلى دار القرار ، التي توفَّى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار ، من خير وشرٍّ .
( فمن زحزح ) أي : أُخرج .
( عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) أي : حصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم ، والوصول إلى جنات النعيم ، التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
ومفهوم الآية : أن مَن لم يزحزح عن النار ويدخل الجنة : فإنه لم يفز ، بل قد شقي الشقاء الأبدي ، وابتلي بالعذاب السرمدي .
" تفسير السعدي " ( ص 159 ) .
فلا تجعلي خوفك من الموت سبباً لتدهور حالتك الصحية ، وازدياد قلقك ويأسك ؛ فإن هذا عين ما يريد الشيطان أن يناله منكِ ، ويحب أن يراه فيكِ ، وهو انتصار له على إرادتك ، وإيمانك بالله .
وكل مخلوق فهو لا يدري متى تُختم حياته بالموت ، ولذا فإن الواجب على المسلم أن يتزود بالتقوى ، ويستعد للرحيل ، فربما حانت ساعته أو قربت وهو في غفلة :
روى البخاري (6416) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ : ( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ) .(/2)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ !!
وقال الشاعر :
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تبقى إلى الفجر
ثانياً:
أما ما يراودك من أفكار سيئة في التوحيد والعقيدة : فهذا من الوسوسة ، وهو من كيد الشيطان ، يريد صرفك عن الاعتقاد السليم ، ويريد صدك عن العمل والطاعة ، وقولك " لا أستطيع طرد هذه الأفكار " : غير مقبول منكِ ، بل أنت تستطيعين ، وما عليك سوى اللجوء إلى الله ، والاستعانة به ، لطرد تلك الأفكار ، وللتخلص من تلك الوساوس ، واعلمي أن كيد الشيطان ضعيف ، كما قال ربك تعالى ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) النساء/ من الآية 76 ، لكنه – للأسف – يجد محلا ضعيفاً ، ومستقراً هزيلاً ، فيحط رحله فيه ، ولو أنك حافظتِ على الأذكار الصباحية والمسائية ، وعلى ورد من القرآن ، وحافظت على الفرائض ، وأكثرت من النوافل : فلن يجد هذا الشيطان المريد مكاناً يحط رحله فيه ، بل سيجد ما يخزيه ويسوؤه ، لذا فعليك أن تباشري بذكر الله تعالى بعد استيقاظك من النوم ، بذكر الدعاء الوارد في ذلك ، وأعقبي ذلك بالاستغفار والاستعاذة ، ولو جعلتِ بجانبك مسجلاً فيه شريط لقارئ يقرأ القرآن تشغلينه بعد استيقاظك ودعائك : لرأيتِ خيراً إن شاء الله ، ولدُفع عنك كيد الشيطان ووسوسته .
فإياك أن تستسلمي للأفكار المردية ، وإياك أن تسترسلي معها ، وقوِّي قلبك بالإيمان قبل أن تأتيك ، فإن جاءت فاطرديها بالذكر والاستعاذة .
وبشارة لك أختي الفاضلة : أن مجيء الشيطان بتلك الأفكار السيئة لك ، وتألمك منها : فيه تزكية لك ، وهو يدل على تحليك بالإيمان ، وأن الشيطان ما جاء لك إلا لصرفك عنه .
وهذا سؤال وجوابه لأخت لك ، وفي مثل عمرك تقريباً :(/3)
سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
أنا فتاة في العشرين من العمر ، مؤمنة ، ولله الحمد ، أعاني من مشكلة الوساوس ، وعلى وشك الجنون من هذا المرض النفسي الذي عانيت منه ثلاث أو أربع سنوات ، ولم أفلح أن أدفعه عني ، أريد أن أعرف : هل يسلط الله على عباده هذا الشيطان الرجيم امتحانًا لهم أم ماذا ؟ والذي لا يستطيع دفعه ؛ ماذا عليه أن يفعل ؟ .
فأجاب :
في الحقيقة أن الوسوسة مرض خطير ، وهي من كيد الشيطان لبني آدم ، يريد بذلك مضايقتهم ، وتضليلهم ، وإشغالهم عن طاعة ربهم ، ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من هذه الوسوسة ، وأنزل في ذلك سورة كاملة .
قال تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) الناس / 1 إلى آخرها .
فهذا الشيطان له وسوسة مع بني آدم ، ويشتد ذلك في حق المؤمنين ، ولكن يعالج بأمرين :
1. أن المؤمن لا يلتفت لهذه الوسوسة ، بل يرفضها رفضاً تامّاً ؛ لأنها من الشيطان ، ولا تضره .
2. أن يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى ؛ لأن المؤمن إذا اشتغل بذكر الله ابتعد عنه الشيطان ، ولهذا قال سبحانه وتعالى في حقه : ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) الناس/ 4 ؛ أي : أنه يوسوس للعبد مع غفلته عن ذكر الله ، ويخنس - أي : يبتعد - عنه عندما يذكر العبد ربه عزّ وجلّ ، ولهذا وصفه أنه وسواس خناس .
والذي أنصح به للسائلة ولأمثالها أن تعمل بهاتين الخصلتين ، وهما :
أولاً : عدم الالتفات لهذه الوسوسة ، وعدم الاكتراث بها والانفعال معها ، ثم تزول بإذن الله ؛ لأن الإنسان إذا أعطاها اهتماماً والتفت إليها : زادت ، وتمكن منه الشيطان .(/4)
الثاني : الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ، وتلاوة القرآن ، والاستعاذة بالله من الشيطان ، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين ، وتكرار ذلك ، وبهذا يزول بإذن الله .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 342 ، 343 ، السؤال رقم 509 ) .
وانظري ـ أيتها الأخت للأهمية ـ جواب السؤال رقم (98295) .
على أنه ، إذا قدر بقاء تلك الوساوس بعد اجتهادك في الأذكار والرقى الشرعية ، وشغل نفسك بطاعة الله ، وما تحتاجين إلى عمله من أمر الدنيا ، بحيث لا يبقى عندك فراغ لهذه الوساوس ، إذا قدر أنك فعلت ذلك ، وبقيت معك تلك الوساوس أو شيء منها ، فيمكنك هنا أن تعرضي حالك على طبيب مسلم ثقة ، ولعله يعالج لك ـ بإذن الله ـ ما بقي من دائك .
وانظري تفصيلات مهمَّة في هذا الباب في أجوبة الأسئلة : ( 10160 ) و ( 39684 ) و ( 62839 ) و ( 25778 ) و ( 12315 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
106429
العنوان:
عقد على زوجته بصورة غير رسمية لتأخر الإجراءات
السؤال:
طلقت زوجتي طلاقا شرعيا وانتهت عدتها، وأردت الزواج من أخرى لكن عندنا في القانون المغربي لا يمكنني الزواج منها حتى أحصل على تصريح بالطلاق من المحكمة والذي يتأخر أحيانا بسبب تراكمات إدارية ، فشق علي انتظاره لمدة شهرين إضافيين وأنا قد طلقت الطلاق الشرعي منذ أربعة أشهر تقريبا وحصل لي عنت كبير بسبب الانتظار . فأنا بين خيارين إما الوقوع في الزنا والعياذ بالله وهذا حال العديد من الأزواج ، أو الصبر والتأذي وأنتم تعلمون العري والتفسخ الذي يعتري الشوارع المغربية . وقد أذن لي ولي خطيبتي بالزواج منها وأعطيتها المهر وشهد لنا شاهدان وكتب لنا موظف عدلي شهادة مؤقتة يحتفظ بها عنده ريثما أحصل على التصريح بالطلاق ، فعلت هذا الحل ظنا مني أن أركان الزواج وشروطه مستوفية رغم أننا مضطرون لعدم إعلان هذا الزواج إلا بعد مرور هذين الشهرين . لكن أحد الإخوة قال لي إن ما فعلته غير شرعي فأريحوني جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان العقد الذي أشرت إليه مستوفيا الشروط والأركان ، من حصول الإيجاب والقبول ، ووجود الولي والشاهدين ، مع رضا المرأة ، فهذا عقد صحيح تترتب عليه آثاره ، وتصير به المرأة زوجة لك ، ولو لم يحصل الإعلان والإشهار ؛ ولو لم يحصل تسجيله في الأوراق الرسمية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557) .
وتوثيق العقد في المحكمة ونحوها ليس شرطا لصحة النكاح ، لكنه لحفظ الحقوق ، ولهذا لابد منه ، لكن لا يضر تأخير ذلك حتى الحصول على تصريح الطلاق .(/1)
ونسأل الله تعالى أن يبارك لك وعليك وأن يجمع بينكما في خير ، ونوصيك بتقوى الله تعالى ، والإحسان إلى زوجتك ، وإقامة البيت المسلم الصالح .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106430
العنوان:
يحتاج إلى الزواج والسكن فهل يقترض بالربا؟
السؤال:
أنا شاب عمري 20 سنة ، لي أخ عمره 22 وأخت صغيرة ، أبي عاطل عن العمل أمي مريضة ولا تعمل نعيش في دولة إسرائيل نتعامل مع البنوك في شتى المعاملات لأنه لا يوجد البديل الإسلامي . نحن نعيش في أوضاع صعبة جدا من ناحية أوضاع الشباب والبنات . لكي نحل مشكلتنا أنا وأخي يوجد لدينا القدرة لأخذ مبلغ من البنك وتسديده على 20 سنة يمنحنا القدرة على اقتناء بيت والزواج ويمنح ابن عمي القدرة على الزواج وبهذا تحل مشكلة ثلاثة شباب لا يقتربون إلى ما حرم الله ، لا أنسى أن أقول إن هناك القدرة على الإيجار ولكن الإيجار من ناحية الثمن أكبر وظروف الإيجار صعبة لنا كمسلمين من ناحية مكان البيوت والمضايقات . أيضا : إذا لم آخذ هذا القرض أخي سوف يأخذ بفوائد أكبر ، وبهذا المشكلة تصبح أكبر .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يحفظكم ويرعاكم ، ويقيكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يرزقكم العفة والإحصان ، والذرية الصالحة المؤمنة .
ثانيا :
لا يخفى عليك أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب ، وقد جاء فيه من الوعيد العظيم ما لم يأت في غيره من الذنوب ، وتوعد الله مرتكبه بالحرب ، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحلول اللعنة على آكل الربا وموكله ، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278 ، 279.(/1)
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375) .
وهذا الربا الملعون فاعله لا تبيحه الحاجة إلى الزواج أو المسكن ، وإنما تبيحه الضرورة ، كما يباح أكل الميتة وشرب الخمر ، فمن أشرف على الهلاك ولم يجد ما يقتاته إلا عن طريق الربا ، جاز له منه بقدر ما يزيل الضرر ، وهذه الضرورة لا تتحقق في مسألتك ؛ لأنك تجد البديل المباح وهو الاستئجار وإن كان مكلفا أو مرهقا .
وينظر جواب السؤال رقم (8141) ورقم (101080) .
وتأمل كيف يبتلى بعض الناس بارتكاب هذا الأمر العظيم ثم يعيشون في ظلاله وتبعاته عشرين سنة ، فيا له من أمر عظيم ، وجرم كبير .
فنوصيك أخي بالصبر حتى ييسر الله لك الأمر ، ويأتيك بالفرج ، واعلم أن خزائنه سبحانه ملأى ، وأنه جعل التقوى من أسباب الرزق والعطاء ، فقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 ،3 .
وأبلغ هذه الوصية لأخيك ، وقل له إن ضيق الدنيا وشدائدها أهون من شدائد الآخرة .
نسأل الله تعالى أن يرزقكم من فضله ، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106431
العنوان:
هل يصلي خلف من لا يعيد غسل كفيه مع اليدين في الوضوء؟
السؤال:
بعض الناس يقتصرون في الوضوء على غسل الأيدي من الرسغ إلى المرفق ، ولا يغسلونها من الكف ، وأحياناً يتقدم بنا رجل ليصلي إماماً وعند شعور قوي أنه لم يغسل يده غسلاً صحيحاً . وأحياناً أكون شاكاً فهل أصلي خلفه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سبق في جواب السؤال رقم (103694) أن الواجب هو غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين ، وأن غسلهما من الرسغ لا يصح به الوضوء ، وأن هذا مذهب جمهور العلماء ، خلافاً للأحناف فإنهم قالوا بصحة وضوء من فعل ذلك .
ثانياً :
تصح الصلاة خلف الحنفي الذي يقتصر على غسل الكفين أولاً ، ولا يعيد غسلهما مع الذراعين ، لأنها مسألة خلافية ، والعامي معذور في تقليد من قلده من أهل العلم .
وتصح الصلاة خلف من لا تعلم حاله ولا تدري هل يغسل يديه غسلا صحيحا أم لا ، ولا ينبغي الشك في عبادة المسلم ، بل ينبغي حمله على الأصل وهو السلامة والبراءة .
وينبغي أن تبين هذه المسألة لإخوانك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فإن أصروا على رأيهم ، وتمسكوا بالمذهب الحنفي أو بقول من يفتيهم ، فدع الجدال معهم ، ولا تتحرج من الصلاة خلفهم ، فما زال الأئمة يصلون خلف بعضهم البعض مع اختلافهم في الفروع ، ولهذا صححوا الصلاة خلف من لا يرى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل ، أو مس ذكر ، ونحوه مما وقع فيه الخلاف .(/1)
قال ابن قدامة في "المغني" (2/11) : " فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة . نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين , ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض , مع اختلافهم في الفروع , فكان ذلك إجماعا , ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده , فله أجران : أجر لاجتهاده ، وأجر لإصابته , أو مخطئا فله أجر على اجتهاده , ولا إثم عليه في الخطأ , لأنه محطوط عنه . فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام , فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل صلى بقوم , وعليه جلود الثعالب , فقال : إن كان يلبسه وهو يتأول : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) . يصلى خلفه . قيل له : أفتراه أنت جائزا ؟ قال : لا , نحن لا نراه جائزا ، ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلى خلفه " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106432
العنوان:
هل يُذَكِّر من عطس ولم يحمد الله؟
السؤال:
إذا عطس شخص ولم يقل : (الحمد لله) فهل يحق لي تذكيره
الجواب:
الحمد لله
"التشميت إنما يشرع لمن عطس فحمد الله ، أما من لم يحمد الله فلا يشرع تشميته ، ولا أن يُذَّكر بأن يحمد الله ؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر ، فقال الرجل : يا رسول الله ، شمت هذا ولم تشمتني ! قال : (إن هذا حمد الله ، وأنت لم تحمد) ، فلو كان تذكير العاطس مشروعاً لذَكَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن يحمد الله .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/113) .(/1)
رقم السؤال:
106433
العنوان:
مضطر للسكن مع زملاء غير مسلمين
السؤال:
أسكن مع عشرة زملاء آخرين من دول مختلفة : تسعة منهم مسيحيون ، والعاشر لا يعتنق أي دين ، نتناول الوجبة الرئيسية سوياً على مائدة واحدة ، يقوم بإعدادها اثنان من الطلبة كل يوم بالتناوب ، فهل يصح شرعاً أن أتناول طعاماً مع هؤلاء ؟ علماً بأن ظروفي المالية والدراسية لا تمكن من العيش بمفردي أبداً .
الجواب:
الحمد لله
"شريعة الإسلام مبنية على اليسر والسهولة ، ورفع الحرج ، ولك أن تستمر معهم ما دمت لا تتمكن من العيش وحدك ، ولكن عليك أن تدعوهم إلى الله بأقوالك وأفعالك ومعاملتك لهم ؛ لعل الله أن يجعل فيك بركة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/87) .(/1)
رقم السؤال:
106434
العنوان:
كيف يزكي من له ديون وتجارة وعليه ديون؟
السؤال:
علي دين للبنك وهو تمويل إسلامي وقد أخرجته لغرض التجارة وقد خسرت ثلاثة أرباع هذا التمويل ، الربع الباقي باقي على شكل دين عند صاحبي واستلفت مبلغا آخر من شخص شغلته في التجارة ( اشتريت معدة من المعدات الثقيلة لغرض بيعها ومر عام كامل ولم تبع ) فكم زكاتي التي يجب أن أخرجها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من ملك مالاً تجب زكاته ، وكان عليه دَيْن ، فالزكاة واجبة عليه ، ولا أثر لهذا الدَّيْن ، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً ، ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا ؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال ، والدين يتعلق بالذمة ، فلا يمنع أحدهما الآخر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز"(14/189) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا ، ولو كان عليه دين ينقص النصاب ، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه ، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) .
وينظر : "المجموع" (5/317) ، "نهاية المحتاج" (3/133) ، "الموسوعة الفقهية"
(23/247) .
ثانيا :
الدين الذي للإنسان على غيره ، فيه تفصيل عند الفقهاء :
أ - إن كان الدين على غني قادر على السداد ، باذلٍ للدَّيْن، أي يمكن استيفاء الدين منه عند طلبه ، فتجب زكاته ، كل سنة ، ويجوز أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبض المال ، فإن قبضه زكاة لما مرَّ من السنين .
ب- وإن كان الدين على فقير أو جاحد للدين ولا بينة تُثبته ، فهذا لا زكاة فيه ، والأحوط لصاحب المال : أن يزكيه إذا قبضه ، لسنة واحدة ، وهو مذهب المالكية .(/1)
وينظر : "المغني" (2/345) ، "الموسوعة الفقهية" (23/238).
ثالثا :
من اشترى شيئا بنية التجارة ، وحال عليه الحول ، وهو بالغ نصابا بنفسه أو بما ينضم إليه من نقود أخرى ، وجب أن يزكيه زكاة التجارة ، فيقومّه في نهاية الحول ، حسب سعر السوق ، ويخرج ربع العشر من قيمته .
وينظر جواب السؤال رقم (26236) ورقم (42072) .
والحاصل : أنك تنظر فيما في يدك من المال ، وفيما لك عند صديقك ، وفي قيمة الآلة المعدة للبيع ، فتزكي الجميع – إذا توفرت الشروط السابقة - دون نظر إلى الدَّيْن الذي عليك .
ونسأل الله تعالى أن يقضي دينك ، ويخلف عليك ، ويزيدك من فضله ، ويعينك به على طاعته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106435
العنوان:
عطس وهو يصلي فهل يحمد الله؟
السؤال:
إذا عطست وأنا أصلي ، هل أقول : الحمد لله أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"من عطس وهو في الصلاة فإنه يشرع له أن يحمد الله سبحانه ، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً ، وبذلك قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ، وقال به الإمام مالك والشافعي وأحمد ، على خلاف بينهم : هل يسر بذلك أو يجهر به ، والصحيح من قولي العلماء ومذهب أحمد أنه يجهر بذلك ، ولكن بقدر ما يسمع نفسه ؛ لئلا يشوش على المصلين ، ويدل لذلك عموم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ..) الحديث أخرجه البخاري ، ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال : (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست ، فقلت : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، مباركاً عليه ، كما يحب ربنا ويرضى) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف قال : (من المتكلم في الصلاة ؟) فلم يتكلم أحد ، ثم قالها الثانية : (من المتكلم في الصلاة ؟) فلم يتكلم أحد ، ثم قالها الثالثة : (من المتكلم في الصلاة ؟) فقال رفاعة بن رافع : أنا يا رسول الله ، قال : (كيف قلت ؟) قال : قلت : (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، مباركاً عليه ، كما يحب ربنا ويرضى) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن ، والذي نقله الحافظ في التهذيب عن الترمذي أنه صححه ، وأخرجه البخاري في صحيحه إلا أنه لم يذكر أنه قال ذلك بعد أن عطس ، وإنما قاله بعد الرفع من الركوع ، فيحمل على أن عطاسه وقع عند رفعه من الركوع ، فقال ذلك لأجل عطاسه ، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليه ، فدل ذلك على مشروعيته في الصلاة ، لكن من عطس في(/1)
الصلاة ثم حمد الله ، فإنه لا يجوز لمن سمعه أن يشمته ؛ لأن التشميت من كلام الناس ، فلا يجوز في الصلاة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على من شمت العاطس في الصلاة ، ثم قال له : (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا ، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أخرجه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/113) .(/2)
رقم السؤال:
106436
العنوان:
خطبها شاب يدخن فهل تقبل الزواج منه ؟
السؤال:
تقدم لخطبتي شاب وعند السؤال عنه وجدنا أنه يدخن فهل يعتبر هذا العيب من الأمور التي يرد الخطيب من أجلها ؟
الجواب:
الحمد لله
شرب الدخان محرم لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (9083) .
والمصر على شربه فاقد للعدالة ، والأصل أن تختار المرأة لنفسها زوجا صالحا مستقيما ، لا يفعل كبيرة ، ولا يصر على صغيرة ، ولا يوصف بفسق ، لكن إن تقدم بها العمر ، وخشيت أن لا يتقدم لها أحد في المستقبل القريب ، وكان هذا الخاطب مرضي الدين والخلق في الجوانب الأخرى ، من المحافظة على الصلاة ، وطيب المعشر ، وحسن الخلق ، والبعد عن القبائح والرذائل ، وذلك بعد السؤال الدقيق عنه ، فلتستخر الله تعالى ، ولتقبل الزواج منه ، مع بذل النصح له فيما بعد وترغيبه في ترك الدخان .
أما إن كان أمامها فرص معقولة للزواج من غيره من أهل الاستقامة ، فلا ينبغي أن تقبل الخاطب المدخن ، لما سبق من كونه إصرارا على المعصية ، ولأن الدخان ضرره متعد ، تتضرر به الزوجة والأولاد ، وقد لا تطيق المرأة الاستمتاع مع وجود رائحة الدخان النتنة ، فيكون بقاؤها مع الزوج محاطا بالهم والكدر .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106437
العنوان:
رفض أبوها عودتها إلى زوجها الذي خالعها .
السؤال:
رجل سبق وأن طلق زوجته طلقة واحدة بالمحكمة بضغوط من أبي الزوجة عليه وكان الطلاق بتاريخ 8-2-1428هـ والآن التاريخ 28-6-1428هـ وبه عوض ، وفي الحقيقة أن الزوج يريد زوجته ، وأن الزوجة تريد زوجها ، لأن فترة زواجهم كانت 14سنة ، وكان يعالجها بمستشفيات المملكة ، وخارج المملكة ، والآن لا يوجد أحد من أهلها يقوم بعلاجها وحالتها الصحية في تدهور وهي تريد الرجوع لزوجها ..
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كانت الطلاق قد تم بعوض ، فهذا خلع ، تبينُ به الزوجة بينونة صغرى ، وإذا رغب الزوج والزوجة في النكاح مرة أخرى ، فإنه يعقد عليها عقدا جديدا .
وإذا تزوجها فإنها ترجع إليه على ما بقى من طلاقها ، فيبقى له طلقتان ، ولا يحسب الخلع طلقة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع ، حتى لو وقع بلفظ الطلاق ، بأن قال مثلا : طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال ، فنقول : هذا خلع ، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق ، قال عبد الله ابن الإمام أحمد : كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أي أنه فسخٌ بأي لفظ كان ، ولا يحسب من الطلاق .(/1)
ويترتب على هذا مسألة مهمة ، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين ، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق ، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه ، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق ، تحل له بعقد جديد حتى في العدة ، وهذا القول هو الراجح . لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا ، بل يقولوا : خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا ؛ لأن أكثر الحكام (القضاة) عندنا وأظن حتى عند غيرنا يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقا ، ويكون في هذا ضرر على المرأة ، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت ، وإن كانت غير الأخيرة حسبت عليه " انتهى من الشرح الممتع (12/450).
ثانيا :
إذا رفض وليها (أبوها) تزويجها ، وكان الزوج كفؤا له ، وقد رضيت به ، فإنه يكون عاضلاً لها ، وتنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء ، وللمرأة أن ترفع أمرها للقاضي ليأمر الولي بتزويجها أو ليزوجها بنفسه في حال امتناع الأولياء .
وينبغي أن تحل هذه المسألة أولا عن طريق أهل الخير والإصلاح ، ليقنعوا الولي بالموافقة ، ما دام الزوج مرضي الدين والخلق .
وفي مثل هذه الحالة نزل قوله تعالى : (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/232 .(/2)
روى البخاري (5130) عن مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ ، فَطَلَّقَهَا ، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : زَوَّجْتُكَ ، وَفَرَشْتُكَ ، وَأَكْرَمْتُكَ ، فَطَلَّقْتَهَا ، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا ، لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا ، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ : (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) فَقُلْتُ : الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ .
فالنصيحة لوالد هذه المرأة أن يوافق على رجوعها إلى زوجها ، حتى لا يقع فيما حرم الله تعالى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
106438
العنوان:
حكم شراء مقتنيات المشاهير بأموال باهظة
السؤال:
ما حكم ما يفعله بعض الناس من إنفاق الأموال الطائلة في شراء ما يسمونه المخلفات الأثرية لبعض الأشخاص المشاهير أو المعظمين من ملابس ومقتنيات كان يقتنيها أو يستعملها ذلك الشهير أو المعظم في حياته ، ويدفعون في مقابل الحصول على ذلك مبالغ طائلة قد تصل إلى الملايين ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا شك أن هذا عمل محرم من وجوه :
الوجه الأول : أن هذا العمل نوع من الوثنية ؛ لأنه يفضي إلى الشرك ، والتبرك بتلك الآثار ، والتعلق بأصحابها من دون الله عز وجل ، وما وقع الشرك في الأمم السابقة إلا بسبب تعظيم آثار عظمائهم وصالحيهم ، كما حصل لقوم نوح وغيرهم .
الوجه الثاني : أن بذل الأموال في الحصول على تلك الآثار هو من أعظم الإسراف والتبذير ، اللذين حرمهما الله في محكم كتابه ، كما قال تعالى : (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27 ، وقال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 .
الوجه الثالث : أنه قد جاء الشرع المطهر بوجوب الحجر على السفهاء والمبذرين لمنعهم من ذلك ، قال تعالى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5 .
فالواجب على ولاة الأمور وضع حد لمثل هذا التصرف المشين ، والتوجيه بصرف هذه المبالغ في سبيل الله عز وجل ، من كفالة الأيتام وإطعام الفقراء والمساكين وسد عوز المعوزين ، وتمويل المشاريع الخيرية العامة . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .(/1)
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/125) .(/2)
رقم السؤال:
106439
العنوان:
الاستعاذة عند التثاؤب
السؤال:
هل يستحب أن أقول عند التثاؤب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؟ لأن التثاؤب من الشيطان .
الجواب:
الحمد لله
"لم يرد أن الإنسان إذا تثاءب يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وإنما الوارد أن يكتم الإنسان التثاؤب ما استطاع ، وإذا لم يستطع فليضع يده على فيه ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد إلى هذا عند التثاؤب ، ولم يقل : وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم .
فإن قال قائل : أليس الله يقول : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن التثاؤب من الشيطان .
فالجواب : كل ذلك صحيح ، قال الله هذا ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الشيطان ، لكن المراد بالنزغ في الآية الكريمة هو هم الإنسان بالسيئة ، إما بترك واجب ، وإما بفعل محرم ، فإذا أحس الإنسان بأنه هَمَّ بذلك ، فليقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأما التثاؤب فقد عَلَّم الرسول عليه الصلاة والسلام ما يسن أن يقوم به الإنسان عند وجود التثاؤب" انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8666.shtml
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لا نعلم ما يدل على شرعية الاستعاذة عند التثاؤب لا في الصلاة ولا في خارجها" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز. . عبد الرزاق عفيفي . . عبد الله بن غديان . . عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) .(/1)
رقم السؤال:
106440
العنوان:
إعطاء الزكاة لشخص مع عدم الجزم باستحقاقه
السؤال:
هل يجوز إعطاء الزكاة لشخص مع عدم الجزم باستحقاقه لها ؟
الجواب:
الحمد لله
يلزم التحري في إخراج الزكاة بحيث تعطى لمن عُلم أو غلب على الظن أنه مستحق لها ، ولا يجوز التساهل في ذلك . وقد سبق بيان مصارف الزكاة في جواب السؤال رقم (46209) .
فأما إذا أعطاها لشخص ولم يغلب على ظنه أنه مستحق للزكاة ، فلا تجزئه ويلزمه إعادة إخراجها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والصواب أن الزكاة تجزيء إذا دفعها إلى من يظنه أهلاً بعد التحري عند الشك ، فإذا غلب على ظنه أن هذا من أهلها فأعطاها أجزأت " انتهى من "شرح الكافي".
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106441
العنوان:
هجرت صاحباتها فأثَّر ذلك على دينها ، وصايا ونصائح
السؤال:
عندي مشكلة ، لا أستطيع أن أتخذ فيها قراراً ، لكن القرار لا بدَّ أن يكون خلال هذه الأيام ، لدي صحبة ، أحسبها والله حسيبها أنها صالحة ، أنا فتاة عمري 22 سنة ، منذ 4 سنوات ماضية تعرفت عليهن منذ دخول الجامعة ، نتعاون على الخير ، حفظنا سوية 15 جزءاً من كتاب الله ، حررنا مجلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من رائعة ، وقفن معي في وجه عاصفة رهيبة شنها عليَّ المحيط بأجمعه في الجامعة التي نحن فيها ، لدينا حلقة يومية نتدارس فيها كتاب الله !! لكن المشكلة هي أني لم أعد أطيقهن ، أشعر أنهن أمامي بوجه ، ومن خلفي بوجه آخر ، بعض المواقف السخيفة ولَّدت هذه الأفكار لدي ، منعت اتصالي بهن ، أو لقاءهن ، واعتذرت لهن عن ذلك ، جعلت حديثنا على البريد فقط ، بكلمات بسيطة : كيف الحال ، الحمد لله ، انتهى ، أما الحفظ ، والذكر ، والمشاريع الباقية : كلها أوقفتها ، كرهتهن بمعنى الكلمة - والله - إلى الآن لم أكمل حفظي ، وعندي فتور رهيب في العبادة ، ولا قيام ، ولا صيام ، ولا أدري أهو شيطان حل بداخلي أم ماذا ؟ هنَّ يردن الآن أن نقر ما الذي أريده لأني قررت أن أنعزل عن البشر كلهم ، أصبحت حقودة ، حسودة ، قلبي أشد سواداً من الليل ، وكله لأني أشعر أن صحبتي هذه فيهن قليل من التعلق المنبوذ بالدنيا ، مظاهر ، وما إلى ذلك من أشياء البنات ، ماذا أفعل ؟ حتى رسائل التذكير منهن تحديداً لا أقبلها ، والله أني أمسحها من قبل أن أقرأها ! . أخشى أن أقول لهن إني سأتركهن للأبد فأنكت سواداً في قلوبهن ؛ لأنهن جعلنني قدوة ، بعضهن يحلف بالله أن لولا الله ثم أنا ما كنّ يؤدين الصلاة بالمرة ، وصلاة الليل ، وإفطار يوم وصيام يوم ، والحفظ ، والتسميع ، والجوال لإيقاظ بعضنا لصلاة الفجر ، والقيام ، لكن قلبي أصبح يكرههن كرهاً حقيقيّاً ، أعلم أنه من الشيطان ،(/1)
لكن والله ما قدرت أدفعه ، كيف أعيش معهم ، أضغط على نفسي ، وأترك مشاريع العزلة ، وأعود ، رسائلهن قتلتني من شدة الإلحاح علي بالعودة ، ويسألنني بالله أن أرد ، حتى دراستي أشعر أنهن أثَّرن عليَّ ، وأي مصيبة تصيبني أقول : هذا عذاب من ربي ؛ لأني فعلت لفلانة كذا ، ما أبغي أحس أن ربي يفضل أحداً عليَّ ، ليس في الدنيا ، لكن في كل شيء ، أظن عذابي أشد من عذاب الرسل ؛ لأن الرسول يعلم يقيناً أن الله يحبه ، وأن الله معه ، أما أنا : أخشى أن عذاب ربي قد حلَّ بي ، لأي سبب ؟ لا أعرفه ، أعتزلهن أم أعود ؟ ماذا أقول لهن ؟ من يقع في مشكلة يراها كبيرة ولا يعلم أين المخرج ، أرشدني بخبرتك لأني سأتوكل على ربي ، ثم سآخذ مشورتك . جزيت الجنة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما تشعرين به – يا أمة الله – تجاه أخواتك إنما هو بسبب الشيطان ، ومكره ، وكيده ، ولم يحدث من هؤلاء الأخوات ـ على حسب ما جاء في رسالتك ـ ما يجيز لك تلك التصرفات معهنَّ ، بل لو وقع منهم بعض الخطأ أو التقصير والذنب ، فكل الناس كذلك ، ومن ذا الذي ما ساء قط ؟!!
وهو يدل على أن الأمر محض مكيدة من الشيطان ليوقعك فيما وصل حالك إليه ، ونأسف أنه نجح في هذا ، فبغَّض إليك تلك الصحبة ، فحصل الفتور في الطاعة والعبادة .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) النور/ 21 .
واعلمي أن من خطوات الشيطان التي يسلكها مع الطائعين ربهم تعالى :
1. التحريش بين المسلمين ، وبالأخص بين الصحبة الصالحة .
عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) رواه مسلم (2812)(/2)
قال النووي – رحمه الله - :
هذا الحديث من معجزات النبوة ، ... ، ومعناه : أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ، ولكنه سعى في التحريش بينهم ، بالخصومات ، والشحناء ، والحروب ، والفتن ، ونحوها .
" شرح مسلم " ( 17 / 156 ) .
2. أن يبغض إليهم الصحبة الصالحة ، ويحبب إليهم العزلة الضارَّة .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ) .
رواه أبو داود ( 547 ) والنسائي ( 847 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ) .
القاصية : المنفردة عن القطيع البعيدة عنه
رواه أحمد ( 22029 ) ، وحسَّنه محققو المسند .
قال المناوي – رحمه الله - :
( إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم ) أي : مُفسد للإنسان ، أي : بإغوائه ، ومُهلك له ، كذئب أرسل في قطع من الغنم .
( يأخذ الشاة القاصية ) أي : البعيدة عن صواحباتها ، ... وهو تمثيل ، مثَّل حالة مفارقة الجماعة ، واعتزاله عنهم ، ثم تسلط الشيطان عليه : بحالة شاة شاذة عن الغنم ، ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها ، ووصف الشاة بصفات ثلاث : فالشاذة هي النافرة ، والقاصية هي التي قصدت البعد لا عن تنفير ، ( والناحية ) بحاء مهملة التي غفل عنها ، وبقيت في جانبٍ منها ؛ فإن الناحية هي التي صارت من ناحية الأرض .(/3)
ولما انتهى التمثيل حذَّر فقال : ( وإياكم والشعاب ) أي : احذروا التفرق ، والاختلاف .
( وعليكم بالجماعة ) تقرير بعد تقرير ، وتأكيد بعد تأكيد ، أي : الزموها ، وكونوا مع السواد الأعظم ؛ فان من شذَّ شذَّ إلى النار .
( والعامة ) أي : السواد الأعظم من المؤمنين .
( والمسجد ) أي : لزومه ؛ فإنه مجمع الأخيار ، وموطن الأبرار ، وأحب البقاع إلى الله تعالى ، ومنه ينفر الشيطان .
" فيض القدير " ( 2 / 350 ) .
فاحرصي على إغلاق الطريقين أمام الشيطان ، ولا تفتحي على نفسك أبواباً من الشر ، ولم يصبك الفتور ، وقلة العزم على الطاعة إلا بعد أن تمكن الشيطان من السير بك على الطرق التي أرادها لك ، ولعلَّ نظرة لحالك الآن مع مقارنة بحالك من قبل أن يتبين لك أن الأمر مكيدة ومكر من الشيطان ، فاحذري ، وتنبهي .
والصحبة الصالحة من أعظم ما يثبت المسلم على دينه ، فاجتهدي في إقامتها على شرع الله تعالى .
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ .
رواه البخاري ( 467 ) ومسلم ( 2585 ) .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " عليكَ بإخوان الصدق ؛ فإنهم زينة في الرخاء ، وعدة في البلاء " .
واحرصي على الطاعات والأعمال الصالحة ، فهي خير زادٍ للثبات ، كما قال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) إبراهيم/ 27 ، وقال عزَّ وجل : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) النساء/ 66 .(/4)
واحرصي على المداومة على الدعاء ، والتضرع إلى الله تعالى أن يثبتك على دينه ، وأن يزيدكِ هدى وتوفيقاً وصلاحاً ، فهكذا كان حال المؤمنين ، كما حكى الله تعالى عن حالهم ، في قوله سبحانه وتعالى : ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) آل عمران/ 8 .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : ( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ) .
رواه الترمذي ( 2140 ) وابن ماجه ( 3834 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولإصلاح ما بينكِ وبينهم لا يحتاج الأمر لكثير عناء ، فأرجعي تلك العلاقة الطيبة بالرد على رسائلهنَّ ، ومكالماتهنَّ ، وأخبريهنَّ أنكِ مررتِ بظروفٍ خاصة ، ولا داعي لذِكر تفصيلاتها ، ويكفي أن تكون درساً لكِ لمستقبل الأيام .
ثانياً:
احذري أشد الحذر من العزلة والانفراد ، فهما بداية الانحدار والسقوط للهاوية ، ولو كانت عزلتك عزلة عبادة وطاعة لكان لها وجه من الشرع ، أما تلك العزلة التي تؤدي إلى الفتور : فهي عزلة محرَّمة ، وتصير خلطتك مع صاحباتك واجبة ، فتنبهي لهذا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :(/5)
وأما قوله " هل الأفضل للسالك العزلة أو الخلطة " : فهذه المسألة وإن كان الناس يتنازعون فيها إمَّا نزاعاً كليّاً ، وإمَّا حاليّاً ، فحقيقة الأمر : أن الخلطة تارة تكون واجبة ، أو مستحبة ، والشخص الواحد قد يكون مأموراً بالمخالطة تارة ، وبالإنفراد تارة ، وجماع ذلك : أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى : فهي مأمور بها ، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان : فهي منهي عنها ، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحو ذلك : هو مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الاختلاط بهم في الحج ، وفي غزو الكفار ، والخوارج المارقين ، وإن كان أئمَّة ذلك فجاراً ، وإن كان في تلك الجماعات فجَّارٌ .
وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا : إما لانتفاعه به ، وإما لنفعه له ، ونحو ذلك .
ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه ، وذكره ، وصلاته ، وتفكره ، ومحاسبة نفسه ، وإصلاح قلبه ، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره ؛ فهذه يحتاج فيها إلى إنفراده بنفسه ، إما في بيته - كما قال طاووس " نِعْم صومعة الرجل بيته ، يكف فيها بصره ولسانه " - وإما في غير بيته .
فاختيار المخالطة مطلقا : خطأ ، واختيار الانفراد مطلقا : خطأ ، وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا ، وهذا ، وما هو الأصلح له في كل حال : فهذا يحتاج إلى نظر خاص - كما تقدم - .
" مجموع الفتاوى " ( 10 / 425 ، 426 ) .
ولتعلمي ـ يا أمة الله ـ أن البلايا التي نزلت بقلبك : من الحقد والحسد ، هي كلها ، مع حالك هذه حلقة واحدة ؛ فإن من ثواب الحسنة : الحسنة بعدها ، ومن عقاب السيئة : السيئة بعدها .
لو كنت عاقلة للأمر كما ينبغي لعلمت أن الله تعالى أعلم بخلقه ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، بعلمه في خلقه سبحانه ، وحكمته التي أرادها لهم :(/6)
قال الله تعالى : ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الاسراء:21) وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام :53) . قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " أي: هذا من ابتلاء الله لعباده، حيث جعل بعضهم غنيا؛ وبعضهم فقيرا، وبعضهم شريفا، وبعضهم وضيعا، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع؛. كان ذلك محل محنة للغني والشريف ، فإن كان قصده الحق واتباعه، آمن وأسلم، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف، وإن لم يكن صادقا في طلب الحق، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق ؛ وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم: { أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } ؛ فمنعهم هذا من اتباع الحق ، لعدم زكائهم . قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء، وعدم هدايتهم هم. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر، فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله عند من ليس له بأهل، وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف، بخلاف من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون. " تفسير السعدي (258) .
لقد كان الواجب عليك ـ يا أمة الله ـ أن تسارعي في فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وأن تسبقي الناس إلى ذلك ، كما قال رب العالمين : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) المائدة /48 .
قال الحسن البصري رحمه الله : " نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره " .(/7)
وأما أن تقعدي عن الخيرات ، وتشغلي قلبك بالأمراض ، ونفسك بالسوآت ، فليس هذا من فعل العقلاء في شيء .
نسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يصلح بالك وحالك ، وأن يثبت قلبك على الإيمان والطاعة ، ونرجو أن تعملي بما ذكرنا لك من الرجوع عن مقاطعتك لأخواتك ، ومن الحرص على تلك الصحبة الطيبة ، ومن إبعاد كيد الشيطان ووسوسته عنك ، ونرجو الله أن يوفقك للعمل بذلك .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
106442
العنوان:
عنده التهابات في الحلق لها رائحة كريهة، فهل يعذر في ترك الجماعة؟
السؤال:
لقد أصبت قبل عام بالتهاب حاد في الجيوب الأنفية مما نتج عنه خروج إفراز خلف الحلق نتن الرائحة بين حين وآخر مما جعلني في حرج كبير وأنا أصلي في المسجد حيث إنني أقوم بكتم نفسي من تكبيرة الإحرام وحتى الانتهاء من الصلاة لكي لا أؤذي المصلين وهذا العمل يتعبني حقيقة . كما أنني مصاب بالرهاب الاجتماعي وأقوم بأداء الصلاة في مساجد تبعد عن مسجد الحي كمساجد على الطرقات السريعة أو مساجد في محطات البنزين . السؤال : ما حكم الصلاة في المنزل والحال كما ذكرت لكم ؟
الجواب:
الحمد لله
لقد ذكرت سببين تريد ترك الصلاة في الجماعة لأجلهما.
أما السبب الأول: فهو الرائحة الكريهة التي تخرج من فمك بحيث تؤذي من حولك من المصلين، وهذه عذر في سقوط وجوب صلاة الجماعة في المسجد ، بل لا يحل المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة .
قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى "(1/699): "وكره حضور مسجد وجماعته لآكل نحو بصل أو فجل أو كراث , وكل ما له رائحة كريهة , حتى يذهب ريحه ، وكذا نحو من به بخر وصُنان , وجزار له رائحة منتنة , ويستحب إخراجهم دفعا للأذى " انتهى بتصرف .
و "البَخَر" هو الرائحة الكريهة التي تخرج من بعض الناس .
و "الصُّنان" هو رائحة الإبط الكريهة .
وقال في "أسنى المطالب" (1/215): " ويؤخذ مما ذكر أنه يُعذر بالبَخَر والصُّنَان المستحكم بطريق الأولى " انتهى.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : "إذا كان فيه بَخَرٌ : أي : رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين ، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه" انتهى . " الشرح الممتع " ( 4 / 323 ) .
وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور المسجد ، لما لهما من رائحة كريهة .(/1)
روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ) .
وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة : فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته .
قال الشيخ ابن عثيمين :" المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً)" انتهى . " الشرح الممتع " ( 4 / 323)، وانظر جواب السؤال رقم (8910).
وأما السبب الثاني: الرهاب الاجتماعي الذي يصيبك عند الاختلاط بالناس في المسجد وغيره، فهذا المرض لا يعد من الأعذار التي تبيح لك التخلف عن الجماعة، إذ لا ضرورة لذلك، كما أنه خوف مظنون غير مقطوع به، كما أنه مفض إلى ما هو أسوأ منه من الأمراض النفسية المختلفة كما قرر ذلك أهل التخصص، وهذا ما تأباه الشريعة ولا تقره بحال.
بل عليك مراجعة الطبيب للتداوي من هذا المرض ، وألا تستسلم له .
ونسأل الله تعالى لك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
106443
العنوان:
كيف يتصرف الأهل مع الولد العاصي ؟
السؤال:
يدعي بعض الآباء أن دورهم ينتهي عند تبيين الحلال والحرام لأطفالهم ، وعلى أطفالهم ( 13 - 18 سنة ) عندئذ الاختيار ، فهل على الآباء منع الحرام بكل الطرق أم عليهم فقط التوضيح ؟ وإلى أي حد يجب على الآباء منع أبنائهم من ارتكاب ما هو حرام ؟ . ويظن بعض الآباء أنه بوصول الطفل لسن البلوغ تنتهي مسئوليتهم عنهم ، ويكون الابن حينها مسئولاً عما اكتسب من ذنوب وآثام ، ولا شيء عليهم أن يبينوا لأبنائهم ما هو حرام وفعله الأبناء ، فهل هذا صحيح ؟ أم أن على الآباء مسئولية لا تنتهي عن أبنائهم ، وعن منعهم من فعل الحرام حتى لو كان بعد النصح والتبيين ؟ . جزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذكرنا في أجوبة عديدة ، المسؤلية الكبيرة الملقاة على عاتق الآباء تجاه أبنائهم ، وأنها ليست فقط في البيان والتعليم ، وإنما هي بالتأديب والتربية ، والرعاية والعناية ، بشتى الوسائل الممكنة للوالدين .
انظر أجوبة الأسئلة رقم (10016) ، (20064) ، (103526) .
فإذا قدِّر أن كان أحدٌ من الأولاد – ذكوراً أو إناثاً – على خلاف الشرع في تطبيق الأوامر ، أو فعل النواهي ، وكان عاصياً لوالديه فيما يأمرانه به من الشرائع والأخلاق : فإن على الوالدين بذل مزيد من الجهد في هدايته ، بالترغيب تارة ، وبالترهيب أخرى ، وبسلوك سبيل النصح له بتكليم من يثقون به من الأساتذة ، أو الأقرباء ليشاركوهم في توجييهم ونصحهم ، كما ينبغي لهما المداومة على الدعاء لهذا العاصي بالهداية ، وعدم الملل من ذلك .
سئل علماء اللجنة :(/1)
" أفيدكم أنني طاعن في السن ، ولي ولدان ( توءم ) ، ويدرسان في الصف الثالث المتوسط ، وأرغب أن يكونا مستقيمين ، ويذهبا معي إلى المسجد لأداء الصلاة ، إلا أنهما أحيانا يرفضان ذلك ، وأطلب الدعاء لهما ، وما هي الطريقة التي يمكن استخدامها لإصلاحهما ؟ علماً أنني أبلغت إدارة المدرسة عن هذا الموضوع ، حفظكم الله ، ورعاكم .
فأجابوا :
نوصيك بالاستمرار في مناصحة أبنائك ، وعدم اليأس ، وأن تستعمل الطرق النافعة في تربيتهم وتوجيههم ، فتارة بالترغيب ، وتارة بالترهيب ، وغرس محبة الله ورسوله في قلوبهم ، وإبعادهم عن جلساء السوء ، وترغيبهم في مجالسة الصالحين ، وتحذيرهم من وسائل الإعلام المفسدة ، وقبل ذلك وبعده كثرة اللجوء إلى الله سبحانه بالدعاء بصلاحهم واستقامتهم ، وهذا مما مدح الله به عباده الصالحين فقال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان/ 74 .
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 288 ) .
وكما ترين فإن ما ذكره العلماء الأفاضل واضح بيِّن في أنه يجب العناية بالأولاد وتربيتهم وتعليمهم ، ونهيهم عن المنكر ، وعد تمكينهم من فعله ، وأن هذا ليس من التشدد في شيء ، وأنه يجب التلطف مع العاصي منهم ، وبذل السبل المتعددة في توجيهه ونصحه وإرشاده ، ولو بلغت معاصيه ما بلغت ؛ فإنه جزء من الأسرة لا يمكن التخلي عنه بسهولة .
ثانيا :
متى تنتهي مسئولية الأهل عن أولادهم ؟
فرَّق العلماء بين ولاية الابن والابنة ، وقال جمهورهم باستمرار ولاية أهلها ، ووجوب العناية بها حتى بعد بلوغها ، وبعد زواجها .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 8 / 204 ، 205 ) :(/2)
عند الحنفيّة : تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً ، واجتمع لها رأي ، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها ، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها ، فللأب والجدّ الضّمّ ، لا لغيرهما كما في الابتداء .
وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه ، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه ، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه ، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ ، وتأديبه إذا وقع منه شيء .
وعند المالكيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ ، وهو بلوغ النّكاح ، فيذهب حيث شاء ، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً ، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً ، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه .
وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء ، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته ، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور .
وبالنّسبة للأنثى ، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج ، ويدخل بها الزّوج .
وعند الشّافعيّة : تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه .
وعند الحنابلة : لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه ، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه ، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه ، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها منه ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك .
انتهى(/3)
هذه أقوال المذاهب في وقت انتهاء مسئولية الأهل عن أولادهم ، وقد ميزنا الموقف من الابن الذكر عن الابنة الأنثى ، لبيان الفرق بينهما ، وكلمة العلماء تكاد تكون متفقة على أن مسئولية الأهل على ابنتهم تستمر حتى لو بلغت ، ومنهم من جعل زواجها نهاية تلك المسئولية ؛ وذلك من أجل وجود مسئول آخر عنها ، ومنهم من اشترط كونها في مكانٍ آمن لا خوف عليها فيه ، وتفريقهم بين الذكر والأنثى واضح بيِّن ، والقاسم المشترك بين الذكر والأنثى : أنه إن كان لا تُؤمن أخلاقهم إذا انفردوا ، أو كان يُخشى عليهم من الصحبة الفاسدة ، أو عدم حسن التصرف : فإن مسئولية الأهل تبقى متصلة ، غير منقطعة ، ولو وصلوا سن البلوغ .
وفي " فتاوى نور على الدرب " قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - :
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جعل الرجل راعياً في بيته ، وأخبر أنه مسئولٌ عن رعيته ، ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا بسنٍّ دون سن ، فما دام الرجل قادراً على رعاية بيته : فإن الواجب عليه رعايته ، وهو مسئولٌ عن أهله .
انتهى
ثالثاًً:
هل يُسكت عن فعل الأولاد للمعاصي في البيت ؟
وما يفعله الأولاد من منكرات في البيت : فإنه لا يُسكت عليه ، بل يُنصح فاعله ، ويُوجَّه لفعل الخير ، ولا ينبغي للوالدين أن يعينا فاعل ذلك المنكر على فعله ، كأن يعطوه من المال ما يشتري به ذلك المحرَّم ، ولا أن يمكناه من فعله ، ولهما السكوت عنه وعدم التصرف العملي حيال فاعله بالطرد : في حال أن يكون تصرفهما يسبب مفاسد أكثر وأكبر من تلك المعصية ، فقد يسكت الوالدان على سماع الموسيقى ، أو النظر المحرَّم ، ويكون ذلك خشية التصرف العملي بالطرد والضرب الذي يؤدي إلى الإكثار من تلك المعاصي خارج نطاق البيت والأسرة ، ومن المعلوم أنه من يُطرد من بيته فإنه سيتمكن من فعل ما لا يستطيع فعله في البيت ، فتزداد المفاسد والمشكلات التي يسببها ذلك الولد العاصي العاق .(/4)
بل حتى لو لم يصل الأمر إلى الطرد والقطيعة أو الهجر ، فإن كثيرا من الأبناء ، إذا حرم من مشاهدة التلفاز ، أو سماع الأغاني في البيت ، ولم يكن قد هدى الله قلبه ، وشرح صدره للالتزام بذلك ، فإنه يتحيل إلى قضاء شهوته ، وإشباع رغبته مع رفقة السوء ، أو في أي مكان خارج البيت خارج البيت ، وهنا يخلو له الجو بلا رقيب على تصرفاته ، وهو أمر يوشك أن يفتح عليه أبوابا مضاعفة من الفساد .
فحينئذ ؛ إذا عجز الوالد عن تقويم ولده ، ومنعه من هذه المنكرات المعتادة في التلفاز وغيره ، فإن المصلحة تقتضي أن يتغافل عن بعض ذلك من ولده ، اتقاء لشر أكبر منه ، يتوقع حصوله متى منع من ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
فإنَّ الأمرَ والنَّهيَ وإن كان مُتضمِّناً لتحصيلِ مصلحةٍ ودفعِ مَفْسدةٍ : فيُنظرُ في المُعَارضِ له ، فإن كان الذي يَفُوتُ من المصالحِ أو يحصلُ من المَفاسدِ أكثر : لم يكن مأموراً به ، بل يكون مُحرَّماً إذا كانت مفْسَدتُه أكثرُ من مصلحتِه .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 129 ) .
وقد طبَّق شيخ الإسلام هذا الأمر عمليّاً ، فقد قال :
مررتُ أنا وبعضُ أصحابي في زمنِ التتارِ بقومٍ منهم يشربون الخمرَ ، فأنكرَ عليهم من كان معي ، فأنكرتُ عليه ، وقلتُ له : إنَّما حرَّمَ الله الخمرَ لأنَّها تصدُّ عن ذكرِ الله والصَّلاةِ ، وهؤلاء يصدُّهم الخمرُ عن قتلِ النَّفُوسِ ، وسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وأخذِ الأموالِ فدعهم .
نقله عنه ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 3 / 5 ) .
وهكذا يقال في حال الأبناء والبنات ، فإن طردهم خارج البيت لا شك أنه سيسبب فعلاً للمنكر أزيد مما كان عليه ، وأشنع من الذي قبله ، حيث تتوفر فرص فعل تلك المنكرات بعيداً عن رقابة البيت وأهله ، فعلى الآباء تقدير هذا الأمر وإلا كانت خسارتهم فادحة .
رابعا:
أما بخصوص طرد المخالف منهم للشرع : فينبغي التنبه لأمرين اثنين :(/5)
الأول : التفريق بين الذكر والأنثى .
والثاني : طبيعة المخالفة وحجمها .
فليس كل معصية تستحق المفاصلة ، وينبغي معرفة أن المعاصي منها ما هو من الكبائر ، ومنها ما هو من الصغائر ، وأن الكبائر درجات ، وأن بعض المعاصي منها ما يتعدى فاعلها لغيره من الناس ، ومنها ما لا يتعدى .
كما أنه ثمة فرقا بين كون الواقع في هذه المعاصي الابن الذكر ، أو الابنة الأنثى ، والذي ينبغي على الوالدين التنبه له وعدم إغفاله : أنه إن بلغ الشر بالابن ما بلغ ، وتعدى شره ، ووصل لدرجة لم تُعد تطاق : فإنه يمكن لهما طرده من البيت حفاظاً على باقي الأسرة ، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لهدايته وتقويم أمره ، وأن الابنة الأنثى لا ينبغي طردها تحت أي ظرف من الظروف ، ومهما بلغت معاصيها ؛ فهي عرضهم ، ويجب عليهم الحفاظ عليه ، وحمايته من الذئاب البشرية التي تنتظر مثل هذه الفرائس .
والخلاصة في هذه النقطة :
أنه قد يصل الأمر في بعض الأحوال لأن يُطرد الابن من المنزل ، ويقدَّر ذلك بحسب المصلحة والمفسدة ، وأن الأنثى لا تُطرد مهما بلغت معاصيها .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
106444
العنوان:
دلالة الغير على دراسات للجدوى على الإنترنت مقابل مال
السؤال:
أجد إعلانات على الإنترنت مثل: "معي 100 مليون وأريد فكرة لمشروع"، ويرد على صاحب الإعلان عدد كبير من المتواجدين على الموقع، ويبدو أنه يريد دراسات جدوى كثيرة، وفى رد لي عليه ذكرت له أنى أستطيع أن أدله على عدد كبير من دراسات الجدوى المتاحة لجميع الناس على الشبكة، فقال لي: " لو العدد كبير لك 3 مليون "، هل هذه الصفقة شرعية لو تمت؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في دلالة الغير على مشاريع تجارية مباحة ، وعلى دراسات الجدوى المتعلقة بها ، ولا حرج أن يأخذ أجرة على ذلك ، فهذا من أجرة السمسار والدلال التي أجازها الفقهاء .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم البحث لمستأجر عن محلٍ أو شقةٍ مقابل أجرة يدفعها لمن حقق له طلبه .
فأجاب : " لا حرج في ذلك ، فهذه أجرة وتسمى السعي ، وعليك أن تجتهد في التماس المحل المناسب الذي يريد الشخص أن يستأجره ، فإذا ساعدته في ذلك والتمست له المكان المناسب ، وساعدته في الاتفاق مع المالك على الأجرة ، فكل هذا لا بأس به إن شاء الله ، بشرط ألا يكون هناك خيانة ولا خديعة ، بل على سبيل الأمانة والصدق ، فإذا صدقت وأديت الأمانة في التماس المطلوب من غير خداع ولا ظلم لا له ولا لصاحب العقار فأنت على خير إن شاء الله" انتهى من فتاوى الشيخ ابن باز" (19/358) .
وينظر جواب السؤال رقم (45726) .
وينبغي الحذر من طرق الخداع التي تمارس عبر الإنترنت ، فقد يشارك من يدعي أنه يملك المال ويبذل السعي ، وغرضه أن يتصل الناس به ، ويحصل على نسبة من أجرة الاتصال ، إلى غير ذلك من صور الخديعة والمكر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106445
العنوان:
حكم المشي بالنعال في المقبرة
السؤال:
ما حكم المشي بالنعال في المقبرة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
السنة في حق من دخل المقبرة ، أن يخلع نعليه إذا دخلها ، وإذا كان في الأرض شوك يؤذيه ونحو ذلك فلا حرج عليه من لبسها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/224) : " وَيَخْلَعُ النِّعَالَ إذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ ، وهَذَا مُسْتَحَبٌّ ; لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ , قَالَ : ( بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ , عَلَيْهِ نَعْلَانِ , فَقَالَ : يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ , أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك . فَنَظَرَ الرَّجُلُ , فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَهُمَا , فَرَمَى بِهِمَا ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل خلع النعال في المقابر من السنة أم بدعة ؟
فأجابوا : " يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه ؛ لما روى بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال : وذكروا الحديث المتقدم ، ثم قالوا : قال أحمد : إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة ، والعلة التي أشار إليها أحمد رحمه الله كالشوك والرمضاء ونحوهما ، فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز .. الشيخ عبد الرازق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/123- 124) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " المشي بين القبور بالنعال خلاف السنة ، والأفضل للإنسان أن يخلع نعليه إذا مشى بين القبور إلا لحاجة ، إما أن يكون في المقبرة شوك ، أو شدة حرارة ، أو حصى يؤذي الرجل فلا بأس به ، أي يلبس الحذاء ويمشي به بين القبور" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/202) .(/1)
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
106446
العنوان:
تدعو عليه بزيادة الضلال
السؤال:
هناك إنسان آذاني كثيرا في حياتي ، وأخذ أموالي...بفضل من الله ابتعدت عنه ، لكني دائما أدعو عليه ، وأحتسب ذلك عند الله . سؤالي هو أني لا أرجو له التوبة ، وأدعو الله أن يزيده ضلالا...فهل هذا حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
للمظلوم عند الله تعالى شأن عظيم ؛ لأن الله عز وجل يكره من الإنسان الكبرياء والتجبر والطغيان ، ويحب منه التذلل إليه وإلى عباده ، فهو سبحانه مع المستضعفين ومع المقهورين ، وسينتصر للمظلومين من الظالمين .
ولذلك فقد رخص سبحانه للمظلوم أن يدعو على ظالمه ، لينتصف منه في الدنيا قبل الآخرة ، فيُشفِي شيئا من غيظه ، ويستعجل بعضًا من حقه .
قال الله تعالى : ( لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا ) النساء/148 .
قال ابن كثير في "التفسير" (1/572) :
" قال ابن عباسٍ في الآية : يقول : لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ ، إلا أن يكون مظلومًا ، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ، وذلك قوله : ( إِلّا مَنْ ظُلِمَ ) ، وإن صبر فهو خيرٌ له " انتهى .
وفي موقعنا مجموعة من الأدلة على هذه المسألة ، يمكن مراجعتها في جواب السؤال رقم : (71152)
ثانيا :
وفي السنة بيان للصيغة التي يفضل أن يدعو بها على الظالم :
فعن جابرٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي ، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي ) .
رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/87) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد .(/1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه : ( الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ . . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا . .)
رواه الترمذي (3502) وقال : حسن غريب ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ثالثا :
أما الدعاء على الظالم بالضلال وعدم الهداية ، فهذا لا يجوز ، ولا ينبغي أن يصدر هذا الدعاء من المسلم مهما كان الظلم الذي تعرض له ، وذلك لأوجه عدة :
1- في الدعاء بزيادة الضلال والغواية طلب لاستمرار الكفر أو الظلم أو المعصية ، والواجب على المسلم كره المعصية والسعي في تطهير الأرض منها ، وليس في زيادتها واستمرارها .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ) إلى آخر الحديث . رواه مسلم (2735)
2- وهو من الاعتداء في الدعاء الذي جاء ذمه في الكتاب والسنة الصحيحة .
يقول الله تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55
قال بعضُ السلف في معنى " المعتدين " :
" هم الذي يدعون على المؤمنين فيما لا يحلُّ ، فيقولون : اللَّهمَّ اخزِهم ، اللَّهمَّ الْعَنْهم " انتهى . "تفسير البغوي" (3/237)
وقال سعيد بن جبير : " لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشَّرِّ : اللَّهمَّ اخْزِه والْعَنه ونحو ذلك ، فإنَّ ذلك عدوان " انتهى . "الدر المنثور" (3/475).
وقال الحسن البصري :
( قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ، من غير أن يعتدي عليه ) انتهى . "تفسير ابن كثير" (1/572) .
يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15/22) :(/2)
" وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء : تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات ، وتارة يسأل ما لا يفعله الله ، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة ... ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله " انتهى .
وانظري جواب السؤال رقم (41017)
3- وفي هذا الدعاء تحجير لرحمة الله ، وتضييق لسعة عفوه ومغفرته ، فهو سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء ، وقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي الذي دعا بما يشبهه ، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : ( قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ : لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا . - يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ - ) رواه البخاري (6010)
4- وقد نهى الله تعالى نبيه عن نحو هذه الأدعية التي تتعلق بغواية الكفار وزيادة ضلالهم وعذابهم :
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا ، بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ ) إِلَى قَوْلِهِ ( فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) رواه البخاري (4069)
فالحاصل من هذه الأدلة أن الدعاء على الظالم بما فيه زيادته في الغي والضلال والمعصية لا يجوز ، والأصل هو الدعاء بالهداية لجميع الناس ، أو ترك أمرهم وشأنهم إلى الله عز وجل .(/3)
قال النووي في "الأذكار" (ص/359) :
" لو دعا مسلمٌ على مسلمٍ فقال : اللهم اسلبه الإيمان ؛ عصى بذلك . وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء ؟ فيه وجهان لأصحابنا ، حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتوى ، أصحهما : لا يكفر . وقد يحتج لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام : ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا ) الآية . وفي هذا الاستدلال نظر وإن قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا ” انتهى .
ويقول الإمام القرافي :
" الدعاء على الظالم له أحوال :
إما بعزله لزوال ظلمه فقط ، وهذا حسن .
وثانيها : بذهاب أولاده وهلاك أهله ونحوهم ممن له تعلق به ، ولم يحصل منه جناية عليه ، وهذا ينهى عنه لأذيته من لم يمُنَّ عليه .
وثالثها : الدعاء بالوقوع في معصيةٍ : كابتلائه بالشرب أو الغيبة أو القذف ، فينهى عنه أيضًا ؛ لأن إرادة المعصية للغير معصية .
ورابعها : الدعاء عليه بحصول مؤلماتٍ في جسمه أعظم مما يستحقه في عقوبته ، فهذا لا يتجه أيضًا ، لقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/194 " انتهى نقلا عن "الفواكه الدواني" (1/470) .
ثالثا :
قد يشتبه على بعض الناس دليلان ، في ظاهرهما الدلالة على جواز الدعاء على الظالم بالإثم والمعصية .
أحدهما : من القرآن الكريم ، وذلك في حكاية الله عز وجل عن موسى عليه السلام دعاءه على فرعون وقومه وفيه : ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) يونس/88(/4)
فالجواب عن هذا بأن يقال إن دعاء موسى جاء بعد علمه بوحي من الله تعالى أن قوم فرعون لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية ومعجزة ، وليس فيه الدعاء مطلقا على كل كافر أو ظالم بطمس القلب واليأس من الإيمان والتوبة .
يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/290) :
" ( وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) قال ابن عباس : أي اطبع عليها ، ( فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ) وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضبًا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنه لا خير فيهم ، ولا يجيء منهم شيء ، كما دعا نوح عليه السلام فقال : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا ) " انتهى .
ويقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (8/375) :
" وقد استشكل بعض الناس هذه الآية فقال : كيف دعا عليهم ، وحُكْم الرسل استدعاء إيمان قومهم ؟
فالجواب : أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله ، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن ، دليله قوله لنوح عليه السلام : ( إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) وعند ذلك قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) " انتهى .
ويقول الشيخ أحمد النفراوي في "الفواكه الدواني" (1/470) :
" اختلف في جواز الدعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة .
قال ابن ناجي : أفتى بعض شيوخنا بالجواز ، محتجا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه : ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يونس/88
والصواب عندي أنه لا يجوز ، وليس في الآية ما يدل على الجواز ؛ لأنه فرق بين الكافر المأيوس من إيمانه كفرعون ، وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنة إما ابتداءً أو بعد عذابٍ " انتهى .(/5)
الثاني : حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ، في قصة شكاية أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر ، وقيام ذلك الرجل في المسجد واتهامه لسعد بتهم عدة قال :
( قَالَ سَعْدٌ : أَمَا وَاللَّهِ لأدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ .
وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ : شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ .
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ )
رواه البخاري (755)
فظن بعض الناس أن سعدا دعا عليه بالمعصية والإثم ، ولكن الصواب أنه دعا عليه بتعرضه للفتن والبلايا والمحن في الدين والدنيا – كما قال : " وعرضه بالفتن " - والفتنة لا تعني المعصية ، ولكنها تعني الشدة التي قد توقع في المعصية إن لم يصبر عليها ، وهذا ما حصل.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/241) :
" وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه ، وليس هو من طلب وقوع المعصية ، ولكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته " انتهى .
ثالثاً :
خيرٌ من ذلك كله : العفو ، وترك أمر الظالم له سبحانه وتعالى يوم القيامة ، وذلك أنّ من عفا عن حقّه في الدنيا ، أخذه وافرًا في الآخرة ، وأراح قلبه من شوائب الحقد والغيظ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر : صِلْ مَنْ قَطَعَكَ ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ ) رواه أحمد (4/158) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(891) .
وفي الختام : نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقك الزوج الصالح ، ويسعدك بالأسرة الطيبة ، ويفتح عليك من بركاته ، ويرزقك خيري الدنيا والآخرة .(/6)
وانظري جواب السؤال رقم (71152)
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
106447
العنوان:
اهتدى حديثاً ويسخر منه أهله وأصدقاؤه ، فكيف يتصرف ؟
السؤال:
لقد كنت من المسرفين في الذنوب والمعاصي ، وكان أهون شيء عندي فعل المعصية ، كنت من المتعاطين للمخدرات ( الحشيش ، الحبوب الكبتاجون ، الخمر ) كنت ممن يزنون ، من الله عليَّ فتزوجت ، وقبل الزواج تبت من معصية الزنا ، ولله الحمد ، بقي معي تعاطي المخدرات ، وكان سببها الصحبة الفاسدة ، وفي يوم من الأيام توفي لي ابن عم يقربني سنّاً ، ولكن لم يتزوج ، ففكرت في حالي وأنه أصغر مني قد توفي ، وكنا في نفس المعصية تعاطي المخدرات ، فمنَّ الله عليَّ بالهداية ، وتركت كل شيء ، حتى الدش - يا شيخ - كسرته ، وتغيرت حياتي 180 درجة ، أصبحت : أتصدق ، أصلي ، أدعو للخير ، أوزع أشرطة ، كتيبات ، مطويات ، أحضر محاضرات ، آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر . المشكلة : واجهت كثيراً من الانتقادات ، أولها من الأهل - الوالدة والأخوات - بأنني متشدد ، متزمت ، يريدون أن يسمعوا الأغاني ، وينظروا إلى المسلسلات ، وإذا نصحتهم وقلت لهم هذه حرام ما يجوز يردون علي : " لماذا شرع الاستغفار ؟ إذا لا تريد تسمع أغاني وتتفرج على التلفزيون اطلع نحن نريد نتفرج ونسمع " ، ونفس المشكلة تحصل معي في العمل ، طلعت مرة ، ومرتين ، زوجتي تقعد معهم ، وإذا خرجت أخذتها معي ، ويطلبون مني أني أخليها تجلس معهم ، وأنا أرفض ، وزوجتي تستحي من الأهل ، وتخاف يصير مشاكل ، وإذا تركتها تجلس معهم تقوم تجلس بعيده عن التلفزيون تجلس لحالها وأحيانا أسمع دعوة من الوالدة تقول : " ليت الله ما هداك ، آذيتنا !" أعوذ بالله مشكلتي في العمل / أنا أعمل في القطاع العسكري ، أصحابي كلهم من الصحبة السيئة ، الملتزمون 3 فقط ، الملتحون 6 ، ممن يتغاضون عن أشياء كثيرة ، وأن هذا ليس من الدين في شيء ، والبقية منهم يشرب الحشيش ويستخدم المخدرات ، ومن يغازل النساء ، طبعاً الغالبية مدخنون . يا شيخ(/1)
اتفقوا على الإساءة إليّ ، فلا أدخل في مجلس إلا يذكروني بالماضي ، ويستهزئون بالملتحين ، ويسبونهم ، وينعتونهم بـ " الكذابين " و " الإرهابيين " ، وأنا تصيبني الغيرة ، وأقول لهم : أنتم تسبون إخوانكم ، يعني : مسلمين ، ما يجوز ، حرام تستهزئون باللحية لأنها سنة . يا شيخ أساؤوا لسمعتي ، في أغلب المجالس يكثر الانتقادات على الملتحين ، ولا يذكرونهم بخير . يا شيخ أحس أني أجرمت في حق إخواني الملتزمين ، هل معنى هذا أن التزامي بالشريعة وإطلاق اللحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان : أصبح جريمة لا بد أدفع ثمنها ، أو أصير منحرفا مثلهم ؟ يا شيخ حتى مديري يقول : أنتم الملتحون حاطكم تحت المجهر ، والله أي غلطة ما أغفرها لكم . عملت بعض الحلول : أولاً : قدمت نقل من نفس الإدارة لإدارة أخرى ، ولكنها ستطول قليلاً . ثانياً : كل من أساء الأدب بقول أو فعل قطعت علاقتي معه نهائيّاً ، وهذا حد من المشكلة كثيراً جدّاً ، ولكنه لا يعجبني ؛ فقد أصبح الناس تحذر من التعامل معي والخوف من أن يغلطوا عليَّ ، فأصبحوا ينفرون منِّي ، وينفِّرون الناس . أرجو من فضيلتكم أن تجدوا لي الحل المناسب ؛ لأني والله تعبت نفسيّاً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
هنيئا لك هذه التوبة ، يا عبد الله ، وهنيئا لك رجوعك إلى ربك ، وحمدا لله على سلامتك من طريق الضلال والغواية ، ورجوعك إلى طريق الإنابة والهداية ، زادك الله هدى ، وبرا وتقى ، وثبتك على صراطه المستقيم ، إلى أن تلقاه على خير ما يحب ويرضى !!(/2)
واعلم أخي الفاضل أن الشيطان لن يستسلم بعد توبتك بسهولة ، ولن يدعك لحال سبيلك ؛ لأنك كنت من جنوده ، وخرجت من غير إذنه ولا رضاه ! فصرت من جنود الرحمن ، وكنت في عصابة أوليائه ، وانتقلت إلى طائفة أعدائه ، فمنَّ الله عليك بالهداية ، وغظتَه وكبتَّه ، فمن المنطقي أن يحاول ـ بكل الوسائل ـ أن يعود بك إلى سابق عهدك ، فعليك بالمثابرة ، والثبات ، والصحبة الخيرة الصالحة التي تعينك على الحق .
ونسأل الله أن يتقبل منك غيرتك على الدين ، وأمرك بالمعروف ، ونهيك عن المنكر ، وحب هداية الناس .
ثانياً:
اعلم أخي الفاضل أنه ينبغي النظر إلى قضيتك باعتبارين :
الأول : كونك تائباً مهتدياً .
والثاني : كونك داعياً إلى الله .
1. أما الاعتبار الأول :
فالوصية لك فيه : الصبر على الأذى ، والتحمل للسفاهة ، مع جواز استعمال الشدَّة إذا لزم الأمر ، وذلك إذا تعلَّق الاستهزاء بالدين ، وقدرت على منعه وإيقافه .
والشيطان له جنود يرسلهم للكيد والمكر وصد الناس عن الدين ، وهؤلاء الجنود ليسوا من الجن كلهم ، بل له جنود كذلك من الإنس ، وهم الذين يقومون بمهامه في صرف الناس عن الطاعة ، ودفعهم لفعل المعاصي ، قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الأنعام/ 112 .
وقد طمأنك ربك تعالى ، وبشرك بالثواب الجزيل يوم القيامة إن صبرت على أذى هؤلاء السفهاء في الدنيا ، وذلك بالرفعة في الدرجات يوم القيامة ، وقد توعدهم ربنا تعالى بالعقوبة البالغة إن هم ماتوا على سفهاتهم واستهزائهم بالمؤمنين .(/3)
قال تعالى : ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) البقرة/ 212 .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ . فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المطففين/ 29 – 36 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
يُخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين ، أي : يستهزئون بهم ويحتقرونهم ، وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم ، أي : محتقرين لهم .
( وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ) أي : إذا انقلب ، أي : رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم ، انقلبوا إليها فاكهين ، أي : مهما طلبوا وجدوا ، ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم ، بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحتقرونهم ويحسدونهم .
( وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّون ) أي : لكونهم على غير دينهم .(/4)
قال الله تعالى : ( وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين ) أي : وما بُعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم ، ولا كلفوا بهم ، فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم ، كما قال تعالى : ( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ . إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) المؤمنون/ 108 – 111 .
ولهذا قال هاهنا : ( فَالْيَوْمَ ) يعني : يوم القيامة .
( الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ) أي : في مقابلة ما ضحك بهم أولئك .
( عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ ) أي : إلى الله عز وجل ، في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون ، ليسوا بضالين ، بل هم من أولياء الله المقربين ، ينظرون إلى ربهم في دار كرامته .
وقوله : ( هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ؟ أي : هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقص أم لا ؟ يعني : قد جوزوا أوفر الجزاء ، وأتمه ، وأكمله .
" تفسير ابن كثير " ( 8 / 353 ، 354 ) .
فاصبر أخي الفاضل واحتسب الأجر على سفاهة هؤلاء ، وداوم على تذكيرهم بحكم فعلهم ، وأنهم إن تعرضوا للدين باستهزاء وسخرية فقد خرجوا من ملة الإسلام ، ولحقوا بإخوانهم من الكفار والمجرمين ، الذين سبق ذكر حالهم في الآيات السابقة .
2. وأما الاعتبار الثاني :(/5)
فالوصية فيه أن تسلك الطرق المناسبة لعلاج هؤلاء المرضى ، فأنت بهذه الاعتبار لست رجلاً عرف الطريق فسلكه ، بل أنت الآن داعية إلى الله ، تريد أن تعبر بهؤلاء بحر الظلمات ليصلوا إلى بر الأمان والسلامة ، فالوصية لك أن تزيد من العلم الشرعي ، والطاعات التي تقربك لخالقك عز وجل ، وأن تكون حكيماً في تبليغ رسالة رب العالمين لهؤلاء المرضى ، والحكمة هي وضع الشيء في مكانه المناسب ، فالأصل في التعامل معهم الرفق واللين ، ولا مانع من استعمال الشدة مع بعضهم إن رأيت أن ذلك يردعه .
قال الله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) آل عمران/ 159 .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس إلى دين الله ، وترغبهم فيه ، مع ما لصاحبه من المدح ، والثواب الخاص ، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين ، وتبغضهم إليه ، مع ما لصاحبها من الذم ، والعقاب الخاص ، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول ، فكيف بغيره ؟! .
أليس من أوجب الواجبات ، وأهم المهمات ، الاقتداء بأخلاقه الكريمة ، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم ، من اللين ، وحسن الخلق ، والتأليف ، امتثالاً لأمر الله ، وجذباً لعباد الله ، لدين الله .
ثم أَمَرَه الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم ، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله ، فيجمع بين العفو والإحسان .
" تفسير السعدي " ( ص 154 ) . وانظر : " تفسير الطبري " ( 7 / 341 ) .(/6)
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكُمْ ! قَالَتْ عَائِشَةُ : فَفَهِمْتُهَا ، فَقُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ .
رواه البخاري ( 5678 ) ومسلم ( 2165 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
هذا مِن عظيم خلُقه صلى الله عليه وسلم ، وكمال حلمه ، وفيه : حث على الرفق ، والصبر ، والحلم ، وملاطفة الناس ، ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة .
" شرح النووي على مسلم " ( 14 / 145 ) .
وقال الشوكاني – رحمه الله - :
في الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين ، إذا لم يترتب عليهم مفسدة .
" نيل الأوطار " ( 8 / 146 ) .
ثالثاً:
وبخصوص أهلك :
عليك أن تصبر على أذاهم ، وتداوم النصح والتذكير ، ولا تيأس من ذلك ، واحرص أشد الحرص على هدايتهم ، ونوِّع في الأساليب ، وتلطف معهم ، ولا ترخ الحبل لزوجتك إذا كان في جلوسها مع أهلك معاصٍ أو منكرات ، إلا أن تكون تستطيع تغييرها ، ولا ينبغي أن يدفعها خجلها منهم إلى أن تُغضب ربها بسماع أو مشاهدة المحرَّمات ، كما أن عليها مسئولية كبيرة في الوقوف مع زوجها ، ونصرته ، وتثبيته على الهداية والطاعة .(/7)
ونأسف لقول والدتك تلك المقولة الشنيعة ، ولا ندري كيف قالتها ولعلها لا تعلم ما فعله بعض أصحاب المخدرات مع أمهاتهم وأخواتهم ! ولا تدري ما فعلوه في إفساد الأسر ، والمجتمعات ، ولا تدري كم تبذل الأسر من مال ووقت وجهد حتى يصلح الله ولداً من أولادها يتعاطى المخدرات والمسكرات ؛ لما رأوه من الأذى والضرر والشر منه .
وبخصوص عملك :
فإن رأينا أنك أحسنت في طلبك النقل إلى مكان آخر خير منه ، وخاصة أنك في أول طريق الهداية والتوبة ، وتحتاج لصحبة صالحة تدلك على الخير ، وتحثك على فعله ، وتحذرك من الشر ، وتحثك على تركه .
ونعيد أن الأصل في التعامل هو الرفق واللين مع أهلك ، وزملاء العمل ، وغيرهم ، ولا مانع من المخاشنة والشدة مع من يستحقها ، إن رأيت في ذلك مصلحة لكف لسانه عن الدين والاستهزاء به .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
106448
العنوان:
أمر الزاني بالزواج من الزانية وإجهاض الجنين فماذا يلزمه؟
السؤال:
والدي أشار على ابن أخيه بإجهاض الحمل التي حملت به زوجته منه بالحرام، وكان في حدود الشهرين في بطنها أو أكثر أو أقل .. فتمت العملية وأُجهض الجنين ثم طلقها ..السؤال : هل يتبوأ والدي بذنب الطفل المقتول رغم أنه يعلم أن ذلك حرام ولكنه لم يرد أن يحتفظ بجنين تعير به العائلة .الآن ذكرت والدي بالقضية التي حدثت منذ زمن طويل وقال لي إنه يشعر بالذنب وأقر بخطئه لكنه لا يعرف ماذا يفعل وما كفارة هذا الفعل ؟ وهل يُعتبر هو القاتل لأنه أجبر ابن أخيه وألزمه وكان مصراً على إجهاض الجنين ؟ ملاحظة : والدي كبير في السن ومصاب بالضغط والسكر وجلطة في القلب ولا يستطيع الصوم إذا كانت كفارة ذلك الصوم فهو لا يستطيع .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا أسقطت الحامل جنينها بشرب دواء أو نحوه ، بعد أن تم له أربعة أشهر ، ففيه الدية باتفاق العلماء ، والكفارة عند بعضهم .
والدية هنا : غُرّة ، عبد أو أمة ، فإن لم توجد ، فقدرها من الإبل : خَمْسٌ ، لأن دية الجنين عشر دية أمه ، ومعلوم أن دية الحرة المسلمة خمسون من الإبل ، فتكون دية الجنين خمسا من الإبل .
وهذه الدية تلزم كل من باشر إسقاط الجنين ، فيشترك فيها الطبيب والمرأة إذا أخذت دواء يساعد على الإسقاط ، وتدفع الدية إلى ورثة الجنين ؛ إلا أن قاتله لا يأخذ منها شيئا .
ودليل ذلك ما روى البخاري (6910) ومسلم (1681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا : غُرَّةٌ : عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا) .(/1)
وأما الكفارة ، فقد ذهب إلى وجوبها الشافعية والحنابلة .
وكفارة القتل : عتق رقبة ، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين .
وإذا كان الإجهاض قبل أربعة أشهر ، فهو محرم ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (42321) إلا أنه لا كفارة فيه ولا دية ، لأنه لم تنفخ فيه الروح .
ثانيا :
إذا اجتمع في الحادثة آمر ومباشر ، كالرجل يأمر الطبيب بإجراء عملية الإجهاض ، أو يأمر المرأة بشرب الدواء ، فالضمان (الدية والكفارة) يكون على المباشر ، لا على الآمر . انظر : "مطالب أولي النهى" (6/50).
وبهذا يتبين أن والدك لا يلزمه شيء غير التوبة ، فإن الدلالة على الإجهاض والأمر به منكر ظاهر ، فعليه التوبة إلى الله ، والندم على ما فعل ، والإكثار من الأعمال الصالحة من الصدقة وغيرها ، لعل الله تعالى يتوب عليه ، فإن الله تعالى قال : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
106449
العنوان:
أغمي عليها في رمضان ثم ماتت
السؤال:
امرأة أصيبت بجلطة قبل رمضان ولم يغم عليها إغماء كاملاً ، فكانت تبدأ بالصلاة وأثناء الصلاة تخاطب من حولها ، ولما قرب رمضان أغمي عليها إغماء كاملاً ، ولكن الأطباء قالوا : إنها تسمع ثم توفيت في رمضان ، فهل يكفر عنها ؟
الجواب:
الحمد لله
"هذه المرأة التي أصيبت بجلطة قبل رمضان وبقيت مغمى عليها أو فاقدة الشعور ، يطعم عنها لكل يوم مسكين ، لأن الصحيح أن الإغماء لا يمنع وجوب الصوم ، وإنما يمنع وجوب الصلاة ، فلو أغمي على الإنسان بغير اختياره وبقي يومين أو ثلاثة فلا صلاة عليه ، أما إذا كان باختياره كما لو أغمي عليه بواسطة البنج فإنه يلزمه القضاء" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (114) .(/1)
رقم السؤال:
106450
العنوان:
التدخين محرم ومفسد للصيام
السؤال:
يقول بعض الناس : إن تعاطي الدخان في نهار رمضان ليس من المفطرات ، لأنه ليس أكلاً ولا شرباً . فما رأي فضيلتكم في هذا القول ؟
الجواب:
الحمد لله
"أرى أنه قول لا أصل له ، بل هو شرب ، وهم يقولون : إنه يشرب الدخان ، ويسمونه شرباً ، ثم إنه لا شك يصل إلى المعدة وإلى الجوف ، وكل ما وصل إلى المعدة والجوف فإنه مفطر ، سواء كان نافعاً أم ضاراً ، حتى لو ابتلع للإنسان خرزة سبحة مثلاً ، أو شيئاً من الحديد ، أو غيره فإنه يفطر ، فلا يشترط في المفطر ، أو في الأكل والشرب أن يكون مغذياً ، أو أن يكون نافعاً ، فكل ما وصل إلى الجوف فإنه يعتبر أكلاً وشرباً ، وهم يعتقدون بل هم يعرفون أن هذا شرب ، وهذا إن كان أحد قد قاله فإنما هو مكابر .
ثم إنه بهذه المناسبة أرى أن شهر رمضان فرصة لمن صدق العزيمة ، وأراد أن يتخلص من هذا الدخان الخبيث الضار ، أرى أنها فرصة لأنه سوف يكون ممسكاً عنه طول نهار رمضان ، وفي الليل بإمكانه أن يتسلى عنه بما أباح الله له من الأكل والشرب والذهاب يميناً وشمالاً إلى المساجد ، وإلى الجلساء الصالحين ، وأن يبتعد عمن ابتلوا بشربه ، فهو إذا امتنع خلال الشهر فإن ذلك عون كبير على أن يدعه في بقية العمر ، وهذه فرصة يجب أن لا تفوت المدخنين" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (203، 204) .(/1)
رقم السؤال:
106451
العنوان:
حكم الجلوس قرب أجهزة لها بخار أو دخان وهو صائم
السؤال:
ما حكم الجلوس في نهار رمضان قرب أجهزة لها بخار أو دخان ؟ وإذا كان ذلك من صميم عملي فما الحكم ؟
الجواب:
الحمد لله
"هذا لا بأس به ، ولكنه لا يتعمد ويتقصد أن يستنشق هذا الدخان أو هذا الغبار ، فإذا دخل إلى جوفه من غير قصد ولا إرادة فإنه لا بأس به ولا يضره" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (281).(/1)
رقم السؤال:
106452
العنوان:
صامت وهي تشك في الطهر من الحيض
السؤال:
امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض ، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر ؟
الجواب:
الحمد لله
"صيامها غير منعقد ، ويلزمها قضاء ذلك اليوم ، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض ، ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها ، وهذا يمنع انعقادها" انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (107، 108).(/1)
رقم السؤال:
106453
العنوان:
لا يذهب بوالدته إلى المسجد الحرام خوفا عليها ولكنها تذهب مع السائق
السؤال:
شخص والدته محبة للخير ، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض ، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب ؟ ولذا فإنه لا يوصلها إلى المسجد الحرام إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها ، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها . فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها ؟
الجواب:
الحمد لله
"ليس من المشروع ، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنه يقوم الليل ولا ينام ، ويصوم النهار ولا يفطر ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) رواه مسلم (1159) . فالإنسان نفسه عنده أمانة ، يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) . وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه : (صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) . ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) رواه البخاري (2992) أي : لا تكلفوها، امشوا بطمأنينة ، كما يمشي الناس في الربيع ، والناس في الربيع يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل ، ولا تتكلف المشي .(/1)
فنقول لهذه المرأة – نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته – نقول لها : ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل ، وألا تكلف نفسها ، وأن تتقي الله في نفسها ، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا بغيره .
وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم ، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير محرم لها في السيارة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) رواه البخاري (5233) وهذا النهي عام ، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم ، ولو كان معها غيرها . فهنا أمران : خلوة وهي حرام في الحضر والسفر ، وسفر وهو حرام إلا بمحرم .
فهذه المرأة تقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها .
أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده لعلها تمتنع فهذا طيب ، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب ، فأرى أن لا يمتنع ما دامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها ، وهو غير محرم ، فالذي أرى ، ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب" انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (127- 130) .(/2)
رقم السؤال:
106454
العنوان:
لا يستطيع أن يغض بصره بسبب كثرة النساء
السؤال:
أقيم في دولة غير إسلامية ـ ولا أستطيع أن أغض بصري بسبب كثرة النساء المتبرجات حولي .
الجواب:
الحمد لله
"غض البصر نوعان : نوع يستطيعه الإنسان ولا يعذر بتركه ، وهو عدم اتباع نظره النساء وتعمد رؤيتهن ، وهذا شيء يستطيعه ، وهو واجب عليه ، أعني عدم اتباع نظره وتعمد رؤيتهن ، لأنه في مقدوره ، ولا فرق بين أن يكون في بلد يكثر فيه السفور أو يقل .
والنوع الثاني : لا يستطيعه الإنسان ، وهو النظر المباغت ، يرى المرأة فلا يتبع نظره إليها ولا يتعمد ، بل هو ماش في طريقه ، فهذا لا يضره ، ولا يأثم به ، لأنه في غير مقدوره ، وهذا والله أعلم هو السر في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور/30 ، حيث جاء بـ "من" الدالة على التبعيض ، إذ بعض الغض لا يجب ، وهو ما لا يدخل في مقدور الإنسان ، أو ما تدعو الضرورة إليه ، كنظر الطبيب ونحوه ، أو الحاجة كنظر الخاطب" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (145، 146) .(/1)
رقم السؤال:
106455
العنوان:
مريض ويحتاج إلى الدواء باستمرار
السؤال:
هناك رجل مريض بمرض القلب ، ويحتاج إلى الدواء باستمرار ، يعني تقريباً كل ثمان ساعات أو ست ساعات فهل يسقط عنه الصوم ؟
الجواب:
الحمد لله
"نعم . يسقط عنه الصوم ، ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، إن شاء أعطى المساكين كل مسكين ربع صاع من الأرز ، وإن جعل معه لحماً فهو أحسن ، وإن شاء عشَّاهم في آخر ليلة من رمضان ، أو غداهم في يوم آخر بعد رمضان ، كل ذلك جائز" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (126) .(/1)
رقم السؤال:
106457
العنوان:
هل يطعم غير المسلمين في فدية الصيام؟
السؤال:
مريض وجب عليه الإطعام ، فهل يجوز له دفع هذا الطعام إلى غير مسلمين لأنه يقيم في دولة غير إسلامية ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الإنسان في غير بلاد إسلامية ووجب عليه الإطعام فإن كان في هذه البلاد مسلمون من أهل الاستحقاق أطعمهم ، وإلا فإنه يصرفه إلى أي بلد من بلاد المسلمين التي يحتاج أهلها إلى هذا الإطعام ، والله أعلم" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (112) .(/1)
رقم السؤال:
106458
العنوان:
هل يفطر المسافر للتقوى على العمرة؟
السؤال:
المسافر إذا وصل مكة صائماً فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة ؟
الجواب:
الحمد لله
"النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح في اليوم العشرين من رمضان ، وكان صلى الله عليه وسلم مفطراً ، وكان يصلي ركعتين في أهل مكة ، ويقول لهم : (يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر) . وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً ذلك العام ، أي أنه أفطر عشرة أيام في مكة في غزوة الفتح ، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (لم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر) أخرجه البخاري (1944) . كما أنه بلا شك كان يصلي ركعتين في هذه المدة ؛ لأنه كان مسافراً ، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة ، فلا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطراً ، بل نقول له : الأفضل إذا كان ذلك أقوى على أداء العمرة أن لا تصوم ، ما دمت إذا أديت العمرة تعبت ، وقد يكون بعض الناس مستمراً على صيامه حتى في السفر ، نظراً لأن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس به مشقة ، فيستمر في سفره صائماً ، ثم يقدم مكة ويكون متعباً ، فيقول في نفسه : هل أستمر على صيام أو أؤجل أداء العمرة إلى ما بعد الفطر ؟ أي إلى الليل ، أو الأفضل أن أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي مكة ؟ نقول له في هذه الحال : الأفضل أن تفطر ، حتى لو كنت صائماً فأفطر ، لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في النسك بادر إلى المسجد ، حتى كان ينيخ راحلته صلى الله عليه وسلم عند المسجد ، ويدخله حتى يؤدي النسك الذي كان متلبساً به صلى الله عليه وسلم ، فكونك تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار أفضل من كونك تبقى صائماً ، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً في سفره لغزوة الفتح ، فجاء إليه أناس(/1)
فقالوا : يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام ، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل ؟ وكان هذا بعد العصر ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشرب ، والناس ينظرون ، فأفطر صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر ، بل أفطر في آخر اليوم ، كل هذا من أجل أن لا يشق الإنسان على نفسه بالصيام ، وتكلف بعض الناس في الصوم في السفر مع المشقة لا شك أنه خلاف السنة ، وأنه ينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس من البر الصيام في السفر)" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (138، 139) .(/2)
رقم السؤال:
106459
العنوان:
الإسراف في مائدة الإفطار هل يقلل من ثواب الصيام؟
السؤال:
الإفراط في إعداد الأطعمة للإفطار هل يقلل من ثواب الصوم ؟
الجواب:
الحمد لله
" لا يقلل من ثواب الصيام ، والفعل المحرم بعد انتهاء الصوم لا يقلل من ثوابه ، ولكن ذلك يدخل في قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 . فالإسراف نفسه محظور ، والاقتصاد نصف المعيشة ، وإذا كان لديهم فضل فليتصدقوا به ، فإنه أفضل " انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"فتاوى إسلامية" (2/118) .(/1)
رقم السؤال:
106460
العنوان:
الإكثار من الاستحمام للصائم
السؤال:
ما حكم الاستحمام في نهار رمضان أكثر من مرة أو الجلوس عند مكيف طوال الوقت وهذا المكيف يفرز رطوبة ؟
الجواب:
الحمد لله
" ذلك جائز ، ولا بأس به ، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصب على رأسه الماء من الحر أو من العطش وهو صائم ، وكان ابن عمرو يبل ثوبه وهو صائم بالماء ، لتخفيف شدة الحر أو العطش ، والرطوبة لا تؤثر ، لأنها ليست ماء يصل المعدة " انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"فتاوى إسلامية" (2/130) .(/1)
رقم السؤال:
106461
العنوان:
التطويل في صلاة التراويح
السؤال:
إمام مسجد يصلي بالناس التراويح ويقرأ في كل ركعة صفحة كاملة أي ما يعادل حوالي 15 آية إلا أن بعض الناس يقول : إنه يطيل القراءة ، والبعض يقول عكس ذلك . ما السنة في صلاة التراويح ؟ وهل هناك حد يعرف به التطويل من عدمه ، من نقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب:
الحمد لله
" ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره ، ولكنه يطيل القراءة والأركان ، حتى إنه قرأ مرة أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة ، مع الترتيل والتأني .
وثبت أنه كان يقوم عند انتصاف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ، ثم يستمر يصلي إلى قرب طلوع الفجر ، فيصلي ثلاث عشرة ركعة في نحو خمس ساعات ، وذلك يستدعي الإطالة في القراءة والأركان.
وثبت أن عمر لما جمع الصحابة على صلاة التراويح كانوا يصلون عشرين ركعة ، ويقرؤون في الركعة نحو ثلاثين آية من آي البقرة ، أي : ما يقارب أربع صفحات أو خمساً ، فيصلون بسورة البقرة في ثمان ركعات ، فإن صلوا بها في ثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف .
هذه هي السنة في صلاة التراويح ، فإذا خفف القراءة زاد في عدد الركعات إلى إحدى وأربعين ركعة ، كما قال بعض الأئمة ، وإن أحب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة زاد في القراءة والأركان ، وليس لصلاة التراويح عدد محدود ، وإنما المطلوب أن تصلي في زمن تحصل فيه الطمأنينة والتأني ، بما لا يقل عن ساعة أو نحوها ، ومن رأى أن ذلك إطالة فقد خالف المنقول ، فلا يلتفت إليه " انتهى .
فضيلة الشيخ ابن جبرين .
"فتاوى إسلامية" (2/157، 158) .(/1)
رقم السؤال:
106462
العنوان:
دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح
السؤال:
ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان ، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث : (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي ، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك : (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد).
لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى .
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) .(/1)
رقم السؤال:
106463
العنوان:
صلاة التراويح ركعتين ركعتين
السؤال:
بعض الأئمة في صلاة التراويح يجمعون أربع ركعات أو أكثر في تسليمة واحدة دون جلوس بين الركعتين ، ويدّعون أن ذلك من السنة . فهل لهذا العمل أصل في شرعنا المطهر ؟
الجواب:
الحمد لله
"هذا العمل غير مشروع ، بل مكروه أو محرم عند أكثر أهل العلم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة ، يسلم من كل اثنتين ، ويوتر بواحدة) متفق على صحته والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وأما حديث عائشة المشهور : (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل أربعاً ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) .. الحديث متفق عليه ، فمرادها : أنه يسلم من كل اثنتين ، وليس مرادها أنه يسرد الأربع بسلام واحد ، لحديثها السابق ، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم ، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً ، فالواجب على المسلم أن يأخذ بها كلها ، وأن يفسر المجمل بالمبين . والله ولي التوفيق" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"فتاوى إسلامية" (2/156) .(/1)
رقم السؤال:
106464
العنوان:
عاد إليها دم النفاس وهي صائمة
السؤال:
إذا طهرت النفساء خلال أسبوع وصامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة ؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح ، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيهل الدم – لأنه نفاس – حتى تطهر أو تكمل الأربعين ، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل ، وإن لم تر الطهر ، لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء ، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة ، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين ، وإن لم تر الطهر ، لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم ، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته .
لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضاً . والله ولي التوفيق" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"فتاوى إسلامية" (2/146) .(/1)
رقم السؤال:
106465
العنوان:
مريض بالسل ولا يستطيع الصيام
السؤال:
مصاب بمرض السل الرئوي من مدة ثلاث سنوات ، وقرر طبيبان مسلمان أنه لا يتحمل الصيام بسبب هذا المرض ، فهل يجوز له الفطر في رمضان ؟
الجواب:
الحمد لله
" حيث قرر الطبيبان المسلمان تضرره بالصيام فيسوغ له الفطر ، وقضاء الصوم بعد برئه إن شاء الله" انتهى .
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/181، 182) .
فإن كان لا يستطيع الصيام بعد ذلك فعليه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم .(/1)
رقم السؤال:
106466
العنوان:
مريض بالسل ونصحه الأطباء بعدم الصيام خمس سنوات
السؤال:
مريض بالسل ، وتعالجت منه مدة سنتين ، وألزمني الأطباء بترك الصيام ، وخوفوني بأني إذا صمت انتكس علي المرض ، ونصحوني بترك الصيام مدة خمس سنوات . فما حكم ترك الصيام هذه المدة ؟
الجواب:
الحمد لله
" قال الله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 ، أي : ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام أو يؤذيه أو كان في حال سفر فله أن يفطر ، وعليه قضاء عدة ما أفطره من الأيام ، ولهذا قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) البقرة/185 ، ونص العلماء على أنه إذا أخبر طبيب مسلم ثقة بأن الصيام مما يضر بهذا المريض ، أو يُمَكِّن منه العلة ، أو يبطئ البرء ونحو ذلك فإن ترك الصيام في مثل هذه الحالة جائز شرعاً . فإن كان الطبيب غير مسلم أو مسلماً لكنه غير عدل فلا يقبل قوله إلا عند الضرورة ، مثل ألا يتمكن من سؤال غيره ، فإذا وجدت الضرورة وحفت القرائن على صدق غير المسلم ونحوه بأن يحس المريض من نفسه بذلك ، أو يكون مشتهراً أن هذا المرض مما يتمكن بالصيام ويصعب برؤه فحينئذ يجوز ترك الصيام حتى يعافيه الله ويقوى عليه بدون ضرر .
أما ما مضى من الأشهر فعليك قضاؤها بعد البرء ، ولا كفارة في تأخيرها، لأن تركك لها لاستمرار المرض معك " انتهى .
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/182، 183) .(/1)
رقم السؤال:
106467
العنوان:
مصاب بقرحة في المعدة ونصحه الأطباء بعدم الصوم
السؤال:
مصاب بقرحة المعدة منذ ثمان سنوات ، ولا يزال مستمراً على العلاج ، ونصحه الأطباء بعدم الصوم تفادياً من تضاعف المرض . فهل يجوز له ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
"له الفطر ، وعليه القضاء بعد شفائه إذا كان مرجواً برؤه . أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك ، وأنه من غير المحتمل شفاؤه من ذلك المرض فله أن يطعم [مسكيناً] عن كل يوم من شهر رمضان" انتهى .
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/180) .(/1)
رقم السؤال:
106468
العنوان:
هل يجعل صيام ستة شوال يوم الاثنين والخميس؟
السؤال:
هل يصح أن أصوم ستة شوال في يوم الاثنين والخميس ، لأحصل على ثواب صيام الاثنين والخميس ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، لا حرج من ذلك ، ويكتب لك ثواب صيام الستة أيام ، وصيام الاثنين والخميس .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
" إذا اتفق أن يكون صيام هذه الأيام الستة في يوم الاثنين أو الخميس فإنه يحصل على أجر الاثنين بنية أجر الأيام الستة ، وبنية أجر يوم الاثنين أو الخميس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)" انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"فتاوى إسلامية" (2/154) .(/1)
رقم السؤال:
106469
العنوان:
هل يفطر المجاهدون في سبيل الله؟
السؤال:
هل الذين يحاربون العدو لهم الإفطار في رمضان ويقضون بعده ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الذين يحاربون الكفار مسافرين سفراً تقصر فيه الصلاة ، جاز لهم أن يفطروا ، وعليهم القضاء بعد رمضان .
وإن كانوا غير مسافرين بأن هجم عليهم الكفار في بلادهم فمن استطاع منهم الصوم مع الجهاد وجب عليه الصوم ، ومن لم يستطع الجمع بين الصيام والقيام بما وجب عليه عيناً من الجهاد ، جاز له أن يفطر وعليه القضاء ، صوم الأيام التي أفطرها بعد انتهاء رمضان" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
"فتاوى إسلامية" (2/141، 142) .(/1)
رقم السؤال:
106473
العنوان:
هل يفسد صومه بالسب والشتم؟
السؤال:
في رمضان إذا غضب الإنسان من شيء وفي حالة غضبه نهر أو شتم فهل يبطل صيامه أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يبطل ذلك صومه ، ولكنه ينقص أجره ، فعلى المسلم أن يضبط نفسه ، ويحفظ لسانه من السبب والشتم والغيبة والنميمة ، ونحو ذلك ، مما حرم الله في الصيام وغيره ، وفي الصيام أشد وآكد محافظة على كمال صيامه ، وبعداً عما يؤذي الناس ، ويكون سبباً في الفتنة والبغضاء والفرقة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ، ولا يسخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/332، 333) .(/1)
رقم السؤال:
106475
العنوان:
متى يفطر ركاب الطائرة؟
السؤال:
كان مسافراً من كراتشي إلى بلده في السعودية عصر أحد أيام رمضان ، وبعد فترة طيران الطائرة أعلن مضيفها أنه حان وقت الإفطار بالنسبة للتوقيت في كراتشي ، ولا تزال الشمس في السماء مرئية لجميع ركاب الطائرة ويسأل عن حكم صوم من أفطر والحال ما ذكر .
الجواب:
الحمد لله
"أجمع أهل العلم قاطبة على أن الصوم من طلوع الفجر حتى غروب الشمس ، لقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187 ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر من ههنا ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) وعلى أن لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه ، سواء كان على سطح الأرض أم على طائرة في الجو .
وعليه ؛ فمن أفطر وهو في الطائرة بتوقيت بلد ما ، وهو يعلم أن الشمس لم تغرب فصيامه فاسد ؛ لأنه أفطر قبل غروب الشمس بالنسبة له ، وعليه قضاء ذلك اليوم .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن منيع .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/397، 398) .(/1)
رقم السؤال:
106476
العنوان:
متى تجب الكفارة على من أفطر في رمضان بدون عذر؟
السؤال:
أريد أن أعرف موجبات القضاء والكفارة في رمضان ، علماً أنه سبق أن بحثت الموضوع ، وانتهى بي البحث إلى رأيين : أحدهما يرى أن موجبات القضاء والكفارة هو الجماع لا غير ، والدليل معروف من السنة المطهرة ، أما الرأي الثاني فيجعل كل ما يصل إلى المعدة عمداً موجباً للقضاء والكفارة ، إضافة إلى الجماع دون أن أعثر على دليل من الكتاب والسنة . لذا أرجو من فضيلتكم إفادتي بالجواب الشافي المدعم بالدليل من الكتاب والسنة .
الجواب:
الحمد لله
"نص النبي صلى الله عليه وسلم على الحكم بوجوب الكفارة على أعرابي لكونه جامع زوجته عمداً في نهار رمضان وهو صائم ، فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بياناً لمناط الحكم ، ونصاً على علته ، وانفق الفقهاء على أن كونه إعرابياً وصف طردي لا مفهوم له ، ولا تأثير له في الحكم فتجب الكفارة بوطء التركي والأعجمي زوجته ، واتفقوا أيضاً على أن وصف الزوجة في الموطوءة طردي غير معتبر ، فتجب الكفارة بوطء الأمة وبالزنا ، واتفقوا أيضاً على أن مجيء الواطئ نادماً لا أثر له في وجوب الكفارة ، فلا اعتبار له أيضاً في مناط الحكم ، ثم اختلفوا في الجماع هل هو وحده المعتبر في وجوب الكفارة بإفساد الصوم به فقط ، أو المعتبر انتهاك حرمة رمضان بإفساد الصوم عمداً ولو بطعام وشراب ، فقال الشافعي وأحمد بالأول ، وقال أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما بالثاني ، ومنشأ الخلاف بين الفريقين اختلافهما في تنقيح مناط الحكم ، هل هو انتهاك حرمة صوم رمضان بإفساده بخصوص الجماع عمداً ، أو انتهاكه بإفساد صومه عمداً مطلقاً ، ولو بطعام أو شراب ؟ والصواب الأول ؛ تمشياً مع ظاهر النص ، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب الكفارة حتى يثبت الموجب بدليل واضح .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .(/1)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/300، 301) .(/2)
رقم السؤال:
106477
العنوان:
لا حرج على من قضى رمضان متفرقاً
السؤال:
على رجل قضاء صوم رمضان هل يجوز أن يصومه في أيام متفرقات ؟
الجواب:
الحمد لله
"نعم ، يجوز له أن يقضي ما عليه من ذلك في أيام متفرقات ؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 ، فلم يشترط سبحانه التتابع في القضاء .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/346) .(/1)
رقم السؤال:
106478
العنوان:
كان مرضها لا يرجى شفاؤه ثم شفاها الله منه
السؤال:
امرأة منعها الأطباء من الصوم لمرض في قلبها لم يكن يرجى شفاؤه فكانت تفطر في رمضان وتخرج الفدية عن كل يوم تفطره مباشرة ، ثم شاء الله بتقدم الطب أن يُجرى لها عملية جراحية في صمام القلب ونجحت العملية والحمد لله ولكن بقيت فترة من الزمن تحت المراقبة وتحت العلاج المستمر ، والآن بعد أن تحسنت صحتها ومكنها الله من صيام رمضان الماضي ، وهي تسأل ماذا تعمل في الأيام التي أفطرتها ؟ وهل عليها أن تقضي ما فاتها من صيام ويقدر بـ 180 يوماً أي ما يعادل ستة أعوام متوالية، أم أن إخراجها الفدية في حينها يجزئها عن الصوم؟
الجواب:
الحمد لله
"يجزئها ما أخرجته من الفدية فيما مضى عن كل يوم أفطرته ، ولا يجب عليها قضاء تلك الشهور ؛ لأنها معذورة ، وقد فعلت ما وجب عليها في حينه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/195، 196) .(/1)
رقم السؤال:
106479
العنوان:
بلغت ولكنها لا تقوى على الصيام
السؤال:
فتاة أتاها الحيض في السنة الحادية عشر من عمرها فهل يلزمها الصيام ؟ مع ملاحظة أنها لا تتمتع بصحة جيدة وفي حالة عدم قدرتها على الصيام ما الذي يترتب عليها ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت لزمها الصيام لأن الحيض من علامات بلوغ النساء إذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر . فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته ، وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة أفطرت ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام عند القدرة على ذلك" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/145، 145) .(/1)
رقم السؤال:
106480
العنوان:
حديث سلمان في فضائل شهر رمضان ضعيف
السؤال:
بعض خطباء المساجد بهذه المنطقة ألقى خطبة من ضمنها حديث سلمان الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان .. إلخ . وقد اعترض عليه بعض الإخوان علناً أمام الجمهور بقوله : بأن حديث سلمان من الموضوعات ، وكذلك قوله : من أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة ، وقوله : ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار . وقال : إن هذه الكلمات كذب على الرسول ، ومن كذب على الرسول فليتبوأ مقعده من النار .. إلخ . فهل هذا الحديث صحيح أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله(/1)
"حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال : باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر ، ثم قال : حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : (أيها الناس ، قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن ، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء . قالوا : ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم ، فقال : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن ، وهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه غفر الله له ، وأعتقه من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتين ترضون بهما ربكم ، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه ، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما : فتسألون الله الجنة ، وتعوذون به من النار ، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه ، وفي سنده أيضاً يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث ، وفيه أيضاً همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب : ثقة ربما وهم .
وعلى هذا ؛ فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب ، لكنه ضعيف ، ومع ذلك ففضائل رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .(/2)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/84- 86) .(/3)
رقم السؤال:
106481
العنوان:
حكم من يصلي ولا يزكي ولا يصوم ، أو يحج ولا يصلي
السؤال:
قرأت في بعض أجوبتكم أن الذي يصوم ولا يصلي لا يجوز صومه ، والآن العكس فهل الذي يصلي ولا يصوم تجوز صلاته ، وهل الذي لا يزكي ويصلي تجوز صلاته . وهل الذي يحج ولا يصلي يجوز حجه ؟
الجواب:
الحمد لله
"من ترك صوم شهر رمضان جحداً لوجوبه كفر ، ولا تصح صلاته ، ومن تركه عمداً وتساهلاً فلا يكفر في الأصح وتصح صلاته ، ومن ترك الزكاة المفروضة جحداً لوجوبها كفر ولا تصح صلاته ، ومن تركها عمداً تساهلاً وبخلاً فلا يكفر وتصح صلاته ، وهكذا الحج من تركه جحداً لوجوبه مطلقاً كفر أما من تركه مع الاستطاعة لم يكفر وتصح صلاته .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/143، 144) .
ومن ترك الصلاة فهو كافر مرتد على الصحيح من أقوال أهل العلم ، فلا تصح له عبادة من العبادات .
وانظر : جواب السؤال رقم (5208) .(/1)
رقم السؤال:
106482
العنوان:
سافر أثناء رمضان إلى بلد اختلف مع بلده في بداية الشهر
السؤال:
إذا بدأت الصيام في بلدي ثم سافرت أثناء رمضان إلى بلد آخر صاموا بعدنا بيوم ، فهل أواصل الصوم مع المسلمين هناك وبذلك أصوم اليوم الحادي والثلاثين؟
الجواب:
الحمد لله
"العبرة في ابتداء الصيام في البلد التي سافر منها ، وفي نهايته في البلد التي قدم إليها ، وإذا كان مجموع ما صامه ثمانية وعشرين يوماً وجب عليه قضاء يوم ؛ لأن الشهر القمري لا يكون أقل من 29 يوماً ، وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يوماً في البلد الذي سافر إليه وبقى على أهل البلد صيام يوم مثلاً وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر بفطرهم يوم العيد ، ويصلي معهم يوم العيد .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/129) .(/1)
رقم السؤال:
106483
العنوان:
صام يوم عرفة بنية قضاء يوم من رمضان
السؤال:
صمت اليوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة ونويت صومه قضاء عن يوم من أيام رمضان هل يكفي صيام يوم عرفة إذا نويته عن القضاء أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"يجوز صيام يوم عرفه عن يوم من رمضان إذا نويته قضاء .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/346، 347) .(/1)
رقم السؤال:
106484
العنوان:
صامت قضاء رمضان بدون إذن زوجها
السؤال:
ما حكم المرأة صامت بدون إذن زوجها (أي بدون علمه) يومين علماً أن هذا الصوم كان قضاء لشهر رمضان المبارك ، وكانت عند الصيام خجلت أن تخبر زوجها بذلك ، إن كان غير جائز هل عليها كفارة؟
الجواب:
الحمد لله
"يجب على المرأة قضاء ما أفطرته من أيام رمضان ولو بدون علم زوجها ، ولا يشترط للصيام الواجب على المرأة إذن الزوج فصيام المذكورة صحيح . وأما الصيام غير الواجب فلا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه غير رمضان .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/353) .(/1)
رقم السؤال:
106485
العنوان:
بلغت ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان
السؤال:
فتاة بلغ عمرها اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان ، فهل عليها شيء أو على أهلها؟ وهل تصوم وإذا ما صامت فهل عليها شيء؟
الجواب:
الحمد لله
"المرأة تكون مكلفة بشروط وهي الإسلام والعقل والبلوغ ، ويحصل البلوغ : بالحيض وإنزال المني بشهوة ، وبالاحتلام إذا رأت المني ، أو نبات شعر خشن حول القبل ، أو بلوغ خمسة عشر عاماً . فهذه الفتاة إذا كانت توفرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها ، ويجب قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها ، وإذا اختل شرط من الشروط فليست بمكلفة ولا شيء عليها .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/146، 147) .(/1)
رقم السؤال:
106486
العنوان:
أصيب بنزيف وهو صائم
السؤال:
ما هو الحكم عندما يصاب صائم رمضان بالرعاف لمدة 28 يوماً من شهر رمضان ، وأطلعكم بأن عمري 59 عاماً ولم أصب بالرعاف طيلة عمري إطلاقاً ، وفي شهر رمضان في العام الماضي أصبت بالرعاف من ثلاث إلى ست مرات حين الصباح إلى إفطار المغرب ، ويقع لي نزول الدم إلى الحلق ثم أدفعه جامداً .
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الأمر كما ذكرت فصيامك صحيح ؛ لأن إصابتك بالرعاف ناشئة بغير اختيارك فلا يترتب على وجودها الحكم عليك بالفطر ، والذي يدل على ذلك أدلة يسر الشريعة ، ومنها قوله تعالى : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى : (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6 .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/264، 265) .
وجاء فيها أيضاً :
"إذا نزف من الشخص دم بغير اختياره وهو صائم فإن صيامه صحيح" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/268) .(/1)
رقم السؤال:
106487
العنوان:
هل يصوم مع بلده أو مع أي بلد رأى الهلال؟
السؤال:
ماذا أفعل لو رؤي الهلال في بعض الدول الإسلامية ، ولكن الدولة التي أعمل بها أتمت شهر شعبان ورمضان ثلاثين يوماً ؟ وما السبب في اختلاف الناس في رمضان ؟
الجواب:
الحمد لله
"عليك أن تبقى مع أهل بلدك ، فإن صاموا فصم معهم ، وإن أفطروا فأفطر معهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الصوم يوم تصومون ، والإفطار يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون) ، ولأن الخلاف شر ، فالواجب عليك أن تكون مع أهل بلدك ، فإذا أفطر المسلمون في بلدك فأفطر معهم ، وإذا صاموا فصم معهم .
أما السبب في الاختلاف فهو أن البعض يرى الهلال ، والبعض لا يرى الهلال ، ثم الذين يرون الهلال قد يثق بهم الآخرون ويطمئنون إليهم ويعملون برؤيتهم ، وقد لا يثقون بهم ولا يعملون برؤيتهم ، فلهذا وقع الخلاف ، وقد تراه دولة وتحكم به وتصوم لذلك أو تفطر ، والدولة الأخرى لا تقتنع بهذه الرؤية ولا تثق بالدولة ؛ لأسباب كثيرة ، سياسية وغيرها .(/1)
فالواجب على المسلمين أن يصوموا جميعاً إذا رأوا الهلال ، ويفطروا برؤيته ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : (إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتم الهلال فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ، فإذا اطمأن الجميع إلى صحة الرؤية وأنها حقيقية ثابتة فالواجب الصوم بها والإفطار بها ، لكن إذا اختلف الناس في الواقع ولم يثق بعضهم ببعض ، فإن عليك أن تصوم مع المسلمين في بلدك ، وعليك أن تفطر معهم ، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : (الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون) . وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن كريباً لما أخبره أن أهل الشام قد صاموا يوم الجمعة قال ابن عباس : نحن رأيناه يوم السبت ، فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال ، أو نكمل ثلاثين ، ولم يعمل برؤية أهل الشام لبعد الشام عن المدينة ، واختلاف المطالع بينهما ، ورأى رضي الله عنهما أن هذا محل اجتهاد ، فلك أسوة بابن عباس ومن قال بقوله من العلماء في الصوم مع أهل بلدك والفطر معهم ، والله ولي التوفيق" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/100- 102) .(/2)
رقم السؤال:
106488
العنوان:
هل يصوم عن والده المتوفى في رمضان؟
السؤال:
توفى والدي يوم ثلاثة رمضان ، فهل يجب علي إكمال رمضان له ، يعني أصوم نيابة عنه سبعة وعشرين يوماً ؟
الجواب:
الحمد لله
"ليس عليك شيء ؛ لأن والدك لما توفى سقط عنه الواجب ، فليس عليك أن تصوم عنه ، ولا يشرع لك ذلك" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/376) .(/1)
رقم السؤال:
106489
العنوان:
لا حرج من رؤية الهلال بالآلات الحديثة
السؤال:
هل لابد في رؤية الهلال أن تكون بالعين المجردة ، أم يمكن أن نستعمل المنظار والآلات الحديثة والمراصد؟
الجواب:
الحمد لله
"ظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بهذه الآلات بل تكفي رؤية العين . ولكن من طالع الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال ، لأنها من رؤية العين لا من الحساب" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/68، 69) .(/1)
رقم السؤال:
106490
العنوان:
كيف نستقبل شهر رمضان؟
السؤال:
هل هناك أمور خاصة مشروعة يستقبل بها المسلم رمضان ؟
الجواب:
الحمد لله
"شهر رمضان هو أفضل شهور العام ؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركناً رابعاً من أركان الإسلام ، وشرع للمسلمين قيام ليله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت) متفق عليه . وقال عليه الصلاة والسلام : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه . ولا أعلم شيئاً معيناً لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط وشكر الله أن بلغه رمضان ، ووفقه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل ، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله . ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان مبيناً فضائله ، وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثواب العظيم ، ويشرع للمسلم استقبال هذه الشهر الكريم بالتوبة النصوح والاستعداد لصيامه وقيامه ، بنية صالحة ، وعزيمة صادقة" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/9) .(/1)
رقم السؤال:
106491
العنوان:
كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم والإفطار مع أهلها
السؤال:
نحن من بلاد الحرمين الشريفين ، ونعمل في السفارة في إحدى الدول الآسيوية المسلمة (باكستان) ، هل نصوم ونفطر مع المملكة أم مع الدولة التي نقيم بها؟
الجواب:
الحمد لله
"الظاهر من الأدلة الشرعية هو أن كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم مع أهلها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصوم يوم تصومون ، والإفطار يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون) ، ولما علم من الشريعة من الأمر بالاجتماع ، والتحذير من الفرقة والاختلاف ؛ ولأن المطالع تختلف باتفاق أهل المعرفة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وبناء على ذلك فالذي يصوم من موظفي السفارة في الباكستان مع الباكستانيين أقرب إلى إصابة الحق ممن يصومه مع السعودية ؛ لتباعد ما بين البلدين ولاختلاف المطالع فيها ، ولا شك أن صوم المسلمين جميعاً برؤية الهلال أو إكمال العدة في أي بلد من بلادهم هو الموافق لظاهر الأدلة الشرعية ، ولكن إذا لم يتيسر ذلك فالأقرب هو ما ذكرنا آنفاً ، والله سبحانه ولي التوفيق" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/98، 99) .
وسئل الشيخ ابن باز أيضاً : أن الرؤية في الباكستان لهلال رمضان وشوال قد تتأخر بعد السعودية يومين فهل يصومون مع السعودية أو الباكستان ؟
فأجاب:
"الذي يظهر لنا من حكم الشرع المطهر أن الواجب عليكم الصوم مع المسلمين لديكم ؛ لأمرين :(/1)
أحدهما : قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الصوم يوم تصومون ، والإفطار يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون) خرجه أبو داود وغيره بإسناد حسن ، فأنت وإخوانك مدة وجودكم في الباكستان ينبغي أن يكون صومكم معهم حين يصومون ، وإفطاركم معهم حين يفطرون ؛ لأنكم داخلون في هذا الخطاب ، ولأن الرؤية تختلف بحسب اختلاف المطالع . وقد ذهب جمع من أهل العلم منهم ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن لأهل كل بلد رؤيتهم .
الأمر الثاني : أن في مخالفتكم المسلمين لديكم في الصوم والإفطار تشويشاً ودعوة للتساؤل والاستنكار وإثارة للنزاع والخصام ، والشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالحث على الاتفاق والوئام والتعاون على البر والتقوى وترك النزاع والخلاف ؛ ولهذا قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران/103 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً وأبا موسى رضي الله عنهما إلى اليمن : (بشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا)" انتهى .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/103، 104) .(/2)
رقم السؤال:
106492
العنوان:
على المسلمين التعاون بترائي الهلال وإبلاغ الجهات المسؤولة عن رؤيته
السؤال:
ماذا على الإنسان لو رأى هلال رمضان أو ذي الحجة ، ولم يبلغ الجهة المختصة بذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
"الواجب على من رأى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان ، أو ليلة الثلاثين من شوال ، أو ليلة الثلاثين من ذي القعدة أن يبلغ المحكمة التي في بلده ، إلا أن يعلم أن الهلال ثبت برؤية غيره ، عملا بقول الله سبحانه وتعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2 ، وقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) التغابن /16 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ) رواه مسلم (1839) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تأمر عليكم عَبْدٌ) ، ومعلوم أن ولي الأمر يطلب من خلال مجلس القضاء الأعلى من المسلمين أن على من رأى الهلال أن يبلغ المحاكم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (صوموا لرؤيته) يعني الهلال (وأفطروا لرؤيته ، وانسكوا لها ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) ، ولا سبيل إلى العمل بهذه الأحاديث إلا بتوفيق الله ، ثم بالتعاون بين المسلمين بترائي الهلال ، وإبلاغ الجهات المسؤولة ممن رآه ، ويجب على من رآه أن يبلغ الجهات الرسمية في الدخول والخروج ، وبذلك يحصل الامتثال للأوامر الشرعية ، والتعاون على البر والتقوى ، والله ولي التوفيق" انتهى بتصرف.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/70- 72) .(/1)
رقم السؤال:
106493
العنوان:
حكم صوم وفطر من ردت شهادته أو لم يتمكن من إخبار المسئولين
السؤال:
إذا رأى الشخص الهلال ولم يتمكن من إخبار المسئولين أو ردت شهادته ، فهل يصوم وحده ؟ وكذلك بالنسبة للعيد هل يفطر وحده ؟
الجواب:
الحمد لله
"ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصوم وحده ، والصواب أنه لا يجوز له أن يصوم وحده ، ولا أن يفطر وحده ، بل عليه أن يصوم مع الناس ويفطر معهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ) ، أما إذا كان في البرية ما عنده أحد فإنه يعمل برؤيته في الصوم والفطر" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/72، 73) .(/1)
رقم السؤال:
106494
العنوان:
حكم استعمال بخاخ الأنف في الصيام
السؤال:
ما حكم استعمال بخاخ الأنف ، هل يؤثر ذلك على الصيام؟
الجواب:
الحمد لله
"لا بأس بذلك عند الضرورة ، فإن أمكن تأجليه إلى الليل فهو أحوط" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/264) .(/1)
رقم السؤال:
106495
العنوان:
حكم إبرة البنج وتنظيف السن أو حشوه أو خلعه في الصيام
السؤال:
إذا حصل للإنسان ألم في أسنانه ، وراجع الطبيب وعمل له تنظيفاً أو حشواً أو خلع أحد أسنانه ، فهل يؤثر ذلك على صيامه ؟ ولو أن الطبيب أعطاه إبرة لتخدير سنه ، فهل لذلك أثر على الصيام ؟
الجواب:
الحمد لله
"ليس لما ذكر في السؤال أثر في صحة الصيام ، بل ذلك معفو عنه ، وعليه أن يتحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم ، وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها في صحة الصوم ؛ لكونها ليست في معنى الأكل والشرب . والأصل صحة الصوم وسلامته" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/259) .(/1)
رقم السؤال:
106496
العنوان:
أمره الأطباء ألا يصوم أبداً، ثم شفي بعد خمس سنوات
السؤال:
شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ، ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله بعد خمس سنوات وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها ، فماذا يفعل بعد أن شفاه الله هل يقضيها أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان الأطباء الذين نصحوه من المسلمين الموثوقين العارفين بجنس هذا المرض ، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه ، فليس عليه قضاء ويكفيه الإطعام ، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/354، 355) .(/1)
رقم السؤال:
106497
العنوان:
الاستنشاق والمضمضة للصائم
السؤال:
هل يجوز الاستنشاق والمضمضة في نهار رمضان لمن كان صائماً ؟
الجواب:
الحمد لله
"ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للقيط بن صبرة : (أسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فأمره صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء ثم قال : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فدل ذلك على أن الصائم يتمضمض ويستنشق ، لكن لا يبالغ مبالغة يخشى منها وصول الماء إلى حلقه ، أما الاستنشاق والمضمضة فلابد منهما في الوضوء والغسل ؛ لأنهما فرضان فيهما في حق الصائم وغيره" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/280) .(/1)
رقم السؤال:
106498
العنوان:
اجتماع المسلمين في الصوم والفطر مطلب شرعي وبيان كيفية تحقيق ذلك
السؤال:
لماذا لا يتحد المسلمون في دخول شهر رمضان وخروجه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
"لا شك أن اجتماع المسلمين في الصوم والفطر أمر طيب ومحبوب للنفوس ومطلوب شرعاً حيث أمكن ، ولكن لا سبيل إلى ذلك إلا بأمرين :
أحدهما : أن يلغي جميع علماء المسلمين الاعتماد على الحساب كما ألغاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وألغاه سلف الأمة ، وأن يعملوا بالرؤية أو بإكمال العدة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (25/132، 133) اتفاق العلماء على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب في إثبات الصوم والفطر ونحوهما . ونقل الحافظ في الفتح (4/127) عن الباجي : (إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب ، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم) .
الأمر الثاني : أن يلتزموا بالاعتماد على إثبات الرؤية في أي دولة إسلامية تعمل بشرع الله وتلتزم بأحكامه ، فمتى ثبت عندها رؤية الهلال بالبينة الشرعية دخولاً أو خروجاً تبعوها في ذلك ، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) .(/1)
وقوله صلى الله عليه وسلم : (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بيده ثلاث مرات وعقد إبهامه في الثالثة (والشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بأصابعه كلها ، يعني بذلك عليه الصلاة والسلام أن الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة من حديث ابن عمر وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان وغيرهم رضي الله عنهم ، ومعلوم أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس خاصاً بأهل المدينة ، بل هو خطاب للأمة جمعاء في جميع أعصارها وأمصارها إلى يوم القيامة ، فمتى توفر هذان الأمران أمكن أن تجتمع الدول الإسلامية على الصوم جميعاً والفطر جميعاً ، فنسأل الله أن يوفقهم لذلك ، وأن يعينهم على تحكيم الشريعة الإسلامية ورفض ما خالفها ، ولا ريب أن ذلك واجب عليهم ؛ لقوله سبحانه : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65 ، وما جاء في معناها من الآيات ، ولا ريب أيضاً أن في تحكيمها في جميع شئونهم صلاحهم ، ونجاتهم واجتماع شملهم ، ونصرهم على عدوهم ، وفوزهم بالسعادة العاجلة والآجلة ، فنسأل الله أن يشرح صدورهم لذلك ، ويعينهم عليه ، إنه سميع قريب" انتهى .
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/74- 76) .(/2)
رقم السؤال:
106500
العنوان:
الحكمة من النهي عن صوم يوم السبت
السؤال:
قرأت في موقعكم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم السبت ، فما هو سبب هذا النهي ؟
الجواب:
الحمد لله
"يكره إفراد يوم السبت بالصوم . عَلَّلَ بعضهم بأنه عيد اليهود . ولكن الأولى وهو الذي يظهر أنه يوم تتخلى فيه اليهود من الأعمال ، ويسبتون فيه ، وإذا صامه المسلم فالصوم يقعد عن الأعمال ، الصوم يترك من أجله عمله الذي كان يعمل ، لأن الصيام بسبب العطش والجوع ، فيكون مشابهاً لليهود في ترك العمل هذا اليوم" انتهى .
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/206) .(/1)
رقم السؤال:
106513
العنوان:
الخروج إلى بيت زوجته الثانية في غير يومها وليلتها
السؤال:
هل يجوز للزوج أن يذهب إلى زوجته الثانية في يوم الأولى للاطمئنان عليها ، لأنها مريضة؟
الجواب:
الحمد لله
خروج الزوج من بيت صاحبة النوبة ودخوله بيت الأخرى فيه تفصيل :
أ- فإن كان ذلك في النهار ، وكان عماد القسم في الليل ، فإنه يجوز للحاجة ، كوضع متاع ، وتسليم نفقة وتعرف خبرٍ ، وعيادة ، ونحو ذلك ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا ، وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ . فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا) رواه أبو داود (2135) وقال الألباني في صحيح أبي داود : حسن صحيح .
ويجوز للزوج أن يستمتع بزوجته عند دخوله عليها ، بغير الجماع ؛ لقول عائشة رضي الله عنها : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليّ في يوم غيري ، فينال مني كل شيء ، إلا الجماع ) حسنه الألباني في "إرواء الغليل " (2023) .
وينبغي له أن لا يطيل المكث عندها ، فإن أطال قضى لصاحبة النوبة .
ب- وأما الخروج للزوجة الأخرى ليلا ، فلا يجوز إلا لضرورة ، كمرضها المخوف ، وشدة الطلق ، وخوف النهب والحرق ، فإن أطال المكث قضى لصاحبة النوبة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وأما الدخول على ضرتها في زمنها :(/1)
فإن كان ليلا لم يجز إلا لضرورة , مثل أن تكون منزولاً بها (أي حضرها الموت) , فيريد أن يحضرها , أو توصي إليه , أو ما لا بد منه , فإن فعل ذلك , ولم يلبث أن خرج , لم يقض . وإن أقام وبرئت المرأة المريضة , قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها .
وإن خرج لحاجة غير ضرورية : أثم . والحكم في القضاء , كما لو دخل لضرورة , لأنه لا فائدة في قضاء اليسير .
وأما الدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها , فيجوز للحاجة , من دفع النفقة , أو عيادة , أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته , أو زيارتها لبعد عهده بها , ونحو ذلك ; لما روت عائشة , قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري , فينال مني كل شيء إلا الجماع) وإذا دخل إليها لم يجامعها , ولم يطل عندها ; لأن السكن يحصل بذلك , وهي لا تستحقه .
فإن أطال المقام عندها , قضاه" انتهى من "المغني" (7/234) باختصار.
وبناء على ذلك : فإن كان ذهاب الزوج إلى بيت زوجته في غير نوبتها ، نهارا ، لما ذكرت من الاطمئنان عليها ، فلا شيء عليه في ذلك ، وينبغي ألا يطيل المكث عندها إلا للضرورة .
وإن كان ذلك ليلا ، لم يجز الذهاب إليها إلا عند الضرورة كاشتداد المرض ، أو بإذن صاحبة النوبة ، فإن أطال المكث قضى من ليلة الأخرى بقدر ما جلس عندها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
106517
العنوان:
بعض الكفار ينفر من الإسلام بسبب واقع المسلمين السيء
السؤال:
كثير من الكفار ينفر من الإسلام بسبب ما يراه من الواقع السيئ لبعض المسلمين في اعتقادهم وسلوكهم. فما توجيه فضيلتكم لهذا الشخص ؟ وما توجيه فضيلتكم للمسلمين ؟
الجواب:
الحمد لله
"أما هذا الشخص فإننا نوجهه إلى أن ينظر في تعاليم الإسلام وأحكامه وحكمه وموافقته للفطرة ومراعاته للإصلاح ، دون أن ينظر إلى العامل به . فيُقال له : هذا الإسلام ، وهذه شرائعه وشعائره وحرماته . أما من حوله من المسلمين المخالفين لما تقتضيه الشريعة الإسلامية فهؤلاء لا عبرة بهم .
وتوجيهي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي دينهم ، وأن يعبدوا الله تعالى كما أمر ، حتى يظهروا الإسلام بالمظهر اللائق به من العبادة والمعاملة الحسنة ، ولا ريب أنه يوجد من المسلمين من يسيء إلى الإسلام بسوء معاملته لهؤلاء من المماطلة بحقهم ، وإلزامهم بما لم يلتزموا به عند العقد ، واحتقارهم ، وعدم المبالاة بهم . أسأل الله أن يهدي الجميع" انتهى .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/31، 32) .(/1)
رقم السؤال:
106518
العنوان:
حكم الاجتماع للدعاء في يوم عرفة
السؤال:
ما حكم الاجتماع في الدعاء في يوم عرفة سواء كان ذلك في عرفات أو في غيرها ؟ وذلك بأن يدعو إنسان من الحجاج الدعاء الوارد في بعض كتب الأدعية المسمى بدعاء يوم عرفة أو غيره ، ثم يردد الحجاج ما يقول هذا الإنسان دون أن يقولوا آمين . هذا الدعاء بدعة أم لا ؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل .
الجواب:
الحمد لله
"الأفضل للحاج في هذا اليوم العظيم أن يجتهد في الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى ويرفع يديه ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس ، وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وادي عرنة , ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء . ويسمى جبل إلال , واجتهد في الدعاء والذكر رافعاً يديه مستقبلاً القبلة وهو على ناقته ، وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله عز وجل ورغبة ورهبة ، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء ، قال الله تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) وقال تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ ) ، وفي الصحيحين : قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : رفع الناس أصواتهم بالدعاء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) . وقد أثنى الله جل وعلا على زكريا عليه السلام في ذلك . قال تعالى : ( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) وقال عز وجل : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) والآيات والأحاديث في الحث على الذكر والدعاء كثيرة ، ويشرع في هذا الموطن بوجه خاص الإكثار من الذكر والدعاء بإخلاص وحضور قلب ورغبة(/1)
ورهبة ، ويشرع رفع الصوت به وبالتلبية ، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا اليوم : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ) .
أما الدعاء الجماعي فلا أعلم له أصلاً ، والأحوط تركه ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما علمت ، لكن لو دعا إنسان في جماعة وأمنوا على دعائه فلا بأس في ذلك ، كما في دعاء القنوت ودعاء ختم القرآن الكريم ودعاء الاستسقاء ونحو ذلك .
أما التجمع في يوم عرفة في عرفة أو في غير عرفة فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه ، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/272) .(/2)
رقم السؤال:
106519
العنوان:
زادت التبرعات عن حاجة المسجد فماذا يعمل بها؟
السؤال:
قمت بجمع تبرعات لبناء جامع للقرية ، وتم بناء الجامع ، وتبرع بعض أهالي الخير بإكمال عملية التشطيب ؛ لأن المبلغ المتبقي لدي لا يفي بذلك ، وبقي عندي باقي التبرعات ، فهل يصح صرف ما تبقى من تبرعات في تسوير مصلى العيدين والمقبرة في القرية ، وهل يصح صرف الفائض في شراء مكيفات وفرش لمساجد القرية الأخرى ؟ وهل يصح صرف الفائض في مساعدة المتزوجين والفقراء والمساكين في القرية ، وكل ذلك يكون بنية ثوابها للمتبرعين بها ؟ علما أن المتبرعين من أهل القرية ومن خارجها .
الجواب:
الحمد لله
"يجوز لك إنفاق المال المتبقي عندك من عمارة المسجد الذي أشرفت عليه في عمارة مسجد آخر إذا كان المسجد الأول ليس بحاجة إليه ، ولا يجوز لك صرف المبلغ المذكور في غير تعمير المساجد ؛ لأنه صرف له في غير الوجه الذي تبرع به صاحبه له " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 5/208).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106520
العنوان:
حكمة التعزية في الكافر إذا مات
السؤال:
ما حكم التعزية في الكافر إذا مات سواء كان أهله مسلمين أو كفاراً ؟
الجواب:
الحمد لله
"أما إن كانوا مسلمين فلا بأس بتعزيتهم ، لأنهم مسلمون مصابون ، لهم حق .
وأما إن كانوا كفاراً فينظر في ذلك للمصلحة ، إن كان في ذلك مصلحة التأليف وجلب المودة من هؤلاء الكفار للمسلمين فلا بأس ، وإن لم يكن فيها فائدة فلا فائدة" انتهى .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/14، 15) .(/1)
رقم السؤال:
106521
العنوان:
حكم رضى المدرس بالغش في الامتحانات
السؤال:
ما حكم الرضا بوقوع غش في الامتحانات ؟
الجواب:
الحمد لله
الغش في الامتحانات محرم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه مسلم (101).
فلا يجوز ممارسته ، ولا الإعانة عليه ولا إقراره ؛ ولا الرضا بوقوعه ، لأنه منكر ، وقد قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) .
وينظر جواب السؤال رقم (45433) .(/1)
رقم السؤال:
106522
العنوان:
حكم تلميح المدرس للطلاب بأسئلة الامتحانات
السؤال:
هل يجوز للمدرس التلميح أو التصريح بأسئلة الامتحان للطلبة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمدرس التصريح أو التلميح بأسئلة الامتحانات ، لأن ذلك من الغش الممنوع ، والامتحان موضوع لبيان مستوى الطلاب ، وقدراتهم ، ومدى استفادتهم من الشرح والدراسة ، كما تعتبر نتائج الطلاب دليلا - بوجهٍ ما - على مجهود المدرس ومستواه ، فليس له أن يتعمد تحسين مستوى هذه النتائج ، بإعطاء الطلاب أسئلة الامتحان ، وليعلم أنه مؤتمن على هذه الأسئلة ، وأن إفشاءها من خيانة الأمانة .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
106524
العنوان:
حكم الختان لمن دخل في الإسلام
السؤال:
ما حكم الختان للمسلم الجديد ومتى يختتن ؟
الجواب:
الحمد لله
"الختان للمسلم الجديد واجب ، كما أنه واجب على المسلم الأصلي ، ويجب عليه الاختتان من حين أن يسلم ، لكن إن اقتضت المصلحة في تأخير أمره بذلك خوفاً من فراره من الإسلام ، لأن الإسلام لم يستقر في قلبه بعد فلا بأس بذلك ، لأن المفسدة الحاصلة بتأخير الختان أهون من مفسدة ردته عن الإسلام بعد إسلامه" انتهى .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/3، 4) .(/1)
رقم السؤال:
106525
العنوان:
معنى التغني بالقرآن
السؤال:
ما معنى التغني بالقرآن ؟
الجواب:
الحمد لله
"جاء في السنة الصحيحة الحث على التغني بالقرآن ، يعني تحسين الصوت به ، وليس معناه أن يأتي به كالغناء ، وإنما المعنى تحسين الصوت بالتلاوة ، ومنه الحديث الصحيح : (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ) وحديث : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ، يَجْهَرُ بِهِ) ومعناه : تحسين الصوت بذلك كما تقدم .
ومعنى الحديث المتقدم : (ما أذن الله) أي : ما استمع الله (كإذنه) أي : استماعه ، وهذا استماع يليق بالله لا يشابه صفات خلقه ، مثل سائر الصفات ، يقال في استماعه سبحانه وإذنه مثل ما يقال في بقية الصفات ، على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى ، لا شبيه له في شيء سبحانه وتعالى ، كما قال عز وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/11 ، والتغني : الجهر به مع تحسين الصوت والخشوع فيه ، حتى يحرك القلوب ، لأن المقصود تحريك القلوب بهذا القرآن ، حتى تخشع ، وحتى تطمئن ، وحتى تستفيد ، ومن هذا قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ، فجعل يستمع له عليه الصلاة والسلام ، وقال : (لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) فلما جاء أبو موسى أخبره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ، قال أبو موسى : لو علمت يا رسول الله أنك تستمع إليّ لحبرته لك تحبيراً . ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك ، فدل على أن تحبير الصوت وتحسين الصوت والعناية بالقراءة أمر مطلوب ، ليخشع القارئ والمستمع ، ويستفيد هذا وهذا" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/348- 350) .(/1)