أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/243) والدارقطني في "السنن" (2/40) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/202) .
وإسماعيل بن مسلم المكي وعمرو بن عبيد المعتزلي كل منهما ضعيف ، لا يحتج بحديثه ، وهذه أقوال العلماء فيهما :
إسماعيل بن مسلم المكي : جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/332) :
" قال أحمد بن حنبل : منكر الحديث . وقال ابن معين : ليس بشىء . وقال علي بن المديني : لا يكتب حديثه . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث مختلط ، قلت له : هو أحب إليك أو عمرو بن عبيد ؟ فقال : جميعا ضعيفان . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال ابن حبان : ضعيف يروى المناكير عن المشاهير ويقلب الأسانيد " انتهى باختصار .
وعمرو بن عبيد المعتزلي : متروك الحديث ، وكان يكذب على الحسن ، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/62) :
" قال ابن معين : ليس بشيء . وقال عمرو بن علي : متروك الحديث ، صاحب بدعة . وقال أبو حاتم : متروك الحديث . وقال النسائى : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه . وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة ، عن يونس بن عبيد : كان عمرو بن عبيد يكذب فى الحديث . وقال حميد : لا تأخذ عن هذا شيئا فإنه يكذب على الحسن . وقال ابن عون : عمرو يكذب على الحسن " انتهى باختصار .
الثالث : من طريق دينار بن عبد الله خادم أنس عن أنس ولفظه :
( ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى مات ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/386) : " أخرجه الخطيب في "كتاب القنوت" له ، وشنع عليه ابن الجوزي بسببه ؛ لأن دينارا هذا قال ابن حبان فيه : " يروي عن أنس آثارا موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيه " انتهى .(/2)
وقد حكم جماعة من العلماء على هذا الحديث بأنه ضعيف ، لا يصح الاحتجاج به . منهم : ابنُ الجوزي في "العلل المتناهية" (1/444) ، وابن التركماني في "تعليقه على البيهقي" ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/374) ، وابن القيم في "زاد المعاد" (1/99) ، والحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/245) ، ومن المتأخرين الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/1238)
أما حكم قنوت الفجر في غير النوازل ، فقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم (20031) وأن الراجح فيه قول أبي حنيفة وأحمد ، بعدم المشروعة ، إذ لم يثبت من طريق صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر على قنوت الفجر حتى فارق الدنيا .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101022
العنوان:
تنازلت له شقيقته عن حصتها ثم ندمت
السؤال:
تنازَلَت شقيقتي عن حصتها لي في محل بعد وفاة والدينا ، وهي الآن نادمة تريد العدول عن تنازلها ، هل يحق لها ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
خطابنا معك – أخانا الكريم – سيعتمد لغة مكارم الأخلاق ومحاسِن الشِّيَم ، ويتكئ على ما نظنه فيك – إن شاء الله – من الكرم والجود وعالي المروءة ، فإن ما نعرفه من ديننا العظيم يدعونا لحثك على البر والصلة ومقابلة الإحسان بالإحسان ، إذ هي أختك التي تربَّت معك ، وجمعت بينك وبينها رحمٌ واحدة ، ولها الحق العظيم عليك في رعايتها وتدبير شؤونها والسعي في إسعادها ، فأَوْلى بك أن تُكرِمها فتعيدَ إليها ما تنازلت عنه ، وتقابلَها بإحسانها الأول إحسانا أعظم وأكبر ، فتُقيلها تبرَّعها كي يقيل الله عثرتك يوم القيامة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ )
رواه أبو داود (3460) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وفي لفظ في "السنن الكبرى" للبيهقي : ( مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
قال ابن عبد السلام : " إقالة النادم من الإحسان المأمور به في القرآن ، لما له من الغرض فيما ندم عليه " انتهى . نقلا عن المناوي في "فيض القدير" (6/79) .
بل نقول لك أخانا السائل : قد كان الأَوْلى والأفضلَ منك أن تَردَّ إلى أختك ما تبرَّعَت به حال ما شعرت أنها قد ندمت ، ولا تضطرَّها إلى طلب ذلك بلسانها ، حتى لا توقعها في الحرج والمشقة .
يقول مَعْمَر – وهو من خيار التابعين - :
" مِن أقبح المعروف أن تُحوِجَ السائل إلى أن يسأل وهو خجلٌ منك ، فلا يجيئ معروفُك قدر ما قاسى من الحياء ، وكان الأَوْلى أن تتفَقَّد حال أخيك وترسلَ إليه ما يحتاج ، ولا تُحوِجَه إلى السؤال " انتهى .(/1)
وهكذا ينبغي أن يكون الأمر بين الإخوة ، فمالُهُم واحد ، وفَرَحُهم واحد ، وحُزنُهم واحد .
وتذكر دائما ما لك عند الله تعالى من أجر عظيم ، إذا كنت عند رغبة أختك ، وأعدت إليها ما ندمت عليه ، ففرجت عنها ضيق صدرها ، وحفظت لها برها وصلتها ، خاصة إذا كان ندمها على تنازلها بسبب ضيق حال ، وفقرٍ طرأ عليها ، فعليك حينئذ مد يد العون إليها ، فتمنحها ما يوسع عليها ، وتكافئها على تنازلها الأول ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن/60 .
الآثار السابقة منقولة عن "علو الهمة" للسيد العفاني (2/612-651) (5/288-302)
أما إذا كان تنازلها الأول عن حياء اضطرها إليه خوف ملامة من المجتمع الذي قد يظلم المرأة في ميراثها ، أو خوف قطيعة يُحدثُها لها إخوانها إن هم رأوا منها إصرارا على حقها ، فحينئذ يحرم عليك أكل ذلك المال ، ويجب إرجاعه إليها ، فقد نص الفقهاء على أن ما أخذ بالحياء فهو سحت .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/263) :
" صرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّه : إذا أخذ مال غيره بالحياء ، كأن يسأل غيره مالاً في ملأ فدفعه إليه بباعث الحياء فقط ، أو أهدي إليه حياءً هديّةً يعلم المُهدَى له أنّ المُهدِي أهدى إليه حياءً ، لم يملكه ، ولا يحلّ له التّصرّف فيه ، وإن لم يحصل طلب من الآخذ ، فالمدار مجرّد العلم بأنّ صاحب المال دفعه إليه حياءً ، لا مروءةً ، ولا لرغبة في خير .
ومن هذا : لو جلس عند قوم يأكلون طعاماً ، وسألوه أن يأكل معهم ، وعلم أنّ ذلك لمجرّد حيائهم ، لا يجوز له أكله من طعامهم " انتهى .
والحاصل : أنه ينبغي لك أن ترد إلى أختك ما كانت تنازلت عنه ، إبقاءً على المودة بينكما ، وصلة للرحم .
ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101023
العنوان:
اكتساب الأخلاق الفاضلة
السؤال:
كيف أكتسب الأخلاق الحسنة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الخلق الحسن صفة سيد المرسلين وأفضل أعمال الصديقين ، وهو - على التحقيق - شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين ، والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة والمخازي الفاضحة .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخلَاقِ ) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (273) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (45)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ : ( تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ )
رواه الترمذي (2004) وقال صحيح غريب . وصححه الألباني في صحيح الترمذي
لذلك كانت العناية بضبط قوانين العلاج لأمراض القلوب وطرق اكتساب الأخلاق الفاضلة من أهم الواجبات ، إذ لا يخلو قلبٌ من القلوب من أسقام لو أُهلمت تَراكمت وترادفت ، ولا تخلو نفس من أخلاق لو أطلقت لساقت إلى الهلكة في الدنيا والآخرة .
وهذا النوع من الطب يحتاج إلى تأنُّقٍ في معرفة العلل والأسباب ، ثم إلى تشمير في العلاج والإصلاح ، كي ينال الفلاح والنجاح ، يقول تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) الشمس/9 ،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بحسن الخلق ويقول : ( الَّلهُمَّ حَسَّنتَ خَلْقِي فَحَسِّن خُلُقِي ) رواه ابن حبان في صحيحه (3/239) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (75)
ثانيا :
إذا عرف العبد عيوب نفسه أمكنه العلاج ، ولكنَّ كثيرا من الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم ، يرى أحدُهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه ، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق :
الأول : أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس ، مُطَّلعٍ على خفايا الآفات يأخذ عنه العلم والتربية والتوجيه معاً .(/1)
الثاني : أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا ، فينصبه رقيبا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله ، فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه عليه ، فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين ، كان عمر رضي الله عنه يقول : رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي .
الطريق الثالث : أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه ، فإن عين السخط تبدي المساويا ، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مُشاحن يذكِّرُهُ عيوبَه أكثرُ من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ يُثنى عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه .
الطريق الرابع : أن يخالط الناس ، فكل ما رآه مذموما فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبها إليه ، فإن المؤمن مرآة المؤمن ، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ، قيل لعيسى عليه السلام : مَن أدَّبك ؟ قال : ما أدبني أحد ، رأيت جهل الجاهل شَينًا فاجتنبته .
ثالثا :
والخُلُق عبارة عن هيئة النفس وصورتها الباطنة ، وكما أن حسن الصورة الظاهرِ مطلقا لا يتم بحسن العينين دون الأنف والفم والخد ، بل لا بد من حسن الجميع ليتم حسنُ الظاهر ، فكذلك في الباطن أربعة أركان لا بد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق ، فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق ، وهو :
قوة العلم ، وقوة الغضب ، وقوة الشهوة . وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث .
أما قوة العلم فحسنها وصلاحها في أن تصير بحيث يسهل بها إدراك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال ، وبين الحق والباطل في الاعتقادات ، وبين الجميل والقبيح في الأفعال ، فإذا صلحت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة ، والحكمة رأس الأخلاق الحسنة .
وأما قوة الغضب : فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها على حد ما تقتضيه الحكمة .
وكذلك الشهوة : حسنها وصلاحها في أن تكون تحت إشارة الحكمة ، أعني إشارة العقل والشرع .
وأما قوة العدل : فهو ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع .(/2)
فالعقل مثاله مثال الناصح المشير . وقوة العدل هي القدرة ، ومثالها مثال المنفذ الممضي لإشارة العقل ، والغضب هو الذي تنفذ فيه الإشارة .
فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا ، وعنها تصدر الأخلاق الجميلة كلها .
ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه ، فكل من قرب منه في هذه الأخلاق فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول الله .
رابعا :
وهذا الاعتدال يحصل على وجهين :
أحدهما : بجود إلهي وكمال فطري .
والوجه الثاني : اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة ، وأعني به حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه ) رواه الخطيب وغيره من حديث أبي الدرداء ، وحسنه الألباني .
فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود ، فطريقه أن يتكلَّفَ تعاطيَ فعل الجواد ، وهو بذل المال ، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه فيه حتى يصير بذلك طبعا ، ويتيسر عليه فيصير به جوادا .
وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع ، وقد غلب عليه الكبر ، فطريقُهُ أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقا له وطبعا فيتيسر عليه .
وجميع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق ، ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ، ما لم تتعود النفس جميع العادات الحسنة ، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة ، وما لم تواظب عليه مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها ، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها .
ويعرف ذلك بمثال :(/3)
وهو أن من أراد أن يصير الحذق في الكتابة له صفةً نفسية حتى يصيرَ كاتبًا بالطبع فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب الحاذق ويواظب عليه مدة طويلة يحاكي الخط الحسن ، فيتشبه بالكاتب تكلفا ، ثم لا يزال يواظب عليه حتى يصير صفةً راسخةً في نفسه فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعا .
وكذلك مَن أراد أن يصير فقيهَ النفس ، فلا طريق له إلا أن يتعاطى أفعالَ الفقهاء وهو التكرار للفقه ، حتى تنعطف منه على قلبه صفةُ الفقه فيصيرَ فقيهَ النفس .
وكذلك من أراد أن يصير سخيًّا عفيفَ النفسِ حليما متواضعا ، فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفا حتى يصير ذلك طبعا له ؛ فلا علاج له إلا ذلك .
وكما أن طالب فقه النفس لا ييأس من نيل هذه الرتبة بتعطيل ليلة ولا ينالها بتكرار ليلة ، فكذلك طالب تزكية النفس وتكميلها وتحليتها بالأعمال الحسنة لا ينالها بعبادة يوم ولا يحرم عنها بعصيان يوم ، ولكن العطلة في يوم واحد تدعو إلى مثلها ، ثم تتداعى قليلا قليلا حتى تأنس النفس بالكسل .
خامسا :
مثال النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرديئة عنها وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة إليها مثالُ البدن في علاجه بمحو العلل عنه وكسب الصحة له وجلبها إليه .
وكما أن الغالب على أصل المزاج الاعتدال ، وإنما تعتري المعدة المضرة بعوارض الأغذية والأهوية والأحوال ، فكذلك كل مولود يولد معتدلا صحيح الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، أي بالاعتياد والتعليم تكتسب الرذائل .
وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملا وإنما يكمل ويقوى بالتنشئة والتربية بالغذاء ، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال ، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم .(/4)
وكما أن البدن إن كان صحيحا فشأن الطبيب تمهيد القانون الحافظ للصحة ، وإن كان مريضا فشأنه جلب الصحة إليه ، فكذلك النفس منك إن كانت زكية طاهرة مهذبة فينبغي أن تسعى لحفظها وجلب مزيد قوة إليها واكتساب زيادة صفائها ، وإن كانت عديمة الكمال والصفاء فينبغي أن تسعى لجلب ذلك إليها .
وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة المرض لا تعالج إلا بضدها ، فإن كانت من حرارة فبالبرودة ، وإن كانت من برودة فبالحرارة ، فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها ، فيعالج مرض الجهل بالتعلم ، ومرض البخل بالتسخي ، ومرض الكبر بالتواضع ، ومرض الشره بالكف عن المشتهى تكلفا .
وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة ، فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة والصبر لمداواة مرض القلب ، بل أولى ، فإن مرض البدن يخلص منه بالموت ، ومرض القلب - والعياذ بالله تعالى - مرض يدوم بعد الموت أبد الآباد .
فهذه الأمثلة تُعَرِّفُك طريق معالجة القلوب ، وتُنبهك على أن الطريق الكلي فيه سلوك مسلك المضاد لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كتابه العزيز في كلمة واحدة ، فقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات/40-41
وأخيرا :
الأصل المهم في المجاهدة الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة فينبغي أن يصبر ويستمر ، فإنه إن عَوَّدَ نفسه ترك العزم أَلِفَت ذلك ففسدت ، وإذا اتفق منه نقضُ عزمٍ فينبغي أن يُلزِمَ نفسه عقوبةً عليه ، وإذا لم يخوف النفس بعقوبة غلبته وحسنت عنده تناول الشهوة فتفسد بها الرياضة بالكلية .
هذه المباحث مستخلصة من كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/62-98) مع تصرف وزيادة .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101071
العنوان:
هل يبيع برامج تشغيل الحاسب مع خوفه من استعمالها في الحرام؟
السؤال:
هل يجوز أن أبيع برامج لتشغيل الحاسوب لكن أخاف أن يستعملوها في معصية وأن أنال إثما وراء ذلك أم أنني لست مسئولا عما يفعله بعدي المشتري ؟
الجواب:
الحمد لله
البرامج والأجهزة التي تستعمل في الخير والشر ، يجوز بيعها والاتجار فيها ، إلا إذا عُلم أن المشتري سيستعملها في الحرام ، فلا يجوز بيعها له ، وكذلك إذا غلب على الظن أنه سيستعملها في الحرام ، فلا يجوز بيعها له .
أما إذا كنت مترددا ، هل سيستعملها في الحرام أم لا ؟ فلا حرج عليك في بيعها له ، فإن استعملها في الحرام كان إثم ذلك عليه وحده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك كمذهب أحمد وغيره , أو ظن ، وهو أحد القولين ، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388).
وينظر جواب السؤال رقم (39744) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101080
العنوان:
حكم شراء بيت بالربا في بلاد الكفر
السؤال:
أنا امرأة متزوجة ومنذ فترة تحسن عمل زوجي كثيرا والحمد لله ولكن بدلا من أن يشكر زوجي -هداه الله- الله عز و جل على هذه النعمة يصر على شراء بيت عن طريق الأقساط الربوية لقوله إن كثيراً من العلماء أجازوا ذلك لمن يعيش في بلد غير مسلم ، فهل أطلب الطلاق أم أبقى مع زوجي والإثم عليه وحده ؟ وهل أكون آثمة إذا قمت باختيار بيت غالي الثمن لكي يشعر زوجي بأنه غير قادر على دفع أقساط عالية ويرتدع عن شراء بيت ربوي؟ أرجوكم لا تهملوا هذا السؤال لأنه مهم جدا . ماذا أفعل هل أطلب الطلاق أم ماذا؟ أرجوكم انصحوني فأنا حائرة جدا لأنه عندنا ولد.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز شراء بيتٍ أو غيره عن طريق الربا ، سواء كان ذلك في بلاد إسلامية أو غير إسلامية ؛ لعموم الأدلة التي تحرّم الربا وتلعن آكله وموكله ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم .
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز أخذ الربا من الحربيين في دار الحرب، وتصحيح كل عقد أو معاملة تعود على المسلم بنفع ما دامت قائمة على التراضي، وليس فيها غش ولا خيانة.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/132) : " وعلى هذا إذا دخل مسلم أو ذمي دار الحرب بأمان , فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الإسلام جاز عند أبي حنيفة , ومحمد - رحمهما الله - وكذلك لو كان أسيرا في أيديهم أو أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا , فعاقد حربيا ... وجه قولهما: أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال , وإتلاف مال الحربي مباح , وهذا لأنه لا عصمة لمال الحربي , فكان المسلم بسبيلٍ من أخذه إلا بطريق الغدر والخيانة , فإذا رضي به انعدم معنى الغدر " انتهى .(/1)
وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (7/39) : " الظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم الزيادة , وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة " انتهى .
وينظر : تبيين الحقائق (4/97)، العناية شرح الهداية (7/38)، حاشية ابن عابدين (5/186).
وقد تبين من هذا أن الحنفية يجيزون أخذ الربا من الكافر الحربي – في دار الحرب - ؛ لأن ماله مباح أصلا ، فيجوز أخذه برضاه عن طريق الربا .
وأما أن يدفع المسلم الربا للكافر ، فهذا لا يجوز .
وبهذا يتبين خطأ من يفتي المسلمين بدفع الربا في بلاد الكفر ، اعتمادا على مذهب الحنفية .
والحق أن الربا كله محرم ، لا فرق بين أن يكون بين مسلمَيْن ، أو بين مسلم وكافر ، وآكل الربا وموكله كلاهما متوعَّد بالوعيد الشديد ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/47) : " ويحرم الربا في دار الحرب , كتحريمه في دار الإسلام . وبه قال مالك , والأوزاعي , وأبو يوسف , والشافعي , وإسحاق ...(/2)
لقول الله تعالى : ( وحرم الربا ). وقوله : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) . وقوله صلى الله عليه وسلم ( : من زاد أو ازداد فقد أربى ). عام , وكذلك سائر الأحاديث . ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب , كالربا بين المسلمين " انتهى باختصار .
ثانيا :
إذا أصر زوجك على التعامل بالربا ، فإن الإثم يلحقه هو ، ولا يضرك ذلك ما دمت كارهة لعمله ، ولهذا لا ينبغي أن تطلبي الطلاق ، ولكن استمري في نصحه وتحذيره من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة ، وذكريه بأن ما عند الله خير وأبقى ، وأن سكن الإنسان بالأجرة ولو كانت مرتفعة خير له من امتلاك منزل عن طريق الربا .
ولا حرج في استعمال الحيلة التي ذكرت ، من التظاهر بالرغبة في شراء بيت غالي الثمن ، لا يتمكن من دفع أقساطه ، لينصرف عن الربا .
نسأل الله لكما التوفيق والسداد ، والرضا والقناعة ، وأن يصرف عنكما الربا وإثمه وهمّه وسوء عاقبته .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101099
العنوان:
مصاب بنزلة برد ولا يمكنه الاستنشاق
السؤال:
هل يصح الغسل إذا كان المرء يعانى من نزلة برد وغير قادر على غسل أنفه من الداخل بشكل كامل؟ أم يجب عليه أن يتجنب الجماع لهذا السبب؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجب المضمضة والاستنشاق في الغسل ، على الصحيح من قولي العلماء ، وانظر جواب السؤال رقم (88066) .
والاستنشاق هو جذب الماء بالنفَس إلى الأنف ، ولا تجب المبالغة في ذلك ، ولا وصول الماء إلى الخياشيم ، بل يكفي جذب الماء إلى المنخرين .
فإن كان هناك مرض يمنع الإنسان من إكمال الاستنشاق والمبالغة فيه ، فليكتف بأقل ما يمكن ، وهو جذب الماء إلى داخل الأنف ، ولو إلى أطرافه ، ولا يبالغ في ذلك .
قال في كشاف القناع (1/94) : " المبالغة في الاستنشاق : جذب الماء بنفس إلى أقصى الأنف . . والواجب في الاستنشاق جذب الماء إلى باطن الأنف وإن لم يبلغ أقصاه" انتهى .
وعلى هذا ؛ فيكفيك إدخال الماء إلى داخل الأنف ، ولا يجب عليك المبالغة في ذلك ، وإيصاله إلى أقصى الأنف .(/1)
رقم السؤال:
101100
العنوان:
حكم من لم تقض ما عليها من صوم منذ عامين ولا تزال عاجزة عن القضاء
السؤال:
أفطرتْ أختى أثناء حملها منذ عامين بعض الأيام فى شهر رمضان ، وهي لاتزال عاجزة عن قضائهم ، فماذا يجب عليها أن تفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
الحامل – ومثلها المرضع – إذا خافت على نفسها ، أو على جنينها : لها أن تفطر في رمضان ، وعليها القضاء فحسب ؛ لأنها بمنزلة المريض المعذور بمرضه . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50005) (49848) .
ثم إن تمكنت من القضاء قبل دخول رمضان التالي وجب عليها ذلك ، ولا يجوز لها التأخير حتى يدخل رمضان التالي ، فإن استمر عذرها بسبب حمل جديد أو إرضاع أو مرض أو سفر حتى دخل رمضان التالي ، فلا حرج عليها ، ويلزمها القضاء متى تمكنت من ذلك .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
امرأة أفطرت في رمضان للنفاس ، ولم تستطع القضاء من أجل الرضاع حتى دخل رمضان الثاني ، فماذا يجب عليها ؟ .
فأجاب :
" الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ، ولو بعد رمضان الثاني ؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر ، لكن إن كان لا يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء ولو يوماً بعد يوم : فإنه يلزمها ذلك ، وإن كانت ترضع ، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني ، فإن لم يحصل لها : فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني " انتهى .
( 19 / جواب السؤال رقم 360 ) .
وسئل رحمه الله أيضاً :
امرأة أفطرت شهر رمضان بسبب الولادة ، ولم تقض ذلك الشهر ، ومرَّ على ذلك زمن طويل وهي لا تستطيع الصوم ، فما الحكم ؟
فأجاب :(/1)
" الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله مما صنعت ؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر إلا لعذرٍ شرعي ، فعليها أن تتوب ، ثم إن كانت تستطيع الصوم ولو يوماً بعد يوم : فلتصم ، وإن كانت لا تستطيع : فيُنظر ، إن كان لعذر مستمر : أطعمت على كل يومٍ مسكيناً ، وإن كان لعذر طارىء يرجى زواله : انتظرت حتى يزول ذلك العذر ، ثم قضت ما عليها " انتهى .
( 19 / جواب السؤال رقم 361 ) .
والسائلة لم تبين سبب عجز أختها عن القضاء ، فإن كان العجر مؤقتاً ويرجى زواله ( حمل أو إرضاع أو مرض ) فعليها القضاء إذا تمكنت من ذلك .
وإن كان العجز دائماً بسبب مرض مزمن لا يرجى حصول الشفاء منه ، فلا قضاء عليها ، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101105
العنوان:
هل تجب طاعة الوالدين في عدم دخول الإنترنت
السؤال:
"لا طاعة في المعصية" لكن سؤالي هو هل يجوز أن أعصي والديّ فيما لا يترتب عليه إثم بينما تنجم عنه حقيقة منفعة . فإذا أمراني على سبيل المثال ألا أضيع الأموال على الإنترنت على هذا الموقع لكنهما فى واقع الأمر لن يعانيا من أية خسارة لأنهما ثريان للغاية. فهل يجوز أن أعصيهما في هذه الأمور سرا أو أثناء غيابهما حتى لا أضايقهما؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تجب طاعة الوالدين في غير المعصية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)، وقوله : ( لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه أحمد (1098).
وطاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد ، أما ما لا منفعة لهما فيه ، أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص 114 : " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية ، وإن كانا فاسقين ...وهذا فيما فيه منفعة لهما ، ولا ضرر عليه " انتهى .
ولا شك أن من منفعة الوالدين حفظ مالهما ، ولهذا فالأصل وجوب طاعتهما في ذلك .
وأيضا : فإنه لا يجوز للولد أن يأخذ شيئا من مال والديه إلا بإذنهما ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أحمد ( 20172 ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
لكن يستثنى من ذلك جواز أخذ الابن نفقته بالمعروف ، إذا كان الوالد لا يعطيه نفقته ، ومن جملة النفقة : ما يستعين به على طلب العلم الواجب .(/1)
لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه البخاري (5364) .
وأما طلب علم الدين ـ بصفة عامة ـ فهو من أهم ما يحتاج إليه المسلم في حياته ، ومن أولى ما ينبغي أن يصرف عنايته إليه ؛ أقبل الابن على العلم الشرعي ، سواء كان عن طريق الحضور المباشر لدروس أهل العلم الثقات ، أو كان ذلك عن طريق الكتاب أو الشريط أو موقع موثوق به ، ونهاه والداه عن شيء من ذلك ، ولم يمكنه تحصيل المصلحة الشرعية من طريق آخر لا يغضبهما ، فإنه لا يطيعهما في ذلك ، بل يقدم طلب ما يحتاج إليه من العلم الشرعي على ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن أب يمنع ابنه من حضور مجالس الذكر والدروس العلمية، ونتج عن ذلك أن هذا الولد ترك الالتزام، واتجه للأفلام وما شابهه من المحرمات، هل يعتبر فعل هذا الوالد من الصد عن سبيل الله؟ وهل يطاع في هذه الحالة؟
فأجاب :
" إذا نهاك أبوك أو أمك عن حضور المجالس فلا تطعه؛ لأن حضور مجالس الذكر خير، ولا يعود على الوالدين بالضرر ، فلهذا نقول : لا تطعهما ، ولكن احرص على أن تداريهما ، ومعنى المداراة : ألا تبين أنك تذهب إلى حلق الذكر كأنك تذهب إلى أصحابك أو ما أشبه ذلك.(/2)
أما بالنسبة للأب والأم اللذين يمنعان الولد من حضور مجالس الذكر، فإن منعهما من الصد عن ذكر الله ، وهما آثمان في ذلك ، والذي ينبغي للأب والأم إذا رأيا ولدهما قد أقبل على العلم أن يستبشرا بذلك، وأن يساعداه بكل ما يستطيعان؛ لأن هذا من نعمة الله عليه وعليهما، فمن الذي ينفع من الأولاد إذا مات الإنسان؟ الولد الصالح، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) " انتهى . لقاءات الباب المفتوح ، رقم (99) ص (9) .
وبناء على ذلك نقول : إن كنت لا تستطيعين تعلم أحكام الشريعة الواجب عليك تعلمها - كالعقيدة ، وأحكام الطهارة والصلاة والصوم وأحكام المعاملات التي تقدمين عليها – إلا بدخول الإنترنت ، فإنه يجوز لك أن تدخلي بدون إذن والديك ، وأن تنفقي في ذلك بالمعروف ، وليس لك أن تزيدي على ذلك إلا بإذن .
وما رأيتِ فائدته ونفعه من المواقع يمكنك تحميله كاملا ، بواسطة البرامج المعدة لذلك ، ثم تتصفحينه من غير اتصال بالإنترت ، فتتحقق لك الفائدة من غير مخالفة لوالديك .
ونسأل الله لنا لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101112
العنوان:
إذا وُلد لكافرين زانيين ولدٌ فهل يُنسب للزاني ؟
السؤال:
قرأت إجابتكم الخاصة باتخاذ المرأة اسم زوجها وفهمت أن ذلك لا يجوز ، ولا أزال أود معرفة ما إذا كان يجوز ذلك لامرأة دخلت في الإسلام ، وتحمل في الأصل اسم أمها ؛ لأن والديها لم يكونا متزوجيْن عند ولادتها ولا يمكنها أن تحمل اسم والدها ؛ لأنه لم يعد على قيد الحياة .
الجواب:
الحمد لله
الزنا محرَّم في جميع الشرائع التي أنزلها الله تعالى على رسله ، والإسلام يقر نكاح أهل الأديان الأخرى الذين لم يدخلوا في الإسلام بشرطين :
الأول : أن يكون هذا موافقاً لشريعتهم .
والثاني : أن لا يتحاكموا إلينا في العقد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وقد ذكر أصحاب مالك ، والشافعي ، وأصحاب أحمد ، كالقاضي أبي يعلى ، وابن عقيل ، والمتأخرين : أنه يُرجع في نكاح الكفار إلى عادتهم ، فما اعتقدوه نكاحاً بينهم : جاز إقرارهم عليه إذا أسلموا وتحاكموا إلينا ، إذا لم يكن حينئذٍ مشتملاً على مانع ، وإن كانوا يعتقدون أنه ليس بنكاح : لم يجُز الإقرار عليه " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 12 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
إذا كان النكاح صحيحاً على مقتضى الشريعة الإسلامية : فهو صحيح ، وإن كان فاسداً - على مقتضى الشريعة الإسلامية - : فإنهم يقرون عليه بشرطين :
الأول : أن يروا أنه صحيح في شريعتهم .
الثاني : ألا يرتفعوا إلينا .
فإن لم يعتقدوه صحيحاً : فرِّق بينهما ، وإن ارتفعوا إلينا : نظرنا ، فإن كان قبل العقد : وجب أن نعقده على شرعنا ، وإن كان بعده : نظرنا ، إن كانت المرأة تباح حينئذٍ : أقررناهم عليه ، وإن كانت لا تباح : فرَّقنا بينهما ، ودليل هذه الأشياء : إسلام الكفار في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فأبقى مَن كان معه زوجته على نكاحه في الجاهلية ، ولم يتعرض له ، فدلَّ هذا على أنه يبقى على أصله " انتهى .(/1)
" الشرح الممتع " ( 12 / 239 ، 240 ) .
وأما الزنا ، وما يسمى بعلاقات الصداقة : فكل ذلك باطل في شريعتهم وشريعتنا ، وهو نتاج المسخ الذي يعيشونه في سلوكهم وعاداتهم .
وقد روى مسلم ( 1700 ) من حديث البراء بن عازب قصة رجم اليهوديين الزانيين ، وكيف أنهم حتى عندما حرَّفوا التوراة وكتموا ما أنزل الله فيها : فإنهم لم يبيحوا الزنا ، بل حرَّفوا عقوبته ، وجعلوها الجلد والتسويد بالفحم بدلا من الرجم .
وهو كذلك عند النصارى ، كما في إنجيل " متى " : ( 19 / 18 ) : " فقال يسوع : لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق ، لا تشهد بالزور " ، وفي إنجيل " مرقس " ( 10 / 19 ) وإنجيل " لوقا " ( 18 / 20 ) : " أنت تعرف الوصايا : لا تزن ، لا تقتل ، لا تسرق ، لا تشهد بالزور " .
ولذلك نقول :
لو أن هذين الوالدين كانا متزوجين – ولو على ملة النصرانية أو اليهودية - : فإنه يقر نكاحهما ، وتنسب الابنة لأبيها ، أما وقد كانت الابنة نتيجة لعلاقة غير موثقة بعقد ، بل كانت نتيجة سفاح : فإنها لا تنسب للزاني ، بل تنسب لأمها ، كما هو واقعها الآن .
وفي شرعنا المطهَّر : قد اتفق العلماء جميعهم على عدم إلحاق ولد الزنا بالزاني إذا لم يطلب الزاني إلحاقه به ، بل جمهور أهل العلم قالوا بعدم إلحاقه به ولو أراد الزاني ذلك .
وليست المسألة – كما جاء في السؤال – أن الزاني ليس على قيد الحياة ، بل لأن العلاقة بينهما لم تكن علاقة زواج ، وكانت الابنة تلك نتيجة تلك العلاقة .
وقد جاءت شريعتنا المطهرة بتحريم نسبة الولد لغير والده ، ، قال الله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً ) الأحزاب/ 5 .(/2)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ).
رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال بعض الشرَّاح : سبب إطلاق الكفر هنا : أنه كذب على الله ، كأنه يقول : خلقني الله من ماء فلان ، وليس كذلك ؛ لأنه إنما خلقه من غيره .
" فتح الباري " ( 12 / 55 ) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ) . رواه البخاري ( 3318 ) .
وقَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) . رواه البخاري ( 4072 ) ومسلم ( 63 ) .
والخلاصة :
أن ولد في الزنا - سواء كان الزانيان مسلمين أو غير مسلمين - : لا ينسب للزاني ، بل يُنسب لأمه ، فالحال التي عليها تلك الأخت المسلمة حديثاً صحيح ، وإن كان لا يمكنها إلا أن تنسب لرجل لا امرأة : فيمكنها – للضرورة – أن تنسب لاسم رجل غير معيَّن ولا معروف ، بل تختار اسماً مركباً من مقاطع وتنتسب له ، ولا يجوز لها أن تُنسب إلى زوجها .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
101117
العنوان:
علم أن شخصا يريد خطبة الفتاة فهل يجوز له أن يخطبها ؟
السؤال:
أعجبت بأخت في الله ملتزمة ونويت خطبتها بعد مدة قصيرة ولكن بلغني أن أحد الأشخاص يريد التقدم أيضا لخطبتها ، فهل يجوز لي سبقه لخطبتها ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج عليك في التقدم لخطبة هذه الفتاة ، ما لم يخطبها غيرك .
أما إذا تقدم لها غيرك وخطبها فلا يجوز لك خطبتها حتى تستأذن ذلك الخاطب في التقدم لها ويأذن لك ، أو يترك هو خطبتها ، أو ترفض الفتاة خطبته .
روى البخاري (5142) ومسلم (1412) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( َلا يَخْطُبْ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ )
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " " هَذِهِ الْأَحَادِيث ظَاهِرَة فِي تَحْرِيم الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ , وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمهَا إِذَا كَانَ قَدْ صُرِّحَ لِلْخَاطِبِ بِالْإِجَابَةِ , وَلَمْ يَأْذَن , وَلَمْ يَتْرُك ... وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْخِطْبَة رَغْبَة عَنْهَا , وَأَذِنَ فِيهَا , جَازَتْ الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَته , وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث " انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الشخص الذي يخطب على خطبة أخيه إذا كان يعلم أن هذا الأخ المسلم يريد أن يخطب تلك الفتاة ؟(/1)
فأجاب رحمه الله تعالى: " إذا كان لم يتقدم إلى أهل الفتاة بخطبة فلا بأس أن يسبقه هذا ويخطب ، وأما إذا كان قد خطب فإنه لا يجوز أن يتقدم أحد إلى خطبتها بعد خطبة الأول إلا إذا رُدّ أو أذن أو ترك. ( إذا رُدَّ ) يعني : رَدَّه أهلُ المرأة ، ( أو أذن ) بأن يذهب من يريد الخطبة إلى الخاطب الأول ويقول : بلغني أنك خطبت فلانة فأرجو أن تتنازل لي ، ( أو يترك ) يعني يعلم أنه عَدَل عن خطبتها بحيث تزوج غيرها بعد أن خطب ؛ لأن بعض الناس يخطب من جماعة ويتأخرون في الرد عليه فيتزوج ويدعهم ، فإذا علمنا أن الرجل ترك خطيبته فإن لغيره أن يخطبها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101122
العنوان:
تدرس في مكان تنتشر فيه المنكرات بين الطالبات
السؤال:
أنا في حيرة من أمري وأريد منك المساعدة . أنا أدرس في دورة للتربية الخاصة في مركز من المراكز وعندما بدأت بالدراسة هناك رأيت العجب العجاب من البنات ، اللباس ضيق وقصير وفتحات تصل إلى الأفخاذ ومن الأعلى قد ظهرت الأكتاف وقد خرجت الصدور بل حتى الظهور لم تسلم فقد خرجت هي أيضا وإذا رأيت إلى الحواجب فإنك لا تراها إلا منموصة أو مشقرة . ومديرة المركز لبست أيضا القصير ونمصت الحواجب لا أدري كيف أنكر عليهم وهم أعداد هائلة تصل إلى الأربعمائة , وعندما سألت إحدى الداعيات قالت لي: دعي المكان ؟ فأنا أعرفهم وقد حاولت معهم للدعوة ولم يستجيبوا ؟حتى إنهم رفضوا أن أدعو العاملات إلى الإسلام فاتركي المكان . أنا الآن في قمة الحيرة ولا أعلم ما أفعل ولا أظن أن أهلي سيقبلون فكرة انسحابي كما أنني سأشعر بالفشل لأنني لم أدخل الكلية ولكن كان ذلك بإرادتي لأنه لا يوجد التخصص الذي أريد في منطقتنا وأظنه يحقق طموحي فأشعر أن الكل يعتقد أني فاشلة رغم أنني أحب طلب العلم كثيرا لكن لم تهيأ لي الفرص وعندما أترك هذه الدورة أشعر أن الكل سيتحقق لديه هذا المعنى.
الجواب:
الحمد لله
نرى أن تستمري في دراستك ، مع بذل النصيحة قدر الإمكان ، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وذلك بالكلام مع زميلاتك ، وبيان حكم النمص ، ووجوب ستر العورة ، وحدود ما يجوز كشفه وما لا يجوز ، وقد لا يتيسر لك الكلام مع جميعهن ، لكن اجتهدي قدر طاقتك ، وافعلي ما بوسعك ، واستعيني بالوسائل النافعة كالمطويات ، أو الدلالة على موقع في الإنترنت ، أو محاضرة نافعة . وينبغي أن تتعاوني مع المستقيمات من زميلاتك ، لتهييء البيئة الدعوية الصالحة ، والتأثير على من حولكن .(/1)
وأما اليأس من التغيير ، فهذا ليس من خلق الداعية ، كما أنه مخالف للواقع ، فكم من جامعات فيها من الاختلاط والشر ما هو أعظم مما ذكرت ، وقد نجحت فيها الدعوة إلى الله تعالى ، وآتت ثمارها ، بفضل الله تعالى ، ثم ببذل الأسباب من الدعاة الصالحين الصابرين .
ونحن نرى جهود المفسدين وسعيهم لتخريب العقول والأفكار ومسخ الفطر ، رغم وجودهم في مجتمع محافظ مخالف لهم ، لكنهم لم ييأسوا ولم يحكموا على مشروعهم بالفشل قبل تجربته ، وأهل الخير أولى منهم بالجد والاجتهاد والصبر والاحتساب ، لأنهم يحملون الحق ، وينشرون الخير ، وهم أصحاب هدف أعلى ورسالةٍ أسمى ، ثم هم ينطلقون من خلال البيئة المحافظة ، التي تقف من ورائهم وتحيط بهم ، فما على الداعية إلا أن يحرك النفوس ، ويوقظ ما فيها من حب الله ، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليرى أثر ذلك عاجلا غير آجل .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101124
العنوان:
حكم تأجير جهاز كمبيوتر لتنزيل نغمات
السؤال:
سأقوم بإيجار جهاز كمبيوتر سيتم العمل به في إنزال نغمات ، فهل هذا حرام أم حلال؟
الجواب:
الحمد لله
يحرم الاستماع إلى المعازف والنغمات الموسيقية ، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (5000) ، وما ثبت تحريمه لم تجز الإعانة عليه بوجه من الوجوه .
وعليه ، فلا يجوز تأجير جهاز الكمبيوتر أو إعارته لمن يستعمله في إنزال النغمات .
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يجوز بيع أو تأجير ما يستعان به على المعصية ؛ لقوله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال : "وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك . فهذا حرام , والعقد باطل " انتهى من "المغني" (4/154) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك كمذهب أحمد وغيره , أو ظن، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) .
وجاء في الموسوعة الفقهية : "ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز " انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9/213). والإجارة كالبيع كما سبق .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101130
العنوان:
المودة والرحمة بين الزوجين
السؤال:
ما هو حكم عدم سماح زوجي لي بأخذ قسط من الراحة عندما أعانى من مشكلة صحية (على سبيل المثال: شقيقة وسكتات عصبية ومشكلات أخرى) وأحتاج للراحة (كما نصح الطبيب) لكن زوجي يرفض أن يقوم بأي شيء ليريحني (لدينا أطفال) حتى إنه لا يعترف بكوني أعانى من مشكلات صحية لأنه يرى أنني شابة ومقتنع باستحالة كوني أعانى من كل هذه المشكلات الصحية. فماذا على أن أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
إن من أعظم مقاصد النكاح في شرع الله المطهر أن تسود المودة والرحمة بين الزوجين ، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تبنى الحياة الزوجية . قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) الروم /21 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " المودة هي : المحبة ، والرحمة هي : الرأفة ، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها ، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد " .
والنصيحة لك أيتها الأخت الكريمة أن لا يغيب عن بالك المودة والرحمة اللتين ذكرهما الله تعالى في الآية الكريمة بين الزوجين ، وأن تتأملي في حال أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لاسيما دور السيدة خديجة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاجتهدي في إسعاد أسرتك وسوف تجدين أثر ذلك خيرا إن شاء الله .
ومن أكبر أسباب كسب القلوب البشاشة وإلانة القول كما جاء عن بعض الصالحين : " إنما البر شيء هين ؛ وجه طلق وقول لين " فتكلفي هذا البر مع زوجك - حتى يصير سجية لك - تكسبي قلبه وتنعشي في قلبه المودة والرحمة نحوك .(/1)
بل قبل ذلك كله ، وفوق ذلك كله ، قول ربنا الرحمن جل جلاله : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) . فصلت/34-35
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ }
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة .
{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي: كأنه قريب شفيق.
{ وَمَا يُلَقَّاهَا } أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة { إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا } نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟".
فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع للّه رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له.(/2)
{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق " انتهى .
تفسير السعدي ص (549-550) .
وإذا كان هذا كله في حق الخلق ، فكيف في حق زوجك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) رواه أبو داود (2140) واللفظ له ، والترمذي (1192) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1203) .
وإذا كنا بدأنا بالحديث إليك ، أيتها الأخت الكريمة ، فلأنك التي سألت ، وظننا أن سماعك لنا أقرب ، واستجابتك لنصيحتنا أسرع ، ولو كان ثمن ذلك أن تتنازلي عن بعض حقك ، وأن تعفي عمن ظلمك ، فلا بأس ؛ ومن الذي يزعم أن التنازل عن بعض الحقوق ، والعفو عن المظالم عيب أو نقصان ، بل هو الكمال كل الكمال .
روى مسلم في صحيحه (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ )
وأما الحديث إلى زوجك ، أو العتاب له ، فهو حديث الناصح الشفيق ، وعتاب ممن يحبون له الخير ، ويخشون عليه عاقبة الليالي ، ويحذرونه من أن يطيع إبليس ويفرحه ، ويعصي الرحمن جل جلاله ويغضبه .(/3)
أما طاعته لإبليس ، فقد روى مسلم في صحيحه (2813) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ ؛ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ؛ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا !! قَالَ : ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ؟! قَالَ : فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ !! قَالَ الْأَعْمَشُ : أُرَاهُ قَالَ : فَيَلْتَزِمُهُ !! )
وأما أنه يغضب الرحمن ويعصيه ، فليسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( َاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ .. ) رواه مسلم (1218)
أفهكذا يكون أمان الله ، يا عبد الله ؟!!
أوهكذا تفعل بكلمة الله ، يا عبد الله ؟!!
أهكذا تفعل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال لك : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقال صلى الله عليه وسلم : وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
أوهكذا يكون المعروف ، وقد قال الله : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 .(/4)
أو هكذا تكون الرعاية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
أما سمعت الصحابي الجليل ، عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو ، رضي الله عنه ، وقد دخل عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ، الوالي الظالم ، فَقَالَ له الصحابي : ( أَيْ بُنَيَّ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ !! ) رواه مسلم (1830) .
أما تخشى أن تكون ـ أنت ـ منهم .
هل سمعت من قبل يا عبد الله أن للمرض سنا ، وأنه يشترط لوجود الصداع زمان أو مكان ؟!!
ما سمعنا بأعجب من هذا ولا أغرب !!
أم لعلك تحتاج دليلا ؟! فاسمع يا عبد الله :
عن عائشة قالت : (رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وا رأساه فقال بل أنا يا عائشة وا رأساه) رواه ابن ماجه (1465) ، صححه الألباني في تخريج المشكاة (5970).(/5)
وينبغي أن تتذكر أيها الأخ المسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وللسيدة عائشة رضي الله عنها ثمانية عشر عاما ، مما يعني أن شكواها هذا الصداع كان في حداثة سنها قبل الثامنة عشرة ، فصدقها النبي صلى الله عليه وسلم وتفاعل معها وجدانيا ، وسئلت السيدة عائشة رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ . رواه البخاري (676) .
فهذا الدليل إن كنت تحتاجه ، وما نظنك تحتاج دليلا ، أن تحتاج أن تعمل ؛ الطريق أمامك ، لكنك لا تسير !!
الحديث إليك طويل ، ذو شجون ، يا عبد الله ، ومن لم ينفعه القليل ، لم ينفعه الكثير !!
فاحذر يا عبد الله أن تبتلى يوما ، وتحتاج هذه المرأة الضعيفة أن تحملك ، وتقوم بأمرك ؛ أفتحب أن تعاملك بمثل ما تعاملها به ؟!!
أم تحب أن تكون هي أكرم منك ، وتصدقك ، وأنت تكذبها ، وتحملك ، وأن تضيعها ، وترفق بك ، وأنت تشق عليها ، وتحلم عليك ، وأنت تجهل عليها ؟!!
والله إن أحلاهما مر !!
فاختر لنفسك طريق الإحسان يا عبد الله : ( هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60)
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ(/6)
رقم السؤال:
101156
العنوان:
الاحتفال ببلوغ الفتاة سن المراهقة
السؤال:
أنا شابة مسلمة وكنت أتساءل عما إذا كان هناك ضير فى إقامة إحتفال ستة عشر الجميل لفتاتك الصغيرة. واحتفال ستة عشر الجميل هو احتفال كبير تقيمه من أجل فتاتك عندما يصل عمرها ستة عشر عاما أى عندما تصبح مراهقة. برجاء الرد على هذا التساؤل.
الجواب:
الحمد لله
لا يشرع الاحتفال بهذه المناسبة وهي بلوغ الفتاة ست عشرة سنة ؛ لما فيه من التشبه بالكفار الذين وضعوا هذه الاحتفالات وانشغلوا بها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تشبَّهَ بقوْمٍ فهُو مِنهُم ) رواه أبو داود ( 3512 ) وصححه الألباني .
وهذا السنّ لا يمثل شيئا في ديننا ، فإن الفتاة تبلغ وتصير مكلفة بعلامات ليس منها بلوغها ست عشرة سنة .
فعلامات البلوغ : إما الحيض ، أو الاحتلام ، أو نبات الشعر الخشن حول العانة ، أو بلوغ خمس عشرة سنة .
ولم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم للذكر أو للأنثى الاحتفال ببلوغه أو دخوله في سن معين ، لا سن البلوغ ، ولا سن الشباب ، ولا غير ذلك .
وبعض الناس اليوم يحتفل بمرور سنة على ولادة الطفل ، ثم يحتفل به إذا مشى ، وإذا تكلم ، وكل هذا لا أصل له في الإسلام ، بل هو من العادات المأخوذة عن غير المسلمين .
فالواجب الحذر من مشابهة الكفار ، والحفاظ على الهوية الإسلامية ، والبعد عن التقليد الأعمى .
على أنه لا مانع ، عند بلوغ الطفل بالعلامات الشرعية المعتبرة ، من تنبيهه إلى أهمية ذلك في حياته بصفة عامة ، وإلى أن أمر آخرته مرتبط ببلوغه ذلك أشد الارتباط ؛ فقد صار مسئولا عن تصرفاته ، محاسبا على أقواله وأعماله : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة 8-9)
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101162
العنوان:
مصاب بالعقم فهل يلزمه إخبار مخطوبته بذلك ؟
السؤال:
لي صديق يريد أن يتقدم لخطبة فتاة من عائلة أنا أعرفها جيداً ، ولكن فاجئني بأمر ألم به وهو (أنه قد أصيب بالعقم من جراء تناوله لدواء يعالج مرض جلدي مزمن وتحسنت حالته بهذا الدواء ولكن شفاءه من العقم ميئوس منه أو شبه مستحيل) ورغم هذا فإنه مُصر على أن يتقدم لخطبة الفتاة دون أن يعلمهم حقيقة مرضه بالعقم خوفا من رفضهم له، رغم نصيحتي وكلامي له تكرارا ومراراً من أن يعلمهم بهذا الأمر أو لا يتقدم للخطبة ، لكنه لا يستمع لي . هل علي إثم لو أنني سكت عن هذا الأمر ولم أبلغ عائلة الفتاة بمرض هذا الصديق ؟ أفيدوني يرحمكم الله لأن هذا الأمر يرقني رغم أني أحاول منعه حتى الآن.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء رحمهم الله في العقم هل يعد عيبا في النكاح ؟
والصحيح أنه عيب ، لأن حصول الأولاد من أهم مقاصد النكاح ، والناس يعتبرون كتمان هذا العيب غشاً .
وقد قرّر ابن القيم رحمه الله أن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة ، فإنه يجب بيانه ويثبت الحق في فسخ النكاح إذا كتم هذا العيب ، ووافقه على ذلك بعض أهل العلم المعاصرين ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، ورأى أن عدم الإنجاب عيب يوجب الخيار للزوج أو الزوجة .
قال رحمه الله : " والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح ، ولاشك أن من أهم مقاصد النكاح : المتعة ، والخدمة ، والإنجاب ، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب ، وعلى هذا فلو وجدت الزوج عقيما ، أو وجدها هي عقيمة فهو عيب " انتهى من الشرح الممتع (12/220).
وانظر جواب السؤال رقم (43496)
وعلى هذا فالواجب على صديقك أن يخبر من يريد الزواج منها بعقمه ، فإن قبلت بذلك ، فلا حرج عليه في نكاحها ، وإن كتم ذلك ولم يبينه كان غاشا ، وكان لزوجته الخيار في الفسخ إن تبين عدم إنجابه . هذا ما يتعلق بصديقك .(/1)
وأما أنت فيجب عليك – بعد تأكدك من وجود هذا العيب ، وأنه لا يرجى الشفاء منه – أن تبين ذلك لوالد الفتاة ، فإن هذا من النصيحة لهم ، ويكفيك في ذلك أن تقول لهم : لا أشير عليكم به أو أنصحكم بالعدول عنه ونحو ذلك من العبارات ، فإن أبوا إلا أن تبين لهم السبب فلا حرج عليك في ذلك ، وليكن قصدك هو النصح لهم ، لا إيذاء صاحبك .
وحتى لا يكون هذا سبباً لإفساد ما بينك وبين صاحبك ، فليكن هذا الأمر سرّاً بينك وبينهم ، ولهم أن يتثبتوا من صحة كلامك بسؤال الطبيب الذي كان يعالج صاحبك ، ثم ليكن ردهم له من غير ذكر هذا السبب حتى لا تقع بينك وبينه عداوة أو بغضاء .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101165
العنوان:
يسأل عن طريقة حفل الزواج الشرعي
السؤال:
ما اقتراحاتكم لحفل زواج شرعي إسلامي ؟ لا أريد ارتكاب إثم فيه : من المعازف والموسيقى ، ولكن أكيد نريد أن تظهر به علامات البهجة والفرح وعدم ملل الحضور ؟
الجواب:
الحمد لله
الفرح بالزواج فرح مشروع ، فهو نعمة عظيمة من الله تعالى ، أن يَسَّر لهذين الزوجين بابا من أبواب السعادة ، وطريقا من طرق الستر والعفاف ، وما زال الناس يعبرون عن فرحتهم بهذه النعمة منذ قديم الزمان ، وإلى يومنا هذا ، واتخذ ذلك أشكالا مختلفة ، وعادات منوعة بتنوع المجتمعات والبلدان .
وليس من قصد الشريعة الإسلامية الحكيمة التضييق على الناس في عوائدهم ، ولا السعي لإلزامهم بعادة واحدة ، بل إن استقراء فروع الشريعة يبين أن الأمر في العادات مبنيٌّ على السعة والإباحة ، مع بعض القيود والضوابط .
والمسلم مندوب لموافقة عادات قومه ، ومنهي عن مخالفتها ، ما لم تكن مخالِفةً لأحكام الشريعة ، أو كانت تسبب الحرج والضيق للناس ، وقد قاس العلماء استحباب موافقة الناس في عاداتهم على استحباب موافقتهم في لباسهم ، فقد جاء في ذلك حديث ينهى عن المخالفة في اللباس والاشتهار بين الناس به ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ )
رواه ابن ماجه (3606) ، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه .
" والشهرة من الثياب وهو المترفع الخارج عن العادة ، والمتخفض الخارج عن العادة ، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين : المترفع والمتخفض ".
كذا في "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/138)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/115) :(/1)
" وهذه مسألة لا بد أن نَتَفَطَّنَ لها ، وهي : أن موافقة العادات في غير المُحرَّمِ هو السنة ؛ لأن مخالفة العادات يجعل ذلك شهرةً ، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الشهرة ، فيكون ما خالف العادةَ منهِيًّا عنه " انتهى .
ولذلك فنحن ندعوك – أخي السائل – لإقامة حفل الزواج الذي نسأل الله أن يكون مباركا وسعيدا - على هدي ما يقوم به الناس في بلدك من مراسم ومظاهر ، وألا تحاول نبذ جميع ما يعتادونه ، والواجب عليك فقط هو نبذ واجتناب المحرَّم من تلك العادات ، كاستعمال المعازف - غير الدفوف - والاختلاط بين الرجال والنساء ، ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (11446)
والمباح في الأعمال أكثر – بحمد الله – من المحرم منها ، فالغناء الخالي من المعازف ، وصنع الولائم ، واجتماع الناس ، وإظهار الزينة ، كل ذلك مما أباحته الشريعة . فاستعمل من ذلك ما تراه مناسبا ومحببا إلى قلوب الناس ، واسأل الله في كل ذلك السداد والتوفيق .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101169
العنوان:
يعاني من الشذوذ ويخشى أن يتزوج
السؤال:
أنا شاب تقدمت لخطبة فتاة وقبل بي أهلها وقبلت هي بي وبقي حوالي 3 أشهر على الزفاف ولكن الآن أنا في حيرة من أمري ومشكلتي هي في أني شاذ جنسيا وميولي الجنسي إلى الرجال أكثر من النساء ولحد الآن لا أحد يعلم بهذا الأمر . فهل علي كتمان هذا السر للأبد أم ينبغي علي أن أخبر الفتاة بهذا الأمر لأن ضميري يؤنبني وأحس بأن هذا خداع وخيانة في حقها وهي فتاة طيبة وتستحق من هو أفضل مني بكثير. وحتى لو تم الزفاف سيأتي يوم لا محالة وتكتشف فيه الأمر الذي أخفيته عنها وربما يحدث ما لا تحمد عقباه وخاصة إذا كان هناك أولاد وأنا لا أريد أن أظلم أحدا ؟ ترون نحن الشاذين جنسيا خياراتنا محدودة في عالمنا الإسلامي ومنبوذون في كل مكان ولا نستطيع أن نتزوج كبقية الناس العاديين فما عسانا أن نفعل وهل هو خطؤنا إذا كنا كذلك ؟ وما هي الحكمة في أن يخلق الإنسان هكذا ؟ فما العمل يا من يهمكم أمرنا ومعاناتنا... ؟؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الشذوذ الجنسي مرض عظيم ، وبلاء كبير ، وإذا صاحبه الفاحشة الكبرى كان أعظم وأعظم ، لما في هذه الفاحشة من الإثم والوزر والقبح ، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة .
ولهذا كان ينبغي أن يكون انشغالك بكيفية العلاج من هذا الشذوذ ، والنجاة من هذا الشر الماحق ، أعظم من انشغالك بمسألة كتمانه أو إفشائه لمخطوبتك .
واعلم أن هذا البلاء له أسباب ، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه ، فمن أراد النجاة مما هو فيه : فليقف على هذه الأسباب ، وليتخلَّص منها ، وليفعل ما نوصيه به ، وإلا فهو راضٍ عن حاله ، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير ، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله :
1. ضعف الإيمان ، وبُعد القلب عن حب الله تعالى ، وقلة الخوف من عقابه .
2. إطلاق النظر للمردان ، والتمتع بجمالهم وهيئتهم .(/1)
وهذا هو أول طريق المعصية التي يسلكها المبتلى بهذا الداء ، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات ، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما ترك الأمر ووقع في النهي : أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه ، فقضى عليه .
قال ابن القيم رحمه الله :" والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولِّد الفكرة شهوة ، ثم تولِّد الشهوة إرادة ، ثم تَقوى فتصبر عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " انتهى من "الجواب الكافي" ( ص 106 ) .
ومن هنا فإن كلمة العلماء قد اتفقت على حرمة النظر إلى الأمرد ، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء .
قال الإمام النووي رحمه الله : " وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة ، سواء كان بشهوةٍ أم لا ، سواء أمن الفتنة أم خافها ، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين ، نص عليه الشافعي ، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى - ، ودليله : أنه في معنى المرأة ، فإنه يُشتهى كما تشتهى ، وصورته في الجمال كصورة المرأة ، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء ، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر : وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة " انتهى من "شرح مسلم " ( 4 / 31 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم ، والمرأة الأجنبية بالشهوة ، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء ، أو شهوة التلذذ بالنظر ، فلو نظر إلى أمِّه ، وأخته ، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية : كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام ، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة " انتهى من "مجموع الفتاوى " ( 15 / 413 ) و ( 21 / 245 ) .(/2)
وقال أيضاً : " ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه ، أو أدامه ، وقال : إني لا أنظر لشهوة : كذب في ذلك ، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر : لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 15 / 419 ) و ( 21 / 251 ) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى : ما يشاهدونه في القنوات الفضائية ، والصحف والمجلات ، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان ، وهو ما يهيجهم على الفاحشة .
3. التقصير في الواجبات والنوافل .
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها ، وبشروطها وواجباتها : لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت/من الآية45 ، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل ؟! .
4. هجر القرآن ، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة .
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء ، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي ، وهو خير علاج لمن وقع فيها .
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء : اتخذهم قدوة له ، وأنس بصحبتهم ، وترفع عن الرذائل والقبائح .
5. التقصير في طلب العلم .
فالعلم نور ، وبه يعرف الحلال فيفعله ، والحرام فيجتنبه ، وبه يتعرف على ربه تعالى ، على أسمائه وصفاته وأفعاله ، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه ، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة ، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة .
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين .
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة ، والرياضة ، والأعمال المباحة ، وطلب العلم : لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها .
7. اتخاذ أصدقاء السوء ، وجلساء الشر .
8. ترك الزواج .(/3)
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية ، وجعلها تصريفها في النساء ، والطريق المباح لذلك هو الزواج أو مِلك اليمين ، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور ، وها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً ، أو ينظر إليه نظر شهوة ؟! فانظر لهذا وقارنه بحال من ينظر للمردان من جنسه بشهوة ، ومن يفعل معهم الفاحشة ، بل إن ذلك يجعله يعزف عن تزوج النساء !
وانظر جواب السؤال رقم (20068) ففيه بيان المخرج والعلاج من هذا الداء .
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان علاج العشق والتعلق المحرم : " ودواء هذا الداء القتَّّال : أن يعرف أن ما اُبتُليَ به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو مِن جهله وغفلة قلبه عن الله ، فَعَلَيْهِ أن يعرف توحيد ربِّه وسُننه وآياته أولاً ، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه ، ويُكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه ، وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله ، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } ، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه ؛ فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله : لم يتمكن منه عشقُ الصور ؛ فإنه إنما تمكن من قلب فارغ ، كما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى *** فصادف قلبا خاليا فتمكنا"
انتهى من " الجواب الكافي " ( ص 150 ، 151 ) .
ثانيا :
من أكبر الخطأ أن تظن أن هذا المرض ليس له علاج ، وأن الشاذ لا يمكن أن يعود مستقيما ، ولو كان الأمر كذلك لما أمر الله تعالى قوم لوط بالتوبة ، ولما دعاهم نبي الله لوط عليه السلام إلى ترك الشذوذ ، والله سبحانه هو خالق الإنسان ، وهو يعلم ما يمكن أن يتغير فيه أو لا يتغير ، فلا تلتفت لكل دعوى تخالف ذلك .(/4)
وكم من شاذ أقبل على ربه وتاب وأناب ، فتغير حاله ، وذهب عنه ما كان يجد من الشهوة المحرمة . وقد دعا لوط عليه السلام قومه للزواج ، لأنه علاج نافع ، يتمكن منه المبتلى من تصريف شهوته على الوجه المباح .
ثالثا :
وقد تبين مما سبق أن ما يقع فيه الشاذ من تعلق بصور المردان ، أو من الفاحشة المنكرة ، هو من فعله وبكسبه ، وأنه مطالب بترك ذلك ، وأنه يمكنه الخلاص من ذلك . ولو فرض أنه شعر بالميل نحو الرجال ، فإن عليه أن يقاوم ذلك ، وأن يتجنب أسباب الوقوع في الحرام ، كما أن الرجل السوي يميل بطبعه للنساء ، لكنه مطالب بغض البصر ، وعدم الخلوة ، وترك جميع أسباب الفتنة .
رابعا :
أما قولك : " فما عسانا أن نفعل ؟ " ؛ فقد بينا لك ما عساك أن تفعل ، وما يجب عليك من تقوى الله تعالى ، وإجلال مقامه أن يراك في مقام السوء والقذر الذي يكرهه منك ، ويعاقب أهل عليه العقاب الأليم .
لكن الذي أفزعنا فعلا هو قولك بعد ذلك :
" وهل هو خطؤنا إذا كنا كذلك ؟ وما هي الحكمة في أن يخلق الإنسان هكذا ؟ "
نعم يا عبد الله ، اللوم والعتاب ، والوعيد والعذاب إنما يقع على فاعل الذنب ، وهو يستحقه بما قدم لنفسه من سوء ، وبما اقترفت يداه :
قال الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .
وقال تعالى أيضا : ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) .(/5)
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " .. فأخبر هنا أن { الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ } بالحجج الباطلة، والشبه المتناقضة { مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ } أي: من بعد ما استجاب للّه أولو الألباب والعقول، لما بين لهم من الآيات القاطعة، والبراهين الساطعة، فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } أي: باطلة مدفوعة { عِنْدَ رَبِّهِمْ } لأنها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق، فهو باطل.
{ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } لعصيانهم وإعراضهم عن حجج اللّه وبيناته وتكذيبها. { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } هو أثر غضب اللّه عليهم، فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل " انتهى .
وقال الله تعالى عن أعدائه المكذبين : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) .(/6)
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " يقول تعالى مبينا لقبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب، وينسبون أن الله أمرهم بها : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً } وهي: كل ما يستفحش ويستقبح، ومن ذلك طوافهم بالبيت عراة { قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } وصدقوا في هذا. { وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } وكذبوا في هذا، ولهذا رد اللّه عليهم هذه النسبة فقال: { قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } أي: لا يليق بكماله وحكمته أن يأمر عباده بتعاطي الفواحش لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره { أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } وأي افتراء أعظم من هذا ؟" انتهى .
عبد الله ؛ إن هذا الذي قلته هو فرع مقالة أعداء الله المشركين به ، والمكذبين لرسله ؛ يقعون في المعاصي ، ثم يحتجون عليها بالقدر : أن الله خلقهم على ذلك ، أو أمرهم به ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
وهكذا فليقل الزاني : ما ذنبي ، والله خلقني كذلك ، والسارق ، والقاتل ، و.... ،
ونهاية هذه الحجة الباطلة أن تبطل كل الشرائع ، ويبطل الأمر والنهي ، ويبقى الناس سدى ، يتهارجون تهارج الحمر ، حتى ليوشك أحدهم أن يواقع الفاحشة في طريق الناس ، كما يكون في آخر الزمان ، بل كما وقع في بعض بلاد الكفر والعصيان !!
أعلمت أنك الذي فتحت على نفسك الباب ، وأن الحجة لله عليك ، وليس لك على الله تعالى حجة !!
فاشتغل الآن يا عبد الله بإغلاق باب الشر والفساد عنك ، قبل ألا تستطيع أن تغلقه ؛ بدلا من أن تشغل نفسك بمن صنع الباب ، كيف لم يجعله مغلقا دائما ؛ فيبدو أنك لم تعرف الفرق بين الباب والحائط !!
فإذا أردته حائطا كله ، لا باب فيه ، ولا مشكاة ؛ فما قيمة التكليف ، وما قيمة الأمر والنهي والحلال والحرام ، والثواب والعقاب ، والجنة والنار ؟!!
وخلاصة ما ننصحك به أن تبادر الزواج ، لتضع نطفتك في الطهر الحلال ، وتصون نفسك عن النجس الحرام !!(/7)
لكن ، وحتى لا تغرر بمن وثق فيك ، وتغش من أمنك ، وتجني على من لم يظلمك ؛ لا بد أن تبدأ أولا بالتوبة النصوح لله تعالى مما أصابك من بلاء الشذوذ ، وتجتهد في أبواب الطاعة ، وتشغل نفسك بالله تعالى ومرضاته ؛ حتى إذا أنست منها بدء السير في طريق الهداية ، ولاحت عليها علامات الصلاح ، فقوِّ دواعي الخير والطهر في نفسك بالزواج ممن تعفك ؛ وأما قبل البدء في العلاج ، والإحساس بصدق التوبة ، فلا تجنِ على غيرك ، ولا تخدع من وثق فيك .
نسأل الله تعالى أن يعافيك ، وأن يطهر قلبك ، ويحصّن فرجك .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
101172
العنوان:
هل كان داود عليه السلام يستعمل المزمار ؟
السؤال:
أريد أن اسأل عن الأغاني ما حكمها حسب كلامي . أن في صوت تغريد العصفور موسيقى وفي صوت الماء والشلالات (المياه الساقطة ) والمطر موسيقى وفي صوت الرياح موسيقى فكيف نستطيع أن لا نسمعها ، ثم إن النبي داوود عليه الصلاة و السلام كان يستغفر بالمزامير ثم إني لا أتحدث عن الأغاني التي تثير الشهوة أو الصاخبة إني أتكلم عن الموسيقى الهادية والكلام العادي أرجو من حضرتكم الرد علي بوضوح
الجواب:
الحمد لله
سبق بيان تحريم استماع الموسيقى ، وأدلة ذلك في جواب السؤال رقم (5000) ، كما سبق بيان بطلان قياس الموسيقى على صوت العصافير أو صوت خرير الماء في الجواب رقم (96219)
والقول بأن داود عليه السلام كان يستغفر بالمزامير ، قول لا أصل له ، وإنما المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري : ( لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ) رواه البخاري (5048) ومسلم (793).
أنه حسن الصوت ، فشبّه حسن صوته بصوت المزمار .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : ( أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُدَ ) قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُرَاد بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْت الْحَسَن , وَأَصْل الزَّمْر الْغِنَاء , وَآلُ دَاوُدَ هُوَ دَاوُدُ نَفْسه , وَآلُ فُلَان قَدْ يُطْلَق عَلَى نَفْسه , وَكَانَ دَاوُدُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَن الصَّوْت جِدًّا " انتهى .
وقال العراقي في "طرح التثريب" (3/105) : " والمراد بالمزمار هنا : الصوت الحسن ، وأصله الآلة التي يزمر بها ، شبّه حسن صوته وحلاوة نغمته بصوت المزمار ... وقد كان إليه المنتهى في حسن الصوت بالقراءة " انتهى .(/1)
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" : " وَالْمُرَاد بِالْمِزْمَارِ الصَّوْت الْحَسَن , وَأَصْله الْآلَة أُطْلِقَ اِسْمه عَلَى الصَّوْت لِلْمُشَابَهَةِ " انتهى .
وهذا كقول أبي بكر رضي الله عنه عن الغناء إنه مزمار الشيطان ، كما روى البخاري (3931) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ ! مَرَّتَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا ، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ ).
ولم يكن مع الجاريتين مزمار ، ولكنه رضي الله عنه سمى الغناء مزمار الشيطان ، وشبهه به في القبح .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101214
العنوان:
ما يُسمى " دعاء العرش " دعاء مبتدع مكذوب
السؤال:
ما مدى صحة هذا الدعاء ، وهل له وجود في السنة النبوية ؟ قيل إن جبريل علية السلام أتى النبي صلى الله علية وسلم فقال : يا محمد ! السلام يقرئك السلام ، ويخصك بالتحية والإكرام ، وقد أوهبك هذا الدعاء الشريف ، يا محمد ! ما من عبد يدعو وتكون خطاياه وذنوبه مثل أمواج البحار ، وعدد أوراق الأشجار ، وقطر الأمطار وبوزن السموات والأرض ، إلا غفر الله تعالى ذلك كله له . يا محمد ! هذا الدعاء مكتوب حول العرش ، ومكتوب على حيطان الجنة وأبوابها ، وجميع ما فيها .. ومما ورد فيه : .... يا محمد ! ما من عبد قرأ هذا الدعاء إلا غفرت ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء ، ومثل الرمل والحصى ، وقطر الأمطار ، وورق الأشجار ، ووزن الجبال وعدد ريش الطيور ، وعدد الخلائق الأحياء والأموات ، وعدد الوحوش والدواب ، يغفر الله تعالى ذلك كله ، ولو صارت البحار مدادا ، والأشجار أقلاما ، والإنس والجن والملائكة ، وخلق الأولين والآخرين يكتبون لي يوم القيامة ، لفني المداد ، وتكسر الأقلام ، ولا يقدرون على حصر ثواب هذا الدعاء . وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : بهذا الدعاء ظهر الإسلام والإيمان . وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه : نسيت القرآن مرارا كثيرة فرزقني الله حفظ القرآن ببركة هذا الدعاء . وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه : كلما أردت أن أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، أقرأ هذا الدعاء . وقال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه : كلما أشرع في الجهاد أقرأ هذا الدعاء ، وكان تعالى ينصرني على الكفار ببركة هذا الدعاء . ومن قرأ هذا الدعاء وكان مريضا ، شفاه الله تعالى ، أو كان فقيرا أغناه الله تعالى ، ومن قرأ هذا الدعاء وكان به هم أو غم زال عنه ، وإن كان عليه دين خلص منه ، وإن كان في سجن وأكثر من قراءته خلصه الله(/1)
تعالى ، ويكون آمنا شر الشيطان ، وجور السلطان . قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال لي جبريل : يا محمد ! من قرأ هذا الدعاء بإخلاص قلب ونية على جبل لزال من موضعه ، أو على قبر لا يعذب الله تعالى ذلك الميت في قبره ولو كانت ذنوبه بالغة ما بلغت ؛ لأن فيه أسم الله الأعظم . وكل من تعلم هذا الدعاء وعلمه لمؤمنين يكون له أجر عظيم عند الله ، وتكون روحة مع أرواح الشهداء ، ولا يموت حتى يرى ما أعده الله تعالى له من النعيم المقيم . فلازم قراءة هذا الدعاء في سائر الأوقات تجد خيرا كثيرا مستمرا إن شاء الله تعالى . فنسأل الله تعالى الإعانة على قراءته ، وأن يوفقنا والمسلمين لطاعته ، إنه على ما شاء قدير وبعباده خبير ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين . الدعاء : بسم الله الرحمن الرحيم : لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، لا إله إلا الله العدل اليقين ، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين ، سبحانك إني كنت من الظالمين ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك والحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ، وإليه المصير ، وهو على كل شيء قدير . لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته ، سبحان الله خضوعا لعظمته ، اللهم يا نور السموات والأرض ، يا عماد السموات والأرض ، يا جبار السموات والأرض ، يا ديان السموات والأرض ، يا وارث السموات والأرض ، يا مالك السموات والأرض ، يا عظيم السموات والأرض ، يا عالم السموات والأرض ، يا قيوم السموات والأرض ، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة . اللهم إني أسألك أن لك الحمد ، لا إله إلا أنت الحنان المنان ، بديع السموات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، برحمتك يا أرحم الراحمين . بسم الله أصبحنا وأمسينا ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب(/2)
فيها وأن الله يبعث من في القبور . الحمد لله الذي لا يرجى إلا فضله ، ولا رازق غيره . الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير . اللهم إني أسألك في صلاتي ودعائي بركة تطهر بها قلبي ، وتكشف بها كربي ، وتغفر بها ذنبي ، وتصلح بها أمري ، وتغني بها فقري ، وتذهب بها شري ، وتكشف بها همي وغمي ، وتشفي بها سقمي ، وتقضي بها ديني ، وتجلو بها حزني ، وتجمع بها شملي ، وتبيض بها وجهي . ............ اللهم استر عورتي ، واقبل عثرتي ، واحفظنى من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ومن تحتي ، ولا تجعلني من الغافلين . اللهم إني أسألك الصبر عند القضاء ، ومنازل الشهداء ، وعيش السعداء ، والنصر على الأعداء ، ومرافقة الأنبياء ، يا رب العالمين . آمين يا أرحم الراحمين .
الجواب:
الحمد لله
هذا الدعاء كذب مختلق مصنوع ، لا يجوز نقله ولا روايته ولا العمل به ، ومن تساهل في ذلك تعرض للوعيد الشديد ، وكان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم خصمَه يوم القيامة ، وعلامة الوضع والكذب باديةٌ عليه ، إذ لا يُعرف في ديننا دعاءٌ تكون له كل هذه الفضائل المبالغ فيها ، ولو كان شيء من ذلك موجودًا في شريعتنا لوجدتَ عشرات الأسانيد الصحيحة تتسابق في نقله وروايته ، أما هذا الدعاء فلم يرد ولا بإسناد ضعيف .
يقول ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/19) في حديثه عن علامات الحديث الموضوع :(/3)
" اشتماله على المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهي كثيرة جدا ، كقوله في الحديث المكذوب : ( من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان ، لكل لسان سبعون ألف لغة ، يستغفرون الله له ) وأمثال هذه المجازفات الباردة ، التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين : إما أن يكون في غاية الجهل والحمق ، وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول بإضافة مثل هذه الكلمات إليه " انتهى .
ويقول ابن حجر في "النكت" (2/843) :
" ومن جملة القرائن الدالة على الوضع الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير ، وهذا كثير موجود في حديث القصاص والطرقية " انتهى .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/372-373) :
" الدعاء المسمى بـ : ( دعاء العرش وفضائل دعاء العرش ) دعاء مبتدع ، لا أصل له ، ولا دليل عليه من الكتاب والسنة ، ولم ينسب إلى مرجع معتمد ، فهو من اختراع من وضعه ، وواضعه مجهول ، وفيه ألفاظ مكذوبة ، مثل قوله : ( أسألك باسمك المكتوب على جناح جبريل وعلى ميكائيل وعلى جبهة إسرافيل ، وعلى كف عزرائيل الذي سميت به منكرا ونكيرا وبحق أسرار عبادك عليك ) ، وفيه وعود مكذوبة لأجل إغراء الناس بهذا الدعاء المبتدع ، مثل قوله : ( من دعا به مرة واحدة حشره الله يوم القيامة ووجهه يتلألأ . . إلخ )
( وإن كان له ذنوب أكثر من ماء البحر وقطر الأمطار . . إلخ ) ( ويكتب له ثواب ألف عمرة مبرورة ، وإن قرأه خائف أمنه الله ، أو عطشان سقاه الله ، أو جائع أطعمه الله . إلخ ) ( وإن حمله ذو عاهة برئ ، أو زوجة أكرمها زوجها ، وأمن من الجن والإنس والمردة والشياطين والأوجاع والأمراض ، ورجع إلى أهله إن كان غائبا . .) إلى آخر كذبه .
وهذا دعوة إلى تعليق التمائم والحروز والتعلق بغير الله .(/4)
فالواجب منع توزيعه ونشره وإتلاف ما وجد منه ، ومعاقبة من يروجه بين الناس ؛ لأنه دعوة لنشر البدع والخرافات وتعليق التمائم والحروز . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
وانظر أيضا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/24.htm
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101220
العنوان:
حكم بيع الفيز وأخذ نسبة من العمال
السؤال:
طلب مني رجل من الجنسية الهندية قبل فترة أن أقوم بعمل طلب تأشيرة دخول للبلاد لأخيه واتفقنا على مبلغ من المال عند دخول أخيه البلاد وله حرية العمل حيث شاء ولم نتفق على أن آخذ أجرة شهرية وإنما هي مرة واحدة عند قدومه فقط حيث إنه لم يكن مُكرها وإنما بإرادته وبعد أن من الله علي بالالتزام ولله الحمد أصابني شك في المال ، هل هو حرام أم حلال ؟ وإن كان حراما هل علي إرجاع المال أم التوبة تكفي؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز بيع الفيز أو تأشيرات الدخول ، لما في ذلك من الكذب والاحتيال على الأنظمة ، فالمال المكتسب بهذه الطريقة مال حرام ، والتوبة منه تكون بالتخلص منه في أوجه البر المختلفة – هذا إذا كان المال باقيا- أما إذا كان المال قد تم إنفاقه فتكفي التوبة ، ولا يلزم التصدق بمقداره .
وانظر جواب السؤال (78289) ففيه زيادة فائدة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يقوم بعض الأشخاص باستخراج (فيزة) تكلفه تقريباً ثلاثة آلاف ريال ، ثم يقوم ببيعها بثمانية أو عشرة آلاف على شخص آخر ليحضر أخاه ، فما الحكم في ذلك ؟
فأجاب : "(الفيزة) الرخصة يعني يأخذ رخصة من الوزارة لاستقدام عامل، ثم يبيع هذه الرخصة على أحد يستقدم عاملاً، فهذا حرامٌ ولا يجوز؛ لأننا نقول: إن كنت محتاجاً إلى هذا العامل فالفيزة بيدك، وإن لم تكن محتاجاً فرد الفيزة إلى من أخذتها منه، ولا يحل لك أن تبيعها . . . ثم هذا كذب؛ إذا أخذ فيزة على أنه يستقدم عاملاً ثم باعها صار كاذباً" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (170/15).(/1)
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، وحالتي المادية ضعيفة، وقد أتى إلي أحد الأيام أحد الإخوة المقيمين بالمملكة، وهو باكستاني الجنسية (مسلم) وطلب مني أن أستخرج له عددا من الفيز لاستقدام بعض أقاربه من الباكستان مقابل أن يدفع لي سبعة آلاف ريال لكل فيزة، وفعلت ذلك نظرا لحالتي المادية، وحاجتي لهذا المال، وقبضت منه قيمة أربع فيز، واستقدمت الأشخاص الذين قد اشترى الفيز من أجلهم، ولهم الآن بالمملكة أربع سنوات يعملون لحسابهم الخاص. سؤالي: هل هذا المال الذي قبضته منهم حلال أم حرام؟ علما بأن الأشخاص المعنيين قد حصلوا على أضعاف ما قد دفعوه إلي من المال، وهم راضون عن وضعهم وما دفعوه بسبيل إقامتهم بالمملكة للعمل. أفيدوني جزاكم الله خيرا.
فأجابوا : "هذا المال حرام ؛ لأنه عوض عن الكفالة ، وهي من عقود الإحسان ، وأيضا كذب ؛ لأنه مخالف للأنظمة التي وضعتها الدولة للمصلحة العامة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/189) .
وسئلوا أيضاً (13/79) : استقدمت عمالة أجنبية قبل 8 سنوات تقريبا، وقد بعت الفيز على شخص هنا، سواء من الباكستان أو مصر ، على أن يستقدم العمالة ويعملوا على طريقتهم، أي ليس عندي في المؤسسة، وكان هذا شرطا بيني وبينهم، وعلى اتفاق أن يدفع نسبة كل آخر شهر، وليست إجباريا، ولكن الله هداني إلى الصواب، وتبت إلى الله، وهذا أنا يا سماحة الشيخ أرجو من الله ثم منكم أن تدلوني على الطريق الصحيح، حيث إن بعض العمال سافر إلى بلاده، ولا أعرف له عنوانا، والبعض الآخر موجود، ولكن لا آخذ منه شيئا ...(/2)
فأجابوا : "بيع الفيز لا يجوز؛ لأن في بيعها كذبا ومخالفة واحتيالا على أنظمة الدولة، وأكلا للمال بالباطل، قال الله تعالى: ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ) وعلى ذلك فإن ثمن الفيز التي بعتها والنسب التي تأخذها من العمال كسب محرم ، يجب عليك التخلص منه، وإبراء ذمتك منه، فما حصلت عليه من ثمن الفيز تنفقه في وجوه البر والخير، من فقراء وإنشاء وبناء مرافق تنفع المسلمين.
وأما الأموال التي أخذتها من العمال أنفسهم نسبة في كل شهر، فإنه يجب عليك ردها إليهم إن كانوا موجودين، أو تيسر إيصالها إليهم في بلدهم على عناوينهم. وإن تعذر معرفتهم أو إيصالها إليهم فإنك تتصدق بها عنهم؛ لأن هذه النسبة اقتطعت منهم بغير حق، وبدون عوض، وعليك الاستمرار في التوبة من هذا العمل، وعدم العودة إليه مستقبلا، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101257
العنوان:
حكم التصوير بالفيديو والهاتف ونقل ذلك إلى الحاسب
السؤال:
لدى سؤالان بشأن صور الفيديو والصور الثابتة: هل يعد عرض صور فيديو أو صور ثابتة على الحاسب الآلي أو على أي جهاز إلكتروني تصويرا؟ وحتى إذا لم يكن تصويرا فهل هناك شروط لمشاهدة تلك الصور؟ وهل بوسعكم رجاء منحى قائمة بأسماء العلماء الذين يجيزون ذلك والعلماء الذين لا يجيزونه بالإضافة إلى الأدلة؟ وقد رجعت للكثير من إجاباتكم الخاصة بهذا الموضوع والموجودة بقاعدة البيانات الخاصة بكم لكني لا أزال حائرا ، ولذا فسأكون ممتنا للغاية إذا كان بوسعكم الإجابة على هذا السؤال.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يحرم تصوير ذوات الأرواح ، من الإنسان والطير والحيوان ، ولو كان بالتصوير الفوتوغرافي ، على الصحيح من قولي العلماء ، وينظر جواب السؤال رقم (10668)
ثانيا :
المحرم هو الصور الثابتة التي يمكن الاحتفاظ بها ، وأما الصور التي تظهر في التلفاز أو الفيديو أو الهاتف المحمول ، فلا تأخذ حكم الصور المحرمة .
قال الشيخ ابن عثيمين : " والصُّور بالطُّرُقِ الحديثة قسمان :
الأول : لا يَكُونُ له مَنْظَرٌ ولا مَشْهَد ولا مظهر ، كما ذُكِرَ لِي عن التصوير بِأَشرطة الفيديو ، فهذا لا حُكْمَ له إطلاقاً ، ولا يَدْخُل في التحريم مطلقاً ، ولهذا أجازه العلماء الذين يَمْنَعونَ التّصوير على الآلة الفوتوغرافية على الورق وقالوا : إن هذا لا بأس به ، حتى إنه قيل هل يجوز أن تصوَّر المحاضرات التي تلقى في المساجد ؟ فكان الرأي ترك ذلك ، لأنه ربما يشوش على المصلين ، وربما يكون المنظر غير لائق وما أشبه ذلك .
القسم الثاني : التصوير الثابت على الورق ......(/1)
ولكن يبقى النظر إذا أراد الإنسان أن يُصوِّر هذا التصوير المباح فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد ، فإذا قُصد به شيءٌ مُحَرَّم فهو حرام ، وإن قُصد به شيءٌ واجب كان واجباً . فقد يجب التصوير أحياناً خصوصاً الصور المتحركة ، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبساً بجريمة من الجرائم التي هي من حق العباد كمحاولة أن يقتل ، وما أشبه ذلك ولم نتوصل إلى إثباتها إلا بالتصوير ، كان التصوير حينئذٍ واجباً ، خصوصاً في المسائل التي تضبط القضية تماماً ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد . إذا أجرينا هذا التصوير لإثبات شخصية الإنسان خوفاً من أن يُتَّهم بالجريمة غيره ، فهذا أيضاً لا بأس به بل هو مطلوب ، وإذا صوّرنا الصورة من أجل التمتع إليها فهذا حرام بلا شك " انتهى من "الشرح الممتع" (2/197).
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز التصوير بالكاميرا (آلة التصوير) وهل يجوز التصوير بالتليفزيون، وهل يجوز مشاهدة التليفزيون وخاصة في الأخبار؟
فأجابوا : "لا يجوز تصوير ذوات الأرواح بالكاميرا أو غيرها من آلات التصوير، ولا اقتناء صور ذوات الأرواح ولا الإبقاء عليها إلا لضرورة كالصور التي تكون بالتابعية أو جواز السفر، فيجوز تصويرها والإبقاء عليها للضرورة إليها.
وأما التليفزيون فآلة لا يتعلق بها في نفسها حكم وإنما يتعلق الحكم باستعمالها، فإن استعملت في محرم كالغناء الماجن وإظهار صور فاتنة وتهريج وكذب وافتراء وإلحاد وقلب للحقائق وإثارة للفتن إلى أمثال ذلك ، فذلك حرام، وإن استعمل في الخير كقراءة القرآن وإبانة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى أمثال ذلك ، فذلك جائز، وإن استعمل فيهما فالحكم التحريم إن تساوى الأمران أو غلب جانب الشر فيه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/458) .
والحاصل : أن التصوير بالفيديو أو بالهاتف ونقل ذلك إلى الحاسب أو غيره من الأجهزة لا يأخذ حكم التصوير المحرم .
ثالثا :(/2)
وأما النظر إلى هذه الصور الموجودة على الفيديو أو الحاسب أو الهاتف ، فإن لم تشتمل على حرام ، فلا حرج في النظر إليها ، ومن أمثلة الحرام هنا : نظر الرجل إلى صور النساء الأجنبيات عنه ، ونظر المرأة إلى صور النساء الكاشفات عن عوراتهن ، أو إلى صور الحفلات التي يختلط فيها الرجال بالنساء على وجه يثير الفتنة ، فإن النظر إلى ذلك محرم ، وكذلك إذا اشتمل ملف الفيديو على صوت الموسيقى والمعازف .
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله : " النظر إلى الصور عبر جهاز التلفاز أو الفيديو ونحوه : ومن المنكرات أيضا : النظر إلى تلك الصور الفاتنة والتفكه بالنظر فيها ، تلك الصور التي تعرض في الأفلام عبر أجهزة الفيديو والتلفاز وغيرهما ، والتي تعرض فيها صور النساء المتبرجات ، سيما التي تذاع من البلاد الأجنبية كالبث المباشر ، وما يعرض بواسطة ما يسمى ( بالدش ) وما أشبهها .
إنها والله فتنة وأي فتنة ، حيث إن الذي ينظر إلى تلك الصور لا يأمن أن تقع في قلبه صورة هذه المرأة أو صورة هذا الزاني أو هذا الذي يفعل الفاحشة أمام عينيه ، وهو يمثل له كيفية الوصول إليها . فلا يملك نفسه أن يندفع إلى البحث عن قضاء شهوته ، إذا لم يكن معه إيمان حيث أكب على النظر إلى هذه الصور ، سواء كانت مرسومة أو مصورة في صحف ومجلات ، أو كانت مرئية عبر البث المباشر ، أو تعرض في الأفلام ونحوها .
إن هذه المعاصي والمحرمات المتمكنة قد فشت كثيرا وكثيرا ، ودعت إلى فواحش أخرى ، فالمرأة إذا أكبت على رؤية هؤلاء الرجال الأجانب لم تأمن أن يميل قلبها إلى فعل الفاحشة ، وإذا رأت المرأة هؤلاء النساء المتفسخات المتبرجات المتحليات بأنواع الفتنة ، لم تأمن أن تقلدهن فترى أنهن أكمل منها عقلا ، وأكمل منها اتزانا وقوة ، فيدفعها ذلك إلى أن تلقي جلباب الحياء ، وأن تكشف عن وجهها ، وأن تبدي زينتها للأجانب ، وأن تكون فتنة وأي فتنة " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت .(/3)
وما قاله الشيخ في التلفاز يقال في الفيديو وغيره .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
101260
العنوان:
أخذ الفائدة الربوية لتعويض النقص في قيمة النقود الشرائية
السؤال:
نسبة لغلاء المعيشة حيث يفقد المال قيمته الشرائية بنفس درجة غلاء المعيشة. مثال ـ إذا كان نسبة غلاء المعيشة 2% فيكون ثمن ما يمكن شراؤه اليوم بـ 100 دينار 102 دينار بعد سنة. إذا تعاملت مع بنك فقط للحفاظ علي قيمة نقودي الشرائية ، أي إعطائي مبلغا بنسبة مساوية لغلاء المعيشة الحالي ، فماذا يكون وضعي دينيا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا شك أن غلاء المعيشة المتزايد يعني أن الاحتفاظ بالنقود يفقدها قدرا من قيمتها الشرائية ، ولهذا ينبغي البحث عن وسائل مشروعة لاستثمارها .
ونظرا لمخاطر الاستثمار ، وفقدان الثقة في الجهات الاستثمارية عند كثير من الناس ، فإن بعضهم يلجأ إلى الإيداع في البنوك الربوية ، وأخذ الفائدة ، وهذا إما من الجهل بحرمة هذا التصرف ، أو من إيثار الدنيا على الآخرة ، فإن هذا الإيداع الربوي محرم تحريما عظيما ، لأنه الربا الذي لعن آكله وموكله وكاتبه وشاهداه ، وهو الربا الذي توعد الله فاعله بالحرب والمقت .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375(/1)
وحقيقة الإيداع في هذه البنوك : أنه قرض بفائدة ، والمقرض هو العميل ، والمقترض هو البنك ، لأن القرض إعطاء المال ثم أخذ بدله ، وتسمية ذلك وديعة خطأ واضح ، فإن الوديعة يُحتفظ بعينها ، ولا يتصرف فيها ، كوضع المال في صندوق الأمانات مثلا ، بحيث يبقى المال بعينه دون تغيير ، أما أن يتصرف البنك في المال تصرف الملاك ، مع التزامه برد مثل المال ، فهذا هو القرض ، فإذا كان مع التزام فائدة عليه ، كان قرضا ربويا مجمعا على تحريمه .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436).
وقال ابن عبد البر رحمه الله : " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط " انتهى من "الكافي " (2/359) .
ونقصان القيمة الشرائية للنقود لا يبيح اشتراط الفائدة التي هي عين الربا ، بل القرض يُرد كما هو ولو نقصت قيمته .
وقد جاء في "موسوعة فتاوى الأزهر" ، فتوى للشيح جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله ، فيما نحن بصدده ، نوردها للفائدة
السؤال " السائل أهديت له شهادات استثمار من الفئة (ب) ذات العائد الجارى من والده بمناسبة زواجه وهى في حوزته إلى الآن .
وقد استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته لها .
والسؤال : هل هي حلال بأرباحها .
علما بأن قيمتها الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الإهداء والشراء .
فأجاب : " اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا الزيادة هو زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال .
وقد حرم الله الربا بالآيات الكثيرة في القرآن الكريم .(/2)
وكان آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ) البقرة /275 -276 ، وحرمه كذلك بما ورد في الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء) .
ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا يدخل فيه كل زيادة على المال المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بلا مقابل، وقد أجمع المسلمون على تحريمه إعمالا لنصوص القرآن والسنة الشريفة .
ولما كانت شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة في ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص، باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا .
أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت إهدائها إلى السائل أو وقت الشراء فلا يصلح مبررا لاستحلال هذه الفوائد الربوية، فقد نقل الإمام الإسبيجابي في شرح الطحاوي اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو نقصت، فعلى المقترض مثل ما قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا (رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود من رخص وغلاء وكساد وانقطاع للعلامة ابن عابدين ج - 2 مجموع الرسائل ص 58 - 67) .(/3)
وإذ كان ذلك ، كانت القيمة الاسمية لهذه الشهادات حلالا باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب حلال في الغالب حملا لحال المؤمنين على الصلاح، كما هو الأصل .
أما الفائدة التي استحقت عليها طبقا لنظام إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم، باعتبارها محددة زمنا ومقدارا، ولا يحل للمسلم الانتفاع بهذه الفائدة باعتبارها من الأكساب المحرمة، وله قبضها وتوجيهها إلى أي طريق من طرق البر كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصرف في الكسب الحرام، إبراء لذمة المسلم من المسئولية أمام الله .
فقد ورد في الحديث الشريف عن أبى برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه ) ، والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى .
ولهذا نقول لأخينا السائل : إما أن تبحث عن وسيلة مشروعة لاستثمار المال ، ولو بشراء سلع تحتفظ بقيمتها غالبا كالأرض والذهب ونحو ذلك ، وإما أن تصبر وتحتسب ، وتتحمل ما ينشأ عن حفظ المال من نقص في قيمته .
ثانيا :
لا يجوز وضع المال في البنك الربوي إلا لغرض حفظه إذا خيف عليه من السرقة ، ويُجعل حينئذ في الحساب الجاري لا في حساب التوفير ، ارتكابا لأهون الشرين ، وفي حال ترتب فائدة عليه ، يجب التخلص منها بصرفها للفقراء والمساكين وفي المصالح العامة ، ولا يجوز لصاحب المال الانتفاع بشيء منها .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
101263
العنوان:
دعاء اللهم إني أسألك الثبات على الرشد
السؤال:
أريد أن استفسر عن صحة مقولة للشيخ بن عثيمين في الدعاء ( اللهم إني أسألك الأنس بقربك ) قال فيها بن عثيمين يتحقق فيها للمؤمن أربع : عز من غير عشيرة ، وعلم من غير طلب ، وغنى من غير مال ، وأنس من غير جماعة. ـ هل هذا القول صحيح ؟ خاصة وأنها انتشرت بين الناس . وبالنسبة لدعاء ( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلباً سليماً ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم ) هل هذا الدعاء من الأدعية النبوية ؟ وهل صحيح أن بن اباز رحمه الله قال فيه إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذا الدعاء ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لم نقف على ما ذكرت من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، ولم نقف على هذا الدعاء : (اللهم إني أسألك الأنس بقربك ) في شيء من كتب السنة . ولا وجدناه منقولاً عن أحد من السلف ، ولهذا يبعد صدور هذا الكلام عن الشيخ رحمه الله .
وقد علم من حاله اقتفاء أثر السلف وتعظيم الأدعية الثابتة ، وعدم الجزم بمثل هذه الفضائل إلا بدليل ، لا سيما وقد يروج لهذا الدعاء من يزهّد الناس في طلب العلم ، ويزعم أنه تلقى العلم من الله مباشرة ، كما يقول أحدهم : حدثني قلبي عن ربي !
وقد جاءت النصوص بالحث على طلب العلم والترغيب فيه بل الإخبار بأنه فريضة على كل مسلم .
وقد سألنا الشيخ الدكتور سامي الصقير حفظه الله – وهو من كبار طلاب الشيخ رحمه الله الملازمين له- فقال : إن هذا كذب على الشيخ .
ثانيا :(/1)
دعاء : ( اللهم إني أسالك الثبات في الأمر ...) من الأدعية النبوية الثابتة ، فقد روى أحمد (17155) والترمذي (3407) والنسائي (1304) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا ، وَقَلْبًا سَلِيمًا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة رقم 3228 وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وهو عند أحمد بلفظ : ( إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ : الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ...)
فهذه الجملة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، لا من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله .
وقَوْلُهُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ) أَيْ الدَّوَامَ عَلَى الدِّينِ وَلُزُومَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ .
( وَأَسْأَلُك عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ) هِيَ الْجِدُّ فِي الْأَمْرِ بِحَيْثُ يُنْجَزُ كُلُّ مَا هُوَ رُشْدٌ مِنْ أُمُورِهِ , وَالرُّشْدُ هُوَ الصَّلَاحُ وَالْفَلَاحُ وَالصَّوَابُ , وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ : أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ . أَيْ : عَقْدَ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الْأَمْرِ
( وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِك ) أَيْ التَّوفيقَ لِشُكْرِ إِنْعَامِك .
( وَحُسْنَ عِبَادَتِك ) أَيْ إِيقَاعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ الْمَرَضِيِّ(/2)
( وَأَسْأَلُك لِسَانًا صَادِقًا ) أَيْ مَحْفُوظًا مِنْ الْكَذِبِ ( وَقَلْبًا سَلِيمًا ) أَيْ عَنْ عَقَائِدَ فَاسِدَةٍ وَعَنْ الشَّهَوَاتِ .
( أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ) أَيْ مَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا أَعْلَمُهُ أَنَا .
وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر ، وطلب كل خير ، وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار ، فقال : وَأَسْتَغْفِرُك مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101268
العنوان:
ما يفعله الشيعة في عاشوراء بدعة وضلالة
السؤال:
أعيش بدبي وحولنا عد كبير من الشيعة هنا وهم يقولون دائما إن ما يقومون به يومي التاسع والعاشر من شهر محرم هو دليل على حبهم للحسين ، ولا شيء فيه ، وهو كما قال يعقوب : ( يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون ) برجاء إطلاعي على الإجابة بخصوص ما إذا كان يجوز ضرب الصدر أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
ما يفعله الشيعة في عاشوراء من ضرب الصدور ، ولطم الخدود ، وضرب السلاسل على الأكتاف ، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء ، محدث لا أصل له في الإسلام ، فإن هذه أمور منكرة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك أو قريبا منه ، لموت عظيم ، أو فقد شهيد ، مهما كان قدره ومنزلته . وقد استشهد في حياته صلى الله عليه وسلم عدد من كبار أصحابه الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة ، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء ، ولو كان خيرا لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم .
ويعقوب عليه السلام لم يضرب صدرا ، ولم يخمش وجها ، ولم يُسل دما ، ولا اتخذ يوم فقد يوسف عيدا ولا مأتما ، وإنما كان يذكر حبيبه وغائبه ، فيحزن لذلك ويغتم ، وهذا مما لا ينكر على أحد ، وإنما المنكر هو هذه الأعمال الموروثة عن الجاهلية ، التي نهى عنها الإسلام.
فقد روى البخاري (1294) ومسلم (103) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ).(/1)
فهذه الأعمال المنكرة التي يعملها الشيعة في يوم عاشوراء لا أصل لها في الإسلام ، لم يعملها النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من أصحابه ، ولا عملها أحد من أصحابه لوفاته أو لوفاة غيره ، مع أن المصاب بمحمد صلى الله عليه وسلم أعظم من موت الحسين رضي الله عنه .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله – أي الحسين- رضي الله عنه ، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته ، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا ، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياءٌ ، وقد كان أبوه أفضل منه ، فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين ، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة ، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين ، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد ، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً ، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي ، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً ، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ... وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: ( ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها ) رواه الإمام أحمد وابن ماجه. " انتهى من "البداية والنهاية" (8/221).(/2)
وقال في (8/220): " وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب - أي الطبول - تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثيرٌ منهم لا يشرب الماء تلك الليلة موافقةً للحسين؛ لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسراتٍ عن وجوههن ينحن ويلطمنَ وُجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة ، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في دولتهم.
وقد عاكس الرافضةَ والشيعة يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم " انتهى .
والاحتفال بهذا اليوم بدعة ، كما أن جعله مأتما بدعة كذلك ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه ، يُحدث للناس بدعتين : بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثى . . . وبدعة السرور والفرح . . . فأحدث أولئك الحزن ، وأحدث هؤلاء السرور ، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة . . . وكل بدعة ضلالة ، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا " انتهى من "منهاج السنة" (4/554) باختصار .(/3)
وينبغي التنبيه على أن هذه الأعمال المنكرة يشجعها أعداء الإسلام ، ليتوصلوا بها إلى مقاصدهم الخبيثة لتشويه صورة الإسلام وأهله ، وفي هذا يقول موسى الموسوي في كتابه : "الشيعة والتصحيح" : " ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس ، وشج الرأس حداداً على " الحسين " في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند ، وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد ، وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة ، وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى ، وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من أودية الجهل والتوحش ، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية ، وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن " ياسين الهاشمي " رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية ، ولقد أثار هذا الكلام " ياسين الهاشمي " فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام(/4)
أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق ، فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل ، وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم يحظ من المدنية بحظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟! " انتهى .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101272
العنوان:
منزلة أئمة الشيعة الاثني عشرية
السؤال:
ما هي منزلة أئمة الشيعة الاثنى عشر وبالأخص المتأخرون منهم؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الرافضة أو الإمامية أو الاثنا عشرية ، إحدى فرق الشيعة ، وسموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة، ورفضهم لإمامة الشيخين أبي بكر وعمر، أو لرفضهم إمامة زيد بن علي، وتفرقهم عنه. وسموا بالإمامية لأنهم أكثروا من الاهتمام بمسألة الإمامة، وجعلوها أصل الدين ، أو لزعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي وأولاده. وسموا بالاثنى عشرية لاعتقادهم وقولهم بإمامة اثنى عشر رجلا من آل البيت ، أولهم علي رضي الله عنه، وآخرهم محمد بن الحسن العسكري الغائب الموهوم، الذي يزعمون أنه دخل سرداب سامراء في منتصف القرن الثالث الهجري !! وأنه لا يزال حيا بداخله، وهم ينتظرون خروجه !
ولهم عقائد وأصول مخالفة لما عليه أهل الإسلام، منها :
1- غلوهم في أئمتهم: فقد ادعوا لهم العصمة، وصرفوا لهم كثيرا من العبادات كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف ، وهذا من الشرك الأكبر الذي أخبر الله تعالى أنه لا يغفر . وهذا الشرك يقترفه علماؤهم وعامتهم دون نكير .
2- القول بتحريف القرآن الكريم، بالنقص والزيادة ، ولهم في ذلك مؤلفات يعرفها علماؤهم وكثير من عامتهم ، حتى جعلوا القول بتحريف القرآن من ضرورات مذهبهم ، وراجع السؤال رقم سؤال رقم (21500)
3- تكفير أكثر الصحابة رضي الله عنهم ، والتبرؤ منهم ، والتقرب إلى الله بلعنهم وشتمهم ، ودعواهم أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه إلا نفرا يسيرا ( سبعة فقط ) ؛ وهذا تكذيب للقرآن الذي أظهر فضلهم ، وأخبر أن الله قد رضي عنهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، كما يلزم منه الطعن في القرآن نفسه لأنه منقول عن طريقهم ، فإذا كانوا كفارا ، لم يؤمن تحريفهم وتبديلهم له ، وهذا ما يعتقده الرافضة كما سبق .(/1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً ، أو أنهم فسقوا عامتهم ، فهذا لا ريب أيضاً في كفره ، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع : من الرضى عنهم والثناء عليهم ، بل من يشك في كفره مثل هذا فإن كفره متعين ، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق ، وأن هذه الآية التي هي : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وخيرها هو القرن الأول ، كان عامتهم كفاراً أو فساقاُ ، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها ، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام " انتهى من "الصارم المسلول على شاتم الرسول" ص 590.
4- نسبة البداء إلى الله تعالى: ومعناه حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، وفيه نسبة الجهل إلى الله تعالى.
5- القول بالتقية، وهي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، فحقيقتها الكذب والنفاق، والبراعة في خداع الناس، وليس ذلك مقصورا عندهم على حالة الخوف، بل يرون استعمال التقية دينا، في الصغير والكبير، والخوف والأمن، وكل ما جاء من حق عن إمام من أئمتهم، كمدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو موافقة لأهل السنة ولو كان في مسائل الطهارة والطعام والشراب، رفضه الشيعة، وقالوا: إن الإمام تكلم به على سبيل التقية.
4- القول بالرجعة: وهي اعتقادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليّ والحسن والحسين وبقية الأئمة سيرجعون. وفي المقابل يرجع أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ويزيد وابن ذي الجوشن، وكل من آذى أهل البيت بزعمهم.(/2)
فكل هؤلاء سيرجعون عندهم إلى الدنيا مرة أخرى قبل يوم القيامة عند رجوع المهدي إلى الظهور -كما قرره لهم عدو الله ابن سبأ- يرجعون ليتم عقابهم كما آذوا أهل البيت واعتدوا عليهم ومنعوهم حقوقهم، فينالهم العقاب الشديد ثم يموتون جميعاً، ثم يحيون يوم القيامة للجزاء الأخير مرة أخرى – هكذا يزعمون .
إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة، التي يمكن الوقوف على تفاصيلها وبيان بطلانها من خلال كتاب: الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب، أو أصول مذهب الشيعة الإمامية للدكتور ناصر القفاري، أو فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، للدكتور غالب بن علي عواجى 1/127-269، أو الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/51-57
وينظر جواب السؤال رقم (1148)
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل الطريقة الشيعة الإمامية من الإسلام؟ ومن الذي اخترعها؟ لأنهم أي الشيعة ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه ؟
الجواب : " مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه، ونوصيك بمراجعة كتاب " الخطوط العريضة " و "مختصر التحفة الإثني عشرية" و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام، وفيها بيان الكثير من بدعهم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ...عبد الله بن غديان " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/377)
ثانيا :
تبين مما سبق بطلان هذا المذهب ، ومخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة ، وأنه لا يقبل من أحد اعتقاده ، لا من العلماء ولا من العامة .
وأما الأئمة الذين ينتسب إليهم هؤلاء ، فإنهم بريئون من هذا الإفك والباطل .
وإليك أسماء هؤلاء الأئمة :
1- علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد سنة 40 هـ
2- الحسن بن علي رضي الله عنه (3 – 50 هـ).
3- الحسين بن علي رضي الله عنه (4- 61 هـ ).
4- علي زين العابدين بن الحسين (38- 95 هـ) ويلقبونه بالسجاد .
5- محمد بن علي زين العابدين (57- 114 هـ ) ويلقبونه بالباقر .(/3)
6- جعفر بن محمد الباقر (83- 148 هـ ) ويلقبونه بالصادق .
7- موسى بن جعفر الصادق (128- 183 هـ ) ويلقبونه بالكاظم .
8- علي بن موسى الكاظم (148- 203 هـ ) ويلقبونه بالرضا .
9- محمد الجواد بن علي الرضا ( 195- 220 هـ ) ويلقبونه بالتقي .
10- علي الهادي بن محمد الجواد (212- 254 هـ ) ويلقبونه بالنقي.
11- الحسن العسكري بن علي الهادي ( 232- 260 هـ ) ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري ، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر .
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء . وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا ، وأنه من اختراعات الشيعة .
وينظر : الموسوعة الميسرة (1/51).
قال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (1/177) : " وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس ، وهذيان في النفوس ، لا حقيقة له ، ولا عين ، ولا أثر " انتهى .
ويُقّسِّم ابن تيمية رحمه الله الأئمة الاثنى عشر إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين رضي الله عنهم وهم صحابة أجلاء، لا يُشَكّ في فضلهم وإمامتهم، ولكن شَاركَهُم في فضل الصحبة خلق كثير، وفي الصحابة من هو أفضل منهم بأدلة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
القسم الثاني: علي بن الحسين ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر، وهؤلاء من العلماء الثقات المعتد بهم . منهاج السنة : (2/243،244).(/4)
القسم الثالث: علي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي بن موسى الجواد، وعلي بن محمد بن علي العسكري، والحسن بن علي بن محمد العسكري ، وهؤلاء يقول عنهم شيخ الإسلام : " فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين، وأما ما يختص به أهل العلم، فهذا لم يُعرف عنهم، ولهذا: لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده " منهاج السنة (6/387).
القسم الرابع: محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، وهذا لا وجود له كما سبق .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101277
العنوان:
هل يصلى خلف من يسخر من سنة رفع اليدين عند الركوع
السؤال:
في بلدتنا يؤمنا إمام وهو الخطيب ليوم الجمعة (ليس إماما راتبا) ويرفض الصلاة معنا في المسجد جماعة بعلّة أنّه يصلي بأهله جماعة مع العلم أنّ المسجد يبعد عن منزله قرابة 350 متر. كما أنّ له عدّة أخطاء في العقيدة والأحاديث, ويتطاول على المصلّين الملتزمين بالسخرية أثناء إلقاء خطبة الجمعة كقوله مثلا إنّ رفع اليدين أثناء الصلاة غير موجودة ، ولقد شبّهها بطريقة نشّ الذباب ، خاصة أنّنا نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بالرفع (رواه البخاري 735 و مسلم 390). نرجو من سماحتكم أن تبينوا لنا ما حكم الدين في هذا الإمام وهل تجوز الصلاة وراءه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجل القادر إذا سمع النداء ، في أصح قولي العلماء ، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
والخلاف في هذه المسألة بين أهل العلم مشهور معلوم ، وقد يكون هذا الخطيب معتمدا على القول الآخر في المسألة ، ولهذا ينبغي نصحه وبيان الصواب له ، بالحكمة والموعظة الحسنة. وصلاة الرجل بأهله لا يبرر له ترك الجماعة في المسجد التي هي من شعار أهل الإسلام ، وفيها من الأجر العظيم والثواب الكبير ما لا يليق بخطيب وداعية أن يتركه .
ثانيا :
رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه ، وبعد القيام من التشهد الأول ، كل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم بأصح الأسانيد ، وهو مذهب جماعة لا تحصى من أهل العلم ، كالشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم ، بل هو رواية عن مالك عمل بها كثير من أصحابه .
وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (21439)(/1)
فمن سخر من هذه السنة ، وشبَّهها بنش الذباب ، فهو على خطر عظيم ؛ لأنها سخرية من أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه . والله تعالى يقول : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة/65-66.
وأي فرق بين الرفع عند الركوع ، والرفع عند الإحرام بالصلاة ؟!
ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله وقد سئل عن معنى الرفع في هذا الموضع : " معناه : تعظيم لله ، واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى الرفع في الأولى معنى الرفع الذي خالفتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع ، ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر معا ، ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا أو أربعة عشر رجلا ، وروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ، ومن تركه فقد ترك السنة " انتهى . نقله ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/288) وهو في "الأم" (7/266).
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/209) : " وروى رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين نفسا ، واتفق على روايتها العشرة ، ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة ، بل كان ذلك هديه دائما إلى أن فارق الدنيا " انتهى .
ثالثا :
بناء على ما سبق ، ينبغي نصح هذا الخطيب ، وتحذيره من السخرية بشيء من السنة ، فإن استجاب فالحمد لله ، وإن أصر على ذلك ، تُركت الصلاة خلفه ، وصليت الجمعة خلف غيره.
وأما ما أشرت إليه من أخطائه العقدية ، فأنت لم تبين هذه الأخطاء ليتم الحكم عليها .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101283
العنوان:
استعمال غسول ومرطب البشرة به مادة اليوريا
السؤال:
أود أن أسأل عما إذا كان يجوز استخدام مرطبات البشرة وغسول الجسم والشاور جل الذين يدخل بهم اليوريا كمكون من مكوناتهم؟ أم أنهم غير طاهرين؟ وفى حال عدم طهارتهم فما حكم الصلوات التي صليتها بعد استخدام الغسول. هل تصح تلك الصلوات؟ أم أن على أن أعيدها؟ برجاء الأخذ في الاعتبار أنني لا أتذكر تحديدا عدد الصلوات التي صليتها عقب استخدام الغسول (لكنه ليس بالعدد الكبير).
الجواب:
الحمد لله
اليوريا مركب عضوي يفرزه جسم الإنسان وأجسام كثيرة من الحيوانات الأخرى ، ويحضر صناعيا للاستعمال في منتجات عدة ، مثل علف الماشية ، والأسمدة والمستحضرات الصيدلية والبلاستيك .
ويفرز الجسم البشري اليوريا للتخلص من النيتروجين الزائد ، وتتكون اليوريا أساسا في الكبد ، ويتم التخلص من معظمها في البول .
واليوريا أول مركب عضوي يتم إنتاجه صناعيا من مادة غير عضوية ، ففي عام 1828 م حضر الكميائي الألماني فريدريك فولر مادة اليوريا بتسخين المحلول المائي لسيانات الأمونيوم ، وهو مركب غير عضوي . وقد ساعد عمل فولر على دحض الاعتقاد بأن المركبات العضوية لا يمكن تكوينها إلا بقوى طبيعية تعمل داخل الكائنات الحية .
انظر : "الموسوعة العلمية العالمية".
وهذا المنتج الصناعي طاهر ، لا حرج في استعماله لأن الأصل في الأشياء الطهارة .
وعليه ؛ فوضعه في مرطبات البشرة أو غسول الجسم ، لا حرج فيه .
وعلى فرض أن اليوريا تستخلص من البول – وهذا بعيد – فإن كان من بول حيوان مأكول اللحم ، كالإبل والبقر والغنم والخيل ، فلا حرج ؛ لأن أبوالها طاهرة .(/1)
وإن كان من بول الإنسان أو بول ما لا يؤكل لحمه من الحيوان ، فهذا نجس ، لكن إن أضيف إليها من المواد ما تذهب به أوصاف النجاسة ، بحيث لا يبقى طعمها أو لونها أو ريحها ، طهرت بذلك على الراجح ، وجاز استعمالها في الأدهان وغيرها ، بشرط عدم الضرر .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101285
العنوان:
إزالة الشعر والأظافر في فترة الحيض
السؤال:
هل تأثم المرأة عند إزالة الشعر والأظافر والتخلص منهما أثناء فترة الحيض ؟ وهل يجب أثناء الحيض غسلهما قبل التخلص منهما ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
هذا الإشكال الذي يطرأ عند كثير من النساء ، في شأن حكم إزالة الشعر والأظافر ونحوها من سنن الفطرة أثناء فترة الحيض ، ناشئٌ عن اعتقادٍ باطلٍ لدى بعضهن ، بأن أجزاء الإنسان تعود إليه يوم القيامة ، فإذا أزالها وعليه الحدث الأكبر من جنابة أو حيض أو نفاس ، عاد إليه يوم القيامة نجسا لم تصبه الطهارة ، وهذا كلام فاسد وتوهم لا محل له من الصحة .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (21/120-121) - :
" عن الرجل إذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشَّطَ رأسه ، هل عليه شيء في ذلك ، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال : إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة ، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك ، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة ، فهل ذلك كذلك أم لا ؟
فأجاب رحمه الله :
" قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال ( إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ ) وفي صحيح الحاكم ( حَيًّا وَلَا مَيتًا ) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا ، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم : ( أَلْقِ عَنكَ شَعرَ الكُفرِ وَاختَتِن ) – [ رواه أبو داود (356) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1/120) ]- فأمر الذي أسلم أن يغتسل ، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال ، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين ، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها ، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر . والله أعلم " انتهى .(/1)
ويشير شيخ الإسلام بذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجة الوداع فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ )
رواه البخاري (1556) ومسلم (1211)
فالامتشاط غالبا ما يصاحبه تساقط بعض الشعر ، ومع ذلك أذن به النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم والحائض .
يقول فقهاء الشافعية كما في "تحفة المحتاج" (4/56) :
" النص على أن الحائض تأخذها " انتهى . ( يعني الظفر والعانة والإبط ، والمقصود نصُّ المذهب )
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (فتاوى الزينة والمرأة/سؤال رقم 9) :
" سمعت بأن مَشط الشعر لا يجوز أثناء الحيض ، ولا قص الأظافر والغسل ، فهل هذا صحيح أم لا ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
هذا ليس بصحيح ، فالحائض يجوز لها قص أظافرها ومشط رأسها ، ويجوز أن تغتسل من الجنابة ، مثل أن تحتلم وهي حائض فإنها تغتسل من الجنابة ، أو يباشرها زوجها من غير وطِء فيحصل منها إنزال فتغتسل من الجنابة ، فهذا القول الذي اشتهر عند بعض النساء من أنها لا تغتسل ولا تمتشط ولا تكد رأسها ولا تقلم أظفارها ليس له أصل من الشريعة فيما أعلم " انتهى .
ولا يعرف القول بكراهة ذلك عن أحد من فقهاء الأمة المعتبرين ، وإنما تذكره بعض كتب أهل البدع من الطوائف المخالفة لأهل السنة ، كما في "شرح النيل وشفاء العليل" (1/347) لمحمد بن يوسف الإباضي .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101310
العنوان:
أبوها وإخوانها لا يصلون فهل يزوجها أخوها الأصغر ؟
السؤال:
أنوي الزواج من فتاة ملتزمة من فرنسا وأنا في كندا، لكن المشكل هو في ولايتها، فأبوها وإخوانها لا يصلون أبدا ؟ فما العمل لاجتناب إحراجها ؟ الوحيد الذي يصلي هو أخوها الأصغر وهو غير مواظب عليها في أوقاتها ماذا أفعل أفيدونا جزاكم الله خيرا ؟ الفتاة أحسبها صالحة وهي متمسكة كثيرا بدينها.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يشترط لصحة النكاح أن يتولاه ولي المرأة أو من يقوم مقامه كوكيله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
ثانيا :
إذا كانت المرأة مسلمة ، اشترط إسلام وليها بإجماع العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال ، بإجماع أهل العلم ، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/377).
ثالثا :
تارك الصلاة إن كان جاحدا لها ، فهو كافر بالإجماع ، وإن كان تركها تكاسلا وتهاونا ، فقد اختلف العلماء في كفره ، والراجح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أنه كافر ، وينظر جواب السؤال رقم (5208) .
وعلى هذا فمن ترك الصلاة لم يجز أن يلي عقد النكاح على مسلمة.(/1)
وعلى هذا تنتقل الولاية إلى من يليه وهو الجد ، فإن لم يوجد أو كان غير صالح للولاية انتقلت إلى الإخوة الأشقاء ، فإن كان أصغرهم هو الذي يصلي ، انتقلت الولاية إليه إن كان بالغا ، وإلا انتقلت الولاية لمن بعده ، من أبناء الإخوة ، ثم الأعمام ، ثم أبنائهم ، ثم القاضي الشرعي إن وجد ، وينظر جواب السؤال رقم (48992)
ولدفع الحرج في هذه المسألة ، يمكن أن يعقد النكاح لك أخوها أو من تصح ولايته – كما سبق - في حضور شاهدين عدلين ، وهذا هو العقد الصحيح المعوّل عليه ، وأما عقد النكاح من قبل أبيها ، فلا يصح ، ولا حرج عليك أن تجريه معه ، دفعا للحرج ، ودرءا للمفسدة ، مع الاجتهاد في دعوته إلى أداء الصلاة .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101317
العنوان:
رسائل الجوال والبريد التي يقال فيها: انشرها وإلا تأثم أو يحصل لك كذا وكذا
السؤال:
كثرت في الآونة الأخيرة .. رسائل الجوال أو البريد .. التي يكون فيها مثلا دعاء أو نصيحة ويقال : أمنتك الله أن ترسلها وتنشرها .. أو أن يقول : إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيد !! هل عليّ إثم إن لم انشرها ؟؟ وما حكم مثل هذه الرسائل ؟
الجواب:
الحمد لله
الاستفادة من الوسائل الحديثة كالجوال والبريد الالكتروني في نقل النصيحة والموعظة ، والتذكير والتوجيه ، عمل نافع ، وأمر مثمر ؛ إذ يمكن إيصال ذلك لمئات من الناس بضغطة زر واحد ، ومعلوم أن الدال على الخير كفاعله ، وأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، كما روى مسلم (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ).
وروى مسلم (1893) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ).
فإذا كتب المسلم نصيحة حول أذكار الصباح والمساء مثلا ، وأرسلها إلى مائة من الناس ، فعمل كثير منهم بنصيحته ، كان في ذلك أجرٌ عظيم له .
ولهذا ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل ، والارتقاء بالكلمة والنصيحة التي تبث من خلالها ، ليكون لها أكمل الأثر ، وأتم النفع .(/1)
لكن مما يؤسف له أن بعض الناس خلط هذا العمل الصالح بآخر سيء ، وهو الوقوع في نوع الدجل والباطل ، كقوله : إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيد !! ، فهذا ضرب من الكهانة ، فليس هناك دليل شرعي على أن من تلقى النصيحة وأرسلها لغيره أنه سيسمع خبرا سعيدا ، بل قد يسمع خبرا سيئا ، أو سعيدا ، أو لا يسمع شيئا .
وكذلك من يقول : حمَّلتك هذه الأمانة أن ترسلها وتنشرها ، أو أنك ستأثم إن لم تفعل ذلك ، أو من لم ينشرها سيحصل له كذا وكذا ، فهذا كله باطل لا أصل له ، فالمرسَل له لم يتحمل شيئا ، وليس هناك ما يلزمه بالنشر ، ولا يأثم إن تركه ، ولا وجه لتأثيم أحد بغير موجِبٍ من الشرع ، كما أنه لا وجه للإخبار بالغيب المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله .
وترتيب الثواب والعقاب على عمل من الأعمال إنما مردّه إلى الله تعالى ، فالحلال ما أحله ، والحرام ما حرمه ، والثواب والعقاب من عنده ، ومن قال في ذلك شيئا بغير برهان منه فقد افترى ، وقد قال سبحانه : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 .
وقد ظن هؤلاء أنهم بهذا يحملون الناس على نشر الخير ، عن طريق ترغيبهم وترهيبهم ، لكنهم أخطأوا وتجاوزوا ، وكان عليهم أن يقتصروا على ما ورد به الشرع ، وفيه الغنية ولله الحمد ، كقولهم : إن من نشر هذا الخير ، يرجى له مثل أجر جميع من عمل به ، وكفى بذلك محفّزا ومشجعا على النشر .
وهذا مما يبين أهمية العلم ، فإن غالب من يقع في هذا إنما يقع فيه لجهله ، كحال من كان يضع الأحاديث ويفتريها على النبي صلى الله عليه وسلم ، بحجة نشر الخير وترغيب الناس فيه ، فيقع في الكذب المتوعَّد صاحبه بالوعيد الشديد ، لتحصيل الأجر والثواب فيما يظن !(/2)
والمقصود : التنبيه على بطلان هذا المسلك ، والتحذير منه ، ولهذا نقول :
ينبغي لمن وصله شيء من ذلك الباطل ، أن ينصح لصاحبه ، وأن يبين له وجوب الانتهاء عن مثل هذه المحفّزات الباطلة ، وألا يصدّق بما جاء في الرسالة من أنه إن نشر سيحصل له كذا وإن لم ينشر سيحصل له كذا ، لأنه نوع من الكذب كما سبق .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101321
العنوان:
إذا منعها الزوج من زيارة والديها هل تؤجر على نيتها
السؤال:
هل من واجب الإبن أن يكون أكثر اهتماما بوالديه وأن يحترمهما ويعتنى بهما أكثر من البنت ، أم إن الأبناء والبنات متساوون من جهة مسؤولياتهم تجاه والديهم؟ وإذا كانت هناك ابنة متزوجة وزوجها لايسمح لها أن ترى والديها إلا عندما يروق له ذلك ، وهى غير قادرة على أن تخدم والدتها ، على الرغم من رغبتها فى القيام بذلك ؛ فهل تؤجر على هذه الرغبة بالرغم من عدم قدرتها على تحقيقها ؟ هذا مع أن زوجها على علم بالمتطلبات الواجب القيام بها ويحسن إلى والدته ؟!
الجواب:
الحمد لله
أولا :
بر الوالدين واجب على جميع الأبناء ، الذكور والإناث ، لا فرق بينهم في ذلك ؛ لعموم الأدلة الآمرة ببر الوالدين والإحسان إليهما ، كقوله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24
وقال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء/36
وروى البخاري (527) ومسلم (85) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ).(/1)
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ).
فهذه الأدلة وغيرها عامة في أمر الأبناء بالبر ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا ، لكن قد يتيسر للذكر بعض صور البر التي لا تتيسر للأنثى ، كزيارة الوالدين على الدوام ، فإن المرأة قد يمنعها زوجها من زيارة والديها أو من الإكثار من ذلك ، كما جاء في سؤالك .
ثانيا :
إذا منع الزوج زوجته من زيارة والديه ، فهل تلزمها طاعته ؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء ، ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من زيارة والديها .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها ، ويلزمها طاعته ، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه ، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها ، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما ، فيمنعهما دفعا للضرر . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (87834)
ثالثا :
إذا كانت الزوجة راغبة في زيارة والديها ، وخدمة والدتها ، لكنها لا تقدر على ذلك بسبب زوجها ، فإنها تؤجر على هذه الرغبة والنية الصالحة ، وقد دلت السنة الصحيحة على أن الراغب في العمل الحريص على فعله ، يثاب في حال عجزه ثوابَ من فعله .(/2)
فقد روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ : ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ! قَالَ : وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ )
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح البخاري : " وَفِيهِ أَنَّ اَلْمَرْءَ يَبْلُغُ بِنِيَّتِهِ أَجْرَ الْعَامِلِ إِذَا مَنَعَهُ اَلْعُذْر عَنْ اَلْعَمَلِ " انتهى .
وروى الترمذي (2325) وابن ماجه (4228) عن أَبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ...) الحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وعلى الزوج أن يحسن إلى زوجته ، وأن يعينها على بر والديها ، فهذا من حسن العشرة التي أمر الله بها ، قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101347
العنوان:
حكم حضور الاحتفالات بعيد الفصح
السؤال:
أود معرفة ما إذا كان يحرم الذهاب لعرض سيدنى الملكي الخاص بعيد الفصح فبالرغم من تسميته بعرض عيد الفصح فإنه ليس له علاقة بعيد الفصح وأنا أود الذهاب لمشاهدة عروض الحيل والفواكه والحيوانات وجميع تلك العروض ليس لها دخل بعيد الفصح .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمسلم المشاركة في أعياد الكفار واحتفالاتهم المبتدعة ، كعيد الفصح والكريسمس وغيرهما ، لما في المشاركة والحضور من الإعانة على هذا المنكر ، والتكثير لأهله ، والتشبه بهم ، وكل ذلك ممنوع ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5/109).
قال ابن القيم رحمه الله : ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله . وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم . . . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم) . وقال عمر أيضاً : (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم) . وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال : (من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) انتهى من "أحكام أهل الذمة" (1 /723).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الاحتفالات الوطنية الأرجنتينية والتي تقام في كنائسهم كعيد الاستقلال - والاحتفالات النصرانية العربية كعيد الفصح -(/1)
فأجابت : " لا تجوز إقامتها من المسلمين ولا حضورها ولا المشاركة فيها مع النصارى ؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك.
وبالله التوفيق " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/76).
والحاصل : أن أعياد الكفار لا يجوز الاحتفال بها ، ولا مشاركة أهلها ، سواء مارسوا فيها شيئا من دينهم ، أم اكتفوا باللهو واللعب ؛ لأن نفس الاحتفال بدعة محرمة ، وإن كان حضور طقوسهم الدينية أشد تحريما .
وعلى المسلم أن يقضي هذا اليوم كغيره من الأيام ، لا يخصه بطعام ولا شراب ، ولا غيره من مظاهر السرور ، التي يفعلها المحتفلون بهذا العيد ، كالخروج للحدائق والمتنزهات والألعاب وما شابه ذلك ؛ ليبرأ من إثم الإقرار والمشاركة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101363
العنوان:
استعمال روج لنفخ الشفاه
السؤال:
انتشر في الآونة الأخيرة روج لنفخ الشفاه مدة زمنية مؤقتة ثم ترجع إلى شكها الطبيعي ، سؤالي هو : ما حكم شراء هذا الروج أو بيعه ؟ وهل يعتبر تغييراً لخلقة الله ؟ مع العلم أنه ينفخ الشفاه مدة زمنية مؤقتة .
الجواب:
الحمد لله
استعمال هذا الروج لا يعد من تغيير خلق الله ، بل هو زينة مؤقتة ، كحمرة الشفاه وكحل العين وما شابه ذلك ، لكن يقيّد جواز الاستعمال بأمور :
الأول : ألا يكون ضاراً بالبشرة ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
فينبغي التأكد من سلامة هذه المواد ، وملاءمتها للبشرة .
الثاني : ألا يكون في استعماله تشبه بالكافرات أو الفاسقات ، كأن تريد المرأة باستعماله أن تكون على شكل فلانة من أولئك ؛ لعموم الأدلة في النهي عن التشبه بالكافرات والفاسقات ، كقوله صلى الله : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ( 3512 ) وصححه الألباني .
الثالث : ألا يكون في استعماله إسراف لقول الله تعالى : ( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأنعام/141 .
والسَّرَف : الإكثار من صرف المال في المباحات .
وبعض النساء يصرفن الأموال الكثيرة على هذه المواد التجميلية ، جريا خلف الموضة ، أو بحثا عن الجمال المدّعى ، وقد لا تكون بحاجة إلى شيء من ذلك ، ولو أنها أنفقت هذا المال أو بعضه في إطعام جائع أو كسوة فقير ، لكان خيرا لها وأعظم أجرا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101366
العنوان:
هل يقال عن الإسلام دين محمد وعن المسلمين المحمديين
السؤال:
يطلق أحد إخواننا المسلمين على الإسلام أنه دين محمد ، وهو يدعم هذا القول بشدة لأنه بما أن النبى (صلى الله عليه وسلم) هو الذى أتى بالإسلام ، فهو يرى أنه لا ضير من تسمية الإسلام بدين محمد ، فهل يجوز أن نطلق على الإسلام أنه دين محمد ، وعلى المسلمين أنهم المحمديون ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا شك أن هذا الإسلام الذي ندين به ، هو دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد بُعث به إلينا ، وبلغه لنا ، كما أمره ربه سبحانه ، لكن ينبغي أن يُعلم أن الإسلام خاص وعام :
فالإسلام الخاص المشتمل على هذه الشريعة التي نعلمها ، وفيها الصلوات الخمس ، والزكاة ، وصوم رمضان ، والحج على الصفة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها أحكام المعاملات والجنايات وغير ذلك ، هذا الإسلام الخاص هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الإسلام العام الذي يقوم على توحيد الله تعالى ، واتباع رسوله المرسل من عنده ، فهو دين جميع الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم ، كما قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19 ، وقال : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85
وقال عن نوح عليه السلام : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/72.
وقال عن إبراهيم : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران/67.
وقال : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78(/1)
وقال عن موسى ( يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) يونس/84.
وقال عن يوسف : ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يوسف/101.
فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له ، والإيمان بما جاء من عنده ، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء ، ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ( 3443).
والإخوة لعلات : هو الإخوة لأب .
والمراد أن أصل دينهم واحد ، وإن اختلفت فروعهم .
ولهذا يخشى من قولنا عن الإسلام : إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم أن يظن السامع وغيره أن دين الأنبياء الآخرين ليس هو الإسلام .
ولهذا كان الاسم العلم على هذا الدين هو " الإسلام " ، وأصحابه هم " المسلمون " ؛ قال الله تعالى : ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج : 78
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " أي : في الكتب السابقة، مذكورون ومشهورون ، وَفِي هَذَا الكتاب ، وهذا الشرع ؛ أي : ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا " . تفسير السعدي (546) باختصار يسير .
ولم يزل أتباع هذه الملة يسمون به ، قال تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) الأحزاب/35 ، وقال : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/33(/2)
وروى الترمذي (2863) عن الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (... فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى مسلم (1336) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ ؟ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ ).
فهذا هو اسمنا وشعارنا ، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، فليسعنا ما وسعهم .
ثانياً :
وأما في مقام بيان إمام هذه الأمة ، وأن متبوعهم الذي يأخذون عنه هو النبي محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلا بأس بالنسبة إليه هنا ؛ وقد تواتر في الحديث تسمية المسلمين : " أمة محمد " ؛ بل استعمل غير واحد من أهل العلم كلمة " المحمديون " في التعبير عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، إما خاصة أتباعه الذين هم أهل سنته ، أو في التعبير عن أمته صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن أهل الحيل الشيطانية والدجل : " وإذا اجتمعوا مع من له حال رحماني بطلت أحوالهم وهربت شياطينهم ، وإنما يظهرون عند الكفار والجهال ، كما يظهر أهل الإشارات عند التتر والأعراب والفلاحين ونحوهم من الجهال الذين لا يعرفون الكتاب والسنة ، وأما إذا ظهر المحمديون أهل الكتاب والسنة فإن حال هؤلاء يبطل " مجموع الفتاوى (27/500) .
وقال الذهبي رحمه الله : " الطريقة المثلى هي المحمدية " السير (12/89) ، وانظر : معجم المناهي اللفظية ، للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله ، ص (497، 610) .(/3)
مع أننا ننبه هنا إلى أن بعض أعداء الإسلام يلقبون المسلمين بذلك تشبيها للهم بالنصارى
" المسيحيون " ، الذين ينسبون إلى المسيح ويعبدونه من دون الله ، فلذلك كان الأسلم أن يستعمل الاسم الذي هو علم على هذا الدين وأتباعه ، وسماهم الله به : " المسلمون " ، وإذا استعمل غير المسلمين هذا ، أو استعمله المسلم أمام غير المسلمين ، بين لهم مدلول هذه النسبة عندنا ، واختلافها عن مدلول الانتساب عند غير الأمة المرحومة .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
101384
العنوان:
اشتراط البائع فائدة في حال تأخر المشتري في سداد الثمن المؤجل
السؤال:
ما حكم هذا الأمر بالنسبة للمسلمين – يطلب الدائن نسبة فائدة ثابتة محددة من المدين بدءا من الوقت الذي تأخر فيه في دفع قيمة السلع المباعة على الحساب والتي تم تحديد وقت محدد لدفعها. فما الحكم إذا قام المسلم بشراء سلعا محددة بالدين وهو غير قادر على دفع قيمتها ويطلب الدائن حال كونه غير مسلم فائدة لهذا التأخير.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا اشترى الإنسان سلعة بثمن مؤجل ، أصبح هذا الثمن دينا عليه ، ولا يجوز أن يُشترط عليه دفع فائدة أو زيادة في حال تأخره عن موعد السداد ؛ لأن ذلك من الربا المحرم ، سواء كان التعامل مع مسلم أو كافر ؛ لعموم النصوص التي تحرم الربا .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (101080) .
وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرارا بشأن غرامة التأخير في دورته الرابعة عشرة بالدوحة جاء فيه :
" ثالثا ً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق ، أو بدون شرط ، لأن ذلك ربا محرم " انتهى .
والربا يشترك في إثمه : آكله أي الآخذ ، ومؤكله أي الدافع ، كما روى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه، وشاهديه . وقال : هم سواء .
ثانيا :
إذا كان البائع يشترط غرامة في حال تأخير السداد عن الموعد المحدد ، فلا يجوز الدخول معه في هذا العقد ، ولو كان المشتري عازما على السداد في الوقت ، وذلك لأمرين :
الأول : أن في هذا إقرارا وموافقة على الشرط الربوي ، وهذا حرام .
الثاني : أنه قد يقع في الربا بالفعل ، فقد يتأخر عن السداد ، لعذر من نسيان أو مرض أو سفر ونحو ذلك .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101385
العنوان:
هل يدعو للكافرة بالهداية للإسلام ليتزوجها ؟
السؤال:
على فرض أنك رأيت امرأة جميلة بالطريق وتريد أن تتزوجها لكنها كافرة ولذلك فلا يجوز لك ذلك. سؤالي هو: هل يجوز أن أسأل الله أن يهديها للإسلام ثم أتزوجها بعد ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
قبل الجواب عن السؤال نقول : إن المسلم مأمور بغض بصره عما حرَّم الله عليه ، قال الله تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 ، ولله عز وجل من وراء هذا التوجيه الحكمة البالغة ، فإنه سبحانه رحيم بعباده روؤف بهم ، فجاء شرعه بما يرفع عنهم العنت والمشقة وأسباب العذاب النفسي والبدني، ومن المعلوم أن العَين رسول القلب وبريده ، فإذا ما أرسلها صاحبها وقلّبها في الصور الجملية تعلق قلبه بتلك الصور ، وانطبعت فيه ، ثم في أكثر الأحوال لا يستطيع الوصول إلى ما أحبه فيشقى ويتعب وصدق الشاعر حين قال :
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً **** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر**** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
فجاء الشرع الحنيف بقطع أسباب هذا العناء ، فأمر بغض الأبصار ، فعلى المسلم امتثال هذا الأمر ليرضي ربه وليريح نفسه .
والصواب ما أشرت إليه في سؤالك من أن من اشتهى شيئاً وأحبه فإن عليه أن يمنع نفسه من الوصول إليه إلا من الطريق التي أباحها الله عز وجل ، وأن يجعل هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك من خصال المؤمن.
أما عن خصوص السؤال فالجواب : أنه يجوز الدعاء للكافر بالهداية ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، فقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( دعا لقبيلة دوس بالهداية فقال : ( اللهم اهد دوساً ) رواه البخاري (2937) ومسلم (2524)(/1)
وروى الترمذي (5/82) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ( كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم : يرحمكم الله ، فيقول : يهديكم الله ويصلح بالكم ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "فتح الباري" (10/604) : " حديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت ، لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ، ولا مانع من ذلك " انتهى.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في "الآداب الشرعية" (1/368)، وهو يتكلم عما يجوز وما لا يجوز الدعاء به للكافر قال: " وأما الدعاء بالهداية ونحوها فهذا جوازه واضح " انتهى .
وينبغي للداعي أن يحسن نيته بهذا الدعاء بأن يقصد تحقيق مرضاة الله بإسلام هذه المرأة ونجاتها من عذاب الله ونحو ذلك من المقاصد الحسنة ، ولا بأس أن ينوي مع ذلك الزواج بها.
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
101399
العنوان:
حكم عرض شعار الصحة المشتمل على صليب
السؤال:
لدي صيدلية ببرمنجهام انجلترا ( المملكة المتحدة ) وعلامة شعار الخدمة الوطنية للعناية بالصحة ببلدنا هو صليب يشبه هذا الشكل + ورأيي الحالي هو أنه يحرم عرض هذا الشكل لأن هناك عددا كبيرا من الأحاديث تخبرنا بأن حبيبنا رسول الله سيشوه أى شيئ يشبه الصليب ، ولذلك فأنا لا أقوم حاليا بعرض ذلك الشعار لكنى آمل أن تتمكنوا من تأكيد ما إذا كنت قد أصبت بعدم عرضى له أم أن الإسلام يجيز لى عرضه. وجزاكم الله خيرا وأحسن الجزاء
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا الشعار يحتوي على شكل الصليب الذي يعظمه النصارى ، ووضع في الشعار لأنه صليب ، فلا يجوز تعليقه أو عرضه ، وقد أصبت في عملك ؛ لما روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ .
وروى أحمد (24567) عن أُمّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ : كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَتْ عَلَى امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ ، فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : اطْرَحِيهِ اطْرَحِيهِ ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا قَضَبَهُ .
وأما شكل الصليب : فمن أهل العلم من قيده بأن يكون الخط الطولي ، أعلاه أقل من أسفله ، ومنهم من لم يشترط ذلك .
ولهذا نقول : إذا كان على شكل الصليب المعظم هناك ، فهو صليب .
كما يشترط أن يوضع لأنه صليب ، بخلاف ما لو كان علامة للحساب مثلا .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والصليب كل ما كان على شكل خطين متقاطعين هكذا عرفه صاحب المنجد ومعناه أن يكون على شكل خط مستقيم رأسه إلى فوق يعترضه خط رأسه إلى الجانب سواء كان هذا الخط المعترض في وسط الخط المستقيم أو فوق وسطه " انتهى من مجموع الفتاوى المجلد السادس ، خطبة في تحقيق التوحيد.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (2/121) : " شكل الصليب المدعى ، الذي هو اليوم شعار النصارى ، هو وضع خط ونحوه على خط أطول منه قليلا ، بحيث يقع الأعلى القصير على قرابة ثلث الأسفل الطويل من فوق على أن يشكل التقاطع زوايا قائمة.
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز ".
وفيها أيضا (6/182) : " ولا فرق بين ما إذا كان الخط العمودي في الصليب أطول من الأفقي وما إذا كان مثله، ولا بين ما إذا كان الجزء الأعلى من تقاطع الخطين أقصر أو مساو للأسفل منه.
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى .(/2)
رقم السؤال:
101401
العنوان:
تسأل عن أسماء حسنة للإناث مع معانيها
السؤال:
أنا بحاجة لأسماء جيدة لأطفال بنات مع بيان معانيها .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأولاد هبات من الله تعالى ، أنعم بها على الوالدين ، وأوجب تجاههم حقوقا كثيرة عظيمة ، تبدأ باختيار الاسم الحسن الذي سيحمله فيما يستقبل من عمره .
قال الماوردي رحمه الله في كتابه "نصيحة الملوك" (ص167) :
" فإذا ولد المولود ، فإن من أول كراماته له وبره به أن يُحَلِّيَه باسمٍ حسنٍ ، فإن للاسم الحسن موقعاً في النفوس مع أول سماعه " انتهى باختصار .
ثانيا :
وهذه بعض الإرشادات التي يحسن الوقوف عليها قبل اختيار الاسم :
1- ليس من المستحب التمسك بأسماء جميع الصحابة أو الصحابيات ، فقد كان من أسمائهم ما هو مقبول معروف في محيطهم ، إلا أنه مستغرب في مجتمع آخر .
وقد ذكر الماوردي في كلامه السابق شيئا مما يستحب في الأسماء ، ومنها :
" أن يكون حسناً في المعنى ، ملائماً لحال المُسمَّى ، جارياً في أسماء أهل طبقته وملته وأهل مرتبته " انتهى .
فعلى الوالدين أن يختاروا اسماً حسناً لولدهم ، ولا يكون شاذاً أو غريباً عن المجتمع الذي يعيشان فيه ، فإن غرابة الاسم قد تكون سبباً للاستهزاء به أو بصاحبه ، وقد يخجل صاحبه من ذكر اسمه أمام الناس .
فمن أراد أن يتشبه بأسماء الصحابة والأنبياء والصالحين ، فليختر منها ما يناسبه ويناسب مجتمعه وقومه .
2- لا يلزم غير العرب أن يتسموا بالأسماء العربية ، والواجب هو الابتعاد عما يختص به أهل الديانات الأخرى من الأسماء ، وما يغلب استعماله في أهل تلك الديانة ،
" كجرجس وبطرس ويوحنا ومتى ونحوها ، لا يجوز للمسلمين أن يتسموا بذلك ؛ لما فيه من مشابهة النصارى فيما يختصون به " نقلا عن "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (3/251)(/1)
أما إذا كان اسما أعجميا - غير عربي - ذا معنى حسن طيب ، فلا حرج من استعماله والتسمي به ، فقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يتسمون ويسمون أبناءهم بأسماء حسنة طيبة ، يأخذونها من عرفهم وعوائدهم ، ولا يلتزمون فيها العربية ، ومن ذلك : إسرائيل وإسحاق وموسى وهارون .
3- ينبغي اجتناب الأسماء القبيحة أو تلك التي تزكِّي أصحابها .
قال الطبري رحمه الله – كما نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/577) - :
" لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى ، ولا باسم يقتضي التزكية له ، ولا باسم معناه السب ، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص ، ولا يقصد بها حقيقة الصفة ، لكنَّ وجهَ الكراهة أن يسمع سامع بالاسم ، فيظن أنه صفة للمسمى ، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يُحوِّل الاسم إلى ما إذا دُعيَ به صاحبه كان صدقاً " انتهى .
ومن أسماء الإناث التي أنكرها النبي صلى الله عليه وسلم اسم " عاصية " ، فغيره إلى " جميلة " كما رواه مسلم (2139) .
ومن الأسماء المكروهة التي تشتهر في بعض بلاد المسلمين ، الأسماء المضافة إلى لفظ ( الدين ) أو ( الإسلام ) ، مثل : نور الدين ، أو عماد الدين ، أو نور الإسلام ، ونحو ذلك فقد كرهها أهل العلم للذكور والإناث ، لما فيها من تزكية صاحبها تزكية عظيمة
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله :
" وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين ( الدين ) و ( الإسلام ) ، فالإضافة إليهما على وجه التسمية فيها دعوى فجة تُطل على الكذب ، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم ، والأكثر على الكراهة ؛ لأن منها ما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه ، وكانت في أول حدوثها ألقاباً زائدة عن الاسم ، ثم استعملت أسماء " انتهى . "تسمية المولود" (ص/22) .
4- وفي أسماء الإناث : ينبغي اجتناب الأسماء التي فيها معانٍ تلحظ الشهوة ، مثل : فتنة أو فاتن ، وكذا ناهد أو ناهدة ( وهي التي ارتفع ثديها وبرز )(/2)
كما يجب تجنب تسمية الإناث بأسماء الملائكة ، لأن في ذلك تشبهاً بالمشركين في ظنهم أن الملائكة بنات الله .
يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله :
" أما تسمية النساء بأسماء الملائكة ، فظاهر الحرمة ؛ لأن فيها مضاهاةً للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله ، تعالى الله عن قولهم ، وقريب من هذا – يعني في الحرمة - تسمية البنت : ملاك ، ملكة " انتهى "تسمية المولود" (ص/24) .
ثالثا :
أما الأسماء المباحة المقترحة فهي كثيرة جدا ، ولا يمكن حصرها ، لكن نذكر شيئاً منها :
آمنة : هي المطمئنة التي لا تخاف .
شَيْماء : ذات الشيم والفضائل .
أروى : أنثى الوعل ، وبمعنى أحسن وأبهى .
عائشة : ذات حياة .
أسماء : قيل مشتق من الوسامة وقيل من السمو وهو العلو .
ريم الغزال شديد البياض .
عالية : من الرفعة والعلو .
جويرية : تصغير جارية ، وهو اسم إحدى زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رحمة : هي اللين والشفقة .
بسمة : انفراج الشفتين تعبيرا عن السرور .
رزان : الوقور من النساء .
عفاف : من العفة والطهارة والنزهة.
زينب : شجرة طيبة الرائحة .
سارة : تضفي السرور على النفس .
ميمونة : هي المرأة المباركة .
رانية : مطيلة النظر مع سكون الطرف .
سعاد : التوفيق واليمن والبركة ، ونقيض الشقاء.
مريم : اسم عبري بمعنى مرتفعة أو سيدة البحر .
سلمى : امرأة ناعمة الأطراف ، ومن السلامة أيضا.
نورة : قبس من الضوء .
سُمَيَّة : تصغير سماء، بمعنى سامية عالية رفيعة الشأن
هاجر : الجيد الحسن ، والفائق على غيره.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101404
العنوان:
حكم الاحتفال بعيد النيروز
السؤال:
بارك الله فيكم جميعا فهذا الموقع موقع رائع! كنت أتساءل ما إذا كان الاحتفال بالنيروز حراما أم لا ؟ لأنني كفارسي أحتفل به. ونحن نقوم أيضا في النيروز بإقامة مأدبة ونضع قرآنا على تلك المائدة.... فهل الاحتفال بالنيروز حرام أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
النَّيْروز : كلمة فارسيهَ معَربة ، وأصلها في الفارسية "نوروز" ومعناها : اليوم الجديد .
وهو عيد من أعياد الفرس ، ويُعد أعْظم أعيادهم ، ويقال: إنّ أول من اتخذه "جمشيد" أحد ملوك الفرس الأُول ، ويقال فيهْ "جمشاد ".
والنيروز: أول أيام السنة الفارسية ، ويستمر خمسة أيام بعده .
ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم ، وهو المعروف بعيد شم النسيم.
قال الذهبي رحمه الله في رسالة "تشبه الخسيس بأهل الخميس"ص 46: " فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله ، و يحتفلون به ، وهو أول يوم من سنة القبط ، ويتخذون ذلك عيداً، يتشبه بهم المسلمون " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103- 104.
ثانيا :
ليس للمسلمين عيد يحتفلون به إلا عيد الفطر وعيد الأضحى ، وما سوى ذلك فهو أعيادة محدثة ، لا يجوز الاحتفال بها .
وقد روى أبو داود (1134) والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021).(/1)
ويدخل في الأعياد المحدثة : عيد النيروز ، وعيد الأم ، وعيد الميلاد ، وعيد الاستقلال ، وما شابه ذلك ، وإذا كان العيد في الأصل عيدا للكفار كعيد النيروز كان الأمر أشد وأعظم .
وعيد النيروز عيد جاهلي ، كان يحتفل به الفرس قبل الإسلام ، ويحتفل به النصارى أيضا ، فيتأكد المنع من الاحتفال به لما في ذلك من المشابهة لهم .
قال الذهبي رحمه الله في رسالة "التمسك بالسنن والتحذير من البدع" :
" أما مشابهة الذِّمة في الميلاد ، والخميس ، والنيروز ، فبدعة وحشة.
فإن فَعلها المسلم تديُّناً فجاهل ، يزجر وُيعَلَّم ، وإن فعلها حُبّاً [لأهل الذِّمة] وابتهاجاً بأعيادهم فمذموم أيضاً، وإنْ فعلها عادةً ولعباً، وإرضاءً لعياله، وجبراً لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103، 104 .
والخميس : عيد من أعياد النصارى ، ويسمونه الخميس الكبير .
وفي "الموسوعة الفقهية" (12/7) : التشبه بالكفار في أعيادهم : لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم , لما ورد في الحديث : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) , ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به ...
وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : من مر ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك , حشر معهم يوم القيامة . ولأن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى : ( لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ) كالقبلة والصلاة والصيام ، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج , فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر , والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر , بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر , فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره .(/2)
قال قاضي خان : رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم : إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه الكفرة يكون كفرا , وإن فعل ذلك لأجل السرف والتنعم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفرا . وإن أهدى يوم النيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم , إنما فعل ذلك على عادة الناس لا يكون كفرا . وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده , وأن يحترز عن التشبه بالكفرة .
وكره ابن القاسم ( من المالكية ) للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة , ورآه من تعظيم عيده وعونا له على كفره .
وكما لا يجوز التشبه بالكفار في الأعياد لا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك , فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته , ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد , مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته , خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم , مثل إهداء الشمع ونحوه في عيد الميلاد .
وتجب عقوبة من يتشبه بالكفار في أعيادهم " انتهى .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله : " لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة كعيد الميلاد للنصارى ، وعيد النيروز والمهرجان ، وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول ، وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك ، ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي أعده النصارى أو المشركون في موسم أعيادهم ، ولا تجوز إجابة دعوتهم عند الاحتفال بتلك الأعياد ، وذلك لأن إجابتهم تشجيع لهم ، وإقرار لهم على تلك البدع ، ويكون هذا سبباً في انخداع الجهلة بذلك ، واعتقادهم أنه لا بأس به ، والله أعلم " انتهى من كتاب "اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين" ص 27 .
والحاصل : أنه لا يجوز للمسلمين الاحتفال بعيد النيروز ، ولا تخصيصه باحتفال أو طعام أو هدايا .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101405
العنوان:
أهلها كفار وهجرها زوجها وهي حامل فلم ينفق عليها !
السؤال:
لدى سؤال يتعلق بقضية شائعة ، ما هي مسئولية المجتمع عندما يعلم بقيام زوج بهجر زوجته الحامل تماما ، فهو لا يقوم بإعالة زوجته ماديّاً على الإطلاق ، وليس هناك وكيل للزوجة ؛ لأنها تنحدر من أسرة كافرة ، فهل يجوز للمجتمع الذي ينتمي إليه كلا من الزوج والزوجة عند علمه بتلك الظروف أن يدير رأسه ويقول ليس بوسعنا القيام بشيء لأننا نعيش ببلد كافر ؟ فقد سمعت بمجتمعات تقوم بإبعاد المسلمين الذين يداومون على ارتكاب المعاصي والابتعاد عنهم ، أليست هي مسئولية الأمة أيضا أن تحمل الرجال ( الحافظين والعائلين ) مسئولية تصرفاتهم عندما يذنبون أو يظلمون نساءهم وأطفالهم ؟ ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها ، وما الذي يجب القيام به ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نأسف أن يوجد في المسلمين من لا يتخلق بأخلاق الإسلام ، ونأسف أن يكون هؤلاء في دول الكفر ، فتتعدى إساءتهم إلى أن تصل للإسلام نفسه ، ورحم الله من مات من تجار المسلمين ، والذين أدخلوا بأخلاقهم الإسلامية العالية أمماً في الإسلام ، فكانوا أنموذجاً يُفتخر به في التاريخ .
وما أكثر المسلمين اليوم في دول الكفر ، ولو أن كل واحد من هؤلاء كان يحمل الإسلام بتعاليمه الصحيحة ، وكان أنموذجاً للمسلم التقي النقي : لرأيت تحولاً عظيماً في الأرض ، فلو أدخل كل واحد من أولئك المسلمين شخصاً واحداً في الإسلام كل عام : لرأيت أثر ذلك على الأرض بما لم يُسمع به في تاريخ الأديان ، ولكن أنَّى ذلك وهم يجهلون تعاليم الإسلام نظراً ، ومَن عَلِمَها منهم فإنه لا يقوم به عملاً ، إلا من رحم الله منهم .(/1)
والزوج المسلم بدلاً من أن يكون متصفاً بالأخلاق الإسلامية العالية ، ويكون سبباً في دخول زوجته وأسرتها في الإسلام : أصبح كثير منهم منفِّراً عن الإسلام بأخلاقه وسلوكه ، فمنهم من يتزوج بنية الطلاق ، حتى إذا شبع منها وانتهت دراسته ألقى زوجته ، ومنهم من يتزوج بقصد الحصول على إقامة أو منحة دراسية ، فإذا حصَّل ذلك هجرها ، وأما عن معاملاتهم لزوجاتهم فحدِّث عن ذلك ولا حرج ، وليته كان زوجاً صالحاً ، يقوم بما أوجبه الله عليه من الفرائض ، ويتخلق بأخلاق الإسلام : إذاً لكان خيراً له دنيا وأخرى .
ثانياً:
وإن مِن أعظم حقوق الزوجة على زوجها النفقة عليها ، وبذلك استحق القوامة .
قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/ 34 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
يعني بقوله جل ثناؤه : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) : الرجال ، أهل قيام على نسائهم ، في تأديبهن ، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم .
( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) يعني : بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم : من سَوْقهم إليهنّ مهورهن ، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم ، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ ، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ ، ولذلك صارُوا قُوّامًا عليهن ، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن .
" تفسير الطبري " ( 8 / 290 ) .
وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ .
رواه أبو داود ( 2142 ) وابن ماجه ( 1850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".(/2)
قال ابن رشد القرطبي - رحمه الله - :
واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج : النفقة ، والكسوة ؛ لقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) الآية ؛ ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام : ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ؛ ولقوله لهند : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) فأما النفقة : فاتفقوا على وجوبها .
" بداية المجتهد ونهاية المقتصد " ( 2 / 44 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 16 / 274 ) :
تجب النّفقة والسّكنى للحامل المطلّقة طلاقا رجعيّا أو بائنا حتّى تضع حملها ، وذلك باتّفاق الفقهاء ؛ لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
انتهى
والزوجة الحامل تتأكد نفقتها على زوجها حتى لو طلقها ! فكيف وهي زوجة لم تُطلَّق ؟! .
قال تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق/ 6 .
بل حتى لو أبرأت زوجها من حقوقها ثم تبين حملها : فإن الإنفاق عليها لا يدخل في الإبراء !
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
في امرأة طلَّقها زوجها ثلاثاً ، وأبرأت الزوج من حقوق الزوجة قبل عِلمها بالحمل ، فلما بانَ الحمل : طالبت الزوج بفرض الحمل ، فهل يجوز لها ذلك أم لا ؟ .
فأجاب :
إذا كان الأمر كما ذكر : لم تدخل نفقة الحمل في الإبراء ، وكان لها أن تطلب نفقة الحمل .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 361 ) .(/3)
وعليه : فإن للزوجة حق النفقة على زوجها ، لها ولحملها ، وما تنفقه على نفسها أثناء قطع زوجها النفقة عليها : يبقى دينا في ذمته ، وعلى من بيده الأمر أن يجبره على دفع المال لزوجته بما أنفقته وبما يأتي ، ويجوز لمن تمكَّن من ماله أن يأخذه منه للنفقة ولو من غير إذنه أو من غير اختياره ؛ لأن هذا حق زوجته في ماله ، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للزوجة أن تأخذ من مال لزوجها دون علمه للإنفاق على نفسها وعلى أولادها .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَقَالَ : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) .
رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .
ثالثاً:
هجر هذا الزوج لزوجته لا يُعرف سببه ، والهجر مشروع إذا وُجدت أسبابه من المرأة كفعل معصية أو ترك واجب ، أو لنشوزها على زوجها ، على أن يكون الهجر بعد وعظها وتذكيرها بحكم فعلها .
قال تعالى : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/ من الآية 34 .
ومن العلماء من يرى أن الهجر لا يكون بخروجه من البيت ، بل يهجر في المضجع ، وقد سبق الدليل على ذلك من حديث معاوية القشيري ، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بخروجه من البيت ، وذلك يختلف تبعاً لما يراه الزوج مؤثراً في زوجته .
وقد نقل الخلاف في هذه المسألة : الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ثم قال :(/4)
والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ، فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها ، وبالعكس ، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم للنفوس ، وخصوصا النساء لضعف نفوسهن .
" فتح الباري " ( 9 / 301 ) .
وفي كل الأحوال : لا يقطع الزوج النفقة عنها وهي في بيته تمكنه من نفسها ، أما إن نشزت وخرجت من بيته ، فتلك التي لا تستحق النفقة ، وأما ما في بطنها من حمل فإن له نفقة على أبيه ، ولو كانت الزوجة ناشزا ؛ لأن نفقة الحامل لحملها لا لها ، وهو قول المالكية ، وقول عند الشافعية ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ، كما في " الموسوعة الفقهية " ( 16 / 274 ) .
وها نحن بينَّا للناس جميعاً أن الشرع قد كفل حق الزوجة ، وأمر زوجها بمعاشرتها بالمعروف ، وأنها إن قصرت في واجب ، أو فعلت معصية : فإن زوجها يعظها قبل أن يهجرها ، وأنه لو هجرها فلا يحل له ترك النفقة عليها ، إلا أن تنشز وتخرج من بيته ، وإن كانت حاملاً وهي في بيت الزوجية فتتأكد نفقتها ، وإن كانت في غير بيته لنشوزها فلا تنقطع نفقة ما في بطنها .
وعلى من قدر أن يكلم الزوج وينصحه أن لا يقصِّر في ذلك ، ويطالب الزوج إما بإمساكها بمعروف ، أو تسريحها بإحسان ، ولا يحل له أن يجعلها معلَّقة ، لا هي متزوجة ولا هي مطلَّقة .
ويجب في ماله نفقة زوجته ، ولو أخذ المال منه بالإجبار والإكراه ، فتؤخذ النفقة التي بذلتها الزوجة من وقت قطعها عنها ، ويلزم بالاستمرار في الإنفاق عليها .
ولا يحل لأحدٍ يستطيع وضع الأمور في نصابها أن يتخلى عن الزوجة ، وبما أن أهلها من الكفار : فإنه يتحتم على المسلمين حولها الاهتمام بها أكثر ، حفاظاً على دينها ، ونصرة للمظلوم .(/5)
إن اهتمام المجتمع بأزمة المأزوم ، وحاجة المحتاج ، وشكوى المضطر ، ليس جزءا كماليا ، إن قام به فقد أحسن صنعا ، وإن لم يقم لم يستحق اللوم ؛ بل إنه جزء من حقيقة إسلام المسلم ، وصبغة المجتمع السليم في الإسلام . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : الَّذِي يَظْهَر أَنَّ التَّرَاحُم وَالتَّوَادُد وَالتَّعَاطُف وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَة فِي الْمَعْنَى لَكِنْ بَيْنَهَا فَرْق لَطِيف , فَأَمَّا التَّرَاحُم فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَرْحَم بَعْضهمْ بَعْضًا بِأُخُوَّةِ الْإِيمَان لَا بِسَبَبِ شَيْء آخَر , وَأَمَّا التَّوَادُد فَالْمُرَاد بِهِ التَّوَاصُل الْجَالِب الْمَحَبَّة كَالتَّزَاوُرِ وَالتَّهَادِي , وَأَمَّا التَّعَاطُف فَالْمُرَاد بِهِ إِعَانَة بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَا يَعْطِف الثَّوْب عَلَيْهِ لِيُقَوِّيَهُ ا ه مُلَخَّصًا .
وقَوْله : ( كَمَثَلِ الْجَسَد ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع أَعْضَائِهِ , وَوَجْه التَّشْبِيه فِيهِ التَّوَافُق فِي التَّعَب وَالرَّاحَة .(/6)
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : شَبَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَان بِالْجَسَدِ وَأَهْله بِالْأَعْضَاءِ , لِأَنَّ الْإِيمَان أَصْل وَفُرُوعه التَّكَالِيف , فَإِذَا أَخَلَّ الْمَرْء بِشَيْءٍ مِنْ التَّكَالِيف شَانَ ذَلِكَ الْإِخْلَالُ الْأَصْلَ , وَكَذَلِكَ الْجَسَد أَصْل كَالشَّجَرَةِ وَأَعْضَاؤُهُ كَالْأَغْصَانِ , فَإِذَا اِشْتَكَى عُضْو مِنْ الْأَعْضَاء اِشْتَكَتْ الْأَعْضَاء كُلّهَا كَالشَّجَرَةِ إِذَا ضُرِبَ غُصْن مِنْ أَغْصَانهَا اِهْتَزَّتْ الْأَغْصَان كُلّهَا بِالتَّحَرُّكِ وَالِاضْطِرَاب . " انتهى من فتح الباري .
إن إعالة الفقير والمسكين وذي الحاجة ، هي حصة أساسية في مال المسلم ، وهي فريضة واجبة على المجمتع الذي يعيش فيه . قال الله تعالى ، في صفات المؤمنين التي مدحهم بها :
( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع ) رواه البخاري في الأدب المفرد (112) وصححه الألباني .
فنسأل الله تعالى أن يهديه لما فيه صلاحه وصلاح بيته ، وأن يصبر الأخت على ما ابتلاها ربها بها ، ولتبشر بالأجور الوافرة إن هي صبرت واحتسبت مصيبتها ، ولتدع ربها تعالى أن يفرج عنها ، وأن يختار لها الأصلح لدينها ودنياها .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
101417
العنوان:
وضع مادة الفينير على الأسنان بصفة دائمة
السؤال:
هل يجوز وضع اللومينير والفينير (طبقات خارجية للوقاية والزينة) على الأسنان. وهما طبقتان توضعان على الأسنان بشكل دائم. وهل لهما أثر على الوضوء؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز وضع الفينير ونحوه على الأسنان ، لغرض الوقاية والزينة ، أو معالجة التشوهات ؛ لأن الأصل الإباحة ، ولا يوجد ما يمنع من ذلك ، لكن يشترط عدم الإسراف ، فإن كان لوضع هذه المادة تكلفة عالية ، ولم توجد حاجة إليه ، فينبغي تركه ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأنعام/141
ولا يؤثر وجود هذه المادة على الأسنان على الوضوء ، لأن الواجب في الوضوء : المضمضة ، وهي تحريك الماء في الفم ، وهذا يحصل مع وضع هذه المادة على الأسنان .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101418
العنوان:
الانتفاع ببيت بني من مال الخمر
السؤال:
ما حكم البيت الذي بني من مال الخمر وكذالك السيارة التي اشتريت من ذلك المال ؟
الجواب:
الحمد لله
شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب ، لما ورد فيها من الحدّ في الدنيا ، والوعيد الشديد في الآخرة ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90 ، وفي صحيح البخاري ( 2295 ) ومسلم ( 86 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ). "
أي ينتفي عنه الإيمان الواجب حال شربها ، وينقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع .
وفي سنن أبي داود ( 3189 ) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود ( 2/700 ) .
والواجب على من ابتلي بشربها أن يبادر بالتوبة الصادقة النصوح ، فيقلع عنها إقلاعا تاما ، ويعزم على عدم العود إليها ، ويندم على ما فات .
وإذا كانت الخمر محرمة على هذا النحو الذي بيّنا ، فإن بيعها محرم كذلك ، وقد لعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بائعها ومشتريها .
وأما المال الناتج عن الاتجار في الخمر ، ففيه تفصيل :
1- فإن كان لا يزال باقيا ، وجب التخلص منه ، بإعطائه للفقراء والمساكين ، وصرفه في وجوه الخير ؛ لأنه مال خبيث سحت لا يحل لكاسبه .(/1)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/61) فيمن كسب مالا عن طريق بيع المحرمات كالخمر : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ) خرّجه مسلم في صحيحه. لذلك فإنه يحرم على المسلم تعاطي المكاسب المحرمة ، ومن وقع في شيء من ذلك وجبت عليه التوبة وترك الكسب الحرام ، وأبواب الرزق الحلال -ولله الحمد- كثيرة ميسرة ، وقد قال الله سبحانه: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) ومن تاب وعنده أموال اكتسبها بطرق محرمة ؛ كالربا والميسر ، وبيع المواد المحرمة ؛ كالخمر والخنزير ، فإنه يجب عليه أن يتخلص من تلك الأموال ، بوضعها في مشاريع عامة ، كإصلاح الطرق ودورات المياه ، أو يفرقها على المحتاجين ولا يبقي عنده منها شيئا ، ولا ينتفع منها بشيء ؛ لأنها مال حرام ، لا خير فيها ، ومقتضى التوبة منها أن يتخلص منها ويبعدها عنه ، ويعدل إلى غيرها من المكاسب " انتهى.
لكن إن كان كافرا حال بيعه الخمر ، ثم أسلم ، فلا يلزمه التخلّص من هذه الأموال ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا .
2- وإن كان قد أنفق المال ، أو وضعه في بناء بيت أو شراء سيارة ، فلا يلزمه شيء غير التوبة ، فيتوب إلى الله تعالى ، وينتفع بالبيت والسيارة ، وينبغي أن يكثر من الصدقة والعمل الصالح . وينظر جواب السؤال رقم (78289)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101423
العنوان:
إذا كانت لا تحب زوجها ولا تجد معه الراحة والسعادة فماذا تفعل ؟
السؤال:
ماذا تفعل المرأة عندما لاتجد الراحة مع زوجها ولا تحبه ولا تجد سعادة فى العيش معه؟ هل يجب عليها أن تطلب الطلاق أم ماالذى يجب عليها فعله؟
الجواب:
الحمد لله
الزواج جعله الله سبحانه سببا للسكينة والمودة والسعادة ، وامتنّ على عباده بذلك فقال : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 .
فإذا لم يحصل التوافق بين الزوجين ، ولم تجد المرأة راحة ولا سعادة مع زوجها ، فلتبحث عن الأسباب والعلاج ، فربما كان التقصير من جهتها ، وربما كان هناك أمر يمكن علاجه.
وإذا تحاور الزوجان ، وبحثا المشكلة معا ، كان هذا أدعى للوصول إلى حل .
وليس للمرأة أن تطلب الطلاق لمجرد حدوث مشكلة بينها وبين زوجها ، أو طلبا للزواج ممن تراه أفضل منه ، فإن الأصل تحريم طلب الطلاق ؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والبأس : هو الشدة والسبب الملجئ للطلاق .
لكن إن كرهت الزوجة زوجها لهيئته ، أو لسوء عشرته ، ولم تطق العيش معه ، فإنه يجوز لها طلب الطلاق حينئذ ، لأنه لا مصلحة من بقائها على هذا الحال ، وقد يدفعها بغضها لزوجها إلى التقصير في حقه ، فتأثم .(/1)
وقد روى البخاري في صحيحه ( 4867 ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ).
وقولها : " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي : أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه .. ونحو ذلك .
ينظر "فتح الباري" (9/400).
فهذه المرأة خافت من البقاء مع زوجها وهي تبغضه ، أن تقصر في حقوقه وأن تعصيه فتأثم بذلك ، فطلبت الخلاص من العلاقة الزوجية ، ووافقها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك .
والخلاص من العلاقة الزوجية قد يكون بالطلاق إذا قبل الزوج ذلك ، أو بالخلع ، فتتنازل المرأة عن مهرها أو عن بعض حقها ، حسبما يتفق الزوجان ، ثم يطلقها .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101430
العنوان:
هل يجوز التبرع بالشَّعَر أو بيعه لمن يصنع منه شعراً مستعاراً ( باروكة ) ؟
السؤال:
هل يجوز لامرأة أن تتبرع بشعرها لمنظمة تستخدمه في عمل شعر مستعار للأطفال الذين يعانون من السرطان ، والحروق ، وما إلى ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا خلاف بين الفقهاء في المنع من بيع الإنسان شعْره ؛ لأنه جزء منه ، وهو مكرَّم ، وبيع شيء من أعضائه يعرضه للمهانة والابتذال .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 102 ) :
واتّفق الفقهاء على عدم جواز الانتفاع بشَعْر الآدميّ بيعاً واستعمالاً ؛ لأنّ الآدميّ مكرّم ، لقوله سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) .
فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً مبتذلاً " انتهى .
ثانياً :
أما التبرع به لمن يصنع منه شعراً مستعاراً ( باروكة ) .
فاستعمال الشعر المستعار قد يكون جائزاً ، وقد يكون محرماً . فيجوز إذا كان لإصلاح عيب ، ويحرم إذا كان المقصود به التجمل والتزين .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" لبس الباروكة على نوعين :
أولاً : أن يُقصد به التجمل ، بحيث يكون للمرأة رأس وافر ، ويحصل به المقصود ، وليس فيه عيب على المرأة : فلبسها لا يجوز ؛ لأن ذلك نوع من الوصل ، وقد ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة ) .
والحالة الثانية : أن لا يكون لها شعر إطلاقاً ، وتكون معيبةً بين النساء ، ولا يمكنها أن تخفي هذا العيب ، ولا يمكن إخفاؤه إلا بلبس الباروكة : نرجو ألا يكون بلبسها حينئذ بأس ؛ لأنها ليست للتجمل ، وإنما لدفع العيب ، والاحتياط ألا تلبسها ، وتختمر بما يغطي رأسها حتى لا يظهر عيبها ، والله أعلم " انتهى .
" فتاوى نور على الدرب " .
وقال رحمه الله أيضاً :(/1)
" الباروكة محرمة ، وهي داخلة في الوصل ، وإن لم تكن وصلاً فهي تظهر رأس المرأة على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة ، لكن إن لم يكن على رأس المرأة شعر أصلاً ، أو كانت قرعاء : فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب ؛ لأن إزالة العيوب جائزة ، ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 11 / جواب السؤال رقم 68 ) .
وعليه ؛ فإذا كانت الجهات التي تطلب التبرع بالشعر لعمله شعراً مستعاراً لمن أصيبت بحروق ، أو صلع نتيجة السرطان ، أو لغير ذلك من الأسباب : جهات موثوقة : فيجوز التبرع لهم ، ويحتسب المتبرع الأجر عند ربه تعالى .
وأما إن كانت غير موثوقة ، أو يُصنع بتلك الشعور شعوراً مستعارة للتجمل : فلا يجوز التبرع لهم .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101432
العنوان:
دخل في الإسلام ، ويدعو الناس إليه ، لكنه على علاقة بصديقة له ؟!!
السؤال:
لدى صديق أسلم ، وهو ملتزم دينيّاً ، ويقوم كلانا بالدعوة بمدرستنا ، لكن ما أود أن أسأل عنه هو أننى لا أستطيع تناسى حقيقة أن لديه صديقة ، وقد أخبرتُه دائماً أنه يحرم ذلك ، لكنه عندما أخبره بذلك يغضب بشدة مني ، ويقول لي : إن عليَّ أن أهتم بشؤوني الخاصة ، كما سمعتُ أنه على علاقة بها ، هذا بالإضافة إلى حقيقة كونها شيعية ، برجاء تقديم النصح حول ما يجب القيام به ، أنا لا أستطيع التعايش مع حقيقة أنه يقوم بدعوة المسلمين وغير المسلمين فى حين أن لديه صديقة ، ويعلم بذلك مَن بالمدرسة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يتقبل من صديقك إسلامه ، وأن يثبته عليه ، وأن يوفقه في دعوته التي هي وظيفة الرسل الكرام ، وهي من أفضل الأعمال الشرعية ، ولكن ينبغي له أن يعلم أن الدعوة إلى الله لا بدَّ أن تكون صادقة حتى يؤجر عليها صاحبها ، ومن علامات صدقها : أن يحقق الداعية قولَه بالعمل ، ومع الأجر من الله تعالى عليها فإنها سبيلٌ ليتأثر الناس بصاحبها .
قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/ 33 .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
وهذه الآية الكريمة تفيد : أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً ، إذا حققوا قولَهم بالعمل الصالح ، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة ، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 319 ) .(/1)
ونحن نعجب مثلك من صديقك الداعية كيف يدعو الناس إلى الإسلام ، والأخلاق ، والاتباع ، ثم هو يخالف ذلك بإنشائه علاقة محرَّمة مع من يجب عليه بغضها والبراءة منها ومن أفعالها ، وهي الرافضية التي من دينها واعتقادها : تحريف القرآن ، وتكفير الصحابة إلا قليلاً منهم ، عدا عما تحمله قلوبهم من غل وحقد على عموم أهل السنَّة .
وليس هذا من خلق الدعاة إلى الله ، ولا من هدي سلفهم من الأنبياء والرسل الكرام .
قال علماء اللجنة الدائمة :
من الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية إلى الله : ما جاء ذكرها في قصة شعيب ، قال الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه الصلاة والسلام : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود/ 88 .
ففي هذه الآية بيان : أن مِن شروط الدعوة : العلم ، والكسب الحلال ، وامتثاله لما يدعو إليه ، فيجتنب ما نهى الله عنه ، ويمتثل ما أمر الله به ، والنية الحسنة ، وتفويض الأمر إلى الله تعالى ، والتوكل عليه ، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 243 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :(/2)
ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي : أن يكون هو أسوة حسنة ، عنده عبادة ، ومعاملة طيبة ، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها ، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم ، ولكن تسعوهم بحسن الخلق ) فحُسن الخلق جذاب ، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق ، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيء الخُلق ، ينفِّر الناس منه ، وقد ذكَّر الله نبيه بهذا فقال : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/ 159 ، وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو ، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام ، ورحمة من الله للخَلْق الذين يدعوهم الرسول ؛ لأنه لو كان فظّاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه ، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً ، يأخذ ويعطي ولا يأنف ...
" لقاءات الباب المفتوح " ( مقدمة اللقاء رقم 94 ) .
ولا ينبغي للداعية أن يعظ الناس ويرشدهم للخير وينسى نفسه ، وإذا ذكَّرها فتذكرت فينبغي أن يبادر الداعية بفعل كل ما يأمر به من خير ، وأن يبتعد عن كل ما يحذِّر منه من شر وسوء .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2 ، 3 .
وقال سبحانه : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة/ 44 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ) أي : بالإيمان والخير .
( وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) أي : تتركونها عن أمرها بذلك ، والحال :(/3)
( وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) وأسمى العقل " عقلاً " ؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير ، وينعقل به عما يضره ، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به ، وأول تارك لما ينهى عنه ، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله ، أو نهاه عن الشر فلم يتركه : دل على عدم عقله ، وجهله ، خصوصاً إذا كان عالما بذلك ، قد قامت عليه الحجة .
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل : فهي عامة لكل أحد ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين ، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين : أمر غيره ونهيه ، وأمر نفسه ونهيها ، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر ، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين ، والنقص الكامل أن يتركهما ، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر : فليس في رتبة الأول ، وهو دون الأخير ، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن " تفسير السعدي " ( ص 50 , 51 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :(/4)
بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون ؛ فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر ، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع ، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة : المقت من الله سبحانه ، والسب من الناس ، والإعراض عنهم ، والتنفير من دعوتهم ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) الصف/ 2 ، 3 ، وقال سبحانه : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة/ 44 ، فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول : أمرٌ يخالف العقل ، كما أنه يخالف الشرع ، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل ؟!! .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 319 ) .
ثانياً:
وأنت أخي الفاضل بعد أن تبين له ما ذكرناه آنفاً من أهمية الدعوة إلى الله ، وحقيقتها ، وأهمية التزام الداعية بما يرشد الناس إليه ، وعدم مخالفة أفعاله لأقواله : عليك واجب النصح – أيضاً – بما يقترفه من إثم في تلك العلاقة الفاجرة بتلك الرافضية ، ولا تستمع لقوله ، ولا تلتفت لفعله في صدك عن نصحه .
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ( بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم ) .
رواه البخاري ( 57 ) ومسلم ( 56 ) .(/5)
وعليك بالحكمة في نصحه وإرشاده ، فأمر الشهوة عظيم ، وفتنة النساء لا تخفى حقيقتها وآثارها على أحد ، فكم أزهقت من نفوس ، وكم أتلفت من أخلاق ، وكم أفسدت من أديان ، فتنبه لهذا ، وتلطف في دعوته وتوجيهه ونصحه ، ولا تستبعد قيام تلك الرافضية بسحره ، فلا تتخلى عن صديقك البتة ، وإن عجزت عن نصحه وأغلق الباب عليك : فانظر من يمكنك أن تطلعه على أمره من العقلاء المقربين لكما ليقوم بنصحه وإرشاده ، وليس ثمة داعٍ لتفصيل الأمر لهذا الناصح ؛ لئلا تتسبب في إيجاد حاجز بينك وبين صديقك .
ومع نصحك له بترك العلاقة المحرَّمة لا بدَّ من التبيين له عقائد الرافضة ، وخطرهم على دينه ، وأنه لا يبعد أن تكون هذه مكيدة من أهل دينها للإيقاع به ، ليترفض ويترك دينه .
وأعلمه أنه حتى لا يجوز له التزوج بها وهي على دينها ، إلا أن تتركه وتتبرأ منه ، فكيف يجوِّز لنفسه العلاقة بها وهي لا تحل له حتى بالنكاح .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن الرافضة هل تزوَّج ؟ .
فأجاب :
الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال ، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي .
وإن تزوج هو رافضية : صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب ، وإلا فترك نكاحها أفضل ؛ لئلا تفسد عليه ولده .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 61 ) .
فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة ؛ لما للزوج من أثر على زوجته ، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه ، وإلا فلا يجوز .
وانظر في تحريف القرآن عند الرافضة : جواب السؤال رقم : (21500) .
وانظر في حكم موقفهم من الصحابة : جوابي السؤالين : ( 45563 ) و ( 95588 ) .
وفي الموقع أجوبة كثيرة تتعلق بالرافضة وعقائدهم ، فانظر – إن شئت المزيد - : أجوبة الأسئلة ( 23487 ) , ( 12103 ) , ( 1148 ), ( 4569 ) .(/6)
وليعلم هذا الأخ المنصوح أن من شر ما يكيد به لنفسه ، ويغلق عنها أبواب الخير أن يتباعد عن الناصح الأمين الحريص على مصلحته ، والداعي له إلى سبيل الخير ، وإن ما يرد به على الناصح من مثل هذا القول هو من أسوأ المقال ، وقد قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ) (الاسراء:53) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل : اتق الله ، فيقول عليك نفسك ) .
رواه النسائي في الكبرى ( 10619ـ الرسالة ) ، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة (2598)
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
101437
العنوان:
كيف ومن أين تبدأ في تعليم مبادئ الإسلام ؟
السؤال:
عند رغبة أحدهم فى تعليم آخر تعاليم الإسلام فكيف عليهما أن يبدءا ؟ ومن أين عليهما البدء ؟
الجواب:
الحمد لله
العلم بالإسلام وأحكامه ومبادئه فرض على كل مسلم ومسلمة ، بالقدر الذي يحتاج إليه في إقامة العقيدة والعبادات والأخلاق تبعا لما يريده الله سبحانه وتعالى ، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ )
رواه ابن ماجه (224) وحسنه بكثرة طرقه وشواهده: المزي، والزركشي، والسيوطي، والسخاوي، والذهبي، والمناوي، والزرقاني، وهو في "صحيح ابن ماجه "للألباني.
وانظر جواب السؤال رقم (10471) ، (20092) .
أما تعليم العلم فهو وظيفة الأنبياء ، يحملها العلماء من بعدهم كي تبقى حجة الله قائمة على خلقه ، ولتبقى دعوة التوحيد غضة طرية يتلقاها الناس كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقنها أصحابه .
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، وَرَّثُوا الْعِلْمَ ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ) رواه أبو داود (3641) وغيره ، وصححه الألباني .(/1)
قال ابن القيم رحمه الله : " هذا من أعظم المناقب لأهل العلم ؛ فإن الانبياء خير خلق الله ، فورثتهم خير الخلق بعدهم . ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته ، إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده ، ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به ، إلا العلماء ، كانوا أحق الناس بميراثهم ، وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليهم ، فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث ، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدينار والدرهم ، فكذلك هو في ميراث النبوة ، والله يختص برحمته من يشاء " انتهى .
مفتاح دار السعادة (1/66) .
غير أن هذا الذي قررناه إنما هو فيمن يقوم مقام الأنبياء في تعليم الناس ، وفتوى الناس في نوازلهم وما يحتاجون إليه ، وسياستهم بدين الله تعالى .
وأما من يقوم بتبليغ ما علمه من دين الله تعالى لغيره ، إما آية حفظها ، وإما حديث علمه ووعاه ، وإما فتوى سمعها من بعض أهل العلم الثقات ، فإن هذا لا يشترط فيه أن يكون عالما ، إلا بالأمر الذي يبلغه ويأمر الناس به فقط ، وليس عالما بالمعنى المطلق الذي يعرفه الناس من ذلك اللفظ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ )
رواه البخاري (3461) .(/2)
وقال عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ .. ) رواه البخاري (4809) .
فإذا عدنا إلى سؤالك : كيف عليهما أن يبدآ ؟
فالنصيحة لهما إذا وجدنا من سبقهما إلى طلب العلم والالتزام بأحكامه وآدابه ، من أهل السنة ، أن يسترشدا به ، ويستفيدا من تجربته ، فهذا الأمر سوف يوفر عليهما كثيرا من الوقت والجهد إن شاء الله .
وسواء تيسر له في مكانه من أهل العلم وطلابه من يعينه على ذلك ، أو لم يجد ، فإننا ننصحه بالنصائح التالية :
1- العناية بكتاب الله تعالى حفظا وقراءة وتدبرا ، فإن القرآن الكريم هو كتاب الهداية الأول ، وكتاب العلم الذي بنيت عليه جميع علوم الشريعة ، مع العناية بفهم معانيه ، ومطالعة شيء من تفاسيره المناسبة ، وفي هذه المرحلة ننصح بمطالعة كتاب التفسير الميسر ، ط مجمع الملك فهد لطباعة المصحف ، فهو كتاب نافع جدا ، وكتاب أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري ، وتفسير الشيخ السعدي رحمه الله ، ولا نعني أن يطالعها جميعا ، بل ما تيسر له منها ، يهتم بمطالعته ومدارسته .
2- في الحديث يهتم بحفظ الأربعين النووية ، وتكملتها لابن رجب رحمه الله ، مع مطالعة شيء من شروحها الميسرة ، مثل شرح الشيخ ابن عثيمين ، أو غيره ، ويستحسن أن يتابع شيئا من شروحها المسموعة ، على قناة المجد ، أو مواقع أهل السنة . فإذا انتهى من ذلك ، وأمكنه أن يطالع جامع العلوم والحكم ، لابن رجب ، فهو حسن إن شاء الله .(/3)
ثم يهتم بمطالعة ، يومية إن أمكنه ، لكتاب رياض الصالحين ، للإمام النووي رحمه الله ، مع حفظ حديث من كل باب ، وقراءة شرح الشيخ ابن عثيمين له .
3- بالنسبة للعقيدة : يبدأ بالأصول الثلاثة وأدلتها ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، ومطالعة شيء من شروحها ، للشيخ العثيمين ، أو الشيخ الفوزان ، ولو أمكن سماعه فهو أحسن .
ثم ينتقل إلى كتاب التوحيد ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مع شيء من شروحه الميسرة مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ ، فهو ميسر نافع إن شاء الله ، أو غيره من الشروح .
ويضم إليه العقيدة الواسطية مع شرحها ، للشيخ الفوزان ، أو الشيخ ابن عثيمين .
فهذه يهتم بدراستها وضبطها .
وأما في القراءة والمتابعة الدائمة ، فيهتم بسلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة ، للشيخ عمر سليمان الأشقر ، حفظه الله .
4- وأما الفقه : فهناك بعض الكتب الميسرة التي يمكن البدء بها ، مثل : أركان الإسلام ، للشيخ عبد العزيز بن باز ، وفقه العبادات للشيخ ابن عثيمين ، رحمهما الله ، ومختصر صفة الصلاة للشيخ الألباني رحمه الله ، وتيسير العلام شرح عمدة الأحكام للشيخ البسام رحمه الله ، وننصح بالاستفادة من كتب الفتاوى لعلمائنا المعاصرين ، ومنها : فتاوى علماء البلد الحرام ، جمع د. خالد الجريسي ، فهو مجموع نافع إن شاء الله .
5- بالنسبة للسيرة ، يمكن مطالعة مختصر زاد المعاد ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، والرحيق المختوم ، للشيخ المباركفوري ، رحمهم الله جميعا .
وبالنسبة للتاريخ العام والتراجم ، يطالع في كتاب : التاريخ الإسلامي ، للأستاذ محمود شاكر ، وفي بعض كتب التراجم ، مثل سير أعلام النبلاء .(/4)
6- في الأخلاق والرقائق ، يكثر من مطالعة كتب ابن القيم ، مثل الداء والدواء ، الرسالة التبوكية ، ورسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ، ويطالع في كتاب : مختصر منهاج القاصدين ، لابن قدامة ، أو : تهذيب موعظة المؤمنين ، للشيخ القاسمي رحمه الله ، ويهتم برسائل ابن رجب رحمه الله ، مثل كشف الكربة ، وشرح حديث ما ذئبان جائعان ، وتحقيق كلمة الإخلاص ، وغيرها ، وقد جمعت معظمها في مجموع واحد أربعة مجلدات .
7- أن يهتموا بمدارسة الأذكار النبوية ، فهو باب عظيم من أبواب العلم والعمل ، مع حفظ شيء من كتبها الميسرة ، مثل : صحيح الكلم الطيب ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، اختصار الألباني ، أو حصن المسلم ، مع قراءة كتاب : الوابل الصيب ، لابن القيم .
وأخيرا ، فإننا نعود ونؤكد على الاهتمام بالتلقي والاستماع لأهل العلم والمتخصصين في الشريعة ، وهو أمر متيسر اليوم - بحمد الله - من خلال بعض الفضائيات النافعة ، ومن خلال الشبكة المعلوماتية ، ولعلكم سمعتم بقناة المجد العلمية التي تعرض من دروس العلم السهلة والميسرة ما يستفيد منه جميع الناس ، كما يمكنكم المشاركة في برنامجها العلمي الذي يتدرج فيه الطالب في المراحل التي تناسبه ، أما الشبكة المعلوماتية فهي مليئة بفضل الله بدروس العلم للعلماء الموثوقين ، ويمكنكم متابعة كثير منها مباشرة في غرف البالتوك ، أو تحميل المسجل منها من موقع طريق الإسلام .
ومن الأمور المهمة في التعلم مراعاة المنهج الصحيح ، ونعني به التدرج السليم في مراحل التعلم ، فيبدأ الطالب بالعلوم السهلة والكتب المختصرة ، ثم ينتقل إلى شيء من الشرح والتوسع ، حتى يتمكن بعد ذلك من القراءة في الكتب المطولة والأبحاث المتخصصة .
ولا بد أن يختار من الدروس العلمية التي تعرض على قناة المجد أو في الإنترنت ما يكون مناسبا لحاله ، ولا يحاول أن يتتبع كل درس يعرض ، فقد لا يكون مناسبا له الآن .(/5)
ويمكن الاطلاع على بعض النصائح فيها في موقعنا في جواب السؤال رقم (14082) ، (20191)
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
101446
العنوان:
كيف يتمكن الطبيب الجراح من الصلاة مع تقارب أوقاتها في الشتاء ؟
السؤال:
لقد قرأت إجابتكم بخصوص الصلاة أثناء إجراء جراحة أو بعدها وأنا أعمل طبيبة ويكون النهار قصيرا جدا بكندا أثناء فصل الشتاء حتى إنه يحين وقت صلاة المغرب الساعة 5 مساء ولذلك فإن الوقت بين الصلوات قصير جدا ولا أعلم كيف يوفق الجراح عمله مع هذا الوقت القصير ولذلك فأنا أعتقد أنه من الأفضل أداء الصلاة قضاء ، فما رأيكم في ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
يجب أداء الصلوات في مواقيتها كما أمر الله تعالى ، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر يبيح الجمع بين الصلاتين ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 أي : لها وقت محدد .
والتهاون في الصلاة وتأخيرها عن وقتها بدون عذر كبيرة من كبائر الذنوب ؛ لقوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 .
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553).
وأما الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، تقديما أو تأخيرا ، فإنه يجوز لأعذار بَيَّنها أهل العلم ، ومنها : رفع الحرج والمشقة ، وهذا يصلح فيما ذكرت هنا ، فالطبيب إذا خشي أن يتأخر في العملية فيخرج منها وقد انتهى وقت صلاة العشاء مثلا ، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم ، فيصليهما في وقت المغرب ، وإذا كان سيدخل العملية قبل وقت المغرب ، ويخرج قبل انتهاء وقت العشاء فإنه يؤخر المغرب ويجمعها جمع تأخير مع العشاء ، بعد خروجه من العملية . وهكذا في صلاتي الظهر والعصر .(/1)
ودليل ذلك ما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ . فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ : لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ .
فحيث وجد الحرج والمشقة ، جاز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، وأما الفجر فلا تجمع إلى شيء قبلها ولا بعدها .
والصلاة شأنها عظيم ، وأمرها خطير ، وهي أول ما يحاسب عليه العبد ، فيجب المحافظة عليها ، والعناية بأمرها .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101449
العنوان:
الانحراف عن القبلة بـ 45 درجة
السؤال:
نحن نصلي في مسجد من مساجد مدينة جدة لكنه ينحرف عن القبلة ما يقارب ( 45 ) درجة وقد عرفت ذلك عن طرق برنامج ( قوقل إيرث ) فما الحكم ؟ وهل يلزم العودة إلى القبلة الصحيحة أم لا ؟ علماً أن إمام المسجد يعلم بالانحراف ويرى عدم وجوب العودة ولا يريد أن يخبر المصلين بذلك تجنبا لكثرة الكلام ومحتجا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما بين المشرق والغرب قبلة ) . علما أن المسجد قد أشرف على تحديد قبلته وزارة الشؤون الإسلامية .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الانحراف عن القبلة أقل من 45 درجة ، فصلاتكم صحيحة ، لأن الفرض في حقكم هو استقبال الجهة ، لا استقبال الكعبة ولا مكة ، وهذا الانحراف لا يخرجكم عن استقبال الجهة .
وقد نص الفقهاء على أن الانحراف اليسير لا يضر ، وبينوا أن الانحراف الكثير هو الانحراف عن الجهة .
قال الدردير في الشرح الكبير (1/227) : " والانحراف الكثير أن يشرق أو يغرّب ، نصّ عليه في المدونة " انتهى .
وهذا في حق أهل المدينة ، ومن كان في شمال أو جنوب مكة فإنهم إن شرقوا أو غربوا ، فقد انحرفوا عن القبلة .
وأما من كان في الغرب كأهل جدة ، فإن جهة القبلة بالنسبة إليهم هي الشرق ، فإن انحرفوا عنها إلى جهة الشمال أو الجنوب ، أو استدبروها ، لم تصح صلاتهم .
والأصل في ذلك : ما رواه الترمذي ( 342 ) وابن ماجه ( 1011 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ ) وصححه الألباني في إرواء الغليل ، وينظر : سؤال رقم (7535) .
ومع هذا فالأفضل هو تعديل قبلة المسجد .
وقد أحسن الإمام في عدم إخبار المصلين ، منعا للاختلاف وكثرة القيل والقال .
وعليكم برفع الأمر إلى المسئولين ليعيدوا النظر في جهة القبلة .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101520
العنوان:
لا تسافر المرأة إلا مع محرم ولو كان السفر قصيرا
السؤال:
أعرف أنه لا يجوز سفر المرأة بدون محرم , أود الاستفسار عن ماذا يقصد بكلمة سفر؟ إذا كان يقاس بالمسافة فمن أين تقاس هذه المسافة هل من بداية طريق السفر (منطقة ليس بها عمار) أم من أين؟ أيضا أود أن أعرف إذا كان لأبي مزرعة على طريق مصر الإسماعيلية ويحب أن نذهب له من حين إلى آخر وهى تبعد حوالي ساعة وربع كحد أقصى من البيت فهل هذا يعتبر سفرا أم لا ؟ مع العلم أن معظم الطريق مليء بالمدن الجديدة والمدارس والشركات والأراضي الزراعية ؟
الجواب:
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة الصريحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم ، وهذا السفر لا يحدد بمسافة معينة ، كما هو الحال في قصر الصلاة والفطر في الصوم ، بل كل ما سمي سفرا ، طويلا كان أو قصيرا ، تمنع المرأة منه إلا مع وجود المحرم .
لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) .
وقد اتفق الفقهاء على تحريم سفر المرأة دون محرم ؛ إلا في مسائل مستثناة ، منها سفرها للحج الواجب ، فمنهم من أجاز سفرها له مع الرفقة المأمونة ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قال البغوي : لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت . وزاد غيره : أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76).(/1)
وقال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة : "فالحاصل : أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو غير ذلك ؛ لحديث ابن عباس الذي رواه مسلم : ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى كلام النووي بتصرف .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا ، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى .
وعليه ؛ فإذا كان الذهاب من مدينتك إلى هذا المكان يعد سفراً في عرف الناس ، لم يجز لك الذهاب إليه بدون محرم ، وإن كان لا يعد سفراً في العرف فلا حرج عليك من الذهاب إليه بدون محرم .
وكون الطريق مليئا بالمدن والمدارس والأراضي الزراعية ، لا يغير من هذا الحكم .
ثانيا :
أما بالنسبة لقصر الصلاة والفطر في السفر ، وتقدير المسح على الخفين بثلاثة أيام بلياليهن ، فالجمهور على أن السفر هنا مقدر بالمسافة ، وهي نحو 80 كيلو مترا ، وتبدأ المسافة من نهاية عمران البلد . وينظر : تحفة المحتاج (2/370) ، الموسوعة الفقهية (27/270).
وبعض أهل العلم لا يقدر السفر بالمسافة ، وإنما يرجعه إلى العرف .
وينظر جواب السؤال رقم (38079) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101539
العنوان:
طالب ويعيش في الدنمارك ويعاني من العادة السرية
السؤال:
أنا من الهند ، وأدرس بالدنمارك ، وأبلغ من العمر 24 عاما ، والحمد لله أنا لا أترك أية صلاة مفروضة ، وأغض بصري عن النساء عندما أكون بالخارج ، ولا أشاهد أفلاماً عدا فلمين أو ثلاثة فى العام ، وليست لي أية علاقة بأية فتاة ، لكني اعتدت على الاستمناء وأنا في عمر المراهقة ، عندما أذهب للنوم أقوم بقراءة جميع الأدعية التى سنَّها لنا الرسول ، وأحاول أن أنام وأنا متوضأ ، لكن يحدث مرة - على الأقل أسبوعيّاً أنا نفسي لا أعلم تحديداً - أن أستيقظ في منتصف الليل وأبدأ فى الاستمناء ، أو زيارة مواقع إلكترونية إباحية حتى أقضى شهوتي بالرغم من أنني وأنا ذاهب للنوم لم أكن أنوي ولو بنسبة 1% القيام بهذه الأشياء ، لكن كل ما يحدث أن تمر هذه الرغبات والشهوات فى خاطري أثناء النهار ، وفي صباح اليوم التالى أشعر بالندم لما فعلته فى المساء ، وفي كل مرة أحاول فيها تصحيح هذا الأمر لبضع أيام يتكرر ذات الأمر ثانية ، وهذه الفترة هي أكثر فترة أشعر فيها بالندم والحزن منذ مولدي يا شيخ ؛ لأن هذه العادة مستمرة معي منذ 3 أعوام ، ولا أشعر بالسلام والرضا في حياتي بسبب عصياني لله ، وفي كل مرة أتوب فيها لله ، وأعاهده ألا أعود لهذه العادة : أنقض هذا العهد . وقد قرأت إجاباتكم السابقة الخاصة بعادة الاستمناء لكنني أود أن أتلقى منكم إجابة أكثر تحديداً عن هذا السؤال ، وسأكون ممتنا لكم طوال حياتي ، كما أسألكم الدعاء لى يا شيخ . وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
ذكرنا في هذا الموقع مسائل كثيرة تتعلق بالاستمناء ، فذكرنا حكمه وأنه حرام ، وذكرنا سبل الوقاية من فعله ، وسبل التخلص منه – ينظر لمن شاء جواب السؤال رقم ( 329 ) - ويبدو أنك قد اطلعت على ذلك كله ، وبما أنك تريد شيئاً خاصّاً بك : فسنتكلم معك في أمور محددة :(/1)
1. قيامك بالصلوات ، وحرصك على عدم إنشاء علاقات محرمة مع فتيات أجنبيات ، وحرصك على عدم الوقوع في العادة السيئة ، وندمك بعد فعلك لها : كل ذلك طيب ، وجيد ، وفي ميزان حسناتك إن شاء الله ، ونشد على يدك في الاستمرار به ، وتقويته ، وعدم التراجع عنه ، فلا بدَّ لإيمانك أن يبقى في ازدياد ، ولا تجعل للشيطان فرصة لينال منك ، فيشعرك بالتناقض ، أو يزهدك في الندم والتوبة ، فتكون من الهالكين .
2. لا تجمع مع العادة السيئة معاصيَ أخرى فتغضب بها ربك عز وجل ، وإذا كنت تشكو من غلبة شهوتك على إيمانك وعقلك ، فتمارس هذه العادة السيئة : فأي شيء يدعوك لفعل معاصٍ أخرى تغضب الجبار عز وجل ، ونعني به : النظر إلى مواقع إباحية فاسدة ؟! فاتق الله تعالى في نفسك ، ولا تسعر في قلبك نار الشهوة بالنظر المحرم ، أو القراءة للقصص الجنسية ، أو غيرها من المثيرات ، فكل ذلك مما لا تعذر به ؛ لأنه بيدك الفعل والترك .
3. وللأسف فأنت تعيش في دولة إباحية ، وتدرس في مكان مختلط ، وترى من المنكرات والفواحش ما يدفعك للوقوع في هذه العادة ، وليس من شك أن ارتكابك هذا الخطأ أخف إثما من وقوعك في الزنا ، لو قدر أن الفرصة أمكنتك من هذه الفاحشة ، ودار أمرك بين أن تزني أو تستمني ؛ لكن لو أنك أردت التخلص ـ فعلا ـ من هذه العادة ، وغيرها من المعاصي والمنكرات : لوجب عليك التخلص من أسباب جلب تلك الشهوات ، من وجود في بلد إباحي ، ومن النظر المحرم ، والاختلاط المنكر .
4. وما ذكرناه في إجاباتنا كافٍ لك ولغيرك ممن يود بصدق التخلص من هذه العادة ، ولكننا سنذكرك بأمرين مهمين نرجو أن يساعداك في التخلص من هذه العادة ، ومن غيرها من المحرمات :(/2)
الأمر الأول : هو أن نسألك : هل تستطيع فعل العادة السيئة أمام أهلك وإخوانك ؟ هل تستطيع فعلها أمام أصدقائك وجيرانك ؟ وهل تستطيع فعلها أمام أحدٍ من العلماء أو الصحابة ؟ نجزم عنك بأن الجواب : لا ، لا أستطيع ، ولو بلغت الشهوة مني مبلغها ، أليس كذلك ؟ حسناً ، هل تعلم أنك تفعلها أمام رب السموات والأرض ؟! هل تعلم أن خالق الكون يراك وأنت تفعلها ؟! هل تعلم أنك تفعلها والملائكة الكرام الكتبة يرونك ؟! فكيف لم تفكِّر في ذلك ؟ كيف جعلت الله تعالى أهون الناظرين إليك ؟!! .
فأيهم أولى بحيائك : من تخفي عنهم فعلتك أمامهم حتى لا يذكرونك بقبيح وسوء ، أم من يتوعدك بالعقوبة على فعلك ؟! .
قال تعالى : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) النساء/ 108 .
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله – :
يعني جل ثناؤه بقوله : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ) يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ما أتَوْا من الخيانة ، وركِبوا من العار والمعصية ( مِنَ النَّاسِ ) الذين لا يقدرون لهم على شيءٍ إلا ذكرهم بقبيح ما أتَوْا من فعلهم ، وشنيع ما ركِبوا من جُرْمهم إذا اطلعوا عليه ، حياءً منهم وحذراً من قبيح الأحدوثة .
( وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ) الذي هو مطلع عليهم ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وبيده العقاب ، والنَّكال ، وتعجيل العذاب ، وهو أحق أن يُستحى منه من غيره ، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه .
( وَهُوَ مَعَهُمْ ) يعني : والله شاهدهم .
" تفسير الطبري " ( 9 / 191 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :(/3)
وهذا مِن ضعف الإيمان ، ونقصان اليقين ، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله ، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس ، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم ، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم ، وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم ، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه .
" تفسير السعدي " (ص 200 ) .
الأمر الثاني : أنك لا تدري متى تموت ، أليس كذلك ؟ ولا تدري على أي شيء تموت ؟ أليس كذلك ؟ فقف مع نفسك وقفة يسيرة ، وتأمل : ماذا لو أن الله تعالى قضى عليك بالموت وأنت تفعل هذه العادة السيئة ؟! وهل هذا من حَسَن الخاتمة أم من سيئها ؟ وكيف ستبعث من قبرك وآخر فعل لك هو هذه العادة ؟! ولعلك سمعت ما انتشر بالصوت والصورة عن قصص أولئك الفتيات الغافلات اللاتي جاءهن أجلهن وهن على فاحشة منكرة ؛ فمن يضمن لك – ولنا – حسن الخاتمة ؟ ومن يملك أمر الموت وساعة الأجل إلا الله ؟! .
فنرجو منك أخي الفاضل أن تفكر فيما ذكرناه لك ، وأن تتأمله جيِّداً ، واطلب من ربك بصدق وإخلاص أن يطهر قلبك وجوارحك من الآثام والمنكرات ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ) رواه مسلم ( 2577 ) .
وبادر بإشغال وقتك بما هو مفيد ، واحرص على الصحبة الصالحة تحوطك وترعاك ، وعجِّل بالزواج فإنه لا يقطع شهوتك بالحلال إلا الزواج ، ولا يشترط فيه إذن أهلك .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .
رواه البخاري ( 4778 ) ومسلم ( 1400 ) .
قال الإمام النووي – رحمه الله - :(/4)
من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه ، وهي مؤن النكاح : فليتزوج ، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه : فعليه بالصوم ليدفع شهوته ، ويقطع شر منيِّه ، كما يقطعه الوجاء ، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشبان ، الذين هم مظنة شهوة النساء ، ولا ينفكون عنها غالباً .
" شرح مسلم " ( 9 / 173 ) .
واحرص على النجاة بنفسك ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يطهر قلبك وجوارحك ، وأن يثبتك على الإيمان واليقين ، وأن يختم لك بخير .
ويمكنك الاطلاع على جواب السؤال رقم : ( 20229 ) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر ، و جواب السؤال رقم : ( 20161 ) وفيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها ، وفي ( 39768 ) ذكرنا الآثار الصحية لهذه العادة على الجسم والعقل والوجه والذاكرة ، وذكرنا فيه طرق التخلص منها وعدم الوقوع فيها .
والله الموفق(/5)
رقم السؤال:
101546
العنوان:
خروج المعتدة من وفاة لقضاء حوائجها
السؤال:
قتل والدي في بغداد وتم تهجيرنا من سكننا وذهبنا إلى تركيا ، والدتي التزمت بالعدة لمدة شهر ونصف ثم قطعتها بسبب المراجعات للإقامة ، والآن التزمت مرة أخرى ، فهل تحسب لها المدة السابقة أي الشهر والنصف أم لا ؟ علما أن والدي توفي منذ أربعة شهور .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يأجركم في مصابكم ، وأن يعوضكم خيراً ، وأن يكفي المؤمنين شر المعتدين والمنافقين .
ثانياً :
عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر أيام بلياليها ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) البقرة/234 .
وهذه المدة تبدأ من وفاة الزوج ، وتنتهي بنهاية المدة ، سواء التزمت الزوجة بأحكام الحداد أو لا ، وسواء علمت بوفاة الزوج أو لا ، فإذا مضت أربعة أشهر وعشر أيام من وقت وفاته فقد انتهت عدتها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/93) : " أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر , مدخولا بها , أو غير مدخول بها , سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ ; وذلك لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج , أربعة أشهر وعشرا ) متفق عليه " انتهى .(/1)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/421) : " يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا إذا لم تكن حاملا ، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) وذلك من تاريخ الوفاة ، وإذا تعمدت المرأة ترك الإحداد فهي آثمة ، وعليها التوبة والاستغفار " انتهى.
وجاء فيها أيضا (20/481) : " عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر بعد الوفاة مباشرة، ووضع الحمل إذا كانت حاملا، وما دام أن والدتك لم تحد في الوقت المحدد إما جهلا وإما لغير ذلك فلا كفارة عليها، وعليها التوبة والاستغفار وكثرة الذكر ".
ثالثاً :
المرأة في عدة الوفاة لها أن تخرج من بيتها في النهار لقضاء حوائجها ، كمتابعة الإجراءات الحكومية إذا لم يوجد من يقوم بها بدلا عنها ، وأما الليل فلا تخرج فيه إلا لضرورة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها . لما روى جابر قال : طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا ) . رواه النسائي , وأبو داود . وروى مجاهد , قال : ( استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن : يا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها ) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى .(/2)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) " : الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه ، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة ؛ كمراجعة المستشفى عند المرض ، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه ، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك " انتهى .
والحاصل أن خروج والدتك من أجل الإجراءات الحكومية ، لا حرج فيه إن شاء الله ، ولا يعتبر قطعاً للعدة ، لأنه خروج للحاجة أو الضرورة . وإذا كان والدك قد توفي من أربعة أشهر ، فقد بقي من العدة عشرة أيام .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101547
العنوان:
أصابته جنابة في بيت صديقه وخشي أن يتهم
السؤال:
استضافني رجل إلى بيته ونمت عنده تلك الليلة وقمت على جنابة ودعاني إلى صلاة الفجر لكي نصليها في بيته فهل يجب علي تلبية دعوته إلى الصلاة أم أرفض مع أن له زوجة في البيت وأخاف أن أقول له إني على جنابة خشيت تسلل الشك إليه في أهله ?
الجواب:
الحمد لله
إذا أصبحت جنبا ، لزمك الغسل ، لتتمكن من أداء الصلاة ، ولا يجوز لك الصلاة مع الجنابة ، ولا يجزئ الوضوء عن الغسل ، لكن إن لم تجد ماء ، أو وجدته باردا ، ولم تجد ما تسخنه به ، وخشيت على نفسك من استعماله ، فتيمم .
وأما ترك الاغتسال خجلا وحياء ، فلا يجوز ، ولا يبيح ذلك التيمم .
والصلاة مع الجنابة منكر عظيم ، تجب منه التوبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ ) رواه مسلم (224).
وقد أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الصلاة من غير طهارة من الأسباب التي يُعذّب عليها في القبر . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65731)
والواجب على العبد أن يكون خوفه من الله تعالى فوق خوف الناس ، كما قال سبحانه: ( فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن ) المائدة/44
وقال: ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/ 13 .
والحياء الذي يحمل على ترك الواجبات حياء مذموم، بل هو ضعف وعجز.
ولو أنك خرجت إلى المسجد ، واغتسلت ، وصليت ، لأمنت من هذا الحرج .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101549
العنوان:
حكمة تحريم الذهب على الرجال
السؤال:
يسأل أحد زملائي الهندوس في العمل عن الحكمة وراء عدم جواز ارتداء الرجال المسلمين للذهب؟
الجواب:
الحمد لله
إن شريعة الله عز وجل جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم ، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان العالم بما يصلحه ويفسده ، لكن الحكمة من وراء التشريع قد تظهر لكل أحد وقد لا تظهر ، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله لأن ذلك مقتضى إيمانه بالله ربا وإلهاً ، ومن ثم فالكافر ينبغي أن يكون الجدال معه في إثبات هذا الإيمان أولاً ، ثم بعد ذلك يخوض المرء في الحديث عن الحِكَم من وراء التشريعات .
وفي الجواب عن هذا السؤال بخصوصه نقول :
إن الله جل شأنه خلق الإنسان وجعله زوجين ، ذكراً وأنثى ، وجعل لكل واحد منهما خصائص تتناسب مع الوظيفة الموكلة إليه في هذه الحياة ، فللرجل وظائف وأعمال لا تطيقها المرأة ، وللمرأة وظائف وأعمال لا يطيقها الرجل .
وإذا كان الأمر كذلك فإن من تمام الحكمة أن يهيئ كل واحد منهما لتلك الوظائف ، التي تطلب منه .
ومن المعلوم أن الذهب مما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية ، والرجل غير مقصودٍ بهذا الأمر ، أي ليس إنسانا يتكمل بغيره ، بل الرجل كامل بنفسه ، لما فيه من الرجولة ، فليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر تتعلق به رغبته ، بخلاف المرأة ، فإن المرأة محتاجة إلى التجمل ، حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها ، ولهذا أبيح لها أن تتجمل بالذهب وغيره حتى تتعلق بها رغبة الرجل ، فيطلبها ، فيتحقق المقصود من النكاح ، وهو المحافظة على الجنس البشري ، فالتنشئة في الزينة والنعومة إنما تليق بالمرأة ، أما الرجل فإن ذلك في حقه من المذام والمعايب ، ولذلك قال الله تعالى : ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) الزخرف/18 .(/1)
هذا خلاصة ما أجاب به أهل العلم عن هذا السؤال كما ذكر ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاويه (11/60) .
وإذا كان الذهب والتزين به أمراً يوافق طبيعة المرأة والوظيفة التي خلقت لها فإن من الحكمة الظاهرة أن يمنع الرجل من التشبه بالمرأة في ذلك ، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين" (2/109) :
" وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حُرِّم لسد ذريعة التشبه بالنساء " انتهى .
ومن العجائب الآن : أنك ترى كثيراً من الشباب يتجملون بلبس سلاسل الذهب وغيرها ، بل تجدهم يضعون المكياج على وجوههم ، وهذا انتكاس في الفطرة ، ويتنافى مع الرجولة والحزم اللذين يجب أن يتصف بهما الرجل ، ولذلك لا تجد عاقلاً صاحب أعمال جادة يفعل ذلك ، وإنما هم إما من الشواذ ، أو ممن عندهم نقص في نفوسهم ، وفراغ في أوقاتهم ، فيحاولون ملأ نقص نفوسهم وفراغ أوقاتهم بذلك .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101559
العنوان:
التزوير في توقيع الحضور في الجامعة هل يؤثر على الراتب فيما بعد ؟
السؤال:
انتشر بين طالبات الجامعة ظاهرة تزوير التوقيع ( توقيع حضورهن ) لكل محاضرة .. أي قد لا تحضر الطالبة وتطلب من غيرها التوقيع .. هل يدخل في الكذب المحرم ؟ و هل لو تخرجت يكون مالها حراما ؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن توقيع الطالبة بالحضور عن زميلتها التي لم تحضر ، يدخل في الكذب والتزوير وخيانة الأمانة ، وكل ذلك محرم .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ ( أي يبالغ فيه ويجتهد ) حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ) رواه البخاري (5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
وإذا كان الحضور يترتب عليه درجات توضع في الشهادة ، وينبني عليها النجاح والرسوب ، ونوع التقدير الذي تحصل عليه الطالبة ، فإنها إن أخذت ما لا تستحقه من الدرجات أو التقدير وتوظفت به ، كانت على خطر ؛ لأن ما بني على الباطل فهو باطل ، وذلك كأن يكون غيابها لا يؤهلها إلى تقدير ممتاز مثلا ، وكانت الوظيفة لا تعطى لها إلا بهذا التقدير ، فإن حصولها على الوظيفة هنا جاء بطريق محرم .
وينظر جواب السؤال رقم (6418) ورقم (3481) .(/1)
ولهذا نوصي هؤلاء الطالبات بتحري الصدق في تسجيل الحضور ، وترك الكذب والتزوير ، فرارا من الإثم ، وحذرا من الوصول إلى الوظيفة فيما بعد بطريق محرم ، وأن يعلمن أنه لا مجال للمحاباة والمجاملة في اقتراف المحرمات .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101564
العنوان:
التهديد بالطلاق لا يحسب طلاقا
السؤال:
سافرت من أجل العمل ، وزوجتي مقيمة مع أهلي وحصل خلاف بيني وبينها عن طريق رسائل الجوال ، فقد استفزتني ذات مرة فأرسلت لها رسالة بها بعض الكلمات الجارحة فقررت الذهاب لبيت أبيها ، فلما علمت أنا بذلك وفي لحظة غضب أرسلت لها رسالة على الجوال - حلفت وقلت فيها- (ورأس أبي ما دام أنك صغرتيني أمام أهلي سأخلصك وأنا هنا وغداً ترين ذلك ، ولكن انتهي من الحمل). وبعد يومين أرسلت رسالة أخرى قلت لها( أرسلي مفتاح الشقة ، لكي يرسلوا لك أغراضك ، لأني حلفت ألا تدخليها مرة أخرى ) –مع العلم بأني لم أنطق بالحلف ، ويعلم الله أني كنت أقصد من كل هذا التهديد والتأنيب على عدم استئذانها-ولم أحدثها لمدة 12 يوما ثم نصحني أحد الأصدقاء بأن الخطأ خطئي فاتصلت واعتذرت لها- فهل يعد نص الرسالة الأولى بمثابة طلاق معلق أو مشروط؟ أو هل يعتبر أي نوع من أنواع الطلاق؟ وما حكم الحلف في الرسالة الثانية؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي لكل مسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام الذي يؤذي مخاطبه ويجرح مشارعه ، لأن هذا ينافي مكارم الأخلاق ، ويفتح بابا للشيطان ، وقد قال تعالى : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) الإسراء/53 .
ويتأكد هذا إذا كان التخاطب بين الزوجين ، لما بينهما من الرابطة العظيمة ، والحقوق الكبيرة المتبادلة .
وينبغي أن يربي الإنسان نفسه على الاعتراف بالخطأ ، والرجوع عنه ، فإن هذا مع وجوبه ، يدل على شرف النفس وكمالها ، خلاف ما يظنه المتكبرون من أنه مذلة ومهانة .
ثانيا :(/1)
لا يجوز الحلف بغير الله تعالى ، كحلف الإنسان برأس أبيه أو أمه أو بحياتهما ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فمن أراد أن يحلف ، فإما أن يحلف بالله أو يسكت ، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري (2679) ومسلم (1646) .
ثالثا :
ما قلته لزوجتك في الرسالة الأولى لا يعتبر طلاقاً ، وإنما هو تهديد ووعيد بالطلاق ، ولا يقع به شيء إلا إذا أوقعته بعد ذلك .
رابعا :
قولك في الرسالة الثانية : " أنا حلفت ألا تدخليها مرة أخرى – مع أنك لم تحلف ، هذا من الكذب الذي يجب عليك أن تتوب إلى الله منه ، وتعزم على عدم العودة إيله ، ولا يقع بذلك الطلاق .
ونسأل الله أن يصلح حالكما .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101567
العنوان:
حكم استعمال دواء أو جهاز لتكبير القضيب
السؤال:
أسأل السؤال وأنا في قمة الحرج ولكن لا حياء في الدين . لي أخت في الله ملتزمة ويملأ قلبها الخوف من الله ، وهي متزوجة منذ زمن بعيد ولديها أولاد تقول بأنها لا تستمتع بالمعاشرة الزوجية في بعض الأوقات مع زوجها وذلك بسبب صغر حجم قضيب زوجها وتسألني إذا كنت أعرف الإجابة على سؤالها وهو: -هل يجوز لها أن تطلب من زوجها وحسب ما تشاهد من بعض الإعلانات في الصيدليات والإنترنت بأن يقوم باستخدام الأدوية أو الأجهزة الخاصة بتكبير القضيب ، أو القيام بتركيب قضيب صناعي على ذكره حتى أستمتع أنا أولا" ثم يقوم هو بالاستمتاع بدونه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج على الزوج المسئول عنه أن يراجع الأطباء ، لوصف دواء يعمل على تكبير القضيب ، بشرط انتفاء الضرر .
كما لا حرج عليه أيضا في استعمال ما يضعه على ذكره ، كالواقي ونحوه ، إذا كان هذا أكمل في تحصيل المتعة لزوجته ؛ إذ الأصل الإباحة ، والزوج مطالب بحسن العشرة ، ومنها إعفاف زوجته ، وإشباع رغبتها ، وإزالة ما يعوق ذلك .
ثانيا :
قولك : لا حياء في الدين ، لا ينبغي ، والأولى أن تقولي : إن الله لا يستحيي من الحق .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بعض أجوبته : " أما قوله "لا حياء في الدين" فالأحسن أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق، كما قالت أم سليم رضي الله عنها: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟) أما "لا حياء في الدين" فهذه توهم معنىً فاسداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الحياء من الإيمان) فالحياء في الدين من الإيمان، لكن غرض القائل: "لا حياء في الدين" يقصد أنه لا حياء في مسألة الدين، أي: في أن تسأل عن أمر يستحيا منه، فيقال: إذا كان هذا هو المقصود فخير منه أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق " اللقاء الشهري (37/25).(/1)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101568
العنوان:
الاقتراض من البنوك لعمل مشروع بضمان من الدولة
السؤال:
أريد أن أعرف حكم إقامة مشروع أعين به نفسي على أن الدولة هي التي تضمنني والبنوك والجمعيات هي التي تقرضني على أساس أن الدولة هي صاحبة الفكرة من أجل التقليص من البطالة وكما تعلمون أنه في عصرنا الحالي لا توجد مناصب شغل شاغرة إلا لأصحاب النفوذ أو من يدفع الرشوة .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان القرض الذي ستحصل عليه قرضا حسنا لا تشترط فيه الفائدة الربوية ، فلا حرج عليك في أخذه وإقامة المشروع به ، مع العزم على سداده ، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ) رواه البخاري (2387).
وأما إذا كان القرض تشترط فيه فائدة ربوية فلا يجوز الإقدام عليه مهما كانت الفائدة قليلة ، لعظم حرمة الربا ، وشناعته ، وما جاء فيه من اللعن لآكله وموكله ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الربا مع الدولة أو المؤسسات التابعة لها أو مع عامة الناس .
وأبواب الرزق الحلال موجودة وإن بدا للإنسان أنها قليلة ، لكن من اتقى الله تعالى هيأ له الأسباب ، وفتح له الأبواب ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، كما وعد سبحانه بقوله : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 ،3 .(/1)
ولا يجوز لأحد أن يستعجل الرزق المقدّر بارتكاب الحرام ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) رواه أبو نعيم في الحلية ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(2085) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : لعدم توافر فرص العمل عندنا؛ قامت الدولة بعمل مشروع الصندوق الاجتماعي، وهو عبارة عن مشروعات صغيرة للشباب الخريجين، وتقدمت لذلك بمشروعي وهو مضرب أرز خط كامل، بما أني أمتلك خبرة في هذا المجال، وبعد مناقشة المشروع ودراسة الجدوى تمت الموافقة عليه، وتحولت أوراقي للصرف من البنك، وعند ذلك عرفت بأن الموضوع عبارة عن قرض يسدد بعد 5 سنوات أو على مدار 5 سنوات بفائدة 9%، والبعض قال: إنه يعتبر ربا ، فتوقفت عن الصرف حتى أسأل فضيلتكم. فما حكم هذا القرض؟
فأجابت : " إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال؛ فإن هذا العمل لا يجوز؛ لأنه يقوم على الربا الصريح، وقد حرم الله الربا، ولعن آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، فعليك بالتماس الرزق من وجه حلال ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق 2-3
عبد العزيز بن عبد الله بن باز .... عبد العزيز آل الشيخ .... عبد الله بن غديان ...... صالح الفوزان ... بكر أبو زيد " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/425).
وانظر جواب السؤال رقم (45852)
نسأل الله أن يرزقك من فضله ، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101572
العنوان:
نصرانية مترددة في الدخول في الإسلام وتطلب نصحها وتوجيهها
السؤال:
أنا حاليّاً مسيحية ، وقد بدأت أبحث فى الإسلام عندما قال لي رفيقي إنه يرغب في الزواج مني ، وقد قرأت الكثير من الكتب ، وواظبت على الذهاب للمسجد ، وأنا أستمتع – حقيقة - بالقراءة عن الإسلام ؛ بالرغم من حيرتي ؛ وعدم فهمي لبعض جوانب الإسلام ؛ ولكون أسرتي تدين بالمسيحية : فإنها غير سعيدة لبحثي في الإسلام ، ولهذا فأنا بحاجة للنصح حول ما يجب عليَّ القيام به ؟ ما زالت تراودني بعض الشكوك حول الإسلام ، لكني أتطلع لعيش حياة أكثر روحانية كمسلمة ، ومع ذلك فأنا أخشى ألا أتمتع بإيمان قوي أو أن أفقده بسهولة ، برجاء تقديم العون لي بالإجابة على هذه الأسئلة ، فأنا بحاجة للمساعدة ، وأعاني من ضغط عصبي شديد . وشكراً .
الجواب:
الحمد لله
1. إننا لنسعد بأنك قرأتِ عن الإسلام ، ورأيتِ كيف يعبد المسلمون ربهم تعالى ، ونشعر في قرارة أنفسنا أنه تولَّد لديك شعور براحة وطمأنينة قد لا تستطيعين التعبير عنها ، لكنها بالتأكيد موجودة ؛ لأنك في الواقع أحييتِ الفطرة التي فطر الله الناس جميعاً عليها ، وهي توحيد الله تعالى ، والإيمان به وحده لا شريك له .
2. ولو تأملتِ في حال غير المسلمين ممن دخل في هذا الدين العظيم لرأيتِ عجباً ، فليس يوجد يوم لا يدخل فيه أحدٌ في الإسلام ، ولكل واحدٍ من أولئك قصة ، وليس لهؤلاء مصلحة دنيوية في دخول الإسلام ، بل كل أولئك يدخل الإسلام عن اقتناع واعتقاد جازم بأنه الدين الحق .(/1)
3. ونحن وإن كنا نحب الهداية لكِ ولأهلك لكننا نرجو أن لا يكونوا عقبة بينك وبين الهداية لهذا الدين ، واعلمي أن يوم القيامة آتٍ لا محالة ، وفيه كل واحد من الناس يقول " نفسي ، نفسي " ، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، لكل واحد منهم شأن يغنيه ، فسارعي في إنقاذ نفسك أولاً ، ثم التفتي لأهلك ، واسعي في هدايتهم وإرشادهم ، ولا تجعلي أحداً يحول بينك وبين الهداية ، وفي تعليمات الطيران عند وقوع حالة طارئة في الطائرة تقول التعليمات : ضع الأكسجين لنفسك أولاً ، ثم التفت لمن بجانبك ، يعني : أنقذ نفسك ، ثم باشر بإنقاذ من بجانبك ، ولو كان أقرب الناس لقلبك ، وفي شرعنا يقول الله تعالى : ( قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) فعليك بنفسك أولاً ، سارعي دون تردد في اللحاق بالركب المبارك الذين يتقدمهم الأنبياء والمرسلون ، واعلمي أنكِ على الحق والصراط المستقيم الذي سار عليه أولئك الصفوة من خلق الله تعالى .
4. في ديننا الحنيف لا يتم إسلام أحد إلا بأن يؤمن بالأنبياء والمرسلين جميعاً ، وبكتبهم التي أنزلها الله تعالى عليهم ، ومن ينتقص أحداً منهم فإنه يخرج من الدين ، بينما الأديان الأخرى تنتقص بعض الأنبياء والمرسلين ، وكل أتباعهم لا يؤمنون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فانظري للفرق العظيم بين ديننا الذي يأمرنا بالإيمان بأولئك الصفوة من خلق الله وتعظيمهم وتقديرهم ، وبين غيرنا ممن يكفر برسولنا – وبغيره – وينتقص بعض الأنبياء والمرسلين ، ويتهمونهم بما يُستحيى من ذكره .(/2)
5. تعرَّض هذا الدين المبارك لكثير من الطعن والتشويه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، ولكن بفضل الله تعالى ما ازداد أهله إلا تمسكاً به واقتناعاً ؛ لأنهم رأوا الطعن والتشكيك قائمين على الهوى والجهل والحقد ، وليس له أصل من العلم ، ومع كل تلك الحرب والتشكيك في الإسلام فإننا نرى الآلاف يدخلون في دين الله أفواجاً من شعوب تلك البلدان التي يتزعم المتطرفون فيها الطعن والتشكيك في الإسلام .
وخذي مثالاً على ذلك : أمريكا ، فبعد أحداث ما يعرف بـ " الحادي عشر من سبتمبر " بلغ عدد من دخل في الإسلام في أمريكا ( 25000 ) مسلماً ، وهي أعلى نسبة في تاريخها ، وهذا مع التشكيك والطعن والتشويه للإسلام من قبل الحكومة ومن قبَل كثير من المؤسسات والجمعيات .
6. ونحب أن نطمئنك أنك لن تجدي شيئاً في الإسلام قابلاً للتشكيك ، وأحكام الله وشرائعه محكمة ، شرعها الله تعالى لتكون صالحة مصلحة في كل زمان ومكان ، وها نحن في هذا الموقع قد تلقينا رسائل كثيرة من أناس توقفوا عن الدخول في الإسلام بسبب ما يسمعونه من طعن وتجريح وتشكيك في أحكام الإسلام ، وقد أجبناهم عنها ، وسرعان ما تبين لهم الحق والصواب ، فلم يتردد من أراد الله هدايته وإنقاذه من الهلاك من أن يعلن إسلامه واستسلامه لهذا الدين وأحكامه .
7. في هذا الدين العظيم ما يجعل إيمانك قويّاً ويزداد يوماً بعد يوم ، فالإيمان في الإسلام يزداد بالطاعات ، وفي الإسلام سبل كثيرة تجعل إيمانك في ازدياد مستمر لو أنك تقومين بتلك الطاعات ، فلا تجعلي هذا الأمر عائقاً لك في دخولك في الإسلام ، فالقرآن الكريم آياته كثيرة ، نجزم لك أن قراءة كل آية فيه تزيد في إيمانك ، وكل ركعة تصلينها تجعل إيمانك في ازدياد ، وهكذا الصيام والعمرة والحج والصدقات وإعانة المحتاجين وغير ذلك من أبواب الخير .(/3)
8. تداركي نفسك ، والتحقي بهذا الركب ، واركبي سفينة النجاة ، ولا تترددي ، واشكري الله تعالى أن هيأ لك فرصة تقرئين فيها عن الإسلام ، وترين المسلمين وهم يصلون ، وأن هيأ لك موقعاً إسلاميّاً موثوقاً تراسلينه ، وتطلبين منه النصح والإرشاد ، وهذه نعَم يبذل غيرك فيها الأموال والأوقات حتى يتحصل على شيء منها ، فلا تفوتي الفرصة من يديك ، ولا تجعلي لأحد من الناس فرصة ليثبطك عن الدخول في هذا الدين .
ونحن نسأل الله تعالى أن يهديكِ لما يحب ويرضى ، ونسأله تعالى أن يوفقك لما فيه خير وصلاح دينك ودنياك ، ونسأله تعالى أن يعجِّل لك بالهداية ، إنه على ذلك قدير .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
101574
العنوان:
خرجت من بيت زوجها وطلب منها عشيقها التزوج منه وهي على ذمة الأول !!
السؤال:
أنا فتاة عمري 26 سنة ، تطلقت منذ فترة أسبوع ، بعد أن تركت منزل الزوجية منذ سنة ، وأنا عند أهلي مع طفلي ، وعمره سنتان الآن ، وفي بداية زواجي الذي كان عن حب سكنت معه في منزل والدته ، وبدأتْ والدته بالتدخل في كل شيء ، وطلب مني العمل لأساعده على أعباء الحياة وتسديد القرض الذي أخذه لزواجنا ، وبالفعل وجدت وظيفة ، وعملت ، وساعدته ، وكان شَرطي الوحيد أن نسكن وحدنا بعيداً عن تدخل والدته المستمر ، ووعدني بذلك ، وكانت والدته هي من يتحكم بكل شيء في البيت ، وزوجي كان لا يستطيع أن يعترض وإلا فإنها ستطلب منه الخروج من المنزل ، وهي تعمل كذلك ، أما بالنسبة لزوجي فقد جربته وعشت معه سنتين وجدته خلالها شخصاً آخر غير الذي عرفته في البداية ، كان مجرد قناع ، أصبح يأخذ راتبي كله ويعطيني مصروفاً يوميّاً ، وكذلك كلما احتاج للنقود أو ترك عمله يطلب مني أن أبيع من ذهبي ، وبالفعل قمت بذلك ، وهو قام بذلك في بعض الأحيان ، وكان يطلب مني أن أستدين من أهلي ، وكنت أفعل ، وبالمقابل هو لم يكن يعطيني شيئاً ، وكنت محرومة من كل شيء ، وكانت جملته لي دوماً ( أنتي تعرفين وضعنا ، وتحملي ) وكان يخفي محفظته في السيارة ، ويقول بأنه لا يحق لي أن أعرف ما معه ، أو ليس معه ، وأصبحت المشاكل بيننا تزداد ، وكذلك استمررت بطلبي منه بأن يكون لي بيت مستقل لأني لست معتادة أن أكون في بيت الداخل داخل والخارج خارج منه ، حيث له أخت مطلقة ، تعمل ، وتبيت في مكان عملها في فندق خارج ( منطقتنا ) وتأتي للزيارة ، وخلال زيارتها تخرج للسهر كل ليلة وتعود بعد منتصف الليل ، وكان هذا الوضع لا يرضيني ولا يعجبني ، وكنت أقول لزوجي المحترم : ماذا سيقول الجيران عن سكان هذا المنزل الذي نحن فيه ؟ هذا عيب ، وكان يجيب : أنا سأتحدث معهم ، أنا لا يعجبني هذا(/1)
، وبقي يصبِّرني بكلامه ، وفي النهاية قال لي : هذه عاداتنا وطباعنا ( كونهم من قومية غير عربية ) وأنا لا أستطيع أترك أمي وأختي وحدهما وأسكن بعيداً عنهما ، وبقيت مترددة في إخبار أهلي لأنهم جميعاً عارضوا زواجي منه في البداية ولكن أصررت لأني رأيت فيه طيبة الخلق والقلب ، وكم كنت عمياء ، وفي النهاية أخبرت أهلي بناء على آخر كلام سمعته وهو يتحدث لوالدته يشكي لها مني وهي تخبره بأن يضربني ، وأن يأخذ الولد مني ، وهذا كان آخر ما حصل ، وتركته ، وذهبت لمنزل أهلي ، وحضر بعد أسبوعين ليعرف لماذا تركت المنزل ، ولم أخبره بأني سمعت شيئاً ، وكان ما طلبته منزلاً شرعيّاً وحدي وليس مع أهله ، ووافق ، وبعد أن رأينا المنزل وذهب هو لرؤية المنزل غيَّر رأيه ، وبقي الموضوع سنتين خلالها اتهمني بأني على علاقة بأحد ما ، وبأنه يلعب بعقلي عندما شاهد معرفة لوالدي يوصلني من مكان عملي ، وجدته يومها صدفة في مكان عملي ، ووجدت زوجي ينتظرني أسفل مكان عملي ، وخوفا من أن يؤذيني طلبت منه أن يوصلني ، وبعدها أرسل أناساً للتشهير بي ، وإما أن أعود لمنزل والدته ، أو أطلَّق ، وأن أتنازل عن حقوقي ، فرفضت طبعا ، وعندها أصررت على الطلاق منه ، لم أعد أريد منزلاً ، ورفع عليَّ قضية الطاعة مرتين ، وفي النهاية رفعت أنا قضية الطلاق ، ولكن خلال آخر خمسة أشهر كنت قد تحدثت بالصدفة إلى نفس الشخص الذي أوصلني الذي يعرفه والدي ، وهو يكبرني بحوالي 14 سنة ، وكنت قد أخبرته بما حصل معي ، ووقف إلى جانبي ، وأفهمني أموراً عن الحياة والناس ، وأن هناك أموراً لا يجب السكوت عنها ، وأن هذا الشخص اقتراني به من الأساس كان خاطئاً وبأني لم أسمع نصيحة ورأي الجميع ، وأني أنا المخطئة ، وفيما بعد بدأت أشعر بانجذاب نحوه ، وأنا بداخلي أعرف أن هذا خطأ ، وهذا الشعور يؤنبني دوماً ، خاصة وأني أصبحت أحبه ، وأعرف أنه يحبني أيضا ، وهذا أمر لم يكن مخططا له ، والتقينا(/2)
عدة مرات ، وتقابلنا ، وجلسنا ، وتحدثنا كثيراً ، حتى إنه طلب مني أن يتزوجني قبل أن أتطلق ، وأنا أود ذلك لكن أخاف مما قد يحصل فيما بعد من معارضة ، خاصة في الظروف التي نشأتْ فيها هذه العلاقة ، وأنا خوفي من الله أن أكون قد أخطأت كوني أحببتُ شخصاً آخر ، وأنا على ذمة رجل آخر ، مع العلم أني تركت زوجي منذ سنة و 3 شهور ، وأنا تطلقت منذ أسبوعين تقريباً . أرشدوني فيما فعلتُ ، هل أنا على خطأ ؟ وهل ما فعلت هو حرام ؟ فأنا في خلاف دائم مع نفسي ، وفي حيرة شديدة ؛ لأني لا أريد أن أغضب الله ، وأن لا أكون قد فعلت معصية .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة ، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله ، وأن لا أكون قد فعلت معصية " !! وعلى كل حال : فإن هذا من شؤم المعصية ، ومن آثارها ، وهو حجب العقل ، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم .
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي - :
ومنها : أن المعاصي تُفسد العقل ، فإن للعقل نوراً ، والمعصية تطفئ نور العقل ، ولا بد ، وإذا طُفئ نوره : ضعف ، ونقص ، وقال بعض السلف : " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه " ، وهذا ظاهر ، فإنه لو حضر عقله : لحجزه عن المعصية ، وهو في قبضة الرب تعالى ، أو يجهر به ، وهو مطلع عليه ، وفي داره ، على بساطه ، وملائكته شهود عليه ، ناظرون إليه ، وواعظ القرآن نهاه ، ولفظ الإيمان ينهاه ، وواعظ الموت ينهاه ، وواعظ النار ينهاه ، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة : أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها ، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم ؟! .(/3)
ومنها : أن الذنوب إذا تكاثرت : طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين ، كما قال بعض السلف في قوله تعالى ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) المطففين/ 14 ، قال : " هو الذنب بعد الذنب " ، وقال الحسن : " هو الذنب على الذنب ، حتى يعمي القلب " ، وقال غيره : " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم : أحاطت بقلوبهم " .
وأصل هذا : أن القلب يصدأ من المعصية ، فإذا زادت : غلب الصدأ حتى يصير راناً ، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً ، وقفلا ، وختماً ، فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة : انتكس ، فصار أعلاه أسفله ، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد .
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " ( ص 39 ) .
ونأسف أن نقول لكِ : إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها ، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما .
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي :
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به ، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج ! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة : (34841) و (26890) و (23349).
وانظري – في العلاقات المحرَّمة - : أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب ، فإن كان ظنُّنا في مكانه : فهي معصية ، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين - : فليس عليك شيء .
قال ابن القيم – رحمه الله - :(/4)
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال : أصلُ كل بليَّة وشرٍّ ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء : سببٌ لكثرة الفواحش ، والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة .
" الطرق الحُكمية " ( ص 407 ) .
وانظري جواب السؤال رقم ( 1200 ) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة ، وشروط جوازه : انظر جواب السؤال رقم ( 22397 ) .
وفي جواب السؤال رقم ( 6666 ) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط .
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج ، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه ، ومن شكوى منه بثها لها ، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك ، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك ، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته ، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه ، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي ، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم ، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه : فهو غير جائز ، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق ، فكيف المتزوجات ؟! قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ) الطلاق/ 1 .(/5)
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها : هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم ؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا ، ولبس لباس الناصح الحكيم ، فظهر في صورة الحمَل الوديع ، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة ، والثعالب الماكرة !!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك ، ويجالسك ويتبسط معكِ ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر ! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة ، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً ، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة ؟! لا والله لستِ كذلك ، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن ، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه ، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم ، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك ، وتقسية قلبك عليه ، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية ، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر .
فما فعلتيه حرام ، بلا أدنى شك ، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام ، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك ، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج ! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه ! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه ؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه ؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه ، فهي علاقة محرمة من جهة ، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة .
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين : (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك ، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق ، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح ، وتلومك على التقصير في الطاعات .(/6)
وإياك واتباع خطوات الشيطان ، فإنه يورد المهالك ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ) النور/ 21 .
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار ، ولا حميم ، ولا شفيع ، وقبل أن يعض أصبع الندم ، قال سبحانه :( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) الفرقان/ 27 – 29 .
ولتطهير نفسك من الذنوب ، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك ، احرصي على :
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ) .
رواه البخاري ( 505 ) ومسلم ( 667 ) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله .(/7)
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ) .
رواه البخاري ( 1995 ) ومسلم ( 2628 ) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه : فضيلة مجالسة الصالحين ، وأهل الخير ، والمروءة ، ومكارم الأخلاق ، والورع ، والعلم ، والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر ، وأهل البدع ، ومن يغتاب الناس ، أو يَكثر فجوره وبطالته ، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة .
" شرح مسلم ( 16 / 178 ) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم .
قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) لقمان/ 6،7 .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه : أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً ، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك ، وثقل عليه سماع القرآن ، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ ، ويستطيل قراءته ، ويستزيد المغني ، ويستقصر نوبته .
" إغاثة اللهفان " ( 1 / 240 ، 241 ) .
وأخيراً :
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – :(/8)
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب ، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه ، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه ، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية ، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان ، ولا ينظر إلى لوم الناس ، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس ، ولو كانوا يفعلون المعاصي ، فلا يجوز له أن يقتدي بهم ، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة ؛ لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم/ 6 ، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 2 / ص 293 ) .
والله أعلم(/9)
رقم السؤال:
101575
العنوان:
هل يجوز لها أن تعمل مربية لبنت تعمل أمها في " كازينو " ؟
السؤال:
امرأة مسلمة تقيم في أمريكا ، تعمل مربية وحاضنة لطفلة صغيرة أثناء غياب جدتها في العمل، وجدتها هي المسئولة عنها . وهي التي تدفع المال للمربية ، وقد علمت مؤخراً أن أم الطفلة تعمل في "كازينو" وعملها فيه هو غسل الأواني فقط لا غير ، ولها عدة أسئلة : 1. هل هذا العمل كله في حد ذاته لا يجوز الاستمرار فيه ؟ . 2. وهل المال التي تقبضه منها هو مال حرام ؟ ، تقول هي : لما علمت بالأمر لم تتصرف بالمبلغ الأخير الذي حصلت عليه من هذه المرأة حتى تسأل ما حكم الشرع في هذا ؟ 3. تقول : وإذا كان هذا المال حراماً ماذا تعمل بالذي ما زال محفوظاً عندها ؟ وماذا عليها فيما أخذته سابقا قبل أن تعلم بالحقيقة ؟ . 4. أيضاً تقول : إن " الجدَّة " هي التي تدفع هذا المبلغ المالي لهذه المسلمة ؛ لأن هذه الجدة هي التي تحضن حفيدتها ، وتقوم بمصالحها ورعايتها . 5. أيضاً تقول : إن كانت هذه المرأة المسلمة محتاجة للضرورة لهذا العمل ، ولهذا الدخل المالي ، فهل لها أن تأخذه ؟ وتستمر في هذا العمل أم لا ؟ . مع العلم أني حاولت كثيراً دعوة هذه الجدة إلى الإسلام ، ولكن دون جدوى .
الجواب:
الحمد لله
نقول للأخت المسئول عنها :
زادكِ الله حرصاً وتفقهاً في دينكِ ، وشكر لكِ تحرِّيكِ الحلال من الرزق ، ونسأل الله أن يتم عليك نعمه ، ويزيدك من فضله ، ونفصل لها في الجواب فنقول :
أولاً :(/1)
لا يجوز للمسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا لعذر شرعي – كعلاج ودعوة وتجارة - ؛ لما في ذلك من خطورة على دين المسلم ، وعلى أسرته إن كان له زوجة وأولاد ، ولا يستطيع المسلم أن يربي أولاده التربية الإسلامية الصحيحة ، ولا أن يؤدي الأمانة على وجهها ، وهو مستقر في تلك البلاد ، ولا يعدُّ العمل من الأعذار التي تبيح لأحدٍ من المسلمين الإقامة في بلاد الكفر ، ويتأكد النهي والمنع والمفسدة في حال كون المقيم والعامل هناك امرأة .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما حكم العمل في دول الكفر ، كدول أوربا وأمريكا ؟ وهل يتغير الحكم لو عمل عند مسلم في مؤسسات مسلمة ، ولكن في نفس البلد الكافر ؟ .
فأجابوا :
" يجب على المسلم أن يهاجر من ديار الكفر إلى ديار الإسلام ؛ محافظة على دينه ؛ وتكثيراً لجماعة المسلمين ؛ وليتعاون معهم على إقامة شعائر الإسلام ، وسيجد لنفسه - بإذن الله - طرقاً عدة للكسب والمعيشة المباركة بين المسلمين ، مع الأمن على دينه إن اتقى الله ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/ 2،3 .
ومِن هذا يُعلم أن عمل المسلم في بلاد الكفر - وهو يقوى على الهجرة منها إلى بلاد الإسلام - : لا يجوز ، سواء كان عمله في محل كافر أم مسلم ، إلا أنَّ عمله في محل كافر أشدُّ منعاً ؛ لما يتوقع في ذلك من مزيد الخطر والذل ، لكن إذا كان عالِماً وله نشاط في الدعوة إلى الإسلام ، ويرجى أن يتأثر الكفار بدعوته ، وتقوم به الحجة عليهم ، ولا يُخشى عليه فتنة في دينه أو نفسه : فله أن يقيم بينهم للقيام بواجب الدعوة إلى الله ، ونشر الإسلام .(/2)
ومن كان مستضعفا لا يقوى على الهجرة : فهو معذور في إقامته بين الكفار ، وعلى إخوانه المسلمين أن يساعدوه ليتمكن من الهجرة إلى بلد يأمن فيه على دينه " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 475 ، 476 ) .
وينظر جوابي السؤالين : ( 38284 ) و ( 13363 ) .
ثانياً :
إذا أبى المسلم إلا الإقامة في بلاد الكفر ، أو كان لا يستطيع الخروج منها لعذرٍ شرعي : فإنه إن تمكن من ترك العمل عند الكفار فهو أولى ، وليُعلم أن عمله يكون محرَّماً – سواء كان عند مسلم أم عند كافر - إن كانت طبيعته محرَّمة ، كأن يعمل في محل لبيع الخمور ، أو في فندق تشتمل خدماته على المحرمات ، أو في بنوك ربوية ، أو شركات تعمل في مجالات تنشر الفساد والمعاصي والموبقات ، كما لا يجوز أن تكون بيئة العمل مختلطة رجالاً ونساءً .
ومن عمل عند كافرٍ في عمل مباحٍ : فماله حلال ، ولو كان أجيراً عند كافرٍ ، مع أن الأولى أن لا يفعل ذلك .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ : صحَّ ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره " انتهى " المغني " ( 4 / 333 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم مَن يشتغل عند شخص غير مسلم ، هذه النقود التي يقبضها مِن عنده هل هي حلال أم حرام ؟ .
فأجابوا :
" تأجير المسلم نفسه للكافر : لا بأس به إذا كان العمل الذي يقوم به مباحاً : كبناء جدار ، أو بيع سلعة مباحة ، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المباحة ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه ليهودي بتمرات على نضح الماء له من البئر ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة ) أخرجه البيهقي وابن ماجه " انتهى .(/3)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 486 ) .
وبخصوص عملك في رعاية وعناية حفيدة تلك الجدة : فالذي يظهر لنا هو أن عملكِ مباح ، وأن المال الذي كسبتِه قديما وحديثاً حلال لكِ ، وبخاصة أن عملك لا يتطلب الخروج من المنزل ، ولا الاختلاط بالرجال ، ولا الذل للكفار ، بل أنتِ آمنة مستقرة في بيتك ، وهم الذين يُحضرون ابنتهم عندك ، وأما إن كنتِ أنتِ التي تذهبين إليهم : فلتحذري من وجود الرجال الأجانب عنك ، وما فيه من مفاسد ومحرَّمات ، ولتحذري من الخلوة مع أحدهم ؛ فهو من المحرَّمات ، واحرصي على أن يكون الأمر على الصورة الأولى ، وهي أنهم هم الذين يحضرون ابنتهم إلى بيتكِ .
واحرصي و إستمري على دعوة الجدة وابنتها للإسلام ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/ 33 ، وقَالَ سَهْلٌ بْنُ سَعْد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم ) رواه البخاري ( 2847 ) ومسلم ( 2406 ) .
ونوصيكِ بإتقان عملك ، حتى تكوني أنموذجاً للمسلم الذي يؤدي الأمانة على وجهها ، وإن كنَّا نرى لك عدم البقاء في تلك الديار ، كما سبق وذكرنا في أول الجواب ، لكن هذا لا يمنعنا من ذِكر حكم عملك ، ولا يمنع من نصحك وتوجيهك للأصلح لك ولدينك .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
101579
العنوان:
يخشى ألا يجد عملا فهل يعمل في بنك ربوي
السؤال:
أعمل مدرساً لكن عملي غير دائم ، ولذلك فعندما ينتهي الفصل الدراسي فإنني لا أحصل على أي راتب أو لا أكون متأكدا من المكان الذي سأقوم بالتدريس فيه في الفصل الدراسي التالي. وحتى الآن فإنني سأفقد عملي عند انتهاء الفصل الدراسي. وبكل ما تحمله الكلمة من معنى فإنني أعد نفسي عاطلا عن العمل وقد تلقيت عرضا للعمل ببنك فهل يجوز لي أن ألتحق بالعمل هناك إلى أن أحصل على وظيفة مناسبة وذلك لكي أعول نفسي وأسرتي ؟
الجواب:
الحمد لله
العمل في البنوك التي تتعامل بالربا حرام ، لحديث جابر رضي الله عنه قال: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء) رواه مسلم (2995)
قال النووي رحمه الله :
" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليها ، وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى .
ومن يعمل في البنك الربوي لا يخلو من حالة من هذه الحالات التي ذكرها النووي ، فهو إما أن يكتب الربا أو يشهد عليه أو يعين هؤلاء المرابين على باطلهم .
فعليك أخي السائل أن تتقي الله تعالى وتبحث عن عمل حلال ، و لن يضيعك الله سبحانه إذا اتقيته وتوكلت عليه ، فإنه قد قال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3
وإذا مررت بشدة فاصبر ، وتيقن الفرج ، فإن العسر يعقبه يسر ، كما قال جل شأنه : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشرح/6 .
لكن إذا وصلت إلى حالة الضرورة وهي أن تخشى على نفسك الهلاك لو لم تتناول المحرم ففي هذه الحالة أجاز الله لك أن تتناول من الحرام ما تدفع به الضرر عن نفسك ، قال الله جل شأنه:
( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119 .(/1)
وهذه الحالة في الحقيقة قد تكون بعيدة الحصول ، لأنك لن تعدم عملاً حلالاً تكتسب منه ما تدفع به الضرورة ، ونسأل الله تعالى أن يكفينا وإياك بحلاله عن حرامه .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101582
العنوان:
أيهما أَوْلى وأفضل : الاشتغال بإجابة الأذان أم تعجيل الإفطار ؟
السؤال:
يقال : إنه يجب الاستماع للأذان . لكن ما هو حكم من يفطر عند سماع أذان المغرب ؟ هل يعفى بسبب تناوله طعام الإفطار ؟ وما هو حكم نفس الأمر عند التسحر عند أذان الفجر ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح - هو قول جمهور العلماء - : أن متابعته مستحبة غير واجبة . وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/127) :
" مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة ، وبه قال جمهور العلماء ، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها " انتهى .
وفي "المغني" (1/256) عن الإمام أحمد أنه قال : " وإن لم يقل كقوله فلا بأس " انتهى بتصرف.
ويدل على ذلك " قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم ).
فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب ، ووجه الدلالة : أن المقام مقام تعليم ، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه ، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان ، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه ، وكون هؤلاء وفدًا لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا - يدل على أن الإجابة ليست بواجبة ، وهذا هو الأقرب والأرجح " انتهى من الشرح الممتع (2/75) .
وروى مالك في "الموطأ" (1/103) عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره : ( أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة : جلسنا نتحدث . فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد .
قال ابن شهاب : " فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام " .(/1)
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (340) :
" في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن ، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان ، وسكوت عمر عليه ، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب ؟ فأجبت بهذا " انتهى .
بناء على ما سبق ، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه ، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره ، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى .
فقد روى مسلم (385) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . فَقَالَ أَحَدُكُمْ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ )
وليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن ، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة ، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن ، فيكون قد جمع بين الفضيلتين : فضيلة المبادرة بالفطر ، وفضيلة الترديد خلف المؤذن .(/2)
ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم ، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام ، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً ، كتمرة أو شربة ماء ، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع .
وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور ، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة .
غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت ، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه .
وانظر جواب السؤال رقم (66202) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101584
العنوان:
إذا وجد كنزا أو ركازا في دار الكفر
السؤال:
أعيش في دولة غير إسلامية وعثرت على مالٍ كان مدفونا بالتراب بمنطقة ألعاب ، ويبدو أن المال كان هناك منذ أعوام . فما الذي يجب عليَّ القيام به؟
الجواب:
الحمد لله
المال المدفون إذا كان عليه علامة تدل على أنه للكفار ، ومن ذلك عملاتهم التي يتداولونها ، فهذا يسمى : الركاز ، وقد اختلف الفقهاء فيمن وجد الركاز في دار الكفر ، وقد دخلها بأمان :
1- فذهب بعضهم إلى أنه يملكه ، ولا يلزمه فيه شيء ، وهذا مذهب الحنفية .
2- وذهب آخرون إلى أنه يملكه ، ويخرج الخُمس ، وهذا مذهب الحنابلة وابن حزم .
3- وذهب آخرون إلى أنه لا يملكه بل يرده على أهل البلد ، وهذا مذهب الشافعية .
قال في "الهداية" من كتب الحنفية : " ومن دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا رده عليهم ، تحرزا عن الغدر ; لأن ما في الدار في يد صاحبها خصوصا ، وإن وجده في الصحراء فهو له ; لأنه ليس في يد أحد على الخصوص فلا يعد غدرا ولا شيء فيه " انتهى.
قال ابن الهمام في شرحه : " قوله : ( في الصحراء ) أي أرض لا مالك لها " انتهى من "فتح القدير" (2/238).
وينظر : المبسوط (2/215) ، تبيين الحقائق (1/290).
ونقل النووي في "المجموع" (6/51) عن الرافعي أنه قال : " أما إذا دخل دار الحرب بأمان فلا يجوز له أخذ الكنز لا بقتال ولا بغيره . كما [ أنه ] ليس له خيانتهم في أمتعتهم , فإنه يلزمه رده " انتهى .
وينظر : روضة الطالبين (2/289) ، شرح البهجة الوردية (2/144) .(/1)
وقال ابن حزم في "المحلى" (5/385) : " ومن وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي - جاهليا كان الدافن , أو غير جاهلي - فأربعة أخماسه له حلال , ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة , وسواء وجده في فلاة في أرض العرب , أو أرض عَنْوة [ أي : فتحها المسلمون بالقوة ] , أو أرض صلح ; أو في داره , أو في دار مسلم , أو في دار ذمي , أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا " انتهى مختصرا .
وانظر : "شرح منتهى الإرادات" (2/147)
والذي يظهر والله أعلم هو رجحان القول الأخير ، فمن وجد ركازا في دار الإسلام أو غيرها ، فهو له ، مع إخراج الخمس ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ) رواه البخاري (1499) ومسلم (1710).
وهذا الخمس يصرف في مصرف الفيء وهو المصالح العامة للمسلمين ، ويُعطى منه للمساكين واليتامى وأبناء السبيل وأقارب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم بنو هاشم .
وبناء على ذلك ، فيلزمك إخراج خمس هذا المال ، وما بقي فهو لك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101590
العنوان:
حكم من حجج والديه ولم يحج عن نفسه
السؤال:
ما حكم من حجج والديه ولم يحج بنفسه؟
الجواب:
الحمد لله
من استطاع الحج ، وتوفرت فيه شروطه ، وجب عليه أن يحج في عامه ، ولا يجوز له تأخير الحج ، لأجل والديه أو غيرهما ؛ لأن الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء ، وفرض العين مقدم على بر الوالدين ؛ لقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران /97 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجلوا الخروج إلى مكة ، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة ) رواه أبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3990) .
وينظر جواب السؤال رقم (41702) .
لكن حج الوالدين في هذه الحالة صحيح ، وعلى هذا الابن أن يبادر بالحج عند الاستطاعة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز للإنسان أن يرسل والديه إلى الحج قبل أن يذهب هو إلى الحج ؟
فأجابوا : الحج فريضة على كل مسلم حر عاقل بالغ مستطيع السبيل إلى أدائه، مرة في العمر. وبر الوالدين وإعانتهما على أداء الواجب أمر مشروع بقدر الطاقة ، إلا أن عليك أن تحج عن نفسك أولاً ، ثم تعين والديك إن لم يتيسر الجمع بين حج الجميع ، ولو قدمت والديك على نفسك صح حجهما ، وبالله التوفيق " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/70)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101603
العنوان:
تعرف عليها عن طريق المنتديات ويريد خطبتها
السؤال:
أنا شاب عمري 26 سنة تعرفت على فتاة عن طريق الانترنت وعمرها 20 سنة كانت علاقتنا عادية جداً عن طريق أحد المنتديات ثم أصبحت هناك مراسلة بيننا عن طريق البريد الإلكتروني وبكل صراحة أحسست براحة نفسية تجاهها وهي كذلك وأصبحنا مطمئنين لبعضنا ، مع الوقت صارحتها بأنني أرغب بالزواج منها وتفاجأت بذلك ، ثم ردت علي بعد فترة قصيرة بالموافقة وقبل ذلك كله بنيت أمر الزواج على عدة أمور وهي : 1- الراحة التامة لها 2- النسب المناسب لي 3- أخلاقها العالية ...إلخ ، فترة التعارف قاربت السنة تقريباً ويشهد الله أننا لم نتكلم في الفواحش أبدا ، وأصبح بيننا اتصال هاتفي ولكنه قليل بقدر مرة واحدة في الشهر من أجل السلام والاطمئنان فقط ، ولكن المراسلة بيننا مستمرة البريد الالكتروني ، وأنا وهي نرغب بالارتباط الحلال ، فهل تنصحوني بذلك أم لا ؟ ويشهد الله أن النية صافية لا يشوبها أي شائبة ، وأريد كذلك طريقة لكي أخبر عنها والدتي لتقوم بخطبتها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سبق بيان تحريم إقامة العلاقة بين الرجل والمرأة والمراسلة بينهما لأجل التعارف ، في جواب السؤال رقم (34841) ورقم (82196) وذلك لما يترتب عليه من الفتنة وتعلق القلب ، ولما قد يفضي إليه من الاتصال المباشر وما يتبعه من محرمات ومنكرات في القول والعمل .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (17/67) : " لا تجوز المراسلة بينكِ وبين شاب غير محرم لك بما يعرف بركن التعارف ؛ لأن ذلك مما يثير الفتنة ، ويفضي إلى الشر والفساد " انتهى .(/1)
والراحة النفسية التي تشعر بها هي أمر متوقع ، فإن النفس مجبولة على الميل للجنس الآخر ، وتهوى ذلك وتحبه وتأنس إليه ، ومن هنا تأتي الفتنة التي حُذرنا منها ، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا ، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ) رواه مسلم (2742).
ولهذا فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن تتوقف عن هذه المراسلات والاتصالات ، فإن هذه الفتاة أجنبية لا تحل لك . وينبغي أن تعلم هي هذه الحقيقة أيضا ، وأن الزواج السعيد الهانئ لا ينبني على المعصية وتعدي الحرمات .
ثانيا :
لا حرج في الزواج من هذه الفتاة بعد السؤال عن دينها وخلقها وحال أهلها ، فإن كانت مرضية الدين والخلق ، وكان إقدامها على مراسلتك أمرا عارضا ، وزلة لم تحسب حسابها ، فاستخر الله تعالى ، وتقدم إلى وليها لخطبتها .
وبعد السؤال عنها قد تجد طريقة مناسبة لإخبار والدتك عنها ، كأن تجد الفتاة معروفة لدى بعض أقاربك أو أصدقائك ، أو نحو ذلك ؛ إذ الإخبار عن معرفتها عن طريق الإنترنت قد يكون باعثا على رفضها .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لاختيار الزوجة الصالحة التي تسعدك ، وتعينك على طاعة الله .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101605
العنوان:
إذا صلى لغير القبلة دون اجتهاد أو تحرٍ
السؤال:
صليت في مكان غريب وبعد انتهاء الصلاة علمت أن القبلة خطأ فهل أعيد الصلاة أم لا ؟ علما بأني لم أجتهد كثيرا لمعرفة القبلة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته ، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها ، إن كان يمكنه ذلك ، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان ، الذين لهم معرفة بجهة القبلة .
ثانيا :
إذا صلى الإنسان ثم تبين له أنه كان منحرفا عن القبلة ، فإن كان الانحراف قليلاً فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة ؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها ، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة ، لما رواه الترمذي ( 342 ) وابن ماجه ( 1011 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ ) صححه الألباني في إرواء الغليل (292) .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (1/260) : " والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة ، لا العين في حق من تعذرت عليه العين " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وبهذا نعرف أن الأمر واسع ، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [ أي : محاذاة ] القبلة ، فإن ذلك لا يضر ، لأنه متجه إلى الجهة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/273) .
وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا ؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة بأن تكون القبلة خلفه أو عن يمينه أو شماله ففيه تفصيل :
1- فإن كان الإنسان قد تحرى واجتهد ، فلا يلزمه إعادة الصلاة ، لأنه أدى ما عليه ، لقول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16 .(/1)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/314) : " إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى ، ثم تبين أن تحريه كان خطأ ، فصلاته صحيحة " انتهى .
2- وأما إذا لم يجتهد ولم يتحرّ ، فيلزمه إعادة الصلاة .
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (2/287) : " إذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد ، فإن أخطأ أعاد ، وإن أصاب لم يُعد على الصحيح " اهـ .
و " التقليد " أن يسأل ثقة عن اتجاه القبلة ويتبع قوله .
وعلى هذا ، فإذا كان انحرافك عن جهة القبلة كثيراً فيلزمك إعادة الصلاة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101617
العنوان:
خطب فتاة فاستخارت ورأت أنهما وأسرتها في الجنة
السؤال:
صلت خطيبتي السابقة صلاة استخارة في رمضان المنصرم وقد رأت في الحلم أنني في الجنة معها هي وأسرتها وقد فسخنا الخطبة منذ عامين تقريبا وكلانا يرغب في الزواج من الآخر. فهل بوسعكم رجاء إخباري بما عليّ القيام به بشأن العودة إليها مجددا وإخباري رجاء ببعض التفاصيل الخاصة بصلاة الاستخارة التي قامت بها والتي رأتني فيها معها بالجنة.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كانت هذه الفتاة مرضية الدين والخلق ، فلا مانع من إعادة خطبتها ، ثم إتمام العقد عليها ، ما دام كل منكما يرغب في هذا الزواج ، ونسأل الله تعالى أن ييسر لكما الخير حيث كان ، وأن يجعله زواجا سعيدا موفقا .
ثانيا :
يشرع للراغب في الزواج أن يستخير الله تعالى ، ويسمي الفتاة التي يريد الارتباط بها ، وكذلك تفعل الفتاة ، فإن مضى الأمر سهلا ميسرا من غير عائق ، فهذا دليل على أن من الخير إتمام العقد ، وإن وجد العائق كان هذا دليلا على صرف الله تعالى العبد عن إتمام العمل .
وليس في الاستخارة اعتماد على رؤيا كما يظن بعض الناس . وقد بينا ما يتعلق بالاستخارة وكيفيتها وشرح حديثها في جواب السؤال رقم (11981) ورقم (5882) .
وليس لدينا علم بتأويل الرؤيا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101639
العنوان:
بلده يكثر فيها التبرج ، فهل يُنكر على المتبرجات في الشارع ؟
السؤال:
عندنا في بلادنا وخصوصا الحي الذي أسكنه تبرج كبير وتشبه بالنصارى فهل علي أن أنهى بعض المتبرجات في الشارع عن التبرج أم أن في ذلك فتنة علي ؟ وبالتالي أغض بصري وأنكر بقلبي ؟
الجواب:
الحمد لله
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أظهر شعائر الإسلام ، وهو صفة للأمة صاحبة الخيريّة ، كما قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) آل عمران/110 .
وله شروط وآداب سبق بيانها في جواب السؤال رقم (96662) .
وإذا كان يترتب على الإنكار مفسدة أعظم ، لم يجب ، بل يحرم حينئذ ؛ لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، ودرء المفاسد وتقليلها .
وانشغال الشاب بالإنكار على كل متبرجة في طريقه – في بلد يكثر فيه التبرج - قد يكون سببا لفتنته ، ولإساءة الظن به ، مع شغل وقته وزمانه ، لكن عليه أن يشتغل بدعوة قريباته وأهله ، وأن يبين لهم حرمة التبرج ، ووجوب الحجاب ، ففي ذلك خير عظيم ، وتقليل للمنكر والشر .
وقد قرر جمع من أهل العلم أنه إذا غلب الظن عدم الاستجابة والانتفاع بالإنكار لم يجب .
قال ابن رشد رحمه الله في "البيان والتحصيل" : " إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم بثلاثة شروط :
أحدها : أن يكون عارفا بالمعروف والمنكر . إذ لا يأمن من أن ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر لجهله بحكمهما.
والثاني : أن لا يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكبر منه مثل أن ينهاه عن شرب الخمر فيؤول نهيه عن ذلك إلى قتل نفس وما أشبه ذلك .(/1)
والثالث : أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له , وأن أمره مؤثر ونافع . فالشرطان : الأول والثاني مشترطان في الجواز ، والشرط الثالث مشترط في الوجوب فإذا عُدم الشرط الأول والثاني لم يجز أن يأمر ولا ينهى , وإذا عدم الشرط الثالث ووجد الشرط الأول والثاني جاز له أن يأمر وينهى ولم يجب ذلك عليه " انتهى نقلا عن "المدخل" لابن الحاج (1/70) باختصار .
وقال الغزالي في الإحياء (2/328) : " إذا علِم أنه لا يفيد إنكاره ، ولكنه لا يخاف مكروها فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها ، لكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين " انتهى .
وينظر : الفروق ، للقرافي (4/255).
ومنه يعلم أنه إذا غلب على الظن عدم الاستجابة سقط الوجوب .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية , إذا قام به مَن يكفي سقط عن الناس , وإذا لم يقم به من يكفي : وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر , لكن لابد أن يكون بالحكمة ، والرفق ، واللين ؛ لأن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/44 ، أما العنف : سواء كان بأسلوب القول ، أو أسلوب الفعل : فهذا ينافي الحكمة , وهو خلاف ما أمر الله به .(/2)
ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول : هذا منكر معروف , كحلق اللحية مثلاً , كلٌّ يعرف أنه حرام ، خصوصاً المواطنون في هذا البلد , ويقول : لو أنني جعلتُ كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته - وما أكثرهم - وقفتُ أنهاه عن هذا الشيء : فاتني مصالح كثيرة , ففي هذه الحال : ربما نقول بسقوط النهي عنه ؛ لأنه يفوِّت على نفسه مصالح كثيرة , لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى : فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله , وتقول : هذا أمر محرم ، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة , وتقول الأمر المناسب " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (110/5) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101649
العنوان:
ذهب إلى ساحر لفك السحر فهل له من توبة
السؤال:
قلبي يعتصر ألما وعقلي كاد يشت أصبحت لا أدري ما الصواب وما الخطأ أشياء كثيرة كنت أتحاشا فعلها وقعت فيها ، بل أكثر من ذلك فقد فعلت أشياء أخاف أن تكون شركاً , أخاف أن يكون قد حبط عملي . أشعر بأن صلاتي , صومي, حجي , كل عمل قد يكون صالحا قد أحبط كلما قرأت قوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) قلبي يعتصر ألما والله ، ما أقوله ليس من باب الرياء ولكنه حقيقة في نفسي أذهب إلى الصلاة أجر قدمي أصبحت لا أستطيع أن أفتح القرآن أشعر بأن القرآن يلعنني لأني لم أعمل بما أحفظ وحتى إذا قرأت لا أستطيع أن أكمل فأغلقه أقول لنفسي كيف أقف أمامه وأقول وإياك نستعين أين هذه الاستعانة قد كنت كلما أهمني أمر لا أتعلق إلا به سبحانه وأدعوه وألح في الدعاء كنت أشعر بأني قريب منه حتى في هذا الأمر الذي ألم بي كنت أدعوه كثيرا ولكن لم أصبر أشعر بأن الله امتحنني فما صبرت ورسبت , أشعر أن أعمالي ليست مقبولة كأن هناك صوتاً يقول لي : لم العمل وما فائدته ؟ بعد الذي فعلت إذا كان كل ما تعمله ليس متقبلا وكل ما فعلته أصبح هباءً منثوراً, ما فعلته يتلخص في أني ذهبت إلى رجل ليفك لي سحراً أصبت به بعد الزواج استمر معي أكثر من شهر وأنا كاره لذلك ولكن أعطاني أشياء لا أفهمها أخذتها وأنا كاره لكل ذلك أخذتها ونفسيتي محطمة وعقلي غائب أليس هذا نوعاً من الشرك المحبط للعمل المخرج من الملة ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الرقى والتمائم والتولة شرك ) وقال : ( من ذهب إلى عراف فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) أخبرني والله أنا في عذاب والله في عذاب ، دنياي لا حظ لي فيها كل أمنياتي فيها لم يتحقق فيها شيء وأخاف أن تكون آخرتي آخرة سوء فأكون قد خسرت كل شيء .
الجواب:
الحمد لله
أولا :(/1)
إن شعورك بالذنب ، وتألّم قلبك من أجله ، دليل على صحة إيمانك ، وطهارة نفسك ، وهذا من فضل الله عليك ، فإن أصحاب القلوب الحية هم الذين يتأثرون بالذنوب ، ويفزعون إلى الله تائبين مستغفرين ، وأما أصحاب القلوب الميتة فلا تؤثر فيهم جراحات المعاصي ، كما قيل : ما لجرح بميتٍ إيلامُ .
قال الله تعالى في شأن أهل الإيمان : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) الأعراف/201 .
والمعنى أنهم إذا أصابوا الذنوب ، تذكروا " عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ، ووعيده ، فتابوا وأنابوا ، واستعاذوا بالله ، ورجعوا إليه من قريب ( فإذا هم مبصرون ) أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه " انتهى من "تفسير ابن كثير".
فما عليك إلا أن تتوب وتستغفر ، وتعلم أنك تقبل على رب رحيم ، يفرح بتوبة عبده ، ويتقبلها منه ، ويبدل سيئاته حسنات ، مهما كانت هذه السيئات .
وكأنك لا تعلم أن الله يتوب على أهل الكفر والإلحاد والبغي والفساد ، إذا تابوا ورجعوا إليه ، فكيف لا يتوب على أهل الإيمان إذا وقعوا في المعصية ، وأصابهم الذنب ، وهم المحبّون له ، المقبلون عليه ، الراكعون الساجدون ، المتوضئون المتطهرون ، علموا أنه لا يغفر ذنبهم غيرُه ، ولا يجبر كسرهم سواه ، فسارعوا نادمين مستغفرين ، يقولون : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، فيقول الرحمن لملائكته : علم عبدي أنه لا يغفر الذنب غيري ، أشهدكم أني قد غفرت له ، فتذهب الأحزان ، وتزول الهموم ، ويعود الوصل ، ويزيد الأنس ، فلله ما أحلى فرحة التائبين ، وما أجمل عودة المذنبين .
قال الرب الرحيم : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104 .(/2)
وقال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/68- 70 .
وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ : رَبِّ ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي ، فَقَالَ رَبُّهُ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ : رَبِّ ، أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ ، فَقَالَ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا وقَالَ : رَبِّ ، أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ).
وروى مسلم (2749) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ).
فبادر بالتوبة والندم والاستغفار ، وأكثر من الأعمال الصالحة ، وأبشر بالخير والفلاح .(/3)
ثانيا :
من مكر الشيطان بالإنسان أن يزين له المعصية ، ويوقعه فيها ، ثم يقنطه من التوبة ، وينصح له بالزور : كيف تعود إلى الله وقد فعلت ما فعلت ؟ أما تستحي منه ؟ هل تظن أنه يقبل منك؟
فربما كانت معصية الإنسان كبيرة كالزنا ، فجره بذلك إلى ما هو كفر كترك الصلاة ، فتأمل كيف يتلاعب الشيطان بهذا الإنسان .
وأما المؤمن فلا سبيل للشيطان عليه في هذا الباب ، لأنه يعلم ما قدمنا من لزوم التوبة ، وفرح الله تعالى بها ، وتكريمه لأهلها ، وتبديل سيئات أصحابها حسنات .
ثالثا :
لا يجوز الذهاب للسحرة والكهنة والعرافين ، ولو كان ذلك لحل السحر ، وهو ما يسمى بالنُّشْرة ، بل السحر يعالج بالآيات القرآنية والأدعية النبوية واللجوء إلى خالق البرية سبحانه وتعالى ، وينظر جواب السؤال رقم (11290) ورقم (48967)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم (2230) .
وقال : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وهذا محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم ، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله : ( فسأله ؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما ) . ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما ، ولكنه ليس على إطلاقه ؛ فسؤال العراف و نحوه ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يسأله سؤالا مجردا ؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا … ) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه ؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم .(/4)
القسم الثاني : أن يسأله فيصدقه ، ويعتبر قوله ؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن ، حيث قال تعالى : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) ( النمل : من الآية65 ) .
القسم الثالث : أن يسأله ليختبره : هل هو صادق أو كاذب ، لا لأجل أن يأخذ بقوله ؛ فهذا لا بأس به ، ولا يدخل في الحديث . وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد ؛ فقال : ( ماذا خبأت لك ؟ قال : الدخ .
فقال : ( اخسأ ؛ فلن تعدو قدرك ) ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له ؛ لأجل أن يختبره ؛ فأخبره به .
القسم الرابع : أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه ، فيمتحنه في أمور ، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا .
وإبطال قول الكهنة لاشك أنه أمر مطلوب ، وقد يكون واجبا ؛ فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه ، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى " انتهى من "القول المفيد" (2/49) .
وعليه فإذا لم تعتقد أن الساحر يعلم الغيب ، فقد سلمت من الكفر الأكبر والحمد لله .
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز حل السحر بالسحر ، لكنه قول ضعيف ، يفتح باب الشر ، ويغري السحرة بالبقاء على باطلهم ، ويشجع غيرهم على تعلم السحر بحجة نفع الناس .
وتعليق التميمة إن اعتقد فيها النفع والضر ، فهذا هو الشرك الأكبر ، وإن اعتقد أنها سبب ، فهو شرك أصغر ، وينظر السؤال رقم: ( 34817 )
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ، ويغسل حوبتك ، ويمحو خطيئتك ، ويعافيك في دينك ودنياك .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101650
العنوان:
التحايل لأخذ مكافأة لا يستحقها
السؤال:
المتخرجون من الجامعة في بلادنا عندما يشتغلون في القطاع الخاص تمنحهم الدولة منحة شهرية ، فبعضهم يقوم بإجراء عقد مع شركة ليأخذ هذه المنحة ثم لا يشتغلون في هذه الشركة إنما يبحثون عن عمل أخر ، فما هو الحكم في هذه الأموال ؟
الجواب:
الحمد لله
فما دام هذا الراتب تخصصه الدولة لمن يعملون في القطاع الخاص ، لأن المصلحة العامة تقتضي ذلك ، فإنه لا يجوز التحايل لأخذ هذه المكافأة على غير الوجه المأذون فيه ، زد على ذلك أن هذا الأسلوب فيه كذب وتزوير ، وذلك أمر محرم ، وللمزيد من الفائدة راجع جواب السؤال رقم (93579)
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
101651
العنوان:
أخذ من مال صاحبه دون علمه ويريد أن يرده مع زيادة عليه
السؤال:
هناك شخص أعطاني مالا لأضعه له في حساب التوفير الخاص بي في بنك إسلامي على أن تكون الأرباح له واحتجت إلى جزء من هذا المال وأنا بنيتي أنه عندما يتم توزيع الأرباح في نهاية الربع السنوي أن أقدر نسبة الربح الذي يأتي على المال الذي استخدمته وأضيفه إلى الأرباح التي ستأتي من البنك على المال الموجود فعلا في البنك وأعطيها إلى صاحب المال ؟ فهل فعلي هذا صائب وهل فيه شبهة الربا ؟ مع العلم أن صاحب المال لا يعلم بذلك وأنا أعطيه ما أعطيه من عندي عن طيب نفس وكهدية مني له ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لقد أخطأت في أخذك من المال دون علم صاحبه ؛ لأنه أمانة في يدك ، فلا يجوز لك التعدي عليها . وباعتدائك على الأمانة تصبح ضامنا لها ، فيلزمك رد المثل ، ولا يلزمك شيء فوق ذلك ، إلا إذا أخذت المال وربحت فيه ، فإن الربح يعود لصاحب المال في قول بعض الفقهاء الذين يرون أن ربح المال المغصوب وما في حكمه لا يأخذه الغاصب بل يكون لصاحب المال
، ولك أن تخبر صاحب المال بما وقع ، ثم تتفقان على كيفية توزيع الربح .
وانظر جواب السؤال رقم (87695)
وإذا أخذت المال ولم تربح من ورائه ، لزمك رد المثل فقط ، ولا حرج في دفع زيادة عليه من قبيل الهبة والتبرع .
ثانيا :
يلزمك التوبة إلى الله تعالى من التعدي على الأمانة ، ومن شروط التوبة : العزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى ، فلا تصح التوبة مع استمرارك في أخذ مال صاحبك بدون علمه ، كما يلزمك إخبار صاحبك والتحلل منه ، إلا أن تخشى مفسدة بإخباره كحصول القطيعة مثلا ، فتكتفي برد المال فقط .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101654
العنوان:
العمل في بناء أو دهن بيت لكاهن أو ساحر
السؤال:
ما حكم العمل في بناء أو دهن منزل كاهن أو ساحر سواء سيسكنه أو سيستأجره وسأتقاضى الأجر منه هو؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا المنزل سيتخذه الساحر أو الكاهن لممارسة السحر والكهانة ، فلا يجوز بيعه له ، ولا تأجيره عليه ، ولا يجوز العمل في بنائه أو دهنه ، لأنه محل أقيم للمعصية ، فلا يعان عليه بوجه من الوجوه ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر ، وذم الساكت والمقر له ، فكيف بالمعين عليه !
قال ابن قدامة : " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال : " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك . فهذا حرام , والعقد باطل . انتهى من "المغني" (4/154).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك ، كمذهب أحمد وغيره , أو ظنّ ، وهو أحد القولين ، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388).(/1)
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبده المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية ، قال تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر استئجارها لهذا الغرض المحرم أو لم يشترط ، ولكنه علم بالقرائن أن سيستعملها في ذلك المحرم . " انتهى بتصرف .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/228) : " لما كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجل معلوم , اشتُرط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع , وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعي , بأن تكون محرمة كالخمر وآلات اللهو ولحم الخنزير . فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرض غير مشروع , كأن يتخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب القمار , أو أن يتخذه كنيسة أو معبدا وثنيا . ويحرم حينئذ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها , وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية " انتهى.
وأما إن كان الساحر سيتخذه للسكنى ، وعلمتَ بالتصريح أو بالقرائن أنه لا يتخذه مقرا لعمل السحر والباطل ، فيجوز بناؤه ودهنه ، وإن كان الأولى هو البعد عن ذلك ؛ لأن الساحر ينبغي هجره وزجره ووقوف المجتمع في وجهه حتى يتوب من فعله المحرم .
وقد تبين بهذا الفرق بين الدار التي تُتّخذ للمعصية ، وبين التي تتخذ للسكنى ، وإن كان سيسكنها العاصي أو الكافر ، فإنه لا يمنع الإنسان من بناء بيتٍ لكافر أو عاص .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101657
العنوان:
المشاركة في مسابقة ثقافية بمبلغ مالي مقابل جائزة مرتقبة
السؤال:
أقوم بعمل مسابقة ثقافية نصف شهرية بالكيفية التالية : 1- يدفع كل متسابق قيمة اشتراك 100 ريال ، ويحق له الاشتراك في المسابقة مدى الحياة ، وله سحب هذا المئة في أي وقت . 2- أقوم بتشغيل الأموال التي جمعتها من الاشتراكات في مشاريع ناجحة ومضمونة وأوزع منها الأرباح على الفائزين ، ولا أعطي الأرباح من الاشتراكات . 3- أعطي جائزة خمسة آلاف ريال لكل واحد من الفائزين ، وهم ثلاثة من كل ألف
الجواب:
الحمد لله
هذه المسابقة لا يجوز إنشاؤها ولا الاشتراك فيها ، وذلك لقيامها على الربا ، لأن المال المدفوع لك يعتبر قرضا ، لا وديعة ؛ إذ الوديعة تحفظ كما هي ، ولا يتصرف في عينها ، وأما القرض فهو أخذ المال ورد بدله ، وإذا ترتب على القرض منفعة مشروطة للمقرض كان ذلك ربا ، والمنفعة هنا هي الحصول على الجائزة ، ولولا ذلك ما دفع الناس أموالهم .
واعلم أن معاملتك هذه هي عين ما يسمى في بعض البلدان بشهادات الاستثمار فئة (ج) مع فارق واحد وهو هذه المسابقة الثقافية ، لكنه فارق غير مؤثر ، لأن المدار على دفع المال بهدف الحصول على الجائزة المرجوة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عندنا في مصر ما يسمى بشهادات الاستثمار التي تباع في البنوك, وتسمى الفئة (ج) وهي بدون فوائد , أي: لو اشتريت شهادة, ثم أردت أن أردها ولو بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل, فهي ترد بنفس السعر الذي اشتريت فيه. وبعد ذلك يقوم الكمبيوتر بسحب رقم من أرقم الشهادات المباعة في الجمهورية, ويكون هذا هو الفائز الأول, ويوجد فائز ثان, وثالث إلى أكثر من (400) فائز, ويحصل الفائز الأول على عشرين ألف جنيه قيمة الفائزية. فأريد أن أعرف أنه لو اشتريت من هذه الشهادات ثم كنت من أحد الفائزين, فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ أم لا ؟ وهل أكون مرتكباً إثماً؟.
فأجابوا :(/1)
" ما ذكرته في سؤلك مما يتعلق بشهادة الاستثمار, نوع من أنواع القمار (اليانصيب) وهو محرم, بل من كبائر الذنوب, بالكتاب والسنة والإجماع " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/305) .
وقال الدكتور علي السالوس في كتابه: " معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام" ص 38 : " وإذا كان البنك الربوي قد صنف الشهادات أصنافا ثلاثة ، فجعل الأولى غير الثانية بقصد جذب أكبر عدد ممكن ، فإنه في المجموعة الأخيرة خطا خطوة أبعد ، فجاء إلى مجموع الربا ، ثم قسمه إلى مبالغ مختلفة لتشمل عددا أقل بكثير جدا من عدد المقرضين ، ثم لجأ إلى توزيع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة ! وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات ، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئا. فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيب مجموعة كبيرة غيره ، والثاني ذهب نصيبه لغيره ، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون ، يخرج هذا فرحا بما أصاب ، ويحزن ذلك لما فاته ، وهكذا في انتظار مرة تالية ، أليس هذا هو القمار ؟ فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا ! فمن لم يُغره نصيبه من الربا في المجموعتين ، فليقامر بنصيبه في المجموعة الثالثة... ألا يمكن إذن أن تكون المجموعة (ج) أسوأ من أختيها؟ " انتهى.
وإذا كنت تريد الرزق الحلال المبارك فيه ، وهذا ما نؤمّله ونرجوه ، فإنه يمكن أن تتفق مع هذا العدد من الناس على استثمار أموالهم ، ولهم هذه النسبة الكبيرة من الأرباح ، ولك الباقي ، على أن لا يُضمن رأس مالهم ، بل إن حصلت الخسارة بلا تفريط منك ، خسروا أموالهم وخسرت عملك ، وإن حصل الربح ، قُسم بينكم بحسب الاتفاق .
هذا ويشترط أن يكون استثمارك للمال في مشاريع مباحة ، كما لا يخفى .
ونسأل لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101675
العنوان:
المصلون في مسجده يفعلون بدعاً ومخالفات فكيف السبيل لنصحهم ؟
السؤال:
أنا طالب أدرس في بلد أجنبي كافر ، والمسلمون فيها أقلية ، ومستضعفون , يوجد بالقرب منِّي مسجد ، المصلون فيه يفتقدون الإمام , وهم يُسرُّون حينما أكون إماماً لهم , خاصة أني عربي ، وأتقن اللغة العربية , وبعد كل فرض يقومون بالذكر الجماعي ، ثم الدعاء الجماعي ، وهذا مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي بدعة , ولكن أخاف إذا نهيتهم عن ذلك أن ينفروا مني ، ويغضبوا , ماذا أفعل في هذه الحالة ؟ هل يجوز أن ألازمهم من أجل تأليف قلوبهم وتأملاً في إفادتهم ، لقد أحسست أنهم يفتقرون للعلم الصحيح والسنَّة ، وأرى أني أستطيع إفادتهم ببعض الأمور ، عسى الله أن يفتح قلوبهم ويتقبلوا المنهج الصحيح في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنتَ بسؤالك قبل أن تفعل ما يُمكن أن يؤثر سلباً على أولئك المصلين ، بل ويرتد أثر ذلك عليك ، في صلاتك خاصة ، وعموم حياتك .
ومن أعظم صفات الداعية إلى الله : العلم ، والحكمة ، وبهما يستطيع الداعية تحقيق ما يعجز عنه كثيرون ممن فقدوا نعمة العلم ، أو سُلبت منهم الحكمة وحسن التصرف مع المخالفين .
وليست الحكمة تعني التمييع ، ولا التنازل عن شيء من الحق ، بل هي سلوك طريق يصل بالمرضى من الجهلة والمبتدعة إلى بر العلم والسنَّة .
والداعية الحكيم يعلم أن هؤلاء المصلين يرجعون في فتاواهم إلى أئمة وعلماء يثقون بدينهم وعلمهم ، فكيف يريد منهم الانتقال عنهم إليه هكذا مباشرة ، ودون مقدمات ؟! .
وليعلم الداعية إلى الله أن مفاجأة الناس بالسنَّة التي يجهلونها ، والإنكار عليهم بما يفعلونه : قد يسبِّب بغضاً للسنَّة وأهلها من قبَلهم ، وهو ما يصنع الحواجز بين الدعاة وبعض الناس في تعليمهم وتبيين السنَّة لهم ، ولا يعني هذا ترك نصحهم ، وإنما المراد التدرج في دعوتهم .(/1)
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح كلام علي بن أبي طالب : " حدِّثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله " رواه البخاري - :
قوله في أثر علي رضي الله عنه : " حدِّثوا النَّاس " ، أي : كلِّموهم بالمواعظ وغير المواعظ .
قوله : " بما يعرفون " ، أي : بما يمكن أن يعرفوه ، وتبلغه عقولهم ؛ حتى لا يفتنوا ، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : " إنك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " - رواه البخاري -
ولهذا كان من الحكمة في الدعوة ألا تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه ، بل تدعوهم رويداً ، رويداً ، حتى تستقر عقولهم ، وليس معنى " بما يعرفون " ، أي : بما يعرفون من قبل ؛ لأن الذي يعرفونه من قبل يكون التحديث به من تحصيل الحاصل .
قوله : " أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟! " الاستفهام للإنكار ، أي : أتريدون إذا حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله ، لأنك إذا قلت : قال الله ، وقال رسوله : كذا وكذا ، قالوا : هذا كذب ، إذا كانت عقولهم لا تبلغه ، وهم لا يكذِّبون الله ورسوله ، ولكن يكذبونك ، بحديث تنسبه إلى الله ، ورسوله ، فيكونون مكذِّبين لله ورسوله ، لا مباشرة ، ولكن بواسطة الناقل .
فإن قيل : هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس وإن كانوا محتاجين لذلك ؟ .
أجيب : لا ندعه ، ولكن نحدثهم بطريقة تبلغه عقولهم ، وذلك بأن ننقلهم رويداً ، رويدا ، حتى يتقبلوا هذا الحديث ، ويطمئنوا إليه ، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم ، ونقول : هذا شيء مستنكر لا نتكلم به .
ومثل ذلك : العمل بالسنَّة التي لا يعتادها الناس ويستنكرونها ، فإننا نعمل بها ، ولكن بعد أن نخبرهم بها ، حتى تقبلها نفوسهم ، ويطمئنوا إليها .
ويستفاد من هذا الأثر : أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل ، وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين ، وينزِّل كلَّ إنسانٍ منزلته .(/2)
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 10 / 774 ، 775 ) .
فعليك أن تسلك سبيل الحكمة في دعوة هؤلاء لترك الذِّكر الجماعي ، وما يفعلونه من بدع أخرى ، وما يتركونه من السنن ، ونرى أن تفعل ما يلي :
1. المداومة على صلاة الجماعة بهم إماماً ، وأن تتقرب لقلوبهم من خلال الإمامة ، ولا تتركها لغيرك فيستولي على صلاتهم واعتقادهم .
2. لا تشارك معهم في ذِكرهم ، وبدعهم ؛ مع التوكيد على ضرورة بقائك في مجلس الصلاة للإتيان بالذكر الشرعي وحدك .
3. إعطاؤهم الدروس اليومية بجزء يسير من الوقت ؛ ليكون طريقاً لقطع بدعتهم ؛ وسبيلاً لدعوتهم وتعليمهم .
4. التركيز على تعظيم السنَّة ، وتعظيم اتباع الدليل ، وذِكر نماذج من الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام ، وخاصة من ترى أنهم يعظمونهم ويحبونهم .
5. ترك التعرض لبدعتهم مباشرة ، وترك التعرض لأئمتهم وعلمائهم الذين يتبعون قولهم من المعاصرين .
6. الاهتمام برؤسائهم وعقلائهم الذين لهم تأثير عليهم ، وبذل الجهد معهم أكثر من غيرهم .
7. تفقدهم بين الفينة والأخرى بالهدايا ، كالكتب ، والأشرطة ، والمطويات ، مع الاهتمام بإكرامهم بما يتيسر لك من الطعام والشراب .
8. مشاركتهم في مناسباتهم المباحة ، والتقرب إليهم بحسن الخلق .
وهذا ليس لك وحدك ، بل هو لكل داعية يريد النجاح في مجتمع تكثر فيه البدعة ، ويقل فيه تعظيم السنَّة واتباعها .
ولا تنس الاستعانة بالله تعالى في دعوتك ، وأن تكون مخلصاً بها ، تريد وجه الله تعالى ، وأن تجعل نصب عينيك أن هؤلاء مرضى يحتاجون لدواء أنت تملكه ، وهم لا يعرفون أنهم مرضى ، فكيف ستوصل لهم الدواء بحكمة ؟! .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
101681
العنوان:
تشك في أن الجن يسرق شيئا من متاع البيت
السؤال:
أنا امرأة مسلمة أعيش في أوروبا وأسكن منزلا منذ سنة لاحظت قبل أشهر اختفاء بعض الأشياء من المنزل ولم أهتم في البداية لكن عندما عاد شيء اختفى من مدة بحثت عنه كثيرا والغريب أن أجده في نفس المكان الذي داومت على البحث عنه فيه لمدة 3 أشهر هنا أصبت بالهول وبدأت أتذكر كل الأشياء السابقة وبدأ الشك والخوف يدخل إلى قلبي هل هذا البيت فيه شيء مثل الشياطين أم ماذا ؟ رغم أنني محافظة على الصلاة وتلاوة ورد يومي ولله الحمد ربما كنت مقصرة في الأذكار اليومية لكني الآن ولله الحمد محافظة على جميع الأذكار ومازلت أشعر بالخوف على نفسي وأسرتي هل أترك هذا المنزل أم لا ؟ رغم أني لم أعد أطيق العيش به ونفسيتي تعبانه جدا أرجو مساعدتي .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
أحسنت في مواظبتك على الصلاة وورد التلاوة اليومي ، فهما من خير الأعمال ، ومن أسباب الحفظ والوقاية من المهالك والمضار ، نسأل الله لك الحفظ والعافية والمعافاة في الدين والدنيا.
ثانيا :
إذا كنت متأكدة من اختفاء بعض الأشياء من منزلك ، وأن أحداً ممن يسكن معك لم يأخذها لغرض ما ، وتكرر ذلك ، فلا يبعد أن يكون هذا من فعل الجن ، فإن فيهم الصالح والطالح ، وفيهم من يسرق لنفسه أو لغيره ، لكن علاج ذلك سهل والحمد لله ، فإنك إذا وضعت الأشياء وذكرت اسم الله عليها ، ودخلت المنزل وسميت الله ، وأغلقت الباب وسميت الله ، لم يكن للجن سبيل إلى دخول منزلك أو أخذ شيء من متاعك .(/1)
فقد روى مسلم (2018) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ . وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ : أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ).
وروى مسلم (2012) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (غَطُّوا الْإِنَاءَ ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً ، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا ، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ ) .
ورواه البخاري (3280) بلفظ : ( َأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا ).
وعليه ، فإذا أغلقت الباب وسميت الله ، ووضعت متاعك في صندوق مثلا وسميت الله ، فإنه يكون محفوظا بإذن الله ؛ لأن الشيطان لا يفتح بابا ولا يكشف إناءً .(/2)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد حديث أبي هريرة وكلامه مع الجني الذي كان يسرق من تمر الصدقة : " وَأَنَّ الْجِنّ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَام الْإِنْس , وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْإِنْس , وَأَنَّهُمْ يَسْرِقُونَ وَيَخْدَعُونَ , وَفِيهِ فَضْل آيَة الْكُرْسِيّ وَفَضْل آخَر سُورَة الْبَقَرَة , وَأَنَّ الْجِنّ يُصِيبُونَ مِنْ الطَّعَام الَّذِي لَا يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ " انتهى مختصرا .
وإذا قدّر أنك أخذت بهذه الوسائل ، ثم لم تجدي راحة في البقاء في المنزل ، فالأفضل أن تبحثي عن منزل آخر ، فقد روى أبو داود (3924) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا ، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى ، فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا ، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَرُوهَا ذَمِيمَةً ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود . أي اتركوها مذمومة .
وينظر جواب السؤال رقم (27192) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101686
العنوان:
تحب ابن عمها وقد تقدم لخطبتها لكنه لا يصلي إلا الجمعة
السؤال:
الحمد لله الذي هداني للحجاب والنقاب والصلاة ، سؤالي حول ابن عمي , كان قد أسر لي بمحبته لي . والآن تقدم لخطبتي ووالدي يرفضه رغم علمه بأني أحبه وهو يحبني . سبب الرفض أنه لا يريد زواج أقارب وأن الولد لا يصلي إلا الجمعة وأنه يدخن ويشيش ويجلس على المقاهي , وأنه أقل مني ماديا واجتماعيا لأني طبيبة وهو موظف وأقل مني دينا ، ولأن لأهله مع والداي مشاكل عديدة . لكننا نحب بعضنا وأنا أرى أن سعادتي ليست في هذه المقاييس ولكنها مع من أحب , وأرى أن الله ممكن أن يهديه كما هداني فهو شاب خلوق . فهل يحق لي أن ألح على والدي بالزواج منه راجية من الله أن يهديه بعد الزواج ومتنازلة عن هذه الفروق ومتعلقة بحديث (لم أر للمتحابين مثل النكاح) ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان ابن عمك لا يصلي إلا الجمعة ، ويدخن ويشيش ويجلس على المقاهي ، فلا ينبغي لك قبوله ، بل لا يجوز لك قبوله ؛ لأن تارك الصلاة الذي لا يصلي إلا الجمعة فقط مختلف في كفره عند أهل العلم ، فمنهم من يرى كفره ، ومنهم من يرى فسقه ، وهو على أقل الأحوال مرتكب كبيرة من أكبر الكبائر .
فكيف ترضى المؤمنة المستقيمة التي من الله عليها بالهداية ، ودخلت في عداد الملتزمات المستقيمات بالزواج ممن هذا حاله ؟!
وأما المحبة التي أشرت إليها ، فلا يُنكر أن خير علاج للمتحابين هو النكاح ، لكن لا يكون هذا على حساب الدين ، فإن المحبة قد تتغير وتزول ، فيعقبها البغض والأذى ، لا سيما إذا كان الرجل مفرطا في حق الله .
والزواج من غير المستقيم على أمل هدايته في المستقبل ، مغامرة قد لا تحمد عقباها ، فقد يستقيم وقد لا يستقيم ، ولك أن تتخيلي كيف ستكون حياتك مع رجل لا يصلي ، ويؤذيك برائحة دخانه النتن ، ويضيع وقته مع رفاق السوء في المقاهي .(/1)
ومثلك لا يخفى عليه الفرق بين حياة أهل الالتزام وحياة غيرهم ممن هم من أهل الصلاة والخير في الجملة ، فكيف بالحياة مع تارك الصلاة وشارب الدخان .
وهذا الشاب إذا علم أنه رُفض لأجل تركه للصلاة ، وشربه للدخان ، فلم يتغير حاله ، ولم يستقم ، فإن الأمل في استقامته بعد الزواج أبعد ، وإن كان لا يدري أحد ما يكون في الغد إلا الله ، لكن هذا من حيث النظر العام إلى طبائع الناس ، فإنه إن كان راغبا فيك حقا ، فإنه سيبذل ما في وسعه لتحسين صورته وتغييرها ، فإن لم يفعل ، فاحتمال بقائه على حاله بعد الزواج احتمال قوي ظاهر .
ولهذا ننصحك أن تعملي على وصول خبر الرفض إليه معلَّلا بتقصيره وتفريطه في دينه ، وأن الرفض ليس من والدك فحسب ، بل هو منك في الحقيقة عند التجرد عن العاطفة ، والاحتكام للشرع ، فإن تغيّر واستقام ، ومضى على ذلك فترة كافية للتأكد من ثباته ، فهنا يمكنك قبول خطبته ، والإلحاح على والدك في قبوله .
وأما إن ظل على حاله ، فدعي التفكير فيه ، واعلمي أن الرجال الصالحين غيره كثير ، وأن الزواج حياة ممتدة ، وبناء كبير ، يحتاج إلى زوجين متوافقين متكافئين ، لتستقيم حياتهما ، وينشأ بينهما ذرية صالحة ، وأسرة كريمة .
والسعادة لا تتحقق بوصول الإنسان إلى ما يريد ، ولكن السعادة الحقيقة هبة من الله تعالى ، تتبع الإيمان والعمل الصالح ، كما قال سبحانه : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .
ولذلك نرى حالات كثيرة بدأت بالحب قبل الزواج ، وانتهت بالفشل والتعاسة ، لأنها لم تبن على طاعة الله .
وينظر جواب السؤال رقم (84102) ففيه دراسة اجتماعية عن هذه القضية .
ثانيا :(/2)
لا يخفى أن ابن عمك أجنبي عنك كسائر الرجال الأجانب ، فلا مجال لأن يكون بينك وبينه علاقة قبل الزواج ، فلا يمكّن من نظر أو مصافحةٍ أو خلوة أو حديث فيه خضوع بالقول ، وقد قال الله تعالى : ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الََّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32 .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101688
العنوان:
أحرمت بالعمرة وخافت لوجود الجراد بالحرم فلم تكملها
السؤال:
لقد نويت العمرة وذهبت إلى مكة لأدائها , وكثر الجراد في الحرم ولشدة خوفي منه لم أستطع أن أعمل العمرة لدرجة أنني بكيت . قالت لي بعض الصديقات : إن علي أن أذبح وأن ما فعلته ذنب خصوصا أنني لم أقل ( وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) ماذا أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
من أحرم بالعمرة ، لزمه إتمامها ، لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) البقرة/196
والحصر ( وهو المنع من إكمال العمرة ) إنما يكون بوجود مانع ظاهر من عدو أو مرض ، وما ذكرتِه لا يعد مانعا من إتمام العمرة .
وعليه ، فالواجب عليك أن تعودي لإتمام عمرتك ، فتأتين بالطواف والسعي ثم تقصرين من شعرك ، وبهذا تتحللين من عمرتك .
وأنت الآن باقية على إحرامك ، ويلزمك البعد عن محظورات الإحرام من الطيب وقص الشعر والأظافر ولبس القفازين والنقاب وعقد النكاح والجماع ومقدماته .
ولو فرض أنك وقعت في شيء من هذه المحظورات جهلا أو نسيانا ، فلا شيء عليك .
وراجعي جواب السؤال رقم (36522) و (49026)
وفي حال عودتك إلى مكة لا يلزمك الإحرام من الميقات لأنك لا زلت محرمة بإحرامك الأول ، بل تتوجهين إلى الطواف مباشرة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح ؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام ؟
فأجاب : " هذا العمل غير صحيح ، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي ، قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت ، وعمرتها صحيحة ، لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة ، وهذا من خصائص الحج والعمرة ،(/1)
فلو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل ، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل . ولهذا قال العلماء : إن النسك لا يرتفض برفضه .
وعلى هذا نقول : إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة ، وتكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه ، بل هي باقية عليه .
وخلاصة الجواب : بالنسبة للمرأة نقول : إن عمرتها صحيحة ، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية ، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه . وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها ، والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها ، لأنها جاهلة ، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101702
العنوان:
وطئ مطلقته في العدة من غير نية إرجاعها وحملت منه
السؤال:
هل معاشرة الزوج لطليقته بعد شهرين تقريبا من حكم المحكمة بالطلاق وهو ليس في نيته أن يعود لها أو لا ، فقط أتته طليقته وعاشرها واحتمال أنها حملت منه ، هل يعتبر أنه أرجعها ؟ والحمل شرعي في هذه الحالة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
عدة المطلقة طلاقا رجعيا ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض ، وثلاثة أشهر إن كانت يائسة أو صغيرة لا تحيض ؛ لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) البقرة/228، وقوله تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) الطلاق/4 .
وللزوج أن يراجع زوجته خلال العدة ، رضيت بذلك أو لم ترض .
وتحصل العدة بالقول الدال عليها ، باتفاق العلماء ، كقوله : راجعتك .
واختلف الفقهاء في حصول الرجعة بالفعل ، كالوطء ومقدماته من اللمس والتقبيل ، على أربعة أقوال :
1- فذهب الحنفية إلى أن الرجعة تحصل بالوطء والتقبيل بشهوة على أي موضع كان ، وباللمس ولو مع حائل يجد معه الحرارة بشهوة ، واعتبروا ذلك كله رجعة بالدلالة , فكأنه بوطئها قد رضي أن تعود إلى عصمته.
2- وذهب المالكية إلى صحة الرجعة بالفعل كالوطء ومقدماته بشرط أن ينوي الزوج بهذه الأفعال الرجعة , فإذا قبلها أو لمسها بشهوة , أو نظر إلى موضع الجماع بشهوة , أو وطئها ولم ينو الرجعة فلا تصح الرجعة بفعل هذه الأشياء , ويكون قد ارتكب حراما.
3- وذهب الشافعية إلى أن الرجعة لا تصح إلا بالقول ، ولا تصح بالفعل مطلقا , سواء كان بوطء أو مقدماته , وسواء كان الفعل مصحوبا بنية الرجعة أو لا .
4- وذهب الحنابلة إلى أن الرجعة تصح بالوطء سواء نوى الزوج الرجعة أو لم ينوها، وأما مقدمات الوطء فلا تتم بها الرجعة على الصحيح من المذهب .(/1)
وينظر : "تبيين الحقائق" (2/251) ، "حاشية ابن عابدين" (3/399) ، "الخرشي على خليل " (4/81) ، " حاشية البجيرمي " (4/41) ، "الإنصاف" (9/156) ، "مطالب أولي" (5/480).
والراجح أن الوطء تحصل به الرجعة إذا كان مع نية المراجعة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " القول الثاني : أنها لا تحصل الرجعة بالوطء إلا بنية المراجعة ؛ لأن مجرد الوطء قد يستبيحه الإنسان في امرأة أجنبية مثل الزنا ، فهذا الرجل قد تكون ثارت شهوته عليها ، أو أنه رآها متجملة وعجز أن يملك نفسه فجامعها ، وما نوى الرجعة ، ولا أرادها ، ولا عنده نية أن يرجع لها ، فعلى هذا القول لا تحصل الرجعة بالوطء إلا بنية الرجعة ، وهذا هو الصحيح ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؛ لأن الوطء قد يكون عن رغبة في إرجاعها فيكون نية إرجاع ، وقد يكون لمجرد الوطء والشهوة فلا يدل على الإرجاع ..." .
إلى أن قال : " فالصواب أن الرجعة لا تحصل بمجرد الوطء إلا إن كان من نيته أنه ردها ، وأنه استباحها على أنها زوجة ، فإذا كان كذلك فهذه مراجعة ، لكن على هذا القول لو أنه جامعها بغير نية الرجوع ، وأتت بولد من هذا الجماع ، فهل يكون ولدا له ؟ الجواب : نعم ، يكون ولدا له ، لأن هذا الوطء وطء شبهة ، لأنها زوجته ولم تخرج من عدتها ، ولا يحد عليه حد الزنا ، وإنما يعزر عليه تعزيراً " انتهى من "الشرح الممتع" (13/189).
وقد استحب الفقهاء أن يُشهد الزوج على الرجعة لقوله تعالى: ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2 .(/2)
وعدّ بعض الفقهاء امتناع المطلقة من جماع زوجها حتى يشهد على رجعتها ، عدوا ذلك من كمال عقلها ورشدها ، قال الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" (4/87) : " من طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم راجعها وأراد أن يجامعها فمنعته من ذلك إلا بعد الإشهاد فإن ذلك من حقها ، وهو دليل على رشدها ، ولا تكون بذلك عاصية لزوجها ، بل تؤجر على المنع " انتهى .
ثانيا :
على هذا الزوج أن يتوب إلى الله تعالى ، من إقدامه على وطء مطلقته من غير نية إرجاعها ، وأن يقر بولده في حال حصول الحمل ، وأن يعيد النظر في مسألة طلاقه ، فقد يكون من المصلحة مراجعة زوجته ، والقيام عليها وعلى ولده منها .
ثالثا :
وإذا رفعت القضية إلى القاضي الشرعي وحكم فيها بما ترجح لديه ، فإن حكمه يكون لازماً للزوجين ، لأن حكم القاضي يرفع الخلاف .
وحيث أنكم في بلد غربي لا وجود للقاضي الشرعي ، فنرى أن تحكِّموا بينكم رجلاً من أهل العلم والفقه ، [ ويمكنكم الوصول إليه عن طريق المراكز الإسلامية ] ويحكم بما يظهر له من حكم المسألة ، ويكون حكمه نافذاً كحكم القاضي الشرعي .
ولله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101713
العنوان:
يحب مخطوبته وتريد فسخ الخطبة فماذا يفعل ؟
السؤال:
أنا شاب عمري 25 سنة وقد مضى على خطبتي لإحدى قريباتي ما يقارب السنة والنصف وقد كنا على علاقة قبل الخطوبة دامت ما يقارب السنتين أنا وهي متدينان وملتزمان بالصلاة ومبتعدان عن المحرمات إلا أننا قد خالفنا وارتكبنا المعاصي لأحيان كثيرة وقد تبنا منها ونستغفر الله ليلا ونهارا ، لقد حدث بيني وبين خطيبتي خلوة ولأكثر من مرة وقد صاحبها تقبيل واحتكاك بين الجسدين أو ما شابه ، ومنذ ذلك الحين ونحن نستغفر الله على ما فعلنا وقد تبنا منه والآن نحن نمر بمشكلة وهي أن خطيبتي تطلب فسخ الخطوبة ونحن مخطوبون بدون عقد وأسباب طلبها هذا هي أسباب بسيطة جدا ولا تعني شيئا والكل يعارضها على هذه الأسباب سواء أهلها أو أهلي وهم جميعا أقارب وهي نفسها مترددة في هذا القرار أنا متمسك بها جدا ونحن نحب بعضنا من سنين طوال أرجو منكم إرشادي للتصرف الصحيح وأتمنى أن تكون الإجابة سريعة لأنني الآن أمر بالمشكلة ولا أعرف كيف أتصرف معها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ما ذكرت من العلاقة مع قريبتك وما شابها من اقتراف الحرام ، أمر يؤسف لوقوعه بين أهل الإسلام ، وهو دليل على تقصير الآباء والأمهات في حفظ بناتهم ، ومنعهن من الاختلاط مع الرجال ، والتساهل مع الأقارب في هذا الشأن .
ونحمد الله تعالى أن بصركما بخطئكما ووفقكما للتوبة والندم والاستغفار ، ونسأله سبحانه العفو والصفح والقبول .
ثانيا :
ينبغي معرفة الأسباب التي تدعو هذه الفتاة لفسخ الخطبة ، ويمكنك أن توكل هذا الأمر لإحدى قريباتك ، فربما كانت هناك أسباب يمكن علاجها .
وإذا أصرت الفتاة على موقفها ، فما عليك إلا أن تصبر وتحتسب ، ولعل في ذلك خيرا لك ، فإن الإنسان لا يدري أين يكون الخير ، ومع من تكون السعادة والهناء .
وينبغي أن تستخير الله تعالى ، وأن تسأله التوفيق إلى الزواج الصالح ، والمرأة الصالحة .(/1)
واحذر أن تكون من ضعاف الإيمان الذين إذا فاتهم شيء مما تعلقوا به ، انهارت قواهم ، وضعفت إرادتهم ، وانغمسوا في المحرمات ، أو قعدوا عن أداء الواجبات ، أو أعلنوا اعتزال الحياة ، فإن هذا شأن اليائسين العاجزين ، أما المؤمن فيعلم أن كل شيء بقدر ، وأنه لن ينال إلا ما قُسم له ، ولهذا قال الله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22، 23
ونسأل الله تعالى أن يهيئ لك الخير ، وييسره لك حيث كان ، وأن يوفقك للزواج السعيد الناجح بإذنه سبحانه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101720
العنوان:
كتابة القصائد الغرامية للزوجة
السؤال:
ما حكم كتابة القصائد الغرامية لزوجة ؟
الجواب:
لا حرج في كتابة القصائد الغرامية من الزوج لزوجته – وكذا العكس - وهي أنواع ، فما كان فيها تعبير من الزوج لزوجته عن محبته لها ، وتعلقه بها : فهو من المباح ، والنوع الآخر : هو الغزل ، والتشبيب ، وهو ذِكر محاسن الزوجة ومكامن جمالها ، وهو أيضاً مباح لكن بشرط أن يكون ذلك التغزل بها هي ، لا بغيرها من المعيَّنات ، وبشرط أن لا يُِطلع أحداً على قصائده تلك غير زوجته ، وإلا كان فعله من خوارم المروءة .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 12 / 14 ) :
" يحرم التّشبيب – وهو الغزَل - بامرأة معيّنة محرّمة على المشبِّب ، أو بغلام أمرد .
ولا يُعرف خلاف بين الفقهاء في حرمة ذِكْر المثير على الفحش من الصّفات الحسّيّة والمعنويّة لامرأة أجنبيّة محرّمة عليه ، ويستوي في ذلك ذكر الصّفات الظّاهرة والباطنة ؛ لما في ذلك من الإيذاء لها ولذويها ، وهتك السّتر والتّشهير بمسلمة .
أمّا التّشبّب بزوجته أو جاريته : فهو جائز ، ما لم يصف أعضاءها الباطنة ، أو يذكر ما من حقّه الإخفاء فإنّه يُسقط مروءته ، ويكون حراماً أو مكروهاً ، على خلاف في ذلك " .
فإن أراد كتابة قصائد غرامية لزوجته ويذكر فيها محاسنها فلا حرج عليه في ذلك ، لكن ليجتنب أن تقع في يد غيرها .
ونسأل الله أن يوفقهما ، وأن يجمع بينهما على خير .(/1)
رقم السؤال:
101732
العنوان:
هل الإشراف على المنتدى أفضل أم قراءة القرآن وفعل الطاعات ؟
السؤال:
نحن مشرفات بمنتدى نسائي ولكن يدخله الرجال بحدود ولأقسام معينة ونجلس بحكم هذا العمل الإشرافي الساعات الطوال نحذف ونعدل ونرتب المواضيع والمنتدى توجهه ولله الحمد إسلامي وهدفه سليم ، ولكن هل هذا الوقت الذي نقضيه من الدعوة إلى الله ؟ وهل الجلوس لقراءة القرآن أو فعل الطاعات أفضل من هذا الإشراف ؟
الجواب:
الحمد لله
الدعوة إلى الله تعالى من أجل الأعمال الصالحة ، والقربات النافعة ، والطاعات المتعدّية لنفع الآخرين ، ولهذا كان القائم عليها والمنشغل بها سائرا على سبيل الأنبياء والمرسلين ، كما قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف/108 ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/33 .
وقد جاء في الترغيب في القيام بأمر الدعوة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم (2674).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة ، وطرقها الكثيرة ، كالكلام المباشر ، في الخطب والمواعظ والمحاضرات ، وعبر الأشرطة ، والكتابة عبر الرسائل ، والنشرات ، وفي المنتديات .(/1)
ومن ذلك : إنشاء المنتديات النافعة ، والإشراف عليها ، وتوجيه أهلها ، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم ، فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى ، وتعليم الناس الخير .
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه ، والإصلاح ، والدعوة والاحتساب ، وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم ، وبذلهم وعطائهم .
وعليه ؛ فينبغي أن تحتسبي الوقت الذي تقضينه في متابعة هذه المشاركات والتعليق عليها وتوجيه أصحابها ، لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع ، كالقيام بمسئولية الزوج والأولاد ، وتحصيل العلم الشرعي ، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد ، فإن بعض الناس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم ، وقربات أعظم ، والفقه هو معرفة الأولويات ، وتقديم الأهم على المهم .
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم ، فيكون له حظ من هذا ومن هذا ، يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره ، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا ، ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم ، فلا يشغله حق عن حق ، ولا يصرفه خير عن خير ، وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا ، ولنصحه فائدة ، لأنه قرن القول بالعمل ، وكان شعاره : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود/88 .
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها ، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها ، فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن ، والإكثار من النوافل ، وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه ، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه ، فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها ، ووافق وقت الحاجة إليها .(/2)
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات ، نورد شيئا منه ، فمن ذلك قوله رحمه الله : " وكذلك حال القلب ، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه ، وكذلك الأعمال ، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ، ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود ، وهكذا يجب أن يكون ، فإنه كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها ، فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك . وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله ، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها ، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها . وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره .
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته ، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع . والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر ، مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح " انتهى من "عدة الصابرين" ص (93).
وقال أيضا :
" إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد ، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن .
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا : القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب ، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل .(/3)
والأفضل في أوقات السحر : الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار .
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل : الإقبال على تعليمه والاشتغال به .
والأفضل في أوقات الأذان : ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس : الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت ، والخروج إلى الجامع وإن بعُد كان أفضل .
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال : الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .
والأفضل في وقت قراءة القرآن : جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به ، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك .
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة : الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة : الإكثار من التعبد ، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين .
والأفضل في العشر الأخير من رمضان : لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء …
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق ، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ( وهم الذين غلب عليهم عبادة معينة ، كقيام الليل أو قراءة القرآن أو الصيام ) فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته فهو يعبد الله على وجه واحد ، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت .(/4)
فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب (إياك نعبد وإياك نستعين) حقا ، القائم بهما صدقا " انتهى من "مدارج السالكين" (1/88).
وخلاصة الجواب : أن الإشراف على هذا المنتدى هو من الدعوة إلى الله تعالى ، فلا ينبغي تركه ، ولكن ينبغي أن ينظّم المسلم وقته ، فللدعوة إلى الله وقت ، ولقراءة القرآن وقت ، وللصلاة وقت ، وللأهل والأسرة وقت ، وهكذا ، فيعطي كل ذي حق حقه
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101736
العنوان:
الألقاب الدينية بين الإسلام والنصرانية
السؤال:
ما هو الفرق بين لقبي " شيخ " و " إمام " ؟ وما هي المؤهلات التي يجب أن تكون لدى من يحصل على هذين اللقبين ؟
الجواب:
الحمد لله
الدين الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى هو دين التوحيد ، الإسلام ، ولأجله بعث الرسلَ وأَنزَلَ الكتب ، ومن فضله سبحانه على عباده أن حفظ هذا الدين ، وكتب له البقاء والدوام بحفظ أصوله وثوابته من خلال العلماء الربانيين الصادقين ، الذين يحملون أمانة الوحي ويؤدونها كما أمرهم ربهم عز وجل .
وقد وقع في تاريخ الأمم السابقة من التحريف والتشويه لمضمون رسالات الأنبياء الشيء الكثير ، حيث ضيَّع أكثر علمائهم الأمانة ، واشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ، فأطغاهم الهوى والشيطان ، وأحدثوا في دينهم ما لم يأذن به الله ، وكان من أخطر ما شوهوا به رسالات الأنبياء مبدأ " الواسطة " بين الحق والخلق ، بين الرب العظيم وبين عباده ، أرادوا بها حفظ عروش الطغيان التي تجبروا بها على الخلق ، وتعليق مصائرهم بأيديهم ، من خلال حكم الهيئة الناطقة باسم " السماء " ، اخترعوا لهذه الهيئة ألقابا وأسماء ، ووضعوها على مراتب ومدارج ، يرتقي " رجل الدين " في طبقاتها المرسومة باسم " الرب " ، حتى يبلغ مرحلة النيابة عن " الله " في مرتبة " الحبر الأعظم " أو ما يسمى " البابا "
يقول المؤرخ الانجليزي " ويلز " في كتابه "معالم تاريخ الإنسانية" (3/720) :
" بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين ، وإن احتفظت بتعاليم يسوع في الأناجيل كنواة لها ، كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طرازٍ مألوفٍ للناس من قبل منذ آلاف السنين ، وكان " المذبح " مركز طقوسها المنمَّقة ، والعملُ الجوهري في العبادة فيها هو القربان الذي يقربه قسيس متكرس للقداس ، ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة " انتهى .(/1)
وقد أخذت هذه الهيئة سلطتها وطريقة ترتيبها من الهيكل السياسي للإمبراطورية الرومانية كما يقول فضيلة الشيخ سفر الحوالي في كتابه "العلمانية" (79) :
" وساعد وجودهم – يعني القساوسة والرهبان - ضمن الإمبراطورية الرومانية على تثبيت مراكزهم وتدعيمها ، وذلك بأنهم اقتبسوا من الأنظمة والهياكل السياسية للدولة فكرة إنشاء أنظمة وهياكل كهنوتية ، وكما كانت هيئة الدولة تمثل هرماً قمته الإمبراطور وقاعدته الجنود ، كانت الهيئة الكنسية تمثل هرماً مقابلاً : قمته " البابا " ، وقاعدته " الرهبان " ، ونتيجة لمبدأ فصل الدين عن الدولة رعت الإمبراطورية الهرم الكنسي ، ولم تر فيه ما يعارض وجودها ، فَرَسَخَ واستقر " انتهى .
أما في شريعة الإسلام المحفوظة ، فلا تجد طبقية تكرس التسلط والتجبر ، ولا تجد إلا نصوص المساواة في العبودية بين جميع الخلق ، أفضلهم أتقاهم ، وأقربهم إلى الله أقومهم بشرعه .
يقول الله عز وجل : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13
ويقول سبحانه : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف/19
بل إن جوهر شريعة الإسلام يقوم على إلغاء وساطات قطاع الطرق ، الذين يحولون بين العباد وبين الله ، باسم " الوساطة " أو " الشفاعة " ، وتنسب ذلك للمشركين الذين حاربوا رسالة التوحيد . يقول الله عز وجل عنهم : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يونس/18
يقول العالم الفرنسي المهتدي "ناصر الدين دينيه" :(/2)
" الوسيلة هي إحدى كبريات المسائل التي فاق بها الإسلام جميع الأديان ، إذ ليس بين الله وعبده وسيط ، وليس في الإسلام قساوسة ولا رهبان ، إن هؤلاء الوسطاء هم شر البلايا على الأديان ، وإنهم لكذلك مهما كانت عقيدتهم ، ومهما كان إخلاصهم وحسن نياتهم ، وقد أدرك المسيح نفسه ذلك ، ألم يطرد بائعي " الهيكل " ؟ غير أن أتباعه لم يفعلوا مثلما فعل ، واليوم لو عاد عيسى فكم يطرد من أمثال بائعي الهيكل ؟ " انتهى . نقلا عن "العلمانية" (ص/81)
أما منزلة فقهاء الشريعة وعلماء الدين ، فهي مرتبة علمية صرفة ، تعني قيام مؤهل العلم والمعرفة في حاملها ، بناء على دراسته وتحصيله العلمي الذي يتلقاه من الجامعة أو حلقات العلم أو الكتب ، ولا ترتسم بهيئات دينية مرتبة ، ولا بطقوس كهنوتية تمنحهم سلطانا باسم الرب ، إنما هي درجة من التخصص المعرفي – كأي حقل من حقول المعرفة التي يدرسها المتخصصون – وهم في دائرة الصواب والخطأ ، وفي دائرة النقد المبني على الدليل ، وليس لأحد منهم من الأمر شيء ، فلا يحل ولا يحرم ، ويأمر ولا ينهى ، إلا رب العالمين ، وما هم إلا مبلغين لشرعه ، ومعلمين للناس ما أتاهم من عند رب العالمين ، ثم هم ـ أيضا ـ كما أشرنا ليسوا معصومين في فهمهم لما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا في حفظه وتبليغه ، وإنما الحكم المعصوم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والذي يرجع إليه عند الاختلاف : هو وحي الله تعالى : كتابه الكريم ، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ما أجمعت عليه الأمة ، فإن أمته صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة .(/3)
وما الألقاب والأسماء التي أطلقها العلماء على بعضهم ، أو يطلقها الناس في كلامهم إلا تسمياتٌ لهذه المرتبة " مرتبة العلم بأحكام الشريعة " ؛ وقد يكون فيها نوع من التمييز للعلم الذي تخصص به ، مثل لقب : "الفقيه" أو "المفتي" ، لمن كانت عنايته بالفقه والفتوى ، أو : "المفسر" ، لمن كانت عنايته بتفسير كتاب الله عز وجل ، أو : "المحدث" و"الحافظ" لمن كانت عنايته بعلم الحديث .
وقد يُطلق عليه من أوصاف الثناء على سعة معرفته واطلاعه فيسمى بـ " شيخ الإسلام " أو " العلَّامة " أو " الإمام " ونحو ذلك من الإطلاقات التي يُقصَد بها وصفُ مستحق هذا الإطلاق بالعلم والمعرفة ، ولا يقصد بها بوجه من الوجوه مرتبةً كهنوتية ينالها بتدرجٍ معيَّنٍ في مراحل التدين والرهبانية .
بل حتى إِنَّ وصفَ الدرجة العلمية بإطلاق هذه الألقاب لم يأخذ اصطلاحا محددًا مقسَّما ، ليُسَمَّى من بلغ من العلم إلى حد معين باسم يختلف عن حد آخر ..وهكذا ، إنما هي أوصاف تقديرية نسبية ، لا تأخذ تقسيما محددا ، ولا تدل على قدر مرسومٍ من العلم ، بل تدل على الثناء العام أو التخصص المعين .
فليس هناك فروق دقيقة بين ألقاب " الإمام " و " العالم " و " الشيخ " ، ولا يجوز لأحد أن يفهم إطلاقها في كتب العلم أو على ألسنة العلماء بما وقع في الملل الأخرى من بدعة " رجال الدين " أو " الإكليروس " .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
101747
العنوان:
تحويل النقود عن طريق البنك الربوي أو عن طريق شخص بأجرة
السؤال:
نحن نعمل بالمملكة العربية السعودية ومجبرون على استخدام البنوك لإرسال أموالنا للوطن. وحتى لو قمنا بإرسال الأموال من خلال بنك البلاد أو بنك الراجحى ويبدو أنهما بنكان إسلاميان فإن جميع البنوك ببلدنا هى بنوك ربوية ونخشى أن يستخدم البنك أموالنا فى معاملات ربوية . وكبديل لذلك فإن أحد رجال أعمال بلدنا العاملين معنا هنا بالمملكة لديه بعض الأموال بالوطن ونود أن نعرف ما إذا كان يجوز لنا أن نرسل الأموال بواسطته وسيزيد ما يتقاضاه عن معدل مايتقاضاه البنك بريالين .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز تحويل الأموال عن طريق البنوك ، ولو كانت ربوية ؛ لدعاء الحاجة إلى ذلك ، وعموم البلوى به ، لكن ينبغي المسارعة في أخذ المال حال وصوله ؛ حتى لا يستفيد منه البنك في معاملاته الربوية .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء هل يحل للمسلم أن يتعامل مع البنوك الحالية التي تعطي زيادة على رأس المال أو تزود المقترض ؟
فأجابوا : لا يجوز للشخص أن يودع نقوده عند البنك ، والبنك يعطيه زيادة مضمونة سنويا -مثلا- ولا يجوز أيضا أن يقترض من البنك بشرط أن يدفع له زيادة، في الوقت الذي يتفقان عليه لدفع المال المقترض، كأن يدفع له عند الوفاء زيادة خمسة في المائة، وهاتان الصورتان داخلتان في عموم أدلة تحريم الربا من الكتاب والسنة والإجماع، وهذا واضح بحمد الله.(/1)
وأما التعامل مع البنوك بتأمين النقود بدون ربح وبالتحويلات، فأما بالنسبة لتأمين النقود بدون ربح؛ فإن لم يضطر إلى وضعها في البنك فلا يجوز أن يضعها فيه؛ لما في ذلك من إعانة أصحاب البنوك على استعمالها في الربا، وقد قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) سورة المائدة الآية 2 ، وإن دعت إلى ذلك ضرورة فلا نعلم في ذلك بأسا إن شاء الله.
وأما بالنسبة لتحويل النقود من بنك لآخر ولو بمقابل زائد يأخذه البنك المحول فجائز؛ لأن الزيادة التي يأخذها البنك أجرة له مقابل عملية التحويل " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/369)(/2)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " إذا دعت الضرورة إلى الحفظ عن طريق البنوك الربوية فلا حرج في ذلك إن شاء الله ؛ لقوله سبحانه : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر ، وهكذا الإيداع فيها للضرورة بدون اشتراط الفائدة ، فإن دُفعت إليه الفائدة من دون شرط ولا اتفاق, فلا بأس بأخذه لصرفها في المشاريع الخيرية كمساعدة الفقراء والغرماء ونحو ذلك لا ليمتلكها أو ينتفعَ بها ، بل هي في حكم المال الذي يضر تركه للكفار بالمسلمين مع كونه من مكسب غير جائز ، فصرفه فيما ينفع المسلمين أولى من تركه للكفار يستعينون به على ما حرم الله ، فإن أمكن التحويل عن طريق البنوك الإسلامية أو من طرق مباحة لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية ، وهكذا الإيداع إذا تيسر في بنوك إسلامية أو متاجر إسلامية لم يجز الإيداع في البنوك الربوية لزوال الضرورة ، ولا يجوز للمسلم أن يعامل الكفار ولا غيرهم معاملة ربوية ولو أراد عدم تملك الفائدة الربوية بل أراد صرفها في مشاريع خيرية ؛ لأن التعامل بالربا محرم بالنص والإجماع فلا يجوز فعله ولو قصد عدم الانتفاع بالفائدة لنفسه ، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/194).
ثانيا :
يجوز إعطاء المال لمن يحمله إلى بلدك مقابل أجرة معلومة ، ولو كانت أكثر من أجرة البنك ، لكن ينبغي التأكد من أن هذا الشخص سيحمل المال بنفسه ، ولا يرسله عن طريق البنك ، حتى لا يضيع مالك من غير فائدة .
وينبغي أيضاً أن تعلم أن المستأجَر لحمل الأموال ، أمين فلا يضمن الأموال التي طُلب منه نقلها إن ضاعت أو سُرِقت إلا إذا حصل منه تقصير في حفظها أو تصرَّف فيها تصرفاً لم يُؤْذَن له فيه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101752
العنوان:
كيف تعرِّف أولادها الصغار على الإسلام وتحببهم به ؟
السؤال:
لقد اعتنقت الإسلام - والحمد لله - ولدي ثلاثة أطفال ، وأنحدر من أسرة مسيحية " تسامحت " في حقيقة كوني مسلمة . وسؤالي هو : كيف أطلع أطفالي على الإسلام ، حيث يبلغ أحدهم من العمر 11 عاماً والآخر 8 أعوام في حين تبلغ الفتاة 5 أعوام دون أن أتسلط عليهم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نحمد لله الذي وفقك للدخول في دين الإسلام ، ونسأله تعالى أن يثبتكِ ، وأن يهدي أهلكِ للدخول في هذا الدين .
ونوصيكِ بعدم التهاون والكسل في هدايتهم وإرشادهم ، بالتي هي أحسن ، فلعل الله أن يفرح قلبك بدخولهم الإسلام ، وتكتب لك مثل أجور أعمالهم .
ثانياً:
وقد أحسنتِ بالسؤال عن أولادك ، وعن طريقة تربيتهم على الإسلام ، وقد جعل الله تعالى على الوالدين مسؤولية عظيمة في تربية أولادهم .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ) . رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
" فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركَه سدًى : فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءَهم كباراً " انتهى .
" تحفة المودود " ( ص 229 ) .
ثالثاً:
ومما ننصحك به في مجال تربية أولادك على التعرف على الإسلام ومحبته :
1. ربطهم باللغة العربية ، وإدخال محبتها لقلوبهم ؛ لأنها مفتاح مهم لفهم الإسلام ومحبته .(/1)
2. تعريفهم على أصدقاء في أعمارهم من جنسهم من المسلمين المحافظين على شعائر الإسلام ، ومن الضروري أن يكون هؤلاء على خلق واستقامة ؛ حتى يتأثر بهم أولادك ، ويكونوا لهم قدوة في استقامتهم والتزامهم بالشرع وتعاملهم مع والديهم .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري ( 1995 ) ومسلم ( 2628 ) .
3. تعليق قلوب الذكور بالمسجد ، وذلك بالحث على الصلاة ، وحضور حلق العلم ، وحبذا أن يكون مع ذلك تشجيع منك بالهدايا والجوائز كلما قطع واحد منهم شوطاً في تلك الحلَق .
ولا بأس أن تذهب معهم إلى المسجد لتحببهم في بيوت الله ، والصلاة
وإن لم يتيسر لهم الذهاب للمسجد لبُعده ، أو عدم أمن الطريق : فلا تفرطي في تعليمهم الصلاة في أوقاتها في المنزل ، وقد أُمرتِ بتعليم من بلغ السابعة منهم بالصلاة أمراً لازماً ، وما قبل هذا العمر فيعلَّم لكن ليس على وجه الإلزام .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) رواه أبو داود ( 495 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
4. إسماعهم القرآن الكريم بأصوات حسنة محببة للنفوس ؛ حتى يكون للقرآن شأن عظيم في قلوبهم ، وكتاب الله تعالى كتاب هدى ونور للناس ، فهو ينير لهم طريقهم ، ويثبتهم على الصراط المستقيم بإذن الله تعالى .(/2)
5. مشاهدة الأفلام الكرتونية ذات الصبغة الإسلامية ؛ ليقارن بين ما يشاهده فيها ويسمعه منها ، بما يكون في غيرها ، وهنا يكون لكم دور مهم في تبيين الفروقات ، وأن الإسلام يحث الناس على الخير والصلة والبر والرحمة ، ويحذر من الشر والقطيعة والفساد والقسوة .
6. إطلاعهم على مواقع إسلامية نافعة لهم ، وذلك بحسب أعمار كل واحد منهم ، مع الحذر من فتح المجال لهم للدخول بحريتهم ، بل يكون ذلك عن طريقك أنت .
7. ومما ينبغي لك التفكير به مليّاً وهو يعينك على ما تصبين إليه : الذهاب بهم لأداء مناسك العمرة ، وزيارة بيت الله الحرام ، وقد وُجد لهذه الزيارات أثر بالغ على نفوس الشباب ، كما هو الحال للكبار .
8. تعليمهم مبادئ العقيدة بشكل ميسر يتناسب مع أعمارهم ، وذلك مثل وحدانية الله تعالى ، وأنه يسمعهم ، ويبصرهم ، وأنه يثيب من يحسن التصرف ويلتزم بأحكام الإسلام .
فلم يمنع صغر سن عبد الله بن عباس من أن يقول له صلى الله عليه وسلم كلمات بليغات في التوحيد والعقيدة ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : ( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) رواه الترمذي ( 2516 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وانظري – للأهمية - جواب السؤال رقم : ( 22175 ) .(/3)
9. إحضار القصص المناسبة لأعمارهم عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم ، حتى يعلموا أنهم ينتسبون لخير دين ، وخير نبي ، وخير أمة .
وانظري – للأهمية - : جوابي السؤالين : ( 21215 ) و ( 22496 ) .
10. إدخالهم مدارس إسلامية ، وتجنيبهم المدارس الفاسدة ، ومن شأن المدارس الإسلامية العناية بهم اعتقاداً وسلوكاً ، ويرجع اختيار أفضلها لكِ بحسب ما ترينه .
وانظري جواب السؤال رقم : ( 38284 ) .
ولا ينبغي لك الغفلة عن أمرين مهمين :
الأول : الدعاء بأن يصلحهم الله ، ويهديهم ، ويوفقهم ، فدعاؤك سبب عظيم تفعلينه لإصلاحهم وهدايتهم ، فلا تغفلي عنه ، ولا تقللي من شأنه .
والثاني : أن تكوني أنتِ قدوة صالحة لهم في حسن تعاملهم معهم ، ورحمتك بهم ، ولا يكون ذلك من منطلق الأمومة فقط ، بل ومن منطلق كونك مسلمة ، ملتزمة بشرع الله تعالى .
ونسأل الله أن يوفقك لما تسعين له من خير ، وأن يهدي أولادك لما يحب ويرضى .
وينظر – للاستزادة - : أجوبة الأسئلة : ( 10016 ) و ( 22150 ) و ( 4237 ) – مهم – و ( 22950 ) و ( 10211 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
101766
العنوان:
يتأخر عن الجماعة خشية أن يؤم المصلين
السؤال:
أنا شاب ملتزم وأحب الصلاة ، لكني في بعض الأحيان أذهب إلى المسجد متأخرا ؛ لأني أخاف أن أؤم المصلين ، إذا جئت أصلي بهم يكون عندي بعض الخوف ، وخاصة في الصلوات الجهرية ، فهل علي إثم إذا لم أصلِّ بهم ، وإذا تأخرت عن الصلاة ، وهل هناك طرق علاجية لإزالة الخوف مني لكي أتمكن من الصلاة بهم ، برغم أني إذا صليت وحدي لا أخاف ؟
الجواب:
الحمد لله
المبادرة إلى الجماعة ، والتبكير في الذهاب إلى المساجد من فضائل الأعمال التي يغفل عنها ويقصر فيها كثير من الناس ، والمؤمن حين يذوق طعم الإيمان ، ويستشعر لذة العبادة ، لا يكاد يصبر حتى يسمع النداء ليذهب إلى المسجد ، بل تجده مسارعا مسابقا ، لا يدخل وقت الصلاة إلا وقد اشتاق إليها ، ويصدق عليه وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وهو الرجل المعلق قلبه في المساجد .
ولا شك أن التبكير إلى صلاة الجماعة والحرصَ على إدراكِ تكبيرتها الأولى دليلٌ على تعظيم هذه الشعيرة ، وحبها ، والرغبة فيها ، وهو دليل أيضا على صلاح العبد ودينه وتقواه .
قال سفيان الثوري : " مجيئك إلى الصلاة قبل الإقامة توقير للصلاة " انتهى .
"فتح الباري" لابن رجب (3/533)
وقال إبراهيم التيمي : " إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه " انتهى . "سير أعلام النبلاء" (5/84)
وكان وكيع بن الجراح يقول : " من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترجُ خيره " انتهى .
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/74) .
بل كان بعض السلف يعدون الذهاب إلى المسجد بعد الأذان تقصيرا ، وأن الفضل هو في الذهاب قبل النداء .
قال سفيان بن عيينة :
" لا تكن مثل عبد السوء ، لا يأتي حتى يُدعَى ، ايت الصلاة قبل النداء " انتهى .
التبصرة لابن الجوزي (131)(/1)
ونحن نذكر أنفسنا وإياك هنا ببعض فضائل التبكير إلى صلاة الجماعة والمبادرة إليها :
أولا :
روى ابن المنذر – كما في "الدر المنثور" (2/314) - عن أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله سبحانه وتعالى : ( سَابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) الحديد/21 ، أنها التكبيرة الأولى . وذكره بعض المفسرين عن مكحول وسعيد بن جبير من التابعين .
ثانيا :
روى عبد الرزاق في "المصنف" (1/528) من طريقٍ صحيحٍ عن أنس رضي الله عنه قال :
( من لم تفته الركعة الأولى من الصلاة أربعين يوما كتبت له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق ) .
وجاء عن مِيثم ، رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( بلغني أن الملَك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد ، فلا يزال بها معه حتى يرجع يدخل بها منزله ) .
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وصححه ابن حجر في "الإصابة" (6/148) والألباني في "صحيح الترغيب" (1/242) .
ثالثا :
وفي التبكير إلى صلاة الجماعة تحصيل أجر انتظار الصلاة ، والمكث في المسجد ، ودعاء الملائكة ، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ) رواه البخاري (477) ومسلم (649)
كما فيه تحصيل فضيلة الصلاة في الصف الأول ، وفضيلة إدراك التأمين مع الإمام ، فقد جاء في الحديث الصحيح : ( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري (780) ومسلم (410) .(/2)
ومن بكَّر في حضور الجماعة أمكنه الاستفادة من الوقت بين الأذان والإقامة بصلاة السنة الراتبة أو تحية المسجد ، وشغل الوقت بالدعاء بخيري الدنيا والآخرة ، فإن ما بين الأذان والإقامة من مواطن إجابة الدعاء .
رابعا :
وفي هدي السلف الصالح من النماذج التي تبعث الهمة في القلب ، وتبث العزيمة في النفس ، وتدعو كل مقصِّرٍ ومفرِّطٍ إلى الحياء من رب العالمين ، حيث يتسابق إليه العباد والزهاد ، وهو في غفلته ساه عن الأجر والمغنم .
يروي ابن شاهين في كتابه "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (رقم/107) عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال :
( اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم حذيفة ، قال رجل منهم : ما يسرني أني فاتتني التكبيرة الأولى مع الإمام وأن لي خمسين من الغنم . وقال الآخر : ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي مائة من الغنم . وقال الآخر : ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي ما طلعت عليه الشمس . وقال الآخر : ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأني صليت من العشاء الآخرة إلى الفجر ) .
وعن أبي حرملة عن ابن المسيب قال : " ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين ، وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة " انتهى . السير (4/30) . يعني أنه كان يصلي في الصف الأول .
خامسا :
ويخشى على من يعتاد التأخر عن صلاة الجماعة ، وإهمال فضل التكبيرة الأولى أن يؤخره الله عن الأجر والفضل والخير ، حيث يرضى لنفسه التأخر ، فيكون جزاؤه من جنس عمله .
وقد قال بعض العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ( تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّه ) رواه مسلم (438) أن المقصود هو من يتأخر عن الصف الأول والتكبيرة الأولى .
وانظر جواب السؤال رقم (34852)
سادسا :(/3)
وأظنك أخي السائل قد أدركت – بعد كل ما سبق – خطأ ما ترتكبه من تعمد التأخر عن الجماعة ، وأن الخوف الذي يدفعك لذلك هو من وحي الشيطان ، يريد حرمانك من الأجر والفضل .
ونحن ندرك أن موقف الإمامة موقف فيه من الهيبة والرهبة الشيء العظيم ، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يدفعك إلى التقصير فيه ، فإذا دخلت المسجد ، وكنت أحق من يؤم الموجودين ، فتقدم ولا تتأخر ، فإن الإثم يلحقك إذا تقدَّمَ الناسَ من لا يُتقن قراءة الفاتحة ولا يحسن إقامة أركان الصلاة .
ونطمئنك بأن الخوف الذي تشعر به عند الإمامة هو شعور عارض ، سرعان ما يذهب عنك مع اعتياد الإمامة ، فعليك أن تتحمل المشقة في بداية الطريق ، ثم سيفتح الله لك باب الخير جزاء صبرك وتحملك .
ويمكنك الاستعانة ببعض ما يهون شعور الخوف الذي يصيبك ، فاحرص على الأمور الآتية :
1- التحضير الجيد في مراجعة الآيات التي تريد قراءتها في الصلاة ، فإن ذلك يكسبك من الثقة والقوة ما يدفع عنك الخوف والرهبة .
2- اعتياد الصلاة في البيت بصوت مرتفع ، في قيام الليل وصلاة النافلة الليلية ، ففي ذلك تعويد للنفس على موقف الإمامة والقراءة .
3- إمامة الناس في الصلوات السرية ، فإن اعتياد الوقوف في مكان الإمام يخفف من رهبة تقدم الناس في الجهرية .
4- اسْعَ في إقناع النفس بسهولة الأمر ، وكيف أن بعض صبيان الصحابة كان يتقدم الناس في مسجد قومه ، وأن الأمر لا يعدو قراءة يسيرة سهلة مع خشوع واطمئنان وخضوع لله رب العالمين .
5- ولا تنس سؤال الله تعالى التوفيق إلى الخير ، وتسهيل البر والعمل الصالح .
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والفوز بالنعيم المقيم .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
101768
العنوان:
بنات الأب من الرضاع من زوجته الثانية إخوة للرضيع
السؤال:
جدتي(والدة أمي) حفظها الله أرضعت إخوانها وأخواتها من والدها مع أولادها وبناتها بعد ذلك تزوج جدي (زوجها) بأخرى وأنجبت منه ولداً وبنتاً والآن خالاتي وأمي لا يتحجبن أمام أولاد أخوالهم وخالاتهم باعتبارهن عماتهم . ولكن السؤال هنا : هل لا تتحجب بنت جدي من زوجته الثانية من أخوال أمي (إخوان جدتي الذين أرضعتهم) ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، لبنت جدك من زوجته الثانية ألا تتحجب أمام أخوال أمك ، لأنهم إخوة لها من الرضاعة ، ولكنها أخوة من الأب فقط .
وبيان ذلك أنه : " إذا رضع طفل من امرأة الرضاع المعتبر شرعاً بأن يكون في الحولين وأن يكون خمس رضعات فأكثر فإنه يكون ابنًا للمرضعة ، وتكون بنات المرضعة كلهن أخوات له ، وكذلك يكون ابنًا لمن له اللبن وهو زوجها ، وتكون بنات الزوج كلهن أخوات لهذا المرتضع سواء كن من المرضعة أو من غيرها كما عليه جمهور أهل العلم وهذا ما يسمى بلبن الفحل ". المنتقى للشيخ الفوزان .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : رضعتُ من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى، وأنجبت زوجته أبناء، فهل هم إخوة لي؟
فأجاب : "إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوباً للزوج لكونها أنجبت منه فهم إخوة لك من أبيك وأمك من الرضاع، وأما أولاده من الزوجة الثانية فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع.(/1)
والرضعة هي أن يمسك الطفل الثدي ويمص اللبن حتى يصل إلى جوفه ثم يترك الثدي لأي سبب من الأسباب ثم يعود ويمص الثدي حتى يصل اللبن إلى جوفه، ثم يترك الرضاع ثم يعود وهكذا حتى يكمل الخمس أو أكثر سواء كان ذلك في مجلس أو مجالس، وسواء كان ذلك في يوم أو أيام بشرط أن يكون ذلك حال كون الطفل في الحولين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا رضاع إلا في الحولين ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ، لسهلة بنت سهيل : ( أرضعي سالما خمس رضعات تحرمي عليه ) ، ولما ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ، والأمر على ذلك ). وهذا لفظ رواية الترمذي . وفق الله الجميع لما يرضيه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (22/305)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101771
العنوان:
إذا اتهمت زوجها بالزنا هل لها أن تلاعنه ؟
السؤال:
أود معرفة ما هو الإجراء الذي تتبعه المرأة التى تتهم زوجها بالزنا . هل عليها أن تقسم يمين اللعان على نفسها كما فى سورة النور ؟ أم أن هذا يسري فقط على الزوج الذى يتهم زوجته؟
الجواب:
الحمد لله
اللعان إنما يشرع لأمرين :
الأول : إذا قذف الزوج زوجته بالزنا ، ولم يأت بأربعة شهود ، فله إسقاط حد القذف عنه باللعان .
والثاني : أن يريد نفي الولد عنه .
والأصل في ذلك قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ...الآيات) النور/6
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " هذه الآية الكريمة فيها فَرَجٌ للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته ، وتعسّر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدّعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، فإذا قال ذلك ، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبداً ، ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا ، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، أي فيما رماها به والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ولهذا قال : ( ويدرأ عنها العذاب ) يعني الحد ( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) " انتهى .(/1)
وأما الزوجة فإذا قذفت زوجها بالزنا ، ولم تأت بأربعة شهود ، فإنها تحد حدّ القذف ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/4 .
وهذه الآية تشمل قذف النساء والرجال سواء .
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : " ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هنّ أهم ، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس . وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى ، وإجماع الأمة على ذلك " انتهى .
وقال الماوردي في "الأحكام السلطانية" ص 287 : " وإذا قذفت المرأة زوجها حُدَّت , ولم تلاعن " انتهى .
وإذا علمت المرأة بزنا زوجها ، ولم يكن لديها البينة ، وهي أربعة شهود ، فإن عليها أن تنصحه وتذكره وتخوفه بالله تعالى ، فإن استمر في غيه ، فلتطلب الطلاق منه ، أو تخالعه ، لأنه لا خير لها في البقاء معه ، ولما قد يترتب على مجامعته لها من مضرة عليها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101775
العنوان:
تأجير المحل لمن يبيع فيه سلعا مباحة وأخرى تستعمل في الحلال والحرام
السؤال:
في البلد الكافر الذي أدرس فيه , أمي تؤجر محلا لجماعة كفار يبيعون العطور ومستحضرات التجميل, وأنا على يقين أن أغلب النساء يستخدمن هذه المستحضرات للسفور والتبرج ومن أجل الاختلاط مع الشباب, وقد قرأت في موقعكم هذا أنه إن كان بيع السلع تستخدم في فعل الحرام لا يجوز بيعها في هذه الحالة, وإني لا أعلم نسبة الكحول الموجودة في العطور التي تباع. وإذا عرضت الأمر على أمي , أنا متأكد أنها سوف تغضب وستنعتني بالتشدد, خاصةً أنها لا تصلي وليست في الإسلام كما ينبغي فلن تتفهم أهمية المسألة , وأخاف أن تنفر مني وأفشل في دعوتها, وستصبح مشكلة بيننا في الأسرة. المشكلة أيضاً أني أعيش في هذا البلد من مال هذا الإيجار, فماذا أفعل في هذه الحالة الصعبة؟ أجد صعوبة كبيرة في نهي هذا المنكر حتى أحس أني لا أستطيع فعل شيء. أرجوكم أن ترشدوني بإذن الله تعالى.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأشياء التي يمكن استعمالها في الحلال والحرام ، لا يجوز بيعها لمن يُعلم أو يغلب على الظن أن سيستعملها في الحرام ، وإذا كنا لا ندري هل سيستعملها في الحلال أو الحرام ، فلا حرج في بيعها عليه ، لأن الأصل إباحة البيع وعدم تحريمه . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75007)
ثانيا :
تأجير المحل لمن يبيع فيه سلعا مباحة كالعطور الرجالية مثلا ، وسلعا أخرى تستعمل في الحلال والحرام ، كمستحضرات التجميل ، ينظر فيه إلى الغالب ، فإن كان غالب السلع من النوع الثاني ، والغالب في البلد استعمالها في الحرام ، فإنه يمنع من تأجير المحل لمن هذا حاله ؛ حتى لا يكون عونا على الحرام ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .(/1)
وإن كان الغالب هو بيع السلع على الوجه المباح ، جاز تأجير المحل ، عملا بالغالب ، ودفعاً للحرج والمشقة فإن كثيراً من أصحاب السلع لا ينفكون عن بيع أشياء تستعمل في الحلال والحرام .
ثالثا :
لا حرج في بيع العطورات الكحولية ، لعدم الجزم بوجود الكحول المسكر فيها ، أو بقائه على إسكاره .
وينظر جواب السؤال رقم (1365)
رابعا :
ينبغي أن تحسن إلى والدتك ، وأن تسعى في دعوتها إلى الصلاة وتعليمها ما تجهل من أحكام الإسلام .
وإن رأيت أن الكلام معها في شأن هذا المحل سيسبب نفورها وبعدها ، فلا تكلمها فيه ، وليكن كلامك معها فيما هو أهم كالمحافظة على الصلاة باللين والرفق والموعظة الحسنة .
ولا حرج عليك في الاستفادة من مال والدتك ، ولو كان تأجير المحل ممنوعا – بحسب التفصيل السابق – لأن ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط ، وأما أنت فإن المال سيأتيك بطريق مباح وهو الهبة أو العطية من والدتك .
لكن اجتهد في نصحها ودلالتها على الخير ، فإنها أحق الناس بصحبتك ودعوتك .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101776
العنوان:
يجبرها زوجها على نقل كل ما تسمعه من أهلها والناس له !
السؤال:
زوجي يجبرني على أن أخبره بكل ما تحدثتُ به مع أمي ، وإخوتي ، أو أي إنسان آخر ؛ بحجة أن أمي – مثلاً - تقول كلاماً ممكن أن يؤدي إلى خراب البيت ، وإذا لم أقل له تحصل مشكلات بيني وبينه ، فهل أستجيب له ؟
الجواب:
الحمد لله
1. الواجب على هذا الزوج – إن صح ما تقوله زوجته عنه – أن يتقي ربه تعالى في طلبه ذلك من زوجته ، وأن يعلم أنه آثم بفعله هذا ، وأنه لا يحل لزوجته أن تطيعه في طلبه هذا .
2. ونوصي هذا الزوج أن يشتغل بنفسه عن الناس ، وينظر لعيوبه فيصلحها ، ولتقصيره فيجد ويجتهد في بلوغ كمال نفسه الأمارة بالسوء ، فهو خير له وأولى من الاشتغال بالناس ماذا قالوا ، وماذا فعلوا ، قال ابن القيم رحمه الله : " أخسر الناس صفقة : مَن اشتغل عن الله بنفسه ، بل أخسر منه : مَن اشتغل عن نفسه بالناس " . "الفوائد" ( ص 58 ) .
3. ولا ينبغي له إساءة الظن بالناس ، واعتقاد الكمال في نفس ، وليس كل ما يقوله الناس يهمه ويتعلق به ، وإنما هي الشهوة في سماع قصص الناس وأحوالهم ، والتفكه بأعراضهم .
4. وكان المرجو من ذلك الزوج ألا يقبل من زوجته إن نقلت هي ما يقوله أهلها ويقوله الناس لها ، حتى لو كان الكلام فيه ، لأنها بذلك تكون نمَّامة ، وقد قال بعض السلف : " يُفسد النمَّام والكذَّاب في ساعة ما لا يُفسد الساحر في سنَة " ، فكيف له أن يقبل لنفسه أن يكون هو الموصي لها بذلك ، بل الآمر ، بل والمتوعد بالعقوبة إن لم تفعل !؟ .
قال النووي – نقلا عن أبي حامد الغزالي رحمهما الله :
" وكل من حُملت إليه نميمة ، وقيل له : فلان يقول فيك ، أو يفعل فيك كذا : فعليه ستة أمور:
الأول : أن لا يصدِّق ؛ لأن النمام فاسق .
الثاني : أن ينهاه عن ذلك ، وينصحه ، ويقبح له فعله .(/1)
الثالث : أن يبغضه في الله تعالى ؛ فإنه بغيض عند الله تعالى ، ويجب بغض مَن أبغضه الله تعالى .
الرابع : أن لا يظن بأخيه الغائب السوء .
الخامس : أن لا يحمله ما حكي له على التجسس ، والبحث عن ذلك .
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه ، فلا يحكي نميمته عنه ، فيقول : فلان حكى كذا ، فيصير به نمَّاماً، ويكون آتياً ما نهى عنه " انتهى .
" الأذكار " ( 275 ) .
5. ما يريده الزوج من زوجته هو من " النميمة " ، وهي من كبائر الذنوب ، ومما لا شك فيه أن هذا النقل سيسبب مفسدة وقطيعة وبغضاً وعداوة ، ولا شك أن أهل الزوجة يكرهون نقل كلامهم ، وليعلم أن النميمة ليست فقط نقل الكلام من أجل الإفساد ، بل قد تكون للاستمتاع .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" مما ينبغي اجتنابه ، والابتعاد عنه ، والتحذير منه : " النميمة " ، التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر ، أو من جماعة إلى جماعة ، أو من قبيلة إلى قبيلة ، لقصد الإفساد ، والوقيعة بينهم ، وهي كشف ما يُكره كشفه ، سواء أكره المنقول عنه ، أو المنقول إليه ، أو كره ثالث ، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول ، أو الكتابة ، أو الرمز ، أو بالإيماء , وسواء أكان المنقول من الأقوال ، أو الأعمال , وسواء كان ذلك عيباً ، أو نقصا في المنقول عنه ، أو لم يكن ، فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس ، إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر .
والباعث على النميمة : إما إرادة السوء للمحكي عنه ، أو إظهار الحب للمحكي عليه ، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل ، وكل هذا حرام .
...(/2)
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة ، منها : قوله تعالى : ( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) القلم/ 10 ، 11 ، وقوله تعالى : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) الهمزة/ 1 ، وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة نمَّام ) متفق عليه ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أنبئكم ما العَضْهُ ؟ هي النميمة ، القالة بين الناس ) رواه مسلم .
والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر ؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال : ( إنهما يعذبان ، وما يعذبان في كبير ) ، ثم قال : ( بلى ، كان أحدهما لا يستتر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة ) متفق عليه .
وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس ، وإيجاد الشقاق ، والفوضى ، وإيقاد نار العداوة ، والغل ، والحسد ، والنفاق ، وإزالة كل مودة ، وإماتة كل محبة ، بالتفريق ، والخصام ، والتنافر بين الإخوة المتصافين ، ولما فيهما أيضا من الكذب ، والغدر ، والخيانة ، والخديعة ، وكيْل التهم جزافاً للأبرياء ، وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح ، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف ، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوباً كثيرة ، تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه " .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 237 – 239 ) باختصار .
و" العَضَّة " قيل : هو السحر بلسان قريش . وقيل : هو الكذب والبهتان .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله :
زوجي ينقل كلامي لأهله ، ثم يأتي إليَّ بكلامهم ، فيترتب على ذلك مشاكل كثيرة ، ولقد طلبت منه كثيراً ترك ذلك لكنه لم يمتثل ، فكيف أصنع ؟ .
فأجاب :(/3)
" هذا الفعل يسمَّى نميمة ، وهي نقل الكلام على وجه التحريش والإفساد ... وأما الوعيد : فقد قال تعالى ( همَّاز مشَّاء بنميم ) القلم/ 11 ، هذا في وصف بعض أهل النار ، وقال تعالى : ( ويل لكل همزة لمزة ) الهمزة/ 1 ، وهو النمَّام ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة نمَّام ) ، وفي الأثر : " إن النمام يفسد في الساعة ما لا يفسد الساحر في السنة " ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( أن النمام يعذب في قبره ) ، ولا شك أن التحريم يكون أشد إذا كان بين الرجل وزوجته وأقاربه ، فعليه الخوف من الله تعالى والمراقبة له ، والبعد عن الأسباب التي توقعه في العذاب العاجل والآجل ، وعليه أن يجتنب الكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والبهتان ، والتحريش بين الناس ، وأن يعدل إلى الصدق ، وصيانة الأعراض ، والخوف من الله ، ومراقبته ، فهو شديد العقاب " انتهى .
" الحلول الشرعية للخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية " للشيخ عبد الله بن جبرين ( فتوى رقم 42 ) .
فعلى الزوج أن يتراجع عن طلبه هذا من زوجته ، فإن أصرَّ فلا يحل للزوجة الاستجابة لطلبه ، ففي الموافقة على نقل الكلام استمرار للمعصية والسماع لها ، وفي الامتناع كف عنها وقطع لوجودها .
وإذا خشيت الزوجة من حصول مشكلات بينها وبين زوجها ، فلا حرج عليها إن أصرّ زوجها على أن تنقل له كلام أهلها ، أن تقول له : إنهم يثنون عليك ويذكرونك بخير ، ونحو ذلك من الكلمات التي تنشر المحبة والألفة وتطفئ نار الفتنة والخلافات بين زوجها وأهلها .
ونسأل الله تعالى أن يُصلح لك زوجك ويجمع بينكما في خير .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
101779
العنوان:
الحكمة من استعمال الحائض قطنة ممسكة بعد الغسل
السؤال:
ما الحكمة من استخدام القطنة الممسكة بعد انقطاع دم الحيض؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (314) ومسلم (332) واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ : ( تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ) فَقَالَتْ أَسْمَاءُ : وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا ؟ فَقَالَ : ( سُبْحَانَ اللَّهِ ! تَطَهَّرِينَ بِهَا ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ : تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ .
والفرصة الممسكة : قطعة من القطن أو الصوف مطيبة بالمسك .
والحكمة من استعمالها : تطييب المحل ، ودفع الرائحة الكريهة .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحِكْمَة فِي اِسْتِعْمَال الْمِسْك , فَالصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّ الْمَقْصُود بِاسْتِعْمَالِ الْمِسْك تَطْيِيب الْمَحَلّ , وَدَفْع الرَّائِحَة الْكَرِيهَة .
إلى أن قال : " وَتَسْتَعْمِلهُ بَعْد الْغُسْل , فَإِنْ لَمْ تَجِد مِسْكًا فَتَسْتَعْمِل أَيّ طِيب وَجَدَتْ , فَإِنْ لِمَ تَجِد طِيبًا اُسْتُحِبَّ لَهَا اِسْتِعْمَال ما يُزِيل الْكَرَاهَة [ الصابون الآن ] ، فَإِنْ لَمْ تَجِد شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاء كَافٍ لَهَا , لَكِنْ إِنْ تَرَكَتْ التَّطَيُّب مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ كُرِهَ لَهَا , وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّن فَلَا كَرَاهَة فِي حَقّهَا " انتهى .(/1)
وقد توصلت الدكتورة آمنة علي ناصر صديق أستاذة الأحياء الدقيقة في كلية التربية للأقسام العلمية بجدة إلى اكتشاف أن المسك مضاد حيوي طبيعي لعلاج الأمراض الجلدية والتناسلية في الإنسان والحيوان . وسجل هذا الاكتشاف بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض كبراءة اختراع.
ينظر : مجلة المجتمع :
http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InSectionID=81&InNewsItemID=217507
كما قدمت الباحثة في المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنعقد بالكويت 1427 هـ بحثا لها بعنوان : صور من الإعجاز العلمي لاستخدام المسك كمضاد حيوي للفطريات والخمائر المسببة لبعض الأمراض للإنسان والحيوان والنبات .
وأوضحت أن الأحياء المجهرية الممرضة تكثر أعدادها في فترة الحيض وأن المسك له تأثير كبير في القضاء على هذه الميكروبات الممرضة .
ينظر نص البحث في :
http://www.nooran.org/con8/Research/436.pdf
http://www.tafsir.org/vb/archive/index.php?t-6980.html
وبهذا يتبين أن الحكمة من استعمال الحائض للمسك : تطييب المحل ، ودفع الرائحة الكريهة ، والقضاء على الفطريات والميكروبات الممرضة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101781
العنوان:
اختراق مواقع البنوك وتحويل أموال منها هل تعدُّ سرقة توجب القطع ؟
السؤال:
هل يعتبر اختراق مواقع البنوك عن طريق الإنترنت وتحويل مبالغ مالية من البنك إلى حساب المخترق , هل يعتبر ذلك سرقة ؟ وهل يقام على المخترق حد السرقة ؟
الجواب:
الحمد لله
السرقة حرام ، بل هي من كبائر الذنوب ، حتى قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري (5578) ومسلم (57) .
ولا شك أن اختراق مواقع البنوك وتحويل الأموال منها أمر محرّم ، وأكل لأموال الناس بالباطل .
وأما كون ذلك يوجب قطع اليد ، فالأمر في ذلك راجع إلى القاضي الشرعي الذي رفعت له القضية .
وقطع يد السارق لا بد له من شروط ، منها أن يكون المال مسروقاً من حرز ( وهو ما يُحفظ فيه المال عادة )
قال الإمام القرطبي رحمه الله : " اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على مَن أخرج مِن حرزٍ ما يجب فيه القطع ...
الحزر هو : ما نُصب عادةً لحفظ أموال الناس ، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله .
قال ابن المنذر : ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم ، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم " انتهى .
" تفسير القرطبي " ( 6 / 162 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما هي شروط قطع اليد في السرقة ؟ .
فأجابوا :
" يشترط لقطع يد السارق تسعة شروط :
1. السرقة ، وهي : أخذ المال مختفياً ، فإن اختطفه أو اختلسه : فلا قطع عليه .
2. أن يكون السارق مكلَّفاً ، فلا يجب الحد على الصبي ، ولا المجنون .
3. أن يكون المسروق نِصاباً ، فلا قطع فيما دونه ، والنصاب : ربع دينار من الذهب ، أو ما قيمته ذلك من غيره .
4. أن يكون المسروق مما يتمول عادة .
5. أن يكون المسروق مما لا شبهة فيه .
6. أن يسرق مِن حرز .
7. أن يُخرجه مِن الحرز .(/1)
8. أن تثبت السرقة عند الحاكم بشهادة عدلين ، أو إقرار من السارق .
9. أن يأتي مالك المسروق ويدعيه .
والنظر في هذه الشروط , وتنزيلها على السرقة راجع إلى القضاء الشرعي " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 223 ، 224 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101806
العنوان:
الاشتراك في برنامج جوجل ادسنس
السؤال:
أرجو الإفادة حول اشتراكي في برنامج جوجل ادسنس الإعلاني . وهو وسيط إعلاني بين طرفين : الأول: شركة أو مؤسسة تملك موقعا وتريد الإعلان عنه بواسطة خدمة جوجل الإعلانية المدفوعة. الثاني:أصحاب مواقع ذات نشاطات مختلفة يريدون عرض الإعلانات على مواقعهم لحساب شركة جوجل بمقابل مادي . شروط شركة جوجل تنص على عدم قبول المواقع الإباحية ومواقع القمار والميسر والمخدرات ، سواء كانوا من الطرف الأول أو من الطرف الثاني. ولكنها كشركة غير إسلامية؛ فهي تقبل مواقع البنوك الربوية وشركات الفوركس ومواقع الأفلام والأغاني والسياحة و شؤون المرأة ، حتى أن بعض المواقع العادية قد تحوي صورا لنساء متبرجات . بعد الاشتراك في جوجل ادسنس ، يتم استلام (الشفرة الإعلانية) الخاصة ببرنامج ادسنس ، ووضعها على صفحات الموقع الخاص بي (وموقعي هو لتعليم اللغة الصينية) ، وبعد ذلك يتم عمل الشفرة حيث تعمل بطريقة آلية ديناميكية كالآتي : تقرأ هذه الشفرة الكلمات الرئيسة والفرعية وكلمات أخرى من النصوص على صفحة الموقع المتضمنة للشفرة ؛ فيتم عرض الإعلانات آليا بما يتوافق مع موضوع الصفحة . تعرض هذه الشفرة الإعلانات بما يتوافق مع دولة زائر الموقع أو الصفحة . تتغير الإعلانات التي تعرضها الشفرة بصورة شبه دورية تصعب مراقبتها . وعلى ذلك فإن كان موضوع الموقع عن السيارات ؛ فسوف تكون الإعلانات في معظمها عن السيارات ، وإن كان عن الأعشاب فسوف تكون كذلك وهكذا ، أيضا لو أن رجلين أحدهما من كندا والآخر من اليابان وقاما بزيارة الموقع في آن واحد ؛ فإن الذي في اليابان يرى إعلانا مختلفا عن الذي في كندا ، وهكذا أيضا الإعلان الذي رأيته بالأمس فلن تراه غدا . طريقة التحكم في المادة الإعلانية المعروضة بواسطة شفرة ادسنس : أولا :معاينة الإعلانات: وتتم بواسطة برنامج المعاينة والذي يمكنني من(/1)
مشاهدة معظم الإعلانات التي تعرض على موقعي الآن، في دولتي أو الدول الأخرى. ثانيا:الفلترة أو الترشيح : هذه الخاصية تمكنني من منع عرض إعلان معين على موقعي عن طريق إضافة عنوانه إلى قائمة الترشيح أو الفلتر الخاص بي عند جوجل والذي يتسع فقط ل(200) موقع ، علما بأن ترشيح الموقع وفلترته لا تعني عدم عرضه مرة أخرى؛ فهم يقولون بالنص(يرجى الملاحظة أن جوجل لا تضمن أن كل إعلانات المواقع التي تضيفها إلى قائمة ترشيح الإعلانات المنافسة أو الإعلانات التي تتضمن محتوى غير مرغوب ستُمنع من الظهور على موقعك). لكن ومن خلال تجربتي الشخصية، فقد تبين لي أن هذه الفلترة تعمل. الرجاء الإفادة والتوضيح حيث أن هذا هو مصدر دخلي الرئيسي ، مع العلم أنني لا أعرض صوراً لذوات الأرواح ومعظم الإعلانات إلا ما ندر لمواقع تعليم اللغات .
الجواب:
الحمد لله
الأصل أنه لا يجوز الاشتراك في هذا البرنامج الإعلاني إلا بشرط التأكد من سلامة المواقع المعلن عنها ، وخلوها من المحرمات ؛ لأنه لا يجوز الإعلان والدعاية والإعانة على نشر المنكرات ، لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) أخرجه مسلم في صحيحه (4831).
وإذا كان الأمر كما ذكرت من أن معظم الإعلانات التي توضع في موقعك هي لمواقع تعليم اللغات أو ما شابه ذلك ، فنرجو ألا يكون عليك حرج في المشاركة في هذا البرنامج ، لا سيما مع حاجتك للمال .(/2)
وعليك أن تقوم بمنع الإعلانات التي تتنافى مع الأحكام الشرعية ، فإن عجزت عن ذلك ، وكانت هذه الإعلانات تظهر في موقعك رغماً عنك ، فإنه يلزمك ترك هذه الخدمة ، لأنك ستكون مشاركاً في نشر الحرام والدعاية له .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك من فضله ، وأن يوسع عليك وعلى أهلك ، وأن يعينك في غربتك . والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101810
العنوان:
تغيير العمر في بطاقة الأحوال للحصول على راتبين من الشركة
السؤال:
يوجد نظام شركة آرامكو تقاعد مبكر عند سن الخمسين عاماً . وإذا كان الموظف لم تصل مدة اشتراكه في التأمينات خمسة وعشرين سنة عند تقاعده المبكر ، فإنه يعطى راتبين ، أحدهما من شركة آرامكو والثاني من التأمينات حتى يبلغ ستين سنة ، فيعطى راتباً واحداً فقط من التأمينات ، ولا يستفيد من (ميزة) الراتب الثاني في التأمينات إلا من لم تصل مدة اشتراكه في التأمينات خمسة وعشرين سنة . فبعض الموظفين قاموا بتكبير أعمارهم في البطاقة الشخصية حتى يستفيدوا من ميزة الراتبين لمدة عشر سنوات ، فهل هذا يعتبر من الغش والتدليس ؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن تغيير العمر الحقيقي في بطاقة الأحوال لأجل أخذ راتبين ، هو من الغش والتزوير المؤدي إلى أكل المال بالباطل ، ولا ندري كيف استهان الناس بهذه المحرمات ، لأجل شيء من متاع الدنيا الزائل ، وكيف يرضى الإنسان لنفسه أن يأكل الحرام ، ويطعمه أولاده وأهله ، ومعلوم أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به .
قال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
ومما يؤسف له أيضا أن هؤلاء الموظفين ينعمون بكثير من المزايا والحقوق ، وليسوا بحاجة تدفعهم إلى ارتكاب الحرام ، لكنه الطمع وعدم القناعة ، نسأل الله لنا ولك العافية .
ونحمد الله تعالى أن وفقك للسؤال ، وتحري الحلال ، ونسأل الله أن يبارك لك في رزقك ومالك ، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه .(/1)
وتأمل هذا الحديث العظيم الذي هو درس وموعظة في القناعة : قال صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085)
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101816
العنوان:
احتلم ولم يستطع الغسل فتوضأ وصلى
السؤال:
أنا شاب مقعد وأجلس على كرسي متحرك والحمد لله . قد احتلمت في ليلة قبل صلاة الفجر ولضعف جسمي وقوتي لا أستطيع أن أغتسل ولا أستطيع أن أغير ملابسي إلا عند طلوع النهار ولا أريد أن أضيع علي صلاة الفجر فتوضأت وضوئي للصلاة وصليت هل هذا جائز أم لا ؟ وماذا أفعل إن لم يكن جائزاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من أصابته جنابة من احتلام أو جماع ، لزمه الغسل ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) النساء/43 ، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء ، أو لعدم قدرته على استعماله ، تيمم وصلى ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6
وكذلك من احتلم وخشي من حصول مرض إن استعمل الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به ، أو كان الماء بعيدا عنه لا يمكنه الوصول إليه ولم يجد من يناوله إياه ، فإنه يتيمم ويصلي .
قال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ ، فهو كالعادم ، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء ...
وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد ....
وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه ، فقالَ ابنُ أبي موسى : له التيمم ، ولا إعادةَ عليه ، وهو قولُ الحسن " انتهى .(/1)
وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل .
وكان الواجب عليك إن لم تجد من يساعدك في الاغتسال أن تغسل ما تستطيع من بدنك ، كالرأس والوجه واليدين والرجلين ، ثم تتيمم ، وتصلي بهذا التيمم .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (71202)
وبناء على ذلك فيلزمك إعادة تلك الصلاة .
ثانيا :
المني طاهر في أصح قولي العلماء ، فلا يلزمك غسل ملابسك ولا تبديلها ، وراجع السؤال رقم (2458).
ونسأل الله تعالى لك العافية والمعافاة في الدين والدنيا .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101853
العنوان:
هل يوقظ أهله لصلاة الفجر رغم إرهاقهم وتعبهم؟
السؤال:
هل يجوز أن أوقظ زوجتي لصلاة الفجر علما أنها ترضع ابنتها الصغيرة في الليل فتكون في بعض الأحيان مرهقة جداً ؟
الجواب:
الحمد لله
الصلاة أمرها عظيم ، وشأنها كبير ، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها ، والترغيب في ذلك ، والتحذير من التهاون فيه ، ما هو معلوم مشهور ، كقوله تعالى ، ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 ، وقوله : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ : ( الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا ) رواه البخاري (527) ومسلم (85).
وينبغي الحذر من تضييعها وتأخيرها عن وقتها ؛ لقوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 .
ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر يبيح جمع الصلاتين تقديما أو تأخيرا ، ومعلوم أن صلاة الفجر لا تجمع إلى شيء قبلها أو بعدها ، فيجب أداؤها في وقتها ، مهما كان الإنسان مريضا أو متعبا ، ما دام عقله معه . فيصلي الصلاة قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب .
وعلى النائم أن يتخذ الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ ، كعدم السهر ، وضبط المنبه ، والاستعانة بمن يوقظه .
والزوج مأمور برعاية أهله ، ووقايتهم من النار ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 .(/1)
وعليه فينبغي أن تحرص على إيقاظ أهلك ، وتشجيعها وإعانتها على أمر الصلاة ، ولك أن تؤخر إيقاظها إلى قرب آخر الوقت . ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والعون والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101856
العنوان:
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة أو بعدها
السؤال:
ماذا أقول عند النداء لقيام صلاة الفرض في المسجد ؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب:
الحمد لله
هناك مسألتان مهمتان في أبواب " الأذان والإقامة " لا بد من بيانهما والتفريق بينهما :
المسألة الأولى :
هل يستحب لمن أراد أن يقيم الصلاة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشرع في الإقامة ؟
قال بذلك بعض متأخري فقهاء الشافعية ، فقرره زين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت987هـ) في كتابه "فتح المعين" (1/280) ونسبه للنووي في شرح الوسيط .
وجاء في "إعانة الطالبين" (1/280) للسيد البكري الدمياطي (ت بعد 1302هـ) قوله :
" وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبلهما : أي الأذان والإقامة " انتهى .
ولكن نقل الشيخ علي الشبرامُلَّسي (ت1087هـ) من فقهاء الشافعية في حاشيته على "نهاية المحتاج" (1/432) عن بعضهم نفي نسبة القول للنووي ، وأنه سبق قلم وقع في شرح الوسيط ، والصحيح "بعد الإقامة" وليس "قبل الإقامة" .
ويمكن أن يستدل لهذا القول بحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/372) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قال : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمك الله )
لكن في سنده راو اسمه عبد الله بن محمد بن المغيرة ضعيف جدا ، يروي المنكرات والموضوعات ، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (3/332) : " قال أبو حاتم : ليس بقوي . وقال ابن يونس : منكر الحديث . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه . قال النسائي : روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها . ذكره العقيلي في الضعفاء فقال : يحدث بما لا أصل له " انتهى .(/1)
لذلك حكم الشيخ الألباني رحمه الله على حديثه هذا بالكذب والوضع – كما في "السلسلة الضعيفة" (891) – ثم قال :
" وهذا الحديث كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وإدلب وغيرها من بلاد الشمال ، وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جهرا قبيل الإقامة ، وهي كالبدعة الأخرى ، وهي الجهر بها عقب الأذان كما بينه العلماء المحققون .
على أن الظاهر من الحديث - لو صح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة والسلام فيقيم بلال ، أو لعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها " انتهى .
فالصحيح أنه لا يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة – كما جرت به العادة في بعض البلاد – لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، وهي إلى البدعة أقرب منها إلى السنة .
وقد أنكر المحققون من الشافعية هذا الفعل أيضا :
سئل ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/129) :
" هل نص أحد على استحباب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول الإقامة ؟
فأجاب :
لم أر من قال بندب الصلاة والسلام أول الإقامة ، وإنما الذي ذكره أئمتنا أنهما سنتان عقب الإقامة كالأذان ، ثم بعدهما : اللهم رب هذه الدعوة التامة ...( ثم ذكر الآثار السابقة عن الحسن البصري وغيره ) " انتهى .
وقال أيضا في (1/131) :
" لم نر في شيء منها – يعني الأحاديث - التعرض للصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - قبل الأذان ، ولا إلى محمد رسول الله بعده ، ولم نر أيضا في كلام أئمتنا تعرضا لذلك أيضا ، فحينئذ كل واحد من هذين ليس بسنة في محله المذكور فيه ، فمن أتى بواحد منهما في ذلك معتقدا سنيته في ذلك المحل المخصوص نُهي عنه ومنع منه ؛ لأنه تشريع بغير دليل ، ومن شرَّع بلا دليل يزجر عن ذلك ويُنهى عنه " انتهى .(/2)
وانظر ما سبق حول ذلك في جواب السؤال رقم (22646)
المسألة الثانية :
هل يستحب للمقيم نفسِه ولِمَن يسمع الإقامة أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ منها ؟
ذهب إلى استحباب ذلك جماهير أهل العلم ، مستدلين بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم (384)
يقول ابن رجب في "فتح الباري" (3/457) :
" وقوله : " إذا سمعتم المؤذن " يدخل فيه الأذان والإقامة ؛ لأن كلا منهما نداء إلى الصلاة ، صدر من المؤذن " انتهى .
قالوا : وقد ورد ذلك من صريح قول بعض الصحابة والتابعين :
روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (حديث رقم/105) عن أبي هريرة ، رضي الله عنه : أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، وهذه الصلاة القائمة ، صل على محمد ، وآته سؤله يوم القيامة .
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (1/496) عن أيوب وجابر الجعفي قالا :
" من قال عند الاقامة : اللهم ! رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، أعط سيدنا محمدا الوسيلة ، وارفع له الدرجات ، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم "
وروى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (60) عن يوسف بن أسباط قال :(/3)
" بلغني أنّ الرجل المسلم إذا أقيمت الصلاة فلم يقل : اللهم ربّ هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها ، صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، وزوجنا من الحور العين ، قلن حور العين : ما كان أزهدك فينا " انتهى .
ولذلك عقد ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (372-373) فصلا قال فيه :
" الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه : الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن ، وعند الاقامة " ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو وبعض الآثار السابقة ، وذكر أيضا من رواية الحسن بن عرفة بسنده إلى الحسن البصري قال :
" إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، قال : اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة ، صل على محمد عبدك ورسولك , وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة , دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم "
وروى نحوه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/124) عن الحكم والحسن البصري .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/89-90) :
" السنة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم ؛ لأنها أذان ثان ، فتجاب كما يجاب الأذان ، ويقول المستمع عند قول المقيم : (حي على الصلاة ، حي على الفلاح ) لا حول ولا قوة إلا بالله ، ويقول عند قوله : ( قد قامت الصلاة ) مثل قوله ، ولا يقول : أقامها الله وأدامها ؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول )
وهذا يعم الأذان والإقامة ؛ لأن كلا منهما يسمى أذانا .
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم ( لا إله إلا الله )
ويقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة... إلخ كما يقول بعد الأذان .
ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر " انتهى .
وفي "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/347) :(/4)
" وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة ، فلا أحفظ شيئا في هذا ، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم ، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ) رواه البخاري في صحيحه " انتهى .
وانظر "مغني المحتاج" (1/329) ، "حاشية الجمل" (1/309) ، "الموسوعة الفقهية" (6/14) ، "الثمر المستطاب" (214-215)
والقول الثاني : أنه لا تستحب إجابة المقيم ، وبه جزم بعض الأحناف ، كما في رد المحتار (2/71) ، وبعض الماليكة أيضا . قال الشيخ زروق : " ولا يحكي الإقامة " اهـ انظر : مواهب الجليل 2/132 .
اواختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله . قال :
" المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود ، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة ، والراجح أنه لا يتابع " انتهى . مجموع فتاوى الشيخ (12/169) ، وانظر الشرح الممتع (1/318) ط مصر .
وأما حديث : " بين كل أذنين صلاة " ، فإنما سميت الإقامة أذانا من باب التغليب ، ولم نقف على تسميتها أذانا بمفردها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَتَوَارَدَ الشُّرَّاح عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَاب التَّغْلِيب كَقَوْلِهِمْ الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر ... " .
وقال الشيخ بكر أبو زيد ، حفظه الله : " لا يعرف حديث صحيح صريح في أن من سمع المؤذن يقيم الصلاة يجيبه ، كما ثبت ذلك لمن سمع المؤذن ، ودخول إجابة المؤذن في عموم أحاديث إجابة الأذان لا يسلم به ، لأن التعليم المفصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطبق إلا على إجابة المؤذن في الأذان " انتهى . تصحيح الدعاء (394) .
وانظر : أحكام الأذان والنداء والإقامة تأليف : سامي بن فراج الحازمي (441-443) .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
101859
العنوان:
أهداها لتتزوجه فهل يطالبها بالهدية إن رفضت الزواج ؟
السؤال:
كنت مخطوبة وخطيبي قدم لي هدايا ومبلغا ماليا لأشتري شبكة ولأخصص الباقي للفسح (علما أنه ليس من بلدي) لكن حصل وأن رفضت الزواج منه وطلبت فسخ الخطوبة ، أصر على استمرارها وفي الأخير طالبني باسترجاع كل ما قدمه لي ، فهل يجب عليّ إرجاع الشبكة فقط ؟ أم أرجع كل هداياه علما أنني لم أطالبه بتقديمها وأن بعضها استهلك؟ وهل أرجع المبلغ رغم أنه استفاد منه كذلك أثناء الفسح والسفر؟
الجواب:
الحمد لله
من خطب امرأة ثم قدم لها هدايا لتتزوجه ثم أبت أن تتزوجه فإن له أن يطالبها بما قدم لها من الهدايا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (5/472): " ولو كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيره رجع بها " انتهى .
قال المردادي رحمه الله في كتابه "الإنصاف" (8 / 296) بعد أن نقل كلام شيخ الإسلام : " قلت : وهذا مما لاشك فيه " .
وقال العلامة الزركشي الشافعي في كتابه " المنثور في القواعد الفقهية " (3/269) : " إذا خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم تنكحه فإنه يرجع عليها بما ساقه إليها لأنه لم يدفعه إلا بناءًعلى إنكاحه ولم يحصل " انتهى .
وبهذا يتضح أن على الأخت السائلة أن ترد إلى هذا الرجل كل ما أهداه إليها ما دامت هي التي رفضت التزوج به ، فما كان موجودا من هداياه ردته وما كان قد تلف ردت مثله أو قيمته .
قال العلامة الجمل الشافعي في حاشيته على شرح منهج الطلاب (4/129) : " فيرجع به إن بقي وببدله عن تلف " انتهى .
وقال العلامة الصنعاني في " سبل السلام " (2/220 ) : " وما سلم قبل العقد كان إباحة فيصح الرجوع فيه مع بقائه إذا كان في العادة يسلم للتلف ، وإن كان يسلم للبقاء رجع في قيمته بعد تلفه إلا أن يتمنعوا من تزويجه رجع بقيمته في الطرفين جميعاً " انتهى .(/1)
أي : إن امتنعوا من تزويجه يرجع بالقيمة إن كانوا قد أتلفوا ما أخذوه منه سواء مما كان يسلم للبقاء أو مما يسلم للتلف هذا عما أتلفته الأخت السائلة ، أما ما أتلفه هو واستهلكه فليس له الرجوع عليها به .
وينبغي التنبه إلى أن الخاطب أجنبي عن المخطوبة فلا يجوز له الخلوة بها ، ولا مصافحتها ولا الخروج معها .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101869
العنوان:
بناء المسجد بالمال الحرام
السؤال:
هل استعمال مبلغ تأمين ضد الحريق لإعادة بناء الجامع المحترق حلال ؟ علما بأن شركة التامين في الغرب ؟
الجواب:
الحمد لله
التأمين التجاري حرام ، لأنه من الميسر الذي حرمه الله عز وجل في كتابه ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8889)
وعليه ؛ فلا يجوز الإقدام على إبرام عقود التأمين التجاري ، سواء كان التأمين ضد الحريق أو غيره وسواء كان للمسجد أو لغيره ، وحيث أجبر الإنسان على عقد التأمين فله أن يفعل ذلك لكن ليس له أن ينتفع بأموال التأمين إلا بقدر ما دفعه لهم ، وما زاد فإن عليه أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة ، ومن ذلك : بناء المساجد ، فقد بين أهل العلم أن ذلك هو مصرف المال الحرام الذي ليس له مالك معين أولم يعرف مالكه .
قال النووي في " المجموع " ( 9/330) ناقلا عن الغزالي في مصرف المال الحرام قال : " وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة ، كالقناطر والمساجد ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه ، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء " انتهى .
وبهذا يُعلم أنه لا بأس بصرف الأموال المكتسبة بعقود محرمة في بناء المسجد ومن ذلك : أموال التأمين ، سواء كان ذلك في بلاد المسلمين أو غيرهم ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم (75410)
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
101873
العنوان:
هل تقبل توبة الساحر ومن وقع في الردة ؟
السؤال:
قرأت في موقعكم أن التائب يرجو قبول التوبة ولا يجزم بذلك فهل يرجو قبولها أيضا من ارتد عن الإسلام ثم تاب ورجع خاصة وأن ردته كانت بسبب فعل السحر ؟ وإن كان الجواب هو أن يرجو فقط فهل يعد هذا الرجاء كالريب الذي في قلوب المنافقين خاصة وأن هذا الريب أو الشك يكون في قبول الإيمان وليس في قبول التوبة من ذنب دون الكفر أرجوكم إجابتي بسرعة فاني والله لا أكاد أنام من الخوف .
الجواب:
الحمد لله
من وقع في الكفر أو الردة ثم تاب إلى الله تعالى ، وأتى بالإسلام صادقا مخلصا ، تاب الله عليه ، وبدل سيئاته حسنات ، كما وعد سبحانه ، والله لا يخلف الميعاد .
ولا ينبغي للعبد أن يشك في ذلك ، وقد صرح جماعة من أهل العلم بأن التوبة من الكفر مقبولة قطعا ، بخلاف التوبة من المعاصي ، فقيل تقبل قطعا ، وقيل تقبل ظنا .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " تَوْبَة الْكَافِر مِنْ كُفْره مَقْطُوع بِقَبُولِهَا , وَمَا سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاع التَّوْبَة هَلْ قَبُولهَا مَقْطُوع بِهِ أَمْ مَظْنُون ؟ فِيهِ خِلَاف لِأَهْلِ السُّنَّة , وَاخْتَارَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ مَظْنُون , وَهُوَ الْأَصَحّ . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
وقال العراقي في "طرح التثريب" (8/40) : " التوبة تكفر المعاصي الكبائر ، وهو مجمع عليه ، لكن هل تكفيرها قطعي أو ظني ؟ أما في التوبة من الكفر فهو قطعي ، وأما في غيره من الكبائر فللمتكلمين من أهل السنة فيه خلاف . قال النووي : والأقوى أنه ظني ، وذهب المعتزلة إلى وجوب قبول التوبة عقلا على طريقتهم في تحكيمهم العقل .
وقال أبو العباس القرطبي : والذي أقوله : أن من استقرأ الشريعة قرآنا وسنة وتتبع ما فيهما من هذا المعنى علِم على القطع واليقين أن الله تعالى يقبل توبة الصادقين " انتهى.(/1)
وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/914) : " وأمّا علماء السنّة فافترقوا فرقتين : فذهب جماعة إلى أنّ قبول التوبة مقطوع به لأدلّة سمعيّة ، وهي وإن كانت ظواهر ، غير أنّ كثرتها أفادت القطع..." انتهى .
والحاصل : أن من تاب من الكفر والردة فليبشر بالخير ، فإن الإسلام يجب ما قبله ، ويهدم ما كان قبله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه : ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) رواه مسلم (121).
وقال تعالى : ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/86 -89
ويدخل في هذا من كان كفره من جهة التعامل بالسحر ، فإنه إذا تاب إلى الله تعالى ، تاب الله عليه ، هذا فيما بينه وبين ربه ، وأما قبول توبة الساحر في الدنيا ، ففيها تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (69914) .
وأما معنى رجاء التوبة وعدم الجزم بها ، في التوبة من المعاصي دون الكفر ، فهو أن العبد يظل على خوف من عدم قبول توبته ، لكنه يرجو ويأمل من ربه القبول ، وليس المعنى أنه يكون في ريب أو شك من قبول الإيمان ، أو في ريب كريب المنافقين ، بل هو جازم بإيمانه ، لكن يخشى أن يعاقبه الله على ذنبه إذا لم يقبل توبته .(/2)
والذي ينبغي لك أيها الأخ الكريم أن تقبل على الله تعالى ، وتشتغل بطاعته ، وتحسن الظن به ، وتعلم أنه يقبل التائبين ، ويكرم الطائعين ، ويحب المستغفرين ، ويفرح بالعائدين ، يقرّبهم ، ويدنيهم ، ويسعدهم ، ويفتح عليهم ، وينور قلوبهم ، ويحبب إليهم ذكره وطاعته ، فاحرص أن تكون من هؤلاء ، ولا تصغ إلى وسوسة الشيطان ، فإنه ينفر من التوبة ، ويقنّط منها ، ليستمر العبد في غيه وضلاله ، يقول له : كيف يقبل الله منك وقد فعلت كذا وكذا ، ولِمَ تضيق على نفسك وأنت مطرود على كل حال ؟ وهذا من كذبه وتلبيسه وإضلاله ، فإن الله تعالى أرحم بالعبد من الوالدة بولدها ، ولهذا سهّل التوبة ، وعظّم أجر التائبين ، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .
فتب إلى الله تعالى ، وأبشر بالخير والفلاح .
زادنا الله وإياك هدى وتوفيقا وفلاحا ونجاحا .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
101896
العنوان:
نبذة عن حال الدولة العبيدية ، نسباً ، ومعتقداً
السؤال:
ما رأيكم فيمن يدعو إلى إعادة الخلافة \" الفاطمية \" ، و \" دولة العبيديين \" ، ويقول : إن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية هي دولة الإسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلاًّ في الماضي ؟
الجواب:(/1)
رقم السؤال:
101903
العنوان:
شراء المنزل الكبير الواسع متى يكون إسرافا ؟
السؤال:
زوجتي دائماً ما تصر على أن أشتري منزلاً كبيراً ، وبه مسبح ، وحديقة ، وأنا أُصر على أن نسكن بيتاً صغيراً ( مثلا 3 غرف نوم ) بدون المتع الزائدة والرفاهية كالمسبح والحديقة ، فما العمل ؟ أنا لا أستطيع إرغامها على الزهد ، وأيضا بحكم أني زوجها لا مفر من بقائنا مع بعضنا البعض ، وأعلم أن عدم الزهد ليس مبررا للطلاق ، ولكني - يا شيخنا الفاضل - لا أريد الانغماس في الدنيا ، فما العمل ؟ وهل إن اشتريت بيتاً جديداً بما تريده هي أؤجر ؟ علما بأني لا أمانع بالعيش في بيت صغير ، ولست أريد إلا سقفا يؤويني وأهلي ، وهل يقع عليَّ القول ممن أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يجعل الدنيا أكبر همِّه ، وليس الفقر هو ما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، بل خشي انفتاح الدنيا والتنافس فيها ، فهنا تكون الهلكة .
عن عمرو بن عوف قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) .
رواه البخاري ( 2988 ) ومسلم ( 2961 ) .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فوائد هذا الحديث - :
وفيه : أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين .
" فتح الباري " ( 6 / 263 ) .
وقال :
قال ابن بطال : فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها ، وشرِّ فتنتها ، فلا يطمئن إلى زخرفها ، ولا ينافس غيره .
" فتح الباري " ( 11 / 245 ) .(/1)
ومن أشغلته دنياه عن أخراه فهو مغبون ، والدنيا لعب ، ليس فيها مستمر ولا كامل ، والآخرة خير وأبقى ، وقد ضرب الله تعالى للدنيا مثلاً بالنبات الذي ينمو ويزهر ، ثم لا يلبث حتى يصبح هشيماً تذروه الرياح ، فلا بقاء ولا استمرار للإنسان في الدنيا ، لذلك يجب أن يضع الآخرة نصب عينيه .
قال تعالى : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) الحديد/ 20 .
وقال عز وجل : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا . الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) الكهف/ 45 ، 46 .
ثانياً:
ومما يبين أن الناس قد يهلكون بالتنافس على الدنيا : شراؤهم بيوتهم بالقروض الربوية ! فيعرض الواحد نفسه لسخط الله ومقته من أجل أن ينافس غيره على بناء بيت ، أو على تزويقه ، وتوسيعه ، وهؤلاء قد يدخلون في الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ؛ لأنهم فعلوا ما نهاهم الله عنه تمتعاً به والتذاداً ، وأما من بنى بيتاً أو اشتراه بمال حلال وتمتع به : فلا يكون من أولئك .
وقد ذكرنا حرمة شراء المنازل عن طريق البنوك الربوية في أجوبة الأسئلة : ( 2128 ) و ( 21914 ) و ( 22905 ) فلتنظر .
ثالثاً:(/2)
ومن هنا نعلم أنه ليس ثمة أجر على بناء البيوت لذاتها ، وإلا لصار الأغنياء الذين يبنون القصور بعشرات الملايين من أصحاب الدرجات العليا في الجنة ! فالدينار الذي ينفقه المسلم على بناء بيته ليس له ما يقابله من الأجر في الآخرة ، وعسى المرء أن يسلم من الإثم ، فإن أُجر فإنما يؤجر على نيته في الحفاظ على أسرته وأهل بيته من الضياع ، وعلى إيوائهم في مسكن يحفظ كرامتهم وأعراضهم ، وأما على ذات البناء فليس ثمة أجر ، وهو معرض للإثم والعقوبة في حال الإسراف ، وقصد التفاخر والتباهي .
وقد خرَّج علماء اللجنة الدائمة أحاديث في ذم البناء ، ثم قالوا بعدها :
هذه الأحاديث وما جاء في معناها : منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما ليس بصحيح ، فما كان منها حجة : فهو محمول على ذم من فعل ذلك للتباهي ، والإسراف ، والتبذير ، فإن هذا يختلف باختلاف الأحوال ، والأشخاص ، والأمكنة ، والأزمنة ، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة : ( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان ) ، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث : " والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم ، وتكثر أموالهم ، حتى يتباهون بطول البنيان ، وزخرفته ، وإتقانه " ، وذكر النووي هذا المعنى في " شرح صحيح مسلم " ، حينما تكلم على هذا الحديث .
أما إذا طال البنيان لغرض شرعي ، كتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين ، أو لاتخاذها سبيلاً للكسب ، أو لكثرة مَن يعول ، ونحو ذلك : فلا شيء في ذلك فيما يظهر لنا ؛ فإن الأمور بمقاصدها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه .
الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .(/3)
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 490 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ذُكر لنا أن كل عمل ابن آدم يؤجر عليه إلا بناء المسكن ، فهل هذا صحيح ؟ فإذا كان صحيحاً فما العلة ؟ وما السبب ؟ ، مع ذكر الحديث الذي ورد في ذلك ، جزاكم الله خير الجزاء ؟ .
فأجاب :
نعم ، هذا ورد في الإنسان الذي يصرف ماله في الطين ، أي : في البناء الذي لا يحتاج إليه ، وأما البناء الذي يحتاج إليه : فإنه من ضروريات الحياة ، والإنسان إذا أنفق على نفسه ما هو من ضروريات الحياة : فإنه يؤجر على ذلك إذا أنفقه يبتغي به وجه الله عز وجل ؛ لكن المفاخرة والتطاول في البنيان هو الذي لا خير فيه ، بل ليس فيه إلا إضاعة المال ، أما ما يبنيه الإنسان لحاجته : فإنه يؤجر على ذلك ، إذا ابتغى به وجه الله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص : ( واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك ) .
" اللقاء الشهري " ( 15 / السؤال رقم 6 ) .
وتنظر الأحاديث وأقوال بعض العلماء في المسألة في جواب السؤال رقم ( 21658 ) .
رابعاً:
وبه تعلم حكم بناء البيت الذي تود زوجتك أن تشتريه لهم ، ونلخص لك ذلك في نقاط :
1. لا يجوز شراء البيت من مصادر محرَّمة ، كالقروض الربوية ، وأموال الغصب .
2. ليس ثمة أجر على مجرد بناء البيت ، إلا أن يقصد صاحبه إيواء أهل بيته ، وحفظهم من الحر والبرد ، فيؤجر على نيته ، لا على ذاته بيته .
3. لا يجوز للمسلم بناء بيت أو شرائه بقصد التباهي والتفاخر ، فإن فعل ذلك : أَثم .
4. لا مانع من أن يشتمل البيت على بركة سباحة ، أو حديقة ، لكن على أن يكون ذلك من غير إسراف ومبالغة في حجمهما وأثمانهما ، والبيت الواسع من السعادة لصاحبه .(/4)
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ ، وَأَرْبَغ مِنَ اَلشًقَاوَةِ : اَلْجَارُ السُّوءُ ، وَالْمَرْأَةُ اَلسُّوءُ ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1232 ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 282 ) ، و" صحيح الترغيب " ( 1914 ) .
قال المناوي – رحمه الله - :
( والمسكن الواسع ) أي : الكثير المرافق بالنسبة لساكنه ، ويختلف سعته حينئذ باختلاف الأشخاص ، فرب واسع لرجل ضيِّق على آخر ، وعكسه .
" فيض القدير " ( 3 / 302 ) .
5. تكلفة البناء ، وسعر الشراء يُرجع في ضابط كونه إسرافاً أم لا إلى حال صاحبه ، فمن كانت ثروته ( 100 ) مليون ريال – مثلاً – لا يعد مسرفاً – ولا مبذراً من باب أولى – إذا بنى بيتاً أو اشتراه بقيمة ( 2 ) مليون ريال ، ومن كانت ثروته هي في راتبه الذي يقبضه كل شهر : فإنه يعد مسرفاً إذا تجاوز الحد في البناء أو الشراء .
فالمسرف من أصحاب البيوت : من تجاوز المقدار المعقول ، فزاد في الطوابق ، أو الغرف من غير حاجة ، والمبذِّر منهم : هو من بنى لغير حاجة ، أو صرف ماله في البناء لعباً وتساهلاً بالمال .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
رجل اشترى منزلاً باثنين مليون ريال , ثم أثثه بستمائة ألف , وبعد ذلك اشترى سيارة بثلاثمائة ألف ريال , فهل هذا الرجل يعتبر مسرفاً ومبذِّراً ؟ وما حكم التحف في البيوت ؟ أفيدونا ، جزاكم الله خيراً .
فأجاب :(/5)
الإسراف : هو مجاوزة الحدِّ , وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا : إن الإسراف مجاوزة الحد : صار الإسراف يختلف , فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات ، وأثثه بستمائة ألف ، واشترى سيارة : إذا كان غنيّاً : فليس مسرفاً ؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنيّاً : فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس ، أو من الفقراء ؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمِّل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ .
فالأقسام ثلاثة : الأول : غني واسع الغنى , فنقول : إنه - في وقتنا الحاضر ، ولا نقول في كل وقت - : إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال ، وأثثه بستمائة ألف ريال ، واشترى سيارة , فليس بمسرف .
الثاني : الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافاً .
الثالث : الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً ؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه ؟! .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 107 / السؤال رقم 4 ) .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
101907
العنوان:
طلقها زوجها وادعى أنه كان سكراناً
السؤال:
أرسل لي زوجي رسالة بالجوال ( أنت طالق ) ثم قال لي : إنها ثورة غضب وكانت أول طلقة فراجعني وبعدها بأسبوع أرسل لي : (أنت طالق أنت طالق ) مرتين بعدها اعترف لي وحلف أنه كان سكران في كلا الحالتين فهل يقع الطلاق ؟
الجواب:
الحمد لله
بما أنكما في بلد به محاكم شرعية ، فيلزمكما مراجعة المحكمة للنظر في هذه المسألة والوقوف على كلام زوجك ، والبت في مسألة وقوع طلاق السكران أو عدم وقوعه ، وعدد الطلقات التي لحقتك .
ويجب على الزوج أن يتوب إلى الله تعالى من شرب المسكر ، وأن يصرح للقاضي بحقيقة الأمر ، ولا يخفي مسألة السكر ، ليتمكن القاضي من الحكم ببقاء الزوجية أو عدم بقائها .
ويلزمك عدم تمكينه من مجامعتك حتى يفصل القاضي في المسألة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن زوجة لرجل مدمن للخمر ، وذات مرة شرب حتى سكر ثم طلقها فهل يقع طلاقه وهو بحالة سكر أم لا؟
فأجاب رحمه الله :
" .. وأما بالنسبة لسؤال المرأة وهو أن زوجها طلقها وهو سكران فإن للعلماء في ذلك خلافاً هل يقع الطلاق في حال السكر أو لا يقع ؟ فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه يقع عقوبة له على شربه ، فإن هذا الشارب عاصٍ لله عز وجل ، فلا ينبغي أن يقابل عصيانه بالتخفيف عنه وعدم وقوع الطلاق منه ، وقال بعض العلماء : بل إن طلاق السكران لا يقع ، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وهو أقيس ، لأن السكران لا يعي ما يقول ، ولا يدري ما يقول ، فكيف نلزمه بأمر لا يدري عنه ؟ وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) النساء/آية43 ، فدل هذا على أن السكران لا يعلم ما يقول ، فكيف نلزمه بشيء لا يعلمه ؟(/1)
وأما قولهم : إنه عقوبة فإن عقوبة شارب الخمر إنما تكون عليه نفسه ، وهو معاقب بالضرب الذي وردت به السنة ، وإذا عاقبناه بإيقاع الطلاق ففي الحقيقة أن هذه العقوبة تتعدى إلى زوجته ، فيحصل الفراق ، وربما يكون لها أولاد فتتشتت العائلة ، ويحصل الضرر على غيره
فالصواب : أنه لا يقع طلاق السكران ولا يعتبر بأقواله ، ولكن مع ذلك ينبغي أن يرجع في هذا إلى المحكمة الشرعية حتى لا نحكم ببقاء الزوجة معه أو بفراقه إياها إلا بحكم شرعي يرفع الخلاف ، والله الموفق "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل أيضا : ما حكم رجل طلق امرأته وهو في حالة سكر، إلا أنه يقول: إنه كان في حالة سكر شديد، وكان يتكلم ويعي كلامه، فهل يقع طلاقه؟
فأجاب : " طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة " انتهى من" لقاء الباب المفتوح (10/24).
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101912
العنوان:
زوجها يسبها ويقذفها ويهددها بالقتل فهل طلبها الطلاق منه شرعي ؟
السؤال:
أريد الطلاق من زوجي لعدة أسباب : 1. توفيت ابنتي منذ ستة أشهر عمرها 6 سنوات في حادث سيارة ، وكانت بصحبتي ، وهو يتهمني بقتلها . 2. يسبني بألفاظ لا ترضى بها زوجة من زوجها . 3. يتهمني بأن هناك علاقة بيني وبين زوج أختي ! على العلم بأن زوج أختي في لندن ، وأنا في مصر . 4. يذمني في كل مكان بكلام بذيء . 5. أنا تحملت ما لا يتحمله بشر ، وهو أكبر مني بأكثر من عشرين سنة ، وكنت أبحث عن رجل كبير في السن لعقله ، وعلمت بعد الزواج أنه يعاني من مرض نفسي ، وظللت معه حتى شفيَ من مرضه النفسي ، والآن عاد إليه المرض ، ويريد قتلي ؛ لاعتقاده بأني قتلتُ ابنته ، وأنا لدي طفلة أخرى ، وطفل ، ويتمنى لهم الموت بدلاً من التي توفيت ؛ لأنه كان يحبها هي فقط . سؤالي : هل يحق لي الطلاق في هذه الحالة - مع العلم بأنه لا يريد أن يطلقني ، ويريد قتلي .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله أن يُعظم أجرك في وفاة ابنتك ، وأن يجعلها شافعة لأهلها يوم القيامة ، وأعظم الله أجرك في زوجك الذي قال وفعل ما أدخل الهم والحزن عليك .
واعلمي أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، وأن المسلم يصيبه فيها الهم والغم والحزن والمرض ، وأنه لا ينبغي له تفويت ذلك من غير فوزٍ بالأجور الوافرة ، فاحتسبي ما أصابك عند ربك تعالى ، واسأليه أن يصبرك ، وأن يثبت قلبك على دينه .
وأما طلب الطلاق : فإن بعض ما صدر من زوجك يبيح لك طلب الطلاق ، فكيف بتلك الأسباب مجتمعة ؟! .
فالقذف كبيرة من كبائر الذنوب ، ولا يحل له فعل ذلك ، والسب والشتم والتهديد بالقتل أمور لا يطيقها المرء من غريب بعيد ، فكيف بها تصدر من شريك الحياة الزوجية ، والذي يعيش وإياه في بيتٍ واحدٍ ؟! .(/1)
وطلب المرأة الطلاق من زوجها إن كان من غير سببٍ : فهو الذي ورد فيه الوعيد ، وأما ما كان بسبب : فلا شك أن الوعيد لا يشمل تلك المرأة الطالبة للطلاق .
قال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم : ( أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا مِن غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْها رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) .
رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو داود ( 2226 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الحافظُ ابنُ حجر – رحمه الله - :
الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك .
" فتح الباري " ( 9 / 402 ) .
وقالَ المُبارَكفورِي – رحمه الله - :
أَيْ : من غيرِ شدةٍ تُلجِئُها إلى سؤالِ المفارقَة .
" تحفة الأحوذي " ( 4 / 410 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 29 / 11 ) :
تملك الزّوجة طلب إنهاء علاقتها الزّوجيّة إذا وجد ما يبرّر ذلك ، كإعسار الزّوج بالنّفقة ، وغيبة الزّوج ، وما إلى ذلك من أسباب اختلف الفقهاء فيها توسعةً وتضييقاً ، ولكنّ ذلك لا يكون بعبارتها ، وإنّما بقضاء القاضي ، إلاّ أن يفوّضها الزّوج بالطّلاق ، فإنّها في هذه الحال تملكه بقولها أيضاً .
فإذا اتّفق الزّوجان على الفراق : جاز ذلك ، وهو يتمّ من غير حاجة إلى قضاء ، وكذلك القاضي ، فإنّ له التّفريق بين الزّوجين إذا قام من الأسباب ما يدعوه لذلك ، حمايةً لحقّ اللّه تعالى ، كما في ردّة أحد الزّوجين المسلمين - والعياذ باللّه تعالى - أو إسلام أحد الزّوجين المجوسيّين وامتناع الآخر عن الإسلام وغير ذلك .
إلاّ أنّ ذلك كلّه لا يسمّى طلاقاً ، سوى الأوّل الّذي يكون بإرادة الزّوج الخاصّة وعبارته ، والدّليل على أنّ الطّلاق هذا حقّ الزّوج خاصّةً قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق ) - رواه ابن ماجه ( 2072 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " – انتهى .
فالخلاصة :(/2)
أنه يجب على الزوج أن يتقي الله في نفسه ، وأن يكف لسانه عن الولوغ في الحرام ، وعلى من يستطيع منعه من أهله أو ولاة الأمر أن يبادروا لذلك ، والزوجة إن شاءت صبرت وتحملت الأذى والضرر من زوجها ، وإن شاءت طلبت الطلاق ، فإن تفاهمت مع زوجها على الطلاق ، وإلا رفعت أمرهما للقاضي الشرعي ليلزمه بالطلاق إن ثبت لديه الضرر .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
101938
العنوان:
التأدب في وصف النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
هل يقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنه " بدوي " ؟
الجواب:
الحمد لله
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق ، وسيد البشر ، وأحب خلق الله إلى الله ، له المقام المحمود ، والحوض المورود ، اصطفاه الله من بين ولد آدم كلهم ، واختاره من خير العرب أعراقا وأنسابا وأحسابا ، مولدُه في أعظم حاضرةٍ من حواضر العرب يومها ، في مكة المكرمة ، خير بقاع الأرض ، وأحب أرض الله إلى الله ، سماها القرآن الكريم " أم القرى " لعظيم مكانتها في جزيرة العرب ، بل في الأرض كلها ، "
قال الله عز وجل : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) الأنعام/92
وقد أورثت هذه المكانة الجليلة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه من الإكبار والإجلال والتقدير ما يبلغ الغاية والكمال ، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرجع عن موقف الإمامة في الصلاة ليتقدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ويقول : ( مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) البخاري (684) ومسلم (421) .
ويرفض أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن يعلو سقيفة تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم (2053) .
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول : ( وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ) رواه مسلم (121) .(/1)
ولمَّا قام البراء بن عازب يَعُدُّ كما عد النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز في الأضاحي قال : ( وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ ، وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ صلى الله عليه وسلم ) رواه أبو داود (2802) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/121) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" .
إلى غير ذلك من صُورِ الأدب العظيمة التي ضربها الصحابة رضوان الله عليهم للبشرية كلها في تكريمِ وإجلالِ أفضلِ الرسل وسيد البشر صلوات الله وسلامه عليه .
أما وَصفُهُ صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به ، أو لَمْزُهُ بسيء الألفاظ والمعاني ، أو حكايةُ ما فيه تنقيصٌ لقدره فهو من الكذب الفج القبيح ، والكفر الصريح ، لِما فيه من تزويرٍ للحقائق وتَعَدٍّ على خير الخلائق ، ولا يقع في ذلك إلا مَن لا يَعرف الأدبَ ولا الخلقَ ولا الإيمان .
قال الله عز وجل : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) التوبة/65-66.
قال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" (2/214) :(/2)
" اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه ، أو خصلة من خصاله ، أو عرَّض به ، أو شبَّهَه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له ، فهو سابٌّ له ، والحكم فيه حكم الساب ، يُقتل ...وكذلك مَن نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم ، أو عَبَثَ في جهته العزيزة بسخفٍ من الكلام ، وهُجر ومنكر من القول وزور ، أو عَيَّره بشيءٍ مما جرى من البلاء والمحنة عليه ، أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه .
وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هَلُمَّ جرًّا " انتهى .
ولا شك أن إطلاق لفظ " البداوة " أو وصفه صلى الله عليه وسلم بـ " البدوي " هو من التنقص الصريح والعيب الواضح ، فإن البداوة وصفُ ذمٍّ وتنقيص ، يُقصَد به الوسمُ بالجهل والرعونة والجفاء ، وهو صلى الله عليه وسلم مُعَلَّمٌ من رب الأرض والسماء ، جاء وصفه في التوراة بأنه ( ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ) ، كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم/4 ، فكيف يجرؤ كذاب أن يصفه صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك ؟! لا جرم أن في هذا مِن الجرأة والوقاحة ما يستحق عليها متعمدها العذاب والنكال في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة/61 .
قال النووي في "شرح مسلم" (1/169) :
" أهل البادية هم الأعراب ، ويغلب فيهم الجهل والجفاء ، ولهذا جاء فى الحديث : ( من بدا جفا ) والبادية والبدو بمعنًى : وهو ما عدا الحاضرة والعمران . والنسبة اليها بدوي " انتهى .(/3)
وقد أفتى العلماء بكفر كلِّ وَصفٍ فيه إشعارٌ بتنقُّصِ قدرِ الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن صريحا في ذلك ، حتى روى ابن وهب عن الإمام مالك رحمه الله :
" مَن قال : إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وَسِخ - وأراد به عَيْبه - قُتل .
وقال أحمد بن أبى سليمان ( من علماء المالكية ، توفي عام 291هـ) : من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود ، يُقتل .
وأفتى فقهاء الأندلس بقتل " ابن حاتم " المُتَفَقِّه الطُّلَيطلي وصلبه ، بما شُهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسميته إياه أثناء مناظرته بـ " اليتيم " و " ختن حيدرة " ، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا ، ولو قدر على الطيبات أَكَلَهَا . إلى أشباهٍ لهذا " انتهى .
نقل جميع ما سبق القاضي عياض في "الشفا" (2/217-219) ، ثم قال :
" وكذلك أقول حكم من غَمَصَه ، أو عَيَّره برعاية الغنم ، أو السهو ، أو النسيان ، أو السحر ، أو ما أصابه من جُرحٍ أو هزيمة لبعض جيوشه ، أو أذى من عدوه ، أو شدة من زمنه ، أو بالميل إلى نسائه ، فحُكمُ هذا كلِّه - لِمن قصد به نقصَه - القتل " انتهى .
ونسبته صلى الله عليه وسلم إلى " البداوة " من الكذب الصريح ، لأنه عاش في مكة ، ثم هاجر منها إلى المدينة ، وهما أفضل مدينتين في الأرض كلها ، فكيف يكون بدوياً ؟!
ولم يعرف صلى الله عليه وسلم البادية إلا في صغره حين استرضع في بادية بني سعد عند مرضعته حليمة السعدية . انظر "السيرة النبوية الصحيحة" د. أكرم العمري (1/103) .
يقول الدكتور جواد علي في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (4/271) :(/4)
" المجتمع العربي : بدو وحضر . أهل وبر وأهل مدر ، فأما أهل المدر ، فهم الحواضر وسكان القرى ، وكانوا يعيشون من الزرع والنخل والماشية والضرب في الأرض للتجارة . وأما أهل الوبر ، فهم قطان الصحارى ، يعيشون من ألبان الإبل ولحومها ، منتجعين منابت الكلأ ، مرتادين لمواقع القطَر ، فيخيمون هنالك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي ، ثم يتوجهون لطلب العشب وابتغاء المياه ، فلا يزالون في حلّ وترحال .
ويعرف الحضر ، وهم العرب المستقرون بـ " أهل المدر " ، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر . والمدر : قطع الطين اليابس .
وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم " أهل الوبر " ، لأن لهم أخبية الوبر . تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر .
وتطلق لفظة " عرب " على أهل المدر خاصة ، أي على الحضر و " الحاضر " و " الحاضرة " من العرب ، أما أهل البادية فعرفوا بـ " أعراب " . " انتهى .
وسئل الشيخ محمد الحسن الددو حفظه الله :
لماذا ذكر الله أنه ما أرسل رسولاً إلا من أهل القرى ؟
فأجاب :
" أما كون الأنبياء جميعاً من سكان القرى كما أخبر الله بذلك في كتابه ، فإن ذلك مقتض منهم لحصول الرفعة ، وأهل البوادي دائماً أشد عنجهية وأسوأ أخلاقاً ، وأقل نظافةً ممن سواهم ؛ ولذلك قال الله تعالى في كتابه : ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) التوبة/97 ، وليس التحضر نسباً ، حتى يقال : فلان بدوي ، معناه : أن أباه كان كذلك ، بل المقصود هو في نفسه ، فلو سكن شخص من أهل البادية في الحاضرة ، فإنه ليس من الأعراب ، ولا يدخل في ذلك ؛ بل المقصود به من يتصف بهذه الصفة بنفسه لا بنسبه .(/5)
الرسل عليهم الصلاة والسلام يراد بهم أن يسوسوا البشرية وأن يقودوها ، فلا بد أن يعرفوا طرق تدبير المعاش ، وهذه لا يعرفها أهل البوادي ، ولا يعتنون بها ، فأهل البوادي إنما يعيشون من الصيد – مثلاً - أو اتباع البهائم ، ويعيشون مع الأحلام والأوهام كثيراً ، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من طلب الصيد غفل ، ومن بدا جفا ) ومعناه : من سكن البادية غلظ طبعه ، ( ومن طلب الصيد غفل ) أي : نقص عقله بقدر ذلك ؛ فلهذا اختير الرسل من أهل القرى " انتهى . "سلسلة دروس منشورة" (الدرس الثالث/ص/9) .
وقال العلامة عبد الله بن جبرين حفظه الله :
" وكذلك أيضا من سخر بشيء من آيات الله تعالى ، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ذُكر عن بعض الكتاب أنه كتب مرة يطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : إنه بدوي ، إنه كان يرعى الغنم ، وإنه عاش في عهد ليس فيه تقدم ، وليس فيه كذا وكذا ، ولا شك أن هذا طعن في الدين ؛ لأن هذا الدين جاءنا من قبل هذا النبي الكريم ؛ فمن طعن فيه بأنه جاهل ، أو بأنه بدوي لا يعرف شيئا ، أو بأن هذا الذي جاء به من محادثة فكره ، أو أنه مما خيل إليه ، أو أنه يريد بذلك أن يكون له شهرة وأتباع ونحو ذلك ؛ يعتبر قد كذب على الله ، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بهذا الدين الشرعي ، وكذَّب القرآن ، وكذَّب الشرع كله ، لا شك أن هذا أيضا قادح في الدين ، قادح في العقيدة ، وهو ما ذكر في هذه الآية : ( قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) يعني بالاستهزاء بالله تعالى الاستهزاء بأسمائه وصفاته ، وكذلك الاستهزاء بكلامه والتنقص له ؛ داخل أيضا في القوادح في الدين .(/6)
وكذلك أيضا الاستهزاء بالقرآن ، كما ذكر الله تعالى عن الكفار الذين قالوا : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ) الفرقان/4 وهؤلاء بلا شك أتوا بما يقدح في عقيدتهم وفي دينهم ؛ فلأجل ذلك جعل الله مقالتهم مقالة كفرية ، وكذلك أيضا هؤلاء الذين قدحوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنه جاهل ، أو إنه بدوي ، أو ما أشبه ذلك " انتهى . نقلا عن موقع الشيخ تحت هذا الرابط :
http://www.ibn-jebreen.com/print.php?page=6377
وقال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في "معجم المناهي اللفظية" (496) :
" ووصْفُ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بدوي مُناقضةٌ للقرآن الكريم ، فهو صلى الله عليه وسلم من حاضرة العرب لا من باديتها ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ) يوسف/109
وما يزال انعدام التوفيق يغْشى مَن في قلوبهم دخن ، ففي العقد التاسع بعد الثلاثمائة والألف نشر أحد الكاتبين من البادية الدارسين مقالاً ، صرَّح فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم من البادية . وقد ردَّ عليه الشيخ حمود بن عبدالله التويجري النجدي برسالة سمَّاها : " منشور الصواب في الرد من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب " والله أعلم " انتهى .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله في "سلسلة دروس شرح زاد المستقنع" (درس رقم 395، ص/7) :
" إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم سباً مباشراً باللعن - والعياذ بالله - ، أو انتقصه كأن يصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً ينتقصه به ، كأن يقول : إنه بدوي يرعى الغنم ، وقصد به التحقير له صلوات الله وسلامه عليه ، ونحو ذلك من العبارات ؛ فإنه يحكم بكفره " انتهى .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
101947
العنوان:
حكم بطاقة المبارك الائتمانية
السؤال:
ما حكم بطاقة المبارك الائتمانية من البنك العربي الوطني؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في التعامل بالبطاقة الائتمانية إذا سلمت من المحاذير التالية :
1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد .
2- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة ، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط، ، وما زاد على ذلك فهو ربا .
3- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية ، بالبطاقة غير المغطاة .
وينظر قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بهذه المسألة في جواب السؤال رقم (97530) .
وليس لنا اطلاع على نظام هذه البطاقة ، لكن سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عنها فأجاب : " ذكرت أنها لا تجوز ، لأن الزيادة في الرسوم الشهرية عن التكلفة الفعلية ليس له مبرر إلا القرض المقدم عبر البطاقة ، وهو الربا بعينه ، ولكنه مقدم ، ثم إنها تفرض على المتأخر رسما ربويا ، يسمى رسم التأخر عن السداد ، وهو الربا المحرم بالقرآن ، وإن زعم أنه يصرف على الخيرات . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمس الحاجة للصرف على الفقراء والمساكين من أهل الصُّفَّة ، ومع ذلك فقد جعل كل ربا الجاهلية موضوعا ، وأوصي نفسي وإخواني بالحذر من مداخل الشيطان، وخاصة في الربا، وقد كان أهم مدخل للربا عند النصارى وضع الربا على المتأخرات من القروض الشخصية. والله المستعان " انتهى من موقع الشيخ العصيمي .
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=393
وقال أيضا :(/1)
" إذا كانت كما ذكر السائل فهي محرمة. وأعرف عنها أيضا : أن البنك يأخذ رسما شهريا على العميل تحت مسمى الرسوم. ولا شك أن الرسوم على البطاقات التي تقدم الإقراض لا بد أن تكون حسب التكلفة الفعلية على المصدر وهو البنك، ولا يجوز له الاسترباح من تلك الرسوم، لأن القرض المقدم بالبطاقة سيكون قرضا ربويا متى ما أخذ البنك رسما إداريا أكثر من التكلفة الفعلية. وإني أوجه دعوة لأصحاب الفضيلة المشايخ المفتين بجوازها بالتراجع عن تلك الفتوى، فإن الربا المحرم إنما أجيز في بدايات تجويزه في الغرب الكافر بمثل تلك الرسوم. والله أعلم " انتهى .
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=8215
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
101970
العنوان:
حكم التبرع بالبويضات للتلقيح الصناعي
السؤال:
تم مؤخرا تشخيص حالة أختى التوأم بأنها مصابة باللوكيميا وكان علاجها مؤلما للغاية وجعلها غير قادرة على تخليق البييضات في حين أنها كانت تخطط هي وزوجها لبدأ إقامة أسرة قبل فترة ليست بالبعيدة من تشخيص حالتها والآن فإن جميع أحلامها قد تحطمت. وسؤالي هو هل سيكون حراما علي أن أعطي ( أو أتبرع) ببييضاتى لأختي حتى تتمكن من أن تنجب أطفالا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز التبرع بالبويضات من امرأة لتلقح بنطفة من مني غير زوجها ، وإن كانت هذه اللقيحة ستزرع بعد ذلك في رحم أخت المتبرعة ، وبتحريم هذا النوع من التلقيح صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي في القرار رقم (16) بشأن أطفال الأنابيب جاء فيه :
"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8ـ13 صفر 1407 الموافق 11ـ16 أكتوبر 1986م
بعد استعراضه البحوث المقدمة في موضوع التلقيح الصناعي (أطفال الأنابيب) والاستماع لشرح الخبراء والأطباء ، وبعد التداول الذي تبين منه للمجلس أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبعة.
قرر ما يلي :
أولا : الطرق الخمس التالية محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا ، لذاتها ، أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب ، وضياع الأمومة ، وغير ذلك من المحاذير الشرعية :
الأولى : أن يجري التلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم زوجته" انتهى .
وقد اقتصرنا على الحالة المسؤول عنها ، وانظر "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" (ص74) طبعة وزارة الأوقاف القطرية .(/1)
فلا يجوز لك أن تتبرعي ببويضاتك لأختك ، وينبغي أن تكثري من الدعاء لأختك وتكثر هي منه أيضا ، ولا تيأس من رحمة الله تعالى وتأخذ بالأسباب المادية في العلاج ، والله عز وجل على كل شيء قدير ، فقد رزق نبيه إبراهيم الولد بعد كبر سنه ، وكذلك فعل سبحانه بعبده زكريا عليهما السلام .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
101972
العنوان:
حكم القتل من أجل الشرف
السؤال:
أود معرفة حكم القتل من أجل الشرف وكيف يمكن الأخذ بهذه العقوبة طبقا لأحكام الشريعة؟
الجواب:
الحمد لله :
قتل المسلم بغير حق أمر عظيم وجرم كبير، قال الله عز وجل:( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) النساء/93. وروى البخاري (6355) عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي بها يباح هذا الدم فقال : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) رواه البخاري (6370) ومسلم (3175) ، فتبين من هذا أن زنى الثيب هو أحد الأسباب المبيحة للقتل ، لكن لا يقتل الزاني إلا بشرطين :
الأول : أن يكون محصنا (وهو المراد بالثيب في الحديث المتقدم) ، وقد بين العلماء معنى الإحصان هنا : قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (4/128 ): "المحصن ذكرا كان أو أنثى كل مكلف حر وطئ أو وطئت في قُبُلٍ في نكاح صحيح " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الزاد (6/120) الطبعة المصرية : "فالإحصان شروطه خمسة :
1ـ الجماع 2ـ في نكاح صحيح 3ـ البلوغ 4ـ العقل 5ـ الحرية" انتهى .
الشرط الثاني : ثبوت الحد عليه بأربعة شهود رجال يشاهدون الفرج في الفرج، أو أن يقر على نفسه بالزنا مختارا غير مكره .
وإذا ثبت الحد عليه ؛ فإنه لا يجوز لآحاد الناس أن يقيموا هذا الحد بأنفسهم ، بل يجب الرجوع فيه إلى الحاكم أو من ينوب عنه، سواء كان في إجراءات الإثبات أو التنفيذ ، لأن إقامة آحاد الرعية الحدود يؤدي إلى فساد واضطراب كبيرين .(/1)
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في "الفروع" (6/53) : "تحرم إقامة حد إلا لإمام أو نائبه" .
وهذا محل اتفاق بين فقهاء الإسلام ، كما ورد هذا في "الموسوعة الفقهية" (5/280 ) : "يتفق الفقهاء على أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه ، سواء كان الحد حقا لله تعالى كحد الزنى ، أو لآدمي كحد القذف" انتهى .
والستر على من وقع في هذه الفاحشة ليتوب ويصلح عمله قبل الموت خير من فضحه فضلا عن قتله ، وقد أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن ماعز رضى الله عنه بعد أن اعترف بالزنى وتركه حتى عاد مرارا فأقام عليه الحد .
وعلى هذا ؛ فما يسمى القتل من أجل الشرف اعتداء وظلم ، فإنه يقتل فيه من لا تستحق القتل ، وهي البكر إذا زنت ، فإن عقوبتها الشرعية الجلد والنفي سنة ، وليست عقوبتها القتل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) رواه مسلم ، فمن قتلها فقد قتل نفسا مؤمنة حرم الله تعالى قتلها ، وقد ورد في ذلك الوعيد الشديد إذ قال سبحانه في سورة الفرقان : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/68، 69 .
وعلى فرض أنها تستحق القتل (إذا كانت ثيبا وزنت) فلا يقوم بذلك إلا الحاكم – كما سبق -.
ثم إنه في حالات كثيرة يتم القتل لمجرد الشبهة والظن ، من غير تحقق وقوع الفاحشة .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
102010
العنوان:
حكم السندات ذات الكوبون الصفري والمحمية من التضخم
السؤال:
ما هي أنماط الدخل الثابت التي تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وذلك في حال وجود أنماط تتفق مع تلك المبادئ؟ وهل تتفق سندات الكوبونات المالية الحالية معها؟ وما هو حكم سندات الخزائن المالية المحمية من التضخم؟
الجواب:
الحمد لله :
أباح الله عز وجل البيع وحرم الربا، فأباح للناس تقليب أموالهم لطلب الربح بكل صور الاستثمار إذا خلت تلك الاستثمارات من الربا أو بيع الحرام وخلت من الغرر والظلم،
فقال سبحانه وتعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) البقرة/275.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله عند تفسير الآية : "وأحل الله البيع لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع" انتهى.
وقال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29 .
فأنواع التجارات الأصل فيها الحل والإباحة إلا إذا تضمنت أكل أموال الناس بالباطل ، فإنها تحرم حينئذ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (29/23) وهو يتكلم عن العقود : "والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل ، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه ، وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات ، والتبرعات ، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق .
وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما : الربا والميسر" انتهى .(/1)
ومن الحِكَم التي ذكرها أهل العلم في تحريم الربا : أن الربا يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب ، لأن المرابي يحصل على المال من غير تعب ولا مشقة ، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق التي لا تحصل إلا بالتجارة والحرف والصناعة والزراعة .
ولا يوجد في الشريعة الإسلامية عقد يبيح للشخص أن يدفع نقوده لآخر ليأتيه بها بعد مدة وعليها ربح مضمون ، فإن هذا ـ وإن سماه الناس بما أسموه ـ فإنه حرام باتفاق أهل العلم، وهو إما صورة من صور الربا ، أو صورة من صور المشاركات الفاسدة المحرمة .
ومن هذا القبيل ( الربا) : الاستثمار في السندات بأنواعها ، ما دامت تعني أن يدفع المستثمر مبلغاً معيناً لجهة ما ، وتلتزم تلك الجهة برد ذلك المبلغ مع فائدة منسوبة إليه ، أو نفع مشروط ، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي سنذكره لاحقاً .
ومن هذه السندات المحرمة : ما يسمى بالسند ذي الكوبون الصفري ، وحقيقة هذا النوع من السندات بينها الباحثون في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، إذ جاء في "مجلة المجمع "(21/43) في مناقشة موضوع الأسواق المالية : "الكوبون الصفري هو ذلك المثال الذي تصدر فيه القيمة الاسمية بـ 1000 فيباع بـ 950 ويدفع المُصْدِر 1000 عند الاستحقاق ، ولا تدفع عليه فوائد خلال المدة ، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات" انتهى .
وإذا تبين هذا ؛ فإن هذا النوع من السندات كغيره من السندات الأخرى التي تعني إقراض مبلغ بشرط أن يُرَدَّ بزيادة ، وإن سمي بغير ذلك .
ومثل ذلك أيضاً : السندات المحمية من التضخم ، وهي سندات تتغير قيمتها الاسمية حتى تتماشى مع واقع التضخم ، وهذا معناه أنها ستزيد بزيادة نسبة التضخم ، وهذا أيضاً من الربا، لأن فيه اشتراط زيادة على القرض ، لكن هذه الزيادة هنا غير محددة .(/2)
وإذا علمنا حقيقة السندات المحرمة ، وسبب تحريم الشرع لها سهل علينا معرفة حكم ما يظهر من أسماء جديدة للسندات ، إذ أشكال السندات لا تنتهي ، بل كما يقول الباحثون في هذا الشأن: تكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد وابتكار جديد في الأوراق المالية .
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بَيَّنَ حكم السندات ، وما هو البديل الإسلامي عنها، إذ جاء في قراره رقم (60/11/6) : "بعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المُصْدِر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند ، أو ترتيب نفع مشروط ، سواء أكان جوائز بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم خصماً.
قرر:
1- إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية ، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً.
2- تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات.
3- كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز ، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.
4- من البدائل للسندات المحرمة –إصداراً أو شراءً أو تداولاً-: السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً" انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102022
العنوان:
يعانون من تمرد الأبناء ورفضهم للدراسة النظامية
السؤال:
قمنا بإرسال بعض أطفالنا لما يسمى بدار العلوم بناء على رغبة زوجى ، بالرغم من أن دار العلوم تبعد عن مدينتنا مسافة رحلة جوية تستغرق 6 ساعات ، وكان رأيي أن إرسالهم بعيدا سيؤدى إلى عدم قدرتنا على رؤيتهم كثيرا ، وخاصة الفتيات ، بالإضافة إلى كونها مكلفة للغاية ، ونحن أسرة تنتمى للطبقة المتوسطة وقد قمنا بصرف جميع مواردنا المالية عليهم حتى وإن كان ذلك قد أدى إلى قيامنا بالإقتطاع من ميزانيتنا فى بعض الأوقات . وبعد ذلك بأربع أو خمس سنوات حدث أمر بالغ السوء لابنتنا من قبل القائمين على دار العلوم ، وعندما اكتشفنا ذلك كادت أرواحنا تفارق أجسادنا لأننا حتى لم نستطع التفكير فى قيام من يدعون التقوى بهذه الأفعال ، وكان علينا أن نسحب جميع أطفالنا من دار العلوم ونعيدهم إلى المنزل ورغبنا فى أن نرسلهم للتعليم النظامى. وقد عاد جميعهم للمدارس النظامية ويبلون هناك بلاء حسنا عدا أحدهم ، وهو حافظ ورافض لأن يذهب إلى مدرسة نظامية ، وقد أمضى الخمس سنوات الأخيرة بحجرته يلعب الألعاب على الكمبيوتر. كما أن جميعهم متمردون ويشعرون بالمرارة لدرجة عدم تمكننا من الحديث إليهم أو نصحهم فى أى أمر ، حيث إنهم يؤذوننا كلاميا وجسديا ولومنا (والديهم) بأننا قمنا بتدمير حياتهم بإعادتهم إلى المنزل ، وعدم تركهم يتمون التعليم الإسلامى. والآن وبعد انقضاء خمس سنوات علينا نحن والديهم فإننا نعانى من الإحباط والعجز والقلق والضغط العصبى ، ونشعر بالندم كل ثانية فى حياتنا على إرسالهم إلى هذه الأماكن التى يديرها أشرار ، لا يفكرون بأن أفعالهم الشريرة ستؤثر على الأسر وتدمرها . ونحن قلقان على مستقبلهم ، فكيف سيعيشون ويصرفون على أنفسهم دون الحصول على تعليم مناسب . وقد حاولنا الحصول على مساعدة احترافية ، لكنهم رفضوا التعاون كما أنهم غير مهتمين بأمر الزواج.(/1)
هذا بالإضافة إلى أنهم لايكادون يساعدون فى تنظيف المنزل والواجبات المنزلية والجو بالمنزل متوتر للغاية دائما مما كان له أثر على أطفالنا الأصغر سنا. ونحن نطلب نصحكم وعونكم فى ضوء الإسلام ، فما الذي علينا القيام به وما الذى أخطأنا فيه؟ وجزاكم الله خيرا لإستجابتكم لهذا الطلب.
الجواب:
الحمد لله
ما قمتم به من إرسال بعض الأطفال إلى تلك الدار لتعلم العلوم الإسلامية ، أمر يدل على حرصكم على تربية الأبناء وتعليمهم أمر دينهم ، فنسأل الله تعالى لكم الأجر والثواب .
وما جرى لابنتكم هناك من الأمر السيئ الذي أشرتم إليه ، مما يؤسف له ويحزن لأجله ، لأن هذه الدور ينتظر منها أن تكون مثالا للأمانة والرعاية والخلق الحسن ، لكن هكذا يكون الحال حينما تكون الذئاب هي الرعاة !! وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ .
مع أن بداية المشكلة كانت ـ فعلا ـ في إرسال الأبناء بعيدا عن أنظاركم ورعايتكم ، أيا كان نوع الدراسة التي سوف يدرسونها ، وأيا كان المسؤول عنها ، خاصة إذا كان فيهم إناث ، فهذا الذي لا يجوز بحال ، لكن قدر الله وما شاء فعل ، ولنأخذ من الماضي عبرة ودرسا ، وإن كان قاسيا مرا ، بالطعم الذي ذقتموه !!
وأمام المشكلة التي ذكرت نشير عليك ببعض الأمور :
أولا : التقرب من الأبناء ، والجلوس معهم ، ومصارحتهم ، والتعرف على رغباتهم وميولهم ، وطلب الاقتراحات المناسبة منهم ، ليشعروا أنهم جزء من حل المشكلة ، ويلزمهم اتخاذ القرار الذي ينبني عليه مستقبلهم .
وهذا من أهم وسائل العلاج ، فإن الحب إذا شاع في البيت أمكن أن يحل معه قدر كبير من المشاكل والأزمات ، لا سيما وهم يشعرون بتقصيركم وخطئكم نحوهم ، فابذلوا الوسع في تصحيح هذه الصورة ، وإبداء الرغبة في تحقيق ما يريدون مما يمكن تحقيقه .
ثانيا : محاولة دمجهم مع الجالية المسلمة في المكان الذي تعيشون فيه ، وإيجاد الأصدقاء الصالحين لهم .(/2)
ثالثا : الاستمرار في تعليمهم العلوم الإسلامية ، عن طريق المراكز الإسلامية ، أو الجامعات المفتوحة ، أو جلب من يعلمهم ويوجههم .
رابعا : إرسال الابن المتمرد إلى دار أخرى للتعليم ، ليحقق رغبته ، ويخفف من حدوث التوتر في البيت ، والتأثير على بقية إخوانه .
خامسا : البحث عن وسيلة للتعليم في غير المدارس النظامية التي يحبونها ، كالدراسات عن بعد ، بواسطة الإنترنت وغيره .
سادسا : الدعاء المستمر لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن الله سبحانه يهدي من يشاء ، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
وإذا تطلب الأمر أن تنتقل الأسرة بكاملها من مكان الإقامة ، إلى حيث يتمكن الأبناء من مواصلة دراستهم ، والخروج من الأزمة التي يعيشون فيها ، والتي تربك الأسرة بكاملها ، فلا تبخلوا على أنفسكم وأبنائكم بذلك ، وعلى الرغم من صعوبة التضحية في مثل هذه الحال ، وعلى الرغم ـ أيضا ـ من أنها كثيرا ما تكون مكلفة جدا ، فإن أي تضحية أهون من التضحية بالأبناء ومستقبلهم ، وإن أي تكلفة سوف تكون أخف مما تعانونه وتعيشون فيه .
ونوصيكم باستشارة أهل الخير والصلاح ممن هو قريب منكم ، ويعلم واقع أبنائكم وطبائعهم .
نسأل الله لكم العون والتوفيق والسداد .
نسأل الله أن ييسر لكم أمركم ، وأن يصلح لنا ولكم ذرياتنا ، وأن يجعلهم ذخرا لدينه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102030
العنوان:
والده يؤخر زواجه وهو في أشد الحاجة له
السؤال:
السلام عليكم موقع " الإسلام سؤال وجواب " العزيز آمل فى أن تتمكنوا من مساعدتى فى حل مشكلة حرجة تزعجنى منذ سنوات ، وأنا أسألكم بالله - سبحانه وتعالى - ألا تتجاهلوني ، وأن تردوا بحق على سؤالى ، فاتقوا الله وساعدونى بإبداء النصح إن شاء الله . كرجل يبلغ من العمر 27 عاماً فإنى امتنعت عن الزنا مخافة الله تعالى ، طوال هذا الوقت وأنا أبذل كل مابوسعى لإيجاد زوجة ، لكني عاجز عن ذلك لأسباب كثيرة ، كعدم توافق الشخصيات ، وقلة ذات اليد ، وخلافات أسرية حول الزواج ( يعتقد والداي أنه ليس بوسعك الزواج إلا عندما تتجاوز 30 عاماً )...إلخ . موقع " الإسلام سؤال وجواب " العزيز ليس بوسعى السيطرة على نفسي أكثر من ذلك ، فهذا الأمر بالغ الصعوبة عليَّ ، وأنا مشتت الفكر للغاية ، وأفكر فى النساء طوال الوقت ، وقد قرأت رسائلكم السابقة ، وبذلت كل ما بوسعى للصلاة ، وقضاء الوقت بصحبة إخوة صالحين ، وتذكر الله - سبحانه وتعالى - ، وطلب مساعدته ... إلخ لكنه من الواضح أننى لن أتمكن من أظل على هذا الحال للأبد ، برجاء تقديم النصح حول مايجب عليَّ القيام به ، وماهى الخيارات المتاحة أمامي الآن ، وما الذي يمكن لأي شخص بمكاني القيام به إن شاء الله ؟ برجاء تقديم يد العون لي فلم يعد بوسعي الاستمرار أكثر على هذا الوضع ؛ فإن هذه الرغبة ترهقني كثيراً . وجزاكم الله خيراً ، برجاء مساعدتي ، وتذكروا أن الله - سبحانه وتعالى - سيعلم إذا قمتم بتجاهل سؤالي ورفضتم مساعدتي بتقديم النصح . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:(/1)
نحمد الله تعالى الذي وفقك للتوبة ، ونسأله عز وجل أن يثبتك على طاعته ، والثبات لا بد له من الاستمرار والتواصل حتى تنال رضا الله ، فالنفس تميل للشهوة والدنيا ، والقلب يتقلب ، ويحتاج المسلم للثبات على الطاعة وتثبيت القلب ، وليس لك إلا الله تدعوه ليثبت قلبك على دينه ، ويصرفه لطاعته .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : ( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ) .
رواه الترمذي ( 2140 ) وابن ماجه ( 3834 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فهذا خير خلق الله يسأل الله الثبات ، فنحن أولى بهذا الدعاء .
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ) .
رواه مسلم ( 2654 ) .
واعلم أخي الفاضل أن النفس إن لم تملأها بالحق : مُلئت بالباطل ، وإن لم تشغلها بحب الله وحب رسوله : شغلتك بحب الشهوات والملذات المحرمة ، وإن لم تعوِّدها على الطاعة : عوَّدتك على المعصية .
ثانياً:
نحن سنجتهد إن شاء الله في إبداء ما عندنا من النصيحة لك ، والوقوف معك في محنتك ، ونسأل الله تعالى أن يثبتك ، ويحفظنا وإياك من الفواحش والفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
إن الحل الأول والأمثل لك هو الزواج ، فبه تغض بصرك ، وتحفظ فرجك ، وليس عندنا ، ولا نظن أن عاقلا سوانا عنده أفضل ولا أعلى من أن يدفعك للزواج دفعا :(/2)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَابٌ لَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري ( 4779 ) ومسلم ( 1400 ) .
قال الإمام أحمد رحمه الله : (( إنْ خَافَ الْعَنَتَ أَمَرْتُهُ يَتَزَوَّجُ )) نقله في الفروع (5/147) .
وأما قلة ذات اليد : فاعلم أن الراغب بالعفاف موعود بالعون من الله تعالى ، والأمثلة أكثر من أن تحصر على إخوة فقراء توةجوا فأعانهم الله ، ويسر أمرهم .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ : الْمُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ ) .
رواه الترمذى ( 1655 ) ، وقال : حسن ، والنسائى ( 3120 ) ، وابن ماجه ( 2518 ) ، وحَّسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
واعلم أنه ليس من حق والدك أن يمنعك الزواج بحجة السن ، أو عدم التوافق الأسري ، أو غير ذلك من الأعذار الواهية ، وليس عليك أن تطيعه في ذلك أيضا ؛ فابحث لك يا عبد الله عن امرأة تريد العفاف ، مثل ما تريده ، وتخشى الله ، كما تخشاه أنت أن تقع في الفاحشة ، فإن أبى والدك أن يساعدك ، فاجتهد في أن تدبر أي عمل يوفر لك القوت وحد الكفاف ، واستغن عن نفقته .(/3)
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : (( هل ترون أن طاعة الوالدين عليَّ لازمة إذا منعاني من الزواج بغير عذر مقبول، عذرهم في ذلك أني صغير مع العلم أني أبلغ العشرين من عمري، فما هي الطريقة إذا أصرا على رفضهما مع حاجتي الشديدة للزواج جزاك الله خيراً؟))
فأجاب رحمه الله :
(( إذا كنت قادراً على النكاح فتزوج ولو منعك أبوك وأمك؛ لأن أمامك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وهو مقدم على أمر والديك. أما إذا كنت عاجزاً ليس عندك مال وعند أبيك مال، فإن الواجب على أبيك أن يزوجك وإذا امتنع فإنه آثم. فإن كان أبوك فقيراً فقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الشباب إذا لم يستطيعوا الباءة أن يصوموا، قال: ( فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) أي: قطع؛ لأن الصوم يقلل الشهوة )) لقاءات الباب المفتوح (15/16) .
وأما إشكالية عدم توافق الشخصيات التي ذكرتها ؛ فاعلم أن هذه حجة مطاطة هلامية ، إلى حد كبير ؛ واعلم أن يكفيك ـ لكي تقدم على الارتباط بفتاة كزوجة ، وأم ولد لك إن شاء الله ؛ أن ترى فيها من الدين ما يطمئنك في العيش معها على عرضها وعرضك ، وتأمنها على ولدها وولدك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري (5090) مسلم (1466)
وبعيدا عن المثاليات التي ربما ترهق الكثيرين في البحث والنظر قبل الزواج ، حدد النبي صلى الله عليه وسلم ، إطارا عامة للشخصية المرضية للمرأة : أن تصون نفسها ، وتطيع ربها ، وتؤدي فراض الله عليها :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(/4)
( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ !! ) رواه أحمد (1664) وقال الألباني والأرناؤوط : حسن لغيره .
ثالثاً:
إذا لم يتيسر لك الآن أمر الزواج فاعلم أن وصية الله لك هي أن تستعفف ، وذلك بفعل الأسباب التي تصبرك عن التزوج كالطاعة عموما والصيام خصوصاً ، وبالابتعاد عن الدواعي التي تهيج الشهوة كالنظر والسماع المحرَّمين .
قال تعالى : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) النور/ 33 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) هذا حكم العاجز عن النكاح ، أمره الله أن يستعفف ، أن يكف عن المحرم ، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه ، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه ، ويفعل أيضاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
وقوله : ( الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً ) أي : لا يقدرون نكاحاً ، إما لفقرهم ، أو فقر أوليائهم وأسيادهم ، أو امتناعهم من تزويجهم وليس لهم من قدرة على إجبارهم على ذلك ... .
( حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وعدٌ للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره ، وأمرٌ له بانتظار الفرج ، لئلا يشق عليه ما هو فيه .
" تفسير السعدي " ( ص 567 ) .
فهذا هو الذي نوصيك به ، ويوصيك به كل من يعرف الشرع ، ويريد الخير لك ، وهو النكاح ، فإن لم تستطع فالاستعفاف .
سئل علماء اللجنة الدائمة :(/5)
إنني في مرحلة المراهقة ، وأبلغ من العمر 19 عاماً ، وإنه ينتابني بعض الأمور من الجنس ، وإنني بحق أعيش في قلق وعدم المبالاة بالدروس ؛ لأنني دائما أفكر في الجنس وغير ذلك ، مما يراودني الشيطان - لعنه الله - أن أرتكب جريمة الزنا - أعاذنا الله منها وإياكم - علماً أنني لا أقدر على الزواج ؛ لأنني في مرحلة الدراسة في الصف الثاني ثانوي ، وإنني أصبر دائما اليوم ، والذي بعده ، ولكنني لا أصبر الثالث ، أرجو أن تعينوني على ذلك بما أفعل في تلك القضية ، علماً أن حلها في رأيي الزواج ، ولا أستطيع ذلك ، وأنا في حالتي هذه نحيل الجسم بما فعلته بي تلك القضية ، وهي في بعض الأيام حينما أصلي لا أعقل ماذا صليت ، وكم صليت ، وذلك لأنني أفكر في تلك القضية ، أرجو وأكرر : أعينوني على ذلك .
فأجابوا :
إذا كان حالك كما ذكرت : فأكثر من صيام التطوع قدر الاستطاعة ؛ فإن هذا مما يساعد على ضبط نفسك ، وكبح جماح شهوتك ، وكسب العفة ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .
وإن تيسر لك أن تستدين وتتزوج مع القدرة مستقبلا على تسديد الدين : فافعل ، إعفافا لفرجك ، وارج الله أن يعينك على ذلك ، وننصحك بالبعد عن مثار الشهوة ، فغُضَّ البصر ، واجتنب الاختلاط بالفتيات ومجالستهن والحديث معهن قدر الاستطاعة ، واسأل الله تعالى أن يعفك ، ويحفظك من غائلة الشهوات ، وزلات الفتن .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 21 ، 22 ) .
ولا مانع من تناول أدوية مأمونة لتخفيف حدة الشهوة ، واجعل هذا الحل آخراً وليس أولاً .(/6)
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
" قال الله عز وجل : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/ 33 ، يعني : يتصبر ، ومن يتصبر : يصبِّره الله عز وجل ، والله تعالى قد وعد : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) أي : إلى أن يغنيهم الله من فضله ، ( حتى ) هنا للغاية وليست للتعليل ، لكنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً إذا استعفوا ، فإن لم يصبر ، وعجز ، وخاف على نفسه من الزنا : فلا حرج عليه أن يتناول ما يهدئ الشهوة من الأدوية ، ونحوها ؛ حتى لا يقع في الحرام .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 159 / مقدمة اللقاء ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 20161 ) , ( 1025 ) , ( 20229 ) , ( 21831 ) , (26811)
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
102037
العنوان:
يريد أن يمنح ولده لأخته التي لا تنجب لتربيته
السؤال:
أختي لا تنجب ، وقد بلغت 40 عاما ، فهل يجوز لي أن أمنحها أحد أبنائي الذكور ، مع الاحتفاظ بنسبته لي من حيث الاسم والمواريث والحقوق الأخرى ، فقط تربيه مع زوجها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يكرمك بالثواب الجزيل على صلتك لأختك وبرك بها ، ونسأله عز وجل أن يكتب لك الخير والسعادة في الدنيا والآخرة .
ثم نعلمك أخانا الفاضل بأن المحظور والمحرم في أمر الأنساب والأولاد هو نسبة الولد إلى غير أبيه ، واعتبار ذلك النسب الكاذب موجبا للأحكام الشرعية الأخرى من ميراث ونكاح وحقوق .
وبما أنك تنوي تجنب هذا المحذور ، فلا حرج عليك فيما دونه إن شاء الله تعالى ، فإذا رغبت أختك في تربية ولدك وإبقائه عندها ليملأ عليها وحشتها ، ويعوضها ما حُرمته من نعمة الولد ، فذلك أمر جائز إن شاء الله ، بل لك فيه الأجر والثواب عند الله .
ومن المعلوم أنه قد شرع التبني في أول الإسلام ، ثم جاءت النصوص المحكمة في تحريمه ، آمرة بنسبة الأولاد لآبائهم ، ومحرِّمة أن ينسب أحدٌ لغير أبيه ، وليس ذلك قطعاً للمودة والإخاء والعناية والرعاية .
وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر ، ثم قالوا :
" تبيِّن مما تقدم : أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية ، والحقوق الإسلامية ، من الإخاء ، والوداد ، والصلات ، والإحسان ، وكل ما يتصل بمعالي الأمور ، ويوحي بفعل المعروف :(/1)
أ. فللإنسان أن ينادي مَن هو أصغر منه سنّاً بقوله : " يا بُني " ، على سبيل التلطف معه ، والعطف عليه ، وإشعاره بالحنان ؛ ليأنس به ، ويسمع نصيحته ، أو يقضي له حاجته ، وله أن يدعو من هو أكبر منه سنّاً بقوله : " يا أبي " ؛ تكريماً له ، واستعطافاً ، لينال برَّه ، ونصحه ، وليكون عوناً له ، وليسود الأدب في المجتمع ، وتقوى الروابط بين أفراده ، وليحس الجميع بالأخوة الصادقة في الإنسانية ، والدين .
ب. لقد حثت الشريعة على التعاون على البر والتقوى ، وندبت الناس جميعاً إلى الوداد ، والإحسان ، قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) رواه أحمد ومسلم ، وقال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
ومن ذلك : تولي اليتامى ، والمساكين ، والعجزة عن الكسب ، ومن لا يعرف لهم آباء ، بالقيام عليهم ، وتربيتهم ، والإحسان إليهم ، حتى لا يكون في المجتمع بائس ، ولا مهمل ؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته ، أو تمرده ، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه وإهماله ، وعلى الحكومات الإسلامية إنشاء دور للعجزة ، واليتامى ، واللقطاء ، ومن لا عائل له ، ومن في حكمهم ، فإن لم يف بيت المال بحاجة أولئك : استعانت بالموسرين من الأمة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك ديْنا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ) رواه البخاري " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 357 - 359 ) .
ثانياً:
وننبهك إلى أمرين مهمين في هذا الشأن :(/2)
1. لا ينبغي لك تسمية هذا الفعل بـ " المنحة " أو " الهدية " أو " الهبة " ، فأنت لا تملك نفسك التي بين جنبيك فضلا عن ولدك ، والخلق كلهم خلق الله ، وهم عبيده سبحانه ، فلا يحق لأي مخلوق إهداء ما لا يملك ، وفاقد الشيء لا يعطيه .
لذلك نرى لك ولأختك وأهلك استعمال لفظ " التربية " أو " العناية " لتكون عمة الولد هي مربيته والمعتنية به ، وتكون أنت من دفع ابنه لأخته كي تعتني به وترعاه ، وليس على وجه الهبة والهدية .
2. أننا لا نرى أن تنقطع عن ابنك انقطاعاً تامّاً ، لتنساه وينساك ولا يطلبك ، بل عليك ألا تحرمه حق الأبوة الذي له عليك من الاهتمام بشأنه والسؤال عنه ، ليبقى حبل المودة الذي فطره الله في قلوب بني آدم متصلا على بعد السنين والمسافات ؛ لأننا نخشى إن طال زمانُ انقطاعكم وبعدكم عن ولدكم أن يُحدث ذلك في نفسه من الأذى والألم ما لم يكن في الحسبان ، وقد يتطور ذلك الشعور إلى قطيعة حقيقية أو اضطرابات نفسيه كنتم في غِنًى عنها ، والمصاب الأول بها هو هذا الابن .
كما قد تصير الأمور إلى العكس ، حين يبدأ الولد بالإدراك والتمييز ، فيرغب في الرجوع إلى الوالدين وإكمال المشوار في كنفهما ، مما يؤدي إلى الأذى البالغ لأختك التي ربته وتعلقت به وقضت سنوات طويلة في العناية به ورعايته ، ثم فجأة تفقد هذا الأمل الذي عاش معها وعاشت معه فترة طويلة .
فإن غلب على ظنك حصول هذه الآثار ، فلا ننصحك حينئذ بسلوك هذا الطريق ، وإن كنا لا نملك أن نحرم ونمنع - حيث لا دليل على المنع - إلا أن مراعاة دواخل النفوس ومكامن الضعف ضروري لتجنب وقوع الأذى والضرر .
نسأل الله تعالى لكم الخير والتوفيق .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
102039
العنوان:
متردد في الزواج من هذه الفتاة بسبب نقص دينها
السؤال:
أنا شاب ، أبلغ من العمر 27 عاماً ، لدى رغبة جامحة في الزواج ، مما دفعني للتفكير في الزواج بأي فتاة مهما كان شكلها ، ومهما كانت ظروفها ، ما دام متوفراً فيها شرط الدين ، ولي ابنة عمة متدينة جدّاً ، عرضتْ عليَّ ابنتها ، عمرها 15 عاما ، وهي غير ملتزمة بالدين على الوجه الذي يرضيني ، لكنها تؤدى الصلاة في وقتها ، لبستْ النقاب بعد خطبتي لها ، وبناء على طلب مني ، لكنها تشاهد التلفاز ، وتضع نغمات لأغاني على الجوال الخاص بها ، وفي يوم الرؤية الشرعية قالت لي إنها لا تحب الملتزمين ، وبعد أن تحدثت إليها بدأت الفكرة عن الملتزمين تتغير عندها ، وبعد 4 شهور من الخطبة اتصلت بي وقالت لي إنها أخبرت أمها أنها لا تحبني وليست قادرة على أن تعرفني ، وذلك بحكم أني عندما أذهب إليهم أجلس مع أهلها ولا أجلس معها ، لأنها لا تزال أجنبية عني ، وقالت لي هل تستطيع أن تعوضني عن الجامعة ، حيث إن الزواج بعد 3 سنوات ، أي بعد نهاية المرحلة الثانوية ، وقبل الجامعة ؟ فقلت لها : لا أفهم ماذا تريدين ، قالت : يعني أنا وأصحابي نريد أن نذهب للجامعة لنحب شباب ، ونعيش فترة الجامعة ، هكذا نحب شباب ويحبونا ، ولا أفكر في الزواج قبل هذه المرحلة ، المهم تعاملت مع الموقف على أنها لا تزال صغيرة ولا تعرف شيئاً ، وتريد أن تقلد زميلاتها ، وتقلد ما تراه في التلفاز ليلا نهارا من قصص العشق والغرام ، وحاولت إقناعها أني أستطيع أن أعوضها عن الجامعة وما يدور برأسها ، ولكني خائف جدّاً من كلامها هذا ، وأنا أكتب لك بعد المكالمة التي كانت بيننا بساعتين فقط ، وأنا في حيرة من أمري ، فأبوها وأمها وكافة أهلها متمسكون بي جدّاً ، وأنا كنت أشعر بميل تجاهها ، ولكني الآن خائف أن تكون ليست الزوجة الصالحة التي عشت عمري أحلم بها ، وفى نفس الوقت أقول : لا تظن بها السوء ، فهي(/1)
لا تزال صغيرة ولا تعي ما تقول . أرجو من فضيلتكم النصيحة ما أفعل لكي أحافظ على ديني ؟ مع العلم أن ظروفي المادية سيئة ، ولن يرضى بي أحد على وضعي هذا ، فهم رضوا بي لأنهم أهلي ويعرفونني جيداً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
هناك خطأ كبير يقع فيه كثير من المقبلين على الزواج ، والباحثين عن شركاء الحياة من الرجال والنساء ، كثيرا ما أودى بمشاريعهم نحو الفشل ، ليترك كلا الطرفين نُهبةً للهموم والأحزان ، ويُحمِّلَ المجتمعَ وزرا جديدا تجره أعباء الطلاق وسلبياته .
وسبب هذا الخطأ هو " الخيال " ! ، حين يمني أحد الطرفين نفسه بأن شريكه سيتغير ويتبدل في مستقبل الأيام حتى تكتمل فيه صفات شريك الأحلام الذي كان يداعب شبابه ، وأن كل نقص فيه سيعوضه كمالا يملأ وجدان شريكه ومشاعره بكل جديد وجميل .
يحاول هؤلاء تجاوز الحاضر نحو المستقبل المجهول ، هربا من الحقيقة ، ورغبة في التخلص من مواجهة قريبة ، ونسي هؤلاء أن الواجب على كل مقبل على الزواج – إذا أراد نجاحا وتوفيقا – أن يكون " واقعيا " في شرطه واختياره ، " واقعيا " في قبوله أو رفضه ، لا يبني على الأوهام ، ولا يشطح في " الخيال " ، بل يرى الحاضر بواقعية ثم يبني حكمه على أساسه ، ليتحمل بعد ذلك المسؤولية المباشرة .
فواقع هذه الفتاة ينادي عليها بعدم التدين ، وعدم صلاحيتها لك ، ووصية نبيك صلى الله عليه وسلم لك هي أن تنكح ذات الدِّين ، وهو اللائق بك أن تفعله دون غيره ، وعذرك في قبول أهلها لك لا ينفعك ؛ لأنك ستعيش مع الفتاة لا مع أهلها ، ولن يكون منهم إلا تصبيرك عليها ، ولو رأيت منها ما رأيت ، ولو سمعت منها ما سمعت .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .(/2)
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -
والمعنى : أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدِّين مطمحَ نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية ...
" فتح الباري " ( 9 / 135 ) .
وقال الصنعاني – رحمه الله - :
ودلَّ الحديث على أن مصاحبة أهل الدِّين في كل شيء هي الأولى ؛ لأن مصاحبَهم يستفيد من أخلاقهم ، وبركتهم ، وطرائقهم ، ولا سيما الزوجة ، فهي أولى مَن يُعتبر دينُه ؛ لأنها ضجيعته ، وأم أولاده ، وأمينته على ماله ومنزله وعلى نفسها .
" سبل السلام " ( 1 / 146 ) .
ثانياً:
نوصيك بالاستعانة بخالقك تعالى على إعانتك على الزواج ، ولا تظنن أن زواجك بتلك الفتاة لن يكلفك مبالغ طائلة ؛ لأن الظاهر من حالها أنها ستُكثر من المطالب ولو أدى لفقرك ! ولا تقلق إن تركتها لتتزوج غيرها ؛ فإن الله تعالى قد تكفَّل بإعانة الناكح الذي يريد العفاف .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) .
رواه الترمذي ( 1655 ) والنسائي ( 3218 ) وابن ماجه ( 2518 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال المباركفوري – رحمه الله - :(/3)
( والناكح الذي يريد العفاف ) أي : العفة من الزنى ، قال الطِّيبي : إنما آثر هذه الصيغة إيذاناً بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان ، وتقصم ظهره ، لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها ، وأصعبها : العفاف ؛ لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه ، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين ، فإذا استعف وتداركه عون الله تعالى : ترقَّى إلى منزلة الملائكة ، وأعلى عليين .
" تحفة الأحوذي " ( 5 / 242 ) .
والخلاصة :
أن حال تلك الفتاة لا يصلح لأن تتزوجها ، فإن عزمَتْ على التغير إلى الأفضل عزماً أكيداً ، وسعت في ذلك فعلاً فتزوجها ، وإن أبت إلا الاستمرار على حالها ، أو لم تصدق في تغيرها : فدعها إلى غيرها ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
102049
العنوان:
زوجته تتهاون في أمر الصلاة فهل يطلقها ؟
السؤال:
أنا متزوج ولي بنتان وزوجتي تقوم بأعمالها المنزلية على أكمل وجه وتحافظ على بيتي في غيابي وتحفظه ! لكن في أمورها الدينية ناقصة وهي كسلانة في صلاتها وتحدثت معها كثيرا جدا وتقول لي حاضر حاضر لكنها على كسلها وأنا متضايق جدا وفكرت كثيرا في الطلاق منها لكن عندما أفكر في حال بناتي أتراجع . ما هي مسؤوليتي تجاهها وهل أستمر معها أم أنفصل ؟ أنا تعبان جدا جدا أرجو أن تدلوني بالحل
الجواب:
الحمد لله
الصلاة شأنها عظيم ، فهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، ولا حظ في الإسلام لتاركها كما قال عمر رضي الله عنه ، ودلت الأدلة الكثيرة على أن تركها كفر مخرج عن الملة ، وينظر جواب السؤال رقم (5208) .
وإذا كان الإنسان يحب ربه ، ويحب نبيه ، ودينه وكتابه ، فكيف يضيع أعظم فريضة كتبت عليه ؟! مع أنها فريضة سهلة ، جميلة ، فيها راحة القلوب ، ولذة الأرواح ، وطهارة الأبدان.
والمتهاون في الصلاة الذي يؤخرها عن وقتها متوعد بالعقاب كذلك ، كما قال تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553).
فالواجب عليك أن تستمر في نصح أهلك ، والتشديد عليها في أمر الصلاة ، ومتابعتها في كل صلاة حتى تستقيم عليها ، والحذر من أن تترك الصلاة حتى يخرج وقتها .
وينبغي إعلامها بحكم تارك الصلاة ، وبالقول الذاهب إلى تكفير من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها من غير عذر ، وما يترتب على ذلك من بطلان النكاح عند بعض الفقهاء ، حتى يكون ذلك رادعا ومخوفا لها .(/1)
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
ولتجتهد في ترغيبها وترهيبها بالوسائل الممكنة ، وليكن نصحك لها بالرفق واللين ، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه . وكافئها وشجّعها إذا صلت ، وذكِّرها بأن الصلاة هي مفتاح السعادة والتوفيق ، وسبب من أسباب سعة الرزق وهناءة العيش ، فإذا أثمر ذلك وأنتج صلاح حالها ، فهذا هو المطلوب ، وهو ما نرجوه ونحبه لها ، وإذا استمرت في تقصيرها ، فلا مانع من اللجوء إلى الشدة في الإنكار أحياناً ، حسب ما يحقق المصلحة .
قسا ليزدجروا ومن يكن حازماً ... فليقس أحياناً على من يرحم
فاهجرها ، وهددها بالطلاق ، حتى تعلم بأن الأمر جد لا تراخي فيه ، وتعلم أنه لا يمكنك العيش مع امرأة تتهاون في أعظم فرائض الإسلام ، مهما كانت مطيعة مجتهدة في أمر دنياها .
والمقصود من ذلك كله هو إصلاحها ، ولذلك نوصيك بالصبر عليها ، وعدم الضجر ، قال تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) طه/132 .
وأكثر من الدعاء أن يهدي الله زوجتك ويصلح حالها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102055
العنوان:
السحب ببطاقة الائتمان مقابل دفع 700 درهم أجرة كل ثلاثة أشهر
السؤال:
هناك بنك عرض علي كريدت كارد بقيمة عشرون ألف درهم أقوم بسحبها من الصراف على أربع دفعات أي كل دفعة أقصى شيء خمسة آلاف ويقوم بأخذ أجور عن كل سحب تسعون درهم وهذه الأجور ثابتة سواء سحبت خمسة آلاف أو خمسمائة فإن البنك يستقطع مني تسعين درهماً بالإضافة إلى أن البنك يستقطع مني كل ثلاثة شهور سبعمائة درهم وهو يسميها أجور! وأخبروني أنني إذا التزمت بالتسديد بالأوقات المحددة فإن البنك سيقوم بإعطائي بعض المبالغ كهدايا عن التزامي معهم ولم يذكر قيمة المبالغ وقالوا إن البنك في حينها يحددها ونحن لا نذكرها حتى لا يكون في التعامل شبهة من الربا .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز التعامل بهذه البطاقة ؛ لقيامها على الربا ، وهو القرض الذي يجر نفعا للمقرض وذلك أنك تقترض 20 ألف درهم ، لتردها مع زيادة وهي 700 درهم كل ثلاثة أشهر ، مما أسموه أجورا ، ولا وجه له ، فكل درهم تأخذه الشركة صاحبة البطاقة زيادة على التكلفة الفعلية ، فهو ربا ، ولاشك أن التكلفة الفعلية لا تصل بحال إلى هذا المبلغ الكبير كل ثلاثة أشهر .
والمقصود أن هذا تحايل على الربا ، وتسمية للأمور بغير أسمائها الحقيقية ، والواجب الحذر من ذلك ، وعدم الدخول في هذه المعاملة .
قال الدكتور محمد العصيمي حفظه الله في إحدى البطاقات المشابهة : " إذا كانت كما ذكر السائل فهي محرمة. وأعرف عنها أيضا أن البنك يأخذ رسما شهريا على العميل تحت مسمى الرسوم. ولا شك أن الرسوم على البطاقات التي تقدم الإقراض لا بد أن تكون حسب التكلفة الفعلية على المُصْدِر وهو البنك، ولا يجوز له الاسترباح من تلك الرسوم، لأن القرض المقدم بالبطاقة سيكون قرضا ربويا متى ما أخذ البنك رسما إداريا أكثر من التكلفة الفعلية " انتهى من موقع الشيخ :
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=8215(/1)
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102056
العنوان:
ما ينتشر اليوم عن " معجزات الطبيعة " !
السؤال:
انتشرت في الآونة الأخيرة عبر المواقع والمنتديات مواضيع تحتوي على صور وملفات صوت وفيديو تعبر عن معجزات .. كخروج نافورة من الرمال في الصحراء ، وظهور لفظ الجلالة على جلود الماعز .. وسحابة ترسم لفظ الجلالة ، والفتاة التي تحولت إلى حيوان .. ومعظم هذه الأشياء تكون غير صحيحة وملفقة .. وهذه الأشياء منتشرة جدا . فما هو الحكم في مثل هذه الأشياء ؟
الجواب:
الحمد لله
آيات الله في هذا الكون كثيرة ، فكل ذرة فيه تشهد له سبحانه بالعظمة والجلال ، وتنطق له بالوحدانية .
قال الله عز وجل : (حم . تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ . وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ . وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) الجاثية/1-6
وهكذا جاءت دعوة التأمل والتدبر في عشرات الآيات في القرآن الكريم ، تحث على النظر في آيات الكون الظاهرة للعيان ، لتتفكر فيها فترجع منها باليقين بالخالق ، وبالإيمان بوحدانيته سبحانه .
والسمة المشتركة بين هذه الآيات هي الظهور للعموم ، فالسماء والأرض والجبال والشمس والقمر والأنعام والمطر والنفس وغيرها ، كلها آيات يشترك في رؤيتِها ومعرفتِها جميعُ البشر ، ويتمكن كل إنسان من إدراك عظمتها ودلالتها على الرب الخلاَّق ، وإن كان فيها للعالِم مِن الأسرار التي يختص بها دون العامي ، ولكنها باديةٌ للجميع ، يستخرج منها كلٌّ بِحَسَبِهِ .(/1)
أما ما ينتشر اليوم من حديث عن " معجزات الطبيعة " ومنها الأمثلة التي ذكرها السائل ، فمن حيث قدرة الله تعالى ، فإن الله على كل شيء قدير ، كظهور لفظ الجلالة على جلود الماعز أو على بيضة ، أو مسخ بعض الناس .
بل نؤمن بأن المسخ سيقع ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم . فقد روى الترمذي (2212) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ : إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
هذا بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، وأما بالنظر إلى وقوع هذه " المعجزات " ! فإن أكثر ما ينتشر اليوم منها لا حظَّ له من التوثيق والتوكيد ، وأغلب ما يتناقله الناس منها إنما هي أحاديث مجالس ، وصور منتديات ، لا يُدرَى مصدرُها ولا منشؤُها .
أفبمثل هذه الحكايات يحتج المسلم على صحة دينه وعقيدته ؟!
وهل نقصت عنه أدلة الفطرة واليقين كي يلجأ إلى تلك الإشاعات ؟!
والموقف الصحيح من هذه الأخبار ، هو التوقف فيها ، فلا نصدقها ، لاحتمال أنها كذب ، ولا نكذبها ، لاحتمال أنها صدق ، ما لم يكن عندنا دليل واضح على صدقها أو كذبها فنجزم به حينئذٍ .
فينبغي على المسلم العاقل – الذي يعي ضوابط التلقي والاستدلال – التأني في الإيمان بها والتصديق لها ، فضلا عن نشرها ودعوة الناس إلى التسبيح بعجبها .
غير أن الذي وقع خلاف ذلك ، حيث انساق كثيرون وراء هذه " الحكايات " ، فراحوا ينشرونها ويتحدثون بها في المجالس ، ويتناقلونها في جوالاتهم ورسائلهم ، ثم يفاجؤون بعد أيام أنها كذب مصنوع مختلق ، نشره بعض المتحمِّسين للدين - جهلا وسذاجة - ، أو بعضُ الملحدين الحاقدين - استهزاءً وسخرية - ، مما كان السببَ في فتنة الكثيرين ، والله المستعان.(/2)
فالذي ننكره هو التسرع في إثباتها ، وإلباسها لَبوس الإعجاز والتحدي ، ودعوة الناس إليها ، واتخاذها شكل الظاهرة المتفشية التي لا حدود لها ، فكل يوم يحمل منها قصة جديدة وحكاية.
حتى وصل الحال إلى صور من السخافة التي يترفع عن تصديقها العقل السليم ، ترى ذلك في حكاية " صوت زئير الأسد " الذي يسمع فيه بعضهم - شططا وتكلفا - صوت لفظ الجلالة .
وأشنع من ذلك وأسوأ : ما بلغ في بعض البلاد من التبرك والتمسح والاستشفاء بشجرة ظهر على جذعها لفظ الجلالة ، ثم تبين بالبحث أنه منحوت بفعل فاعل يريد إضلال الناس .
فعلى المسلمين التوقف عن ترويج مثل هذه الشائعات ، التي قد تكون سبباً لإضلال الناس .
ونسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102076
العنوان:
خسرت حُسن عشرة زوجها بسبب علاقتها بغيره
السؤال:
باختصار أنا لي علاقة مع شاب تعرفت عليه عن طريق المنتدى ثم الماسنجر ثم الجوال ، وقد كشف زوجي الأمر وغضب عليَّ ، وقال لي : لولا الأبناء لأصبحت مطلقة ، ولكن أصبر وأتزوج بأخرى ، أنا أدركت ذنبي وتبت ، وبدأت حياتي من جديد ، وأصبحت أُكثر الاستغفار والحمد والشكر على النعمة ، لكن زوجي كل يوم يسمعني كلاما يهز الجبال ، كرهته ولكن صبرت ، وحاولت أن أحبه ، وألبي جميع طلباته التي كنت في السابق لا ألبيها ، تعبت من كثر الطلبات ، ولم أقل شيئا ، بل برحب وسعة ، لكن لا أجد إلا السب والشتم وتذكيري بالعلاقة السابقة ، وبعد عدة أشهر رجع الشاب واتصل عليَّ ، واستمر بذلك وبإرسال الرسائل ، ولكن خشيت من زوجي ؛ لأنه إذا رن جوالي برقم غريب يطلب مني أرد ، وأرفض ، قال لي : ردي لعله ذلك الشاب ، وإذا رديت أصبح الشخص غلط ، قال لي أكيد بينكم رموز ، ماذا أفعل ؟ أصبحت أخاف من الجوال ، وأخفيه عن زوجي دائما خوفا أن يرن رقم غريب ، ويشك بي . ماذا أعمل مع ذلك الشاب ، مللت الحياة ، تمنيت الموت كل الذي أستطيع عمله قراءة القرآن.
الجواب:
الحمد لله
لا يزال الطمع في قلب ابن آدم حتى يهلكه ، وما حرم القناعة إنسان إلا تاه في أودية الهم والاضطراب ، يتلفت يمنة ويسرة لعله يجد ما يملأ به نفسه التي تمنى وتشتهي ، ولا يملأ قلب ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .
وأسوأ الطمع ما تُقتَحَمُ به الحرمات ، وتضيع فيه الأعراض : كالطمع في زوجات المسلمين وأعراضهم ، أو طمع النساء في شباب المسلمين ، وعدم القناعة بالزوج الذي مَنَّ الله به عليها ، وقد علم المسلمون جميعا أن اللذات لا تنال بمعصية الله تعالى ، وأن السعادة إنما تتوافر في طريق الطاعة وحفظ حدود الله عز وجل .
أختي السائلة :(/1)
لقد كانت المعصية سببا في هلاك أمم سابقة ، فهل تظنين أنها ستكون سببا في سعادة إنسان ؟! كما كانت المعصية أيضا طريقا إلى النقم ، فهل تريدينها أن تكون مجلبة للنعم ؟!
والله عز وجل يقول : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/ 30 .
قد يكون من السهل الوقوع في الخطأ ؛ فالنفس تندفع برغبات اللذة والشهوة نحو المعصية ، لكن من الصعب تحمل التبعات ، والتعامل مع آثار تلك الأخطاء .
قال ابن القيم رحمه الله:
" الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ؛ فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة ، وإما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تُذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تشمت عدوا وتحزن وليا ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق " انتهى .
" الفوائد " ( ص 139 ) .
وأنت اليوم في المشكلة التي تعرضين إنما تواجهين نتائج أخطاء تراكمت ، ومعاص تساهلت بها ، ثم لم تحسني التوبة منها :
- أما محادثتك مع ذلك الشاب فمن أقبح ما يمكن أن يصدر من امرأة أنعم الله عليها بالزوج والمنزل والولد ، وكفاها بؤس الحياة الذي يواجهه كثير ممن حرموا البيوت السعيدة والحياة الهانئة .
وقد كفانا زوجك مؤونة اللوم والعتاب ، فهو يسمعك كل يوم كلاما " يهز الجبال " - على حد وصفك - ، والمقصود هو أن تدركي من قرارة قلبك عظيم الخطأ الذي ارتكبت .(/2)
- وأما ما ذكرت بشأن عدم تلبيتك رغبات الزوج وحاجاته في السابق ، فهي معصية أخرى كان لها أثر كبير في تحويل حال أسرتك إلى هذا العناء .
ألم تعلمي أن طاعة الزوج واجبة ، وأن خدمته وتلبية طلباته من أفضل ما تقدمه الزوجة عند الله وعند الناس ، وقد جاء عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنَةٍ لَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَذِهِ ابْنَتِى قَدْ أَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : أَطِيعِى أَبَاكِ ، فَقَالَتْ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِى مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ، قَالَ : حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ )
رواه النسائي في " السنن الكبرى " ( 3 / 283 ) ، وقال المنذري في " الترغيب والترهيب " ( 3 / 98 ) : إسناده جيد ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 3148 ) .
ونحن نصارحك القول : بأن العلاج يبدأ من هذه الفكرة :
يبدأ من حيث طاعة الله ورضاه سبحانه ؛ لأن المصيبة بدأت من معصيته ومخالفته ، وقد وعد الله عز وجل التائب بتبديل السيئات إلى حسنات ، ووعده فضلا منه وأجرا .
التوبة تبدأ من الحزم والعزم بترك ما فرط من معصية ، وقطع كل صلة محرمة ، وفي قصتك تبدأ من إلغاء الهاتف الجوال بالكلية ، وعدم العودة إليه حتى تطيب نفس الزوج بشراء رقم جديد لك ، إذا فعلت هذا فقد أثبت لزوجك ولنفسك صدق توبتك والرغبة الجادة في الإصلاح .
وكيف تريدين من زوجك أن يتجاوز ما مضى وأنت لم تتجاوزيه وعدت إليه ؟!(/3)
لقد حفظ لك زوجك حقا عظيما وطوقك بمنة كبيرة حين أعطاك فرصة جديدة للعيش معه ، ولعل سبب ذلك الحقيقي رغبته فيك ومحبته لك ، وإلا فقد كان التسلسل المنطقي للأحداث أن تتجه نحو الفضيحة والفراق والطلاق ، لكن الله مَنَّ ولطف وأنعم عليك بالستر والبيت والأسرة ، فالواجب أن تبادلي زوجك بالإحسان إحسانا ، وتحفظي حدود الله فيه ، فتقطعي فعليا كل وهم وسبيل إلى عودة اتصال ذلك المعتدي بك ، ولكن الذي حصل منك هو تكرار للخطأ ، وإصرار على المعصية ، وتساهل في تحقيق التوبة .
فهل تنتظرين بعد ذلك توفيقا وإصلاحا ؟
كيف تسمحين لنفسك تكرار سماع صوت ذلك الشاب ، واستقبال الرسائل منه مرة أخرى ، وكيف عدت إلى تحميل زوجك همَّ الوسواس الذي يصيب كل إنسان حين يرى ريبة من زوجته ، كيف تريدينه أن يثق بك من جديد وأنت لم تمنحيه الثقة الكافية ، ونحن نؤكد لك أن استمرارك على هذه الحال سيؤدي إلى خسران أعظم مما أنت فيه ، تأملي حالك لو أن زوجك أخبر أهلك بما تفعلينه ، لا شك أن ما ستكونين فيه من هموم وغموم أعظم مما أنت فيه الآن .
نحن ندعوك – أختنا السائلة – إلى ضرورة الاستدراك والإصلاح ، وقد قطعت شوطا جيدا ، ليبقى لك الكثير أيضا ، فنوصيك بتقوى الله عز وجل ، والحرص على البيت والزوج والأبناء ، ولا تلتفتي إلا إلى رضوان الله تعالى ، ليكن هذا همك وسعيك ، واثبتي ولا تيأسي من المحاولة ، واستمري على حسن العشرة والطاعة بالمعروف ، ولا يُقعدك ما تجدينه من نفور الزوج وسوء معاملته ، فإِنْ صَدَقْتِ اللهَ في التزامك بشرعه صدقك هو سبحانه فأصلح لك زوجك ولو بعد حين ، وأعاد حاله إلى السعادة المرجوة ، ودرء عنك كل فتنة وتعاسة ، وماذا يبتغي الإنسان من دنياه سوى حياة هادئة صفوها العافية ، وسرها العبودية ، فإذا أكرم الله العبد بشيء من ذلك فليحافظ على النعمة بشكرها وتقوى الله فيها ، والقناعة كنز لا يفنى .
نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق والسعادة .(/4)
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
102082
العنوان:
حكم وضع صور الرجال والنساء في منتديات الحوار
السؤال:
أنا أشرف على منتدى إسلامي وبعض الأعضاء يضعون مواضيع أو توقيعات فيها صور ذوات أرواح من نساء ورجال وحيوانات وصور كرتونية وأنا في الحقيقة أحذف كل هذه الصور ولكن أريد فتوى لكي أضعها في المنتدى وهذه الفتوى سوف تكون سببا في إصلاح نيتي وعونا لي في تحكيم أمر الله .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والطير والحيوان ، ووضع ذلك في المنتديات ، أو الاحتفاظ بها للذكرى ، لا يجوز ؛ لعموم الأدلة في تحريم التصوير ، ولعن فاعله ، وانظر جواب السؤال رقم (22660) ، (8954) .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان لضرورة أو حاجة ماسة ، كصور إثبات الشخصية ونحوها .
ثانيا :
يدخل ضمن التصوير المحرم رسم الصور الكرتونية المتخيلة أو المشوهة لذوات الأرواح ؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ .
والدُّرنوك: هو نوع من الستائر .
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع ، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة .(/1)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح ، سواء كان نحتا ، أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق ، أم كان نسيجا ، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز وسواء كان للشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جمل أو شوه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي . فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها ، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس . . إلخ، وذلك لعموم النصوص ، ولما فيها من المضاهاة ( يعني لخلق الله ) ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى .
ثالثا :
وضع صور النساء في المنتديات ، عمل قبيح ، لما فيه من استعمال التصوير المحرم ، ولما فيه من إثارة الفتن وتهييج الشهوات ، وقد أحسنت في حذف جميع الصور ؛ لأن إنكار المنكر وإزالته واجب على من قدر عليه .
وعلى كل مسلم أن يتقي الله تعالى ، وأن يعلم أن ما يكتبه وينشره سيسأل عنه يوم القيامة ، وأن لا يستهين بشيء من المحرمات ، فإن معظم النار من مستصغر الشرر .
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102085
العنوان:
حكم إجراء عملية ربط المعدة
السؤال:
أبلغ من العمر 23 عاماً وأعاني من الزيادة المفرطة في الوزن وأرغب في القيام بعملية تغيير مسار أو اتجاه المعدة لتصغيرها وربطها بالأمعاء مباشرة وهي عملية كبيرة ولها آثار جانبية كأي عملية جراحية ..سؤالي: هل تغيير مسار المعدة حتى لا يستفيد الجسم من الطعام يعتبر تغييراً لخلق الله؟ وهل يجوز لي القيام بهذه العملية ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز إجراء عملية لربط المعدة (تصغيرها بوضع الحزام أو عن طريق التدبيس) ، أو تصغير حجمها وتوصيلها بالأمعاء الدقيقة ، لغرض التخفيف من الوزن المفرط ، ولا يعد هذا من تغيير خلق الله ، لأنه من باب العلاج والتداوي ، لكن يشترط غلبة الظن بعدم ترتب مفسدة أو مضرة أعظم ، ويُرجع في ذلك إلى رأي الطبيب الثقة ، وذلك لأن هذه العمليات قد يكون لها آثار جانبية خطرة .
والأولى استعمال طرق الحمية والرجيم ، بمتابعة أهل الاختصاص ، فإذا لم يُجْدِ ذلك ، أمكن اللجوء إلى ربط المعدة أو تغيير المسار عند التأكد من السلامة من الأضرار والآثار الجانبية .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102187
العنوان:
كشف العورة أمام الأطفال
السؤال:
هل يجوز لطفل صغير أن يرى عورة والديه؟ وهل يجوز له على سبيل المثال أن يغتسل مع والديه ؟
الجواب:
الحمد لله :
لا يجوز كشف العورات أمام الأطفال المميزين إذ أمر الله تعالى المؤمنين بأن يأمروا من لم يبلغ الحلم منهم من أهل البيت بالاستئذان قبل الدخول في أوقات ثلاثة ، كما قال سبحانه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور/58 .
وهذه الأوقات التي أوجب الله علينا أن نأمر الصغار بالاستئذان فيها ، وهي أوقات التخفف من الثياب .
قال العلامة ابن عاشور رحمه الله في تفسيره "التحرير والتنوير" : "كانت هذه الأوقات أوقاتا يتجرد فيها أهل البيت من ثيابهم (يعني التخفف منها) فكان من القبيح أن يرى أطفالهم عوراتهم ، لأن ذلك منظر ينطبع في نفس الطفل ، لأنه لم يعتد رؤيته ، ولأنه يجب أن ينشأ الأطفال على ستر العورة ، حتى يكون ذلك كالسجية فيهم إذا كبروا" انتهى .
فهذا هو الأدب إذاً مع الأطفال : أن يحال بينهم وبين الاطلاع على العورات ، لما في ذلك من المفاسد على أخلاقهم في الكبر .(/1)
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيره وهو يعدد الفوائد المأخوذة من الآية : "ومنها : أن الصغير الذي دون البلوغ لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة ، ولا يجوز أن تُرى عورته ، لأن الله لم يأمر باستئذانهم إلا عن أمر ما يجوز" انتهى . وهذا في الطفل المميز الذي يعرف العورات .
قال العلامة أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (3/464ـ465) : "أمر الله تعالى الطفل الذي قد عرف عورات النساء بالاستئذان في الأوقات الثلاثة بقوله : (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم )
وأراد به الذي عرف ذلك واطلع على عورات النساء ، والذي لم يؤمر بالاستئذان أصغر من ذلك " انتهى .
فالطفل الذي لا يميز لا حرج في عدم التستر منه ، قال ابن قدامة في "المغني" (7/76) : "فأما الغلام فما دام طفلا غير مميز لا يجب الاستتار منه في شيء" انتهى .
وقال العلامة زكريا الأنصاري في شرح البهجة (4/98) : "الطفل الذي لا يحسن حكاية ما يراه يجوز كشف العورة عنده" انتهى .
وهذا ضابط جيد ، فيجوز كشف العورات أمام الطفل الذي لا يحسن حكاية ما يراه ، كابن سنة أو سنة ونصف ، ولا يجوز كشفها أمام الطفل الذي يحسن حكاية ما يراه ، كابن ثلاث سنوات ، مع التنبيه أن هذا يختلف باختلاف الأطفال ، فبعض الأطفال يسبق أقرانه في النمو العقلي واللغوي ، وبعضهم يتأخر عن أقرانه .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
102214
العنوان:
حكم العمل في محل لتأجير فساتين الزفاف
السؤال:
لي ابنة خال تعمل في محل لتأجير فساتين الزفاف والحفلات ، وتريد أن تعرف هل هذا العمل حلال أم حرام؟ وهي تقول إن في الوقت الحالي لا يوجد عمل بديل لتعمل به فهل يجوز لها العمل فيها إلى أن تجد غيره؟ (في حالة إن كان يحرم عليها العمل به) مع العلم أن أغلب هذه الفساتين تظهر (الكتف والرقبة والجيب) ومع الفساتين كلها جزء خاص منفصل يشبه الجاكيت لتغطية هذه الأجزاء . ويقوم المحل بتأجير هذه الفساتين لثلاثة أصناف من العرائس، الأولى العروس المحجبة وهي تؤجر الفستان بالجاكيت وتكون الأفراح مختلطة، والثانية العروس المنتقبة وهي تؤجر الفستان بدون الجاكيت وتكون الأفراح منفصلة (النساء في قاعة والرجال في أخرى)، والثالثة العروس غير المحجبة وهي تؤجر الفستان بدون الجاكيت وتكون الأفراح مختلطة .
الجواب:
الحمد لله
هذه الملابس التي تظهر العورات ، وتبدي المفاتن ، في بيعها وتأجيرها تفصيل ، كما يلي :
1- يجوز بيعها وتأجيرها لمن علمنا أو غلب على ظننا أنه يستعملها في المباح .
2- يحرم بيعها وتأجيرها لمن علمنا أو غلب على ظننا أنه يستعملها استعمالاً محرماً ، كمن تلبسها في الحفلات المختلطة ، لما في ذلك من الإعانة على المعصية ، ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف عن رقبتها وكتفيها للرجال الأجانب ، بل يجب أن تستر جميع بدنها عنهم ، حتى وجهها وكفيها على الراجح ، وينظر جواب السؤال رقم (11774) ورقم (21536)
3- إن جُهل حال المشتري أو المستأجر فلم نعلم هل سيستعملها في الحلال أم الحرام ، وليس هناك قرائن تقوي أحد الاحتمالين فالأصل جواز البيع والتأجير له ، فإن استعملها في الحرام كان هو الآثم .(/1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة" ( 4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية ، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) : " كل ما يستعمل على وجه محرم ، أو يغلب على الظن ذلك ، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين ، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم هداهن الله من لبس الملابس الشفافة والضيقة والقصيرة ، ويجمع ذلك كله : إظهار المفاتن والزينة ، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب " انتهى .
وبناء على ذلك نقول : إن استطاعت ابنة خالك أن تتقيد بما ذكرنا فلا حرج في عملها هذا ، وإن لم تستطع ، فلتترك العمل ابتغاء مرضاة الله ، وفرارا من المعصية ، ولتعلم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة ، وأن من اتقى الله تعالى رزقه وزاده ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
ولا يجوز لها البقاء في العمل المحرم إلى أن تجد عملا آخر ؛ لعدم وجود الضرورة التي تبيح ارتكاب المحرم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102217
العنوان:
استأجر شخصا لعمل محرم فهل يعطيه الأجرة أم يتصدق بها ؟
السؤال:
شخص مدين لآخر قام له بعمل محرم هل يجوز للمدين أن يؤدي ما بقي عليه من الدين مقابل العمل المحرم الذي قام له به الشخص الآخر ؟ أم أن الدين يسقط عنه ؟ مع العلم أنه لا يخشى أن يُرفع أمره إلى المحكمة والمبلغ يسير فهل يتحلل منه أو أنه يسقط عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان مقصودك أن شخصا استأجر غيره لعمل محرم ، كأن يستأجره للعزف والزمر مثلا ، أو ليشهد له زورا ، أو ليضرب له بريئا ، أو كمن يستأجر امرأة للزنا ونحو ذلك من الأعمال المحرمة ، فهل يلزم المستأجر أن يدفع الأجرة أم لا ؟ فالجواب : أنه لا يجوز أن يدفع له الأجرة على العمل المحرم ، ويلزمه أن يتصدق بهذا المال ، لئلا يجمع بين العوضين : المنفعة المحرمة ، والمال .
قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/569) : " وكما يحرم أخذ الأجرة على الحرام يحرم إعطاؤه ; لأنه إعانة على معصية ، كأجرة الزمر والنياحة " انتهى .
وفي "المدونة" (3/437) : " قلت : أرأيت لو أن مسلما آجر نفسه من نصراني يرعى له خنازير فرعاها له فأراد أخذ إجارته ؟ قال : قال مالك في النصراني يبيع من المسلم خمرا أرى أن يؤخذ الثمن فيتصدق به على المساكين أدبا للنصراني وتكسر الخمر في يد المسلم . قال ابن القاسم : وأنا أرى أن تؤخذ الإجارة من النصراني فيتصدق بها على المساكين ولا يعطاها هذا المسلم أدبا لهذا المسلم , ولأن الإجارة أيضا لا تحل لهذا المسلم إذا كانت إجارته من رعي الخنازير ... ويتصدق بالأجرة على المساكين ولا تترك الأجرة للنصراني مثل قول مالك في الخمر " انتهى مختصرا .
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/290) : " الإجارة على المنافع المحرمة كالزنى والنوح والغناء والملاهي محرمة وعقدها باطل ، لا يستحق به أجرة " انتهى .(/1)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل حلق ذقنه عند الحلاق وقال : سوف أعطيك المال فيما بعد دينا عليّ ، ثم هداه الله والتزم بأحكام الإسلام فهل يعطيه المال أم لا ؟
فأجاب : " يقول له : أنا لن أعطيك إياه لأن هذا مقابل عمل محرم ، ويتصدق به " .
وانظر جواب السؤال رقم (75072) .
ولو أن المستأجر دفع الأجرة ، ثم تاب المغني أو شاهد الزور أو الزانية والمال في أيديهم ، فإنه يلزمهم أن يتصدقوا به ، ولا يردوه على المستأجر ، في أصح أقوال العلماء ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (78289) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن أخذ عوضا عن عين محرمة أو نفع استوفاه مثل أجرة حَمَّال الخمر وأجرة صانع الصليب وأجرة البغيّ ونحو ذلك فليتصدق بها ، وليتب من ذلك العمل المحرم ، وتكون صدقته بالعوض كفارة لما فعله ، فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث ، ولا يعاد إلى صاحبه ؛ لأنه قد استوفى العوض ، ويتصدق به كما نص على ذلك من نص من العلماء ، كما نص عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/142).
والحاصل : أن المستأجر يلزمه التصدق بالمال ، ولا يجوز أن يعطيه لمن قام بالعمل المحرم ، ويلزمهما التوبة إلى الله تعالى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102230
العنوان:
عمل المحلِّل الرياضي والسياسي وغيرهما
السؤال:
هناك بمحل عملي من يُدْعون بالمحللين الذين يقومون ببيع آرائهم مقابل الحصول على المال ، فهل هذه المتاجرة بالمواهب العقلية أخلاقية أم أنها تجر إثماً ؟ بما أنه عند إعطاء المحللين أموالاً كافية فإنهم يقومون بقول أي شيء أو التفكير فيه أو القيام به ؟ .
الجواب:
الحمد لله
تختلف نظرة الناس للأحداث من شخص لآخر ، وتتفاوت معلومات الناس من واحد لآخر ، وعلى ضوء المعلومات وفهم واقعها يكون التحليل لتلك المعلومات وذلك الواقع ، وقد كثرت الحاجة لمثل هؤلاء المحللين حتى أنشئت في كثير من الدول معاهد للأبحاث والدراسات ، ومهمتها الاطلاع على المعلومات المتوفرة ، وتحليل معانيها ، وتقدم هذه الدراسات للدول والمؤسسات السياسية – كالوزارات - ، ويستعان بمثل هؤلاء المحللين في القنوات الفضائية لإطلاع المشاهدين على آخر التطورات وتحليل واقعها .
وأما حكم عمل هؤلاء المحللين فإن ذلك يختلف تبعاً لطبيعة المادة التي يعكفون على تجميع معلوماتها وتحليل واقعها ، ويختلف – أيضاً – باختلاف فعلهم من حيث الظن والتخرص ، أو من حيث الجزم بوقوع شيء في المستقبل .
أما الناحية الأولى :
فلا يجوز أن يعمل المسلم كمحلل " رياضي " أو " فني " ، ولا حرج في العمل كمحلل " عسكري " أو " سياسي " أو "اقتصادي".(/1)
أما المحلل الرياضي : فإنه من يتتبع الألعاب الرياضية المختلفة ، ويدقق في أداء أصحابها ، ويجمع معلومات حول اللاعب وناديه وتاريخه ، ثم يخرج ليحلل أداء تلك الفرق ، وأولئك اللاعبين ، وقد عجبنا ممن خرج على الفضائيات واشتهر بتحليلاته الرياضية ، وقد رأيناه أضاع عمره في تتبع المباريات ، وأداء اللاعبين ، وإنه ليذهل السامع والمشاهد لما يسمعه ويشاهده من وفرة معلوماته في المباريات ، والأداءات ، والنجاحات للنوادي واللاعبين ، وكل ذلك في أمور لا تنفعه عند ربه تعالى ، ولا تعلي درجته ، ولا تكفر سيئاته ، ولو أنه استثمر طاقته وجهده في العلم النافع المفيد لصار أعجوبة !
وقل مثل ذلك – بل هو أشد إثماً – في " المحلل الفني " ، وهو الذي يتابع الأفلام أو المسرحيات أو الأغاني – بحسب تخصصه – ثم يبدأ بتحليل نجاح ذلك " الفيلم " أو انتكاس تلك المسرحية ، ويحلل شخصية ذلك " الفنان " وتلك " المغنية " أو " الراقصة " ! فكم سيكتسب مثل هؤلاء من آثام وذنوب مقابل ما يسمعونه ويشاهدونه ؟! ثم يأتي التعظيم والمدح والثناء لأولئك الحثالات الذين فسدوا وأفسدوا ، وضلوا وأضلوا بذكر أحوالهم ، والدعوة للاقتداء بهم ، واتخاذهم مثلاً أعلى !
وأما " المحلل العسكري " و " المحلل السياسي " : فإننا نرى أن الأصل في أعمالهم أنه مباح ، وهم الذين يدرسون تاريخ الدول ، والجيوش ، والمعارك ، ويقفون على حجم القوات العسكرية الغازية ، أو المغزوَّة ، وعلى واقع سياسات الدول وحكامها ، ثم يعطي الواحد منهم نظرته لحقيقة الصراع ، والنصح ، والإرشاد ، وتوقع ما يحصل .
وأما المحلل " المالي " أو " الاقتصادي " فيمكن أن يكون مباحاً إذا لم يكن يثني ويشجع على المساهمة في الشركات والمؤسسات الربوية أو ذات الأعمال المحرمة ، ويحرم إذا كان يشجع على ذلك .
وأما الناحية الثانية :(/2)
ففي الحالات الجائزة للعمل كمحلل : لا يجوز لأحدٍ من أولئك أن يجزم بوقوع حدثٍ معيَّن ؛ وذلك لأن هذا في علم الغيب ، ولا يعدو دوره أن يكون في تحليل واقع الحدث السياسي أو العسكري ، ثم تقديم النصح والتوجيه والإرشاد ، ولا يحل له الجزم بحصول حدثٍ ما في المستقبل ، وما أكثر ما رأينا بعض أولئك وقد جزم بانتصار ذلك الجيش ، أو سقوط ذلك السياسي ، ولم يحدث شيء مما قاله.
والمحلل لا يجوز له أن يعمل وفق نظرة غيره ممن يدفع له المال ، وإلا كان كاذباً ، أو شاهد زور ، فهو يتكلم وفق معلوماته وفهمه لها ، والأصل أن يكون بعيداً عن إملاءات الدول ، أو المؤسسات الداعمة ، أو الفضائيات ، ومن خالف هذا الأصل فإنه فاقد المصداقية ، ولم يعد يخفى على الناس مثل هذا الصنف من المحللين .
فأنت ترى أن المحلل له عمل ضخم يقوم به ، من القراءة ، والاطلاع ، والجمع للمعلومات ، وتحليلها ، ومتابعتها ، فإذا أخذ على ذلك أجراً : فهذا من المباح الحلال ، على أن يلتزم ما ذكرناه من الصدق والأمانة .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
102253
العنوان:
الإمام والمؤذن يتناوبان في أداء الصلاة والأذان معا
السؤال:
سؤالي بارك الله فيكم عن إمام مسجد ومؤذن يقومان بالتناوب لأداء الصلاة في المسجد المكلفان به ، حيث يقوم الإمام بالحضور للأذان والصلاة وقتي العشاء والفجر ، ويقوم المؤذن بالحضور للأذان والصلاة وقتي العصر والمغرب ، ويحضران جميعاً وقت صلاة الظهر ، علماً أن هذا المسجد داخل وحدة عسكرية ، ويكون عدد المصلين كثيرا في وقت الظهر ، أما باقي الأوقات فهم قليل وقليل جداً ، وكذلك لا يوجد بهذا المسجد سكن ، وهناك مسافة بين بيتي الإمام والمؤذن والمسجد حوالي 8 كيلومتر . فما الحكم في ذلك ؟ وما رأيكم في المكافأة التي يأخذانها للإمامة والأذان ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج على من كلِّف بالأذان أو الإمامة أو الإشراف على وقف أن يوكل من يقوم بهذه الأعمال . إذا كانت هناك حاجة لهذا التوكيل ، وكان الوكيل أهلاً للقيام بهذا العمل ، بدون إخلال به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وبكل حال ، فالاستخلاف في مثل هذه الأعمال المشروطة جائز ، ولو نهى الواقف عنه ، إذا كان النائب مثل المستنيب ، ولم يكن في ذلك مفسدة راجحة " انتهى .
نقلا عن المرداوي في "تصحيح الفروع" (7/363) .
وقال ابن حجر الهيتمي فقيه الشافعية في "تحفة المحتاج" (6/373) :(/1)
" اختار السُّبْكِيُّ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ ، وَالتَّدْرِيسِ ، وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الْقَابِلَةِ لِلنِّيَابَةِ , وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ ، إذَا اسْتَنَابَ مَنْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ كُلَّ الْمَعْلُومِ ، وَضَعَّفَ إفْتَاءَ النووي وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا : الْمُسْتَنِيبُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ , وَالنَّائِبُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ..
ثم نقل اعتراض بعض الشافعية على السبكي ، ثم قال :
وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ اسْتِثْنَاءُ النِّيَابَةِ لِمِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ لِعُذْرٍ ، عَمَلًا بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْإِنَابَةِ حِينَئِذٍ " انتهى .
ثانيا :
يتحصل من كلام الفقهاء أن هناك شروطا لجواز النيابة في هذه الأعمال :
1- أن تكون الاستنابة لحاجة اقتضت غياب المستنيب ، وليست عادةً مطردةً ولا ديدنًا دائمًا يُقصد منه التكسب والتربح ، فقد وقع من كثير من الناس أنهم يتولون أكثر من وظيفة ، ثم ينيب عنه في بعض الوظائف من يقوم بها بأجرة أقل ، ليربح هو الباقي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية" : (ص/257) : " ومِن أكلِ المال بالباطل : قومٌ لهم رواتبُ أضعافُ حاجاتهم ، وقومٌ لهم جهاتٌ كثيرةٌ ، معلومُها – يعني راتبها - كثير ، يأخذونه ويستنيبون بيسير " انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله – كما في "مجلة البحوث" (35/99-100) :
يوجد لدينا إمام قد أخذ إمامة ثلاثة مساجد بأسماء أولاده ، وهم خارج المدينة ، وقد جلب عمالا ليؤموا المسلمين في هذه المساجد بالإنابة مقابل نصف الراتب .
فأجاب :(/2)
" هذا العمل غير جائز ، بل هو منكر ، لا يجوز للمسلم أن يكذب على الجهة المسئولة عن الإمامة أو الأذان ، بأن يسمي أئمة أو مؤذنين لا وجود لهم ، ثم يعين على رأيه من يقوم بذلك ، بل يجب عليه أن يوضح الحقيقة للجهة المسئولة ، حتى توافق على الشخص المعين " انتهى.
2- أن يكون العمل مما يقبل النيابة أصلا ، كالإمامة والأذان ، أما القضاء والفتوى فلا تقبل النيابة ، لأنه يُقصد في المفتي أو القاضي الشخص نفسه ، فلا يقوم أحد مقام مَن عَيَّنَه صاحبُ الشأن لتولِّي ذلك العمل .
3- أن يكون النائب صاحب كفاءة وصلاحية لتولي هذا العمل .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين :
أنا مؤذن وأحياناً أوكل غيري بالأذان فهل أعطي الموكل نصيب الوقت الذي قام فيه بالأذان عني؟
الجواب :
أولاً : لماذا توكل وأنت مؤذن موكول إليك الأذان ؟
السائل : للضرورة .
الشيخ : إن كانت ضرورة فلا بأس ، لكن الضرورة يوم أو يومان مثلاً في الشهر ، ولا تعطه شيئاً ، لأن العادة لم تَجْر بذلك ، نعم ؟، لو قال لك : أريد شيئاً فأعطه شيئاً ، مع أنه لا ينبغي له أن يقول : أريد شيئاً ؛ لأن هذه عبادة " انتهى بتصرف.
"لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/234، سؤال رقم/5) :
4- أن يستأذن من المسئولين وأهل المسجد .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إمام مسجد يتخلف عن الصلاة ، ويوكل المؤذن يصلي بالناس فقال : " نسأل هذا الإمام لماذا يتخلف وقد التزم أمام ولي الأمر , أو نائب ولي الأمر , وهو مدير الأوقاف , أن يكون في هذا المسجد ؟
فلا يحل للإمام أن يتخلف فرضاً واحداً إلا بما جرت به العادة , كفرض أو فرضين في الأسبوع , أو إذا كان موظفاً ولا بد أن يغيب في صلاة الظهر فيخبر مدير الأوقاف ويرضى بذلك الجماعة , فلا بأس .
يعني لا بد من ثلاثة أمور , إذا كان يتخلف تخلفاً معتاداً كصلاة الظهر للموظف :
لا بد أن يستأذن من مدير الأوقاف .
ولا بد أن يستأذن من أهل الحي - الجماعة - .(/3)
ولا بد أن يقيم من تكون به الكفاية سواء المؤذن , أو غير المؤذن , لأنه ربما يتقدم من ليس أهلاً للإمامة فهذا إضاعة للأمانة " انتهى .
وبناء على ما سبق ، فيبدو أنه لا حرج على الإمام والمؤذن في الطريقة التي اتفقا عليها لأداء وظيفتيهما في ذلك المسجد ، إذا توفرت في كل منهما الأهلية والكفاءة للأذان والإمامة ، وذلك
لداعي الحاجة بسبب بعد منزليهما مع قلة عدد المصلين ، ولأن المقصود هو إقامة الصلاة بالناس على الوجه المطلوب .
ولكن بعد استئذان المسئولين وأهل المسجد كما سبق .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102260
العنوان:
مذهب الجمهور في مسألة إسبال الثياب
السؤال:
سمعت أن مذهب الجمهور على الكراهة في إسبال الثياب ، بسبب فعل أبي بكر رضي الله عنه ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : لست منهم . أي ممن يفعل ذلك خيلاء .
الجواب:
الحمد لله
إذا أسبل الرجل ثيابه إلى ما تحت الكعبين بقصد الكبر والخيلاء فهذا محرم من غير خلاف بين العلماء ، بل هو من كبائر الذنوب .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (762) ذكر بعض الأحاديث الواردة في تحريم ذلك .
وأما إسبال الثياب بدون قصد الكبر والخيلاء ، فهذا قد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال : التحريم ، والكراهة ، والجواز بلا كراهة .
وجمهور العلماء من المذاهب الأربعة على عدم التحريم ، وهذه بعض أقوال علماء المذاهب في ذلك :
ذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/521)
" أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ارْتَدَى بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ وَكَانَ يَجُرُّهُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ وَلَسْنَا مِنْهُمْ " انتهى .
وانظر "الفتاوى الهندية" (5/333) .
وأما المالكية : فذهب بعضهم إلى التحريم كابن العربي والقرافي .
قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (7/238) :
" لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول : لا أتكبر فيه ؛ لأن النهي تناوله لفظاً ، وتناول علته ، ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكماً فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ ، فإنه مخالفة للشريعة ، ودعوى لا تسلم له ، بل مِن تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعًا " انتهى .
وذهب آخرون منهم إلى الحكم بالكراهة وليس التحريم .
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (3/244) :
" وهذا الحديث يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور ، غير أن جر الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال " انتهى .(/1)
وجاء في "حاشية العدوي" (2/453) :
" َالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ بِدُونِ قَصْدِ الْكِبْرِ : فَمُفَادُ "الْحَطَّابِ" – من علماء المالكية - أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ بَلْ يُكْرَهُ ، ومُفَادُ "الذَّخِيرَةِ" – كتاب للإمام القرافي - : الْحُرْمَةُ .
وَالظَّاهِرُ : أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْكَرَاهَةُ الشَّدِيدَةُ " انتهى .
وأما الشافعية : فصرحوا بأنه لا حرمة إلا بقصد الخيلاء .
قال الإمام الشافعي رحمه الله – كما نقله عنه النووي في "المجموع" (3/177) : " لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء ، فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضى الله عنه وقال له : إن إزاري يسقط من أحد شقي . فقال له : ( لست منهم ) " انتهى .
وقال النووي في "شرح مسلم" (14/62) :
" لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء ، فإن كان لغيرها فهو مكروه ، وظواهر الأحاديث فى تقييدها بالجر خيلاء تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء ، وهكذا نص الشافعى على الفرق " انتهى .
واختار بعض الشافعية – كالذهبي والحافظ ابن حجر – القول بالتحريم .
قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء" (3/234) : رداً على من يسبل إزاره ويقول لا أفعل ذلك خيلاء . قال :
" فتراه يكابر ويبرِّء نفسه الحمقاء ، ويعمد إلى نص مستقل عام ، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء !
ويترخّص بقول الصديق : إنه يا رسول الله ! يسترخي إزاري ، فقال : ( لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء ) !
فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا ، بل كان يشده فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي .(/2)
وقد قال عليه السلام : ( إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين ) ، فمثل هذا في النهي من فصّل سراويل مغطيا لكعابه ، ومنه طول الاكمام زائدا، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس " انتهى .
وأما الحنابلة : فقد نصوا على عدم التحريم .
قال في : "الإقناع" (1/139) :
" ويكره أن يكون ثوب الرجل تحت كعبه بلا حاجة " انتهى باختصار .
وقال ابن قدامة في: "المغني" (2/298) : " ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل ؛ فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم " انتهى .
وقال ابن مفلح "الآداب الشرعية" (3/521) :
" وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ابن تيمية ) عَدَمَ تَحْرِيمِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَرَاهَةٍ وَلَا عَدَمِهَا " انتهى .
وانظر : " شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (361-362) .
وقد اختار الصنعاني رحمه الله التحريم ، وكتب في ذلك كتاباً سماه "استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال" .
والقول بالتحريم هو اختيار أكثر علمائنا المعاصرين : كالشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين والشيخ صالح الفوزان وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء وغيرهم.
ولمعرفة الموقف من المسائل الاجتهادية راجع جواب السؤال رقم (70491)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102261
العنوان:
اختلس أموالا عامة ولا يزال بعضها معه فكيف يتوب ؟
السؤال:
قبل عدة سنوات حصلت وبطرق غير مشروعة عن طريق الرشوة والاختلاس على أموال عامة كثيرة ولقد تبت إلى الله وأريد أن أعرف ماذا أفعل بهذه الأموال لأنه لا يمكن إعادته إلى المسئولين في بلدنا ، لأنهم لصوص ، وبسبب الفضيحة كما لا يخفى عليكم ، علما أن معظم الأشياء التي أملكها في البيت هي تقريبا من هذه الأموال من ذهب وأراضٍ وسيارات وحتى الملابس التي أستعملها والكمبيوتر الذي كتبت منه هذا السؤال بمساعدة أحد الإخوان وأشياء أخرى كثيرة ولقد قمت في مناسبات عديدة بالتجارة بهذه الأموال فزادت ونقصت وصرفت الكثير من هذه الأموال على الزواج لي ولأخي ولابن عمي وعلى أشياء أخرى كثيرة ولكن ليس في الأمور المحرمة وإنما في مصاريف البيت المختلفة وأعطيت منها للناس المحتاجين والأقارب، وهل يجوز لي الاحتفاظ ببعض هذه الأموال لأنني محتاج لذلك لأن المعيشة صعبة والراتب لا يسد كافة المصاريف الشهرية الكثيرة بسبب غلاء المعيشة أفيدوني رجاءً لأنني أعيش في دوامة وأخاف أن أموت قبل أن أتخلص من الذنب العظيم.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الاعتداء على المال العام بسرقة أو نهب ونحوه ، وفاعل ذلك معتد على عموم المسلمين ، لا على الدولة فقط ، ومن أخذ شيئا من هذا فإنه لا يملكه ، والواجب عليه رده إلى بيت المال (خزينة الدولة) ؛ لما روى أحمد (20098) و أبو داود (3561) والترمذي (1266) وابن ماجه (2400) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حسن لغيره .
قال ابن قدامة رحمه الله : " إذا ثبت هذا فمن غصب شيئا لزمه رده إن كان باقيا بغير خلاف نعلمه " المغني (5/38).(/1)
وهذا الرد من تمام التوبة ، فإنه يشترط لصحة التوبة : رد المظالم والحقوق إلى أهلها ، مع الندم والاستغفار والعزم على عدم العود لذلك .
لكن إذا تعذر الرد إلى بيت المال ، فإنه يتصدق بما بقي من المال على الفقراء والمساكين ، وإن كان هو فقيرا جاز أن يأخذ منه قدر حاجته . وأما ما سبق أكله وإنفاقه وصرفه فنرجو أن يعفو الله عنه .
وراجع جواب السؤال رقم (85266) و (81915) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102262
العنوان:
تصوير الأنشطة الطلابية بالفيديو والكاميرا الرقمية
السؤال:
ما حكم التصوير في المدارس بـ ( 1- كاميرا الفيديو 2- والكاميرا الرقمية-التي تتعامل مع جهاز الحاسب مباشرة ) لغرض توثيق العمل ورفعه إلى إدارة التعليم حسب طلبهم .
الجواب:
الحمد لله
يجوز تصوير الأنشطة الطلابية بالفيديو والكاميرا الرقمية المذكورة ، لغرض توثيق العمل وإطلاع الإدارة عليه ، بشرط عدم إخراج هذه الصور على شيء ثابت كالورق .
قال الشيخ ابن عثيمين : " والصُّور بالطُّرُقِ الحديثة قسمان :
الأول : لا يَكُونُ له مَنْظَرٌ ولا مَشْهَد ولا مظهر ، كما ذُكِرَ لِي عن التصوير ، بِأَشرطة الفيديو ، فهذا لا حُكْمَ له إطلاقاً ، ولا يَدْخُل في التحريم مطلقاً ، ولهذا أجازه العلماء الذين يَمْنَعونَ التّصوير على الآلة الفوتوغرافية على الورق ، وقالوا : إن هذا لا بأس به ، حتى إنه قيل : هل يجوز أن تصوَّر المحاضرات التي تلقى في المساجد ؟ فكان الرأي ترك ذلك ، لأنه ربما يشوش على المصلين ، وربما يكون المنظر غير لائق وما أشبه ذلك .
القسم الثاني : التصوير الثابت على الورق ......(/1)
ولكن يبقى النظر إذا أراد الإنسان أن يُصوِّر هذا التصوير المباح فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد ، فإذا قصد به شيء مُحَرَّما فهو حرام ، وإن قصد به شيء واجب كان واجباً . فقد يجب التصوير أحياناً خصوصاً الصور المتحركة ، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبساً بجريمة من الجرائم التي هي من حق العباد كمحاولة أن يقتل ، وما أشبه ذلك ولم نتوصل إلى إثباتها إلا بالتصوير ، كان التصوير حينئذٍ واجباً ، خصوصاً في المسائل التي تضبط القضية تماماً ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد . إذا أجرينا هذا التصوير لإثبات شخصية الإنسان خوفاً من أن يُتَّهم بالجريمة غيره ، فهذا أيضاً لا بأس به بل هو مطلوب ، وإذا صوّرنا الصورة من أجل التمتع إليها فهذا حرام بلا شك " انتهى من "الشرح الممتع" (2/197).
وسئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : ما حكم تصوير وقائع الاحتفالات والمؤتمرات والندوات بالفيديو ؟
فأجاب : " عند رجاء المصلحة العامة في تصوير الحفلة أو الندوة أو المجتمع الإسلامي الذي فيه الدعوة إلى الله ، إذا رؤي في هذا أن المصلحة أكثر وأن هذا التصوير يترتب عليه الخير ونفع الناس .. وانتفاعهم بهذا الحفل أو هذه الندوة فلا حرج في ذلك إن شاء الله " انتهى من "فتاوى إسلامية" (4/367).
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102269
العنوان:
الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة : مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام . وكذلك في الصلاة مثلا : رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام . فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا ؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام .
الجواب:
الحمد لله
دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط ، دعاء حسن لا بأس به ، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً .
ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين :
الأول : اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء .
فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة ، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها ، أو ينقص منها . بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل ، من غير زيادة ولا نقصان .
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى .
ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء ، وقد ورد في ذلك حديث ، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال الحافظ ابن الصلاح :
" لم يصح فيه حديث " انتهى . كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) :
" وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى .
وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء : دعاء الأعضاء لا أصل له"
"الفتوحات الربانية" (2/27-29)(/1)
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) :
" بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه ، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث ، لكنها لا تصح أَبدًا ، بل هي باطلة " انتهى .
وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) :
" هذه كلها لا أصل لها ، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام ، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء ، وإنما المستحب شيئان : أولاً : عند البدء بالتسمية . ثانياً : بعد الفراغ بالشهادة . هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى .
ولا يقال : إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال .
لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها ، وهناك من ينازع فيها . ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف ، وهذا الشرط مفقود هنا . كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) .
وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال .
وانظر جواب السؤال رقم (45730) .
وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء ( بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم ، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء .
ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك .
فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265)(/2)
فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها ، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين ، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : ( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102277
العنوان:
هل يجوز للأطفال أن يرسموا صورا لذوات الأرواح ؟
السؤال:
هل يجوز للأطفال أن يرسموا حيوانات أو كائنات حية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز رسم وتصوير ذوات الأرواح ، سواء كان ذلك نحتا ، أو على ورق ، أو قماش ، أو غيره ؛ لما روى البخاري (2105) ومسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ ، قالت : فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟ قُلْتُ : اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ، وَقَالَ : إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ ).
والنمرقة : الوسادة التي يجلس عليها .
وروى مسلم (2110) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا . فَقَالَ لَهُ : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُ كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ )(/1)
وقَالَ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : " قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء : تَصْوِير صُورَة الْحَيَوَان حَرَام شَدِيد التَّحْرِيم , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر ; لِأَنَّهُ مُتَوَعَّد عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد الْمَذْكُور فِي الْأَحَادِيث , وَسَوَاء صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَن أَوْ بِغَيْرِهِ , فَصَنْعَته حَرَام بِكُلِّ حَال ; لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى , وَسَوَاء مَا كَانَ فِي ثَوْب أَوْ بِسَاط أَوْ دِرْهَم أَوْ دِينَار أَوْ فَلْس أَوْ إِنَاء أَوْ حَائِط أَوْ غَيْرهَا . وَأَمَّا تَصْوِير صُورَة الشَّجَر وَرِحَال الْإِبِل وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَة حَيَوَان فَلَيْسَ بِحِرَامٍ " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح ، سواء كان نحتا أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق أم كان نسيجا ، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز ، وسواء كان الشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جُمِّل أو شُوِّه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي . فمناط التحريم كون ما صُوِّر من ذوات الأرواح ، ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها ، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس . . إلخ، وذلك لعموم النصوص ، ولما فيها من المضاهاة ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى .
ثانيا :
الطفل وإن كان غير مكلف إلا أنه يلزم وليُّه منعه من الحرام ، وزجره عنه ، إنكارا للمنكر ، وتربية للطفل ، وتعويدا له على الخير .(/2)
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ..، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
فعلى ولي الطفل أن ينشّئه على البعد عن تصوير ورسم ذوات الأرواح ، وأن يبين له تحريم ذلك .
وعليه أن يبحث عن بدائل مباحة وهي موجودة والحمد لله ، كرسم الخضروات والفاكهة والأشجار والبحار ..وكل ما ليس له روح .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102281
العنوان:
لا تتمكن من تحريك رأسها بسبب الألم الشديد فكيف تصلي ؟
السؤال:
إحدى الأخوات تسأل وتقول : إنها يأتيها ألم شديد جدا في رأسها إلى حد أنها أكرمكم الله تتقيأ وهي في ذاك الوضع لا تستطيع أن تصلي على أي وضع لعدم قدرتها حتى على رفع رأسها فكيف تصلي إذا حضرت الصلاة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى لأختنا الشفاء والعافية والمعافاة في الدين والدنيا .
ثانيا :
إذا حانت الصلاة وهي تشعر بالألم ، فإنها تؤخر الصلاة إلى آخر الوقت المختار ، رجاء أن تصلي صلاة تامة كاملة ، فإن استمر الألم فإنها تصلي على قدر استطاعتها ، ولو مستلقية .
والأصل في ذلك : قوله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) .
ومن صلى جالسا فإنه ينحني بالركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض من الركوع .
ومن صلى على جنبه الأيمن أو الأيسر ، فإنه يحني رأسه إلى صدره عند الركوع والسجود .
ومن صلى مستلقيا ، جعل رجليه إلى جهة القبلة ، وحنى رأسه إلى صدره عند الركوع والسجود ، فإن عجز - الجالس أو المستلقي - عن تحريك رأسه سقطت عنه الأفعال فقط ، لأنها هي التي كان عاجزا عنها ، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه ؛ لأنه قادر عليها وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16، فنقول : كبر واقرأ ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع ، ثم انو القيام وقل : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، إلى آخره ، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود ، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) " انتهى من "الشرح الممتع" (4/332).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102311
العنوان:
إذا لم ترض زوجته بغيابه عنها أكثر من ستة أشهر
السؤال:
أنا أرسلت إليكم سؤالي وقصتي عن غيابي عن زوجتي لمدة أكثر من 6 أشهر وقلتم لي إذا رضيت الزوجة فلا حرج . فما الحال إن لم ترض زوجتي ؟ ولكن هي مغلوبة على أمرها نظرا لسوء الظروف وأنا ما بيدي حيلة حيث إنني إذا رجعت إليها للعمل في بلادي بجوارها فالعمل لا يكفى لسد المأكل فما بالك بباقي الأشياء التي نحتاجها . فليس أمامي إلا العمل بعيدا عنها ، والفترة ربما تطول إلى 7سنوات أو أكثر وأنا لا أراها إلا شهراً واحداً في العام . فما حكم الإسلام في هذا الموضوع إن لم ترض زوجتي في حالتي الصعبة هذه ؟ وما حكم الإسلام في حالة عدم رضا الزوجة ، والزوج قادر على العودة بجوارها ولكن هو لا يريد العودة لها إلا كل فترات طويلة حبا في المال؟
الجواب:
الحمد لله
إذا لم ترض الزوجة بغياب زوجها أكثر من ستة أشهر رفعت أمرها إلى القاضي ليقوم بمراسلة زوجها وإلزامه بالعودة ، فإن لم يرجع حكم القاضي بما يراه من الطلاق أو الفسخ .
سواء كان سفر الزوج وغيابه بعذر كحاجته إلى المال وعدم وجود عمل له في بلده ، أو كان لغير عذر . بل حبّاً في المال – كما ذكرت في سؤالك .
ولكن الفرق بين حال العذر وعدمه : أن الزوج في حال العذر لا يلزمه الرجوع ، ولا يأثم إذا لم يرجع .
أما في حال عدم العذر فيجب عليه العودة ، ويأثم إذا لم يرجع .
وفي الحالتين للمرأة طلب الطلاق ، دفعاً للضرر الواقع عليها .
ولا يجوز للزوج أن يمسك امرأته مع حصول الضرر عليها . قال الله تعالى : ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) البقرة/231 ، وقال تعالى : ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) الطلاق/2 .(/1)
قال في "كشاف القناع" (5/193) : " ولو سافر الزوج عنها لعذر وحاجةٍ سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره ، للعذر ... وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك ، لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال : بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة وهي تقول :
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله والحيا لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها فقيل له : فلانة زوجها غائب في سبيل الله ، فأرسل إليها امرأة تكون معها ، وبعث إلى زوجها فأقفله (أي أرجعه) ثم دخل على حفصة فقال : بنية كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : سبحان الله ! مثلك يسأل مثلي عن هذا ؟ فقال : لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك. فقالت : خمسة أشهر ستة أشهر ، فوقّت للناس في مغازيهم ستة أشهر ، يسيرون شهرا ، ويقيمون أربعة أشهر ، ويرجعون في شهر .
ومحل لزوم قدومه إن لم يكن له عذر في سفره كطلب علم أو كان في غزو أو حج واجبين أو في طلب رزقٍ يحتاج إليه فلا يلزمه القدوم , لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره ، فيكتب إليه الحاكم ليقدُم . فإن أبى أن يقدم من غير عذرٍ بعد مراسلة الحاكم إليه فسخ الحاكم نكاحه لأنه ترك حقا عليه تتضرر به المرأة " انتهى بتصرف .
وفي "الموسوعة الفقهية" (29/63): " فإذا غاب الزوج عن زوجته مدة بغير عذر , كان لها طلب التفريق منه , فإذا كان تركه بعذر لم يكن لها ذلك [هذا مذهب الحنابلة].
أما المالكية , فقد ذهبوا إلى أن الرجل إذا غاب عن زوجته مدة , كان لها طلب التفريق منه , سواء أكان سفره هذا لعذر أم لغير عذر , لأن حقها في الوطء واجب " انتهى بتصرف .(/2)
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : أنا شاب متغرب ومتزوج والحمد لله ، لكن البلد التي أعمل بها لا تسمح أنظمتها بقدوم الزوجة إلا لبعض الوظائف والرتب ، فما حكم الدين الحنيف في ذلك حيث أن الإجازة تكون بعد كل سنة أو 14 شهر بالضبط ؟
فأجاب : " قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر وبعضهم بنصف سنة ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها ، فإذا مضى عليه نصف سنة وطلبت قدومه وتمكّن لزمه ذلك ، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي ليفسخ النكاح ، فأما إن سمحت له زوجته بالبقاء ولو طالت المدة وزادت عن السنة أو السنتين فلا بأس بذلك فإن الحق لها وقد أسقطته فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه ، وما دام قد أمّن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/212).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل متزوج وله أبناء من زوجته يقول سافرت من وطني لأحسن وضعي وكانت فترة غيابي تقارب ثلاث سنوات مع العلم أني لم أقطع عن زوجتي المصاريف والمراسلة باستمرار فضيلة الشيخ هل لها في الشرع حق وما هو ؟ وهل علي إثم في هذا؟
فأجاب رحمه الله : " أقول إن المرأة لها حق على زوجها أن يستمتع بها وتستمتع به كما جرت به العادة ، وإذا غاب عنها لطلب العيش برضاها وكانت في مكان آمن لا يخشى عليها شيء فإن ذلك لا بأس به ، لأن الحق لها فمتى رضيت بإسقاطها مع كمال الأمن والطمأنينة فلا حرج في تغيبه لمدة ثلاث سنوات أو أقل أو أكثر ، أما إذا طالبت بحضوره فإن هذا يرجع إلى ما لديهم من القضاة يحكمون بما يرونه من شريعة الله عز وجل " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والحاصل : أن غياب الزوج عن زوجته أكثر من ستة أشهر ، إن رضيت به زوجته ، وكان قد تركها في مكان آمن ، فلا إشكال ، وإن لم ترض بذلك ، فلها رفع أمرها للقضاء الشرعي ، ليُنظر في أمرها : هل يعذر زوجها أو يلزم بالعودة ، أو يفسخ النكاح .(/3)
وينبغي للزوج أن يدرك أثر غيابه على زوجته وأولاده ، وأن يؤثر صلاحهم ورعايتهم على جمع المال ، إن كان يجد كفايته في بلده ، فإن مصيبة الدين لا يجبرها شيء ، ولا يعوضها مال ولا متاع ، وكم من البيوت قد فسد شبابها وبناتها بسبب غياب الأب وسفره ، نسأل الله العافية .
ولهذا نوصيك بتقوى الله تعالى ، والحرص على أهلك وأولادك ، وبذل الوسع في توفير شيء من المال لتعود وتستقر في بلدك ، أو تحملهم إليك ، فإن للزوجة حقا ، وللأولاد حقا ، وأنت غدا مسئول أمام الله عن هذه الرعية .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102322
العنوان:
توزيع الأشرطة صدقة عن الميت
السؤال:
هل يجوز توزيع أشرطة دينية في ثواب الميت أثناء العزاء ؟
الجواب:
الحمد لله
توزيع الأشرطة التي تحوي دروس العلم ومحاضرات الخير والهداية هو من الصدقة عن الميت إذا قُصد ثوابُها له ، وهو من أفضل ما يمكن أن يقدمه الأحياء للأموات ، ومما جاءت النصوص الشرعية باعتباره وإثبات وصول ثوابه لمن تصدق عنه .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ) رواه البخاري (1388) ومسلم (1004)
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/126) :
" يلحق الميت من عمل غيره وعمله ثلاث : حج يؤدَّى عنه ، ومال يتصدق به عنه أو يقضى ، ودعاء ... مع أن الله – عز ذكره – واسعٌ لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته " انتهى .
ونقل النووري في "المجموع" (5/293) إجماع المسلمين على أن الصدقة عن الميت تنفعه وتصله .
وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/29) :
" الأئمة اتفقوا على أن الصدقة تصل إلى الميت ، وكذلك العبادات المالية كالعتق " انتهى .
وقال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (7/72-73) :
" وَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ عَنْهُ ، وَمِنْهَا : وَقْفٌ لِمُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ "
وانظر جواب السؤال رقم (42384)
فلا حرج في توزيع هذه الأشرطة صدقة عن الميت أثناء العزاء أو بعده ، لكن بشرط ألا يعتقد أن لخصوص الصدقة في أيام العزاء مزيد فضل ، كما يظن بعض الناس أن الصدقة في أيام العزاء ضرورية لفك وحدة الميت أو رضاه في قبره ونحو ذلك من الاعتقادات الفاسدة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102329
العنوان:
هل لها أن تتعطر إذا خرجت مع زوجها ؟
السؤال:
هل يجوز أن تخرج المرأة من منزلها متعطرة ، مع العلم أنها تخرج مع زوجها ، ولن تمر على الرجال ؟ وهل إذا أصيبت بحادث أو أي أمرٍ طارئٍ هل تأثم إذا شم رائحتها الرجال ؟
الجواب:
استعمال المرأة الطيب له حالات مختلفة ، ويختلف حكمها بحسبها :
الحالة الأولى :
استعماله للزوج .
فهو مستحب مندوب ، لأنه من حسن المعاشرة بالمعروف ، وهو أدعى لزيادة المودة بين الزوجين ، وتأكيد المحبة بينهما ، وذلك حين يعتني كل منهما بما يحبه الآخر .
قال المناوي في "فيض القدير" (3/190) :
" أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب ، قال بعض الكبراء : تزيُّنُ المرأة وتطيُّبُها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما ، وعدم الكراهة والنفرة ؛ لأن العين رائد القلب ، فإذا استحسنت منظرا أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة ، وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة ، ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن : إياك أن تقع عين زوجك على شئ لا يستملحه ، أو يشم منك ما يستقبحه " انتهى .
الحالة الثانية :
وضع الطيب والخروج به بقصد أن يجد ريحَه الرجالُ الأجانبُ فهذا محرم ، بل من كبائر الذنوب .
فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا اسْتَعْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا- يَعْنِي : زَانِيَةً -) رواه أبو داود (4173) والترمذي (2786) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (126) والشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال في "عون المعبود" :
"( لِيَجِدُوا رِيحهَا ) : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَشُمُّوا رِيح عِطْرهَا" انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" (1/355) :(/1)
" ( فهي زانية ) أي : هي بسبب ذلك متعرِّضةٌ للزنا ، ساعيةٌ في أسبابه ، داعيةٌ إلى طلابه ، فسميت لذلك زانيةً مجازا ....فربما غلبت الشهوة ، فوقع الزنا الحقيقي ، ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها " انتهى باختصار.
الحالة الثالثة :
أن تصيب من الطيب والعطر وتخرج ، ويغلب على ظنها أنها ستمر بمجامع يجد فيها الرجال من طيبها وريحها ، فهذا فعلٌ محرم أيضا وإن لم تقصد فتنة الرجال أو لم يكن ذلك في نيتها ، لأن الفعل فتنةٌ في نفسه ، وقد جاء في الشرع أيضا ما يدل على تحريمه والمنع منه .
يقول الله عز وجل : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31
فنهى المرأة عن إبداء زينتها للرجال الأجانب ، والطيب من زينتها ولا شك ، فيدخل في النهي والتحريم .
وعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود قَالَتْ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا ) رواه مسلم (443) .(/2)
فإذا كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن خروج المرأة إلى المسجد بالطيب ؛ لأن الغالب أن الرجال سيجدون من ريحها بسبب قرب المكان وعدم الحواجز بين الرجال والنساء ، فمن باب أولى أن تمنع المرأة التي تخرج إلى الأسواق ومجامع الناس من مس الطيب ، إلا أنه لا يعد من الكبائر ، إنما هو من المحرمات الظاهرة .
قال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/71-72) :
" وينبغي حمله – يعني الأحاديث التي تعده من الكبائر على ما إذا تحققت الفتنة ، أما مع مجرد خشيتها فهو مكروه ، أو مع ظنها فهو حرام غير كبيرة كما هو ظاهر " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (7850) .
الحالة الرابعة :
أن تصيب من العطر والطيب ويغلب على ظنها أن طيبها لن يصل مجامع الناس ، ولن يجد شيئا منه الرجال ، كأن تخرج في سيارة زوجها في رحلة في مكان خلاء ، أو لزيارة أهلها ، أو تخرج في سيارة زوجها لأحد مجامع النساء الخاصة ، أو تخرج إلى المسجد في السيارة وتنزل على باب مصلى النساء المفصول كلية عن الرجال ، ثم ترجع بسيارة مباشرة دون المرور في الطرقات ، ونحو ذلك من الحالات التي لا تتوقع المرأة فيها أبدا مرورها بشيء من طرقات المسلمين ، وكان غرضها من تطيبها هو التنظف العام الذي أمرت به الشريعة ، فلا حرج عليها من استعمال الطيب حينها ، لعدم تحقق علة التحريم التي هي مظنة أن يصيب طيبها الرجال .
والدليل على ذلك :
1- أن علة التحريم الظاهرة من الأدلة السابقة غير متحققة في هذه الحالة ، فليس هناك فتنة ، وليس هناك إثارة للشهوة .
2- وقد جاء في السنة ما يدل على أن نساء الصحابة كن يستعملن الطيب فيما يغلب على ظنهن عدم انتشاره بين الرجال .(/3)
فعن عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ ( نوع من الطيب ) عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا ، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَاهَا )
رواه أبو داود (1830) وحسنه النووي في "المجموع" (7/219) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"
وهو محمول على الحال المعروفة في الزمان الأول ، حيث كانت قوافل النساء مفصولة عن الرجال ، أو تكون المرأة في هودجها لا تختلط بالرجال ولا تمر في أماكنهم .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/40) :
" يجوز لها الطيب إذا كان خروجها إلى مجمع نسائي لا تمر في الطريق على الرجال " انتهى.
وجاء في "جلسات رمضانية" (عام 1415/ المجلس الخامس/مجموعة أسئلة تهم الأسرة) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر الريح عنده ، وستنزل فورا إلى محل عملها بدون أن يكون هناك رجال حولها ، فهذا لا بأس به ، لأنه ليس في هذا محذور ، فهي في سيارتها كأنها في بيتها ، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فلا يحل لها أن تتطيب " انتهى .
فإن حصلت بعض الظروف الطارئة التي أدت إلى شم بعض الرجال طيب هذه المرأة ، بسبب حادث سيارة مثلا ، أو مرض مفاجئ نقلت على إثره إلى المستشفى ونحو ذلك ، فهذا من الأمور المعفو عنها إن شاء الله ، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، والحكم الشرعي يتبع حالات الاختيار لا حالات الاضطرار .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102331
العنوان:
قال لزوجته إن أعدتك للبيت فأنت طالق
السؤال:
زوجي إذا حصل بينا خلاف وطردني من البيت أنا أقوم بحمل أغراضي للذهاب ولكنه لا يريدني أن أذهب فيهددني بالطلاق : إن خرجت أنت طالق ولا أخرج وتكرر هذا 3مرات ، أما الخلاف الأخير فجمعت أغراضي وقلت سوف أخرج من البيت هو قال : أرسلك لأهلك ولكن إن أعدتك للبيت أنت طالق ، يعني أنه لا يريد أن يعيدني للبيت ، وخرجت . سؤالي : ما حكم هذا القول ؟ وهو يريدني أنا وأطفالي لكن خائفة من هذه اليمين هل عليه كفارة؟ أو أن أنتظر أن أجد شخصا آخر يعيدني لبيتي . للعلم أن نيته إن أعادني للبيت فإني طالق لشدة غضبه علي .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
المشروع للمسلم اجتناب استعمال الطلاق فيما يكون بينه وبين أهله من النزاع ، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة . وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق ، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق...وهكذا. وهذا نوع تلاعب بكتاب الله ، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله ، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه ، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق ؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا ، فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ : ( أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلا أَقْتُلُهُ ) قال الحافظ : رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261) .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم ، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : ( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري (2679) . فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل ، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى : ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/89 . ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى : لا تكثروا الحلف بالله .
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل : علي الطلاق أن تفعل كذا أو علي الطلاق ألا تفعل أو إن فعلت فامرأتي طالق أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/753) .
ثانياً :
قول زوجك : إن خرجت فأنت طالق ، أو أرسلك إلى أهلك وإن أعدتك فأنت طالق ، هو من الطلاق المعلق على شرط ، فيرجع فيه إلى نية الزوج ، فإن كان أراد الطلاق وقع الطلاق إذا خرجت ، أو إذا أعادك . وإذا لم ينو الطلاق وإنما نوى منعك من الخروج فقط ، فهذا حكمه حكم اليمين ، فإن خرجت أو أعادك لزمه كفارة يمين ، ولا يقع الطلاق بذلك .(/2)
قال الشيخ ابن عثيمين : " الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين ، لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) التحريم / 1-2 . فجعل الله تعالى التحريم يميناً . ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) ، وهذا لم ينو الطلاق ، وإنما نوى اليمين ، أو نوى معنى اليمين ، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين ، هذا هو القول الراجح " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/754) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن قال لزوجته : علي الطلاق تقومين معي ، ولم تقم معه . فهل يقع بذلك طلاق ؟
فأجابت : " إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق ، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء ، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86) .
ثالثا :
إذا كانت نية زوجك الطلاق ، كما ذكرتِ ، فينظر في نيته بقوله : " إن أعدتك " فإن كان قصده أنه لا يعيدك بنفسه ، لكن لا مانع أن يعيدك غيره أو أن تعودي بمفردك ، فحينئذ ينبغي أن تعودي مع غيره ولا يقع الطلاق بذلك .
وإن كان قصده وقوع الطلاق في كل الأحوال ، سواء أعادك هو أو أعادك غيره ، فإذا عدت وقعت طلقة رجعية – إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية – ، وله مراجعتك أثناء العدة.
رابعا :
إن كان الزوج تكلم بهذا في حال الغضب ، فينظر في درجة هذا الغضب ، كما هو مبين في السؤال رقم (45174) ورقم (82400)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102352
العنوان:
نسخ البرامج والكراك والسيريال
السؤال:
لدي موقع يوجد فيه برامج والحمد لله قمت بإزالة الكراك والسريال منها ولكن يوجد لدي منتدى وفيه أعضاء يشاركون ويقومون بإنزال الكراك والسريال للبرامج , وتتّبعهم لإزالة الكراك والسريال يتعبني جدا حتى إنني لا أستطيع ذلك , فما حكم ترك المجال لهم ، وهل آثم في فعل ذلك ؟ وهل لو وضعت عنوان في أعلى المنتدى أنه ممنوع وضع الكراك والسريال ومن وضعه فليتحمل وزر ذلك فهل يكفيني ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
الحكم في وضع الكراك والسيريال مبني على حكم نسخ البرامج نفسها ، فما جاز نسخه منها جاز وضع الكراك له ، وما منع نسخه منع وضع الكراك أو السيريال له .
وقد بينا حكم نسخ البرامج في أسئلة سابقة ، وهذا حاصل ما ذكرناه :
أولا :
إذا كانت برامج الحاسب قد نص أصحابها ومعدّوها على أن الحقوق محفوظة لهم ، وأنه لا يجوز نسخها نسخا عاما أو خاصا ، فالأصل هو الوفاء لهم بهذا الشرط ، ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : (من سبق إلى مباح فهو أحق به) ، وهذا ما استدل به الشيخ ابن باز رحمه الله في فتواه مع اللجنة الدائمة. انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188).
ويتأكد هذا بأن حق التأليف والاختراع والإنتاج ، وغيرها من الحقوق المادية والمعنوية ، مكفولة لأصحابها ، لا يجوز الاعتداء عليها ، ولا المساس بها ، من غير إذن أصحابها ، ومن ذلك : الأشرطة ، والاسطوانات ، والكتب .
ومما لا شك فيه أن أصحاب الأشرطة والاسطوانات ، قد بذلوا في إعدادها وقتا وجهدا ومالا ، وليس في الشريعة ما يمنعهم من أخذ الربح الناتج عن هذه الأعمال ، فكان المعتدي على حقهم، ظالما لهم .(/1)
ثم إنه لو أبيح الاعتداء على هذه الحقوق ، لزهدت هذه الشركات في الإنتاج والاختراع والابتكار ، لأنها لن تجني عائدا ، بل قد لا تجد ما تدفعه لموظفيها ، ولا شك أن توقف هذه الأعمال قد يمنع خيراً كثيراً عن الناس ، فناسب أن يفتي أهل العلم بتحريم الاعتداء على هذه الحقوق .
ثانيا :
إذا لم يكن هناك نص على منع النسخ الخاص ، فيجوز نسخها بغرض الاستفادة الشخصية ، دون التربح .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذه المسألة :
" يُتبع فيها ما جرى به العُرف ، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينصّ الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام فأرجو أن لا يكون به بأس ، أما إذ نصّ الشخص الذي كتبها أولاً على المنع الخاصّ والعامّ فلا يجوز مطلقا " انتهى.
ثالثا:
ما ذكرناه في الحالتين هو الحكم باعتبار الأصل ، ولكن قد تعرض بعض الحالات التي يجوز فيها النسخ والتصوير بدون إذن أصحابها ، وذلك في حالات :
1- إذا لم تكن موجودة بالأسواق ، فيجوز نسخها ، للحاجة ، وتكون للتوزيع الخيري ، فلا يبيع ولا يربح منها شيئا .
2- إذا اشتدت الحاجة إليها وأصحابها يطلبون أكثر من ثمنها ، وقد استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربح مناسب معقول ، يعرف ذلك كله أهل الخبرة ، فعند ذلك إذا تعلقت بها مصلحة للمسلمين جاز نسخها ، دفعاً للضرر ، بشرط عدم بيعها للاستفادة الشخصية.
3- إذا كانت ملكا لغير معصوم فلا حرج من نسخها ، والمعصوم هو المسلم والذمي والمستأمن ، بخلاف الحربي .
وبناء على ذلك ، فما كان نسخه ممنوعا ، فإنه يلزمك منع رواد المنتدى من وضع روابط لتحميله أو لتحميل الكراك الخاص به ، ولا يكفي وضع إعلان بالمنع ، لأنه منكر تقدر على إزالته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102369
العنوان:
هل يجوز أن تضع مكياجا خفيفا عند مجيء الخاطب لرؤيتها ؟
السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تتجمل بالمساحيق التجميلية (ماكياج خفيف جداً) عند رؤية الخاطب لها ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تبدي زينتها إلا لمن ذكرهم الله تعالى بقوله : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
والخاطب ليس واحدا من هؤلاء ، وإنما أبيح له النظر لأجل الخطبة فقط ، وليس للمرأة أن تتزين له .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يجوز للخاطب أن يرى مخطوبته لكن بشروط :
الشرط الأول : أن يحتاج إلى رؤيتها فإن لم يكن حاجة فالأصل منع نظر الرجل إلى امرأة أجنبية منه ؛ لقوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ).
ثانيا : أن يكون عازما على الخطبة ، فإن كان مترددا فلا ينظر ، لكن إذا عزم فينظر ، ثم إما أن يقدم وإما أن يحجم .(/1)
ثالثا : أن يكون النظر بلا خلوة ، أي يشترط أن يكون معه أحد من محارمها إما أبوها أو أخوها أو عمها أو خالها ، وذلك لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء قالوا : يا رسول الله ، أرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ).
الرابع : أن يغلب على ظنه إجابتها وإجابة أهلها ، فإن كان لا يغلب على ظنه ذلك فإن النظر هنا لا فائدة منه ؛ إذ إنه لا يجاب إلى نكاح هذه المرأة سواء نظر إليها أم لم ينظر إليها .
واشترط بعض العلماء ألا تتحرك شهوته عند النظر وأن يكون قصده مجرد الاستعلام فقط وإذا تحركت شهوته وجب عليه الكف عن النظر ، وذلك لأن المرأة قبل أن يعقد عليها ليست محلاً للتلذذ بالنظر إليها فيجب عليه الكف ، ثم إنه يجب في هذا الحال أن تخرج المرأة إلى الخاطب على وجه معتاد أي لا تخرج متجملة بالثياب ولا محسنة وجهها بأنواع المحاسن ، وذلك لأنها لم تكن إلى الآن زوجة له ، ثم إنها إذا أتت إليه على وجه متجمل لابسة أحسن ثيابها فإن الإنسان قد يقدم على نكاحها نظرا لأنها بهرته في أول مرة ، ثم إذا رجعنا إلى الحقائق فيما بعد وجدنا أن الأمر على خلاف ما واجهها به أول مرة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وأشار رحمه الله في موضع آخر إلى أن هذا قد قد يُنْتِج نتيجة عكسية , فإنه إذا نظر إليها وهي قد تجمَّلت وتحسَّنت , يراها جميلة أكثر مما هي عليه في الواقع ، فحينئذٍ إذا دخل عليها ونظر إليها على حسب الواقع ربما يرغب عنها ويزهد فيها .
والحاصل : أن المرأة إذا جاءها الخاطب أبيح لها أن تكشف عن وجهها ويديها ، وعن رأسها وما يظهر غالبا ، على الراجح ، لكن دون أن تضع شيئا من مساحيق التجميل والزينة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102373
العنوان:
هل إبليس أبٌ للجن كلهم ؟
السؤال:
هل إبليس أب للجن كلهم : الصالحين والشياطين منهم ، أَمْ أَبٌ للشياطين فقط ؟
الجواب:
الحمد لله
الشياطين هم كفار الجن ، قال الله تعالى عن إبليس اللعين : ( إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) الكهف/50 .
وذهب كثير من أهل العلم إلى أن إبليس هو أبو الجن كلهم : مؤمنهم وكافرهم ، فهو أصلهم وهم ذريته : نُقل هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن البصري وغيرهم .
انظر : "تفسير الطبري" (1/507) ، "الدر المنثور" (5/402) .
وروي في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/197) عن معاوية بن الحكم السلمي ، إلا أنه ضعيف جدا ، تفرد به طلحة بن زيد القرشي الذي قال فيه علي بن المديني : كان يضع الحديث . انظر "تهذيب التهذيب" (5/16) .
وقد أطلق شيخ الإسلام على إبليس أنه " أبو الجن " في أكثر من موضع ، انظر "مجموع الفتاوى" (4/235،346) ، وكذا تلميذه ابن القيم ، ثم الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/369) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (9/370-371) - :
" والشيطان هو أبو الجن عند جمعٍ من أهل العلم , وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود لآدم , فطرده الله وأبعده " انتهى .
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين ( الجن والشياطين/سؤال رقم/2) :
" لا شك أن إبليس هو أبو الجن ؛ لقوله تعالى : ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ) . وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة سبحانه وتعالى : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) . وقوله تعالى : ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو ) .(/1)
فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية ، وأن الجن ذريته . ولكن كيف يكون ذلك ؟ هذا ما لا علم لنا به ، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها ، ولا ينفع العلم بها . والله أعلم " انتهى .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (13378) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102374
العنوان:
أحاديث نبوية في ذم الإسراف في الطعام
السؤال:
ما صحة هذين الحديثين لو سمحتم : روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع ؛ فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم ، وضعفت قلوبهم ، وجمحت شهواتهم ) رواه البخاري . ولقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نأكل كل ما تشتهيه الأنفس ؛ فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من الإسراف أن تأكل ما اشتهيت ) رواه ابن ماجه . وهل هناك في الشرع شيء ينهى أن يسرف المسلم في أكله ، أو أن لا يستطيع التحكم في أكله ويأكل في كل وقت وحين ؟ حديث أو آية أو كتاب ممكن أن تنصحون به ينهى المسلم عن هذه الأمور ، أو يكلمنا عن هدي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، عن أكله ومطعمه . جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
شهوة البطن من أعظم المهلكات ، وسببُ كثيرٍ من الآفات والأمراض القلبية والبدنية ، إذ تتبعها شهوة الفرج ، ثم الرغبة في الجاه والمال لتحقيق هاتين الشهوتين ، ويتولد من ذلك من أمراض القلوب الرياء والحسد والتفاخر والكبر بسبب الانشغال بالدنيا ، وغالبا ما يدفعه ذلك إلى المنكر والفحشاء ، كله بسبب هذه الشهوة ، وقد قالت العرب قديما : المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء .
يقول الله عز وجل : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31
وفي السنة النبوية من الحث على الاعتدال في الطعام ، وذم الإسراف الشيء الكثير :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2265)(/1)
وعَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَأَكَلَ كَثِيرًا ، فَقَالَ : يَا نَافِعُ ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ) رواه البخاري (5393) ومسلم (2060)
يقول النووي في شرح هذا الحديث (14/25) :
" قال العلماء : ومقصود الحديث التقليل من الدنيا ، والحث على الزهد فيها والقناعة ، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل ، وكثرة الأكل بضده ، وأما قول ابن عمر فى المسكين الذى أكل عنده كثيرا : " لا يدخلن هذا علي " ، فإنما قال هذا لأنه أشبه الكفار ، ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة ؛ ولأن القدر الذى يأكله هذا يمكن أن يسد به خلة جماعة " انتهى .
وقد سبق في موقعنا ذكر أحاديث أخرى في هذا الباب ، فانظر سؤال رقم (71173)
ثانيا :
يلخص لنا ابن القيم رحمه الله تعالى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطعام والشراب ، ويستخلصه من الأحاديث الصحيحة ، فيقول – كما في "زاد المعاد" (1/147) -:(/2)
" وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم وسيرتُه في الطعام ، لا يردُّ موجوداً ، ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافَه نفسُه ، فيتركَه من غير تحريم ، وما عاب طعاماً قطُّ ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه ، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ، ولم يحرمه على الأمة ، وأكل الحلوى والعسل ، وكان يُحبهما ، وأكل لحم الجزور ، والضأن ، والدجاج ، ولحم الحُبارى ، ولحم حِمار الوحش ، والأرنب ، وطعام البحر ، وأكل الشواء ، وأكل الرُّطبَ والتمرَ... ولم يكن يردُّ طَيِّباً ، ولا يتكلفه ، بل كان هديه أكلَ ما تيسر ، فإن أعوزه صَبَرَ حتى إنه ليربِطُ على بطنه الحجر من الجوع ، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوقد في بيته نارٌ " انتهى باختصار .
ثالثا :
ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف ، ومنها :
1- صفاءُ القلبِ وإيقادُ القريحة وإنفاذ البصيرة ، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب ، ولهذا جاءَ في الحكمة ( مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه ) .
2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفرحِ والأشرِ ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى .
3- أن لا ينسى بلاءَ الله وعذابه ، ولا ينسى أهلَ البلاء ، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع ، والعبدُ الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة .
4- من أكبر الفوائد : كسرُ شهواتِ المعاصي كلّها ، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء ، فإنَّ منشأَ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقوى ، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة . قال ذو النون : ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية .(/3)
5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر ، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا ، ومن كثر شربُه كثرَ نومه ، وفي كثرةِ النومِ ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القلب ، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ ، وهو رأسُ مالِ العبدِ ، فيه يتجر ، والنومُ موت ، فتكثيره يُنقِصُ العمر .
6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض ، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة ، وقد قالَ الأطباء : البِطْنةُ أصلُ الداء ، والحِميةُ أصلُ الدواء .
" ملخصة من إحياء علوم الدين (3/104-109) "
رابعا :
أما الأحاديث المذكورة في السؤال فلم يصح منها شيء :
الحديث الأول :
قالت عائشة رضي الله عنها : ( إن أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد قضاء نبيها صلى الله عليه وسلم : الشبع ، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم ، فتصعبت قلوبهم ، وجمحت شهواتهم ) رواه البخاري في "الضعفاء" – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/335) - ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (رقم/22)
من طريق غسان بن عبيد الأزدي الموصلي ، قال : حدثنا حمزة البصري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة به .
قلت : وهذا السند ضعيف جدا بسبب غسان بن عبيد ، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (4/418) : " قال أحمد بن حنبل : كتبنا عنه ، قدم علينا ههنا ثم حرقت حديثه . قال ابن عدي : الضعف على حديثه بين . – وفي رواية عن يحيى بن معين - ضعيف ...- ثم عد حديث عائشة الذي معنا من مناكيره – " انتهى بتصرف .
ولذلك قال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1239) : " منكر موقوف " انتهى .(/4)
تنبيه : جاء في السؤال نسبة هذا الحديث إلى البخاري ، وهذا خطأ كبير ؛ لأن إطلاق القول بـ : " رواه البخاري " ، ينصرف عادة إلى الصحيح ، والبخاري له كتب أخرى كثيرة ، يروي فيها الأحاديث بأسانيده ، ولا يشترط فيها الصحة ، منها كتاب "الضعفاء الصغير" وهو مطبوع ، وله كتاب "الضعفاء الكبير" : ذكره ابن النديم وبروكلمان في "تاريخ الأدب" (ص/65) وأنه ما زال مخطوطا في مكتبة "بتنة" في الهند ؛ فإذا قدر أن البخاري روى حديثا في شيء من كتبه ، سوى الصحيح الذي هو أعظم دواوين الإسلام ، فينبغي أن يبين عند نسبة الحديث : رواه البخاري في التاريخ ، أو : في الضفعاء ، أو في الأدب المفرد .. ، مثلا ، ثم يبحث في سند الحديث : هل هو صحيح أو لا ، كما هو الحال في الكتب الأخرى .
وحديث عائشة هذا لعله في "الضعفاء الكبير" ، فقد بحثنا عنه في "الصغير" فلم أجده ، كما أن الضعفاء الصغير نادرا ما يذكر فيه الأحاديث والأسانيد . والله أعلم .
الحديث الثاني :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ ) رواه ابن ماجه (3352) وأبو يعلى في "المسند" (5/154) وأبو نعيم في "الحلية" (10/213) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/46) وغيرهم من طرق عن بقية بن الوليد حدثنا يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس مرفوعا .
وهذا السند ضعيف جدا ، فيه عدة علل ، منها :
1- يوسف بن أبي كثير : قال عنه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (11/421) : " أحد شيوخ بقية الذين لا يعرفون " انتهى .
2- نوح بن ذكوان : منكر الحديث : جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/484) :(/5)
" قال ابن عدي : أحاديثه غير محفوظة . وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا ، يجب التنكب عن حديثه ... وقال أبو نعيم : روى عن الحسن المعضلات ، وله صحيفة عن الحسن عن أنس : لا شىء " انتهى باختصار.
ولذلك ضعف الحديث غير واحد من أهل العلم : ابن حبان في "المجروحين" (3/47) ، وابن عدي في "الكامل" (8/299) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/182) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/188) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (515) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/241) : موضوع .
وفيما سبق من الأحاديث الصحيحة غنى عن هذين الحديثين الضعيفين ، ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليرجع إلى كتاب : " الجوع " لابن أبي الدنيا ، و "مختصر منهاج القاصدين " لابن قدامة ، "زاد المعاد" لابن القيم ، و "شرح رياض الصالحين" للشيخ ابن عثيمين .
وانظر جواب السؤال رقم (6503)
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
102377
العنوان:
هل يثبت لله تعالى صفة التردد ؟
السؤال:
ما معنى كلمة (وما ترددت في شيء أنا فاعله) في الحديث القدسي وهل يتردد ربنا سبحانه وتعالى ؟ وكيف نرد على من ينفى صحة أن الله سبحانه وتعالى يتردد؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).
فالتردد الوارد في الحديث هو التردد في قبض نفس المؤمن ، رحمةً وشفقةً عليه ، ومحبةً له ؛ لأنه يكره الموت ، وربه سبحانه يكره مساءته .
وليس هذا كتردد المخلوق الناشئ عن الشك في القدرة ، أو في المصلحة .
ولهذا يجب أن يقيد وصف الله بالتردد بقولنا : التردد في قبض نفس المؤمن ، فهذا هو الوارد في النص ، ولا يوصف الله تعالى بالتردد المطلق الذي يشمل أنواعا من العجز والنقص التي لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ورد في حديث: (من عادى لي ولياً) في نهاية الحديث يقول الله عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) فهل في هذا إثبات صفة التردد لله عز وجل؟ أو كيف التوفيق في هذا الأمر؟(/1)
فأجاب : " إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز؛ لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: ( ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن )، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة ، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء ، بل هو من أجل الرحمة بهذا العبد المؤمن ، ولهذا قال في نفس الحديث: ( يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد منه )، وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد؛ إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه؛ أي: هل يقدر أو لا يقدر، أما الرب عز وجل فلا " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (59/12).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟
فأجاب : " هذا حديث شريف ، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء ، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة ، وقالوا : إنَّ الله لا يوصف بالتردد ، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور ، والله أعلم بالعواقب ، وربما قال بعضهم : إنَّ الله يعامل معاملة المتردد .(/2)
والتحقيق : أنَّ كلام رسوله حق ، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ، ولا أنصح للأمة منه ، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه ، فإذا كان كذلك ؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً ، بل يجب تأديبه وتعزيره ، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة ، ولكن المتردد منا ، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه لا يعلم عاقبة الأمور ؛ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا ؛ فإن الله ليس كمثله شيء ؛ لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، ثم هذا باطل ؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب ، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد ، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ، ويكرهه لما فيه من المفسدة ، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه ؛ كما قيل :
الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ فاعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُ
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه ، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب ، وفي الصحيح : ( حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره ) ، وقال تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث ؛ فإنه قال : ( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) ؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له ، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها ، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها ، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق ، فأحبه الحق ...(/3)
والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه ، .....والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت ، فكل ما قضى به ؛ فهو يريده ، ولا بد منه ؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه ، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده ، وهي المساءة التي تحصل له بالموت ، فصار الموت مراداً للحق من وجه ، مكروهاً له من وجه ، وهذا حقيقة التردد ، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين ، كما ترجح إرادة الموت ، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده ، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/129) باختصار .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102403
العنوان:
هل يجب التصدق بملابس الميت
السؤال:
هل صحيح ما يقوله الناس إذا توفي الميت يجب التصدق بجميع ملابسه ومستلزماته قبل اليوم الثالث من موته ؟ وماذا نفعل بملابس الميت وأدواته اليومية ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا القول غير صحيح ، بل ملابس الميت ومستلزماته تدخل في جملة تركته ، ويستحقها ورثته ، ولهم استعمالها أو بيعها ، ولا يجب عليهم التصدق بها ، لكن إن اختاروا أن يتصدقوا بها ابتغاء الأجر ، فهذا لهم ، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين ، وأما الصغير فليس لأحد أن يتصدق بنصيبه من هذه الأشياء أو غيرها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز لأهل الميت أن يستخدموا ملابس الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب وفرش وكتب وأدوات كتابة وماصة ( منضدة ) وكرسي كل شيء حتى شماغه وغترته التي عليه ، تنتقل إلى الورثة ، وإذا انتقلت إلى الورثة فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم ، فلو قالوا - أي الورثة - وهم مرشدون : ثياب الميت لواحد منهم ، ولبسها ، فلا بأس . ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها فلا بأس ، ولو اتفقوا على أن يبيعوها فلا بأس ، هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : هل يجوز الاحتفاظ بملابس الميت وإن لم يكن ذلك جائزًا فما هو الأفضل أن يفعل بها ؟
فأجاب : " يجوز الانتفاع بملابس الميت لمن يلبسها من أسرته ، أو أن تعطى لمن يلبسها من المحتاجين ولا تهدر ، وعلى كل حال هي من التركة إذا كانت ذات قيمة فإنها تصبح من التركة تلحق بتركته وتكون للورثة . والاحتفاظ بها للذكرى لا يجوز ولا ينبغي ، وقد يحرم إذا كان القصد منها التبرك بهذه الثياب ، وما أشبه ذلك ، ثم أيضًا هذا إهدار للمال ، لأن المال ينتفع به ، ولا يجعل محبوسًا لا ينتفع به " انتهى من "المنتقى" (2/271).(/1)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102408
العنوان:
حكم تخصيص جزء من التركة لكفالة أيتام
السؤال:
هل يجوز أن أخصص جزءا من التركة في كفالة أيتام مع موافقة جميع الورثة؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن كفالة اليتيم من أعمال البر العظيمة ، وخصال الخير الحميدة ، التي أمر الله تعالى بها في كتابه ، وحث عليها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته ، كما سبق بيانه في جواب رقم (47061)
ويجوز للورثة أن يخصصوا جزءا من التركة لهذا الغرض العظيم ، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين ، وأما الصغير منهم فلا يجوز التبرع بشيء من ماله ولو أذن ؛ لأن إذنه غير معتبر.
فإذا كان في الورثة صغار ، جاز للبالغين الراشدين فقط أن يتبرعوا بشيء من نصيبهم لكفالة الأيتام .
ومن تبرع بشيء من مال الصغير ، فإنه يلزم بدفعه للصغير من ماله الخاص .
قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/175) : " وحرم تصرف ولي صغير إلا بما فيه حظٌّ للمحجور عليه لقوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، وإذا تبرع الولي بصدقة أو هبة أو حابى بأن باع من مال موليه بأنقص من ثمنه ، أو اشترى له بأزيد ، ضمن ما تبرع به وما حابى به " انتهى مختصرا .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تنازل الورثة لأحد إخوانهم بقطعة أرض ليبني عليها مسكنا .
فأجاب : " إذا كان الورثة كلهم بالغين مرشدين فلا بأس أن يتنازلوا عن قطعة أرض لأحد إخوانهم ، وأما إذا كان فيهم قصار فلا يجوز أن يتنازل أحدٌ فيما يختص بهؤلاء الصغار أي أن نصيبهم من التركة يجب أن لا يؤخذ منه شيء ، أما لو تنازل أحد الكبار المرشدين عن نصيبه لأخيه فهذا لا بأس به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102415
العنوان:
حكم تبسم المرأة لمسلمي الجاليات من الرجال تأليفا لهم
السؤال:
ما حكم تبسم المرأة لأحد مسلمي الجاليات من الرجال بغرض إشعارهم بأنهم منا ونحن منهم لأن البعض يضطهدهم وما حكم تبسم المرأة للرجل أو العكس عموما ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب ، لأدلة كثيرة سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (11774) ، وعلى هذا لا يتأتّى لها هذا التبسم أصلا .
ثانيا :
دلت الأدلة الشرعية الكثيرة على منع ما يفضي إلى فتنة الرجل بالمرأة أو العكس ، ومن ذلك منع المصافحة ، والخلوة ، والخضوع بالقول ، وخروج المرأة متعطرة بحيث يشم ريحها ، ومنع نظر الرجل إلى المرأة ، ومنع نظر المرأة إلى الرجل إذا كان بشهوة .
وينظر جواب السؤال رقم (84089) للوقوف على أدلة ذلك .(/1)
وتبسم المرأة في وجه الرجل لحصول الغرض الذي ذكرت من التأليف والإحسان ، يقتضي نظر كل منهما للآخر ، وهو منهي عنه ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/30، 31
وهذا التبسم قد يُحدث في القلب أثرا لا يقل عن أثر الخضوع بالقول ، فتحصل الفتنة التي حذر الله منها بقوله : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32 .
وقد سئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" : ما حكم المرأة التي تبتسم أمام أجنبي ، ولكن بدون إظهار أسنانها فقط وبدون صوت؟
فأجابت : " يحرم على المرأة أن تكشف وجهها وأن تبتسم للرجل الأجنبي ؛ لما يفضي إليه ذلك من الشر. وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .(/2)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي .. عبد الله بن غديان " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/25).
وأما مسلمو الجاليات الذين ذكرت ، فإنه ينبغي للمسلمين إكرامهم وتأليفهم والعناية بهم ، دون الوقوع في شيء محظور ، فالرجال يتولّون الرجال ، والنساء يعتنين بالنساء ، وستجدين كثيرا من المسلمات من هؤلاء يحتجن إلى رعايتك وإحسانك .
زادنا الله وإياك توفيقا وسدادا .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102418
العنوان:
بعض المنتديات قد يسبب فتنة بين الجنسين
السؤال:
يوجد في العادة في المنتديات الإسلامية قسم يسمى "قسم الاستراحة" تجمع فيه فوائد الطرائف والشوارد والنوادر وهدفه إدخال السرور للنفس يشارك فيه إخوة أفاضل وأخوات فاضلات نحسبهم على خير ولا نزكي على الله أحدا . لاحظنا في هذه المنتديات وبالتحديد في هذا القسم أنه قد بدأ الاختلاط ببعض الردود واستخدام عبارات مثل "هههه" " وأضحك الله سنك " بين الطرفين . بالإضافة إلى بعض الصور المضحكة التي لا تخالف الشرع كصور أطفال في مواقف مضحكة أو صور طبيعية فيها ما يضحك تكون مدرجة في المشاركات واستخدام الوجوه التعبيرية أيضا في الردود أو العناوين وكذلك نوعية المواضيع التي تطرح ؛ ورأينا أنه يمكن أن يصبح باباً للفتنة والاختلاط . نقترح ضبط هذا القسم في هذه المنتديات بحيث يحقق الهدف وهو إدخال السرور للنفس كأن يقتصر القسم على الإخوة فقط دون الأخوات مع إمكانية اطلاع الأخوات على القسم والمشاركات لكن بدون أن تشارك فيه بموضوع أو رد على مشاركة ، فقط يمكنها القراءة . مع العلم أننا لا نعرف بالتحديد هل الكل أخوات أم لا ؟ لأن العلاقة تكون عبر الإنترنت ومن خلال الاسم فقط. فهل يوجد طريقة نستطيع بها ضبط هذا القسم في هذه المنتديات سواء بإلزام المشاركين بمواضيع معينة أو ردود معينة على المواضيع أو تحديد جنس دون آخر للاشتراك به ، مع العلم أن الكل يستطيع قراءة المواضيع بالإضافة للضيوف غير المسجلين في الموقع ؛ والهدف منه إدخال السرور على النفس ، يعني هل يوجد في ديننا الإسلامي بهذا التجمع الطيب من أخوة أفاضل وأخوات فضليات مواضيع معينة يمكن أن تفيدونا بها حفظكم الله بحيث يمكن أن نشارك بها ونحقق الهدف وهو إدخال السرور للنفس ؟ أم انه باب للفتنة والأولى سده؟ فما هو توجيهكم لنا
الجواب:
الحمد لله(/1)
الغالب على ما يسمى بمنتديات الاستراحة التساهل وعدم الانضباط في التعليق والتعبير ، وإذا كان المنتدى يشارك فيه الرجال والنساء ، كان هذا بابا للفتنة ولا شك ، فيقع الإعجاب والتعلق ، ثم محاولة التواصل عبر البريد وغيره ، ولهذا نرى سد هذا الباب بأن يجعل منتدى الاستراحة مقصورا على الرجال ، وأن يجعل للنساء منتدى خاصا بهم لهذا الغرض ، إن وجدن حاجة إليه .
ومَنْ احتال من المشاركين الرجال في المنتدى ودخل على أنه امرأة أو العكس ، فإثم ذلك الكذب عليه وحده ، وأما أنتم فلا حرج عليكم إن شاء الله تعالى ما دمتم قد أعلنتم إعلاناً واضحاً : أنه لا يُسمح للنساء بالمشاركة في منتدى الرجال ، وكذلك لا يُسمح للرجال بالمشاركة في منتدى النساء .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
102449
العنوان:
كيف يعرف أوقات الصلاة وهو في الطائرة ؟
السؤال:
رجل سيسافر بالطائرة من الدمام إلى اليابان في رحلة جوية تستمر لمدة 12 ساعة إن شاء الله فكيف يقوم بتحديد أوقات الصلوات وهو في الجو ؟
الجواب:
الحمد لله
المسافر بالطائرة ، يصلي إذا دخل وقت الصلاة ، وهذا يمكن معرفته بالمشاهدة بالنسبة لوقت المغرب والعشاء والفجر ، فإذا غربت الشمس فقد دخل وقت المغرب ، وإذا غاب الشفق الأحمر فقد دخل وقت العشاء ، وإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الفجر .
وأما الظهر والعصر ، فيمكنك أداؤهما بالاجتهاد والتحري ، فإذا عرفت وقتهما في البلد التي تطير فوقها ، فإنك تؤخر الصلاة عن ذلك مدة ، ثم تصلي ؛ لأن الوقت في العلو والطيران ليس كالوقت على الأرض . ولك أن تجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك .
كما يمكنك سؤال قائد الطائرة ، فقد يكون لديه من الأجهزة ما يمكّنه من تحديد أوقات الصلوات في الجو .
ولمعرفة أوقات الصلوات – على الأرض - في أكثر بلدان العالم ، مع بيان خطوط الطول والعرض واتجاه القبلة ، يمكنك زيارة موقع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية :
http://prayer.al-islam.com/default.asp?l=Arb
وطباعة أوقات الصلوات في البلاد التي ستزورها ، والتي ستمر عليها في رحلتك أيضا .
واعلم أن من خفي عليه الوقت ، فاجتهد قدر وسعه ، وصلى ، فصلاته صحيحة ، إلا إذا تبين له أنه صلى قبل الوقت ، فيعيد ، وأما إذا لم يتبين له شيء ، فلا شيء عليه .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102453
العنوان:
حكم تسمية الفتاة بـ (تولين)
السؤال:
ما حكم تسمية المولودة (فتاة) باسم ( تولين )؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي تسمية الأولاد بالأسماء الحسنة ، ذات المعاني الفاضلة ، فالأسماء قوالب المعاني ، ولكل إنسان نصيب من اسمه .
ومن الأسماء الحسنة : أسماء أمهات المؤمنين كخديجة وعائشة وزينب ، وأسماء الصحابيات الفضليات كفاطمة وأسماء ، وينظر جواب السؤال رقم (14622) و (101401) .
وأما التسمية بأسماء الكفار ، فأقل أحوالها الكراهة ، لما تدعو إليه من تعظيم الكافر ، وربما جرت إلى التشبه به ومحاكاته ، كمن يسمي بنته ديانا مثلا .
والاسم الذي ذكرت ، لا نعرف معناه ، ولا نرى أن تُسمى به الفتاة ، بل يُختار لها اسم حسن يدل على كونها مسلمة ، ولا يتحرج أبناؤها وبناتها فيما بعد من ذكره .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102494
العنوان:
هل يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها أخوها في بلدها ؟
السؤال:
أعيش أنا وزوجتي وأولادي في فرنسا لأسباب ما ، لا أستطيع زيارة العائلة في بلدي هذا الصيف ، ولكن زوجتي مصرة على الذهاب وحدها مع الأولاد (3 سنوات وسنة ونصف) رغم علمها بعدم جواز ذلك متعللة بصلة الرحم . 1- هل إذا أوصلتها إلى المطار وكان بانتظارها أخوها .هل هذا جائز؟ 2- ماذا علي أن أعمل إذا أصرت على الذهاب ؟ مع العلم أني بإمكاني منعها ولكن سيؤدي إلي وقوع بعض المشاكل
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم ، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك ، والدليل على ذلك ما يلي :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا ) رواه البخاري ( 1862 ).
وروى مسلم ( 1339 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر .
2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة ، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها ، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها ، ويخرجها عن طبيعتها ، في حال غياب محرمها ، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل .(/1)
وأيضا : سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر ، لاسيما مع كثرة الفساد ، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله ، ولا يتقيه ، فيزين لها الحرام . فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها ؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها ، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة .
قال النووي رحمه الله : " فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم " اهـ.
وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم ، إلا في مسائل مستثناة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قال البغوي : لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض ( الحج الواجب ) إلا مع زوج أو محرم ، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت . وزاد غيره : أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76).
وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم ، اختلف العلماء في جوازه ، والصحيح من أقوال العلماء : أنه لا يجوز ، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34380)
ولا يكفي ما ذكرت من إيصال الزوجة إلى المطار واستقبال أخيها لها في البلد الآخر ، بل لابد من مرافقة الزوج أو المحرم لها طول السفر .
وعلى الزوجة أن تطيع زوجها ، لا سيما إذا كان يأمرها بما هو طاعة لله تعالى ، وينهاها عما هو معصية له سبحانه .
وعليك أن تبين لها الحكم الشرعي ، وأن المؤمن ليس له اختيار مع حكم الله تعالى أو حكم رسوله .
قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36 .(/2)
وقال تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51 .
وليكن ذلك بالرفق واللين ، دون الشدة والعنف .
ونسأل الله لكما التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102504
العنوان:
لم تكن تعلم أن المذي ينقض الوضوء فهل تعيد الصلوات ؟
السؤال:
هل تأثم المرأة في تفكيرها الجنسي قبل الزواج ؟ وهل تأثم بإنزال المذي ؟ لأنها تتأثر من أدنى شيء أرجو سرعة الرد فأنا قلقة ، لم أكن أعلم أن هناك شيئاً اسمه مذي ، ولم أكن أجدد وضوئي عند الإنزال .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا تأثم المرأة بمجرد التفكير الجنسي ، ما لم يصحبه عمل أو نظر ، أو يتحول إلى عزم وإرادة جازمة ، وذلك لما جاء من العفو عن حديث النفس ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ ) رواه البخاري ( 2528 ) ومسلم ( 127 ) .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث : " وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه : فمعفو عنه باتفاق العلماء ؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه " انتهى من "الأذكار" ( ص 345 ) .
وقال : " وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه ، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه ، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ".
ولاشك أن الاسترسال في هذه الخواطر والأفكار ، قد يفضي إلى الحرام ، طلبا لتفريغ الشهوة ، قيقع الإنسان في الاستمناء ، أو تتبع الصور المحرمة ، أو غير ذلك .
ولهذا ينبغي أن تدعي التفكير في هذه الأمور ، وأن تصرفي ذهنك عنها ، وأن تشغلي نفسك بطاعة الله تعالى ، وما ينفعك في أمور دينك ودنياك .
وانظر جواب السؤال رقم (20161)
ثانيا :
المذي يخرج عادة عند ثوران الشهوة ، وهو نجس ناقض للوضوء ، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورشّ الثوب بالماء .
وينظر جواب السؤال رقم (2458) و (99507) .
وإذا خرج المذي لمجرد التفكير العابر ، لم يأثم صاحبه .
ثالثا :(/1)
إذا كنت تجهلين أمر المذي ، وكونه ناقضا للوضوء ، وكنت تصلين بعض الصلوات مع وجوده ، فإن صلاتك صحيحة على القول الراجح ، لكونك معذورة بالجهل .
وهكذا من جهل بعض نواقض الوضوء ، كمن جهل أن لحم الإبل ينقض الوضوء ، ثم صلى ، فإن صلاته صحيحة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص ، مثل : أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء ، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص : فهل عليه إعادة ما مضى ؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد .
ونظيره : أن يمس ذَكَره ويصلى ، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر .
والصحيح في جميع هذه المسائل : عدم وجوب الإعادة ؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان ؛ ولأنه قال : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ : لم يثبت حكم وجوبه عليه ، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما ، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي ، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء ، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء .
ومن هذا الباب : المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها ، ففي وجوب القضاء عليها قولان ، أحدهما : لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره - ؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام ) أمرها بما يجب في المستقبل ، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 21 / 101).
نسأل الله لك التوفيق والسداد ، والعفة والإحصان .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102505
العنوان:
الجمع بين الصلاتين في الحضر
السؤال:
أنا مقيم في بريطانيا وأصلي في مسجد قريب من سكني ولكن جماعة هذا المسجد يجمعون صلاتي المغرب والعشاء في وقت المغرب ، والعذر : أن الفترة التي بين صلاة العشاء والفجر قصيرة ، ولا تكفي للراحة ، علما بأن إمام المسجد يستدل بأن النبي عليه الصلاة والسلام من مرويات ابن عباس قد جمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة وبدون عذر.
الجواب:
الحمد لله
النصوص الشرعية واضحة في وجوب أداء الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة ، وعدم جواز الجمع بين الظهر والعصر ، ولا بين المغرب والعشاء ، إلا لعذر كالمرض أو السفر أو المطر ونحو ذلك مما يشق معه أداء كل صلاة في وقتها ، قال تعالى : (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة.
انظر : "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (3/7-8) .
وروى ابن أبي شيبة (2/346) عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا : (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) .
وأما ما رواه مسلم (1/489) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر ولا مطر) فليس فيه أنه جمع بين الصلاتين من غير عذر ، بل فيه : قيل لابن عباس : (ما حمله على ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته). أي : لا يوقعها في حرج وضيق ، وهذا يدل على أن هناك عذراً للجمع في هذا الحديث ، ولولا هذا الجمع لوقع الناس في الحرج .(/1)
قال العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على "فتح الباري" (2/24): "الصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك ، ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال : (لئلا يحرج أمته) وهو جواب عظيم سديد شاف" انتهى.
وعلى هذا ، فاستدلال هؤلاء بهذا الحديث ، استدلال في غير موضعه ، والواجب أداء كل صلاة في وقتها المحدد شرعا ، فإن وجد عذر للجمع كمرض أو مطر فلا حرج من الجمع حينئذ .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102507
العنوان:
حكم إدخال قائمة الأثاث في المهر
السؤال:
ما حكم مشروعية ما يسمى بالقائمة في شروط الزواج ؟ وهل هي تحل محل المهر ؟ وما يجب كتابته في هذه القائمة ؟ هل كل ما يدخل الشقة أم ماذا ؟ أريد الإجابة أرجوكم في أسرع وقت ممكن لأن زواجي يتوقف على هذه القائمة ومن المحتمل أن يفشل بسبب هذه القائمة ومحتوياتها.
الجواب:
الحمد لله
المهر أو الصداق لا بد منه في النكاح ؛ لقوله تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء/4 . و(نِحلة ) : أي فريضة .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ) رواه البخاري (5121) ومسلم (1425).
والناس يختلفون في المهر بحسب الأعراف ، فمنهم من يجعل المهر نقودا ، ومنهم من يقدم ذهبا ، ومنهم من يجعله مكونا من ثلاثة أشياء : ذهب ، ونقود مؤجلة ، وقائمة بالأثاث أو العفش ، ولا حرج في ذلك .
فالقائمة تعتبر جزءا من المهر ، تملكه الزوجة ، وتحديدها يرجع إلى اتفاق الزوج والولي ، فقد يتفقان على كتابة جميع الأثاث الموجود ، فيكون ملكا للزوجة ، وتأخذه في حال مفارقتها للزوج ، وقد يتفقان على كتابة جزء من الأثاث ، فلا تملك غيره .
وينبغي ألا يتشدد الولي في أمر هذه القائمة ، فإنه يستحب تيسير المهر وتسهيله ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خير الصداق أيسره ) رواه الحاكم والبيهقي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3279) ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خير النكاح أيسره) رواه ابن حبان ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3300) .
وينظر السؤال رقم (10525) و (12572) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102508
العنوان:
حديث : (إن نقدت الناس نقدوك)
السؤال:
الرجاء إفادتنا بدرجة صحة الحديث المروي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن نقدت الناس نقدوك ، وإن تركتهم تركوك) وأين نجده ؟ قيل لي إنه يوجد في كتاب صحيح البخاري لكنني لم أجده.
الجواب:
الحمد لله
حديث أبي الدرداء المذكور ليس في "صحيح البخاري".
وله عدة ألفاظ منها : (إن نافرت الناس نافروك ، وإن هربت منهم أدركوك , وإن تركتهم لم يتركوك . قال : كيف أصنع ؟ قال : هب عرضك ليوم فقرك) وهو مخالف للفظ الوارد في السؤال .
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق "(47/ 178،179) من طريق فَرَج بن فَضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء به .
وسنده ضعيف فإن فَرَج بن فَضالة ضعيف , ولقمان بن عامر روايته عن أبي الدرداء منقطعة.
انظر : "تهذيب التهذيب" (8/456) , "التقريب" (2/107).
ثم إنهم اضطربوا فيه فروي بالسند نفسه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه موقوفا عليه ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
رواه ابن عساكر في"تاريخ دمشق" (47/178).
ثم رواه ابن عساكر (47/179) من طريق أنس بن عياض عن يحي بن سعيد قال : قال
أبو الدرداء به موقوفا عليه من قوله.
وسنده منقطع , قال ابن المديني عن يحي بن سعيد الأنصاري : "لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس" .
"التهذيب" لابن حجر (11/223).
وورد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه .
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/126) رقم (7575) وأبو عمرو الداني في"السنن الواردة في الفتن" (219) وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/17).
وسنده ضعيف ، فيه بقية بن الوليد وهو يدلس تدليس التسوية , وصدقة بن عبد الله السّمين ضعيف .
انظر : "مجمع الزوائد" للهيثمي (7/285).
وورد عند الداني وابن عساكر بلفظ : (إن نافذتهم نافذوك) قال ابن الأثير: "أي : إن قلتَ لهم قالوا لك ، ويُروى بالقاف والدال المهملة" . أي : ناقدتهم.
"النهاية" (5/92) .(/1)
وإنما يثبت هذا الأثر من قول أبي مسلم الخولاني ، قال : (كان الناس وَرَقاً لا شوك فيه ، وإنهم اليوم شوك لا وَرَق فيه ، إن ساببتهم سابوك ، وإن ناقدتهم ناقدوك ، وإن تركتهم لم يتركوك) .
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/206) وابن أبي عاصم في "الزهد"(1/367) وأبو نعيم في "الحلية" (2/123) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/228).(/2)
رقم السؤال:
102512
العنوان:
طاعة الله مجلبة للرزق
السؤال:
عمري ثلاثون سنة ، قبل خمسة سنوات كنت أعيش مع المعاصي ويا للخيبة ، إلا أنني كنت محافظاً على الصلاة ، ثم تزوجت وسافرت للعيش في فرنسا ، وحصلت لي بعض المشاكل فلم أجد الحل إلا في العودة إلى الله ، فتبت والحمد لله ، وبدأت بحفظ القرآن ، وتعلم العلم ، وأصبحت أصوم النافلة طوال العام ، ولا أضيع الصلاة في المسجد إلا نادرا حتى إني لا تفوتني تكبيرة الإحرام أكثر من أربعين يوماً ، والحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وكان من نتائج ذلك أن تحسنت أحوالي المادية ، والمعنوية ، وكلما زدت في الطاعات زادت الخيرات والله على ما أقول شهيد ، المشكلة هي أنني الآن لا أدري لماذا أجتهد في الطاعات هل من أجل الآخرة أم من أجل الدنيا ؟ مثلاً : إذا تصدقت أرجو أجر الصدقة ، ولكن كذلك لعلمي بأن الله سيخلفها لي مضاعفة وهكذا حتى بدأت أشك في نفسي هل أنا منافق أم ماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
أهنئك أخي على أن وُفِّقت للتوبة إلى الله ، والرجوع إلى الصواب ، فتلك نعمة أسبغت عليك ، ومِنَّة أسديت لك ، ينبغي عليك شكرها ، لأنها غاية كل مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "لم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواصُّ الخلق لديه، ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم" انتهى.
"مدارج السالكين" (1/343).(/1)
وكونك كلما اجتهدت في الطاعات كثرت عليك أسباب الرزق الحلال ، فلأن تقوى الله وطاعته مجلبة للرزق ، كما قال جل وعلا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3 . كما أن المعصية مجلبة للفقر ، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه ، وما استُجْلب الرزق بمثل فعل الطاعات وترك المعاصي ، ولكن ينبغي عليك أن تراقب إخلاصك قبل الشروع في العمل بحيث يكون الباعث على فعل الخير ابتداء وجه الله تعالى ، وأن تراقب إخلاصك وتحفظه مما يفسده أثناء العمل وبعده فتخلِّصَه من العُجْب والرياء ورؤية النفس وطلب المحمدة والمنزلة في قلوب الخلق من أجله أو أن تعمله لما يدر عليك من الخيرات ، بحيث لو ضُيِّق عليك الرزق لتركته ، فهذه أمور منافية للإخلاص ، مفسدة للطاعات.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل ، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه" انتهى.
"الوابل الصيب" (ص20) .
ويجب أن يُعلم أن الإنسان إذا قصد بعبادته وجه الله تعالى ، وثوابه في الدار الآخرة ، وقصد مع ذلك ثواب الطاعة العاجل في الدنيا ، كسعة الرزق والحياة الطيبة ونحو ذلك أنه لا حرج عليه .
وقد رغَّبنا الله تعالى في طاعته والابتعاد عن معصيته ، بذكر ثواب ذلك في الدنيا ، مما يدل على أنه لا حرج على المؤمن إذا قصد ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إذا أراد الإنسان بعمله الحسنيين : حسن الدنيا ، وحسن الآخرة ، فلا شيء في ذلك . [أي لا حرج عليه ولا إثم] لأن الله يقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3" انتهى.
"القول المفيد" (2/244) .(/2)
فلا يلقينَّ الشيطان في نفسك أنك منافق أو غير مخلص ، فإن قصده صرفك عن أعمال البر وتثبيطك عن سبل الخير، ولا يَكُن الحامل لك على فعل الطاعة ما يجره لك من الرزق بحيث لو جفَّت منابعه لتركته ، ولكن أخلص لربك أعمالك ، واشكره على ما يتفضل به عليك من الخيرات : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102537
العنوان:
حكم العمل في تصنيع طعام الحيوانات المشتمل على لحم الخنزير
السؤال:
هل يجوز العمل بمصنع يعد طعاما للحيوانات وهذا الطعام يحتوي على الخنزير ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز إطعام الحيوانات التي لا تؤكَل كالكلاب والقطط ، الميتات ، ومنها لحم الخنزير ، فإنه ميتة على كل حال ، سواء ذبح أو مات بدون ذبح .
قال النووي في "المجموع" (4/336) : " ويجوز إطعام الميتة للكلاب والطيور ، وإطعام الطعام المتنجس للدواب " انتهى مختصرا .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يباح إطفاء الحريق بالخمر , وإطعام الميتة للبزاة والصقور , وإلباس الدابة للثوب النجس , وكذلك الاستصباح بالدهن النجس في أشهر قولي العلماء , وهو أشهر الروايتين عن أحمد . وهذا لأن استعمال الخبائث فيها يجري مجرى الإتلاف ليس فيه ضرر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/433).
ثانيا :
لا يجوز بيع لحم الخنزير ، منفردا أو مخلوطا بغيره ؛ لما رواه البخاري (2236) ومسلم (1581) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ).
قال النووي رحمه الله : " يجوز إطعام الميتة للجوارح ولا يجوز بيعها " انتهى من "المجموع" (9/285).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن معلبات طعام للقطط التي تحتوي على لحم خنزير هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط ؟
فأجاب : " إذا كان ذلك بشراءٍ للمعلبات فلا يجوز ، لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه . وإن كان وجده مرمياً فأطعمه قطته فلا بأس بذلك ، والله أعلم " .
انظر جواب السؤال رقم (5231) .(/1)
وبناء على ذلك ؛ فلا يجوز العمل في صناعة الطعام المشتمل على لحم الخنزير أو غيره من الميتات ؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والحرام ، لأنها تصنع بغرض بيعها ، وهو محرم كما سبق . قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102538
العنوان:
والده يريد منه السفر للعمل وزوجته تصر على بقائه
السؤال:
أنا من حيرة من أمري فقد تزوجت من تسعة شهور ومكثت مع زوجتي منذ تاريخ الزواج حتى سفري إلى الخارج حوالي 4 شهور ، وقد اعترضت زوجتي على سفري ، وحاولت منعي من السفر بكل الطرق ، ولكن دون جدوى ، فالحمد لله بيننا الحب والتفاهم ، وحاولت إقناعها أنني عندما أسافر ثم أستقر سوف أبحث عن سكن لأرسل لها وتمكث معي ، ولكن لم أجد السكن المناسب ، فالإيجارات هنا غالية الثمن حتى لا يكفي مرتبي سداد نصف الشهر ، وعندما علمت بذلك أخذت ترسل الرسائل والتي ترسل معها دموعها وقلبها الذي يحترق على سرعة نزولي ، هذا من ناحية ، من ناحية أخرى : والدي يشجع سفري لكي أساعده في زواج أخي ، فزوجتي يوميا تطلبني بالنزول فلا تستطيع العيش لوحدها ، ووالدي يريد البقاء والعمل. هل أقوم بالنزول حتى لا أظلم زوجتي ؟ أم أقوم بمساعدة والدي في زواج أخي ؟
الجواب:
الحمد لله
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله ، لأجل العمل ونحوه من المصالح المشروعة ، مدة لا تزيد على ستة أشهر ، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته .
والأصل في ذلك أن عمر بن الخطاب سأل ابنته حفصة رضي الله عنهما : كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : سبحان الله ! مثلك يسأل مثلي عن هذا ! فقال : لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك . قالت : خمسة أشهر . ستة أشهر . فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر ; يسيرون شهرا , ويقيمون أربعة , ويسيرون شهرا راجعين .
وسئل الإمام أحمد رحمه الله : كم للرجل أن يغيب عن أهله ؟ قال : يروى ستة أشهر .
وانظر: "المغني" ( 7/232 ، 416).(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن : لا بأس به ، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه ، أما إذا طالبت بحقوقها ، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر ، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك ، فإن الضرورة لها أحكام خاصة . وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة ، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه ، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106).
وعليه ؛ فمن حق أهلك عليك أن تعود إليهم ، لا سيما وأن راتبك لا يكفي للسكن كما ذكرت ، وهذا يعني تأخرك عن أهلك ، مع حاجتهم إليك .
ولا يخفى أن أداء الحق ، وحفظ الأهل ، والقيام على رعايتهم ، مع دوام الحب واستمراره ، كل ذلك مقدم على جمع المال .
ولا يجب طاعة الأب فيما لو أمرك بالبقاء في الخارج ، لما يترتب على هذا من تضييع حق زوجتك ، ومعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لكن ينبغي أن تتلطف في إقناعه، وبيان عدم جدوى الاغتراب والبعد عن الأهل .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102553
العنوان:
حكم الزواج من رجل عاجز جنسيا
السؤال:
هل يمكنني الزواج من رجل عاجز جنسيا ؟ وهل يجوز شرعا ؟ مع أنني أحبه وأتمناه شريكاً لحياتي ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تتزوج من رجل قد عُلم أنه عاجز عن الجماع ؛ لأن الجماع حق لها ، وقد أسقطته . وإذا فعلت ذلك لم يكن لها المطالبة بهذا الحق بعد النكاح .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/142) بعد أن ذكر العيوب التي تثبت للزوجة حق فسخ العقد ، ومنها : إذا كان الزوج عاجزاً عن الجماع ، قال : " ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب : أن لا يكون عالما بها وقت العقد , ولا يرضى بها بعده , فإن علم بها في العقد , أو بعده فرضي , فلا خيار له . لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (7/142).
وفي "المدونة" (2/144) : " قلت : أرأيت إن تزوجتْ مجبوبا ( يعني : مقطوع الذكر ) أو خصيا وهي تعلم ؟ قال : فلا خيار لها , كذلك قال مالك . قال : قال مالك : إذا تزوجت خصيا وهي لا تعلم فلها الخيار إذا علمت " انتهى .
وينظر : الموسوعة الفقهية (29/69).
ومع ما ذكرناه من جواز النكاح ، إلا أن الأفضل لك هو عدم الزواج بمن هذه حاله ، لأن الجماع ثم ما يترتب عليه من حصول الأولاد أمر فطري يحتاج إليه الرجال والنساء ، وقد تتنازلين عن هذا الحق الآن ، ولكنك لا تدرين ماذا يكون بعد سنة أو سنتين ، فإن النكاح يراد للاستمرار .
ولهذا قال الإمام أحمد عن ولي المرأة : ما يعجبني أن يزوجها بعنين (عاجز عن الجماع) , وإن رضيت الساعة تكرهه إذا دخلت عليه ; لأن من شأنهن النكاح , ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا .
قال ابن قدامة معلقاً على ذلك : وذلك لأن الضرر في هذا دائم , والرضى غير موثوق بدوامه....وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة . "المغني" (10/67) .
ولا يخفى عليك أن هذا الرجل أجنبي عنك ، فلا يجوز أن تقيمي معه أي علاقة ، حتى يتم عقد النكاح .(/1)
نسأل الله تعالى لك التوفيق والعون ، وأن ييسر لك الخير حيث كان .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102590
العنوان:
هل ثبت في النصوص أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ؟
السؤال:
سَمعتُ بأنّ مكة المكرمة مركزُ الأرضِ . هَلْ ذلك حق ؟
الجواب:
الحمد لله
دراسة هذه المسألة تتفرع إلى جانبين اثنين : الجانب الشرعي ، وذلك للبحث عن الأدلة من القرآن والأحاديث والآثار الواردة في هذا الموضوع .
والجانب العلمي : للنظر في الأبحاث العلمية والبراهين الحسية التي تبين القضية .
أولا :
أما الجانب الشرعي فقد قال بعض أهل العلم : إن في القرآن الكريم إشارات إلى هذه النظرية ، وفي السنة النبوية وآثار السلف تصريحٌ بها .
أما إشارات القرآن ففي قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً ) البقرة/143 ، لأن الآية في معرض الأمر باتخاذ الكعبة قبلة ، فكأن معنى الآية : كما كانت الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أنتم أمةً وسطا بين الأمم .
يقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/153) :
" المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أمة وسطا " انتهى .
ولكن هذا واحدٌ من وجوه ستة يذكرها المفسرون في طرفي التشبيه في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم ) ، لعل أظهرها ما ذكره ابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/141) :
" كما هديناكم - أيّها المؤمنون - بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وبما جاءكم به من عند الله ، فخصصناكم بالتوفيق لقِبلة إبراهيم وملته ، وفضلناكم بذلك على مَن سِواكم مِن أهل الملل ، كذلك خصصناكم ففضَّلناكم على غيركم مِن أهل الأديان ، بأن جعلناكم أمة وسطًا " انتهى .
وانظر : "تفسير القرآن العظيم" (1/454) ، "مفاتيح الغيب" (2/387) ، "الدر المصون" (2/134) .(/1)
وأيضا هناك إشارة في قوله عز وجل : ( وَهََذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مّصَدّقُ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا ) الأنعام/92 فقال بعض العلماء : إنما سميت مكة " أم القرى " لأنها أصل قرى الأرض كلها ، ومنها دحيت الأرض ، فهي لذلك وسط الأرض .
بل قال بعض أهل العلم : إن في تسميتها " مكة " إشارة إلى أنها مركز الأرض ووسطها :
يقول الراغب الأصفهاني في "مفردات القرآن" (1/470 – 471) :
" مكك : اشتقاق مكة من تمكَّكْتُ العظم : أخرجت مخه ، وامتكَّ الفصيلُ ما في ضِرع أمه ، وعبَّر عن الاستقصاء بالتمكُّكِ .
وتسميتها بذلك لأنها كانت تَمُكُّ مَن ظلم بها : أي تدقُّه وتهلكه .
قال الخليل : سميت بذلك لأنها وسط الأرض ، كالمخ الذى هو أصل ما في العظم " انتهى .
وانظر "مفاتيح الغيب" (4/310) حيث ذكر في اشتقاق مكة وجوها أخرى كثيرة .
فالحاصل أن القرآن الكريم لا يتضمن نصًّا ولا دلالةً أو إشارةً ظاهرة بأن مكة المكرمة أو الكعبة المشرفة تقع في مركز الأرض ووسطها ، وما ورد في ذلك لا يعدو كونه إشارات محتملة وإيماءات بوجه مشتبه .
ثانيا :
أما الأحاديث النبوية المرفوعة ، فقد حاولنا جمعها بالاستقصاء من كتب السنة ، كي نقف على جميع طرقها ورواياتها ، فلم نجد إلا حديثا واحدا مرفوعا في هذا الباب ، وهو ما جاء :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ، ثم مدت منها الأرض ، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض " أبو قبيس " ، ثم مدت منه الجبال ) .
قال المناوي في "فيض القدير" (3/108) :
" ( ثم مُدَّت ) بالبناء للمجهول أي : بسطت . ( منها الأرض ) : من سائر جوانبها ، فهي وسط الأرض وقطبها " انتهى .(/2)
لكن الحديث : رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/341) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/431) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (1/1/11) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/31) وعزاه السيوطي في "الجامع" (9603) إلى الحاكم في تاريخه .
كلهم من طريق : سليمان بن عبد الرحمن : نا عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي نا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً .
وهذا الحديث معل بجهالة عبد الرحمن بن علي ، وبوقف الرواية على عطاء أو مجاهد من قولهم .
وعبد الرحمن بن علي بن عجلان الدمشقي هذا : روى عن ابن جريج وعن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وروى عنه سليمان بن عبد الرحمن وعمرو بن عثمان الحمصي وابن بنته شيبة بن الوليد .
لم يرد توثيقه إلا عن سليمان بن عبد الرحمن الراوي عنه ، نقله عنه ابن عساكر في ترجمته في "تاريخ دمشق" (35/133) ، غير أن سليمان هذا – وهو أبو أيوب الدمشقي – متكلم فيه ، أخذوا عليه كثرة روايته عن المجهولين . قال فيه ابن معين : ثقة إذا روى عن المعروفين . وقال ابن حبان : يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير ، فأما إذا روى عن المجاهيل ففيها مناكير . انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" (12/26) ، لذلك لم يعتبر أهل العلم توثيق سليمان بن عبد الرحمن لبعض من يروي هو عنهم ، فذكر العقيلي عبد الرحمن بن علي بالجهالة ، وأعل حديثه بالوقف على عطاء أو مجاهد ، وروى ذلك بالأسانيد إليهم ، فقال في ترجمته في "الضعفاء" (2/341) : " مجهول بنقل الحديث ، حديثه غير محفوظ إلا عن عطاء من قوله ، مجهول بالنقل ...
حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الحارث بن زياد الجعفي قال سمعت عطاء بن أبى رباح قال : أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس .
وحدثنا أبو يحيى بن أبى مسرة قال حدثني أبى قال حدثنا سعيد بن سالم المقداح عن ابن جريج عن مجاهد قال : أول لمعة من الأرض موضع البيت مدت الأرض منها .(/3)
قال أبو جعفر : هذه الرواية أولى " انتهى باختصار .
كما أنه ورد نحو هذا الحديث من قول ابن عباس رضي الله عنه كما سيأتي ، وهو ما يبين وهم من رفع الحديث .
وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5881)
ثالثا :
قد ورد في آثار الصحابة والتابعين روايات كثيرة تدل على أنهم كانوا يرون وسط الأرض في مكة المكرمة :
1- جاء من قول عبد الله بن عمرو بن العاص :
" خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدةً بيضاء ، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة ، فدحيت الأرض من تحته "
رواه الطبري في "تفسيره" (6/20) بسند رواته ثقات . وعزاه في الدر المنثور" (2/265) لابن المنذر والطبراني والبيهقي في "الشعب" .
2- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال :
" وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت ".
رواه الطبري في تفسيره (3/61) بسند لا بأس به .
3- وورد من كلام أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :
" خُلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة . قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض ؟ قال : كانت حشفة – يعني : جزيرة - على الماء ، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها ، فجعلها في وسط الأرض "
عزاه في "الدر المنثور" (1/115) إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم . وقد وقفت على سنده في "مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى" لأبي عبد الله الدقاق (ص/287) وفي "أمالي ابن بشران" (2/204) وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/422) وأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه .(/4)
أما عن التابعين : فقد جاء عن مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم نحو هذا الكلام ، كما عند ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما ، وكذا في مصنف عبد الرزاق (5/90) ، ومن الكتب التي توسعت في نقل هذه الأخبار : "أخبار مكة" للأزرقي ، و "أخبار مكة" للفاكهي .
وهذه الآثار مما تحتمل أن يكون لها حكم الرفع ، وتحتمل أيضا أن تكون منقولة عن أهل الكتاب ، فإن كتبهم مليئة بأخبار خلق السماوات والأرض وبدء الخليقة . يؤيد ذلك ورود الأثر السابق عن كعب الأحبار ، كما يرويه عنه عبد الرزاق في "المصنف" (5/95) أنه قال : " كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاما ، ومنه دحيت الأرض " انتهى .
كما ورد عن قتادة رحمه الله – في "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/901) – أن صخرة بيت المقدس هي وسط الأرض .
وذلك ما قد يشعر بأن الأمر مأخوذ عن أخبار متضاربة عن أهل الكتاب .
رابعا :
فالحاصل مما سبق أنك لا تجد دليلا ظاهرا يقوى للدلالة على أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ، ولكن الإشارات التي ذكرناها في بعض النصوص ، على ما فهمه منها بعض أهل العلم ، وما جاء في الآثار السابقة ، تشعر بأن لهذه الكلام أصلا ، وهي قرائن ترجح قول من قال ذلك ، ما لم يظهر خلافها بالأدلة العلمية الصحيحة .
خامسا :
أما من الناحية العلمية ، فنحن لسنا من أهل التخصص في علوم الأرض و " الجغرافيا " ، فلزم أن نقف في البحث عند هذا الحد ، ولكن نحيلك على بعض المتخصصين من أهل العلم الذين بحثوا في هذا الأمر ، وتوصلوا إلى أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ووسطها ، فلعل في أبحاثهم العلمية ما يقوي هذا الجانب ، مع إبقاء الأمر تحت دائرة البحث والنظر ، وهو في غايته أمر اجتهادي قابل للصواب والخطأ .
انظر : بحث : " إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة " د . حسين كمال الدين أحمد : " مجلة البحوث الإسلامية " – الرياض – (2/292)(/5)
وبحث " الإسقاط المكي للعالم " د . حسين كمال الدين أحمد : "مجلة البحوث الإسلامية" – الرياض – (6/225)
وانظر الروابط الآتية :
http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=11&cat=39
http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=476&p=2&cat=575
http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=488&p=2&cat=595
http://www.islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=114583
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
102600
العنوان:
الدعاء المطلق لا يشترط فيه الورود في السنة
السؤال:
سمعت أحد الجهلة يدعو ومما قال في دعائه : " رب لا تكلني إلى أحد ، وتحوجني إلى أحد ، واغنني عن كل أحد ، يا من له المستند ، وعليه المعتمد ، هو الواحد الفرد الصمد ، لا شريك له ولا ولد . اللهم ردني من الضلال إلى الرشد ، وجنبني من كل خطيئة ونكد " فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي أن تفرق – أخي السائل – بين نوعين من الدعاء :
النوع الأول : الدعاء المُقَيَّد : نعني به المرتبط بزمان أو مكان أو عبادة ، أو جاء الشرع بتقييده بعدد أو فضيلة ونحو ذلك من القيود ، كالأدعية الواردة في استفتاح الصلاة ، وأذكار الصباح والمساء ، وأدعية النوم ، والطعام ، ونحوها .
فهذا النوع يجب التقيُّدُ فيه بما جاء في الشرع الحكيم ، من غير زيادة ولا نقصان ، ولا يجوز ابتداع شيء من الأدعية لتحل محل ما ورد في السنة .
وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه حين قال له :
( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ .
فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ .
قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، قُلْتُ : وَرَسُولِكَ . قَالَ : " لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ " )(/1)
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
يقول العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه "العبادة" (ص/524) :
" وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها ، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه ، أليس هذا من الظلم والعدوان ؟! " انتهى .
أما النوع الثاني : فهو الدعاء المطلق : وهو سؤال الله الحاجات العامة والخاصة ، والتوجه إليه سبحانه بما يحتاجه المرء وما يريده ، كالدعاء في السجود ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي يوم عرفة ونحوه .
فمثل هذه الأدعية لا يُشترط فيها الثبوت ولا الورود ، بل يكفي أن تكون كلماتُ الدعاء كلماتٍ شرعيةً صحيحةً ، ليس فيها تعدٍّ ولا تجاوز ، وليس فيها دعاء بإثم أو قطيعة رحم .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/203-204) :
" باب الأدعية واسع ، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه .
أما الأدعية والأذكار المأثورة : فالأصل فيها التوقيف من جهة الصيغة والعدد ، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك ، ويحافظ عليه ، فلا يزيد في العدد المحدد ، ولا في الصيغة ، ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه " انتهى .
وفيها أيضا (24/275) :
" الأدعية الواردة في الكتاب والسنة هي التي يشرع التزامها والعناية بها وحفظها ونشرها ، أما غيرها من الأدعية التي ينشئها سائر الناس فليست كذلك ؛ لأن أحسن أحوالها كونها مباحة ، وقد تحتوي على عبارات موهمة ، أو غير صحيحة " انتهى باختصار .
والذي يظهر أن الدعاء الوارد في السؤال هو من الدعاء المطلق ، وبالنظر في كلماته وجمله يظهر أيضا أنه دعاء جائز لا حرج فيه ، ولا يظهر لنا فيه مخالفة شرعية ، بل كلماته سليمة صحيحة ، فلا ينبغي لك إنكاره ولا وسم الداعي به بالجهل .
وانظر جواب السؤال رقم (21561) ، (75058)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102609
العنوان:
حكم بيع الماء
السؤال:
ما حكم بيع الماء ؟
الجواب:
الحمد لله
بيع الماء لا يخلو من حالتين :
الحال الأولى : أن يكون الماء في بئر أو نهر عام ليس ملكاً لأحد ، فهذا لا يجوز بيعه ؛ لما روى أبو داود (3477) أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ : فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ ) صححه الحافظ في "التلخيص" .
قال في "عون المعبود" َ: " الْمُرَاد الْمِيَاه الَّتِي لَمْ تَحْدُث بِاسْتِنْبَاطِ أَحَد وَسَعْيه كَمَاءِ َالْآبَار وَلَمْ يُحْرَز فِي إِنَاء أَوْ بِرْكَة أَوْ جَدْوَل مَأْخُوذ مِنْ النَّهَر ، وَالْكَلَأ : وَهُوَ النَّبَات رَطْبه وَيَابِسه .
قَاَلَ الْخَطَّابِيّ : مَعْنَاهُ الْكَلَأ الَّذِي يَنْبُت فِي مَوَات الْأَرْض يَرْعَاهُ النَّاس لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصّ بِهِ دُون أَحَد أَوْ يَحْجُرهُ عَنْ غَيْره ، وَأَمَّا الْكَلَأ إِذَا كَانَ فِي أَرْض مَمْلُوكَة لِمَالِك بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَال لَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكهُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ اِنْتَهَى .
وَقَالَ السِّنْدِيُّ : وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى ظَاهِره فَقَالُوا : إِنَّ هَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة لَا تُمْلَك وَلَا يَصِحّ بَيْعهَا مُطْلَقًا , وَالْمَشْهُور بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَلَأِ هُوَ الْكَلَأ الْمُبَاح الَّذِي لَا يَخْتَصّ بِأَحَدٍ , وَبِالْمَاءِ مَاء السَّمَاء وَالْعُيُون وَالْأَنْهَار الَّتِي لَا تُمْلَك , وَبِالنَّارِ الشَّجَر الَّذِي يَحْتَطِبهُ النَّاس مِنْ الْمُبَاح فَيُوقِدُونَهُ , فَالْمَاء إِذَا أَحْرَزَهُ الْإِنْسَان فِي إِنَائِهِ وَمِلْكه يَجُوز بَيْعه وَكَذَا غَيْره " انتهى بتصرف .
الحال الثانية : أن يكون الماء في ملك الشخص ، وهو الذي أخرجه وحازه في ملكه ، فهذا يجوز له أن يبعه .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/140) : " أما إذا ملكه وحازه وأخرجه ووضعه في البركة ، فإنه يجوز بيعه ؛ لأنه صار ملكاً له بالحيازة " انتهى .
وقد سئل الشيخ الفوزان حفظه الله : هل يجوز بيع الماء ومتى ؟
فأجاب : " في ذلك تفصيل : إذا كان حاز الماء في وعائه أو بركته فإنه يملكه ويجوز له أن يبيعه ؛ لأنه حازه واستولى عليه وتعب في تحصيله ، فصار ملكًا له .
أما إذا كان الماء باقيًا في البئر أو في النهر أو في المجرى الذي يجري في ملكه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم ، والصحيح أنه لا يجوز له بيعه ، بل يكون هو أولى بالانتفاع به من غيره ، وليس له أن يمنع الآخرين من الانتفاع به انتفاعًا لا يضره هو ولا يضر في ملكه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء " انتهى .
"المنتقى" (3/13) .(/2)
رقم السؤال:
102636
العنوان:
عقد عليها ورأى بها عيبا فطلقها
السؤال:
تم عقد قراني على شاب تقدم لي قبل3 أشهر ، وكانت حوله شبهات غير مؤكدة وقد وقفت بجانبه بعد أن وجدت منه الرغبة الصادقة في الارتباط ببنت متدينة ، وقلت : لعلي أكون سببا لثباته ويعين بعضنا بعضا على طاعة الله ، وتربية الذرية الصالحة . ووافق أهلي عليه بسبب تمسكي الشديد به . وبعد أسبوع من العقد طلب مني أن يستمتع بي ولكن دون جماع ، فوافقت لأنني زوجته وعلي طاعته ، وفعلا تمتع بجسدي كاملا مرتين, وخلال ذلك اكتشف أني أعاني عيبا خلقيا في شكل العانة – وأنا يشهد ربي أني لم أكن أعلم به – وقد طلب مني الانفصال لأنه شعر بنفور تجاهي وقد لا يتمكن من إسعادي في المستقبل أو قد يتزوج علي امرأة أخرى . وذهبنا معا لدكتورة فقالت إن هذا لا يعد عيبا وإنما هو اختلاف في التقاطيع ، كما تختلف تقاطيع الوجه من شخص لآخر ، ويمكن إجراء عملية جراحية بسيطة للتجميل ، وأنه لا يؤثر لا على متعة ولا على الإنجاب. ومع ذلك أصر زوجي على الطلاق . وأرسل لي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها بياضا فقال البسي عليك ثيابك والحقي بأهلك) ... وتم الطلاق ، وأعدت له المهر كاملا وتنازلت أيضا عن المؤخر ... ورغم مرور شهر ونصف على الطلاق إلا أني ما زلت أعاني من الحزن الشديد ودموعي لم تجف حتى هذه اللحظة ... وقد فقدت الثقة في حكمي على الأشخاص ممن حولي ، وأشعر بالنقص بسبب العيب الذي في . . سؤالي : هل هذا القصة التي أرسلها لي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقعت بالفعل ؟ وأنا على إيمان ويقين أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لعلى خلق عظيم سواء كانت هذه الواقعة صحيحة أو باطلة .... هل زوجي ظلمني عندما تخلى عني في أصعب الظروف ولم يقف بجانبي وتركني من أجل شهوة ؟ هل يجوز للزوج أن يتخلى عن زوجته بسبب(/1)
أنه رأى شيئا لم يعجبه في جسدها ؟ وهناك أمر آخر أيضًا أفكر به دائمًا هل يعتبر زوجي أو طليقي قد دخل بي أم لا؟ لأننا أخبرنا القاضي بأنه لم يتم الدخول لأنه لم يفض غشاء البكارة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا ، وأن يزيدك إيمانا وصبرا ورضا ، ونقول : احمدي الله تعالى واشكريه على نعمه وفضله ، فإنك لا تدرين أين الخير ، ولعل انفصالك عن هذا الزوج خير كبير لك ، لكن ينبغي ألا يؤثر هذا على شخصيتك وألا يضعف من عزيمتك ، بل هذه تجربة يستفاد منها في المستقبل ، فلا تقبلي إلا من يُرضى دينه وخلقه ، ولا تتساهلي في ذلك .
ثانيا :
يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بعد العقد ، لكن لا يدخل بها ، مراعاة للعرف ، وتجنبا لما قد يحدث من مشاكل في حال الفراق .
وما ذكرته مما حدث بينكم من الاستمتاع يأخذ حكم الدخول من حيث وجوب المهر كاملاً ووجوب العدة عند كثير من أهل العلم .
وينظر جواب السؤال سؤال رقم (97229)
فجميع المهر والمؤخر كان حقا لك ، وما دمت قد تنازلت عنه فلا تلتفتي لذلك ، فإن المال يذهب ويجيء ، وإنا لنرجو أن يعوضك الله خيرا .
ثالثا :
الحديث الذي استشهد به الزوج ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار فرأى بكشحها بياضا فقال : البسي عليك ثيابك ، والحقي بأهلك ، وأمر لها بالصداق كاملا ، رواه أحمد والحاكم ، وفيه : جميل بن زيد ، قال يحيى بن معين : ليس بثقة . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال البخاري : لا يصح حديثه . ولهذا فالحديث ضعيف جدا ، كما قال الألباني في "إرواء الغليل" (6/326). وضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
فالحديث ضعيف لا يصح ، ثم إن زوجك لم يعمل به إلا فيما يوافق هواه ، ولو أنه عمل بالحديث لدفع إليك المهر كاملا كما جاء في الحديث .
رابعا :
إذا كان العيب الذي عندك يمكن علاجه بعملية جراحية بسيطة كما قالت الطبيبة ، فلا يعد عيبا يبيح للزوج الطلاق .(/2)
وبناء على ذلك ؛ فالذي يظهر لنا أن زوجك ظلمك بهذا الطلاق .
ولكن ما دام الأمر قد وقع وانتهى ، فاحمدي الله على كل حال ، وأقبلي على شأنك ، وتناسي ما كان ، وسلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102637
العنوان:
زوجها يحبها وصاحب دين ولكن هي لا تنجذب إليه
السؤال:
تزوجت منذ فترة قصيرة ، ولكني لست سعيدة بهذا الزواج , ولا يوجد في زوجي عيب أو شيء منفِّر بل هو يحافظ على الصلاة في المسجد ، وصاحب أخلاق ، ويحاول أن يتقي الله , المشكلة أنني لا أحبه ، مع أني كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم ، قد أكون تسرعت في الموافقه لأنني لم أتعرف عليه جيداً قبل الزواج وكنت أحيانا وقت العقد أشعر بعدم القبول ، أخاف من أن انفصل عنه من المستقبل المظلم ، ولكني مترددة ، الشيء الوحيد الذي يطمئني أنني استخرت الله قبل الموافقة عليه ، أنا لا أعلم ما أنا فيه وهل هذا ابتلاء حقا أم أنا التي صنعت هذا الهم لنفسها ، وهل يمكن أن أكمل في زواجي هذا بهذا الشعور الداخلي وأنجب أولادا منه ، ويكبرون ، وتكون هذه حياتي مع شخص لست راضية به ، أم عليَّ أن أتناسى وأعيش هكذا بلا شعور مع زوجي ! .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن نعَم الله تعالى على الإنسان كثيرة وعظيمة ، وهو يعجز عن إحصائها ، فأنَّى يستطيع شكرها ؟! ولذلك وَصف الله تعالى الإنسان بالظلم والجهل بعد بيان عظيم نعَم الله ، قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم/ من الآية 34 ، فاعلمي أيتها الأخت أنك تتقلبين في نعم الله تعالى ، حيث رزقك الله بزوج صالح ، وبيت تأوين إليه ، في الوقت الذي ترتفع آهات كثيرة من نساء لا يجدن زوجاً ، ومن وجدت فقد يكون ظالماً أو فاجراً ، وفي الوقت الذي تتشرد فيه الآلاف من النساء بسبب الفقر والحروب ، فاحرصي على شكر النعمة بالمحافظة عليها ، وأداء حقها ، واحذري من كفرانها ، وإلا سلبها الله منك ، قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم/ 7 .(/1)
وحتى تعلمي عظم تلك النعم عليك انظري في حال من فقدها ، أو نقصت منه ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا حتى لا يزدري أحدنا نعمة الله عليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ) رواه مسلم ( 2963 ) .
ثانياً:
مما نعجب منه في رسالتك قولك " فأنا لم أتعرف على زوجي جيِّداً قبل الزواج " ! وهل تعتقدين أن ما يحدث قبل الزواج بين الرجل والمرأة هو شرعي أولاً ؟ وهل تظنين أنه بتلك العلاقة يتعرف الرجل على المرأة والعكس ؟ إن أكثر ما يحدث في فترة التعارف تلك ليس بشرعي ، بل هو مخالف للشرع ؛ حيث يكون التوسع في النظر والحديث ، والاختلاط المستهتر ، والخلوة المحرمة ، وغير ذلك من المنكرات الشرعية ، وهي مشهورة بين الناس .
وفي هذه الفترة لا يَظهر الرجل على حقيقته ، ولا المرأة كذلك ، بل يحاول كل واحد منهما أن يُظهر صفاتٍ جميلة ، وأخلاق عالية راقية ، ولا تظهر الحقائق إلا فيما بعد الزواج ، وفي إحصائيات متعددة في دول مختلفة تبين أن الزواج الذي تسبقه علاقة " حب محرَّم " أفشل من ذلك الذي خلا من تلك العلاقة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (84102) ، وحسبنا تنبيهك أنه ليس ثمة حاجة لتلك الفترة لتتعرفي على زوجك ، وقد ذكرت من صفاته وأخلاقه ما يغنيك عن تلك الفترة للتعرف عليه .(/2)
إن الحب قبل الزواج قائم على المخادعة العاطفية ؛ إذ ليس في المرأة ما يجعلها محبوبة لزوجها إلا مظهرها الخارجي ! بخلاف الحب بعد الزواج فإن سببه المخالطة والمعاشرة ، ولذا فإن الله تعالى يجعل بين الزوجين مودة ورحمة بعد زواجهما الشرعي ، لا قبله ، كما قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/ 21 .
ثالثاً:
تقولين في رسالتك : " فأنا دائما كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم الذي يعيشني حياة الالتزام بالدين .. " ، ونقول لك : ها هي أمنيتك قد تحققت ، وها هي رغبتك قد تحصلت ، فقد رزقك الله زوجاً لا تعيبين عليه خلُقاً ولا دِيناً .
فاتقي الله في نفسك ، واحذري من عقوبة الله لك ، ويُخشى عليك سلب تلك النعمة ، والعقوبة بزوج آخر لا يتقي الله تعالى فيك ، ولا يربي أولادك كما ترغبين ، وساعتها سيفوت وقت الندم .
أيتها السائلة الكريمة : لقد استخرت الله تبارك وتعالى قبل إقدامك على هذا الزواج ، وهذا من أعظم أسباب توفيقك ، إن شاء الله ، شريطة أن ترضي بما قسم الله تعالى وقدره لك ، وتعلمي أن الله تعالى قد اختار لك الخير : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(البقرة : 216) .
إننا معك أيتها السائلة الكريمة في الخوف من المستقبل المجهول إذا ما فكرت في الانفصال عن هذا الزوج الصالح ، وأنت تعلمين نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة ، ولو كانت امرأة صالحة ، وظلمت في زواجها الأول ، وهي نظرة يشوبها كثير من الجاهلية ؛ فكيف إذا عرف أنك انفصلت عن هذا الزوج الصالح ، من غير ما بأس ، ولا عيب فيه !!
بل إننا نخاف عليك ما هو أشد من ذلك والله !!(/3)
ألم تسمعي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه أبو داود (2226) وصححه الألباني .
وانظري جوابي السؤالين : ( 23420 ) و ( 20949 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
102648
العنوان:
هل يستطيع الجني أن يضع السحر في أماكن خفية في المنزل
السؤال:
أريد جوابا لسؤال محيّر : إذا كان البيت فيه عمل أو شيء من السحر والعياذ بالله ، ورأينا أي شيء يدل على ذلك ، وقد أخذناه إلى الشيخ : كيف يدخل السحر (العمل) ؛ هل هو عن طريق الجن أم ماذا ؛ لأن المكان لا يستطيع أحد الوصول إليه ؟ أتمنى أن يكون سؤالي واضحا مع جزيل الشكر
الجواب:
الحمد لله
المادة التي يضع فيها الساحر سحره ، كالخيوط والعقد والأوراق وغيرها ، قد يلقيها الساحر في بيت المسحور بنفسه ، أو عن طريق الجن ، أو يعطيها لمن طلب السحر ليضعها بنفسه حيث يريد .
والجن لهم قدرات يتمكنون بها من دخول المنازل والأمكنة ، وقد يسرقون منها بعض الأمتعة ، كما في حديث أبي هريرة وسرقة الجني من تمر الصدقة ، أو يضعون فيها ما يأمرهم به الساحر ، وعلى المسلم أن يتحصن بالأذكار الشرعية ، وأن يسمي الله تعالى عند دخوله وعند طعامه وشرابه ، وأن يغلق بابه ، فإن الشيطان لا يفتح بابا أغلق .
وينظر : سؤال رقم : (101681)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان ما تفعله الشياطين للسحرة : " وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس ، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه ، وتأتى به " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/35).
فمن أغلق بابه وسمى الله ، ووضع متاعه وماله وسمى الله ، كان ذلك حفظا له من الجن .(/1)
وقد يضع الساحر السحر بنفسه ، كما في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ( كان رجل [ من اليهود ] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم [ وكان يأمنه ] فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار [ فاشتكى لذلك أياما ـ وفي حديث عائشة ( ستة أشهر ) ـ ] فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما : أتدري ما وجعه ؟ قال فلان الذي [ كان ] يدخل عليه عقد له عُقَدا فألقاه في بئر فلان الأنصاري فلو أرسل [ إليه ] رجلا وأخذ [ منه ] العقد لوجد الماء قد اصفر . [ فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين ) وقال : إن رجلا من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان قال ] فبعث رجلا وفي طريق أخرى فبعث عليا رضي الله عنه ) [ فوجد الماء قد اصفر ] فأخذ العقد [ فجاء بها ] [ فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ] فحلها [ فجعل يقرأ ويحل ] [ فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة ] فبرأ . وفي الطريق الأخرى : ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ) وكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا منه ولم يعاتبه [ قط حتى مات ] ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني.
وأفاد هذا الحديث أن السحر إذا استخرج وكان فيه عقد ، فإنها تحل مع القراءة .
وبين أهل العلم أنه يتلف ما عمله الساحر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ينظر فيما فعله الساحر ، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان ، أو جعله في أمشاط ، أو في غير ذلك ، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) .(/2)
وينبغي الحذر من الذهاب للعرافين والدجالين ، فإنه هذا محرم لا يجوز ، وإنما يجوز الاستعانة بأهل الاستقامة والصلاح ، المتمسكين بالسنة ، في علاج السحر وإبطاله .
وينظر : سؤال رقم (13792) ورقم (21124) ورقم (11290) ورقم (12918)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102655
العنوان:
حكم استلام الراتب من البنوك الربوية وإبقاء جزء منها فيه
السؤال:
أنا شاب مغربي ، أعمل في إحدى الشركات ، وكنت أتقاضى أجرتي مباشرة من رب العمل , لكن هذا الأخير قرر أن يحوِّل أجرتي إلى البنك ، ما حكم المعاملات البنكية ، مع العلم أنني لن أسحب أجرتي كلها في آخر كل شهر ، هل هذا العمل لا يجوز ؟
الجواب:
الحمد لله
البنوك الربوية مؤسسات تقوم على الشر والفساد ، وهي تقوم بترتيب وتنظيم كبيرة من كبائر الذنوب وهي الربا ، فهي مؤسسات تحارب الله ودينه ، والوعيد على أكل الربا لا محالة طائل من قام بتأسيسه والمساهمة فيه ، ومن وضع ماله عندهم ، ومن أذن بقيامه ورخَّص له بمزاولة عمله ، فليحذر المسلم من أن يكون له صلة بتلك المؤسسات إلا أن يكون مضطراً لذلك ، ولا يجد مناصاً من ذلك .
ومن الضرورات في زماننا هذا : ما تفعله الدول والمؤسسات العامة والخاصة من تسليم موظفيها رواتبهم وحقوقهم من خلال بنوك ربوية ، وهذا الفعل حرام على تلك الجهات ؛ لأنه يقوي مكانة تلك البنوك ، ويساهم في فائدتها ، ولا يلحق الموظف حرج ولا إثم إن استلم راتبه عن طريق تلك البنوك الربوية ، لكن بشروط :
الأول : أن لا يجد الموظف طريقة أخرى غير ذلك البنك الربوي ، فإن استطاع استلام راتبه من مؤسسته ، أو استلامه من خلال بنك إسلامي : فلا يكون معذوراً .
الثاني : أن لا يدع شيئاً من راتبه لذلك البنك الربوي ، وإلا كان مساهماً في فائدتهم وانتفاعهم .
والحل لمن كان مضطراً اضطراراً ملجئاً لتلك البنوك : أن يفتح فيها حساباً جارياً ، ويكون تحويل الراتب إليه ، ومن المعلوم أن الحسابات الجارية شأنها أخف من حسابات التوفير ، فهي مضمونة من البنك ، ولا يُسمح لهم بالاستفادة منها وتشغيلها .
قال علماء اللجنة الدائمة :(/1)
" لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك ؛ لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك ، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 288 ، 289 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
" يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق : فلا بأس , يفتح حساباً ، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني : لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا : فلا بأس " انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 111 / السؤال رقم 10 ) .
ولا حرج من ترك الأموال في البنوك الربوية لحفظها ، ولكن بشروط ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (22392) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
102700
العنوان:
الصلاة خلف إمام يتعمد قول سبحان ربي الأعلى في الركوع
السؤال:
يوجد لدينا إمام مسجد في المنطقة التي نقيم فيها يقول في الركوع سبحان ربي الأعلى، وعندما نصحه أحد الإخوة بأن هذا خطأ وأن قول سبحان ربي العظيم في الركوع واجب مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (وأما الركوع فعظموا فيه الرب) ، قال : "كلها تسابيح"، فما حكم ذلك؟ وهل الصلاة خلف هذا الرجل صحيحة؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
دلت السنة الصحيحة على أن المصلي يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ، ويقول في سجوده : سبحان ربي الأعلى ، وهذا ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره .
فقد روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثم ذكر الحديث .... وفيه: ( ثُمَّ رَكَعَ , فَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ) .
وروى أحمد وأبو داود (869) وابن ماجه (887) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضى الله عنه قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ . فَلَمَّا نَزَلَتْ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قَالَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ . حسنه الألباني في مشكاة المصابيح .
وثبتت صيغ أخرى تقال في الركوع كقوله : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، وينظر جواب السؤال (39172) .
ثانيا :
اختلف الفقهاء في حكم التسبيح في الركوع والسجود ، فذهب الجمهور إلى أنه مستحب ، وذهب أحمد وإسحاق وداود إلى وجوبه ، وهو الراجح .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/297) : " والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع , وتسبيح الركوع والسجود , وقول : سمع الله لمن حمده , وربنا ولك الحمد , وقول : ربي اغفر لي - بين السجدتين - , والتشهد الأول , واجب . وهو قول إسحاق , وداود .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به - وأمره للوجوب - , وفعَله . وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله : ثم يكبر , ثم يركع حتى تطمئن مفاصله , ثم يقول : سمع الله لمن حمده , حتى يستوي قائما ثم يقول : الله أكبر , ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا , ثم يقول : الله أكبر . ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا , ثم يقول : الله أكبر . ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله , ثم يرفع رأسه فيكبر . فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته ) . وهذا نص في وجوب التكبير" انتهى . وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "قول المصلِّي في ركوعه: "سبحان رَبِّي العظيم" واجب، وفي سجوده: "سبحان رَبِّي الأعلى" واجب.
والدليل على هذا : أنه لما نَزَلَ قول الله تعالى : ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" وهذا بيانٌ مِن النبي صلى الله عليه وسلم لموضع هذا التسبيح ، ومِن المعلوم أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن يجب علينا أن نَرْجِعَ إليه ؛ لأن أعلم الخَلْقِ بكلام الله هو رسول الله ، ولهذا كان تفسير القرآن بالسُّنَّة هو المرتبة الثانية ، فالقرآن نُفسِّرُه أولاً بالقرآن ، ويُفسَّر بعد ذلك بسُنَّة رسول الله؛ لأنها تبيِّنه مثل هذه الآية : ( فسبح باسم ربك العظيم) حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" .
وهذا بيان لموضع هذا التَّسبيح .(/2)
وأما تسبيحة السُّجود فهي أيضاً مفسَّرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في سجودكم" حين نَزَلَ قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)" انتهى من "الشرح الممتع" (3/320).
وعلى القول بالوجوب ، فإن من تعمد ترك التسبيح ، أو تعمد أن يقول في الركوع : سبحان ربي الأعلى ، دون أن يقول : سبحان ربي العظيم ، فصلاته باطلة ؛ لأنه تعمد ترك واجب ، وأما على قول الجمهور ، فقد ترك مستحبا وصلاته صحيحة ، وهذا الإمام إن كان مقلدا لمذهب من يرى الاستحباب ، فصلاته صحيحة ، والصلاة خلفه جائزة ، لكن ينبغي نصحه ، وحثه على التزام السنة ، ففي التزامها الخير والهدى والفلاح ، والمصلي مأمور بأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته من غير زيادة ولا نقصان ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631) ، فلا يليق بهذا الإمام أو غيره أن يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعرض صلاته للبطلان .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102711
العنوان:
حكم الصلاة خلف من يدعي قراءة الكف والفنجان
السؤال:
هل تجوز الصلاة وراء مشعوذ ؟ علما أنني متأكد أنه يدعي قراءة الكف والفنجان . وأنه يؤم الناس عندما يغيب الإمام الراتب . وليس هناك غيره ممن يحفظ القرآن .
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز الصلاة خلف من يدعي علم الغيب عن طريق قراءة الفنجان أو الكف أو غير ذلك ، لأن ادعاء علم الغيب كفر .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن ؟
فأجاب : " إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه ؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر ، نسأل الله العافية , يقول جل وعلا : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) النمل/65 ، وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار ، لقول الله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) البقرة/102 . أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة ، احتياطاً للدين ، وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه .(/1)
أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة ، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم . أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلب منهم المدد فهذا لا يصلى خلفه ؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار ، لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها . ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يولي عليهم خيارهم ، إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278).
وهذا المسئول عنه ينبغي نصحه وبيان الحق له ، كما ينبغي تنبيه الإمام الراتب إلى حاله ، ليمنعه من الإمامة في حال غيابه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102713
العنوان:
أقام علاقة مع فتاة متزوجة ويريد أن يسعى في تطليقها ويتزوجها
السؤال:
أنا شاب ، لم أقم أي علاقة مع فتيات من قبل ، وأخاف الله ، ولم أقم بالشات من قبل ، ولكن بالصدفة قمت تعرفت على فتاة بريطانية من النت ، ووجدت فيها العديد من الصفات التي أتمناها ، واكتشفت أنها - من قبل معرفتي بها - قد أسلمت ، وتزوجت من شخص لا يراعي الله فيها ، فهو لا يصلى ، ولم يعلمها الصلاة ، ويجبرها على الخروج معه ومع أصدقائه ، ويخرج مع فتيات ، وسمح لابن عمه بالإقامة معهم ، ويضربها لأتفه الأسباب ، ويسبها دائما بألفاظ خارجة لدرجة أنها تعتقد أن ضرب المرأة من الإسلام ، وقد حاولت معها ومعه - لأنه يعرف أنى أكلمها- إلا أنه يتمادى ، وبصراحة : فقد أحببت تلك الفتاة ! وأشفق عليها من الحياة مع إنسان لا يراعي الله فيها ، ولا يعلمها دينها ، بالرغم من رغبتها الشديدة في تعلم الإسلام ، وقد علمتها الصلاة بإرسال ملفات بالانجليزية ، المشكلة الآن أنى أريد الزواج منها ، فهل يحق لي أن أنصحها بالطلاق ! أقر أنى قد أخطأت من البداية بكلامي معها ، فهل هذا ينطبق عليه قول " ما بني على باطل فهو باطل " ، و " ما نبت من الحرام فالنار أولى به " , أي : لو تزوجتها ، وبنيت معها أسرة ملتزمة فهذا مبنى على خطأ لا يشفع لي عند الله ، لقد قررت قطع علاقتنا مؤقتاً - مع العلم أني لم أقابلها- حتى أعلم الحكم الشرعي ، وهي على استعداد لترك كل شيء هناك ، وتأتى لنتزوج ، ونكوِّن أسرة ملتزمة ، وهل فعلي للخير بنية أن ييسر الله زواجي منها نية باطلة تبطل هذه الأعمال ، أنا - والله - أخشى الله ، والله يعلم أن نيتي أن أعلمها الإسلام ، ولا أنوي التغرير بها ، وأنا متأكد من نيتها ، وحتى أمها غير المسلمة ترى أن نتزوج ، مع العلم أنهما متزوجان في مسجد ، وليس طبقا للقانون ، وقرأت فتاوى تقول بأنه ما دام لا يصلي فالزواج يبطل ، وأنه من حقها الطلاق(/1)
لأنه يضربها ويسيء لصورة الإسلام ، فهل من حقي أن أخبرها بذلك - لأنها عندما تسألني لا أجيب - مخافة أن يحاسبني الله على تخريب هذه الأسرة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نرى أن عندك من الخير ما تستحق أن نثني عليك من أجله ، فخوفك من الله أن تكون لك علاقات محرمة مع أجنبيات مراسلة ، ومحادثة ، وقطعك للعلاقة مع تلك الفتاة انتظار معرفة الحكم الشرعي : كل ذلك يدل على خير وصلاح ، ونحن نحثك على أن تتزود من التقوى للدار الآخرة ، ونسأل الله أن يحبب إليك الإيمان وأن يزينه في قلبك ، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان .
وأما علاقتك مع هذه المرأة ؛ فالواجب الحتمي عليك الآن هو قطع علاقتك بها ، وعدم مراسلتها ، ولا محادثتها ، ولا يسعك غير هذا ، وأما سوء العشرة بينها وبين زوجها ، فلعل الله أن يهديه ويحافظ على الصلاة ، ويحسن عشرتها ، ويلقي الله المحبة بينهما بعد الكراهية ، ولعل كلامك معها سبب لازدياد سوء العشرة بينها وبين زوجها ، حيث تقارن بين حسن كلامك معها ، وسوء خلق زوجها ، فيحملها ذلك على عدم الصبر على زوجها ، وزيادة كراهيتها له .
ونخشى أن يشملك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أفسد امرأة على زوجها فليس منا) رواه أحمد وأبو داود (5170) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (324) .
وأما كون العقد يبطل بسبب ترك زوجها للصلاة ، فهذا يختلف الحكم فيه بين كونه تاركاً للصلاة عند العقد عليها ، أو كان مصلياً ولكنه ترك الصلاة بعد العقد .
وقد بينا حكم ذلك في جواب السؤال رقم (4131) .
وعلى كل حال ؛ فهي التي تبحث عن حكم ذلك ، وتسأل كيف تتصرف؟ وهي التي تحل مشكلاتها مع زوجها ، وهي ـ أيضا ـ التي تحرص على ألا تعصي الله تعالى ، ولا تطيعه فيما يأمرها به من المعصية ، مثل الإقامة مع رجل أجنبي ، والخروج معه في وجود أصدقائه ، وما أشبه ذلك .(/2)
وعلى كل حال ؛ فهي التي تسعى في إصلاح الخلل الموجود في حياتها ؛ فإما أن تستقيم الحياة بينهما بالمعروف ، قدر الإمكان ، وإما أن يتفرقا ، والله يغني كلا من سعته بمنه وفضله .
فاحذر ـ أيها الأخ الكريم ـ من الشيطان أن يفتح لك بابا للمعصية من خلال اهتمامك بحكم ترك زوجها للصلاة ، وبحكم ضربها والإساءة إليها ، فمثل هذا الأمر متكرر في بيوت كثيرة ، فهل يحل لك تتبع أولئك الأزواج في بيوتهم ، والحديث مع نسائهم بحجة نصحهن وبيان الحكم الشرعي لهن ؟! والشيطان له طرقه في إيقاع أهل المعاصي ، وله طرقه في إيقاع أهل الطاعات ، فاحذر من الشيطان أن يوقعك في حباله بحجة النصح وتبيين الحكم الشرعي .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يهديك سواء السبيل .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
102738
العنوان:
تعرف إلى فتاة ويسأل عن إتمام الزواج
السؤال:
هذه قصتي مع الهاتف ، أنا شاب تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف ، وتكلمت معها فترة طويلة لمدة خمسة شهور ، وبعد مرور خمسة شهور قالت لي الفتاة إنها تخاف من كلامي معها ؛ لأنه حرام ، وعرضت عليها أن أتزوجها عبر الهاتف بأنها تقول لي : زوجتك نفسي ، وأنا أقول لها : وأنا قبلت الزواج منك . وكان شرطها أنه زواج مع إيقاف التنفيذ ؛ لأن شروطه غير مكتملة ، وبعد ذلك تحدد يوم لمقابلة أمها وزوج أمها ، وذهبت وطلبت الفتاة من أمها ووافقت الأم ، ولكن زوج الأم رفض ، وبعد فترة رفضت الأم هي الأخرى ، وفي بعض الأحيان تقول انتظر حتى تنتهي البنت من الجامعة ، وتطورت المسألة بيني وبين الفتاة في الهاتف ، وبدأ الحديث يأخذ مجرًى آخر ، أصبحنا نتحدث مثل الأزواج ، وما زلت متمسكا بها أكثر من الأول ؛ لأنها إنسانة طيبة والله أعلم ، وبعد ذلك ندمنا على كل هذا ، وبدأنا نحفظ القرآن ، وهو شرطنا الآن حتى نتزوج ، وفي يوم تحكى لي الفتاة قصة غريبة ، أن أمها تركت أباها وهو في المستشفى في آخر أيام عمره ، وطلبت منه الطلاق ، وقالت له إنها تحب رجلا ثانيا ، وبعدها توفي الزوج ، وبدأت تدخل الرجل الثاني البيت ، وسألتها الفتاة : من هذا ؟ قالت لها : إنها متزوجة عرفيا ، سألتها الفتاة عن شهور العدة . قالت لها : أنا منفصلة عن أبيك من أكثر من سنة ، وبعد فترة انفصلت عن هذا الرجل ، وتزوجت صديقه ، والغريب أنه كان عنده علم ، وبعد زواجها من هذا الرجل انشغلت أكثر من الأول عن أولادها بهذا الزوج الجديد ، الذي يأخذ من أموال اليتامى لكي يرسل الأموال إلى الزوجة الأولى وأولاده ، وبعد فترة أنجب منها . ملحوظة : حتى وقتي هذا لم أقابل هذه الفتاة ، وهى تعرض علي أن أقابلها وأنا أرفض . هل هذا الزواج صحيح أم لا ؟ هل أكمل الطريق مع هذه الفتاة أم أبتعد عنها ؟ هل البنت لها ذنب في موضوع أمها ؟(/1)
هل البنت ممكن أن تكون مثل أمها في يوم من الأيام ؟ ماذا أفعل ؟ دلوني بعد أن بدأت الفتاة في حفظ القرآن ، وتعرف الصواب من الخطأ .
الجواب:
الحمد لله
لقد كان الأحرى بك – أخانا الكريم – أن تسأل عن الحكم الشرعي قبل أن تُقدم على ما عملت ، وليس أن تبدأ بالخطأ والمعصية ثم تسعى في التفتيش عن مخرج ينجيك مما قدمت يداك . ونحن نوجهها لك نصيحة ولجميع أبنائنا وإخواننا من شباب المسلمين أن يتقوا الله في أنفسهم ، وأن يتقوا الله في قلوبهم وقلوب فتيات المسلمين ، وألا يميلوا عن الصراط المستقيم الذي شرعه الله تعالى ، حيث أمر باجتناب الفتن ، والبعد عن طرق الهوى والشيطان .
يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21
ويقول تعالى : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/268
وقال سبحانه : ( وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ) النساء/60
ويقول الحق عز وجل : ( إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) القصص/15
وأعظم الغفلة حين يعمى القلب عن مراقبة الله ، وحين يفقد الحسَّ الإيماني الذي يلوم نفسه الخطاءة على معصيتها ويحثها إلى الطاعة ، أو حين تقع النفس في المعصية فتشغلها الغفلة عن حقيقة معصيتها ببعض الرسوم والعوارض التي لا أهمية لها .
يقول ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص/33) :(/2)
" فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم عليه الصلاة و السلام ، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم " انتهى .
إن الزواج الشرعي الذي أحله الله تعالى لعباده معروف معلوم ، لا تسأل أحدا عنه إلا أخبرك : كيف يتزوج الناس في النور ، ويفرحون ، ويفرح لهم إخوانهم وأهلوهم : فالحلال بيِّن ، والحرام بين !!
وأما ما فعلته ـ أنت وهي ـ من الزواج الهاتفي : تزوجيني ، زوجتك .. ، فهذا كله ـ أيها السائل ـ لعب بآيات الله ، وتعد لحدوده سبحانه : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية231) .
أين ولي الفتاة – وهو أخوها الأكبر ، ثم عمها ، وليس زوج أمها - .. وأين الشهود ، وأين المهر ، وأين الإعلان ، أين هي علامات الزواج الشرعي وأماراته ؟!!!
الطريق الصحيح أن تكرر طلب الزواج من الفتاة من ولي أمرها ، وتنظر إليها النظر الشرعي كي يطمئن قلبك إلى صورتها ومظهرها ، وتقطع خلال ذلك وقبله الحديث معها في أي موضوع حتى يتم الإيجاب والقبول بينك وبين ولي أمرها برضاها ، ويحضر الشهود ، ويدون العقد في السجلات الرسمية ، فإن لم تُفلح في نيل رضى وليها فعليك بالمحاولة مرات أخرى بواسطة أهل الخير والفضل ، والله سبحانه وتعالى يقدر لك الخير إن صدقت في طلب الحلال وأخلصت في الدعاء والاستخارة .
ولكن يجب قبل ذلك كله تقديم التوبة الصادقة بين يدي الله تعالى ، وسؤاله العفو عما سلف من الزلل ، ومعاهدته سبحانه على عدم العود .(/3)
وحين يتم الزواج بشروطه وأركانه فهو زواج صحيح ، ووقوع والدتها في الإثم والخطيئة لا يعني بالضرورة مشابهة ابنتها لها ، فكثير من الأسر العاصية يخرج من بينها أبناءٌ بررةٌ صالحون ، والعكس كذلك ، فإن كنت ترى فيها بوادر الخير والصلاح فاسْعَ في الزواج بها ، ولا تترفع عنها بخطيئة والدتها ، وأمر الهداية في يد الله عز وجل ، ونحن لا نحكم إلا على الظواهر ، والله يتولى السرائر .
وإلى أن يتم بينكم الزواج الحقيقي الذي شرعه الله ، لا اللعب بآياته ، والعدوان على حرماته ، يجب أن يتوقف كل حديث بينكما ، ولو في الهاتف ، ولو كان ذلك الحديث عن القرآن الكريم ؛ ومن يخادع الله يخدعه !!
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102744
العنوان:
بيع السلع لمن يسدد ببطاقة الفيزا مع دفع عمولة للبنك تزاد في ثمن السلعة
السؤال:
أعمل محاسبا بإحدى الشركات التي لها معارض بيع تستخدم أجهزة الفيزا والماستر كارد لجميع البنوك بعملية البيع ، والبنك يأخذ عمولة منا على قيمة كل عملية من 2% إلى 3% نقوم بتسجيلها كمصروفات بنكية ونحصلها من العميل مع المبيعات . السؤال : هل استخدام هذه الأجهزة مباح شرعا ؟ وإن كان غير مباح فهل يعد مستخدمها يسهل الربا ؟ وهل ما نقوم بتسجيله كمصروفات بنكية هو تسجيل للربا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في إصدار البطاقات الائتمانية ، واستعمالها ، إذا سلمت من المحاذير الشرعية كاحتساب فائدة على التأخر في السداد ، أو أخذ نسبة على السحب ، لاندراج ذلك في الربا المحرم.
وقد أصدرت بعض البنوك الإسلامية بطاقات خالية من هذه المحاذير .
ثانيا :
لا حرج على البائع في تقاضي ثمن المبيع من المشتري عن طريق هذه البطاقات ، سواء كانت البطاقة مشروعة أو ممنوعة ، أما المشروعة الخالية من المحاذير فأمرها واضح ، وأما الممنوعة فلأن إثم الحرام فيها راجع على البنك والعميل ، ولا علاقة للبائع بذلك ؛ إذ له أن يبيع لمن اقترض بالربا ، وإثم الربا على فاعله.
ثالثا :
يجوز للبائع أن يدفع عمولة للبنك ، بشرط ألا يزيدها على المشتري ، بل يبيع له السلعة كما يبيعها لمن يشتري بالنقد .
وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن بطاقة الائتمان على : " جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه ، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد " انتهى ، وانظر نص القرار كاملا في جواب السؤال رقم (97530) .
وخلاصة الجواب : أنه يجوز لكم تحصيل ثمن المبيعات عن طريق بطاقات الائتمان ، بأنواعها ، كما يجوز دفع عمولة للبنك لتسهيل هذه العملية ، بشرط ألا تزاد العمولة على المشتري .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102755
العنوان:
دفع الزكاة للمرأة الفقيرة إذا كان زوجها لا ينفق عليها
السؤال:
عندي مال زكاة ولي خالة مسكينة لها أولاد كثر مع أن زوجها غني لكنه لا ينفق بشكل كاف لكثرة زوجاته وأولاده فهل أستطيع أن أعطيها المبلغ ؟
الجواب:
الحمد لله
المرأة إذا كانت متزوجة لزم زوجها أن ينفق عليها ، فإن كان معسرا أو ممتنعا عن النفقة ، وكانت هي فقيرة لا مال لها ، جاز أن تعطى من الزكاة .
ولا حرج عليك أن تعطيها من زكاتك لأنك غير ملزم بالنفقة عليها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/279) : " وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها , لم يجز دفع الزكاة إليها ; لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من نفقتها الواجبة ...وإن لم ينفق عليها , وتعذّر ذلك , جاز الدفع إليها , وقد نص أحمد على هذا " انتهى باختصار .
وقال النووي رحمه الله في "المنهاج" : " والمكفي بنفقة قريب أو زوج ليس فقيرا ولا مسكينا في الأصح "
"مغني المحتاج" (4/176).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : لي أخت متزوجة وحالها مستورة، فهل يجوز لي دفع جزء من زكاة مالي إليها، لرفع مستوى معيشتها، وإعانتها على تربية أولادها، وخاصة أن زوجها لا يهتم إلا بنفسه، وقد تعبنا في إصلاح حاله.
فأجاب : " إن كانت فقيرة، وزوجها لا ينفق عليها، وعجزتم عن إصلاح حاله، ولم يتيسر من يلزمه بذلك، فإنه يجوز إعطاؤها من الزكاة قدر حاجتها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/269).
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : شخص لديه ابنة أخت متزوجة من رجل لديه امرأة أخرى، هل تعطى هذه البنت من الزكاة؟
فأجاب : نعم ، يعطيها خالها إذا كانت فقيرة وزوجها لا ينفق عليها؛ لفقر أو بخل ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/257) : " قوله : ( ولا تدفع [ يعني الزكاة ] إلى فقيرة تحت غني منفق ).
اشترط المؤلف شرطين هما:
الأول : أن تكون تحت غني.(/1)
الثاني : أن يكون منفقاً باذلاً للنفقة، فلا تدفع إليها؛ لأنها في الحقيقة غير فقيرة، إذ إن زوجها الذي ينفق عليها قد استغنت به.
فإن كانت تحت فقير، فتحل لها، وتحل لزوجها؛ لأن الوصف منطبق عليها.
وإذا كانت تحت غني ، لكنه من أبخل الناس فتعطى من الزكاة ؛ لأنها فقيرة ، ولم تستغن بزوجها، فتدخل في قوله تعالى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ .)
فإن قال قائل: لماذا لا تقولون لها : طالبي الزوج وارفعيه إلى المحكمة؟
قلنا: لا نقول لها ذلك؛ لأن هذا يترتب عليه مشاكل، فقد يفضي إلى أن يطلقها، وهذا ضرر عليها، ودفع حاجتها لدفع هذا الضرر لا شك أنه مما جاءت به الشريعة " انتهى مختصرا .
والحاصل : أنه يجوز أن تدفع زكاتك إلى خالتك إذا كانت فقيرة أو مسكينة ، ولا يعطيها زوجها ما يكفيها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102757
العنوان:
مهر الحور العين
السؤال:
هل صحيح أن الحصى والفتات الموجود في المسجد هو عبارة عن مهر للحور العين ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لم يرد تعيين مهر الحور العين في حديث صحيح ، وكل ما ورد فيه فهو إما ضعيف جدا أو موضوع ، ومجموع ما ورد في ذلك عن ستة من الصحابة :
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا قال : ( كم من حوراء عيناء ما كان مهرها إلا قبضة من حنطة أو تمر )
رواه العقيلي (1/42) وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وابن حبان في "المجروحين" (1/98)
قال ابن الجوزي : " المتهم به أبان . قال أبو حاتم بن حبان : أبان بن المحبر يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم حتى لا يشك المتبحر في هذه الصناعة أنه كان يعملها ، لا تجوز الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار ، وهو الذى روى عن نافع هذا الحديث وهو باطل ، وقال الدار قطني : أبان متروك " انتهى .
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (رقم/641) : " قال أبِي : هذا حدِيثٌ باطِلٌ ، وأبانٌ هذا مجهُولٌ ضعِيفُ الحدِيثِ " انتهى . وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/571) : موضوع .
2- ويروى عن أبي هريرة أيضا حديث : ( مهر الحور قبضات التمر وفلق الخبز )
رواه ابن عدي في "الكامل" (5/25) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال : " المتهم به عمر بن صبح . قال ابن حبان : كان يضع الحديث عن الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب " انتهى .
3- ومما اشتهر أيضا بين الناس مما لا يصح ، حديث أنس : ( كنس المساجد مهور الحور العين )
رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (برقم/4896) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال :
" فيه مجاهيل . وعبد الواحد ليس بثقة . قاله يحيى . وقال البخاري والفلاس والنسائي : متروك الحديث " انتهى . وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (برقم/4147)
4- ويحكى عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :(/1)
( يا علي ! أعط الحور العين مهورهن : إماطة الأذى عن الطريق ، وإخراج القمامة من المسجد ، فذلك مهر الحور العين )
أخرجه الديلمى في "مسند الفردوس" (رقم/8335) وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/553) وعزاه في "كنز العمال" (16/229) لابن النجار . وفي إسناد ابن شاهين : المعافى بن مطهر ، ومورع بن جبير لم أقف لهما على ترجمة ، إلا شيئا يسيرا عند ابن ماكولا في "الإكمال" (7/263)
5- وجاء أيضا عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قبضات التمر للمساكين مهور الحين العين )
أخرجه الديلمى في "الفردوس" (برقم/4645) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وعزاه السيوطي في "جامع الأحاديث" (برقم/15093) إلى الدارقطني في "الأفراد"
قال ابن الجوزي : " تفرد به طلحة عن الوضين . قال السعدي : الوضين واهى الحديث . قال النسائي : وطلحة متروك . وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه " انتهى .
وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6197)
6- ويروى عن أبي قرصافة واسمه " جندرة " حديث في مهر الحور العين : ( إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين )
أخرجه الطبرانى (3/19) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5 /110) وأبو بكر الشافعى فى الفوائد (2/23/2) وابن منده فى "المعرفة" (2/259 برقم/6340) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/144) لأبي بكر الشافعي في رباعياته . قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/113) : " في إسناده مجاهيل " انتهى . وقال الشيخ الألباني "السلسلة الضعيفة" (رقم1675) : " وهذا إسناد مظلم ، مَن دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال ، حاشا محمد بن الحسن بن قتيبة ، فإنه حافظ ثقة ثبت " انتهى .
والحاصل أنه لم يصح حديث في تعيين مهر الحور العين ، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات" (3/254) :
" هذا حديث لا يصح من جميع جهاته " انتهى .
ثانيا :(/2)
مهر الحور العين الحقيقي هو كل عمل صالح يقرب إلى الله تعالى ، ويكون سببا في دخول الجنة .
يقول القرطبي رحمه الله في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/556) :
" باب ما جاء أن الأعمال الصالحة مهور الحور العين .
أورد فيه بعض الأحاديث السابقة ثم قال :
وقال محمد بن النعمان المقري :
كنت قاعدا عند الجلا المقرى بمكة في المسجد الحرام ، إذ مر بنا شيخ طويل نحيل الجسم عليه أطمار خلقة ، فقام إليه الجلا ووقف معه ساعة ثم انصرف إلينا فقال : هل تعرفون من هذا الشيخ ؟ فقلنا : لا . فقال : ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة ، فلما أكملها رآها في المنام في حليها وحللها فقال : من أنت ؟ فقالت : أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة هذا الثمن فما نحلتي أنا منك ؟ قال : ألف ختمة قال الجلا : فهو يعمل فيها بعد .
وروى عن سحنون أنه قال : كان بمصر رجل يقال له سعيد ، وكانت له أم من المتعبدات ، وكانت إذا قام من الليل يصلي تقوم والدته خلفه ، فإذا غلب عليه النوم ونعس تناديه والدته :
" يا سعيد ! إنه لا ينام من يخاف النار ، ويخطب الحور الحسان " فيقوم مرعوبا .
ويروى عن ثابت أنه قال : كان أبي من القوامين لله في سواد الليل قال : رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء فقلت لها : من أنت ؟ فقالت حوراء أمة الله فقلت لها : زوجيني نفسك . فقالت : اخطبني من عند ربي وأمهرني . فقلت : وما مهرك ؟ فقالت : طول التهجد . وأنشدوا :
يا خاطب الحور في خدرها وطالبا ذلك على قدرها
انهض بجد لا تكن وانيا وجاهد النفس على صبرها
وقم إذا الليل بدا وجهه ... وصم نهارا فهو من مهرها
وقال مالك بن دينار : كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة ، فنمت ذات ليلة ، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال ، وبيدها رقعة فقالت : أتحسن أن تقرأ ؟ فقلت : نعم فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :(/3)
لهاك النوم عن طلب الأماني وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيها وتلهو في الخيام مع الحسان
تنبه من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقران " انتهى باختصار .
وبنحوه في كلام ابن رجب في رسالته "اختيار الأولى" (ص/12) وفي "لطائف المعارف" (ص/159)
وانظر سؤال رقم (10053) عن الحور العين .
وأما تنظيف المساجد فهو أمر مندوب إليه ، وجاءت فيه أدلة كثيرة في الحث عليه وبيان فضله ، وسبق في موقعنا ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم : (20160)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102782
العنوان:
حكم العمل في صنع تقارير صحفية مصورة وحكم المال المكتسب منه
السؤال:
أعمل كتقني صوت في هيئة إعلامية وطنية ، حيث نقوم بالتحقيقات المصورة ، ومعي في الفريق صحفي ، ومصور ، وإضائي ، وقد منَّ الله عليَّ بالالتزام منذ عدة أشهر ، والحمد لله ، إلا أني أصبت بحيرة كبيرة بخصوص عملي ، حيث إن التحقيقات المصورة التي تعرض في التليفزيون الوطني فيها الرياضة ، والاقتصاد ، والأخبار ، إلا أنه في بعض الأحيان يطلبون منا تصوير بعض الحفلات ، والمسرحيات ، والعروض الموسيقية ، مع العلم أنه توجد لجنة رقابة ، إلا أني منذ التزامي أرفض دخول هذه المواقع ، وأسلِّم أجهزتي إلى الصحفي ليقوم بعملي . سؤالي : هل عملي حلال أم حرام ؟ كما أني جمعت بعض المال لكي أحج ، وقد جمعت أكثره قبل التزامي ، فهل مالي حلال أم حرام ؟ وإن كان حراماً فهل يمكن أن أعطي المال لوالدتي كي تحج ؟ وهل من طريقة لتطهير مالي إن كان عملي حراماً ؟ هل يمكنني البقاء إلى أن أجد عملا آخر مع العلم أنه لا توجد لدينا قنوات دينية ، والقنوات الأخرى حالتها بائسة وماجنة ؟ أرجوكم أن ترشدوني ، هل أعمل أم أبقى عاطلا - مع العلم أن والدتي ترفض قطعا أن أبقى عاطلا ، ونصحتني بالصبر إلى أن يمنَّ الله عليَّ بعمل آخر - ؟ أرجوكم أرشدوني ، فقد كرهت نفسي ، وعملي .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن منَّ عليك بالهداية ، ونسأله تعالى أن يوفقك لمزيد من الهدى ، وأن يثبت قلبك على الإيمان ، وأن يطهر جوارحك من الآثام .
واعلم أخي الفاضل أن الدنيا مهما اتسعت لصاحبها فإن مصيره دار ضيقة وهي القبر ، وأن النِّعم مهما عظمت فمصير بدنه أن يكون طعاماً للدود ، واعلم أن الحياة الحقيقية هي الحياة في الآخرة ، وأن الدار التي يحرص المسلم على سكناها هي الجنة ، حيث لا هم ولا حزن ، ولا مرض ولا ملل ، يتقلب فيها بين نعَم الله تعالى وأفضاله .
ثانياً:(/1)
أما عملك الحالي : فإنك لا تشك أن فيه من الحرام الشيء الكثير ، وهو كذلك ، فكل تقرير تشارك في إعداده يحتوي على أمرٍ محرَّم منكر – كموسيقى ، أو نساء متبرجات ، أو دعوة لأمر محرَّم مخالف للشرع - : فلك نصيب من الإثم بقدر مساهمتك ومشاركتك في ذلك الإعداد ، وهو من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه في قوله تعالى ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
وقد أمرنا الله تعالى أن نسعى في الأرض لطلب الرزق ، لكنه حرَّم علينا الكسب من حرام ، فكل عملٍ يساهم في ظهور المنكر وانتشاره بين الناس فهو عمل محرم ولا يخفى عليكم أن اعتياد الناس المحرمات كتبرج النساء والاختلاط والموسيقى .. وغير ذلك كثير إنما كان سببه الإعلام .
ثالثاًَ:
الذي ننصحك به هو أن تبحث عن مجال مباح في الوظيفة نفسها ، ولا تتعجل تركها إذا وجدتَ مجالاً آخر لا حرج فيه شرعاً ، ولو أدى هذا إلى أن تعمل في غير تخصصك ، لكن إن وجدت باباً في تخصصك ويكون مجال العمل مباحاً : فانتقل إليه ، فإن لم يتيسر لك ذلك ، وضاقت عليك فرص الحصول على عمل مباح في قسمك أو في قسم آخر : فليس لك إلا ترك الوظيفة ، محتسباً تركها لله تعالى ، راجياً أن تكون طائعاً لربك في الابتعاد عن كل ما يسخطه عز وجل ، وراجياً أن يكرمك الله في الدنيا والآخرة ، واعلم أنك إن اتقيت ربَّك تعالى في نفسك ووظيفتك ومالك : فإن لك الوعد منه عز وجل بالخير في الدنيا والآخرة ، كما قال ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/ 2،3 .
رابعاً:
أما المال الذي اكتسبته سابقاً : ففيه تفصيل :(/2)
1. إذا لم تكن تعلم أن عملك محرم : فالمال الذي اكتسبته منه وتجمع عندك حلال ، لك التصرف فيه وفق شرع الله ، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حالة مشابهة في جواب السؤال رقم : ( 12397 ) .
2. وإذا كنتَ تعلم أن عملك محرماً : فإن عليك أن تقدِّر نسبة الحرام في عملك ، فتخرجها من مجموع المال الذي تملكته منه ، وتنفقها في وجوه الخير المختلفة ، وتنتفع بالباقي فهو لك حلال ، وذلك أن عملك ليس كله حراماً ، ويرجع تقدير النسبة فيه إليك .
3. لا حرج عليك في إعطاء والدتك من المال الذي تنوي إنفاقه لتحج به – إن كان الأمر على الصورة الثانية - ، ولا حرج عليها من قبوله ، فالمال المحرَّم كسبه إنما يكون حراماً على كاسبه فقط لا على المنتقل إليه .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
102794
العنوان:
حكم جلوس العروسين على المنصة بين النساء
السؤال:
ما حكم أن يزف الرجل مع عروسه في قاعة فيها نساء من غير المحارم ؟
الجواب:
الحمد لله
مِنصة العروس – وهو المكان الذي تُرفع عليه لتظهر أمام النساء – من العادات العربية القديمة ، تجتمع فيه النساء حولها للغناء والفرح ، لتزف العروس بعدها إلى زوجها ، حيث السعادة والسكينة المقصودة من الزواج .
غير أن الحال قد تبدل في هذه الأزمان ، فأحدث الناس في عاداتهم ما صيَّر الحلالَ حرامًا والمعروفَ منكرا ، فاختلطت بهذه العادة أشياء من المنكرات والمحرمات : من رقصٍ ماجنٍ ، وأصواتِ المعازف ، واختلاط الرجال بالنساء وغيرها ، ومن هذه المنكرات : جلوس الزوج مع عروسه على المنصة ، لتغني لهما النساء وهن في زينتهن وحليهن .
ووجه النكارة فيه أنه يودي بالرجل إلى الوقوع في النظر المحرم إلى النساء الأجنبيات ، وقد أخذن زينة الاحتفال ، وتبرجن ليوم الفرح ، وغالبا ما يتساهلن في إظهار ذلك للعروسين على المنصة ، ويشرعن في الغناء ، وأحيانا في الرقص بين أيديهما ، والواجب على النساء ستر وجوههن عن الأجانب ، وخفض أصواتهن في حضرتهم ، فهل يمتثل ذلك من يتساهل في وجوده عند جلوس العروسين على المنصة ؟!
وأنقل لك هنا - أختنا الفاضلة - مجموعةً من فتاوى أهل العلم في هذه المسألة :
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/120) :(/1)
" ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج ، وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه ، وكل متجمل أتم تجميل وفي أتم زينة - لا يجوز ، بل هو منكر يجب إنكاره والقضاء عليه من ولي الأمر الخاص للزوجين ، وأولياء أمور النساء اللاتي حضرن حفل الزواج ، فكلٌّ يأخذ على يد من جعله الله تحت ولايته ، ويجب إنكاره مِن ولي الأمر العام ، مِن حكام وعلماء وهيئات الأمر بالمعروف ، كل بحسب حاله من نفوذ أو إرشاد ، وكذلك استعمال الطبول وسائر المحرمات الى ترتكب في مثل هذا الحفل . نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه رضاه ، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأن يلهم الجميع رشده " انتهى .
وفيها أيضا (19/103) :
" السؤال : تعلمون أن الأعراس هذه الأيام بها نوع من عدم الحكمة والمغالاة في الأكل ، فهل يجوز أن أذهب إليها مع علم مسبق أنه سوف يكون هناك إسراف ؟
وهل يجوز أن أسمح لزوجتي أن تذهب إلى العرس ؟
علما أن العريس وبعض أهله الرجال وقت " الزفة " - على حد قولهم - يدخلون عند النساء . فما الحكم أثابكم الله وجزاكم خيرا ؟
فأجابت :
إذا كانت أحوال العرس كما ذكرت من المغالاة في الوليمة ، ومن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء عند ما يسمى بـ " الزفة " ، فلا تذهب إلى هذا العرس ، ولا تسمح لزوجتك بالذهاب إليه ، إلا إذا كان لديك من القوة والوجاهة ما تستطيع أن تغير به المنكر ، وترشد من حضر إلى الحق والصواب ، فيجوز لك الحضور ، بل يجب عليك ، إقامةً للحق والقضاء على المنكر ، وكذلك الحال بالنسبة لزوجتك ، والله الهادي إلى سواء السبيل " انتهى .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز (4/244) :(/2)
" ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء ، يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات ، وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال , ولا يخفى على ذوي الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير ، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات , وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة , فالواجب منع ذلك والقضاء عليه ، حسما لأسباب الفتنة ، وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر ، وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلاد وغيرها بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء ، وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم ، وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها ، التماسا لرضى الله سبحانه وتعالى ، وتجنبا لأسباب سخطه وعقابه " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" (النكاح/س رقم/415) السؤال الآتي :
ما حكم ما يسمى بالتشريع للفتاة أثناء الحفل بين النساء ، نرجو منكم إجابة جزاكم الله خيرا ؟
فأجاب رحمه الله :(/3)
" تشريع المرأة ليلة الزواج إذا كان على الوجه الذي لا يتضمن محظوراً فلا بأس به ، مثل أن يؤتى بالمرأة المتزوجة وعليها ثيابٌ لا تخالف الشرع ، وتجلس على منصة حتى يراها النساء ، وليس في النساء خليطٌ من الرجال ، وليس مع المرأة زوجها ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأن الأصل في غير العبادات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه ، أما لو كانت المرأة هذه تأتي إلى النساء ومعها زوجها ، أو يكون في محفل النساء رجال ، فإن ذلك لا يجوز ؛ لأن هذا يتضمن محظوراً شرعياً ، ثم إنه من المؤسف أنه في بعض الأحيان أو من عادات بعض الناس أن يحضر الزوج مع الزوجة في هذه المحفل ، وربما يُقَبِّلها أمام النساء ، وربما يلقمها الحلوى وما أشبه ذلك ، ولا شك أن هذا سخافةٌ عقلاً ومحظورٌ شرعاً : أما السخافة العقلية فلأنه كيف يليق بالإنسان عند أول ملاقاة زوجته أن يلاقيها أمام نساء يقبلها أو يلقمها الحلوى أو ما أشبه ذلك ، وهل هذا إلا سببٌ مثيرٌ لشهوة النساء ، لا شك في هذا .
وأما شرعاً فلأن الغالب أن النساء المحتفلات يكن كاشفات الوجوه ، بارزات أمام هذا الرجل ، وفي ليلة العرس ونشوة العرس يكن متجملات متطيبات ، فيحصل بهن الفتنة ، وربما يكون في ذلك ضرر على الزوجة نفسها ، فإن الزوج ربما يرى في هؤلاء المحتفلات من هي أجمل من زوجته وأبهى من زوجته ، فيتعلق قلبه بما رأى ، و( يقل قدر ) زوجته عنده ، وحينئذٍ تكون نكبة عليه وعلى الزوجة وعلى أهلها .
فالحذر الحذر من هذه العادة السيئة ، ويكفي إذا أرادوا أن تبرز المرأة وحدها أمام النساء كما جرت به العادة من قديم الزمان في بعض الجهات " انتهى .
ويقول أيضا في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم/85،ص/8) :(/4)
" ومن المنكر : أن يأتي الزوج في محفل النساء ويكون قد أعد له ماسة ، وإن شئت فقل : منصة ، ويجلس هو والزوجة أمام النساء ، حتى قيل : إن بعض السفهاء يقبل زوجته أمام النساء !! نعوذ بالله ! ألا يثير الشهوة هذا ؟! بلى والله ، مهما كانت المرأة في التقوى وتشاهد شاباً وشابة يقبل أحدهما الآخر إلا وستثور شهوتها ، وربما يأتي بتفاحة أو بحلوى ويلقمها الزوجة أمام النساء ، كل هذا من الفتن ، وهذا حرام بلا شك ، وأقبح من ذلك أن بعض الناس يأتي بفيديو ويصور هذا المشهد ، كل هذا حدثت أخيراً " انتهى .
وقد سبق في موقعنا نقل بعض الفتاوى في هذه المسألة ، فانظري الأرقم الآتية : (46979) ، (98933)
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
102799
العنوان:
هل يُنصح بالتزوج من امرأة غير متحجبة وتربت في بلد أجنبي ؟
السؤال:
أنا شاب مقبل على الزواج من فتاة مسلمة ، ولكنها تربت في بلد أجنبي ، وهي غير محجبة ، وأنا في حيرة ، وخوف ، وقلق ، ولا أعلم ماذا أفعل ، والسبب : أنه إذا حصل الزواج أن تبقى على ما هي عليه - أقصد " الحجاب " - وسؤالي هو : ما الذي يترتب علي ؟ هل هذا الزواج حرام ؟ وهل أأثم ؟ وماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
للزوجة دور بالغ الأهمية في بيتها ، وبصلاحها تصلح – إن شاء الله – ذريتها ، ولا يمكن تخيل مدى السوء الذي سيكون في بيت الزوجية في حال فساد تلك الزوجة ، فالزوج لن يجد في بيته السكن ، ولا المودة والمحبة ، كما أنها ستؤثر سلباً على أولادها ، من ذكور وإناث ، وهذا مشاهد لا يخالف فيه أحد .
وقد وجدت حالات كثيرة سعى أبطالها للتزوج بامرأة ناقصة الدين ، بل وفي أحيان أخرى تكون كافرة يطمع في إسلامها ، أو مبتدعة يطمع بإرجاعها لأهل السنَّة ، ولكن تبوء مشاريعهم بالفشل ؛ وقد رأينا كثيرين غرقوا في تلك البحار ، وما استطاعوا النجاة بأنفسهم .(/1)
وقد أوصانا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم بالتزوج بذات الدِّين ، فقَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) ، فعليك بهذه الوصية المباركة ، ولا تفرِّط فيها ، واعلم أن الزوجة ستكون عرض الإنسان وشرفه ، وستكون مربيةً لأولاده ، ومؤتمنة على ماله وبيته ، ولا خير في امرأة لا تحفظ هذه الوظائف ولا تقوم عليها حق القيام ، والإنسان ابن بيئته ، وابن بيته ، وإذا كان هذا الأمر يظهر في الرجال فإن ظهوره في الإناث آكد وأقوى ، فمن تربت في بلد أجنبي ، وفي بيت لا يعرف الاستقامة والالتزام فإنه ستظهر آثار تلك البيئة وذلك البيت على المرأة ولا شك ، إلا أن يرحم الله تعالى بعض الأفراد فيوفقهم للهداية والاستقامة ، ولو أنها كانت مقبلة على الهداية ، وترغب بالتخلص من ماضيها ، وتريد من يأخذ بيدها للاستقامة : لنصحناك بها ، ولرغبناك في التزوج منها ، أما وحالها ليس كذلك : فإننا لا ننصحك بالتزوج منها ، وابحث عن غيرها ، ولعلك أن توفق لذات الدين عاجلاً غير آجل .
وهذه فتاوى من علمائنا تؤيد ما قلناه لك ، ونصحناك به :
1. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
لي أخ سيتزوج من فتاة متبرجة ، فما واجبي نحوه ؟ وبماذا تنصحه بعد أن خطبها ؟ وما الواجب عليَّ فعله إذا استعملت آلات اللهو والغناء داخل البيت احتفالاً بالعرس ؟
فأجابوا :
" عليك أن تنصحه أن يتزوج بذات الدين ؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فاظفر بذات الدِّين ) ولا تحضر حفلة الزواج التي تستعمل فيها آلات اللهو والغناء إلا إذا كنت قادراً على إنكار المنكر ، فإن لم تكن قادراً على ذلك : وجب عليك اجتناب المنكر على الأقل " انتهى .(/2)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 182 ، 183 ) .
2. وسئلوا – أيضاً - :
ما حكم الإسلام في رجل تزوج بامرأة لا ترتدي الزي الإسلامي ، وهل يحمل سيئات أم لا على أنها متبرجة ، وبالرغم أنه نصحها وأمرها به هل يجوز له أن يطلقها ؛ لأنها لا ترتدي هذا الزي ؟ بالرغم أنها معترفة به وتقول : إنه فرض .
فأجابوا :
" على الزوج أن يستمر في نصحها وحسن توجيهها ؛ لعل الله أن يهديها ويوفقها ، وإذا بذل وسعه في نصحها : فليس عليه إثم ، فإن أصرَّت على البقاء على المنكر : فواجب عليه أن يطلقها " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 181 ) .
3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو يذكر صفات الزوجة :
( ديِّنَةٍ ) ، أي : صاحبة دين ، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( تُنكح المرأة لأربع : لمالها وحسبها وجمالها ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ، فالديِّنة تعينه على طاعة الله ، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده ، وتحفظه في غيبته ، وتحفظ ماله ، وتحفظ بيته ، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( فاظفر بذات الدين ) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ : فذلك نور على نور ، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة .
فلو اجتمع عند المرء امرأتان : إحداهما جميلة ، وليس فيها فسق أو فجور ، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها ، فأيهما يختار ؟ يختار الأدين .
...(/3)
وقد يقول بعض الناس : أتزوج امرأة غير ديِّنة لعل الله أن يهديها على يدي ، ونقول له : نحن لا نكلَّف بالمستقبل ، فالمستقبل لا ندري عنه ، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله على يدك ، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 12 / 13 ، 14 ) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (96584) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك زواجاً بامرأة صالحة ، وأن يعينك وإياها على إنشاء أسرة طيبة صالحة .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
102802
العنوان:
اعتياد الدعاء جماعة للمتوفى قبل الصلاة عليه
السؤال:
نحن عندنا في ليبيا - وبالأخص في قريتنا - عند دفن الميت ، وعند تسوية الصفوف في الصلاة عليه ، وعند خروج الإمام من الصف للصلاة على المتوفى ، قبل الصلاة مباشرة يقوم أحد من كبار البلد ورجالها بالدعاء للميت ، ويعرف به إذا كان رجلا أو امرأة ، ويدعو له بصوت عالٍ ثم تقام الصلاة .. بعض الناس قالو إن هذه العادة بدعة ، ويجب التخلص منها ، ولكن بعض الناس متمسك بها ويفعلها .... فخوفا من الفتنة والاختلاف ، أرجو منكم إجابة على السؤال . أنا لا أحفظ نص الدعاء ولكن أقول لكم جزءا منه : " اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين ، وإن دار الدنيا هى دار ممر ، والآخرة هي دار المستقر ، وإنه - رجلا أو امرأة - اللهم اغفر - لها أو له - ، وارحمه ، وتجاوز عن سياته ..... وهكذا "
الجواب:
الحمد لله
الذي يظهر أن اعتياد الدعاء جماعة : – شخصٌ يدعو وآخرون يُؤَمِّنُون – بعد أو قبل صلاة الجنازة متصلا بها عملٌ أقرب إلى البدعة منه إلى السنة ، يدل على ذلك مجموعة من الأدلة :
1- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه بل ولا عن أحد من أهل العلم فعلُه ، وما كان هذا شأنه فالأصل فيه التوقف والتثبت حذرا من الوقوع في إثم الابتداع والزيادة في الدين . وانظر جواب السؤال رقم (11938)
2- ويقوي ذلك أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت ، كما قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/44) : " مقصودها الأعظم إجابة الدعاء " انتهى . فزيادة الدعاء جماعة قبلها أو بعدها كأنه زيادة عليها من جنسها ، وهذا لا يجوز ، كما لا يجوز إحداث سجود أو ركوع قبل صلاة الفريضة أو بعدها ، فكذلك الشأن في صلاة الجنازة .
3- الثابت في السنة النبوية الحرص على الاجتهاد والإخلاص في الدعاء أثناء صلاة الجنازة:(/1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ ) رواه أبو داود (3199) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن أَبي إِبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا ، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا ، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا ) رواه الترمذي (1024) وقال : حسن صحيح .. وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وعن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال : اللهم عبدك وابن أمتك ، احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه )
رواه الحاكم في "المستدرك" (1/511) وقال : إسناده صحيح . وسكت عنه الذهبي . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/159)
فانظر كيف تصف هذه الأحاديث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في الصلاة ، وليس قبلها أو بعدها مباشرة .
4- ثم في هذا الدعاء جماعة - قبل أو بعد صلاة الجنازة مباشرة - مفسدتان اثنتان :
الأولى : التقصير في السنة ، فإن من انشغل بالدعاء قبل صلاة الجنازة فتر عنه أثناءها ، ومن انتظر الدعاء بعد الصلاة عجل فيها ، وهذا هو واقع مَن يعتاد ذلك اليوم ، لا يكادون يكبرون تكبيرة الجنازة الأولى حتى تتسارع التكبيرات لتنتقل بالمصلين إلى التسليم ، فلا يبلغ الميتَ إلا كلماتُ الدعاء التي لا تغني عند الله شيئا إن لم يصاحبها قلبٌ صادق وعقلٌ حاضر .
وهذا مصداق ما جاء عن حسان بن عطية رحمه الله قال :(/2)
" ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " انتهى . رواه الدارمي (1/58) قال أخبرنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن حسان . وهذا إسناد صحيح .
المفسدة الثانية : المشقة الحاصلة بذلك ، فالناس ينتظرهم وقت طويل لدفن الجنازة ، والاستغفار لها بعد الدفن ، ثم العناية بشأن أهل الميت ، فاجتماع الدعاء جماعة قبل الصلاة أو بعدها مع كل ذلك فيه من المشقة الظاهرة .
وقد قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/45) :
" فإن قيل : هلا وجب تكرير صلاة الجنازة إلى أن يغلب على الظن حصول الإجابة ؟ قلنا : لا تكرر ، لما في التكرير من المشقة ، ولا ضابط لغلبة الظن في ذلك " انتهى .
5- وأخيرا : فالقاعدة في باب البدعة ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " رواه الطبراني (10/208)
فأن يقف الناس على السنة الثابتة أولى من محاولة الاجتهاد في أمر يخشى أن يدخل في دائرة الابتداع ، وهي كلمة عظيمة تنطلق من فهم حقيقي لموضوع السنة والبدعة .
وقد وقفنا على فتوى للجنة الدائمة (9/16) ، فيها المنع من الدعاء بعد صلاة الجنازة – لأن بعض البلاد العادة فيها الدعاء بعد الصلاة – فيقاس عليها أيضا الدعاء قبلها :
السؤال :
اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً ، فذهبت طائفة إلى أنها بدعة لعدم النقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، وصرح الفقهاء بعدم جوازه ، وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسنيتها ، فمن منهم على الحق ؟
فكان الجواب :(/3)
" الدعاء عبادة من العبادات ، والعبادات مبنية على التوقيف ، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا وصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها ، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ) - رواه أبو داود (3221) - .
وبما تقدم يتبين أن الصواب : القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت ، وأن ذلك بدعة " انتهى .
وأخيرا :
لا بد من التنبه إلى أن الممنوع هو اعتياد الدعاء جماعة قبل صلاة الجنازة أو بعدها مباشرة ، لِما في صورتها من الزيادة الظاهرة في العبادة ، أما إن دعا المرء منفردا قبل الصلاة أو بعدها أو أثناء دفنها وغير ذلك من المواضع ، فلا حرج ولا إثم ، بل يرجى أن يتقبل الله عز وجل فيه شفاعته ويجيب له دعاءه .
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم – كما في "مجموع الفتاوى" (سؤال رقم/898) - :
" أما الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة فلا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع " انتهى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102824
العنوان:
عمله يقتضي منه فتح جهاز الأذان الموحَّد وفيه قرآن قبله وصلاة على النبي بعده
السؤال:
يسأل أحد الإخوة المؤذنين العاملين في وزارة الأوقاف فيقول : أنا مؤذن وخادم مسجد ، كُلِّفنا قبل مدة مِن الزمن بالأذان الموحد عن طريق الإذاعة ، وقد كلِّفنا كذلك بتشغيل قراءة للقرآن الكريم قبل الأذان ، وكذلك أيضا الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان . السؤال : هل أنا آثم بالقيام بهذه الأعمال ، علماً بأني مكلف رسميّاً بها , وإذا لم أقم بذلك فسوف يلحقني الضرر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الأذان من آلة التسجيل ، أو من المذياع ، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد : بدعة محدثة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (48990) .
ثانياً:
قراءة القرآن والتسبيحات والأذكار قبل الأذان للصلوات الخمس : بدعة محدثة أيضاً .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما حكم الإسلام في قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت ، إذا قلت هذا أمر غير وارد يقول لك : تريد أن تمنع قراءة القرآن ؟ وما رأيكم في الابتهالات الدينية تسبق أذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت : هذا أمر ليس له دليل : يقول لك : هذا عمل خير ، يوقظ الناس لصلاة الفجر .
فأجابوا :
" لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم أحداً من الصحابة عمل به ، وكذلك الابتهالات التي تسبق الأذان للفجر بمكبرات الصوت ، فكانت بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 495 ، 496 ) .
ثالثاً:(/1)
الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن : بدعة محدثة أيضاً ؛ لأن الأذان عبادة ، لا يحل الزيادة على ألفاظه ، ولا النقصان منها ، وهي تبدأ بقول المؤذن : " الله أكبر ، الله أكبر " ، وتنتهي بقوله : " لا إله إلا الله " ، وكل ما أضيف إلى الأذان قبله أو بعده : فمحدث ، وبدعة .
وقد خلط هؤلاء الأذان بما قبله وما بعده من القرآن والأذكار حتى ضيعوا الأذان ، فجعلوه وسط تلك الجمل والمحدثات ، وكذا تسببوا في إزعاج الناس وقطع نومهم وعبادتهم .
قال ابن الجوزي – رحمه الله – في ذِكر أوجه تلبيس الشيطان على المؤذنين - :
" ومنه : أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ ، ويجعلون الأذان وسطاً ، فيختلط ، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان ، وقد رأينا مَن يقوم بالليل كثيراً على المنارة ، فيعظ ، ويذكِّر ، ومنهم من يقرأ سوراً مِن القرآن بصوت مرتفع ، فيمنع الناس من نومهم ، ويخلط على المتهجدين قراءتهم ، وكل ذلك من المنكرات " انتهى .
" تلبيس إبليس " ( ص 157 ) .(/2)
وقال المقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة وحكمها – وأنها حدثت في سنة 791هـ ، سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة ( وهي شيء محدث أيضاً ) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم : أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان ؟ قالوا : نعم ، فبات تلك الليلة ، وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان ، فمضى إلى محتسب القاهرة ، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي ، وكان شيخاً جهولاً ، سيء السيرة في الحسبة والقضاء ، متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لا يحتشم من أخذ الرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، وجهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله ذائعة ، وقال له : رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجمع ، فأَعجب الجاهلَ هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم ومحدثات الأمور ) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة ، وتمَّت هذه البدعة ، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر ، وبلاد الشام ، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه ، وأدَّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى من الخطط(/3)
المقريزية " ( 2 / 172 ) ، وانظر " الإبداع في مضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ ( ص 172 - 174 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما يفعله بعض الناس عندنا في الأردن ! وبعض البلدان الأخرى من قول المؤذن بعد الأذان : " اللهم صل على سيدنا محمد ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين " , فهل في ذلك شيء ؟ وما حكمه ؟ .
فأجاب :
" هذا المقام فيه تفصيل : فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت : فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن مَن صلى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) خرَّجه مسلم في صحيحه , وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ) .
أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان : فذلك بدعة ; لأنه يوهم أنه من الأذان , والزيادة في الأذان لا تجوز ; لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " , فلا يجوز الزيادة على ذلك , ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح ، بل لعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته ، وشرعه لهم , وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه , وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها .
وأسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا من الفقه في دينه , وأن يمنَّ علينا جميعا بالثبات عليه , إنه سميع قريب " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 439 ، 440 ) و ( 10 / 362 ، 363 ) .(/4)
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (6/101-103) :
" يُشرع بعد الأذان للمؤذن وغيره أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يقول : " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... " ... لكن يقولها المؤذن وغيره بصوت هادئ ، ولا يرفع صوته بذلك ، لعدم نقل الجهر به ، كما تقدم " انتهى .
رابعاً:
وإذا تبيَّن بدعية الأذان الموحد ، وبدعية التسبيح والذِّكر وقراءة القرآن قبل الأذان ، وبدعية الجهر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم : يتبين الحكم في العمل على قيام المؤذن بهذه الأفعال ، وهو عدم جواز ذلك ، وإن رأى المؤذن أن هذا الأمر مؤقت ، وأنه في سبيله للإلغاء والإبطال ، أو تيسر له الانتقال لوظيفة إمام ، أو وظيفة إدارية : فيمكنه البقاء إلى ذلك الحين ، وإن استمر الأمر واستقر : فلا وجه للبقاء في تلك الوظيفة التي تساهم في انتشار تلك البدع والمحدثات .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
102828
العنوان:
النهي عن أذى الحيوانات والتحريش بينها
السؤال:
1- ما حكم إطلاق كلاب الصيد على الغزال وهو في القيد(ممسوك) ؟ 2- ما حكم إطلاق كلاب الصيد على الغزال وهو في القيد للتدريب ؟
الجواب:
الحمد لله
إطلاق كلب الصيد على الغزال المقيد ، نوع من العبث والأذى والتعذيب للحيوان ، وهو محرم . وقد روى البخاري (5513) ومسلم (1956) عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ ، فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا ، فَقَالَ أَنَسٌ : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " قَالَ الْعُلَمَاء : صَبْر الْبَهَائِم : أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه , وَهُوَ مَعْنَى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوح غَرَضًا ) , أَيْ : لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا [ هدفاً ] تَرْمُونَ إِلَيْهِ , وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ , وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر: ( لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا ) وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ , وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ , وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى , وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى " انتهى .
كما ورد النهي عن التحريش بين البهائم ، لكن بإسناد ضعيف .
والتحريش بين البهائم هو تهييج بعضها على بعض .(/1)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/195) : " أما تحريش الحيوان بمعنى الإغراء والتسليط والإرسال بقصد الصيد ، فمباح كإرسال الكلب المعلم , وما في معناه من الحيوانات . ولا خلاف بين الفقهاء في حرمة التحريش بين البهائم , بتحريض بعضها على بعض وتهييجه عليه , لأنه سفه ويؤدي إلى حصول الأذى للحيوان , وربما أدى إلى إتلافه بدون غرض مشروع . وجاء في الأثر : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم ) " انتهى .
قال الخادمي في "بريقة محمودية" (4/79) : " ومثله ( أي : مثل التحريش بين البهائم ) : إغراء الأمراء الأسد مع النمر ، أو مع البقر أو الجمل . انتهى .
أما إذا كان إطلاق كلب الصيد على الغزال بغرض تدريبه وتعليمه ، فلا حرج في ذلك ؛ لأنه وسيلة إلى أمر مباح مأذون فيه . والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102839
العنوان:
حُكم الشراء بالتقسيط وذِكر بعض المحاذير في هذه المعاملة
السؤال:
اشترى أخي قطعة أرض ثمنها الأصلي : 22000 ، من نقابة المهندسين ، وقد أخذ شريحة تقسيط شهرية حسب دخله ، وهي ما مقداره 407 دينار شهري - عند دخوله هذه الشريحة يصبح ثمن الأرض 27451 - يعني يحق لكل مهندس بالنقابة أن يدخل بأي شريحة تقسيط يختارها حسب دخله الشهري - كلما زاد القسط الشهري قلَّ سعر الأرض - مع العلم أنهم حددواً أشكال الدفعة الأولى وقيمة كل قسط ، بناءً على الدفعة ، ويُعطى المهندس التنازل عن الأرض عند سداد آخر قسط ، ما رأيكم في هذا ؟ هل يدخل بالحرام والربا أم ماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان النقابة تمتلك الأرض فعلاً ، فلا حرج في عرضهم تلك القطع للبيع بأسعار مختلفة بحسب اختلاف الدفعة الأولى ، والأقساط الشهرية ، والمهم في بيع التقسيط في هذه الحال أمور ، وهي :
1. أن تكون النقابة مالكةً لما تبيعه للمهندسين من الأراضي ، ولا يشتريها أحد منهم بما يسمى " مرابحة " ؛ لأنها حيلة على التعامل بالربا .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 36408 ) .
2. أن لا يتم بيع تلك القطع من الأراضي عن طريق البنوك الربوية ، وهو ما يفعله كثير من التجار والمؤسسات ، حيث يتم دفع ثمن المبيع كاملاً من قبَل البنك ، ويتم تقسيط المبلغ بزيادة للبنك الربوي من قبَل المشتري .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
اشترى رجل بضاعة من بائع ، واتفق معه على مدة للأداء شهر أو شهرين ، ووقع المشتري للبائع ورقة تسمى : ( كمبيالة ) يعين فيها ثمن الشراء ووقت الأداء واسم المشتري ، وبعد ذلك يبيع البائع الكمبيالة للبنك ، ويسدد البنك قيمة ( الكمبيالة ) مقابل ربح يأخذه من البائع ، فهل هذا حلال أو حرام ؟ .
فأجابوا :(/1)
" شراء بضاعة لأجل معلوم بثمن معلوم : جائز ، وكتابة الثمن مطلوبة شرعاً ؛ لعموم قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) الآية ، أما بيع الكمبيالة للبنك بفائدة يدفعها البائع للبنك مقابل تسديده المبلغ للبائع ، ويتولى البنك استيفاء ما في الكمبيالة من مشتري البضاعة : فحرام ؛ لأنه ربا " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 370 ، 371 ) .
3. أن يتم الاتفاق على السعر النهائي لقطعة الأرض ، ومقدار القسط قبل التفرق من مجلس العقد فإن تفرقا قبل الاتفاق على ذلك فـ " هو بيع فاسد عند أكثر أهل العلم ؛ لأنه لا يدري أيهما جعل الثمن " قاله البغوي في شرح السنة .
وانظر " تحفة الأحوذي " ( 4 / 357 ، 358 ) .
4. أن لا تفرض النقابة على المشترين غرامة مالية في حال تأخرهم عن دفع شيء من الأقساط ، لأن هذه الغرامة ربا صريح .
وانظر جواب السؤال : ( 13709 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
102843
العنوان:
تبين له أن شيخه يتعامل مع الجن
السؤال:
شاب يدرس عند شيخ يتعامل مع الجن لعلاج الملموسين والملموسات والمسحورين والمسحورات ، وقد علم الشاب بذلك متأخرا ، فهل يقطع دراسته عند هذا الشيخ ويترك المكان ؟ مع العلم أن دراسته على وشك الانتهاء ، وهذه الدراسة في العلوم الشرعية والقرآن . وما حكم تدريس القرآن لهذا الشاب الذي يشرف عليه هذا الشيخ ؟ وما حكم الصدقة التي يأخذها هذا الطالب من هذا الشيخ ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
معاملة الجن خطرٌ عظيم ، وبابٌ من أبواب الشر والفساد ، طالما أصاب الناس من شره وآفته ، وحسبك في ذلك أن الشرك لم يدخل على الناس إلا من طريقهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - مُخبرا عن تعليم الله عز وجل عباده بقوله - : ( وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ) رواه مسلم (2865)
وإن كان في الجن من المؤمنين والمسلمين كما فيهم من الكافرين الفاسقين ، غير أن احتجابهم عن الإنسان يحول دون الاطمئنان إلى أي منهم ، ويوجب الخوف من استدراجهم ، خاصة مع انتشار الجهل واشتهار البدع التي هي بريد الشرك ، فغالبا ما توقع هذه المخلوقات الإنسان فيما يحرم ، ثم لا تنفعهم أيضا إلا يسيرا .
وقد قال الله عز وجل : ( وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن/6
لذلك كانت فتاوى أهل العلم بحرمة التعاطي مع الجن والتعامل معهم مطلقا – سواء في ذلك المؤمن منهم والكافر – وضرورة عدم التساهل في ذلك ، سدا لباب الفتنة والريبة ، ورعاية لقلوب الناس التي تملؤها الفطرة الإيمانية .
جاء في "الإنصاف" للمرداوي (10/351) :(/1)
" قوله : ( فأما الذي يُعَزِّمُ على الجن ، ويزعم أنه يجمعها فتطيعه : فلا يكفر ولا يقتل ، ولكن يعزر ) فعلى المذهب : يعزر تعزيرا بليغا لا يبلغ به القتل على الصحيح من المذهب ، وقيل : يبلغ بتعزيره القتل " انتهى باختصار .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/18) :
" أما الاستعانة بغير الله ، فإما أن تكون بالإنس أو الجن : فإن كانت الاستعانة بالجن فهي ممنوعة ، وقد تكون شركا وكفرا ، لقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن/6 " انتهى .
ويقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (تحت حديث رقم/2760) :
" ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ " الطب الروحاني " ، سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن - كما كانوا عليه في الجاهلية - أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح ، ونحوه عندي " التنويم المغناطيسي " ، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تُشرع ؛ لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن/6 ، أي : خوفا وإثما .(/2)
وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم دعوى كاذبةٌ ؛ لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم ، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم ، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس ، يتبين لك أنهم لا يصلحون ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) التغابن/14 هذا في الإنس الظاهر ، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) الأعراف/27 " انتهى .
وقد سبق في موقعنا نقل فتاوى أخرى لأهل العلم في هذا الموضوع في أجوبة الأسئلة الآتية : (10518) ، (11114) ، (78546)
ثانيا :
أول ما ينبغي لطالب العلم في طلبه تخير العلماء الثقات ، أهل الديانة والأمانة والورع ، فلا يحمل العلم إلا عَمَّن يؤخذ عنه بحقه ، وحقه العمل به بطاعة الله والتزام شرعه وأمره ، فإن للمعلم أكبر الأثر في نفس الطالب المتعلم ، ولا بد أن يتزين ذلك بتقوى الله عز وجل .
عن إبراهيم النخعي قال :
" كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته ، وإلى صلاته ، وإلى حاله ، ثم يأخذون عنه " انتهى . "الجامع لأخلاق الراوي" (1/127)
وقد ذكر العلماء ذلك فيما ينبغي على متعلم القرآن الكريم خاصة .
يقول النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/13) :
" ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته ، وظهرت ديانته ، وتحققت معرفته ، واشتهرت صيانته ، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف : هذا العلم دين ، فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم " انتهى .
وقال الزرنوجي رحمه الله في "تعليم المتعلم" (ص/7) :
" ينبغي أن يختار الأعلم والأورع والأسن ، كما اختار أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان بعد التأمل والتفكر ، وقال : وجدته شيخا وقورا حليما صبورا " انتهى .(/3)
ويقول ابن جماعة الكناني في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/133) :
" ينبغي للطالب أن يقدم النظر ، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه ، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته ، وتحققت شفقته ، وظهرت مروءته ، وعرفت عفته ، واشتهرت صيانته ، وكان أحسن تعليما ، وأجود تفهيما .
ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل ، فعن بعض السلف : " هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم " .
وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفعَ يحصل غالبا ، والفلاحَ يُدرِك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيبٌ وافر ، وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر .
وكذلك إذا اعتبرت المصنفات ، وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر ، والفلاح بالاشتغال به أكثر " انتهى .
ثالثا :
فالنصيحة لهذا الطالب أن يترك ذلك المعلم الذي يستخدم الجن – إن ثبت ذلك عنه يقينا - ، ولا يأخذ عنه شيئا من العلم أو الخلق أو الدين ، فذلك أحوط لدينه ونفسه ، وأبرأ لذمته ، إن كان بمقدوره أن يعوض ما فاته ، ويكمل دراسته عند شيخ من أهل السنة والاستقامة .
وأما إن كان لا يوجد في بلده من أهل الاستقامة من يقوم له بذلك ، فالذي نراه أنه يكمل القدر اليسير المتبقي له من دراسته ، إذا كان الحال ما ذكر من أنه إنما يستخدم الجن في علاج المسحورين أو المرضى ، ولم يعرف عنه أنه يعمل بالسحر أو أذى المسلمين ، أو العدوان على أموالهم أو أعراضهم ، والقاعدة عند أهل العلم أنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء ؛ فنحن ، وإن كنا نمنع ابتداء أن يتعلم الطالب على شيخ من أهل البدع ، أو ممن يظهر عليه انحراف في علمه أو عمله ، ففي مثل حال السائل ، يرخص له في استمراره في هذه الدراسة حتى ينتهي ، لا سيما إن كان القدر المتبقي يسيرا ، ولا سيما ـ أيضا ـ إن كان في بلد يعز عليه أن يجد بديلا من أهل الاستقامة والسنة .(/4)
على أنه يؤيد ما ذكرناه هنا ـ أيضا ـ أن هذا الشيخ ربما كان يأخذ بقول من يقول بجواز استعمال الجن في الأمور المباحة ، كالتي ذكرت في السؤال ، فيكون متأولا معذورا ، لا نستطيع أن نبدعه أو نضلله .
وهذا القول ، وإن كان قال به بعض علماء أهل السنة ، إلا أن الصواب هو ما ذكرناه أولا ، من المنع من استخدام الجن مطلقا . لكن الراجح في المسألة شيء ، وأعذار المتأولين شيء آخر .
رابعا :
نصيحتنا في شأن الصدقة أيضا الاستغناء عنها ، والسعي الدائم إلى تحصيل العيش من كسب اليد ، من غير تقصير في طلب العلم ولا انهماك في طلب الرزق ، بل يكون معتدلا ، يتكفف عما في أيدي الناس ، ويجتهد في تعلم مسائل الدين ، وبذلك ينال رضى الله عز وجل .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ) رواه مسلم (2699)
لكن إن أعوزت الطالب الحيلة ، واضطر إلى الصدقة التي يعطيه إياها هذا المعلم ، فلا حرج عليه إن شاء من قبولها وأخذها .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
102852
العنوان:
الجمع بين آيتي تبشير مريم بعيسى عليه السلام
السؤال:
كنت أتكلم إلى واحد من غير المسلمين حين قال أنه يوجد تعارض في القرآن ؛ نعوذ بالله. وأنا أعلم تماما أن هذا إما فساد تصور أو سوء ترجمة لمعاني القرآن. لكني لم أستطع الرد عليه بالشكل الكافي لقلة علمي. وملخص هذا التعارض الذي ادعاه ما يلي: ذُكر في آية أن العديد من الملائكة بشرت السيدة مريم بميلاد عيسى (الآية 42 من سورة آل عمران) بينما ذكر في آية أخرى أن الذي بشرها بذلك هو ملك واحد (الآية 17 من سورة مريم)؟ فهل هم ملك واحد أم عدة ملائكة؟ رجاء إزالة هذا اللبس وتفسيره لي.
الجواب:
الحمد لله
فقد صدقت في وصفك هذا القول الذي زعم صاحبه أن القرآن متعارض أنه فساد تصور ، وهو إما أن يكون لسوء فهم صاحبه أو لعناده ، فيبحث عن شبه يهز بها إيمان بعض المسلمين الذين يجهلون دينهم ، ولذا فإن النصح مبذول لجميع إخواننا المسلمين : أن لا يتصدى أحد منهم لمناقشة المبطلين قبل أن يتسلح بسلاح العلم الذي يدفع به شبههم ، وليترك هذا الأمر لأهله من العلماء الراسخين ، وطلبة العلم المتقنين فربما وردت شبهة على القلب الفارغ فأثرت فيه أعظم الأثر والسلامة لا يعد لها شيء .
وأما عن خصوص هذه المسألة فإنه لا تعارض بين الآيتين والحمد لله ، وقد أجاب عنها علماء التفسير قديما إذ قال الرازي في تفسيره عند تفسير آية آل عمران : (المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده وهذا كقوله سبحانه : (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) يعني جبريل ) اهـ.
وهذا ليس غريبا على لغة العرب أن يطلق الجمع ويراد به واحد ، وأمثلة هذا كثيرة في القرآن كقوله سبحانه : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران (173)(/1)
والمقصود بـ ( الناس ) الأولى : نعيم بن مسعود ، والناس الثانية المقصود به: أبو سفيان وأصحابه وليس المقصود جميع الناس .
قال الإمام ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز : ( وعبر عن جبريل بالملائكة إذ هو منهم فذكر اسم الجنس كما قال تعالى : (الذين قال لهم الناس ) اهـ .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102871
العنوان:
الاستخفاف بالله سبحانه على جهة الهزل
السؤال:
سؤالي بخصوص صديق لي كان يمزح بجهل ، فأثناء ما كان يمزح مع صديق آخر استفزه الأخير ، فالتقط الأول سماعة الهاتف وقال بكل جهل: "لابد أن أخبر الله". ثم استمر قائلا في الهاتف: "مرحبا الله" كأنه يتكلم إلى الله ، وأنا أعلم أن هذا لا يجوز لكن هل هذا شرك؟
الجواب:
الحمد لله
وبعد ، فالإيمان بالله تعالى مبني على تعظيمه سبحانه وإجلاله والانقياد له ، ولذا عاب الله الكافرين وأخبر أنهم إنما أشركوا به سبحانه غيره لما لم يقدروا الله حق قدره فقال :
( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الزمر /67 .
فالله جل شأنه هو العظيم الذي تكاد السماوات تتفطر من عظمته كما قال سبحانه :
( تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الشورى/5 .
ومن تفكر في مخلوقات الله رأى طرفا من آثار عظمته سبحانه ، يقول النبي صلى الله وسلم في وصف الكرسي والعرش : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/223) .
ولا يجتمع في القلب الواحد تعظيم الله عز وجل مع الاستخفاف به ولذا كان الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته ورسله كفر كيفما وقع جدا أو هزلا قال الله تعالى في سورة التوبة :(/1)
( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة 64-66 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله و بآياته وبرسوله كفر وقد دلت هذه الآية على أ ن كل من تنقص رسول الله جادا أو هازلا فقد كفر"
الصارم المسلول (2/70)
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عند هذه الآية : " لا يخلو أن يكون ما قالوه ـ أي المنافقين ـ من ذلك جدا أو هزلا ، و هو ـ كيفما كان ـ كفر ؛ فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة " اهـ .
وقال العلامة السعدي : " إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة " .
وما قاله هذا الرجل فيه استخفاف بالله سبحانه ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ ، وتنزيل لله ـ جل شانه وعز سلطانه ـ منزلة البشر ، في الخطاب والكلام ، وهذا كفر لا يشك فيه من له أدنى معرفة بدين الله ، ولا يقدم عليه إلا جاهل طافح الجهل ، أو رجل لا يعرف قلبه لله وقارا !!
ثم زاد كفر الاستهزاء واللعب كفرا وضلالا ، قول هذا البائس : ( لا بد أن أخبر الله ) ؛ فهل يحتاج الله تعالى إلى خبر الجاهل الظلوم ؟!!
( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/5 .(/2)
فعلى هذا المسكين أن يجدد إيمانه ، ويدخل في الإسلام من جديد ، ويتوب إلى الله تعالى من هذا الكفر الصراح ، وليستكثر ـ فيما بقي من عمره ـ من الصالحات والخيرات ، ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنه ، ويغفر له جهله وعدوانه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102874
العنوان:
تشغيل القرآن في غرفة الشات الصوتي التي بها الأغاني
السؤال:
ما حكم تشغيل القرآن في الشاتات الصوتية التي فيها أغاني وفتح كاميرات ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا العمل غير مشروع ، وقد يكون سبباً في النفور من القرآن وعدم احترامه ، والرغبة في توقف القراءة ، هذا مع الانشغال عنه ، وعدم الإصغاء له ، وربما صاحب ذلك فعل المنكرات أيضا .
وعلى من أراد النصيحة أن يدخل ويبين الحكم الشرعي في الأغاني والصور ، ولا يكتفي بقراءة القرآن أو تشغيل المسجل .
قال النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" ص (92) : " ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين .
فمن ذلك : اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه ، وليمتثل قول الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) ...
ومن ذلك : العبث باليد وغيرها ، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى ، فلا يعبث بين يديه .
ومن ذلك : النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن .
وأقبح من هذا كله : النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره ... وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان باليد لمن قدر ، وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان ، وإلا فلينكر بقلبه والله أعلم " انتهى .
وذكر البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/433) عن ابن عقيل رحمه الله أنه قال بتحريم القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع ، ونقل عنه أنه قال : " قال حنبل : كثير من أقوال وأفعال يخرج مخرج الطاعات عند العامة , وهي مآثم عند العلماء , مثل القراءة في الأسواق , يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع ، ولا أهل السوق يمكنهم الاستماع ، وذلك امتهان " انتهى .
وقد وُجه للجنة الدائمة للإفتاء سؤال هذا نصه :(/1)
" يتوفر للمستشفى التخصصي وسائل اتصالات داخلية جيدة تسمح للمخاطب بمقاطعة المكالمة القادمة والانتقال إلى مكالمة أخرى مدة تطول أو تقصر حسبما تدعو الحاجة ثم العودة إلى المكالمة الموقوفة، وخلال فترة الانقطاع المذكورة يمكن للمتكلم أن يستمع إلى مادة مسجلة مناسبة، ولقد رغبنا أن نملأ فترة الانقطاع هذه بمادة دينية، سواء مقاطع من القرآن الكريم أو من الأحاديث الشريفة. وحيث إنه قد يتخلل الانقطاعات أمور دنيوية يدخل فيها الجد والهزل حسب مكانة وظرف المتحدثين فقد رأينا الاستئناس برأي سماحتكم قبل إدخال مثل هذه المواد الدينية .
فأجابت :
" أولا: لا يجوز قطع المكالمة أو وقفها؛ لما في ذلك من الأذى، إلا لمقتض يدعو إلى ذلك، كإساءة المتكلم إساءة لا تزول إلا بقطعها أو طروء أمر ضروري أو أصلح يدعو إلى وقفها أو قطعها.
ثانيا: القرآن الكريم: كلام الله تعالى، فيجب احترامه وصيانته عما لا يليق به من خلطه بهزل أو مزاح يسبق تلاوته أو يتبعها، ومن اتخاذه تسلية أو ملء فراغ مثل ما ذكرت، بل ينبغي القصد إلى تلاوته قصدا أوليا؛ عبادة لله وتقربا إليه، مع تدبر معانيه والاعتبار بمواعظه، لا لمجرد التسلية والتفكه وملء الفراغ، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز خلطها بالهزل والدعابات، بل تجب العناية بها، وصيانتها عما لا يليق، والقصد إليها لفهم أحكام الشرع منها والعمل بمقتضاها " انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ......عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/84).
ولاشك أن ما يجري في الشاتات الصوتية أعظم بكثير مما ورد في سؤال اللجنة ، ولهذا نقول : يجب صيانة القرآن عن هذه المواطن ، فإن القرآن أعظم من أن يوضع بإزاء الأغاني ، وأن يتلى على أسماع اللاهين الغافلين ، فضلا عن العاكفين على شيء من المحرمات .(/2)
ولا ننصح بالدخول على هذه المواقع والبرامج ، إلا للداعية المتزود بالعلم والبصيرة التي تدفع الشبهات ، والمتحصن بالإيمان القوي الذي يحجز عن الشهوات .
ولينشغل الإنسان بما ينفعه ، وليستفد من المواقع الصالحة النقية ، فإن القلوب ضعيفة ، والشبه خطافة ، وقد يدخل الداخل لغرض النصح ، فما يلبث أن يصبح أحد المفتونين ، نسأل الله العافية .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102882
العنوان:
زنى بها ويريد أن يتزوجها سراً
السؤال:
أنا شاب وقعت في الخطأ مع فتاة فافتضضت بكارتها ، لا أعمل ، ومازلت صغيراً ، فهل أستطيع الزواج بها سرّاً إلى أن أستطيع تحمل المسؤولية لكي تطمئن على نفسها ، وتحصن فرجها .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الواجب عليك وعلى تلك المرأة التوبة الصادقة ، وتدارك نفسيكما قبل فوات الأوان ، فقد ارتكبتما فاحشة قبيحة ، شرع تعالى على فاعلها الحدَّ في الدنيا ، وتوَّعد على فعلها العذاب في الآخرة .
وحتى تتحقق فيكما التوبة ، وتكون صادقة : فإنه ينبغي لكما تحقيق شروط التوبة ، وهي : الإخلاص ، والندم ، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب ، وأن تكون توبتكما في الوقت الذي يقبلها الله تعالى فيه ، فلا يقبل الله التوبة عند الغرغرة قبل قبض الروح ، ولا بعد طلوع الشمس من مغربها .
وراجع جواب السؤال رقم ( 13990 ) .
ثانياً :
وبخصوص سؤالك عن التزوج بها : فاعلم أنه لا يحل لك ذلك ، إلا أن تتوبا من معصيتكما ، فإن تزوجتها قبل التوبة : لم يصح النكاح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن الزانية لا يجوز تزوجها إلا بعد التوبة " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 141 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
زنى رجل ببكرٍ ويريد أن يتزوجها فهل يجوز له ذلك ؟ .
فأجابوا :(/1)
" إذا كان الواقع كما ذكر : وجب على كلٍّ منهما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة ، ويندم على ما حصل منه من فعل الفاحشة ، ويعزم على ألا يعود إليها ، ويكثر من الأعمال الصالحة ، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئائه حسنات ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) الفرقان/ 68 - 71 " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 247 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (85335) .
ثالثاً :
وأما زواجك بها سراً ، فإن كان ذلك بموافقة وليّها وحضور شاهدين ، غير أنكم تواصيتم على عدم إعلانه ، فلا حرج في ذلك . – وإن كان الأفضل إعلان النكاح .
أما إذا كان ذلك بدون علم أهلها ولا موافقة وليها فإن النكاح لا يصح .
وقد صحَّ الحديث بالمنع من التزوج من غير ولي .
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليٍّ ) .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه الترمذي وحسَّنه ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) ابن ماجه ( 1879 ) من حديث عائشة ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .(/2)
ولك أن تتزوجها من غير معرفة أهلك وإذنهم ، إذ لا يشترط هذا في حقك ، وإن كان الأفضل أن تقنعهم بالموافقة على تزوجك .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لتوبة صادقة ، وأن يستر عليكما في الدنيا والآخرة .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
102885
العنوان:
الأكل من الطعام الذي يصنع لعاشوراء
السؤال:
هل يجوز أكل الطعام الذي يطبخه الشيعة في عاشوراء ؟ علما أنهم يقولون إن هذا الطعام هو لله لكن ثواب الطعام للحسين رضي الله عنه ، ثم إذا لم آخذ الطعام أو لم أستلمه يسبب ذلك إحراجا لي أو خطرا علي لأني في العراق وتعلمون كيف يعاملون أهل السنة والجماعة .
الجواب:
الحمد لله
ما يفعله الشيعة في عاشوراء من اللطم والضرب وشج الرؤوس ، وإراقة الدماء ، وصنع الطعام ، كل ذلك من البدع المحدثة المنكرة ، كما سبق بيانه في الجواب رقم (4033) ورقم (9438) ، ولا يجوز المشاركة فيها ، ولا إعانة أهلها ؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان .
ولا يجوز الأكل من هذا الطعام الذي أعدوه لبدعتهم وضلالتهم .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " هذا منكر شنيع وبدعة منكرة ، يجب تركه ولا تجوز المشاركة فيه ، ولا يجوز الأكل مما يقدم فيه من الطعام ".
وقال : " ولا تجوز المشاركة فيه , ولا الأكل من هذه الذبائح ، ولا الشرب من هذه المشروبات ، وإن كان الذابح ذبحها لغير الله من أهل البيت أو غيرهم فذلك شرك أكبر ؛ لقول الله سبحانه : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/162-163 ، وقوله سبحانه : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) الكوثر /1-2 "
انتهى من "فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز" (8/320).
لكن إذا كان في امتناعك عن قبول طعامهم خطر عليك ، فلا حرج أن تأخذه لدفع الضرر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102887
العنوان:
الاشتراك في نقابة المحامين
السؤال:
تخرجت زوجتي من كلية الحقوق وهى لا تعمل ولكنها تريد أن تستفيد من مزايا بطاقة نقابة المحامين مثل العلاج والمعاش الذي يصرف لها وذلك مقابل رسوم سنوية هي قيمة الاشتراك في النقابة . فهل يجوز الاشتراك في النقابة علما بأن القوانين في بلدنا وضعية ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الاشتراك في نقابة المحامين يحق لمن تخرج من كلية الحقوق ، عمل أو لم يعمل ، فلا حرج على زوجتك في الاشتراك ، فتدفع الرسوم وتستفيد من خدمة العلاج والمعاش ، ولا أثر لكون القوانين في بلدك وضعية كما ذكرت ، فإن ما يعطى للنقابات يدخل ضمن إعالة الدولة للأفراد والخريجين ، وقد تكون هذه الإعالة لازمة في بعض الحالات .
وينظر جواب السؤال رقم (75613) لمعرفة حكم العمل في المحاماة .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102906
العنوان:
التفسير العلمي لتحنيك المولود بالتمر
السؤال:
أردت فقط معرفة هل من أسباب علمية وراء تحنيك المولود بالتمر أو بشيء حلو عقب الولادة؟ وإذا لم تكن هناك فوائد علمية وراء ذلك فهل توجد أي فوائد أخرى لذلك؟
الجواب:
الحمد لله :
تحنيك الطفل بالتمر بعد ولادته سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري (3619) عن أسماء رضي الله عنها ( أنها ولدت عبد الله بن الزبير فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فحنكه بتمرة ، ثم دعا له وبرَّك عليه ) .
وروى البخاري أيضا (5045) عن أبي موسى رضي الله عنه قال : ( ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ) .
والشريعة جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم ، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان ، العالم بما يصلحه ويفسده . والحكمة من وراء التشريع قد تظهر وقد لا تظهر، وقد يظهر بعضها دون بعض ، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله ، عَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها ، لأن ذلك مقتضى إيمانه .
وأما الحكمة من التحنيك بالتمر، فقد كان العلماء قديما يرون أن هذه السنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول شيء يدخل جوف الطفل شيء حلو ، ولذا استحبوا أن يحنك بحلو إن لم يوجد التمر ، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 /588) :
"والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ، ويقوى عليه ، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه ، وأولاه التمر ، فإن لم يتيسر تمر فرطب ، وإلا فشيء حلو ، وعسل النحل أولي من غيره " انتهى .
ثم بمجيء العلم الحديث باكتشافاته تبين شيء جديد من الإعجاز العلمي الذي تحمله هذه السنة النبوية ، إذ تبين أن الطفل يحتاج إلى سكر الجلوكوز ، وقد يتعرض بسبب نقصه لآفات كبيرة ، وأن التمر خير مصدر لهذا .(/1)
ونحن نسوق لك هنا مختصرا مما قاله المختصون من الأطباء ، فقد كتب الدكتور محمد علي البار مقالا في مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عن التفسير العلمي لتحنيك الطفل ، ومما جاء فيه :
" إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً ، وكلما كان وزن المولود أقل ، كان مستوى السكر منخفضاً .
وبالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 2.5كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم . وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام .
ويعتبر هذا المستوى ( 20 أو 30 ملليجرام ) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم ، ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية :
1-أن يرفض المولود الرضاعة .
2-ارتخاء العضلات .
3-توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم .
4-اختلاجات ونوبات من التشنج .
وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة ، وهي :
1-تأخر في النمو .
2-تخلف عقلي .
3-الشلل الدماغي .
4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما .
5- نوبات صرع متكررة ( تشنجات ) .
وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة ، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد" انتهى .
ثم قال في مناقشة تحنيك النبي صلى الله عليه وسلم الطفل بالتمر :
"إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة . فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة ، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي ، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات ، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها .(/2)
وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة ، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها .
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود .
وإن المولود ، وخاصة إذا كان خداجاً ، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً . وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة ، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه .
إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال ، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم . وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات . كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين" انتهى ما أردنا نقله من كلام الدكتور البار، وفيه إن شاء الله ما يكفي لبيان الإعجاز العلمي الذي تضمنته هذه السنة النبوية العظيمة .(/3)
رقم السؤال:
102916
العنوان:
هل تجالس أهلها على مشاهدة " التلفاز " ؟
السؤال:
أنا أعرف أن مشاهدة الأفلام وسماع الموسيقى لا يجوز ، لكن ما الحكم لو كنت جالسة مع أهلي أمام الشاشة ، وهم يعلمون أني لا أسمع الأغاني ، لكنهم غالبا لا يضعون على قنوات الأغاني بسبب جلوسي معهم ، ولكنهم يتابعون المسلسلات , وأيضا التلفاز لا يخلو من بعض المشاهد غير اللائقة ، مثل لبس العارضات مثلا للبس القصير , وأيضا لا يخلو من الدعايات وما تحتويه من موسيقى ، فماذا علي أن أفعل ؟ نصحتهم لكنهم لم يسمعوا نصيحتي ، فأنا أجلس معهم ولكني أحياناً أسد أذني عندما تأتي موسيقى ، وأغض بصري إذا جاء مثلا فتيات مرتديات " شورت " , وما الحكم لو شاهدت برامج نافعة تتكلم عن مواضيع عامة ، ولكن فيها مذيع ومذيعة ، أو مذيع مستضيف دكتورة مثلا ، هل يحرم علي مشاهدة هذه البرامج لوجود الاختلاط ؟ وبالنسبة لجلوسي أمام التلفاز مع أهلي , هل يحرم علي ذلك ؟ وكيف أتصرف ؟ هل أنعزل في غرفتي وحدي ؟ أم أنعزل كل يوم عنهم وأذهب لتلفاز آخر ؟ مع العلم أن هذا الموقف يحيرني جدا ، فهو يتكرر علي يوميا في بيتنا وفي بيوت أقاربي , فعندما يكون أهلي جميعهم مجتمعين لمشاهدة برنامج عادي لكن تتخلله دعايات وموسيقى .. فكيف أتصرف ؟ إذا كان واجبا علي أن أغير مكاني فذلك سيكون شاقا يسبب لي العزلة عن أهلي وأقاربي عند زيارتهم !! أرجوك أعطني الجواب العملي والذي يريحني . وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع والكامل والمرتب ، حقيقةً هذه جهود تشكرون عليها وأنا أحاول أن أنشر هذا الموقع ليعم النفع ، وأسأل الله لكم الفردوس الأعلى من الجنة .
الجواب:
الحمد لله(/1)
نبشرك - أختنا الكريمة - بأن الله عز وجل يرى منك مراقبة أمره ونهيه ، والاجتهاد في الالتزام بشرعه ، وهو سبحانه لا يُضيع أجر المحسنين ، وسيكتب لك الأجر الجزيل ، وهو أجر الصابرين عن معاصي الله ، فإنَّ حبس النفس عن مشاركة الناس في آثامهم وشهواتهم مِن عزم الأمور ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10
والحل الذي نقترحه لك هو أن تسيطري أنتِ على جهاز التحكم بالقنوات الفضائية ، ثم تحرصي دائما على الإبقاء على القنوات الفضائية الملتزمة المحافظة ، كقناة المجد ، وقناة الحكمة ، وقنوات القرآن الكريم ، والقنوات الوثائقية والعلمية ، وبهذا تكسبين مجالسة والديك وإخوانك ، مع أجر إبلاغ الخير إليهم ، وإيصال الهدى إلى أسماعهم ، ولعلَّ كلمةً يسمعها واحد منهم تكون سببا في توفيقه وسعادته في الدنيا والآخرة ، فيكتب الله لك أجرها أضعافا مضاعفة .
وأما حين يُصِرُّون على متابعة مسلسل أو " فيلم " أو أي برنامج يصطبغ بالحرام والآثام ، فلا تقعدي معهم ، والجئي إلى غرفتك لتستغلي وقتك بقراءةٍ نافعة أو حفظِ سورةٍ أو متابعة برامج الخير على قناة منضبطة ، وهي عزلةٌ مؤقتةٌ بقدر هذا الحرام ، وليس فيها ضررٌ عليك إن شاء الله تعالى ، ولعلك تعلمين عن بعض الأبناء الذين ينعزلون في غرفهم انعزالا تاما أو شبه تام ، وتتفاوت أسباب عزلتهم بين دراسةٍ أو تدريب أو كتابة ، وبعضهم تنطوي عزلتهم على الإثم والمعصية ، فلا ينبغي أن تستثقلي أنت الانعزال المؤقت طاعةً لِلَّه ، وتذكري أن الله سيعوضك في قلبك سعادة وطمأنينة وتوفيقا تفوق عاجل لذاتهم بمشاهدة المحرمات ، التي ستعود على قلوبهم بالضيق والظلمة والهم والغم ، وفي الآخرة حساب وعقاب .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :(/2)
" حضور المحرم - ولو مع كراهة الإنسان له بقلبه - يكون فيه الإنسان مشاركاً للفعل ، لقول الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140 " انتهى . "شرح رياض الصالحين" (1/613) مكتبة الصفا .
وسئل رحمه الله السؤال الآتي - نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/226) - :
" في مجالسنا التي تجمع الأسرة تكون فيها غيبة ودخان ولعب للورق ومشاهدة مسلسلات ، وأنا لا أستطيع الإنكار عليهم خوفاً من تماديهم ووقوعهم في أعراض الدعاة والعلماء كعادتهم في بعض المجالس .. فهل أترك مجالستهم وأقاطعهم .. أم ماذا افعل .. ؟
فكان الجواب :
الواجب عليك إذا كنت لا تستطيع تغيير المنكر الذي وقع فيه هؤلاء أن تقاطع مجالستهم ؛ لأن مَن جالس فاعل المنكر كان له مثل إثمه ، لقول الله تبارك وتعالى : ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ) ولا يضر أنهم قاطعوك وقطعوا الصلة بينك وبينهم في المستقبل بناء على مقاطعة مجالسهم التي تشتمل على المنكر ، وإذا قاطعوك وقطعوا صلتك في هذه الحال فصلهم بما تستيطع ، ويكون عليهم إثم القطيعة ولك أجر الصلة " انتهى .
وأما حين يكون البرنامج المعروض مفيدا نافعا ، ليس فيه منكر بنفسه ، لكن يتخلله بعض الإعلانات ، أو الفقرات الموسيقية ، فهذا أمره أهون إن شاء الله ، وبإمكانك أن تصرفي بصرك ، أو تشغلي سمعك ، حال وجود المنكر ، وبإمكانك ـ أيضا ـ الانصراف ـ مؤقتا ـ عن المجلس ، إلى مكان آخر ، ترتبين بعض أغراضك ، أو تصنعين شيئا من خصوصياتك ، إلى أن تنتهي الفقرة غير المرغوبة .(/3)
ولعل في هذا حلا عمليا وسطا للمشكلة ، إن شاء الله ، فنحن لا ننصحك بالانعزال عن أهلك وأقاربك بالكلية ، كما لا يجوز لك أن تشاركيهم مشاهدة وسماع المحرمات ، بل ينبغي أن تكوني قوية في إيمانك ، ثابتة في يقينك ، فتؤثري ولا تتأثري ، وتخففي الشر والإثم ، وتنشري الخير والأجر ، وذلك على حسب الوسع والطاقة ، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد .
وانظري جواب السؤال رقم (3633) ، (38724) .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
102923
العنوان:
العمل في شركة تنتج برامج وآلات للسحب من البنوك الربوية والإسلامية
السؤال:
أنا مهندس إلكتروني التقيت بشركة تعمل في مجال إنشاء وبرمجة آلات لسحب الأموال من البنوك وتدبير المعاملات المالية كالشراء عبر الإنترنت وغير ذلك وذلك عن طريق بطاقات مشابهة لـ ماستيركارد وكذا آلات تستخدمها بعض الشركات الكبيرة كشركة البترول. أريد أن أسأل هل يحل العمل مع هذه الشركة علما أن زبائنها من البنوك الربوية ولها بعض الزبائن من البنوك الإسلامية أيضا وكما ذكرت لها زبائن من الشركات البترولية .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز الإعانة على الربا بوجه من الوجوه ، لما جاء في الربا من الوعيد الشديد ، واللعن لفاعله وكاتبه وشاهده ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .(/1)
وإذا كان الربا بهذا القبح والجرم ، فإن الإعانة عليه أو تسهيل إجراءاته ، جرم قبيح أيضا ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( َمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) أخرجه مسلم (4831).
وعليه فلا يجوز للشركة أن تنشئ برامج أو آلات للبنوك الربوية ، ولا أن تبيع برامج عامة لمن تعلم أنه يستعملها في الربا أيضا .
ثانيا :
إذا كانت الشركة تنتج برامج وآلات ، للبنوك الربوية ، وأخرى للبنوك الإسلامية ، ولشركات البترول ، وكان يمكن أن تعمل في الشركة دون مشاركة فيما يُنتج للبنوك الربوية ، فلا حرج عليك حينئذ ، وإن كان العمل في شركة لا تعين على الحرام أولى .
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، ويبارك رزقك ، ويغنيك بالحلال عن الحرام .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102926
العنوان:
بعد حصول الجفاف تنزل القصة فهل يلزمها الانتظار؟
السؤال:
في السابق كنت أعرف انتهاء الحيض بالقصة البيضاء , ولكن في بعض الأشهر كنت أنتظرها إلى اليوم الثامن في الليل ولكن لا أرى إلا الجفاف ثم أغتسل ولا أنتظر يوما آخر حتى نزول القصة لأن الجفاف طال وأخشى أن أضيع الصلوات بذلك, ولكن في آخر شهر انتظرت حتى بعد منتصف الليل (في اليوم الثامن) فرأيت القصة، فخفت أن تكون كل تلك الشهور التي أظن أني طهرت فيها بالجفاف فقط , أكون استعجلت فيها, وكان يجب علي السهر حتى الفجر حتى أرى القصة لكي لا تفوتني الصلوات. أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الطهر يعرف بإحدى علامتين : الأولى : انقطاع الدم وجفاف المحل بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة .
الثانية : نزول القصة البيضاء ، وبعض النساء لا يرين هذه القصة .
وما ذكرت من أنك كنت تعتمدين على الجفاف ولا تنتظرين القصة ، هو الصواب .
قال النووي رحمه الله : " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر : أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) .
ثانيا :
إذا جاءك الحيض ثم انقطع ، وجف المحل تماما ، فقد طهرت ، ولزمك الصوم والصلاة ، ولا يلزمك السهر وانتظار نزول القصة ، بل ليس لك أن تفوتي الصلاة لأجل هذا الانتظار .
أما إذا كان المحل لم يجف ، بل كان هناك صفرة أو كدرة ، فلا تعجلي حتى يحصل النقاء التام أو تنزل القصة ، فقد كانت النساء تبعث إلى عائشة رضي الله عنها بالقطنة فيها الصفرة ، فكانت تقول لهن : (لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) . رواه البخاري تعليقاً .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
102929
العنوان:
تحبُّ رجلاً عن طريق الإنترنت وتقدَّم لها صاحب دِين للزواج وتطلب المشورة
السؤال:
أولاً أريد أن أحييكم على مجهوداتكم الجبارة من خلال موقعكم المميز ، جزاكم الله خيراً ، وجعل هذا في ميزان حسناتكم يوم القيامة . لقد لجأت إليكم لا لأشكو همِّي فالشكوى لغير الله مذلة ، وإنما لأطلب النصح من أب ، وأخ ، وشيخ فاضل ، وأتمنى أن توجهوني لما فيه رضا الله عز وجل ، ولما فيه صلاحي في الدنيا والآخرة ، أنا فتاة مطلقة ، تعرفت منذ 7 أشهر إلى شاب عن طريق الانترنت ، حسب ما أعرفه عنه خلال هذه المدة أنه إنسان محترم ، ذو خلق ، ومتدين ، يعيش في بلد أوربية ، أحس أنني أحبه ، وهو أيضا ، لكنه لا يستطيع التقدم لخطبتي حاليّاً ؛ نظراً لظروفه ، حيث إنه ما زال غير مستقر في البلد الذي يعيش فيه ، حيث إنه ومنذ أكثر من 5 سنوات يعيش في هذه البلاد بإقامة طالب ، وهذا ما يمنعه من الزواج ؛ لأنه إن تزوج فليس له الحق في اصطحاب زوجته معه ، ولا يعرف إلى أي مدى قد يطول هذا الأمر ، ربما لسنوات ، الله أعلم . حدث مؤخراً أن تقدم لخطبتي شاب على مستوى من الأخلاق والدِّين ، لا نسأل عنه أحداً إلا قال فيه خيراً . انصحني شيخنا الفاضل ماذا يتوجب عليَّ فعله ، أحس أنني أحب الشخص الذي أعرفه منذ مدة ، وأهلي يريدون تزويجي من الشاب المتقدم لخطبتي ، هم لم يفرضوه عليَّ ، لكنهم لا يجدون سبباً مقنعا لأرفضه ، ولا أستطيع إخبارهم عن علاقتي بالشخص الآخر . أرجو يا شيخنا الفاضل أن توجهني وتنصحني بما آتاكم الله من علم ، لما فيه مرضاة الله عز وجل ، وجزاكم الله عنا كل خير .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:(/1)
ينبغي أن تعلمي أنكِ وقعتِ في آثام متعددة من المراسلة والمحادثة المتكررة مع رجل أجنبي عنكِ ، ومعرفتكِ عنه أنه متدين ، ومحترم ، وذو خلق ، وكذا معرفة ظروفه المعيشية : كل ذلك يؤكد أن هذه العلاقة المحرَّمة قد استمرت لفترة طويلة ، ولا ندري ما هو التدين الذي يتحلى به ذلك الشاب ، ولا ندري كيف تصفينه بأنه محترم وصاحب خلُق ، وهو يرضى لكِ ما لا يرضاه لأخته ولا ابنته !
والواجب عليكِ – وعليه بالطبع – الآن التوبة من تلك العلاقة ، والمبادرة الفورية بقطعها ، وحتى تكون توبتك صادقة فإنه يجب عليك الكف فوراً عن تلك العلاقة ، والندم على ما حصل منكِ ، والعزم على عدم العودة لها أو لمثلها .
وتجدين حكم هذه العلاقة في أجوبة متعددة ، وانظري – مثلاً - : ( 34841 ) و ( 23349 ) و ( 21933 ) .
ثانياً:
وبما أنكِ قد علمتِ ظروف ذلك الشاب ، وأنه لا يستطيع التقدم لخطبتكِ : فهذا يحتِّم عليك قطع العلاقة معه ؛ لأنها – بالإضافة لحكمها الشرعي – فليس مأمولا منها أن تنتهي بالزواج ، على الأقل في المستقبل المنظور ، وإنما هي مجرد أوهام ، يضيع العمر بالجري وارءها : كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً !!
قال الإمام أحمد رحمه الله : " من أحالك على غائب فما أنصفك " .
نقله ابن تيمية في الفتاوى (27/102) .
ثالثاً:
لا نظن عاقلاً على وجه الأرض يمكن أن ينصحك بعدم قبول المتقدم لخطبتكِ على ( أمل ) ! أن تتحسن ظروف ذلك الشاب ليخطبكِ ؛ وذلك لأمور ، منها :
أ. أن ذلك الشاب مجهول ، ولا يَعرف أحد حقيقته ، وأما الثاني فإنه معلوم لكِ ولأسرتكِ .
ب. أن ظرف الأول قطعي في عدم قدرته على خطبتك ، وتحسن أحواله مظنون ، وفي عالم الغيب ، وأما الثاني : فإن ظرفه الحالي مقطوع به بقدرته على التزوج .(/2)
ج. أن الأول يعيش في دولة كافرة ، ولا يحل لك الذهاب إليها ، والعيش بها ، والأمر كذلك بالنسبة له ، وأما الثاني : فهو يعيش في بلد عربي مسلم ، وبينهما فروق من حيث الحكم الشرعي ، ومن حيث صلاحية البلديْن لإقامة شعائر الدين ، وسلامة الاعتقاد ، والحفاظ على الأسرة والأولاد .
رابعاً:
اعلمي أنه ليس لكِ عذر في عدم الموافقة على الخاطب الذي تقدم لخطبتك ، فلا تتردي بالموافقة ، والعمر تمر ساعاته عليكِ ـ وأنت في هذه الأوهام ـ بما يضرك لا بما ينفعك ، وبما يؤثمك لا بما يؤجرك ، فصد هذا الخاطب يعني رضاك بالبقاء على علاقة آثمة لا يعلم إلا الله تعالى : متى تنتهي ، وإلى أي حال تنتهي ؟!!
وهذا ما لا نتمنى حصوله منك ، وقد رضيتِ برأينا ومشورتنا ، ونحن نشكرك على ثقتك بنا ، فلا تردي نصيحتنا ، واقبليها طيبة بها نفسك ، وسترين أثر ذلك على قلبك وبدنك ، ويكفيك أنك تتخلصين بذلك من إثم تلك العلاقة ، وسترين معنى العلاقة الشرعية بعد عقدك وقبولك بالخاطب ، وستتذوقين طعم الحب الشرعي الطاهر ، وسترين أي جناية كنتِ ترتكبينها بحق نفسك ، وسيتبين لك أن تلك " العلاقة الإلكترونية " مع ذلك الشاب لا قيمة لها ، وليست حبّاً ، إنما هي أوقات تصرف في المعصية والتسلية ، وعندنا مئات بل آلاف النماذج من تلك العلاقات الإلكترونية التي ضيعت نساء كثيرات أعراضهن من خلالها ! ومَن تزوجت منهن فقد باء زواجها بالفشل ، فلا تفكري في حبٍّ موهوم ، ولا تعيشي في خيالات ، واجعلي همَّك في طاعة ربك تعالى ، وفي العيش في الواقع المرئي ، لا الخيال المتوهم ، واتركي ذلك الماضي بسوآته ، ولا يشغلنك منه إلا التوبة النصوح إلى الله تعالى، وإصلاح العمل فيما بقي:
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ، وأن يخلصك من الآفات والشرور ، وأن يطهر قلبك ، وأن يعجل لك بالخير .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
102936
العنوان:
حكم العمل في مصانع إنتاج بناطيل الجينز والملابس القصيرة للنساء
السؤال:
أعمل في شركة لإنتاج الملابس الجاهزة ، وتقوم بعمل بنطلونات جينز حريمي ، ولكننا نقوم بتصديرها إلى الخارج ، ومن الممكن أن تباع داخليّاً في مصر ، ولكن بيعها داخليّاً ليس أساس العمل ، وبجانب إنتاج البنطلونات الجينز والشورتات الحريمي يكون هناك إنتاج ملابس للأطفال ، ولكن الغالب على المصنع إنتاج البنطلونات الجينز ، والقماش الحريمي حسب الطلبية ، وأحيانا قليلة رجالي ، فهل هذا العمل يعتبر حلالاً أم حراماً ؟ وهل أتركة أم لا - مع العلم أنني أعمل في الإدارة المسئولة عن التعامل مع المستوردين الأجانب ، وأقوم باستلام الطلبيات ، ومواصفاتها ، وإعطائها للعاملين - ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
تعاني المجتمعات من انتشار الفحش والمنكرات فيها ، ومن المنكرات الظاهرة في تلك المجتمعات ظاهرة لباس النساء المخالف للشَّرع ، سواء لضيقه وتجسيمه للعورة ، أو لقصَره وإبانته عن أجزاء مثيرة من أجسادهن ، أو لكونه شفافاً لا يستر ما تحته .
وهذه الملابس المحرَّم لبسها لا يتعلق إثمها بمن لبسها فقط ، بل وبمن باعها لهن ، وقبل ذلك بمن اشتراها للباعة ، وقبل ذلك كله بمن صنعها وأنتجها لأولئك المشترين ، وغير خافٍ على أحدٍ أنه يأثم كذلك من رخَّص لتلك المصانع بذلك الإنتاج ، ومن رضي بوجوده ، وساهم في الحفاظ عليه ، وكل أولئك كانوا السبب في وجود ذلك المنكر على جسد تلك الفتاة أو المرأة ، وسيحاسب هؤلاء جميعاً على أعمالهم وأفعالهم ، كلٌّ بحسب جُرمه ومخالفته للشَّرع .(/1)
ولولا الترخيص لذلك المصنع لما عمل وأنتج ، ولو العمَّال لما قام واشتغل ، ولولا التجار لما وَجدت المتبرجة مكاناً تشتري فيه ذلك اللباس المحرَّم ، فكان الجميع شركاء في انتشار الفاحشة والتبرج السافر ، وشركاء في كل ما ترتب على ذلك من آثام النظر المحرَّم ، والعلاقات الآثمة ، وما ترتب عليه من فسادٍ للقلوب ، والأخلاق ، والدِّين .
ثانياً:
لا فرق بين تصنيع تلك الملابس الضيقة والقصيرة وبيعها للكفار أو للمسلمين ، فالكفار مخاطبون بأحكام الشريعة ، وهذه الملابس تنشر الفساد والمنكرات ، وإن كان بيعها للمسلمات أشد إثماً .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
الرجاء من سماحتكم إفتاءنا في حكم بيع البناطيل الضيقة النسائية بأنواعها ، وما يسمى منها بـ " الجنز " ، و " الاسترتش " إضافة إلى الأطقم التي تتكون من بناطيل وبلايز ، إضافة إلى بيع الأحذية النسائية ذات الكعب العالية ، إضافة إلى بيع صبغات الشعر بأنواعها ، وألوانها المختلفة ، خصوصاً ما يخص النساء ، إضافة إلى بيع الملابس النسائية الشفافة ، أو ما يسمى بـ " الشيفون " ، إضافة إلى الفساتين النسائية ذات نصف كم ، والقصير منها ، والتنانير النسائية القصيرة .
فأجابوا :(/2)
"كل ما يستعمل على وجه محرم ، أو يغلب على الظن ذلك : فإنه يحرم تصنيعه ، واستيراده ، وبيعه ، وترويجه بين المسلمين ، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم - هداهنَّ الله إلى الصواب - : مِن لبس الملابس الشفافة ، والضيقة والقصيرة ، ويجمع ذلك كله : إظهار المفاتن والزينة ، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية : فلا يجوز بيعه ، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم ، ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر ، وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر والفاحشة ، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية ) .
فالواجب على كل تاجر مسلم : تقوى الله عز وجل ، والنصح لإخوانه المسلمين ، فلا يصنع ، ولا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم ، ويترك ما فيه شر وضرر عليهم ، وفي الحلال غنية عن الحرام ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/ 2 ، 3 ، وهذا النصح هو مقتضى الإيمان ، قال الله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة/ 71 ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ) خرَّجه مسلم في صحيحه ، وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه : ( بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم ) متفق على صحته ، ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بقوله فيما تقدم : " ... ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر.. إلخ " : كراهة تحريم كما يعلم ذلك من فتاواه في مواضع أخرى " انتهى .(/3)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 109 – 111 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 5066 ) و ( 10436 ) .
واعلم أن المال المكتسب من هذا العمل مال محرَّم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ ) رواه أبو داود ( 3488 ) وصححه الألباني في " صحيج أبي داود " .
فتخلص من هذا العمل ، وأطب مطعمك بطيب عملك ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لذلك ، وأن ييسر أمرك ، ويفتح لك من خزائنه .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
102937
العنوان:
تمول لهم شركتهم شراء السيارات ويشترط البائع التأمين على الحياة!
السؤال:
أعمل في شركة ، وهذه الشركة أجرَت اتفاقاً مع بائع السيارات ليبيع السيارات لعمالها بالتقسيط ، فإذا أراد أي عامل شراء سيارة يذهب إلى بائع السيارات ، ويختار السيارة التي تعجبه ، فيعطيه البائع ورقة مكتوباً عليها ثمن السيارة بدون تقسيط ، وثمن السيارة بالتقسيط لمدة ستين شهراً ، وقيمة كل قسط ، وهذه الأقساط تخصم مباشرة من الراتب الشهري للعامل حسب اتفاق الشركة والبائع ، لكن البائع يشترط على المشتري أن يؤمِّن على السيارة من كل الأخطار ، ويؤمِّن على حياته مدة ستين شهراً ؛ وذلك ليضمن البائع استرداد ثمن السيارة في حالة ما إذا وقع حادث للسيارة ، أو في حالة وفاة المشتري ، هل هذه المعاملة حلال شرعاً - مع العلم أن التأمين على السيارة في بلدي إجباري ، وأنني أملك سيارة قديمة وأريد استبدالها بسيارة جديدة ?
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر أن ما تقوم به هذه الشركة هو دفع ثمن السيارة للبائع نقداً ، ثم تقوم بتحصيل هذا الثمن مقسطاً من المشتري ، وعليه زيادة عما دفعته للبائع .
فاتفاقها مع بائعي السيارات واضح في أنهم يمكنون عاملهم من اختيار السيارة ، ويكون عليها دفع ثمنها لهم ، وواضح أن هذه المعاملة هي قرض تقدمه الشركة لموظفيها ، لكنها لا تمكنهم من المال نقداً ، بل تبادر بدفعه لبائعي السيارات ، وهي تستوفي من موظفيها أكثر مما دفعت .
وهذه المعاملة محرَّمة ، وهي صورة من صور الربا ، وقد سبق في جواب السؤال ( 10958 ) فتوى لعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريمها .
ثانياً:(/1)
سبب آخر يجعل هذه المعاملة محرَّمة ، هو اشتراط البائع على الموظف المشتري أن يؤمِّن على حياته ! وذلك من أجل استيفاء أموالهم من قيمة التأمين بعد الوفاة ! وعقود التأمين التجاري كلها محرَّمة ، ولا يجوز منها أي نوع ، ومن يؤمن على سيارته فإن هذا من باب الإكراه ، والاضطرار ، ولا يحل له الاستفادة مما تدفعه له شركة التأمين في حال وقوع حادث ، بل يأخذ منهم ما دفعه لهم من أقساط فقط .
وانظر جواب السؤال رقم ( 10805 ) ففيه بيان حكم التأمين على الحياة ، وفيه فتوى الشيخ ابن باز
وانظر جواب السؤال رقم : ( 30740 ) ففيه حكم الاقتراض ممن يشترط التأمين على الحياة.
وعلى هذا ؛ فلا يجوز للموظف أن يشتري السيارة بهذه الطريقة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102969
العنوان:
حكم التأمين على رخصة القيادة
السؤال:
ما حكم التأمين على رخصة قيادة السيارة ، فإذا حصل حادث فإن شركة التأمين تتحمل للطرف الثاني الأضرار التي حصلت من هذا الحادث .
الجواب:
الحمد لله
وجه هذا السؤال للأستاذ الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان ، عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ، فأجاب : " لا يجوز التأمين على الرخصة ؛ لأنه تأمين على صاحبها عن الحوادث ضد الغير، وهذا النوع من التأمين من التأمين التجاري البحت المحرم شرعاً؛ لأنه مبني على الجهالة والغرر وأكل أموال الناس بغير حق، وفتاوى جمهور العلماء في المجامع الفقهية وهيئات الفتوى تحرم التأمين التجاري القائم اليوم في أغلب دول العالم، إذا كان اختيارياً لا يلزم به أحد من الناس، أما إذا كان التأمين إلزامياً وبغير رضا واختيار فيجوز التأمين على الرخصة مثلاً، فالإثم على من أجبر غيره عليه بناء على قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، وعلى الإنسان الذي أجبر على التأمين على الرخصة مثلاً، ألاَّ يأخذ أكثر مما دفع فيما إذا عوضته الشركة عما حصل عليه من ضرر اعتماداً على قاعدة (الضرورات تقدر بقدرها)، وعلى المسلم أن يتحرى لدينه وعرضه فيبتعد عن الحرام أو ما فيه شبهة للحرام، كما ورد في حديث النعمان بن بشير: ( إن الحلال بَيّن والحرام بَيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ..) رواه البخاري (2051) ومسلم (1599) واللفظ له. والله أعلم " انتهى
ومن فتاوى أهل العلم في حكم التأمين على السيارات :(/1)
1- فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، حيث سئل ما نصه : " ظهر حديثاً ما يعرف بالتأمين، التأمين على الأموال والتجارات والسيارات، وظهرت شركات في هذا، ويؤمنون على السيارات بمعنى: إذا صار للسيارة حادث يضمنون ثمنها ويضمنون لو صار هناك قتلى نتيجة الحادث فيدفعون الدية، فما توجيهكم حيث يسمونه بالتأمين التعاوني من باب التعاون، فما توجيهكم في هذا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب : حسب ما ذكرت نرى أن هذا محرم، يعني: أن يدفع صاحب السيارة كل شهر كذا وكذا أو كل سنة كذا وكذا للشركة، وتقوم الشركة بضمان الحادث الذي ينتج من هذه السيارة، نرى أن هذا حراماً، وأنه من الميسر الذي قرنه الله بعبادة الأصنام وشرب الخمور قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90 ، ووجه ذلك: أن هذا المؤمِّن إذا دفع كل شهر خمسمائة ريال، كان عليه في السنة ستة آلاف ريال، ربما يحصل حادث في هذه السنة غرم بسببه عشرين ألف ريالاً، وربما لا يحدث شيء، فإن كان الأول يعني: حدث حادث غرم فيه عشرين ألف ريالاً صار المؤمَّن الذي دفع التأمين غانماً والشركة غارمة، وإن كان العكس بأن مضت السنة ولم يحدث حادث كانت الشركة غانمة والمؤمِّن غارم، وهذا هو الميسر تماماً، فهو حرام، فلا يجوز للإنسان أن يتعاطاه، ولا تغتر -أيها الإنسان- بعمل الناس فإن الله تبارك وتعالى يقول: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) الأنعام/116. فنصيحتي لإخواني: أن يقاطعوا هذه التأمينات، وأما قولهم: إنه تأمين تعاوني، فهذا أكذب ما يكون، هل يمكن لأي إنسان لم يدخل في هذا التأمين أن يستفيد من هذه الجمعية؟ أبداً ما يستفيد، بل هو تأمين فيه ميسر وقمار " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (158/23).(/2)
2- فتوى الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، حيث سئل : " ما هو الحكم الشرعي في التأمين وهو مثلاً أن يدفع الشخص مبلغًا من المال كل شهر أو كل سنة إلى شركة التأمين للتأمين على سيارته لو حصل حادث وتضررت منه فإنهم يقومون بتكلفة إصلاحها وقد يحصل وقد لا يحصل للسيارة شيء طول العام وهو مع ذلك ملزمٌ بدفع هذا الرسم السنوي فهل مثل هذا التعامل جائز أم لا ؟
فأجاب : لا يجوز التأمين على السيارة ولا غيرها لأن فيه مغامرة ومخاطرة وفيه أكل للمال بالباطل والواجب على الإنسان أن يتوكل على الله تعالى وإذا حصل عليه شيء من قدر الله سبحانه فإنه يصبر ويقوم بالتكاليف التي تترتب عليه والغرامة التي تترتب عليه من ماله لا من مال شركة التأمين والله سبحانه وتعالى هو يعين على هذه الأمور وغيرها فلا يلجأ إلى شركات التأمين وما فيها من مخاطرة وأكل أموال الآخرين بالباطل علاوة على ذلك فإن أصحاب السيارات إذا أمّنوا على سياراتهم وعرفوا أن الشركة ستتولى دفع الغرامة فإن هذا يبعث على التساهل من قبلهم وعلى التهور في القيادة وربما يترتب على ذلك إضرار بالناس وبممتلكاتهم بخلاف ما إذا علم أنه هو سيتحمل وهو المسؤول فإنه يتحرز أكثر .
وقلنا إن في التأمين أكلاً للمال بالباطل لأن الغرامة التي تتحملها الشركة قد تكون أكثر مما دفع المساهم بأضعاف أضعاف - فيأكل أموال الناس بالباطل وربما لا يحصل على المساهم غرامة فتأكل الشركة ماله بالباطل " انتهى من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان"
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
102988
العنوان:
رسم شكل الإنسان بدون ملامح عن طريق برنامج الفلاش
السؤال:
أنا أستخدم برنامج يسمى بالفلاش وأنا عندما أستخدمه أرسم شكل إنسان لكن بدون ملامح وأحركه في البرنامج فهل هذا يجوز ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز رسم أو تصوير ذوات الأرواح من الإنسان أو الطير أو الحيوان ، لما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى ، كما جاء معللا في الحديث ، فقد روى البخاري (5954) ومسلم (2107) واللفظ له عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ، وَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ .
والسهوة : الرف أو الطاق . وقيل : هو ما يشبه الخزانة .
والقرام : ستر رقيق في ألوان ونقوش .
لكن إذا كان الرسم أو الصورة خاليا من الملامح التي تبين العين والأنف والفم ، فلا يدخل ذلك في التحريم لعدم المضاهاة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أما مسألة القطن ( يعني : العرائس التي تصنع للأطفال من القطن ) والذي ما تتبين له صورة رغم ما هنالك من أعضاء ورأس ورقبة ولكن ليس فيه عيون وأنف فما فيه بأس ؛ لأن هذا لا يضاهي خلق الله " .(/1)
وقال أيضاً : " كل من صنع شيئاً يضاهي خلق الله : فهو داخل في الحديث ، وهو : ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصورين . . . ) ، وقوله ( أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) ، لكن كما قلت : إنه إذا لم تكن الصورة واضحة ، أي : ليس فيها عين ولا أنف ولا فم ولا أصابع : فهذه ليست صورة كاملة ، ولا مضاهية لخلق الله عز وجل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/278، 279).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102991
العنوان:
تقديم النذر على حصول الشرط المعلق عليه
السؤال:
كان لي مبلغ 8 آلاف جنيه عند شخص ما ، ويئست من استردادهم ونذرت إذا رجع هذا المبلغ سأقوم بدفع ألف جنيه صدقة ، وألف أخرى للمسجد وأن أقوم بالعُمرة ، وبالفعل وصلني منهم ألف جنيه قمت بدفعهم للمسجد ثم وصلني 3 آلاف جنيه وأريد عمل عُمرة (تكملة باقي ثمن العمرة من مالي الخاص) ثم عند الحصول على باقي المبلغ آخذ ما دفعته للعمرة وأدفع الصدقة وآخذ باقي المبلغ لي ، فهل هذا جائز أن أستكمل باقي مبلغ العمرة من مالي الخاص أم الأفضل دفع الـ 1000 جنيه (الصدقة) ويتم تأجيل العمرة ؟ ملحوظة: عندما نذرت هذا النذر لم أكن أعرف أن النذر غير مستحب .
الجواب:
الحمد لله
نذر الصدقة والعمرة هو من نذر الطاعة والتبرر ، سواء كان مطلقا ، كقول الإنسان : لله علي أن أتصدق بكذا أو أعتمر ، أو كان معلقا على شرط ، كقولك : إن رجع المال تصدقت واعتمرت ، ونذر الطاعة يجب الوفاء به ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) رواه البخاري (6202) .
لكن النذر المعلق لا يجب الوفاء به إلا عند حصول الشرط ، فلا يلزمك أداء العمرة ولا الصدقة حتى يرجع مالك ، لكن إن أردت فعل العمرة الآن أو الصدقة فلا حرج عليك ؛ لأنه يجوز فعل النذر قبل حصول الشرط ، كما يجوز تقديم كفارة اليمين قبل الحنث ، ولا حرج أن تدفع من مالك ما يكمل نفقة العمرة ، فإذا جاء المال أخذت ما دفعت ، وتصدقت بالألف ، وكان الباقي لك .
قال في "كشاف القناع" (6/277) عن النذر المعلق : " ويجوز فعل النذر قبل وجود شرطه ، كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث " انتهى بتصرف .
وقال في "مغني المحتاج" (6/234) : " ويجوز تقديم المنذور على حصول المعلق عليه إن كان ماليا " انتهى .(/1)
ولا حرج عليك إن قدمت العمرة على الصدقة أو العكس ، لأنك لم تشترط في النذر أن تقوم بهذه الأعمال على ترتيب معين ، فسواء بدأت بالصدقة أو بالعمرة فكله جائز .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
102996
العنوان:
هل يترك بعض الواجبات خشية دخول السجن ؟
السؤال:
نعرف جيداً بأنه يحرم حلق اللحية ، أو إسبال الإزار ؛ بنص الأحاديث الواردة في ذلك ، ولكن سؤالي هو أنه في بلادنا يمنع إعفاء اللحية ورفع الإزار ، ويعتبر من يفعل ذلك مشبوها لدى الأجهزة الأمنية ويتعرض للسجن والتعذيب ، والتحقيقات وحجز جوازات السفر وغيرها من الفتن التي تتعرض لها أسرة الشخص المستقيم . في هذه الظروف الصعبة يعيش الشباب المستقيم والتواق للالتزام بالشرع الحنيف على منهج السلف الصالح أوقاتاً صعبة من تقصير اللحى وإسبال الإزار وغيرها من ترك السنن الثابتة والذي لا يتبع هذا الطريق يكون مقره السجون سؤالي هو : هل نتقي شرور وفتن السجون ومضايقات قوات الأمن بتقصير أو حلق اللحى وترك السنن عموماً أو نصبر على الأذى ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان ، وأن يمكن لهم في الأرض ، ويُري أعداءهم منهم ما كانوا يحذرون .
لاشك أن صدع المؤمن بالحق ، وثباته على ذلك ، وصبره على ما يلقاه في سبيل الله هو الأفضل والأولى ، فمن رأى من نفسه الثبات والصبر ، فالأولى له أن يجاهر بالحق ، وليحتمل ما يصيبه بسبب ذلك ؛ قال تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/1-3 .
ومن خاف على نفسه الضرر ، وكان الضرر حقيقياً ، وليس مجرد وهمٍ أو جبن ، فأخذ برخصة الله ؛ دفعاً للضرر عن نفسه ، فلا حرج عليه .
فجمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا بالعزيمة ، وصبروا على ما أوذوا في سبيل الله ، ولم يعطوا الكفار ما يريدون منهم ، رغم ما كانوا يلاقون من أصناف التعذيب .(/1)
ومنهم – كعمار بن ياسر رضي الله عنهما – من أخذ برخصة الله ، وأعطى الكفار ما يريدونه من النيل من الإسلام ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع اطمئنان قبله بالإيمان ، وفيه نزل قوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
والسجن وما يكون فيه من التعذيب نوع من الإكراه المعتبر عند العلماء يبيح للمسلم ترك بعض الواجبات ، وفعل بعض المحرمات التي أكره عليها .
لكن الواجب أن تقدر الضرورة بقدرها ، فإن أمكن دفع الضرورة بتقصير اللحية لم يجز حلقها ، وإذا لم يمكن إلا بالحلق جاز له حلقها ، وليؤخر ذلك ما استطاع ، وهكذا يقال في تقصير الثياب ، وعدم إسبالها .
وينبغي أن يُذكِّر المؤمن نفسه دائماً ، بأن هذه الحال التي هو عليها حال ضرورة ، ويكون صادقاً مع نفسه ، فإذا ما اندفعت الضرورة عاد إلى ما أمره الله به ، وصدع بالحق .
وليجتهد المسلم فيما يقدر عليه ، وليبذل طاقته في ذلك ، ولا حرج عليه إن شاء الله ، فيما تركه خشية حصول الضرر ، ولا يجوز له ترك الواجبات التي لا يضطر إلى تركها .
قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة / 286 ، وقال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16.
ونسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين ، ويذل أعداء الدين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103005
العنوان:
ترك الصلاة بسبب معاناته من وسواسه بسلس البول
السؤال:
مشكلتي في الصلاة ، أنا للأسف أهملت صلواتي ، وتقريباً لي سبعة أشهر لم أصلِّ ! مع علمي بعظم هذه المعصية ، وأنا أذكر إخواني دائما بالصلاة ، وأحذر من التهاون فيها ، وبكل أسف أنا لا أصلي ! أنا لست منافقاً أبدا ، وأنا والله أتمنى أني أستطيع أن أصلي وأنا أكون كباقي الناس ، لكن والله أنا ما تهاونت فيها إلا بسبب الوساوس القهرية في الوضوء والغسل وقد يكون هذا الأمر هيناً، لكن المصيبة التي كرهتني في كل شيء هي " سلس البول " , وهو ليس سلساً مستمراً بل هو مجرد إحساس بعد قضاء الحاجة بخروج نقاط من البول ، وكم وكم قرأت من استشارات لكن قد يكون الأمر سهلاً عند من يفتيك لأنه لم يعان مما يعانيه غيره ، وأنا والله العظيم لولا هذه المشكلة ما كنت فرطت في صلواتي , وأنا كنت سابقا لا ألتفت لها وكنت أسمع من البعض يقول إنه لا يجب عليك أن تلتفت لها ، وأن تستنجي ، ثم تتوضأ ولا عليك من أي شي يخرج منك بعد ذلك , كنت على هذا طيلة حياتي , لكن بعد أن بدأت أبحث في المواقع الدينية وأسال وجدت أنني كنت مخطئاً . أنا عندي عدة أسئلة وأتمنى تريحوني من هذا العذاب لأن أعظم البلاء أن يبتلي الإنسان في دينه وأنا ابتليت في أنني لا أستطيع أن أصلي . سؤالي : الآن هل أُعتبر أنا كافراً كفراً يُخرج من الملة بسبب إهمالي لصلواتي طيلة السبعة شهور ؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل ؟ وكيف أجدد إيماني ؟ وهل يجب أن أتلفظ بالشهادتين ؟ أريد منكم التوضيح بشكل مفصل . السؤال الآخر : ماذا أفعل بخصوص سلس البول ( هل يجب عند قضاء الحاجة أن أنتظر فترة قد تصل إلى نصف ساعة في دورة المياه لكي أتأكد أنني لا أحس بخروج شيء ، ثم أتحفظ بقماش ومعاناة تثبيت القماش أو غيره على العضو ثم أبدأ الوضوء وتبدأ معاناة الوسواس بل أيضا تنتظرني معاناة الوسواس في الصلاة وإعادتها ) ، أنا أعلم أن(/1)
الدين يسر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وأنا لا أعلم ماذا أفعل في مصيبتي هذه . بارك الله فيكم ، لا تحيلوني لأي استشارات أخرى ، وأغيثوني ، أغاثكم الله .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
سبحان الله ، كيف تمكَّن الشيطان من الكيد لك ، والإيقاع بك ! فتختار ترك الصلاة بالكلية ! تختار الردة ! تختار حبوط الأعمال جميعها !
نعم ، ترك الصلاة كفر مخرج من الملة ، ولا يُعذر المسلم بترك الصلاة في أي ظرف أو حال كان فيه ، ففي الحرب يصلي ، وفي المرض يصلي ، وفي السجن يصلي ، ولا يُعذر بترك الصلاة إن فقد الماء والتراب ، ولا يعذر إن جهل القبلة ، ولا يعذر في تركها إن لم يكن عنده ثياب يستر عورته بها .
وقد شرع الله تعالى لكل من ذكرنا أحكاماً تتناسب مع حاله وظرفه ، من الجمع بين الصلاتين ، وسقوط شرط الطهارة ، واستقبال القبلة ، وستر العورة ، والصلاة جالساً أو مضطجعاً ، بل والصلاة بالنية في حال عدم قدرته على الحركة ! وكل ذلك يدل على عظم هذه الفريضة ، وعظم شأنها في شرع الله تعالى .
ومما يدل على عظيم شأنها: أن الله تعالى فرضها على المسلمين في السماء ليلة المعراج من غير واسطة بينه تعالى ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
فالحذر الحذر ، وإياك أن تهون ما عظمه ربك عز وجل ، وإياك أن ترضى لنفسك الدخول في عصابة العاصين المرتدين ، فالحكم واضح بيِّن ، وليس لك عذر عند الله تعالى البتة ، فلم يبق لك إلا المسارعة إلى الصلاة – وتغنيك الصلاة عن التلفظ بالشهادتين - ولتعوض ما فات من عمرك بالاستغفار والطاعات ، ولتصدق في توبتك ، واحذر أن تموت وأنت تارك للصلاة وإلا حبط عملك الصالح ، ولقيتَ الله كافراً مرتدّاً .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض ؟ ومتى يكون القضاء ؟
فأجاب :(/2)
"هذا المريض إما أن يكون قد غاب عقله – أي : أغمي عليه - : فهذا لا قضاء عليه ؛ لأنه مغمى عليه ، فاقد العقل ، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ ، وأما إذا كان عقله معه : فلا يحل له أن يؤخر الصلاة ، يصلي على حسب حاله ، ولو بالنية ، حتى لو – فرضنا - أنه لا يستطيع أن يتحرك : فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع والسجود ، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم ، وكونهم في حرج : تجده إذا قيل له : صلِّ : قال : إذا عافاني الله صليت ! هذا غلط ، خطر عظيم جدّاً ، لو مات على هذا يخشى أن يكون كافراً ، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن يحذروهم ، يقول : صلِّ ولو بالنية ، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان النية ؟ لا يمكن أن يفقدها ، ولا لسانه ....، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه متنجسة ويقول : لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً ، ولا أغسل النجاسة ، أنتظر حتى يعافيني الله وأتطهر : نقول : هذا أيضاً حرام ، صلِّ ولو بالثوب النجس ؛ لأن الله يقول : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/ 16 .
بقدر ما يستطيع ، إن قدر على الطهارة : تطهر ، وإن لم يقدر : فإنها تسقط عنه" انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 163 / السؤال رقم 9 ) .
ثانياً:
وأما حكم ما تركته من صلوات : فليس عليك قضاؤها وتكفيك التوبة والمحافظة على الصلاة.
ثالثاً:
الذي تعاني منه أنت سببه ، فلست مريضاً بسلس البول، فأنت من جعل الخيال حقيقة ، وجعل الوهَم واقعاً ، فمجرد الإحساس بوجود نقاط بول تخرج منك – كما تقول – ليس لها حكم البول الخارج بالقطع والجزم ، فلا تلتفت لهذا الوهم ، ولا تبني حكما على ذلك الخيال ، وإذا استجبت لهذا ارتحت ، وإذا استسلمت له جاءك الوسواس القهري ، وجعل حياتك نكداً .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :(/3)
بعدما أنتهي من الوضوء أشعر بأنه يخرج مني نقاط من البول , فهل يجب عليَّ إعادة الوضوء , علماً أنني كلما أعدت الوضوء حصل نفس الشعور , فماذا أفعل ؟ .
فأجاب :
"هذا الشعور عند السائل بعد الوضوء يعتبر من وساوس الشيطان , فلا يلزمه أن يعيد الوضوء , بل المشروع له : أن يُعرض عن ذلك , وأن يعتبر وضوءه صحيحاً لم ينتقض ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجِد الشيء في الصلاة , قال : ( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) متفق على صحته .
ولأن الشيطان حريص على إفساد عبادات المسلم من الصلاة والوضوء وغيرهما , فتجب محاربته ، وعدم الخضوع لوساوسه , مع التعوذ بالله من نزغاته ومكائده" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 10 / 124 ) .
وليس لك أن تنتظر فترة من الزمان في الحمام لتنتظر خروج شيء ، وليس لك أن تمشي أو تقفز أو تعصر فرجك ، فكل ذلك وما يشبهه من تلبيس إبليس ، وإنما يوسوس بذلك للناس ليصرفهم عن الطاعة ، وليقذف في قلوبهم الحزن ، فإياك أن تستجيب لوسوسته ، وكل ما عليك فعله إنما هو التبول ثم الاستنجاء بعده ، ثم نضح الفرج والثياب بقليل من الماء لتذهب به كيد الشيطان وتتخلص من وسوسته، والبول ينقطع بطبعه إذا فرغ الإنسان منه ، ولو أنه انتظر عدم نزول شيء جديد منه ، أو راح يعصره لينشفه لم ينته، فإنه كلما عصره استمر في النزول !
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
عن الاستنجاء هل يحتاج الى أن يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح يستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء ؟ فهل فَعَل هذا السلف رضي الله عنهم أو هو بدعة أو هو مباح ؟
فأجاب :(/4)
"الحمد لله ، التنحنح بعد البول ، والمشي ، والصعود في السلم ، والتعلق في الحبل ، وتفتيش الذَّكَر بإسالته ، وغير ذلك : كل ذلك بدعة ، ليس بواجب ، ولا مستحب عند أئمة المسلمين ، بل وكذلك نتْر الذَّكَر بدعة على الصحيح ، لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبول يخرج بطبْعه ، وإذا فرغ : انقطع بطبعه ، وهو كما قيل : كالضرع ، إن تركته : قرَّ ، وإن حلبتَه : درَّ .
وكلما فتح الانسان ذكَره : فقد يخرج منه ، ولو تركه : لم يخرج منه ، وقد يخيل إليه أنه خرج منه ، وهو وسواس ، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء ، ولم يخرج .
والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الذكرلا يقطر ، فاذا عُصر الذكَر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك : خرجت الرطوبة ، فهذا أيضا بدعة ، وذلك البول الواقف لا يحتاج الى إخراج ، باتفاق العلماء ، لا بحجَر ، ولا أصبع ، ولا غير ذلك ، بل كلما أخرجه جاء غيره ؛ فإنه يرشح دائماً .
والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج الى غسل الذكر بالماء ، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء ، فإذا أحس برطوبته قال : هذا من ذلك الماء .
وأما مَن به سلس البول ، وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع : فهذا يتخذ حفاظاً يمنعه ، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي وإلا صلى وإن جرى البول ، كالمستحاضة تتوضأ لكل صلاة ، والله أعلم" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 21 / 106 ، 107 ) .
وفي جواب شيخ الإسلام تفصيل لحالتك ، والجواب عليها ، فعليك التأمل في كلام أهل العلم ، وإظهار الاحترام والتقدير لهم ، فهم نجوم يهتدي بهم من ضلَّ طريقه ، فما عندك إنما هو وهم وخيال لا ينبغي لك الالتفات له ، ولا الاهتمام به ، وليس لك أن تنتظر خروج شيء من البول بعد انتهائك من التبول ، وليس عليك أن تتحفظ بقماش أو غيره.
والذي يظهر لنا أنك لست مريضاً بسلس البول، وإنما أنت استسلمت لوسوسة الشيطان فتمكن منك.(/5)
فاسأل ربك تعالى العون والتأييد والتثبيت، وتوكل على الله تعالى في صرف الشيطان وكيده، فإنه (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل/99.
وانظر للفائدة أجوبة الأسئلة : ( 2723 ) و ( 11449 ) و ( 1174 ) .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
103023
العنوان:
كتب في السيرة النبوية
السؤال:
هل يمكن أن تعطيني أسماء الكتب التي تتحدث عن السيرة الذاتية للنبي صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يتعامل في حياته ، مع أهله وزوجاته وأصحابه رضي الله عن الجميع ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الكلام عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته الدعوية والجهادية والعائلية مما يستهوي الأفئدة ؛ وذلك لأن حياته عليه الصلاة والسلام كانت مليئة بالجوانب المشرقة والأخلاق الكاملة التي يعجز أن يسطرها قلم ، أو ينطق بها لسان ، ولكن حسبنا ما قاله الله تعالى فيه ممتدحاً : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم /4 ، فهو عليه الصلاة والسلام عظيم الخلق مع أهله ، وأصحابه حتى مع أعدائه .
وانظر جواب السؤال رقم ( 11575) .
ثانياً :
قد ألف العلماء رحمهم في القديم والحديث كتباً في بيان السيرة العطرة له عليه الصلاة والسلام ، وذكروا فيها سيرته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، ومع أهله وزوجاته ، ومع جيرانه ، ومع أعدائه ، وغزواته التي غزاها ، ووفاته عليه الصلاة والسلام .
ومن تلك المؤلفات :
1- سيرة ابن هشام رحمه الله .
2- زاد المعاد لابن القيم الجوزية رحمه الله .
3- الرحيق المختوم للمباركفوري رحمه الله .
4- مختصر السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
5- هذا الحبيب يا محب لأبي بكر الجزائري حفظه الله .
6- السيرة النبوية دروس وعبر للسباعي رحمه الله .
7- السيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري حفظه الله .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103029
العنوان:
رسم عين وفم للأطفال في الملعقة !
السؤال:
ما حكم رسم عين وفم في غير ذوات الأرواح كالملعقة بحجة أن علة تحريم التصوير ليست موجودة هنا فليس في هذا مضاهاة خلق الله ولا يخشى عبادته من دون الله والمعلمة ترى تأثير هذا على الأطفال في الروضة وأنه بديل عن الصور المحرمة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز رسم أو تصوير ذوات الأرواح من الإنسان أو الطير أو الحيوان ، لما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى ، كما جاء معللا في الحديث ، فقد روى البخاري (5954) ومسلم (2107) واللفظ له عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ ، وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ، وَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ .
والسهوة : الرف أو الطاق . وقيل : هو ما يشبه الخزانة .
والقرام : ستر رقيق في ألوان ونقوش .
وأما رسم العين والفم في ملعقة ، فلا يدخل في الصورة المحرمة ؛ لعدم المضاهاة ، ولكونها صورة ناقصة غير كاملة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103040
العنوان:
هل ينتخب رئيسا لا يحكم بشرع الله ؟
السؤال:
هل يجوز انتخاب رئيس لبلد إسلامي مع أنه لا يحكم بشرع الله ؟ مع العلم أنه في حال عدم انتخابه قد تحصل مضايقات تصل في بعض الأحيان لحد الاعتقال .
الجواب:
الحمد لله
يعتقد المؤمنون اعتقاداً جازماً أنه لا أحد أحسن من حكم الله تعالى ، وأن كل حكم خالف حكم الله فهو حكم جاهلي ، قال الله تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50 .
وجعل الله تعالى دعوى الإيمان بالله وما أنزل على رسله مع إرادة التحكم إلى غيره ، جعل ذلك أمراً عجيباً يستحق التعجب منه ، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60.
قال الشنقيطي رحمه الله : " بَيَّن جل وعلا أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون ، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل به العجب " انتهى .
وأقسم الله تعالى بذاته الكريمة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطناً . فقال : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65 .
تفسير ابن كثير .
وأوجب الله تعالى رد الأمور المتنازع فيها إليه ، وجعل ذلك شرطاً للإيمان ، فلا يصح الإيمان مع التحاكم إلى غير ما شرعه الله تعالى .(/1)
قال تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) النساء/59 .
قال ابن كثير : "قوله تعالى : ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ، دل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليها فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر " انتهى .
وعلى هذا ؛ يحرم انتخاب من يحكم بغير ما شرعه الله لما في ذلك من الرضا بهذا المحرم والإعانة عليه .
وإذا أُكرِه المسلم على الذهاب للانتخاب فيمكنه الذهاب ورفض هذا الرئيس أو إفساد صوته – إن استطاع- فإن لم يستطع إلا الموافقة على الانتخاب وخشي على نفسه الضرر إن لم يوافقهم ، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك لقول الله تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) النحل/106، ولقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103041
العنوان:
حنث في أيمان لا يذكر عددها كيف يفعل ؟
السؤال:
مررت بفترة كنت أفعل فيها فعلا خاطئا وهو أني كنت إذا احترت بين فعلين أقسم ألا أفعل واحدا منهما لكي أخرج من هذه الحيرة وكنت أحيانا أحنث بكثير من الأقسام وهي من الكثرة والتنوع بحيث لا أستطيع أن أذكر عددها وأنا الآن أريد أن أكفر عنها فكيف أفعل ذلك؟
الجواب:
الحمد لله :
صدقت أخي في وصف فعلك بأنه خاطئ ، إذ ينبغي للمسلم تعظيم أمر اليمين فلا يكثر منه فقد ذم الله تعالى المكثرين من الأيمان، فقال : ( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ) القلم/10 ، وقال سبحانه : ( وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/224 .
قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/483) : "فكأن المعنى : إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان ، والجرأة على الله تعالى ، لما في توقي ذلك من البر والتقوى فتكونون بررة أتقياء" انتهى .
وقد صرح أهل العلم بكراهة الإكثار من الأيمان ، قال ابن قدامة في المغني (9/386): "ويكره الإفراط في الحلف بالله تعالى (أي الإكثار منه) ، لقول الله تعالى: ( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ) وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله" انتهى .
وما دمت قد حلفت أيماناً متعددة على أشياء مختلفة فتلزمك كفارة يمين لكل شيء حلفت عليه وحنثت ، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/406) : "وإن حلف أيماناً على أجناس ، فقال : والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، وحنث في الجميع ، فعليه في كل يمين كفارة ، وهو قول أكثر أهل العلم" انتهى بتصرف يسير.
وعليك أن تجتهد وتتحرى في تقدير عدد الأيمان التي حلفتها ، فما غلب على ظنك أنه عدد الأيمان التي حلفتها وحنثت فيها كَفَّرت عنها، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء كما بيناه في جواب السؤال رقم (34730) .(/1)
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
103044
العنوان:
من يتحمل تبعة الاختلاط الرجل أم المرأة؟
السؤال:
بعض الإخوة إذا ناقشته في حكم الاختلاط المحرم في عمله قال : إنه هو في وضعية طبيعية ، وأن الرجل هو الذي يعمل ، وأنه غير آثم في بقائه في هذا العمل. وحيث إن فرص العمل قليلة في بلدنا فنرجو تقديم لنا النصيحة بالاستفاضة.
الجواب:
الحمد لله :
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل ، له آثاره السيئة ، ومفاسده الواضحة على كلٍّ من الرجل والمرأة ، ومن ذلك :
1- حصول النظر المحرم ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، فقال سبحانه: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31 .
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم ، ومنه المصافحة باليد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045).
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، وهذا محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وفي رواية : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في غاية المرام (180 ) .(/1)
4- ومن مفاسده : تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها ، أو العكس ، وذلك من جراء الخلطة ، وطول المعاشرة .
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت ، فكم من رجل أهمل بيته ، وضيع أسرته ، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل ، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب ، بل : كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة ، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها ؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد ، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200).
والوضع الطبيعي للمرأة أن تكون قارة في بيتها ، لقول الله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) الأحزاب/33 .
قال ابن كثير رحمه الله : "أي : الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة" انتهى .
والذين يسعون في الكسب ويقومون بالمهن إنما هم الرجال ، ولكن كون ذلك هو الوضع الطبيعي ، وكون المرأة هي التي خالفت فزاحمت الرجال ، وخرجت متبرجة ، وارتكبت ما نهى الله عنه ، كل ذلك لا يبرر للرجل المسلم أن يرتكب ما حرم الله عز وجل عليه، بل هو مسؤول عن عمله وكسبه، وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام/164 .
والمسلم مأمور بأن يقف عند حدود الله تعالى ، ولا يتجاوزها لتجاوز الناس لها ، بل هو مطالب بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر الطاقة ، لا أن يتخذ فعل الناس للمنكر مبرراً له ليقع هو فيه، ولذا فالنصيحة لكل مسلم أن يحرص على سلامة قلبه من التأثر بالفتن ، لا سيما فتنة المرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه.(/2)
وأن يبتعد عن تلك المواطن التي يتخذها الشيطان مبدءاً لاستدراج الإنسان من ذنب إلى ما هو أعظم منه، وعلينا أن نوقن بأن من توكل على الله كفاه ، ومن اتقاه جعل له مخرجاً، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطَّلاق:2-3.
فلْيَسْعَ المسلم في البحث عن عمل بعيد عن الاختلاط بالنساء ، فإن لم يجد فليتق الله تعالى بقدر طاقته ، وذلك بغض بصره ، والحذر من التحدث إلى النساء من غير حاجة ، أو تجاوز ذلك إلى الضحك والمزاح ، أو الوقوع في الخلوة ، فمعظم النار من مستصغر الشرر .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.(/3)
رقم السؤال:
103045
العنوان:
يدرس في الخارج ويخشى أن ينسى الصلاة فهل يجوز له الجمع
السؤال:
أنا طالب أدرس ببريطانيا ومدة الدراسة هي 5 سنوات هل يجوز لي أن أجمع بين صلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء طول فترة غربتي في بريطانيا تفاديا للنسيان أو عدم وجودي في المنزل ؟ مع العلم أنه لا يوجد لدينا أذان للتذكير بالصلاة ?
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء لهذا الأمر الذي ذكرت ، وهو خشية النسيان أو وجودك خارج المنزل ، فإن الصلاة أمرها عظيم ، وينبغي أن يكون قلب المؤمن معلقا بها ، فكيف ينساها ؟! حتى لو لم يكن هناك أذان ، على أنه وجد من الوسائل الحديثة ما يذكر بأوقات الصلاة ، كبعض أنواع الساعات ، والهواتف المحمولة ، ولو قدّر أن نسي الإنسان صلاة ، فإنه يصليها إذا ذكرها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ ( وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )) رواه البخاري (597) ومسلم (684).
ولا إشكال في دخول الصلاة عليك وأنت خارج المنزل ، فإن الصلاة تؤدى في كل مكان طاهر ؛ لقول النبي : ( وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ) رواه البخاري (335) ومسلم (521).
فلا حرج أن تصلي في الحديقة أو فناء الجامعة ، أو في أي مكان طاهر .
وينبغي أن تكون عنايتك بالصلاة فوق كل عناية ، فإن الصلاة عمود الإسلام ، وأعظم أركانه بعد الشهادتين ، وقد أمر الله بالحفاظ عليها ، وتوعد من تهاون في أدائها ، قال سبحانه :(/1)
( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 ، وقال : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 ، وقال سبحانه : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) مريم/59 .
قال ابن مسعود عن الغي : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم.
وقال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون/ 4، 5
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ : ( الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا ) رواه البخاري (527) ومسلم (85).
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553).
وإذا كانت الدراسة في الخارج ستؤدي بك إلى تضييع الصلاة والتهاون فيها ، فلا خير في هذه الدراسة ، بل شرط جواز الإقامة في الخارج أن يتمكن الإنسان من إظهار دينه ، وهذا يعني تمسكه به في نفسه أولا .
نسأل الله أن يحفظ عليك دينك وإيمانك ، وأن يزيدك علما وهدى وتقى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103055
العنوان:
لا يجوز التخلف عن صلاة الجمعة بغير عذر
السؤال:
تخرجت كفني أشعة في مستشفى نورتن في أمريكا ، وعرضوا علي عملاً في الأسبوع الماضي ، ويظهر أنهم لن يعطوني إجازة في يوم الجمعة ؛ لأداء صلاة الجمعة ، فما الحكم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب على من سمع النداء يوم الجمعة ، وهو من أهل الجمعة – أي : كان ذكراً مسلماً مكلفاً حراً - أن يلبي النداء ؛ قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة / 9 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ) رواه مسلم (865) .
ثانياً :
هناك أعذار تبيح للمسلم أن يتخلف عن صلاة الجمعة ، كالمرض ، والقيام بعمل ضروري لا يستطيع تركه من أجل صلاة الجمعة ، كمن يقوم على علاج مريض ، أو من يستقبل الحالات الطارئة في المستشفى ، أو يعمل حارساً أمنياً على مكان بالغ الأهمية . ونحو ذلك من الأعمال .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 36530 ) .
وبناء على ذلك : فإذا كان وجودك في المستشفى في وقت صلاة الجمعة ضرورياً ؛ لاستقبال الحالات الطارئة والحوادث ، وليس هناك من يقوم بهذا العمل غيرك ، فلا حرج عليك من ترك صلاة الجمعة في هذه الحال ، وتصليها ظهراً .
أما إذا كان بقاؤك في المستشفى في ذلك الوقت غير ضروري ؛ لوجود من يقوم بالعمل غيرك ، فلا عذر لك في ترك صلاة الجمعة ، وعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع الواجبات الشرعية ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
ونسأل الله أن ييسر لك الخير حيث كان .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103056
العنوان:
حضور المرأة اختبار التجويد على مشايخ في غرفة مغلقة
السؤال:
امرأة تسأل تقول أنها ستتقدم لاختبار في أحكام التجويد لكتاب الله إن شاء الله ، وسوف تختبر منفردة في غرفة مع ثلاثة شيوخ أفاضل ، فما حكم هذا الفعل هل هو جائز؟، مع العلم أنه لا يوجد نساء يقمن مقام هؤلاء الشيوخ الأفاضل الثلاثة في هذا الامتحان؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج فيما ذكرت من حضور المرأة اختبار التجويد أمام ثلاثة من الشيوخ ، بشرط أن يكون كلامها فيما تدعو إليه الحاجة ، ومن غير خضوع بالقول ، والأولى أن يتم اختبارها عن طريق النساء ، أو يكون اختبارها في حضور محرم لها ، لكن إذا لم يتيسر ذلك فلا حرج ، وذلك لأمرين :
الأول : أن وجود المرأة مع جماعة من الرجال ، مع انتفاء الريبة ، لا حرج فيه عند بعض أهل العلم ؛ لما روى مسلم (2173) عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ ( أي : زوجته ) فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : ( لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ ).(/1)
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " الْمُغْيِبَة هِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا . وَالْمُرَاد : غَابَ زَوْجهَا عَنْ مَنْزِلهَا , سَوَاء غَابَ عَنْ الْبَلَد بِأَنْ سَافَرَ , أَوْ غَابَ عَنْ الْمَنْزِل , وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَد . لأَنَّ الْقِصَّة الَّتِي قِيلَ الْحَدِيث بِسَبَبِهَا وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ غَائِب عَنْ مَنْزِله لَا عَنْ الْبَلَد .
ثُمَّ إِنَّ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث جَوَاز خَلْوَة الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ , وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا تَحْرِيمه , فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ , أَوْ مُرُوءَتهمْ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل " انتهى .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : " لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معهما غيرهما ؛ لأن هذا في حكم الخلوة ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم " رواه البخاري ( 5233 ) ومسلم ( 1341 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يخلونَّ رجل بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما" . أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر : فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة ؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2 /556) .
وينظر : فتاوى الشيخ ابن باز (5/78).
الثاني : أن صوت المرأة ليس بعورة على الصحيح .
قال في "مغني المحتاج" من كتب الشافعية (4/210): " وصوت المرأة ليس بعورة , ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة , وندب تشويهه إذا قُرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم , بل تغلظ صوتها بظهر كفها على الفم " انتهى.(/2)
وفي " كشاف القناع" من كتب الحنابلة (5/15): " وصوتها أي الأجنبية ليس بعورة ، ويحرم التلذذ بسماعه ولو كان بقراءة خشية الفتنة " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/202) : " صوت المرأة نفسه ليس بعورة ، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث ، وخضوع في القول ، فيحرم منها ذلك لغير زوجها ، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه ؛ لقوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقّيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الََّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) " انتهى.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103062
العنوان:
يحاولون دعوة أستاذتهم الهندوسية للإسلام وترفض ذلك
السؤال:
وددت استشارة موقعكم في موضوع يخص دعوة كافر إلى الإسلام - وهي أستاذة هندوسية في جامعتي التي أدرس بها - حاولنا دعوتها إلى الإسلام بإعطائها كتب بلغتها ، لكنها قالت : إنها لم تقتنع بكل ما ورد فيها ، لمسنا منها قبولها للحوار ، ولديها أسئلة تود الإجابة عليها , وبحكم أننا لا نعرف الأسلوب الأمثل لمناقشتها والرد المناسب على أسئلتها وددنا استشارتك في هذا الأمر .
الجواب:
الحمد لله
الإسلام دين الفِطرة ، والإقناع ، واحترام الذات ، وهو ليس لطبقة معينة من الناس ، ولا لزمان خاص ، ولا لمكان دون غيره ، ولذا فقد انتسب إليه معتقداً صحته : الأبيض والأسود ، والمتعلم والأمِّي ، والذكَر والأنثى ، والفقير والغني ، ودخله أناس من أوربا وأفريقيا ، قديماً وحديثاً ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضلَّ فإنما يضل عليها .
واهتمامكم بدعوة الأستاذة للإسلام حسنٌ طيب ، وعدم اقتناعها بما اطلعت عليه من شرائع الإسلام : فمرد ذلك إلى أمور :
1. عدم حسن العرض ، والخطأ في الأسلوب من الدعاة إلى الله .
2. عدم قوة أو صلاحية المادة المُعطاة لها لتقرأها عن الإسلام .
3. عدم وجود قدوة حسنة من المسلمين .
4. كونها من المجادلين بالباطل ، ومن أشباه من قال الله تعالى فيهم : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) النمل/ 14 .
والواقع أن سؤالكم لا يدل على هذه الصفة ، الجدال بالباطل ، فاجتهدي أنت وزميلاتك ، في دعوتها إلى الله تعالى الحسنى ، مع إشعارها دائما بأن هذا الدعوة ليس لها هدف إلا محبة الخير لها ، وليست قضية عصبية أو عنصرية ، أو نحو ذلك .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/1)
يأتي إلى بعض مناطق " المملكة " عمال ، وأغلبهم كفار ، قد يكونون نصارى ، أو هندوس ، ويسكنون في مناطق المملكة، وقد يكون بجوارهم طلاب علم ، وطلاب العلم قد لا يدعونهم إلى الإسلام ، ويحصل منهم جفاء في المعاملة ، ويستمرون هكذا طيلة السنين ، ويذهبون إلى بلادهم ولا يدعونهم ، مع أن المسلمين لو كانوا في الخارج لبذل النصارى جهودهم في دعوتهم ، فما توجيهكم ؟ .
فأجاب :
أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ، لكنه فرض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين ؛ لقول الله تبارك وتعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/ 125 ؛ وقال الله تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ) يوسف/ 108
( أدعو إلى الله ) كل أحد .
( أنا ومن اتبعني ) فكلما كان الإنسان أشد اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم : كان أشد دعوة لشريعته ، ولا شك أن هؤلاء الإخوة الذين نزل إلى جانبهم قوم من الكفار ولم يدعوهم إلى دين الإسلام لا شك أنهم مقصرون ، وأن الذي ينبغي بل الذي يجب عليهم أن يدعوا هؤلاء إلى دين الإسلام حتى بالتأليف ، فلو دعوهم إلى البيت وقدموا لهم الطعام ، ثم تحدثوا إليهم ودعوهم إلى الإسلام ، وبينوا لهم محاسنه كان هذا طيباً ، ولكن بعض الإخوة تغلب عليهم الغيرة مع الجهل فينفر من هؤلاء ، ويقاطعهم ، ويعاملهم بالشدة والقسوة ، حتى ينفروا من الإسلام بسبب هذا الرجل المسلم ، ويظنون أن أخلاق هذا المسلم هي الأخلاق التي يأمر بها الإسلام ، والغيرة وإن كانت حسنة محمودة لكنها إذا لم تقرن بالحكمة والعلم صارت في الحقيقة غيْرة ضارة ، فعلى هذا ننصح إخواننا هؤلاء - وغيرهم - بأن يدعوا إلى الله عز وجل .(/2)
وكما تفضلت بأن النصارى يبذلون كل غالٍ ورخيص من أجل الدعوة إلى النصرانية ، مع أنها دين باطل ، أبطله الإسلام ، ولكنهم حريصون بوحي الشيطان إليهم على دعوة الناس للنصرانية مع أنها دين باطل منسوخ بالإسلام ؛ فما بالنا نحن - ونحن أمة العزم والحزم والصدق - نتكاسل حتى عن جيراننا الذين لهم حق علينا لا ندعوهم إلى الإسلام ، ولا أدري عن هؤلاء الإخوة هل يقومون بحق الجوار أو لا يقومون ؟ ، وفي الحديث : ( إذا طبخت مرقة ؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ) ، وفي الحديث الصحيح أيضاً : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) .
وقال العلماء : إن الجار إذا كان غير مسلم فله حق الجوار ، وإن كان مسلماً فله حق الجوار والإسلام ، وإن كان مسلماً قريباً فله حق الجوار والإسلام والقرابة ، فانصح هؤلاء وقل لهم : ادعوا هؤلاء للدين ، ربما يكون في دعوتهم خير ، ( ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمْر النَّعم ) وربما إذا اهتدى هذا الرجل دعا غيره كما هو مشاهد ومعلوم الآن .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 35 / السؤال رقم 5 ) .
ويمكنكم إعطاؤها بريد موقعنا الإلكتروني إذا رغبت بمراسلتنا ، ونحن على أتم الاستعداد لإجابتها عن مسائلها إن شاء الله ، كما يمكنكم إطلاعها على قسم الدعوة في موقعنا هذا " دعوة غير المسلمين " وقسم " تعرف على الإسلام " فلعلها أن ترى ما تستفيد منه .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 7182 ) و ( 10590 ) و ( 12376 ) , ( 2690 ) , ( 5424 ) , ( 6703 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103066
العنوان:
شراء مشروبات غازية من إنتاج شركة تصنع الخمر
السؤال:
هل يجوز استهلاك مشروبات غازية تعَبئ من قبل شركة تنتج المشروبات الكحوليّة ؟
الجواب:
الحمد لله
إن كانت هذه المشروبات لا تخالط شيئا من الخمر - وهذا هو الظاهر - فإنه لا مانع من شرائها واستهلاكها ، لأنها والحالة هذه طاهرة منتفع بها ، ولا يمنع صحة البيع كون الشركة المنتجة تصنع أشياء محرمة كالخمر ، لكن إن أمكن اجتناب شراء منتجات هذه الشركة فهو أفضل ، فقد يكون ذلك سببا لتركها تصنيع الخمر .
والله اعلم .(/1)
رقم السؤال:
103075
العنوان:
حكم الرسم التوضيحي للميزان الأخروي
السؤال:
يقوم بعض المعلمين بنشاط دعوي داخل المدرسة ، ولكن بعض وسائل الدعوة يقع في نفسي منها شيء ، من ذلك : أنهم قاموا بإعداد لوحة كبيرة قد رسم فيها ميزان له كفتان في إحداهما مصحف ومسجد وأدوات تدل على الطاعة وفي الكفة الأخرى عود غناء وآلات لهو وأمور محرمة ، ثم كتبوا تحت هذه الصورة قول الحق تبارك وتعالى : ( والوزن يومئذ الحق ... ) الآية ، فهل يجوز مثل هذا أم أنه تمثيل لأمور غيبية لا نعلم كيفيتها ؟ وهل لي أن أنكر عليهم أم هي أمور اجتهادية ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا العمل لا ينبغي ؛ لأن هذه الأمور الغيبية لا نعلم كيفيتها ، ورسمها قد يهوّن من قدرها وعظمتها ، فيُكتفى ببيان ما جاء في النصوص من وضع الموازين ، وأن الأعمال توزن ، كما يوزن أصحابها ، وينظر : جواب السؤال رقم (31805) .
وأما المصحف والمسجد فلا نعلم في الأدلة ما يفيد أنهما يوضعان في الميزان ، والظاهر أن المراد من الرسم وزن قراءة القرآن وعمارة المساجد .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة ، ونار كأنها تمثل النار؟(/1)
فأجاب : " هذا لا يجوز ؛ لأننا لا نعلم كيفية ذلك ، كما قال عز وجل: ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17 ، ولا يعلم كيفية النار ، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها وما هو أشد ، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع ، ولهذا بلِّغ من يفعل ذلك أن هذا حرام ، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدءوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة ، وقد رأيت ورقة مكتوب فيها مربعات كذا الموت وآخر القبر وآخر القيامة وهكذا ، فهذا كأنه صور ما بعد الموت خطوط ومربعات هندسية ، جرأة عظيمة والعياذ بالله ، ثم يقال : ما الذي أدراك أن هذا بعد هذا ؟ نحن نعرف أن القبر بعد الحياة الدنيا وأن البعث بعد القبر ، ولكن تفاصيل ما يكون يوم القيامة من الحساب والموازين وغير ذلك مَنْ يعلم الترتيب ؟ لكن هذه جرأة عظيمة ، والغريب أن هذه الورقة توزع ، فيجب الحذر والتحذير من هذه الأوراق " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (220/21).
وينظر : جواب السؤال رقم (22723) .
وعليه فينبغي لك نصح هؤلاء المعلمين ، وحثهم على الاكتفاء بالوارد ، وعدم التكلف والتوسع .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103076
العنوان:
هل تساعد صديقتها في شراء منزل بقرض ربوي ؟
السؤال:
عندي صديقة تريد شراء منزل بقرض ربوي ، وهي تطلب مني أن أخرج معها للبحث عن هذا المنزل ، وإعطائها رأيي فيه ، فماذا علي أن أفعل ؟ هل علي إثم إن قبلت ؟
الجواب:
الحمد لله
الربا من الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية تحريماً قطعياً ؛ قال تعالى : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة /275 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة / 278 .
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) .
فالنصوص السابقة تدل على حرمة الربا سواء أخذه الإنسان ؛ لأجل أن يشتري به بيتاً أم أخذه لغير ذلك .
وانظري جواب سؤال رقم (9054) .
فإذا تبين لكِ أن فعل صديقتك محرم ، فإنه لا يجوز لكِ مساعدتها على ذلك ؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يعين أخاه على أمر محرم ، قال الله تعالى : ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة / 2 ، بل الواجب عليكِ هو النصح والإرشاد لصديقتك ؛ لعل الله أن يهديها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103080
العنوان:
العمل في صندوق الضمان الاجتماعي
السؤال:
أنا شاب لدي رغبة بالزواج من فتاة , وهذه الفتاة تعمل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهو صندوق تابع للدولة لكن يمول نفسه بنفسه , وهو خاص بالتقاعد , مداخيله من الاقتطاعات التي يقتطعها من رواتب الموظفين ، وأيضا من مصحات خاصة تابعة له , ويصرف للمتقاعدين رواتب شهرية مدى الحياة, لكن هذا الصندوق وكسائر المؤسسات الكبيرة في البلاد تجبرهم الدولة على وضع قسط من أموالهم في مؤسسة كبيرة بفوائد ربوية . ما حكم العمل في هذا الصندوق ؟ وهل يجوز لي الزواج من فتاة تعمل فيه ؟ علما أن عملها لا يتعلق بوضع الأموال في البنوك أو ما شابهه إنما هي موظفة تعالج ملفات المشتركين . وهل مالها يكون مالاً حراما ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في اشتراك الموظف في نظام التقاعد أو في صندوق الضمان الاجتماعي، التابع للدولة ، وما يستفيده الموظف من ذلك من علاج أو رواتب بعد التعاقد فهو حق له عند الدولة ، لأن من واجبات الدولة الإنفاق على الضعفاء وكبار السن ورعايتهم .
ولكن المحرم في هذا ، هو وضع هذه الأموال في البنوك الربوية ، والذي يتحمل إثم ذلك من ألزم بهذه المعاملات الربوية أو أعان عليها أو رضي بها . وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه. وقال : هم سواء . رواه مسلم (1598) .
وعلى هذا ؛ فإذا كانت الفتاة المسؤول عنها لا يتعلق عملها بالتعامل مع البنوك ، وتسجيل الربا ، فلا حرج عليها في عملها وراتبها .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103083
العنوان:
الحائض إذا طهرت ، فإنها تقضي الصلاة الحاضرة
السؤال:
إذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس ، فهل تصلي العصر فقط أم تصلي الظهر والعصر ؟ وكذلك إذا طهرت في وقت صلاة العشاء ، هل تصلي العشاء فقط أم تصلي معها المغرب ؟
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أن الحائض إذا طهرت وجب عليها أن تصلي الصلاة التي أدركت وقتها وتصلي معها الصلاة التي قبلها إن كانت تجمع معها .
وعلى هذا ، فإذا طهرت قبل غروب الشمس ، فإنها تصلي الظهر والعصر ، وإذا طهرت في وقت العشاء فإنها تصلي المغرب والعشاء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/239) : " َإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ , قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ , صَلَّت الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ , وإن َطَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ , صَلَّت الْمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ ؛ لما رَوَى الْأَثْرَمُ , وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَغَيْرُهُمَا , بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ : تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ , فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ , صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا .
وَلِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ , فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا , كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ " انتهى بتصرف .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في أصح قولي العلماء , وهكذا إذا طهرت قبل طلوع الفجر وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء ؛ لأن وقتهما واحد في حق المعذور ، كالمريض ، والمسافر " انتهى بتصرف .
"مجموع الفتاوى" (10/217) .(/1)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (6/158) : " إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها ، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب ، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر " انتهى .
وذهب الأحناف إلى أنه لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط ؛ لأن وقت الصلاة الأولى خرج وهي معذورة ، فلا يلزمها قضاؤها .
وانظر "الموسوعة الفقهية" (13/73) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/133) : " لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط ، فأما ما قبلها فلا يلزمها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة ) ، و(أل) في قوله : ( الصَّلاة ) للعهد ، أي : أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة ، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئاً من وقتها ، وقد مَرَّ به وقتها كاملاً ، وهو ليس أهلاً للوجوب فكيف نلزمه بقضائها ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) ، ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر .
أما النَّظر : فإننا متَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف ، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط ، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهر والعصر عند العُذر والجمع ، فما الفرق بين المسألتين ؟! كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصَّلاتين وهو ليس أهلاً للتكليف ، لكن في المسألة الأولى مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الأُولى ، وفي المسألة الثانية مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الثانية " انتهى بتصرف .
والقول الأول أحوط ، والعمل به أولى ، وإذا اقتصرت على صلاة العصر فقط ، أو العشاء فقط ، فنرجو أن لا يكون عليها حرج .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103099
العنوان:
لا تجزع من عدم إجابة الدعاء !!
السؤال:
أود أن أسأل فضيلتكم سؤالاً ، وأرجو أن يتسع صدركم لي ، أنا مسلم عادي ، لا أنا بعظيم الإيمان ، ولا بضعيف الإيمان , فأنا أؤدي الفرائض مع بعض التقصير- أرجو الله أن يسامحني عليه - وأدرك اليسير من السنن ، وأؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره , منذ حوالي سبع سنين أصابني همٌّ عظيم بسبب مصيبة ما - لا أشغل فضيلتكم بها - وأصدقكم القول أني في البداية جزعت ، وأصابني اليأس والإحباط ، ولكن بعد عام تقريباً هداني الله , وأعلمني أهل الخير أن ذلك فيه الخير بأمر الله ، وأخبروني إما أن تكون المصيبة بذنب ارتكبته ، أو ابتلاء من الله , ونصحوني بالدعاء والاستغفار , وأن أسأل الله من فضله , وأن أتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وأن أكثر من عمل الخير , وبإذن الله لن يردَّ سؤالي ، فإن الله يستحيي من ذلك , وها أنا ذا قمت بكل هذا ، لا أقول على وجه الكمال ، ولكن على قدر استطاعتي ، فأكثرتُ من الدعاء ، وأعمال الخير ، وتبت إلى الله توبة نصوحاً من جميع الذنوب ، وسألت الله أن يفرج كربي ، ويزيل همي , وقد استخرت الله في القيام ببعض الأمور في حياتي لكي أعيد تصحيح الأوضاع , ولكن بعد القيام بكل هذه الأمور ما ازددت إلا همّاً وغمّاً ، فزادت المصائب ، وكثرت الأحزان ، وفشلت كل خطواتي التي استخرت الله فيها ، بل وألحقت بي الأذى , وغلقت كل الأبواب في وجهي , حاشا لله أن أكون أشكو الله لفضيلتكم إنما أشكو بثي وحزني إلى الله , ولكنى أريد أن أعرف لماذا لا يستجيب الله لي ؟ ولماذا لا أوفق في أي أمر من أمور الدنيا - رغم أني آخذ بالأسباب ، وأتوكل على الله ، ولا أقوم بشيء إلا وقبله الاستخارة , فالله يوفق الكافر في دنياه الذي يأخذ بالأسباب , ولا آكل الحرام ، ولا أضمر الشرَّ لأحدٍ وأدعو للجميع بالتوفيق - ؟ وقد سمعت من أحد المشايخ وهو يحكي قصه فرعون أن الله قال لموسى(/1)
: " وعزتي وجلالي لو استنجد بي لنجدته " ، وبدأت بعض الأسئلة تدور في نفسي ، هل أنا أهون عند الله من فرعون رغم أني لم أرتكب ذنوبه ؟ وإذا لم أكن كذلك لماذا يبتليني الله بهذا الابتلاء رغم أني لست بعظيم الإيمان ؟ وإذا كان السبب هو الذنوب فإني تبت من جميع الذنوب ، وأكثرت الدعاء ، وإن كان الله يريد أن يرفع به درجاتي في الجنة فكيف ذلك والله يعلم أني ليس لي طاقة بهذا البلاء ؟ . أسئلة كثيرة تدور في رأسي , أتعبتني وأرهقتني ولم أجد لها إجابة , والحقيقة لقد بدأت عزيمتي تفتر ، وقوة إيماني تضعف ، وضاقت نفسي بالدنيا ، ولم أعد أقوى على تحمل هذه الكوارث , فقد طالت المدة ، وأصابني اليأس الشديد ، وتسرب الشك إلى قلبي , ولولا أن الله حرم قتل النفس لكنت فعلت وأرحت نفسي ، معذرة أني أطلت على فضيلتكم .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يقبل توبتك ، ويغفر حوبتك ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
ثانياً:
لا شك – أخي الفاضل – أن ثمة خللاً في تصورك لمسائل الدعاء والإجابة والابتلاء ، وما تعاني منه طبيعي إن كنتَ على غير بصيرة في تلك المسائل وغيرها مما يتعلق بها ، ونحن شعرنا معك برسالتك ، وأحسسنا بآلامك ، فنرجو منك التنبه لما سنبينه لك ، والعمل به ، فنحن رأينا في رسالتك من الاستعداد للقبول ما شجعنا على أن نرد عليك ، ونوجهك لما فيه الخير لك دنيا وأخرى .
ثالثاً:(/2)
يتصور كثير من الناس أنه بمجرد أن يعلن توبته وإنابته لربه تعالى ، أنه سينتقل مباشرة إلى النعيم ، فيرتفع عنه البلاء ، وتأتيه الأموال ، ويعيش في رغد من العيش ! وكل ذلك غير لازم البتة ، بل إنه ثمة اختبار وابتلاء لتوبة هذا العبد ، هل هي صادقة أم لا ، وهل هي لله أم ليست له ، وكل ذلك سيجعله في ابتلاء جديد ؛ بل إن مختصر هذه الحياة وحكمتها : أنها تجربة ابتلاء واختبار . قال الله تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2) ؛ فإذا فهم هذه الحقيقة ، فهو حري أن يسلم له قلبه ، وإن لم تسلم له جوارحه ، وظاهر عيشه ، أما بدون وعي ذلك والتنبه إليه ، فهو حري ألا يسلم له قلبه ، حتى وإن سلمت جوارحه ؛ ومن هنا جاء عن بعض السلف قولهم " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف " وأي نعيم يقصد أولئك العظام ؟ إنه نعيم القلب ، يقينه بربه تعالى ، وفرحه بطاعته ، وسعادته بالتقرب إليه ، ولو عاش في ضيق من الدنيا ، وهذا هو مقياس الحياة الطيبة ، كما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حين قال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :(/3)
فمَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) وذلك بطمأنينة قلبه ، وسكون نفسه ، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب ، ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ) في الآخرة ( أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) من أصناف اللذات مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة . " تفسير السعدي " ( ص 448 ) .
وأما الآخرون من الكفار والعصاة : فاسمع لقول الله تعالى في حقيقة حالهم حين قال : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ) أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه ، وأخذ من غيره هداه : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) أي : في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله ، وإن تَنَعَّم ظاهره ، ولبس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى : فهو في قلق وحيرة ، وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد ، فهذا من ضنك المعيشة .
" تفسير ابن كثير " ( 5 / 322 ، 323 ) .
فهل من الحكمة في شيء ، أو من العقل الصريح أن تترك ما فتح الله تعالى لك من أبواب العبودية ، وشرفك به من الإيمان به ، لأجل اغترارك بحال أهل الكفر من السعة في الدنيا والرزق : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ)
ثم أنت تترك البينات الواضحات في كتاب الله وسنة رسوله في شأن الدعاء ، وعظم قدره ، وأسباب إجابته ، وتعلق حالك بمثل هذا الخبر : " وعزتي وجلالي لو استنجد بي لنجدته " ـ الذي يشبه كلام القصاص وأخبار بني إسرائيل .(/4)
وهب أنه صحيح ثابث ، هل مجرد حصول مطلوب العبد من الدنيا ، وسعة عيشه ، ووفور رزقه ، علامة على قبوله عند ربه .
قال الله تعالى : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) الآيات ، سورة الفجر .
وهب ـ أيضا ـ أن هذا الرزق إنما أتاه بعد دعاء دعاه ؛ أفيدل هذا ـ يا عبد الله ـ على أن هذا العبد مقبول مرضي الحال عند مولاه ؟!!
( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (يونس: 22-23)
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :(/5)
" عرفوا أنه الهلاك ، فانقطع حينئذ تعلقهم بالمخلوقين، وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله وحده، فدَعَوُه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ووعدوا من أنفسهم على وجه الإلزام، فقالوا: { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } { فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أي: نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء، وما ألزموه أنفسهم، فأشركوا بالله، من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد، ولا يدفع عنهم المضايق، فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء، كما أخلصوها في الشدة؟!!
ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم، ولهذا قال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي: غاية ما تؤملون ببغيكم، وشرودكم عن الإخلاص لله، أن تنالوا شيئًا من حطام الدنيا وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعًا، ويمضي جميعًا، ثم تنتقلون عنه بالرغم ؛ { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ } في يوم القيامة { فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم " انتهى ، تفسير السعدي (361) .
وتأمل معي قول الله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ) الإسراء : 18-21(/6)
لتعلم ـ يا عبد الله ـ أن القضية ليست بالحساب الذي تظنه : من نال حظه ، أو أجيب دعاؤه فهو أفضل ، ومن لم ينل فهو أقل وأرذل !! كلا ، ليست المسألة هكذا .
رابعاً:
ويخطئ كثير من الناس في مسألة الدعاء من وجوه كثيرة ، ويهمنا في سؤالك أخي الفاضل أن ننبهك على خطئين اثنين :
الأول : ظنك أن الدعاء يستجاب بمجرد أن تدعو ، وهو خطأ ؛ إذ للدعاء شروط لاستجابته ، وموانع تمنع من استجابته .
وانظر تفصيل ذلك بتمامه وكماله في جواب السؤال رقم ( 5113 ) .
وفي ذلك التفصيل بيان مانع من موانع الاستجابة عندك ، وهو تعجل الإجابة ، والاستحسار بعده .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) رواه مسلم ( 2735 ) .
والثاني : ظنك أن الاستجابة نوع واحد وهي تحقيق المطلوب في الدعاء من مال أو ولد أو وظيفة ، أو غير ذلك ، وهو خطأ ؛ إذ الاستجابة ثلاثة أنواع ، فهي إما أن تكون بتحقيق المطلوب في الدعاء ، أو أن يصرف عنه من السوء والشر بقدر دعائه ، أو يدَّخر ذلك له أجراً وثواباً يوم القيامة .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ) .(/7)
رواه أحمد ( 10749 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب ( 1633 ) .
خامساً:
تقصير المسلم في طاعته وعبادته ينبغي أن يُشعره بأنه ليس أهلاً لإجابة دعائه ، ولعل ذلك أن يدفعه لأن يعمل بطاعة الله أكثر ، ويزداد تقرباً إليه عز وجل ، فإذا اعتقد الداعي أنه جاء بما يحب الله ويرضى عنه ، وأنه أهلٌ للإجابة ولَّد ذلك عنده سوء ظنٍّ بربه تعالى ! وولَّد عنده شعور بالإحباط ، واليأس ، حتى إنه ليود التخلص من الحياة بالانتحار ! وكل ذلك – وللأسف – رأيناه – أخي الفاضل – في كلامك .
وهذا بخلاف من علم تقصيره في جانب ربه تعالى ، فإن مثل هذا يتولد عنده سوء ظنٍّ بنفسه لا بربه عز وجل ، ويدفعه ذلك للابتعاد عن المنهيات ، والإتيان بالواجبات ، ويأخذ بالورع ، ويترك التوسع بالمباحات التي قد تلهيه عن طاعة ربه تعالى .
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى - :
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح " ، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : " يكفي مع البِرِّ من الدعاء ، مثل ما يكفي الطعام من الملح " ، وقال محمد بن واسع : " يكفي من الدعاء مع الورع اليسير " …
وقال بعض السلف : " لا تستبطئ الإجابة وقد سددتَ طرقها بالمعاصي " ، وأخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :
نحن ندعو الإله في كل كرب *** ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء *** قد سددنا طريقها بالذنوب
" جامع العلوم والحكم " ( 1 / 107 ، 108 ) .
وقال القرطبي – رحمه الله - :
وقيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟(/8)
قال : لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه ، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته ، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به ، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها ، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها ، وعرفتم النار فلم تهربوا منها ، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه ، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا ، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 312 ) .
وتأمل ـ أخي الكريم ـ هذا الفصل البديع من كلام ابن الجوزي في هذه المسألة ، قال رحمه الله :
" رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب ، فيكرر الدعاء و تطول المدة و لا يرى أثرا للإجابة ؛ فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر !!
وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب ؛ و لقد عرض لي من هذا الجنس ؛ فإنه نزلت بي نازلة فدعوت فلم أر الإجابة ، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده ، فتارة يقول : الكرم واسع ، والبخل معدوم ، فما فائدة التأخير ؟!!
فقلت له : اخسأ يا لعين ، فما أحتاج إلى تقاضي ، ولا أرضاك وكيلا !!
ثم عدت إلى نفسي فقلت : إياكِ و مساكنةَ وسوسته ، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو ، لكفي في الحكمة .
قالت : فسلِّني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة !!
فقلت : قد ثبت بالبرهان أن الله عز و جل مالك ، و للمالك التصرف بالمنع والعطاء ؛ فلا وجه للاعتراض عليه .
والثاني : أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة ، فربما رأيتِ الشيء مصلحةً ، والحكمة لا تقتضيه ، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر ، يقصد بها المصلحة ، فلعل هذا من ذاك .
والثالث : أنه قد يكون التأخير مصلحة ، والاستعجال مضرة ، وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي ) .(/9)
الرابع : أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيكِ ؛ فربما يكون في مأكولك شبهة ، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة ، أو تزاد عقوبتك ، في منع حاجتك ، لذنبٍ ما صدقتِ في التوبة منه .
فابحثي [ يا نفس ] عن بعض هذه الأسباب لعلك تقعين بالمقصود ...
والخامس : أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب ؛ فربما كان في حصوله زيادة إثم ، أو تأخيرٌ عن مرتبة خير ، فكان المنع أصلح !!
وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو ، فهتف به هاتف : إنك إن غزوت أُسرت ، وإن أُسرت تنصرت !!
والسادس : أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجْء [ أي : اللجوء إلى الله ] ، وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول ، وهذا الظاهر ؛ بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجء ... وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه ، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك !!
وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك ؛ من رفع خلل ، أو اعتذار من زلل ، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب !! " انتهى .
صيد الخاطر (59-60) .
والله الموفق(/10)
رقم السؤال:
103101
العنوان:
حكم دخول الخلاء وفي محفظته آيات من القرآن
السؤال:
حكم دخول الخلاء وفي محفظته آيات من القرآن هل يجوز حمل آيات قرآنية في محفظة النقود في الجيب والدخول إلى الحمام بها في بعض الأحيان ؟
الجواب:
الحمد لله
يحرم دخول الخلاء بالمصحف أو جزء منه ، إلا لحاجة ، كأن يخاف ضياعه إذا تركه في الخارج .
قال في "كشاف القناع" (1/60) : " ويحرم دخول الخلاء بمصحف إلا لحاجة . قال في الإنصاف : لا شك في تحريمه قطعا , ولا يتوقف في هذا عاقل . قلت : وبعض المصحف كالمصحف " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (42061) .
وحمل آيات من القرآن ، إن كان المقصود به حمل أجزاء أو سور مطبوعة من القرآن ، يحملها ليتمكن من قراءتها أو حفظها ، فلا بأس ، لكن لا ينتزعها من المصحف انتزاعا ، لما فيه من عدم الاحترام للقرآن .
وإن كان حمل الآيات لأجل التبرك أو دفع العين ونحوه ، فهذا محل خلاف بين أهل العلم ، والأرجح منعه ، وينظر جواب السؤال رقم (10543) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103112
العنوان:
الاستمناء وأثره على زوال البكارة
السؤال:
أنا كنت أمارس العادة السرية والآن مقبلة على الزواج هل أنا بكر أم ماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
الاستمناء أو العادة السرية ، عمل محرم ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (329) ، وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، بالندم على ما فات ، والعزم على عدم العود إليه .
والاستمناء قد يؤدي إلى زوال البكارة ، وقد لا يؤدي إلى ذلك ، والمرأة تعرف ذلك من نفسها غالبا ، وإذا لم يتبين لها شيء فالأفضل أن لا تشغل نفسها بذلك ، وحسبها ثقتها من عفتها وحصانتها ، ولتجتهد في طاعة ربها ، فإنه سبحانه لا يخذل عبده ، فهو ولي الصالحين ، ويحب المتقين ، ويدافع عن الذين آمنوا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103135
العنوان:
حصل خطأ في تاريخ ميلاده وسيستفيد به مالا؟
السؤال:
تاريخ ميلادي مسجل في بطاقتي الشخصية والصادرة في بلد آخر هو 1 من الشهر السابع الميلادي. وقد جرى تحويل ذلك التاريخ في إدارة الأحوال المدنية السعودية إلى ما يقابله في التاريخ الهجري. ثم جرى تحويله مرة أخرى إلى التاريخ الميلادي في نفس الإدارة ربما لأغراض تدوين المعلومات باللغة الانجليزية في جواز السفر أو أمور أخرى. ولكني لاحظت أنه أصبح, لسبب لا أعلمه, ربما يكون بسبب استخدام أدوات تحويل مختلفة, 2 من الشهر السابع بعد أن كان الأول منه. وأصبح رسميا هكذا. والسؤال هو هل علي من حرج في استعمال التاريخ الجديد وهو المدون في السجلات الرسمية حاليا ؟ وسبب طرحي هذا السؤال يتعلق باحتساب مستحقات نهاية الخدمة وراتب التقاعد عند تقاعدي من الخدمة لأن الشركة التي أعمل بها قررت توحيد موعد منح الزيادات السنوية لكل الموظفين في 1/7 من كل عام. لذلك إذا احتسب تاريخ ميلادي في 1/7 فسيكون تاريخ التقاعد إن شاء الله تعالى في 30/6 قبل موعد الزيادة السنوية وستحسب المستحقات على أساس المرتب قبل الزيادة. أما إذا احتسب ميلادي الرسمي في 2/7 فسيكون تاريخ نهاية الخدمة 1/7 إن شاء الله تعالى وعلى ذلك فستدخل الزيادة الجديدة في الحسبة.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان تغيير تاريخ الميلاد من 1/7 إلى 2/7 قد تم بغير طلب منك ، بل بفعل إدارة الأحوال المدنية ، فلا حرج عليك في استعمال هذا التاريخ ، وأخذ ما ترتب عليه من زيادة الراتب والمستحقات ؛ لأنه لا يد لك في ذلك .
وإن أمكن مراجعة الأحوال المدنية ، وتصحيح التاريخ ، فهذا أولى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103136
العنوان:
هل للحائض أن تجلس في طرف المسجد بقرب الباب لسماع الدرس؟
السؤال:
قرأت في الموقع عن مكث الحائض في المسجد ولكن عندما نقول لأخواتنا ذلك الرأي يردون بأن أحد المشايخ الثقات أفتى بأنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد واستدل في فتواه على ما يقولون لي فأنا لم أسمعه بنفسي ما معناه المرأة التي كانت تقم المسجد أي التي كانت تقيم في المسجد أي أنها كانت عندما تأتيها الحيض لا تخرج من المسجد وهذا يدل على جواز مكث الحائض في المسجد فما الحكم في هذا الكلام ؟ وكذلك ما حكم جلوس المرأة الحائض بجوار الباب في أطراف المسجد حيث إن ذلك يفعله كثير من النساء التي تقتنع بعدم جواز مكث الحائض المسجد ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد ؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد ، وأمرها باعتزاله ، لأن له حكم المسجد ، فدل على منعها من دخول المسجد .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) .
ثانياً :
أما ما ذكرتِ من أن هناك من نقل لك قولاً آخر في المسألة ، وهو أنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد ، فهذا قول لبعض أهل العلم ، لكن الراجح ما ذكرناه من المنع ، وهو قول المذاهب الأربعة ، وعليه فتوى كثير من أهل العلم كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله ، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، واللجنة الدائمة للإفتاء .
والمرأة التي كانت تقمّ المسجد ، لا يجزم أحد بأنها كانت تمكث في المسجد حال حيضها ، ومعنى (تقمّ) : تكنس وتنظف ، لا بمعنى أنها تقيم .
ثالثا :(/1)
للحائض أن تجلس خارج المسجد ولو بجوار الباب ، وليس لها أن تجلس داخله بعيدا أو قريبا من الباب ، سواء كان في مقدمته ، أو في أطرافه ؛ لأن الجميع داخل في حد المسجد .
ويجوز لها أن تمكث في ساحة المسجد أو رحبته غير المحوطة ؛ لأنها لا تأخذ حكم المسجد .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل الحائض يمكن أن تحضر الدرس في الجامع؟
فأجاب : " لا بأس أن تحضر الحائض والنفساء عند باب المسجد لسماع الدروس والمواعظ , لكن لا يجوز جلوسها في المسجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/220).
وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : هل يجوز للمرأة إذا جاءتها الحيضة أن تحضر الدرس وتجلس عند الدرج أو عند موضع الأحذية -أكرمكم الله- وهي عند مصلى النساء. أي: داخل الباب من جهة المصلى أو من جهة المسجد؟
فأجاب : " المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : (ناوليني الخُمرة [نوع من الفراش] ، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك )، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها:(ناوليني الخُمرة؛ قالت: إني حائض)، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها، وقد قال لها عليه الصلاة والسلام ذلك صريحاً في قوله: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت ) حينما حاضت في حجة الوداع، فالذي على المرأة أن تلتزم به : أن لا تدخل مسجداً إذا كانت حائضة والله يأجرها ويكتب ثوابها ... وفي هذه الحالة تجلس خارج المسجد عند باب المسجد وتسمع ، لكن لا تدخل ، ولها أن تدني رأسها وتصغي " انتهى مختصرا من "شرح زاد المستقنع".(/2)
وقال في "مطالب أولي النهى" (2/234) : " ومن المسجد ظهره ، أي : سطحه , ومنه : رحبته المحوطة (الساحة) قال القاضي : إن كان عليها حائط وباب , فهي كالمسجد ؛ لأنها معه , وتابعة له , وإن لم تكن محوطة , لم يثبت لها حكم المسجد " انتهى باختصار.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103137
العنوان:
استماع القرآن مع الانشغال بالعمل
السؤال:
ما حكم الاستماع إلى القرآن الكريم أثناء مزاولة العمل أو الانشغال في شيء آخر؟
الجواب:
الحمد لله
استماع القرآن الكريم عبر المذياع أو المسجل ، عمل صالح يؤجر عليه الإنسان ، ولا حرج عليه لو كان يزاول عملا ، أو شغلا ، ما دام يستمع إليه قدر الإمكان ، وأما أن يكون على عمل لا يتمكن معه من الإصغاء إلى القرآن ، فهذا لا ينبغي لمنافاته الأدب والاحترام .
قال النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" ص (92) : " ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين .
فمن ذلك : اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه ، وليمتثل قول الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) ... " انتهى .
وذكر البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/433) عن ابن عقيل رحمه الله أنه قال بتحريم القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع ، ونقل عنه أنه قال : " قال حنبل : كثير من أقوال وأفعال يخرج مخرج الطاعات عند العامة , وهي مآثم عند العلماء , مثل القراءة في الأسواق , يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع ، ولا أهل السوق يمكنهم الاستماع ، وذلك امتهان " انتهى .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي ، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي ؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم ، سواء كان من الإذاعة ، أو من المسجل ؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ؟(/1)
فأجاب : "لا بأس باستماع القرآن الكريم من المذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل ، ولا يتعارض هذا مع قوله : ( فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ ) ؛ لأن الإنصات مطلوب حسب الإمكان ، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (ج3 سؤال رقم 437) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بعض الناس يسمع القرآن قبل النوم، أو مثلاً وقت مذاكرة أو انشغال بالأشغال فهل هذا من الآداب وما حكمه؟
فأجاب : "هذا ليس من الآداب ، ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه ، لقول الله تبارك وتعالى: ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) الأعراف/20 ، فلذلك نقول : إن كنت متفرغاً لاستماعه فاستمع ، وإن كنت مشغولاً فلا تفتحه ... بعض الناس يقول لي: لا ينام إلا على سماع القرآن، إذا كان كذلك فلا بأس ، إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل ، فيستمع هذا لا بأس به ، ومن استعان بسماع كلام الله، على ما يريد من الأمور المباحة ، لا بأس ليس هناك مانع " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (146/14).
وينظر : جواب السؤال رقم (88728) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103145
العنوان:
حكم العمل في شركة تقوم بتجديد ديكورات بنك ربوي
السؤال:
أنا مهندسة أعمل في شركة تقوم بتجديد ديكورات فروع بنك ربوي...؟ هل العمل حرام أم حلال ؟
الجواب:
الحمد لله
الربا شأنه عظيم ، وجرمه كبير ، وقد جاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375
وإذا كان الربا محرما هذا التحريم الشديد ، فلا يجوز الإعانة عليه بوجه من الوجوه ، كبناء دوره التي هي البنوك ، أو ترميمها ، أو تزيينها بالديكورات أو غيرها ، فكل ذلك محرم ؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان .
وعليه ، فإذا كان عملك له علاقة وصلة بهذا التجديد الذي يُعمل في البنك ، فهو عمل محرم ، وإن كان عملك في قسم آخر في الشركة لا علاقة له بهذا ، فلا حرج عليك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103146
العنوان:
المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
السؤال:
ما معنى قول الله تعالى : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) الآية ، وماذا يفعل من لبس عليه بسبب تشابه القران ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7
المراد منه أن القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه ، والمحكم هو البيّن الواضح الذي لا يلتبس أمره ، وهذا هو الغالب في القرآن ، فهو أمّ الكتاب وأصل الكتاب ، وأما المتشابه ، فهو الذي يشتبه أمره على بعض الناس دون بعض ، فيعلمه العلماء ولا يعلمه الجهال ، ومنه ما لا يعلمه إلا الله تعالى .
وأهل الحق يردون المتشابه إلى المحكم ، وأما أهل الزيغ فيتبعون المتشابه ، ويعارضون به المحكم ، ابتغاء الفتنة ، وجريا خلف التحريف والتضليل .(/1)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/6) : " يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى. ومن عكس انعكس ؛ ولهذا قال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب ، لا من حيث المراد ...
{ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها ، لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم ، ولهذا قال: { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } أي: الإضلال لأتباعهم ، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن ، وهذا حجة عليهم لا لهم ، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى : { إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } [الزخرف : 59] وبقوله: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله ، وعبد ، ورسول من رسل الله .
وقوله: { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } أي: تحريفه على ما يريدون " انتهى .(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قسم الله تبارك وتعالى القرآن الكريم إلى قسمين : محكم ومتشابه ، والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه مثل السماء والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وما أشبهها ، هذا محكم ؛ لأنه لا اشتباه في معناه، وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم ، مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل ، فتفصلها السنة مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة ، والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط ، لكن كيف الإقامة ، هذا يعرف من دليل آخر ، والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان ؛ لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه ، فيبقى في حيرةٍ من أمره ، وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله ، متشابهه ومحكمه ، ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه . ومن أمثلة المتشابه : قول الله تبارك وتعالى (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) مع قوله ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ) فيأتي الإنسان ويقول : هذا متناقض كيف يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَاكُنَّا مُشْرِكِينَ) ثم يقال عنهم إنهم (لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فيضرب الآيات بعضها ببعض ؛ ليوقع الناس في حيرة ، لكنّ الراسخين في العلم يقولون : كله من عند الله ولا تناقض في كلام الله ، ويقولون : إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة ، فتتغير الأحوال وتتبدل ، فتُنزّل هذه على حال وهذه على حال " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".(/3)
وقال أيضا : " وأما أهل الضلال والزيغ فاتبعوا المتشابه وجعلوه مثاراً للشك والتشكيك فضلوا، وأضلوا وتوهموا بهذا المتشابه مالا يليق بالله عز وجل ولا بكتابه ولا برسوله.
مثال الأول : قوله تعالى: ( إنا نحن نحيي الموتى ). وقوله: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ونحوهما مما أضاف الله فيه الشيء إلى نفسه بصفة الجمع ، فاتبع النصراني هذا المتشابه وادعى تعدد الآلهة وقال : إن الله ثالث ثلاثة ، وترك المحكم الدال على أن الله واحد.
وأما الراسخون في العلم: فيحملون الجمع على التعظيم لتعدد صفات الله وعظمها، ويردون هذا المتشابه إلى المحكم في قوله تعالى: ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو ). ويقولون للنصراني: إن الدعوى التي ادعيت بما وقع لك من الاشتباه قد كفّرك الله بها وكذبك فيها فاستمع إلى قوله تعالى:( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) أي كفروا بقولهم : إن الله ثالث ثلاثة.
ومثال الثاني : قوله تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( إنك لا تهدي من أحببت ) وقوله: ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ففي الآيتين موهم تعارض ، فيتبعه من في قلبه زيغ ويظن بينهما تناقضاً وهو النفي في الأولى ، والإثبات في الثانية. فيقول: في القرآن تناقض.
وأما الراسخون في العلم فيقولون: لا تناقض في الآيتين فالمراد بالهداية في الآية الأولى هداية التوفيق ، وهذه لا يملكها إلا الله وحده فلا يملكها الرسول ولا غيره . والمراد بها في الآية الثانية هداية الدلالة وهذه تكون من الله تعالى ، ومن غيره فتكون من الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (4/186).(/4)
وهذه كلها أمثلة للمتشابهة النسبي الذي يخفى على بعض الناس ، ويعلمه الراسخون في العلم ، وأما المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله فمثل حقيقة وكيفية صفات الله تعالى ، وحقيقة ما يكون عند الله تعالى من نعيم لأهل الجنة ، وعذاب لمن عصاه ؛ فهذا كله لا يعلمه إلا الله .
ثانيا :
من التبس عليه أمر شيء من المتشابه ، فليرده إلى المحكم ، إن كان من أهل العلم القادرين على الاستدلال والاستنباط ، وإلا فليسأل أهل العلم ، كما قال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43
وليقل في كل حال : ( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ).
وقد عمد قوم من أهل الزيغ والزندقة قديما وحديثا إلى تتبع المتشابه من القرآن والسنة ، ابتغاء الفتنة والتشكيك ، وتصدى أهل العلم لذلك ، وألفوا مؤلفات نافعة في رد هذا التشكيك ، ومن ذلك ما ألفه الإمام ابن قتيبة رحمه الله بعنوان : تأويل مختلف الحديث . وما ألفه الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله بعنوان : دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
فليس بحمد الله بين آيات الكتاب تناقض ولا اضطراب ، وليس بين السنة والقرآن تعارض ؛ لأن الأمر كله من عند الله ، وقد قال سبحانه : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/82
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
103149
العنوان:
بعض أنواع البيوع المحرمة
السؤال:
ما هي أصناف البيع الحرام مع ذكر الأدلة لو تفضلتم ؟
الجواب:
الحمد لله
للبيوع المحرمة صور كثيرة ، ولا يمكن حصرها في هذا الجواب المختصر ، وقد ذكرنا في الموقع تحت قسم "البيوع المحرمة" كثيرا من هذه البيوع ، فيمكنك مراجعتها .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة مفيدة في هذا الباب ، تُعين على فهم الموضوع ، وبالقياس عليها يلتئم الباب .
قال رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (29/22) - :
" القاعدة الثانية : فى العقود حلالها وحرامها : والأصل فى ذلك أن الله حرم فى كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل ، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل فى المعاوضات والتبرعات ، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق .
وأكل المال بالباطل فى المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما : الربا ، والميسر .
فذكر تحريم الربا الذي هو ضد الصدقة في آخر سورة البقرة وسورة آل عمران والروم وذم اليهود عليه في سورة النساء . وذكر تحريم الميسر في سورة المائدة .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَصَّل ما جمعه الله في كتابه : فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ، والغرر هو المجهول العاقبة ، يفضي إلى مفسدة الميسر التي هي إيقاع العداوة والبغضاء ، مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم ، ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء .
وأما الربا فتحريمه في القرآن أشد ، ولهذا قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) البقرة/278-279(/1)
وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر كما خرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وذكر الله أنه حرم على الذين هادوا طيباتٍ أُحلت لهم ، بظلمهم ، وصدهم عن سبيل الله ، وأخذهم الربا ، وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وأخبر سبحانه أنه يمحق الربا كما يُربي الصدقات ، وكلاهما أمر مجرب عند الناس " انتهى .
فالقاعدة : أن كل بيع يشتمل على واحد من هذين المحذورين – الربا والميسر - أو كان حيلة إليهما فهو من البيوع المحرمة .
ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الربا : بيع العينة ، وكثير من صور بيع الدَّين ، والجمع بين البيع والسلف . . ونحوها .
ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الميسر : بيع الشيء المجهول ، وبيع ما لا يقدر على تسليمه.
وانظر جواب السؤال (105339) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103181
العنوان:
حكم دراسة المحاسبة والعمل كمحاسب في الشركات والمؤسسات المختلفة
السؤال:
أنا شاب أتابع دراستي في السنة الأخيرة من سلك الإجازة ، شعبة الاقتصاد والتسيير ، بحكم تخصصي فإن مجال عملي سيكون - بإذن الله - في الشركات والمقاولات ، لكن المؤسف هنا أن هذه الشركات تتعامل أحيانا بل غالبا بالربا ، كما أن أموالها مودعة لدى بنوك ربوية - لا يوجد عندنا بنك إسلامي - فعملي في هذه الشركات كمحاسب - مثلاً - يقتضي تسجيل عمليات ربوية ، وحساب فوائد ، كفوائد التأخير ، وكتابة الشيكات ، والكمبيالات التي قد تستعمل في خصم الديون إلى ما هنالك من العمليات المحرمة والمشبوهة ، إضافة إلى استحالة أداء الصلاة في المسجد . 1- فبماذا تنصحونني ؟ أن أعمل في هذه الشركات ؟ هل أستمر في دراستي بعد الإجازة ؟ أم أغير الوجهة اتقاء للشبهات ؟ . 2. وهل العمل في هذه الشركات في وظيفة أخرى كتوزيع وبيع منتجاتها للبقالة جائز ؟ . 3. أنا تركت كل امتحانات الدخول إلى مدارس كمدارس الشرطة مثلا وغيرها ؛ لما فيها من ضياع حق الله ، فهل أنا على حق ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك ، ويهديك ، ويثيبك خيراً على ورعك ، وتحريك الحلال في عملك وكسبك .
ولا مانع من دراسة علم " المحاسبة " ، فإن جميع الشركات والمؤسسات تحتاج إلى هذا العلم ، والاستفادة منه .
وجواز الدراسة لهذا العلم لا يعني أن يعمل المسلم محاسباً في البنوك الربوية ، القائمة أعمالها على الحرام ، أو في الشركات والمؤسسات والمصانع التي تخلط الحلال بالحرام في عملها ومالها ؛ لما في كتابة الربا من الإثم ، واستحقاق العقوبة ؛ ولما فيه من التعاون على الإثم والعدوان ، وكل ذلك من المحرمات .(/1)
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) رواه مسلم ( 1598 ) .
قال النووي رحمه الله :
" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين ، والشهادة عليهما ، وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى .
" شرح مسلم " ( 11 / 26 ) .
وقال الصنعاني رحمه الله :
" أي : دعَا على المذكورِين بالإبعاد عن الرحمة ، وهو دليل على إثم مَن ذُكر ، وتحريم ما تعاطوه ، وخصَّ الآكل لأنه الأغلب في الانتفاع ، وغيره مثله ، والمراد من " مُوكله " : الذي أعطى الربا ؛ لأنه ما تحصل الربا إلا منه ، فكان داخلاً في الإثم ، وإثم الكاتب والشاهديْن : لإعانتهم على المحظور ، وذلك إذا قصَدَا وعرَفَا بالربا " انتهى .
" سبل السلام " ( 3 / 66 ) .
فلا مانع من دراستك لعلم المحاسبة – ضمن الضوابط الشرعية - ، ويجوز لك العمل بعدها في أماكن لا ترتكب فيها حراماً ، كالمحاكم الشرعية ، أو الشركات والمؤسسات ذات الأعمال الحلال ، فإن لم تجد : فيمكنك العمل في قسم مباح – كتوزيع منتجات المصانع والشركات - ، ولا يهم أن يكون أموال تلك الشركات في البنوك ، أو أنها تقترض أو تُقرض بالحرام ، والمهم في هذا الجانب هو حل عملك الذي تقوم به – كتوزيع منتجات مباحة - ، وأن لا تكون المؤسسة قائمة على الحرام كالبنوك الربوية ، ومصانع تصنيع الخمر ، وما شابه ذلك .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :(/2)
أعمل في وظيفة " محاسب " في إحدى الشركات السعودية التي تعمل في مجال التشغيل والصيانة ، وقد اضطرت هذه الشركة لأخذ قروض من أحد البنوك الربوية ، وهذخ القروض بفوائد شهرية ، وأنا بصفتي محاسب الشركة أقوم بإصدار الشيكات ، وتسجيل المصروفات ، والإيرادات في الدفاتر ، ومن ضمنها تلك الفوائد كمصاريف على الشركة تضاف لحساب البنك ، علما بأنني نصحت المدير ، وقال : إنه مضطر لأخذ المبالغ من البنك ، لدفع رواتب العمال ، وشراء المواد المختلفة للمشاريع ، وتسيير العمل ، لقد اعترضت أنا على ذلك بشدة ، ووعدت بالاستقالة ، ولكن كما تعلمون أن إقامتي عليهم ، وصرَّحوا بأنهم سوف لن يسمحوا لي بأن أنقل الكفالة لأعمل في مكان آخر ، بل سوف يصدرون تأشيرة خروج نهائي بتسفيري إلى بلدي ، ولا يخفى عليكم الفائدة الدينية والدنيوية التي أجدها في هذه البلاد بفضل الله سبحانه وتعالى ، فقد منَّ الله علينا بالهداية في هذه البلاد ، فلله الحمد والمنَّة ، وسؤالي هو : ماذا أعمل الآن ؟ هل أستمر في العمل والنصح مع استنكاري الشديد ، أم أتقدم باستقالتي وأسافر إلى بلدي التي لا يخفى عليكم حالها دينيّاً ودنيويّاً ؟ .
فأجابوا :
"العمل في الشركة المذكورة التي تتعامل بالاقتراض من البنك بالفائدة ، مع تسجيلك لها في دفاتر الشركة : لا يجوز ؛ لأن ذلك من كتابة الربا ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء ) ، وعليك بالبحث عن عمل آخر ، وسوف ييسر الله أمرك إن شاء الله ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/ 2 ، 3 ، يسَّر الله أمرك ، وأصلح حال الجميع " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .(/3)
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 27 – 29 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً ؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها ؛ لأن من أنكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته ، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به ، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه .
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك : فهو لا شك أنه مباشر للحرام ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، وقال : هم سواء . " فتاوى إسلامية " ( 2 / 401 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : (21113) و (26771) و (38877) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
103185
العنوان:
حكم بيع رصيد مكالمات قيمته 10 جنيهات ب 12 جنيها
السؤال:
ما حكم تحويل رصيد مكالمات للجوال فالبائع يحول لك رصيد 10 جنيهات مقابل 12 جنيه سمعنا أنه ربا فما الحكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز لمن ملك رصيدا من الاتصال أن يبيعه على غيره ، بمثل قيمته أو أقل أو أكثر ، لأن هذا من بيع المنافع ، وليس بيع مال بمالٍ حتى يشترط فيه التساوي .
فالبائع أو صاحب الرصيد ملك منفعة الاتصال التي تقدر قيمتها ب 10 جنيهات ، ويجوز له أن يبيعها ب 12 جنيها ، ولا حرج في ذلك ، وهذا ينطبق أيضا على بيع كروت الشحن ، فيجوز لمن ملك كرتا قيمته 100 أن يبيعه بأكثر أو أقل .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103186
العنوان:
أهل مسجده يصلون الفجر قبل وقتها الصحيح فهل يصلي معهم ؟
السؤال:
نواجه مشكلة في صلاة الصبح ، واضطرب الناس، ماذا يفعلون ؟ وأصبحنا نصلي الصبح ونخرج من المسجد في الليل ! فهل يلزم حضور هذه الجماعة في صلاة الصبح ؟ أم أنني أصلي في البيت بعد دخول الوقت ؟ أرجوك أن تجيبني فقد اضطربت .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني (الفجر الصادق) ، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا ، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس .
وقد بينا في جواب السؤال رقم (26763) الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس من الاعتماد على التقاويم في ضبط وقت الفجر ، وأن أكثر هذه التقاويم لا يضبط الوقت الصحيح للفجر الصادق ، وهذا ما صرح به غير واحد من أهل العلم .
وقد اختلف العلماء المعاصرون في قدر هذا الخطأ ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا يتعدى خمس دقائق ، ومنهم من ذهب إلى أنه نحو ثلاثين دقيقة.
ونحن لا ندري ما هو الحال في بلدك ، لكن على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات ، لتحري وقت الفجر ، وإعلام الناس به ، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه.
وليس لأحد أن يدعي أن الصلاة واقعة قبل دخول الوقت إلا ببينة ، خاصة وأن إدراك الفجر يصعب جدا داخل المدن والبلاد المأهولة ، نظراً لاختلاط بياض الفجر، بأنوار المدينة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن جماعة لا يعرفون وقت الفجر ويصلون بخبر من يثقون به ولكن بعضهم لديه شك ؟(/1)
فأجاب : "ما داموا واثقين منه ، ويعرفون أن هذا الرجل عنده علم بدخول الوقت فلا شيء عليهم ؛ لأنهم لم يتبينوا أنهم صلوا قبل الوقت ، فإذا لم يتبينوا وأخذوا بقول هذا الرجل الذي يثقون به ، فلا حرج ، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ما دام شاكاً ، فلا يصلي حتى يغلب على ظنه أو يتيقن ، وعليه أن ينبه الجماعة على ذلك ، يشير عليهم ويقول : انتظروا خمس دقائق أو عشر دقائق ولا يضرهم ذلك ؛ لأن انتظار الإنسان عشر دقائق أو ربع ساعة خير من كونه يتقدم بدقيقة واحدة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ج 12 سؤال رقم 146.
ثانياً :
عليك أن تنصح أهل المسجد بأن يؤخروا الصلاة حتى يغلب على ظنهم دخول الوقت ، فإن استجابوا فالحمد لله .
وإن أصروا على ما هم عليه - وكنت ترى أنهم يصلون قبل دخول وقت الصلاة - فابحث عن مسجد آخر يتأخر في إقامة الصلاة ، فإن لم تجد فإننا ننصحك بأن تصلي معهم في المسجد ، حتى لا يكون تركك لصلاة الفجر في المسجد مدعاة لسوء الظن بك ، وأنك تنام عن الصلاة ، وحتى لا تحرم نفسك ثواب السعي إلى المساجد ، وحتى لا تتكاسل عن أداء الصلاة فيما بعد ، ثم ترجع إلى البيت فتعيد الصلاة مع أهلك في جماعة بعد دخول الوقت ، وبهذا نصح الشيخ الألباني رحمه الله ، فقد سئل : هل تنصح بأداء فريضة الفجر في المسجد أم في البيت ؟ [وذلك بسبب أن أهل المسجد يقيمون الصلاة قبل طلوع الفجر] .
فأجاب :
"أنصح بالأمرين معاً ، وهو : أن يذهب إلى المسجد ، فإن صلوا فريضة قبل الوقت ، فتكون له نافلة ، ثم يعود إلى البيت فيصلي الفريضة في الوقت ، وبخاصة يصليها مع أهله .
لكن هناك ما هو أوجب ، إلا أن هذا الواجب لا يستطيعه كل إنسان ، وهو : تنبيه أهل المسجد على هذا الموضوع الخطير . . . " انتهى .
"سلسلة الهدى والنور" الشريط (767) ، دقيقة (32) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103187
العنوان:
ليس للبائع أن يزيد في ثمن السلعة إذا تعامل المشتري ببطاقة الائتمان
السؤال:
اشتريت سلعة من محل عبر بطاقة سامبا الخير الائتمانية وعندما قررت الشراء أبلغت صاحب المحل بالبطاقة فقال لي : سوف أزيد عليك المبلغ بما يعادل 3.5% وعندما سألته لماذا؟ قال لأن البنك يأخذ مني مبلغ 3.5% من قيمة السلعة المباعة ، فهل هذا البيع فيه شيء؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في التعامل بالبطاقة الائتمانية إذا توفرت عدة شروط :
1- عدم اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد .
2- عدم أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة ، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط، ، وما زاد على ذلك فهو ربا .
3- أن لا يتم بيع وشراء الذهب والفضة والعملات النقدية ، بالبطاقة غير المغطاة .
وينظر جواب السؤال رقم (13725) .
ثانيا : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من التاجر ، في مقابل هذه الخدمة التي يقدمها ، وهي تسهيل الشراء ، وتحصيل المال من العميل (المشتري ) ولا يجوز للتاجر أن يضيف هذه العمولة على ثمن السلعة ، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) قرارا بشأن بطاقات الائتمان ، وجاء فيه فيما يخص هذه العمولة : " جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه ، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد " انتهى من "مجلة مجمع الفقه" المجلد الثالث ص 673 .
ووجه المنع : أن المشتري إن كان يتعامل ببطاقة غير مغطاة ، فهو مقترض من البنك ، وفي حال دفعه عمولة للتاجر لتصل إلى البنك ، يكون قد اقترض قرضا ربويا ن لأنه سيسدد القرض للبنك أكثر مما أخذه منه ، بنسبة 3.5% .(/1)
وإن كانت البطاقة مغطاة ، فالبنك ضامن وكفيل للمشتري ، ولا يجوز أخذ أجرة أو عمولة على هذا الضمان .
والحاصل : أنه لا يجوز للبائع أن يجعل هذه العمولة عليك ، وإذا أصر على ذلك ، فإما أن تحضر نقودا أو تشتري من غيره .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103233
العنوان:
هل ينتفع بالتأمين الصحي الذي تقدمه له الشركة
السؤال:
أنا أعمل في شركه خاصة وهذه الشركة لديها تأمين صحي في إحدى شركات التأمين التجاري ، إذا تعالجنا أو لم نتعالج لا يخصم من راتبنا أي شيء ، هل يجوز لي أن أستخدم هذا التأمين لي ولعائلتي ؟
الجواب:
الحمد لله
توفير العلاج لك ولعائلتك يعتبر خدمة ومزية مقدمة من جهة العمل ، وقد أعطيت لك بوجه مشروع ، فلا حرج عليك في الانتفاع بها ، سواء قدمتها الشركة بنفسها ، أو عن طريق شركة التأمين ، والإثم يقع على الشركة المتعاقدة ، لا عليك .
وينظر : سؤال رقم (70318) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103236
العنوان:
بنوا مسجدا كبيرا فهل يباع المسجد الصغير المجاور ؟
السؤال:
كان في قريتنا مسجد صغير لا يتسع للمصلين في القرية فتم بعون الله بناء جامع كبير وحديث بجانب المسجد القديم .. وسؤالي هو هل يجوز بيع المسجد القديم وتحويل ثمنه لمسجد آخر حتى لا ينقطع ثواب الواقف الأول أم هل يجوز تحويله إلى مسجد للنساء أو مركز تحفيظ نسائي ؟ علما بأنه يوجد تحت الجامع الكبير مركز تحفيظ للأولاد ، أم هل يجوز أن نصلي فيه الفروض والجديد للجمع والمناسبات ؟
الجواب:
الحمد لله
الأصل في هذا أن الوقف إذا تعطلت منافعه ، مسجدا كان أو غيره ، جاز بيعه ووضع ثمنه في مثله . وذلك كأن يرحل أهل المحل عن محلهم ، ولا يبقى من يعمر المسجد ، أو ينتقلوا إلى مسجد قريب أوسع ، فيشرع حينئذ بيع المسجد الصغير ، ووضع ثمنه في بناء مسجد آخر في مكان يحتاج فيه إلى مسجد ، لكن ينبغي مراجعة الجهة المسئولة عن الأوقاف ، أو مراجعة المحكمة الشرعية ، لتتولي مسألة البيع ، والإشراف على بناء المسجد الجديد .
قال ابن قدامة رحمه الله : " الوقف إذا خُرِّب , وتعطلت منافعه , كدار انهدمت , ولم تمكن عمارتها , أو مسجد انتقل أهل القرية عنه , وصار في موضع لا يصلى فيه , أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه ، أو تشعب جميعه ( أي : تصدعت جدرانه ) ، فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه , جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته .
وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه , بيع جميعه . قال الإمام أحمد : إذا كان في المسجد خشبتان , لهما قيمة , جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه ، وقال أيضاً : يحول المسجد خوفا من اللصوص , وإذا كان موضعه قذرا . قال القاضي : يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه " انتهى من "المغني" (5/368) بتصرف .(/1)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " وإذا تعطلت منفعة الوقف سواء كان مسجدا أو غيره جاز بيعه في أصح قوال العلماء, وتصرف قيمته في وقف آخر بدل منه مماثل للوقف الأول، حيث أمكن ذلك، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بنقل مسجد الكوفة إلى مكان آخر؛ لمصلحة اقتضت ذلك. فتعطل المنفعة أولى بجواز النقل، والمسألة فيها خلاف بين العلماء؛ ولكن القول المعتمد جواز ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها, وأمرت بحفظ الأموال, ونهت عن إضاعتها، ولا ريب أن الوقف إذا تعطل لا مصلحة في بقائه، بل بقاؤه من إضاعة المال، فوجب أن يباع ويصرف ثمنه في مثله " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (20/11).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : يوجد لدينا مسجد صغير بناه المسلمون قبل عشر سنين ، وأصبح الآن يضيق بالمصلين ، والرغبة الآن متجهة إلى توسعة المسجد ، إلا أنه قد لا يتمكن من ذلك ، ويريد شراء قطعة أرض كبيرة يقيم عليها المسجد ومدرسة لأبناء المسلمين ومرافق أخرى ، ويسأل هل يجوز بيع أرض المسجد الحالي ليستعان بقيمتها في بناء المسجد الجديد ؟
فأجابت : " إذا كان الأمر كما جاء في الاستفتاء من ضيق المسجد الحالي ، وأنه لا مجال لتوسعته ، وأن الضرورة تقضي بإيجاد مسجد واسع يسع المصلين ومدرسة لتعليم أولاد المسلمين ، ومرافق تخدم ذلك ، فإنه لا يظهر لنا مانع من بيع أرض المسجد الحالي وأنقاضه ، والاستعانة بثمن ذلك في شراء الأرض الواسعة في المكان المناسب ، وبناء المسجد والمدرسة ومرافقهما عليها ، لما في ذلك من المصلحة العامة ، لكن بشرط أن يتولى ذلك من تتوافر فيه الثقة والأمانة والدراية. وبالله التوفيق " انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. عبد الرزاق عفيفي .. عبد الله بن غديان ... عبد الله بن منيع ... "انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/38) .(/2)
وسئلت اللجنة أيضا عن بناء مسجد كبير بجوار مسجد قديم ، وتحويل القديم إلى مدرسة لتعليم أبناء المسلمين ؟
فأجابت : " لا مانع من إقامة المسجد الجديد ، وتقويم المسجد القديم بواسطة أهل الخبرة بالسعر أرضا وبناية ، وصرف قيمته في تعمير مسجد آخر في بلد محتاج إلى ذلك ، وجعل مكانه مدرسة لتعليم العلوم الشرعية " انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. عبد الرزاق عفيفي .. عبد الله بن غديان " . "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/60) .
وبناء على ذلك فيجوز هدم المسجد القديم ، وبيع أنقاضه وأرضه ، ووضع الثمن في بناء مسجد آخر .
كما يجوز تقويم المسجد بناء وأرضا ، بواسطة أهل الخبرة ، وصرف هذه القيمة في بناء مسجد آخر ، وجعل المبنى القديم مركزا للتحفيظ النسائي .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103239
العنوان:
التفصيل في حكم الألغاز
السؤال:
ما رأيك في الألغاز الرياضية ، وهل يجوز الاشتغال بها واستعمالها في المسابقات والجلسات مع الإخوان ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الألغاز أنواع ، منها المستحب ، ومنها المحرَّم ، ومنها المباح .
أما المستحب : فهو ما كان في العلم الشرعي ، تمريناً للسامع على إعمال فكره ، وبثّاً لروح التنافس بين السامعين .
فعَنْ عَبدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ، ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ ) . رواه البخاري ( 61 ) ومسلم ( 2811 ) .
قال النووي رحمه الله :
"وفي هذا الحديث فوائد منها : استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ، ويرغبهم في الفكر ، والاعتناء ، وفيه ضرب الأمثال والأشباه " انتهى .
" شرح مسلم " ( 17 / 154 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وفي هذا الحديث من الفوائد : امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى ، مع بيانه لهم إن لم يفهموه ، وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى عن الأغلوطات ) قال الأوزاعي - أحد رواته - : هي صعاب المسائل : فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه ، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول ، أو تعجيزه .
وفيه : التحريض على الفهم في العلم ، وقد بوَّب عليه المؤلف باب " الفهم في العلم " انتهى .
" فتح الباري " ( 1 / 146 ) .
وقال العيني رحمه الله :(/1)
"فيه استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ؛ ليختبر أفهامهم ؛ ويرغبهم في الفكر .
الثاني : فيه : توقير الكبار ، وترك التكلم عندهم .
الثالث : فيه : استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ، ولهذا تمنَّى عمر رضي الله عنه أن يكون ابنه لم يسكت .
الرابع : فيه جواز اللغز مع بيانه " انتهى .
" عمدة القاري " ( 2 / 15 ) .
ثانياً :
وأما اللغز المحرَّم ، فمنه : ما كان فيه تعرض لذات الله تعالى أو رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم أو دينه ، استخفافاً ، واستهزاءً .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
في بعض المجالس يحصل أن يتكلم أحد الحاضرين بكلام يقصد به التسلية ، أو يأتي به على هيئة ألغاز , ولكن يظهر للسامع أن به مساساً بالعقيدة , ومن ذلك أنه يقول : إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء ! ويقصد بذلك الزوجة ، والولد ، والله سبحانه وتعالى منزَّه عن الصاحبة ، والولد , كما يقول : لا حمدَ للاهي ، ولا شكر له ! وقصده اللاهي الذي ألهته دنياه عن آخرته , فما حكم الشرع في نظركم لذلك ؟ وما نصيحتكم لمن يقول مثل هذا الكلام ؟ .
فأجاب :
"أرى أن هذا الكلام حرام ؛ لأنه يوهم معنىً باطلاً ، وإن كان سوف يفسر ما يريد , لكن سيبقي الشيطان أثر ذلك في قلب المخاطب ، أو المستمع , وأنصح من يتكلم بهذا أن يقرأ قول الله تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/ 18 ، واعلم أن كلمتك هذه إن ترتب عليها كفر أو شك : فالحساب عليك ، فعلى كل مؤمن أن يحترم جانب الرب عز وجل , وأن يعلم أن الأمر خطير , ( رُبَّ كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً ) - والعياذ بالله - أو أكثر , فأرى أن هذا الكلام منكر , وأنه لا يحل للإنسان أن يلقيه , وأن على من سمعه أن ينصحه ، فإن اهتدى : فله ، ولمن نصحه , وإن لم يهتدِ : فإنه يجب عليه أن يغادر المكان الذي يلقى فيه مثل هذا الكلام " انتهى .(/2)
" لقاءات الباب المفتوح " ( 106 / السؤال رقم 1 ) .
ثالثاً :
وأما النوع الثالث من الألغاز فهو الألغاز المباحة ، كالتي تشتمل على مواد حسابية ، أو ثقافية ، أو سياسية ، وغيرها ، وينبغي التنبه لشروط جوازه ، وهي :
1. عدم الإكثار منها ؛ لأن الإكثار مضيعة للوقت ، وهدر للطاقات ، وانشغال فيما لا طائل من ورائه .
2. أن تكون خالية من المقامرة ، ويجوز لطرف غير مشارك أن يعرض لغزاً ويعطي جائزة لمن يجيب عليه ، ويجوز أن تكون الجائزة من طرف مشارك على أن لا يُلزمهم بدفع شيء إن لم يجيبوا ، أو إن أجاب هو عليه ، ولا يجوز أن يدفع الطرفان مبلغاً يُعطى لمن يحل اللغز منهما ، وإلا كان هذا من المقامرة .
3. أن لا يصاحب عرض اللغز وحله سب أو شتم أو تحقير أو تجهيل ، وكلها أخلاق منافية لأخلاق الإسلام .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103241
العنوان:
هل يجوز لخطيب الجمعة أن يستشهد بالشعر ويكثر منه؟
السؤال:
في منطقتنا إمام شاب ، وهو كل جمعة في الخطبتين يستدل كثيراً بالشعر ، فما هو رأيكم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على الشعر الذي يستعمله صاحبه لنصرة الإسلام ، ورد افتراءات المشركين ، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بن ثابت رضي الله عنه : (اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (3814) ومسلم (4541) .
وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اهْجُوا قُرَيْشًا ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ ) رواه مسلم (4545) .
ومع ذلك فقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم من يشتغل بالشعر ، ويُقبل عليه ، ويعرض عن القرآن والعلم الشرعي .
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً ) . رواه البخاري ( 5802 ) ومسلم ( 2258 ) .
والحديث بوَّب عليه البخاري بقوله : " ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده " .
وعلَّق الحافظ ابن حجر بقوله :
"تنبيه : مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر : أن الذين خوطبوا بذلك كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به ، فزجرهم عنه ؛ ليُقبلوا على القرآن ، وعلى ذِكر الله تعالى ، وعبادته " انتهى .
" فتح الباري " ( 10 / 550 ) .
وقال النووي رحمه الله :
"الصواب : أن المراد أن يكون الشعر غالباً عليه ، مستولياً عليه ، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذِكر الله تعالى ، وهذا مذموم من أي شعر كان ، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه : فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا ؛ لأن جوفه ليس ممتلئا شعراً " انتهى .(/1)
" شرح مسلم " ( 15 / 14 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
"واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام ، حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، ومن الأدلة القرآنية على ذلك : أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله : ( والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ) استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله : ( إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً ) الشعراء/ 227 ، وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشِّعر محمول على من أقبل على الشعر ، واشتغل به عن الذِّكر ، وتلاوة القرآن ، وطاعة الله تعالى ، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب ، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك " انتهى .
" أضواء البيان " ( 6 / 165 ) .
فليحذر الدعاة إلى الله وطلبة العلم والخطباء من فتنة الشِّعر ؛ فإن لها بريقاً يخطف الأبصار ، ولها حلاوة تسلب العقول ، وليحرص أن يمتلأ جوفه بكتاب الله ، ونصوص السنَّة ، ولا بأس من حفظ بعض الأشعار ، لكن ليس على حساب نصوص الوحي .
ثانياً :
اختلف العلماء في حكم إنشاد الشِّعر في خطبة الجمعة ، فذهب بعضهم إلى المنع منه ، وأجازه آخرون بشرط عدم الإكثار منه .
والذين ذهبوا للمنع قالوا : لم نجد في السنَّة النبوية أي دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينشد الأبيات من الشعر على المنبر ، والذين قالوا بالجواز قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على بعض الشعر ، وقال إن فيه حكمة ، فلا مانع من أن يأتي الخطيب في خطبته ببعض الأبيات ، على أن لا يكثر من ذلك ، وعلى أن لا يكون ذلك على حساب الأدلة الشرعية .
وممن قال بالمنع : الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله حيث قال :(/2)
"ولا أعرف في خطب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في خطب الصحابة رضي الله عنهم الاستشهاد بالشعر ببيت فصاعداً ، وعلى هذا جرى التابعون لهم بالإحسان .
وقد استمرأ بعض الخطباء في القرن الرابع عشر تضمين خطبة الجمعة البيت من الشعر فأكثر ، بل ربما صار الاستشهاد بمقطوعات شعرية متعددة ، وربما كان إنشاد بيت لمبتدع ، أو زنديق ، أو ماجن " .
وقال أيضاً :
"والمقام في خطبة الجمعة مقام له خصوصيات متعددة يخالف غيره من المقامات ، في الدروس ، والمحاضرات ، والوعظ ، والتذكير ، وهو مقام عظيم لتبليغ هذا الدين صافياً ، يجهر فيه الخطيب بنصوص الوحيين الشريفين ، وتعظيمهما في القلوب ، والبيان عنهما بما يليق بمكانتهما ومكانة فرائض الإسلام ، فلا أرى لك أيها الخطيب للجمعة إلا اجتناب الإنشاد في خطبة الجمعة ، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو بك أجمل ، وبمقامك أكمل ، والله المستعان " انتهى .
" تصحيح الدعاء " ( ص 99 ) .
وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، إلى جواز أن يستشهد خطيب الجمعة بأبيات من الشِّعر ، على أن يكون ذلك بقدر ، وبحسن اختيار .
فقد سئل الشيخ رحمه الله : هل الاستشهاد ببعض الشِّعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم الأخلاق ، والجهاد في سبيل الله أمر مشروع ؟ .
فأجاب:
"لا شك بذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ مِن الشِّعر لحكمة ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينشد مع الصحابة وهم يبنون المسجد ، ينشد معهم عليه الصلاة والسلام :
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
كان رافعا بها صوته يقول: أبينا ، أبينا ، أبينا ، كما أن عليه الصلاة والسلام أنشدهم وهم يحفرون الخندق .(/3)
فالمقصود : أن إنشاد الشعر الحق الطيب في الخطب ، والمواعظ ، والمحاضرات ، وخطب الجمعة ، والأعياد : لا بأس به ؛ لأنه يؤثر ، ويحصل به خير عظيم " انتهى .
" جريدة المدينة " العدد 9170 ، الثلاثاء 22 / 12 / 1412 هـ .
وهذا القول هو الراجح ، فلا بأس أن يستشهد خطيب الجمعة بما يراه مناسباً لخطبته من شعر يحتوي على بلاغة وفصاحة وتأثير في الناس ، على ألا يكثر من ذلك ، ولا يكون ذلك مقدماً عنده على نصوص الوحيين : القرآن والسنة .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
103289
العنوان:
أيهما أفضل الكعبة أم قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال:
هل الكعبة أفضل أم قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب:
الحمد لله :
سبق في جواب السؤال (97384) إطلاق كثير من العلماء على النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الخلق ، فيدخل في عموم كلامهم أنه أفضل من الكعبة .
وهذا التفضيل إنما هو للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، وليس للقبر الذي دفن فيه .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجلين تجادلا ، فقال أحدهما : إن تربة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من السماوات والأرض . وقال الآخر : الكعبة أفضل ، فمع من الصواب ؟
فأجاب: "الحمد لله ، أما نفس محمد صلى الله عليه وسلم فما خلق الله خلقا أكرم عليه منه ، وأما نفس التراب فليس هو أفضل من الكعبة البيت الحرام ، بل الكعبة أفضل منه ، ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ، ولم يسبقه أحد إليه ، ولا وافقه أحد عليه ، والله أعلم" انتهى .
"الفتاوى الكبرى" (4/411) و "مجموع الفتاوى" ( 27/38) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103291
العنوان:
لا يصلي ، ويشكون في أنه يعمل بالدعارة ؟!!
السؤال:
اكتشفت أن زوج أختي يكسب ماله عن طريق الحرام ، فهو يُحضر فتيات من بلده إلى دولة خليجية ليعملوا هناك بالحرام ، حتى إنه يمارس الحرام معهن ، وهو اعترف لزوج أختي الثانية بذلك ، أخبرتُ والدي ولكنه لم يصدق تعليلا بأن ذلك مستحيل ، فهو إنسان جيد ، وعلَّل بأن زوج أختي الثاني غيور ، لذلك يلفق الأكاذيب ، ولكني - والله أعلم - أصدقه لأنه دائما غائب عن البيت ، وخاصة مساء ، حتى إن أختي أخبرتني ببعض الأشياء ، وأنها تشك بخيانته لها ، لكنه يعود ليلفق الكذب ، وتصدقه ، هي حامل الآن ، وعندها طفلة ، ولم أخبرها بما سمعت عنه ، أرجوك أريد معرفة واجبي نحو أختي ، فهي من وقت الذي تزوجته من سنتين تقريبا وهي مريضة نفسيّاً ، وهو إنسان لا يصلي ، ولا يخشى الله ، والله أعلم . أرجوك دلني ماذا يجب عليَّ فعله ، هل يجب أن أخبرها بما سمعت ، أم علي كتم الموضوع ؟ فأنا أدعو الله دائما أن يهديه . إن أكثر ما يقلقني أن يصاب بمرض خطير ، وينقله لها ، وكذلك أخشى على أطفالها من الضياع .
الجواب:
الحمد لله
الذي ننصحك بفعله ـ أختنا الكريمة ـ في هذه المشكلة أمور ثلاثة : التأكد من فعل زوج أختك ، والنصح له إن ثبت ما فعله من منكرات ، والسعي في فسخ النكاح إن أصرَّ على فعله ، سواء فعل الفاحشة أم ترك الصلاة .
أما الأمر الأول :
فليُعلم أن الأصل في المسلم البراءة ، ولا يجوز اتهامه بما ليس فيه ، وإلا تعرَّض المتهِّم للإثم ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/ 58.(/1)
ويجب التأكد من صحة خبر المخبِر قبل أن يبني عليه السامع حكماً ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات/ 6 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها ، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجرداً ؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً ، ووقوعاً في الإثم ، فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل : حكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة ، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبيُّن ، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه : عمل به وصدق ، وإن دلت على كذبه : كذِّب ، ولم يعمل به ، ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب مردود ، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا .
" تفسير السعدي " ( ص 799 ) .
فالأصل عدم الاتهام ، والأصل البراءة ، وقد يكون الكذب ممن زعم أنه اعترف له ، ولا يُستبعد هذا ، فإن تبين صدق المخبِر ، وصحة واقع حاله : فإننا ننتقل إلى :
الأمر الثاني :
وهو : النصح والوعظ .
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ) رواه مسلم ( 55 ) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . رواه البخاري ( 501 ) ومسلم ( 56 ) .
وعلى أن تكون النصيحة بالتي هي أحسن لتقويم المعوج ، وتصحيح مساره .(/2)
قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ْضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/ 125 .
وأولى ما تنصحونه به هو الصلاة ، فلا بدَّ أن يعلم أن ترك الصلاة كفر مخرج من ملة الإسلام ، وأنه إن مات وهو تارك للصلاة مات ميتة جاهلية ، ومات على الردة ، ثم يُنصح بعد ذلك بترك أفعاله المحرمة من الفواحش والمنكرات مع تلك الخادمات ، فعلاً للفاحشة معهن ، والإعانة في استقدامهن لغيره ، بل إن استقدام الخادمات أصلا ولو للعمل فيه مفاسد كثيرة ، وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) .
فإن تبين صدق القول فيه ، ولم يستجب للنصح وأصرَّ على ترك الصلاة وفعل المنكرات : فإن ما عليكم فعله هو :
الأمر الثالث :
وهو التفريق بينه وبين زوجته بفسخ النكاح ؛ لأن تارك الصلاة مرتد ، ويفسخ عقده على المسلمة ؛ ولأنه لا يحل للعفيفة البقاء على عقد نكاحها مع زانٍ فاجر ، وترك الصلاة موجب لفسخ النكاح ، وأما فعله للمنكرات فليس بموجب للفسخ ، لكن رضاها بأفعاله يجعلها شريكة له فيها ، ومثله لا يؤتمن على ابنة ولا على زوجة ، ولا يؤمن – كذلك – أن يتسبب في انتقال الأمراض المهلكة المعدية لها .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/3)
ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة ، وإذا كان له زوجة : انفسخ نكاحه منها ، ولا تحل ذبيحته ، ولا يقبل منه صوم ، ولا صدقة ، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم ، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ، ولا يكفَّن ، ولا يُصلَّى عليه ، ولا يُدفن مع المسلمين ، وإنما يُخرج به إلى البر ، ويحفر له حفرة يُرمس فيها ، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي : فإنه لا يَحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه ؛ لأن الصلاة على الكافر محرَّمة ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) التوبة/ 113 ؛ ولأن الله يقول : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) التوبة/ 84 .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال رقم 26
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 10094 ) و ( 2182 ) و ( 5208 ) .
غير أننا نعود ونذكرك أيتها السائلة الكريمة بعدم التسرع في الحديث بمثل ذلك عنه ، أو نقله لأختك ، وتكدير عيشها ، وتخريب بيتها ، من دون بينة شرعية ، ولتكن غيرتنا على انتهاك حرمات الله أشد من خوفنا من انتقال الأمراض ، أو أنفتنا من " الخيانة الزوجية " ، واجتهدي في الدعاء له بالهداية ، ولأختك بصلاح الحال ، وأن يحفظها وذريتها من شره ، ومن شر كل ذي شر .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
103302
العنوان:
هل حمل التتار الإسلام إلى آسيا ؟
السؤال:
ما رأيكم فيمن يقول : إن التتار في هجومهم على المسلمين في بغداد دخلوا بعد ذلك دين الله ، وحملوا الدين إلى رقاع من آسيا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبه بعض المحققين من المؤرخين المعاصرين على أن الجيوش التي غزت بلاد المسلمين بقيادة " جنكيزخان " (ت 624هـ ، 1227م) فأهلكت الحرث والنسل هي جيوش مغولية الأصل ، وليست تتارية ، وبين هذين الجنسين والعرقين فرق كبير ، وسبب الخلط بينهما هو أن المغول بقيادة " جنكيزخان " بعد أن تغلبوا على التتار أرغموا بعضهم على الانضمام إلى جيوشهم ومشاركتهم في حروبهم قسرا ، ومع قيام بعض الأسباب السياسية ، وخاصة في العصور المتأخرة ، اشتهر اسم " التتار " على تلك الجيوش ، بل وأصبح وصف " التتار " علما على الهمجية والقسوة والوحشية ، في تفاصيل معقدة من تاريخ شعوب تلك المنطقة ، يمكن الاطلاع عليها في دراسة متقنة للدكتور : أبرار كريم الله ، بعنوان " مَن هم التتار " .
ثانيا :
ديانة المغول الأولى عبادة الكواكب والسجود للشمس ، وكانوا يرون أن ( تَنْكَرَى ) وهو الرب الذي يعلو السماء الزرقاء يبارك خطواتهم ، وأنهم خلقوا ليحكموا العالم كله ، ولهذا سمى زعيمهم نفسه بـ " جنكيز خان " أي : حاكم العالم . وكان يحكم بكتاب جمعه من شرائع مختلفة أسماه " الياسق " جعله القانون الذي يتحاكمون إليه .
غير أن المغول تأثروا بالبلاد التي غزوها – وهي بلاد واسعة تمتد من روسيا إلى أوروبا إلى بلاد الشام ، فكان بعضهم يعتنق البوذية أو النصرانية ، وآخرون يعتنقون الإسلام ، وبعضهم يبقى على ما هو عليه .(/1)
أما اعتناقهم للإسلام فقد ذكره المؤرخون في كتبهم عن كثير من كبار قادتهم ، أنهم انتسبوا للإسلام وأعلنوا انتماءهم له ، غير أن كثيرا من محققي العلماء والفقهاء في عصرهم – ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - لم يقبلوا انتسابهم الاسمي إلى دين الإسلام ، وطالبوهم بتحقيقه قولا وفعلا ، وأفتوا بكفر فئاتهم التي لم تعمل بالإسلام في شعائرها الظاهرة ، ومن أهمها الصلاة والأذان والحكم بالشريعة واعتقاد حرمة المسلم على المسلم .
ولكننا نذكر هنا ما ينقله المؤرخون ، كي نعطي صورة " مجتزأة " للإسلام الذي حمله المغول.
جاء في دراسة الدكتور محمود السيد " التتار والمغول " ( ص/150 – 154 ) :
" اعتنق " كورجوز " حاكم فارس من قبل " أجتاي خان " الديانة الإسلامية في أواخر عهده ، بعد اعتناق بركة خان القبيلة الذهبية 654هـ - 666هـ للعقيدة الإسلامية في أول نصر حقيقي للإسلام ، خاصة بعد أن تبعه السواد الأعظم من رعيته ، حتى إن كل رجال جيوشه كانوا مسلمين وهم مغول ، وتبع ذلك توثيق الروابط السياسية بين " بركة خان " و" بيبرس " سلطان مصر ، وتحالف كلاهما ضد أسرة " هولاكو " في فارس .
ولما انتشر المغول في بلاد الصين ، واعتنق بعض ملوكهم دين الإسلام في القرن السابع الهجري ، وجعلوا مدينة " كاشغر "/غرب الصين عاصمة دولتهم الجديدة ، أشير على ملك الصين المغولي " بركة خان " زعيم القبيلة الذهبية بمهادنة الخليفة المستعصم العباسي 640هـ.
ولما انتشر العنصر المغولي المسلم في الجبهة الغربية والشمالية من البلاد أخذ الصينيون الأصليون يتربصون بالمسلمين الدوائر ، لا سيما عندما أعلن الأمير " يعقوب خان " 679هـ استقلاله بمملكة " كاشغر " في الشمال الغربي .
ولما أراد دعم الوحدة الإسلامية بايع السلطان العثماني بالخلافة ، وانضوى تحت لوائه ، ليكون له سندا ، وطلب من دار الخلافة خبراء في الفنون الحربية ، وسائر الصناعات الهندسية .(/2)
كما توطدت العلاقات بين " بركة خان " زعيم القبيلة الذهبية والظاهر " بيبرس " ، بل وتحالف الفريقان ضد عدوهما المشترك الذي يمثل " هولاكو " في فارس ، ولم يدخر وسعا " هولاكو " ، فأسرع في البحث عن حلفاء يناصرونه على هؤلاء المسلمين ، فتحالف مع زعماء الصليبيين في بلاد الشام ، وقد شجعت " هولاكو " زوجته المسيحية على هذا الخط لتصرفه عن الديانة الإسلامية .
وعلى الرغم من كل هذه الجهود ، وأن نفوذ المسلمين بدأ يقوى على مر الزمن ، دخل كثيرون من الحكام المغول في الإسلام .
فعندما تولى " غازان محمود " أحد إيلخانات الحكم في فارس 694 – 703هـ اعتنق الدين الإسلامي ، وطالب رعاياه بالدخول في الإسلام ، وأعلن أن دين الإسلام هو الدين الرسمي للدولة .
ومنذ ذلك الحين بدأ الإسلام ينتشر انتشارا سريعا في دولة إيلخانات المغول في فارس .
واستقر المغول في البلاد الإسلامية ، وتشبعوا بالروح الإسلامية تدريجيا ، وأسسوا أسرة إيلخانات المغول في فارس ، وتطبعوا بالطابع الإسلامي مع ارتباطهم بالشعب المغولي في شرق آسيا ، مما أدى إلى سهولة تبادل المعلومات في مختلف نواحي الحياة بين شرق آسيا وغربها .
قوي نفوذ المسلمين بعد اعتناق " تكودار أحمد " الديانة الإسلامية 680هـ ، وهو أحد أبناء هولاكو ، عمل على جذب أتباعه إلى الإسلام ، فقدم العطايا والمنح لكل من يعتنق الإسلام ، ومنحهم ألقاب الشرف في دولته " انتهى باختصار .
ويقول الدكتور عبد الرحمن المحمود :
" مسألة تأثر التتار واعتناق بعضهم الإسلام تحتاج إلى تفصيل ؛ لأن بعض التتار- من أبناء عم هولاكو- دخلوا في الإسلام قبل معركة عين جالوت ولذلك يمكن توضيح هذا الأمر كما يلي :(/3)
1- قسم جنكزخان مملكته بين أولاده ، فكان من نصيب أحدهم وهو " جوشى " أكبر أبنائه ؛ البلاد الواقعة بين نهر " أرتش " والسواحل الجنوبية لبحر قزوين ، وكانت تلك البلاد تسمى القبشان ، ويطلق عليها اسم القبيلة الذهبية - نسبة إلى خيام معسكراتها ذات اللون الذهبي - فلما مات " جوشى " خلفه أحد أولاده الذي تلقب بـ " خان " القبائل الذهبية ثم تولى بعده ولده ، ثم تولى بعده " بركة خان " سنة 654 هـ ، وكان بركة هذا مسلما ، لذلك عمل على نشر الإسلام بين قبيلته وأتباعه ، وأظهر شعائر الإسلام واتخذ المدارس وأكرم الفقهاء وكان يميل إلى المسلمين ميلا شديدا . وقد بدا هذا في ظاهرتين :
أولاهما: محاربته لابن عمه " هولاكو " ، خاصة بعد استيلائه على بغداد وقتله
للخليفة ، وقد ظهرت بينهما خصومات ومعارك . وقد أقلق موقفه وإسلامه الطاغية " هولاكو " الذي اتجه إلى محالفة المسيحين ضد " بركة " وحلفائه .
ثانيهما: دخوله ومن جاء بعده في حلف سلاطين المماليك ، الظاهر " بيبرس " ، والناصر " قلاوون " وغيرهما ، وقد توطدت العلاقة بين هاتين الدولتين ، خاصة بعد المصاهرة التي تمت بينهم ، وتبادل الرسل والهدايا ، ومواجهتهم لعدو مشترك هم التتار الكفار .(/4)
2- أما دولة المغول الكبرى في إيران وما جاورها والتي منها انطلقت جحافلهم لغزو العراق والشام ، فقد حدث في عام 680 هـ أن أسلم أحد أولاد " هولاكو " وهو السلطان " تكودار بن هولاكو " الذي تسمى بعد إسلامه باسم أحمد ، فصار اسمه : أحمد بن هولاكو ، وقد أعلن إسلامه في منشور أصدره لما جلس على العرش ووجهه إلى أهل بغداد ، كما أرسل رسالة إلى السلطان المنصور " قلاوون " يعلن اهتداءه إلى الإسلام ، ويدعو إلى المصالحة ونبذ الحرب ، ولم يتخل - كما هو واضح من رسالته هذه - عن افتخاره واستعلائه على سلطان المماليك ، وقد رد عليه السلطان " قلاوون "، ثم تبودلت الرسائل بينهم ، ولكن لم تكن العلاقات بينهم جيدة كما يظهر من صيغة الرسائل المتبادلة .
ومما يجدر ذكره أن السلطان أحمد دخل لوحده في الإسلام ، و لم يستطع أن يفرضه على أتباعه ولا على أمراء المغول من حوله ، فصار دخوله في الإسلام فرديا ، وهذا ما يفسر سرعة القضاء عليه وقتله من جانب منافسيه من أمراء المغول الذين تآمروا عليه فقتلوه سنة 683 هـ
3- في سنة 693هـ تولى محمود قازان عرش المغول ، ثم في سنة 694هـ دخل في الإسلام ، يقول الذهبي عن هذه السنة :
" وفيها دخل ملك التتار غازان ابن أرغون في الإسلام ، وتلفظ بالشهادتين بإشارة نائبه " نوروز " ، ونثر الذهب واللؤلؤ على رأسه ، وكان يوما مشهودا ، ثم لقنه " نوروز " شيئا من القرآن ، ودخل رمضان فصامه ، وفشا الإسلام في التتار "
وقد أعلن غازان الإسلام دينا رسميا للدولة المغولية في إيران ، كما غير المغول زيهم فلبسوا العمامة ، كما أمر بتدمير الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية ، والأصنام البوذية ، كما أمر أهل الذمة بأن يتميزوا بلباس خاص بهم . وهكذا اختلف إسلام قازان عن إسلام السلطان أحمد بأن إسلامه لم يكن فرديا وإنما حوله إلى دين رسمي للدولة .(/5)
لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان ، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أهل الشام – ومعه سلاطين مصر- معارك كبيرة ، وانتصر المغول في أولاها وهزموا فيما تلاها ، وقد عاث الجيش التتري فسادا في الأرض وفعلوا – كما قال ابن تيمية لقازان نفسه لما التقى به - ما لم يفعله أسلافه من حكام التتار الوثنيين . وقد بقيت الأمور على هذه الحال إلى ما بعد وفاة غازان سنة 703هـ
وقد كان التتار يقدسون دستورهم الذي وضعه لهم جنكيز خان ، وكان يسمى " إلياسا " أو " اليساق " وكانوا يتحاكمون إليه ، وبعد إسلامهم لم يتركوا التحاكم إلى هذا الدستور .
4- بعد وفاة قازان تولى من بعده أخوه " أولجاتيو خدابنده " ، وصار اسمه محمد بن أرغون ، وقد تولى عرش المغول سنة 703 هـ إلى سنة 716 هـ ، وقد بدأ عهده بتحسين العلاقة مع سلطان المماليك ، فأرسل إليه هدية وكتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة " وسأله إخماد الفتن ، وطلب الصلح ، وقال في آخر كلامه : عفا الله عما سلف ، ومن عاد فينتقم الله منه ، فأجيب ، وجهزت له الهدية ، وأكرم رسوله ".
ولكن لم يكد يمضي سنة من توليه سلطة المغول حتى حدث تحول خطير عند محمد بن أرغون هذا ، فقد اعتنق مذهب الشيعة ، وعمل على نشره في الجهات الغربية من دولته ، حتى إنه غير الخطة ، وأسقط اسم الخلفاء سوى علي رضي الله عنه ، وأظهر عداءه للمماليك السنيين ، وطلب من النصارى أن يساعدوه ضدهم ، ثم هاجم الشام سنة 712 هـ
ومما ينبغي ملاحظته أن تشيع هذا السلطان كان بتأثير من أحد كبار الرافضة - وهو ابن المطهر الحلي - ، الذي صارت له منزلة كبيرة في عهده، وقد أقطعه عدة بلاد ، ولعل نفوذ وشهرة هذا الرافضي- وهو صاحب كتاب منهاج الكرامة - دعا ابن تيمية رحمه الله إلى إفراد الرد على كتابه هذا بكتابه العظيم : " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ".(/6)
وقد استمر سلطان المغول على تشيعه حتى مات ، ثم تولى ابنه أبو سعيد - وهو صغير - الذي لعب كثير ممن حوله به ، ثم لما كبر مال إلى العدل وإقامة السنة وإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين ثم عثمان ثم علي وفرح الناس بذلك " انتهى باختصار يسير من "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (1/99-102) .
ثالثا :
ولعل الأقرب في الجواب عن السؤال أن يقال : لا شك أن تأثير الإسلام في النفوس تأثير بالغ عظيم ، حتى في قلوب الغزاة الذين يتربصون بأمة الإسلام الدوائر ، فلا يستبعد أن تتأثر فئات من المغول - نتيجة اختلاطهم بالمسلمين واطلاعهم على النور الذي أنزل إليهم – بدين الإسلام العظيم ، ولكن الإنصاف يقضي أيضا بخطأ اختزال العوامل الكثيرة التي ينتشر الإسلام بسببها في عامل واحد هو " المغول " .
يؤكد ذلك أمران اثنان :
1- أن دين الإسلام كان قد انتشر في آسيا منذ القرون الهجرية الأولى على يد القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي سنة ( 94هـ) ، حيث فتح " كاشغر " عاصمة الصين آنذاك ، ثم توقفت الفتوحات العسكرية لتبدأ الفتوحات المعرفية بنشر الإسلام في جميع بقاع آسيا عن طريق العلم والدعوة والأخلاق الحميدة .
انظر كتاب "ظاهرة انتشار الإسلام" محمد فتح الله الزيادي (ص/222-224)
2- أن أكثر المغول الذين انتسبوا إلى الإسلام لم يعرفوه حق معرفته ، ولم يقفوا عند حدوده وشرعه ، ولم يمنعهم الدين الجديد الذي انتسبوا إليه من اقتحام بلاد المسلمين ، وتكرار اعتداءاتهم عليها بعد عصر " جنكيز خان " الطاغية ، ولم تختلف سيرتهم كثيرا عن سيرة أسلافهم من المجرمين ، مما حدا بأهل العلم إلى الفتوى بكفرهم وعدم صحة إسلامهم ، وهي فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية المشهورة ، حتى إنه كان يقول :
" إذا رأيتموني من ذلك الجانب – يعني الذي فيه المغول – وعلى رأسي مصحف فاقتلوني " ، لما كان يجزم به من كفرهم وظلمهم وعدوانهم . انظر "البداية والنهاية" (14/24)(/7)
فكيف لهؤلاء أن يحملوا دعوة التوحيد والمعرفة والسلام إلى العالم ، وكيف للشعوب في بلاد آسيا أن تتبعهم على دينهم بعد أن لقوا منهم العذاب والنكال !!
( يمكن الرجوع إلى المصادر الآتية لاستكمال تفاصيل البحث : " وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولي للعالم الإسلامي " محمد ماهر حمادة ، " المغول في التاريخ من جنكيز خان إلى هولاكو خان " فؤاد الصياد ، " تاريخ المغول " عباس إقبال ، وغيرها )
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
103303
العنوان:
هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا ؟
السؤال:
نريد جوابا شافيا عن هذا الحديث : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة ، فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما كنتم . ثم خرج فاغتسل ، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم . فلما صلى قال : ( إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل ) رواه أحمد .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
رُويت هذه الحادثة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في كتب السنة ، وحاصلها أن الناس حين أتموا صفوفهم للصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم ، وقام منهم مقام المصلي بهم ، تذكَّر أنه كان جنبا ، فأشار إليهم ليبقوا في أماكنهم ، وانصرف واغتسل وأتاهم ورأسه يقطر ماء.
ولكن وقع اختلاف في الروايات :
هل كَبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكَّر أنه جنب ، أم تذكر قبل تكبيرة الإحرام ؟
ومحصل الروايات فيها على الأوجه الآتية :
1- لفظ صريح في أنه تذكر الجنابة قبل الشروع في الصلاة :
يروي هذا اللفظ عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه ، كما هو في صحيح مسلم (605) ، وهذا لفظه :
( أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ ، وَقَالَ لَنَا : مَكَانَكُمْ ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا ) .(/1)
وصالح بن كيسان عن الزهري – كما عند البخاري (639) – بلفظ : ( حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ ، انْصَرَفَ ، قَالَ : عَلَى مَكَانِكُمْ ، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً ،وَقَدْ اغْتَسَلَ ) .
2- لفظ صريح في أنه كبر ودخل في الصلاة ثم تذكر أنه جنب :
وهذا يرويه أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضى الله عنه – كما عند ابن ماجه في "السنن" (1220) والدارقطني (1/361) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/397) – ولفظه :
( خرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ ، فَمَكَثُوا ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَصَلَّى بِهِمْ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ جُنُبًا ، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ ) .
غير أن هذه الطريق فيها ضعف من قبل أسامة بن زيد الليثي ، أبو زيد المدني ، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/209) : " تركه يحيى بن سعيد بآخره ، قال أحمد : ليس بشيء . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال ابن حبان : يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب " انتهى بتصرف واختصار . ولم يرد توثيقه إلا عن يحيى بن معين ، مع أن في رواية أخرى عنه أنه قال فيه: أنكروا عليه أحاديث.
وجاء هذا اللفظ أيضا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (كَبَّرَ بِهِمْ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ انْطَلَقَ ، فَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ ، فَصَلَّى بِهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ )(/2)
رواه الطبراني في "الأوسط" (5/317) وفي "الصغير" (2/74) وقال : لم يروه عن ابن عون إلا الحسن بن عبد الرحمن تفرد به أبو الربيع الحارثي . ورواه البيهقي أيضا (2/398) ،
ولكنَّ وصلَ هذه الرواية خطأ ، والصواب : عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لدليلين اثنين :
الأول : مخالفة الثقات من أصحاب ابن عون رواية الحسن بن عبد الرحمن . فقد قال البيهقي : " ورواه إسماعيل بن علية وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وهو المحفوظ " انتهى .
الثاني : متابعة آخرين لابن عون بروايته مرسلا : قال أبو داود (233) : " وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم " انتهى .
وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1306) : " وكذلك رواه أيوب ، وهشام عن محمد ، مرسلا ، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، مسندا ، والأول أصح " انتهى .
وقد جاءت بعض الشواهد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر الجنابة بعد أن كبر ودخل في الصلاة :
1- عَنْ الحسن عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ ) .
رواه أبو داود (233) وأحمد (5/41) وابن خزيمة (3/62) وابن حبان (6/5) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/94) والطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (2/86) وفي بعض ألفاظه : ( وكبَّر )
قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/599) : " وحديث الحسن عن أبي بكرة في معنى المرسل ؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين " انتهى .(/3)
2- عن أنس بن مالك قال : ( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَتِهِ ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ : كَمَا أَنْتُمْ . فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ) .
رواه الدارقطني (1/362) والطبراني في "الأوسط" (4/92) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/399) من طريق معاذ العنبري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به .
وقد روي هذا الحديث مرسلا عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني .
3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَانْصَرَفَ ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَصَلَّى بِنَا ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي صَلَّيْتُ بِكُمْ آنِفًا وَأَنَا جُنُبٌ ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي أَوْ وَجَدَ رِزًّا فِي بَطْنِهِ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ )
رواه أحمد (1/99) والطبراني (6/272) والبزار (890) وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه ضعف. قال الطبراني في "الأوسط" (6/272) : لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ابن لهيعة .
4- عن عطاء بن يسار : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا ، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ )
رواه مالك في الموطأ (1/48/رقم 110) بسند صحيح إلى عطاء وهو من التابعين .
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/398) :
" ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أصح من رواية ابن ثوبان عنه ، إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه رواية أبي بكرة مسندة ، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلة ، وروي أيضا عن أنس بن مالك " انتهى .(/4)
والخلاصة : أنه لما اجتمعت هذه الطرق الكثيرة على الرواية التي فيها إثبات تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قبل تذكره الجنابة ، وخاصة المراسيل الصحيحة عن ابن سيرين وبكر المزني وعطاء بن يسار ، كل ذلك يدل على صحة الحادثة ووقوعها ، وأنه لا تعارض بينها وبين رواية أبي هريرة لها بأن ذلك كان قبل التكبير ، إذ يمكن تكرار الحادثة ، ووقوعها مرة هكذا ومرة هكذا ، وبهذا يمكن توجيه اختلاف الروايات .
قال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" (6/7) :
" هذان فعلان في موضعين متباينين ، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة .
وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر ، فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة . من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر " انتهى .
وقال النووي في "شرح مسلم" (5/103) :
" ويحتمل أنهما قضيتان ، وهو الأظهر " انتهى .
وليس فيه أي إشكال والحمد لله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر ، ينسى كما ينسى الناس ، وقد سهى في صلاته مرات عديدة ، ولم ينكر أحد من أهل العلم ذلك ، غير أنهم قالوا إنه معصوم عن نسيان شيء من الوحي نسيانا تاما بحيث يترتب عليه ضياعه .
ثانيا :
أما عن فقه الحديث وما يستنبط منه :
ففيه دليل على أنه إذا صلى الإمام بالناس على غير طهارة نسيانا ، فإن صلاة المأمومين لا تتأثر ، وتبقى على صحتها وإجزائها ، وأن الإمام هو الذي يؤمر بالإعادة فقط ، دون المأمومين .
وجهُ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع فاغتسل ثم جاء فكبر لصلاته ، والناس وراءه على صفوفهم وفي صلاتهم ، لم يأمرهم أن يعيدوا معه التكبير .
قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/600-602) :
" وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته ، فلم يبق إلا أحد وجهين :(/5)
أحدهما : أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام ، وكبر الناس معه .
والثاني : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام ، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي .
وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي ، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه .
قال ابن عبد البر : وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك .
وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه ، ثم علم به في أثناء صلاته – روايتان .
وروي عن الحسن ، أنهم يتمون صلاتهم .
ومذهب الشافعي : لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له إذا لم يعلم المأموم ، أنه لا إعادة على المأموم .
وهو قول ابن نافع من المالكية ، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث .
وعن مالك وأحمد : على الماموم الإعادة .
وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري- في أشهر الروايتين عنه - : يعيد المأموم وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته " انتهى باختصار .
وفي موقعنا مجموعة من الإجابات التي تبين صحة صلاة المأموم إذا تبين حدث الإمام ، وأن الإعادة إنما هي على الإمام فقط ، دون المأمومين : (27091) ، (85011) .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
103304
العنوان:
قصة الغرانيق
السؤال:
قصة الغرانيق المذكورة في تفسير سورة الحج هل ثبت منها شيء ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
أصل هذه القصة حادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة في بداية الدعوة ، أنه حين أوحيت إليه سورة النجم قرأها على جمعٍ من المسلمين والمشركين ، فلما بلغ آخرَها حيث يقول الله تعالى : ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ . فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) النجم/59-62 سجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسجد معه جميعُ مَن حضر من المسلمين والمشركين ، إلا رجلين اثنين : أمية بن خلف ، والمطلب بن وداعة .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ ) رواه البخاري (1071)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ ( وَالنَّجْمِ ) قَالَ : فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ ، إِلاَّ رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا ، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَف ) رواه البخاري (3972) وأيضا برقم (4863) ورواه مسلم (576)
ثانيا :(/1)
جاءت بعض الروايات تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وسببَ استجابتهم لأمر الله تعالى ، حاصلُها أن الشيطان ألقى في أثناء قراءته كلماتٍ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيها الثناء على آلهتهم ، وإثبات الشفاعة لها عند الله ، وهذه الكلمات هي: " تلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم .
والغرانيق : جمع غرنوق : وهو طير أبيض طويل العنق . قال ابن الأنباري : " الغرانيق : الذكور من الطير ، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق ، سمي به لبياضه ، وقيل هو الكُرْكيّ ، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من الله عز وجل ، وتشفع لهم إليه ، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء " انتهى . لسان العرب (10/286)
قالوا : فكانت هذه القصة سبب نزول قوله سبحانه وتعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحج/52
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول في "منهاج السنة النبوية" (2/243) :
" على المشهور عند السلف والخلف مِن أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله " انتهى
وبعد تتبع الآثار الواردة في هذه القصة ، تبين أن مجموع السلف الذين يُحكى عنهم هذا القول يبلغ نحو ثلاثة عشر ، وتبين أنه لم يثبت بالسند الصحيح إلا عن خمسةٍ منهم ، وهم : سعيد بن جبير ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو العالية ، وقتادة ، والزهري .
أما الباقون فلا تصح نسبته إليهم ، لما في الأسانيد إليهم من ضعف ونكارة ، وهم : ابن عباس ، وعروة بن الزبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس ، وأبو صالح ، والضحاك ، ومحمد بن فضالة ، والمطلب بن حنطب .(/2)
انظر تخريج هذه الآثار والحكم عليها في رسالة الشيخ الألباني "نصب المجانيق" (10-34)
ثانيا :
إلا أن طائفة كبيرة من المحققين من أهل العلم ، نفوا وقوع هذه القصة ، ولم يأخذوا بإثبات مَن ذكرها من السلف ، واستدلوا على ذلك بأن قالوا : مَن ذكرها مِن السلف لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكروا مصادرهم للحادثة ، فدخل الشك فيها ، وساعد عليه ما في ظاهرها من طعن في النبوة ، إذ كيف يُدخل الشيطان في الوحي كلماتِه الباطلة ، مع أن الله تعالى حفظ وحيَه من التحريف والتبديل والزيادة ، وعَصَمَه من الخطأ والزلل .
يقول القاضي عياض في "الشفا" (2/126) :
" فأما من جهة المعنى : فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ، إمَّا مِن تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر ، أو أن يتسوَّرَ عليه الشيطان ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ، ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام ، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم .
أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر - ، أو سهوا وهو معصوم من هذا كله ، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان
الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا ، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان ، أو يكون للشيطان عليه سبيل ، أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه ، وقد قال الله تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) الآية ، وقال تعالى ( إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) الآية " انتهى باختصار .(/3)
وقد عد الشيخ الألباني في رسالته "نصب المجانيق" (46-48) أسماء عشرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين في نفي صحة هذه الحادثة ، أكثرها يؤكد نفي وجود السند المتصل المرفوع بها ، ومنافاتها لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثا :
والمسألة فيها نوع اشتباه ، يصعب الجزم فيها بأمر ، ولكن يمكننا القول بأن الجزم بنفي هذه الحادثة فيه نظر ، وأن اعتبارها منافية لأصول العقيدة ومهمات الدين فيه نظر ، أيضا ، فقد صحت القصة من طريق جماعة من السلف مِن قولهم ، وهي وإن كانت مرسلة ، فكثرتها تبعث على الاطمئنان بوقوعها ، ولو كان فيها شيء مناقض لعصمة الوحي لَما نطق بها كبار أئمة التابعين كسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/439) في تخريجه لهذه القصة :
" كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ... - ثم نقل تضعيف ابن العربي والقاضي عياض القصة ثم قال - : وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد ، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا ، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح ، وهي مراسيل يَحتجُّ بمثلها مَن يحتجُّ بالمرسل ، وكذا من لا يحتج به ، لاعتضاد بعضها ببعض " انتهى .
وليس في القصة أي طعن في عصمة التبليغ والرسالة ، لأن النسخ والتصحيح جاء بوحي من الله ، وسواء كان الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم أو بإيهام الشيطان على أسماع المشركين ، فإن المآل واحد ، هو وقوع الحق وزهوق الباطل ، والإخلال بمقتضى الرسالة لا يكون إلا باستمرار الباطل واختلاطه بكلام الله تعالى ، وذلك ما لم يكن ولن يكون .
يقول شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/290) :
" وهذه العصمة الثابته للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة... فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين .
ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته ؟ هذا فيه قولان : والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك .(/4)
والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " وقالوا : إن هذا لم يثبت .
ومن علم أنه ثبت قال : هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول .
ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا ، وقالوا في قوله : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) هو حديث النفس .
وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا : هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه ، والقرآن يدل عليه بقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الحج/52-54(/5)
فقالوا : الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث ، والقرآن يوافق ذلك ، فإن نسخ الله لما يُلقي الشيطان ، وإحكامه آياته ، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته ، وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها ، وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ، إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس ، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ ، من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ ، وهذا النوع أدل على صدق الرسول وبعده عن الهوى من ذلك النوع ، فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه - وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك - فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ ، وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك ، كان أدل على اعتماده للصدق ، وقوله الحق ، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) .
ألا ترى أن الذي يُعَظِّمُ نفسَه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ ، فبيان الرسول أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان ، هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب ، وهذا هو المقصود بالرسالة ، فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب " انتهى .
والخلاصة أن إثبات أصل القصة قول متجه ، وهو أقرب إلى التحقيق العلمي إن شاء الله .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
103305
العنوان:
كيف تتوضأ يوم عرسها ، وقد وضعت المساحيق ؟
السؤال:
لقد قرأت في موقعكم أن السائل الذي ينزل من المرأة طاهر ولكن ينقض الوضوء ، سؤالي هو ماذا أفعل يوم عرسي فيجب أن أضع مساحيق التجميل قبل العشاء إن لم يكن قبل المغرب وإن امتنعت عن هذا ستغضب أمي بشدة وهي صاحبة قلب ضعيف فقد تؤذى.
الجواب:
الحمد لله
الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة ، ولكن في نقضها للوضوء خلاف ، فمن أهل العلم من يراها ناقضة للوضوء ، إلا أنه إذا كانت مستمرة ، فإنها تأخذ حكم السلس ، فتتوضأ المرأة بعد دخول وقت كل صلاة ، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل ، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات .
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن هذه الإفرازات المستمرة لا تنقض الوضوء ؛ لعدم الدليل على النقض .
والأحوط هو الوضوء ، لكن إن شق ذلك فلا حرج في تركه ؛ لأن القول بعدم النقض قول قوي .
وعليه فيمكنك الوضوء بعد أذان المغرب أو قبله ، والمحافظة عليه ، لأداء صلاة العشاء في وقتها .
على أنا بينا في جواب السؤال رقم (39494) أنه إذا شق على صاحب السلس – سواء كان من بول أو ريح أو إفرازات - أن يتوضأ لوقت كل صلاة جاز له الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فيصلي الصلاتين جمعاً بوضوء واحد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103308
العنوان:
حلف بالطلاق على أمر وقال أردت في هذا اليوم فقط
السؤال:
قال زوجي علي الطلاق إذا وديت أهلي أو جبتهم. مع العلم أنه في حالة غضب ثم ندم وقال أنا قصدي أني لن أوديهم اليوم فقط وليس باقي الأيام وفعلا لم يذهب بهم باليوم نفسه ولكن أخاف إذا وداهم أي يوم يقع الطلاق .
الجواب:
الحمد لله
قول الزوج : " علي الطلاق إذا وديت أهلي أو جبتهم " هو من الطلاق المعلق على شرط ، فإن أراد إيقاع الطلاق في حال إيصاله لأهله أو إحضارهم ، وقع الطلاق باتفاق الفقهاء .
وإن أراد التهديد والتخويف والمنع ، ولم يرد الطلاق ، فهذا محل خلاف بين الفقهاء ، والذي يفتي به جمع من أهل العلم أنه لا يقع الطلاق حينئذ ، وإنما يلزمه في حال حنثه كفارة يمين .
وينظر جواب السؤال رقم (102331) .
وعليه فإذا قال الزوج : لم أرد الطلاق ، لم يقع شيء ، سواء أوصلهم في نفس اليوم أو بعده .
وإن أراد إيقاع الطلاق ، لكن قال : أقصد في ذلك اليوم فقط ، فلا شيء عليه إذا أوصلهم بعد ذلك ، عملا بنيته ، والله سبحانه مطلع عليه .
ونوصي هذا الزوج وغيره بالبعد عن استعمال ألفاظ الطلاق ، في غضبهم ورضاهم ، لما قد يترتب عليها من انهيار الأسرة وتفككها ، والحال أنهم لا يرغبون في ذلك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103325
العنوان:
مدير القطاع يسمح لهم بالانصراف قبل ساعة من نهاية الدوام
السؤال:
أنا موظف في أحد قطاعات الدولة. وساعات العمل من (7 صباحا - 3 ظهرا ) . ومديرنا في هذا القطاع قد سمح لنا أن نبدأ العمل من (7 صباحا - 2 ظهرا ) فما حكم الجزء من الراتب الخاص بالساعة التي لا أداومها ؟ هل يجوز لي أكله ؟ أم أتصدق به ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا لم يكن أمامك عمل تقوم به في هذه الساعة ، وسمح لك المدير بالانصراف ، فلا حرج عليك . وعلى المدير أن يتقي الله تعالى ، ويجتهد في ما هو لصالح العمل ، أداء للأمانة التي اؤتمن عليها .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل موظف ، وعند انتهاء ما عنده من معاملات يغادر الدوام قبل انتهائه ، خاصة في رمضان ، فهل هذا جائز ؟
فأجاب : " لا يجوز ، والواجب عليه أن يبقى في عمله حتى ينتهي الدوام ، إلا بإذن المرجع الذي يعمل فيه ؛ لأنه قد تأتي معاملة جديدة ، وقد يحتاج إليه ، فالواجب على الموظف أن يبقى في عمله حتى ينتهي الدوام ، إلا بإذن من الدولة ، أو من المرجع المسئول عنه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وأما إذا كان العمل يحتاج إلى وجودك في هذه الساعة ، فليس لك الانصراف ، ولو أذن لك المدير .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل استأذن من مسئوله المباشر في الغياب من العمل وأذن له ، فما حكم راتبه ؟
فأجاب : "إذا استأذنت منه وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن ، يجب عليك أن تحضر ولو أذن لك بالغياب ، وأما إذا كان العمل لا يحتاج إليك وأذن لك صاحبه المباشر ، فأرجو ألا يكون في ذلك بأس " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (14/السؤال 17) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103327
العنوان:
هل يدفع للشركة مالا مقابل الساعات التي تأخرها خلال عمله؟
السؤال:
أعمل في شركة منذ ست سنوات وقد قررت ترك العمل بها ، ولا يخلو أي إنسان من التأخر عن العمل ، وكنت أتأخر من خمس دقائق إلى ساعة أربعة أيام أسبوعيا تقريبا ، مع العلم أن هذا لم يؤثر على إنتاجي . وقد أثر هذا التأخر على تقييمي بالشركة ، ولذلك كانت زياداتي في الراتب قليلة . وقد قررت أن أبرئ ذمتي وأعطي للشركة 6000 ريال ، ولكن نظام الشركة لا يسمح باسترجاع هذا المبلغ فهل أعطيه لحلقات تحفيظ القرآن الكريم ؟
الجواب:
الحمد لله
الذي يظهر من سؤالك أن إدارة الشركة كانت على علم بتأخرك وأنه تمت مجازاتك على هذا التأخر من قبل الشركة ، بتقليل زيادتك في الراتب ، فإن كان الأمر كذلك ، فإنه لا يظهر لنا أنه يلزمك التصدق بشيء من راتبك ، لأن الشركة قد استوفت حقها منك بطريق آخر وهو حرمانك من بعض الزيادات على الراتب .
أما إذا كان هذا التأخر قد تم بدون علم الشركة فإنه يلزمك أن ترد إليهم ما يقابل الوقت الذي تأخرته ، فإن تعذر هذا الرد لكون نظام الشركة لا يسمح بذلك ، فإنك تتصدق بهذا المال .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : عندما يخلّ المدرس بعمله ؛ كأن يأتي متأخرًا أحيانًا أو غالبًا ، ويخرج لحاجة أو لغير حاجة خارج المدرسة ، أو يتأخر عن الحصة ، أو لا يعطي الدرس حقه ، أو يضيعه بطريقة أو أخرى ، فهل الراتب الذي يتقاضاه نهاية كل شهر يستحقه كاملا ، أم أنه آثم ولا يستحق الراتب كاملا ؟
فأجاب: " أرى أنه - والحالة هذه - لا يستحقه كاملا ، فعليه أن يتصدق منه بما يشك فيه ، وهو ما يقابل ذلك الوقت الذي أضاعه أو فرط فيه " انتهى .
ونسأل الله أن يبارك لك في مالك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103328
العنوان:
يأخذ مرتبا شهريا من الحكومة من غير أداء العمل
السؤال:
عندنا يتم تعيين المواطنين في الأمانات ، وأنا متعين في أمانة الزراعة ، ولي ست سنوات آخذ مرتبا من الدولة وأنا لا أذهب إلى عملي ؛ لأن قسم الزراعة فيه حوالي خمسة وعشرين مكتبا ، والمتعينون في الزراعة أكثر من خمسمائة شخص ، وأكثر من ثمانين في المائة من المتعينين في كل الأمانات لا يذهبون إلى عملهم ، والدولة عالمة بهم . ولكني في مرة تحصلت على عمل تابع للزراعة ، ولكني لم أعمل ، لأن فيه نساء متبرجات ، وخفت أن أفتتن بهن ، وأنا إلى الآن آخذ مرتبي منهم ، فما حكم هذا المرتب ، هل هو حلال أو حرام ؟ وإذا كان هذا المرتب حراما فماذا أعمل ؟ وإذا كان الجواب أن أرد هذا المال للحكومة فأنا ليس لدي مال حاليا ، لأني صرفت هذا المال ، وعندي الآن بعض الأشياء التي اشتريتها بهذا المال ، مثل جهاز كمبيوتر ، فهل أبيعه وأرد هذا المال للحكومة ، أو ماذا أعمل؟ وما حكم من يأخذ هذا المرتب ولديه عمل آخر في الحكومة ، وكذلك ما حكم من لديه عمل في التجارة ، فمثلا لديه محل ويأخذ هذا المرتب ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الواجب أن يلتزم الموظف بعمله فيؤدي ما يطلب منه من غير تقصير ، ليستحق بذلك أجرَه حلالاً طيِّباً .
فإن قصر في عمله ، ولم يقم بأداء ما طلب منه : فلا يستحق الأجرة ، ولا تحل له ، وإن أخذها : فقد أكل باطلا ، وأصاب سحتاً.
قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) النساء/ 29 .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"الواجب على من وُكِلَ إليه عمل يتقاضى في مقابله راتباً : أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب ، فإن أَخَلَّ بذلك من غير عذر شرعي : لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب ؛ لأنه يأخذه في غير مقابل " انتهى.(/1)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 153 ) .
وقالوا أيضاً :
"الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجَر عليه هو : أداؤه على الوجه المطلوب ، والمتفق عليه في العقد ، أو النظام الوظيفي ، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء/ 58 " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 155 ، 156 ) .
ثانياً :
ما تذكره من قعودك في بيتك وعدم مباشرتك العمل : فلا حرج عليك منه إذا كان بعلم المسئولين واطلاعهم – كما ذكرت - ، وأنت معذور في ذلك لعدم توفير أصحاب الشأن مكاناً تباشر العمل فيه ، ويكفي أنك تفرغت واستعددت للقيام بالعمل في أي وقت يطلبونك فيه ، ومقابل هذا الاستعداد تستحق الأجرة ، وليكن سعيك صادقاً ، حريصاً على أداء العمل إن وفروا لك الفرصة ، ودليل صدقك أن تذهب إلى مكان العمل بين الحين والآخر للاطلاع والمساعدة وتقديم ما يمكنك تقديمه .
أما ما ذكرت من وجود نساء متبرجات معك في العمل وأنك لا تذهب بسبب ذلك ، فعليك أن تحاول الانتقال من هذا المكان إلى مكان آخر ليس فيه اختلاط محرم .
ثم إن كان غيابك عن العمل بعلم المسئولين ورضاهم فلا حرج عليك في الراتب الذي تأخذه ، ولا يلزمك رده إلى الحكومة ولا التصدق به ، ونسأل الله تعالى أن يبارك لك في مالك .
ثالثاًَ :
أما عن حكم الجمع بين وظيفة الحكومة وعمل آخر - سواء كان تجارةً أو وظيفةً خاصةً - ، فالأصل أنه لا حرج فيه ، وليس لأحد أن يمنع غيره من العمل ما دام لم يقصر في وظيفته معه .
وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله :(/2)
هل يجوز للعامل أن يعمل في يوم الجمعة مثلا ، أو في الليل ، بعد أن انتهى من عمله مع كفيله ؟ أم أن العقد يلزمه بعدم العمل ؟
فأجاب :
"لا مانع من عمله عند فراغه في الليل أو آخر كل نهار أو يوم الجمعة ، بشرط أن لا يرهق نفسه إرهاقاً يُعجزه عن العمل اللازم له عند كفيله ، أو يسبب له مللا يُقلل من إنتاجه ، فإذا لم يكن كذلك : جاز أن يعمل ويتكسب ، وله كسبه ، ولا يحق للكفيل أن يمنعه من ذلك ، كما لا يمنع الموظف الحكومي من العمل في منزله في بناء ، أو سقي ، أو حرث ، أو إصلاح ، أو شغل يدوي ، أو شراء حاجة ، أو حمل أو تنزيل ، ويملك ما ينتجه من ذلك ؛ لأنه تحصيله الذي حصل عليه من كد يمينه " انتهى .
نقلا عن "فتاوى علماء البلد الحرام" ( ص 377 ) طبعة دار ابن الهيثم المصرية .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103329
العنوان:
هل هذا التصرف يدل على أنه من المكارمة أو الإسماعيلية
السؤال:
مديرنا في القطاع من منطقة يعيش فيها إسماعيلية ، وأسمع من بعض المراجعين لنا بأنه ( مكرمي ) وليس ( سني ) . لكن الذي أجزم به يقينا أنه يقيم صلاته بالصفة التالية ( إذا كانوا مجموعة من المصلين يؤدي كل منهم صلاته بمفرده ) فهل هذا دليل كاف على أن نصفهم بأنهم ( غير مسلمين ) ؟؟ وهل يجوز إلقاء السلام عليه ؟؟ علما بأنه يلقي علينا السلام ؟؟
الجواب:
الحمد لله
الأصل إحسان الظن بالمسلم وحمله على السلامة ، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا ببينة ، وما ذكرته من صلاته منفردا لا يكفي للحكم عليه بأنه من المكارمة أو الإسماعيلية ، مع العلم أن هناك من ينتسب إلى هذه الفرقة اسما ، وهو غير عالم بحقيقة مذهبهم ، وهذا كثير فيهم ، وينبغي أن يكون انشغالك بالدعوة والنصيحة فوق انشغالك بإطلاق الأحكام ، ولهذا نقول : توجه بالنصيحة لهذا المدير ليصلي مع الجماعة ، فإن صلاة الجماعة واجبة في أصح قول العلماء ، وإن بدا في كلامه ما يدل على مخالفته لأهل السنة ، فلتكن دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويمكنك الاستفادة مما كتب عن الإسماعيلية وعقائدها ، في بعض المواقع المتخصصة ، وينظر للفائدة : سؤال رقم (7974 ) ، ورقم (82287) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لي جار من الطائفة الإسماعيلية يسلم عليَّ فهل لي أن أرد عليه السلام، وهل لي أن أسلم عليه أيضاً؟(/1)
فأجاب : نعم رد عليه السلام، عاملوهم بما يعاملونكم به، وادعوهم إلى الله عز وجل؛ لأن الإنسان مسئول عن الدعوة إلى الله عز وجل، والجار أحق بالدعوة إلى الله ، فأنت ادعه إلى الله، إما أن تطلبه يزورك ، أو تزوره أنت ، وتدعوه إلى الله عز وجل ، وتبين له الحق ، والإنسان بفطرته مجبول على الحق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) " انتهى من "لقاء الباب الباب المفتوح" (189/18).
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103331
العنوان:
عقد نكاحها وكيل الأب وهو لا يصلي
السؤال:
لعدم استطاعة أبي أن يحضر عقد قراني ويكون وكيلي فقد طلب مني أن أوكل ثاني أكبر أعمامي لأن أكبر أعمامي مسافر، وتم عقد القران على هذا الأساس في المسجد ومع توافر جميع شروط العقد من إيجاب وقبول وولي وشاهدين وإشهار، ولكن ما يؤرقني هو أن عمي (من كان وكيلي) لا يصلي ( هو مسلم يصلي الجمعة وفي رمضان ويصوم رمضان، زوجته محجبة وتصلي، ولكنه يقول نعم أنا لا أصلي ولكني خَيِّر ، ولكن هناك من يصلي ويرتكب الذنوب) وسؤالي هل يؤثر هذا على صحة الزواج وكل ما يترتب عليه من دخول ومعاشرة زوجية وحياة كاملة مع هذا الزوج. ذلك لأن هناك من يفتي بأنه من لا يصلي يخرج من الدين الإسلامي ومن أحد شروط الوكيل الإسلام .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يعقد النكاح إلا الولي أو من ينوب عنه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "(لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع 2709
فالمرأة لا تعقد لنفسها ، ولا توكل أحدا ليعقد لها ، عند جمهور العلماء ، وإنما يعقد النكاح الولي أو من يوكله الولي .
وقول العاقد في بعض البلدان : زوجتك موكلتي ، يعني المرأة ، هذا مبني على مذهب الحنفية الذين يجوزون للمرأة أن تعقد لنفسها ولا يشترطون الولي ، وهذا خلاف ما عليه جمهور العلماء ، مع مخالفته للأحاديث المتقدمة ، ففي الصورة المسئول عنها ، هذا العم كان وكيلا للولي (الذي هو الأب) وليس وكيلاً للزوجة .
ثانيا :(/1)
تارك الصلاة الجاحد لها كافر بإجماع العلماء ، وأما من تركها تكاسلا وتهاونا ، فقد اختلف العلماء في كفره ، والراجح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أنه كافر.
وعلى هذا فمن ترك الصلاة لم يجز أن يكون وليا ًلمسلمة في عقد نكاحها .
والذي لا يصلي إلا في الجمعة ورمضان يعتبر تاركا للصلاة ، وهو كافر على القول الراجح ، كما سبق ، وينظر جواب السؤال (2182) و (5208) .
ودعواه أنه خير ممن بعض المصلين ، لا تفيده شيئا بعد وقوعه في الكفر ، وأي ذنب أعظم من الكفر ، وما الذي يمنعه من الصلاة وهي ركن الإسلام وعموده ، والفارق بين المسلم والكافر ؟!
قال ابن قدامة رحمه الله : " أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال ، بإجماع أهل العلم ، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/377).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا كان لا يصلي لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته ، وإذا عقد النكاح صار العقد فاسداً ؛ لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلماًَ " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وأما من يوكله الولي (الأب) لعقد النكاح فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يشترط فيه الإسلام ، وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط فيه ذلك ، لأنه إنما هو مجرد وكيل عن الولي ، وليس هو الولي .
قال الإمام الشافعي في "الأم" (5/21) :
"وَيَجُوزُ وَكَالَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي النِّكَاحِ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ امْرَأَةً وَلَا كَافِرًا بِتَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ ، لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ لَا يَكُونُ وَلِيًّا بِحَالٍ" انتهى .
وقال ابن قدامة :(/2)
"وَمَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ لِنَفْسِهِ , لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ , كَالْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ , وَالْكَافِرِ فِي تَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ , وَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا" انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (7/133):
"لا يصح أن يوكل مسلم كافرا في عقد النكاح له من مسلمة عند الشافعية والحنابلة ; لأن الذمي (الكافر) لا يملك عقد هذا النكاح لنفسه فلا يجوز وكالته . وقال الحنفية والمالكية : تصح هذه الوكالة ; لأن الشرط لصحة الوكالة : أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به , وأن يكون الوكيل عاقلا , مسلما كان أو غير مسلم" انتهى .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن رجل وكل ذميا في قبول نكاح امرأة مسلمة , هل يصح النكاح ؟ فأجاب : "الحمد لله رب العالمين . هذه المسألة فيها نزاع ، فإن الوكيل في قبول النكاح لا بد أن يكون ممن يصح منه قبوله النكاح لنفسه في الجملة , فلو وكل امرأة , أو مجنونا , أو صبيا غير مميز لم يجز . . .
وأما توكيل الذمي في قبول النكاح له , ففيه خلاف بين العلماء , ومن قال إنه جائز , قال إن الملك في النكاح يحصل للزوج لا للوكيل باتفاق العلماء . . . فتوكيل الذمي بمنزلة توكيله في تزويج المرأة بعض محارمها , كخالها ، فإنه يجوز توكيله في قبول نكاحها للموكل , وإن كان لا يجوز له تزوجها . كذلك الذمي إذا توكل في نكاح مسلم , وإن كان لا يجوز له تزويج المسلمة , لكن الأحوط أن لا يفعل ذلك لما فيه من النزاع . . . ولكن لا يظهر مع ذلك أن العقد باطل , فإنه ليس على بطلانه دليل شرعي " انتهى باختصار وتصرف.
"الفتاوى الكبرى" (3/123) .(/3)
وعلى هذا ؛ فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أن النكاح صحيح ، لأن الأدلة تدل على اشتراط أن يكون ولي المسلمة في النكاح مسلماً ، أما من يكون وكيلاً عن الولي ، فلم يقم دليل واضح على اشتراط أن يكون مسلماً .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
103335
العنوان:
حكم دراسة الهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان
السؤال:
هل في دراسة الهندسة الوراثية الخاصة والمتعلقة بالإنسان حرج ؟
الجواب:
الحمد لله
الهندسة الوراثية مصطلح يطلق على التقنية التي تغير المورّثات (الجينات) الموجودة داخل جسم الكائن الحي ، وتحتوي خلايا كل الكائنات الحية على مجموعة من هذه المورثات التي تحمل معلومات كيميائية تحدد خصائص وصفات هذا الكائن . "الموسوعة العربية العالمية".
والهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان ، منها ما هو نافع مشروع ، كاستخدامها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه ، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تدخل جينًا في خلايا مريض ، وكذلك إيداع جين في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من إفراز هذا الجين ، لاستعماله دواء لبعض الأمراض .
ومنها هو ضار أو ممنوع ، كاستخدامها لتبديل البنية الجينية في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية ، أو محاولة العبث الجيني بشخصية الإنسان ، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية ، أو استعمالها في تخليق كائنات مختلطة الخلقة ، بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي .
وقد جاء هذا مبينا في ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت بعنوان : " الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني - رؤية إسلامية " وذلك بمشاركة مجمع الفقه الإسلامي بجدة ، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية ، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ، وذلك في الفترة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ الذي يوافق 13 - 15 من شهر تشرين الأول - أكتوبر 1998م ، وقد أسهم في أعمال الندوة جمع من كبار الفقهاء والأطباء والصيادلة ، واختصاصيي العلوم البيولوجية وعلماء من علوم إنسانية أخرى.
ومما جاء فيها من التوصيات :
" ثالثًا - الهندسة الوراثية :(/1)
تدارست الندوة موضوع الهندسة الوراثية ، وما اكتنفها منذ ميلادها في السبعينيات من هذا القرن من مخاوف مرتقبة إن دخلت حيز التنفيذ بلا ضوابط ، فإنها سلاح ذو حدين قابل للاستعمال في الخير أو في الشر.
ورأت الندوة جواز استعمالها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه ، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تولج جينًا في خلايا مريض ، وكذلك إيداع جين في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من إفراز هذا الجين ؛ لاستعماله دواء لبعض الأمراض ، مع منع استخدام الهندسة الوراثية على الخلايا الجنسية ، لما فيه من محاذير شرعية .
وتؤكد الندوة على ضرورة أن تتولى الدول توفير مثل هذه الخدمات لرعاياها المحتاجين لها من ذوي الدخول المتواضعة ، نظرًا لارتفاع تكاليف إنتاجها.
وترى الندوة أنه لا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الشريرة والعدوانية ، أو في تخطي الحاجز الجيني بين أجناس مختلفة من المخلوقات ، قصد تخليق كائنات مختلطة الخلقة ، بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي .
كذلك ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية كسياسة لتبديل البنية الجينية في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية ، وأي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان ، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا...(/2)
ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًّا باستخدام الهندسة الوراثية في حقل الزراعة ، وتربية الحيوان ، ولكن الندوة لا تهمل الأصوات التي حذرت مؤخرًا من احتمالات حدوث أضرار على المدى البعيد تضر بالإنسان أو الحيوان أو الزرع أو البيئة ، وترى أن على الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني أو النباتي ، أن تبين للجمهور ما يُعرض للبيع مما هو محضر بالهندسة الوراثية ليتم الشراء على بينة ، كما توصي الندوة باليقظة العلمية التامة في رصد تلك النتائج ، والأخذ بتوصيات وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية ، ومنظمة الصحة العالمية ، ومنظمة الأغذية العالمية في هذا الخصوص.
وتوصي الندوة بضرورة إنشاء مؤسسات لحماية المستهلك وتوعيته في الدول الإسلامية ".
وجاء في التوصيات أيضا :
" الثاني عشر - ينبغي على علماء الأمة الإسلامية نشر مؤلفات لتبسيط المعلومات العلمية عن الوراثة والهندسة الوراثية لنشر الوعي وتدعيمه عن هذا الموضوع .
الثالث عشر - ينبغي على الدول الإسلامية إدخال الهندسة الوراثية ضمن برامج التعليم في مراحله المختلفة ، مع زيادة الاهتمام بهذه المواضيع بالدراسات الجامعية ، والدراسات العليا "
انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" عدد 11 مجلد 3 صفحة 533
وبناء على ذلك فلا حرج من دراسة الهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان ، واستعمالها في النافع المباح فقط .
وانظر : سؤال رقم (21582) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103339
العنوان:
هل يلزم أهل كل بلد بمذهب فقهي معين ؟
السؤال:
هل ملزم كل بلد بتتبع مذهب خاص به ، ومحاولة تعليمه للآخرين دون ذكر جميع المذاهب ، مثلا ذكر حكم خاص بأمر شرعي قاله أحده المذاهب دون الآخرين . وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
الناس في البلاد – من حيث الاجتهاد والتقليد - على قسمين اثنين :
الأول : علماء مجتهدون في الشريعة ، بلغوا من العلم والمعرفة حدًّا ملكوا به أدوات الاجتهاد والاستنباط ، فهؤلاء فرضهم اتباع الحق الذي يرونه بدليله .
والقسم الثاني - وهو السواد الأعظم من الناس - : من لم يتخصص بدراسة العلوم الشرعية أو لم يبلغ فيها درجة الاجتهاد وأهلية الفتوى : من عامة الناس أو المثقفين والمتخصصين في العلوم الأخرى .
فهؤلاء فرضهم – الشرعي والطبيعي – سؤال أهل العلم ، والأخذ عنهم ، نجد ذلك في قول الله سبحانه وتعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43
إذا فأهل كل بلد ملزمون بسؤال أهل العلم واتباع فتاواهم ، ولكنها ليست تبعية مطلقة تضفي على المتبوع صفة العصمة والقداسة وحق التشريع والتصرف في دين الله – كما وقع في ذلك اليهود والنصارى والرافضة وغلاة الصوفية والباطنية – فإن ذلك خروج عن الدين ، واتخاذ للأنداد والشركاء والأرباب من دون الله ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31
وإنما المقصود من لزوم اتباع فتاوى العلماء هو الوصول إلى تعلم الحكم الشرعي من طريق المتخصصين الذين درسوا قواعد الشريعة وأصولها وبلغوا الأهلية فيها بالعلم المبني على الدليل ، وليس بالقداسة الممنوحة باسم الرب أو باسم الولاية ونحو ذلك من الأباطيل .(/1)
يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20/211) :
" الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان صِدِّيق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول : أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم . واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كل أحدٍ مِن الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
ثانيا :
يبقى السؤال في تعيين أهل العلم أو المرجعية العلمية التي ينبغي الاعتماد عليها :
فيمكن القول بأن هناك مرجعيتين ينبغي الرجوع إليهما على مستوى الأمة والأفراد ، وهي :
1- المرجعية المعاصرة : المتمثلة في المجامع الفقهية واللجان الشرعية التي يقوم عليها أهل العلم والديانة والأمانة ، وكذلك أفراد العلماء وأصحاب الكفاءات من المتخصصين في العلوم الشرعية : فهؤلاء لهم حظ وافر من لزوم أخذ الناس عنهم والاستفادة من توجيهاتهم ، خاصة في أمور الناس الحياتية اليومية ، وفي النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة ، وأيضا في المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر والاجتهاد فيها في ضوء الأدلة الشرعية والعقلية التي تراعي المصالح وتدرء المفاسد ، وترفع الحرج وتجتنب المشقة والضرر ، إذا كان تقليد أحد المذاهب الأربعة فيها يسبب الحرج والضيق ، فالشريعة مبنية على التيسير ، وليس فيها عنت ولا حرج .(/2)
2- المرجعية التراثية : المتمثلة في المذاهب الأربعة المشهورة : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، وهذه المرجعية لها الحظ الأكبر والنصيب الأوفر من لزوم اتباع الناس لها والأخذ بما فيها : فإن القوانين التي يتواضع الناس في الرجوع إليها وتحكيمها ، ومناهج التعليم التي تقرر على طلبة العلم في حلق المساجد والمدارس ، ومراتب التنشئة العلمية التي يتدرج فيها المتخصصون في علوم الفقه والشريعة ، والتراث الذي ينبغي أن يستقر في أذهان العوام ويشكل ثقافتهم الفقهية ، والمنهل الذي يؤوب إليه كل من لا يجد الفرصة من المجتهدين لدراسة المسائل الكثيرة والوصول إلى نتيجة فيها ، والانضباط الذي يحسم الشقاق والنزاع في المجتمع ، ويسد على الأهواء والآراء الشاذة الأبواب ، كل ذلك يمنح هذه المرجعية المتمثلة في المذاهب الأربعة المساحة الأرحب في لزوم التقليد وضرورة الاتباع .
يقول الحافظ ابن رجب في رسالة له اسمها "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/624) – مطبوعة ضمن مجموع رسائله - :
" فاقتضت حكمة الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه : بأن نصب للناس أئمة مجتمعاً على علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى ، من أهل الرأي والحديث ، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم ، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم ، وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم ، حتى ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله وقواعده وفصوله ، حتى ترد إلى ذلك الأحكام ويضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام .
وكان ذلك من لطف الله بعباده المؤمنين ، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين .
ولولا ذلك لرأى الناس العجاب مِن كل أحمق متكلف معجبٍ برأيه جريء على الناس وثَّاب .
فيدعي هذا أنه إمام الأئمة ، ويدعي هذا أنه هادي الأمة ، وأنه هو الذي ينبغي الرجوع دون الناس إليه ، والتعويل دون الخلق عليه .(/3)
ولكن بحمد الله ومنته انسد هذا الباب الذي خطره عظيم وأمره جسيم ، وانحسرت هذه المفاسد العظيمة ، وكان ذلك من لطف الله تعالى لعباده ، وجميل عوائده وعواطفه الحميمة .
ومع هذا فلم يزل يظهر من يدعي بلوغ درجة الاجتهاد ، ويتكلم في العلم من غير تقليدٍ لأحد من هؤلاء الأئمة ولا انقياد .
فمنهم من يسوغ له ذلك لظهور صدقه فيما ادعاه ، ومنهم من رد عليه قوله وكذب في دعواه ، وأما سائر الناس ممن لم يصل إلى هذه الدرجة ، فلا يسعه إلا تقليد أولئك الأئمة ، والدخول فيما دخل فيه سائر الأمة " انتهى .
ويقول أيضا (2/628) :
" فإن قيل : فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم ، وقول الإمام أحمد : لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان ، وتعلم كما تعلمنا . وهذا كثير موجود في كلامهم ؟
قيل : لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة ، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة ، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم ، ومعرفة صحة ذلك من سقمه ، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه ، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره .
فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته - كما أشار إليه الإمام أحمد - فقد صار علمه قريباً من علم أحمد ، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه ، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية ، ولا ارتقى إلى هذه النهاية ، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير ، كما هو حال أهل هذا الزمان ، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان ، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات ، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات " انتهى .(/4)
والناظر في تاريخ الفقه والتشريع يجد أنه قد بني في جميع مراحله على مجموعة من أهل العلم الذين اشتهر في الناس علمهم ، وذاع في الآفاق فضلهم وورعهم ، يأخذون عنهم أحكام الدين ، ويرجعون في الغالب إلى تقريرهم وفتاواهم .
يقول ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/17) :
" والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت ، وأصحاب عبد الله بن عمر ، وأصحاب عبد الله بن عباس ، فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة ، فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس ، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود " انتهى .
وقال العلامة المحقق أحمد باشا تيمور رحمه الله في " المذاهب الفقهية الأربعة " (16-17) :
" وكانت الفتيا ـ قبل حدوث هذه المذاهب تؤخذ في عصر الصحابة والتابعين عن القراء منهم ، وهم الحاملون لكتاب الله العارفون بدلائله ؛ فلما انقضى عصرهم ، وخلف من بعدهم التابعون ، اتبع أهل كل مصرٍ فتيا من كان عندهم من الصحابة ، لا يعتدونها إلا في اليسير مما بلغهم عن غيرهم ؛ فاتبع أهل المدينة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمر ، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود ، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس ، وأهل مصر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص .
وأتى بعد التابعين فقهاء الأمصار ، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن ذكرناهم ، وممن لم نذكرهم ، فاتبع أهل كل مصر مذهب فقيه في الأكثر ، ثم قضت أسباب بانتشار بعض هذه المذاهب في غير أمصارها ، وبانقراض بعضها .. " انتهى .(/5)
ولا يعني ذلك التعصب إلى واحد من المذاهب والأقوال ، بحيث نوجب على الناس اتباعه حرفيا دون اجتهاد ولا تصويب ولا تعديل ، بل المقصود أن المدرسة الفقهية التي ينبغي أن يتخرج الناس وطلبة العلم والعلماء عليها ينبغي أن تكون مأخوذة عن واحد من المذاهب الأربعة ، ثم إن تبين – لمن لديه أهلية الاجتهاد – خطأ المذهب في مسألة معينة ترك تلك الفتوى ، وأخذ بما يراه صوابا من المذاهب الأخرى .
وبهذا يحتفظ الناس بالسبيل العلمي الذي سار عليه السلف والأئمة ، ويتخلصوا من بعض السلبيات التي أنتجها الجهل والتعصب .
جاء في "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/10 ش2) :
" التمذهب بمذهب من المذاهب الأَربعة سائغ ، بل هو كالإجماع ، ولا محذور فيه ، كالانتساب إِلى أَحد الأَربعة ، فإِنهم أَئمة بالإِجماع .
والناس في هذا طرفان ووسط :
قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقًا : وهذا غلط .
وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث .
وقوم رأَوا أَن التمذهب سائغ لا محذور فيه ، فما رجح الدليل مع أَي أَحد من الأَربعة أَو غيرهم أَخذوا به ، فالذي فيه نص أَو ظاهر لا يلتفت فيه إِلى مذهب ، والذي لا من هذا ولا من هذا وكان لهم فيه كلام ورأَى الدليل مع مخالفهم أَخذ به " انتهى بتصرف يسير .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/28) :
" ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة ، واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟
الجواب : ..
- القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ، ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد أن الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه ..
- من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم اطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان ...(/6)
- يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأئهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى باختصار ، وتصرف يسير .
وجاء فيها أيضا (5/54-55) :
" وكل هؤلاء كانوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من أفضل أهل زمانهم رضي الله عنهم ، وقد اجتهدوا في أخذ الأحكام من القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وما أجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، وبينوا للناس الحق ، ونقلت إلينا أقوالهم ، وانتشرت بين المسلمين في جميع بلادهم ، وتبعهم كثير ممن جاء بعدهم من العلماء لثقتهم بهم ، وائتمانهم إياهم على دينهم ، وموافقتهم لهم في الأصول التي اعتمدوها ، ونشروا أقوالهم بين الناس ، ومن قلدهم من الأميين وعمل بما عرفه من أقوالهم نسب لمن قلده ، وعليه مع ذلك أن يسأل من يثق به من علماء عصره ، ويتعاون معه على فهم الحق من دليله .
ومما تقدم يتبين أنهم أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس الرسول تابعا لهم ، بل ما جاء به عن الله من شريعة الإسلام هو الأصل الذي يرجع إليه هؤلاء الأئمة وغيرهم من العلماء رضي الله عنهم ، وكل مسلم يسمى حنيفيا لاتباعه الحنيفية السمحة التي هي ملة إبراهيم وملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وانظر في موقعنا : (5523) ، (5459) ، (23280) ، (26269) .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
103342
العنوان:
هل يعذر بترك الجماعة في أوقات الامتحانات؟
السؤال:
هل على الطالب في فترة الامتحانات ترك صلاة الجماعة ؟ وما توجيهاتكم ونصائحكم لمن يقوم بذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين ، على الصحيح من قولي العلماء ؛ لأدلة كثيرة ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
ولا فرق بين أن يكون الطالب في فترة الامتحانات أو غيرها ، فإذا كان يسمع النداء للصلاة وجبت عليه الجماعة حيث ينادى بها .
لكن إن أقيمت الصلاة وهو في غرفة الامتحان ، لم ينته بعد ، فهو معذور بترك الجماعة ، وهذا من جنس ما ذكره الفقهاء من الأعذار المبيحة لترك الجماعة ؛ إذ يترتب على الخروج من الامتحان رسوبه أو نقص درجته ، وفي هذا حرج ظاهر .
قال في "كشاف القناع" (1/496) : " ويعذر في ترك الجمعة والجماعة من يدافع الأخبثين البول والغائط ... أو خائف من ضرر في ماله ، أو في معيشة يحتاجها , أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه , يخاف إن تركه فسد ، أو كان مستحفَظا على شيء يخاف عليه الضياع إن ذهب وتركه , كناطور بستان (الحارس) ونحوه ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق " انتهى بتصرف .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أنا طالب في المدرسة في سن العشرين أدرس في خارج بلدي التي نشأت فيها والدراسة تنتهي بعد صلاة الظهر بنصف ساعة ، هل يجوز لي أن أتأخر عن الصلاة أو عن صلاة الجماعة وأنا في المدرسة؟(/1)
فأجاب : " صلاة الجماعة واجبة على الإنسان إلا إذا تضرر في معيشةٍ يحتاجها أو نحو ذلك ، فإذا كان يلحقه ضرر في مفارقة الفصل لصلاة الجماعة فلا حرج عليه أن يبقى في الفصل ، وإذا كان لا يلحقه ضرر وجب عليه أن يصلي مع الجماعة ، ثم إذا كان يمكن أن يصلي هو وزملاؤه بعد انتهاء الدرس جماعةً فهذا أسهل وأهون ؛ لأن كثيراً من أهل العلم يقولون : إن الجماعة لا يجب فعلها في المساجد ، مع أن القول الراجح أن الجماعة يجب أن تصلى في المساجد المعدة لها ، كما هي عادة السلف الصالح من الصحابة والتابعين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينبغي للقائمين على الامتحانات أن يراعوا أوقات الصلوات عند اختيار وقت الامتحان .
والمؤسف أن منهم من لا يبالي بذلك ، فيجعل وقت الامتحان مستغرقا لوقت الصلاة ، وأقبح منه من يجعل وقت الامتحان أثناء صلاة الجمعة ، نسأل الله العافية .
وأما ترك صلاة الجماعة في وقت الاستعداد للامتحانات ، بحجة التفرغ ، فمنكر ظاهر ، وقد يكون سببا من أسباب عدم التوفيق ، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما هي الأعذار الشرعية لترك صلاة الجماعة ، وهل يجوز لطالب دراسي اقترب موعد امتحانه وخاف لضيق وقته ولكي لا يتشتت ذهنه ، ويربط المواضيع الدراسية أن لا يلتزم بالجماعة في الصلوات الخمس المفروضة ؟(/2)
فأجابوا : "من الأعذار التي تبيح للرجل التخلف عن صلاة الجماعة بالمسجد : المرض الشديد الذي يشق معه الذهاب إلى المسجد ، وخوفه إذا صلى بالمسجد أن يقتله من يترصد له في طريقه إلى المسجد أو في المسجد أو يقبض عليه ويسجنه ظلما وعدوانا ، وتمريضه لشخص لو تركه ليصلي جماعة هلك أو أصابه حرح ، وأمثال ذلك ، وليس من الأعذار ضيق وقت الطالب بصلاة الجماعة وخوفه من تشتت فكره وعدم تمكنه من المذاكرة وربط المعلومات الدراسية بعضها ببعض ، فالوقت واسع وزمن الدراسة شهور ، وزمن أداء الصلوات الخمس في جماعة بالمسجد قصير بالنسبة لتلك الشهور ، وضيق الوقت إنما هو من تفريطه في أداء الواجب في وقته وتأخيره لقرب الاختبار ، لا من أداء واجب الصلاة في جماعة ، وأداء الصلاة في جماعة بالمسجد من أعظم وأعلى أنواع تقوى الله ، وقد قال تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/39) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103343
العنوان:
هل يجوز أن يعرض على موظف ترك عمله ليعمل معه براتب أكبر؟
السؤال:
وجدت شخصاً متقنا لعمله يعمل لدى شركة وهو مستقر في عمله هذا ، فهل يجوز لي أن أعرض عليه العمل لدى شركتي وذلك بأن أعرض عليه مرتباً أكثر من مرتبه في الشركة التي يعمل بها الآن، فهل هذا من البيع على بيع أخي المسلم ؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (2139) ومسلم (1412) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ) .
وهذا الحديث يدل على تحريم بيع المسلم على بيع أخيه ، ويدخل في ذلك الإجارة ، لأنها بيع للمنافع ، ولوجود علة التحريم ، وهي حصول العداوة والبغضاء .
فلا يجوز للإنسان أن يؤجر على إجارة أخيه ، مثل أن يأتي لعامل مستأجر بـ 100 ، فيقول: تعمل عندي بـ 150 مثلا .
فليس للمسلم أن يبيع على بيع أخيه أو يؤجر على إجارة أخيه ؛ لأن هذا قد يدعو إلى الندم ، ويوغر الصدر ، وربما حمل الإنسان على طلب الحيلة لفسخ العقد مع الشركة التي يعمل بها ، ويكون سببا لحصول العداوة والبغضاء والمنازعات بين المسلمين ، وفيه اعتداء على الشركة التي يعمل بها هذا الموظف .
ومن كلام أهل العلم في إلحاق الإجارة بالبيع :
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومما هو كالبيع بطريق الأولى : إجارته على إجارة أخيه , مثل أن يكون الرجل مستقلا في داره حانوت (دكان), وأهله قد ركنوا إلى أن يؤجروه السنة الثانية فيجيء الرجل فيستأجر على إجارته , فإن ضرره بذلك أشد من ضرر البيع غالبا , وأقبح منه أن يكون متوليا ولاية أو منزلا في مكان يأوي إليه أو يرتزق منه , فيطلب آخر مكانه والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/313).
2- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لو استأجر على استئجار أخيه فما الحكم ؟(/1)
الجواب : الحكم واحد (يعني : حرام كالبيع )؛ لأن الإجارة بيع منافع " انتهى من "الشرح الممتع" (8/206).
والمسألة لا تخلو من أربعة أحوال :
الأول : أن يكون عقد الإجارة الأول مع الشركة التي يعمل بها قائما ، فيعرض عليه الآخر أن يفسخ عقده مع الشركة ليعمل عند الثاني ، وهذا محرم .
الثاني : أن يكون العقد قائما ، لكن يُعلم من حال العامل أنه غير راغب في عمله ، وأنه يبحث عن غيره بعد انتهاء مدة العقد ، أو أن الشركة لن تجدد له عقد العمل بعد انتهاء مدته ، فلا حرج حينئذ في عرض العمل عليه ليلتحق به مستقبلا بعد انتهاء عقده مع الشركة التي يعمل بها .
الثالث : أن ينتهي عقد الإجارة ، لكن يركن الطرفان (الموظف والشركة) إلى تجديده ، فلا تجوز الإجارة على هذه الإجارة أيضا .
الرابع : أن ينتهي عقد الإجارة ، ولا يحصل اتفاق أو ركون من الطرفين على تجديده ، فلا حرج حينئذ في الإجارة الثانية .
وما قيل هنا في استئجار العامل ، ينطبق على استئجار البيوت والمحلات وغيرها .
وبناء على ذلك ؛ فإن كان الشخص الذي تريد جلبه للعمل معك ، مستقرا في عمله ، والشركة راكنة إلى بقائه وتجديد عقده ، فلا يجوز أن تعرض عليه العمل معك بعد انتهاء عقده .
وإذا كان هو الذي يبحث عن عمل آخر أو أن الشركة لن تجدد له العقد فلا حرج عليك من أن تعرض عليه أن يعمل عندك بعد انتهاء عقده مع الشركة.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103345
العنوان:
حكم تغطية الحاجب بمادة ثم رسم الحاجب بالكحل
السؤال:
هناك طريقة للحواجب وهي أن تضع مادة على حاجبها بحيث تختفي الحواجب ثم ترسمها بالكحل وذلك لمناسبة فهل هذا جائز؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في ذلك ؛ لأن الأصل الإباحة ، ما لم يكن تدليساً على خاطب ، فلا يجوز .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم صبغ شعر الحاجبين بلون يقارب لون البشرة؟ فأجاب : " لا بأس به , لأن الأصل في هذه الأمور الإباحة إلا بدليل يقتضي التحريم أو الكراهة من الكتاب أو السنة " انتهى من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة العدد (1741) 7/2/1421هـ ص/ 36.
ولا فرق بين صبغه أو تغطيته بمادة ثم رسمه بالكحل ، فالكل يجري على الأصل ، وهو الإباحة ، حتى يقوم الدليل على التحريم ، والمحرم في شأن الحواجب هو النمص ، وهذا ليس منه .
ولكن .. يجب التنبه إلى أن هذه المادة التي توضع على الحواجب إذا كانت تمنع وصول الماء إلى الحاجب فإن الوضوء لا يصح حتى تزال .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103346
العنوان:
طلبت من زوجها أن يطلقها على سبيل المزح
السؤال:
سأحكي مسألتي باختصار وأريد فتوى سريعه ان سمحتم كنت جالسا أنا وزوجتي وكنا نمزح في بعض الأمور ، ثم قالت زوجتي طلقني بمزاح !! فقلت لها لامزاح في هذه الأمور ، فقالت : طلقني ـ مره أخرى ـ فقلت لها ـ وأنا غاضب ـ : والله العظيم إن كررتِ ذلك طلقتك ، أو : أنتِ طالق ، كنت غاضبا ولم أركز ماقلت ؛ هل أنا قلت أنت طالق أو سوف أطلقك ، ولكن متأكد أنني أقسمت ؛ فماحكم ذلك ؛ هل تعتبر طالق ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا مجال للهزل واللعب في الطلاق ، فإن طلاق الهازل يقع عند جمهور العلماء ، وذلك لما روى أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلاقُ ، وَالرَّجْعَةُ ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه ، وقد حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1826).
وقد ورد معناه موقوفاً على بعض الصحابة :
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " أربع جائزات إذا تكلم بهن : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ، والنذر ".
وعن علي رضي الله عنه : " ثلاث لا لعِب فيهن : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : " ثلاث اللعب فيهن كالجد : الطلاق ، والنكاح ، والعتق " .
وقد أخطأت زوجتك في طلب الطلاق على سبيل المزاح ، وليس للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لعذر يبيح ذلك ؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .(/1)
والبأس : هو الأمر والسبب الملجئ للطلاق .
وأخطأت أنت في التسرع والتلفظ بالطلاق ، فإن الطلاق شأنه عظيم ، لما يترتب عليه من حل عقدة النكاح ، ولو أن الرجل كلما غضب طلق ، لانهارت الأسر ، وانفرط شمل المجتمع .
ثانيا :
إذا كنت قد قلت : " والله العظيم إن كررتِ ذلك طلقتك " والزوجة لم تكرر طلبها ، ولم تعد أنت لتطليقها ، فلا يلزمك شيء ، لأن هذا تهديد ووعيد بالطلاق في حال تكرارها الطلب ، فلو فرض أنها كررت ذلك في المستقبل ، كنت أنت بالخيار بين أن تطلقها وتوقع تهديدك ، أو تترك ذلك .
وإذا كنت قلت : " والله العظيم إن كررتِ ذلك أنتِ طالق " وهي لم تكرر الطلب ، فالطلاق لا يقع . وذلك أن هذا الطلاق معلق على شرط ، فلا يقع إلا عند وقوع الشرط ، وهو تكرارها طلب الطلاق ، فإن عادت وطلبت الطلاق ، وقعت طلقة واحدة رجعية عند الجمهور .
ومن أهل العلم من يرى أن الطلاق المعلق على شرط ، إذا كان مراد الزوج منه التهديد والتخويف والمنع ، وليس الطلاق ، أنه لا يقع به طلاق ولو حصل الشرط ، بل يلزم فيه كفارة يمين فقط ، وهذا هو المعمول به في هذا الموقع ، لا سيما وأنت غير متأكد مما قلته لها ، والأصل أن النكاح الذي بينكما صحيح ، حتى تتأكد من حصول السبب الذي ينهي النكاح القائم بينكما .
وإن لم تكن أنت على بينة مما قلته لها ، فيمكنك أن تستعين بزوجتك لتذكرك بما قلته لها ، فالأمر يعنيك أنت وهي ، و
وأما الطلاق حال الغضب ، ففيه تفصيل سبق بيانه في الجواب رقم (22034)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103378
العنوان:
العمل في شركة قامت على قرض ربوي ولا تزال تقترض بالربا
السؤال:
ما حكم العمل في شركة تأسست بقرض ربوي وإلى اليوم وهي تقترض ، فكل ما قامت بتسديد القرض أخذت غيره بمبلغ أكبر .. وعن طريق هذه القروض تقوم بمشاريعها وتصرف رواتب الموظفين منها .. مع العلم أنه لم يكن يعلم عن هذه القروض .. وعمله في الشركة كمبرمج وليس له علاقة في المحاسبة أبدا وأيضا البرامج التي يصممها لا تستعمل في أمور الشركة الحسابية .. إذا كان لا يجوز له العمل بها .. هل يستمر فيها إلى أن يجد وظيفة أخرى أم يتركها على الفور؟ وبالنسبة لماله الذي جمعه من راتبه .. هل هو حلال أم أنه يعتبر مال ربا؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت المشاريع التي تقوم بها الشركة مشاريع مباحة ، وكان المبرمج المسئول عنها لا يباشر شيئا من محاسبات الشركة كما ذكرت ، فيجوز له العمل مع الشركة ، والأولى له أن يبحث عن عمل آخر ؛ لكراهة العمل مع المتعامل بالربا .
وإثم الربا يقع على الشركة وعلى من يباشر الربا أو يعين عليه ، أو يرضى به ، وأما راتب المبرمج فقد أخذه مقابل عمل مباح .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا ، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية
فأجاب : "هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟
السائل: لا يكتب ، بل هو أنا يا شيخ! ( أي هو الموظف المسئول عنه ) .(/1)
الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه ، ولا تأخذه ولا تعطيه ، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه ، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59/15).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103381
العنوان:
الصلاة خلف من لا يحسن تكبيرة الإحرام
السؤال:
هل يجوز الصلاة وراء الإمام الذي لا يحسن تكبيرة الإحرام "الله أكبر" ؟ وهل صلاتي صحيحة وراءه ؟
الجواب:
الحمد لله
تكبيرة الإحرام هي قول الإنسان : "الله أكبر" في أول صلاته ، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح بدونها .
والخطأ الذي يقع في هذا التكبير نوعان : خطأ يغير المعنى ، كمن يمد الهمزة ، فيقول : آلله أكبر ، فيصبح المعنى استفهاما ، أو من يمد الباء فيقول : الله أكبار ، وأكبار جمع كَبَر وهو الطبل ، فلا تصح تكبيرة الإحرام مع هذا الخطأ ، وإذا لم تصح تكبيرة الإحرام ، لم تصح الصلاة .
والثاني : خطأ لا يغير المعنى ، كما لو نصب لفظ الجلالة ، فقال : اللهَ أكبر ، أو بالغ في مد الألف من لفظ الجلالة . وكذلك لو قال : الله وكبر ، فهذا لا يغير المعنى ، ولا يفسد به التكبير ، فتصح معه الصلاة .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/253) : " ويجب الاحتراز في التكبير عن زيادة تغير المعنى ، فإن قال : الله أكبر ، بمد همزة الله أو بهمزتين , أو قال : الله أكبار ، لم يصح تكبيره" انتهى باختصار.
وقال ابن مفلح في "الفروع" (1/409) : " ولا تنعقد إن مد همزة الله , أو أكبر , أو قال " أكبار " ولا يضر لو خلل الألف بين اللام والهاء , وحذفها أولى , لأنه يكره تمطيطه " انتهى.
وقال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/514) : " قال صاحب الطراز : لا يجزئ إشباع فتحة الباء حتى تصير أكبار بالألف وإن الأكبار جمع كبر والكبر الطبل , ولو أسقط حرفا واحدا لم يجزه , انتهى .
وقال ابن جزي في القوانين من قال : الله أكبار بالمد , لم يجزه , وإن قال : الله وكبر , بإبدال الهمزة واوا أجزأه , انتهى .
وقال في الذخيرة : وأما قول العامي : الله وكبر , فله مدخل في الجواز ; لأن الهمزة إذا وليت ضمة جاز أن تقلب واوا " انتهى .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الثاني من الأركان: تكبيرة الإحرام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر ). ولابد أن يقول : "الله أكبر" فلا يجزي أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم ، وما أشبه ذلك، ولا يصح التكبير بمد همزة "ال" فلا يقول: "آلله أكبر" لأنها تنقلب حينئذ استفهاماً، ولا يصح أن يمد الباء فيقول: "أكبار" لأنه حينئذ تكون جمعاً للكبر، والكبر هو الطبل ...هكذا قال أهل العلم.
وأما ما يقوله بعض الناس "الله وكبر" فيجعل الهمزة واواً، فهذا له مساغ في اللغة العربية ، فلا تبطل به الصلاة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/343).
والواجب نصح من وقع في هذا الخطأ – المفسد للصلاة- ، وتعليمه النطق الصحيح ، وإعلامه بأنه لو قدر على تصحيح النطق فلم يفعل لم تصح صلاته .
ولا يصح أن يكون هذا إماما بمن ينطق بالتكبير نطقاً صحيحاً .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103390
العنوان:
هل النظر في الكون عبادة؟
السؤال:
هل صحيح أن النظر في العالم كالعبادة ؟
الجواب:
الحمد لله
النظر في العالم بمعنى التفكر في مخلوقات الله وما أبدعه في هذا الكون ، والاستدلال بذلك على عظمة الله وقدرته ، هو من العبادة التي يزيد بها الإيمان ، ويكمل بها اليقين ، ولهذا تكررت الدعوة إلى هذا النظر في كتاب الله ، كما في قوله سبحانه : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت/20 ، وقوله : ( أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) الغاشية/17- 20.
وقوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة/164 .
فإذا نظر الإنسان في هذه المخلوقات وتأمل في حكمة إيجادها ، وفي بديع صنعها ، وفي تسخير الله تعالى لها ، ازداد إيمانه ويقينه ، وأثيب على تفكره هذا .
وكذلك النظر في أحوال الأمم وممالكهم التي زالت بسبب كفرهم وعصيانهم ، والاعتبار بذلك ، كما قال تعالى عن قوم صالح وديارهم ، ديار ثمود : ( فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) النمل/51- 52(/1)
وأما مجرد النظر في العالم للمتعة والتسلية ، فليس عبادة ، بل هو مباح ، بشرط ألا يشغل عن واجب أو يوقع في محرم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103410
العنوان:
اكتشف أن زوجته على علاقة بآخر ويشك في نسب الطفل
السؤال:
اكتشفت أن زوجتي على علاقة محرمة بشاب آخر ، وبعد ما اكتشفت خيانتها صار عندي شك بأن يكون الجنين الذي تحمله ليس من صلبي ، فماذا إن كتبت الحياة لهذا الجنين ، هل أستطيع أن أعتمد التحاليل الطبية لإثبات النسب ؟ وإن كان غير ذلك : فما هو الحل الشرعي لهذه الحالة ؟ .
الجواب:
الحمد لله :
الأصل أن ما تلده الزوجة أنه لزوجها ، ولا يحل لك أخي السائل قذفها – كما سبق – من غير رؤيتك لزناها ، كما لا يحل لك نفي الحمل أو الولد عنك إلا ببينة ، كرؤيتك لزناها ، أو استحالة أن يكون الحمل منك كأن تكون غائبا عنها ، أو لم تجامعها في طهرها ، وما يشبه هذه الحالات ، وما لم يكن من ذلك شيء : فلا يحل لك نفي الحمل ، أو الولد بمجرد الشك والوهم ، وكما قلنا سابقاً لا يعني وجود علاقة محرمة أنه يحصل زنا ، ونضيف هنا : أنه لا يعني حصول زنا ، أنها حملت من ذلك الزنا .
وعليه : فلو أنك رأيتها تزني : لكان لك وجه في نفي الحمل ، ونفي الولد ، أما وقد بنيت ذلك على الشك : فلا يجوز لك نفي الجنين الذي تحمله امرأتك عنك ، ولا تستسلم لوساوس الشيطان ، واحذر أن يجعلك تعيش في عالم الاتهامات والخيانات والوساوس ، وإلا أفسد عليك دينك ودنياك .
ولا ينبغي لك اللجوء إلى التحليل لإثبات نسب ولدك ، وهذا باب وسوسة وريبة ، ولو فتح الباب لاعتمد الناس على هذه التحاليل القابلة للخطأ والوهم على ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم من عفاف نسائهم ، ولذا فإن الشريعة المطهرة تعتمد أدنى الأدلة لإثبات النسب ، وأقواها في نفيه .
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله - :
" النسب يُحتاط لإثباته ، ويَثبت بأدنى دليل ، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه ، وإنه لا يُنتفى إلا بأقوى الأدلة " .
" المغني " ( 6 / 420 ) .(/1)
واعلم أن تشريع اللعان لا يقوم مقامه التحاليل الطبية ؛ لأن المرأة تستطيع دفع تهمة زوجها والستر على نفسها باللعان ، والله تعالى يعلم أن أحد الزوجين كاذب ، ومع ذلك شرع اللعان ، فلا يجوز إعطاء الحق للزوج بتلك التحاليل ، وحرمان المرأة منه ، وقد أصدر " مجلس المجمع الفقهي " التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة قراراً بشأن البصمة الوراثية (DNA) ، ومجالات الاستفادة منها ، يؤكد ما قلناه من عدم جواز التحاليل لمثل حالتك ، ولا كونه يقوم مقام اللعان ، وهذا نص القرار :
القرار السابع
بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ، أما بعد :
فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة ، في المدة من 21 – 26 / 10 / 1422 هـ الذي يوافقه 5 – 10 / 1 / 2002 م ، وبعد النظر في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشر ، ونصه " البصمة الوراثية هي البُنية الجينية ، ( نسبة إلي الجينات أي المورثات ) التي تدل علي هوية كل إنسان بعينه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ، ويمكن أخذها من أي خلية ( بشرية ) من الدم ، أو اللعاب ، أو المني ، أو البول ، أو غيره " .
وبعد الإطلاع على ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة والإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء ، والاستماع إلي المناقشات التي دارت حوله : تبيَّن من ذلك كله :(/2)
أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين ، أو نفيهم عنهما ، وفي إسناد العينة ( من المني أو الدم أو اللعاب ) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها ، فهي أقوي بكثير من القيافة العادية ( التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع ) ، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي ، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ، ونحو ذلك ، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي :
أولاً :
لا مانع شرعاً من الاعتماد علي البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم ، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة .
ثانياً :
أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهي الحذر والحيطة السرية ، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
ثالثاً :
لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها على اللعان .
رابعاً :
لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً ، ويجب على الجهات المختصة منعه ، وفرض العقوبات الزاجرة ؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم .
خامساً :
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :
1. حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه .
2. حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب .(/3)
3. حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الوارث أو الحروب ، وتعذر معرفة أهلهم ، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين .... .انتهى
وهو قرار قوي واضح ، ونأمل أن يكون ما ذكرناه لك كافياً للامتناع عن نفي نسب ولدك عنك .
ونسأل الله تعالى أن يوفقها للتوبة الصادقة ، وأن ييسر لك الخير حيث كان ، وأن يصبرك على ابتلائك ، ونوصيك بنفسك خيراً ، فلا توبقها ، ولا توردها المهالك ، ويسعك أن تطلقها وتعطيها حقوقها ، ويسعك أن تبقيها في ذمتك إن رأيت صدق توبتها ، ونرجو التأمل فيما فصلناه لك في النقاط السابقة ، واستعن بالله تعالى على تيسير أمورك .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
103411
العنوان:
اكتشف أن في جسد زوجته تشويها ولم يخبر بذلك قبل الزواج
السؤال:
بعد أن تزوجت تبيَّن لي أنه يوجد تشوه جسدي في زوجتي ، وهو موجود فيها منذ الولادة ، ولم يعلموني به قبل الزواج ، فهل يحق لي استعادة المهر مقدمه ومؤخره المسجل لهذا السبب ، وأطلقها ؟ .
الجواب:
الحمد لله :
اختلف العلماء في العيوب التي توجد في أحد الزوجين ، ويكون قد أخفاها قبل الدخول ، هل يثبت الفسخ للطرف الآخر السليم ؟ فيه قولان لأهل العلم :
القول الأول : إذا وَجد أحد الزوجين عيباً من العيوب – على اختلاف بين العلماء في تحديدها - : جاز له فسخ النكاح ، وهو قول جمهور العلماء .
والقول الثاني : أنه لا يثبت للطرف السليم فسخ في أي عيب ، وبه قال أهل الظاهر .
وتفصيل حجج المذهبين يطول ، والصحيح أن العيوب التي تَنفر منها الطباع هي التي يثبت فيها الخيار للمغبون ، لأن الزواج سكن ومودة ، وكل ما أدى إلى أن يفقد الزواج أساسه الذي يقوم عليه : " السكن والمودة " ، فإنه ينافي مقصوده ، ويبيح للشريك الآخر أن يفسخ العقد الذي أنشآه معا .
وفائدة الفسخ هنا هو أن يحصِّل الطرف المخدوع ماله ممن غرَّه وخدعه وأخفى العيب .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
والقياس : أن كل عيبٍ ينفِّر الزوج الآخر منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة : يوجب الخيار ، وهو أولى من البيع ، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع ، وما ألزم الله ورسوله مغروراً قط ، ولا مغبونا بما غُرَّ به ، وغبن به " .
" زاد المعاد " ( 5 / 163 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (21592) .
لكن من وجد عيباً فرضي به : فلا رجوع له عن رضاه به ، ولا حق له بالفسخ بعده ، وإنما يثبت له الخيار عند اكتشافه للعيب ، وأما إن سكت عنه ، فهذا يدل على رضاه بالأمر ، ويسقط بذلك خياره في الفسخ ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :(/1)
ومِن شَرْط ثبوت الخيار بهذه العيوب أن لا يكون عالماً بها وقت العقد ، ولا يرضى بها بعده ، فإن علِم بها في العقد أو بعده فرضي : فلا خيار له ، لا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنه رضي به ، فأشبه مشتري المعيب ، وإن ظن العيب يسيراً فبان كثيراً كمن ظن أن البرص في قليل من جسده فبان في كثير منه : فلا خيار له أيضا ؛ لأنه من جنس ما رضي به .
" المغني " ( 7 / 579 ) .(/2)
رقم السؤال:
103412
العنوان:
حكم العمل في المحاكم والنيابات العامة
السؤال:
ما حكم العمل في المحاكم والنيابات العامة في الدول العربية ، وخاصة الدول الخليجية ، علماً أني متقدم إلى العمل في وظيفة " كاتب تحقيق " في إحدى النيابات ؟ . أرجو من فضيلتكم الجواب مع ذكر العدد الأكبر من الأدلة الشافية ؛ لأني والله في حيرة من أمري .
الجواب:
الحمد لله
المحاكم نوعان : محاكم شرعية ، ومحاكم نظامية ( تحكم بالقوانين الوضعية ) ، وهذه الثانية نوعان : نوع يحكم بغير ما أنزل الله في الأحكام والحدود ، ونوع آخر يتعلق بأحكام وضعية إدارية ليس فيها مخالفة لما أنزل الله .
وحكم العمل في المحاكم والنيابات يعرف بمعرفة نوع تلك المحاكم ، فإذا كانت المحكمة شرعية ، أو نظامية لا تخالف أحكامها أحكام الشرع : فيجوز العمل فيها ، موظفين ، وقضاة ، ونيابة .
وإذا كانت المحاكم نظامية تحكم في الدماء والأموال والأنفس بخلاف شرع الله تعالى : فلا يجوز العمل فيها ، موظفاً ولا إداريّاً ؛ لأنه يكون تعاوناً على الإثم والعدوان ، والله تعالى يقول : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
وإن كان سيعمل فيها قاضياً : فإنه يكون حاكماً بغير ما أنزل الله ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد يصل بصاحبه للكفر المخرج من الملة .
وإذا كان عمله في النيابة العامة : فهو حرام أيضاً ؛ لأنه سيحيل من ليس متهماً في الشرع للقضاء النظامي لمعاقبته ، وسيطلب البراءة لمن يستحق الجلد أو الرجم أو القتل ؛ لأنه ليس مداناً في القانون الوضعي ، وهذه أفعال تضاد الشريعة ، ولا يحل العمل فيها ، ولا إعانة من يعمل فيها .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :(/1)
" من أعظم ذلك وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ولرسوله : إيجاد المحاكم الوضعية التي مراجعها القانون الوضعي ، كالقانون الفرنسي ، أو الأمريكي ، أو البريطاني ، أو غيرها من مذاهب الكفار ، وأي كفر فوق هذا الكفر ؟! وأي مناقضة للشهادة بأن محمَّداً رسول الله بعد هذه المناقضة ؟! " انتهى .
" تحكيم القوانين " ( ص 7 ) .
وسبق أن بيَّنا في جواب السؤال رقم ( 974 ) تفصيل القول في الحكم بغير ما أنزل الله ، وذكرنا في جواب السؤال رقم ( 22239 ) فتوى للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في التفريق بين الأحكام الشرعية والأحكام الإدارية ، ومنه يُعرف أنه لا يحل العمل بالمحاكم التي تحكم بما يُخالف حكم الله تعالى ، دون غيرها مما يتعلق بالأمور الإدارية ، وهي التي يراد بها ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" إذا كان في الاشتغال بالمحاماة أو القضاء إحقاق للحق ، وإبطال للباطل شرعاً ، ورد الحقوق إلى أربابها ونصر للمظلوم : فهو مشروع ؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى ، وإلا فلا يجوز ؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان ؛ قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 793 ، 794 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103413
العنوان:
حكم رقص المرأة لزوجها وهل تجب طاعته في ذلك
السؤال:
إذا طلب الزوج من زوجته أن ترقص له فهل يجب أن تطيعه ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن ترقص لزوجها ، وهو أمرٌ قد يُدخل حبها في قلبه ، ويهيجه على جماعها ، ويمتعه بما هو حلال ، ولتنو الزوجة بهذا : التودد لزوجها ، وكف بصره عن المحرمات ؛ لأن بعض الأزواج يقع في معصية النظر المحرَّم للراقصات ، وقد يكون إشباع نهمته بالحلال قاطعاً لمعاصيه تلك من النظر المحرَّم ، وهذا يجوز بشروط ، منها :
1. عدم مشاهدة أحدٍ من أولادها لها ، لأن ذلك قد يؤثر سلباً على تعظيمهم لوالديهمم ، وليس كل ما يباح بين الزوجين يفعل أمام الأولاد .
2. أن لا يصاحب الرقص آلات موسيقية ومعازف .
3. أن لا تنظر المرأة إلى صور وأفلام محرَّمة لكي تتعلم الرقص ؛ حيث يحرم عليها النظر إلى أولئك الفاسقات وعوراتهن ، ولتفعل ما تستطيعه مما تعلمه من قديم موروثها ، أو مما يخرج منها من غير حاجة تعليم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أما رقص المرأة أمام زوجها وليس عندهما أحد : فلا بأس به ؛ لأن ذلك ربما يكون أدعى لرغبة الزوج فيها ، وكل ما كان أدعى لرغبة الزوج فيها : فإنه مطلوب ، ما لم يكن محرَّماً بعينه ، ولهذا يسن للمرأة أن تتجمل لزوجها ، كما يسن للزوج أيضاً أن يتجمل لزوجته كما تتجمل له " انتهى .
" اللقاء الشهري " ( 12 / السؤال رقم 9 ) .
وسئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عن : ارتداء المرأة أمام زوجها لباس الراقصات الذي في المسارح أليس فيه المحبة والإقرار لما يفعلن ؟ .
فأجاب الشيخ بالجواز إن كان بين الزوجين فقط ، ولم يرها أحد غيره ، وذكر رحمه الله أن لباسها هذا لا يدخل في التشبه المذموم ، وأن تلك الراقصات الفاجرات يقمن بالرقص علناً ، وأما هذه : فبينها وبين زوجها ، وشتان ما بينهما .
الشريط رقم ( 814 ) سلسلة " الهدى والنور " .(/1)
رقم السؤال:
103414
العنوان:
ما حكم غناء الزوج لزوجته أو العكس ؟
السؤال:
ما حكم غناء الزوج لزوجته أو العكس
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
أباح الله تعالى للزوجين استمتاعهما بعضهما ببعض ، ولم يحرَّم في الاستمتاع إلا الجماع في الدبر ، والجماع في الحيض والنفاس ، وأبيح ما عدا ذلك من اللمس ، والنظر ، والتقبيل ، والتجمل ، والتغزل ، وما شابه ذلك من المباحات .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل يجوز شرعاً أن تنظر المرأة إلى جميع بدن زوجها ، وأن ينظر هو إليها بنية الاستمتاع بالحلال ؟
فأجاب :
" يجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن زوجها ، ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن زوجته ، دون تفصيل ؛ لقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) المؤمنون/ 5 - 7 انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 226 ) .
ومن الاستمتاع الجائز بين الزوجين : أن تغني الزوجة لزوجها ، ويغني هو لها ، ولكن ... لا بد من شروط لهذا الغناء المباح ، ومن هذه الشروط :
1. أن يخلو الغناء من استعمال المعازف ، كالبيانو ، والعود ، وغيرهما.
2. الغناء كلامٌ ، حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، لذا يجب أن يخلو الغناء من الطعن في أعراض الناس ، أو من وصف امرأة بعينها ، عدا عن وجوب خلوه من الكلام في العبادات والطاعات وشعائر الدين ، ولا بأس أن يكون تغزلاً ، ووصفا لكلا الزوجين ، ولا حدود لذلك إن تعلق الأمر بهما ، وقد جاز لهما ما هو أعظم من الوصف والتغزل اللفظي – وهو الجماع - .
3. أن لا يُسمِعا ذلك الغناء غيرهما ، سواء من الأولاد – حتى لو كانوا صغاراً - ، أو من الجيران ، فضلاً عن غيرهم من الأجانب .(/1)
فيمنع سماع الأولاد هذا الغناء ولو كانوا صغاراً ، لئلا يَحدث خلل في تربيتهم ؛ ولما قد يقولونه للناس ، ولما فيه من اهتزاز صورة أهليهم في أذهانهم وواقعهم ، ومن المعلوم أنه ليس كل ما يباح بين الزوجين يَظهر في العلن أمام أولادهم ، كالتقبيل ، واللمس ، والجماع .
وقد سئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عن حكم غناء المرأة لزوجها .
فأجاب :
" إن كان المقصود بالغناء هو التطريب بالصوت الجميل ، وبالألفاظ التي ( يصلح ) لكل مسلم أن ينطق بها : فتغني ما شاءت بشرط أن لا تضيع شيئاً من فرائضها .
أما إذا كانت تتغنى بألفاظ لا يجوز النطق بها - أصلاً - في الشرع : فلا فرْق حينذاك أن تغني لزوجها ، أو لأخيها ، أو لأختها ؛ لأن الأمر - كما تعلم - من قوله صلى الله عليه وسلم ( الشِّعر كلام ، حسنُه حسنٌ ، وقبيحه قبيح ) ، فإذا تكلم الإنسان بكلام قبيح : فهو محاسب عليه ، وإذا تغنَّى به : ازدادت المؤاخذة ...
فإن غنَّت المرأة أمام زوجها بكلام مباح : فلتغنِّي ، ولتطربه بما شاءت من غنائها ، أما إذا كانت المقصود بالغناء الأغنية الخليعة التي أصبحت مهنة لبعض الفاسقين والفاسقات : فلا فرْق حينذاك بين غنائها لزوجها ، أو للغريب عنها " انتهى .
انتهى
الفتوى رقم ( 10 ) الشريط ( 42 ) من سلسلة " الهدى والنور " .(/2)
رقم السؤال:
103415
العنوان:
حكم الاكتتاب في شركة جبل عمر
السؤال:
ما حكم الاكتتاب في شركة جبل عمر ؟
الجواب:
الحمد لله
شركة جبل عمر نشاطها : تطوير بعض الأراضي المحيطة بالمسجد الحرام ، بمكة ، وهو نشاط مباح ، لا حرج فيه ، ولا يوجد في قوائم الشركة المالية المنشورة في نشرة الاكتتاب قروض أو استثمارات محرمة ، فلا حرج من الاكتتاب فيها .
وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن حكم الاكتتاب في هذه الشركة ، فأجاب :
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد كثر السؤال عن حكم الاكتتاب في (شركة جبل عمر للتطوير)، وحيث إن نشاط الشركة نشاط مباح، وهو تطوير بعض الأراضي المحيطة بالحرم المكي الشريف، ولم يظهر في القوائم المالية المنشورة في نشرة الاكتتاب المطولة قروض ولا استثمارات محرمة، فأرى جواز الاكتتاب بها.
وإني أسأل الله للقائمين على هذه الشركة المباركة التوفيق والسداد، وأن يستمروا على نهجهم القويم في التمويل والاستثمار الإسلامي، ويكونوا عند مستوى تطلعات المستثمرين خاصة أن اللجنة التأسيسية تتكون من رجالات عرفوا بحرصهم على التعاملات المالية الإسلامية. وإني أذكر كل مساهم أن الربا حرام في كل وقت وفي كل مكان، وهو أشد حرمة في مكة وعند بيت الله الحرام. وأذكرهم أن المشركين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لم يروا أن يجعلوا في تمويل بناء الكعبة إلا مالاً طيباً، فلم يدخلوا مهر بغي ولا بيعاً ربوياً ولا مظلمة أحد من الناس. والمسلمون أولى بذلك التقدير والاحترام لدين لله سبحانه وتعالى وللمشاعر المقدسة، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى .
وبمثل ذلك أفتى الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي ، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103416
العنوان:
التمويل الائتماني مع شرط الزيادة في حال التأخر
السؤال:
توجد شركة أجنبية ( أوروبية ) تقدم عروضاً استثمارية ائتمانية وعقارية، للراغبين في طلب تسهيلات ائتمانية بإصدار سندات خلال فترة ثلاثة أشهر من التوقيع على مذكرة التفاهم. وتشمل شروط هذه الشركة للتمويل تطبيق فوائد ثابتة بنسبة 7 % يتم تحصيلها سنوياً ويتم إعادة رأس المال للشركة بعد 10 سنوات من إصدار السندات ودفع الفائدة المتفق عليها ألا وهي 7 % من كل سنة. وتقوم الشركة بتمويل المشاريع تمويلاً كاملاً . الضمانات على السداد ورد رأس المال • على الائتمان: ضمان الرهن أو بموجب ضمان إضافي متفق عليه بين الأطراف . • على الفوائد: عقد إدارة، وضمان السندات بواسطة شركة تأمين تقترحها شركة التمويل. السؤال: هل يجوز التعامل مع هذه الشركة ؟ علماً بأنها ليست شركة إسلامية والعاملين بها أجانب وليسوا مسلمين؟ وفي حالة عدم الجواز فهل يجوز لنا أن نقترض من هذه الشركة المبلغ الائتماني بطريق الأجل، ثم نقوم بتسديد كامل المبلغ قبل حلول موعد تحصيل الفوائد المتفق عليها، حيث إن الشركة لا تلزمنا بالفوائد في حالة سداد وإعادة رأس المال قبل سريان الفائدة؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز التعامل مع هذه الشركة ، لا بنظام الفائدة ولا بنظام الائتمان ، أما الأول فلأنه قرض ربوي صريح ، ولا يخفى تحريم الربا وما جاء فيه من الوعيد الشديد ، وقد أجمع أهل العلم أن كل قرض اشترطت فيه الزيادة فهو ربا .
ولا فرق بين أن يكون الربا مع المسلم أو مع الكافر ، كما لا فرق بين آكل الربا الذي يأخذ الفائدة ، وموكلها الذي يدفعها .(/1)
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف .
قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ". انتهى من "المغني" (6/436).
وأما أخذ المال عن طريق الائتمان ، مع شرط الزيادة في حال التأخر عن السداد ، فلا يجوز أيضا ولو عزم الإنسان على السداد ؛ وذلك لأمرين :
الأول : أن هذا عقد ربوي محرم ، فلا يجوز التوقيع عليه ولا الدخول فيه ولا إقراره .
الثاني: أنه قد يتأخر الإنسان في السداد لظرف ما ، من نسيان أو مرض أو غيره ، فيقع في الربا .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى ( الفيزا ) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة ، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل ، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة ، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة .(/2)
فأجاب : " هذه المعاملة محرمة ، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد ، وهذا التزام باطل ، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد ، لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء ، وهذا أمر مستقبل ، والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل ، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة . والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37.
وعلى هذا ؛ فلا يجوز التعامل مع هذه الشركة فيما ورد في السؤال ، لأنه من الربا الصريح الذي حرمه الله ورسوله .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103417
العنوان:
حكم التوسط في بيع قرية سياحية
السؤال:
أمامي فرصة للتوسط في بيع قرية سياحية جاهزة للتشغيل، لو تم تشغيلها فسوف يأتي إليها السياح ويقدم لهم الخمر مع غيره من الأطعمة والأشربة ، فهل يجوز أن أتوسط في صفقة بيع القرية؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز التوسط في بيع القرى السياحية التي يُعلم أنها ستكون محلا للفسق والفجور واقتراف المنكرات ، من الزنا وشرب الخمر والميسر والعريّ وغير ذلك من المحرمات ؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية ، قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، وقال صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831).
وكيف يرضى مسلم أن تقام في بلده وفي بلاد الإسلام مثل هذه القرى ، التي هي أوكار للرذيلة ، وبؤر للفساد ، فضلا عن أن يعين على إنشائها ، أو يتوسط في بيعها ، بل الواجب عليه أن ينكر هذا المنكر ، ويبرأ منه ، ويسعى في تغييره وإزالته.
وقد سبق أن بينا حكم إنشاء هذه القرى والمشاركة في بنائها ، في جواب السؤال رقم (82292) و (47513) .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأن متاع الدنيا زائل ، ومالها ونعيمها فانٍ ، وما عند الله باق .
وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح ، وأغنانا بحلاله عن حرامه ، وبفضله عمن سواه.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103418
العنوان:
التحذير من اتخاذ الصديقات
السؤال:
هل اتخاذ صديقة (جيرل فريند) له تأثير سيء على المجتمع؟
الجواب:
الحمد لله
اتخاذ الصديقة أمر محرم دل على تحريمه القرآن والسنة واتفاق العلماء ، هذا إذا لم يكن قد وقع الصديقان في الفاحشة ، فقد قال الله سبحانه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
وأمر بذلك المؤمنات فقال : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) النور/31 ، وأمر الله النساء بالحجاب أمام الرجال الأجانب فقال : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب/59 ، وحرم عليهن التبرج فقال : (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب/33 ومنعهن من إلانة القول للأجنبي حتى لا يجر ذلك لما لا تحمد عقباه فقال : (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) الأحزاب/32 .
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) رواه البخاري (4832) ومسلم (2391) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي (1091) وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لاتحل له ) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045).(/1)
وكل هذه الأوامر والنواهي لحفظ الإنسان من أن يستدرجه الشيطان فيوقعه في الفاحشة الكبيرة التي قال الله عنها : (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) الإسراء/32 ، والتي قال عنها جل شأنه في سورة الفرقان : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68-70 .
ولا يخفى على عاقل ما ينتج عن اختلاء الرجل بالمرأة من هتك الأعراض والوقوع في الفاحشة التي ينجم عنها اختلاط الأنساب وتفكك الأسر وانتشار الأوبئة والأمراض ، وضياع المرأة باتخاذها وسيلة مؤقتة لقضاء الشهوة وكثرة أولاد الزنى الذين ينشأوون ناقمين على المجتمع لا يشعرون بالانتماء إليه فيعيثون في الأرض الفساد إلى غير ذلك من المفاسد التي تلحق بالفرد والمجتمع نتيجة اتخاذ الصديقات والأخدان .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
103419
العنوان:
هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه ؟
السؤال:
هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه ؟
الجواب:
هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه ؟
السؤال :
الحمد لله
للرجل أن يطيل شعر رأسه ، مع الاهتمام بتسريحه وتنظيفه والاعتناء بمنظره ، في غير مبالغة ولا إسراف ؛ لما روى أبو داود (4195) والنسائي (5048) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ : ( احْلِقُوهُ كُلَّهُ ، أَوْ اتْرُكُوهُ كُلَّه ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي .
وروى أبو داود (4163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال في "عون المعبود " : " أَيْ : فَلْيُزَيِّنْهُ وَلْيُنَظِّفْهُ بِالْغَسْلِ وَالتَّدْهِين وَالتَّرْجِيل وَلَا يَتْرُكهُ مُتَفَرِّقًا، فَإِنَّ النَّظَافَة وَحُسْن الْمَنْظَر مَحْبُوب " انتهى .
لكن إن كان إطالة الشعر مستهجنا بين الناس أو لا يفعله إلا طائفة نازلة بينهم ، فلا ينبغي فعله .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إطالة شعر الرأس لا بأس به ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه ، فهو على الأصل لا بأس به ، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف ، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة ، فالمسألة إذن بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم ، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم فلا بأس به ، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها ، ولا يَرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها كان يتخذ الشعر، لأننا نري في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد ، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وللأهمية يراجع جواب السؤال (69822) فقد نقلنا فيه كلاما لابن عبد البر رحمه الله في هذه المسألة ، يحسن الوقوف عليه.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103420
العنوان:
هل يلزمه إيقاظ أولاده الذين بلغوا سبع سنين لصلاة الفجر
السؤال:
لدي بنت عمرها سبع سنوات وهي تصلي ولله الحمد ، هل يجب علي إيقاظها لصلاة الفجر ؟ مع العلم أن هذا قد نَفَّرها من الصلاة .
الجواب:
الحمد لله
الأب راع في بيته وهو مسئول عن رعيته ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه أن يربي أبناءه وينشّئهم على أداء الواجبات وترك المحرمات ، ومن ذلك : أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين ؛ لما روى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وينبغي أن يتلطف الأب في أمر أولاده الصغار بالصلاة ، وأن يشجعهم على أدائها بالثناء والهدية والمكافأة ، حتى يعتادوا عليها ويحبوها .
ولك أن تؤخر إيقاظ ابنتك إلى قرب طلوع الشمس ، مع ترغيبها في النوم المبكر ليسهل عليها القيام .
ولا حرج عليك إذا تركت إيقاظها في الأيام التي ترى أنه يشق عليها الاستيقاظ فيها ، لكونها ـ مثلا ـ قد نامت متأخرة ، أو لشدة البرد ، ونحو ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : لي ولد عمره حوالي تسع سنوات هل أوقظه لصلاة الفجر؟
فأجاب: "نعم ، إذا كان للإنسان أولاد ذكور أو إناث بلغوا عشر سنين فليوقظهم ، وما دون ذلك إن أيقظهم ليصلوا في الوقت فهذا هو الأفضل ، وإلا فلا إثم عليه ، ولكن الاختيار أن يوقظهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروا أبناءكم للصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".(/1)
وسئل أيضا: ابني يبلغ من العمر ثمان سنوات ، هل أوقظه لصلاة الفجر؟ وإذا لم يصل هل أنا آثم؟
فأجاب : "الظاهر أن هذا يُنظر: إذا كان مثلاً في أيام الشتاء وأيام البرد والمشقة فلا بأس أن يُترك وإذا قام ، يقال له: صل. وأما إذا كان الجو معتدلاً ولا ضرر عليه في الإقامة فأقمه حتى يعتاد ويصلي مع الناس، ويوجد والحمد لله الآن صبيان صغار ما بين السابعة إلى العاشرة نراهم يأتون مع آبائهم في صلاة الفجر، فإذا اعتاد الصبي على ذلك من أول عمره صار في هذا خير كثير، أما مع المشقة فإنه لا يجب عليك أن توقظهم، لكن إذا استيقظوا مرهم بالصلاة " انتهى من "اللقاء الشهري" (40/18).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103421
العنوان:
شتمته وشتمت أهله فطلقها ثلاثا
السؤال:
أنا شاب من تونس تعرفت على فتاة أصلها تونسية ومعها الجنسية الفرنسية وكانت تقلد الغربيين في لباسهم و معاملاتهم فدعوتها إلى الصلاة وارتداء الحجاب فرأيت منها القبول واقتنعت ثم لبست الحجاب فتقدمت إلى خطبتها ولكن بعد أشهر عادت إلى ما كانت عليه وقالت لي بأنها ستلتزم بعد الزواج، فاضطررت أن أتزوجها ظانا مني أنها ستلتزم بعد ابتعادها عن أصحاب وصاحبات السوء وكنت دائما أذكرها بدينها، ولكن أمها كانت ولا تزال تسيطر على أفكارها فهي تقول لها دائما " لا زلت صغيرة ، عيشي حياتك، ليس وقت أن تتحجبي وأن تصلي ". وكنت أتعرض دائما للإهانة والشتم منها وأنا صابر على هذا. وفي الوقت الحاضر إن زوجتي في فرنسا وهي حامل في شهرها الثامن وأنا في تونس أنتظر أن تأتيني التأشيرة لأتمكن من الالتحاق بها، حيث إني تركت عملي وقدمت استقالتي وأنا غيور على ديني ولا زلت أذكرها بأن تبتعد عن هذه العادات الغربية التي لا أصل لها ولا دين وأن تعود إلى رشدها، ولكنها مصرة على ذلك إلى أن ضاق صدري فتخاصمنا عبر الهاتف فشتمتني وشتمت أمي و كل عائلتي بكلام لم أتفوه به في حياتي وفي لحظة غضب قلت لها باللغة الفرنسية: « tu es dévorcée ، tu es dévorcée ، es dévorcée tu « و كنت أقصد بها الطلاق ثلاثا. إني الآن في حيرة من أمري فرجاء أن تفتوني ماذا أفعل ؟ مع العلم أني أنتظر مولودا . أعترف أني أخطأت لأني تسرعت ، فقدر الله ما شاء فعل، وإني الآن أنتظر إجابتكم .
الجواب:
الحمد لله
تسرع الرجل في التلفظ بالطلاق خطأ عظيم ، قد يؤدي إلى تفكك أسرته من حيث لا يريد ، والله تعالى لم يشرع الطلاق ليكون مادة للتنفيس عن الغضب ، وإنما شرعه ليستعمله الرجل في الوقت الذي يريد فيه إنهاء النكاح إذا وجد ما يدعو لذلك .
وعليه ؛ فالواجب أن تحفظ لسانك ، وأن تنأى بنفسك عن التلفظ بالطلاق في الغضب أو الرضى.(/1)
ثانيا :
المطلّق في الغضب له ثلاثة أحوال :
1- إن كان غضبه يسيرا بحيث لا يؤثر على إرادته واختياره فطلاقه صحيح واقع .
2- وإن كان غضبه شديدا بحيث صار لا يدري ما يقول ولا يشعر به فهذا طلاقه لا يقع لأنه بمنزلة المجنون الذي لا يؤاخذ على أقواله .
وهذان الحالان للغضب لا خلاف في حكمهما بين العلماء ، وبقيت حال ثالثة ، وهي :
3- الغضب الشديد الذي يؤثر على إرادة الرجل فيجعله يتكلم بالكلام وكأنه مدفوع إليه ، ثم ما يلبث أن يندم عليه بمجرد زوال الغضب ، ولكنه لم يصل إلى حد زوال الشعور والإدراك ، وعدم التحكم في الأقوال والأفعال ، فهذا النوع من الغضب قد اختلف العلماء في حكمه ، والأرجح - كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله - أنه لا يقع أيضاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في الإرواء (2047) . والإغلاق فسره العلماء بأنه الإكراه والغضب الشديد .
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم ، وألف فيه رسالة مشهورة اسمها : "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" .
وينظر : جواب السؤال رقم (45174) .
وعليه ؛ فإذا كان غضبك وصل إلى هذا الحد وهو الذي دفعك إلى التلفظ بالطلاق ولولا هذا الغضب ما طلقت ، فإن الطلاق لا يقع حينئذ .
ثالثا :
إذا قال الرجل لزوجته : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، أو قال : أنت طالق ثلاثاً ، فهذا يقع به الطلاق مرة واحدة ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم ورجحه من المعاصرين : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله . وينظر : "الشرح الممتع" (13/42).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103422
العنوان:
مشكلة في النفقة بينه وبين زوجته
السؤال:
أنا متزوج منذ سنتين ولدي طفلة ولله الحمد ، ومشكلتي الأساسية مع زوجتي هي في المصروف ، وأريد الإنصاف منكم حتى لا أظلمها أو أظلم نفسي ؟ أنا موظف ، وراتبي 8360 ريالا ، وزوجتي موظفة وراتبها 1880 ريالا . طبعا أخذت عهدا مع نفسي أن أوفر 3000 من راتبي كل شهر لتأمين المستقبل بعد الله من منزل وخلافه , وأصرف الباقي (5360) ، ولا يتبقى منه شيء غالبا ، نحن من أوساط الناس , وأتكفل بمصروف البيت ومصروف ابنتي ، زوجتي فقط متكلفة بمصروفها الشخصي من ملابس وهدايا لها ولأهلها ، ولا يلبث أن يمضي أسبوعان بعد الراتب إلا وهو منتهٍ ، وأعطيها فوق الراتب ، مع أنه من المفروض أن يكفيها راتبها إلى نهاية الشهر ، بحكم عدم التزامها بأية مصاريف في البيت . ابنتي الصغيرة تتطلب حضانة ، نظرا لانشغال والدتها بالعمل صباحا ، والحضانة تطلب حدود 500 ريال شهريا , هل من الواجب علي دفع هذا المبلغ أم والدتها ؟ وإذا كان واجبا علي دفع المبلغ ، هل يجب علي أن أعطي والدتها مصروفا شهريا بالإضافة إلى راتبها من غير مصاريف البيت ؟ وعلى افتراض أن الزوجة استقالت من عملها ، وجلست بالبيت ، كم يجب علي إعطاؤها مصروفا شخصيا شهريا ، متضمن الملابس والهدايا ، مع العلم أن بإمكانها إنفاق من 1000 – 4000 شهريا لو فتح الأمر ؟ أرجو منكم الإجابة بالأرقام لكي يتضح الأمر
الجواب:
الحمد لله
أولا :
النفقة على الزوجة من الواجبات المترتبة على النكاح باتفاق أهل العلم ، وهي من المعروف الذي ينبغي بذله ، ومن الإحسان الذي أمر الله سبحانه وتعالى به .
يقول الله عز وجل : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 .
ويقول سبحانه : ( ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) الطلاق/7 .(/1)
ويقول عز من قائل : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/233.
وللمنفق عند الله الأجر العظيم والثواب الجزيل أن كفى أهله وأولاده حاجاتهم وقام على رعايتهم وأحسن إليهم .
وانظر جواب السؤال رقم : (22063) .
ثانيا :
يجب على الزوجة طاعة زوجها ، والقيام على شؤون بيته وأبنائه بالتربية والرعاية ، وهذا من حقوق الزوج عليها ، يجب عليها أداؤه لزوجها بالمعروف ، فإن أخلَّت به - بحكم عملها خارج المنزل ووظيفتها - فحينئذ تنبني بعض الأحكام الشرعية المهمة :
1- إن كانت اشترطت على زوجها حين العقد الاحتفاظ بعملها ، والسماح لها بالخروج إليه ، ووافق على ذلك ، فلا حرج عليها حينئذ من الخروج لعملها ، ومالُها الذي تكتسبه من وظيفتها حقٌّ خالصٌ لها ، لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا منه بغير رضاها ، ولها أن تنفق منه كما تشاء ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (4037) ، (21684)
وتبقى نفقتها واجبة على الزوج ، يتكفل بتدبير معاشها من مأكل ومسكن وملبس بالمعروف .
وهو حين رضي بعملها يدرك أنه سيضطر إلى اللجوء إلى الحضانات المتخصصة لرعاية أبنائه وأطفاله في وقت عملها ، وأنه سيترتب عليه مزيد نفقة وكلفة مالية ، والمسلمون عند شروطهم .
2- أما إن لم تكن شرطت عليه في العقد الاحتفاظ بعملها ، فله أن يمنعها من الخروج ، ولا يجوز لها أن ترفض قراره ، فإن رفضت فقد نشزت عن طاعته وسقط حقها في النفقة ، وله أيضا أن يشترط عليها إن خرجت إلى عملها أن تتكفل بمصاريف الحضانة أو المساعدة في مصاريف المنزل أو تنفق على نفسها من راتبها ، ويجب عليها أن تلتزم بشرطه إن أصرت على الخروج .
وفي كتاب "البحر الرائق" (4/212) :
" وللزوج أن يمنع القابلة والغاسلة من الخروج ؛ لأن في الخروج إضرارا به ، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب ؛ لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه " انتهى باختصار .
ثالثا :(/2)
أما تقدير النفقة فضابطه : " الكفاية " ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) البخاري (5364) ومسلم (1714).
ويراعى في ذلك حال الزوج من غنى أو فقر ، لقوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) الطلاق/7 .
وانظر : "الموسوعة الفقهية" (41/39) .
والكفاية تتفاوت من بلد لآخر ، ومن زمان لزمان ، لكن تقديرها بالضبط يرجع إلى أهل الخبرة ومتوسط حال الناس ، فإن تنازع الزوجان فيها فللقاضي الفصل بينهما بتحديد المبلغ الذي يسد الكفاية .
والمعتبر في " الكفاية " هو الطعام والسكن بمرافقه واللباس والعلاج ، ولا يعتبر ما يزيد عن ذلك من المصاريف الزائدة من هدايا وكماليات ، ولا يجب دفع مصروف للزوجة .
ولا نستطيع تحديد مبلغ معين ، فإما أن يتفق الزوجان على مبلغ ما ، وإما أن ترفع القضية إلى القاضي ليحدد هو ما يراه مناسبا .
غير أننا نحثك وننصحك بالتسامح والمعاملة بالمعروف ، دون اللجوء إلى المحاسبة والمساءلة على الريال والريالين ، بل ليكن السخاء والجود هديك وخلقك ، فأنت تنفق على أهلك وولدك وهم أقرب الناس إليك ، ولا يلجئك التوفير إلى التضييق عليهم أو إيقاع الشقاق بينك وبينهم ، فسعادة المنزل أولى من التوفير لتأمين المستقبل المجهول ، ولعل كسبك ود زوجتك بإكرامها والتسامح معها يذكرها هي أيضا بضرورة مبادلتك الإحسان إحسانا ، فيعود ذلك عليك سعادة وطمأنينة في بيتك ، ورضا واقتصادا في نفقتك .
وانظر جواب السؤال رقم (3054) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103423
العنوان:
أسقطت الجنين في الشهر الأول كراهة لزوجها
السؤال:
لزوجتي صديقة حديثة الزواج، ولم يشأ الله سبحانه وتعالى لهذا الزواج أن يدوم ، وبعد فترة من الزمن قرر الزوجان الانفصال، وقبل أن ينفصلا اتضح أن الزوجة حامل في شهرها الأول ( تقريباً )، وقامت الزوجة هداها الله بإجهاض الجنين بحجة أنها لا تريد أبناءً من هذا الزوج أو أي شيء يربطها به، علماً بأنها لا تعاني من أي مرض، وزوجها خلوق جداً ولم يقصر عليها بشيء ولله الحمد، وبعدما تبين للزوج فعلتها قام بطلاقها ولم يسامحها على فعلتها وقال لها : أنا غير راض عن فعلتك ولن أسامحك عليها ، وطلقها وأرسل ورقة الطلاق لها . ما حكم فعلتها ؟ وما كفارتها ؟ والواجب تجاهها ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل مرور أربعين يوما على الحمل ، وقبل نفخ الروح في الجنين ، فذهب جماعة من الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جوازه ، قال ابن الهمام في "فتح القدير" (3/401): " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ، ثم في غير موضع , قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما , وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط ، لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة " انتهى .
وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (8/443) : " الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا ، وجوازه قبله ".
وفي حاشية قليوبي (4/160) : " نعم يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه ، خلافاً للغزالي" .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/386) : " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة . ذكره في الوجيز ، وقدمه في الفروع . وقال ابن الجوزي في أحكام النساء : يحرم . وقال في الفروع : وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون : أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح وقال : وله وجه انتهى ".(/1)
وذهب المالكية إلى عدم الجواز مطلقا وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة ، قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/266) : " لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا ".
وقد اختار هذا القول مجلس هيئة كبار العلماء ، فجاء في قرار المجلس :
" 1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً .
2- إذا كان الحمل في الطور الأول ، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه . أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز " انتهى .
ثانيا :
على كلا القولين ـ الجواز أو التحريم ـ فهذه الزوجة فعلت شيئا محرما لأنها إنما فعلت ذلك بدون إذن الزوج ورضاه ، فيجب عليها التوبة إلى الله تعالى ، والندم على ما فعلت ، وليس عليها كفارة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103424
العنوان:
كرر اليمين وحنث فهل تلزمه كفارة واحدة أم كفارات؟
السؤال:
أقسمت يمينا )أقسم بالله العظيم ) ومع القسم وضعت يدي على كتاب الله حيث إنني أعدت القسم بنية أن كل قسم منفصل عن الآخر وفي كل قسم واضعا يدي على كتاب الله ولا أعرف عدد الأيمان بالضبط ألا أفعل معصية معينة وبصراحة ألا أنظر إلى الحرام أو ما شابه كي لا أقع في الإثم مع العلم أنني أعزب حيث إنني فعلت الحرام وبعكس ما أردت القسم عليه فما عليّ ؟ هل أكفر عن يمين واحد أم الأيمان التي لا أعرف عددها ؟ وهل عند وفاة الشخص أو استشهاده يبقى معلقا حتى يفي بالقسم ؟ مع العلم أن الوضع المادي صعب وأريد الزواج .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
كراهتك للحرام ، وحلفك بالله على تركه ، يدل على ما فيك من الخير والإيمان ، والخوف من الله تعالى ، فنسأل الله أن يقوي إيمانك ، ويزيد في عزمك ، ويصرف عنك السوء ، وييسر لك الزواج والعفة والإحصان .
ونوصيك أن تلجا إلى الله تعالى ، وأن تكثر من سؤاله أن يحفظ عليك دينك وإيمانك ، وأن يقيك الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ثانيا :
من كرر اليمين على شيء واحد ، ثم حنث لزمته كفارة واحدة .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم ، سؤالي : هل علي كفارة واحدة أم ثلاث ، وما هي كفارتي ؟(/1)
فأجاب : "عليك كفارة واحدة ، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؛ لقول الله سبحانه : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/89 ، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد ، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة ، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما . أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث ، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة .
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة ، كما لو قال : والله لا أكلم فلانا ، والله لا آكل طعاما ، والله لا أسافر إلى كذا ، أو قال : والله لأكلمن فلانا ، والله لأضربنه ، وأشباه ذلك .
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا .
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء . وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا . والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145).
ثالثا :
أما قولك : إن الشخص عند موته أو استشهاده يبقى معلقا حتى يفي بالقسم ، فإن كنت تقصد الكفارة ، أي أنه يكون محبوسا أو معلقا لأنه لم يخرج الكفارة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) رواه مسلم (1886).
فالجواب : أن المراد بالدين هنا الدين الذي يكون للآدميين .(/2)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " ( إِلَّا الدَّيْن ) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى .
ومن كان عليه كفارة يمين ، ولم يخرجها حتى مات ، فإنها تخرج من تركته ، قبل قسمتها .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103425
العنوان:
دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة
السؤال:
هل دعاء الاستفتاح مشروع في صلاة الجنازة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
صلاة الجنازة فرض كفاية ، وقد سبق بيان صفتها في جواب السؤال (12363) .
ثانياً :
دعاء الاستفتاح سنة مؤكدة في كل صلاة فيها ركوع وسجود ، كالفرائض والنوافل والعيدين والكسوف وغيرها .
أما الصلاة التي ليس فيها ركوع ولا سجود ، كالصلاة على الميت ، فإن العلماء اختلفوا في مشروعية الاستفتاح فيها على قولين :
القول الأول : أن دعاء الاستفتاح لا يسن في صلاة الجنازة ، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة .
واستدلوا :
1- أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استفتح في صلاة الجنازة .
2- قالوا : إن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ، فناسب ترك الاستفتاح فيها .
قال النووي رحمه الله في "" (5/194) : " وَأَمَّا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ، واتفق الأصحاب على أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ " انتهى بتصرف .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " أما الاستفتاح فلا بأس بفعله ولا بأس بتركه , وتركه أفضل أخذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسرعوا بالجنازة ) الحديث " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/141) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يشرع دعاء الاستفتاح في الصلاة على الجنازة ؟
فأجاب : " ذكر العلماء أنه لا يستحب ، وعللوا ذلك بأن صلاة الجنازة مبناها على التخفيف ، وإذا كان مبناها على التخفيف ، فإنه لا استفتاح " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/119) .
القول الثاني : أن دعاء الاستفتاح يسن في صلاة الجنازة ، وهو قول الأحناف .
عللوا : بأنها صلاة ، فيستفتح لها ، كما يستفتح لسائر الصلوات .
واختار بعض الأحناف – كالطحاوي رحمه الله – أنه لا استفتاح لها .
وانظر : "بدائع الصنائع" (1/314) .(/1)
والأقرب : عدم مشروعية الاستفتاح في صلاة الجنازة ؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنها مبناها على التخفيف ، ولهذا لا ركوع فيها ولا سجود ، ولا يقرأ فيها سوى الفاتحة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103426
العنوان:
خدمة الزوجة لوالد زوجها
السؤال:
حضر والد زوجي ليعيش معنا وهو مريض بالزهايمر وهذا يسبب الكثير من المشاكل والتوتر فما واجباتي نحوه ؟.
الجواب:
الحمد لله
"لا يجب على المرأة أن تخدم والد زوجها أو أمه أو أحداً من أقاربه , وإنما هذا من باب المروءة إذا كانت في البيت أن تخدم والديه , أما أن تُلزم بذلك فلا يجوز لزوجها أن يلزمها بذلك ، وليس واجبا عليها ، والذي أدعو إليه أن تكون الزوجة صبورة في خدمة والد زوجها ، ولتعلم أن ذلك لا يضرها بل يزيدها شرفا وتحببا إلى زوجها . والله الموفق" انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .(/1)
رقم السؤال:
103427
العنوان:
حكم مرور الطفل أمام المصلي
السؤال:
ما الحكم إذا مر طفل دون الخامسة من عمره أمامنا في الصلاة ، إذا قمنا بمنعه يزيد في المرور، أو يجلس موضع السجود ، أو على رأس المصلى خصوصاً أقل من ثلاث سنين؟ فماذا يجب عمله مع مثل هذا الطفل أفيدونا مأجورين؟
الجواب:
الحمد لله
"الواجب رده ، لعموم الأدلة الشرعية في ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان ) متفق عليه. ومعنى (فليقاتله) : فليدفعه بقوة. والله ولى التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/327).
لكن .. إذا كثر مرور الطفل وصار منعه يشغل المصلي عن صلاته، فإنه يتركه حينئذ ولا ينشغل بمنعه.
قال الحافظ ابن حجر في"فتح الباري" :
"نقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ، ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور" انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103428
العنوان:
حكم لفظ "لا قدر الله"
السؤال:
ما حكم الشرع في مثل هذه الألفاظ : لا قَدََّر الله، أو لا سمح الله ، أو لا يَُقدِّر كذا أو كذا ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا أعلم حرجاً في ذلك، والله الموفق" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/374).(/1)
رقم السؤال:
103429
العنوان:
حكم قول استعنا بالله عند قوله تعالى :(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
السؤال:
في الصلاة إذا سمع المأموم الإمام يقول : إياك نعبد وإياك نستعين، هل يقول : استعنا بالله ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المأموم أن ينصت لقرأه إمامه ، لقول الله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204 .
ولا يجوز له أن ينشغل عن استماع قراءة إمامه إلا بقراءة الفاتحة فقط ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) رواه البخاري (714) ومسلم (595).
وأما قول بعض المأمومين : استعنا بالله ، وبعضهم يعيد لفظ الآية : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فقد نَبَّه العلماء قديماً وحديثاً على أن ذلك من البدع التي يجب النهي عنها .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/14) :
"قد اعتاد كثير من العوام أنهم إذا سمعوا قراءة الإمام : (إياك نعبد وإياك نستعين) قالوا : (إياك نعبد وإياك نستعين) وهذا بدعة منهي عنها" انتهى .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وقد سئل عن ذلك :
"يستمع إليه فقط، ولا يقول استعنا بالله ولا شيئاً غيره، بل ينصت، لقوله سبحانه : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) "انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز"(29/274).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "قول المأموم إذا قال الإمام : (إياك نعبد وإياك نستعين) : "استعنا بالله" لا أصل له، ويُنهى عنه؛ لأنه إذا انتهى الإمام من الفاتحة أمَّن المأموم، فتأمينه هذا كافٍ عن قوله : استعنا بالله" انتهى .(/1)
رقم السؤال:
103430
العنوان:
حكم قبول هدايا المشركين
السؤال:
عندنا مسجد يبنى وبجواره نصارى، والنصارى إذا أرادوا التبرع في بناء المسجد بالمال هل على المسلمين أن يأخذوا المال منهم؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كان فيه شرط يخالف الشرع فلا، أما التبرع المجرد فإنه ليس فيه شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل كثيراً من هدايا المشركين" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/237).(/1)
رقم السؤال:
103431
العنوان:
حكم صلاة الطفلة دون خمار
السؤال:
ما حكم صلاة الطفلة دون خمار؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا كانت لم تبلغ فصلاتها صحيحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، فدل ذلك على أن غير الحائض، وهى غير البالغة لا حرج عليها في الصلاة بغير خمار، ولكن كونها تصلي بالخمار أولى وأكمل إذا كانت بنت سبع أو أكثر، أما من دون السبع من الذكور والإناث فليسوا من أهل الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مروا أولادكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع)" انتهي .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز "(29/200).(/1)
رقم السؤال:
103432
العنوان:
حكم النكاح والطلاق على الورق بقصد الإقامة في بلاد الكفر
السؤال:
ما رأي فضيلتكم في شخص قام بتطليق زوجته إداريّاً فقط ، أي : قام باستخراج ورقة الطلاق من المصالح المعنية ، دون أن يطلقها طلاقاً حقيقيّاً ، أي : دون أن يتلفظ بكلمة الطلاق ، وهذا بقصد أن يستخدم ورقة الطلاق تلك للزواج من فتاة أوربية للحصول على وثائق الإقامة ، وبعد أن يتم له ذلك يطلق هذه الأخيرة ، ويعيد العقد على الزوجة الأولى . فما رأي الشرع في مثل هذا العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
النكاح هو الميثاق الغليظ ، وهو من أحكام الشرع العظيمة ، تستباح به الفروج ، وتثبت به الحقوق كالمهر والميراث ، وينتسب الأولاد به لأبيهم ، إلى غير ذلك من الأحكام .
وبالطلاق تحرم المرأة على زوجها ، وتُحرم من الميراث ، وتحل لغير ذلك الزوج ، بشروط معروفة ، وغرضنا من هذا البيان : تنبيه المسلمين إلى ضرورة عدم استعمال هذين العقدين في غير ما شرع الله تعالى ، وعدم اتخاذهما هزوا ولعباً ، وقد رأينا – وللأسف – من يعقد على امرأة لا ليباح له منها ما كان يحرم عليه من الاستمتاع ، ولا ليُكَوِّن معها أسرة – كما هو حال العقد الشرعي – بل ليتوصل به لغرض دنيوي ، كتسجيل أرض ، أو استخراج رخصة محل ، أو الحصول على إقامة ، أو ليمكّن المرأة من السفر خارج بلدها ، وكل ذلك لا يكون فيه الرجل زوجاً حقيقيا ، ولا تكون المرأة زوجة حقيقية ، بل هو زواج صوري ! حبر على ورق ! وهذا من اللعب والعبث بأحكام الشرع ، لا يحل فعله ، ولا المساهمة في إنشائه ، ويتعين المنع منه في حال أن يراد التوصل به لأمرٍ محرَّم كمن يفعل ذلك من أجل الإقامة في دولة غير مسلمة .
وقل مثل ذلك في الطلاق ، فهو حكم شرعي ، لا يجوز لأحدٍ الهزل به ، ولا العبث بأحكامه ، ويسمون ذلك " الطلاق الصوري " ! حبر على ورق !(/1)
وليعلم هؤلاء جميعاً أنهم آثمون بفعلهم هذا ، فلم يشرع الله تعالى النكاح والطلاق لتكون الزوجة اسماً على عقد ، ليس لها أحكام ، وليس عليها حقوق ، وليعلموا أن هذا النكاح تثبت أحكامه بمجرد العقد ، إن تمت شروطه وأركانه – وإن فَقَدَ منها شيئاً فهو باطل - وأن الطلاق من الزوج يقع على زوجته بمجرد التلفظ به ، فليس في الشرع نكاح صوري ، ولا طلاق صوري ، وأن الإثم يزيد على فاعلهما لو قصدا التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً ، كمن يتوصل به للتهرب من حقوق الناس وديونهم ، ولتتوصل المرأة من أخذ إعانة مطلقة من دولة أو مؤسسة ، أو ليتوصل به لأن يقيم في دولة غير مسلمة يحرم عليها الإقامة فيها ، وغير ذلك من المقاصد الباطلة المحرَّمة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"الشارع منع أن تتخذ آيات الله هزواً ، وأن يتكلم الرجل بآيات الله التي هي العقود إلا على وجه الجد الذي يقصد به موجباتها الشرعية ، ولهذا ينهى عن الهزل بها ، وعن التلجئة ، كما ينهى عن التحليل ، وقد دل على ذلك قوله سبحانه : ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزؤن بآياته ، طلقتك ، راجعتك ، طلقتك ، راجعتك ) فعلم أن اللعب بها حرام " انتهى .
" الفتاوى الكبرى " ( 6 / 65 ) .
وعليه :
فإذا تزوج رجل امرأةً تحل له ، وكان ذلك وفق الشروط الشرعية ، وقيام الأركان وخلو الموانع : فإنه نكاح صحيح تترتب عليه آثاره .
وإذا طلَّق الرجل امرأته لفظاً ، وقع طلاقه ، ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق .
وأما التطليق بالكتابة من غير لفظ ففيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (72291) .
ثانياً:
الزواج من تلك الأوربية بقصد الحصول على الإقامة ثم يطلقها بعد ذلك ، فعل محرَّم ، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في تحريم هذا الفعل في جواب السؤال رقم: (2886) .(/2)
وهو إن تزوجها من غير إتمام شروط النكاح ، كالزواج من غير ولي ، أو مع وجود مانع من صحة النكاح ، كأن تكون زانية ولم تتب ، أو تكون غير كتابية : فنكاحه لها محرَّم ، وهو باطل .
وإن تزوجها زواجاً تامة أركانه وشروطه ، وخاليا من الموانع : فزواجه صحيح ، وتترتب عليه آثاره ، وتحرم عليه نيته .
ثالثاً:
في تلك الأفعال القبيحة من الحصول على ورقة طلاق للزوجة الأولى ، والتزوج بثانية من أجل الإقامة ثم تطليقها : محذوران آخران :
الأول : التحايل ، والكذب ، وشهادة الزور ، فهو يتحايل على الدولة ويخدعها من أجل الحصول على الجنسية ، وهذا محرم .
والثاني : أنه يريد التوصل بالطلاق والزواج الصوريين للإقامة في بلاد الكفار ، وقد جاء في ديننا النهي عن الإقامة بين الكفار لغير حاجة ، لما في ذلك من الخطر العظيم على الدين والأخلاق ، وعلى الفرد والأسرة .
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسلِمٍ يُقِيمُ بَينَ أَظهُرِ المُشرِكِينَ ) رواه أبو داود ( 2645 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم : ( 27211 ).
فالذي ننصح به إخواننا هو أن يتقوا الله تعالى في العقود الشرعية ، وأن لا يتخذوها مطايا لغايات دنيوية ، وأولى أن يمتنعوا إن كانت الغايات محرَّمة ، وليتقوا الله تعالى في زوجاتهم ، وأولادهم ، وليتأملوا فيما يمكن أن تسببه أفعالهم في إيقاعهم في الحرج الشديد ، أو الحرمان من الحقوق ، وغير ذلك من المفاسد المترتبة على مباشرة تلك العقود بتلك الصور الفاسدة .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103433
العنوان:
حكم الصلاة في الملابس الضيقة
السؤال:
ما حكم الصلاة بالملابس الضيقة ؟ وهل يصلي بالناس من يرتديها؟
الجواب:
الحمد لله
"الملابس الضيقة يكره لبسها للرجال والنساء جميعاً، والمشروع أن تكون الملابس متوسطة، لا ضيقة تبين حجم العورة ولا واسعة، ولكن بين ذلك.
أما الصلاة فهي صحيحة ـ إذا كانت ساترة ـ ولكن يكره للمؤمن تعاطي مثل هذه الألبسة الضيقة وهكذا المؤمنة، يكون اللباس متوسطاً بين الضيق والسعة .هذا هو الذي ينبغي" انتهي.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/217).(/1)
رقم السؤال:
103434
العنوان:
حكم الرسم الكاريكاتيري
السؤال:
ما حكم الرسم ( الكاريكاتيري ) والذي يشاهد في بعض الصحف والمجلات ويتضمن رسم أشخاص؟
الجواب:
الحمد لله
"الرسم المذكور لا يجوز، وهو من المنكرات الشائعة التي يجب تركها لعموم الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم تصوير كل ذي روح سواء بالآلة أو اليد أو بغيرهما.
ومن ذلك ما رواه البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضى الله عنه أنه قال : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ثمن الكلب ، وثمن الدم ، ونهى عن الواشمة والموشومة ، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور) ، ومن ذلك أيضاً : ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الثابتة في هذا الموضوع ولا يستثنى من ذلك إلا من تدعو الضرورة إلى تصويره لقول الله عز وجل:( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ). أسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بشريعة ربهم ، والاعتصام بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، والحذر مما يخالف ذلك إنه خير مسؤول" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/343).(/1)
رقم السؤال:
103435
العنوان:
حكم الحمد بعد العطاس في الصلاة
السؤال:
إذا كان الإنسان في صلاة ثم عطس فهل يحمد الله ، سواء كانت فريضة أو نافلة؟
الجواب:
الحمد لله
"نعم ، يشرع له أن يحمد الله، لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يحمد الله بعد عطاسه في الصلاة فلم ينكر عليه . بل قال : ( لقد رأيت كذا وكذا من الملائكة كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها) ولأن حمد الله من جنس ذكر الصلاة ، وليس بمنافٍ لها" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/348) .(/1)
رقم السؤال:
103436
العنوان:
حكم استعمال البخور لطرد الشياطين
السؤال:
يقوم بعض الناس باستخدام بخور يباع عند العطارين يسمى "نقض" يدعون أنها تطرد الشياطين؟
الجواب:
الحمد لله
"لا أعلم لهذا العمل أصلاً شرعياً، والواجب تركه، لكونه من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما تطرد الشياطين بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من نزل منزلاً فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) وقال له رجل : يا رسول الله ، ماذا لقيت ُالبارحة من لدغة عقرب. فقال له صلى الله عليه وسلم :(أما إنك لو قلت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)، وقال عليه الصلاة والسلام : (من قال حين يصبح:بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح ) وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للعلم النافع والعمل به، إنه سميع قريب"انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/280).(/1)
رقم السؤال:
103437
العنوان:
(الدين المعاملة) ليس بحديث
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : (الدين المعاملة) ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا الكلام ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصل له في كتب السنة .
وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة المجلد الخامس من "سلسة الأحاديث الضعيفة" ص 11، وقال عنه : "لا أصل لذلك ، ولا في الأحاديث الموضوعة!" انتهى .
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله ، فقال :
"هذا ليس بحديث ، إنما هو من كلام الناس" انتهى .
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=1140
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103438
العنوان:
منعتهم الدولة من إظهار الأذان بالمكبِّرات فكيف يتصرفون ؟
السؤال:
أولاً : أود أن أشكركم على الأدلة التي قدمتموها لي عن الموسيقى ، بارك الله فيكم جميعاً فأنتم تقومون بعمل عظيم . أود أن أطرح عليكم سؤالاً خاصّاً بالأذان ، فأنا حقيقة من " موريشيوس " ، وقد ثارت مشكلة خاصة بالأذان منذ أسابيع قليلة ، وما حدث تحديداً أن قام أحدهم برفع دعوى قضائية ضد مسجد بـ " موريشيوس " ، وذلك ببساطة لأن صوت الأذان يزعجه مساء عند صلاة العشاء ، ولذلك فقد أصدرت المحكمة حكماً بمنع استخدام مكبرات الصوت عند الأذان مما خلق فوضى عارمة وقلقاً وتوتراً في جميع أرجاء " موريشيوس " ، والآن فإن جميع رجال الإفتاء والعلماء يجتمعون لإيجاد حل لتلك المشكلة ، حتى إن البعض يوجه تحذيراً للحكومة بالقول " لا تقتربوا من أذاننا " ، أود - فقط - معرفة ما إذا كان من الضروري إثارة مثل هذه المشكلة الكبيرة بسبب هذا الأمر ، وفى حقيقة الأمر : فإن الأدلة التي قدمتموها عن الموسيقى أقنعتني بحرمة الموسيقى تماماً ، ولهذا فأنا أشعر أنه من الممكن أن تقدموا لي أيضا دليلاً قاطعاً بخصوص الأذان ، مع الأخذ في الاعتبار أننا نعيش بـ " مريشيوس " ، وعليكم أن تدركوا أنها بلد متعددة الثقافات ، وبناء على هذا : فهل يجب علينا أن نناضل من أجل الأذان أم يمكن أن نقبل بهذا الوضع ؛ فإن تلك المشكلة يمكن أن تؤدى إلى نشوب حرب بالبلاد ؛ فإن الأمر أصبح شديد الخطورة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(/1)
موريشيوس جزر صغيرة بوسط المحيط الهندي ، تبعد عن ملاجاش ( مدغشقر ) بحوالي 500 ميلاً ، منعزلة ، لا يعرف عنها إلا القليل بسبب صغر مساحتها وبعدها ، توجد إلى الشرق من مدغشقر ، اكتشفها العرب قبل وصول الأوروبيين إليها بعدة قرون ، تقع في جنوبها الغربي جزيرة ريونيون ، ورغم هذا البعد والانعزال وصلها الإسلام في سنة 923 هـ - 1510 م ، وظلت بريطانيا تحتل الجزيرة حتى نالت استقلالها في سنة 1388هـ - 1968 م .وعدد سكانها في عام 2002 م : 1,189,825 نسمة .
ونسبة المسلمين فيها 20 % أي أن عددهم 215 ألفاً ، و55 % هندوس ، و20 % نصارى .
انتهى ملخصاً من موسوعة " ويكيبيديا " .
ثانياً:
سبق في جواب السؤال رقم ( 10078 ) أن الأذان فرض كفاية ، ونقلنا هناك عن علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أنه لو أذَّن مسجد واحد في الحي وسمعه جميع أهل الحي أنه يجزئ عن المساجد الأخرى ، وأن الأولى أن تؤذن المساجد جميعها ، لكن من غير وجوب .
ثالثاً:
للأذان حِكَم متعددة :
قال النووي رحمه الله :
"ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء : إظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد ، والإعلام بدخول وقت الصلاة ، وبمكانها ، والدعاء إلى الجماعة" انتهى .
" شرح مسلم " ( 4 / 77 ) .
وإذا عرفتم الحِكَم الجليلة في تشريع الأذان : فإن هذا يدفعكم لمحاولة نقض حكم المحكمة ، على أن تسلكوا الطرق الحكيمة والمناسبة لذلك ، مع ضرورة تجنب الصدام مع الدولة ، أو إحداث فتنة مع المخالفين من أهل الأديان ، فضلا عن الفتنة مع المسلمين ، والذي ننصحكم بعمله هو ما يلي :
1. الاستمرار بإقامة شعيرة الأذان داخل المسجد ، وتجنب إظهاره بالمكبرات .
2. بيان حكم الأذان لإخوانكم المسلمين ، وأنه يسعكم ترك الجهر به ، وأخبروهم أن شعيرة الأذان قائمة ، والمنع إنما هو من إظهار الصوت وتكبيره ، لا من إقامته .
3. رفع دعوى مضادة لنقض الحكم الجائر الصادر من تلك المحكمة .(/2)
4. إذا لم تنجحوا في الدعوى : فقدِّموا دعوى أخرى تطلبون فيها رفع الأذان في الأوقات الأخرى التي لا تسبب – حسب زعم ذلك المجرم الذي رفع قضيته عليكم – إزعاجاً للناس ، ولا تضيعوا هذه الفرصة من أيديكم ، ويمكنكم – إن شاء الله – الحصول على الإذن بإقامة الأذان في بعض الأوقات ، فلا تتخلوا عن ذلك ، ولو لوقت واحد .
5. إذا لم تنجحوا في شيء مما ذكرناه لكم : فلا تيأسوا ، واستمروا في المحاولات ، وأنتم مكرهون على ترك الجهر بالأذان ، ولن تأثموا بذلك .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"ثم لو فُرض أنهم مُنعوا من رفع الأذان : فهؤلاء مكرهون ، فإذا كانوا مكرهين : فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً" انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 166 / سؤال رقم 15 ) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لخدمة الإسلام ، وأن يجمع شملكم ، وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103439
العنوان:
هل يجوز للرجال استماع نشيد النساء ؟
السؤال:
هل يجوز للرجال سماع الأناشيد الإسلامية والشعبية من قبل فتاة مسجَّلٌ صوتُها على شريط تسجيل ؟
الجواب:
الحمد لله
نحن ندعوك - أخي السائل – وندعو جميع الإخوة المسلمين إلى التأمل معنا في شواهد الكتاب والسنة ، وإلى التبصُّرِ بأقوال أهلِ العلم ، ثم لْيحكم كلُّ امرئٍ فيما قرأ ، والمؤمن حسيب نفسه ، والله سبحانه وتعالى هو الرقيب على ما في قلبه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ )
رواه الإمام أحمد (4/228) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب (1734)
فنقول ابتداء : إن كل مسلم يقرأ ويسمع في كتاب الله تعالى آيةً عظيمةً يحذر الله فيها أطهر النساء وأعف الزوجات ، ويحثهن على الفضيلة والأدب والعفاف ، فيقول مرشدا لهن :
( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) الأحزاب/32(/1)
فهو سبحانه يريد تعليمهن وسائل إذهاب الرجس ، ووسائل التطهر ، وهُنَّ من أهل البيت ، وأطهر مَن عرفت الأرض من النساء ، ومَن عَدَاهُن من النساء أحوج إلى هذه الوسائل ممن عشن في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيته الرفيع ، فيبدأ بإشعارهن بعظيم مكانهن ورفيع مقامهن ، فيقول : ( لستن كأحد من النساء ).. وهكذا هي المرأة الرفيعة العظيمة ، تأبى إلا أن تبلغ بعزتها ورفعتها مقام نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي حين تسمع نهي الله لهن أن يخاطبن الأجانب من الرجال بلين الصوت والكلام ، تدرك أن لله الحكمة البالغة في أمره ونهيه ، وأنه سبحانه الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة اللين الرقيق ما يثير الطمع ويهيج الفتنة ، وأنه هذا هو شأن القلب البشري الذي تركبت فيه الشهوة في أصل الخلقة ، وأنه لا طهارة من الدنس ، ولا تخلص من الرجس ، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس .
والشريعة الحكيمة تأتي بسد أبواب الفتنة كلها ، وإن كانت مظنتها لفتنة الفرد ضعيفةً محتملة ، إلا أن أثرها على المجتمع عامةً ، وعلى المدى البعيد ، أثرٌ ظاهرٌ جليٌّ ، وإن خفي على بعض الناس ، فهو لا يخفى على الله سبحانه رب الناس ، وهو الذي أمر نساء المسلمين بجاد الكلامِ وحازم الخطاب .
إن النشيد الذي ينتشر بصوت المرأة أو الفتاة باب عظيم من أبواب الفتنة ، وإن كان أحدٌ يجادل في ذلك اليوم ، فسيأتي اليوم الذي لا يبقى فيه عذر لمن جادل إلا عذر الهوى والشيطان ؛ لأن باب الانحراف إذا فُتح ، وسَّعه الناس إلى الغاية ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فالبدع تكون فى أولها شبرا ، ثم تكثر فى الأتباع حتى تصير أذرعا وأميالا وفراسخ " مجموع الفتاوى (8/425) .(/2)
يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21
فالتزكية غاية المسلم والمسلمة ، وهي تعني طهارة القلب وصفاء النفس ، ولا بد لتحقيقها من السلامة من حبائل الشيطان ، فالقلب سريع التقلب ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والعبد ضعيف أمام شهوة الجسم التي ركبها الله فيه .
فليتق الله أولئك الذين يتحملون في رقابهم أوزار مجتمعات كاملة ، ويجترؤون على نشر أصوات الفتيات بالغناء والنشيد " الديني " باسم الإسلام ، وباسم الدعوة إلى الفضيلة وأحيانا إلى المقاومة ! ونحن نتساءل إن كانت الفضيلة والمقاومة تفتقر إلى صوت ناعم جميل وفتاة فاتنة ؟!! وهل عدمنا كل وسيلة للدعوة إلى الخلق والقيم والفضيلة إلا أن نجلس إلى الفتيات المنشدات ، أو أن نستمع إليهن عبر المسجلات والفضائيات ؟!!
ولعلنا نقترح هنا طريقة يتحاكم كلٌّ إليها ، ثم ينظر بها وجه الحق والصواب :
لو تخيلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعيش بين أظهرنا ، ثم قامت فينا شابة جميلة تنشد بصوتها الرقيق ألحان الغناء والنشيد ، واصطحبت معها أنواع المعازف وآلات الطرب ، واجتمع إليها الشباب والرجال يستمعون وينظرون ، فهل يتصور أحد عرف شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك سيقع منه موقع الرضا والقبول ، وهو الذي لوى عُنُقَ ابن عمه الفضل بن العباس كي لا ينظر إلى الشابة الخثعمية وقال : ( رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا )
رواه الترمذي (885) وقال حسن صحيح . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
يقول ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (277) :(/3)
" أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي الطيب الطبري قال : أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا : لا يجوز سواء كانت حرة أو مملوكة .
قال : وقال الشافعي : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، ثم غلَّظ القول فيه فقال : وهو دياثة .
قال ابن الجوزي : وإنما جعل صاحبها سفيها فاسقا لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا إلى الباطل كان سفيها فاسقا " انتهى .
بل إن الشريعة جاءت بلزوم خفض المرأة صوتها في العبادة ، فجعلت لمن نابه أمر في صلاته من الرجال أن يسبح ، وأما المرأة فلا تسبح ، كي لا يسمعها الرجال ، وإنما جعل لها التصفيق اللطيف باليدين ، وكذا الشأن في التلبية والأذان ورد السلام ، وهذه نقول عن فقهاء المذاهب الأربعة :
وفي "حاشية الطحطاوي" (1/161) من كتب الحنفية :
" قال في الفتح : الخلاف في الجهر بالصوت فقط ، لا في تمطيطه وتليينه " انتهى .
يعني : أن صورة التمطيط والتليين ممنوعة بلا خلاف .
وقال كمال الدين السيواسي في "شرح فتح القدير" (1/260) :
" صرّح في النوازل بأنّ نغمة المرأة عورة ، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من الأعمى ، قال : لأنّ نغمتها عورة ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) فلا يحسن أن يسمعها الرجل " انتهى .
وجاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/276) من كتب المالكية :
" ونصُّ الناصر : رفع صوت المرأة التي يخشى التلذذ بسماعه لا يجوز من هذه الحيثية ، لا في الجنازة ولا في الأعراس ، سواء كانت زغاريت أو لا ، وأما القواعد من النساء فلا يحرم سماع أصواتهن " انتهى .
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/156) :
" النساء مأمورات بالستر ، فأن لا يسمعَ صوتَ المرأة أحدٌ أولى بها وأستر لها ، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية ، وتسمع نفسها " انتهى .
وجاء في "روضة الطالبين" من كتب الشافعية (7/21) :(/4)
" وصوتُها ليس بعورة على الأصح ، لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة . وإذا قرع بابها - أي الرجل - فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم ، بل تغلظ صوتها " انتهى .
ويقول المرداوي في "الإنصاف" (8/31) من كتب الحنابلة :
" قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية صالح : يُسلّم على المرأة الكبيرة ، فأما الشابة فلا تنطق .
قال القاضي : إنما قال ذلك من خوف الافتتان بصوتها . وأطلقها في المذهب . وعلى كلا الروايتين يحرم التلذذ بسماعه ، ولو بقراءة ، جزم به في المستوعب والرعاية ، والفروع وغيرهم . قال القاضي : يمنع من سماع صوتها " انتهى .
ويقول ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/230) :
" وأما سماعه – يعني الغناء عموما - من المرأة الأجنبية فمن أعظم المحرمات ، وأشدها فسادا للدين " انتهى .
وكذا لا يجوز للرجال أن يستمعوا غناء النساء أو نشيدهن ، سواء كان ذلك عن حضور واجتماع ، أو كان بصوت مسجَّلٍ ، وسواء كانت كلمات النشيد تحث على الخلق والفضيلة والقيم ، أو كانت تدعو إلى الفتنة والرذيلة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (55/سؤال رقم 14) :
" رأيي أن هذا حرام : أن تظهر أصوات النساء عند الرجال الذي يجلسون يستمعون إليهن ويتلذذون بأصواتهن " انتهى .
بل إن الإشكال في سماع الأناشيد الدينية من الفتيات أو النساء ، أن صاحبه يرى أن ذلك قربة إلى الله تعالى ، ومنفعة للناس في دينهم ، بل ربما زاد فرآه نوعا من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله .(/5)
وقد سئل الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله عن : أقوام يقولون إن سماع الغناء بالدف والشبَّابة [ الزمارة ] حلال ، ... وذلك يحضرهم النساء الأجنبيات ، يخالطونهم في بعض الأوقات ، ويشاهدونهن بقربهم في بعض الأوقات ، وفي بعض الأوقات يعانق الرجال بعضهم بعضا ، ويجتمعون لسماع الغناء وضرب الدف من الأمرد والذي يغني لهم ، مصوبين رؤوسهم نحو وجه الأمرد ، متهالكين على المغني والمغنى ، ثم يتفرقون عن السماع بالرقص والتصفيق ، ويعتقدون أن ذلك حلال وقربة ، يتوصلون بها إلى الله تعالى ، ويقولون : إنه أفضل العبادات !! فهل ذلك حرام أم حلال ؟ ومن ادعى تحليل ذلك هل يزجر أم لا ؟..
أجاب رضي الله عنه : لُيعلم أن هؤلاء من إخوان أهل الإباحة الذين هم أفسد فرق الضلالة ، ومن أجمع الحمقى لأنواع الجهالة والحماقة ، هم الرافضون شرائع الأنبياء ، القادحون في العلم والعلماء ، لبسوا ملابس الزهاد وأظهروا ترك الدنيا ، واسترسلوا في اتباع الشهوات وأجابوا دواعي الهوى ، وتظاهروا باللهو والملاهي ؛ فتشاغلوا بما لم يكن إلا في أهل البطالة والمعاصي ، وزعموا أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى زلفى ، [ وأنهم ] مقتدون فيه بمن تقدمهم من أهل الرشاد ، ولقد كذبوا على الله سبحانه وتعالى ، وعلى عباده الذين اصطفى ؛ أحبولةً نصبوها من حبائل الشيطان خداعا ، واعجوبة من حوادث الزمان جلبوها خداعا للعوام وتهويشا لمناظم الإسلام ... فقولهم في السماع المذكور "إنه من القربات والطاعات " قول مخالف لإجماع المسلمين ...
وأما اباحة هذا السماع وتحليله فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والخلاف أنه أباح هذا السماع ...(/6)
وأما ما ذكر من سماعهم من الأمرد مع النساء الأجنبيات ، واستباحتهم لذلك ؛ فهو قطعا من شأن أهل الإباحة ، ومن تخاليط الملاحدة ، ولم يستجزه أحد من المسلمين من علمائهم وعبادهم وغيرهم .... " انتهى ، والفتوى مطولة ، نقلنا منها فقرات ، فانظر فتاوى ابن الصلاح (2/499-501) .
وانظر جواب السؤال رقم (11563) ، (99630) .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
103443
العنوان:
هل يسافر مع أمه محرما أم يبقى ليستعد للامتحانات
السؤال:
أدرس في بلد أجنبي , وأمي عندي في زيارتي , بعد ثلاثة أسابيع ستسافر مع صديقتها إلى بلدي المسلم حيث يتواجد أبي . أولاً : لا أدري إذا أردت السفر معها هل سأنجح في جميع الامتحانات في الوقت المناسب؟ ثانياً, إذا استطعت السفر معها سيرغموني على حضور عرس بنت عمي الذي يشمل المحرمات , و إذا امتنعت قد يحصل مشاكل مع الأهل والأقارب, ولذلك أنوي التأخير والتحجج بالامتحانات لتجنب الحضور. فما هو الأولى, أن أكون محرما لوالدتي(إذا نجحت الامتحانات), أم اجتناب مواجهة حضور العرس؟ جزاكم الله خيراً. إن كان بالإمكان الرد على السؤال قبل سفر أمي. إن لم تستطيعوا, لا حرج, جزاكم الله خيراً في كل الأحوال, على الأقل سأعرف للمرة القادمة إن شاء الله.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز سفر المرأة بلا محرم ، كما هو مبين في السؤال رقم (101520) ورقم (9370)
أولا : في ظننا أنه لا يغيب عن بالك أنك إذا استطعت تأخير سفر أمك إلى ما بعد انتهائك من الامتحانات ، فتصحبها في سفرها ، وتجمع الخير كله ، إن شاء الله ، فهو الواجب عليك .
وأما إذا لم يكن ذلك ممكنا ، كما يظهر من سؤالك ؛ فأنت الذي تستطيع تقدير ما يتعلق بالدراسة والامتحانات ، فإن كانت مدة السفر يسيرة ، ويمكن أن تتدارك ما فاتك ، وتتهيأ للامتحانات بعد عودتك ، فاجتهد في أن تسافر مع أمك ، واعلم أن ما تنفقه من الوقت والجهد في هذه الصحبة التي تبر بها أمك ، وتقيها من الوقوع في الإثم ؛ فإن الله سيخلفه عليك ، ويعوضك ـ إن شاء الله ـ خيرا مما فاتك .
وأما إن كنت تعلم ، أو يغلب على ظنك ، أنه يحصل لك ضرر في دراستك ، أو قصور في الاستعداد لامتحاناتك ، فلا يلزمك ذلك ، واجتهد في تقليل الشر والمفسدة المترتبة على سفرها بدون محرم ، بتأمين رفقة مأمونة من النسوة الثقات ، ما أمكنك ذلك .
ثانيا :(/1)
لا يجوز حضور العرس المشتمل على المحرمات ، وعلى المرء أن يبذل النصيحة لأهله وأقاربه ، وأن يهنئهم في أفراحهم ومسراتهم دون أن يحضر شيئا من المنكرات ، وإن أمكن أن تجعل السفر بعد العرس ، لتتجنب حضوره ، سواء بقيت معك أمك ، أو سافرت قبلك ، فهذا أسلم لك ، وأبعد عن الحرج والإثم .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " إذا كانت حفلات الزواج خالية من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء، والغناء الماجن ، أو كانت إذا حضرت غيّرت ما فيها من منكرات جاز لها أن تحضر للمشاركة في السرور، بل الحضور واجب إن كان هناك منكر تقوى على إزالته. أما إن كان في الحفلات منكرات لا تقوى على إنكارها فيحرم عليها أن تحضرها ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ ) الأنعام: من الآية70) وقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (لقمان:6) والأحاديث الواردة في ذم الغناء والمعازف كثيرة جدا " انتهى نقلا عن فتاوى المرأة ، جمع محمد المسند ، ص 92
وينظر : سؤال رقم (10957) .
فاجتهد فيما تراه الأصلح ، وقدم برّ الوالدة ما استطعت ، ولعل الله تعالى أن يوفقك في امتحانك ، ويعوضك خيرا عن الوقت الذي بذلته من أجل رعاية أمك و البر بها .
ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103490
العنوان:
حكم الكذب لدفع الظلم وحماية المال
السؤال:
ورد في إجابة السؤال رقم 45713 بأنه يشرع للإنسان أن يتخلص من هذه الرسوم المحرمة بكل وسيلة ممكنة لا يترتب عليها ضرر أو مفسدة أعظم ، ولو كان ذلك بالحيلة أو بدفع مبلغ للتخلص من الظلم الواقع عليه . والسؤال هو كيف لي أن أقدر الضرر ؟ السؤال الثاني : في بلدنا يوجد قرار يمنح الحق للطلبة المقيمين في الخارج لأكثر من سنة بأن يقوموا باستيراد سيارة من الخارج وتكون سنة الصنع غير محددة بزمن معين في الوقت الذي يتم فيه تحديد العمر للسيارات المستوردة من قبل المواطنين المقيمين في البلد وهو 7 سنوات فقط وبالتالي يكون سعر السيارة أعلي بكثير من السيارة التي يقوم الطلبة باستيرادها وهنا بدأ التحايل على الجمارك بأن يقوم بعض المواطنين بتزوير ما يفيد بأنه مقيم في الخارج أو يدرس في الخارج لأكثر من عام وبالتالي يستطيع استيراد سيارة بسعر أقل وجمرك أقل , فهل يجوز لي أن اشترى مثل هذه الرسائل المزورة لأتمكن من استيراد سيارة وبسعر أرخص وبالتالي دفع جمرك أقل . ويوجد بعض المخلِّصين الجمركيين تقوم بإعطائهم مبلغاً من المال ويقومون هم بإكمال كافة الإجراءات من ضمنها توفير الرسالة التي تفيد بأنك مقيم في الخارج وبالتالي تصبح قادراً على إتمام إجراءات استيراد السيارة فهل يجوز هذا النوع من التحايل لغرض التجارة أو الامتلاك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تقدير الضرر والمفسدة يعتمد على معرفة النظم والقوانين المعمول بها في البلد ، ومدى التساهل أو التشدد في تطبيقها ، فقد يتخلص الإنسان من الضريبة بدفع جزء من المال للقائمين على تحصيلها ، وهو يعلم أنه في حال اكتشاف الأمر لن يناله عقاب أو مضرة ، أو أنه يمكن تلافي ذلك ببعض الوسائل ، وقد يكون الأمر على العكس من ذلك ، بحيث ينال عقابا مضاعفا ، فهذا يختلف باختلاف البلدان والأنظمة .(/1)
ومرادنا بالوسيلة الممكنة : الوسيلة المباحة ، التي منها دفع المال ، لرفع الظلم ، كما بَيَّن أهل العلم ، فإن الإثم هنا يكون على الآخذ ، لا على الدافع ، وينظر : جواب السؤال رقم : (25758) ورقم (72268) .
ثانيا :
لا ينبغي الإقدام على الكذب ، لرفع هذا الظلم ، بل يلجأ إلى استعمال المعاريض إن أمكن .
قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/11) في بيان حكم الكذب : " قال ابن الجوزي وضابطه : أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان ذلك المقصود مباحا , وإن كان واجبا فهو واجب .... ويجب الكذب إذا كان فيه عصمة مسلم من القتل ".
إلى أن قال : " ومهما أمكن المعاريض حرم ، وهو ظاهر كلام غير واحد ، وصرح به آخرون لعدم الحاجة إذاً ..." انتهى .
فإن لم يمكن استعمال المعاريض ، جاز الكذب لدفع الظلم واستنقاذ المال .
قال ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة الحجاج بن عِلاط رضي الله عنه : " ومنها : جواز كذب الإنسان على غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير ، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب . وأما ما نال مَنْ بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ولا سيما تكميل الفرح والسرور وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب ، فكان الكذب سببا في حصول هذه المصلحة الراجحة " انتهى من "زاد المعاد" (3/306).(/2)
وقصة الحجاج بن علاط رواها أحمد بإسناد صحيح ، وجاء فيها : عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا ، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ أَوْ قُلْتُ شَيْئًا ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ ، فَقَالَ : اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ اسْتُبِيحُوا ، وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ ، قَالَ : فَفَشَا ذَلِكَ فِي مَكَّةَ ) الحديث .
فخدع كفار قريش بهذا الكذب ، واستطاع أن يخلص ماله .
وقال الغزالي في الإحياء (3/138) : " فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلما ، وعرضه ، بلسانه وإن كان كاذبا " انتهى .
وقال أيضاً: " إلا أنه ينبغي أن يحترز منه [يعني الكذب] ما أمكن ، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة ، فيكون الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة " انتهى .
وقال الدردير في "الشرح الصغير" (1/744) : " يكون الكذب واجباً لإنقاذ نفس معصومة أو مال معصوم من ظالم " انتهى .
وقال الخادمي في "بريقة محمودية" (3/178) بعد ذكر ما رخص فيه الشرع من الكذب في الحرب وللصلح بين الناس وبين الزوجين : " وألحق بهذه الثلاثة بدلالة النص أو القياس دفع ظلم الظالم كمن أخفى مسلما عن ظالم يريد ظلمه ، أو أخفى ماله وسئل عنه ، وجب الكذب بإخفائه ، وكذا نظائره .(/3)
والحاصل : أن الكلام وسيلة إلى المقاصد ، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب وإلا جاز الكذب ، ثم إن كان المقصود مباحا فالكذب مباح ، وإن واجبا فواجب ، كما نقل عن رياض الصالحين للنووي ، ويؤيده قاعدة للوسائل حكم المقاصد " انتهى .
وهذا مقيد أيضا بأن يغلب على الظن عدم ترتب مفسدة أكبر أو مضرة أعظم في حال اكتشاف الأمر .
وفي "الموسوعة الفقهية" (34/205) : " ومحل الوجوب (أي وجوب الكذب إذا كان المقصود واجبا) ما لم يخش التبيّن ويعلم أنه يترتب عليه ضرر شديد لا يحتمل " انتهى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
103492
العنوان:
أخطأ الإمام في النية فقطع الصلاة وكبر للإحرام ولا يعلم المأمومون بحاله
السؤال:
كنت أصلي إماما بالناس صلاة الظهر ، ولكني عند تكبيرة الإحرام نويت صلاة العصر سهوا مني ، وبعد أن كبرت تكبيرة الإحرام تذكرت أني سأصلي الظهر وليس العصر ، ولكن كان من يصلي خلفي كبروا تكبيرة الإحرام وكان عددهم كبيرا ، فتحيرت فيما أفعل ، فنويت قطع الصلاة في نفسي ، ثم كبرت للإحرام مرة أخرى بنية صلاة الظهر إماما بالمصلين ، وأكملت الصلاة بالمأمومين ، فما حكم صلاتي ، وما حكم صلاة المأمومين خلفي ؟ وماذا يجب على الإمام إذا حدث له موقف كهذا فالسهو لا يسلم منه أحد ؟
الجواب:
الحمد لله
صلاتك صحيحة ، وصلاة المأمومين كذلك ؛ لعدم علمهم بحال إمامهم ، واعتقادهم صحة صلاته ، كمن صلى خلف إمام تبين أنه محدث .
ولا يضر كونك قطعت صلاتك ثم عدت إماما لهم ، فإنه إذا بطلت صلاة الإمام ، جاز للمأمومين أن يتموا صلاتهم فرادى ، أو أن يقدموا من يصلي بهم .(/1)
كما يجوز للإمام الراتب إذا تأخر عن الصلاة حتى قَدَّم الناس من يصلي بهم أن يتقدم ليؤم الناس ويتأخر الإمام الذي كان بدأ بهم الصلاة ويصير مأموماً ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى أبو بكر بالناس ، فقد روى البخاري (368) ومسلم (418) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ . قَالَ عُرْوَةُ : فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ) .
وإذا علم الإمام أنه لم ينو الصلاة المفروضة ، فإنه يقطع صلاته ، ويُعلم المأمومين بذلك ، ليستأنف بهم الصلاة من جديد ، ولا يتحرج من هذا ، فإن النسيان يعتري بني آدم ، وقد نسي أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم في صلاته ، وإذا خشي حدوث تشويش على المصلين فلا حرج عليه في هذه الحال أن يقدم أحداً من المأمومين ليتم الصلاة بالناس ، ويرجع هو ويصير مأموماً ، ويبتدئ الصلاة من جديد خلف هذا الإمام .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103493
العنوان:
حكم بطاقة الفيزا لبنك الرياض
السؤال:
ما حكم بطاقة فيزا الشراء من بنك الرياض ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية :
1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر عن السداد .
2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة ، زيادة على التكلفة الفعلية .
3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة ، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط، ، وما زاد على ذلك فهو ربا .
4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية ، بالبطاقة غير المغطاة .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن ، وراجع جواب السؤال رقم (97530).
ثانيا :
ليس لنا اطلاع على بطاقة الفيزا التابعة لبنك الرياض ، لكن سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله : ما حكم بطاقة بنك الرياض الائتمانية؟
فأجاب : " بطاقة ربوية لا تجوز بحال " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت .
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=492
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103507
العنوان:
اتهمت زوج أختها بتحرشه الجنسي بها وهو يكذبها فما تصنع الزوجة؟
السؤال:
أشعر باليأس ، وأسألكم النصيحة في موقف حدث منذ عدة شهور بين زوجي وأختي التي ادَّعت أن زوجي قد تحرش بها جنسيّاً ، باستخدام القوة بالطبع ، وقد حدث هذا أيضاً من قبل ، من عدة سنين ، لقد صدمت وحاولت أن أفهم الأمر وتحدثت مع كل منهما على حدة ، إلا أن زوجي حلف بالله العظيم أنه لم يفعل ذلك ، وأقسمت أختي أن ذلك قد حدث ، لا أعرف ماذا أفعل ؟ لقد تزوجنا منذ 15 عاماً ، وقد قال زوجي لي : إنه إذا كان قد فعل ذلك فزواجنا بطل ، فهل هذا صحيح ؟ لقد كانت مشاعري له قويَّة جدّاً ، ولكني الآن أشعر بالحيرة من أمري ، ولا أعرف ماذا أفعل ، أن أصبر : أمر صعب للغاية ، أشعر أن إيماني ليس كما كان ، أشعر بالضعف ، ولا أستطيع أن أفكر ، لا أريد أن أفقد زوجي ، ولكني لا أستطيع العيش معه ، أبكي كل يوم بكاءً شديداً ، فبما تنصحونني ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
أخت الزوجة أجنبية عن الزوج ، ويظن بعض الناس أن معنى الحرمة المؤقتة أنه يجوز له النظر إليها ، والخلوة بها ، ومصافحتها ، وهذا بعيد عن الحق والصواب ، وليس الأمر كذلك ، بل هي أجنبية عن زوج أختها ، ومعنى الحرمة المؤقتة أنه لا يحل له الجمع بينها وبين أختها في النكاح ؛ لقوله تعالى – في سياق بيان المحرمات من النساء في النكاح : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ... وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) النساء/ 23 .
وبسبب هذا الفهم المغلوط صارت أخت الزوجة جزء من حياة أختها ، تدخل البيت ، وتسهر مع أختها وزوجها ، ويراها وتراه ، وهو ما مَهَّد طريقاً لإبليس للإيقاع في الفحشاء ، فتولدت العلاقات المحرَّمة ، وصرنا نسمع عن موبقات وفواحش في بيت الزوجية .(/1)
وكما يحدث هذا مع أخت الزوجة فإنه يحدث – كذلك – مع أخي الزوج ، ولو تأمل المسلم مشكلات بيوت الزوجية ومآسيها من حيث الوقوع في فاحشة الزنا لوجد كثيراً منها سببه : أخت الزوجة ، أو أخو الزوج .
وانظري كلاماً مهمّاً للشيخ العثيمين في هذا الباب في جواب السؤال رقم : ( 13261 ) .
ثانياً:
الاتهامات المتبادلة بين زوجك وأختك لا يمكنك معرفة الصادق منهما من الكاذب ، فاتهامها له بالتحرش الجنسي بها ، واتهامه لها بالكذب : كل ذلك لا ينبغي أن يجعلك تحكمين على أحدهما بما يسوؤه ، ما لم تكن هناك بيِّنة أو قرينة قوية يُحكم بها لأحد الطرفين ، أو يكون اعتراف من أحدهما .
والذي ينبغي عليكِ فعله تحذيرهما من الوقوع فيما حرَّم الله من الأفعال المشينة ، ومن الكذب والافتراء ، والاتهام بالباطل ، فإن كانت أختك كاذبة ردعها ذلك عن اتهامه ، ووجب عليها التوبة من اتهام زوجك ، وإن كان زوجك كاذباً وجب عليه التوبة الصادقة .
وإن لم تكن بينة ، ولا اعتراف : لم يكن في يدك ما تفعلينه سوى الاحتياط للمستقبل أن لا يقع مثل ذلك ، ويجب عليك الحيلولة دون لقاء أختك بزوجك ، ورؤيتها له ، واعلمي أن تهاونكم في العمل بأحكام الشريعة ، وتساهلكم في الاختلاط هو الذي سهَّل الطريق لهذا الفعل المحرم ، - إن كان وقع _ ولهذه الاتهامات المتبادلة .
كما نوصيك بستر الأمر عن الناس ، وعدم ذِكره لأحدٍ ؛ لأنه ليس هناك فاعل لمنكر ببينة شرعية ؛ ولأن الإسلام يوصي بالستر ، إلا من كان فاعلاً لمنكر ولم يتب منه ، ويُخشى أن يُكرِّر فعله مع أناسٍ آخرين .
ثالثاً:
وأما ما قاله زوجك من أنه لو حصل منه هذا الأمر لكان عقد الزوجية باطلاً : فهذا القول غير صحيح ، وإنما قال بعض العلماء فيمن زنى بأخت امرأته : إنه تحرم عليه امرأته ولا يقربها حتى تنتهي عدة أختها التي زنى بها ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (105468) .(/2)
رقم السؤال:
103515
العنوان:
من هو الذي ألقي عليه شبه عيسى عليه السلام ؟
السؤال:
عندي بعض الأسئلة عن الشخص الذي صلب بدلا من عيسى عليه السلام، فقد قرأت أنه الشخص الذي خان عيسى (ص) وكان شبهه وأنه صلب بدلا منه، وفي مكان آخر قرأت أنه من أصحاب عيسى ضحى بنفسه وصلب بدلا من عيسى. فما هي الحقيقة؟
الجواب:
الحمد لله :
ورد القرآن ببيان أن عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل وأنه رفع إلى السماء ، ولم يرد نص من الوحي يبين لنا تفاصيل ما جرى يوم شُبِّه على اليهود ما شُبِّه عليهم ، لكن صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المسيح عليه السلام قال لمن كان معه من أصحابه في البيت : (أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا ، فقال له : اجلس . ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب ، فقال : اجلس . ثم أعاد عليهم ، فقام ذلك الشاب فقال : أنا , فقال : أنت هو ذاك . فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/337) معلقا على هذا الأثر : "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، وكذا ذكر غير واحد من السلف أنه قال لهم : أيكم يلقى إليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة" انتهى .
ثم قال رحمه الله (4/341): "واختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقي على جميع أصحابه" انتهى .
وهذا وارد في أثر عن وهب بن منبه رواه ابن جرير رحمه الله وذكره ابن كثير (4/337) وفيه أنهم لما أحاطوا بعيسى وأصحابه ودخلوا عليهم : ( صورهم الله عز وجل كلهم على صورة عيسى ، فقالوا لهم : سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا ) حتى خرج إليهم واحد منهم بعدما وعده عيسى عليه السلام بالجنة فأخذوه وصلبوه .
لكن قال ابن كثير بعده : "وهذا سياق غريب جدا" انتهى .(/1)
وقال أيضا رحمه الله (4/341) : "وبعض النصارى يزعم أن يودس زكريا يوطا ـ وهو الذي دل اليهود على عيسى ـ هو الذي شبه لهم فصلبوه ، وهو يقول : إني لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه . فالله أعلم أي ذلك كان" انتهى .
هكذا ختم ابن كثير رحمه الله هذا البحث بقوله : "فالله أعلم أي ذلك كان" .
والعلم بهذا ليس من ورائه كبير فائدة ، ولو كانت لنا إليه حاجة لبينه لنا نبينا صلى الله عليه سلم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103523
العنوان:
حكم لصقات ( النيكوتين )
السؤال:
قررت الإقلاع عن عادة التدخين . سؤالي : هل يجوز استعمال ما يسمى بـ " شريط النيكوتين " لمساعدتي للإقلاع عن التدخين ؟ هل يؤثر ذلك على الصلاة ؟ هل يؤثر على الصيام ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
( النيكوتين ) مركب عضوي ، شبه قلوي ، سام ، يعد من أخطر المواد المضرة الموجودة في التبغ - الدخان - ، وهي المادة التي تسبب الإدمان لدى المدخنين ، لذلك حرص العلماء على إيجاد البدائل التي تعين المدخن على التخلص من إدمان ( النيكوتين ) الضار ، وذلك بتصنيع ( النيكوتين ) المخفف والمحسن ، ليؤخذ على شكل أقراص ، أو لبان ، أو أعواد كالسجائر ، أو لصقات تحتوي على كميات متفاوتة من هذه المادة ، ليتدرج المدخن في استعمال البدائل كي يتمكن من التوقف عن التدخين لأطول فترة ممكنة ، دون التعرض لأعراض الانسحاب التي تنتج عن التوقف المفاجئ عن التدخين ، والتي غالبا ما تضطر المدخن للعودة إلى التدخين كي يتخلص من تلك الأعراض .
ثانياً :
لاصقة ( النيكوتين ) عبارة عن شريط مطاطي لاصق ، ينبعث منه النيكوتين على هيئة مادة لزجة ( جل ) ، يمتصها الجلد ، ثم تنتقل عبر الشعيرات الدموية إلى الدم ، فتساعد المدخن على التخلص من أعراض الانسحاب ، وتوجد ثلاث درجات للاصقة النيكوتين من حيث قوة تأثيرها : 5 ، 10 ، 15 ملجم ، وتلصق عادة على الجزء العلوي من الذراع ، وفترة بقائها على الجلد 16 ساعة فقط فى اليوم ، ولا تستخدم عند النوم ، وقد تظهر معها بعض الأعراض الجانبية المضرة : كاضطراب ضربات القلب ، والغثيان ، والضعف العام .
ثالثاً:
أما حكم استعمالها : فهو الجواز إن شاء الله تعالى ، إلا إذا أدت لضرر محقق فينهى عنها حينئذ ، والأمر فيها راجع إلى تقدير الطبيب المؤتمن .
وإذا استعملها الإنسان وهو صائم فلا يؤثر ذلك على صيامه .
جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " ( رقم / 93 ) :(/1)
"الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات :... وعدَّ منها :
ما يدخل الجسم امتصاصا من الجلد : كالدهونات ، والمراهم ، واللصقات العلاجية الجلدية المحمَّلة بالمواد الدوائية ، أو الكيميائية" انتهى باختصار .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
يباع في بعض الصيدليات لصقة طبية ، توضع على الجسم ، تعطي الجسم حاجته من ( النيكوتين ) إلى أربعة وعشرين ساعة ، كخطوات للإقلاع عن التدخين .
السؤال : إذا وضعت في الليل لمدة أربع وعشرين ساعة ، ثم توضع غيرها ، فهل يكون الإنسان مفطراً في رمضان عند استخدامه لها ؟ .
فأجاب:
"لا يكون مفطراً في رمضان ، وله أن يستعملها ، بل قد يجب أن يستعملها إذا كان هذا طريقاً إلى الكف عن استعمال الدخان ، ولا بأس للإنسان أن يترك المحرم شيئاً فشيئاً ؛ لأن الله تعالى لما أراد تحريم الخمر لم يحرمه بتاتاً مرة واحدة ، بل جعل ذلك درجات ، فأباحه أولاً ، ثم بين أن مضرته أكثر ، ثم نهى عنه في وقت من الأوقات ، ثم نهى عنه مطلقاً ، فالمراتب أربع :
1. أحله في قوله تعالى : ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) النحل/ 67 ، وهذا في سياق الامتنان ، فيكون حلالاً .
2. عرَّض بتحريمه في قوله : ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/ 219 .
3. منعه في وقت من الأوقات : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) النساء/ 43 ، وهذا يقتضي أن نتركه عند الصلاة .
4. وحرَّمه بتاتاً في قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) المائدة/ 90 .(/2)
ولهذا نزل تحريم الخمر وآنية الصحابة مملوءة من الخمر ، حتى خرجوا بها إلى الأسواق وأراقوها في الأسواق ، وسبحان الله فما الفرق بيننا وبينهم ؟ الفرق بيننا وبينهم في الامتثال كالفرق بين زمانهم وزماننا ، لم يتلكأوا ، لم يقولوا نشرب ما بقي في الأواني ، أبداً ، تدار بينهم الكئوس فخرجوا وأراقوها في الأسواق ، امتنعوا منعاً باتاً ، ولم يقولوا : إنا قد اعتدنا على هذا وما أشبه ذلك ، لا ، تركوه نهائيّاً ؛ لأن عندهم من العزيمة ما يسهل عليهم الشدائد " .
" الجلسات الرمضانية " ( عام 1415هـ 1 / سؤال رقم 10 ) .
رابعاً:
لا حرج على من صلَّى واللصقة على جسده ، إذ ليس فيها شيء من النجاسة كي تؤثر على صحة الصلاة ، كما أنها توضع على العضد ، وهو موضع لا يحتاج إلى غسله في الوضوء .
وإنما تجب إزالتها إذا أراد الاغتسال من الجنابة .
ونسأل الله تعالى أن يعينك على ترك هذا المحرم الخبيث .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
103524
العنوان:
أجوبة من دخل في الإسلام على السؤال المتبادر " لماذا أسلمتَ " ؟
السؤال:
يسألني أحد زملاء العمل " لماذا أسلمت ؟ " فقلت له : إن هذا هو الطريق الذي كان يجب أن أسلكه ، لا أعرف أحيانًا ما يجب أن أقوله ، وعندما أحاول : أشعر أن ردي غير صحيح ، كيف أرد على مثل هذا السؤال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يتقبل إسلامك ، وأن يثبتك على الحق ، ويهديك لما يحب ويرضى .
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أنك سلكتِ الطريق الصحيح ، فالإسلام دين الفطرة ، ودين الأمن ، والسعادة ، يشعر بذلك كل من انتسب لهذا الدين العظيم ، وقد يشعر بذلك أكثر من كان غارقاً في ظلمات الجهل والضلال والكفر ، ويشعر الناطق بالشهادتين بشيء في قلبه لا يستطيع وصفه لأحدٍ ، ولذلك تغلب أكثرهم دموع الفرح والسعادة ، ولا شك أن الله تعالى قد جعل للإسلام طعماً ، وللإيمان حلاوة ، وهو ما نصَّت عليه نصوص شريعتنا ، ويشعر بذلك الطعم ، ويتذوق تلك الحلاوة من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً .
ثانياً:
إن الذي يكرمه الله تعالى بدخول الإسلام يجد من الأسباب لدخوله فيه ما لا يجده غيره ، ويرى فيه من الجوانب ما لا يراه غيره ، وما ذلك إلا لعظمة هذا الدين ، وكثرة جوانب الخير فيه ، وصلاحيته لجميع طبقات الناس وبيئاتهم وثقافاتهم ، ومن هنا فإن من يدخل في هذا الدين العظيم يذكر من الأسباب لإسلامه ما لا يذكره غيره غالباً ، وكلها إجابات صحيحة تحكي واقعهم وواقع الإسلام ذاته ، ويمكنك الوقوف على بعض تلك الإجابات ، والاستفادة منها ، ونحن نفضل أن تذكري شعورك أنت ، والسبب الذي دفعك أنت للدخول في هذا الدين ، فهو تعبير عن واقعك الذي تعيشين ، وأنت أبلغ من يستطيع التعبير عنه .
ولا مانع من ذِكر بعض تلك الأسباب عند غيرك ممن دخل في الإسلام ؛ فقد يكون ثمة اشتراك في بعضها بينك وبينهم .(/1)
1. سئل أعرابي : لماذا أسلمتَ ؟ قال : لم أرَ شيئاً من قول ، أو فعل يستحسنه العقل ، وتستطيبه الفطرة : إلا وحثَّ عليه الإسلام ، وأمر به ، وأحلَّه رب العزة سبحانه ، ولم أجد شيئاً يستقبحه العقل ، وتستقذره الفطرة : إلا ونهى الله عنه ، وحرَّمه على عباده .
2. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين : جوابي لمن سألني لماذا أسلمت : هو : أن الإسلام دين التوحيد ، والسعادة ، والراحة النفسية ، والعيشة الهانئة ، إذا التزمت به ، وطبقت تعاليمه ، وهو دين العدل الإلهي .
3. قال " محمد أسد " - السياسي ، والمؤلف النمساوي - : لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب ، والتي ترسم برنامجاً عمليّاً للحياة من الجانب الآخر .
4. قالت الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي : لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات ، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه ، ويتناسب مع فطرته ، ملبسه ، ومأكله ، وعمله ، ونظام زواجه ، اختياراته في الحياة ، علاقاته بالآخرين ، ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان ، والأمان النفسي، الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة .
5. قالت أم عبد الملك – الأمريكية المسلمة - : أذهلني الإسلام الذي رفع من مقدار الوالدين .(/2)
6. قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - : إن أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها ، وبحث فيها بحثَ مستقلٍّ منصفٍ ، وأَطال البحث في النصرانية ؛ لما للدول المنسوبة إليها من الملك ، وسعة السلطان ، والتبريز في الفنون ، والصناعات ، ثم نظر في الإسلام ، فعرف أَنه الدين الحق ، فأَسلم ، وأَلف كتاباً باللغة الإنجليزية سماه " لماذا أَسلمت " ، بيَّن فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان ، وكان أَهمها عنده : أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ ، فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله ، النبي الأمي العربي ، المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب ، وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربا لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر ، فتجعله إلهاً وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به ، فإن هذه الأناجيل الأربعة على عدم ثبوت أَصلها ، وعدم الثقة بتأْريخها ، ومؤلفيها : لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة ، حدثت - كما تقول - في أَيام معدودة ، ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل ، وتربيته ، وتعليمه ، وأَيام صباه ، وشبابه ، ولله في خلقه شئون .
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 1 / 48 ) .
7. قال " يوسف خطَّاب " – المتحول من اليهودية إلى الإسلام – لما سئل لماذا أسلمت - : لأن الإسلام دين التوحيد ، قرأت عنه كثيراً ، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة .
والكلمات كثيرة ، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة ، والأمن ، والسعادة ، والأحكام الحكيمة ، والأخلاق الرفيعة ، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة ، أو الأنظمة والقوانين البشرية : فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف ، وأنه ليس ثمة مجال للمقارنة أصلاً .(/3)
8. وتصف " ميري واتسون " – الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية ، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول : شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي ، فاعتدلت من فوري ، وقلت : يا رب أنا مؤمنة بك وحدك ، ونطقت بالشهادة ، وشعرت بعدها باطمئنان ، وراحة تعم كل بدني ، والحمد لله على الإسلام ، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي .
انتهى
وننصحك – أختنا الفاضلة – بقراءة كتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، للشيخ أبي الحسن الندوي ، وكتاب : الإسلام على مفترق الطرق ، والطريق إلى الإسلام ، وهما للأستاذ محمد أسد ، والثلاثة متوفرة باللغة الإنجليزية .
كما ننصحك بقراءة قصص واقعية لمن اهتدوا إلى الطريق المستقيم ، وأسلموا لله تعالى ، وفيها بيان : كيف اهتدوا ، وما هي خطواتهم الأولى نحو الهداية ، وذلك تحت هذا الرابط :
http://www.themwl.com/AlDaawa/default.aspx?ct=1&cid=7&l=AR
ونسأل الله لك الثبات على الحق ، والتوفيق للعلم النافع ، والعمل الصالح .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
103526
العنوان:
دور الآباء تجاه أبنائهم ، في وسط مجتمع لا يساعد على التربية ؟!!
السؤال:
هناك ظاهرة شائعة بين الشباب في الغرب ، ألا وهي أن الآباء يتركون أبناءهم يفعلون بعض الأشياء الحرام ظانين أن ذلك يحميهم من السقوط فيما هو أشد ، مثال ذلك : أن الآباء يقولون : إنهم يتركون أبناءهم يستمعون إلى الموسيقى بدلاً من خروجهم ومخالطتهم أصحاب السوء ، أو تركهم للمنزل بالكلية ، ويخشى الآباء من تطبيق شرع الله في بيوتهم خشية فرار أبنائهم ، فما رأي الإسلام في ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
يختلف نجاح وفشل المسلم في تربية أولاده تبعاً لاختلاف اعتبارات كثيرة ، ومما لا شك فيه أن للبيئة التي يسكنون فيها دور كبير في نجاح تلك التربية وفشلها .
يرجى مراجعة إجابة السؤال رقم (52893).
ثانياً:
يجب أن يعلم الوالدان أن الله تعالى قد استرعاهم رعية ، ووجب عليهم أداء الأمانة كما أمرهم الله تعالى بذلك في محكم التنزيل ، وجاءت السنَّة النبوية مؤكدة لهذا الأمر في كثير من الأحاديث الصحيحة ، كما جاءت نصوص الوحي بالوعيد لمن لم يحط رعيته بنصح ، ولمن فرَّط في الأمانة التي ائتمنه الله عليها .
عن مَعْقِلِ بْنِ يسار المُزنيِّ قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ ) .
وفي رواية : ( فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ) رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
وانظر جواب السؤال رقم (20064) .
ثالثاً:(/1)
قد أمر الله تعالى أولياء أمور الأولاد بتربيتهم منذ صغرهم على الطاعة ، ومحبة الدِّين ، وهم وإن لم يكونوا مكلفين بسبب عدم بلوغهم : لكنه لا يُنتظر البلوغ لتوجيه النصح والإرشاد والأمر بالطاعة ؛ لأن الغالب على هذا السن أنه لا يستجيب أصحابه إلا أن يكونوا على تربوا على ذلك وتعلموه من أهلهم في صغرهم ، ومن هنا جاء الأمر للأولياء بتعليم الأولاد الصغار الصلاة منذ سن السابعة ، وبالضرب عليها في سن العاشرة ، وكان الصحابة يصوِّمون أولادهم الصغار ؛ تعويداً لهم على محبة الدين ، وشرائعه ، ليسهل عليهم تنفيذ الأوامر والابتعاد عن النواهي عند الكبَر .
عن عبد الله بن عمرو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ) .
أبو داود ( 495 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ : أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ : ( مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ.
رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) .(/2)
وكما يربونهم على فعل الطاعات : فإنهم يمنعنونهم من المحرمات ، وفعل الولد للطاعة إنما يكون أجرها له ولمن علّمه وشجعه عليها ، وأما فعل المعصية : فإن الصغير لا يأثم ، وإنما يأثم من مكَّنه منها ، وترك بابها مفتوحا أمامه ولم يغلقه ، وأما من دله عليها ، فهذا كمن فعل !!
ولذا فإنه ليس من التشدد في شيء أن يربي المسلم أولاده على الطاعة ، وأن يمنعهم من فعل المحرمات ، كلبس الذكر للذهب ، أو الحرير ، أو لبس الأنثى لثياب الذكور ، أو الكذب ، والسرقة ، والشتم ، وغيرها من المعاصي ، كما أنه ليس من التشدد أن يربي المسلم ابنته على الحياء ، والعفاف ، وعدم الاختلاط ؛ لأنه من شبَّ على شيء يُخشى عليه الاستمرار عليه .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
والصبي وإن لم يكن مكلفاً : فوليُّه مكلَّف ، لا يحل له تمكينه من المحرَّم , فإنه يعتاده ، ويعسر فطامه عنه .
" تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص 162 ) .
وقال - رحمه الله - :
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى : فقد أساء غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءهم كباراً .
" تحفة الودود " ( ص 229 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
بالنسبة لأولادي الصغار : هل تعليمهم آداب الإسلام ، وإلزام البنات منهم الصغار بالملابس الإسلامية ، هل يعتبر ذلك تشدداً ؟ وإذا كان فعْلي هذا صحيحاً : فما الدليل عليه من الكتاب والسنَّة ؟ .
فأجابوا :
ما ذكرتيه من إلزام البنات بالملابس الواسعة والساترة ، وتعودهن على ذلك من الصغر : هذا ليس من التشدد ، بل أنتِ على حق في تربيتهم التربية الإسلامية .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 285 ، 286 ) .(/3)
وفي كتابه " مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة " قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
يقول أهل العلم : إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه الكبير ، وما كان فيه صور : فإلباسه الكبير حرام ، فيكون إلباسه الصغير حراماً أيضاً ، وهو كذلك .
والذي ينبغي للمسلمين أن يقاطعوا مثل هذه الثياب ، والأحذية حتى لا يدخل علينا أهل الشر والفساد من هذه النواحي ، وهي إذا قوطعت فلن يجدوا سبيلا إلي إيصالها إلي هذه البلاد وتهوين أمرها بينهم .
وسئل – بعدها - :
هل يجوز لبس الأطفال الذكور مما يخص الإناث كالذهب والحرير أو غيره والعكس ؟ .
فأجاب :
هذه مفهومة من الجواب الأول ، قلت : إن العلماء يقولون إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه البالغ ، وعلى هذا فيحرم إلباس الأطفال من الذكور ما يختص بالإناث وكذلك العكس .
وسئل – بعدها - :
هل يدخل تحت هذا إسبال الثياب للأطفال الذكور؟ .
فأجاب :
نعم يدخل . انتهى
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
103543
العنوان:
كان يعمل المنكرات في الشات وأخذ مالا حراماً ثم تاب إلى الله
السؤال:
عرفت من شروط التوبة أنه يجب إرجاع حق العباد وأنا كنت أعمل المنكرات مع الشباب في الشات وكنت أستغلهم وآخذ منهم مبالغ عن طريق التحويل وكنت أوهمهم أنني فتاة وكانوا يحولون لي المبالغ لكي يقابلوني ويسهرون معي كان هذا غرضهم من التحويل وبعد توبتي والحمد الله أود إرجاع النقود لهم ، ولكن لا أستطيع وقرأت في باب التوبة لديكم أنه لا يجب إرجاع المال المأخوذ بالمعصية فبماذا تنصحونني ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة ، وصرف عنك السوء ، وبصرك بالعيب ، وأنقذك من الضلالة ، فإن هذا العمل الذي ذكرت من أقبح الأعمال ، وسيء الخصال ، وهو مشتمل على جملة من المنكرات ، وصاحبه من جند إبليس الذي يسعى لإغواء الناس وإضلالهم ، فاشكر الله على توفيقه ، وأكثر من الأعمال الصالحة ، واحذر أسباب المعاصي ، واجتنب رفقاء السوء .
ثانيا :
من تاب إلى الله تعالى من عمل محرم ، وقد اكتسب منه مالا ، كهذا العمل الذي ذكرت ، فإن كان قد أنفق المال ، فلا شيء عليه ، وإن كان المال في يده ، فيلزمه التخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير ، ولا يجوز أن يرده على صاحبه ، لئلا يجمع له بين الانتفاع المحرم وعودة ماله إليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن أخذ عوضا عن عين محرمة أو نفعٍ استوفاه مثل أجرة حَمَّال الخمر وأجرة صانع الصليب وأجرة البغيّ (الزانية) ونحو ذلك فليتصدق بها وليتب من ذلك العمل المحرم ، وتكون صدقته بالعوض كفارة لما فعله ، فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث ، ولا يعاد إلى صاحبه ؛ لأنه قد استوفى العوض . ويتصدق به كما نص على ذلك من نصّ من العلماء ، كما نص عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/142).(/1)
وقال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده . فقالت طائفة : يرده إلى مالكه ؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لصاحبه في مقابلته نفع مباح . وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389).
وينظر جواب السؤال رقم (78289) .
وعلى هذا ، فما بقي معك من هذه الأرصدة التي تم تحويلها لك من هؤلاء الشباب عليك التصدق بقيمتها في أوجه الخير المتنوعة .
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
103585
العنوان:
هل فتحت نافذة فوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للاستسقاء ؟
السؤال:
أريد جوابا تفصيليا عن مدى صحة الحديث الذي يقول به الصوفيون ، من حديث عائشة التي تخبر فيه بفتح نافذة في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل نزول المطر؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الحديث المقصود يرويه أبو الجوزاء أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ( قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطاً شَدِيداً ، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ : انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ . قَالَ : فَفَعَلُوا ، فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ ) .
(كوى) جمع "كوة" وهي الفتحة .
رواه الدارمي (1/56) رقم (92) تحت باب : ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته .
قال الدارمي : حدثنا أبو النعمان ، ثنا سعيد بن زيد ، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : . . . ثم ذكر الحديث .
وهذا الأثر ضعيف ، لا يصح ، وقد بَيَّن العلامة الألباني ضعفه ، فقال في كتابه : "التوسل" (ص128) :
"وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة :
أولها : أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف . قال فيه الحافظ في "التقريب" : صدوق له أوهام . وقال الذهبي في "الميزان" : "قال يحيى بن سعيد : ضعيف . وقال السعدي : ليس بحجة ، يضعفون حديثه . وقال النسائي وغيره : ليس بالقوي . وقال أحمد : ليس به بأس ، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه" .
وثانيها : أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو صح لم تكن فيه حجة ، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون ، ولسنا ملزمين بالعمل بها .(/1)
وثالثها : أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره . وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" تبعا لابن الصلاح حيث أورده في ( المختلطين ) من كتابه "المقدمة" وقال : "والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ، ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط ، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده" .
قلت (الألباني) : وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده ، فهو إذن غير مقبول ، فلا يحتج به .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري" : "وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ، ولا يثبت إسناده ، ومما يبين كذب هذا : أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، بعضه مسقوف ، وبعضهم مكشوف ، وكانت الشمس تنزل فيه ، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء . بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم . . ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جداراً عالياً وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف . وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بَيِّن" انتهى .
ثانيا :(/2)
ليس في هذا الحديث دليل لما يعتقده غلاة الصوفية من جواز الاستغاثة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنت لا تجد في الحديث شيئا يدل على ذلك من قريب أو من بعيد ، وغاية ما فيه إثبات كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، كما وصفها الدارمي في "مسنده" في تبويب الحديث ، وهي بركة جسده الطاهر ، وقدره الشريف عند الله تعالى ، ولا يعني ذلك جواز أن يذهب المسلمون إليه ليستغيثوا به وهو في قبره ، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك ، إنما كشفوا كوة من سقف حجرته ليواجه السماء ، ولم يطلب أحد منهم السقيا من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا خاطبوه بحاجتهم إلى ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/338) :
" قصد القبور للدعاء عندها ، ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن : أمرٌ لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ، ولا ذكره أحد من العلماء والصالحين المتقدمين ، بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية .
وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات ، ودهمتهم نوائب غير ذلك ، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به (أي بدعائه) ، ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لينزل المطر ، فإنه رحمة تنزل على قبره ، ولم تستسق عنده ، ولا استغاثت هناك" انتهى .
وبهذا يظهر أنه لا حجة في هذا الأثر للصوفية على جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، أو التوسل بذاته أو جاهه إلى الله تعالى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103596
العنوان:
شركته ملزمة بالتأمين الصحي فهل ينتفع بالعلاج؟
السؤال:
أنا موظف في شركة تقوم بالتأمين على موظفيها إلزاميا (تأمينا صحيا) و تتحمل الشركة نفقات التأمين ، حيث إننا لا ندفع شيئا قمت قبل فترة بإجراء عملية جراحية بمبلغ مرتفع دفعتها من مالي الخاص لخشيتي من حرمة التأمين ، لكني آثرت أن أسأل لأتأكد عما إذا كان حكم العلاج على حساب التأمين حراما حتى في حالة أن الشركة هي التي تدفع قيمته ؟
الجواب:
الحمد لله
التأمين التجاري قائم على الربا والغرر والمقامرة ، وهو حرام بجميع صوره ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (8889 ) و ( 39474 ) .
لكن إذا التزمت الشركة لموظفيها بالعلاج الصحي ، فهذا يعتبر تحفيزا وترغيبا في العمل لديها ، ولا حرج على الموظف في الانتفاع بهذا العلاج ؛ لأنه أعطي له بسبب مباح ، سواء قدمته الشركة بنفسها أو عن طريق التأمين ، والإثم يقع على الشركة لا على الموظف .
وإذا كان التأمين إجباريا ، فالإثم على من وضعه وألزم به ، لا على الشركة .
وينظر جواب السؤال رقم (70318) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
103604
العنوان:
العمل في المدارس الابتدائية المختلطة
السؤال:
هل يجوز العمل في مدرسة مختلطة لا يتجاوز عمر الأطفال 12 سنة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الاختلاط في المدارس بين البنين والبنات ، له مفاسده وآثاره السيئة ، ولو كان بين الصغار .
ثم إن أكثر الصغار اليوم صاروا يميزون بين الجميلة وغيرها ، ويعرفون الحب والغرام والصديقات والخليلات من خلال ما يشاهدونه في التلفاز وغيره ، فلا عجب أن يتعلق الطفل وعمره عشر سنوات أو اثنتا عشرة سنة بزميلة له في الفصل ، ومنهم من يتجاوز ذلك إلى محاكاة الكبار ، والتصريح بالحب والتعلق .
ولهذا كان على من أولاه الله مسئولية التعليم أن يمنع هذا الاختلاط ، حتى ينشأ الأطفال على الأخلاق والقيم الصحيحة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : المدارس الحكومية في بريطانيا مختلطة، يدرس فيها البنون والبنات معا ، ويجبرون للغسل والسباحة في محل واحد ، وتكون البنات عاريات في حالة الغسل ، أو نصف عاريات ، وأفتى بعض العلماء أنه إذا كانت البنات صغيرات فلا حرج في ذلك ، فماذا يرى سماحتكم ، وما هو الستر الإسلامي للبنت الصغيرة ، وما هي السن التي يجب فيها الحجاب للبنت ؟
فأجابت : "اختلاط البنين والبنات في الدراسة حرام ، وكذا اختلاطهن عراة في الاغتسال والسباحة حرام ، سواء كن صغارا أو كبارا ؛ لما في ذلك من إثارة الفتنة ، والاطلاع على العورات ، ولأنه ذريعة إلى الفساد ، وارتكاب المنكرات " انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ...... عبد الله بن قعود " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/168).(/1)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب في جريدة الجزيرة بعددها رقم 3754 وتاريخ 15/ 4 / 1403 هـ الذي اقترح فيه اختلاط الذكور والإناث في الدراسة بالمرحلة الابتدائية ، ولما يترتب على اقتراحه من عواقب وخيمة رأيت التنبيه على ذلك فأقول :
إن الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ) .
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع لأن قرب أحدهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختلاط البنين والبنات , ولا شك أن اجتماعهم في المرحلة الابتدائية كل يوم وسيلة لذلك ، كما أنه وسيلة للاختلاط فيما بعد ذلك من المراحل .
وبكل حال ؛ فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله ، لما يترتب عليه من أنواع الشرور ، وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي ، وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث , ولولا ما في ذلك من الإطالة لذكرت كثيرا منها . وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه " إعلام الموقعين " منها تسعة وتسعين دليلا . ونصيحتي للكاتب وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين أبواب شر قد أغلقت . نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق .
ويكفي العاقل ما جرى في الدول التي أباحت الاختلاط من الفساد الكبير بسبب الاختلاط " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (5/234).
ثانيا :
لا ينبغي العمل في هذه المدارس المختلطة ؛ لما قد يترتب عليه من الفتنة ، فإن من الفتيات من تبلغ في سنة الثانية عشرة أو أقل ، وقد تتخلف في الدراسة فتبلغ الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة ، وفي الصغيرات من تشتهى ، وإن لم تكن بالغة .(/2)
ولكن … إذا أنست من نفسك محاولة الإصلاح والتوجيه ، ودعوة الفتيات إلى الحجاب والعفة ، والتشديد في ذلك على من قاربت البلوغ ، مع التزام الآداب الإسلامية ، من عدم المصافحة والخلوة ، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى ، وتكون بذلك محسناً ، والله تعالى يحب المحسنين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103605
العنوان:
صحة حديث : " اللهم فارج الهم وكاشف الغم "
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : ( اللهم فارج الهم ، وكاشف الغم ، ومجيب دعوة المضطرين ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة مَن سواك )
الجواب:
الحمد لله
أولا :
جاء نص هذا الدعاء في حديثين اثنين :
1- في حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
( دخل علي أبو بكر ، فقال : هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء علمنيه ؟ قلت : ما هو ؟ قال : كان عيسى بن مريم يعلمه أصحابَه قال : لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه : " اللهم فارج الهم ، كاشف الغم ، مجيب دعوة المضطرين ، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، أنت ترحمني ، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك "
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : وكانت علي بقية من الدين ، وكنت للدين كارها ، فكنت أدعو بذلك ، فأتاني الله بفائدة فقضاه الله عني .
قالت عائشة : كان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم ، فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها ؛ لأني لا أجد ما أقضيها ، فكنت أدعو بذلك ، فما لبثت إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا ، ما هو بصدقة تصدق بها علي ، ولا ميراث ورثته ، فقضاه الله عني ، وقسمت في أهلي قسما حسنا ، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق ، وفضل لنا فضل حسن )
رواه البزار – عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) – وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر الصديق" (رقم/40) والطبراني في "الدعاء" (1/317) ، وابن عدي في "الكامل" (2/203) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47/472) ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/696) والبيهقي في "دلائل النبوة" (رقم/2420) وفي "الدعوات الكبير" (رقم/167) وفي مسند الفردوس للديلمي (رقم/1988)
من عدة طريق عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن الحكم بن عبد الله الأيلي ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة به .(/1)
وقال الحاكم : " وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبد الله الأيلي " انتهى .
والصواب أن الحكم بن عبد الله الأيلي ضعيف الحديث جدا ، وكذبه غير واحد من الأئمة ، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (2/332) : " كان ابن المبارك شديد الحمل عليه . وقال أحمد : أحاديثه كلها موضوعة . وقال ابن معين : ليس بثقة . وقال السعدي وأبو حاتم : كذاب . وقال النسائي والدارقطني وجماعة : متروك الحديث .
وقال البخاري : تركوه كان ابن المبارك يوهنه البتة وفي رواية يضعفه . وقال مسلم في "الكنى" : منكر الحديث " انتهى باختصار فإن تشنيع العلماء على حديثه كثير .
وبهذا يتبين أن الحديث منكر أو موضوع ، خلافا لما ذهب إليه الإمام الحاكم رحمه الله ؛ ولهذا وضعفه الإمام المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/57) وذكر له علة أخرى هي عدم سماع القاسم من عائشة ، وحكم عليه بالضعف أيضا الإمام السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) ، وحكم عليه الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1143) بالوضع .
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( يا علي ! ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله ، ويفرج عنك : توضأ ، وصل ركعتين ، واحمد الله ، وأثن عليه ، وصل على نبيك ، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات ، ثم قل : اللهم ! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ، اللهم كاشف الغم ، مفرج الهم ، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك )
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5287) :(/2)
" منكر : أخرجه الأصبهاني (2/ 534/ 1278 - ط) عن إسحاق بن الفيض : أخبرنا المضاء : حدثني عبدالعزيز عن أنس مرفوعاً .
قلت – الشيخ الألباني - : وهذا إسناد ضعيف مظلم ... " ثم فصل القول في علله رحمه الله ، فانظر الموضع المشار إليه من الضعيفة .
والخلاصة أن نص هذا الدعاء لم يرد من طريق صحيح ، بل طرقه شديدة الضعف ، لذلك حكم عليه العلماء بالوضع وأوردوه في كتب الموضوعات ، كما في "تذكرة الموضوعات" للفتني (ص 53) ، "تنزيه الشريعة" (2/333) ، "الفوائد المجموعة" (ص 59 ، 52) .
ثانيا :
لا حرج في أن يجعل المرء ذلك من دعاء نفسه ، أو أن يسأل الله الحاجات بألفاظه ، فهي عبارات صحيحة لها شواهد كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة ، فيها تذلل وتقرب وإظهار خضوع لله رب العالمين ، كما فيها توسل بصفات الله تعالى ورحمته التي وسعت كل شيء ، فمن دعا به – من غير اعتقاد مزيد فضل له ولا خصوص أجر – يرجى له القبول والاستجابة .
عن عبد الرحمن بن سابط قال :
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعظمهن : اللهم فارج الهم ، وكاشف الكرب ، ومجيب المضطرين ، ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ارحمني اليوم رحمة واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك )
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/109) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن سابط ، لكن عبد الرحمن هذا من التابعين ، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/181) ، فيكون حديثه مرسلا ، والحديث المرسل يستأنس به في الأذكار والدعاء .
بل إن الدعاء ، متى استقام معناه ، وصح لفظه ، جاز الدعاء به ، ولو لم يكن مأثورا أصلا ، فباب الدعاء مفتوح لمن يجتهد فيه ، وإن كان الدعاء المأثور الثابت أعظم بركة ، وأسد معنى ، وأبعد عن التكلف والعدوان في الدعاء .
وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم (70295) ، (84030)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
103623
العنوان:
حكم حلق الشارب
السؤال:
يطلق بعض إخوتي لحاهم ويحلقون شواربهم ، ويقولون إن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك ، لقد قرأت بعض ردودكم الخاصة بتهذيب الشارب على الموقع ، ولكن هل يجوز حلقه ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف أهل العلم في السنة المستحبة في الشارب ، على قولين :
القول الأول : أن السنة هي الحلق بالكلية ، وهو مذهب الحنفية والحنابلة . واستدلوا بظاهر الألفاظ النبوية الواردة في هذا الباب ، ومنها : ( أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ) البخاري (5892) ومسلم (259) ، ( أَنْهِكُوا الشَّوَاربَ ) البخاري (5893) ، وفي لفظ لمسلم (260) (جُزُّوا الشَّوَارب) .
قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/230) :
" الإحفاء أفضل من القص ، وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله" انتهى .
ونقل ابن عابدين في "رد المحتار" (2/550) عن المتأخرين اختيار القص ، فقال :
" المذهب (يعني المذهب الحنفي) عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص , قال في البدائع : وهو الصحيح " انتهى .
القول الثاني : أن السنة قص الشارب ، وأما حلقه فمكروه : وهو مذهب المالكية والشافعية ، وشدَّد الإمام مالك رحمه الله في ذلك .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( الْفِطْرَةُ خَمْسٌ : الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ ) رواه البخاري (5891) ومسلم (257) .
2- وعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ شَارِبِي وَفَى – أي زاد - فَقَصَّهُ لِي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - عَلَى سِوَاكٍ ) رواه أبو داود (188) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده عن : "عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال :(/1)
ذكر مالك بن أنس إحفاء بعض الناس شواربهم فقال : ينبغي أن يضرب من صنع ذلك ، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإحفاء ، ولكن يبدي حرف الشفتين والفم .
وقال مالك بن أنس : حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس " انتهى باختصار .
وقال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
" روى ابن عبد الحكم عن مالك : ليس إحفاء الشارب حلقه ، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه . وروى أشهب عن مالك : حلقُهُ مِن البدع .
قال مالك رحمه الله : وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أحزَنَهُ أمرٌ فَتَل شاربه . ولو كان محلوقا ما كان فيه ما يفتل " انتهى . وانظر "التمهيد" (21/62-68) .
وقال النووي في "المجموع" (1/34-341) :
" ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرفُ الشفة ، ولا يحفّه من أصله , هذا مذهبنا " انتهى .
وفي "نهاية المحتاج" للرملي (8/148) من أئمة الشافعية : " ويكره الإحفاء " انتهى . يعني : إحفاء الشارب .
وقد ورد هذا المذهب عن جماعة من السلف أيضا :
فروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده : عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال : رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها : أبو أمامة الباهلي ، وعبد الله بن بسر ، وعتبة بن عبد السلمي ، والحجاج بن عامر الثمالي ، والمقدام بن معد يكرب الكندي ، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة .
وأجابوا عن أدلة القول الأول بأحد جوابين :
1- أن المراد بالإحفاء والإنهاك هو قص طرف الشعر الذي على الشفة ، وليس حلق أصل الشعر ، بدليل الروايات التي فيها ذكر القص فقط ، فهي مُبَيِّنَةٌ لأحاديث الإحفاء .
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
" روى ابن القاسم عن مالك : أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشوارب إنما هو أن يبدو الإطار : وهو ما احمَرَّ من طرف الشفة ، والإطار جوانب الفم المحدقة به " انتهى .(/2)
وقال النووي في "المجموع" (1/340) :
" وهذه الروايات – يعني روايات ( أحفوا..أنهكوا..الشوارب ) - محمولةٌ عندنا على الحف من طرف الشفة ، لا مِن أصل الشعر " انتهى .
2- أن الإحفاء والإنهاك في اللغة لا يعني الإزالة الكلية ، بل يعني إزالة بعضه .
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
" إنهاك الشيء لا يقتضي إزالة جميعه ، وإنما يقتضي إزالة بعضه . قال صاحب "الأفعال" : نهكته الحمى نهكا : أثرت فيه " انتهى .
والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني ، بأن السنة هي القص وليس الحلق .
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/باب السواك وسنن الفطرة/سؤال رقم 54) :
" الأفضل قص الشارب كما جاءت به السنة...وأما حلقه فليس من السنة ، وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص ، فلا عبرة به ، ولهذا قال مالك عن الحلق : إنه بدعه ظهرت في الناس ، فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة ، فإن في اتباعها الهدى والصلاح والسعادة والفلاح " انتهى باختصار .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ورد في عدة أحاديث : (قصوا الشارب) فهل الحلق يختلف عن القص ؟ وبعض الناس يقص من أول شاربه مما يلي شفته العليا ، ويترك شعر شاربه ، تقريباً يقص نصف الشارب ، ويترك الباقي ، فهل هذا هو المعنى ؟ أو ينهك الشارب أي : يحلق جميعه؟ أرجو الإفادة عن الطريقة التي يقص الشارب بها .
فأجابت(/3)