3- لا يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو الإنجيل ، لأن النسخ المتداولة منهما الآن محرفة ، وليست الأصل المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام ، ولأن الشريعة التي بعث الله - تعالى - بها نبيه محمداً ، - صلى الله عليه وسلم - ، قد نسخت ما قبلها من الشرائع " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/463).
ثانياً :
إذا حلف الإنسان على يمين ثم لم يستطع الوفاء بتلك اليمين فإنها تلزمه الكفارة ، وقد سبق بيان كفارة اليمين في سؤال رقم (45676) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98196
العنوان:
يريد أن يسأل الله قصرا في الدنيا والآخرة
السؤال:
هل يجوز الدعاء بـ : ( اللهم ابن لي عندك قصرا في الجنة ، وقصرا في هذه الحياه بالقريب العاجل ، إنك أنت الرزاق ) وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد للَّه
أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه في أكثر من موضع في كتابه الكريم :
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60
وهو أمر مطلق ، يشمل دعاءه سبحانه لسؤال حاجات الدنيا وحاجات الآخرة ، كما أنه إطلاق يناسب سَعَةَ فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه ، وأنه لا يتعاظمه شيء يعطيه ، ولو أعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء .
يقول عز وجل : ( وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) النساء/32
وقد جاء في حديث أبي ذر القدسي الطويل من قول الله تبارك وتعالى :
( يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ... يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )
رواه مسلم (2577)
يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/225) :(/1)
" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية والمغفرة ، وفي الحديث : ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع ) ، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته ، وفي الإسرائيليات : أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : يا رب ! إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك . قال : سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك .
فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهر حاجته فيه وافتقاره إلى الله ، وذاك يحبه الله ، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئا من مصالح الدنيا ، والاقتداءُ بالسنة أَولَى " انتهى .
وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر ، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن حبان (2403) والطبراني في "الأوسط" (2/301) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح . وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1325)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) أخرجه أبو يعلى (8/44) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (349) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/42) من طريق آخر .
قال في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح .
قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1363) :
" وهذا سند موقوف جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم " انتهى .
والشِّسْعُ : سَورُ النعل الذي تدخل بين الأصبعين ، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام .
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/110) :(/2)
" لا طريق إلى حصول أي مطلوب من جلائل النعم ودقائقها إلا بالتطفل على موائد كَرَمِ مَن له الأمر ، وفي الإنجيل : سلوا تعطوا ، اطلبوا تجدوا ، اقرعوا يفتح لكم ، كل من سأل أعطي ، ومن طلب وجد ، ومن يقرع يفتح له . أوحى الله إلى موسى : قل للمؤمنين لا يستعجلوني إذا دعوني ، ولا يبخلوني ، أليس يعلمون أني أبغض البخيل ، كيف أكون بخيلا ، يا موسى ! لا تخف مني بخلا أن تسألني عظيما ، ولا تستحي أن تسألني صغيرا ، اطلب إلي الدقة والعلف لشاتك ، يا موسى ! أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها ، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه ، فمن سألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مسألته بالمغفرة .
قال عروة بن الزبير : إني أسأل الله في صلاتي ، حتى أسأله الملح إلى أهلي " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/284) :
" لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا ؛ مثل أن يقول : اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً ، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني زوجة جميلة ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة ؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا ، وليس للإنسان ملجأ إلا الله " انتهى بتصرف .
وانظر جواب السؤال رقم (22498)
فلا حرج عليك أخي السائل من دعاء الله بأن يرزقك قصرا في الدنيا والآخرة ، وإن كان الأولى بالمؤمن ألا يحرص على متاع الدنيا الزائل ، وأن يكون همه ما عند الله من نعيم الجنة ، وإن سأل شيئا من غنى الدنيا ونعيمها فيجب أن يقيده بالنعيم النافع الذي لا يُطغي ولا يُنسي حقوق الآخرة ، وانظر أخي الكريم حال من قص الله علينا شأنه في القرآن الكريم :
يقول تعالى :(/3)
( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم/11
ومن المكروه أيضا الاعتداء في الدعاء بذكر بعض التفاصيل التي ليست في محلها ، كأن تسأل قصرا عدد طوابقه كذا ، وعدد غرفه كذا ، ونحو ذلك من التنطع المكروه ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41017)
ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن الله تعالى لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير ؛ وهكذا ينبغي أن يكون مرادك من الدعاء بشيء من الدنيا : أن يقدر الله تعالى لك الخير حيث كان ، وأن يرزقك الرضا بما قضى لك وقدر ؛ سواء أكان الخير في قضاء حاجتك وتعجيلها ، أو في حبسها عنك ، وادخارها لك عنده سبحانه .
وانظر : جواب سؤال رقم (3699)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
98205
العنوان:
هل يؤجر المسلم على استماعه دروس العلم المسجلة ؟
السؤال:
أستَمِعُ كثيرا لأشرطتكم حفظكم الله ، وأشرطة المُحَدِّث الشيخ الألباني رحمه الله والإمامين الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله ، واستفيد كثيرا ، فهل أُجزى يا شيخ على سماعي هذا ؟
الجواب:
الحمد لِلَّه
طلب العلم من أفضل الأعمال ، وهو خير ما يقضي به الإنسان عمره ، وخير طريق يسلكه المسلم إلى الجنة .
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
( الدراسة صلاة ) "جامع بيان العلم" (1/104)
ويقول سفيان الثوري :
( ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ) "حلية الأولياء" (6/361)
وقال الزهري رحمه الله :
( ما عُبِدَ اللَّهُ بمثل الفقه ) "جامع بيان العلم" (1/119)
وعن عبد الله بن وهب قال : كنت عند مالك بن أنس ، فجاءت صلاة الظهر أو العصر وأنا أقرأ عليه ، وأنظر في العلم بين يديه ، فجمعت كتبي وقمت لأركع ، فقال لي مالك : ما هذا ؟ قلت : أقوم للصلاة . قال : إن هذا لعجب ، فما الذي قمت إليه بأفضل من الذي كنت فيه ، إذا صحت النية فيه . "جامع بيان العلم" (122)
ولا شك أن استماع دروس العلماء الحاضرة والمسجلة من أهم وسائل تحصيل العلم ، وقد يسر الله لنا – بحمد الله - في هذه العصور وسائل كثيرة للاستفادة مما يلقيه العلماء في دروسهم ، ومن ذلك الدروس المسجلة في أشرطة التسجيل وبرامج التسجيل ، وفي الاهتمام بهذه الدروس المسجلة عدة فوائد :
1- تربية الطالب على الاستماع والإنصات ، وهو أدب رفيع ، وخلق عظيم ، أن يعتاد طالب العلم على تلقي العلم والاستفادة من المتحدث ، وقطع الطمع عن تصدر الحديث .
يقول سفيان الثوري كما في "روضة العقلاء" بسنده (34) :
( أول العلم الإنصات ، ثم الاستماع ، ثم الحفظ ، ثم العمل به ، ثم النشر )(/1)
2- إمكان مراجعة كلام العالم إذا لم يفهمه الطالب من المرة الأولى ، إذ قد يشكل على الطالب بعض الحديث ، فإذا أعاده وسمعه مرة أخرى اتضح له وجه الكلام .
3- تيسر تدوين الفوائد والتحكم في ذلك .
4- اختصار المسافات الطوال على طلاب العلم الذين قد لا يتيسر لهم السفر للتلقي عن العلماء مباشرة ، وقد أصبحت المكتبة الصوتية الإسلامية اليوم تزخر بمئات الشروح والدروس العلمية المفيدة ، التي تختصر على الطالب عمرا وجهدا ومالا .
5- إمكان اصطحاب هذه الدروس والاستماع إليها في أحوال مختلفة : أثناء الطريق في السيارة ، أو أثناء العمل ونحوه ، وفي ذلك استغلال للوقت ، وملء لأوقات الفراغ العارضة .
وهذه الفوائد والمزايا لا تعني أبدا الاستغناء عن حضور مجالس العلم والتلقي عن العلماء مباشرة ، فإن لكل وسيلة فوائدها ومزاياها ، وطالب العلم الناجح هو الذي يحسن استغلال الفرص ، ويعرف كيف يأخذ من رحيق جميع أزهار البستان .
كما نرجو أن يكتب الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه لكل من يستمع الدروس المسجلة الأجر ، وأن ينزل عليه السكينة ، ويشمله الله برحمته ، كما في الحديث الشريف المشهور :
( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم (2699)
انظر جواب السؤال رقم (1813) ، (22330)
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
98244
العنوان:
رفض أبوها تزويجها لشخص فزوجها القاضي
السؤال:
والدي مسلم ، ولديه بعض الأفكار الخاطئة عن الإسلام ، كموقفه من الحجاب والاختلاط ، وقوله هل الدين هو أساس الحكم على الخاطب ؟ وقوله إنه لا يمكن لأحد أن يطبق جميع أوامر الله ، حتى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية تعدد الزوجات لم يستطع أن يطبق . وقد ارتدت أختي وأصبحت نصرانية ولم يستنكر بل اعتبرها أفضل مني. ووالدتي نصرانية . تقدم لي رجل صاحب خلق لكنه معاق وأنا رضيت به ، لكن والدي رفضه بسبب إعاقته وبسبب اختلاف مستوى معيشتنا فنحن عائلة غنية . بعد تخرجي من الجامعة خطط أهلي لقطع علاقتي بالصحبة الصالحة وتغيير حياتي تدريجيا لكني غادرت المنزل وخططت للزواج وبعد شهرين تزوجت أنا والرجل المسلم في محكمة شرعية . والسؤال : هل زواجي صحيح ، وما موقفي تجاه أهلي ؟ وهل استمر في مقاطعتهم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك للزوم طريق الهداية والاستقامة ، ونسأله سبحانه لك المزيد من فضله.
ثانيا :
ينبغي للمرأة أن تحرص على الزواج من صاحب الدين والخلق الذي يحفظها ويرعاها ، ويمكنها من تطبيق دينها ، ويعينها على ذلك ، كما يعينها على تربية الذرية الصالحة على مبادئ الإسلام وأخلاقه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) رواه الترمذي ( 1084 ) من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ثالثا :
لا يصح النكاح إلا بولي ، وليس للمرأة أن تزوج نفسها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.(/1)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل . . . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
لكن إن منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيت به ، كان عاضلا ، وانتقلت الولاية منه إلى من بعده من العصبة .
قال ابن قدامة رحمه الله : "ومعنى العضل : منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه...
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد . . .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383).
وحيث إن الغالب أن الأولياء يمتنعون عن التزويج في مثل هذه الحالة ، فلا حرج أن ترفع المرأة مسألتها للقاضي الشرعي ، فيطلب هو من الأولياء تزويجها ، فإن أبوا زوجها بنفسه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) .
وعلى هذا ، فعقد نكاحك صحيح ، لا يجوز نقضه ؛ لتولي القاضي الشرعي له بعد عضل أبيك .
رابعا :(/2)
الواجب أن تبرّي والديك ، وتحسني إليهما ، وتصليهما ولو بالكلام عن طريق الهاتف ، إلى أن تهدأ نفوسهما ، وتتمكني من زيارتهما ، فإن حق الوالدين عظيم ، ولهذا تكررت الوصية بهما في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت/8 ، وقال سبحانه : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14، 15 .
وليس لك أن تقاطعيهما ، بل اسعي في تهدئتهما ، وتطمينهما ، وتوددي إليهم بالمال والهدايا ، لكسب قلبيهما ، وسلي الله تعالى الهداية لأهلك .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98245
العنوان:
دفع الفائدة الربوية في التخلص من التجنيد الإجباري
السؤال:
في بلدنا الخدمة في الجيش إلزامية حيث الكفر مباح ، والصلاة والقرآن وكل ما يمت للإسلام بصلة ممنوع ، بل يعاقب عليه ويمكن الإعفاء من تلك الخدمة بدفع مبلغ كبير . هل يجوز أن يكون هذا المال ربا ؟ علما أنه لا يوجد عندنا مصارف إسلامية .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان الأمر كما ذكرت من إباحة الكفر في هذا الجيش والمنع من الصلاة والقرآن ، فلا حرج في دفع المال مقابل عدم الدخول فيه ، ويباح التهرب منه بكل وسيلة مشروعة .
ثانيا :
لا يجوز التعامل بالربا ، قرضا أو اقتراضا ، ولا يحل الانتفاع بالفوائد الربوية ، ويجب على من ابتلي بذلك أن يتوب من الربا ، وأن يتخلص من الفوائد بإنفاقها في المصالح العامة ، وليس له أن ينتفع بها لنفسه ، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20876) ورقم (45691) .
إن جاءك هذا المال الربوي من تائب يريد التخلص منه فلا حرج عليك في الانتفاع به فيما ذكرت ، أو في غيره ، لأنه جاءك بطريق مباح ، والحرمة إنما تلحق كاسبه فقط .ويجوز للتائب نفسه الانتفاع بهذا المال الذي اكتسبه بطريق محرم فيما إذا تاب الإنسان من الربا ، وعزم على عدم العود إليه أبدا ، واحتاج إلى الانتفاع بالفوائد التي في يده ، ليدفع عن نفسه ضررا ، كما في الصورة المسئول عنها ، فالذي يظهر أنه يجوز له الانتفاع بالفائدة حينئذ .
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على مسألة التخلص من المال الحرام ، وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون " بالتصدق به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انظر : " زاد المعاد " (5/778) .(/1)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار ، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج ، والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/308) .
لكن لا يجوز الاستمرار في التعامل بالربا ، لأجل الانتفاع بالفائدة في تسديد الغرامة أو الضريبة ونحوها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98249
العنوان:
إقامة حفل العرس في أحد الأندية وتجلس كل أسرة على طاولة
السؤال:
أنا عقدت منذ عدة أشهر على أخت فاضلة ، وتكلمنا على يوم العرس ؛ فأنا اقترحت أن يكون هناك فصل بين النساء والرجال يوم العرس ، وهي اقترحت أن يكون العرس في حديقة أحد النوادي ، في مكان مفتوح ، وتجلس كل أسرة على طاولة منفردة ، ونقدم لهم الأطعمة على كل طاولة ، مع العلم أنه لن يكون هناك إلا أناشيد على الكاسيت . فهل في ذلك مخالفة. وبم تنصحوننا بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء له مفاسده وآثاره السيئة ، سواء كان ذلك في الأعراس أو العمل أو الدراسة ، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (1200) .
وجلوس كل أسرة على طاولة لا يمنع من هذا الاختلاط حال الدخول والخروج ، كما لا يمنع من النظر ونحوه ، لا سيما إذا كان في هذه الأُسر من لا تتقيد بالحجاب الشرعي ، فتحصل بذلك المفسدة .
ثم إن جلوس كل أسرة مع نفسها ، لا يحقق المقصود من الاحتفال وحصول السرور والبهجة والتعارف والتآلف .
ولهذا ننصحك أن يكون الاحتفال على ما اقترحته أنت أولا : في مكان يُفصل فيه بين الرجال والنساء ، فهذا أتقى لله تعالى ، وأعون على تحقيق مقصود الاجتماع .
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما وعليكما وأن يجمع بينكما في خير وطاعة وبر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98280
العنوان:
الحكمة من وقوع التحريف في الإنجيل
السؤال:
لم سمح الله سبحانه وتعالى بتحريف الإنجيل ، مع أنه سبحانه قادر على حفظه ؟ وما هي التعاليم التي اتبعها المسلمون قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب:
الحمد لله :
أولا :
قد وكَّل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم ، بدليل قوله : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) المائدة/44 .
ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن ، وفي ذلك بعض الحِكَم :
1. أراد سبحانه وتعالى أن يبقى القرآن الكريم هو الكتاب الخالد ، والشريعة الباقية إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) المائدة/48 ، فلم تكن ثمة حاجة لحفظ الكتب السابقة وتخليدها ، وخاصة أن عهد القرآن قريب من عهد الإنجيل ، فليس بينهما سوى ستمائة عام .
2. وليكون ذلك فتنة واختباراً للذين أوتوا الكتاب هل يقومون بدورهم في حفظ الكتاب ؟ وهل يؤمنون بما جاء فيه ؟ وهل يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، أم يصروا على عنادهم ، فيقوموا بالتحريف والكتمان والتزوير ؟!
3. وفي ذلك بلاء أيضا لكل أتباع الديانة النصرانية إلى يوم القيامة ، وهم يرون كتابهم الذي يؤمنون به لم يسلم من يد التحريف أو التشكيك أو الضياع ، ويرون كتاب خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم محفوظا متواتراً لا يشك أحد في صحته ، فيكون ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالكتاب المبين - القرآن الكريم - .
ثانيا :(/1)
كان الناس في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك والوثنية ، ولم يكن لأغلبهم دين متبع ، ولا شريعة محترمة ، اللهم إلا بعض من اتبعوا شريعة المسيح عليه السلام ، مثل ورقة بن نوفل ، وبعض من كان حنيفا على دين إبراهيم ، يجتنب الشرك والأوثان والخمر والفواحش ويسجد لله الواحد رب العالمين ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي صح في البخاري ( 3614 ) أنه قال : ( إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) وكان يقول أيضا : ( يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ! وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي . وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ : لَا تَقْتُلْهَا ، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا : إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا ) رواه البخاري ( 3616 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
98283
العنوان:
إذا وصل الماء إلى حلقه بسبب الاستنشاق وهو صائم
السؤال:
هل جريان الماء فى أسفل الحلق عند تنظيف الأنف فى الوضوء يبطل الصيام؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للَقِيطِ بْنِ صَبِرَة رضي الله عنه : ( أَسْبِغْ الْوُضُوءَ ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ) رواه أبو داود (142) والترمذي (788) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والحديث يدل على تجنب المبالغة في الاستنشاق حال الصوم حتى لا ينزل الماء إلى جوف الصائم من غير اختياره .
ثانياً :
لو تمضمض الصائم أو استنشق فنزل شيء من الماء إلى حلقه من غير قصدٍ منه فإنه لا يفطر ؛ لقول الله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) الأحزاب/5 . وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد ، فيكون صومه صحيحاً .
وينظر : "الشرح الممتع" (6/240، 246).
وللفائدة راجع جواب رقم (40698) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98295
العنوان:
الحذر من وسوسة الشيطان في ذات الله
السؤال:
منذ أسبوعين وهذا السؤال يراودني ، ولم أفلح في الإجابة عليه ، ولكن بإذن الله ستكون الإجابة لديكم : ما الدليل على أن الله لا يكذب ، أو ما الدليل على أنه صادق دائما ، ولم ، ولن يكذب أبدا ؟ أعرف أنه سؤال غريب ، وقد استحيت لفترة من سؤال أحد فيه ، ولكن احترت في الإجابة عليه ، وأُصبت بنوع من الضيق حتى في أثناء الصلاة .
الجواب:
الحمد لله :
والله ما ندري ـ يا عبد الله ـ من أي أمريك نعجب ؛ أمن استرسالك وراء وساوس الشيطان ، حتى بلغ بك إلى حافة الهاوية ، لتسقط فيها ، أو تكاد ؟!! أم من استصعابك لهذا السؤال ، وعدم قدرتك على الإجابة عنه ؟!!
فماذا عرفت من دينك يا عبد الله ، إن جهلت هذا ؟!!
وماذا تظن بربك ، إن كنت تبحث في هذا ؟!!
يا عبد الله ، لقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، لما قال لها مولاها مَسْرُوقٍ : يَا أُمَّتَاهْ ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ ؟!!
فَقَالَتْ : لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ .. !!
وإذا كان شعر أم المؤمنين قد قف ، أي : قام من شدة فزعها ، لأجل من سألها هذا السؤال : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ، يعني : وهو في الدنيا ، مع أن المؤمنين يرونه في الجنة ، وهو أعظم نعيمهم ، لا حرمنا الله منه ، فكيف بسؤالك يا عبد الله ؟!!
ألهذا الحد تركت قلبك فارغا ، حتى يتلاعب به الشيطان ، وينتهي به ذلك المنتهى ؟!!
هل سمعت يا عبد الله بما رواه مسلم في صحيحه (2268) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ ؟!!(/1)
قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ !! ) .
فإذا كان مثل هذا المنام لعبا من الشيطان ، فبالله عليك ماذا كان يجيب النبي صلى الله عليه وسلم لو رأى راء في منامه ما رأيت ؟ فبالله عليك ماذا كان يقول لو كان ذلك اللعب في اليقظة ، لا في المنام ؟!!
لقد حُق لك ـ والله ـ أن يطول حياؤك ، بل وبكاؤك على نفسك ـ أن ظفر الشيطان منك بهذا !!
نعم ، نفهم أن الشيطان قد يتلاعب بمثل ذلك بالعبد ، لكنه لا يسترسل مع وحي الشيطان ، ويؤصل له ، ويبحث له عن أدلة ، وإنما إيمانه الراسخ يدفعه ، فالشيطان خبيث ، وكيده ضعيف : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: 67) .
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) متفق عليه .
أرأيت كيف كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال المعضل (!!) للعدو اللعين ؟!!
أن يستعيذ بالله من تلك الوساوس ، وأن ينتهي عن التفكير فيها ، والاسترسال وراءها ؛ لأن اللعين لا يحتاج بسؤاله هذا جوابا ، وهو يعلم أن سؤاله مغالطة محضة ، فالخالق لا يصلح أن يكون له خالق ، وإلا كان مخلوقا آخر من المخلوقين !!
وإنما هدفه التشكيك والزعزعة ، حتى يظفر بمن يموت وهو على تلك الحال ، إن استطاع .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في شرحه للحديث السابق :(/2)
قَوْلُهُ : ( مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَال مَعَهُ فِي ذَلِكَ , بَلْ يَلْجَأ إِلَى اللَّه فِي دَفْعه , وَيَعْلَم أَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد دِينه وَعَقْله بِهَذِهِ الْوَسْوَسَة , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي دَفْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَجْه هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الشَّيْطَان إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ فَاسْتَعَاذَ الشَّخْص بِاللَّهِ مِنْهُ وَكَفّ عَنْ مُطَاوَلَته فِي ذَلِكَ اِنْدَفَعَ ... فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ اِنْتِهَاء , بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّة زَاغَ إِلَى غَيْرهَا إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحِيرَة , نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ... عَلَى أَنَّ قَوْله مَنْ خَلَقَ رَبّك كَلَام مُتَهَافِت يَنْقُض آخِرُهُ أَوَّلَهُ لِأَنَّ الْخَالِق يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون مَخْلُوقًا .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالِاشْتِغَال بِأَمْر آخَر وَلَمْ يَأْمُر بِالتَّأَمُّلِ وَالِاحْتِجَاج لِأَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه جَلَّ وَعَلَا عَنْ الْمُوجِد أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَقْبَل الْمُنَاظَرَة , وَلِأَنَّ الِاسْتِرْسَال فِي الْفِكْر فِي ذَلِكَ لَا يَزِيد الْمَرْء إِلَّا حَيْرَة , وَمَنْ هَذَا حَاله فَلَا عِلَاج لَهُ إِلَّا الْمَلْجَأ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِاعْتِصَام بِهِ .
وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى ذَمّ كَثْرَة السُّؤَال عَمَّا لَا يَعْنِي الْمَرْء وَعَمَّا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ , وَفِيهِ عِلْم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِإِخْبَارِهِ بِوُقُوعِ مَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ . انتهى كلامه رحمه الله ، مختصرا .(/3)
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، قد أمر بالانتهاء عن تلك الوساوس ، وعدم الخوض فيها ، فإن المؤمن ، إذا غُلب على شيء منها ، وألقاها العدو اللعين في صدره ؛ فإن إيمانه يُعظم ذلك البلاء ، أن يقع شيء منه في صدره .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ( جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ : إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ؟!! قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟!! قَالُوا : نَعَمْ !!
قَالَ : ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ !! ) رواه مسلم (132) .
قال النووي رحمه الله :
مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك .
يا عبد الله : إن الحر من الرجال ، ومن له مقام بين الناس ، يأنف أن يكذب ، أو يُنسب إليه الكذب ، وقصة أبي سفيان مع هرقل في هذا مشهورة معروفة ، فكيف لو كان هذا الحر الكريم مؤمنا : إن الكذب مجانب للإيمان !!
فكيف لو كان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن توهم الظِّنة فيه ، وهو الصادق المصدوق ، تقشعر له الجلود ، وتقِفُّ الرؤوس !!
فكيف .. ؟!!
يا عبد الله ؛ إن أغلب الظن أنك أُتيت من أمرين اثنين ، تسلط الشيطان عليك بالوساوس لأجلهما :
فأما أولها : أنك أعرضت عن الانشغال بذكر الرحمن تبارك وتعالى ، ومطالعة آياته ، والعيش مع ما في كتابه الكريم من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، والتعرف على عظمته وجلاله ، وجماله وكماله ، بما عرفك في كتابه ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .(/4)
وأما الأمر الثاني ، وربما كان عقوبة من الله لك على الأمر الأول ، فهو : مصاحبتك لشياطين الإنس ، الذين يُظاهرون شياطين الجن ، وينصرونهم عليك .
وليس بالضروري من تلك المصاحبة أن يكون صديقا لك ، يذهب ويجيء معك ؛ بل ربما كانت تلك المصاحبة عن طريق شبكة الإنترنت ، حيث يجرك الفضول ، أو فراغ القلب إلى الدخول في بعض المنتديات الإلحادية : اللادينيين ، فأرسل الواحد منهم سهما من شبهته ، فاستقر في فؤادك ، فأورثك الداء الذي تشكوه !!
قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) .
عبد الله ؛ أقبل على قلبك فأصلحه ، وأقبل على ربك فتعرف عليه كما عرفك في كتابه ، وأقبل على كتابه فاتله وتدبره ، وعليك بذكره فاجعل لسانك رطبا منه ، فإنه حصنك :
( وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ .. !! ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
98296
العنوان:
يدير شركة استضافة وتبين أن صاحب الموقع يستخدمه لاستدراج النساء
السؤال:
أدير شركة لاستضافة المواقع الإلكترونية ، وبعد شهرين من بيع أحد المواقع فوجئت بأن صاحبه يستخدم الموقع للتعرف على الفتيات للإيقاع بهن واعترف لي بأن له علاقات محرمة سابقة عن طريق الإنترنت . قمت بدعوة الأخ وأرسلت له بعض المواد الدعوية عل الله يصلح حاله ولكنه مصر على عمله . قمت بإيقاف الموقع وإغلاقه ووضع بعض المواد الدعوية على الموقع وكتبت رسالة تحذيرية عن نية صاحب الموقع حتى تأخذ الأخوات حذرهن . وهو يطالب الآن بما دفعه لي بداية الأمر السؤال: هل يتوجب علي إعادة ما دفعه صاحب الموقع من مال له أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت ، فقد أحسنت في إغلاق الموقع ونصح الداخلين عليه ، ونسأل الله أن يجزيك خيرا .
والأصل أن عقد الإجارة لازم للطرفين إلى تمام مدته ، لكن إذا تبين أن المستأجر استأجر الخدمة لغرض محرم ، فهذا يبيح فسخ العقد من جهتك .
وأما الأجرة المتفق عليها للاستضافة ، فإنك تستحق منها ما يقابل المدة التي انتفع فيها بالموقع ، وترد له الباقي .
وقد وجهنا هذا السؤال للشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأجاب : " نعم ، إذا كان عمله هذا محرماً فإنكم تفسخون العقد لقول الله عز وجل : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ). وأما الأجرة التي دفع ، فله قسط الأجرة ، يعني إذا كان سكن النصف يأخذ النصف وهكذا " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98301
العنوان:
هل يلجأ إلى منظمات حقوق الإنسان للوصول إلى حقه
السؤال:
ما حكم الالتجاء إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية إذا رجي المسلم عودة حقه له ؟ وما حكم الالتجاء إلى منظمة حقوق الإنسان الموجودة في السعودية ؟ .
الجواب:
أولاً :
سبق أن بيّنا في جواب السؤال رقم (97827) بعض ما تخفيه المبادئ البراقة لهذه الجمعيات العالمية من الأغراض الخبيثة المصادمة لشرع الله تعالى ، وعلى ضوء ما سبق : فلا يجوز للمسلم أن يساهم مع هذه المنظمات في قيامها وإعلاناتها وتأييدها ، ولا يجوز لمسلم أن يكون عضواً فيها .
وعليه فلا يجوز للمسلم الذي يجد طريقاً شرعيّاً لرفع مظلمته أن يرفعها لهذه المنظمات ؛ لأنها تقوم على أسس تحارب الدين والأخلاق ، والتحاكم إليها مع وجود المجال للتحاكم للإسلام كفرٌ بالله تعالى ، وقد يكون كفراً مخرجاً من الملة ، وقد يكون كفراً دون كفر ، وذلك بحسب اعتقاد الشخص وحاله – كما سيأتي - .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - :(/1)
من أقبح السيئات وأعظم المنكرات : التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية ، والنظم البشرية ، وعادات الأسلاف والأجداد ، وأحكام الكهنة والسحرة والمنجمين ، التي قد وقع فيها الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسولَه محمَّداً صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق , ومن أكبر شعائر الكفر ، والظلم ، والفسوق ، وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن ، وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم , قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60 ، 61 ، وقال تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/ 49 ، 50 ، وقال عز وجل : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة/44 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة/45 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائدة/47 ، وهذا تحذير شديد من الله سبحانه لجميع(/2)
العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما , وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية , فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه , وحكموا شريعته في كل شيء , واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم , وعادوا وأبغضوا من أعرض عن شريعة الله وتنقصها أو استهزأ بها وسهل في التحاكم إلى غيرها , لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقاب الله , وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه , الحاكمين بشريعته , الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعاداة أعدائه الراغبين عن شريعته المعرضين عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم - ( 12 / 259 ، 260 ) .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
ما رأيكم في المسلمين الذين يحتكمون إلى القوانين الوضعية ، مع وجود القرآن الكريم والسنَّة المطهرة بين أظهرهم ؟ .
فأجاب :
رأيي في هذا الصنف من الناس الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين في الوقت الذي يتحاكمون فيه إلى غير ما أنزل الله , ويرون شريعة الله غير كافية ، ولا صالحة للحكم في هذا العصر : هو ما قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم حيث يقول سبحانه وتعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/ 65 ، ويقول سبحانه وتعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة/ 44 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة 45 ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائدة/ 47 .(/3)
إذاً فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله , ويرون أن ذلك جائز لهم , أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله : لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام , ويكونون بذلك كفاراً ظالمين فاسقين , كما جاء في الآيات السابقة ، وغيرها , وقوله عز وجل : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/ 50 .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 271 ) .
وينظر : جواب السؤال رقم ( 11233) وفيه بيان : حكم التحاكم إلى محكمة العدل الدولية .
وينظر : جواب السؤال رقم ( 84073 ) وفيه بيان : حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية .
وإذا لم يجد المسلم مجالاً لتحصيل حقه بطرق مباحة ، وضاقت عليه الأمور : فيمكنه اللجوء لتلك المنظمات ، والتحاكم إليها ، إذا كانت قضيته شرعية ، ولم يمكنه تحصيل حقه بطرق مباحة ، وهذا من باب الضرورة ، والقاعدة الشرعية " الضرورات تبيح المحظورات " .
رابعاً:
وأما منظمات حقوق الإنسان في " السعودية " فهما هيئتان – فيما نعلم - :
الأولى : " الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان " .
والثانية : " هيئة حقوق الإنسان " .
ولا حرج في رفع مظلمتك وشكواك لهما ، فهما هيئتان لا تعتمدان على نظم وقوانين ومبادئ الهيئات العالمية لحقوق الإنسان ، بل تخالفانها في مسائل كثيرة ، وتلك تنتقد هذه ودولتها في أمور متعددة .
وقد جاء في أهداف الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان – نقلاً عن موقعهم - :
- العمل على حماية حقوق الإنسان وفقاً للنظام الأساس للحكم الذي مصدره الكتاب والسنَّة ووفقا للأنظمة المرعية ، وما ورد في الإعلانات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان الصادرة عن الجامعة العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، والأمم المتحدة ، ووكالاتها ، ولجانها المختصة ، وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية .
- التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال .(/4)
- الوقوف ضد الظلم ، والتعسف ، والعنف ، والتعذيب ، وعدم التسامح .
انتهى
http://www.nshrsa.org/index.php?LID=1
وقولهم " بما لا يخالف الشريعة الإسلامية " يبعث على الاعتزاز والفخر ، ويوضح بجلاء أنه لا حرج في اللجوء إليهم لرفع مظلمتك .
ومثل ذلك يقال في " هيئة حقوق الإنسان " حيث جاء بيان تأسيس الهيئة أنها تهدف إلى " حماية حقوق الإنسان ، وتعزيزها ، ونشر الوعي بها ، والإسهام في ضمان تطبيق ذلك ، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية " ، كما قاله رئيسها في لقاء معه في جريدة " الرياض " تاريخ : 08 جمادى الأولى 1427 هـ ، الموافق : 5 يونيو 2006 ، العدد 10051 .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
98308
العنوان:
تكفين الميت في قميص
السؤال:
هل يجوز أن يكفن الرجل في قميص ؟
الجواب:
الحمد لله
الأفضل أن لا يكفن الرجل في قميص ، بل يكفن في ثلاثة أثواب ، يلف فيها لفاًّ ، كما فُعل برسول الله صلى الله عليه وسلم .
فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ) رواه البخاري ( 1264) ومسلم (941 ) .
الكُرْسُف هُوَ الْقُطْن .
قال ابن حزم : " ما تخير الله تعالى لنبيه إلا أفضل الأحوال " انتهى .
"المحلى" ( 5/118) .
فالأفضل أن لا يكفن الرجل في قميص , وإن كان تكفينه في القميص جائزاً .
قال النووي : لا يكره تكفين الميت في القميص لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ , جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ , وَصَلِّ عَلَيْهِ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ , فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ , فَقَالَ : آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ ، فَآذَنَهُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ؟ فَقَالَ : أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ , قَالَ : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) فَصَلَّى عَلَيْهِ , فَنَزَلَتْ : ( وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) رواه البخاري ( 5796) .(/1)
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ , فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ , فَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ : وَقَالَ أَبُو هَارُونَ يَحْيَى : وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ .
قَالَ سُفْيَانُ : فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ . رواه البخاري (1270) .
وقد ترجم له البيهقي في "السنن الكبرى" (3/564) بقوله : " باب جواز التكفين في القميص وإن كنا نختار ما اختير لرسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وسبب تكفينه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي في قميصه :
قيل : لتطييب قلب ابنه . قال النووي : وهو أظهر .
وقيل : لأنه كان قد كسا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوباً حين أسر يوم بدر , فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ثوباً بدله لئلا يبقى لكافر عنده فضل .
وقيل : فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إجابة لسؤال ابنه حين سأله ذلك .
انظر : "المجموع" (5/152) ، "المغني" (3/384) .
وقال بعض العلماء بكراهة التكفين في القميص .
قال النووي : " وهذا ضعيف بل باطل من جهة الدليل , لأن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود , ولم يثبت في هذا شيء , فالصواب أنه لا يكره , لكنه خلاف الأولى " انتهى .
انظر : "المجموع" (5/153) , "المغني"(3/368) .(/2)
وأما المرأة ؛ فتكفن في قميص ، وانظر جواب السؤال رقم (98189) ففيه بيان صفة كفن المرأة .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98309
العنوان:
يقتصر على قراءة الآيات التي تعلمها
السؤال:
هل يجوز أثناء التلاوة أن نتلو ما تيسر لنا من إحدى السور ؟ فعلى سبيل المثال أنت لا تعرف إلا ثلاث آيات من إحدى السور ، لأنك مازلت في مرحلة تعلمها ؛ فهل يجوز قراءة الثلاث آيات التى تعرفها لاغير ، حتى تتم تعلم السورة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قراءة القرآن من أعظم الأعمال والقربات ، التي يؤجر عليها المسلم ، وقد جاء في فضل ذلك نصوص كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ) رواه مسلم ( 804 ) ، والبخاري معلَّقاً .
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول { الم } حرف ، ولكن ألِف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) رواه الترمذي ( 2910 ) وقال : حسن صحيح . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ثانياً :
يجوز للإنسان أن يقرأ ما تيسر له من القرآن مما تعلمه – على حسب طاقته - .
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد ، فله أجران " . ما رواه البخاري (4937) .
دل الحديث على أن من يشق عليه قراءة القرآن ، فهو مأجور على قراءته ، وهذا كله حث على قراءة القرآن ، وعدم هجر القرآن .
فلا حرج أن يقرأ الإنسان الآيات التي تعلمها ، سواء كن ثلاث آيات أو أكثر أو أقل .
وإذا كان يستطيع القراءة ، لكنه لم يحفظ إلا آيات قليلة ، فهذا يُنصح بأن يجعل له قراءتين : قراءة للحفظ ، وقراءة من المصحف ينال بها ثواب التلاوة ، فيجمع بين الأمرين : الحفظ والتلاوة .
نسأل الله أن يمنّ علينا وعليك بحفظ كتابه ، وقراءته آناء الليل وأطراف النهار ؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98311
العنوان:
إذا ظلم من قبل أهله وإخوانه هل له أن يقتصر في معاملتهم على السلام
السؤال:
إذا ظلم المرء من قبل أهله ، وإخوانه ، وأصروا على موقفهم فهل له أن يقلل احتكاكه بهم ، فقط سلام ، فهل يجوز ذلك أم يعتبر من الهجر المنهي عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
صلة المرأة لرحمها من الإخوة والأخوات ، أمر مؤكد شرعا ؛ لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بصلة الرحم ، وتحريم قطعها ، وهذه الصلة تتحقق بالزيارة والاتصال والسؤال ، حسب قدرة الإنسان واستطاعته .
وينبغي ألا تقصري في هذه القُربة العظيمة ، وألا يدفعك إلى ذلك جفاء الإخوة أو ظلمهم لك ، فإنك مثابة مأجورة على صلتك ، ولو قصروا معك ، وقد روى مسلم (2558) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ).
ومعنى ( تسفهم المل ) : أي تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم ، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. وقيل المعنى : أن ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم .
لكن إن كانت مخالطتهم يحصل بها الأذى ، وتزيد بها النفرة ، فيمكنك الاقتصار على السلام ، وتقليل الزيارة والكلام .
والسلام يقطع الهجر المنهي عنه ، ويرفع الإثم .
روى البخاري (6237) ومسلم (2561) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا ، وَيَصُدُّ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ).(/1)
قال ابن عبد البر : " واختلفوا في المتهاجرَيْن يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا ؟ فروى ابن وهب عن مالك أنه قال : إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة ، وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم : (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) أو من قول من قال : يجزىء من الصَّرْم [القطع] السلام .
وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه ؟ فقال : ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره ، فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار .
وقد روى هذا المعنى عن مالك" انتهى من "التمهيد" (6/127) .
وقال النووي في "شرح مسلم" : " ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) : أي هو أفضلهما ، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله" انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98313
العنوان:
لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف ؟!
السؤال:
لماذا لا يجوز للنساء الصلاة مع الرجال فى المسجد بينما يعبد الله فى مكة كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
هذا الإشكال مبني على خطأ في معرفة حكم الشرع في اختلاط الرجال والنساء في الطواف ، فالأخ السائل يعتقد أن الشريعة تبيح اختلاط الرجال بالنساء " جنباً إلى جنب " في الطواف ! وهو يستشكل عدم وجود هذا في الصلاة ، ومعنى كلامه أنه يريد صفوف النساء والرجال متداخلة ، فيتراص الرجال والنساء في صفوف الصلاة الكعب بالكعب ، والمنكب بالمنكب ! وهذا لا يمكن تصور وجوده في الشريعة المحكمة التي تغلق أبواب الفتنة ، وتسد على الشيطان طرقه في الغواية .
وحتى يزول أصل الخلل لا بدَّ من توضيح مسألة طواف النساء والرجال حكماً وواقعاً .
أما حكماً : فهو أن يكون طواف النساء خلف الرجال وحدهن ، أو في الليل حيث لا يكون أحد في الطواف من الرجال .
وأما الواقع : فهو مخالف للشرع ، وما نراه من اختلاط الرجال بالنساء بالصورة الموجودة اليوم مرفوض في الشرع ، ولا يزال العلماء ينكرونه ، ويحاولون إصلاحه ، ولصعوبة الأمر فإن كثيراً من المحاولات لم تنجح ، بسبب جهل الناس وعدم تعاونهم ، وبسبب الازدحام الشديد ، وعدم القدرة على ضبط الناس في الطواف .
وقد حاول بعض الحكام الأمويين الفصل التام بين الرجال والنساء في الطواف ، واستدل عليه بالفعل الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن أهل العلم أنه لا يلزم من الإذن لهن بالطواف مع الرجال أن يكون اختلاط ومماسة ! ومما يدل على هذا الذي ذكرناه :(/1)
1. ما رواه البخاري (1539) عن ابْن جُرَيْجٍ قال : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال : كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال ؟ قُلتُ : أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ ؟ قَال : إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ ، قُلتُ : كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال ؟ قَال : لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ : انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي : الحجر الأسود - قَالتِ : انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال ، وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ .
حَجرة من الرجال : بعيدة عنهم .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك ، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال : نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة ، وهذا إن صح لم يعارض الأول ؛ لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً ، فلهذا أنكر عليه عطاء ، واحتج بصنيع عائشة ، وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر .
قال الفاكهي : ويُذكر عن ابن عيينة أن أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف : خالد بن عبد الله القسري . ا.هـ.
وهذا إن ثبت فلعله منَعَ ذلك وقتاً ، ثم تركه ؛ فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان ، وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة .
" فتح الباري " ( 3 / 480 ) .
فهذا إنكارٌ لواقع الطواف الذي تختلط فيه النساء بالرجال ، ولم يكن ليرضَ أحدٌ بذلك من الولاة فضلاً عن العلماء .
قال ابن جُماعة - رحمه الله - :(/2)
ومن أكبر المنكرات : ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن ، وربما كان ذلك في الليل ، وبأيديهم الشموع متقدة ... .
إلى أن قال :
" نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات " .
وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه - :
فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة .
" الفتاوى الفقهية " ( 1 / 201 ، 202 ) .
وقد علَّق الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - على هذا الحديث من صحيح البخاري بقوله :
طواف النساء مع الرجال لا بأس به ، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه ؛ لأن كل امرأة مع محرمها ، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال : لضاعت النساء ، وحصل من الشر أكثر ، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حَجرة ، يعني : بعيدات عن الرجال : لكان هذا طيباً ، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد ، يجعلون النساء على الجانب ، وهو عمل طيب ، وأما أن تُمنع النساء ويقال لهن : لا تطفن إلا في الليل مثلاً : فهذا صعب ، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب ، لو قلنا : الرجال وحدهم والنساء وحدهن : لحصل فتنة كبيرة ، كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه ، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع ، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف - والعياذ بالله - وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف - نسأل الله العافية - وكم ضُبط من قضية .
انتهى من " شرح صحيح البخاري " كتاب الحج ، بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال ، الشريط السابع ، الوجه الثاني .(/3)
2. عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ .
رواه البخاري ( 452 ) ومسلم ( 1276 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها ، ولا تقطع صفوفهم أيضاً ، ولا يتأذون بدابتها .
" فتح الباري " ( 3 / 481 ) .
وقال الشيخ سليمان الباجي المالكي – رحمه الله - :
وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه ( طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة ) ولم يكن لأجل البعير ... وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت ، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال ، كالصلاة .
" المنتقى شرح الموطأ " ( 2 / 295 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة - ردّاً على من قال بجواز الاختلاط قياساً على الاختلاط في الطواف - :
أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام : فهو قياس مع الفارق ؛ فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن وراء الرجال متسترات ، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم .. .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 164 ، 165 ) .
ثانياً:
أما صلاة النساء مع الرجال في المسجد : فإن لها ضوابط وأحكاماً تؤدي كلها إلى حفظ الأعراض ، وتساهم في بناء المجتمعات على معالي الأخلاق ، ومن هذه الضوابط والأحكام :
1. أن يكون للنساء باب للدخول منه إلى المسجد غير باب الرجال .(/4)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ ) قَالَ نَافِعٌ : فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ .
رواه أبو داود ( 462 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وفي " عون المعبود " ( 2 / 92 ) :
( لو تركنا هذا الباب ) : أي باب المسجد الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم .
( للنساء ) : لكان خيراً ، وأحسن ؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد ، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال ، بل يعتزلن في جانب المسجد ، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام , فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة , فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات . انتهى
2. جعل النساء في صفوف خاصة خلف الرجال ، حتى لو كانت امرأة واحدة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
رواه البخاري ( 373 ) ومسلم ( 658 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
وفيه : أن المرأة تقف خلف الرجال , وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى : تقف وحدها متأخرة .
" شرح مسلم " ( 5 / 163 ) .
3. الترغيب في الصفوف الخلفية للنساء والترغيب في الصفوف الأولى للرجال .(/5)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ) .
رواه مسلم ( 440 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ، ورؤيتهم ، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم ، وسماع كلامهم ، ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك .
" شرح مسلم " ( 4 / 159 ، 160 ) .
4. جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، ولو كان المسجد الحرام .
عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ ).
رواه أحمد ( 26002 ) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 341 ) .
5. انتظار الرجال بعد الصلاة قليلاً ، وإسراع خروج النساء قليلاً .
عن أُمّ سَلَمَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ .
رواه البخاري ( 828 ) .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيراً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ( وهو الزهري ) : فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ .
رواه البخاري ( 802 ) .(/6)
قال بدر الدين العيني – رحمه الله - :
فيه : خروج النساء إلى المساجد ، وسبقهن بالانصراف ، والاختلاط بهن مظنة الفساد ، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه .
" عمدة القاري " ( 6 / 122 ) .
قال السندي – رحمه الله – في بيان سبب مكثه صلى الله عليه وسلم بعد السلام - :
أي : ليتبعه الرجال في ذلك ، حتى تنصرف النساء إلى البيوت ، فلا يحصل اجتماع الطائفتين في الطريق .
" حاشية سنن ابن ماجه " ( حديث 932 ) .
6. الحفاظ على الحجاب والستر في القدوم للمسجد والانصراف منه .
عن عَائِشَةَ قَالَتْ : كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ( أي : متسترات بثوب يغطي جسدهن كله ) .
رواه البخاري ( 553 ) ومسلم ( 645 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات ، لا يداخلنهم ، ولا يختلطن بهم ، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد ، فإنهن كنَّ يخرجن متسترات ، ويجلسن خلف الرجال في المصلى ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء ، فذكَّرهن ووعظهن ، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء ، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد ، كنَّ يخرجن متلفعات بمروطهن ، ويصلين خلف الرجال ، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 164 ، 165 ) .
ونرجو أن نكون بذلك قد أزلنا الخلل الذي يستدل به بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط المستهتر ، ظناً منهم أن الشرع يبيح ذلك الاختلاط في الطواف فهذا الواقع مخالف للشرع ، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
98314
العنوان:
تاب من سماع الموسيقى فماذا يعمل بالاسطوانات؟
السؤال:
عدت مؤخرا للتدين والحمد لله ، ولكني قمت قبل ذلك بالاستماع للكثير من الموسيقى ولذلك فإن لدي عدداً كبيراً جدا من الاسطوانات . وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أعطي تلك الاسطوانات لمحل خيري أو لغيري (دون أن آخذ مالا لذلك) لأن لدي انطباعاً أنه يجب ألا أعطي لغيري أشياء محرمة لأنني أكون بذلك أساعد على عمل الحرام .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نحمد لله أن منّ عليك بالتوبة وهداك إلى الطريق المستقيم ونسأل الله لنا ولك مزيدا من التوفيق والثبات .
ثانياً :
ما ذكرته من أنه لا يجوز إعطاء الغير ما فيه إعانة على المحرم صحيح .
وعليه ؛ فالواجب عليك هو إزالة ما على هذه الاسطوانات من الموسيقى ، ثم تستفيد منها بأن تنسخ عليها أشياء مفيدة ، أو تعطيها لمحل خيري ينسخ عليها أشياء مفيدة .
فإن لم يمكن النسخ عليها ، فليس أمامك إلا إتلافها ، ولا يجوز إعطاؤها لمن يستمع إليها ، سواء كان عن طريق البيع أو الهبة ، لشخص أو محل ، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون .
وللفائدة راجع جواب السؤال (13754).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98326
العنوان:
أساء رجل إلى أمه فتكلم عليه بألفاظ بذيئة
السؤال:
إذا أساء أحدهم معاملة والدتى فقمت عندما علمت بذلك بالتلفظ بألفاظ نابية عن هذا الشخص لما فعله مع أمى. فهل يعد ذلك الأمر غيبة؟
الجواب:
الحمد لله
الغيبة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ذكرك أخاك بما يكره ) فإن لم تكن فيه الصفة المكروهة ، كان ذلك بهتانا ، وكلاهما محرم .
روى مسلم (2589) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ).
وعليه فتلفظك بألفاظ نابية في حق هذا الشخص ، في غيابه ، لا يخرج عن كونه غيبة أو بهتانا ، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تعزم على عدم العود لذلك ، ومن تمام توبتك أن تجتهد في إصلاح قلبك نحوه ، والاستغفار له ، وذكر محاسنه ، وبيان ما فيه من الخير أمام من ذكرته بالسوء عنده . وانظر جواب السؤال رقم (52807) .
وهذا إذا كان الكلام في غيبته ، وأما إذا كان في حال حضوره ، فهو من باب الشتم والسب والبذاءة ، وذلك محرم أيضا ، ما لم يكن قصاصا ، أي مقابلة للكلمة السيئة بمثلها دون تجاوز.(/1)
وذلك لقوله تعالى: ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى/40- 43
ولما روى مسلم (2587) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ ).
وقال في "سبل السلام" (2/675) : " دل الحديث على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان بالأذية بمثلها وأن إثم ذلك عائد على البادئ ; لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب إلا أن يتعدى المجيب في أذيته بالكلام فيختص به إثم عدوانه ; لأنه إنما أذن له في مثل ما عوقب به { وجزاء سيئة سيئة مثلها } { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } .
وعدم المكافأة والصبر والاحتمال أفضل فقد ثبت { أن رجلا سب أبا بكر رضي الله عنه بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فسكت أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد , ثم أجابه أبو بكر فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له في ذلك فقال : إنه لما سكت أبو بكر كان ملك يجيب عنه فلما انتصف لنفسه حضر الشيطان } أو نحو هذا اللفظ " قال تعالى : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } " انتهى .
وأما أن – تقابل هذه الإساءة بالإحسان إليه بالقول والعمل ، والبر واللطف ، وتطيع الله فيه ، إذ عصاه فيك ، فذاك مقام أهل العزائم ، وأفراد الرجال .(/2)
قال الله تعالى : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34-35 .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98333
العنوان:
والده لا يصلي إلا إذا صلى معه فهل يصلي في البيت لأجله
السؤال:
والدى لا يصلى بانتظام فهو يصلى عادة عندما أقول له بأن يأتي ليصلي معي . وسؤالي : أولا : هل يجوز لي عندما أصلى فى المسجد على سبيل المثال أو أصلى منفردا ثم أرى والدى أن أصلى معه ثانية (كأن أصلى العشاء مرتين) ؟ وأيضا هل من الأفضل لي أن أصلي مع والدي أم في المسجد؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين ، في أصح قولي العلماء ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (120) و(8918) .
وعليه فلا يجوز أن تتخلف عن الصلاة في المسجد ، لتصلي مع والدك .
لكن إذا صليت في المسجد ، ورجعت إلى منزلك ، جاز لك أن تصلي الصلاة مع أبيك ، وتكون نافلة لك ؛ لوجود السبب المبيح لإعادة الجماعة ، وقد ثبت في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه " أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب فيصلي بقومه " رواه البخاري (701 ) ، ومسلم برقم (465) .
ثانياً :
ينبغي أن تكثر من النصيحة لأبيك ، وأن ترغبه في الصلاة ، وفي أدائها جماعة ، وأن تبين له ما ورد في عقوبة تارك الصلاة ، فإن الصلاة عمود الدين ، والمتهاون فيها متوعَّد بالعقاب الشديد ، كما قال تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم (82). وقوله : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553).(/1)
وقوله : ( لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقد روى عن جماعة من الصحابة أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر ، عياذا بالله من ذلك .
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98334
العنوان:
الرد على من قال إن صوم يوم عرفة ليس من السنة
السؤال:
عندنا شيخ يقول : إن صيام يوم عرفة ليس بسنة ، ولا يجوز صيامه ، أرجو الرد من سماحتكم على هذا السؤال ، لأن هذا الشيخ يوزع منشورات تنهي عن صيام يوم عرفة . أرجو الرد من سماحتكم
الجواب:
الحمد لله
صوم يوم عرفة سنة مؤكدة لغير الحاج ، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : ( يكفر السنة الماضية والباقية ) رواه مسلم (1162) وفي رواية له : ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/428) ـ من كتب الشافعية ـ :
" أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب : يستحب صوم يوم عرفة لغير من هو بعرفة .
وأما الحاج الحاضر في عرفة فقال الشافعي في المختصر والأصحاب : يستحب له فطره لحديث أم الفضل . وقال جماعة من أصحابنا : يكره له صومه , وممن صرح بكراهته الدارمي والبندنيجي والمحاملي في المجموع والمصنف في التنبيه وآخرون " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/443) ـ من كتب الحنابلة ـ :
" وهو يوم شريف عظيم ، وعيد كريم ، وفضله كبير ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر سنتين ." انتهى .
وقال ابن مفلح رحمه الله في الفروع (3/108) ـ من كتب الحنابلة أيضا ـ :
" ويستحب صوم عشر ذي الحجة ، وآكده التاسع ، وهو يوم عرفة ، إجماعا . " انتهى .
وقال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (2/76) ـ من كتب الأحناف ـ :(/1)
" وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ : فَفِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ ، لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّدْبِ إلَى صَوْمِهِ ، وَلِأَنَّ لَهُ فَضِيلَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ ، وَالدُّعَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُرْبَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ ، وَيُسْتَدْرَكُ عَادَةً ، فَأَمَّا فَضِيلَةُ الْوُقُوفِ ، وَالدُّعَاءِ فِيهِ لَا يُسْتَدْرَكُ فِي حَقِّ عَامَّةِ النَّاسِ عَادَةً إلَّا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى " .
وفي شرح مختصر خليل ، للخرشي (6/488) ـ من كتب المالكية ـ "
" وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ( ش ) يُرِيدُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ ، وَأَمَّا هُوَ فَيُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ وَقَدْ { أَفْطَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ } " انتهى .
وفي حاشية الدسوقي (5/80) :
"ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَنُدِبَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَخْ الْمُرَادُ تَأَكُّدُ النَّدْبِ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ " .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " ما حكم صيام يوم عرفة لغير الحاج والحاج ؟
فأجاب : صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة ، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) وفي رواية: ( يكفر السنة الماضية والباقية ) .(/2)
وأما الحاج فإنه لا يسن له صوم يوم عرفة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة في حجة الوداع ، ففي صحيح البخاري عن ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون " انتهى
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" ج 20 سؤال رقم 404
فصيام عرفة للحاج مكروه ، لا يستحب ، فإن كان هذا مقصود المتكلم ، فقد أصاب ، وأما إن كان مراده عدم مشروعية صيام يوم عرفة لغير الحاج ، فهذا خطأ بين مخالف لما دلت عليه السنة الصحيحة كما سبق .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98340
العنوان:
هل يجوز له الإشراف على بناء بيت لأناس اقترضوا من بنك بالربا ؟
السؤال:
أنا مهندس ، لدي مكتب هندسي أعمل فيه ، يأتيني أناس مقترضون من البنك بقروض ربوية ، وهذه القروض لبناء مساكن ، المهم : يُطلب مني أن أشرف على البناء الذي استقرضوا من أجله ، أو يستشيرونني في أمر البناء ، أو أي عمل يخص هذا البناء ، سواء بمقابل ، أو بدون مقابل أقوم به ، فهل يلحقني إثم في ذلك ، أو شجعت على الربا في عملي هذا ؟ مع العلم كنت في السابق أرسم الخرائط التي على ضوئها يأخذ القرض ، وأكتب التقرير عند انتهاء أي مرحلة من مراحل البناء ليؤخذ بها دفعات القرض ، وعند سماعي فتوى من أحد أصدقائي بأني أكون أنا بمثابة كاتبه : أوقفت هذا الأمر ، فهل عليَّ شيء ؟ وإن كان عليَّ شيء : فما هو كفارته ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لسنا بحاجة لبيان حكم قرضهم الربوي ، فهو واضح بيِّن ، وقد وقع أصحابه في كبيرة من كبائر الذنوب ، وعليك نصحهم وتذكيرهم بحرمة فعلهم ، وضرورة التوبة منه .
وأما بالنسبة لسؤالك :
فيمكن لمهندس البناء أن يكون فعله محرَّماً ، ويمكن أن يكون حلالاً :
فإذا صمم لهم البيت ، أو خططه لهم لأجل الحصول على قرض ربوي : ففعله حرام ، وهو متعاون على الإثم والعدوان ؛ لأن فعله هنا له تعلق بالقرض الربوي ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .(/1)
وإذا كان التصميم أو التخطيط بعد حصولهم على القرض الربوي : فلا حرج على المهندس أن يصمم ويخطط ويشرف على البناء ، ولو كانت أموال أصحابه أخذت بقرضٍ ربوي محرَّم ؛ لأن القرض الربوي تعلق بذمة أولئك المرابين ، لا بعين المال ، وهو إنما يأخذ المال مقابل جهده وتعبه ، وهكذا من باعهم أرضاً أو مواد بناء : فإنه لا حرج عليه أن يفعل ذلك ؛ لأنهم جميعاً استوفوا المال مقابل ما بذلوه من بضائع ومواد ، ولا تعلق لهم بالقرض الربوي.
وانظر جواب السؤال رقم (82277)
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
98351
العنوان:
يبكي لسماع القرآن ويمارس العادة السرية ويسيء لوالديه فهل هذا نفاق ؟
السؤال:
قرأت في أحد المواقع الإسلامية عن صفات الحبيب المصطفى ، وقد أدى ذلك إلى بكائي بعض الشيء ، وهذا يقع لي - أي البكاء - حتى في بعض الصلوات في المسجد ، خصوصا إذا كان للإمام صوت شجي ، ولكن على الرغم من هذا فإني أقع في بعض المعاصي كالعادة السرية ، ورفع صوتي شيئاً ما على والداي ، وقد قرأت في موقعكم أسباب هذه المعاصي وكيفية التخلص منها ، وسؤالي هل ما أقوم به من أعمال قبيحة أُعدُّ منافقا ؟ .
الجواب:(/1)
رقم السؤال:
98354
العنوان:
دولته تمنع التعدد ويريد الزواج بامرأة ثانية بإذن أخيها دون والدها !
السؤال:
أنتمي لدولة يمنع فيها الزواج لأكثر من واحدة , وبالتالي يمنع التعامل بالزواج العرفي ، ولا يمكن توثيقه يوماً في سجلات الحالة المدنية , مع أن عقل الولي غير مهيأ اجتماعيّاً لمثل هذا الزواج لأحد بناته , فما هو الحل لمتزوج تعلق بأخرى أرادته زوجاً لها وارتضت طريقة الزواج المذكور ؟ ألاحظ أن أحد إخوتها ( الأصغر ) والبالغ 25 سنة موافق ، ولكن يطلب أن يبقى هذا سرّاً ؟
الجواب:
2127 ) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه ، وشروط الولي . وفي جواب السؤال : ( 7989 ) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح .
وفي جوابي السؤالين : ( 45513 ) ( 45663 ) تجد بيان حكم الزواج العرفي .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
98355
العنوان:
يحب أبا سعيد الخدري وأبا هريرة فوق محبته للخلفاء الراشدين
السؤال:
من بين أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري وأحبه حبا جما ، وهذا والله لا دخل لي في حبه ، فقط من تواتر واستمرار قراءتي للأحاديث النبوية يميل قلبي كثيرا له ويأتي الدور الثاني لأبي هريرة ومن بعد الخلفاء الراشدون وسؤالي ما حكم ما أقوم به من تفضيل صحابي على آخر ؟ وجزاكم الله تعالى كل خير .
الجواب:
الحمد لله
حب الصحابة رضي الله عنهم دين وإيمان وإحسان ، كما قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم . ونبغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم . ولا نذكرهم إلا بخير . وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان " انتهى .
والصحابة متفاضلون ، وأفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم العشرة المبشرون بالجنة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة .
قال الذهبي رحمه الله : " تواتر عن علي رضي الله عنه أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ؛ وخيرهم بعد أبى بكر عمر، انتهى ؛ ثم بعد هؤلاء الأربعة في الفضلية، عند أهل السنة : الستة ، بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل بيعة الرضوان ، ثم بقية الصحابة ، رضي الله عنهم " انتهى نقلا عن "الدر السنية" (1/203).(/1)
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : " والصحابة يتفاضلون ، فأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، رضي الله عن الجميع ، الذين قال فيهم النبي عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة وهم: أبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم.
ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان، قال تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح/18.
ثم الذين آمنوا وجاهدوا قبل الفتح ، فهم أفضل من الصحابة الذين آمنوا وجاهدوا بعد الفتح ، قال تعالى: ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) الحديد/10، والمراد بالفتح: صلح الحديبية .
ثم المهاجرون عموماً، ثم الأنصار؛ لأن الله قدّم المهاجرين على الأنصار في القرآن، قال سبحانه: ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ) التوبة/100، وقال سبحانه : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحشر/8 ، وهؤلاء هم المهاجرون.(/2)
ثم قال سبحانه في الأنصار: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/9.
فقدّم المهاجرين وأعمالهم على الأنصار وأعمالهم، مما دل على أن المهاجرين أفضل؛ لأنهم تركوا أوطانهم وأموالهم وهاجروا في سبيل الله، فدل على صدق إيمانهم، فجميع الصحابة يجب حبهم وموالاتهم " انتهى من "شرح الطحاوية".
وكونك تحب الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه حبا جما كما ذكرت ، لا حرج فيه ، لكن لا تعتقد أفضليته على الخلفاء الراشدين والعشرة .
وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه ممن شهد غزوة الخندق ثم بيعة الرضوان ، وهو أنصاري رضي الله عنه .
قال عنه الذهبي رحمه الله : " الإمام المجاهد، مفتي المدينة " وقال:" كان أحد الفقهاء المجتهدين " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3/168).
وننصحك أخي الكريم بمطالعة سير الصحابة وأخبارهم ، وما ورد في السنة من فضائلهم ، وأن تعيش مع ذلك طويلاً ، لاسيما سيرة الخلفاء الراشدين ، ومناقبهم ، فإنك لو قرأت ذلك لأحببتهم أعظم من حبك لأبي سعيد ولأبي هريرة ، فإن هؤلاء خيار الأمة ، وسادة الصحابة ، وصفوة الخلق بعد الأنبياء ، اختارهم الله تعالى ليكونوا أقرب الناس إلى نبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم جاهد نفسك أن تكون محبتك وهواك تبعاً لما جاء به الشرع وصحّت به السنة ، وشهد له التاريخ ، وقد جعل الله لكل شيء قدراً !!
نسأل الله أن يزيدنا وإياك حبا لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأن يثبتنا على طريقهم ، ويحشرنا معهم ، بمنه وكرمه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98382
العنوان:
والدها يرى استحباب النقاب ويأمرها بتركه وترى هي وجوبه
السؤال:
ترغب إحدى الفتيات فى أن ترتدي النقاب وقد قرأت دليل وجوب ارتدائه وتعتقد أنه فرض لكن والدها وهو شديد التدين يشعر بأن النقاب مستحب ( وقد درس كل الأدلة الخاصة بالنقاب وكوَّن رأيه بناء على ذلك) وهو ربما يخشى من وجهة نظره على أمان الفتاة أو يشك فى إخلاص نواياها ولذلك فقد منعها من ارتداء النقاب. ومع ذلك فقد سمح لها بأن تقوم بارتداء النقاب فقط فى حال ما لو أتمت حفظ سورة البقرة (فهو يشعر بأن ذلك سيثبت إخلاصها) ولكنها تخشى من أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا للغاية وتشعر بأنها ستأثم لعدم ارتدائها النقاب. وقد حاولت أن تظهر لوالدها إخلاصها ولكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة له. ولم تعصه الفتاة لأنها تخشى على صحته فهو يعاني من مشاكل بالقلب تجعله يمرض بشدة حال تعرضه لأي ضغط وارتداؤها للحجاب ضد إرادته سيتسبب فى مرضه. وحينما حاولت أن تناقش هذا الأمر مع غيرها من النساء شعرن بأنها تهينهن بالتلميح بأنهن يأثمن لعدم تغطيتهن وجوههن بالرغم من أنها لم تقل ذلك عليهن وأخبرتهن بأنها لاتحاول أن تفرض رأيها على أي منهن ولكنهن لم يتفهمن ذلك الأمر لأنهن جميعا يشعرن بأنه سنة. فماذا عليها أن تفعل؟ وهل يأثم والدها لاعتقاده بأنه لا يتعدى كونه سنة وليس فرضا ولمنعه لها من ارتدائه؟ هل يحرم عليه القيام بذلك؟ وهل بوسعكم تقديم دليل على ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ستر المرأة وجهها عن الأجانب ، واجب ، في أصح قولي العلماء ، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم 11774.
ثانيا :
لا يجوز للفتاة أن تطيع والدها أو أمها في ترك ستر الوجه ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .(/1)
كما لا يجوز للأب أن يأمر ابنته بكشف الوجه ، ولو كان يرى أن النقاب مستحب ، ما دامت هي مقتنعة بوجوبه ؛ لأنها مكلفة بما علمت واقتنعت ، وستسأل عن ذلك يوم القيامة ، فإنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن علمه ماذا عمل فيه ، ولن تسأل عن رأي والدها وقناعته فحيث تركت النقاب كانت عاصية لربها ، فماذا يفيدها طاعتها لأبيها حينئذ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري 7257، ومسلم1840.
ثالثا :
لو سلّمنا أن أمر المرأة المسلمة بستر وجهها عن الرجال الأجانب مستحب وليس واجباً ، فليس للأب ولا لغيره أن يأمر بكشف الوجه ، لأنه بذلك يضاد حكم الله تعالى وأمره ، وكيف يسمح رجل مسلم لنفسه أن يأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم هو يأمر بخلافه ، وينهى عما أمر الله ورسوله به ، والله تعالى يقول : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) الأحزاب/36 ، ويقول تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63
إن الأمر أخطر وأعظم من كون النقاب واجباً أو مستحباً أن من نهى عما أمر الله به ورسوله عليه أن يراجع إيمانه .
ولكن أن تتصور أيها الآمر بخلاف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم سواء الأب أم غيره لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ابنتك وأنت جالس بستر وجهها – استحباباً كما تعتقد أنت وليس على سبيل الوجوب ، فهل كنت تعارض أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أم كنت تقول سمعاً وطاعة .(/2)
إن كل مؤمن لا يملك إلا أن يقول ( سمعنا وأطعنا ) كما قال الله تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51
فما الفرق بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم المسموعة منه مباشرة ، وبين سنته المنقولة إلينا عن طريق الثقات والأثبات .
لماذا نطيعه في الأولى ونعصيه ونخالفه في الثانية !!
رابعاً :
إذا كان الأب يخاف على ابنته أن تصاب بأذى حال لبسها النقاب ، وكان هذا خوفاً حقيقاً له أسبابه الظاهرة ، كوجود المسلمة في محل يُعتدى على المنقّبة ، فلا حرج عليه في أمرها بترك النقاب ، وتطيعه حينئذ من باب دفع الضرر ، وأما إن كان الخوف ناتجاً عن هواجس وظنون لا تستند على وقائع وأمور ظاهرة فلا يجوز للفتاة أن تطيعه في ترك النقاب حينئذ .
خامساً :
ينبغي أن تجتهد الفتاة في نصح والدها ، وإقناعه بأن لها الحرية في اختيار القول الذي رأته صوابا ، سواء بمعرفة أدلته ، أو بتقليد من وثقت به من أهل العلم ، وأنه لا يجوز لها شرعا أن تدع هذا القول لكونه يخالف رأي أبيها ، كما لا يجوز له هو أن يلزمها برأيه ، وأنه بمنعها من النقاب يوقعها في الإثم والمعصية . سواء تركته مرة أو مرتين أو أكثر ، فكلما خرجت أمام الأجانب كاشفة ، أثمت بذلك .
ولعلها تستعين بمن يساعدها في إقناع أبيها بذلك .(/3)
ولعله قد ظهر لك من هذا الجواب أن المسألة ليست في إقناع أبيها بوجوب النقاب ، فهذا قد يتحقق وقد لا يتحقق بناء على وضوح الأدلة وخفائها ، وسُبل الإقناع بها ، لكن المسألة التي ينبغي التركيز عليها هي أن الفتاة لا يلزمها اتباع رأي أبيها ، ولا يجوز لها أن تدع ما اقتنعت به لأجل رأيه وقناعته ، ولا يجوز له أن يلزمها برأيه ، ولا معنى لإيقاعها في الإثم حتى تحفظ سورة البقرة ، أو يتأكد من إخلاص نواياها ، فإنها تأثم في كل مرة تخرج بدون النقاب ، كما سبق .
فإذا فهم الوالد ذلك ، وتركها وما تريد ، فهذا هو المطلوب ، وإن أصر على منعها ، فإن الأصل ألا تطيعه كما سبق ، لكن إن خشيت حصول المرض له بسبب مخالفته ، فإنها تكشف وجهها في حال كونها معه ، وتغطيه إذا خرجت بمفردها ، ولا تخبره بذلك .
نسأل الله تعالى لها التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
98383
العنوان:
يسأل عن الزواج من فتاة تعمل محاسبة في شركة للتبغ
السؤال:
هل يمكن لي الزواج من فتاة موظفة كمحاسبة في شركة التبغ ، إنها فتاة ذات خلق ، وترتدي الحجاب الإسلامي ، وعفيفة ، والله أعلم بما في الصدور .
الجواب:
الحمد لله
الزواج – أخي الكريم – هو خطوة نحو السعادة في الدنيا ، غير أن كثيرا من الناس يبتغي السعادة في الدنيا الفانية وينسى الآخرة الباقية ، فلا يراعي في زواجه ما شرع الله تعالى ، ولا يبتغي من زواجه إلا قضاء اللذة والشهوة ، فلا يلتفت إلا إلى جمال المرأة التي يطلبها أو جاهِها أو مالِها ، ويكون ذلك في أكثر الأحيان على حساب الدين .
ونحن نربأ بك – أخانا السائل – أن تكون من مثل هذه الزمرة .
فالمسلم بحاجة إلى من يُثَبِّتًُه ويُعينه على الاستقامة ولزوم طريق الخير والطاعة ، وخيرُ معين على ذلك هو الزوجة الصالحة ، التي تأمره بالخير وتنهاه عن الشر .
والمسلم بحاجة أيضا إلى أمٍّ كريمة صالحة ، تقوم على شأن أولاده بالتربية والرعاية وغرس الأخلاق الفاضلة والقيم العظيمة ، وتنشئهم على حسن العبودية لله تعالى ، فتُعظِّمُ شعائر الله في قلوبهم ، وتُنَمِّي دوافعَ الالتزام بالشرع في حياتهم ، حتى ينالوا رضا الله في الدنيا والآخرة ، وحتى يكونوا مشاعل خير وإصلاح في مجتمعاتهم .
هذا ما ينبغي عليك أن تَرقُبَه في المرأة التي تطلبها زوجة وصاحبة ، وهذا ما يجب أن ترعاه في أمر خطبتك .
فتأمل - أخي الكريم - في حال هذه الفتاة التي تريد خطبتها :
فإذا وجدت فيها ما وصفنا لك فهي الغاية والمطلب ، فأمسك بها ولا تُفَوِّتها على نفسك ، وعلامةُ ذلك أنك إِن بَيَّنتَ لها حرمة التدخين وتعاطيه ، وحرمةَ الإعانة عليه ، والعملِ في شركات إنتاجه وتسويقه – فستستجيب لك ، وستترك عملها وهي راضيةٌ مستبشرةٌ فرحةٌ بهداية الله لها ، وتوفيقه إياها أن صرف عنها الرزق الحرام والكسب الخبيث .(/1)
نسأل الله أن يوفق هذه الفتاة لذلك .
أما إن رَفَضَت نصيحتَك ، ولم تستمع لفتاوى أهل العلم التي تكاد تتفق على تحريم هذه الشجرة الخبيثة وتحريم العمل في إنتاجها ، وأصرت على بقائها في عملها المحرم واختلاطها بالرجال الأجانب الذين يشاركونها في هذا الإثم ، فلا نظن أنك سترى فيها حينئذ المواصفاتِ الصالحةَ التي تحدَّثنا عنها ، وستدرك أن نصيحتنا – ولا بد – هي أن تترك تلك الخطبة إلى خطبة أخرى تُبنى على أساسِ الطاعةِ والتقوى والالتزام ، وأن تجتنب الحديث مع تلك الفتاة ، ولا تحاول الاتصال بها ، فإن الحديث مع النساء إذا كان لغير حاجة من المحرمات .
والعمل في مصانع وشركات إنتاج التبغ والدخان أخطر من التدخين نفسه ، وذلك أن المُنتِج للتبغ مُتنِجٌ للشر ، ومُصَدِّر للخبث والضرر ، وساعٍ في إفساد المجتمع بإفساد الصحة والعافية التي وهبها الله للإنسان ، فيتحمَّل وزر كلِّ ضرر وكلِّ أذىً ينتشر في المجتمع بسبب التدخين ، ولو كان عمله في قسم المحاسبة ، فإن الشركة وحدة متكاملة ، أصل عملها محرم ، فيَحرُمُ كلُّ عملٍ يعين على الحرام .
ونحن ننتظر اليوم الذي تغدو فيه مصانع وشركات التدخين خاوية على عروشها ، يهجرها كل مسلم غيور على دينه ونفسه ومجتمعه ، ويصون نفسه أن تكون مِعول هدم ومصدر فساد .
فاحرص على نصح تلك الفتاة في هذا الأمر ، وانقل لها الفتاوى المقررة في ذلك ، ولا تطمع أنت ولا هي في ذلك الرزق الحرام ، فالله سبحانه وتعالى يمحق الحرام ويبارك في الحلال ، فإن استجابت فأقدم على الزواج بها ، وإلا فسوف يغني الله كلا من سعته والله واسع حكيم .
وانظر أجوبة الأسئلة الآتية ففيها بيان حكم التدخين وخطورته (9083) ، (10922) ، (13254) ، (20757)
وانظر في بيان مواصفات الزوجة الصالحة جواب السؤال رقم (71225)(/2)
وفي موقعنا الكثير من الفتاوى التي تبين حرمة العمل فيما فيه إعانة على المنكر والحرام ، انظر مثلا الأرقام (7432) ، (41105) ، (49829)
وفي ضوابط عمل المرأة أيضا : انظر (6666) ، (20140) ، (22397) ، (33710)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98388
العنوان:
هل يأثم إذا أبقى زوجة معه وأرسل الأخرى إلى بلده
السؤال:
عندي أحد إخوتي متزوج زوجتين وهو يعيش خارج البلاد ونظرا لظروفه المادية أبقى عنده زوجته الأولى ، وزوجته الثانية قال لها تذهب إلى أهلها فترة معينة حتى تتحسن ظروفه المادية لأنه لا يستطيع أن يوفر منزلين لكلا الزوجتين خصوصا في بلاد الغربة .وهو دائما يسأل ويخاف أنه ظلم الزوجة الثانية رغم أنه أعطاها نفقتها قبل أن تسافر وهي راضية عما فعله ولكن دائما يحس بالذنب فهل عليه ذنب فيما فعل أهو ظالم أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
يجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته في المبيت والنفقة والسكنى ، وهذا العدل شرط لجواز التعدد ، قال تعالى : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) النساء/3 . وروى أبو داود (2133) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ ) وصححه الألباني في "أوراء الغليل" (2017)
فليس للزوج أن يفضل إحدى الزوجتين بالبقاء معه ويرسل الأخرى إلى أهلها ، بل يجب أن يعدل بينهما فيبقي إحداهما مدة ، ويرسل الأخرى ، ثم يعكس الأمر ، وهكذا حتى تأخذ كل منهما حقها الذي شرعه الله لها .
وإذا رضيت إحدى الزوجتين بإسقاط حقها أو تفضيل الأخرى عليها ، فلا حرج في ذلك ، لكن بشرط أن يكون ذلك برضاها من غير إكراه أو إلحاح من الزوج ، وكلما أمكن أن يعدل الرجل بين زوجتيه فهو المطلوب(/1)
وقد عرضنا سؤالك على الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأجاب : " نعم ، يجب عليه أن يعدل بين زوجاته لقول الله عز وجل : ( وعاشروهن بالمعروف ) وليس من المعاشرة بالمعروف أن يبقي واحدة ويرد الأخرى ، بل عليه أن يعدل ، إما أن يبقي هذه فترة ثم يردها ويأتي بالأخرى ، وهكذا أو يصطلح من التي ردها بأن يأتي لها إلى بلدها أو يعطيها شيئا من المال ويراضيها ونحو ذلك " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98399
العنوان:
تدهورت صحته وساءت أحواله المادية ويريد النصيحة
السؤال:
أعاني من اكتئاب شديد ؛ فقد كنت أتمتع بصحة جيدة ، وحياة مستقرة ، ولكن فجأة تغير كل شيء ؛ فأنا الآن مريض ، وليس لدي عمل جيد ، وقد كنت أعتني بوالدَيَّ جيدا ، ولكني الآن لا أستطيع أن أرسل إليهم أية أموال ، وقد شرع والدي المسن في القيام بعمل شاق حتى يحصل على الرزق !! صدقني يا أخي ؛ فلدي مخاوف عديدة من الناحية الصحية الآن ، وأنا متأكد من أن صحتي ليست على ما يرام ، ولكن قبل أن أذهب للطبيب أود أن أدعو الله أن يحفظني من الأمراض الخطيرة. وعموما ، فإنني أفقد كل شيء ، وأمر بوقت عصيب ؛ فرجاء أمدوني ببعض النصائح الإسلامية التي من الممكن أن تساعدني في التغلب على مشكلاتي . أنا أداوم على استغفار الله عن ذنوبي وأخطائي ، جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يذهب عنك أخي السائل ما تجده من مرض ، ويوسع عليك ما أنت فيه من الضيق ، ويبدلك من همك وغمك فرحا ونعيما وسرورا وقرة عين !!
وقد أحسنت غاية الإحسان في مداومتك على الاستغفار ، فإنه من أعظم الأسباب لجلب المحبوب ودفع المكروه ، كما قال الله تعالى : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح /10-12
ونحن نوصيك بجملة من الوصايا :(/1)
أولها: التوجه إلى الله تعالى والتضرع بين يديه سبحانه ليرفع عنك ما نزل بك من مكروه فهو سبحانه وحده القادر على ذلك ، كما قال جل شأنه: ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) الأنعام/17، والدعاء شأنه عظيم وربما كانت المصائب سبباً لفتح باب المناجاة بين العبد وربه ، حتى إن العبد ربما استغرق في مناجاته لربه ، وأنس بها ، وذاق حلاوتها ، حتى نسي كل ما يجده من الآلام ، وهذا من لطف الله الخفي بعبده ، وهو الرحيم الودود سبحانه.
ثانيها : أحسن الظن بربك سبحانه ، فهو أهل لكل جميل ، وبدلا من أن تتوقع الشر ، وتنتظر البلاء ، علق رجاءك بربك أن يلطف بك ، ويصلح شأنك . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) واللفظ له .
وإذا كنت قد ذكرت أنك تكثر الاستغفار من ذنوبك وأخطائك ، فننبهك إلى أن من هذه الأخطاء التي تحتاج إلى الاستغفار والتوبة منها : ظن السوء برب العالمين ، الرحيم الودود .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فمثل هذه الحال تعرض لمن تعرض له ، فيبقى فيه نوع مغاضبة للقدر ومعارضة له ، فى خلقه وأمره ، ووساوس فى حكمته ورحمته ، فيحتاج العبد أن ينفى عنه شيئين : الآراء الفاسدة ، والآهواء الفاسدة ؛ فيعلم أن الحكمة والعدل فيما اقتضاه علمه وحكمته ، لا فيما اقتضاه علم العبد وحكمته ، ويكون هواه تبعا لما أمرالله به ، فلا يكون له مع أمر الله وحكمه هوى يخالف ذلك " انتهى ، مجموع الفتاوى (10/288) .(/2)
ثالثها : الأخذ بالأسباب المادية لدفع ما تعانيه ، فتتداوى من المرض ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً ، فَتَدَاوَوْا ، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ ) رواه أبو داود (3874) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1633) .
وتحاول دفع الاكتئاب عن نفسك بشغلها بما ينفعك من أمر الدين والدنيا ؛ فنظم أوقاتك وحاول ملأها بالنافع ، بجعل جزءٍ من وقتك للبحث عن الرزق ، وآخر لممارسة الرياضة ، وثالث للمطالعة والقراءة ، ورابع لحضور مجالس الذكر والعلم ، وهكذا.
رابعها : نقول : لا تحمل هم الرزق ، فإن الله عز وجل قد قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، فليس همك بمغير شيئاً من أقدار الله ، وما قد كتبه الله لك سيأتيك ، وما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب المباحة شرعاً ، والتي في مقدورك القيام بها ؛ وتذكر دائماً قول الله تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) ، وقوله تعالى : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذريات:22) وقوله تعالى : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:2-3) خامساً : نوصيك بأن تنظر إلى من هو دونك ، فقلب بصرك وبصيرتك في أحوال المصابين لترى قدر نعمة الله عليك ، إذ لو فعلت ذلك فإنك ستعلم أنك مهما أصبت فإنك في عافية .(/3)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَلَيْكُمْ )
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963) واللفظ له .
سادساً : نقول لك أيها الأخ الكريم : لقد أحسنت غاية الإحسان باعتنائك بوالديك والإحسان إليهما ، وهذا من حقهما عليك ، والله لا يضيع أجر المحسنين، وإن عجزت عن نفقتهما في حال مرضك أو ضيق رزقك ، فليس عليك في ذلك حرج ، والله عز وجل سيأجرك بنيتك ، وسيديم عليك ـ في أثناء مرضك ـ أجر العمل الذي كنت تعمله حال الصحة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) ، رواه البخاري (2996)
وعليك أن تبر والديك الآن بما تقدر عليه ، ولا تحقرن من المعروف شيئا ، فإن لم تجد فداوم الاتصال بهما ، والاعتناء بشأنهما ، واعتذر لهما بما أنت فيه من الحال .
والوالد سيجعل الله له فرجاً وسيتولى عونه فأكثر من الدعاء له.
والله أعلم.(/4)
رقم السؤال:
98402
العنوان:
هل يعمل طبيبا في الجيش مع إلزامه بحلق لحيته ؟
السؤال:
أنا طالب في كلية الطب بمصر هل يجوز أن أدخل الأكاديمية الحربية لأكون طبيبا في الجيش مع العلم بأنه في الجيش المصري يجب حلق اللحية
الجواب:
الحمد لله
حلق اللحية حرام ؛ لما ورد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في الأمر بإعفائها وتوفيرها ، وانظر شيئا من ذلك في جواب السؤال رقم (1189) .
وعليه فلا يجوز لك العمل في مكان تؤمر فيه بهذه المعصية .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : أنا في الجيش وأحلق لحيتي دائما , وذلك غصب عني , هل هذا حرام أم لا ؟
فأجاب : " لا يجوز حلق اللحية ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها وإرخائها في أحاديث صحيحة , وأخبر صلى الله عليه وسلم : أن في إعفائها وإرخائها مخالفة للمجوس والمشركين , وكان عليه الصلاة والسلام كث اللحية , وطاعة الرسول واجبة علينا , والتأسي به في أخلاقه وأفعاله من أفضل الأعمال ; لأن الله سبحانه يقول : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) وقال عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقال سبحانه : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
والتشبه بالكفار من أعظم المنكرات , ومن أسباب الحشر معهم يوم القيامة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) فإذا كنت في عمل تُلزم فيه بحلق لحيتك فلا تطعهم في ذلك ; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ، فإن ألزموك بحلقها فاترك هذا العمل الذي يجرك لفعل ما يغضب الله , وأسباب الرزق الأخرى كثيرة ميسرة ولله الحمد , ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
وفقك الله ويسر أمرك , وثبتنا وإياك على دينه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (8/376).(/1)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/20) : " س : أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش (إحدى الدول الإسلامية) وهذا مصدر رزقه ، وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يحلق لحيته، ويعظم بعضنا بعضا، كما تفعله الأعاجم، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله، وأن نعظم علم الدولة ، ونحكم ونحتكم فيما بيننا بشريعة غير شريعة الله (قوانين عسكرية). وإذا حاربت دفاعا عن الوطن، ولكن ليس تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشاء الله أن أقتل ، فما حكمي من القرآن والسنة ؟ وهل يمكن أن أحارب بنية مغايرة لنية الجيش الذي أحارب ضمن صفوفه؟ وإذا عملت ما قد سلف دفعا لأذى يمكن أن يلحق بي فهل أأثم بهذا؟ وهل يمكن لمسلم أن يعمل في الجيش بنية تعلم فنون القتال التي لا يمكن أن يتعلمه خارجه في ظروفنا الحالية ؟
وأفيدوني عن طاعة الوالدين في هذا الأمر ، إذا اختلفت وجهات النظر ، في حالة إذا كان الوالدان لا يحتكمان لقرآن ولا لسنة ، ولكن لتقاليد مجتمع وما اجتمع عليه الناس ، ويعتبران أن الدين ليس سوى صلاة وصيام، وغير هذا فهو تطرف. وفقكم الله إلى ما فيه رضاه، وسدد خطاكم وحفظكم.
ج: أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم.
رابعا: من قاتل لإعلاء كلمة الله، والذود عن المسلمين ، والحفاظ على بلاد المسلمين من العدو ، فهو في سبيل الله، وإن قتل فهو شهيد؛ لأن العبرة بالمقاصد والغايات. ويمكن أن تنوي نية مغايرة لنية الجيش؛ كأن تنوي إعلاء كلمة الله بجهادك، وإن كان غيرك ينوي خلاف ذلك، كالجهاد للوطن.
خامسا: طاعة الوالدين واجبة في غير معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98406
العنوان:
شراء سيارة بالتقسيط مع فوائد يسيرة
السؤال:
أخي يعمل في مؤسسة وطنية ، قبل ثلاث سنوات اقترحت المؤسسة على موظفيها شراء سيارات بالتقسيط فيها فوائد ضئيلة 2 بالمائة ، وهذه الفائدة تتحملها مصلحة الخدمات الاجتماعية التابعة للمؤسسة ، وهذه المرة اقترحت نفس الاقتراح ( شراء سيارات بالتقسيط) إلا أن هذه المرة تلك الفوائد يتحملها الموظف والمصلحة معا أو الموظف وحده حسب أجرته ( إن قل وحده و إلا معا ) وأجرة أخي لا بأس بها ، فاستشارنا فقلت له إن فيها فوائد أي ربا ومن الأحسن أن نجتنب الربا والحرام . ولكني أشرت عليه بأنه يمكن أن يدفع هذه الفوائد التي يتحملها بسبب شراء السيارة من الفوائد التي يتحصل عليها من إيداعه في البنوك الربوية (يجعل الفائدة التي تصله من البنك سداداً للفائدة التي عليه من جراء شراءه للسيارة) السؤال : إن اشتراها بحيث يدفعها بالتقسيط ( سواء دفع الفوائد بالفوائد التي يملكها أو بماله) ما حكمها؟ وهل تستطيع عائلتي استعمالها مع العلم أنني أعمل في نفس المؤسسة مع أخي التي تبعد عن بيتنا تساوي أو أكثر من 60كلم وأنا شخصيا
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز شراء السيارات بالتقسيط ، ولو كان السعر المؤجل أعلى من السعر الحال ، كما لو كانت السيارة تباع حالة ب 100 ، ومؤجلة 110 مثلا ؛ لعدم ما يمنع من ذلك شرعا .
وإن كان هذا هو مرادك بالفائدة ، فلا حرج في شراء السيارة .
وأما إن كان المقصود أن البنك يدفع ثمن السيارة كاملا ، نيابة عن الموظف ، ثم يسترد الثمن منه مقسطا مع زيادة ، فهذا قرض ربوي محرم ، ولا يجوز الدخول في هذه المعاملة مهما كانت الفائدة صغيرة ؛ لعموم الأدلة الدالة على تحريم الربا ، ولعن فاعله ، وإنذاره بالحرب والعقوبة .
وينظر : سؤال رقم (20091) .
ثانيا :
يحرم الإيداع في البنك الربوي ، إلا لضرورة حفظ المال ، ويُقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري .(/1)
والواجب على أخيك أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن ينهي تعامله مع البنك الربوي ، وأن يتخلص من الفوائد المعطاة له بصرفها في مصالح المسلمين ، وليس له أن ينتفع بها لخاصة نفسه ، لا في الضرائب ولا في الربا الذي يطلب منه عند شراء السيارة ، حسبما ورد في السؤال .
وبهذا يعلم أن شراء أخيك للسيارة عن طريق الربا ، وتسديد الفائدة من الفائدة الربوية المعطاة له على ودائعه ، فيه اقتراف للربا مرتين ، مرة بالإيداع الربوي ، ومرة بالشراء الربوي .
ثالثا :
إذا اشترى أخوك السيارة بمعاملة ربوية ، سواء دفع من ماله أو من فوائد الودائع ، فإنه يملك السيارة بذلك ، ويحق له الانتفاع بها ، مع وقوعه في الإثم العظيم ، الذي يوجب المقت والمحق ، كما قال تعالى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/276 .
وأما ركوبكم في سيارته ، فالأصل جواز ذلك ، إلا أن الأولى تركه ، زجرا له ، وإنكارا لعمله ، وتنفيرا من الاقتداء به ، وينبغي أن يعلم هذا مسبقا ، وأنكم لن تعينوه على الوقوع في الربا ، ولن تستعملوا ما اشتراه عن طريقه .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98407
العنوان:
هل يتزوج الخادمة ويكون وليها كفيلها ؟
السؤال:
رجل لديه زوجة مريضة بمرض مزمن ، وله منها ثلاثة أولاد , وعمله في مكان بعيد عن أهله ، والزوجة قد تمر بها حالات فتنوّم في المستشفى لعدة أيام ، والرجل يصبح ضائعاً بين أولاده وعمله ، فقرر جلب خادمة أمينة , ووجد خادمة كانت تعمل عند قوم ، ووصفوها بالأمانة في الشغل ورعاية الأطفال ، وجلست عنده مدة ، ووجدها كما تم وصفها ، لكنه يقول إنه لا يستطيع أن يفرض عليها الحجاب , وقد يقع نظره عليها ، وكذلك قد تبقى زوجته في المستشفى فيصيرون في خلوة ، فيسأل هل له أن يتزوجها - وخاصة أنها مطلقة - ؟ وليست له نية تطليقها ما دامت موجودة ، وسمع من أحد الشيوخ أن الكفيل هو ولي الخادمة ، فهل يزوجها لنفسه سرّاً عن زوجته ، وبشهود ؛ لدرء الفتنة التي يخاف أن تقع ؟ أم ماذا يفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء ، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط ، كالموظف .
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) .
ثانياً:
لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بأن الخادمة يكون وليها كفيلها ، والخادمة حرَّة ، فوليها والدها ، أو ابنها ، أو أخوها ، أما وكفيلها فهو أجنبي عنها لا ولاية له عليها .
ثالثاً:
لا يجوز لمن تعاقد مع خادمة على العمل في بيته أن ينظر إليها ، أو أن يخلو بها ؛ فهي أجنبية عنه ، وهو أجنبي عنها ، ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من النساء الأجنبيات .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :(/1)
" الخادمات خطرهن عظيم ، والبلية بهن كبيرة ، فلا يجوز للمسلم أن يخلو بالأجنبية سواء كانت خادمة ، أو غيرها ، كزوجة أخيه ، وزوجة عمه ، وأخت زوجته ، وزوجة خاله ، وغير ذلك , ولا يخلو بامرأة من جيرانه ، ولا غيرهن من الأجنبيات .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة ؛ فإن الشيطان ثالثهما ) ، فليس له أن يخلو بامرأة أجنبية ، لا خادمة ، ولا غيرها ، وليس له أن يستقدم خدماً كفاراً ، ولا عمالاً كفاراً ، ولا خادمات كافرات في هذه الجزيرة " . انتهى " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 40 ، 41 ) .
رابعاً:
وتفكير الأخ السائل بالزواج من الخادمة التي تعمل في بيته تفكير سليم ؛ ليتجنب الحرام الذي يمكن أن يقع فيه معها من النظر ، والخلوة ، أو ما هو أشد من ذلك – لا قدَّر الله - ، لكن يجب أن ينتبه لأمور مهمة قبل الإقدام على الزواج من تلك الخادمة ، ومنها :
1. يجب عليه أن يؤدي لهذه الزوجة كامل حقوقها : من المهر الذي تستحقه ، ومن المبيت ، والنفقة ، ويجب أن يعدل بينها وبين زوجته الأولى ، وحقوقها ليست منقوصة لأنها خادمة ؛ لأنها ستصبح زوجته ، ولها ما للأولى ، وعليها ما على الأولى .
2. لا يحل له نكاحها إلا برضا وليها ، ووليها هو والدها ، فإما أن يحضر الولي بنفسه ، أو يوكِّل من يشاء ليقوم مقامه .
3. يجب أن يشهد على العقد شاهدا عدل ، أو أن يعلن الزواج أمام ملأ من الناس ، ولا يشترط إخبار زوجته الأولى ، لكن لا يحل له إخفاؤه عن الناس ؛ لما يترتب على الإخفاء من ضرر عليك وعليها ؛ ولما يترتب عليه من هضم حقوقها الزوجية ، كالمهر ، وإثبات نسب أولادها ، ونصيبهم من الميراث منه ، وغير ذلك .(/2)
4. لا يجوز له منعها من حقوقها مثل : الاستمتاع ، والإنجاب ، فلا يجوز له العزل في الجماع إلا بإذنها ، ولا يجوز له منعها من الإنجاب إلا بإذنها أيضاً ؛ لأن حق الاستمتاع والولد مشترك بينهما ، فلا يجوز له حرمانها منهما أو من أحدهما .
5. يجب أن ينتبه لطريقة تعامل زوجته الأولى وأولاده لها ، فهي زوجته ، ويجب أن يكون لها من الاحترام والتقدير ما يناسب كرامتها ، ولا يحل له أن يرضى بسوء معاملتهم لها على أنها خادمة أجنبية ، وهي في حقيقة الحال زوجته .
فعليه أن يأخذ ما ذكرناه بالاعتبار ليكون زواجاً شرعيّاً ، يخلو مما يبطله أو ينقصه ، ونسأل الله تعالى أن يشفي زوجته ، وأن ييسر له أمر زواجه إن كان لهما فيه خير .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98408
العنوان:
إذا لم توجد مقبرة للمسلمين أو وجدت بثمن مرتفع فأين يدفن المسلم؟
السؤال:
ثمن القبر عندنا غالٍ جداً ، وقد مات طفل ولم نستطع شراء قبر له لندفنه في مقابر المسلمين، فأخذناه إلى الغابة ودفناه بها ، فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا تعذر دفن المسلم في مقبرة خاصة بالمسلمين ؛ لعدم وجودها أو ارتفاع كلفتها ، فلا حرج في دفنه في صحراء أو غابة ، ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش .
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم المسلم الذي يتوفى في فرنسا وتعذر نقله إلى بلاده العربية ، وليس في البلد الذي هو متوفى فيه مقبرة مخصصة للمسلمين ، فهل يدفن في مقبرة النصارى ، أم ماذا ؟ وكذلك ليس هناك موضع لتغسيل أموات المسلمين إلا الحجرة المخصصة لتغسيل أموات النصارى ، فهل يمكن تغسيل أموات المسلمين فيها إذا تعذر تغسيل الميت المسلم في بيته ؟
فأجابوا : "إذا لم يوجد مقبرة للمسلمين فإن المسلم إذا مات لا يدفن في مقابر الكفار ، ولكن يلتمس له موضع في الصحراء يدفن فيه ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش ، وإن تيسر نقله إلى بلاد بها مقبرة للمسلمين بدون كلفة شديدة فهو أولى ، أما تغسيل الميت المسلم في موضع تغسيل الكفرة فلا حرج فيه إذا لم يتيسر مكان سواه بدون كلفة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/454)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98409
العنوان:
أقل الكفن المجزئ
السؤال:
ما هو أقل كفن يمكن أن يكفن فيه الرجل والمرأة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
سبق في جواب السؤال (98308) ، (98189) أن الأفضل أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب إن كان رجلاً ، وخمسة إن كان امرأة .
ثانياً :
أما أقل كفن يمكن أن يكفن الميت فيه ، وبه يحصل الواجب فهو ثوب واحد يستر جميع البدن ، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد ، وأحد القولين عند المالكية .
انظر : "حاشية ابن عابدين" (3/98) , "المغني" (3/386) ، "مواهب الجليل" (2/266) .
واستدلوا بما رواه البخاري (4047) ومسلم (940) عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لما قتل مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ , وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ , فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الْإِذْخِرَ ) .
قال الزيلعي : "وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (3/98).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" وإن كفن الميت في لفافة واحدة ساترة جاز سواء كان رجلاً أو امرأة , والأمر في ذلك واسع " .
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/127) .
وقال البسام في "توضيح الأحكام" (2/39) : " الواجب للميت مطلقاً صغيراً كان أو كبيراً , ذكراً أو أنثى ثوب واحد يستر جميع بدن الميت " انتهى .
ومذهب الشافعي : أقل الكفن ما يستر العورة , وللمرأة ثوب يستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين ، وهو القول الثاني عند المالكية .
انظر : "المجموع" (5/162) ، "مواهب الجليل" (2/266) .
واستدلوا بحديث مصعب أيضاً .(/1)
قال النووي : ولو كان ستر البدن واجباً لاشتروا له من تركته ( سلاح ونحوه ) كفناً , وإن لم يكن له مال لوجب تتميم الكفن من بيت المال فإن فقد فعلى المسلمين .
"المجموع" (5/150-151) .
ويجاب عن هذا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يجدوا ما يكفنون به شهداء أحد ، حتى كانوا يكفنون الرجلين في ثوب واحد ، كما رواه البخاري (1343) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ ) .
فمن أين يشترون الكفن وهم لا يجدون ما يكفنون به شهداء أحد ؟!
فإن ضاق الكفن عن ذلك , ولم يوجد ما يستر الميت ، ستر به رأسه وما طال من جسده , وما بقي منه مكشوفاً جعل عليه شيء من الإذخر أو غيره من الحشيش ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مصعب بن عمير : ( غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الْإِذْخِرَ ) متفق عليه .
قال الشيخ ابن عثيمين "في الشرح الممتع" (5/225) : " والدليل على أن هذا واجب (يعني ستر جميع الميت بالكفن) : أن الصحابة الذين قصرت بهم ثيابهم عن الكفن أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يجعل الكفن من عند الرأس ويجعل على الرجلين شيء من الإذخر ، وهو : نبات معروف .
فإذا لم يوجد شيء ، مثل : أن يحترق بثيابه ، ولم يوجد ثياب يكفن بها ، فإنه يكفن بحشيش أو نحوه يوضع على بدنه ويلف عليه حزائم ، فإن لم يوجد شيء فإنه يدفن على ما هو عليه ؛ لعموم قول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 " انتهى .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
98412
العنوان:
هل يجوز للأب أن يجعل أبناءه يقومون بتدليكه ؟
السؤال:
يستمتع زوجي بعملية التدليك ، وغالبا ما أكون مشغولة أو متعبة وغير قادرة على أن أقوم بذلك ، ولذلك فهو يجعل الأطفال يقومون له بذلك ، وتتراوح أعمارهم بين 6 إلى 10 سنوات ، وهم أربع بنات وصبى يبلغ الثامنة . ويقوم الأطفال بتدليك ظهره ورأسه ورقبته وساقيه وقدميه . فهل يجوز شرعا القيام بذلك والاستمرار في عملية تدليك والدهم ؟ وما حكم القيام بذلك بعد بلوغهم ؟
الجواب:
الحمد لله
الذي فهمناه من السؤال هو أن هذا الرجل يستمتع بدلك هذه الأعضاء استمتاعاً عادياً ، كأن يشعر بالراحة لزوال ما كان يحس به من تعب ونحو ذلك ، لكنه غير مصحوب بشهوة وتلذذ بمن يدلكه ، فإذا كان الأمر كذلك فلا حرج في أن يدلكه أبناؤه وبناته فيما ذكر من الأعضاء سواء كانوا بالغين أم لا ؟
لأنهم إن كانوا بالغين ، أو صغاراً بلغوا حداً يشتهون فيه ، فإنه يلزم الأب أن يستر أمامهم ما بين السرة والركبة ، أما ما عدا ذلك فلهم أن ينظروه منه .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/80) : " فأما الرجل مع الرجل ، فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة ، وفي حدها روايتان : إحداهما : ما بين السرة والركبة ، والأخرى : الفرجان ) اهـ
وأما المرأة ، فقد بين أهل العلم ما الذي يجوز لها أن تنظره من محارمها ، قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/287) ـ وهو يتحدث عن غسل الميت ـ : " فإن حضرت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته ، من سرته إلى ركبته ، لأنها تنظر منه ما ينظره الرجل من مثله ، وهو ما عدا ما بين السرة والركبة " انتهى .
هذا إن كانوا بالغين كما قلنا ، أو بلغوا حداً يشتهون ؛ وأما إن كانوا دون ذلك فالأمر أسهل ،
وهذا كله فيما إذا كان الأمر على ما فهمناه من قولك " يستمتع " أنه بمعنى يرتاح بدنه ، راحة طبيعية .(/1)
أما إذا كنت تريدين بالمتعة : التلذذ والاستمتاع بمن يدلكه فإن ذلك حرام وباب إلى شر عظيم، فالواجب حينئذ الحيلولة دون حصول هذا المنكر.
على أننا ، وحتى في الصورة المباحة ، لا نستحب ذلك ، خاصة إذا كان من الكبار ، وكان على وجه الاعتياد ، لأن ذلك ربما أدى إلى كسر حجاب الهيبة والحشمة بين الأبناء وأبيهم ، وسدا لما يخشى من الفساد ، خاصة في حق من يعيشون في الغرب ، ولا يمكن على وجه التحديد معرفة ما يتلقاه الأبناء في مجتمعهم ، مما يتعلق بهذه الأمور .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98414
العنوان:
يسأل عن مقولة إبراهيم عليه السلام لإسماعيل : غيّر عتبة بابك
السؤال:
هل هناك حديث يخص رجلا أخبر بأن يغير عتبة داره إذا نطقت زوجته بعبارة مهينة ؟ رجاء ساعدوني في إيجاد هذا الحديث (إذا كان موجودا) وفهم السياق الذي قيل فيه إن شاء الله .
الجواب:
الحمد لله
فالحديث الذي أشار إليه السائل هو ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم من قصة إبراهيم عليه السلام مع أم إسماعيل عليه السلام ، وترك إبراهيم الخليل لها ولولدها عند بيت الله المحرم ، وما تبع ذلك من أحداث .
والقصة رواها البخاري في صحيحة بطولها ، وقد أخبرنا الله في القرآن عن بعض تفاصيل هذه القصة ، كما في سورة إبراهيم ؛ فقد أخبرنا سبحانه أن إبراهيم ترك زوجته وولده في مكة ورجع إلى الشام ، كما أمره الله ثم رجع إلى مكة وقد كبر إسماعيل ، فيقص علينا النبي خبر رجوعه إلى مكة :
( قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ .
وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ : خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا .
ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ !!
قَالَ : فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ !!(/1)
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا ، فَقَالَ : هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟!
قَالَتْ : نَعَمْ جَاءَنَا ، شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا ، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ ؟!!
قَالَ : فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ ؟
قَالَتْ : نَعَمْ ؛ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ ، وَيَقُولُ : غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ !!
قَالَ : ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ ؛ الْحَقِي بِأَهْلِكِ .
فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى ، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ ، فَقَالَتْ : خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا .
قَالَ : كَيْفَ أَنْتُمْ ، وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ ؟
فَقَالَتْ : نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ .
فَقَالَ : مَا طَعَامُكُمْ ؟ قَالَتْ : اللَّحْمُ . قَالَ : فَمَا شَرَابُكُمْ ؟ قَالَتْ الْمَاءُ .
قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ .(/2)
قَالَ : فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ ، قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ !! فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ : هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ ، قَالَ : فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ !! قَالَ : ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ !!
ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ ، قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ ؟!!
قَالَ : فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ . قَالَ : وَتُعِينُنِي ؟ قَالَ : وَأُعِينُكَ .
قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا ، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا .
قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي ، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي ، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ ، وَهُمَا يَقُولَانِ : " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " .(/3)
قَالَ : فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
رواه البخاري في صحيحة : كتاب أحاديث الأنبياء ، باب واتخذ الله إبراهيم خليلا رقم (3113) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قوله عتبة بابك : كناية عن المرأة ، وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها ، وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله .
وفي القصة دروس وعبر منها
1- أن شكر الله سبب للمزيد من نعمه ، وكفر النعم بعكس ذالك ، وهذا واضح من عاقبة حال المرأتين .
2- الإشارة إلى ما ينبغي أن تكون عليه المرأة من القناعة والرضى بما يسره الله لزوجها من الرزق دون تبرم أو تضجر .
3- الاعتناء باختيار الزوجة الصالحة التي تعين على أمر الآخرة .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98424
العنوان:
لديه مصنوعات على صور الحيوانات فهل يذيبها وينتفع بها
السؤال:
أعمل ببيع الحيوانات وبعض الأشياء الأخرى المصنوعة من الرخام ، وقد اكتشفت مؤخرا حرمة ذلك ، وأعمل حاليا على ترك هذا العمل . فهل بوسعكم ـ رجاء ـ إخباري بما يمكنني عمله في مخزون الحيوانات المصنوعة من الرخام الموجود لدى. هل علي تحطيمه أم تسييحه أم إبعاده فى أية مكان.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز صناعة الأشكال والمنحوتات على صور ذوات الأرواح ، من الإنس والطير والحيوان ؛ لما جاء في ذلك من الوعيد الشديد ، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) رواه البخاري (7557) ومسلم (210).
وقوله : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ) رواه البخاري (5950) ومسلم (2109).
ومن كان لديه شيء من المنحوتات ، مما له قيمة في ذاته ، كأن تكون مصنوعة من نحاس أو برونز أو رخام ، فإنه لا يتلفه ، ولكن يذيبه ، وينتفع به .
وفي سنن الترمذي (2806) وأبي داود (4158) وغيرهما ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ ؛ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ .(/1)
فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ .
فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ) صححه الألباني .
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ إِذَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِأَنْ قُطِعَتْ رَأْسُهَا أَوْ حُلَّتْ أَوْصَالُهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْأَثَرُ عَلَى شِبْهِ الصُّوَرِ , فَلَا بَأْسَ بِهِ , وَعَلَى أَنَّ مَوْضِعَ التَّصْوِيرِ إِذَا نُقِضَ حَتَّى تَقَطَّعَ أَوْصَالُهُ جَازَ اِسْتِعْمَالُهُ " انتهى ، نقله المباركفوري في التحفة .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (12/125) : " ما يصنع بالصورة المحرمة إذا كانت في شيء ينتفع به : ينبغي إخراج الصورة عن وضعها المحرم إلى وضع تخرج فيه عن الحرمة , ولا يلزم إتلافها بالكلية " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98439
العنوان:
يُطلب منه بيع البضاعة بسعر محدد فيبيعها بأكثر ويأخذ الزيادة
السؤال:
أعمل عند رجل أعمال كمدير تجاري ومستشار ، يعطيني بضاعة أبيعها ويحدد لي سعرها ، وأنا وجدت من يأخذها بسعر أكثر من ذلك بقليل فأبيعها وآخذ تلك الفائدة لي بدون أن يعلم. فهل هذا المال حلال؟
الجواب:
الحمد لله
إذا وَكَّل إنسانٌ غيره في بيع أو شراء سلعة ، فليس للوكيل أن يربح عليه ، لأنه مؤتمن ، بل ما جاء من ربح أو تخفيض أو هدية فإنه يرجع لصاحب المال .
وإذا قال صاحب المال : بع السلعة بكذا ، وحدد السعر ، فباعها الوكيل بأزيد ، فإن الزيادة تكون لصاحب المال إلا أن يأذن فيها للوكيل ، كأن يقول : بعها بكذا ، وما زاد فهو لك .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : رجل يبيع لرجل بضاعته ، أي : يعطيه بضاعة لكي يبيعها له بمعرفته ، وهذا الرجل يزيد في الثمن ، ويأخذ هو الزيادة ، فهل يعتبر هذا رباً ، وما حكم من يفعل ذلك ؟
فأجابوا : " الذي يبيع البضاعة يعتبر وكيلاً لصاحب البضاعة ، وهو مؤتمن عليها وعلى ثمنها ، فإذا أخذ شيئاً من الثمن بدون علم صاحب البضاعة كان خائناً للأمانة ، وما أخذه حرام عليه" انتهى . فتاوى اللجنة الدائمة (14/274)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (14/273) أيضاً :
" من وكَّلَك لبيع سلعة له ، وحدد سعراً لتبيعها به ، ثم بعتها بسعر أعلى مما حدده لك ، فهو حق لمالك السلعة ، إلا إذا رضي لك بذلك وأذن لك بأخذه ، فإنه يباح لك في هذه الحال تملّكه وهو حلال لك " انتهى .
وبناء على ذلك : فإن بعت البضاعة بأكثر مما حدده صاحبك ، فالزيادة له ، إلا أن يأذن فيها لك .
ويجوز أن تتفق معه على أنك تبيعها بكذا ، والزيادة لك ، وأما أخذها بدون علمه وإذنه ، فهو من أكل أموال الناس بالباطل .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98440
العنوان:
الزواج من أجل الإقامة والجنسية ، ومشكلة زوجة مع أحد هؤلاء
السؤال:
لقد تزوجت منذ عشر سنوات تقريباً ، وعندي أربعة أطفال - والحمد والشكر لله - ، وزوجي - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة ، ونحن نعيش في أمريكا ، ولكن مشكلتي تكمن أن زوجي عندما خطبني أخفى عني أشياء من ماضيه ، وهو أنه عندما أتى أمريكا ليحصل على الأوراق التي تؤهله للحياة هنا اضطر لأن يتزوج من أمريكيَّة ، وبقي معها حتى حصل على الأوراق ، ثم هجرها ، فطلبت الطلاق بالمحكمة ، وجاءته الورقة ليوقعها ، ثم بعد شهر أو أكثر بقليل القاضي حكم بالطلاق ، وبعد – تقريباً - شهرين أو أكثر أتت إليه طليقته ، وعاشرها جنسيّاً ، وحسب قوله أنه ليست في نيته أن يعود لها ، أو أي شيء ، فقد أتته طالبة ذلك ، وفعل تلك الليلة ، وبعد فتره رآها وسألها إن كانت حاملاً منه ؟ وأجابت بالنفي ، تكراراً ، ثم ذهب زيارة لبلده لمدة ثلاثة أشهر ، وعاد ، وكان وضعه المادي سيئاً ، ففكر بالذهاب إليها ، ففعل ، وعندها ذهب علم أنها حامل ، فسألها عن الحمل ، أجابت : منه ، ولم يهتم للموضوع فقد كان صغيراً ، وطائشاً ، مع أنه يعلم أنها تكذب كثيراً بهذه المواضيع ، فعندها طفلان من قبله ، وأخبرته بنفسها بأن هذين الطفلين ليسا من زوجها الأول ، وأن زوجها الأول توفي وهو يعتقد أن الأولاد أولاده ، بعد ذلك تركها لفترة إلى أن التقى بها في أحد الأماكن ، ووجد معها طفلة صغيرة سألها عنها أجابته : بأنها ابنته ، المهم : حسب قوله إنه عاد ليعيش معها فقط بسبب سوء الأحوال المادية ، فهو كان طالباً هنا ، وكذلك السبب الثاني ليتأكد أن البنت ابنته أم لا ، ورفضت طليقته أن تضع البنت باسمه ، وطلب منها أن تتركه يقوم بفحص الأبوة كذلك ، رفضت وبشدة ، وبدأت المشاكل ، وتفرقا ، وفي البداية لم تعطه المجال ليرى البنت فأقام دعوى بالمحكمة ، وسمحوا له برؤية البنت ، وعليه أن يدفع(/1)
مبلغاً من المال شهريّاً لها ، وعندما فكَّر وبعض رفاقه نصحوه ، أعطى الحضانة للأم ، وتخلى عن البنت . سؤالي بخصوص زوجي : هل عليه أي واجب تجاه البنت ؟ . أما أنا فمشكلتي : أنه عندما خطبني سمعت بعض الأقاويل عن زواجه ، وعن وجود بنت ، فأقسم بالله أن ذلك كذب ، وأنه لم يمس المرأة ، وأنا صراحة كنت متدينة كثيراً فصدَّقته ؛ لأنني كنت أعتقد أن من يقسم بالله لا يكذب ، المهم كل هذه السنين لم أعرف أي شيء ، حتى الآن فهو أخبرني بنفسه كل هذه الأمور ، كانت صاعقه لي ، فأنا طوال هذه السنين أفكر أنني الأولى في حياة زوجي ، صراحة لا أعرف لماذا أنا منزعجة أكثر ، من كذبه عليَّ أم من غيرتي منها ، مع أنها لا تستحق ذلك ، وأنا أعلم علم اليقين أنه لا يفكر فيها ، ولكن شعوري أنه كان يتردد عليها في الماضي لمدة أربع سنين تقريباً يتعبني كثيراً ، مع أنه لا يكف عن سؤالي بأن أسامحه أحياناً ، وأحيانا أخرى يقل لي : احمدي ربك أنني منذ عرفتك لم أعرف غيرك ، وأنه ماضٍ بعيد ، ولكني لا أستطيع أن أسامحه ، حتى إن معظم الأحيان عندما يريد أن يعاشرني أصد منه ، وأشعر كأنه معها ، ربما تقول إن ردة فعلي مبالغ فيها ، ولكن هذا ما يحصل معي ، معظم وقتي أقضيه بالبكاء ، حتى إنني فكرت بالانتحار عدة مرات ، وطبيبتي أخبرتني أن عليَّ أن آخذ دواء نفسيّاً لمعالجة حالتي ، ولكني لم أفعل ، لن أفعل ؛ لأنه إن بدأت به عليَّ أن آخذه سنه كاملة ، وإلا حالتي ستسوء ؛ وكذلك لأن له ردة فعل في بعض الأحيان تكون سلبيه ، قبل معرفتي بتلك القصة كنت أشعر أنني أسعد زوجة في العالم ، وأشكر الله دائما على ذلك ، ولكن منذ عرفت أصبحت حياتنا جحيماً ، فأنا لا أكف عن الأسئلة ، مع أنه بعض الأحيان يجيب عليَّ ويعتذر ، ويطلب المسامحة ؛ لأنه لم يكن صادقاً ، ويعلل ذلك بأن الهدف لأوافق عليه ، وبعض الأحيان يضيق ذرعاً فينزعج مني ، ويكرر أنه لم يفعل شيئاً ، وأنه كان ماض بعيد قبل أن(/2)
يتزوجني ، وليس عليَّ محاسبته ، أصبِّر نفسي بأنني أفضل بكثير من النساء اللاتي تزوج رجالهم عليهم ، ولكن الشيطان يأتيني دائما لأتخيل كيف كانا يعيشان ، وأفكر بأنني حرمت من حق الاختيار ، فلو علمت لربما انقلبت الأمور ، وكذلك وجود بنت مع أنه لم يرها منذ ستة عشر سنة ، لقد طلبت منه عدة مرات أن نذهب إلى زوجته الأولى ، فهي تعيش بمدينه أخرى أن نذهب لنتأكد هل البنت ابنته أم لا ، مع أن عمُر البنت الآن عشرون سنة ، وأنا ضمنيّاً أعلم إن كانت البنت ابنته ستدمر حياتي ، وإن كانت ليست كذلك ربما يكون ذلك تخفيفاً لي ، وهو لا يكف عن إخباري بأنه لا يستطيع التقرب منها ؛ لأنه أعطى الحضانة للأم . أرجوك أخبرني ماذا أفعل ، فأنا أسال الله دائما أن يصلح وضعي ، ولكني أتحسن ليوم أو يومين ، ويعود الهمُّ والحزن لي . أرجوك ساعدني ، فأنا لا أعتقد أني أستطيع ترك زوجي ، فأنا أحبه كثيراً ، وكذلك تعبت من التفكير ، حتى أعتقد أني سأجن إن بقيت كذلك . أرجوك سامحني ، أطلت عليك ، ولكن صراحة لم أجد غيرك أشكو له بعد الله . أدامكم الله ذخراً لنا ، وللأمة الإسلامية ، ودمتم بخير وعافية .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أفعال زوجك في ماضيه ليست أنه تزوج وأخفى ذلك عنكِ ، فقد وقع في مخالفات كثيرة ، ولعلَّه لم يهمك من كل ما حدث معه سوى أنه كان متزوجاً ! وأنكِ لستِ الأولى في حياته ! وهذا عجب منكِ ، وقد جعلتِ من هذا الأمر سبباً لتفكيرك بالانتحار ! وسبباً لاحتمال إصابتكِ بالجنون ! عدا عن القلق والحزن والنكد في حياتكِ ، والله المستعان ، ولنا معكِ وقفة بعد حين إن شاء الله .
ثانياً :
زوجكِ وقع في أخطاء كثيرة يحتاج معها التوبة الصادقة ، والندم على ما فات ، وتعويض ذلك بحسن الطاعة ، والإكثار من الأعمال الصالحة ، ومن هذه الأخطاء :
1. أنه سعى للإقامة في بلاد الكفر ، من غير ضرورة ملجئة .(/3)
2. زواجه المؤقت بتلك الأمريكية لحين الانتهاء من الحصول على الأوراق !
وهو زواج المتعة الذي نصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم على تحريمه ، ولا يشترط أن ينص في العقد المكتوب على تحديد مدة انتهاء العقد ، بل يكفي التلفظ به ، والاتفاق عليه بين الطرفين .
3. العبث بعقد الزواج لاستعماله في غير ما شُرع من أجله ، فقد أصبح هذا العقد الذي تستحل به الفروج ، وتعظم فيه الشروط لعبة في أيدي من يرغب بالإقامة في بلاد الكفر ، ومن يريد القيام بالحج ، ... !
4. وأعظم ما وقع فيه زوجكِ هو : الزنا !
وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، وهو محرَّم في كل الشرائع ، ومنافٍ للفطرة والعقل .
وأما ابنته المزعومة : فعليه أن يتحرى ويتثبت من كونها ابنته ، وعليه أن يسلك الطرق المتاحة لتثبيت نسبها له ، وإنقاذها من تلك الديار ، إن استطاع ذلك .
وقد سبق لنا في موقعنا التعرض لهذه الجزئيات ، في أجوبة عديدة ، يمكن لزوجك الرجوع إليها ، إن كانت لديه رغبة في معرفة حكم ما وقع منه .
وعلى كل حال :
فالتفاصيل فيما فعله زوجك كثيرة ، ومسائله تحتاج لمن يسمع ويستفصل منه ، وحبذا أن يراجع مركزاً إسلاميّاً موثوقاً ، أو يقابل عالماً ليوقفه على أفعاله وأحكامها .
ثالثاً :
واعلمي أنه لا يشترط في الرجل أن يخبر أنه كان متزوجاً ، وإن سئل فلا يكذب ، وإن كذب فقد أثم .
وانظري أنتِ ماذا فعل زوجكِ ، وماذا ترتب على أفعاله ، وانظري المخالفات التي وقع فيها ، وأنتِ ليس لكِ همٌّ إلا أنه كان متزوجاً ! وأخفى ذلك عنك .
يا أم الأربعة الأطفال ، أبعد ذلك العمر كله ، وبعد ذلك البيت المشيد ، الذي عماده أربعة أطفال ، تبحثين عن ذلك الماضي ، وتشعلين نار الغيرة : أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى ؟!
فكان ماذا ؟! وما الضرر الذي نالك : أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى ، سواء كان ذلك برضا منك ، أو كرها عنك .(/4)
لقد كنا نفكر معك ، ونبحث معك ، ونتشاور معك في أمر تلك الزيجة ، وهل تناسبك أولا ، لو كان الأمر في إبانه : قبل أن تتزوجي فعلا ، فكيف الآن وقد تزوجت ، فكيف وأنت أم لأربعة أطفال ، تنبشين في خرائب الماضي ؟!!
وما عسى أن يخرج لك من تلك الخرائب ، إلا الشياطين والوساوس التي توشك أن تدمر حياتك ؟!!
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ !! ) .
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا !!
رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني في صحيح الترغيب .
قد فات ـ يا أختاه ـ أوان تلك الغيرة القاتلة :
صحا القلبُ عن سلمى وأقصر باطله وعُرِّيَ أفراسُ الصبا ورواحلُه
فكيف وقد ذكرت أنت ، أن زوجك " - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة " ؟!!
وأنتِ بما تذكرينه من حالكِ بعد أن علمتِ بزواجه من قبل إنما تكتبين نهايتك معه بتلك الأفعال ، وإنما تحفرين قبر زواجك منه بتلك الحال ، ولن نجامل في الجواب ، ولا بدَّ من تنبيهك على عِظَم أخطائك وتصرفاتك معه ، فهو في ظنه أنه أراد تحقيق مصلحة لنفسه ، وأراد إعفاف نفسه ، وهي أمور من الماضي ، فلا تكثيري اللوم ، وتسيئي معاملته وإلا دفعت ثمن ذلك غالياً ! فامتناعك عن الفراش سبب لسخط الرب تبارك وتعالى ، وسبب للعن الملائكة لك ، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسوء عشرتك له قد يجعل الكيل عنده يطفح ولا يرى مجالاً للبقاء معك ، حيث لا سعادة ولا هناء ، ولا عشرة حسنة ، فأي زوج يرضى بأن يطول أمد هذا معه ؟ وأي حبٍّ تزعمينه وأنتِ تعاملينه بهذه المعاملة ؟ وهل تعلمين أن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب ؟ وهل تعلمين أن سوء عشرته من المحرمات عليك ؟ .(/5)
وأنتِ ذكرتِ أنك تجزمين أنه لا يفكِّر فيها ، وأن هذا من زمن بعيد ، وأنه ليس في حياته إلا أنتِ ، فأي سببٍ يجعلك تنكئين الجروح ، وتنبشين عن الماضي الغابر الميت ؟! .
نحن ننصحك بشدة : إن لم تغيري من معاملتك لزوجك ، وتحسني له : فستفقدينه ، وسترين نفسك تائهة ضائعة ، تتنقلين بين مراكز العيادات النفسية ، فارجعي لدينك ، وحكِّمي عقلك ، واتركي عنك القلق والحزن والكآبة ، فليس لها أسباب ، وأنتِ الملومة في كل ما يجري لك ، ويترتب على أفعالك ، وبما أن زوجك قد طلب منك المسامحة تكراراً فلم يعد مخطئاً في حقك ، وعليك قبول اعتذاره .
إن السؤال الذي أجبت عنه أولا ، وأنصفت زوجك الذي تشتكينه :
كيف حال هذا الرجل الآن مع ربه ؟ ثم كيف حاله معك ؟ وهل هو جدير بأن يؤتمن عليك ، بالنظر إلى واقعه الآن ، وبغض النظر عما كان منه في ماضيه ؟!!
إن كانت إجابتك ـ كما ذكرت أولا ـ : أنه جيد بمعنى الكلمة ؛ فالواجب عليك أن تساعديه على تجاوز ذلك الماضي الأسود ، بدلا من أن تفتحي عليه أبواب العودة إليه ، وليكن همك أن يتوب منه إلى ربه توبة نصوحا ، وأن يكثر من الخيرات في حاضره ومستقبله ، علَّ الله تعالى أن يتجاوز عنه ويغفر له : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .
وإن لم تستطيعي العيش مع هذا الزوج ، وذلك الماضي فخلِّصي نفسك من هذه الحياة بطلب الخلع ، أو افتدي نفسك ليطلقك !
لكن عليك أن تسألي نفسك أن تفعلي شيئا من ذلك : هل أنت بذلك تبحثين عن السعادة حقا ، وتسلكين طريقها صدقا ؟!!
أو أنك ، والعياذ بالله كعنز السوء التي بحثت عن حتفها بظلفها ، وصاحبة المثل في كتاب الله التي نقضت غزلها من بعد ما أحكمت غزله ونسجه ، فجعلته خيوطا متناثرة ، لا نظام لها !!
نحن نجزم أنك لن تكوني مرتاحة ولا سعيدة إن بقيت على حال التفتيش في الماضي وسوآته ، أو أخربت بيتك ، وهجرت زوجك وأولادك لمجرد كابوس الماضي !!(/6)
فحافظي على زوجك وأسرتك ، وأظهري له الحب والمودة ، وأسمعيه ما يحب سماعه منك ، واتركي التفكير في ماضيه وما حصل منك .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى ، وأن يجمع بينكما على البر والتقوى ، وأن يهديك ويصلح بالك .
والله أعلم.(/7)
رقم السؤال:
98445
العنوان:
إذا دعا المسلم فهل يبدأ بالدعاء لنفسه أم لغيره ؟
السؤال:
ما الواجب على المرء في دعائه ، هل يبدأ بالدعاء لنفسه أم للمؤمنين أولى ، حيث يلاحظ في الأدعية المذكورة في كتاب الله العزيز البدء بالنفس ثم الغير ، كما في الآية الكريمة : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) صدق الله مولانا العظيم .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
اعتياد ختم قراءة الآية أو الآيات من القرآن بقوله " صدق الله العظيم " ليس له أصل في السنة ، وقد بيَّنا حكم هذه المسألة في جوابي السؤالين : (2209) و (10119) .
ثانياً:
يستحب للمسلم أن يقدم نفسه على غيره في الدعاء ، وفي ذلك أدلة ، منها :
1. عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( َإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) . رواه البخاري ( 797 ) ومسلم ( 402 ) .
قالَ الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - :
قوله ( السلام علينا ) استُدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء ، وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه ) ، وأصله في مسلم ، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام ، كما في التنزيل ." فتح الباري " ( 2 / 314 ) .(/1)
2. حديث ابن عباس الطويل في قصة موسى والخضر عليهما السلام – وهو الذي أشار إليه الحافظ أنه في الترمذي وأصله في " مسلم " - ، وفيه :
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ قَالَ فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَعْرَةً مُنْكَرَةً قَالَ : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ ، قَالَ : إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ، وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ ، قَالَ : وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَداً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي " .
ذمامة : أي : حياء وإشفاق من الذم واللوم ؛ لتكرار مخالفته للخضر .
قال النووي – رحمه الله - :
قال أصحابنا : فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء ، وشبهه من أمور الآخرة ، وأما حظوظ الدنيا : فالأدب فيها الإيثار ، وتقديم غيره على نفسه .
" شرح مسلم " ( 15 / 144 ) .
وقال السيوطي – رحمه الله - :
ومن ثم ندبوا للداعي أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره ؛ فإنه أقرب إلى الإجابة ، إذ هو أخلص في الاضطرار ، وأدخل في العبودية ، وأبلغ في الافتقار ، وأبعد عن الزهو والإعجاب ، وذلك سنة الأنبياء والرسل ... – وساق بعض أدعيتهم ، وستأتي - .
" الشمائل الشريفة " ( ص 139 ) .(/2)
3. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ ) .
رواه الترمذي ( 1053 ) وَقَالَ : حَسَن غريب ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الإمام الصنعاني – رحمه الله – في فوائد هذا الحديث ورواية أخرى قريبة من لفظه - :
وفي الحديثين الأول وهذا : دليل أنَّ الإنسان إذا دعا لأحد أو استغفر له يبدأ بالدعاء لنفسه والاستغفار لها ، وعليه وردت الأدعية القرآنية : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ) ، ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ، وغير ذلك .
" سبل السلام " ( 2 / 243 ) .
4. وهذا الفعل هو من هدي الأنبياء عليهم السلام ، ومنهم :
أ. نبي الله موسى عليه السلام :
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الأعراف/151 .
ب. نبي الله نوح عليه السلام :
( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ) نوح/28 .
ج. نبيَّا الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام :
( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) البقرة/128، 129 .
د. نبي الله إبراهيم عليه السلام :(/3)
1. ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/ 40 ، 41 .
2. ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) إبراهيم/ 35 .
5. وهو فعل المؤمنين :
( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/ 10 .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98452
العنوان:
إذا قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق
السؤال:
إذا قال الرجل : إن تزوجت فلانة فهي طالق , هل يؤدي ذلك إلى وقوع الطلاق تلقائيا حال زواجه؟ أعتقد أن الأحناف والمالكية يقولون بوقوع الطلاق بينما يقول الآخرون كالشافعية والحنابلة بعدم وقوعه. فهل بوسعكم إخباري بالرأي الراجح ورأي الجمهور؟ وهل هناك دليل يدعم رأي الأحناف والمالكية بأن التلفظ بعبارة طلاق قبل الزواج يؤدي إلى وقوع الطلاق بشكل تلقائى فى أي زواج مستقبلي؟ وختاما هل هناك اختلاف في الحكم الشرعي بين ما إذا قيلت عبارة الطلاق بشكل عام (دون ذكر امرأة محددة) وبين ما إذا خصصت (بذكر امرأة فى العبارة)؟ .
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء فيما إذا قال الرجل : إن تزوجت فلانة – وذكر امرأة معينة – فهي طالق ، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إن تزوجها لم يقع عليه طلاق ، وذهب الحنفية والمالكية إلى أنها تطلق .
وأما إن قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، ولم يحدد امرأة بعينها ، فلا يقع الطلاق إلا عند الحنفية .
وخالفهم المالكية فلا يقع الطلاق عندهم إلا إذا عيّن امرأة ، أو زمانا أو بلدا ، كقوله : كل امرأة أتزوجها إلى عشر سنين فهي طالق .
وما ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الراجح الذي دل عليه الدليل الصحيح ، فقد روى الترمذي (1181) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ , وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ , وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ )، صححه الألباني في صحيح الترمذي .(/1)
وروى أبو داود (2190) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ , وَلَا عِتْقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ , وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وذكر البيهقي رحمه الله عن جمهور الصحابة والتابعين أنهم فهموا من هذه النصوص أنه إذا قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق , ثم تزوجها , أن الطلاق لا يقع , لأنه علقه وتلفظ به في وقت لا يملكه . نقله عنه الحافظ في فتح الباري .
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل قال : كل امرأة أتزوجها فيه طالق , فقال : ليس بشي , من أجل أن الله يقول : (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) .
وروى ابن خزيمة عنه أيضا أنه سئل عن الرجل يقول : إذا تزوجت فلانة فهي طالق , قال : ليس بشيء , إنما الطلاق لمن ملك , قالوا : فابن مسعود قال : إذا وقّت وقتاً فهو كما قال (يعني : أن الطلاق يقع) , قال : يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال , لقال الله : (إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/416) : " وإذا قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق . لم تطلق إن تزوج بها " ثم ذكر ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله ، ثم قال : " روي هذا عن ابن عباس . وبه قال سعيد بن المسيب , وعطاء , والحسن , وعروة والشافعي وأبو ثور , وابن المنذر . ورواه الترمذي عن علي , وجابر بن عبد الله , وسعيد بن جبير , وعلي بن الحسين , وشريح , وغير واحد من فقهاء التابعين , قال : وهو قول أكثر أهل العلم " انتهى باختصار .(/2)
وقد اختار الإمام البخاري رحمه الله قول الجمهور , وهو عدم وقوع الطلاق , وذكره عن علي وابن عباس رضي الله عنهما , وجماعة من التابعين فقال رحمه الله : "بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ . وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ" انتهى .
وينظر : فتح القدير (4/113)، المنتقى للباجي (4/117)، شرح الخرشي على خليل (4/38).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98453
العنوان:
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة
السؤال:
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة في الصلاة ناسيا ، وسبحنا له ولكنه لم يرجع ، فماذا يفعل المأموم ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا ، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع ، فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب ، لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه ، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً ، وهذا مبطل للصلاة .
بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب :
"إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم ، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه ، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم ، أو يسلموا قبله ، والانتظار أحسن" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (23/53) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (7/128) :
" وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة - مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته .
أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى .
وجاء فيها أيضاً (7/132) :
" من علم من المأمومين أن إمامه قام ليأتي بركعة زائدة كخامسة في الصلاة الرباعية سبح له، فإن رجع فبها، وإلا جلس وانتظر الإمام حتى يسلم بسلامه" انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98466
العنوان:
حكم السجود مع لبس النظارة
السؤال:
هل يجوز أن نؤدي الصلاة ونحن نضع عدسات لاصقة ملونة أو نظارات؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في الصلاة مع وجود العدسات اللاصقة الملونة ، والنظارات ، إلا إذا كانت النظارة لا يتمكن معها المصلي من تمكين أنفه أو جبهته من الأرض أثناء السجود ، فيلزمه نزعها قبل الصلاة ، أو عند سجوده .
روى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ : عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ ، وَالرُّكْبَتَيْنِ ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ ).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يلبس نظارات كبيرة ، لا تمكنه من السجود كاملاً على الأعضاء السبعة .
فأجاب : " إن كانت تمنع من وصول طرف الأنف إلى الأرض فإن السجود لا يجزئ ، وذلك لأن الذي يحمل الوجه هما النظارتان ، وهما ليستا على طرف الأنف بل هما بحذاء العينين وعلى هذا فلا يصح السجود ، ويجب على من عليه نظارة تمنعه من وصول أنفه إلى مكان السجود أن ينزعها في حال السجود " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/186) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98477
العنوان:
حكم نتف الرجل لشعر الجبهة وما بين الحاجبين
السؤال:
ما حكم إزالة الرجل للشعر الزائد في الوجه بالخيط ؟ سواء أعلى اللحية أو بين الحاجبين وفى الجبهة .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يأخذ شيئا من لحيته للأحاديث الكثيرة الآمرة بإعفائها وتوفيرها ، وحد اللحية : ما نبت على العارضين والخدين والذقن ، وانظر جواب السؤال رقم (69749).
وأما ما خرج عن ذلك ، كالشعر النابت على الجبهة وما بين الحاجبين ، فلا حرج في إزالته عند بعض أهل العلم .
وذهب آخرون إلى منع ذلك ، لا سيما إذا كانت إزالته بالنتف ، بالخيط وغيره .
وسبب اختلافهم ، هو الخلاف في معنى النمص الذي ورد الحديث بلعن من فعله ، فمنهم من جعله مختصا بالحاجبين ، ومنهم من جعله شاملا لكل شعر الوجه ، والنمص محرم على الرجل والمرأة ، لأنه ورد معللا بما فيه من تغيير خلق الله ، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة .
وإلى القول الأول – وهو اختصاص النمص بالحاجبين- ذهب جماعة من أهل العلم ، وبه أفتى علماء اللجنة الدائمة ، فقد أفتوا بجواز إزالة شعر الوجه ما عدا اللحية والحاجبين وقد نقلنا فتواهم في جواب السؤال (1173) ورقم (21400) .
وإلى القول الثاني – وهو أن النمص إزالة شعر الوجه عموماً – ذهب كثير من العلماء ، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، ومنع من نتف الرجل لشعر وجهه .
فقد سئل رحمه الله : ما حكم نتف الشيب من الرأس واللحية ؟
فأجاب : " أما من اللحية أو شعر الوجه فإنه حرام ، لأن هذا من النمص ، فإن النمص نتف شعر الوجه ، واللحية منه ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن النامصة والمتنمصة . ونقول لهذا الرجل : إذا كنت ستتسلط على كل شعرة ابيضت فتنتفها ، فلن تبقى لك لحية ، فدع ما خلقه الله على ما خلقه الله ولا تنتف شيئاً .(/1)
أما إذا كان النتف من شعر الرأس فلا يصل إلى درجة التحريم لأنه ليس من النمص " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/123).
والذي يظهر والله أعلم أن النمص مختص بإزالة شعر الحاجبين ، وعليه فلا حرج على الرجل في إزالة شعر الوجه الخارج عن اللحية والحاجبين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98479
العنوان:
إذا باع البنك الذهب المرهون عنده بالمزاد فهل يجوز شراؤه
السؤال:
أريد أن أعرف شراء الذهب من المزاد بسعر رخيص جدا ، لأن بعض الناس يقومون برهنه للبنك ، وعندما يأتي الزمن المحدد يبيعه البنك بأقل من السعر بكثير فهل شراء هذا الذهب حلال علي ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز شراء الذهب من المزاد بشرطين :
الأول : أن يكون الشراء يدا بيد ، ويدخل في ذلك الشيك المصدق ، والخصم من الحساب والإيداع في حساب البائع ، وينظر السؤال رقم (2711) .
وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة قرار جاء فيه: بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
" أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف .
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى .
الثاني : أن يكون بيع البنك للرهن مشروعا ، وبيان ذلك أن الرهن إنما يجوز بيعه إذا حل أجل الدين وامتنع المدين عن سداده ، فإن أذن الراهن (المدين) للمرتهن (البنك ) في بيع الرهن ، فالأمر واضح ، وإن لم يأذن أجبره الحاكم أو القاضي على البيع ، فإن لم يفعل باع الحاكم الرهن ووفّى المرتهن ما له . وللحاكم حينئذ أن يوكل من يتولى البيع ، سواء وكّل المرتهن أو غيره.
قال في "زاد المستقنع" : " ومتى حلّ الدين وامتنع من وفائه ، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه ، باعه ووفّى الدين ، وإلا أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن ، فإن لم يفعل باعه الحاكم ووفّى دينه " انتهى .
وإذا كان نظام الدولة يخول البنك بيع الرهن عند حلول الأجل وعدم سداد الراهن لدينه ، فهذا بمثابة الإذن من الحاكم أو القاضي .(/1)
لكن يشترط في حق من يبيع الرهن سواء كان البنك أو أي جهة يعينها القاضي أن يبيع العين المرهونة بثمن المثل ، لا بأقل .
قال في "مغني المحتاج" (3/71) : " ( ولا يبيع العدل ) المرهون ( إلا بثمن مثله حالاً من نقد بلده ) ، كالوكيل ، فإن أخل بشيء منها لم يصح البيع ، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس ، لأنهم يتسامحون فيه " انتهى .
والعدل هو من يُحفظ عنده الرهن ، إذا اتفق الطرفان على جعل الرهن عند من يحفظه .
وبهذا تعلم أنه لا يجوز للبنك أن يبيع الذهب بأقل من ثمنه كثيرا ، ولا يجوز الشراء منه ؛ لعدم صحة البيع كما سبق ، ولما فيه من أكل مال الراهن بغير حق والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98481
العنوان:
زيادة أجرة خياطة الثوب ونحوها على العروس دون غيرها
السؤال:
أود أن أسألك عن أمر يخص العروس.. وهو أنها إذا ذهبت لخياطة ثيابها أو تصفيف شعرها ليلة زواجها فإن الخيّاطة أو المصففة تسأل هل أنتِ عروس أو لا؟ أي هل أنتِ تجهزين لزواجكِ؟ لأني إن كنت عروسا فسترفع السعر إلى الضعف.. وإن كنت غير عروس فالسعر ثابت تقريباً.. فهل يجوز لي أن أقول لها أني غير عروس وأنا في نفسي فعلاً لستُ عروساً في هذا الوقت الذي سألتني فيه بمعنى أن الزوج لم يدخل بي بعد..؟!
الجواب:
الحمد لله
تجوز الإجارة على خياطة الثوب أو تصفيف الشعر ، بأجرة معلومة ، يتفق عليها الطرفان ، لا فرق في ذلك بين العروس وغيرها ، وزيادة الأجرة على العروس فوق الأجرة المعتادة ، دون زيادة في العمل ، هو من استغلال حاجة الناس وأكل أموالهم بالباطل .
ولهذا لا حرج عليك في إخفاء كونك عروسا ، والاتفاق مع الحائكة أو المصففة على أجرة معلومة في مقابل عمل معلوم .
ولك أن تستعملي التورية في جواب سؤالها ، أو أن تقولي : لست عروسا ، لأنه لم يتم الدخول بعد ، قال ابن الأثير في "النهاية" (3/206) : " يقال الرجُل عَرُوس كما يقال للمَرْأة ، وهو اسمٌ لهما عند دُخُول أحدُهما بالآخر " انتهى .
وقال في "لسان العرب" (6/136) : " والزوجان لا يُسمَّيان عَروسَيْن إِلا أَيام البناء واتخاذ العُرْسِ " انتهى .
ولمزيد الفائدة انظري السؤال رقم (11446)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98483
العنوان:
والدتها أمية وتشك في البعث
السؤال:
والدتي أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة ، والصلاة تصليها ، ولكن لا تعرف ما تقوله في الصلاة ، ولا تحفظ سوى سورة الفاتحة فقط ، ماذا أفعل يا شيخ حاولت أن أعلمها أركان الصلاة وماذا تقول فيها ، ولكنها لا تستطيع لكبر سنها ، ثانيا : لا تستطيع نطق الكلام بشكل جيد ، وأيضا لا تؤمن بالحساب بعد الموت لا كفرا منها ، ولكنها لكبرها لا تصدق ، تقول : هل إذا مت سأعيش مرة أخرى ؟ أرجو الرد ، والدعاء لي ولها
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الإنسان إذا كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، فالواجب أن يتعلم ما يقوله في صلاته وكيفية الصلاة ، وكونه لا يقرأ ولا يكتب لا يمنع من ذلك ؛ لأن هذا أمر سهل والحمد لله ، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أكثرهم لم يكن يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك كانوا يحسنون كيف يصلون .
وقراءة الفاتحة في الصلاة ركن من أركانها ، وأما قراءة السورة بعدها فسنة مستحبة ، فإذا لم تأت بها والدتك فلا شيء عليها ، لكن ينبغي أن تعينيها على حفظ قصار السور كالإخلاص والمعوذتين .
وأما السجود فالذكر الواجب فيه هو قول : سبحان ربي الأعلى ، مرة واحدة ، والمستحب ألا يقل عن ثلاث مرات . وهذه الجملة لا شك في يسرها وسهولتها ، وإنما التقصير والتفريط يقع من الإنسان .
وعلى كل ينبغي أن تترفقي بها ، وأن تكوني لها عونا على الاستمرار في الصلاة ، وتعليمها ما تحتاج إليه من الأذكار الواردة فيها ، فإذا عجزت عن تعلِّم ذلك ، وكانت تحسن الفاتحة كما ذكرت فإنها تدعو تسبح بما تحسنه ، وما تعجز عنه فإنه يسقط عنها ، ويعفى لها عنه .(/1)
روى أبو داود (792) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِرَجُلٍ : كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ . أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال شيخ الإسلام : " ومن اهتدى لهذا الأصل وهو أن نفس واجبات الصلاة تسقط بالعذر فكذلك الواجبات في الجماعات ونحوها فقد هدى لما جاءت به السنة من التوسط بين إهمال بعض واجبات الشريعة رأسا كما قد يبتلى به بعضهم وبين الإسراف في ذلك الواجب حتى يفضى إلى ترك غيره من الواجبات التي هي أوكد منه عند العجز عنه وان كان ذلك الأوكد مقدورا عليه كما قد يبتلى به آخرون فان فعل المقدور عليه من ذلك دون المعجوز عنه هو الوسط بين الأمرين " انتهى من مجموع الفتاوى (23/247)
ثانيا :
إنكار البعث بعد الموت أو الشك في حصوله كفر مخرج عن ملة الإسلام بالإجماع ، لقيام الأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة على إثبات البعث ، بل العقل والفطرة السليمة يدلان عليه .(/2)
قال تعالى : ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) التغابن /7 ، وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) المؤمنون/12- 16 ، وقال سبحانه : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) يس/51، 52 ، وقال سبحانه ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) سورة يس/78-79 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على البعث والجزاء وما بعده من الجنة والنار ، وكذلك الأحاديث المتواترة التي تخبر عن قيام الناس من القبور ، وجمعهم في أرض المحشر ، ووقوفهم حفاة عراة غرلا ، ودنو الشمس من الرؤوس ، وما يتلو ذلك من الحساب والجزاء ، ودخول الجنة والنار .
وهذا الأمور من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ، بل يعلمها غير المسلمين كاليهود والنصارى ، فمن أنكرها أو شك فيها فهو كافر .(/3)
فالواجب عليك أن تبيني لها ما يكون من إكرام الله تعالى لأهل طاعته ، بتيسير الحساب عليهم ، وإدخالهم جنته ودار كرامته ، وما أعده لأهل معصيته ومخالفته ، من العذاب والهوان والشقاء حال الموت وفي القبر ويوم القيامة .
واهتمي معها ببيان كمال الله وعدله وحكمته ورحمته ، وأنه لا يليق به أن يترك الناس من غير بعث ولا حساب : ( أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) المؤمنون/115-118، وأنه لا يليق به التسوية في نهاية المطاف بين المؤمن والكافر ، الصالح والطالح : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) سورة ص/28 ، ( أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) سورة الجاثية/21 ، وأخبريها أن هذا الظن شتم لله وعيب وتكذيب له : روى البخاري (3193) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أُرَاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبُنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي وَلَدًا وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي )
واستعيني في تعليمها وإرشادها بمن تثق فيه من أبنائها وأقاربها .(/4)
نسأل الله تعالى أن يهديها ويصلح حالها .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
98495
العنوان:
حكم العمل مديراً لمطعم يبيع المحرمات
السؤال:
عرض علي حاليا وظيفة مدير قسم في أحد المطاعم ؛ وقد كنت أتساءل عما إذا كان يحل لي قبول هذه الوظيفة أم يحرم على قبولها ، وذلك لأن الطعام الذي يقومون ببيعه ليس حلالا ؟
الجواب:
الحمد لله
جزى الله الأخ السائل خيراً على تحريه في طلب الرزق الحلال ، وهو إن استمر على ذلك سيظفر إن شاء الله بخيري الدنيا والآخرة ، فإن الله تعالى يقول : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق2-3 .
أما عن العمل في هذه الوظيفة فإنه حرام ما دام المطعم يبيع المحرمات ، حتى وإن لم يباشر صاحب هذه الوظيفة البيع بنفسه ، لأنه معين على الحرام ، والله تعالى يقول: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
قال الإمام الجصاص في "أحكام القرآن" (2/429) : " وقوله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } يقتضي ظاهره إيجاب التعاون على كل ما كان طاعة لله تعالى ; لأن البر هو طاعات الله . وقوله تعالى : { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } نهي عن معاونة غيرنا على معاصي الله تعالى " انتهى .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
98517
العنوان:
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإقامة
السؤال:
هل يجوز الصلاة على الرسول الصلاة الإبراهيمية بعد إقامة المؤذن للصلاة ؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وهل ذكر ابن القيم هذا الموضع في ذكره مواضع الصلاة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ؟
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإقامة كما تستحب بعد الأذان ، كما يستحبون الترديد خلف المقيم ، ثم الدعاء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ....... إلخ .
وهو قول جمهور الحنفية ، وقول الشافعية والحنابلة ، وقال به من العلماء المعاصرين : علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ الألباني رحمهم الله .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذا الموضع [بعد الإقامة] من مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " ( ص 441 – 445 ) .
وذهب بعض الأحناف إلى أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء ، خاص بالأذان ، ولا يستحب ذلك في الإقامة ، واختاره من المعاصرين : الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (111791) ، وأن المسألة من مسائل الاجتهاد ، وإن كنا نختار أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ......إلخ خاص بالأذان .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
98519
العنوان:
زراعة الأسنان الصناعية بصفة دائمة
السؤال:
هل يجوز أن نقوم بزرع سن دائم مصنوع من التاج الخزفى محل سن مكسور؟ فقد نصح الأطباء والدتى أن تقوم بذلك لكن فكرة أن السن سيكون دائما ولايمكن خلعه بعد وفاتها تقلقها. أحيطونا علما من فضلكم إذا كان يجوز زرع السن بصفة مستديمة؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في زراعة السن المصنوع من التاج الخزفي محل السن المكسورة ، سواء كانت الزراعة دائمة أو مؤقتة .
ولا حرج أيضاً من بقائها بعد موت الإنسان ، فليس هناك محذور آخر من دفن الإنسان بسن صناعي .
ولا يلزم نزع السن الصناعي أثناء الوضوء أو الغسل ، كما يظن بعض الناس ؛ لأنه يكفي في المضمضة إدارة الماء في الفم .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : خلع الأسنان وجعل مكانها أسنانا جديدة ، هل هو من تبديل خلق الله ؟ .
فأجابوا : " لا بأس بعلاج الأسنان المصابة أو المعيبة بما يزيل ضررها أو خلعها ، وجعل أسنان صناعية في مكانها إذا احتيج إلى ذلك ؛ لأن هذا من العلاج المباح لإزالة الضرر ، ولا يدخل هذا في تبديل خلق الله كما فهم السائل ؛ لأن المراد بالفطرة في قوله تعالى: ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) الروم/30 دين الإسلام " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/15)
وجاء فيها أيضا (25/57) : " لا بأس بأن تعالج أسنانك لدى طبيب مختص بإزالة التشويه عنها، واستبدال ما تعيَّب منها بأسنان صناعية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء . أو قال: دواء إلا داء واحدا . قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم ) قال أبو عيسى [الترمذي] : وفي الباب عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي خزامة عن أبيه، وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح " انتهى .(/1)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز استعمال الأسنان الصناعية في الفم عند سقوط الأسنان الطبيعية وذلك للحاجة لها ؟
فأجاب : " يجوز للإنسان إذا سقطت أسنانه أن يستعيض عنها بأسنان أخرى صناعية ؛ لأن ذلك من إزالة العيب ، كما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة رضي الله عنهم الذي انقطع أنفه أن يتخذ أنفاً من فضة فأنْتن ، فأذن له أن يتخذ أنفاً من ذهب ، فاتخذ أنفاً من ذهب . كذلك أيضاً الأسنان إذا سقطت فللإنسان أن يضع بدلها أسناناً صناعية ، ولا حرج عليه في ذلك " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والحاصل أنه لا حرج على والدتك في زراعة السن الصناعية بصفة دائمة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98527
العنوان:
وجوب تحديد مدة الإيجار ، وحكم تأجير إعلانات لمواقع مقابل كل ضغطة
السؤال:
يقوم الموقع بتأجير مكان في الصفحة للإعلانات للمواقع الأخرى ، هل يشترط تحديد المدة ، كأن أقول سأضع الإعلان عندي لمدة سنة ؟ أم يجوز عدم التحديد ؟ وأيضاً هل يجوز أن يكون الأجر متغيراً كأن يكون حسب عدد الزوار الذين يضغطون على الإعلان مثلا على كل ضغطة 1 ريال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا حرج من تأجير مكان في الموقع للإعلان عن المواقع بشرط ألا يكون محتوى تلك المواقع محرماً ، كمواقع التعارف بين الرجال والنساء ، أو مواقع أغان وأفلام ومسرحيات محرَّمة ، أو روابط صوتية ومرئية فاسدة ، أو مواقع لأهل البدعة ، وما يشبه ذلك : فلا يجوز الدعاية لهؤلاء ، لأن في ذلك مشاركة لهم في الحرام الذي يدعون إليه .
قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم ( 2674 ) .
واحتساب ترك المحرَّم والمشتبه والمختلط مما يدل على قوة الإيمان واليقين ، ومما يبشر صاحبه بالرزق الحلال والبركة والأجور العظيمة .
ثانياً:
أما مدة التأجير فمن شروط صحة عقد الإجارة : كون المدة معلومة ، والأجرة معلومة .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :(/1)
ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار , قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , على أن استئجار المنازل والدواب جائز .
ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة .
" المغني " ( 5 / 260 ) .
وقال – رحمه الله - :
الإجارة إذا وقعت على مدة : يجب أن تكون معلومة كشهر ، وسنَة ، ولا خلاف في هذا نعلمه.
" المغني " ( 5 / 251 ) .
ويجوز في عقد الإجارة ، أن يتفق على أن كل يوم بكذا ، أو كل شهر بكذا ، من غير أن يحدد نهاية المدة ، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : " من استأجر فرساً مدة غزوة كل يوم بدرهم فالمنصوص عن الإمام أحمد صحته ، لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل يوم ولو بثمره ، وكذلك الأنصاري ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .
وعلى هذا ، فإما أن تحدد في العقد مع الموقع المدة كاملة لشهر أو سنة مثلاً ، وإما أن تحدد الأجرة لكل يوم – مثلا – وإن لم تحدد نهاية المدة .
ثالثاً:
وأما بالنسبة للتأجير بحسب عدد الضغطات على الإعلان : فالذي يظهر أنه لا بأس به .
على أن يُتفق على سعر الضغطة الواحدة ، وعلى أن لا تتسبب في زيادة عدد الداخلين باستعمال برنامج ، أو باستئجار من يفعل ذلك .
وهذا يشبه ما نقل عن الصحابة من عملهم في السقي كل دلو بتمرة .
فعن كعب بن عجرة قال : سقيت يهودي كل دلو بتمرة ، فجمعتُ تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ... .
قال الهيثمي رحمه الله :
رواه الطبراني في " الأوسط " ، وإسناده : جيِّد .
" مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " ( 11 / 230 ) .
وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 3271 ) .
وجهالة عدد الزوار عند عقد الإجارة لا يؤثر في صحة العقد ؛ لأن مآل الجهالة إلى علم .(/2)
وعليه : فلو أجرتَ تلك المواقع المباحة شهريّاً أو سنويّاً بسعر ثابت : فجائز ، ولو كان عقد الإجارة على حسب عدد زوار موقعهم المعلَن عنه في موقعك : فجائز ، بشرط تحديد سعر الضغطة الواحدة ، وبشرط آخر مهم : وهو أن لا تتسبب في كثرة عدد الزيارات لموقعهم عن طريق برنامج ، أو عن طريق استئجار موقع آخر أو أشخاص ليقوموا بالدخول على الموقع المعلَن عنه ؛ ليرتفع رصيدك في ذلك الموقع ، فإن فعلتَ ذلك : أثمت ، وكان ما استوفيتَه من مال مقابله من ذلك الموقع مالاً محرَّماً عليك ، ووجب عليك إرجاعه لهم .
وقد رفعتْ شركات كثيرة على مواقع عالمية مشهورة يتهمونهم بتزوير نتائج زوَّار الإعلانات لديهم ، وقد جاء في صحيفة " الجزيرة " العدد 113 ، الأحد 22 ربيع الأول 1426 هـ :
يُذكر أن تزوير إعلانات " الدفع مقابل كل ضغطة " يعدُّ مشكلة كبيرة تواجه صناعة البحث عبر الإنترنت ، حيث يقوم بعض الناس - منهم منافسون ، أو عاملون متضررون من شركاتهم - بالضغط أكثر من مرة بصورة متواصلة على الإعلانات ؛ للعمل على زيادة قيمة فاتورة المعلن ! وهو ما قد يكلِّف المعلنين كثيراً من الأموال ، كما أنه من الصعب تعقب الفاعل ، أو إيقافه .
وتشير إحصاءات مؤسسة " سيمبو " غير الربحية أن ما بين 36 و 58 % من المعلِنين يشعرون بالقلق الشديد إزاء عملية تزوير الإعلانات ، ولكنهم لا يستطيعون دوماً تعقب الفاعل . انتهى
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (98817)
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98528
العنوان:
تعجيل الزكاة وكيف يخرج زكاته إن كان ماله في بنك إسلامي؟
السؤال:
لي مبلغ في بنك إسلامي ، فهل يجوز إخراج الزكاة خلال العام مقدماً ، كأن يكون كلما أتاني أرباح ؛ لأني أخشي أنه عندما يأتي وقت الزكاة لا يكون معي مال الزكاة ؟ وأيضاً هل الزكاة على رأس المال فقط أم على الأرباح أيضاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يستثمر أمواله في البنوك الربوية ، ولا التي تسمى إسلامية وليس حالها كذلك ، بل يجب أن يكون واقعها يتطابق مع اسمها ، فإذا كان البنك إسلاميّاً لا يتعامل بالربا أخذاً ولا إعطاءً ، ويستثمر أمواله ويوزع الأرباح على المستثمرين وفق الأحكام الشرعية الإسلامية ، فلا حرج من استثمار المال فيه .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 47651 ) .
ثانياً:
أما مسألة تعجيل الزكاة : فالصحيح جواز ذلك ، وهو قول جمهور العلماء ، والأفضل ألا يعجل زكاته ، إلا إذا وجد سبب لذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب : فيجوز عند جمهور العلماء ، كأبي حنيفة، والشافعي ، وأحمد ، فيجوز تعجيل زكاة الماشية ، والنقدين ، وعروض التجارة ، إذا ملك النصاب" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 25 / 85 ، 86 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنَة ، أو سنتين ، إذا اقتضت المصلحة ذلك ، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 422 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين ، والذين تحل بهم مصائب ؟ .
فأجاب :(/1)
"تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة : الصحيح : أنه جائز لمدة سنتين فقط ، ولا يجوز أكثر من ذلك ، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها ، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة (مجاعة)، أو جهاد ، أو ما أشبه ذلك ، فحينئذ نقول : يُعجل ؛ لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل ، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلت الزكاة ؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتره من تلف ، أو غيره ، وعلى كل حال ينبغي التنبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل : فإن هذه الزيادة يجب دفع زكاتها .
" فتاوى الشيخ العثيمين " (18/328) .
ثالثاً:
تجب الزكاة على المال كله – رأس المال وأرباحه - إذا حال الحول على رأس المال ، وكان قد بلغ النصاب ، والحول هو : مرور سنة هجرية .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
لدي مال قدره خمسة عشر ألف ريال ( 15000 ريال ) سلمته لرجل يتاجر فيه ، على أن له نصف الربح ، فهل على هذا المال زكاة ؟ وأيهما يزكى رأس المال أم الربح أم كلاهما ؟ وإذا كان على رأس المال زكاة ورأس المال قد اشترينا به بضائع عينية كسجاد وأثاث وأشباههما ، فما الحكم والحالة هذه ؟ .
فأجابوا :
"تجب الزكاة في المال المذكور المعد للتجارة إذا حال عليه الحول ، ويزكَّى رأس المال مع الربح عند تمام الحول ، وإن كان المال اشتري به عروض للتجارة : فيقدر ثمنها عند تمام الحول بما تساوي حينئذ ، وتخرج الزكاة بواقع اثنين ونصف في المائة 2.5 % من مجموع المال مع الأرباح" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 356 ، 357 ) .
وقالوا – أيضاً - :
"تجب الزكاة على رأس المال والأرباح إذا حال الحول على الأصل ، وحول الأرباح : حول أصلها" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 356 ، 357 ) .(/2)
وننبه الأخ السائل أنه إن كان البنك الإسلامي يخرج زكاة مال عملائه : فهذا يجزئه عن إخراجها إن كان البنك موثوقاً في تصريفها في وجهتها الشرعية ، وعليه أن يزكي ما في يده وما يملكه مما ليس في البنك .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98533
العنوان:
التشكيل بالطين ما يجوز منه وما لا يجوز
السؤال:
أنا رسامة ، وفي الآونة الأخيرة اتجهت نحو التشكيل بالطين ، كما أنني سمعت من أشخاص أن التشكيل بالطين حرام ، لكنني أشكل على هيئة لوحات مسطحه تكون كاللوحة التشكيلية المرسومة بالفرشاة ، وهل التشكيل للمساجد أو البيوت بالطين كمثل حكم الشرع في التشكيل للطير والإنسان ؟ .
الجواب:
الحمد لله
التشكيل بالطين هو نوع من أنواع التصوير ، ومنه ما هو جائز ، ومنه ما هو محرَّم ، والمحرم منه هو ما كان تشكيلاً لذوات الأرواح من الإنس والبهائم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ ) . رواه البخاري ( 2112 ) ومسلم ( 2110 ) .
وأما الجائز منه : فهو ما كان لغير ذوات الأرواح ، فيجوز التشكيل بالطين مساجد وبيوتاً وأشجاراً وغير ذلك مما ليس فيه الروح .
قال علماء اللجنة الدائمة : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويراً لذوات الأرواح ، سواء كان نحتاً ، أم تلويناً ، في جدار ، أو قماش ، أو ورق ، أم كان نسيجاً ، وسواء كان بريشة ، أم قلم ، أم بجهاز ، وسواء كان للشيء على طبيعته ، أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جُمِّل ، أو شُوِّه ، أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي ، فمناط التحريم : كون ما صور من ذوات الأرواح ، ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس.. إلخ، وذلك لعموم النصوص ولما فيها من المضاهاة ولكونها ذريعة إلى الشرك " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 696 ) .(/1)
كما لا يجوز التشكيل بالطين لأماكن البدع مما يعظمه الناس بغير وجه حق كالمعابد والقبور ، وأماكن المعاصي كالبنوك والمسارح .
قال علماء اللجنة الدائمة : " لا يجوز إنتاج المجسمات الفنية للحرمين الشريفين ؛ لما قد تشتمل عليه من صور لمن بالحرم المكي من الطائفين والمصلين ، ولمن بالمسجد النبوي والقراء وغيرهم ، ولخروج صورة القبة الخضراء مع صورة المسجد النبوي ، مما يدفع بعض الناس إلى الاعتقاد في القباب وأهلها ، وهذا يفضي إلى الشرك الأكبر ، ولما يفضي إليه ذلك من مفاسد أخرى أعاذنا الله منها " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، عبد الله بن قعود .
فتاوى اللجنة الدائمة ( 1 / 476 ) .
وفي كتاب الله تعالى إشارة إلى أن تشكيل الطين على هيئة ذوات الأرواح محرَّم ، وذلك في قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ) المائدة/110.
ومن تأمل في هذه الآية علم معنى ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) إذ فيها إشارة بيِّنة على حرمة تشكيل الطين على هيئة الطير – ومثله كل ما فيه الروح – وأن ما فعله عيسى عليه السلام فإنما كان بإذن الله ، فكلا الأمرين كان بإذن الله : الخلق والنفخ ، وقوله تعالى ( بِإِذْنِي ) يدل على المنع من فعل حتى في شريعة عيسى عليه السلام .(/2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في بيان أوجه عبودية المسيح وأنه مخلوق لا خالق - :
الوجه الثاني : أنه خَلق من الطين كهيئة الطير ، والمراد به : تصويره بصورة الطير ، وهذا الخلق يقدِر عليه عامة الناس ، فإنه يمكن أحدهم أن يصوِّر من الطين كهيئة الطير ، وغير الطير من الحيوانات ، ولكن هذا التصوير محرَّم ، بخلاف تصوير المسيح ؛ فإن الله أذن له فيه ، والمعجزة أنه يَنفخ فيه الروح فيصير طيراً بإذن الله عز وجل ، ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين ؛ فإن هذا مشترك ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصوِّرين ، وقال : ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) .
الوجه الثالث : أن الله أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى ، وأخبر المسيح عليه السلام أنه فعله بإذن الله ، وأخبر الله أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه السلام كما قال تعالى : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) .
" الجواب الصحيح " ( 4 / 46 ، 47 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98534
العنوان:
تخزين كروت شحن الجوال هل يعد احتكارا
السؤال:
هل يجوز تخزين كروت الشحن للجوال ، وعدم بيعها الآن رغبة في أن يرتفع سعرها أم هذا يعتبر احتكارا ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار ، فمنهم من جعله في القوت خاصة .
ومنهم من أجراه في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه ، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد ، وهو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث .
قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262 ) :
"وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم ، من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره ، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة ، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى.
وقال الرملي الشافعي في حاشيته على "أسنى المطالب" (2/39): "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى .
وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار ، وهي منع الإضرار بالناس ، وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء (13/184) حيث قالت : " لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه ، ويسمى الاحتكار ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحتكر إلا خاطئ ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين .
أما ما كان الناس في غنى عنه ، فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم ، دفعاً للحرج والضرر عنهم " انتهى .
وللفائدة ينظر جواب سؤال رقم (85195) .
وبناء على ذلك ، فإن كان تخزين هذه الكروت لا يضر بالناس ؛ لأنهم يستغنون عنها بغيرها ، فلا حرج في تخزينها ولا يدخل ذلك في الاحتكار حينئذ .
وأما إن كان عدم بيعها الآن يضر الناس ، ويقعون في حرج وضيق ؛ لعدم وجود البديل لها ، مما يضطرهم إلى دفع أكثر من ثمنها المعتاد من أجل الحصول عليها ، فهذا احتكار محرم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98538
العنوان:
انتفاع المقترض بسكن البيت المرهون مقابل أجر زهيد
السؤال:
يوجد عندنا نظام رهن البيوت وهو كالتالي: يتم رهن البيت مقابل أخذ مبلغ محدد مقداره مثلا مليون ليرة أو أقل أو أكثر مقابل السكن في البيت لمدة محدودة سنة أو سنتين مثلاً ، وبعد انقضاء الفترة يتم إعادة المبلغ نفسه بدون زيادة أو نقصان مع أخذ إيجار زهيد جدا سنويا $100 فهل هذا حلال أم حرام ؟ وهل يعتبر هذا شكلاً من أشكال الربا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان المقصود أنك تقترضين مليون ليرة مثلا ، وترهنين بيتك ، ويقوم المقرض بسكنى البيت مقابل إيجار زهيد 100$ سنويا ، فهذا ربا ؛ لأنه من باب " قرض جر نفعا " ، فالمقرض ينتفع بسكنى البيت مع دفع إيجار زهيد لا يساوي أجرة المثل .
فإذا كانت أجرة المثل 200$ سنويا مثلا ، لكن المقرض دفع 100$ فقط ، فيكون انتفع بـ 100$ لأجل أنه أقرضك ، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436).
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يجوز للمقرض أن ينتفع بالرهن من غير أن يدفع أجرة ذلك ، لأنه يكون قرضا جَرَّ منفعة ، وذلك حرام .
ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : أكره قرض الدور , وهو الربا المحض . قال ابن قدامة : يعني : "إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المقترض".
فأما إن كان الانتفاع بعوض , مثل إن استأجر المقرض الدار من المقترض بأجرة مثلها , من غير محاباة , جاز لكونه ما انتفع بالقرض .
وإن حاباه ( يعني أخذ منه أقل من أجره المثل ) فلا يجوز ذلك .
انظر : "المغني" (4/250) .(/1)
ومنه يعلم أنه لا يجوز محاباة المقرض في الأجرة ، بل تؤخذ منه أجرة المثل ، وإلا وقعتما في الربا . والربا محرم ولو كان برضا الطرفين .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : تنتشر في بعض قرى مصر عادة رهن الأراضي الزراعية، إذ يقوم الرجل الذي يحتاج إلى مال بأخذ المال من الرجل الذي يملك المال، وفي مقابل أخذ المال يأخذ صاحب المال الأرض الزراعية التي هي ملك للمدين كرهن، ويأخذ صاحب المال الأرض وينتفع بثمارها وما تدره الأرض، ولا يأخذ صاحب
الأرض من الأرض شيئا، وتظل الأرض الزراعية تحت تصرف الدائن حتى يدفع المدين المال لصاحبه. فما حكم ذلك
فأجابوا :
" من أقرض قرضا فإنه لا يجوز له أن يشترط على المقترض نفعا في مقابل القرض؛ لما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ( كل قرض جر نفعا فهو ربا ) ، وقد أجمع العلماء على ذلك، ومن ذلك ما ذكر في السؤال من رهن المقترض للمقرض الأرض، وانتفاعه بها إلى تسديد القرض الذي له على صاحب الأرض، وهكذا لو كان له عليه دين، لم يجز لصاحب الدين أن يأخذ غلة الأرض أو الانتفاع بها في مقابل إنظار المدين، ولأن المقصود من الرهن الاستيثاق لحصول القرض أو الدين، لا استغلال الرهن في مقابل القرض أو الإهمال في تسديد الدين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/177)
تنبيه :
ولو كان المقصود أنك تسكنين في البيت الذي هو ملك وقد جعلتيه رهناً وتدفعين هذا الإيجار الزهيد 100$ سنويا للمقرض ، فإنه لا يجوز أيضا ، لأن المقرض لا يجوز له أن يأخذ شيئا في مقابل قرضه ولو كان شيئا يسيرا ، والرهن إنما هو لحفظ حقه فقط ، لا يستفيد من ورائه شيئا .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98546
العنوان:
كان خالها وليها في النكاح فهل تجدد العقد؟
السؤال:
أنا امرأة متزوجة منذ أكثر من 7 سنين وعندي ثلاثة أولاد وسؤالي هو أن أبي وأمي منفصلين منذ صغري ، وأنا لم أر أبي رحمه الله سوى مرة واحدة في حياتي . فهو كان متزوجا في غير المدينة التي نعيش بها وليس لنا أي علاقة به ، ولذلك حين تزوجت كان خالي هو وليي ، وقد كان أخي موجوداً ولم يعترض على هذا ، ولكني علمت أن هذا لا يجوز ، وأنه في حالة غياب الأب يجب أن يتولى الولاية من يليه ، فأنا لا أعلم بذلك . هل زواجي هذا باطلٌ أم لا ؟ وإن كان باطلا - لا قدر الله - فماذا عليّ أن افعل الآن وأنا عندي 3 أولاد ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الخال لا يكون وليا في النكاح ؛ لأن الولاية مختصة بالعصبة ، وهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم الخ .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/13) : " ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب , كالأخ من الأم , والخال , وعم الأم , والجد أبي الأم ونحوهم . نص عليه أحمد في مواضع . وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة " انتهى .
ثانيا :
الأب أحق بتزويج ابنته من غيره ، ولا يسقط حقه في الولاية بتقصيره وتفريطه في رعاية أبنائه . وكذلك غيابه لا يسقط ولايته ، إلا إن غاب غيبة منقطعة بحيث لا يمكن الوصول إليه ولا الاتصال به ، فتنتقل الولاية حينئذ إلى من بعده من الأولياء .
وعليه ، فقد كان الواجب عليكم إعلامه بالخاطب ، ليتولى عقد نكاحك أو يوكل من يتولى العقد ، فإن أبى وكان الخاطب كفؤا ، انتقلت الولاية إلى من بعده ، وهو الجد إن كان موجودا ، وإلا فالولاية للأخ إن كان بالغا ، وإذا لم يوجد أحد من العصبة ، انتقلت الولاية للقاضي .
ثالثا :
بناء على ما سبق ، فقد تم نكاحك بغير ولي ، والنكاح بغير ولي لا يصح عند جمهور العلماء ، ويصح عند أبي حنيفة رحمه الله .(/1)
وعليه : فإن كان القضاء في بلدك يأخذ بالمذهب الحنفي ، ويصحح النكاح بلا ولي ، فالنكاح مستمر ، ولا ينقض .
وإن لم يكن القضاء عندكم على هذا ، فالعقد لاغ . ثم إن كان كل منكما الآن راغباً في الآخر ، فيجدد العقد بحضور وليك .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/6) بعد أن قرر أن النكاح لا يصح إلا بولي ، قال : " فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم ، لم يجز نقضه ، لأنها مسألة مختلف فيها ، والأحاديث الواردة فيها يمكن تأويلها ، وقد ضعفها بعض أهل العلم . انتهى بتصرف
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن فتاة زوجها خالها ، فأجاب : " هذا العقد غير صحيح ، لعدم الولي ، والولي شرط من شروط النكاح ، والخال ليس ولياً في النكاح ، وإذا فقد الولي فالنكاح فاسد ، هذا قول الجماهير من أهل العلم ، وهو المشهور من المذهب واستدلوا لذلك بما روى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا نكاح إلا بولي) رواه الخمسة وصححه ابن المديني . وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، باطل ، باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه .
فإن كان هناك دعوى غرور [ أي أن يدعي الزوج أنه خدع وغُرر به ] فلا مانع من سماعها ، وإن كان كل منهما يرغب استمرار النكاح بينهما فيجدّد له العقد ، ولا تحتاج إلى عدة لأن الماء ماؤه ، وإلا [ أي إذا كان أحدهما لا يرغب في الآخر] فيفرق بينهما ، وعليه أن يطلقها لأن العقد الفاسد يحتاج إلى طلاق ، فإن أبى فسخه الحاكم " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/73).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98553
العنوان:
شروط ترجمة أسماء الله تعالى ، وكتب مزكاة في الموضوع
السؤال:
أنا من " بلغاريا " ، فهل يجوز لي عندما أقوم بترجمة أسماء الله سبحانه وتعالى أن أزيد أداة على الاسم في حالة الرفع ؟ فقد أخبرني أخ لي في الإسلام أنه لايجوز زيادة أداة على أسماء الله إلا فى حالة كونه مفعولاً ، وأن هذه قاعدة لغوية ، فهل هذا صحيح ؟ . رجاء راسلوني بأسرع ما يمكن ! بارك الله فيكم .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا يوجد في الشرع ما يمنع المسلم من ترجمة معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، لكن لا بدَّ من أن يكون القائم على الترجمة بصيراً باللغة العربية ، وبصيراً باللغة التي يريد الترجمة لها ، ولا بدَّ أن يكون أميناً في نقله وترجمته ، ولابدَّ أن يكون على علمٍ بالشريعة ، وأن يكون على اعتقاد أهل السنَّة والجماعة ، وإلا فإنه لا يؤمن على ترجمته أن يدس بها اعتقادات ضالة منحرفة .
وترجمة معاني أسماء الله وصفاته لا تخرج عما ذكرناه من الجواز ، ومن الشروط ، وعلى المسلم الذي يود القيام بهذه المهمة الجليلة أن يُكثر من قراءة كتب أهل السنة والجماعة المؤلفة في بيان معاني أسماء الله وصفاته ، قبل القيام بالترجمة ؛ لئلا يقع منه الخطأ في فهم الاسم أو الصفة ؛ وحتى يترجمه إلى المعنى اللائق به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأما مُخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ، ولغتهم : فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك ، وكانت المعاني صحيحةً ، كمخاطبة العجم من الروم والفُرس والتُّرك بلغتهم وعُرفهم ، فإنَّ هذا جائزٌ حسن للحاجة ، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يُحْتَجْ إليه .…
" درء تعارض العقل والنقل " ( 1 / 43 ) .
وقال – رحمه الله - :
وكذلك في الإثبات ، له الأسماء الحسنى التي يُدعى بها ...(/1)
[و]إذا أثبت الرجل معنًى حقّاً ، ونفى معنًى باطلاً واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب لأنها من لغة المخاطب ، ونحو ذلك : لم يكن ذلك منهيّاً عنه ؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه ، وآياته بلغة أخرى ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه ، وهذا جائز ، بل مستحب أحياناً ، بل واجب أحياناً ... إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة ، تشبه قراءة القرآن بغير العربية ، وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب بلا نزاع بين العلماء ."
انتهى ـ مختصرا ـ من : " بيان تلبيس الجهمية " ( 2 / 389 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
هل يجوز ترجمة أسماء الله الحسنى إلى لغة غير عربية – يعني: أجنبية - ؟ .
فأجاب:
ترجمة أسماء الله سبحانه وتعالى لمن يريد أن يتفهمها : هذا لا بأس به ، بل قد يكون واجباً ؛ إذ إن الذي لا يعرف اللغة العربية يحتاج إلى فهم المعنى ، ولهذا قال الله عز وجل : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) يعني : بِلُغتهم ( لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) إبراهيم/من الآية 4 .
فترجمتها لأجل التفهيم : لا بأس به .
أما لأجل التأسيس بمعنى أن نُحلَّ غير اللغة العربية محل اللغة العربية : فهذا لا يجوز ؛ لأنه طمسٌ للغة العربية .
" دروس الحرمين : دروس المسجد النبوي " الشريط 62 ، الوجه الثاني .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم ( 9347 ) فتوى اللجنة الدائمة في جواز ترجمة القرآن والحديث وأسماء الله تعالى ، فلتنظر .
ثانياً:
والزيادة على أسماء الله تعالى باللغة المترجم إليها لا حرج فيه إن كان يؤدي إلى إيصال المعنى اللائق بالله تعالى ، ولا يلتفت المترجم إلى كون الاسم منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً في القرآن أو السنة ؛ فإن هذا لا يؤثر في الترجمة ، ولن يغير معنى الاسم وروده مرفوعاً أو منصوباً ؛ لأن تلك الحركات استحقها الاسم بحسب موقعه من الإعراب .(/2)
ومما نزكيه للأخ المترجم من كتب يقرؤها قبل قيامه بالترجمة :
1. " تفسير أسماء الله الحسنى " للشيخ عبد الرحمن السعدي ، منشور في " مجلة الجامعة الإسلامية " ( العدد 112 ) .
2. " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " للشيخ محمد بن صالح العثيمين .
3. " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنَّة " للشيخ علوي بن عبد القادر السقَّاف .
4. " النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى " للشيخ محمد الحمود .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98555
العنوان:
حكم تأجير المحل لفتح مقهى إنترنت
السؤال:
عندنا دكان نريد أن نؤجره إن شاء الله وقد جاءنا مستأجر يريد أن يفتحه مقهى للإنترنت والشبكات فهل هناك شيء إن أجّرناها له وأرجو توضيح الضوابط إن وجدت ، وبشكل عام هل على من يؤجر دكانه التحقق من تفاصيل العمل الذي يريد أن يقوم به المستأجر في هذا الدكان وهل هو مسؤول عنه .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
عقد الإجارة من العقود الجائزة في الشريعة الإسلامية بإجماع المسلمين ، وقد ذكر العلماء لصحة الإجارة شروطاً منها : كون المنفعة مباحة ، فلا يجوز أن يؤجر بيتا لمن يجعله كنيسة ، أو محلاً لمن يبيع فيه الخمر ، فلو أجر لهذا الغرض لما صحت الإجارة ؛ وذلك لأن المنفعة في هذه الإجارة ليست مباحة النفع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك ، كمذهب أحمد وغيره , أو ظنّ ، وهو أحد القولين ، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388).
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : " ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبد المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وهو متِّجه . وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر جعلها له بعقد , أو لا ; بأن علم بقرائن ; لأنه فعل محرم , فلم تجز الإجارة عليه ; ولمُكْرٍ [ يعني : مؤجر ] دارا منع مكتر [ يعني : مستأجر ] ذمي من بيع خمر بدار مؤجرة ; لأنه معصية " انتهى .
ثانياً :(/1)
محلات الإنترنت تستعمل في الخير والشر ، وإن كان استعمالها في الشر أكثر ، فإذا كان من يستأجر المحل حريصاً على ضبطه ، ومنع المنكرات فيه ، كمشاهدة المحرمات والدخول على المواقع السيئة ، وشرب الدخان والشيشة ، ولعب القمار ، فهذا يجوز تأجير المحل له ، والكسب الناتج من ذلك التأجير حلال .
وأما إذا عَلِم المؤجر أو غلب على ظنه ، بما يراه من غالب حال الناس في بلده ، أو حال من أراد أن يستأجر منه أنه لن يضبط المحل ، ولن يمنع المنكرات فيه ، أو أن ضبط ذلك يتعذر عليه ، مع تعدد تقنيات وبرامج الاختراق ، فلا يجوز تأجيره له ، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة / 2 .
وانظر جواب السؤال رقم (82873) و (34672)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98564
العنوان:
قامت بأخذ عيّنة من نباتات في مكة لعمل بحث ، فهل تجب عليها كفارة؟
السؤال:
قبل حوالي أربع سنوات وأنا طالبة في الجامعة ، قمت بعمل بحث على أنواع النباتات ، وقد أخذت عينه من نباتات مكة (من 3 إلى 5) أوراق شجر من داخل منطقة الحرم ، مع العلم أنني لم أقم بقطع غصن أو ما شابه ذلك ، مع علمي بحرمة البلد الحرام ؛ ولكن عللت فعلي بأنه في سبيل العلم ، وأنه جائز ؟! أفيدوني بارك الله فيكم : هل تجب علي كفارة ؟ وإذا وجبت بكم تقدر وكيف توزع ؟
الجواب:
الحمد لله
فقد وردت الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما في تحريم شجر الحرم المكي ، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن مكة : ( أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ؛ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ ؛ لَا يُخْتَلَى [ أي : لا يحصد ] شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/161): " أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم , وإباحة أخذ الإذخر , وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين . حكى ذلك ابن المنذر" انتهى .
وهم وإن أجمعوا على تحريم قطع شجر الحرم ، فقد اختلفوا في مسائل ، منها :
هل يحرم كل شيء في الحرم ، أم التحريم خاص لما نبت بنفسه ؟ فأكثر أهل العلم يقولون المحرم إنما هو ما نبت بنفسه ، أما ما غرسه الآدمي فليس بحرام .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/218): " المحرم ما كان من شجر الحرم ، لا من شجر الآدمي ، وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب فإنه ليس بحرام ، لأنه مُلْكه ولا يضاف إلى الحرم ، بل يضاف إلى مالكه." انتهى.(/1)
ومنها: هل يحرم أخذ الورق من الشجر المحرم أم لا ؟ فالحنابلة لا يجيزون أخذ الورق ، خلافاً لجمهور أهل العلم القائلين بجواز أخذه ؛ لأنه لا يضر بالشجر ، وعلى هذا المذاهب الثلاثة . قال ابن قدامة في "المغني" (3/170) : " وليس له أخذ ورق الشجر . وقال الشافعي : له أخذه ; لأنه لا يضر به . وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السَّنَى [ نبت يُتداوى به ] , يستمشي به [ أي يُشرَبُ ماؤُه للمَشِيِّ ، كما في تاج العروس ] , ولا يُنزع من أصله . ورخص فيه عمرو بن دينار .
ولنا , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يخبط شوكها , ولا يعضد شجرها } , رواه مسلم . ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه , كريش الطائر .
وقولهم : لا يضر به . لا يصح فإنه يضعفها , وربما آل إلى تلفها " انتهى .
وعلى هذا فإن كان ما أخذته الأخت السائلة من الأوراق قد أخذته من شجر لم يغرسه الأدمييون ، فإن أخذها له محل خلاف بين العلماء ؛ والجمهور على جوازه ، ويمنعه الحنابلة ، إن لم تكن هناك حاجة عامة تدعو إلى أخذه ؛ فإن كانت قد أخذته مع إمكان أن تستغني عنه بغيره من أشجار الحل ، فينبغي أن تستغفر وتتوب إلى الله تعالى ، وإن كانت هناك حاجة تعليمية تعود على عموم الناس بالنفع ولا يقوم شجر الحل مقامها ، فلا حرج إن شاء الله.
وعلى كل الاحتمالات ، لا ضمان عليها ولا كفارة، لأن الفقهاء الذين يمنعون أخذ الورق وهم الحنابلة ، لا يوجبون ضمان شجر الحرم ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء .
جاء فيها : " وإذا أتلف شيئاً من شجر الحرم أو حشائشه مملوكاً لأحد فكذلك عليه قيمته لمالكه، وإن لم يكن مملوكاً لأحد فلا شيء عليه، ولا ينبغي له تعمد ذلك؛ لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك "
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/209)
... أما إن كان هذا الشجر مملوكاً فلا حرج في أخذ هذه الأوراق إن شاء الله لأن هذا مما جرت العادة بالمسامحة فيه.
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
98574
العنوان:
مسائل في القصر والجمع للمسافر
السؤال:
أنا أسكن مدينة الجبيل التي تبعد أكثر من 80 كلم عن مدينة الدمام. عندما أحتاج إلي قضاء حاجياتي من السوق أو زيارة الأهل والأصدقاء أسافر إلى الدمام وغالبا ما أرجع إلى الجبيل في نفس اليوم. أسئلتي منصبة في حال وجودي في الدمام وهي كما يلي: هل يجوز الجمع والقصر في صلاتي الظهر والعصر في أي وقت بينهما وهل يجوز تأخير الجمع والقصر إلى فترة ما بعد صلاة العصر وإلى متى ؟ هل يجوز الجمع والقصر في صلاتي المغرب والعشاء في أي وقت بينهما وهل يجوز تأخير الجمع والقصر إلى فترة ما بعد صلاة العشاء وإلى متى ؟ عندما أجمع وأقصر إحدى الصلاتين في وقت صلاة الأولى وبعدها يتسنى لي الوصول إلي الجبيل قبل دخول أو عند دخول وقت صلاة الثانية... هل يجب علي تأدية الصلاة التي دخل وقتها مرة أخرى أو أعتبر أني قد صليتها مسبقا ؟ في حالة تأخير صلاة القصر والجمع إلى فترة صلاة الثانية... هل يجوز أن أؤدي الصلاة في منطقة قريبة من منطقة الجبيل (محطة على الطريق قريبة جدا من الجبيل باعتبار أني لازلت على سفر) ؟ عندما أنوي الجمع والقصر في طريق العودة إلى الجبيل....وحدث أني نسيت التوقف والصلاة على الطريق وأني لم أتذكر الصلاة إلا في البيت في الجبيل....هل أصليهما جمعا وقصرا أو أصلي كل صلاة على حده مثل صلاة القضاء ؟ عندما أنوي الجمع والقصر وأصلي خلف إمام في أحد المساجد في الدمام...هل يجوز أن أرتب دخولي في الصلاة إلى ما بعد التشهد ألأول للإمام وأدخل بنيه القصر وأسلم مع الإمام ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع هو العرف ، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر ، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر .
وتقدّر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99):(/1)
" السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً ، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً ، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن ، والجمع والقصر، والفطر في رمضان " انتهى .
وأفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلا أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة .
فقد سئل رحمه الله : نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها ، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة ، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟
فأجاب : " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا ؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا ، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب ، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا ؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11).
ثانيا :
بناء على قول الجمهور في تحديد السفر بالمسافة ، فإنه يجوز لك أن تقصر الظهر والعصر والعشاء في الدمام ، إذا صليت بمفردك أو مع جماعة مسافرين .
لكن ينبغي أن تعلم أن صلاة الجماعة واجبة على الرجل القادر ، حاضرا كان أو مسافرا ، فحيث سمعت النداء لزمك حضور الجماعة ، وحينئذ تصلي الصلاة تامة إذا كان الإمام مقيما.
ثالثا :(/2)
أما الجمع بين الصلاتين في البلد الذي سافرت إليه وهو الدمام ، فهو جائز على القول بأنك مسافر ، ولكن الأولى أن لا تجمع بين الصلاتين إلا إذا شق عليك فعل كل صلاة في وقتها . ويجوز لك أن تجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك .
رابعا :
وقت صلاة العصر إلى اصفرار الشمس ، ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل ؛ لما روى مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ) .
وقد سبق في جواب السؤال ( 9940 ) بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل .
وعليه فإذا جمعت الظهر والعصر تأخيرا ، وجب أن يكون ذلك قبل اصفرار الشمس .
وإذا جمعت المغرب والعشاء تأخيرا ، وجب أن يكون ذلك قبل منتصف الليل .
خامسا :
إذا جمعت بين الصلاتين في وقت الأولى منهما ، ثم عدت إلى الجبيل قبل دخول وقت الصلاة الثانية ، لم يلزمك إعادة الصلاة الثانية .
ويجوز للمسافر أن يجمع جمع تقديم ، مع علمه أنه سيصل بلده قبل دخول وقت الصلاة الثانية.
لكن سبق أن الأفضل في حقك عدم الجمع ، وخاصة في هذه الحالة التي سترجع فيها قبل دخول وقت الثانية ، ما لم توجد مشقة من مرض أو تعب ونحوه .
سادسا :
في حالة جمع التأخير ، يجوز أن تؤدي الصلاة في منطقة قريبة من منطقة الجبيل ، قبل دخول بنيان المدينة ، سواء صليت في محطة أو على الطريق ، لأن حكم السفر يمتد إلى دخول عمران المدينة .
سابعا :
إذا أراد المسافر الجمع ، لكنه وصل إلى بلده دون أن يصلي ، فإن وصل في وقت الأولى ، صلى الأولى فقط ، تامة ثم صلى الثانية ، تامة ، بعد دخول وقتها .(/3)
وإن وصل في وقت الثانية ، صلى الأولى قصرا ( على ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ) ، وصلى الثانية تامة ، اعتبارا بحال فعل الصلاة .
وينظر : "الشرح الممتع" (4/370)
ثامنا :
يلزم المسافر أن يصلي الجماعة حيث ينادى بها ، كما سبق ، فإذا دخل المسجد شرع في الصلاة خلف الإمام ، وليس له أن يتأخر إلى التشهد ألأول ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري ( 636 ) ومسلم ( 602 ) .
والمسافر إذا صلى خلف مقيم يتم الصلاة ، وجب عليه أن يتم الصلاة أربعاً ، سواء أدرك من صلاة الإمام ركعتين أو أكثر أو أقل .
وانظر جواب السؤال رقم (40299)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
98575
العنوان:
له عدة أسئلة متعلقة بوفاة ابنه
السؤال:
لقد توفي ابني الكبير رحمه الله غرقاً في البحر ، وحينما صاح إخوته طلباً للنجدة وقفت واسترجعت ثم ذهبت إليه ولكني وجدته قد فارق الحياة ، وكدت أن ألحق به لو لا أن الله أنجاني من الغرق فخرجت مذهولا وأصيح في الناس طلباً للنجدة ، ثم أخذت أدعو على الأولاد الذين كانوا معه بان الله يضيعهم كما ضيعوا ابني ، ثم إن الله ربط على قلبي حينما أخرجناه من البحر وذهبنا به إلى المستشفي وقد كنت متيقناً من وفاته قبل الذهاب به إلى المستشفى. و كان عمر ابني رحمه الله تسعة عشر عاماً وخمسة أشهر حين وفاته. علماً أنني حرصت على تربيته تربية صالحة فكان من المحافظين على صلاة الجماعة في المسجد. وكان من طلاب حلقات التلاوة. وقد أدى فريضة الحج متمتعاً هذا العام. وقد صام يوم عاشوراء وكانت وفاته في الحادي عشر من صفر لهذا العام. وقد صلى الفجر يوم وفاته (يوم الخميس) جماعة. وكل من يعرفه يثني عليه خيرا فهل أعتبر هذه الأمور من المبشرات؟ وهل تعتبر وفاته يوم الخميس الساعة العاشرة صباحاً من الوفاة ليلة الجمعة؟ وهل علي إثم في دعائي على الأولاد الذين كانوا معه ؟ علماً أنني كنت في حالة ذهول والله المستعان؟ مع يقيني أن الله أرحم به مني إلا أن البكاء يغلبني كلما تذكرته لاسيما وأنني كنت أخاف عليه وكان في السنة الأولى من الجامعة وكنت أخطط له ولمستقبله إلا أن قدر الله كان أسبق ، فهل في بكائي عليه شيء ؟ وكنت أمنع ابني من دخول الانترنت إلا في أوقات محددة وقد توفي وجواله مقطوع نظير استخدامه في الانترنت وكنت أقسو عليه أحيانا لهذا السبب، فهل علي إثم في ذلك؟ علماً بأنه كان باراً بي وبوالدته. هل يعتبر ابني وهو في هذا السن من الذين يشفعون لي ولوالدته؟ وهل أعتبر من المحتسبين إذا استرجعت حال صياح إخوته عليّ طلباً للنجدة ؟ أزور قبره كل يوم جمعة ساعة الإجابة وأدعو له، فهل(/1)
يعلم بزيارتي أم لا ؟ وهل يشرع لي أن أسلم عليه باسمه كأن أقول السلام عليك يا بني أو السلام عليك يا فلان؟ وقفت له بعض المصاحف والكتب الدينية وسأقوم بمشيئة الله بوقف بئر أو مسجد له ، فهل ينفعه ذلك ؟ وهل لي أجر أنا في هذه الأعمال ( الوقف الثابت والصدقات)؟ أرجو معذرتي على كثرة الأسئلة وجزاكم الله خير الجزاء
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله سبحانه أن يغفر لابنك ويرحمه ويرفع درجته ويجمعه بسائر أهله في جنات النعيم .
وما ذكرته من حاله واستقامته وثناء الناس عليه ، مع موته بالغرق هو من المبشرات والحمد لله ، فإن الغرق شهادة كما أخبر صلى الله عليه وسلم . روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله ).
وروى البخاري (1367) ومسلم (949) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجَبَتْ . ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ : وَجَبَتْ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ : ( هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ).
ونسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء على تربيتك له ، وسعيك في صلاحه ، وأن يصلح لك سائر أولادك وأن يجعلهم قرة عين لك ولزوجك .
ثانيا :
ليلة الجمعة تبدأ من غروب شمس يوم الخميس ، فلا تدخل الساعة العاشرة من صباح الخميس في ليلة الجمعة .
ثالثا :(/2)
لا إثم عليك في دعائك على الأولاد حال ذهولك ، ولا في بكائك على ولدك عند تذكره ، وقد روى البخاري (1303) ومسلم (2315) في قصة وفاة إبراهيم بن نبينا صلى لله عليه وسلم ، قال أنس : ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ : يَا ابْنَ عَوْفٍ ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثم قال : ( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ) .
رزقنا الله وإياك الصبر واحتساب الأجر .
ولا إثم عليك في التشديد عليه في دخول الإنترنت ، بل هذا من حسن التربية ، وإدراك المسئولية .
رابعا :
ثبت في السنة أن الصبيان يشفعون في آبائهم يوم القيامة ، ومن ذلك :
عن أبي حسان قال : قلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ : إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا ؟
قالَ : نَعَمْ ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا ، فَلا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ . رواه مسلم (2635) .
والدعاميص : جمع ( دُعْمُوص ) ، أَيْ صِغَار أَهل الجنة , وَأَصْل الدُّعْمُوص دُوَيْبَّة تَكُون فِي الْمَاء لَا تُفَارِقهُ , أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِير فِي الْجَنَّة لَا يُفَارِقهَا .
وَقَوْله ( بِصَنِفَةِ ثَوْبك ) : أي طرف ثوبك .
ولا يتناهى : أي لا يتركه .
لكن من بلغ تسعة عشر عاما لا يعد صغيرا .(/3)
وثبت أن الشهيد يشفع في سبعين من أقاربه ، فعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه ) رواه الترمذي ( 1663 ) وابن ماجه ( 2799 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وسبق أن الغريق شهيد ، فيرجى لمن مات بالغرق أن ينال ثواب الشهيد ، ويشفع في سبعين من أقاربه .
خامسا :
المقصود بالاحتساب هو احتساب الأجر عند الله تعالى ، وعدم الجزع عند حلول المصيبة ، والصبر عند الصدمة الأولى كما قال النبي صلى الله وسلم ، فمن بلغه ما يسوءه فاسترجع وصبر واحتسب رجي له الأجر والثواب عند الله تعالى ، وقد روى البخاري (6424) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه : " الْمُرَاد بِاحْتَسَبَهُ : صَبَرَ عَلَى فَقْده رَاجِيًا الْأَجْر مِنْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ "
سادسا :
تخصيص زيارة القبور بيوم الجمعة لا أصل له ، فلا تحرص على ذلك ، وزره كلما تيسر من غير تحديد وقت معين .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : زيارة المقابر هل تختص بيوم معين كالعيدين والجمعة أو في وقت معين من اليوم أما أنها عامة؟ وماذا يجاب عما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح من أنها تزار في يوم الجمعة ؟ وهل يعلم الميت بزيارة الحي له ؟ ثم أين يقف الزائر من القبر ؟ وهل يشترط أن يكون عنده أم يجوز ولو كان بعيداً عنه ؟(/4)
فأجاب : " زيارة المقابر سنة في حق الرجال ؛ لأنها ثبتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزوروها. ولا تتقيد الزيارة بيوم معين، بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الأسبوع ، ولقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع ليلاً فزارهم وسلم عليهم . والزيارة مسنونة في حق الرجال ، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج من بيوتهن لزيارة المقبرة ، ولكن إذا مررن بها ووقفن وسلمن على الأموات بالسلام الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا لا بأس به ؛ لأن هذا ليس مقصوداً ، وعليه يحمل ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها ، وبه يجمع بين هذا الحديث الذي في صحيح مسلم والحديث الذي في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام (لعن زائرات القبور). وأما تخصيص الزيارة بيوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له ، وليس في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك .
وأما هل يعرف من يزوره فقد جاء في حديث صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح : (أن من سلم على ميت وهو يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام).
أما أين يقف الزائر ؟ نقول : يقف عند رأس الميت مستقبلاً إياه ، فيقول : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ، ويدعو له بما شاء ثم ينصرف ، وهذا غير الدعاء العام ، الذي يكون لزيارة المقبرة عموماً، فإنه يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم " انتهى من "اللقاء الشهري" (2/8).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : عند زيارة القبور هل يشرع للزائر أن يصل إلى القبر الذي يقصد زيارته ؟(/5)
ج: يكفي عند أول القبور ، وإن أحب أن يصل إلى قبر من يقصد زيارته ويسلم عليه فلا بأس.
س: هل يعرف الميت من يزوره ؟
ج: جاء في بعض الأحاديث ( إذا كان يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) ولكن في إسناده نظر ، وقد صححه ابن عبد البر رحمه الله.
س: هل الموتى يعلمون بأعمال أقاربهم من الأحياء ؟
ج: لا أعلم في الشرع ما يدل على ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (13/170).
والحديث الذي أشار إليه الشيخ ، ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (4493) ولفظه : ( ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام )
سابعا :
يشرع للزائر أن يسلم على الميت باسمه ، فيقول : السلام عليك يا فلان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد كان الصحابة يسلمون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قبره ، وقد كان ابن عمر يقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبت . رواه مالك عن نافع عنه ، ورواه أحمد وغيره " انتهى من "الرد على البكري" (1/256).
ثامنا :
يجوز أن توقف لصالح ابنك مصاحف أو كتبا دينية ، أو بئرا أو مسجدا ، وذلك من العمل الصالح الذي يمتد به الثواب ، ويعظم به الأجر .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : لي ابن وبنت توفيا رحمهما الله، وعندي قطعة أرض، هل يجوز أن أوقف لكل واحد منهما من كامل مالي عمارة هذه الأرض بيتين لكل واحد بيتا يكون ريعه يصرف لهما في أضحية وحج وأعمال البر بنظر الوكيل والثواب والأجر لهما؟ كما أن عندي بيتا أوقفته وقد أشركتهم في الثواب، ولكن أريد هذه الأرض أقسمها وأعمرها لكل واحد بيت خاص له، علما أن الورثة غير راضين بذلك، ويقولون: إنه لا يجوز ، أرجو إفتائي جزاكم الله خيرا.(/6)
فأجابوا : " إذا كان الأمر كما ذُكر جاز وقف الأرض المذكورة لابنك وابنتك المتوفين، وصرف ريعها بعد عمارتها في أعمال الخير من الحج والأضحية والصدقة، وجعل ثواب ذلك لهما " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/116)
وإذا فعلت ذلك رُجي لك الثواب أيضا ، لأنه هذا من الإحسان والبر والصدقة والمعروف .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
98579
العنوان:
هل يجوز الدعاء قبل التصدق ؟
السؤال:
هل يجوز لمن أراد الصدقة أن يدعو بما يريد قبل أن يتصدق ، ثم يتصدق بعد ذلك . فما حكم القيام بهذا العمل بشكل مستمر ؟
الجواب:
الحمد لله
لا نعلم في السنَّة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ثم يتصدق بعدها ، ولا أنه أوصى بذلك أمته ، إلا أن يكون دعاء يتعلق بقبول الله لصدقته ، أو توفيقه للمزيد من البذل .
ويمكن للمسلم أن يتصدق ليدعو إن احتاج للدعاء لشيء معيَّن ، ويكون هذا من باب التوسل بالأعمال الصالحة ، كما جاء في حديث الأعمى الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له بأن يرد عليه بصرَه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء ، وأمره بالوضوء والصلاة قبل أن يدعو الله ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا من التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة .
جاء " كشاف القناع " ( 1 / 368 ) - من كتب الحنابلة - :
ويقدِّم بين يدي دعائه صدقة .انتهى .
ولعل من هذا الباب – أيضاً – ما استحبه عامة العلماء من الصدقة قبل الاستسقاء ، إما لكون الصدقة جالبة للرحمة ، أو توسلاً بفعلها قبل دعاء الاستسقاء .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 3 / 310 ) .
اتّفقت المذاهب على استحباب الصّدقة قبل الاستسقاء ، ولكنّهم اختلفوا في أمر الإمام بها ، قال الشّافعيّة ، والحنابلة ، والحنفيّة ، وهو المعتمد عند المالكيّة : يأمرهم الإمام بالصّدقة في حدود طاقتهم ، وقال بعض المالكيّة : لا يأمرهم بها ، بل يترك هذا للنّاس بدون أمرٍ ؛ لأنّه أرجى للإجابة ، حيث تكون صدقتهم بدافعٍ من أنفسهم ، لا بأمرٍ من الإمام .انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/1)
قوله : " والصدقة " أي : ويأمرهم أيضاً بالصدقة – أي : قبل الاستسقاء - ، والصدقة قد يقال : إنها مناسبة ؛ لأن الصدقة إحسان إلى الغير ، والإحسان سبب للرحمة ؛ لقول الله تعالى : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف/من الآية 56 ، والغيث رحمة ؛ لقول الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ) الشورى/من الآية 28 ، والصدقة هنا ليست الصدقة الواجبة، بل المستحبة ، أما الصدقة الواجبة فإن منْعها سبب لمنع القطر من السماء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المروي عنه: "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء" .
" الشرح الممتع " ( 5 / 209 ) .
فإذا احتاج المسلم لتفريج كربة ، أو تيسير أمر ، أو كانت المناسبة عامة كالاستسقاء : فتصدق قبل أن يدعو كان ذلك من التوسل بالأعمال الصالحة ، أما أن يكون ذلك باستمرار مع كل مرة يتصدق بها : ففيه نظر ؛ لأنه لم يشرع لنا ذلك ، ولا رغبنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، وقد وُجد السبب – وهو الصدقة – ولم يوجد الفعل – وهو الدعاء – فدلَّ على عدم المشروعية .
وأما ما يفعله الأخ السائل - وفقه الله - من الدعاء قبل الصدقة : فلا نعلم له أصلا إلا بما ذكرناه من كون الدعاء متعلقاً بقبول الصدقة ، وسؤال الله التوفيق للمزيد .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
يقول المزكِّي ما ورد من الآثار والأدعية في ذلك : ( اللهم تقبَّل منِّي إنك أنت السميع العليم ) ، وقيل : يقول : ( اللهمَّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً ) .
" الشرح الممتع " ( 6 / 270 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
98580
العنوان:
إذا لبس خفاً على الجورب ، فعلى أيهما يمسح ؟
السؤال:
لبست الجورب تحت الخف على طهارة ، ثم توضأت ، ومسحت على الخف ، فهل إذا خلعت الخف أكمل المسح على الجورب ما تبقى من مدة المسح ؟ .
الجواب:
الحمد لله
من لبس خفا على خف ، أو خفا على جورب ، فلأيهما يكون الحكم ؟ في ذلك تفصيل :
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"1- إذا لبس جوربا أو خفا ثم أحدث ، ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ ، فالحكم للأول .
أي إذا أراد أن يمسح بعد ذلك مسح على الأول ، ولم يجز أن يمسح على الأعلى .
2- إذا لبس جوربا أو خفا ، ثم أحدث ، ومسحه ، ثم لبس عليه آخر ، فله مسح الثاني على القول الصحيح . قال في الفروع : ويتوجه الجواز وفاقاً لمالك . اهـ . وقال النووي : إن هذا هو الأظهر المختار لأنه لبسه على طهارة ، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول . اهـ . وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول.
وله في هذه الحالة مسح الأول أيضا من غير شك .
3- إذا لبس خفا على خف أو جورب ، ومسح الأعلى ثم خلعه ، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل ؟ لم أر من صرح به ، لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج ، فيما إذا لبس الجُرموق على الخف ثلاثة معان ، منها : أنهما يكونان كخف واحد ، الأعلى ظهارة ، والأسفل بطانة . قلت : وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى ، كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته " .
انتهى من "فتاوى الطهارة" للشيخ ابن عثيمين (ص 192) .
والجُرموق : خف يلبس فوق الخف المعتاد ، لاسيما في البلاد الباردة والمقصود بالظَّهارة والِبطانة ، فيما لو كان هناك خف مكون من طبقتين ، فالعليا تسمى الظهارة ، والسفلى تسمى البطانة . "الشرح الممتع" (1/211) .(/1)
وقد تبين بهذا أن من لبس خفا على جورب ، ثم نزع الأعلى منهما ، فإن مسحه لا ينتقض ، وله أن يمسح على الأسفل في جميع الحالات الثلاث التي ذكرها الشيخ ، إلى انتهاء مدة المسح .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98604
العنوان:
حكم الإنجاب بطريقة ( I V F )
السؤال:
أود معرفة ما إذا كان يجوز طبقاً للقرآن والسنَّة العلاج بـ " الآي في إف " ( طريقة في علاج العقم ) لإنجاب الأطفال ، حيث تحاول إحدى الأخوات إنجاب أطفال ، ولكنها تواجه صعوبة بالغة في ذلك ، ولذلك فسأكون ممتنة للغاية إذا تمكنتم أن تردوا عليَّ في أسرع وقت ممكن .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الأولاد من نعَم هذه الدنيا وزينتها ، ومن أعظم مقاصد الزواج : الإنجاب ، والولد الصالح ذخر لوالديه في الدنيا والآخرة ، وأعماله الصالحة تكون في صحائف والديه وميزانهما ، وقد يبُتلى الرجل أو المرأة بعدم الإنجاب ، أو بتأخيره ، فالواجب عليهما الصبر والاحتساب ، والإكثار من الدعاء الاستغفار ، وليعلما أن الله تعالى لا يقضي بشيء إلا لحكمة بالغة ، ومن تيسر له طرقاً شرعية للإنجاب فلا حرج عليه من سلوك طريقها ، وليحذر المسلم من طرق الشعوذة ، والسحر ، والخرافة ، وليحذر من الأطباء الذين عُدموا التقوى ، فيكون همهم الحصول على المال من الراغب بالإنجاب ، ولذا يلجأ بعضهم إلى تبديل البويضات ، أو إلى تبديل ماء الرجل ! ومن هنا جاء المنع أو التشديد في الحكم بجواز هذه الطرق للإنجاب .
ثانياً:
ومن الطرق التي يسلكها الأطباء في الإنجاب : ما جاء في السؤال وهي ما يسمى " آي في أف " ( I V F ) وتتلخص هذه الطريقة في حث المبيضين على إنتاج عدد من البويضات مقارنة بما يكون من المرأة في وضعها الطبيعي وهو نزول بويضة واحدة ، ويتم ذلك بإعطاء المرأة إبرة الديكابيتيل Decapeptyl لتهيئة المبيضين للخطوة التي بعدها ، وهي الحقن بهرمونات لحث المبيضين على إنتاج عدد من البويضات ، وبعد التأكد من نمو البويضات : يتم إعطاء المرأة حقنة HCG لتُكمل بها نضوج البويضات قبل سحبها ، وعادة تعطى هذه الحقنة قبل 36 ساعة من عملية سحب البويضات ، ويتم بعدها سحب البويضات .(/1)
وفي يوم سحب البويضات يتم أخذ السائل المنوي من الزوج ويوضع مع كل بويضة 100000 حيوان منوي في " أنبوب اختبار " ليتم التلقيح ، وبعد يومين أو ثلاثة أيام تنقسم البويضة الملقحة لتكوِّن ما يسمى بـ " الجنين " ، وتصنف الأجنة حسب جودتها إلى 4 أصناف ، ويتم اختيار أفضل الأجنَّة لإرجاعها للرحم ، ثم توضع الأجنة في الرحم ، ثم يُجرى بعدها بفترة إجراء فحص للتأكد من وجود الحمل من عدمه ، ونسبة نجاح هذه العملية عند الأطباء من 30 إلى 40 % .
هذا ملخص ما ذكره الدكتور " أسامة صالحة " ، استشاري أمراض النساء والولادة وأمراض العقم وجراحة المناظير ( بريطانيا ) ، ومدير وحدة أطفال الأنابيب ، مستشفى دار الشفاء الجديد .
بواسطة مجلة " الوطن كلينيك " .
ثالثاً:
أما حكمها الشرعي : فهو المنع على الأحوط ، وهو قول الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله ، ونقله عن علماء اللجنة الدائمة - كما نقلناه عنه في جواب السؤال رقم ( 1992 ) - أو الجواز بشروط ، ومن هذه الشروط :
1. الحاجة الماسة إلى ذلك ، فليس تأخر الإنجاب سنَة أو سنتين بعذرٍ للزوجين بسلوك هذه الطريقة وأخواتها ، بل يصبروا فقد يجعل الله الفرج قريباً من غير وقوع في محظورات .
2. عدم كشف المرأة عورتها على رجال مع توفر النساء .
3. عدم جواز الاستمناء للزوج ، ويمكنه التمتع بامرأته دون الولوج ، وينزل المني به .
4. عدم حفظ بويضات المرأة ومني الزوج في ثلاجة لاستعمال آخر ، أو لموعد متأخر ، وعدم التأخر في وضعهما في رحم المرأة ، بل يُباشَر بذلك دون تأخر ؛ خشية الاختلاط مع غيرهما ؛ وخشية استعمالهما لأناس آخرين .
5. أن تكون النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة ، والزراعة في رحم الزوجة ، ولا يجوز غير ذلك البتة ، وينظر جواب السؤال رقم : ( 21871 ) و ( 23104 ) .
6. الوثوق التام بمن يقوم بالعملية من الأطباء والطبيبات .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :(/2)
عن حكم إيداع بويضة المرأة في أنبوبة ، ثم تلقيحها بماء الرجل ، ثم إعادتها إلى رحِم المرأة لتأخذ مجراها في التكوين .
فأجاب :
" أ. إذا لم تكن حاجة لهذا العمل : فإننا لا نرى جوازه ؛ لأنه يتقدمه عملية جراحية لإخراج البويضة - كما ذكرتم في السؤال - ، وهذه العملية تحتاج إلى كشف العورة بدون حاجة ، ثم إلى جراحة ، يخشى أن يكون منها نتائج ولو في المستقبل البعيد ، من تغيير القناة ، أو حدوث التهابات .
ثم إن ترك الأمور على طبيعتها التي خلقها عليها أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين : أكمل ، تأدباً مع الله سبحانه ، وأولى وأنفع من طرق يستحدثها المخلوق ، ربما يبدو له حُسنها في أول وهلة ، ثم يتبين فشلها بعد ذلك .
ب. إذا كان لهذا العمل حاجة : فإننا لا نرى به بأساً بشروط ثلاثة :
الأول : أن يتم هذا التلقيح بمني الزوج ، ولا يجوز أن يكون هذا التلقيح بمني غير الزوج ؛ لقول الله تعالى : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) النحل/72 ، فخص ذلك بالأزواج .
الثاني : أن تتم عملية إخراج المني من الرجل بطريق مباح ، بأن يكون ذلك عن طريق استمتاع الزوج السيد بزوجته ، فيستمتع بين فخذيها ، أو بيدها ، حتى يتم خروج المني ، ثم تلقح به البويضة .(/3)
الثالث : أن توضع البويضة بعد تلقيحها في رحم الزوجة ، فلا يجوز أن توضع في رحم امرأة سواها بأي حال من الأحوال ؛ لأنه يلزم منه إدخال ماء الرجل في رحم امرأة غير حلال له ، وقد قال الله تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) البقرة/223 ، فخص الحرث بامرأة الرجل ، وهذا يقتضي أن تكون المرأة غير الزوجة غير محل لحرثه " . انتهى بتصرف يسير .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 17 / ص 27 ، 28 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - :
التلقيح الصناعي : أن يُؤخَذ ماءُ الزوج ويُوضَع في رحم الزوجة عن طريق أنابيب ( إبرة ) ، وهذه المسألة خطيرة جدّاً ، ومَن الذي يأمن الطبيب أن يلقي نطفة فلان في رحم زوجة شخص آخر ؟! ولهذا نرى سدَّ الباب ، ولا نُفتي إلا في قضية معينة بحيث نعرف الرجل ، والمرأة ، والطبيب ، وأما فتح الباب : فيُخشى منه الشرُّ .
وليست المسألةُ هيِّنةً ؛ لأنه لو حصل فيها غش لزم إدخال نسب في نسب ، وصارت الفوضى في الأنساب ، وهذا مما يحرمه الشرع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تُوطأ حَامِل حَتَّى تَضَع ) ، فأنا لا أفتي في ذلك ، اللهمَّ إلا أن ترد إليَّ قضية معينة أعرف فيها الزوج ، والمرأة ، والطبيب .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 17 / السؤال رقم 9 ) .
وهذا هو قرار " المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي " حيث جاء فيه : " لا حرج من اللجوء إليها عند الحاجة ، مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة " .
" مجلة المجمع " ( 3 / 1 / 423 ) .
ونسأل الله أن يرزق الزوجين الذرية الصالحة ، دون الحاجة لمثل هذه الطرق ، وأن يصبرهما على ما ابتلاهما به .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98607
العنوان:
يسأل عن دعاء يبارك له تجارته
السؤال:
أود - فقط - معرفة ما إذا كان بوسعكم إخباري عن دعاء يمكنني أن أدعو به باللغة العربية حتى تنجح تجارتي .
الجواب:
الحمد لله
ليس في السنة النبوية شيء يدل على استحباب ذكر أو دعاء معين ينفع في التوفيق في التجارة والكسب والرزق ، اللهم إلا ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يقول بعد صلاة الفجر : ( الَّلهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ رِزقًا طَيِّبًا ، وَعِلمًا نَافِعًا ، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً )
رواه أحمد في "المسند" (6/294) وابن ماجه في "السنن" (66)
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/146) : " ورجاله ثقات " انتهى . وحسنه الحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات الربانية" (3/70) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وهو - كما ترى - دعاء عام ، يشمل الرزق في التجارة أو في الزراعة أو الوظيفة أو الصناعة ، وهكذا جاءت السنة النبوية في الدعاء بجوامع الكلم التي تشمل وتعم .
ولكن يستحب لك – أخي الكريم – أن تسأل الله تعالى حاجتك باسمها ، بالكلمات والعبارات اليسيرة التي يفتح الله تعالى بها عليك : فتقول مثلا : اللهم وفقني في تجارتي ، اللهم بارك لي فيها ، اللهم أغنني بها عن الحرام ، واكتب لي فيها الخير والغنى...ونحو ذلك من الكلمات .
والأهم من صيغةِ الدعاء صدقُ الدعاء ، وإخلاصُ القلب به ، وإقبالُه على الله تعالى ، فإنَّ الله سبحانه لا ينظر إلى فصاحة الكلمات ، بل ينظر إلى ما في القلب من الإخبات والإنابة والذل والفاقة إلى رحمته تعالى ، ومنه تعلم أن الدعاء باللغة غير العربية أيضا جائز ، إذا كان دعاء مطلقا لم يرد في الكتاب أو السنة تعيينه .(/1)
كما ينبغي أن تعلم - أخي السائل - أن تقوى الله سببُ كلِّ نجاح ، وأن التجارة التي يبتغي بها العبد رضوان الله ، ويراقب فيها أمره ونهيه ، هي تجارة مباركة موفقة بإذن الله ، وأن الحرام يمحق كل بركة ، كما قال تعالى : ( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/276
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ )
رواه أحمد (1/395) وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (4/369) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3542)
ويقول يحيى بن معاذ الرازي (258هـ) – وهو من خيار السلف - :
" الطاعة مخزونة في خزائن الله تعالى ، ومفتاحها الدعاء ، وأسنانه الحلال " .
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله في حديثه عما ينبغي مراعاته في التجارة "إحياء علوم الدين" (2/103) :
" حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة ، فَلْيَنوِ بها الاستعفافَ عن السؤال ، وكفَّ الطمع عن الناس ، استغناءً بالحلال عنهم ، واستعانةً بما يكسبه على الدين ، وقيامًا بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به ، ولْيَنوِ النصح للمسلمين ، وأن يحبَّ لسائر الخلق ما يحب لنفسه ، ولْيَنوِ اتباعَ طريق العدل والإحسان في معاملته ، ولْيَنوِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في السوق ، فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عاملا في طريق الآخرة ، فإن استفاد مالا فهو مزيد ، وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98611
العنوان:
حكم بيع الكماليات السياحية
السؤال:
هل يجوز التجارة في الكماليات السياحية ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز التجارة في الكماليات السياحية ، ما لم تشتمل على محرم ، لأن الأصل حل البيع ، كما قال تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) البقرة/275 ، فإذا لم يكن المبيع محرما ، أو مما يستعان به على المحرم ، فلا حرج في بيعه والاتجار فيه .
ومن المحرمات : بيع الخمر ، والتماثيل ، والملابس التي عليها صور ، وبيع ما فيه تعظيم للكفار كصورهم وأعلامهم وشعاراتهم ، أو ما فيه إعانة لهم أو للفساق على منكرهم وباطلهم ، كملابس التبرج ، وبطاقات التهنئة بالأعياد المحرمة ، أو بيع ما ثبت ضرره كالدخان .
وللفائدة راجع هذه الأجوبة (75007) و (67745) و (12274)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98621
العنوان:
يعطي دروسا خارج المدرسة في غير تخصصه
السؤال:
أعمل مدرسا وأقوم بتدريس أكثر من مادة للناس خارج المدرسة ليس من تخصصي مع الإجادة التامة فهل هذا حلال أم حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كنت تجيد المواد التي تدرّسها ، والطلاب يعلمون أنها ليست من تخصصك ، فلا حرج عليك في تدريسهم . وأما إن كنت لا تجيدها ، أو كنت توهمهم أن ذلك من تخصصك ، فلا يجوز ؛ لما فيه من الغش لهم ، والطالب إنما يرغب ابتداء في مدرس مختص ، ويتعامل معه بناء على ذلك ، فلا بد من إخباره في بحقيقة الأمر ، ليكون على بصيرة ، وإلا كان ذلك غشا له .
وقد روى مسلم (101) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98622
العنوان:
استعملت " كريماً " للتبييض فأصابها بأمراض خطيرة
السؤال:
أنا فتاة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً ، ومريضة منذ عام ، ولكني الآن أفضل حالاً ، والحمد لله ، قبل مرضي لم أكن متدينة ، فلم أكن أصلي أو أرتدي الحجاب ، ولكني بدأت بعد مرضي في إدراك أشياء تخص العلاقة بيني وبين الله ، وقد قرأت على موقعكم أنه يحرم تبييض البشرة ، ولكني لم أكن أعلم بذلك من قبل ، فقد أتت صديقة أمي لمنزلنا يوماً ما لبيع بعض المنتجات والملابس التى قامت بشرائها من بلد عربى ، وأعطتني هذا الكريم الذي يدعى " كريم موفيت " ، وشرعت في استخدامه ليلاً ونهاراً ، وفي أحد الأيام وأثناء وجودي بدورة المياه قررت أن أستخدمه ، وفي أثناء ذلك وضعت بعضاً منه حول فمي ، ثم قمت بتنشيف شفتي والمنطقة المحيطة بفمي بمنشفة ، ولكنى بدأت ألاحظ بعد ذلك اليوم بيوم أو يومين تغيرات حول شفتي ، فقد اختفى خط الشفاه ، ولكني قلت لنفسي " بسم الله ، لا يستطيع الكريم أن يغيِّر من الهيئة التى خلقني الله عليها " ، وبعد ذلك بيوم أو يومين مرضت بشدة وعانيت من التقيؤ والإسهال ، وبدأت أرى تغيرات أكثر ، وبدأت الحالة تزداد سوءًا، والآن بدأ مظهري كله وجسدي في التغير ، وعلى أي حال : فقد حدث كل ذلك منذ عام تقريباً ، وتغير مظهري وجسدي كثيراً جدّاً ، وفى حقيقة الأمر تغير كل شيء فيَّ ، ويبدو أن الكريم قد غيَّرني لدرجة أنني لم أعد أبدو كما كنت ، ولم أعد راضية عن نفسي ولا عن الهيئة التي خلقني الله عليها ، أعلم أنه من الجائز أن يكون للكريم هذه القدرة على التغيير ، ولكني أصبحت محبطة للغاية بسبب هذا الموضوع ، لدرجة أنني أعتقد في بعض الأوقات أنني قد دمرت مستقبلي كله ، ولقد ذهبت إلى الأطباء الذين أخبروني أنني أعاني من التهاب بالمخ ، حسناً نسيتُ أن أخبركم أنه أثناء استخدامي للكريم أدخلتُ بعضاً منه في أنفي وأنهم ما يزالون يجرون لي بعض الفحوصات ،(/1)
ولكنني أعتقد أن هذا الكريم هو سبب مرضي ، وما أتساءل عنه الآن هو كيف يمكنني أن أواصل حياتي ؟ وإلى الآن ألاحظ على نفسي الكثير من التغيرات ، وبدأت في تعلم الكثير عن دين الله ، وأعلم الآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يقمن بتبييض بشرتهن بغرض التجميل ، وليسامحني الله إذا كنت قد أخطأت في هذا الاقتباس ، وأشعر أنني قد وصلت إلى مرحلة لا أدري فيها إذا كان بوسعي النهوض مرة أخرى أم لا ، وأعلم أيضا أنني قد وصلت إلى هذه الحالة بسبب جهلي ، ولكني الآن أحاول أن أعوض هذا الجهل بالمعرفة ، وعندما كنت أستخدم هذا الكريم لم أكن أنوي تغيير مظهري ، فرجاء هل بوسعكم تقديم النصح لي حول ما يجب عليَّ القيام به ؟ وكيف أعود كما خلقني الله مرة أخرى ؟ وهل هناك دعاء لذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يشفيك ويعافيك ، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر ، ونوصيك بالصبر على هذا الابتلاء ، واحتساب الأجر عند الله ، فالصبر والاحتساب مما يتحقق بهما الأجور العظيمة على الابتلاء بالسراء .
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذى وَلاَ غمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكَها إِلاَّ كفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه " . رواه البخاري ( 5318 ) ومسلم ( 2573 ) .(/2)
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن رحمة الله وسعت كل شيء ، وأن ما فعلتيه من استعمال ذلك " الكريم " – وقد قرأنا حوله أنه خطير ، وقد منع من استعماله في بعض الدول - لو كان ذنباً فإنه لا ينبغي لك أن تستبعدي رحمة الله عنك ، والله تعالى يقبل توبة عباده المذنبين لو كانوا جاءوا بكبائر تتعدى لغيرهم كالقتل والزنا ، ويقبل توبة المشركين والمرتدين وهي متعلقة بالكفر به تعالى ، بل إن الله تعالى يبدل سيئاتهم حسنات ، فلا وجه لاستبعادك رحمة الله عنك وقد استعملتِ ذلك " الكريم " جهلاً منك بعواقبه ، وليس بقصد تغيير خلقة الله كما ذكرتِ .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/68 - 71 .
فالذي نوده منك ونوصيك به هو : الاستمرار على التقرب من الله تعالى بالقيام بالفرائض ، وبأداء النوافل ، وبطلب العلم ، وبالقيام بما تستطيعينه من نوافل الطاعات .
واعلمي أن الله تعالى قد يكون أراد بك خيراً بابتلائك بتلك الأمراض ، وذلك حتى ترجعي إليه تعالى بالقربات والعبادات ، والمؤمن كل ما يقدره الله تعالى له فهو خير له ، إن وهبه الله مالاً وجاهاً ونعماً شكر فكان خيراً له ، وإن ابتلاه ربه بالأمراض والفقر صبر فكان خيراً له ، وليس هذا إلا للمؤمن .(/3)
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .
رواه مسلم ( 2999 ) .
ثانياً:
وأما بخصوص ما ابتلاك الله تعالى به : فاعلمي أنك في حاجة إلى سلوك طريقين لتتخلصي من هذا الابتلاء الذي قدَّره الله تعالى عليكِ :
الأول : البحث عن العلاج المناسب بالأدوية الحسية ، سواء من الأعشاب الطبيعية ، أو الأدوية الكيميائية غير الضارة ، أو الجراحة ، أو الأدوية التي ورد الخبر بكون فيها الشفاء ، كالعسل ، وماء زمزم ، والحبة السوداء ، وغيرها ، وكل هذا داخل في العلاج المباح ، وما من داء إلا وله دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، وارجعي في معرفة ذلك إلى الثقات المهرة من أهل الاختصاص .
والثاني : التزام الأدوية الشرعية المعنوية ، كالاستغفار ، والدعاء ، وأذكار الرقية الشرعية .
وتفصيل ذلك بأدلته : في جوابي السؤالين : ( 69766 ) و ( 9691 ) .
ومن المهم أن تنظري في جواب السؤال رقم ( 71236 ) ففيه : بيان موقف المؤمن من الابتلاء .
وانظري جواب السؤال رقم (82866) ففيه : تجربة مريرة لأخت ضلت الطريق ، وإرشادها كيف تعود ؟!
وفي نهاية الجواب نحذر الأخوات الفاضلات من استعمال أدوات التجميل ، والكريمات ، وغيرهما مما يصنع من مواد كيمائية ، أو من مواد نجسة ، ويكون لها آثار جانبية خطيرة ، فليحذرن من الدعايات التي تسوق لهذه المواد ، وليكتفين بما يُصنع من مواد طبيعية ، أو أعشاب غير ضارة .
ونسأل الله تعالى أن يعجِّل شفاء أختنا الفاضلة ، وأن يكتب لها الأجر ، وأن ييسر لها الخير حيث كان .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98624
العنوان:
زوجته لا تصلي وتعصيه في كثير من الأمور فما حكمها ؟ وكيف يتصرف معها ؟
السؤال:
لي زوجة تعصيني كثيراً في الأمور : في تربية الأولاد ، والتعليم ، وفي علاقات الأقارب ، وفي كثير من جوانب الحياة الزوجية ، فماذا أفعل معها ؟ طلبت منها الصلاة وقراءة القرآن ، فلم تستجب ! وأرجو الدعاء لها بالهداية
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن البيوت السعيدة هي تلك البيوت التي تُبنى على التفاهم ، وتقوم على الحب ، ويكتمل بنيانها بالمودة والرحمة بين الزوجين ، ولا يتم شيء من هذا دون قيام الزوجين بالواجبات المنوطة بهما ، ومن ذلك : وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده ، ووجوب طاعة الزوجة لزوجها ، وإذا أرادت الزوجة سلب حق القوامة من الزوج ، أو أرادت النشوز والترفع عن طاعته : فإنها تهدم بيتها بيدها ، وتشرد أولادها بسوء فعالها .
فعلى الزوجات عموماً أن يعلمن أن طاعة أزواجهن واجب شرعي عليهنَّ ، وعلى الزوج أن يُحسن استعمال قوامته على زوجته وأهل بيته ، بإرشادهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم .
قالَ تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم ) النساء/34 .
ولتتأمل الزوجات هذه الأحاديث :
1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ) .
رواه الترمذي ( 1159 ) وحسَّنه ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .(/1)
2. عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمُ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ) . رواه الترمذي ( 360 ) وحسَّنه .
3. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا ) . رواه الترمذي ( 1174 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .
رواه البخاري ( 4899 ) ومسلم ( 1026 ) .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - معلِّقاً على هذا الحديث - :
فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها : فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك ، مما فيه تربية أولادهما ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات .
وقال الحافظ في " الفتح " : " وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير ؛ لأن حقه واجب ، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع " .
" آداب الزفاف " ( ص 210 ) .
ثانياً:(/2)
على الزوج أن يبحث عن أسباب نشوز زوجته ، وبمعرفة الأسباب يمكنه علاج مرضها ، والوصول بها إلى بر الأمان ، لتأمن من سخط الله وعذابه ، ومن هذه الأسباب : الزوج ! نعم ، فقد تكون أنت من أسباب نشوزها ، إما بسبب معاصٍ عندك ، كما قال بعض السلف : " إني لأرى آثار معصيتي في دابتي وزوجتي " ، وذلك بسوء خلقها وترفعها عن طاعته ، أو يكون الزوج سيء الأخلاق مع زوجته ، فتكون تصرفاتها ردة فعل لأخلاقه معها .
ومن هذه الأسباب : أهلها أو أقرباؤها أو جيرانها أو صديقاتها ، ممن يساهمون مع إبليس في حملته للإيقاع بين الزوجين والتفريق بينهما .
وإن كان السبب منها نفسها – لضعف إيمانها ، وجهلها بأحكام الشرع - : فليذكرها بالله تعالى ، وليساهم في تقوية إيمانها ، وليعلمها ما تجهله من حقوق الزوج عليها ، فإن لم ينفع : فليضربها ضرباً غير مبرِّح ، فإن لم ينفع معها : فليهجرها في الفراش .
فإن استنفد جهده ولم تستجب لداعي الخير منه أو من غيره : فالسبيل أن يطلقها طلقة واحدة ؛ فقد يكون في هذه الطلقة ما يذكرها وينبهها ، فإن استمرت على غيها وعصيانها : فلا خير فيها ، ولعل الله أن يبدله خيراً منها .
وأصل هذا التدرج في الإصلاح : هو قوله تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) أي : ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل .(/3)
( فَعِظُوهُنَّ ) أي : ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة ، والترهيب من معصيته ، فإن انتهت فذلك المطلوب ، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع ، بأن لا يضاجعها ، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود ، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح ، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم :
( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) أي : فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية ، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر .
" تفسير السعدي " ( ص 142 ) .
وعلى كل حال : فالزوج أدرى الناس بزوجته ، فإن كان يعلم من أسباب نشوزها ما يمكنه أن يعالجه : فليفعل ، فإن لم ينفع بها : فليجعل غيره من أهله أو أهلها من يقوم بهذه المهمة ، فقد يكون أثر غيره عليها أقوى من أثره .
ثالثاً:
وكلامنا السابق يعم كل زوج يعاني من نشوز زوجته ، ويدخل فيه الزوجة المسئول عن حالها ، لكن بعد أن تكون من المصليات ، أما وهي لا تصلي : فلا ينطبق ما ذكرناه عليها ؛ لأن الكلام معها سيكون له وضع مختلف ؛ لأن بتركها للصلاة تكون من الكافرات ، ولا يحل له قربانها ، ولا جماعها ، إلا أن تصلي .
قال تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة/من الآية 11.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ) .
رواه مسلم ( 116 ) .
وقال : ( إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) .
رواه الترمذي ( 2621 ) وصححه ، والنسائي ( 463 ) وابن ماجه ( 1079 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .(/4)
لذا فيجب عليك أخي السائل أن تبدأ بهذا الأمر المهم ، وأن تحاول بما يتيسر لك من طرق أن تذكرها بحكم الصلاة ، وأن تركها كفر أكبر ، وأن عقدك عليها سيكون مفسوخاً لو استمرت على هذه المعصية العظيمة ، فإن استجابت : فالحمد لله ، واسلك معها ما ذكرناه لك آنفاً ، وإن لم تستجب : فلا تسع في علاج نشوزها ، ولا تسأل عن تقصيرها في تربية أولادك ؛ لأنه لا يحل لك البقاء معها على عقد الزوجية ، وحذِّرها قبل فسخ نكاحها – وقد يكون الفسخ بتطليقك لها ؛ لأن أكثر المحاكم لا يعتبر ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح ! – وأعطها فرصة أخيرة ؛ فلعل الله أن يهديها ويشرح صدرها للحق .
وانظر جواب السؤال رقم ( 47425 ) ففيه بيان الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة .
وانظر جوابي السؤالين : ( 12828 ) و ( 91963 ) .
ونسأل الله أن يهديها ويوفقها لإقامة الصلاة ، وأن يهدي قلبها لكل خير ، وأن يسدد سمعها وبصرها وجوارحها ، وأن يرزقها شكر نعمه تعالى عليها .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
98632
العنوان:
حكم بيع المجسمات الأثرية
السؤال:
ما حكم الإسلام في بيع المجسمات الأثرية المسماة بالتحف (تماثيل كاملة ورؤوس تماثيل وأبدان بلا رؤوس) ؟ حيث إنني أستطيع أن أزاول تجارة الأثريات بكل أشكالها مع ذوى الاختصاص بدراسة التاريخ والآثار القديمة والمتاحف العالمية وغيرها وذلك لغاية الدراسة والبحث العلمي والتاريخي . وظروفي المادية والاجتماعية صعبة ، ولكني أردت أن أتأكد من حكم الشرع قبل أن أتاجر فيها ، وأعلم أن حكم الحلال والحرام ثابت في الفقر والغنى .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز صناعة التماثيل والمجسمات لذوات الأرواح ، من الإنسان أو الطير أو الحيوان ، لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد ، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (7222 )
وما حرمت صناعته ، فلا يجوز بيعه لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه .
روى أحمد (2678) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ ) والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند ، وأصله في الصحيحين .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل ، ويجعلها بضاعة له ، ويعيش من ذلك ؟
فأجاب : " لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها ، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح ، وإقامة التماثيل لها مطلقا ، والإبقاء عليها . ولاشك أن في الاتجار فيها ترويجاً لها ، وإعانةً على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية ونحوها .(/1)
وإذا كان ذلك محرما ، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام ، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك ، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه ، ويتوب إلى الله تعالى ، عسى الله أن يتوب عليه ، قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 ، وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا ، صورا مجسمة أو غير مجسمة ، بنحت أو نسخ ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك " " انتهى من "الجواب المفيد في حكم التصوير" لسماحة الشيخ ابن باز ص 49-50 .
وأما ما أزيل رأسه ، فلا يعد صورة محرمة ، ولا حرج في اقتنائه ، وبيعه إن كان ينتفع به ، بشرط ألا يستعان به على محرم ، كأن يكون جزءا من تمثال يعبد أو يتبرك به ونحو ذلك .
وقد دل على إباحة ما قطع رأسه من الصور ، ما رواه الترمذي (2806) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .(/2)
ورواه النسائي (5365) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ادْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ ؟ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ . وصححه الألباني في صحيح النسائي .
وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3864) .
وبناء على ما سبق فلا يجوز لك الاتجار في المجسمات الأثرية المصورة على صور ذوات الأرواح ، إلا أن تكون مقطوعة الرؤوس ، وقد أحسنت في السؤال عن حكم العمل قبل أن تقدم عليه .
واعلم أن خزائن الله تعالى ملأى ، ورزقه واسع ، وعطاءه لا حدّ له ، وقد وعد أهل طاعته بالرزق الحسن فقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3 .
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
فما عليك إلا أن تبذل الأسباب ، وتستعين بالله تعالى ، وتبحث عن العمل المباح ، ثم أبشر بالخير والرزق الحسن .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98634
العنوان:
هل يكتب أجر الصدقة بمجرد وضعها في الصندوق أم بوصولها للمستحق ؟
السؤال:
لدي صندوق صدقة في منزلي ، وأتصدق فيه كل يوم تقريباً - ولله الحمد - ، وعندما أضع فيه الصدقة أدعو ربي بما أريد ، ثم أضعها ؛ فهل تُحسب لي في الوقت الذي أتصدق فيه ، أم عندما أُخرج الصندوق بأكمله للفقراء - علماً بأنني أستعين بالصدقة على تيسير أموري كلها - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يتقبل منك صدقاتك ، وأن يجزيك أعظم الجزاء ، وقد أحسنتَ صنعاً إذ فعلتَ هذا ، ولعلك أن يكون لك مثل أجور من فعل مثل فعلك .
وبذل الصدقات من أعظم ما يتقرب به العبد لربه عز وجل ، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : (36783) طائفة من النصوص في بيان فضل التصدق ، والصدقة لغة : مأخوذة من الصِّدق ؛ إذ هي دليل على صِدق مخرجها في إيمانه .
انظر : " فتح القدير " ( 2 / 399 ) .
وننبه هنا إلى أمرين مهمين :
1. أن من الصدقات ما هو واجب ، وليست كلها نفلاً .
2. أن الصدقة ليست بالمال وحده ، بل " كل معروف صدقة " – كما رواه البخاري (5675) - ، فالتسبيحة صدقة ، والتهليلة صدقة ، والأمر بالمعروف صدقة .
ويجمع هذين الأمرين هذين الحديثين :
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ : كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ) .
رواه البخاري ( 2827 ) ومسلم ( 1009 ) .(/1)
ب. عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى ) .
رواه مسلم ( 720 ) .
( سُلامى ) : عظام البدن ومفاصله .
ثانياً:
الصندوق الذي توضع فيه الصدقات في المنزل له حالان :
الحال الأولى : أن يكون في مكانٍ بارز ، تضع فيه صدقاتك ، ويضع فيه غيرك من ضيوفك ، وأقربائك .
والحال الثانية : أن يكون الصندوق مختصاً بك ، تضع فيه وحدك المال .
وفي الحال الأولى : يكون لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق ، ويكون المال قد خرج من ملكك ، ولا يحل لك الرجوع في صدقتك ، والمال الذي يضعه الآخرون تكون مؤتمناً عليه ، إلى حين صرفه في جهاته الشرعية .
وفي الحال الثانية : لا يظهر أنه يُكتب لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق ، بل إذا قبضه من دُفع المال له من المستحقين : كُتب لك أجر الصدقة ، وليس لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال فيه ؛ لأنه لم يخرج عن ملكك ، ولك أن تفتح الصندوق ، وتأخذ ذلك المال إن احتجت إليه ، وإن كان المستحب لك أن لا ترجع في ذلك المال .
قال ابن قدامة – رحمه الله - بعد أن نسب ذلك لأكثر الفقهاء - :(/2)
ولنا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما ، ولم يُعرف لهما في الصحابة مخالف ، فروى عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن أبا بكر رضي الله عنه نحَلها - أي : أهداها - جذاذ – أي : حصاد - عشرين وِسقا من ماله بـ " العالية " ، فلما مرض قال : يا بنية ! ما أحد أحب إليَّ غنىً بعدي منك ، ولا أحد أعز عليَّ فقراً منك ، وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك حزتيه أو قبضتيه ، وهو اليوم مال الوارث : أخواك وأختك ، فاقتسموا على كتاب الله عز وجل .
وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ : أن عمر بن الخطاب قال : ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال : مالي ، وفي يدي ! وإذا مات هو قال : كنت نحلته ولدي ؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ، فإن مات ورثه ، قال المروذي : اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة .
" المغني " ( 6 / 273 ) .
وقال النووي – رحمه الله - :
مَن دفع إلى وكليه ، أو ولده ، أو غلامه ، أو غيرهم شيئاً يعطيه لسائل ، أو غيره صدقةَ تطوع : لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه ، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك المعين : استُحب له أن لا يعود فيه ، بل يتصدق به على غيره ، فإن استرده وتصرف فيه : جاز ؛ لأنه باق على ملكه .
" المجموع " ( 6 / 241 ) .
وروي عن الإمام أحمد رحمه الله أن المال في مثل هذه الحال يخرج من ملكه ، ولا يسعه الرجوع فيه ، والظاهر أن ذلك محمول على الاستحباب لا الوجوب .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا الْمَالِكُ – يعني : الصدقة - مِنْ مَالِهِ ، وَأَفْرَدَهَا : فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَدَقَةً ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ قَبُولِهِ .(/3)
وَنُقِلَ عَنْهُ – يعني : عن الإمام أحمد - مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الرَّجُلُ لِلَّهِ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَمْضَاهُ .
" القواعد الفقهية " ( ص 86 ) .
ثالثاً :
أما حكم الدعاء قبل التصدق فقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (98579)
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98636
العنوان:
من كان بينه وبين أخيه شحناء هل تقبل توبته
السؤال:
إذا كان الشخص متشاحنا مع أحد لا يكلمه هل تقبل توبته إذا تاب من أي ذنب وهل إذا قال لهم السلام عليكم يكون قد تصالح معهم .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
هجر المسلم لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري ( 5727 ) ومسلم ( 2560 ) .
ويستثنى من جواز الهجر كما ذكر أهل العلم من كان في هجره مصلحة كصاحب المعصية إذا عُلم أن هجره فيه مصلحة له أو لغيره ، كأن يترك المعصية ، ولا يغتر به غيره .
والهجر يرتفع حكمه بالسلام ، فإذا سلم شخص على شخصٍ ، فقد زال الهجر؛ للحديث السابق " وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " ، وانظر السؤال رقم (93888) .
ثانياً :
من تاب من ذنبه تاب الله عليه ؛ كما قال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25، وقال تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104.
والتوبة صالحة في كل وقت إلا عند الغرغرة ، وعند طلوع الشمس من مغربها ؛ لما روى الترمذي (3537) وابن ماجه (4253) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ .(/1)
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث . وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان : أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته ، هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ . وَخَالَفَتْ الْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ " انتهى .
وروى مسلم (2703) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ).
وأما ما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) ، فالذي يظهر أن هذا في بيان مغفرة الله لعباده تفضلا منه ، من غير توبة منهم .
ولا يعني عدم قبول توبة المشاحن من ذنوبه الأخرى ، فمن كان بينه وبين أخيه شحناء ، وتاب إلى الله تعالى من ذنب آخر كالكذب مثلا ، فإن الله تعالى يتوب عليه ، كما دلت النصوص .
وسبق في كلام النووي رحمه الله أن من تاب من ذنب وهو متلبس بآخر صحت توبته عند أهل السنة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98640
العنوان:
أحاديث مكذوبة عن الخطاط والخياط
السؤال:
ما صحة الحديثين التالين : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما الخطَّاطون والخيَّاطون يأكلون من أعماق عيونهم ) وقال كذلك صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بحسن الخط ، فإنه من مفاتيح الرزق ) وكذلك ما معنى الحديث الأول ؟ وجزاكم الله عنا كل خير .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
أما الحديث الأول : فلم نجده في كتب الحديث المعتمدة ، ولم نقف له على سند أو أثر أو معنى قريب منه ، ويبدو أنه من وضع العامة الذين ينسبون كل شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يراعون في ذلك الوعيد الذي جاء لمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم .
وهو قد يكون صحيح المعنى ، فإن الخَطَّ والخياطةَ حِرفٌ ومهن تعتمد على دقة النظر ، وتحتاج إلى استعمال بالغ للعين ، لذلك كان رزق الخطاط والخياط مستخرجا من عصب عينه التي يعتمد عليها .
إلا أن صحة المعنى لا تجيز لأحد أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ، وقد نسب الوضاعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الكلام ، وخاصة في أبواب الحرَف والمهن ؛ كي يروجوا لما يصنعون ويفتخروا بما يحسنون ، حتى عقد الإمام ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " ( 2 / 251 ) باباً في الخياطة ، ذكر فيه بعض الأحاديث المكذوبة في هذا الشأن .
ثانياً:
أما حديث ( عليكم بحسن الخط ؛ فإنه مفاتيح الرزق ) : فهو حديث مكذوب موضوع أيضا ، ليس له أصل في كتب الحديث المسندة ، ذكره الصغاني في " الموضوعات " ( 39 ) ، والفتني في " تذكرة الموضوعات " ( 135 ) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " ( 2 / 71 ) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ( 147 ) .
والركة ظاهرة في أسلوب الحديثين ، لا يبدو عليهما علامات الحكمة أو نور الهداية ، ولا يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما اعتدناه من حديثه .
يقول ابن القيم في علامات الحديث الموضوع :(/1)
أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء ، فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى ، كما قال الله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَن الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) أي : وما نطقه إلا وحي يوحى ، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي ، بل لا يشبه كلام الصحابة : كحديث : ( ثلاثة تزيد في البصر : النظر إلى الخضرة والماء الجاري والوجه الحسن ) .
" المنار المنيف " ( ص 61 ، 62 ) .
ثم ذكر من علاماته أيضا :
" ركاكة ألفاظ الحديث ، وسماجتها ، بحيث يمجها السمع ، ويدفعها الطبع ، ويسمج معناها للفطن : كحديث : ( أربع لا تشبع من أربع : أنثى من ذكر ، وأرض من مطر ، وعين من نظر ، وأذن من خبر ) .
" المنار المنيف " ( ص 99 ) .
ثالثاً:
مع ما ذكرناه من بطلان نسبة الحديثين المذكورين إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإننا نجد في كلام أهل العلم والأدب شيئا يدل على استحبابهم تحسين الخط ، واعتبارهم حسن الخط من رفيع الأدب وجميل الخلق والذوق ، وأنقل هنا شيئا من هذا الكلام :
يقول الماوردي – رحمه الله - :
ولما كان الخط بهذا الحال وجب على من أراد حفظ العلم أن يعبأ بأمرين :
أحدهما : تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها .
والثاني : ضبط ما اشتبه منها بالنقط والأشكال المميزة لها .
ثم ما زاد على هذين ، من تحسين الخط ، وملاحة نظمه : فإنما هو زيادة حذق بصنعته ، وليس بشرط في صحته .
وقد قال علي بن عبيدة : حُسن الخط لسان اليد ، وبهجة الضمير ، وقال أبو العباس المبرِّد : رداءة الخط زمانة الأدب ، وقال عبد الحميد : البيان في اللسان ، والخط في البنان ، وأنشدني بعض أهل العلم لأحد شعراء البصرة :
اعذُر أخاك على نذالة خطه واغفر نذالته لجودة ضبطه
فإذا أبان عن المعاني لم يكن تحسينه إلا زيادةَ شرطه
واعلم بأن الخط ليس يراد من تركيبه إلا تبيُّن سِمطه(/2)
ومحل ما زاد على الخط المفهوم ، من تصحيح الحروف ، وحسن الصورة : محل ما زاد على الكلام المفهوم من فصاحة الألفاظ ، وصحة الإعراب ، ولذلك قالت العرب : " حُسن الخط أحد الفصاحتين " ، وكما أنه لا يعذر من أراد التقدم في الكلام أن يطرح الفصاحة والإعراب وإن فَهم وأَفهم ، كذلك لا يُعذر مَن أراد التقدم في الخط أن يَطرح تصحيح الحروف ، وتحسين الصورة ، وإن فَهم ، وأَفهم ، وربما تقدم بالخط مَن كان الخطُّ مِن جُلِّ فضائله ، وأشرف خصائله ، حتى صار عالماً مشهوراً ، وسيِّدا مذكوراً ، غير أن العلماء اطَّرحوا صرف الهمة إلى تحسين الخط ؛ لأنه يشغلهم عن العلم ، ويقطعهم عن التوفر عليه ، ولذلك تجد خطوط العلماء في الأغلب رديئة لا يخط إلا من أسعده القضاء ، وقد قال الفضل بن سهل : مِن سعادة المرء : أن يكون رديء الخط ؛ لأن الزمان الذي يفنيه بالكتابة يشغله بالحفظ والنظر ، وليست رداءة الخط هي السعادة ، وإنما السعادة أن لا يكون له صارفٌ عن العلم ، وعادة ذي الخط الحسن أن يتشاغل بتحسين خطه عن العلم ، فمِن هذا الوجه صار برداءة خطِّه سعيداً ، وإن لم تكن رداءة الخط سعادة .
" أدب الدنيا والدين " ( ص 47 ، 48 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98641
العنوان:
كذبة رافضية في شأن عمر بن الخطاب مع فاطمة رضي الله عنهما
السؤال:
سمعت من بعض الشيعة أن عمر الفاروق رضى الله عنه قد ضرب باب فاطمة رضى الله عنها ، وأشعل به النيران ، وبأنها قد ماتت إثر سقوط الباب عليها . الرجاء توضيح هذا الأمر مع ذكر المراجع . جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يذكر المؤرخون والمحدِّثون حادثةً في صدر التاريخ ، فيها ذكر قدوم عمر بن الخطاب وطائفة من أصحابه بيتَ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يطلبُ تقديم البيعة لأبي بكر الصديق ، رضي الله عنهم جميعا .
وثمة قدر متفق عليه بين الروايات ، جاء من طرق صحيحة ، واشتهر ذكره بين أهل العلم ، كما أن هناك قدرا كبيرا من الكذب والاختلاق الذي أُلصق بهذه الحادثة .
ونحن نرجو من القارئ الكريم التنبه واليقظة ؛ كي يصل معنا إلى أقرب تصوير لتلك الحادثة ، فلا يخلط عليه الكذَّابون والمفترون ما يدسُّونه في التاريخ كذبا وزورا .
الثابت المعلوم أن عليا والعباس والفضل بن العباس والزبير بن العوام تأخروا عن حضور بيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة ، وذلك لانشغالهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم للدفن ، فوجدوا في أنفسهم : كيف ينشغل الناس بأمر الخلافة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفن بعد ، أما باقي الصحابة رضوان الله عليهم فعملوا على تعيين الخليفة كي لا يبيت المسلمون من غير أمير ولا قائد ، وأرادوا بذلك أن يحفظوا على المسلمين أمر دينهم ودنياهم .(/1)
فلما دُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل علي بن أبي طالب ومن معه من بعض قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأيام الأولى ولم يبايعوا ، ليس رغبة عن البيعة ، ولا حسدا لأبي بكر ، ولا منازعةً له ، إنما لِما رآه عليٌّ من الخطأ في استعجال أمر الخلافة قبل الدفن ، حتى جاء عمر بن الخطاب وبعض الصحابة بيت فاطمة رضي الله عنها ، وطلب منها إبلاغ علي والزبير ومن معهم بلزوم المبادرة إلى بيعة أبي بكر الصديق ، درءا للفتنة ، وحفظا لجماعة المسلمين ، فلما سمعوا تشديد عمر بن الخطاب في هذا الأمر ، سارعوا بإعلان البيعة ، وذكروا فضل أبي بكر رضي الله عنه وأحقيته بالخلافة ، واعتذروا عن تأخرهم بما اعتذروا به .
روى أسلم القرشي - مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ، قال : ( حين بُويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وايم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت .
قال : فلما خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وايم الله ليمضين لما حلف عليه ، فانصرِفوا راشدين ، فَرُوا رأيَكم ولا ترجعوا إلّيَّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر )(/2)
أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (1/364) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/432) وعنه ابن أبي عاصم في "المذكر والتذكير" (1/91) ورواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/975) من طريق البزار – ولم أجده في كتب البزار المطبوعة – وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (6/75) مختصرا : كلهم من طريق محمد بن بشر ثنا عبيد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه به .
قلت : وهذا إسناد صحيح ، فإن محمد بن بشر العبدي (203هـ) ثقة حافظ من رجال الكتب الستة، وكذا عبيد الله بن عمر العمري المتوفى سنة مائة وبضع وأربعون ، وكذا زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب (136هـ)، وكذا أبوه أسلم مولى عمر ، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/266) أنه أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لم يكن في المدينة في وقت أحداث البيعة ، لأن محمد بن إسحاق قال : بعث أبو بكر عمر سنة إحدى عشرة ، فأقام للناس الحج ، وابتاع فيها أسلم مولاه . فيكون الحديث بذلك مرسلا ، إلا أن الغالب أن أسلم سمع القصة من عمر بن الخطاب أو غيره من الصحابة الذين عاشوا تلك الحادثة .
وقد جاء في بعض الروايات القوية أيضا أنه حصلت بعض المنازعات بين عمر بن الخطاب ومن معه ، وبين الزبير بن العوام الذي كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وذلك في بيت فاطمة رضي الله عنها ، إلا أن الله سبحانه وتعالى وقاهم فتنة الشيطان ، ودرأ عنهم الشقاق والنزاع .(/3)
روى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف : ( أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال : والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قط ، ولا كنت فيها راغبا ، ولا سألتها الله عز وجل في سر وعلانية ، ولكني أشفقت من الفتنة ، وما لي في الإمارة من راحة ، ولكن قُلِّدتُ أمرا عظيما ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل ، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم . فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به .
قال علي رضي الله عنه والزبير : ما غضبنا إلا لأنا قد أُخِّرنا عن المشاورة ، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين ، وإنا لَنعلم بشرفه وكبره ، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي )
أخرجه موسى بن عقبة في "المغازي" – كما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/302) - ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" (3/70) ، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/152) ، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (30/287)
قلت : وإسناد هذه القصة صحيح ، على شرط البخاري ، فهو من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف به .
قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " انتهى .
وقال الذهبي في "التلخيص" : " على شرط البخاري ومسلم " انتهى .
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (5/250) : " إسناد جيد " انتهى .(/4)
وروى الإمام الزهري (124هـ) قال : ( وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما السلاح ، فجاءهما عمر رضي الله عنه في عصابة من المسلمين فيهم : أسيد ، وسلمة بن سلامة بن وقش - وهما من بني عبد الاشهل - ، ويقال : فيهم ثابت بن قيس بن الشماس أخو بني الحارث بن الخزرج ، فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره )
رواه موسى بن عقبة (140هـ) عن شيخه الزهري ، ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/553-554)
قلت : ورواية السير والمغازي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري من أصح الروايات ، حتى قال ابن معين : " كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب " . وكان الإمام مالك يقول : " عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة " . وقال الإمام الشافعي : " ليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة " . وقال الذهبي : " وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير ، سمعناها ، وغالبها صحيح ومرسل جيد " انتهى . انظر "سير أعلام النبلاء" (6/114-118) ، والزهري لم يدرك تلك الحادثة ، إلا أن روايته هذه جاءت موافقة لما سبق من روايات صحيحة، والله أعلم .
وبذلك تمت مبايعة أبي بكر رضي الله عنه ، واعتراف كُلٍّ بما للآخر من فضلٍ ومنزلة ، وتم الاتفاقُ على نبذ الخلاف والنزاع .(/5)
ولا يجد القارئ والمتأمل في هذه الروايات الصحيحة الثابتة شيئا من وقوع القتال بين الصحابة رضوان الله عليهم ، ولا اعتداءَ بعضِهم على بعضٍ ، وخاصة في شأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما قال : ( وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ) ، فقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم لها قدرها ومنزلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يسعَ أحدٌ في تعمُّدِ أذيتها أو في إغضابها ، بل ولا في تهديدها ، إنما غاية ما فيه توجيه التخويف والتشديد لكلٍّ من علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ، كي يدركا خطورةَ أمرِ الخلافة ، فلا يتأخرا عن البيعة ، ولا يشقا عن المسلمين جماعتهم ، فلما أدركوا جميعا أن تأخرهم عن البيعة – وهم مؤمنون بأحقية أبي بكر بالخلافة – اجتهاد خاطئ ، قد يؤدي إلى مفسدة أعظم ، عجلوا بالبيعة عن رضا واختيار ، ونبذوا ما وجدوه في أنفسهم في ذلك الشأن .
يقول المحب الطبري في تفسير كسر سيف الزبير بن العوام في تلك الحادثة – كما في "الرياض النضرة في مناقب العشرة" (115) :
" وهذا محمول - على تقدير صحته - على تسكين نار الفتنة ، وإغماد سيفها ، لا على قصد إهانة الزبير " انتهى .
ثانيا :
وكل ما ورد من زيادة على هذا القدر الصحيح ، إنما هو من الخطأ الفاحش الذي أخطأ في نقله بعض الرواة ، أو من الكذب الفج القبيح المُتَعَمَّد .
فمن ذلك ما جاء عن سليمان التيمي وابن عون قالا : ( أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع . فجاء عمر ومعه قبس – أي : شعلة نار - فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا ابن الخطاب ! أتراك مُحَرِّقًا عَلَيَّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك . وجاء علي فبايع وقال : كنت عزمت أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع – يعني : أحفظ – القرآن )(/6)
أخرجه البلاذري أحمد بن يحيى (توفي بعد 270هـ) في كتابه "أنساب الأشراف" (2/12 طبعة دار اليقظة العربية – دمشق ت محمد الفردوس العظم )
قال فيه : المدائني ، عن مسلمة بن محارب ، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون .
قلت : وهذا السند فيه علل :
الأولى : مسلمة بن محارب الزيادي الكوفي ، لم أقف على توثيق ولا تجريح له في شيء من كتب الرجال ، اللهم إلا ذكر البخاري له في "التاريخ الكبير" (7/387) ، وكذا ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/266) ذكرا مجردا . وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/490) ، مع أن رواية أبي الحسن المدائني عنه مشهورة جدا في كتب التاريخ والسير والأدب ، يبدو منها أنه مكثر من رواية التاريخ .
الثانية : الإرسال ، فإن سليمان – هو ابن طرخان - التيمي المتوفى سنة (143هـ) وعبد الله بن عون أبو عون البصري المتوفى سنة (150هـ) على الصحيح ، لم يدركا الحادثة جزما ، وهما إمامان ثقتان ، انظر تراجمهم في "تهذيب التهذيب" (4/202) ، (5/348) ، وقد قال يحيى بن سعيد القطان في سليمان التيمي : مرسلاته شبه لا شيء .
والمدائني هو شيخ البلاذري أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله الإخباري صاحب التصانيف ، توفي سنة (224هـ) ، قال فيه ابن عدي في "الكامل" (5/213) : ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار. وترجم له في "لسان الميزان" (4/253) فنقل توثيقه عن يحيى بن معين وأبي عاصم النبيل والطبري. وترجمه أيضا الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/400)
ومما يدلك على نكارة وخطأ هذه الرواية – إضافة إلى ما سبق من بيان ضعف السند – أمور:(/7)
1- كيف يحمل عمر بن الخطاب النار ليحرق بيت فاطمة ، ثم لا يُذكَرُ أيُّ تَدَخُّلٍ لزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا ، وهو القوي المعروف بشجاعته وفروسيته ، وهل يعقل أن يترك زوجته فاطمة تتصدى لعمر بن الخطاب يتهجم ليحرق عليها منزلها ! ، ثم أين هم بنو عبد المطلب وبنو هاشم ، أليس فيهم من ينتصر لابنتهم التي هي بنت أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم .
2- ثم في ظاهر هذا الخبر أن عليا إنما استجاب للبيعة خوفا من عمر ، فقد رفض البيعة ابتداء ، ثم جاء فبايع بعد تهجُّمِ عمر على بيت فاطمة ، فهل يُصَدَّقُ مثل هذا الكذب ، وهل يعقل أن عليا يبايع مكرها خوفا من تهديد غيره من الصحابة ؟!
3- وفي هذا الخبر أيضا مناقضة صريحة لما ثبت بالأسانيد الصحيحة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أبا بكر الصديق موافقا عن رضا وطيب خاطر ، وأن ذلك كان على الملأ في المسجد ، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه حديث رقم (4240) وكذا الإمام مسلم (1759) ، وفيه أيضا مناقضة لما سبق ذكره في الروايات الصحيحة أن عمر بن الخطاب إنما ذهب يدعو إلى بيعة أبي بكر ليدفع عن الأمة فتنة الفرقة والاختلاف ، ولم يكن معه شيء من نار ، ولا تَعَرَّضَ لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل خاطبها بأحسن الخطاب وعاملها بأكرم الأخلاق .
4- ثم في الخبر قول عمر مخاطبا فاطمة ( وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك سوء أدب مع الرسول الكريم ، فلو كان حقا صدر من عمر مثل هذا الخطاب ، لسارع سائر الصحابة إلى الإنكار عليه وعقوبته ، ولكنَّ الكذب والبهتان في هذا الخبر ظاهر ، لا ينطلي على صغار المسلمين ، فقد عُرفَ عن الصحابة عموما ، وعن عمر بن الخطاب خصوصا حبهم وتقديرهم واحترامهم الشديد لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم .(/8)
5- وأخيرا ، فقد كانت الصلة بين عمر بن الخطاب وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الصلات ، فكانوا يتبادلون المودة والمحبة ، ويعرفون لبعضهم أقدار بعض ، ولم يكن بينهم إلا كل خير وأخوة ، حتى جاء بالأسانيد الصحيحة التي يرويها البخاري (3677) ومسلم (2389) عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ( وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ ، وَأَنَا فِيهِمْ ، قَالَ : فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ بن أبي طالب ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ : مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا )
ثالثا :
مثل الرواية السابقة – في الضعف والنكارة - ما يروى عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : ( دخلت على أبي بكر رضي الله عنه أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت ؟ فاستوى جالسا فقلت : أصبحت بحمد الله بارئا... - وذكر كلاما طويلا وفيه - : أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن...- وذكر منها قوله - : فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته ، وإن أُغلق على الحرب...إلى آخر الخبر )(/9)
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في "الأموال" (ص/173) وابن زنجويه في "الأموال" (364) والطبري في "تاريخ الأمم والملوك" (2/353) والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/419) والطبراني في "المعجم الكبير" (1/62) وعنه أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (1/34) ، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (30/417-430) جمعهم من طرق مدارها على علوان بن داود البجلي .
قلت : وهذا السند منكر ، علته علوان بن داود البجلي :
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/366) : " وفيه علوان بن داود البجلي وهو ضعيف ، وهذا الأثر مما أنكر عليه " انتهى . قال الذهبي في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (3/108) : " علوان بن داود البجلي ، مولى جرير بن عبدالله ، ويقال علوان بن صالح ، قال البخاري : علوان بن داود - ويقال ابن صالح : منكر الحديث . وقال العقيلى : له حديث لا يتابع عليه ، ولا يعرف إلا به . وقال أبو سعيد بن يونس : منكر الحديث " انتهى .
ومما يدل على ضعفه ونكارته اضطرابه في روايته هذه :
حيث رواه مرة عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن . كما عند أبي عبيد وابن عساكر والعقيلي .
ومرة عن أبي محمد المدني عن صالح بن كيسان . كما عند ابن عساكر (30/420) .
ومرة عن الماجشون عن صالح بن كيسان . كما عند ابن عساكر (30/422)
ومرة عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد عن صالح بن كيسان . كما عند أبي عبيد والطبراني وابن عساكر (30/422)
ومرة عن حميد بن عبد الرحمن عن صالح بن كيسان عن عمر بن عبد الرحمن . كما عند الطبري .
ولا شك أن هذا الاختلاف والاضطراب دليل على وهمه ونكارة مرويه .(/10)
فكيف يريد الكذابون منا أن نصدق بخبر رواه رجل منكر الحديث ، اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه ورده ، ومن أين لهم أن قوله ( كشفت بيت فاطمة ) – إن كان ثابتا - يعني به الاعتداء عليها وحرقه أو هدمه ، وكيف يتوقعون أن يصدقهم الناس في أن أبا بكر الصديق – خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء – آذى فاطمة بنت رسول الله في بيتهما أو بدنها ، وأنه اعتدى على حرمتها واقتحم دارها .
بل الثابت في صحيح البخاري (4240) وصحيح مسلم (1759) ( أن علي بن أبي طالب لم يزل يكلم أبا بكر ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده ، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته )
رابعا :
أما ما يتناقله الرافضة في كتبهم ومواقعهم ، وينقلونه عن بعض الرواة الكذابين منهم ، أن عمر بن الخطاب أحرق بيت فاطمة فعلا ، وضربها حتى أدمى عضدها ، وأنها أسقطت ما في بطنها بسبب ذلك ، وفي بعض الروايات أنها كشفت عن شعرها ، فكل ذلك من الكذب الذي لا يدري المسلم أيضحك منه أم يبكي عليه ؟
أيضحك بسبب سماجة هذه الكذبات التي لا يشك من يقرؤها أنها موضوعة مصنوعة ، لأن من يذكرها لا يذكرها بسند صحيح متصل ، إنما ينقلها عن بعض كتب التاريخ التي شحنها الكذابون بالقصص المختلقة ؟!!(/11)
أم يبكي على ما وصلت إليه عقول بعض الناس من تصديق الخرافات وتناقل الكذبات ، وعدم الاكتراث لحق الصحابة الكرام الذين قال الله تعالى فيهم ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة النبوية" (8/208) :
" ونحن نعلم يقينا أن أبا بكر لم يُقدِم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولا وآخرا ، وغاية ما يقال إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ، وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز ، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء ، وأما إقدامه عليهم أنفسهم بأذى فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين ، وإنما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ، ويصدقه حمقى العالمين ، الذين يقولون إن الصحابة هدموا بيت فاطمة ، وضربوا بطنها حتى أسقطت ، وهذا كله دعوى مختلقة ، وإفك مفترى باتفاق أهل الإسلام ، ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام ." انتهى .
ونحن لا نقول هذا جزافا ومغامرة ، وإنما عن دراسة استقرائية لجميع من ذكر القصة من المؤرخين السنة والشيعة .
أما السنة فقد سبق ذكر المرويات الصحيحة والضعيفة عندهم .(/12)
وأما الشيعة فقد ذكروا هذه القصة في عشرات الكتب ، ليس في شيء منها إسناد معتمد ، ولعل أول وأقدم من ذكرها ، كتاب سُليم بن قيس العامري الهلالي ، يسمى كتابه بـ "السقيفة" ، جاءت فيه القصة مسندة (ص/385) من طبعة محمد باقر الأنصاري ، وسندها هو : أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال : كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام ، فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال :...وذكر رواية طويلة فيها تفصيل للقصة المكذوبة في اعتداء الصحابة على بيت فاطمة رضي الله عنها .
والجواب عن هذا أن يقال :
إن كتاب سُليم بن قيس كتاب مكذوب ، فيه أول نص على تحريف القرآن الكريم ، وقد تشكك في نسبته علماء الشيعة أنفسهم :
يقول ابن المطهر الحلي في كتاب الرجال (ص/206) : " أبان بن أبي عياش ضعيف جداً ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه " انتهى .
وجاء في كتاب محمد بن علي الأردبيلي (1101هـ) "جامع الرواة" (1/9) : " أبان بن أبي عياش ، فيروز ، تابعي ضعيف ، ..وزاد في (صه) عن (غض) لا يلتفت إليه ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه " انتهى .
ويقول المامقاني (1351هـ) في كتابه "تنقيح المقال" (2/25) : " يقول أصحابنا الشيعة وعلماء الشيعة أن سليماً لم يُعرف ، ويُشَك في أصل وجوده ولم يذكروه بالخير ، والكتاب المنسوب إليه موضوع قطعاً وفيه أدلة كافية للدلالة على وضعه " انتهى .
وقال الشيخ المفيد في كتاب "تصحيح اعتقادات الإمامية" (149-150) :
" هذا الكتاب غير موثوق به ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس ؛ فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه ، ولا يُعول على جملته ، والتقليد لروايته ، وليفزع إلى العلماء (!!) فيما تضمنه من الأحاديث ، ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد " انتهى بنصه ، وهو كلام غني عن التعليق !!
ويقول الموسوي في كتابه "لله ثم للتاريخ" (ص/83) :(/13)
" أما كتاب سليم بن قيس فهو مكذوب على سليم بن قيس ، وضعه أبان بن أبي عياش ثم نسبه إلى سليم " انتهى .
ثم على فرض صحة نسبة الكتاب ، فإن سليم بن قيس لم يكن في المدينة في خلافة أبي بكر الصديق ، كما تذكر ذلك جميع الكتب الشيعية التي ترجمت له ، نص على ذلك محقق كتاب سُليم بن قيس وهو محمد باقر الأنصاري (ص/58) ، فيظهر بذلك أن ثمة انقطاعا ظاهرا بين سليم بن قيس وأحداث القصة ، لا يُدرى عمَّن أخذها من الرواة الكذابين ، أو من كذبها عليه.
ونزيد أيضا أنه في ميزان النقد الحديثي ، لا تعرف لسليم بن قيس رواية عن عبد الله عباس ، فلم يذكره أحد في تلاميذ ابن عباس ، ولا يعرف له سماع منه ، فثمة سقط ظاهر في السند .
كما أن أبان بن أبي عياش حكم عليه علماء الحديث بالترك والنكارة والضعف ، قال الإمام أحمد : متروك الحديث ، ترك الناس حديثه منذ دهر ، وقال : لا يكتب حديثه كان منكر الحديث ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال ابن المديني : كان ضعيفاً ، وقال شعبة : ابن أبي عياش كان يكذب في الحديث . انظر "تهذيب التهذيب" (1/97-101)
خامسا :
وأخيرا : إذا نقلنا عن علماء الشيعة أنفسهم تكذيب هذه القصة التي يرويها مؤرخوهم ، فهل سيبقى بعد ذلك حجة لأحد في تصديقها ؟!
يقول إمام الإمامية الأكبر محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه "جنة المأوى" (ص/135) طبعة دار الأضواء :(/14)
" ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ، ويتقبله عقلي ، وتقتنع به مشاعري ، لا لأن القوم يتحرجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة ، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية (؟!!) التي ركزتها الشريعة الإسلامية وزادتها تأييدا وتأكيدا ، تمنع بشدة ضرب المرأة ، أو تمد إليها يد سوء ، حتى إن بعض كلمات أمير المؤمنيين ما معناه : أن الرجل كان في الجاهلية إذا ضرب المرأة يبقى ذلك عارا في أعقابه ونسله ... فكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ، ولو كانوا أعتى وأعدى من عاد وثمود ؟!! ...(/15)
ويزيدك يقينا بما أقول أنها –ولها المجد والشرف - ما ذكرت ولا أشارت إلى ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلمها من القوم وسوء صنيعهم معها ، مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي ألقتها في المسجد على المهاجرين والأنصار ، وكلماتها مع أمير المؤمنين بعد رجوعها من المسجد ، وكانت ثائرة متأثرة حتى خرجت عن حدود الآداب (؟!!) التي لم تخرج من حظيرتها مدة عمرها ، فقالت له : يا ابن أبي طالب ، افترست الذئاب وافترشت التراب - إلى أن قالت له : هذا ابن أبي فلانة يبتزني نحلة أبي ، وبلغة ابني ، لقد أجهد في كلامي ، وألفيته الألدّ في خصامي ، ولم تقل إنه أو صحابه ضربني ، أو مدّت يد إليّ ، وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن : كيف أصبحت يا بنت رسول الله ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكن ، قالية لرجالكن ، ولا إشارة فيها إلى شيء عن ضربة أو لطمة ، وإنما تشكو : أعظم صدمة ، وهي غصب فدك ، وأعظم منها غصب الخلافة ، وتقديم من أخّر الله ، وتأخير من قدّم الله ، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين ، وكذلك كلمات أمير المؤمنيين بعد دفنها ، وتهيج أشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم ، حيث توجّه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : السلام عليك يا رسول الله ! عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ..إلى آّخر كلماته التي ينصرع لها الصخر الأصم لو وعاها ، وليس فيها إشارة إلى الضرب واللطم ، ولكنه الظلم الفظيع والامتهان الذريع ، ولو كان شيء من ذلك لأشار إليه سلام الله عليه ؛ لأن الأمر يقتضي ذكره ولا يقبل سنده ، ودعوى أنها أخفته عنه ساقطة بأن ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن اخفاؤها "
انتهى باختصار .(/16)
( تنبيه : تعمدنا نقل النص على طوله - رغم ما فيه من الباطل المفترى والكذب المختلق والتعدي على الصحابة الكرام - كي يفهم القارئ الكريم السياق ، وكيف يطعن واحد من أكبر مرجعيات الشيعة في هذه القصة ، وإذا فهم القارئ أنه من مراجع القوم ، فلا جرم فيما قال وألم ، فكل إناء بما فيه ينضح !! )
أسأل الله أن يهدي ضال الناس إلى الحق .
والله أعلم .(/17)
رقم السؤال:
98647
العنوان:
يمتد عمله إلى الفجر فهل يجمع بين الظهر والعصر
السؤال:
أنا موظف شركة أرامكوا السعودية وأعمل في نظام النوبات وفي منطقة حرض ونظام عملي 12 ساعة يوميا لمدة سبعة أيام من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا وأواجه معاناة في أداء صلاة الظهر والعصر في وقتها مع الجماعة . فهل يجوز لنا أن نجمع بين صلاة الظهر والعصر ؟ مع العلم أني أسكن في مدينة جدة وآتي إلى حرض للعمل فقط ثم أعود إلى جدة في نهاية الأسبوع ، أعمل جاهدا على أن أستيقظ لأداء الصلاة في وقتها ولكن أكثر الأوقات تفوتني الصلاة مع الجماعة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى ، فقال : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) النور/37-38 .
فالواجب عليك أن تحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة ، وأن تأخذ بالأسباب التي تعين على ذلك ، فإذا قدّر أنك نمت في بعض المرات وفاتتك صلاة الجماعة ، مع حرصك على الاستيقاظ وبذلت الأسباب لذلك ، فلا شيء عليك .
ثانيا :
من سافر إلى بلد ونوى الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام ، كان في حكم المقيم ، ولزمه إتمام الصلاة ، ولم يجز له الجمع بين الصلاتين لأجل السفر ، لكن الجمع لا يختص بالسفر ، بل يباح لأعذار أخرى كالمرض والمطر والمشقة .
وقد سبق ذلك في جواب السؤال رقم (38079).(/1)
وعلى هذا ، فإذا غلب على ظنك أنك لا تستطيع الاستيقاظ لصلاة الظهر ، وأن ذلك يشق عليك ، فلا حرج إن شاء الله تعالى من تأخير صلاة الظهر حتى تجمعها مع صلاة العصر جمع تأخير ، على أن يكون ذلك عند حصول المشقة فقط ، ولا يكون أمرا مستمرا سواء وجدت المشقة أم لا .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98654
العنوان:
حلف على المصحف ألا يذهب لأكثر من طبيب ويريد الحنث
السؤال:
أنا منذ 15سنة مبتلى بمرض نفسي ، وهو أني أحس بضيق في التنفس ، وعدم النوم إلا بمنوم ، وأشعر بنوبات فزع اضطر إلى الذهاب إلى أكثر من الطبيب مما جعل زوجتي تغضب علي ، فحلفت لها بالمصحف ألا أذهب إلا لطبيب واحد ، ولكني احتجت بعد فترة أن أذهب أكثر من طبيب ، فما الحكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة ، ونوصيك بملازمة الذكر وقراءة القرآن ، وسؤال الله تعالى والالتجاء إليه ، فإن الأمر كله بيده سبحانه .
وانظر في علاج الضيق والقلق : سؤال رقم ( 21677) .
ثانيا :
إذا حلفت ألا تذهب إلا لطبيب واحد ، ثم دعت الحاجة لذهابك لأكثر من طبيب ، فلا حرج عليك في ذلك ، وتلزمك كفارة يمين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ) رواه مسلم (1650).
لكن ينبغي أن تُعلم الطبيب بحاجتك للدواء ، وتطلب منه زيادة الجرعة ، ولا تفعل ذلك من تلقاء نفسك ، لما قد يترتب عليه من آثار ضارة في المستقبل .
ثالثا :
الذي يحلف بالمصحف ، إما أن يريد الحلف بما فيه من كلام الله ، فهي يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها ، وإما أن يريد الحلف بالأوراق ، فهذه يمين بغير الله ، وهي شرك تجب التوبة منها والعزم على عدم العود إليها ، ولا تجب بالحنث فيها كفارة ؛ لأنها يمين محرمة غير منعقدة . راجع جواب السؤال رقم ( 98194) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98668
العنوان:
حكم التعاون بين المسلمين ، وأوجه ذلك ، وكيف يتحقق ذلك التعاون
السؤال:
قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، فكيف يكون التعاون بين المسلمين في ظل هذه الآية ؟ وكيف يمكن في غياب وجود عمل منظم لمن يرغب في العمل المنظم أن يعمل في ظل الظروف والفرص المتاحة له ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
خلق الله تعالى الإنسان ضعيفاً ، وهو يحتاج ليستمر في حياته أن يتعاون مع غيره ، وهذا واضح في أمور الدنيا ، فالإنسان يحتاج لمن يزرع له ، ولمن يحصد له ، ويحتاج لمن يصنع الآلات ، ولمن يسوق البضاعة ، ولمن يشتري ، وبالجملة : فلا تقوم حياة الناس إلا بتعاونهم فيما بينهم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ التسعينية (1/251) ـ :
" حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا يتم إلا بمعاونة بعضهم لبعض في الأقوال ، أخبارها وغير أخبارها ، وفي الأعمال أيضا .. " اهـ .
وأما في مسائل الدين والشرع : فالأمر كذلك ، فلم يقم نبي من الأنبياء بالدعوة إلا واحتاج من يعينه على تحقيق التوحيد ، ودحر الشرك ، وفي الجهاد يظهر أثر ذلك جليّاً ، وقل مثل ذلك في التعليم ، ورعاية المساكين ، والقيام على الأرامل والأيتام .
قال الله تعالى : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146) وفي صحيح مسلم (50) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ...) الحديث .(/1)
والمسلمون يحتاج بعضهم بعضاً في شئونهم الدنيوية والدينية ، ولذلك كان التعاون بين المسلمين أمراً جللاً ، وقد أوجبه الله تعالى ، وجعل به قيام دين الناس ودنياهم ، وقد جاء وصف المسلمين – إن هم حققوا هذا التعاون – بأنهم بنيان مرصوص ، وأنهم جسد واحد ، وكل ذلك يؤكد على أن التعاون بينهم والتضامن والتكاتف أمر لا بدَّ منه ، وهو يشمل جوانب كثيرة في حياة المسلمين يجمعها كلمتا " البر " و " التقوى " ، كما قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ من الآية 2 ، وهما كلمتان جامعتان لجميع خصال الخير ، من الاعتقاد ، والسلوك ، والأحكام ، وغيرها ، كما قال الله تعالى – في بيان معنى " البر " - : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) البقرة/ 177.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :(/2)
ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم , ولا تنتظم مصالحهم ، ولا تجتمع كلمتهم , ولا يهابهم عدوهم , إلا بالتضامن الإسلامي ، الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى , والتكافل ، والتعاطف ، والتناصح , والتواصي بالحق , والصبر عليه , ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية , والفرائض اللازمة , وقد نصت الآيات القرآنية , والأحاديث النبوية , على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين - أفراداً وجماعات , حكوماتٍ وشعوباً - من أهم المهمات , ومن الواجبات التي لا بد منها لصلاح الجميع , وإقامة دينهم وحل مشاكلهم , وتوحيد صفوفهم , وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك ، والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جدّاً , وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن : فقد وردت بمعناه ، وما يدل عليه عند أهل العلم , والأشياء بحقائقها ومعانيها ، لا بألفاظها المجردة , فالتضامن معناه : التعاون والتكاتف , والتكافل ، والتناصر ، والتواصي , وما أدى هذا المعنى من الألفاظ , ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , والدعوة إلى الله سبحانه , وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة , وما فيه إصلاح أمر الدنيا والآخرة , ويدخل في ذلك تعليم الجاهل , وإغاثة الملهوف , ونصر المظلوم , ورد الظالم عن ظلمه , وإقامة الحدود , وحفظ الأمن ,
والأخذ على أيدي المفسدين المخربين , وحماية الطرق بين المسلمين داخلاً وخارجاً , وتوفير المواصلات البرية والبحرية والجوية , والاتصالات السلكية واللاسلكية بينهم , لتحقيق المصالح المشتركة الدينية والدنيوية , وتسهيل التعاون بين المسلمين في كل ما يحفظ الحق , ويقيم العدل , وينشر الأمن والسلام في كل مكان .(/3)
ويدخل في التضامن أيضاً : الإصلاح بن المسلمين , وحل النزاع المسلح بينهم , وقتال الطائفة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله , عملا بقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) الأنفال/ 1 ، وقوله سبحانه : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات/ 9 ، 10 .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 192 ، 193 ) .
وقال – رحمه الله - :
ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي ، الذي هو التعاون على البر والتقوى : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) أخرجه مسلم في صحيحه , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ) – متفق عليه - ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .(/4)
هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين , والتراحم والتعاطف , والتعاون على كل خير , وفي تشبيههم بالبناء الواحد , والجسد الواحد , ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم , وينتظم صفهم , ويسلمون من شر عدوهم , وقد قال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/ 104 ، وإمام الجميع في هذه الدعوة الخيرة وقدوتهم في هذا السبيل القيم , هو نبيهم وسيدهم وقائدهم الأعظم , نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فهو أول من دعا هذه الأمة إلى توحيد ربها , والاعتصام بحبله , وجمع كلمتها على الحق , والوقوف صفا واحدا في وجه عدوها المشترك , وفي تحقيق مصالحها وقضاياها العادلة , عملا بقوله تعالى خطابا له : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/ 125 ، وقوله عز وجل : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) يوسف/ 108 ، وقد سار على نهجه القويم , صحابته الكرام , وأتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم فنجحوا في ذلك غاية النجاح , وحقق الله لهم ما وعدهم به من عزة وكرامة ونصر .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 200 ، 201 ) .(/5)
فتحصل من هذا كله : وجوب التعاون بين المسلمين على البر والتقوى ، وعلى المسلمين أن يبذلوا من الوسائل ما يمكنهم من تحقيق هذه الأوجه من التعاون ، من تأسيس جمعيات ، أو هيئات ، أو مراكز دعوية ، أو حلقات قرآنية ، وغير ذلك ، مما يساهم في تجميع الجهود ، وترتيبها ، وعلى المسلمين أن يمدوا لهم يد العون ، ويبذلوا من أوقاتهم وأموالهم ما يساهم في بناء صروح التعاون على البر والتقوى ، ولا يعدم المسلم أن يجد شيئا يقدمه لإخوانه ، ويعينهم على ما يحتاجونه لدينهم ودنياهم .
ثانياً:
يستطيع المسلم أن يخدم الإسلام ، ويعمل لأجل إعلاء كلمة الله تعالى من غير أن ينتظم في حزب أو جماعة ، وعلماؤنا وأئمتنا في هذا الزمن لهم خدمات جليلة للإسلام ، ولا يكاد توجد بقعة في الأرض إلا ووصل لها من علمهم ، ولم يكونوا في عمل منظَّم ، ولا كانوا تبعاً لجماعات وأحزاب .
وإذا أردت – أخي السائل – أن تخدم الإسلام وتعمل له : فقم بذلك بنفسك بما تستطيعه ، من خطبة ، أو درس ، أو دعوة في القرى والمحافظات ، أو توزيع كتب وأشرطة ، أو ادعم ماليا من يقوم بتلك الأمور ، ويمكنك التعاون مع الجماعات والجمعيات السنيَّة بما يخدم الإسلام .
وأما الفرق والجماعات والأحزاب التي تتبنى اعتقاداً مخالفاً لاعتقاد السلف ، أو منهجاً مضاداً لمنهج أهل السنة والجماعة : فلا خير فيهم ، ولا ينبغي أن يتعاون معهم المسلم في شيء ينصر اعتقادهم ومنهجهم ، وأما الجماعات التي تدعو إلى الإسلام ، وعندها مخالفات شرعية : فهذه يتعاون معها المسلم فيما يتوافق مع الشرع .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" كل فِرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب ، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب ، واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء ، مع التناصح ، والتعاون على البر والتقوى " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .(/6)
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 237 ، 238 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
هل تعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر ؟ .
فأجاب :
وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين ، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها ، وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها ، وأن تحب إحداهما الأخرى ، وتنصح لها وتنشر محاسنها ، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها ، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 272 ) .
وأما في حال غياب العمل المنظم من أصله ، أو غياب العمل الذي يغلب خيرُه شرَّه ، وحيث لا يتمكن الإنسان من تعاون منظم مع غيره ، فإن ذلك لا يمنع من أن يتعاون المرء مع نفر ممن حوله ، يصطفيهم ، ويلتقي معهم على التناصح والتذاكر في العلم النافع والعمل الصالح ، ونشر الخير بين المسلمين ، وهذا كله من أعظم مقاصد التعاون مع الجماعات الإسلامية ، وعلى ذلك ينبغي أن يحمل الأمر بالتعاون على البر والتقوى ، لا على خصوص الانضمام إلى جماعة من الجماعات ، أو الانتماء إلى حزب من الأحزاب ، فالأمر بالتعاون أعم من ذلك كله .
فإن عدم الإنسان ذلك ، ولا يكاد يعدمه ـ إن شاء الله ـ ؛ فليكن بنفسه داعية إلى الخير ، إماما في الهدى لمن حوله ، وهكذا بدأت دعوات كثير من المصلحين والدعاة ، وليلزم ذلك ، ولو لم يجد من يعينه عليه ؛ فمن الأنبياء من يأتي يوم القيامة ، وليس معه أحد !!
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
98670
العنوان:
قال لزوجته : انتهى كل شيء ولا يدري هل نوى الطلاق أو لا ؟
السؤال:
حصلت لي مع زوجتي مشكلة وقلت لها : انزلي من السيارة وسوف تأتيك ورقتك ومنذ ذلك الحين وأنا متردد في موضوع طلاقها مرة أُحدث نفسي أقول سأطلقها ومرة أخرى أقول لن أطلقها سأعطيها فرصة ثانية وكانت زوجتي حاملاً وقبل أن تلد توجهت لإدارة الفتوى التي في بلدي وقلت لهم المشكلة واستفتيتهم هل وقع الطلاق أم لا وأفتوني أنه لم يقع لأنك لم ترسل الورقة وقررت أن أجعلها تمكث في بيت أهلها لكي تتأدب حتى ولدت وقلت لنفسي سوف أحضرها ولكن سأرجع للمفتى ليطمأن قلبي وأعدت عليه المسألة ولكنني زودت نقطة لم أذكرها له سابقاً لأنني نسيتها أو اعتقدت أنها ليست مهمة لجهلي بفقه الطلاق وهى أنني قلت لزوجتي إضافة إلى أن ورقتها سوف تأتيها : أن كل شيء انتهى . وهنا قال لي المفتي هذه ترجع لنيتك وأمور أخرى يجب أن تتأكد منها ، ووقعت في حيرة من أمري الآن ، ولا أعرف ما نيتي ؟ هل هي تهديد أم أنني وقتها كنت غاضبا وأقصد بها شيئاً آخر ؟ والمرأة الآن ولدت ولا أعرف ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
قولك لزوجتك : انزلي من السيارة وستأتيك ورقتك ، وانتهى كل شيء ، يعتبر من كنايات الطلاق ، فيُرجع فيه إلى نيتك ، فإن أردت التهديد والتخويف بالطلاق ، لم يقع الطلاق حتى توقعه ، وإن أردت طلاقها بذلك الكلام ، وقعت عليها طلقة ، ولك مراجعتها أثناء العدة ، ومعلوم أن عدة الحامل وضع الحمل ، فإذا انقضت العدة دون مراجعة ، لم تعد إليك إلا بعقد جديد ومهر جديد .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن كناية الطلاق يقع بها الطلاق بدون نية ، إذا تكلم بها في حال خصومة أو غضب .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : (7/306) : " فأما غير الصريح ; فلا يقع الطلاق به إلا بنية , أو دلالة حال " انتهى . وينظر : شرح منتهى الإرادات (3/87).(/1)
وقال في "زاد المستقنع" : " ولا يقع بكنايةٍ طلاقٌ إلا بنية مقارنة للفظ ، إلا حال خصومة ، أو غضب ، أو جواب سؤالها " انتهى باختصار .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " هذه ثلاث أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية . فقوله : " خصومة " يعني مع زوجته ، فقال : اذهبي لأهلك ، يقع الطلاق وإن لم ينوه ، لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها .
وقوله : " أو غضب " : أي حال غضب ولو بدون خصومة ، كأن يأمرها أن تفعل شيئا فلم تفعل فغضب ، فقال : اذهبي لأهلك ، يقع الطلاق وإن لم ينوه .
وقوله : " أو جواب سؤالها " : يعني : قالت : طلقني ، قال : اذهبي لأهلك ، يقع الطلاق ...
ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية ، حتى في هذه الأحوال ؛ لأن الإنسان قد يقول : اخرجي أو ما أشبه ذلك ، غضبا ، وليس في نيته الطلاق إطلاقا ..." انتهى من "الشرح الممتع" (13/75).
وعلى ما رجحه الشيخ رحمه الله ، نقول : إن لم تنو الطلاق بكلامك السابق ، فالطلاق لا يقع . وإن كنت لا تدري ما هي نيتك ، فالأصل هو عدم نية الطلاق ، فلا يقع الطلاق حينئذ .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98673
العنوان:
كيف تعلم الملائكة ما في قلب الإنسان ؟
السؤال:
في بعض الأحيان الشخص يقول دعاء دخول الحمام ـ أكرمكم الله ـ في نفسه ، أو يبسمل في نفسه ؛ فهل حديث النفس الداخلي هل يعلمه الملائكة الحفظة ؟ ويسجل علينا وسنحاسب عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (6491) ومسلم (131) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/325) :
" وفيه دليل على أن الملك يطَّلع على ما في قلب الآدمي ؛ إما بإطلاع الله إياه ، أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك .
ويؤيد الأول : ما أخرجه بن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني ، قال : ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا ، فيقول يا رب : إنه لم يعمله ، فيقول : إنه نواه .
وقيل : بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة ، وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ، ذلك الطبري عن أبي معشر المدني ، وجاء مثله عن سفيان بن عيينة "
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة .... الحديث ) فإذا كان الهم سرا بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه ؟(/1)
فأجاب : " الحمد لله ، قد روي عن سفيان بن عيينة فى جواب هذه المسألة قال : " أنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة ، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة " .
والتحقيق أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما فى نفس العبد كيف شاء " انتهى .
"مجموع الفتاوى " (4/253)
وقال رحمه الله أيضا :
" وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة ، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك ، بل ما فى قلب ابن آدم يعلمونه ، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه ، بل الشيطان يلتقم قلبه ؛ فاذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس ، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره ، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغى فيزينها له !!
وقد ثبت فى الصحيح عن النبى فى حديث ذكر صفية رضى الله عنها ( إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم )
وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار ، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/508) .
وأما الذكر في النفس من غير حركة اللسان به ، فإن صاحبه يثاب على ذلك لكن ليس الثواب الخاص المرتب من الشارع على من أتى بذلك الذكر فإن ذلك الثواب مرتب على القول، والقول لا يتحقق من غير لفظ باللسان، لكن من أهل العلم من يرى أن حركة اللسان تكفي ولو لم يصدر صوت يسمعه المتلفظ، وهذا ما ذهب إليه المالكية ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (1/410): " واختار شيخنا –يعني ابن تيمية- الاكتفاء بالحروف وإن لم يسمعها " انتهى .
وجمهور أهل العلم يرون أنه لا بد من لفظ يسمعه نفسه ، قال النووي رحمه الله في شرح المهذب (3/120) : " فإن لم يسمع نفسه فليس ذلك بأذان ولا كلام " انتهى .
وقال أيضا : " اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها ، واجبة كانت أو مستحبة ، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له " الأذكار (42) .(/2)
وأما حساب الإنسان على ما تحدثه به نفسه ، فقد سبق الإجابة عنه في السؤال رقم (99324)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98675
العنوان:
هل فعل أحد أفراد الأسرة لذنب اقترفه والدهم في الماضي من تعجيل العقوبة ؟!
السؤال:
هل عندما يعمل شخص ذنب ، وبعد ذلك يكتشف أن ابنه أو أي شخص من عائلته عمل ذات الذنب ، هل ذلك : كما تدين تدان ، أم إنه تعجيل للعقوبة ؟ وهل يجب أن يعاقب هذا الشخص الذي تحت مسئوليته وعمل الذنب ؟ أم إنه يقول : إن هذا عقاب من الله لظلمه لنفسه ، وبما كسبت يداه وإنه خارج إرادة الشخص الذي تحت مسئوليته ؟ أرجو إفتاءنا ، وجزاكم الله خير
الجواب:
الحمد لله
فإن الإنسان لا يؤاخذ بذنب غيره، كما قال الله سبحانه : ( وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام:164، قال العلامة الشوكاني رحمه الله في فتح القدير عند تفسير الآية : " أي لا يؤاخذ مما أتت من الذنب ، وارتكبت من المعصية سواها ؛ فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها " انتهى.
ثم قال رحمه الله : " وقد قيل : إن المراد بهذه الآية في الآخرة ، والأولى حمل الآية على ظاهرها ، أعني العموم . " انتهى.
وإذا كان كذلك فإن الله تعالى لا يقدر الذنب على إنسان مؤاخذة له بذنب غيره ، ولكنه سبحانه وتعالى حكيم فيما يفعل ، وهو أعلم أين يضع فضله . قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل (1/71): ( فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه كما هو أعلم حيث يجعل رسالته.) فهو سبحانه يهدي ويوفق من يشاء فضلا ، ويخذل من يشاء عدلاً.
ولكن شؤم المعصية قد يسري من شخص لآخر ، لمجالسته له وإلفه لعمله ؛ إذ ربما جره ذلك إلى موافقته في فعله ، والاقتداء به، وربما كان في تقدير الله المعصية على قريب العاصي إساءة له ، وتنغيص عليه ؛ فكان في ذلك نوع من المجازاة له، ولكن مع اعتقاد أن الله قدر ذلك بتمام عدله وحكمته.
ومن الكلام المأثور عن علي رضي الله عنه ، في كتب الأدب : " من هَتك حجاب أخيه ، هُتِك حجاب بنيه !! " .(/1)
وفي قول الله تعالى: ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا )مريم: 28
قال قتادة رحمه الله : " كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح ، ولا يُعرفون بالفساد ؛ ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به "
تفسير الطبري (18/186) .
وقال ابن كثير رحمه الله : "أي: أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة ، فكيف صدر هذا منك ؟! " تفسير ابن كثير (5/226)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض ، في الصلاح وضده " اهـ تفسير السعدي (492) .
وفي سنن أبي داود (3963) وغيره ، وصححه الألباني ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ ) ؛ أَيْ الزَّانِيَانِ وَوَلَدهمَا .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ولد الزنا إن آمن وعمل صالحا دخل الجنة ، وإلا جوزي بعمله كما يجازى غيره ، والجزاء على الأعمال لا على النسب ، وإنما يذم ولد الزنا لأنه مظنة أن يعمل عملا خبيثا ، كما يقع كثيرا ؛ كما تحمد الأنساب الفاضلة لأنها مظنة عمل الخير ؛ فأما اذا ظهر العمل فالجزاء عليه ، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم " اهـ مجموع الفتاوى (4/312) .
قال الشاعر :
وَأَوَّلُ خبثِ الماءِ خَبثُ تُرابِهِ وَأَوَّلُ لُؤمِ القَومِ لُؤمُ الحَلائِلِ
وليس ذلك كما قلنا من مؤاخذة الإنسان بذنب غيره في شيء ؛ وإنما الطبع لص ، والأيام دُول ، والمعاصي ديون !!
وكما أن الله تعالى يمن على عبده الصالح ، ويُقر عينه بصلاح زوجه وذريته ، فقد يكون من عقاب العاصي أن يرى شؤم معصيته فسادا في ذريته ، أو معصية في أهله ، نعوذ بالله من غضبه وشر عقابه .(/2)
وأما تأديبه ، بل وعقابه لشخص تحت رعايته ، وقد وقع في نفس الذنب الذي وقع فيه هو من قبل ، فنعم هذا واجب عليه أيضا : أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في بيته فيلزمه أن ينكر على من ولاه الله عليه إذا وقع في المعصية التي هو واقع فيها .
قال العلامة السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب (1/219): يجب على كل مؤمن مع الشروط المتقدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو فاسقاً ، حتى على جلسائه وشركائه في المصعية. انتهى.
وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله في أسنى المطالب (4/180): " لا يشترط في الآمر والناهي كونه متمثلاً ما يأمر به ، مجتنباً ما ينهى عنه ، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره ، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر ." انتهى.
على أنه سوف يكون عيبا عليه ، أي عيب ، وشينا في حقه أي شين : أن يأمر الناس بالمعروف وينسى ، وينهاهم عن المنكر الذي يأتيه :
قال الله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) البقرة:44 ،وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) الصف : 2-3 .
فليس له من مخرج من تلك الورطة ، ولا علاج لذلك الفصام ، إلا بالتوبة النصوح ، والأخذ بعمل الخير ، قبل أن يذوق وبال أمره : ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) .
قال الشاعر :
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ(/3)
والله أعلم.(/4)
رقم السؤال:
98682
العنوان:
ضعف إيمانه بعد استقامته ، وترك الصلاة لعدة أيام
السؤال:
كان عندي مشكلة ، وفي نفس الوقت سؤال عن فتوى : أنا وبفضل الله علي التزمت منذ أشهر ، ولكن بعد مرور الوقت بدأت أضعف ، ولا أعرف السبب ، وبدأت الهمة تنقص تدريجيا لدرجة أني جاءت علي فترات تركت فيها الصلاة وأصبحت عزيمتي ضعيفة ، ولكن والحمد لله حاولت ألا أقع في المعاصي ، غير أني أضعت كثيرا من الصلوات وذلك أثناء فترة التزامي ، إما أن أكون نائما أو في الخارج ، وبعد مرور الوقت من التزامي تركت الصلاة لأيام... ، فماذا افعل وأشعر أحيانا أن لدي عقدة في موضوع الصلاة ، حيث أضيع الصلوات كثيرا ، وأشعر أنني لن أشفي من تلك العقدة ؛ فما الحل لها ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي لك أخي السائل أن تقدر نعمة الله عليك بأن وفقك للتوبة والالتزام بدينك ، قبل فجأة الموت فتعظم شكره سبحانه وتعالى على هذه النعمة ، وهذا سيستدعي منك مزيداً من الاجتهاد في الطاعة .
فقد روى البخاري(4836) ومسلم (2819) عن المغيرة بن شعبة قال : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ : ( أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا )
فكيف ترضى لنفسك أن تقابل الجميل بالقبيح ، وتعود من إلى أول الطريق بعد ما قطعت فيه شوطا ، بل يا ليتك تعود إلى أول الطريق المستقيم ، لقد انحرفت ، واعوججت عن الطريق بعد ما من الله عليك بالاستقامة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من مثل هذا .(/1)
ففي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ ) .
وفي رواية النسائي (5498) وغيره : ( وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ ) .
ولقد ضرب الله تعالى في كتابه الكريم لمن عاد إلى سوء الحال ، وهدم ما بناه ، وانتكس في طريق الهداية ، مثلا يبين سوء حاله ، وما اختاره لنفسه ، ويحذر عباده من ذلك الصنيع من أفعال الحمقى :
( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) النحل 91-92
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها ، إذا كان الوفاء بها برا ، ويشمل أيضا ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين..
{ وَلا تَكُونُوا } في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على سفه متعاطيها ، وذلك { كَالَّتِي } تغزل غزلا قويا فإذا استحكم وتم ما أريد منه نقضته فجعلته { أَنْكَاثًا } فتعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة . " انتهى . ص (447) .(/2)
فسارع بالتوبة من الحالة التي أنت عليها وبادر بذلك ، فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب التي عُصِي الله عز وجل بها ، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم تركها كفراً، فقال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.) رواه الترمذي (2545) وأحمد وغيرهما وصححه الألباني .
فالعجب كيف يقول الأخ السائل : حاولت ألا أقع في المعاصي ، ثم يذكر أنه أضاع كثيراً من الصلوات ؛ فما هو تصوره للمعاصي إذاً ؟!!
إن ترك الصلاة هو أعظم ذنبا وخطرا ، من كل ذنب حاولت أن تمنع نفسك من ، سوى الشرك بالله تعالى .
فالبِدارَ البدارَ بالتوبة والندم على ما فات ، قبل أن تأتي لحظة يندم فيها الإنسان ولا ينفعه الندم.
وأما قولك : " إن لديك عقدة في موضوع الصلاة ، وتشعر بأنك لن تشفى من تلك العقدة " ، فإن هذا من تزيين الشيطان وتسويله وتخويفه ، وأنت الذي أعنت عدوك على نفسك ، وتركته يعقد على قلبك تلك العقدة من الأوهام والكسل ، وضعف الهمة والعزيمة على الخير ؛ فبادر بحلها بطاعة الله تعالى ، والحفاظ على الوضوء ، والمسارعة إلى الصلوات في أول وقتها .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ) رواه البخاري (3269) ومسلم (776)(/3)
قال ابن عبد البر رحمه الله : " في هذا الحديث أن الشيطان ينوم المرء ويزيده ثقلا وكسلا ، بسعيه وما أعطي من الوسوسة والقدرة على الإغواء والتضليل وتزيين الباطل والعون عليه ، إلا عباد الله المخلصين .
وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله يطرد به الشيطان ، وكذلك الوضوء والصلاة .. " انتهى . التهميد (19/45) .
وقال ابن القيم رحمه الله : " ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن وإذابة أخلاطه وفضلاته ما هو من أنفع شيء له ، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة .
وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة ، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة ، ومن أنشط شئ للبدن والروح والقلب ، كما في الصحيحين .. " وذكر الحديث .
زدا المعاد (4/225) .
فلا تضعف يا عبد الله أمام عدوك ، ولا تمكنه من نفسك ، واستعن بالله ولا تعجز ، كما أمرك نبيك صلى الله عليه وسلم ، واعلم أن : ( كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) النساء : 76 واعلم أن الصلوات المفروضة يسيرة لا يجد المسلم عناءاً في أدائها والمحافظة عليها .
وأما ما ذكرته من فتور الهمة ، فقد يكون سببه نوع الجلساء الذين تجالسهم ، فاحرص قدر الاستطاعة على حضور مجالس الذكر والعلم ومصاحبة الأخيار ، فإن العبادات تسهل على النفس إذا رأى الإنسان من يقتدي به فيها ويعينه عليها ، والإنسان معرض لا محالة لحالات يزيد فيها نشاطه ورغبته في الخير ، ولحالات أخرى تقل فيها تلك الرغبة ، ولكن لا يجوز أن تؤدي به تلك الحال إلى ترك الفرائض ، أو ارتكاب المحرمات ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) رواه أحمد (6725) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2151) .(/4)
ولذا فالنصيحة لك أيها الأخ الكريم أن تجعل لنفسك برنامجاً ثابتاً لا تنقص عنه ؛ مشتملاً على الفرائض والمؤكدات من النوافل ، فإن زدت في بعض الأحيان فذاك خير إلى خير ، وإذا نقصت فلا تنقص عن الفرائض .
وأما ما فاتك من الصلوات فيما مضى ، فما كان قد فاتك بسبب النوم ، فلا إثم عليك فيه ويجب عليك قضاؤه ، وأما ما فاتك من غير عذر ، أي تكاسلت عن أدائه حتى خرج الوقت ، فإن عليك التوبة ، ولا ينفعك ـ حينئذ ـ القضاء ، والواجب عليك أن تكثر من النوافل والاستغفار ، لعل الله أن يتجاوز عنك .
وقد بينا كلام أهل العلم في جواب السؤال رقم(7969) فارجع إليه .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
98689
العنوان:
استعمال ضمير المذكر "هو" في حق الله تعالى ؟!
السؤال:
لماذا نقول عند الإشارة إلى الله فى القرآن والحديث " هو " ؟ فكيف لنا أن نعلم بأن الله يشار إليه بلفظ " هو " ؟ فقد أتت إليَّ إحدى الفتيات غير مسلمات وسألتني لماذا لا نقول " هي " عند الإشارة لله ؟ ولماذا نقول " هو " ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لسنا ندري إلى من نوجه خطابنا أولا ـ أيتها السائلة ـ ؛ أنكلمك أنت ، وأنت التي وجهتِ السؤال إلينا ، أم نتوجه إلى تلك التي ظل الشيطان يتلاعب بها ، ويجرئُها على الله تعالى ، وهو يمهلها سبحانه ؛ فلم تكتف بالكفر به ، حتى راحت تلقي سخافات عقلها التي يأباها العاقل ، ولو كان كافرا مثلها ، وأنت ـ وتلك مصيبتك ـ تسمعين إليها ، وتظنين أنها قالت شيئا يستحق السؤال ، والقلق في الجواب ؟
على أية حال ، إنما يعنينا أنت الآن ، فلا هي سألتنا ، ولا هي من أهل ملتنا حتى نخاطبها بما عندنا ، وإن كنا نجيبك ـ إن شاء الله ـ بما يصلح في جوابها ـ أيضا ـ لو كانت من عقلاء قومها ؟
فاعلمي ـ أيتها السائلة الكريمة ـ أن سبب سؤال هذه السائلة إنما هو جهلها باللغة العربية التي نتحدث بها ، بل جهلها بشأن غيرها من اللغات .
قال العلامة اللغوي أبو الفتح ابن جني : " باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية .
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية، ولا وراءه من نهاية ؛ وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها ، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه واستخف حلمه : ضعفُه في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها .. " انتهى .
الخصائص (3/248) .(/1)
فاعلمي ـ أيتها السائلة ـ أن من ضرورات الخطاب والتفاهم أن يُعبر عن كل أحد بما يخصه ويميز جنسه ، وهذه ظاهرة قديمة في اللغات البشرية . " غير أن هناك أشياء لا صلة لها بالجنس الحقيقي ، مثل الجمادات ، كالحجر والجبل ، والمعاني ، كالعدل والكرم ، وغير ذلك.
فمثل هذه الأمور لا يلحظ فيها تذكير ولا تأنيث ، بالمدلول الحقيقي الطبيعي لهاتين الكلمتين . وكان ذلك ـ فيما يبدو ـ هو السبب الذي جعل بعض اللغات تقسم الأسماء الموجودة فيها إلى ثلاثة أقسام : مذكر ومؤنث ، وقسم ثالث هو ما يسمى في اللغات الهندوأوربية " بالمحايد" NEUTER وهو في الأصل ما ليس مذكرا ولا مؤنثا .
ولكن اللغات البشرية لم تسر كلها هذا الشوط ، على نمط واحد ، فقد وزعت اللغات السامية ـ مثلا ـ أسماء القسم الثالث ، وهو المحايد ، على القسمين الآخرين ، وصارت الأسماء فيها إما مذكرة وإما مؤنثة ...
ومثل ذلك حدث في اللغة الفرنسية ؛ إذ ليس في أسمائها إلا التذكير والتأنيث ، وكانت الإنجليزية في ذلك أوغل من الفرنسية ... "
انظر : مقدمة د. رمضان عبد التواب ـ رحمه الله ـ لكتاب " البلغة في المذكر والمؤنث " ، لابن الأنباري (37-39) .
وإذا عرفنا أن تقسيم الأشياء إلى مذكر ومؤنث ـ حتى ما لا يوصف في واقع الأمر بذلك ـ هو من خصائص معظم اللغات ، خاصة الحية منها الآن ؛ وليس من خصائص اللغة العربية وحدها ، فلتعلمي أن الشيء ـ أي شيء ـ إذا دار بين أن يوصف في اللغة بالمذكر أو المؤنث ، ولم يكن مما يوصف في حقيقة أمره بذلك ، فإن اللغة ترجح الإخبار عنه بوصفه مذكرا ؛ لأنه أخف عندهم ، ولأنه الأصل ، فلا يحتاج إلى علامة ، ويتفرع عنه المؤنث ، بالعلامة الدالة عليه .(/2)
يقول إمام النحو سيبويه ، رحمه الله : " واعلم أن المذكر أخفّ عليهم من المؤنث لأن المذكر أول ، وهو أشد تمكناً ، وإنما يخرج التأنيث من التذكير ؛ ألا ترى أن " الشيء " يقع على كل ما أُخبر عنه ، من قَبْل أن يُعلم أذكر هو أو أنثى ، والشيء ذكر ؟! "
كتاب سيبويه (1/22) وانظر (3/241) منه .
وإذا كان الأمر يدور بين قسمين ، أو أمرين ، أحدهما أرجح من الآخر ، ولو بوجه ما ،
" وجب ضرورة اختصاص الرب بأشرف الأمرين وأعلاهما " [ الصواعق 4/1308] .
ولذلك تجد عامة من يؤمن بأن له في السماء إلاها ، يخبر عنه بذلك الضمير " هو " الذي هو لائق به سبحانه ، وهذا أمر فطري لا يحتاج إلى بحث ونظر أو دليل ، فلا تجد عالما أو جاهلا ، موحدا لله أو مشركا به ، إلا ويخبر بذلك عن الله سبحانه ، ولو قد تكلم أحد منهم بضمير المؤنث ، كما قالت لك تلك المسكينة ، لقاموا عليه جميعا ، وعرفوه بالجهل والضلال المبين .
فكيف إذا انضم إلى ذلك خبر الله تعالى عن نفسه ، في كتابه الكريم ، بل في كتبه المنزلة جميعا ، بمثل ذلك الضمير .
قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:73) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (الزخرف:84)
والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى .(/3)
فكيف إذا كان الله تعالى قد عاب على المشركين أنهم يدعون عبادة الله الواحد الواحد القهار ، ويعبدون من دونه إناثا ، وذمهم على ذلك وبين قبيح عملهم . قال تعالى : ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً) (النساء:117) .
يقول الإمام الطبري رحمه الله : " يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجّة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثًا ويدعونها آلهة وأربابًا، والإناث من كل شيء أخسُّه، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة، على علم منهم بخساسته، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء، وبيده الخلق والأمر " تفسير الطبري (9/211) ط محمود شاكر .
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا، أي: أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى" و "مناة" ونحوهما .
ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى ؛ فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة ، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء ، وفقدها لصفات الكمال ، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه ، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها ، بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا ، ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء ، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة ، فكيف يُعبد من هذا وصفه ، ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، والحمد والكمال ، والمجد والجلال ، والعز والجمال ، والرحمة والبر والإحسان ، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير ؟!!
هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه ، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف ؟!! " انتهى ، من تفسير السعدي (203) .(/4)
على أننا ننبه أن الله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك ، وإنما ذلك من ضرورات الخطاب في اللغة ، وما يحتاجه الناس في التفاهم ؛ فكل ذكر وأنثى مخلوق ، والله تعالى هو خالق الذكر والأنثى : ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) (النجم:45) .
وتعالى الله أن يكون له ند أو شبيه ، أو زوجة أو ولد : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنعام:101) .
وقال تعالى ، في خبره عن مؤمني الجن أنهم لما سمعوا القرآن آمنوا به ، وعرفوا ربهم سبحانه : ( وأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجن:3) .
وما عليك أيتها السائلة إلا أن ترشديها إلى كتابها ، إن كانت تؤمن بأن لها إلاها ، أرسل رسولا ، وأنزل عليه كتابا ، فلتنظر فيه ، ولتعلم لماذا .
فإن كانت قد تفجرت غيظا أو لعلها اغتاظ قلبها ، لأنها الأنثى ، والله تعالى لا يوصف بما توصف به الأنثى ؛ فلقد بلغ الكفر من الناس في زماننا كل مبلغ ، فراحت الأنثى تطلب أن تنتصر لبني جنسها من الإناث ، بالحق وبالباطل ، كفعل أهل الجهل والنقص ، يشعر أحدهم بخسة نفسه ، ودناءة حاله ، فيريد أن يعوضه ولو بالباطل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الذي يعظّم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ، ولو كان خطأ " . مجموع الفتاوى ( 10/292 ) .
فإن كان وصل بها الجهل والنقص إلى أن تشبه الله تعالى بخلقه ، بل بالإناث من خلقه ، فتلك حال لم يصلها جهال العرب في عبادتهم للأوثان ؛ فإنهم كانوا يعلمون أن الله الخالق الرازق هو أجل من أوثانهم هذه ، ولا يليق أن يكون مثلها .
فاحذري يا أمة الله من كل جاهل مارق ، واعلمي أن المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل .(/5)
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
98713
العنوان:
أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه بأقل من قيمته ؟
السؤال:
إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات ، لشراء سلع بقيمة معينة ، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الكوبون الذي يخوّل لحامله شراء سلع من مكان محدد ، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع ، ولا يعتبر سندا بالنقود ؛ وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود ، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع .
بيع الكوبونات التي تمثل سلعا من الطعام والكساء وغيره ، فيه تفصيل :
أولا :
إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة ، كأن يشتريها إنسان بثمن ما ، ثم يريد بيعها ، فإن كانت مخصوصة بطعام ، فلا يجوز بيعها ؛ لأن الكوبون سند أو صك بالطعام ، فيكون ذلك من بيع الطعام قبل قبضه ، وهو ممنوع بالإجماع .
قال ابن المنذر رحمه الله : " أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه , ولو دخل في ضمان المشتري , جاز له بيعه والتصرف فيه , كما بعد القبض " انتهى نقلا عن "المغني" (4/88).
وإن كانت في غير الطعام ، ففي بيعها قبل قبض السلع خلاف بين الفقهاء ، والصحيح أنه لا يجوز ؛ لعموم الأدلة التي تنهى عن بيع السلع قبل قبضها ،كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه : ( إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه ) رواه أحمد(15399) والنسائي ( 613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم : 342
وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ( نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن عباس : "وأحسب كل شيء مثله" . أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .(/1)
وأما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة ، كأن تكون هبة من الشركة لموظفيها ، ففي بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها ، خلاف أيضا .
وذلك لما روى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا فَقَالَ مَرْوَانُ مَا فَعَلْتُ . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى . فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا .
ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَا : أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ ؟ فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ ! وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَا : هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا ).
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث على قولين :
الأول : أن من أخذ الصكاك من بيت المال له أن يبيعها قبل قبضها ، لأنه لم يأخذها بمعاوضة ، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبعها إلا بعد قبض الطعام . وهو قول المالكية والشافعية .
والثاني : أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها . وهو قول الإمام أحمد .
وانظر : "المنتقى للباجي" (4/284)، "حاشية الدسوقي" (3/151) ، "القواعد لابن رجب" ص (84) ، "المهذب مع المجموع" (9/328).(/2)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى صُكُوك , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا .
وَالثَّانِي : مَنْعهَا . فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ . وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته : وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَا تَبِعْ طَعَامًا اِبْتَعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيه . اِنْتَهَى. هَذَا تَمَام الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ .(/3)
وَكَذَا جَاءَ الْحَدِيث مُفَسَّرًا فِي الْمُوَطَّأ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَن مَرْوَان بِطَعَامٍ فَتَبَايَعَ النَّاس تِلْكَ الصُّكُوك قَبْل أَنْ يَسْتَوْفُوهَا , وَفِي الْمُوَطَّأ مَا هُوَ أَبَيْنَ مِنْ هَذَا , وَهُوَ أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَاعَ حَكِيم الطَّعَام الَّذِي اِشْتَرَاهُ قَبْل قَبْضه وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
ومما يرجح القول بالجواز : ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 131 ) عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون : لا تبعه حتى تقبضه .
فهذا يرجح الاحتمال الأول ، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه ، بل النهي متوجه لمن اشترى منه ، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه .
ولكن يبقى أمر آخر ، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة ، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به ، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة ؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال ، فمآلها إلى العلم .
والحاصل : أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة ، أن يبيعه على غيره وأما من اشتراه منه ، فليس له أن يبعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع .
وقد أفتى فضيلة الشيخ خالد المشيقح بجواز هذا البيع ، وكذلك سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن هذه المعاملة فأفتى بالجواز .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
98714
العنوان:
امتحان أهل الفترة في الآخرة ؟
السؤال:
سؤالي عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : أخرج الإمام أحمد بن حنبل في " مسنده " والبيهقي في كتاب " الاعتقاد " ـ وصححه ـ عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعة يمتحنون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئًا ، ورجل أحمق ، ورجل هرِم ، ورجل مات في فترة ، فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا ، وأما الأحمق فيقول : رب لقد جاء الإسلام والصبيان يقذفوني بالبعر ، وأما الهرِم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول ، فيأخذ مواثيقهم ليطيعونه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن لم يدخلها يسحب إليها ) . استفساري : هل يوجد يوم القيامة امتحان ؟ وأنا الذي أعرفه أن يوم القيامة يوم الحساب فقط ، دون امتحان وابتلاء ؟ . والملاحظة الأخرى : امتحانهم يوم القيامة أن يدخلوا على النار هذا امتحان صعب جدًّا لا يخاطب العقل ؛ لأن العقل يدرك أن النار فيها خطورة ، وطبيعي الإنسان يخاف أن يدخلها بعكس امتحان في الدنيا الالتزام في تعاليم الدين الحنيفة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:(/1)
اختلف العلماء رحمهم الله في أهل الفترة – وهم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين - على أقوال ، وأرجح هذه الأقوال : أنهم يُمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع أمر الله نجا ، ومن عصاه هلك ، وقد جاءت في السنة النبوية أحاديث كثيرة يترجح هذا القول بها ، ومنها ما ذكره الأخ السائل في سؤاله ، وقد استوفاها الإمام ابن كثير في تفسيره ، عند قوله تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/من الآية 15 ، فلتنظر هناك لمن أراد الاستزادة والاستفادة ، ومجموع هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ، ويشهد أن لهذا القول ما يؤيده من السنَّة النبوية ، وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح ، كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو ضعيف يقوَى بالصحيح والحسن ، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط : أفادت الحجة عند الناظر فيها .
" تفسير ابن كثير " ( 5 / 58 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في سياق بيان الأقوال في المسألة - :
سابعها : أنهم يُمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار ، فمن دخلها : كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن أَبَى : عُذِّب ، أخرجه البزار من حديث أنس ، وأبي سعيد ، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل ، وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ، ومن مات في الفترة من طرق صحيحة ، وحكى البيهقي في " كتاب الاعتقاد " أنه المذهب الصحيح .
" فتح الباري " ( 3 / 246 ) .
ثانياً:(/2)
وقد ردَّ هذا القول بعض أهل العلم – كالإمام ابن عبد البر – وقالوا : إن الآخرة دار جزاء ، وليست دار تكليف ، وليس ثمة أوامر ونواهي في الآخرة ، وأُجيب عن هذا الاعتراض بردود مجملة ، ومفصَّلة ، وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن كثير – وغيرهما – ردوداً مجملة ، وردَّ الإمام ابن القيم ردّاً مفصلاً أوصل وجوه الرد إلى تسعة عشر وجهاً .
أ. أما الردود المجملة : فملخصها : وجود امتحان في القبر ، وفي عرصات القيامة ، وأما كون الآخرة ليست دار تكليف فنعم ، لكن بعد استقرار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار .
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار ، وأما عَرَصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ : مَنْ رَبُّك ؟ وَمَا دِينُك ؟ وَمَنْ نَبِيُّك ؟ ، وقال تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ ، وقد ثبت في الصحاح من غير وجه حديث تجلي الله لعباده في الموقف إذا قيل : ( لِيَتَّبِعْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ؛ فَيَتَّبِعُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَتَهُمْ وَيَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ الرَّبُّ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيُنْكِرُونَهُ ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَيَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ كَقُرُونِ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ، وذكر قوله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 303 ، 304 ) .
2. وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله -(/3)
وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمَري بعض ما تقدم من أحاديث الامتحان ، ثم قال : وأحاديث هذا الباب ليست قوية ، ولا تقوم بها حجة ، وأهل العلم ينكرونها ؛ لأن الآخرة دار جزاء ، وليست دار عمل ، ولا ابتلاء ، فكيف يكلَّفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين ، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها ؟! .
وأجاب عن ذلك ببيان قوة الأحاديث الواردة في الباب ، كما نقلناه عنه سابقا ، ثم قال : وأما قوله : " إن الآخرة دار جزاء " : فلا شك أنها دار جزاء ، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار ، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة مِن امتحان الأطفال ، وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) ن/42 ، وقد ثبتت السنَّة في الصحاح وغيرها : أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة ، وأما المنافق : فلا يستطيع ذلك ، ويعود ظهره طبقاً واحداً ، كلما أراد السجود : خَرَّ لقفاه .
وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها : أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه ، ويتكرر ذلك مراراً ، ويقول الله تعالى : ( يا ابن آدم ، ما أغدرك ! ) ثم يأذن له في دخول الجنة .
وأما قوله : " وكيف يكلفهم دخول النار وليس ذلك في وسعهم ؟ " : فليس هذا بمانع من صحة الحديث ؛ فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط ، وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف ، وأدق من الشعرة ، ويمرُّ المؤمنون عليه بحسب أعمالهم ، كالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والرِّكاب ، ومنهم الساعي ، ومنهم الماشي ، ومنهم من يحبو حبواً ، ومنهم المكدوش على وجهه في النار ، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا ، بل هذا أطم ، وأعظم .(/4)
وأيضاً : فقد ثبتت السنَّة بأن الدجال يكون معه جنَّة ونار ، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار ، فإنه يكون عليه برداً وسلاماً ، فهذا نظير ذلك .
وأيضاً : فإن الله تعالى قد أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ، فقتل بعضهم بعضاً ، حتى قتلوا ـ فيما قيل ـ في غداة واحدة : سبعين ألفاً ، يقتل الرجل أباه ، وأخاه ، وهم في عمايةِ غمامةٍ أرسلها الله عليهم ، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل ، وهذا أيضاً شاق على النفوس جدّاً ، لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور ، والله أعلم . " تفسير ابن كثير " ( 5 / 58 ) .
ب. وقد فصل ابن القيم رحمه الله وجوه الجواب السابقة ، كما أشرنا إليه ، وزاد فيها وجوها أخرى ، منها :
* أن موجب هذه الأحاديث هو الموافق للقرآن وقواعد الشرع ؛ فهي تفصيل لمَا أخبر به القرآن أنه لا يعذَّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه ، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا ، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم ، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة : يوم يقوم الأشهاد ، وتُسمع الدعاوى ، وتُقام البينات ، ويَختصم الناس بين يدي الرب ، وينطق كلُّ أحدٍ بحجته ومعذرته ، فلا تنفع الظالمين معذرتهم ، وتنفع غيرهم .
* أنه قد صحَّ بذلك القول بها عن جماعة من الصحابة ، ولم يصح عنهم إلا هذا القول ، والقول بأنهم خدَم أهل الجنة : صح عن سلمان ، وفيه حديث مرفوع ، وأحاديث الامتحان : أكثر ، وأصح ، وأشهر .(/5)
* أن أمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم ، وكيف يعاقبهم على غير ذنب ؟ وإنما هو امتحان واختبار لهم ، هل يطيعونه أو يعصونه ، فلو أطاعوه ودخلوها : لم تضرهم ، وكانت عليهم برداً وسلاماً ، فلما عصوه وامتنعوا من دخولها : استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه ، والملوك قد تمتحن مَن يُظهر طاعتهم هل هو منطوٍ عليها بباطنه ، فيأمرونه بأمرٍ شاقٍّ عليه في الظاهر ، هل يوطِّن نفسه عليه أم لا ، فإن أقدم عليه ووطن نفسه على فعله : أعفوه منه ، وإن امتنع وعصى : ألزموه به ، أو عاقبوه بما هو أشد منه .
وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده ، ولم يكن مراده سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم ، وتقديم محبة الله على محبة الولد ، فلما فعل ذلك : رَفع عنه الأمر بالذبح .
وأما أن ذلك "ليس ذلك في وسع المخلوقين " فقد أجاب عنه ابن القيم من وجهين :
أحدهما : أنه في وسعهم ، وإن كان يشق عليهم ، وهؤلاء عبَّاد النار ، يتهافتون فيها ، ويُلقون أنفسهم فيها ؛ طاعةً للشيطان ، ولم يقولوا " ليس في وسعنا " ، مع تألمهم بها غاية الألم ، فعبَاد الرحمن إذا أمرهم أرحم الراحمين بطاعته باقتحامهم النار : كيف لا يكون في وسعهم ، وهو إنما يأمرهم بذلك لمصلحتهم ومنفعتهم ؟ .
الثاني : أنهم لو وطَّنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته : لكانت عين نعيمهم ، ولم تضرَّهم شيئاً .
قال رحمه الله :
" فالسنَّة ، وأقوال الصحابة ، وموجب قواعد الشرع وأصوله : لا تُردُّ بمثل ذلك ، والله أعلم "
انظر : " أحكام أهل الذمة " ( 2 / 1148 – 1158 ) .
وهذا كلام متين ، فيه بيان المسألة وتجليتها ، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يتوفانا على الإيمان .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
98716
العنوان:
هل تتزوج من حامل لمرض الثلاسيميا ؟
السؤال:
أود استشارتك في أمر ، وهو أنه تقدم لي خطيب ، وهو ذو خلق ودين ، وأنا كذلك على خلق ودين أسال الله العظيم دوام نعمه علي وكنا متفائلين بهذا الزواج إلا أن الفحص قبل الزواج أظهر أننا غير متوافقين وأنه من المحتمل أن يولد لدينا نسبة 50% أطفال حاملين للثلاسيميا ، و 25% سليمين ، و 25% مصابين بالثلاسيميا حيث إن كلانا حامل للمرض علماً بان الحامل للمرض لا تكون عليه أي خطورة لكن ممكن أن يُورثه لأبنائه إذا تزوج من امرأة حامله للمرض . أبي ترك لي الاختيار ، وأنا محتارة هل أفضل صاحب الدين والخلق على صحة أولادي أم ماذا أفعل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن من مقاصد النكاح : إنجاب الذرية الصالحة ، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ ، وَإِنَّهَا لا تَلِدُ ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا قَالَ : لا . ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ ) والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل برقم (1784) .
وتمام ذلك إنما يكون بإنجاب الذرية الصحيحة القادرة على القيام بالتكاليف الشرعية ، وحمل أعباء الرسالة .
وإذا علم الخاطبان أن زواجهما قد ينتج عنه ولادة أطفال مرضى أو حاملين للمرض ، فإن الخير لهما هو ترك الزواج حينئذ ، درءا لهذه المفسدة المتوقعة ، وتقليلا للشر والضرر في أمة الإسلام ، ووقاية لأنفسهما من المتاعب والآلام التي قد تلحقهما أثناء رعاية الولد المريض .(/1)
ومن خلال ما اطلعنا عليه تبين أن الزوجين إذا كانا حاملين لهذا المرض فإن كل مولود لهما يحتمل أن يكون سليما بنسبة 25%، ومصابا بنسبة 25% أيضا ، وحاملا للمرض بنسبة 50% ، أما إن كان أحدهما سليما والآخر حاملا للمرض ، فإن الخطر يقل كثيرا ، إذ احتمال أن يولد الطفل سليما يكون بنسبة 50% ، واحتمال أن يولد حاملا للمرض يكون بنسبة 50% ، وينتفي احتمال ولادة طفل مصاب بالمرض .
وهذه الاحتمالات مبنية على التجربة والاستقراء ، والأمر كله بقدر الله تعالى .
وإذا كان الأمر كذلك فإن الخير لك هو الزواج من شخص سليم ، ولا يعني ذلك تقديم الصحة على الدين كما أشرت ، فالمقصود هو البحث عن صاحب الدين المعافى ، وهذا كثير والحمد لله .
وأنت إذا تركت هذا الزواج بنية حماية أطفالك ، وتقليل المرض والحد من انتشاره في الأمة ، فإنا نرجو أن يعوضك الله خيرا ، وأن يأجرك على ذلك .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98723
العنوان:
أخذ مالا من الشركة بغير حق ولا يستطيع إخبارهم به
السؤال:
الشركة التي أعمل بها تعطي أرضا (منحةً) وقرضا بدون فوائد .. لإقامة منزل للموظف . إلا أن الشركة تخير الموظف بأن ينتظر حتى يصدر له أرض في مخططاتها أو أن يبحث له عن أرض خارج مخططها بقيمة لا تتعدى 150.000 ريال وتقوم الشركة بإعطاء القيمة التي تكتب في العقد (صك الأرض) . فإن كانت القيمة أقل من 150.000 فمثلاً 100.000 .. تعطيه فقط 100.000 قال لي أحد الإخوة لا بأس أن تسجلها بـ 150.000 ريال في العقد حتى وإن اشتريتها بأقل على اعتبار أن ذلك منحة من الشركة . فاشتريت أرضاً بـ 75.000 ريال وسجلتها بـ 150.000 ريال حتى أحصل عليها كاملاً وحصلت عليها من الشركة و بدأت فيها منزلي واستلمت بعض الدفعات وأنا الآن أوشكت على الانتهاء من العظم . فدار هناك نقاش بيني وبين أحد الإخوة وقال لي قد يكون هذا من الكذب فخفت ودخلني شك ولو كنت أعلم أن هذا لا يجوز لما فعلت ذلك .. ولاشتريت أرضاً بقيمة 150.000 وقد تكون أفضل لي من حيث المساحة والموقع وأنا محتاج إلى المال ، وعليّ دين ما يقارب 400.000 ريال أفيدوني ما الحكم في ذلك ؟ وهل يلزمني إرجاعها إلى الشركة مع العلم أن ذلك قد يضرني وقد يفصلونني من العمل .
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت الشركة تمنح أرضا لموظفيها ، بما لا يزيد على 150000 ، وتعطيهم المبلغ المسجل في صك البيع ، فإنه لا يجوز تسجيل غير الثمن الحقيقي ، لأن ذلك من الكذب وأكل المال بالباطل ؛ ولأن المسلمين على شروطهم ، والعقد القائم بين الشركة والموظف هو إعطاؤه ثمن الأرض ، ليبني منزلا ، لا ليوفر ويدخر .
وعلى ذلك فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن ترد المال الزائد إلى الشركة ، فإن غلب على ظنك حصول ضرر غير محتمل في حال إخبار الشركة بالأمر ، فابحث عن وسيلة توصل المال إليها دون علمها .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق/2 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4 انتهى .
" فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
ونسأل الله أن ييسر أمرك ، ويعينك على قضاء دينك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98739
العنوان:
الصلاة جماعة في البيت حكمها وأجرها بالنسبة لجماعة المسجد
السؤال:
هل ثواب صلاة الجماعة الثانية ، أو الثالثة بالمسجد يعادل ثواب 25 أو 27 صلاة مع الإمام فى صلاة الجماعة الأولى ؟ وهل يعادل ثواب الصلاة مع 5 إلى 10 أشخاص بالعمل أو المدرسة ثواب من يصلي بالمسجد ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
وجوب صلاة الجماعة
وهذا ما تدل عليه الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة ، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الصلاة جماعة في أرض القتال : فأولى أن تكون واجبة في حال الإقامة والأمن . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (120) و (8918) .
ثانياً:
وجوب صلاة الجماعة في المساجد لا في أماكن العمل والدراسة
وهذا في حال أن يكون المسلم من المكلفين ، الرجال ، القادرين ، والذين يمكنهم سماع الأذان من غير مكبرات للصوت ..
ويدل على ذلك : أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق البيوت على من يصلي في بيته – وقد يكونون يصلون جماعة - .
فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ). رواه البخاري ( 657 ) ومسلم ( 651 ) - واللفظ له - .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72398) .
ولذا فإنه لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد ، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد ، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل : لم يحصِّل أجر جماعة المسجد ، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً .
ثالثاً:
الذي له عذر يمنعه من حضور صلاة الجماعة في المسجد له أجر الجماعة وإن صلاها في بيته(/1)
وقد يُعذر المسلم فيرخّص له في ترك صلاة الجماعة في المسجد كأن يكون بعيداً لا يصل له صوت الأذان في وضعه الطبيعي ، أو يكون مريضاً ، أو خائفاً ، وإذا كان الأمر كذلك : فعليه أن يصلي جماعة مع أهل بيته ممن لا تجب عليهم الجماعة ، أو مع من هم مثله من المعذورين ، وهنا يصح التفاضل بين جماعة المسجد وبين جماعة هؤلاء من حيث العدد فمن كانت جماعته أكثر كان أحب إلى الله – وسيأتي نص الحديث في " رابعاً " - ، لكن ليس هناك مجال للمقارنة بين الأجور الأخرى ، مثل الخطوات التي يخطوها المصلي للمسجد ، والتبكير لحضور الصلاة ، وإعداد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح ، وغير ذلك ، فمثل هذه الأجور يحرمها من يصلي في بيته ، إلا أن يكون من المحافظين على الصلاة في المسجد فأقعده المرض أو العذر ، فهذا يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل ، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً ) . "الشرح الممتع" ( 4 / 323 ) .
ومن لم يتيسر له أحد يصلي معه : فليصل وحده ، والصلاة كلما كثر عدد أفرادها : كان ذلك أحب إلى الله .
رابعاً:
إن تعمد التأخر عن الجماعة الأولى أَثم ، وصلاته جماعة خير من صلاته منفرداً ، لكن ليس له ثواب الجماعة الأولى فمن تأخر بغير عذرٍ وقصد أن يصلي جماعة ثانية أو ثالثة – كما يحصل في مساجد الأسواق - : فهؤلاء يأثمون على تعمد تفويتهم الجماعة الأولى ، ويحرمون من أجورها ولو صلوا جماعة بعدد أكبر من الجماعة الأولى .
قالَ الشيخ ابن العثيمين رحمه الله :(/2)
" وأما قول القائل : إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى : فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة : فهذا ليس بصحيح ؛ فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط ، أما الثانية : فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة : ( مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟ ) فقام أحد القوم فصلى معه ؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال : ( صََلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى : فهذا ليس بصحيح ، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا ، ويصلون جماعة ويقولون : أخذنا أجر سبع وعشرين درجة ، فهذا لا أعلم أحداً قال به ، أي : أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة ، فلا أعلم أحداً قال بهذا " " لقاء الباب المفتوح " ( 44 / السؤال رقم 10 ) .
وأما من تأخر عن الصلاة بعذر ووصل المسجد وقد انتهت الصلاة : فيكتب له أجر الجماعة ولو صلى وحده .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) .
رواه أبو داود ( 564 ) – واللفظ له - والنسائي ( 855 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وفي " عون المعبود " ( 2 / 192 ) :
" وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير " انتهى .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98768
العنوان:
ما هي حدود تدخل الوالدين في زواج ابنهم ؟ وهل يأثم إن خالف رغبتهما ؟
السؤال:
تعرفت على فتاة أسلمت حديثاً ( كانت نصرانية ) ، واتفقنا على الزواج ، لكن أسرتي تمانع ذلك بشدة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نرجو أن تنتبه لما فعلتَه من مخالفات شرعية من التعرف على تلك الفتاة الأجنبية عنك ، ومخاطبتك لها ، ومصاحبتها ، وغير ذلك من التقصير الذي تعترف به ، واعلم أن هذه المعاصي تقتضي منك : الإقلاع عنها ، والندم عليها ، والعزم على عدم العود لها ، مع الإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة .
وبخصوص علاقتك بتلك الفتاة : فلا يحل لك محادثتها ، أو رؤيتها ، فضلاً عن مصاحبتها والخلوة بها ، ومن الجيد لك ولها أنكما فكرتما في الزواج ، فهو الوسيلة الوحيدة لجمعك بها جمعاً شرعيّاً ، فابذل وسعك فيه ، فإن لم يتيسر لك : فلا تُبقِ لتلك العلاقة أثراً ، ولعلَّ الله تعالى أن يعوضك خيراً منها ، ويعوضها خيراً منك .
وقد سبق ذكرنا لمسألة تحريم المراسلة بين الجنسين في جوابي السؤالين : ( 26890 ) و ( 10221 ) فلينظرا .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به : يُراجع جواب السؤال رقم ( 47405 ) .
ثانياً :
بالنسبة لاعتراض أسرتك على التزوج بها : فاعلم أن علاقة الوالدين بزواج ابنهم لها صور متعددة ، ومنها :
1. عدم موافقتهم على أي فتاة يختارها لنفسه زوجة .
2. عدم موافقتهم على فتاة يختارها ، لكن عدم موافقتهم تكون لأسباب شرعية ، كأن تكون سيئة السمعة ، أو تكون على غير دين الإسلام – وإن كان نكاح الكتابية جائز في أصله - .
3. عدم موافقتهم على فتاة يختارها لا لأسباب شرعية ، بل لأسباب شخصية ، أو دنيوية ، كنقص جمالها ، أو حسبها ونسبها ، وقلبه غير متعلق بها ، ولا يخشى على نفسه لو ترك التزوج بها .
4. الصورة السابقة نفسها ، لكنَّ قلبه متعلق بها ، ويخشى على نفسه الفتنة لو أنه ترك التزوج بها .(/1)
5. إجباره على فتاة يختارونها له ، ولو كانت ذات دين وجمال .
والذي يظهر لنا من حكم تلك الصور السابقة : أنه يجب على الابن طاعة والديه في الصورتين الثانية والثالثة ، ويتأكد الوجوب في الصورة الثانية ، ففي الصورة الثانية الأمر فيها واضح ، وطاعتهما ملزمة ؛ لأنه سيقدم على أمرٍ فيه شر لابنهم وقد ينتشر ليصيبهم ، وفي الصورة الثالثة : الأمر فيها مباح له ، وطاعتهما واجبة ، فيقدم الواجب على المباح .
وأما الصورة الأولى والرابعة والخامسة : فلا يظهر أنه يجب عليه طاعتهما ؛ فاختيار الزوجة من حق الابن ، وليس من حق والديه ، ويمكنهم التدخل في بعض الحالات ، لا فيها كلها ، فمنعُه من التزوج بأي فتاة يختارها بغض النظر عن كونها متدينة أم لا : تحكم لا وجه له ، ولا يلزمه طاعتهما .
وكذا لو تعلق قلبه بامرأة ، وخشي على نفسه الفتنة لو أنه لم يتزوج بها : فهنا لا تلزمه طاعتهما إذا أمراه بتركها ، وعدم التزوج بها ؛ لما يؤدي ذلك إلى شر وفتنة جاءت الشريعة لدرئهما عنه .
ويتأكد عدم طاعتهما في الصورة الخامسة ، وهي أن يلزماه بفتاة هم يختارونها ، وهذا ليس مما يلزمه طاعتهما فيه ، وهو بمنزلة الطعام والشراب ، فهو يختار ما يشتهي ليأكله ويشربه ، وليس لهما التحكم في ذلك .
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله :
ليس للوالدين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله (أي : ابن تيمية) : إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد ، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقا ، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه : كان النكاح كذلك ، وأولى ، فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة ، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول ، تؤذي صاحبه ، ولا يمكنه فراقه . انتهى كلامه .
" الآداب الشرعية " ( 1 / 447 ) .
وعليه نقول :(/2)
إذا كانت تلك الفتاة قد أسلمت وحسن إسلامها ، وكان قلبك معلَّقاً بها ، وكنت تخشى على نفسك الفتنة لو أنك تركتها : فنرى أن تتزوجها ، ولو لم توافق أمك ، وأولى من هذا أنك تخشى على دينها أن تُفتن فيه ، بسبب عدم وجود من يرعى شأنها وأمرها .
ونوصيك بمحاولة بذل الجهد لإقناع والديك ؛ لتجمع بين الخيرين : طاعتهما ، والتزوج بمن تعلق قلبك بها ، ولك أن تتزوج دون علم والدتك ، مع الحرص على هدايتها ، وإرشادها ، والدعاء لها ولوالدك .
واعلم أنه حيث جاز لك التزوج بمن ترغب ، ولم تُلزم بطاعة والديك : فلا تخشَ دعاءهما عليك ، وغضبهما منك ؛ لأنه دعاء بإثم ، ولا يقبله الله منهما ، إن شاء الله ، إلا أن تكون ظالماً لهما معتدياً عليهما ، وحيث جاز لك التزوج دون الالتزام بما يرغبانه فلست آثماً ولا ظالماً .
وانظر – للأهمية - : جوابي السؤالين : ( 82724 ) و ( 84052 ) .
وانظر جوابي السؤالين : ( 21831 ) و ( 5512 ) .
وفي تلك الأجوبة بيان لكثير من الصور التي ذكرناها .
وانظر جواب السؤال رقم ( 5053 ) ففيه بيان حقوق أمك عليك ، وحقوقك على أمك .
ثالثاً :
اعلم أنه لا يجوز لك التزوج بتلك الفتاة من غير ولي لها ، فإن كان ثمة ولي لها من أهلها من المسلمين : فيجب موافقته على الزواج - ولا ولاية لكافرٍ عليها إن هي أسلمت - ، فإن لم يوجد أحد من المسلمين من أوليائها : تولى أمرها أحد المسلمين ، كقاضٍ شرعي ، أو مفتٍ للمسلمين ، أو إمام مركز إسلامي ، وبكل حال : لا يحل لها التزوج من غير ولي .
وانظر - للأهمية - : جواب السؤال رقم ( 7989 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98769
العنوان:
حكم برمجة الألعاب الإلكترونية
السؤال:
هل يجوز تصميم ألعاب الكمبيوتر ( بدون موسيقى ) التي تستخدم على الجوال أو أجهزة الكمبيوتر وبيعها ؟
الجواب:
الحمد لله
الخطر في الألعاب ( الإلكترونية ) يكمن في جهتين :
الأولى : في طريقة اللعبة والصيغة التي أنشأها عليها المبرمجون .
الثانية : في طريقة استعمال هذه الألعاب وكيفية تعاطي الناس معها .
أما عن طريقة اللعبة وما تحتويه من صور ومراحل وشخوص وأهداف : فهذه مسؤولية تتحملها مؤسسات البرمجة التي تنتج الألعاب ( الإلكترونية ) ، فهي التي تملك توجيه هذه الألعاب نحو تحقيق أهداف سامية : من غرس للقيم والأخلاق الفاضلة ، وتنمية لمهارات التفكير والذكاء ، وتربية على حسن التصرف والتعامل مع المواقف الطارئة ، إلى جانب تحقيق التسلية والمتعة المباحة لرواد هذه الألعاب .
ولا شك أن المتخصصين في برمجة الألعاب ( الإلكترونية ) على اطلاع أدق في تفاصيل الألعاب التي يمكن إنتاجها وتسويقها ، ولعلهم يدركون كل ما يدعو إليه التربويون من ضرورة ترشيد الإنتاج ومراقبة الاستعمال ، خاصة مع انتشار الدراسات والأبحاث والنداءات الكثيرة لإنقاذ الأبناء من أضرار طمع وجشع تجار الألعاب ( الإلكترونية ) ومنتجيها .
فالألعاب التي تعوِّد القتل المجرد ، والسرقة ، والاعتداء ، ليست كالألعاب التي تنمِّي الشجاعة ، والدفاع عن الحرمات ، وحفظ الأمانات ، وإرجاع الحق لصاحبه .
كذلك الألعاب التي تقيِّد التفكير ، وتحصر الذهن في مشاهدَ وأعمالٍ محدودةٍ ، ليست كتلك التي تنطلق بالذهن والفكر نحو الإبداع والإنتاج .(/1)
إلا أننا نطمع في الانطلاق نحو إشباع هذه الألعاب بالقيم الصالحة النافعة ، كالحفاظ على الطاعات - وأهمها الصلاة - ، والحفاظ على الوقت ، والاهتمام بالعلم والدراسة ، والصدق ، والأمانة ، والوفاء ، وغيرها ، ليس فقط في تركيب هذه القيم ضمن التكوين الكلي للعبة ، بل بلفت أنظار المستعملين لها بطريقة أو بأخرى ، حتى تعلق في أذهان المرتادين الذين هم في الغالب في المراحل العمرية الأولى .
والخطر كل الخطر في محاولة تقليد الألعاب التي تنتجها شركات المتاجرة بالقيم ، والتي لا ترقب في إنتاجها إلا تحقيق المتعة ، والشهوة ، والمردود المادي الكبير ، على حساب الأسرة والمجتمع ، وأغلب هذا الإنتاج السيئ يأتينا من قبل المبرمجين من غير المسلمين ، وللأسف أيضاً يأتينا من كثير من الشركات المسلمة التي غفلت عن تعاليم دينها وقيم مجتمعاتها .
لذلك تجد الكثير من هذه الألعاب – إن لم نقل أكثرها – تستبيح التعري ، والقمار ، والسحر ، والموسيقى ، وتنتشر فيها صور الصليب والقصص الخيالية التي تعتدي على الإيمان بعالم الغيب من الجنة والنار والملائكة والبعث بعد الموت ، ولو تأمل المبرمج المسلم لوجد شركات البرمجة العالمية حريصة على غرس معتقداتها والدعوة إلى دينها – على بطلانه وفساده – فكيف يغفل هو عن الدعوة إلى دينه وفضائل الأخلاق عبر ما يصنعه وينتجه ؟! .
وقد سبق بيان شيء من الأفكار السابقة عند حديثنا عن حكم الرسوم المتحركة في جواب السؤال رقم ( 71170 ) .(/2)
أما الخطر الذي يأتي من جهة استعمال هذه الألعاب وطريقة التعاطي معها : فذلك حديث واسع قد لا يكون للمبرمج فيه علاقة ، إلا من حيث حرصه على التوجيه والإرشاد لأفضل طرق الاستعمال التي تحقق الفوائد وتدفع المضار ، فما المانع من نشر هذه التعليمات في بداية كل لعبة تنتجها الشركة ؟ أو نشر هذه الإرشادات على شكل ورقة مطوية تصحب جميع أقراص الألعاب ، كما يمكن توجيه الآباء الذين يقبلون على شراء تلك الألعاب لأبنائهم .
والمقصود من هذه الإرشادات هو التوجيه النافع لهذا النوع من التسلية ، كي لا يطغى على أوقات الأبناء فيحول بينهم وبين أداء الواجبات الدينية والدنيوية الأخرى ، والتحذير من الأخطار المتوقعة من جراء المبالغة في استعمالها ، كالأخطار الصحية على العين ، والظهر ، والسمع ، ونحو ذلك ، وكذلك التنبيه على الفئات العمرية المناسبة لكل لعبة ، فمن المعلوم أن ألعاب الكبار قد لا تصلح للصغار ، والعكس كذلك ، فلا بد من الحرص على التزام كلٍّ بما يناسبه ، وهذا كله يحتاج إلى توجيه وإرشاد لا يعرفه إلا المبرمج الذي يتقي الله تعالى ، والذي يملك الوعي الكامل ويتحمل المسؤولية تجاه دينه ومجتمعه .
والخلاصة :
أن المبرمج الذي يلتزم بالضوابط الشرعية السابقة ، ويراعي في عمله ما سبق التنبيه عليه : فلا حرج عليه فيما يصنع - إن شاء الله تعالى - ، بل لعله يؤجر على ما ينشر من خير في مقابل ما ينتشر من الشر ، والله سبحانه وتعالى مطلع على قلبه وقصده .
ويمكنك – أيضاً - مراجعة جواب السؤال رقم ( 2898 ) في تفصيل حكم " الألعاب الإلكترونية " .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98771
العنوان:
أهدى لأمه هدية ثم أوصت له بها بعد وفاتها
السؤال:
أحضرت هدية قيمة لوالدتي قبل وفاتها ؛ وحصل أنها قالت للجميع إن هذه الهدية ترجع لمن أتى بها بعد وفاتي ؟ هل تعتبر هذه من الميراث الذي أستأذن به إخوتي ، مع العلم أنهم ليس لديهم مانع في ذلك ؟ ولكن ما حيرني هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ) ، هذا في حال إذا اعتبرنا هذه الهدية من الميراث .
الجواب:
الحمد لله
ما أهديته لوالدتك وقبلته منك ، صار ملكا لها ، والأصل أن يدخل في تركتها التي توزع على جميع ورثتها ، إلا أن قولها : إن الهدية ترجع لمن أتى بها بعد وفاتي ، صريح في الوصية لك ، وهي وصية لوارث كما ذكرت ، وقد روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ولا تنفذ هذه الوصية إلا بموافقة الورثة ، بشرط أن يكونوا راشدين ، وأما غير الراشد كالصغير ، فلا تعتبر موافقته ، ولا يجوز أن يُنقص من نصيبه شيء لصالح الموصى له .
جاء في إحدى روايات الحديث السابق عن ابن عباس رضي الله عنه : ( لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " ( ولا وصية لوارث , إلا أن يجيز الورثة ذلك ) وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح ، بغير خلاف بين العلماء . قال ابن المنذر , وابن عبد البر : أجمع أهل العلم على هذا . وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة , قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث ) . رواه أبو داود . وابن ماجه , والترمذي ... وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث ، ولا تصح لوارث ، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره : ( إلا أن يشاء الورثة ) " انتهى . والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98775
العنوان:
حكم طلاق السكران
السؤال:
رجل كان يسكر فيضرب زوجته , ويطلقها مرات عدة شفهيا , كما كان يقول لها "أنت طالق بالثلاث " وهو ليس في وعيه , وبعد ذلك يصالحها , لكنه الآن تاب إلى ربه وأصبح يصلي وندم على ما كان يفعل فما حكم الشرع ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف أهل العلم في طلاق السكران إذا كان سكره بتناول ما يحرم عليه من الخمر بأنواعها هل يقع أم لا ؟ على قولين :
القول الأول : أن طلاقه يقع ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك ، وأحد القولين للشافعي وأحمد رحمهم الله .
قالوا : لأن عقله زال بسبب معصية ، فيقع طلاقه عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.
ينظر : "المغني" لابن قدامة (7/289). واستدلوا .
القول الثاني : لا يقع طلاقه ، وهو مذهب الظاهرية والقول الثاني للشافعي وأحمد ، واستقر عليه قول الإمام أحمد ، واستدلوا بأدلة ، منها :
1 - قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) النساء/43، فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر ، لأنه لا يعلم ما يقول .
2 - وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يقر بالزنا ، فقال : (أشرب خمرا ؟) فقام رجل وشم فمه فلم يجد منه ريح خمر . رواه مسلم (1695) . وهذا يل على أنه لو كان شرب خمرا ، فلا يقبل إقراره ، فكذلك لا يقع طلاقه .
3- ولأنه قول عثمان بن عفان وابن عباس رضي الله عنهم ، وليس لهما مخالف من الصحابة.
قال الإمام البخاري رحمه الله :
وَقَالَ عُثْمَانُ : لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ .
قال ابن المنذر رحمه الله : هذا ثابت عن عثمان ، ولا نعلم أحدا من الصحابة خلافه .
4 - ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره .
5 - ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم .(/1)
6 - ولأن العقل شرط التكليف ولا يتوجه التكليف إلى من لا يفهمه .
وينظر : "مجلة البحوث الإسلامية" (32/252) ، "الموسوعة الفقهية" (29/18)، "الإنصاف" (8/433) .
والقول الثاني قد رجحه جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وأفتى به الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يقع طلاق السكران ؟ وإن كان يقع فهل يحاسب على تصرفاته المتعدية الأخرى كالزنا والقتل والسرقة ؟ فإن كان كذلك فما الفرق بين الحالتين ؟
فأجاب : " اختلف العلماء في وقوع طلاق السكران ، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع طلاقه كما يؤخذ بأفعاله ، ولا تكون معصيته عذراً له في إسقاط الطلاق ، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زنا ، أو غير ذلك .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق السكران لا يقع ، وهذا هو المحفوظ عن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه ؛ لأنه لا عقل له فلا يؤاخذ بأقواله التي تضر غيره ، والطلاق يضره ويضر غيره فلا يؤاخذ به ؛ لأن عقوبة السكران الجلد وليس من عقوبته إيقاع طلاقه ، وهكذا عتقه ، وسائر تصرفاته الأخرى كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك فكلها باطلة .
أما أعماله وأفعاله : فإنه يؤخذ بها ، ولا يكون سكره عذراً له لا في الزنا ، ولا في السرقة ، ولا في القتل ، ولا في غير هذا ؛ لأن الفعل يؤخذ به الإنسان عاقلاً أو غير عاقل ، ولأن السكر قد يتخذ وسيلة إلى ما محرم الله من الأفعال المنكرة ، وقد يحتج به ، فتضيع أحكام هذه المعاصي ، ولهذا أجمع أهل العلم على أخذه بأفعاله .(/2)
أما القول : فالصحيح أنه لا يؤخذ به ، فإذا عُلم أنه طلق في السكر عند زوال العقل ، فإن الطلاق لا يقع ، وهكذا لو أعتق عبيده في حال السكر ، أو تصرف بأمواله في حال السكر ، فإنه لا يؤخذ بذلك ، وكذلك إذا باع أو اشترى ، وكذلك جميع التصرفات التي تتعلق بالعقل لا تقع ولا تثبت ؛ لأن ذلك من تصرفاته القولية كما بينا ، وهذا هو المعتمد وهو الذي نفتي به ، وهو أن طلاقه غير واقع متى ثبت سكره حين الطلاق ، وأنه لا عقل له .
وأما إذا كان غير آثم بأن سُقي شراباً لا يعلم أنه مسكر ، أو أجبر عليه ، وأسقي الشرب عمداً بالجبر والإكراه ، فإنه غير آثم ، ولا يقع طلاقه في هذه الحال عند الجميع ؛ لأن سكره ليس عن قصد ، فلا يؤخذ به ، بل هو مظلوم ، أو مغرور " انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (29).
وانظر : "الشرح الممتع" (10/433) ط المكتبة التوفيقية .
وبناء على ذلك ، فلا يقع الطلاق على زوجة المذكور ، ونحمد الله تعالى أن وفقه للتوبة ، وهداه للاستقامة ، ونسأل الله لنا وله الثبات .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98780
العنوان:
بيان في شأن انتشار الأدعية المبتدعة
السؤال:
أود منكم نصيحة في قضية انتشرت في شبكة الإنترنت ، وهي كتابة أحاديث موضوعة وأدعية مبتدعة في المنتديات وغيرها ، مما لا نعلم فيها أهي صحيحة أو ضعيفة ، مما زاد من تأثر الناس بها ، وتداولها ، وانتشارها ، أيضا في رسائل الجوال . ومن هذا : أنني قرأت في أحدها..دعاء هز السماء : " يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش المجيد ، يا مبدئ يا معيد ، يا فعالا لما يريد ، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك ، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك ، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ، لا إله إلا أنت ، يا مغيث أغثني " وبعدها قرأت بأنه مبتدع ولا يجوز ، وأيضا هناك الكثير انتشر ... ماذا علينا أن نعمل إذا قرأنا مثل هذه الأحاديث في زمن كثرت فيه الفتن ؟ أرجو منكم إسداء النصيحة لكي أنشرها بين المنتديات ، ونحد من مثل هذه الأخطاء . لا تنسوا الدعاء لي بظهر الغيب ، وأن يوفقني في دراستي ، وأن يفرج همومنا ، ويصلح ذرياتنا ، ويجعلهم على الهدى ودين الحق ، وأن يشفي مرضنا وعامة المسلمين . باركم الله فيكم ، ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين ، وجزاكم الله الفردوس الأعلى من الجنة .
الجواب:
الحمد لله
قد رأينا – وللأسف – في السنوات الأخيرة انتشارا خطيرا لمعصية شنيعة ، هي من كبائر الذنوب ، ومهلكات المعاصي ، تهاون بها كثير من الناس ، فأفسدوا بذلك في الدين ، وتطاولوا على مقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه الظاهرة تتمثل في انتشار الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والجرأة العظيمة في التحديث عنه صلى الله عليه وسلم من غير تَحَرٍّ ولا تَثَبُّت .
ولذلك كان لزاما علينا وعلى كل مسلم غيور على دينه أن نذكر الناس ونبلغهم خطورة ما يتساهلون به ، ونحذرهم ما بلغ بهم الحال ، نصحية لله ولرسوله ولعامة المسلمين .
فنقول :
أولا :(/1)
إن واجبنا – أيها الإخوة الكرام – هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحقيق محبته بحسن اتباعه ، والمحافظة على نقاء شريعته - في زمن تطاول فيه السفهاء والحاقدون على مقامه صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن من أعظم ما يُنصر به الدين ، ويُجَلُّ به الرسول الكريم هو الصدق في نقل أقواله وأخباره ، ونفي الكذب الذي يحكى على لسانه ، فإننا إذ نعلم أن لا أحد يَقبل أن يُحكى على لسانه ما لم يقل ، أو ينقل عنه ما لم ينطق به ، فما هو الظن برسولٍ يوحى إليه من عند الله تبارك وتعالى ، وشريعتُه شريعة خالدة جاءت لتصلح أمر العباد إلى يوم القيامة ، لا شك أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الناس كراهية أن يُكذب عليه ، ولذلك روى عنه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال : ( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (رقم/4) وقد بوب الحافظ ابن حبان على حديث أبي هريرة بمعنى هذا الحديث بقوله ( فصل : ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته )
ووالله إن المسلم ليعجب حين يجد في الناس من يتوقى جُهدَهُ الوقوعَ في المعاصي الظاهرة ، من غش أو غيبة أو سرقة أو زنا ، ثم يتساهل في هذا الأمر ، يحسبه هينا وهو عند الله عظيم ، فتجده يحفظ الأحاديث المكذوبة ، ويحكيها في المجالس والمواقع ، ولا يتكلف عناء السؤال عنها ، ولا يتثبت من صحتها .
ثانيا :
ليعلمْ كل من نشر حديثا من غير تثبت من صحته – سواء برسالة في الجوالات ، أو في منتديات ( الإنترنت ) ، أو نقله من موقع إلى آخر ، أو أرفقه في رسالة – أنه يستحق بذلك العذاب والنكال في الآخرة ، هو والذي كذب الحديث وصنعه أول مرة ، فإن جرم الناقل للكذب من غير تثبت كجرم الكاذب الذي تجرأ على مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.(/2)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى – أي : يظن - أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَِيْنَ )
رواه مسلم في مقدمة صحيحه (ص/7) .
وقال النووي في شرح هذا الحديث "شرح مسلم" (1/65) :
" فيه تغليظ الكذبِ والتعرضِ له ، وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا ، وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن " انتهى .
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (32-34) :
" لقد جرى كثير من المؤلفين - ولا سيما في العصر الحاضر - على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم على رواية الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن ينبهوا على الضعيفة منها ، جهلا منهم بالسنة ، أو رغبة ، أو كسلا منهم عن الرجوع إلى كتب المتخصصين فيها . قال أبو شامة – في "الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص/54) - :
" وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم ، وإلا دخل تحت الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) رواه مسلم " اهـ
هذا حكمُ من سكت عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل ! فكيف إذا كانت في الأحكام ونحوها !؟
واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين :
1 - إما أن يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا ينبه على ضعفها ، فهو غاش للمسلمين ، وداخل حتما في الوعيد المذكور . قال ابن حبان في كتابه "الضعفاء" (1/7-8) : " في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما تُقُوِّل عليه وهو يعلم ذلك ، يكون كأحد الكاذبين ، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد قال صلى الله عليه وسلم : ( من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب . . ) ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب ، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر " .(/3)
2 - وإما أن لا يعرف ضعفها ، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم دون علم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (رقم/5)
فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا محالة ، فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن : الأول : الذي افتراه . والآخر : هذا الذي نشره !
قال ابن حبان أيضا (1/9) : " في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " اهـ
وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا "
انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله .
ثالثا :
يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حين ينتشر ما يفترونه في الآفاق ، فيقرؤه ( ملايين ) البشر ، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة ، فيتحمل هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة .
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي.. قَالَا : الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (6096)
رابعا :(/4)
نحن لا نملك – إزاء كل هذا الوعيد – إلا أن نُذَكِّرَ أنفسنا وإخواننا المسلمين بتقوى الله في ديننا وشريعتنا ، فلا نكون معاولَ هدم وإفساد ، فإن انتشار الأحاديث المكذوبة من أعظم عوامل فساد الدين ، وما هلك اليهود والنصارى إلا حين افتروا على الله ورسله الكذب ، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم تأت به الرسل ، فاستحقوا بذلك غضب الله ومقته .
فهل يريد هؤلاء المتساهلون في نشر الأحاديث من غير تثبت أن يلحقوا بمن غضب الله عليهم ولعنهم ؟!
وهل يرضى أحد أن يكون أداة تنشر ما يفسد ، وعونا للزنادقة الذين يكذبون على شريعتنا ونبينا ؟!!
أم هل يسعى من يقوم بنشر الأحاديث من غير تثبت إلى التشبه بطوائف الكذب والضلال كالرافضة الذين ملؤوا الدنيا بكذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته ؟!
وهل يعلم هؤلاء أن صلاتهم وصيامهم وعبادتهم - قد - لا تغني عنهم عند الله شيئا ، ولا تدفع عنهم عار ذلك الكذب وإثمه ، إن هم شاركوا في نشر هذه الأحاديث الباطلة ؟!
فرب معصية يتهاون بها صاحبها تهوي به في النار وتكون سببا في شقائه .
يقول أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي :
" قال شيخنا أبو الفضل الهمداني : مبتدعة الاسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين ؛ لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج ، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل ، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله ، والملحدون كالمحاصرين من خارج ، فالدخلاء يفتحون الحصن ، فهو شر على الإسلام من غير الملابسين له " انتهى .
نقلا عن "الموضوعات" لابن الجوزي (1/51)
خامسا :
وبعد ذلك كله يأتيك من يعتذر عن إفساده ونشره الأحاديث المكذوبة بقول : الأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال .
ألا فليعلم أن هذا من تلبيس الشيطان ، ومن الجهل المركب ، يعتدي به قائله ، ويتحمل به وزرا على وزر ، فإن هذه القاعدة التي يذكرها بعض أهل العلم إنما يذكرونها مشروطة بشروط عدة ، ليت من يأخذ بها يلتزم هذه الشروط ، وهي :(/5)
1- أن يتعلق الحديث بفضائل الأعمال مما له أصل في الشريعة ، وليس بالعقائد أو الأحكام أو الأخبار التي ينبني عليها فقه وعمل ، بل وليس بفضائل الأعمال التي ليس لها أصل في الشريعة .
2- ألا يكون شديد الضعف : فالحديث الموضوع والمنكر لا يجوز روايته ولا العمل به باتفاق أهل العلم .
3- ألا يعتقد نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
4- أن يصرح من ينقل هذا الحديث بضعفه ، أو يشير إلى ضعفه باستعمال صيغة التمريض : يُروَى ، ويُذكَرُ..ونحو ذلك .
( هذه الشروط مستخلصة من كلام الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (3-4) ونقل بعضها عن العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد )
وانظر حول العمل بالحديث الضعيف جواب السؤالين (44877) و(49675) .
إذن ، لم يقصد أهل العلم القائلون بهذه القاعدة تجويز ما يقوم به هؤلاء الذين ينشرون في المنتديات كل حديث وكل رواية ، صحيحة أو مكذوبة أو ضعيفة .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (36) :
" ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء - فضلا عن العامة - متساهلين بهذه الشروط ، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه ، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره ، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به ، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا ، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين ، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد " انتهى .
سادسا :
إذا تاب العبد من نشر الأحاديث المكذوبة ، أو علم حرمة ما قام به بعد أن كان جاهلا بالحكم ، فباب التوبة مفتوح ، ولكنه مشروط بالبيان بعد الكتمان ، والإصلاح بعد الإفساد .
يقول الله تعالى : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/160(/6)
لذلك ينبغي على كل مسلم أن ينشر الأحاديث الصحيحة بدلا من المكذوبة الموضوعة ، وكُتبُ السنة الصحيحة مليئةٌ - بفضل الله - بالأحاديث الثابتة التي لو قضى المرء عمره في حفظها وفهمها ما كاد يحيط بها ، ويكفيه في ذلك أن يجد عالما من علماء الحديث قد حكم على الحديث بالصحة والقبول ، فيقبله منه وينشر الحديث مع حكم ذلك العالم عليه .
وأما من كان وقع في نشر الأحاديث الواهية فعليه أن ينشر بيانات العلماء في حكمها ، وفي موقعنا العديد من الإجابات على أحاديث ضعيفة منتشرة في المنتديات ، يمكنه الاستفادة منها .
ومن ذلك الحديث المذكور في السؤال ، فقد سبق بيان ضعفه في جواب السؤال رقم (98821)
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
98782
العنوان:
تسمية المكتبة باسم الشيخ ابن عثيمين
السؤال:
لقد فتحت مكتبة لبيع الأدوات المدرسية ، وصورة طبق الأصل ، والكتب الدينية والقصص.....إلخ وسميت المكتبة باسم أحد علماء الإسلام ، و هو الشيخ محمد العثيمين رحمه الله . وقد قال لي بعض الأخوة هنا إن هذا لا يجوز ؛ فهل هذا صحيح ، أو يجب أن أغير هذا الاسم ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في تسمية المكتبة باسم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، أو باسم غيره من المشهورين بالعلم والديانة ، أو الجهاد ، أو نحو ذلك ، وليس هناك ما يمنع من ذلك ، بل في ذلك إحياء لاسمهم ، وتذكير بفضلهم وجميل أثرهم ، ما دام الاسم لا يروج لشخص من أهل البدع أو الانحراف ونحوهم ، وما دامت المكتبة لا يباع فيها أمور منكرة يسيء وجودها لاسم الشيخ رحمه الله .
وعلى ذلك جرى عمل الناس ، فسميت المكتبات بابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم ، ولم ينكره أحد من أهل العلم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98792
العنوان:
هل يتزوج مطلقة ، رغم معارضة والديه ؟
السؤال:
أنا رجل ملتزم دينيا ، وأريد أن أتزوج ، وقد تعرفت على سيدة مطلقة ، وهي أكبر مني بعدة سنوات ، وصاحبة دين ولقد أردت دائما أن أظفر بذات الدين ، والحمد لله وجدتها هي ذات الدين والجمال والخلق والنسب والمال كما دلنا الرسول على مواصفات الزوجة الصالحة ؛ لقد أحببتها حبا جما لصفاتها الحسنة وعقلها المتزن , وتلك الصفات لا أجدها أبدا فيمن في سني!! عرضت الموضوع على أهلي فرفضوا بشدة ، وأنا أعلم أني في حال عدم زواجي بها لن تستقيم حياتي أبدا ، وسأكره والدي كرها لم يره بشر من قبل ، ولكنى سأعاملهما بالحسنى ابتغاء مرضاة الله فقط . فهل يجوز لي الزواج بغير رضا والدي ؟ وما يعاقب والدي لأنهما منعا حلال الله لأسباب دنيويه ، وليس لأسباب دينية ؟ وفى حال رفض أهلها أيضا ؛ بم تنصحونهم ؟ وأريد أن أعف نفسي بالزواج ، حيث إنى أستطيع الباءة ، كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم .
الجواب:
الحمد لله :
فإنك أيها الأخ الكريم قد أبديت شدة احتياجك إلى هذه النصيحة ، فنسأل الله تعالى أن يوفقك للانتفاع بها ، على قدر ما أبديت من حاجة إليها ، وألا يكلك إلى نفسك التي سولت لك أن والديك غير ناصحين لك ، وأنك قد تكرههما كرها لم يره بشر إذا حالا بينك وبين هواك ؟!!
أيها الأخ الكريم ؛ أتريد أن نتحدث معك من خلال عقلك الكبير الذي يسبق سنك ، ولا يتفهمه والداك ؟
أم تريد منا أن نتحدث معك من خلال عاطفتك التي طغت على كل شيء عندك ، حتى على نظرتك إلى أبويك ؟(/1)
أما العقل الكبير ، فلن نقول لك هنا : كم من أناس أهلكتهم عقولهم ، وأرداهم إعجابهم برأيهم .. ، لن نحتاج إلى أن نقول لك شيئا من ذلك ؛ بل نقول لك ، وهذا لا بد أن تعلمه من نفسك ، كما يعلمه كل عاقل ، وتشهد به التجارب : لقد خسرت قسطا كبيرا من عقلك هذا ( الكبير ) من جراء ما أنت فيه ، وصرت تفكر بعاطفتك الجياشة ، التي ملكت عليك حياتك !!
فإن كابرت في تلك الحقيقة ، نعيذك بالله من هذا ، فاستمع الآن ، وأنت المتديِّن جدا ، على حد قولك ، إلى قول رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء :
( مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ) رواه البخاري (304) ومسلم (80) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قَوْله : ( أَذْهَبُ ) أَيْ أَشَدّ إِذْهَابًا , وَاللُّبّ أَخَصّ مِنْ الْعَقْل وَهُوَ الْخَالِص مِنْهُ , ( الْحَازِم ) الضَّابِط لِأَمْرِهِ , وَهَذِهِ مُبَالَغَة فِي وَصْفهنَّ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الضَّابِط لِأَمْرِهِ إِذَا كَانَ يَنْقَاد لَهُنَّ فَغَيْر الضَّابِط أَوْلَى " انتهى .
وصدق الأعشى حين قال :
وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ !!
فنرجو منك أن تفتح لما تقرأ الآن قلبك عقلك ، واصدق الله وانصح لنفسك : كيف تعرفت على هذه المرأة ؟ وكيف وصل بك الحال إلى أن (أحببتها حبا جما) ؟
اعلم أنك لو تعرفت عليها تعرفا أدى بك إلى هذه الحال في مجلس تحفيظ للقرآن الكريم ، لكان هذا المجلس آثما ينهى عن مثله ، فكيف بغيره من المجالس والملتقيات ؟(/2)
إنك ما أحببتها حبا جما إلا بعد نظر محرم ، استماع محرم ، واتباع لخطوات الشيطان حتى جعلك ترى هذه المرأة على تلك الصورة التي ربما لم تكن عليها في واقع الأمر ؛ فألقى في قلبك أن ليس في الناس مثلها ، حتى آل بك الأمر إلى أن ترى والديك يحولان بينك وبين سعادتك ، وإلى أن تكرههما كرها لم يره بشر ، يا أيها المتدين العاقل ؟!!
وحتى رحت تسأل : " وما عقاب والدي عند الله لأنهما منعا حلال الله لأسباب دنيويه .. "
أتريد أن تتشفى بما يكون لهما من العقاب عند الله ، لتبرد نار الشوق والحرمان في صدرك ؟!! أم أنك مشفق عليهما من عقاب الله وعذابه ؟!!
على أية حال ، والله ما نعلم لهما عقابا عند الله ، ما داما يجتهدان في النصح لك ، والسعي فيما يصلحك ، ويصلح لك ؛ هذا إن أخطآ ، فكيف إن أصابا في ذلك ، وإنا لنسأل الله ألا يحرمهما من الأجر على كل حال ؛ أجر تربيتك ، والصبر عليك ، والنصح لك ، والاهتمام بأمرك ...
ولو سألت عن الاختيار بين الأمرين : أن تبدأ حياتك بطريقة تغضب والديك ، وتسبب القطيعة ، أو ترضيهما على حساب عاطفتك ، واختيارك لنفسك ؟!!
لقلنا : السؤال خطأ ، فرضا الوالدين لا يعدله شيء ، فيكف يوزن بمثل ذلك ؟!!
وإن أردت نصيحتنا ، فلا تقدم على شيء لا يرضاه والداك ، وإن كنت تريد صاحبة الدين ، فصاحبات الدين سواها كثير ، فاختر منهن ما تناسبك ، وترضي والديك ، لتجمع بين الحسنيين ، وليست المرأة التي تفوتك هي نهاية العالم ، كما يتصور العاشقون ، بل أمر الزواج أيسر من ذلك ، إنما هو المودة والرحمة والسكن ، وهذا من الممكن تحصيله ـ بسهولة ـ بين الأشخاص الأسوياء !!
وهذا كله نقوله لك ، إن كنت ترضى منا أن نخاطبك من خلال عقلك الكبير ، فاحذر أن تكون ما أنت فيه جذوة من الشوق ، لا تلبث أن تخبو عند مصادمة الحياة الواقعية .(/3)
فأما إن أبيت ذلك ، ورأيت أنك لن تستقيم حياتك ، وسوف تكره ... ، معاذ الله ، فلنخاطبك الآن بحكم عاطفتك التي أسكرتك ، وغطت على عقلك ، حتى لم تقدر لما تقوله وزنا ؛ فالهوى والعشق حالة مرضية ، كما قال ابن القيم رحمه الله :
" فصل : في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناس فيه :
فالذي عليه الأطباء قاطبة أنه مرض وسواسي ، شبيه بالماليخوليا ، يجلبه المرء إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور والشمائل ، وسببه النفساني الاستحسان والفكر " انتهى من روضة المحبين (137) .
فلتتزوج هذه المرأة التي تعلقت بها ، وليس هناك ما يمنع من ذلك ، حتى وإن لم تتقبل أعراف الناس ذلك بسهولة ، لكننا ننصحك أن تستشير في ذلك من تثق بعقله ودينه ممن يعرفك ويعرفها ، أو على الأقل أن تتحرى عن دينها ، من طرف محايد ، لا يتأثر رأيه بعاطفة جياشة ، ولا بموقف رافض لفكرة زواجك بها من الأساس .
فإن صح لك أنها صاحبة الدين التي تبحث عنها لتعف نفسك ، فلا يعنينا الآن أن يكون ما قالته عن زوجها صحيحا ، لأن مثل هذا الأمر لا يجوز الخوض فيه , ولا قبول رأيها فيها ، لأن بينهما خصومة ، وليس من اللازم للطلاق أن تقع تلك الجرائم ، وليس من اللازم أيضا للزواج بالمطلقة أن تكون ضحية لمثل ذلك ، فقد يكون هو زوجا صالحا خيرا ، وتكون هي كذلك ، لكن الحياة لم تستقم بينهما !!
إننا معك في أن نظرة المجتمعات للمطلقات ، بل وللأرامل أيضا ، هي نظرة جاهلية في المقام الأول ، حتى لتكاد تحكم على الواحدة منهن بالإعدام من الحياة الاجتماعية السوية ، وأخذ فرصة أخرى للعيش الكريم .
وفي هذه الحال ننصح والديك بالتوقف عن معارضة زواجة ، مراعاة لما وصل إليه أمرك ، ما دام أنه لا يوجد ما يطعن في دين المرأة ولا خلقها ، وليس من حقهما حينئذ ـ وقد بذلا نصحهما ـ أن يكرهاك على أمر لا تريده ، أو يمنعاك مما تعلقت به نفسك .
وانظر جوابي السؤالين رقم (30796) ورقم (20152) .(/4)
لكن يبقى موافقة أهلها هي على ذلك ، فهذا ليس له حل عندنا ، بل لا بد من موافقة أهلها ، ولا يحل لك أن تنكحها من غير إذن وليها ، ولو قدر أن هذا يحل ، أفيعقل أن تعيشا في منعزل عن أهلك وأهلها ، وأن تعادي أنت أهلك لأجلها ، وتعادي هي أهلها لأجلك ؟!!
هذا ـ فقط ـ في قصص العشاق ، وأفلام العواطف الجياشة ، وأما الحياة الواقعية ، فينبغي أن تكون لها موازينها و ضوابطها .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ، وألهمنا رشدنا ، ووقانا شر أنفسنا .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
98793
العنوان:
حكم دخول غرف المحادثة على شبكة ( الإنترنت ) للتسلية
السؤال:
أرجو أن تفيدني بحكم دخولي لـ ( الشات ) وصفحات ( الدردشة ) ، حيث إن دخولي لها هو فقط للتسلية والنظر في بعض الموضوعات المطروحة ومناقشتها ، ولا يخفاكم شيخنا ما يتخلل هذه الأماكن من كلام فاحش وبذيء... أفدني حفظك الله بهذا الخصوص ، ولك مني جلّ محبتي ودعائي.
الجواب:
الحمد لله
إن مما ينبغي على العبد المسلم : الحرص على تقويم النفس وتهذيبها ، والارتقاء بها إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وذلك يعني منه طول المجاهدة وحسن السياسة ، وأهم ما يمكن أن يعينه على ذلك : تجنب أماكن الفساد ، وموارد الهلاك ، فقد اتفق علماء السلوك على أن النفس مجبولة على الضعف والميل في أصل تكوينها ، وأن العقل هو الذي يضبطها ويوجه طاقتها ، فإذا أسلم العقلُ النفسَ إلى مراتع الفساد والهوى : فقد لا يملك بعد ذلك أن يعيدها إلى حياض النجاة والخلاص .
وهكذا هي مجالس اللهو والعبث – أخي السائل - فقد كانت – وما زالت بصورتها المعاصرة على الإنترنت – مصارف لاستنفاد الطاقات وتضييع المواهب وإهدار الإنجازات ، يجتمع عليها أهل البطالة ممن لا يحملون رسالة العمل والنجاح في حياتهم ، فيهدرون فيها أوقاتهم وأعمارهم التي هي أغلى ما يملكون ، ويقضون أيامهم في القيل والقال ، فلا هم أقاموا دنيا ولا التزموا بدين .
والمسلم حين يستشعر نعمة الفراغ التي أكرمه الله بها لا يملك إلا أن يبحث عن أفضل عمل يملأ به أيامه وساعاته ، وليس فقط عن عمل حسن يسد عنه ذلك ، ولذلك تجد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن أفضل الأعمال التي ينالون بها أرقى المراتب عند الله تعالى ، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يسألون.(/1)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) .
رواه البخاري ( 6412 ) .
مغبون : أي : ذو خسران فيهما كثير من الناس .
قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن الغيرة على الوقت - :
غيْرة على وقت فات ! وهي غيرة قاتلة ، فإن الوقت وَحِيُّ التقضي – أي : سريع الانقضاء – أبيُّ الجانب ، بطيء الرجوع ...
والوقت عند العابد : هو وقت العبادة والأوراد ، وعند المريد هو وقت الإقبال على الله ، والجمعية عليه ، والعكوف عليه بالقلب كله .
والوقت أعز شيء عليه ، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك ، فإذا فاته الوقت : لا يمكنه استدراكه البتة ؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص ، فإذا فاته وقت : فلا سبيل له إلى تداركه .
" مدارج السالكين " ( 3 / 49 ) .
وإن أهم ما يساعد على اغتنام الأوقات الهروب من المجالس الخاوية ، وترك فضول الكلام ، والنأي عن أهل الكسل والبطالة ، ومصاحبة المجدين النبهاء الأذكياء المتيقظين للوقت والدقائق ، والانغماس في متعة المطالعة والاستزادة من المعرفة .
فالعاقل الموفق من يملأ حاضر عمره ووقته بفائدة وعمل صالح نافع ، فيترقى في مدارج السمو والرفعة ، يطلب علما أو يكتب درسا أو يتعلم صنعة أو يزور رحما أو يعود مريضا أو ينصح ضالا أو يتكسب رزقا يقوم به على عياله يكفهم عما في أيدي الناس .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا – أي : فارغا – لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .
ذكره أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأمثال " ( 48 ) .
وليس في حياة المسلم تسلية في سماع المعاصي ورؤية المنكرات ، وأنت تعلم أن هذه المحادثات فيها ما يخالف الشرع من الفحش في القول ، والسوء في الخلق ، فهل الدخول في هذه المستنقعات الآسنة هو مما ينفع المسلم ، ومن الذي يحرص عليه في حياته .(/2)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ) . رواه مسلم ( 2664 ) .
ولو سألك الله تعالى يوم القيامة عن هذه الأوقات التي أضعتها في القيل والقال ، والكتابة والمحادثة فيما لا ينفعه ، بل هو يضرك : فماذا سيكون جوابك ؟ .
عن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفيمَ أَنْفَقَهُ ، وعن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ ) . رواه الترمذي ( 2417 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 126 ) .
واعلم – أخي – أخيراً :
أن هذه غرف المحادثة قد أفسدت أخلاق كثيرين ، وقد فرَّقت بين أحبة ، وطلَّق رجال زوجاتهم بسببها ، وخسرت نساء شرفهن بسببها ، واغتر ضعاف الإيمان وقليلو العلم بما فيها من شبهات وانحرافات فزلت أقدامهم ، والواجب على المسلم إذا سمع عن بيئة فتنة أو معصية أن ينكر على أهلها ويصلح حالهم – إن كان على ذلك من القادرين - ، أو ينأى بنفسه عن تلك البيئات ولا يغتر بقوة إيمانه ، أو أنه عارف بأحوالهم ، وإنما هو يتسلى !
فحذار أخي السائل الكريم من الانغماس في مجالس المحادثة على شبكة ( الإنترنت ) ، وانأ بنفسك عما فيها من الفحش والبذاءة ، فهي مجالس قليلة النفع كثيرة الضرر ، لا تنفع في دنيا ولا تنجي في الآخرة .
وإذا وجدت في نفسك انجراراً نحو الفتنة والمعصية ، من محادثة النساء من غير حاجة ، وتوسع في الحديث مع هذه وتلك : فاعلم أنك على خطر عظيم ، نرجو أن تنجو بنفسك منه
وتعتقها من قيود الشيطان الرجيم .
وقد سبق في موقعنا التنبيه على خطر مجالس المحادثة هذه في أجوبة كثيرة ، منها :
( 34841 ) و ( 78375 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98817
العنوان:
تحديد أجرة الإعلان في المواقع بحسب عدد المتصفحين
السؤال:
بالنسبة لخدمة الإعلانات على الإنترنت فهناك موقع مثل جوجل يقوم بوضع الإعلانات على موقعك وأنت كصاحب موقع تأخذ مالاً مقابل كل مستخدم يضغط علي إعلان جوجل الموضوع في موقعك ، والذي يوجه لموقع الشركة المعلنة ، فمثلا إذا ضغط المستخدمون على 10 إعلانات أخذ من جوجل 10 دولار . فهل هذا يجوز ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا العقد الموصوف في السؤال عقد جعالة لا مانع منه شرعاً ، إذا كانت هذه الإعلانات خالية من الحرام أو الإعانة عليه .
ومن صور الجعالة الجائزة التي ذكرها الفقهاء : أن يقول : ( من رد بعيري الشارد فله كذا ) ، والدليل على جواز الجعالة قول الله تعالى : ( وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ ) يوسف/72 ، والإجماع منعقد على جوازها ، حكى ذلك غير واحد من أهل العلم منهم ابن قدامة في المغني (6/20) ، حيث قال : ولا نعلم فيه مخالفا .
والجعالة نوع من الإجارة ، ولكن يتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة ، فتصح الجعالة مع جهالة العمل المتعاقد عليه ، كما في رد البعير الشارد ، فقد يرده بعد عمل كثير أو قليل .
ومن ذلك : الصورة المسئول عنها ، فإنك لا تدري كم من المستخدمين سيدخلون على هذا الإعلان .
فما دام قد حدد الأجر المادي مقابل دخول كل مستخدم ، فلا مانع من ذلك شرعاً .
لكن يجب معرفة محتوى هذه الإعلانات حتى لا تكون إعلانات لأشياء محرمة ، فحينئذ يحرم الإعلان عنها أو أخذ الأجرة على ذلك لقول تعالى : ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (101806).
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
98819
العنوان:
قول أصحاب البرامج: إذا أعجبك البرنامج فيمكنك التبرع لصاحبه
السؤال:
بالنسبة لمن يصنع برامج الكومبيوتر هناك أنظمة لبيع هذه البرامج ومنها أن تجعل البرنامج مجانا لأي شخص كي يستخدمه وتضع عبارة مثلا مع البرنامج أنه إذا أعجبك البرنامج يمكنك التبرع لصاحب البرنامج على حساب... وأيضا إذا كان موقعاً فيكتب من أراد التبرع للموقع ..فهل هذا يعتبر بيعاً فاسداً أم تعتبر هبة أم يعتبر مما أخذ بسيف الحياء ؟
الجواب:
الحمد لله
هذه الصورة هبة مقيدة بقيد ، وهذا القيد هو قوله : " إن أعجبك هذا البرنامج فبإمكانك أن تتبرع لمالكه " وهذا القيد صريح في أن هذا ليس بيعاً ، لأن تسميته تبرعا يعني أن المالك لا يُلزم مستخدم البرنامج أن يدفع عوضا في مقابل الاستخدام .
وعليه ؛ فإن هذا القيد جعل هذه المعاملة هبةً وقد تتحول الهبة إلى بيع ، إذا اشترط المُهْدِي على المُهْدَى له أن يدفع له مالاً معيناً – مثلاً- مقابل هذه الهدية .
قال ابن قدامة في "المغني" (5/398) : " فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما , صح . نص عليه أحمد ; وحكمها حكم البيع " انتهى .
وبهذا يتضح أنه لا حرج من استخدام هذا البرنامج بغير مقابل ، وليس بيعا فاسدا ، ولا هو من قبيل أخذ أموال الناس بسيف الحياء ، إذ ليس هذا من مواطن الحياء ، فمالك البرنامج لا يرى المستخدم ولا يعرفه ، فلا يتصور أن يستحي منه .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98821
العنوان:
الدعاء الذي أنقذ الصحابي من اللص ، وفيه ( يا ودود ! يا ذا العرش المجيد ! )
السؤال:
أود أن أتبين درجة هذه الأحاديث ؛ لأنها تصلني على البريد الإلكتروني ولا أعلم صحتها : اقرأه 3 مرات والله يستجيب بإذن الله : ( يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش المجيد ، يا مبدئ يا معيد ، يا فعالا لما يريد ، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك ، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك ، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ، لا إله إلا أنت ، يا مغيث أغثني ، ثلاث مرات )
الجواب:
الحمد لله
هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصة مشهورة منتشرة في المنتديات ، لعل من المناسب ذكرها حتى يتبين أمرها :(/1)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى ( أبا معلق ) ، وكان تاجراً يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق ، وكان ناسكا ورعا ، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح ، فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك ، قال : ما تريد إلى دمي ! شأنك بالمال ، فقال : أما المال فلي ، ولست أريد إلا دمك ، قال : أمَّا إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات ؟ قال : صلِّ ما بدا لك ، قال : فتوضأ ثم صلَّى أربع ركعات ، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال : ( يا ودود ! يا ذا العرش المجيد ! يا فعَّال لما يريد ! أسألك بعزك الذي لا يرام ، وملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ، أن تكفيني شرَّ هذا اللص ، يا مغيث أغثني ! ثلاث مرار ) قال : دعا بها ثلاث مرات ، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه ، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه فقال : قم ، قال : من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم ؟ قال : أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة ، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي : دعاء مكروب ، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله .
قال أنس رضي الله عنه : فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب ) .(/2)
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " ( 64 ) و" الهواتف " ( 24 ) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " ( 5 / 166 ) وبوَّب عليه : " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق " ، وأخرجه " أبو موسى المديني " – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الإصابة " ( 7 / 379 ) في ترجمة " أبي معلق الأنصاري " ونقل عنه أنه أورده بتمامه في كتاب " الوظائف " ، وكذا رواه عنه تلميذه ابن الأثير في " أسد الغابة " ( 6 / 295 ) - : جميعهم من طريق الكلبي يصله إلى أنس رضي الله عنه .
وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الرواية عنه :
فمرة يرويه عن الحسن عن أنس – كما هي رواية ابن أبي الدنيا - .
ومرة يرويه عن الحسن عن أبي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة عن سند أبي موسى المديني - .
ومرة يرويه عن أبي صالح عن أنس – كما في رواية ابن الأثير عن أبي موسى المديني .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - :
وهذا إسناد مظلم ... الآفة إما من الكلبي المجهول ، وإما ممن دونه ، والحسن – وهو البصري – مدلس وقد عنعن ، فالسند واهٍ .
فمن الغريب أن يُذكر ( أبو معلق ) هذا في الصحابة ، ولم يذكروا ما يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي ! ولذلك – والله أعلم – لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب " ، وقال الذهبي في " التجريد " ( 2 / 204 ) : له حديث عجيب ، لكن في سنده الكلبي ، وليس بثقة ، وهو في كتاب " مجابو الدعوة " ، ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي : " ليس بثقة " ، وفي هذا إشارة منه إلى أنه لم يلتفت إلى قوله في الإسناد : " وليس بصاحب التفسير " ؛ لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه ليس بثقة ، وقد قال في " المغني " : " تركوه ، كذَّبه سليمان التيمي ، وزائدة ، وابن معين ، وتركه ابن القطان ، وعبد الرحمن " .(/3)
ومن الغرائب أيضاً : أن يَذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه ، معلقا إياها على الحسن ، ساكتاً عن إسنادها ! .
" السلسلة الضعيفة " ( 5737 )
قلت :
وللكلبي متابعة من قبل مالك بن دينار ، فقد أخرج القشيري في " الرسالة القشيرية " ( 2 / 85 ، 86 باب الدعاء ) القصة بسياق مشابه فقال :
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال : حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال : أخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال : أخبرنا بشر بن عبد الملك قال : حدثنا موسى بن الحجاج قال : قال مالك بن دينار : حدثنا الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه ... فذكر الحديث .
لكنها متابعة غير صالحة ، إذ في هذا السند علتان :
الأولى : محمد بن عبد ربه الحضرمي : لم أقف له على ترجمة .
الثانية : بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج : لم أعرفه أيضا ، فكل مَن تُرجم لهم بهذا الاسم ثلاثة :
1. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي ، روى عن : غسان بن الربيع ومحمد بن سليمان لوين وجماعة ، وروى عنه : الطبراني .
" تاريخ الإسلام " الذهبي ( أحداث سنة 300 هـ ) .
2. بشر بن عبد الملك ، أبو يزيد الكوفى نزيل البصرة ، روى عن : عون بن موسى ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري ، كتب عنه : أبو حاتم بالبصرة ، وروى عنه : أبو زرعة ، وسئل عنه فقال : شيخ .
" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم ( 2 / 362 ) .
3. بشر بن عبد الملك العتبي ، يروى عن : يحيى بن سعيد الانصاري ، روى عنه : أبو سعيد الأشج .
" الثقات " لابن حبان ( 6 / 97 ) .
وهم كما ترى لا يبدو أن أحداً منهم هو المذكور في الحديث .
إلا أن الحافظ ابن ماكولا في " الإكمال " ( 5 / 101 ) ذكر راوياً عن موسى بن الحجاج باسم ( بشران بن عبد الملك ) فقال :(/4)
وأما بشران : فهو بشران بن عبد الملك ، أظنه موصليّاً ، حدَّث عن موسى بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار .
انتهى .
فلعله هو المقصود ، وتصحف اسمه في كتاب " القشيري " إلى " بشر " .
أما ابن السماك فهو ثقة ، ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي ( 17 / 312 ) .
وكذا مالك بن دينار ( 127 هـ ) ترجمته في " تهذيب التهذيب " ( 10 / 15 ) .
والخلاصة :
أن القصة والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه ، إلا أن جمل هذا الدعاء وعباراته ليس في شيء منها نكارة ، بل كلماته صحيحة عظيمة تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة ، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاة من دعا بها ، أو اعتقاد نصرة الله تعالى لمن ذكرها ، فذلك متوقف على صحة السند به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أن السند لم يصح : فلا ينبغي اعتقاد ذلك ، ومن أحب أن يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون أن ينسبها إلى الشرع : فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
98822
العنوان:
حكم فتح محلات للحلاقة الرجالية
السؤال:
حكم محلات الحلاقة الرجالية ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في فتح محلات الحلاقة الرجالية ، وممارسة هذه المهنة ، بشرط تجنب المحرمات كحلق اللحية ، والأخذ من الحواجب ، وقص الشعر على هيئة فيها تشبه بالكافرين ، وانظر السؤال رقم (34722) ورقم (1189) .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سائل يسأل بأن له قريباً لديه صالون حلاقة مؤجر على عامل ونصحه بأن هذا العمل محرم ، وأن المال سحت ، وأنه لا يجوز حلق لحى المسلمين ، فقال : أنا لم آخذ من العامل إلا إيجار المحل مائة وخمسين ريالاً ، والناس أحرار في حلق لحاهم ، وأنا لم أجبرهم بحلقها عنده .
فأجاب : " إن هذا الصالون إن كتب عليه كتابة ينفذ ما فيها : ممنوع حلق اللحية ، إن كتب هذه العبارة وصار من طلب منه أن يحلق اللحية أبى عليه ، فلا بأس أن يطلب رزق الله ، أما إذا كان سيحلق لمن طلب منه الحلق إما حلق الرأس أو اللحية فإنه لا يجوز، وعليه أن يستبدل هذا الصالون ويبدله بما هو خير منه ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه . فالحاصل أن فتح الصوالين للحلاقة فيه تفصيل : إذا كان الإنسان سيمتنع من حلق ما يحرم حلقه ؛ فلا بأس ؛ هذا من أسباب الرزق ، وإن كان سيحلق ما طلبه المحلوق ولو كان حراماً فإنه لا يجوز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (79/13).
وسئل أيضا رحمه الله : " لدي محلات دكاكين وأريد أن أقوم بتأجيرها على بعض صوالين الحلاقة فهل في ذلك حرج ؟(/1)
فأجاب : في ذلك حرج إذا أجرت الدكاكين للحلاقين فإنه من المعلوم حسب العادة أن الحلاقين يحلقون كل شيء ، يحلقون الرأس ويحلقون اللحية بل ربما كان حلق اللحى لديهم أكثر من حلق الرؤوس هذا هو العادة والغالب ، وعلى هذا فلا يجوز تأجير الدكاكين للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها اللحى ، فحينئذٍ لا بأس ، وإذا ثبت أنه حلق لحية في هذه الدكاكين كان لمؤجر الدكان أن يفسخ الإجارة ؛ لأن المستأجر أخل بشرطٍ صحيح لم يوفِ به . هذا هو الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة بمعنى أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقاً محرماً كحلق اللحى ، ويدل لذلك أن تأجيرها إعانةٌ لهم على فعل هذا المحرم ، وقد قال الله تعالى ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، ويدل على تحريم أجرتها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ) والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98829
العنوان:
زوجها مريض نفسيّاً ويؤذي زوجته فكيف تتصرف معه ؟ وهل له حقوق ؟
السؤال:
امرأة تسأل عن حق زوجها ، حيث إن زوجها مريض نفسيّاً ، ومختل ، وهو لا يتدخل في أمور الحياة المنزلية ، ودائماً يتهمها بالإثم ، وهي بعيدةٌ عنه ، وهو أب لـ 10 أفراد ، تزوج أولاده من دون معاونته لهم ، مما يؤدي ذلك لانفعال زوجته من هذا الأمر ، ولا تطيقه في الكلام معه . راجين منكم حكم الشرع في هذا الأمر ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي زوجك عاجلاً غير آجل ، ونسأل الله أن يُعظم لك الأجر على صبرك وتحملك ، وهذه المصيبة التي ابتلاكم الله تعالى بها تؤجرون عليها لو أنكم صبرتم واحتسبتم الأجر عليها .
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) . رواه مسلم ( 2999 ) .
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذى وَلاَ غمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكَها إِلاَّ كفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه " . رواه البخاري ( 5318 ) ومسلم ( 2573 ) .
ثانياً:
مرض زوجكِ إما أن يكون معه مُدرِكاً لأفعاله وتصرفاته ، أو لا يكون مُدرِكاً ، فإن كان مدركاً : فهو مؤاخذ بما يقول ، وبما يفعل ، ولا يحل له قذفك ، ولا التخلي عن تربية أولاده ، ويجب عليه القيام بما أوجبه الله تعالى عليه من الطاعات ، وعدم فعل ما نهاه الله تعالى عن فعله .
وفي هذه الحال يجب عليكِ أداء حقوقه الزوجية ، ولا يحل لك التهاون بها .(/1)
وإن كان مرضه لا يُدرِك معه تصرفاته وأفعاله : فقد سقط عنه التكليف ، ولا يؤاخذ بما يقول ، ولا بما يفعل ، إلا إن تعلق فعله بحق غيره ، فلصاحب الحق أن يأخذ حقه من مال زوجك ، أو من أوليائه ، كما لو تعدى على غيره بالقتل ، أو حطَّم له سيارته ، أو ما يشبه ذلك من الأفعال .
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ : عن النائمِ حتى يستيقظَ ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل - أو يفيق - ) .
رواه أبو داود ( 4398 ) والنسائي ( 3432 ) وابن ماجه ( 2041 ) .
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال ابن حزم – رحمه الله - :
وأما من لم يبلغ , أو بلغ وهو لا يميز ، ولا يعقل ، أو ذهب تمييزه بعد أن بلغ مميزاً : فهؤلاء غير مخاطَبين ، ولا ينفذ لهم أمر في شيءٍ من مالهم ؛ لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاث , - فذكر : - الصبي حتى يبلغ , والمجنون حتى يبرأ ) .
" المحلى " ( 7 / 200 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :
وأما العاقل فضده : المجنون الذي لا عقل له ، ومنه الرجل الكبير ، أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إلى حد : فقد التمييز ، وهو ما يًعرف عندنا بـ " المهذري " : فإنه لا تجب عليه الصلاة حينئذ لعدم وجود العقل في حقه .
" مجموع الفتاوى " ( 12 / السؤال الأول ) .
وينظر كلام أهل العلم في تصرفاته وأثرها في جواب السؤال رقم ( 73412 ) .
وبالنسبة لاتهامك بالإثم : فإن كنتِ تعنين " الزنا " : ففي حاله الثانية : لا يقع منه قذف ؛ لتخلف شرط مهم وهو العقل ، ومثله – أيضاً – لا يمكن أن يلاعن .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 11 ) :
اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاذف : البلوغ والعقل والاختيار ، وسواء أكان ذكراً أم أنثى ، حرّاً أو عبداً ، مسلماً أو غير مسلم .
انتهى
والخلاصة :(/2)
إما أن تتحملي ما يجري منه إن كان غير مدرك لتصرفاته وأفعاله بسبب مرضه واختلال عقله ، وإما أن ترفعي أمرك للقضاء الشرعي ليحكم القاضي بأهليته للبقاء لك زوجاً ، أو يحكم بفسخ النكاح .
وإن كان مدرِكاً لتصرفاته : فإما أن تتحملي ما يجري منه ، وإما أن تطلبي منه الطلاق ، فإن أبى : فترفعين أمرك للقضاء الشرعي ليفصل بينكما .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98920
العنوان:
شراء السلع عن طريق البنك حتى لا تستولي عليها الدولة
السؤال:
ليزينك : أحد العقود في بنوك بلدنا , وأصل ماهية هذا العقد أنه يجمع بين دين (قرض) وإجارة في عقد واحد . وموقف البنك من هذا العقد وساطة بين المشتري والبائع , بأن يعقد دينا للمشتري ويستأجر سلعة من البائع وأحيانا هو يكون بائعا بشكل أنه يقدم دينا للبائع ويشتري العقار (أو السلعة: جهاز، آلة..الخ) ثم يؤجره للبائع نفسه أو يبيعه له. ويضع البنوك شروطا لحماية حقوقهم وللاستفادة من الربح أكثر ومن أمثلة ذلك: 1. صيانة وتعمير القطع التالفة والمصاريف لها تكون في ذمة المشتري بعد تسليم البضاعة مع منع البيع والتطوير والتغيير في حقه 2. ولا تنتقل السلعة إلى تصرفه تاما إلا بعد دفع كل دفعات ليزنك للبنك 3. دفعات ليزنك تحسب بإضافة فائض ربوي (%) على أصل قيمة السلعة وتقسم على زمن محدد (يقدرونه من سنة إلى 5 سنوات) 4. إذا لم يتم دفع دفعات ليزنك في وقته يضاف إليه 5% زيادة عل كل مدة تزاد عليه، وإذا لم يتم دفعه حتى بعد هذه المدة تسحب منه السلعة وتسلم لصاحبه وقصدنا من هذا السؤال: أن في بلدنا الآن ليس فقط حرب مع الإسلام فحسب، بل مع أصحاب الأموال أيضا, فبمجرد بروز أموالهم في الساحة إما يتهمون كممولين لإسلاميين أو سحب منهم أملاكهم وتصادر بدون أي اعتراض أو امتناع أو يعرضون أنفسهم للخطر والهلاك والتصفية الجسدية. ونحن قادرون على شراء هذه الأجهزة مباشرة بدون تدخل أو مشاركة البنك، ولكن ذلك معرض للخطر ونحن نريد حماية حقوقنا حتى لا تسحب منا أملاكنا ونحتمي بنظامهم هم، حتى إذا أرادوا سحب الأملاك نقول لهم: ادفعوا الديون للبنك وخذوا الأجهزة أو أن هذا الملك باسم البنك الفلاني، فلا يستطيعون التعرض لها. وهل يمكن تغير بعض الأحكام الشرعية في ظل هذه الظروف كما ثبت عن عمر بن الحطاب إسقاطه لحد السرقة في عام الرمادة. جزاكم الله خيرا وأجزل مثوبتكم(/1)
في الدنيا والآخرة
الجواب:
الحمد لله
أولا :
شراء السلع عن طريق البنك له صورتان :
الأولى : أن يكون البنك مجرد مموّل ، يقرض العميل ثمن السلعة أو يدفعها نيابة عنه ، مقابل أن يسترد المبلغ وزيادة ، كأن يكون ثمن السلعة ألفا ، فيستردها ألفا ومائتين ، وهذه صورة محرمة ؛ لأن حقيقتها قرض بفائدة ، فهو ربا .
الثانية : أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا ، ثم يبيعها على العميل بثمن مؤجل أكثر ، وهذا لا حرج فيه ، وهو ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء ، ولا يجوز للبنك أن يعقد البيع مع العميل حتى يشتري السلعة ، لما ثبت من النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك .
وله أن يأخذ وعدا من العميل بشراء السلعة حال تملكه لها ، وهذا الوعد غير ملزم .
ثانيا :
للبنك - في حال بيع السلعة على العميل – أن يحتفظ بالمستندات ، حتى يسدد العميل جميع الأقساط ، وقد نص الفقهاء على جواز رهن المبيع على ثمنه ، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي : " لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة ".
ثالثا :
بناء على ملك العميل للسلعة ، فإن صيانتها ، وضمان تلفها عليه ، لكنه يمنع من بيعها إذا كانت مرهونة للبنك ، إلا بإذنه .
رابعا :
لا يجوز للبنك أن يشترط فائدة أو غرامة على التأخير في سداد الأقساط ؛ لأن ذلك من الربا المحرم .
والأصل أنه لا يجوز التعاقد مع البنك في حال وجود هذا الشرط الربوي ؛ لما في ذلك من التزام الربا والرضا به ، لكن جوز الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الدخول في عقد (بطاقة الفيزا ) مع وجود هذا الشرط الربوي ، إذا اضطر الإنسان لذلك .
وعليه فيمكن الأخذ بهذا ، في حال عدم القدرة على إلغاء الشرط الربوي ، والخوف من استيلاء الدولة على أموال المسلمين وممتلكاتهم .
خامسا :(/2)
لا يجوز النص على الفائدة ، كأن يقول البنك إن ثمن السلعة ألف ، والفائدة خمسمائة ، وإنما تندرج الفائدة ضمن ثمن السلعة ، كما سبق .
جاء في نص قرار مجمع الفقه الإسلامي : " ثانياً : لا يجوز شرعاً ، في بيع الأجل ، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط ، مفصولة عن الثمن الحال ، بحيث ترتبط بالأجل ، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطها بالفائدة السائدة ".
سادسا :
عقد الإجارة المنتهي بالتمليك ، على الصورة الواردة في السؤال ، لا يجوز ، وينظر السؤال رقم (14304)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
98922
العنوان:
كتابة القرآن في الجوال بغير الرسم العثماني
السؤال:
نحن شركة كمبيوتر تقوم بتطوير برنامج أذكار ليعمل على أجهزة الهاتف المحمولة. ضمن مواصفات البرنامج: عرض بعض الأذكار وبعض الآيات والأحاديث التي تحث على الذكر والدعاء وذلك على شاشة الجهاز. يوجد بعض الصعوبات الفنية في عرض الآيات بالرسم العثماني وبالتشكيل . السؤال هو هل يجوز عرض بعض الآيات القليلة بدون رسم عثماني وبدون تشكيل وذلك على شاشة جهاز الهاتف لتذكير صاحبه بالذكر والدعاء ؟ وجزاكم الله خيرا
الجواب:
الحمد لله :
المصحف لا تجوز كتابته بغير الرسم العثماني المتفق عليه منذ عهد الصحابة :
قال أشهب : " سئل مالك رحمه الله : هل تَكتب المصحف على ما أخذتْه الناس من الهجاء ؟ فقال : لا ؛ إلا على الكِتْبة الأولى .
رواه أبو عمرو الداني في المقنع ، ثم قال : " ولا مخالف له من علماء الأمة " ...
وقال الإمام أحمد رحمه الله : " تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك " ...
وقد قال البيهقي في شعب الإيمان : " من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف ، ولا يخالفهم فيها ، ولا يغير مما كتبوه شيئا ؛ فإنهم أكثر علما ، وأصدق قلبا ولسانا ، وأعظم أمانة منا ؛ فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم .
وروى بسنده عن زيد قال : القراءة سنة . قال سليمان بن داود الهاشمى يعنى ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع .
قال : وبمعناه بلغني عن أبى عبيد في تفسير ذلك وترى القراء لم يلتفوا إلى مذهب العربية في القراءة إذا خالف ذلك خط المصحف واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القائمة التى لا يجوز لأحد أن يتعداها . " انتهى .
[ انظر : البرهان في علوم القرآن ، للزركشي (1/379) والإتقان للسيوطي (4/146) ](/1)
وقال السيوطي رحمه الله في الإتقان : " أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالا وإثباتا وحذفا ووصلا وقطعا " انتهى من الإتقان في علوم القرآن (1/250) .
وهذا كله فيما إذا كان الغرض كتابة المصحف ، يعني : كاملا .
وأما كتابة آية منه ، أو بعض آيات ، ونقلها في كتب العلم ، أو المجلات النافعة ، أو نحو ذلك ، فلا بأس به ، وعليه جرى عمل الناس في كتبهم ، وإن كان الأحسن مراعاة رسم المصحف ، متى أمكن ذلك ، بنقله من المصحف مباشرة .
وقد سبق بيان حكم ذلك في السؤال رقم (97741)
وعليه :
فلا حرج فيما ذكرت من عرض بعض الآيات الكريمة على شاشة الجوال بغير الرسم العثماني ، إذا تعذّر عرضها بالرسم العثماني ، مع مراعاة أن تكون الآيات المكتوبة بهذه الطريقة مما يسهل قراءتها عادة ، ولا يحصل فيها الغلط ، ومراعاة ضبط ما يشكل منها حتى لا يحصل الخطأ في قراءتها ونشرها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98931
العنوان:
هل يتزوج من ابنة ابن عمته
السؤال:
أريد الزواج من فتاة متدينة وجميلة أعجبت بها ، ولكنها من قرابتي حيث إنها تكون ابنة ابن عمتي ، وهو متزوج من بنت عمي ، أي أن الفتاة تكون ابنة ابن عمتي وابنة بنت عمي ، فهل يجوز لي بالشرع والإسلام الزواج منها ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم يجوز لك الزواج من الفتاة المذكورة ، التي هي ابنة ابن عمتك ، وابنة بنت عمك ، لأنه لا محرمية بينك وبينها ، وقد تزوج علي رضي الله عنه من فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي ابنة ابن عمه .
فبنات عمك وبنات عمتك ، حلال لك ، وكذلك بناتهن ، وإن نزلن ، وبنات خالك وبنات خالتك حلال لك ، وكذلك بناتهن ، ولعله قد أشكل عليك أن المتعارف عليه تسميتك عمّاً لمثل هذه الفتاة ، لكن هذا مجرد تعارف ، ولا يترتب عليه تحريم النكاح .
وانظر في مسألة الزواج من القريبات ، الجواب رقم (72263)
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98933
العنوان:
تسأل عن أمور اعتادها بعض الناس في حفلات الزفاف
السؤال:
ما حكم مسكة يد العروسة إذا كانت من الورود ؟ ما حكم شرب العصير للزوجين في حفل الزفاف ؟ ما حكم تقطيع كيكة العروسة في حفل الزفاف؟ ما حكم لبس الدبل للعريس والعروسة؟ علما بأن كل هذه الأشياء أصبحت من عادات وتقاليد المجتمع .
الجواب:
الحمد لله
حث الشرع على إحسان الزوج إلى زوجته وملاطفتها لا سيما عند دخوله بها ليذهب عنها الوحشة التي قد تجدها منه ، ولذلك خص البكر بأن أعطاها سبعة أيام إن تزوجها على أخرى ، والثيب بثلاثة أيام ، خصهن بذلك قبل أن يقسم الزوج بينها ، وبين زوجاته اللاتي في عصمته ، وكل ذلك ليذهب الوحشة بين الزوجين . وفي ليلة الدخول بها جاء الشرع بآداب لتحقيق ذلك المقصود من ذلك ملاطفة الزوجة بتقديم شيء من الشراب ونحوه، قال العلامة الألباني رحمه الله في آداب الزفاف: " يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : إني قينت (أي زينت) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها (أي للنظر إليها مكشوفة) فجاء فجلس إلى جنبها فأتي بعس (وهو القدح الكبير) لبن فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت فشربت شيئاً ، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أعطي تربك (أي صديقتك) انتهى .(/1)
لكن ما يفعل الآن في الأعراس من دخول الزوج على زوجته في حفل الزفاف وهي مع النساء الأجنبيات عن الزوج فيدخل وهو بكامل زينته والنساء كذلك بكامل زينتهن ، فينظر إليهن ، وينظرن إليه ، كل ذلك من المنكر الذي يجب النهي عنه ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء حيث قالت : " ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه ، وكل متجمل أتم تجميل وفي أتم زينة لا يجوز، بل هو منكر يجب إنكاره " . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (19/120) .
فإذا كان ما ذكر في السؤال يحصل في الحفل على هذه الصورة فإنه من المنكرات التي يجب تجنبها والتحذير منها، أما إذا حصل ذلك بعيداً عن نظر الأجانب فإنه لا بأس به إن شاء الله . أما لبس الدبلة للعروس أو العروسة فإنه لا يجوز لأن تلك عادة وافدة على المسلمين ففعلها تشبه بالكافرين ، وقد يصاحب ذلك اعتقاد أنها تسبب المحبة بين الزوجين ، وذلك الاعتقاد نوع من الشرك الأصغر ، وبالإضافة إلى ذلك قد يكون ما يلبسه الرجل من الذهب وهو محرم عليه، وقد بينا ذلك بالتفصيل في جواب السؤال رقم (21441) فليراجع .
وأما مسكة يد العروسة فإن كان المقصود أخذ الزوج بيد زوجته حال كونها ممسكة بورود فإنه جائز ، وكذا إن كان المقصود أخذ العروس باقة من الورود بيدها أثناء الحفل .
وما ذكرنا من المحرمات لا يسوِّغ ارتكابه كونه صار عادة عند بعض الناس في مجتمعاتنا ، بل الواجب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة العادات الدخيلة المحرمة في شريعتنا . وللفائدة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم (11446).
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
98964
العنوان:
من رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة وسلم من العذاب
السؤال:
أود أن أعرف ماذا يحدث للمسلم بعد وزن جميع أعماله على الميزان ؛ هل يذهب للجنة إذا زادت حسناته عن سيئاته ؟ أم يذهب للنار أولا لكى يتطهر من السيئات التى اقترفها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
مما يجب الإيمان به من أمور الآخرة : الميزان الذي يوزن به أعمال العباد ، كما قال سبحانه : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء/47
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَة ، وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ ، وَقِرَاءَة الْكِتَابِ ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ " انتهى .
والميزان يكون بعد الحساب ، وقبل الصراط :
قال القرطبي رحمه الله : " قال العلماء : و إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ؛ لأن الوزن للجزاء فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها ، قال الله تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } الآية . و قال ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه ) إلى آخر السورة " انتهى من "التذكرة" ص (359).
ومع أنه ـ في الواقع ـ ليس ثمة نص يبين تلك الأعمال مرتبة ، وليس في ذلك إلا اجتهادات لبعض أهل العلم ؛ فإن الترتيب الذي ذكره القرطبي عن العلماء مناسب من حيث الزمن ، لأن الله يحاسب الشخص على أعماله ويقرره بها ، ثم بعد ذلك ينصب له الميزان ليكون نتيجة لتلك المحاسبة ؛ ليُطْلِع الله العبد على مصداق تلك المحاسبة ظاهراً في ميزانه.
( انظر : الحياة الآخرة للعواجي 3/1169)
ثانيا :(/1)
إذا وزنت الأعمال ، كان الناس على ثلاثة أقسام :
الأول : من رجحت حسناته على سيئاته ، وهذا سعيد مفلح ، كما قال تعالى : ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) المؤمنون/102، 103 ، وقال : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ ) القارعة/6-11
الثاني : من رجحت سيئاته على حسناته ، وهذا إن كان مسلما ، دخل النار ، فإذا هُذّب ونقي أخرج منها ودخل الجنة ، وإن كان كافرا بقي فيها خالدا مخلدا ، كما في آية سورة المؤمنون السابقة .
الثالث : من استوت حسناته وسيئاته ، وهذا من أصحاب الأعراف ، يكونون في مكان بين الجنة والنار ، يطلعون على هؤلاء وهؤلاء ، كما قال سبحانه : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأعراف/46 ، 47 ، ومصير أهل الأعراف دخول الجنة بعد ذلك .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/289) : " لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار نبّه أن بين الجنة والنار حجاباً وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة ... قال ابن جرير : والأعراف جمع عرف ، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفاً ، وإنما قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه .(/2)
وفي رواية عن ابن عباس : الأعراف : تل بين الجنة والنار ، حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار ، وفي رواية عنه هو سور بين الجنة والنار . وكذا قال الضحاك وغير واحد من علماء التفسير . وقال السدي : إنما سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس .
واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم ؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله ... وقال ابن جرير : حدثني يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن الشعبي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة وخلّفت بهم حسناتهم عن النار ، قال فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم ... " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وَقَدْ يَفْعَلُ مَعَ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ تُوَازِيهَا وَتُقَابِلُهَا فَيَنْجُو بِذَلِكَ مِنْ النَّارِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَنَّةَ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ . وَإِنْ كَانَ مَآلُهُمْ إلَى الْجَنَّةِ فَلَيْسُوا مِمَّنْ أُزْلِفَتْ لَهُمْ الْجَنَّةُ أَيْ قُرِّبَتْ لَهُمْ إذْ كَانُوا لَمْ يَأْتُوا بِخَشْيَةِ اللَّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ " .
انتهى من مجموع الفتاوى (16/177) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سمعت من شخص يقول: إن الأعراف سور بين الجنة والنار يمكثون فيه عدداً من السنين؟
فأجاب : الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلاثة أقسام :(/3)
قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ، فهؤلاء لا يعذبون ويدخلون الجنة ، وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم ، فهؤلاء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون إلى الجنة ، وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء ، فهؤلاء هم أهل الأعراف ليسوا من أهل الجنة ، ولا من أهل النار ، بل هم في مكان برزخ عالٍ مرتفع يرون النار ويرون الجنة ، يبقون فيه ما شاء الله وفي النهاية يدخلون الجنة ، وهذا من تمام عدل الله سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق ، فمن ترجّحت حسناته فهو من أهل الجنة ، ومن ترجحت سيئاته عذّب في النار إلى ما شاء الله ، ومن كانت حسناته وسيئاته متساوية فهو من أهل الأعراف ، لكنها -أي الأعراف- ليست مستقراً دائماً ، وإنما المستقر: إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (14/16).
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
98965
العنوان:
أحكام ومسائل متعددة لزوج اكتشف علاقة غرامية بين زوجته ورجل أجنبي
السؤال:
اكتشفت أن زوجتي على علاقة غرامية بشاب ، في بادئ الأمر كان بينهما اتصالات هاتفية ، ولكن وصلت فيها الوقاحة أن أحضرته إلى البيت أثناء غيابي ، هي إلى الآن لا تعرف أني علمت بالأمر ، وأني أنوي طلاقها . سؤالي : هل يحق لي شرعاً أن أستعيد ما دفعت لها من مهر ، وأن أجبرها على التنازل عن مؤخر المهر الذي سجلته على نفسي بأوراق مثبتة في المحكمة الشرعية ؟ . سؤالي الثاني : سرقت مني زوجتي عدة مبالغ مالية ، ولم أكتشف أنها الفاعلة إلا بعد السرقة الأخيرة ، فهل يحق لي مطالبة أهلها باستعادة ما سرقته مني بالإضافة إلى استعادة المهر الذي ذكرته في سؤالي السابق ؟ . سؤالي الثالث : عندنا طفلتان ، الكبيرة عمرها سنتان ونصف ، والصغيرة عشرة أشهر ، وتوقفت عن الرضاعة من أمها ، فهل يحق لي أن أحرم زوجتي بعد أن أطلقها من تربيتهم ؛ بسبب ما فعلته من خيانة , فأنا أريد أن أربي بناتي بنفسي ؛ خوفا من سوء أخلاقها ؟ . سؤالي الرابع : زوجتي الآن حامل ، هل أستطيع أن أطلقها وهي حامل ؟ . سؤالي الخامس : حسب تقرير الطبيبة : الحمل غير مستقر إلى الآن ، وقد تتعرض للإجهاض ، إذا حصل ذلك هل يجب أن أنتظر حتى تأتيها الدورة الشهرية لكي أطلقها , ما هو التوقيت الشرعي للطلاق ؟ . سؤالي السادس : هل يكفي طلقة واحدة أم يجب أن أطلقها ثلاث مرات متباعدات . أفيدوني ، جزاكم الله عني كل خير ، فأنا بانتظار فتواكم حتى أبدأ بالطلاق .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:(/1)
لا بدَّ من تذكيرك أخي السائل قبل الإجابة على أسئلتك بأنك ترتكب إثماً عظيماً إن كنت تُخبر بخلاف الواقع ، وبه تكون قاذفاً ، تستحق الحد وهو ثمانون جلدة ، وإن كنتَ صادقاً في دعواك فهي مصيبة ولا شك وابتلاء عظيم ، ومع ذلك فإن مجرد وجود علاقة محرمة بين زوجتك وبين ذلك المجرم الآثم لا يعني حصول الزنا بينهما ، لذا فينبغي لك الانتباه وأن تعلم أن عذاب الدنيا – وهو ثمانون جلدة – أهون من عذاب الآخرة ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع من يتهم زوجته .(/2)
عن ابن عمر قال : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ ، قَالَ : فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ ، وَوَعَظَهُ ، وَذَكَّرَهُ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، قَالَ : لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ دَعَاهَا ، فَوَعَظَهَا ، وَذَكَّرَهَا ، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، قَالَتْ : لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا .
رواه البخاري ( 5005 ) ومسلم ( 1493 ) – واللفظ له - .
قال ابن قدامة - رحمه الله - :
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان : لزمه ذلك كله ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ... .(/3)
ولنا : قول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه .
وأيضا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ ) ، وقوله لما لاعن : " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة ) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة ، كالأجنبي .
" المغني " ( 9 / 30 ) .
فإن ثبت بما لا مجال للشك به أنها على علاقة محرَّمة مع أجنبي ، أو تبيَّن لك زناها ، أو اعترفت هي لك به : جاز لك التضييق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها .
وإن كانت ليست على علاقة محرَّمة ، ولم يتبين لك زناها ، ولم تعترف : لم يجز لك ذلك التضييق .
وعلاقاتها المحرمة لا ينبغي لك السكوت عليها ، فإما أن تختار البقاء معها بعد استتابتها وتذكيرها بقبح فعلها ، وإما أن تختار فراقها ، فإن كرهت بقاءها في ذمتك : فلك أن تطلقها مع إعطائها صداقها .
فأنت الآن بالخيار : إما أن تطلقها لفعلتها وتعطيها حقوقها ، وإما أن تضيِّق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها ، ولا يحل لك إبقاءها في ذمتك وهي على معصيتها دون توبة وإنابة منها .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/ 19 .(/4)
والفاحشة ليست هي الزنا فقط ، بل ويدخل في لفظها : النشوز والعصيان للزوج ، وسبه وسب أهله ، ومن باب أولى دخول علاقتها المحرمة مع أجنبي في هذا اللفظ ، وفي حكمه .
قال ابن كثير - رحمه الله - :
وقوله : ( إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المُسَيَّب ، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جُبَيْرٍ ، ومجاهد ، وعِكْرَمَة ، وعَطاء الخراسانيّ ، والضَّحَّاك ، وأبو قِلابةَ ، وأبو صالح ، والسُّدِّي ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي هلال : يعني بذلك الزنا ، يعني : إذا زنت : فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها ، وتُضَاجرهَا [ تضيق عليها ] حتى تتركه لك وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) البقرة/229 .
وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك : الفاحشة المبينة : النُّشوز والعِصْيان .
واختار ابن جرير - أي : الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه : الزنا ، والعصيان ، والنشوز ، وبَذاء اللسان ، وغير ذلك .
يعني : أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها ، أو بعضه ، ويفارقها ، وهذا جيِّد ، والله أعلم .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 241 ) .
ولا بدَّ أن تعلم أن مجرد زنا الزوجة لا يُسقط مهرها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :(/5)
ولا يسقط المهر بمجرد زناها ، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي ، قال : لا ، مال لك عندها ؛ إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها ، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد ذلك " ؛ لأنها إذا زنت قد تتوب ، لكن زناها يبيح له إعضالها ، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه ، أو تتوب .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 320 ) .
ثانيا :
ما تأخذه المرأة من مال زوجها دون علمه له حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون ذلك للإنفاق على نفسها ، وعلى أولادها ، وبيتها ، ويكون سبب فعلها ذلك : بخل زوجها ، وشحه في النفقة .
الحالة الثانية : أن يكون ذلك الأخذ لشراء كماليات ، أو لإعطاء المال لأهلها ، أو ما شابه ذلك من حالات الإنفاق .
وفي الحالة الأولى : لا يحل للزوج مطالبتها بهذا المال ؛ لأنها أخذت ما هو حق لها ؛ لأن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على رب البيت ، وإذا قصَّر فيها ، أو منعها : جاز لها الأخذ من ماله ، ولو دون علمه .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قالت هند - امرأة أبي سفيان - للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح - ( أي : بخيل ) - ، و ليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، قال : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ ) .
رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .
قال النووي - رحمه الله - في ذِكر فوائد الحديث - :
ومنها : أنَّ مَن له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه : يجوز له أن يأخذ من ماله قدْر حقه بغير إذنه .
" شرح مسلم " ( 4 / 373 ) .
وفي الحالة الثانية : لا يحل للزوجة أخذ شيء منك لغير ما سبق مما يجب عليك بذله ، فإن فعلت أثمت ، ولك أن تطالبها بما أخذته ، وإن رفضت : فلك أن تستوفي مالك من مؤخر صداقها ، أو مما لها من مال في ذمتك ، إلا أن تكون أخذت ذلك المال للصدقة على المحتاجين ، ففيه تفصيل ، لكن ليس لك مطالبتها بما أنفقته .
ثالثا :(/6)
الأصل أن الأم أحق بحضانة أولادها – قبل سن السابعة - ما لم تتزوج ، وليس المقصود بالحضانة الطعام والشراب والإيواء المادي فقط ، بل – وأيضاً ، وهو المهم - : التربية ، والتعليم ، والرعاية النفسية والخلقية ، فإن كانت الأم كافرة أو فاسقة فلا يجوز تمكينها من حضانة أولادها ، وليست العبرة في الحضانة كون الحاضن أباً أو أمّاً ، بل العبرة بما يقدمه للمحضون من رعاية وتربية على الإسلام ، وعليه : فأحق الوالديْن بالحضانة : أحسنهما دِيناً ، فإن كانت الأم بعد تطليقها على غيها ومعصيتها : لم يجز تمكينها من حضانة أولادها ، وتكون الحضانة للأب ، وإن تابت وأنابت : فهي أحق بحضانتهم ما لم تتزوج ، و ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
قال شيخنا – أي : ابن تيمية - : وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمْره الذي أوجبه الله عليه : فهو عاصٍ ، فلا ولاية له عليه ، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته : فلا ولاية له عليه ، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب ، إذ المقصود : طاعة الله ورسوله بحسب .
قال شيخنا : وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان .
قال : فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته ، ولا تقوم بها ، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة : فالحضانة هنا للأم قطعاً .
قال : ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً ، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن ، والله أعلم .
" زاد المعاد " ( 5 / 475 ، 476 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 20705 ) .(/7)
رابعا :
طلاق الحامل طلاق شرعي ، موافق للسنَّة ، ويعتقد كثير من العامة أنه لا يقع ، وقولهم لا أصل له في الشرع ، بل هو طلاق سنِّي .
وقد روى مسلم ( 1471 ) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً " .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - :
وأما الحامل : فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنَّة ، من أول الحمل إلى آخره ؛ لأن عدتها أن تضع ما في بطنها ، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهراً ، أو حاملاً ، ولم يخصَّ أول الحمل من آخره .
" التمهيد " ( 15 / 80 ) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم ( 12287 ) .
وتستطيع ـ حينئذ ـ أن تطلق زوجتك طلقة واحدة رجعية ، وأنت بالخيار بعدها ، إما أن تراجعها في العدة – وهي هنا وضع حملها – إن رأيت صلاحها واقتنعت بتوبتها ، وإما أن تنتظر انتهاء عدتها فتصير بعده بائنة بينونة صغرى ، فتصبح حرة نفسها ، وتستطيع إرجاعها برغبتها وبموافقة ولي أمرها بعقد ومهر جديدين ؛ لأنها أجنبية عنك .
ولا تستطيع تطليقها ثلاث طلقات في مجلس واحد ، ولا بلفظ واحد ؛ لأنه تطليق مخالف للسنَّة.
وانظر جواب السؤال رقم (36580) .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
99022
العنوان:
الكافر لا تجب عليه الزكاة
السؤال:
هل الكافر تجب عليه الزكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
من شروط وجوب الزكاة ، أن يكون المزكي مسلماً ، فالكافر لا تجب عليه الزكاة ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه ) التوبة /54 .
وقد روى البخاري ( 1458) ومسلم ( 19) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بعث معاذ إلى اليمن ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ .. فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.. الحديث ) ، فجعل الإسلام شرطاً لوجوب الزكاة ، وأنهم لا يؤمرون بالزكاة إلا بعد دخولهم في الإسلام .
ولأن الصحابة رضي الله عنه لم يكونوا يأخذون من الذميين زكاة ، وإنما كانوا يلزمونهم بالجزية .
وإذا أسلم الكافر ، فإنه لا يلزمه قضاء الزكاة عن السنوات التي كان فيها كافراً ، بل يستأنف حولاً جديداً من وقت إسلامه ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) الأنفال / 38 .
قال النووي رحمه الله في " المجموع " ( 5/ 300 ) : " لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا يُطَالَبُ بِهَا فِي كُفْرِهِ , وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُطَالَبْ بِهَا فِي مُدَّةِ الْكُفْر " .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع " ( 6 / 15) : " فلا تجب الزكاة على الكافر ، سواء أكان مرتداً أم أصلياً ؛ لأن الزكاة طهرة ، قال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) ( التوبة / 103) والكافر نجس ، فلو أنفق ملء الأرض ذهباً لم يطهر حتى يتوب من كفره " انتهى كلامه بتصرف .(/1)
المراد بنجاسة الكافر ، النجاسة المعنوية وهي فساد اعتقاده ، وهذا لا يطهره إلا الإسلام . والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99033
العنوان:
المال غير الموثوق بحصوله ليس فيه زكاة
السؤال:
نفيدكم علما بأننا موظفون في إحدى شركات البترول في السعودية ، وقد تم ابتعاثنا إلى الخارج لمدة ثلاث سنوات ، وبعد عودتنا من الابتعاث بخمس سنوات علمنا أنه لنا مستحقات بدل سكن عن سنوات الابتعاث ، فتقدمنا بشكوى إلى المسئولين ، ونحن في شك من صرفها لنا ، وبعد سنة من تقديم الشكوى تم صرفها ، فهل على هذه المستحقات زكاة ؟ وإذا كان هناك زكاة فهل تكون مدتها منذ عودتنا من الابتعاث حتى الآن وهي ست سنوات ، أم تكون على سنة واحدة فقط وهي السنة التي تقدمنا فيها بالشكوى ، واستلمنا في نهايتها المستحقات ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا كان الواقع هو كما ذكرتم في السؤال فليس عليكم زكاة ؛ لأن هذا المال غير موثوق بحصوله ، فهو يشبه الدين على المعسر ، والصحيح أنه لا تجب فيه زكاة حتى يقبضه صاحبه ويستقبل به حولا جديداً... فهكذا المال الذي ذكرتم ليس فيه زكاة إلا إذا حال عليه الحول بعد القبض " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن باز " ( 14 / 39) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء : " إذا كان المدين معسرا أو كان مليئا لكنه مماطل ولا يمكن للدائن استخلاص دينه منه ، إما لكونه لا يجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقّه لدى الحاكم ، أو لديه الإثبات لكن لا يجد من وليّ الأمر ما يساعده على تخليص حقه ، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولاً ( أي تمر عليه سنة هجرية والمال عنده ) . وأما إذا كان المدين مليئا ويمكن استخلاص الدين منه فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول ، وكان الدَّين نصابا بنفسه أو بضمّه إلى غيره من النقود ونحوها " . "فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9/191 ) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99057
العنوان:
هل يقدم تقريرا كاذبا عن نفقاته أثناء سفره ليسدد الضرائب
السؤال:
تقوم الشركة التي أعمل بها بإعطائي مبلغا من المال لإعانتي في المعيشة من أكل ومواصلات أثناء سفري بأحد الدول الأخرى لإتمام عمل معين خلال فترة معينة ؛ فهل يجوز أن آخذ هذا المال عوضاً عن الضرائب المفروضة على الراتب الشهري المأخوذ مني وأستخدمه لأغراض شخصية . حيث إني قرأت في هذا الموقع عن حرمة أخذ الضرائب. وأن أقدم تقريرا كاذبا عن المصروفات التي صرفت خلال سفري. وجزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الواجب على المسلم أن يكون صادقا أمينا ، فلا يكذب ولا يخون ، لما في الكذب والخيانة من الإثم وسوء العاقبة .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة/119 ، وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال/27 ، وقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء/58 وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) واللفظ له .(/1)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ومسلم (59).
ثانيا :
إذا كانت الشركة تعطيك مبلغا من المال لاستعماله أثناء سفرك ، وتطلب منك تقريرا عن مصروفاتك ، فلا يجوز لك الكذب في كتابة هذا التقرير ، سواء أخذت المال لسداد الضرائب أو لغير ذلك .
وذلك أن الضرائب المحرمة إنما يقع إثمها على من يعمل بها ويفرضها ، والشركة لا علاقة لها بذلك ، ولا يجوز الاعتداء على مالها ؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه ، هذا إضافة إلى ما يتطلبه هذا العمل من الكذب ، فيجتمع في هذه الصورة : أكل المال بغير حق ، والكذب ، والخيانة ، وكل ذلك من المحرمات .
وإن استطعت أن تتفق مع الشركة على أخذ مبلغ من المال ، مع حق التصرف فيه بما تريد ، كان هذا المال ملكا لك، فتسدد من الضرائب ، أو تستعمله في أكلك ومواصلاتك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99059
العنوان:
تلفظ بالطلاق من أجل صراخ امرأته على ابنتها
السؤال:
استيقظت مذعوراً على صراخ زوجتي فقد كانت تصرخ على ابنتي وتؤنبها على توسيخها قميص زيها المدرسي . وقد غضبت من فعل الزوجة وصراخها في ذلك الوقت المبكر ونهرتها غضباً وقلت لها (طالقة إذا أنت صرخت أو تفوهت بكلمة أخرى على البنت). ولكنها عصت أمري وتفوهت بكم كلمة عليها . فما الحكم في ذلك ؟ هل الطلاق وقع عليها أم لا ؟ وإذا كان كذلك فهل تعتبر طلقة واحدة أم ثلاث؟ وماذا علي أن أفعل الآن؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ينبغي للزوج أن يتريث ويتمهّل لا سيما عند التلفظ بالطلاق ، حتى لا يندم وقت لا ينفعه الندم.
وليس من الحكمة أن يطلق الرجل امرأته من أجل أنها صرخت على ابنتها أو رفعت صوتها.
ثانياً :
هذا يسميه العلماء " الطلاق المعلق " والصحيح في حكمه : أن الزوج إذا كان قاصداً لإيقاع الطلاق فعلاً وقع الطلاق بمجرد مخالفة الزوجة ، وإذا وقع الطلاق فإنما يقع طلقة واحدة فقط.
وفي هذه الحالة عليك بمراجعتها ( إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية ) بقولك : راجعتك . والمستحب لك أن تُشهد على طلاقها ورجعتها .
أما إذا كان قاصداً منعها فقط من الصراخ ولم يقصد الطلاق فهذا حكمه حكم اليمين ، فعليك كفارة يمين ولا يقع بذلك الطلاق . وانظر جواب السؤال رقم (82400)
ولمعرفة كفارة اليمين بالتفصيل انظر جواب السؤال رقم (45676) .(/1)
رقم السؤال:
99061
العنوان:
لا زكاة في الخيل والحمير إلا إذا كانت للتجارة
السؤال:
هل في الخيل والحمير زكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
الحيوانات التي تجب فيها الزكاة هي بهيمة الأنعام :
1-الإبل .
2-البقر .
3- الغنم وتشمل الضأن والماعز .
وذلك إذا بلغت نصابا وكانت سائمة ، أي ترعى وتأكل مما في الأرض من نباتات ، ولا يتكلف صاحبها شراء علف لها . وانظر جواب السؤال رقم ( 93387) ، ( 40156) .
أما غيرها من الحيوانات فلا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت معدة للتجارة .
قال النووي في " المجموع " ( 5 / 311) : " أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم ، وأما الخيل والبغال والحمير والمتولد بين الغنم والظباء , فلا زكاة فيها , وهذا إذا لم تكن للتجارة , فإن كانت لها وجبت زكاتها ؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) " انتهى كلامه بتصرف .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : يلجأ بعض الناس ممن أفاء الله عليهم بنعمة المال إلى اقتناء الخيول الأصلية باهظة الثمن التي يصل ثمن الواحد منها آلاف الدنانير، من أجل إشراكها في السباقات بهدف الحصول على الجوائز التي تخصص لذلك ، والسؤال : هذه الخيل ونتاجها ، هل تجب فيها الزكاة وما هو النصاب ومقدار الواجب فيها ؟ .
فأجابوا : " إذا كان الواقع ما ذكر من أنها تشترى للاقتناء لا للبيع فلا زكاة فيها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس على الرجل في فرسه ولا عبده صدقة ) متفق على صحته " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 9 / 216) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99077
العنوان:
لم تدفع أجرة الكشف فماذا تفعل ؟
السؤال:
ذهبت لعيادة طبيبة وهى جارة لي للكشف باستخدام السونار في أحد المستوصفات التي تعمل فيها هذه الطبيبة ومن المفروض أن أدفع ثمن السونار للمرة الواحدة 200 ريال ، ولكنها لم تأخذ منى شيئاً باعتبارها جارة لي ، وقامت بعمل هذا الكشف لي مرتين دون مقابل . علماً بأني كنت أريد أن أدفع ، فهل علي من وزر ؟ وهل للطبيبة الحق في ذلك ؟ علما بأن جهاز الكشف ملك للمستوصف وعلى ما أعتقد أن للطبيبة نسبة تخفيض للأقارب أو المعارف ، وإني في حيرة من أمري ، هل يجب أن أرد هذا المال أم الوزر على الطبيبة أم هو جائز ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت إدارة المستوصف قد أعطت هذه الطبيبة صلاحية الكشف على بعض المرضى مجانا فإنه لا حرج عليك فيما فعلت . أما إذا لم يكن الأمر كذلك فإنه لا يجوز استعمال أدوات المستوصف بدون مقابل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أبو يعلى وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7662) .
وإذا كانت إدارة المستوصف تسمح للطبيبة بتخفيض القيمة لأقاربها أو معارفها فعليك خصم نسبة التخفيض هذه ثم تدفعين الباقي إلى المستوصف .
وعليك أن تقنعي تلك الطبيبة بأخذ الأجرة منك ودفعها إلى المستوصف بعد أن تبيني لها أن ذلك الفعل حرام – إن لم يكن المستوصف يأذن لها في ذلك .
فإن لم تفعل فالواجب عليك إيصال هذا المبلغ إلى المستوصف .
قال النووي رحمه الله في "شرح المهذب" ( 9 /428) :
" إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه " انتهى .
ولا يلزمك إخبارهم بسبب استحقاقهم هذا المال ، بل المقصود هو وصول المال إليهم بأي طريقة .
وانظري جواب السؤال رقم (31234)
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
99139
العنوان:
كلما أرادت الصلاة وجدت العقبات
السؤال:
أنا مقتنعة بما قلته عن تارك الصلاة كسلا. وخاصة بعد قراءتي لبعض المراجع. ولكن مشكلتي أني كلما أريد أن ابتدئ الصلاة يقف شيء ما عقبة أمامي إما مرض أو مشكلة يجب حلها بسرعة....... فما السبب في ذلك? الشيطان?
الجواب:
الحمد لله
الصلاة أمرها عظيم ، وشأنها كبير ، وهي أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين ، ولا حظ لتاركها في الإسلام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وقد جاء في الوعيد على تركها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ، وهي دالة على كفر تاركها ، وخروجه من الإسلام ، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (5208) .
وما دمت مقتنعة بهذا الحكم ، فما عليك إلا المسارعة والمبادرة ، فإنك لا تدرين ما يكون غدا ، بل لا تدرين ما يكون بعد ساعة ، أو بعد لحظة .
وليس هناك عذر لترك الصلاة ، مهما زعم الإنسان لنفسه أنه معذور ، فالصلاة عمل يسير لا يستغرق إلا دقائق معدودة ، لا تزيد على عشر دقائق ، تشمل الوضوء وأداء الفرض .
وإنما يحتاج المرء إلى الإيمان الصادق بأن الله تعالى فرض الصلاة ، ويريد من عبده أن يصلي ، وسيعاقبه إذا ترك الصلاة ، فإذا وُجد هذا الإيمان الصادق تحرك البدن ، وانقادت الجوارح .
وإن علاجك هو المبادرة ، فبمجرد قراءتك لهذا الجواب ينبغي أن تقومي فتتوضئي ثم تصلي الفريضة الحاضرة ، وبهذا يزول الوهم الخادع بأنك لا تستطيعين الصلاة ، أو يحال بينك وبينها ، ثم إذا حان وقت الصلاة التالية قمت فصليت ، وهكذا لن تمضي أيام حتى تشعرين بنعمة الصلاة ، ولذة الوقوف بين يدي الله .
تأملي في نفسك ، وفيما أعطاك الله من النعم والهبات ، في شكلك وعقلك وسلامة حواسك ... إلخ ، ثم تفكري : هل يليق بك جحود النعم ونكران الجميل ؟!(/1)
إن الإنسان حين يأتيه الإحسان من إنسان مثله ، يجد رغبة قوية في نفسه لرد جميله ، وشكر معروفه ، ويبحث عن الكلمات والأفعال التي يكافئ بها أخاه ، فهل تأملت في إحسان الله تعالى المتتابع ؟ وكرمه الممتد ؟ وعطائه الواسع ؟
وهل شعرت بفضل الله عليك ؟ وبكرمه معك ؟ وبمحبته لك ؟
ألا يستحق هذا منك أن تقولي : لك الحمد يا رب ، ما أعظمك وما أكرمك ، وما أجمل أن أكون في طاعتك وخدمتك ، لك وقتي ، وجهدي ، وفكري ، وطاقتي ، وكل ذلك بعض من جودك وكرمك .
والله لو تأملت ذلك لرأيت أن من حق الله عليك أن تصلي الليل والنهار ، شكرا له ، واعترافا بفضله .
تذكري أن المعاصي حجاب بين العبد وربه ، فكلما كثرت الذنوب زاد الحجاب ، فحجبه عن محبة الله ، والأنس به ، والرغبة في لقائه ، فما عليك إلا أن تتوبي إلى الله ، وتندمي على جميع الزلات والهفوات ، وتقلعي عن المعاصي والسيئات ، لا سيما مشغلات القلب ، من الغناء والموسيقى والتعلق بغير الله ، فإن هذه حجب ، تحول بين العبد وبين الانتفاع بالقرآن ، والتلذذ بالصلاة ، والأنس بطاعة الله .
وأما الشيطان فهو حريص غاية الحرص أن تدعي الصلاة ، وتسقطي من عين الله ، ليتحقق له ما يريد من الغواية والإفساد ، لكن كيده ضعيف أمام أهل الإيمان ، وليس له عليهم من سلطان . ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) النحل/99
ولعله قد لاح لك من هذا الجواب أنك بحاجة إلى ثلاثة أمور :
الأول : المبادرة لفعل الصلاة .
الثاني : تقوية الإيمان ، بالإكثار من الطاعات الأخرى ، كالذكر والصدقة وقراءة القرآن .
الثالث : الإقلاع عن المعاصي والتوبة منها ، حتى لا يكون للشيطان سبيل عليك .
ويضاف إلى ذلك ضرورة اللجوء إلى الله ، وسؤاله تعالى الهداية والتوفيق والإعانة .
ونحن نسأله سبحانه أن يشرح صدرك ، ويغفر ذنبك ، وينعم عليك بحلاوة الإيمان ، ولذة القرآن ، ونور الصلاة ، إنه ولي ذلك سبحانه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99149
العنوان:
هل يقترض بالربا لينقذ والده من دخول السجن ؟
السؤال:
يملك أبي قطعتي أرض، استثمر أولاهما في مشروع فلاحي معتمدا على ماله الخاص ، ومنح حكومية ، وقرض بنكي (ذي فائدة). وحيث إنّه لم يتمكّن من استكمال مشروعه الأوّل اضطرّ إلى استثمار القطعة الثانية في مشروع فلاحي ثان . لكنّ الدولة والبنك الفلاحي لا يقدّمان مالا لأكثر من مشروع واحد في آن واحد . فأجّر لي قطعة الأرض الثانية وكتبنا المشروع الثاني باسمي. وهكذا تعهّدت بمساعدة أبي( في حقيقة الأمر لست من يقوم على المشروع بل فعلت هذا قصد البرّ بوالدي). ومضى أبي في مشروعه وازدادت ديونه وأصبح معتمدا كلّ الاعتماد على القرض الثاني. تبيّن لي حينها أنّ القروض البنكيّة ذوات الفائدة ربا، إثم كبير لا فرق فيه بين آكله وموكله وكاتبه وشاهديه. نظرا لامتناعي عن التوقيع على القرض الثاني: . حاولنا إيجاد مصدر مال آخر، لكن من الصعب جدّا إيجاد المبلغ المطلوب في وقت وجيز، خصوصا أنّ الحاجة للمال أصبحت ملحّة الآن فالأشجار تحتاج مالا للقيام بها وإلاّ ماتت وضاعت . اضطرّ أبي إلى استعمال صكوك بدون رصيد فأصبح مهدّدا بالسجن (في بلادنا من لا يستطيع السّداد يسجن). . وبالتالي فإنّه لن يتمكّن من تسديد ديونه المتراكمة ويضيع مشروعه ويخسر أرضه المرهونة عند البنك. السؤال : هل تعتبر الظروف المذكورة ضرورة تبيح لي التوقيع على القرض الثاني؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يخفى عليك حرمة الاقتراض بالربا ، وأنه من كبائر الذنوب ، الموجبة لسخط الله وعقابه ، وأن صاحبه متوعد بالحرب من الله تعالى ، ولهذا قلّما يفلح من لجأ إلى هذا الباب .
وعليه فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يندم على ما فات ، وأن يعزم على عدم العود إليه مستقبلا .
ثانيا :(/1)
ينبغي أن يبحث والدك عن وسيلة مباحة يحصّل بها المال المطلوب ، كالتعامل بالتورق ، وهو شراء سلعة بثمن مقسط ، وبيعها لجهة أخرى نقداً بثمن أقل ، وبهذا يتمكن من تحصيل مبلغ يسدد به ما عليه . أو أن يتعامل بالسَّلَم ، فيبيع قدرا معلوما من المحصول على أن يسلمه بعد سنة أو سنتين فلا ، ويقبض ثمنه الآن .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ) رواه البخاري (2241) ومسلم (1604).
والسلف هنا هو السَّلم .
فإذا لم يجد وسيلة مباحة لتحصيل المال الذي يسدد به الدين ، وترتب على ذلك دخوله السجن وخسارة أرضه المرهونة للبنك ، فهذه ضرورة تبيح الربا .
وانظر السؤال رقم (94823) لمعرفة ضابط الضرورة التي تبيح التعامل بالربا .
وإن أمكن والدك الاقتراض بنفسه ، فلا يجوز لك الدخول في الربا بحال ، وإن لم يمكنه الاقتراض ، فقد وجهنا سؤالك إلى الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأفاد بأنه يجوز لك الاقتراض في هذه الحالة ، قال حفظه الله : " لا شك أن الربا محرم وأنه من كبائر الذنوب وأن صاحبه ملعون وأنه حرب لله وإذا كان كذلك فالأصل أنه لا يصار إليه ، لكن القاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات ، فإذا كان يترتب على ذلك ضرر يلحق الأب إما بسجن أو تعذيب أو نحو ذلك فيظهر أن هذا لا بأس به ، لو سلكوا طريقة أفضل من ذلك مثل القرض والسلم ونحو ذلك فهذا أولى .
يا شيخ : الضرر هنا واقع على الأب وليس الابن هل الحكم واحد ؟
فقال : نعم . الحكم واحد " انتهى .
كما سألنا الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان حفظه الله كما يلي : " رجل سيسجن والده لأجل دين فهل له أن يقترض بالربا لفك والده ؟
فأجاب : " إذا لم يجد طريقا إلا هذا فأرجو ألا بأس عليه للضرورة ويكره الربا بقلبه " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99154
العنوان:
القهوة هل تجب فيها الزكاة
السؤال:
هل القهوة فيها زكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
تجب الزكاة في القهوة إذا بلغت نصاباً ؛ لأنها نوع من الحبوب تكال وتدخر ، وقد روى مسلم ( 979) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ ) .
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء : " القهوة نوع من الحبوب التي تكال وتدخر ، فتجب فيها الزكاة إذا بلغت خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعًا بالصاع النبوي ، ووقت خرصها إذا اشتد الحب ، والواجب فيها العشر فيما سقي بغير مؤنة ، كالغيث والسيول وما يشرب بعروقه ، ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح والمكائن ، فإن سقي نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر . وأما الدليل على وجوب العشر فيما سقي بلا مؤنة ونصفه فيما سقي بها ، فهو ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرِيًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر ) ، وأما وجوب ثلاثة أرباع العشر ، فلأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه ، فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه . ويصرف المقدار الواجب فيها في مصارف الزكاة كسائر الحبوب والثمار " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 9 / 234) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99157
العنوان:
ليس في التين زكاة
السؤال:
هل تجب الزكاة في ثمرة التين ؟
الجواب:
الحمد لله
لا تجب الزكاة في الخضروات - مثل : الطماطم والخيار - ، ولا في الفواكه - مثل : الرمان والتين والخوخ والبطيخ - ؛ وذلك لأنها لا تكال ولا تدخر ، إلا إذا كانت للتجارة فإنه يزكى ما حال عليه الحول من قيمتها إذا بلغت النصاب كسائر عروض التجارة .
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ ) رواه مسلم ( 979) .
الشاهد قوله : ( ليس فيما دون خمسة أوساق ) ، فدل على اعتبار التوسيق ، وهو الكيل , فما لم يكن مكيلاً ، فإنه لا زكاة فيه .
قال ابن قدامة في "المغني" (2/294) : " وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْفَوَاكِهِ , كَالْخَوْخِ , وَالْكُمَّثْرَى , وَالتُّفَّاحِ , وَالْمِشْمِشِ , وَالتِّينِ , وَالْجَوْزِ " .
وقال النووي في " المجموع" (5/435) : " َاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي التِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ , وَطَلْعِ فُحَّالِ النَّخْلِ وَالْخَوْخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْمَوْزِ وَأَشْبَاهِهَا " .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " التين ليس فيه زكاة ؛ لأنه من جملة الفواكه كالرمان والكمثرى ، ونحوها ، وليس مما يكال أو يدخر " .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 233) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " في فتاوى نور على الدرب " : هل في الزيتون أو الزيت زكاة وكذلك الرمان والتين لأننا نسكن في منطقة تكثر فيها الزراعة من هذه الأشجار ؟ .(/1)
فأجاب : " هذه الأشجار ليس فيها زكاة ، وإنما الزكاة في التمر والعنب . أما الزيتون ، والرمان والبرتقال ، والتفاح والأترج ، فكلها ليس فيها زكاة ، ولكن إذا باعها الإنسان وحصل على ثمن نقد فإنه إذا بقي عنده إلى تمام الحول وجب عليه الزكاة وتكون زكاة نقد لا زكاة ثمار " انتهى .
وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 14 / 70) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99158
العنوان:
زكاة العنب
السؤال:
العنب هل تجب فيه الزكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
تجب الزكاة في العنب إذا بلغ النصاب ، وهو خمسة أوسق ( أي : 300 صاعٍ ) ؛ لما روى البخاري ( 1405) ومسلم ( 979) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) .
فيخرج نصف العشر من العنب إذا كان السقي بكلفة ، كأن يسقى العنب بالمكائن . أما إن كان السقي بدون كلفة كأن يسقى بالأمطار والأنهار فالواجب العشر كاملا .
قال النووي في " المجموع" ( 5 /440) : " لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ نِصَابًا , وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقً " .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " إذا بلغ العنب نصابا وهو خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة ، فيخرج نصف العشر من العنب ، وإذا باعه أخرج من ثمنه نصف العشر ، هذا إذا كان السقي بكلفة ، كالسقي بواسطة المكائن والسواني والرشاشات . أما إن كان السقي بدون كلفة كالسقي بالأمطار والأنهار فالواجب العشر كاملا " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 229) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99164
العنوان:
زكاة القطن
السؤال:
هل في القطن زكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا تجب الزكاة في القطن ؛ لأنه لا يكال ، فحكمه حكم الخضروات في عدم وجوب الزكاة فيه .
قال ابن قدامة " المغني " ( 2 / 296) : " َلَا زَكَاةَ فِي الْأَزْهَارِ , كَالزَّعْفَرَانِ , وَالْعُصْفُرِ , وَالْقُطْنِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ , وَلَا هُوَ بِمَكِيلٍ , فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ , كَالْخَضْرَاوَاتِ . قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِي الْقُطْنِ شَيْءٌ " .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء : " لا تجب الزكاة في نبات القطن على الصحيح من أقوال العلماء ، وهو قول جمهور أهل العلم في ذلك ؛ لأن الأصل عدم الوجوب ، ولم يثبت شرعا ما يخرج عن هذا الأصل " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 9 / 240) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " فتاوى نور على الدرب " : هل في القطن زكاة ؟ لأننا سمعنا بأن الزكاة في الحبوب والثمار فقط ؟ .
فأجاب رحمه الله : " الزكاة في الحبوب والثمار فقط ، وأما ما عدا ذلك من الخضروات والبطيخ والقطن وما أشبهه فلا زكاة فيه ، لكن إذا أعده الإنسان للتجارة بعد أن يجنيه صار عروض تجارة " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99176
العنوان:
كلمة حول قناة " شدا " وحُكم الاشتراك فيها
السؤال:
ما رأيك في قناة " شدا " التي تعرض ضمن باقة قنوات المجد ، وهي باشتراك شهري ، قناة أناشيد إسلامية ، وأنا أريد أن أشترك ، علماً بأنني لم أشاهدها ، ولكني سمعت أناساً يقولون : بأنها حرام ، وأهلي يجبرونني أن أشترك بها ، فهم يهوون ، ويحبون سماع الأناشيد . أريد منكم رأيكم في هذه القناة ، هل هي حلال أم حرام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
قناة " شدا " ليست ضمن باقة قنوات " المجد " ، وإنما قناة المجد تسوِّق القناة عن طريقها .
ثانياً :
النشيد كلام ملحَّن ، وإنما يُعرف حكمه إذا عُرف كلام تلك النشيدة ، وصفة التلحين ، وطريقة الأداء ، وهل يصاحبها معازف أم لا ؟
وبتأمل كلام العلماء والمشايخ الثقات يمكننا جمع الضوابط والشروط الشرعية التي يجب تحققها حتى يكون النشيد جائزاً ، ومن ذلك :
1. أن تكون الكلمات خالية من الكلام المحرم والتافه .
2. أن لا يصاحب النشيد معازف أو آلات موسيقية ، ولم يُبح من المعازف إلا الدف للنساء إلا في أحوال معينة .
3. أن تخلو من المؤثرات الصوتية التي تشبه صوت الآلات الموسيقية .
4. أن لا تكون الأناشيد ديدناً للمستمع ، وتستهلك وقته ، وتؤثر على الواجبات والمستحبات ، كتأثيرها على قراءة القرآن ، والدعوة إلى الله .
5. أن لا يكون المنشد امرأة أمام الرجال ، ولا يكون المنشد رجلاً أمام النساء .
6. أن يتجنب سماع أصحاب الأصوات الرقيقة ، والمتكسرين في أدائهم ، والمتمايلين بأجسادهم ، ففيه ذلك كله فتنة ، وتشبه بالفساق .
7. تجنب الصور التي توضع على أغلفة أشرطتهم ، وأولى من ذلك : تجنب ظهورهم بالفيديو كليب المصاحب لأناشيدهم ، وخاصة ما يكون من بعضهم من حركات مثيرة ، وتشبه بالمغنين الفاسقين .
8. أن يكون القصد من النشيد الكلمات لا الألحان والطرب .(/1)
وقد سبق بيان ذكر هذه الضوابط وأقوال العلماء الدالة على ذلك في جواب السؤال رقم (91142) .
ونأسف عندما نقول إن قناة " شدا " لم تراع أكثر تلك الشروط والضوابط ، وحتى تسد الفراغ في وقتها راحت تقدم كل لون ، ونوع ، من النشيد ، حتى لو كان فيه مخالفة شرعية ، فجاءوا بفرق نشيد من الذكور يلبسون لباساً موحَّداً ، و" يدبكون " ، مع استعمال المؤثرات الصوتية التي تؤدي غرض المعازف ، وبعض تلك الأناشيد كانت تصوَّر من أعراس ، وقد رؤي في الحضور من يجاهر بتدخينه أمام الناس ، ويُنقل هذا على أنه نشيد إسلامي !
وقد نقلت بعض تلك الأناشيد من مهرجانات واحتفالات ، وتسمع فيها التصفيق والتصفير تشجيعاً للمنشد وشكراً له ! وأما عن حال بعضهم من حيث حلق اللحية أو قصها للدرجة قبل الأخيرة ، أو إسبالهم ثيابهم : فحدِّث عن ذلك كثيراً .
وهناك أمر خطير في هذه الأناشيد ، وهو فتنة النساء بالمنشدين ، فترى الواحد منهم يخرج في أبهى حلة ، وبعضهم يضع المكياج ! وصاروا يضعون صورهم وأرقام جوالاتهم على أغلفة أشرطتهم ! تشبهاً بالفساق من المغنين ، وفتنة بعض النساء بالمنشدين أمر واقع لا يمكن إنكاره ، فليحذر الراعي في بيته والمسئول عن رعيته من هذا الأمر الخطير .
وقد حاول بعض القائمين على القناة أن يسوِّق لها من الناحية الشرعية عن طريق إبراز تزكية الشيخ عبد العزيز الفوزان لهم ، ولما علم الشيخ واقع حالها ، وأنها ليست ضمن باقة قنوات المجد ، وأنها للنشيد فقط – وكان قد قيل له : إنها تابعة للمجد ، وإنها قناة شبابية - : تبرأ من تزكيته تلك ، وحذَّرهم من نشرها .
وقد حذَّر من هذه القناة – أيضاً – مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله .
ففي لقاء مع سماحته عصر يوم الخميس 13 / 9 / 1427 هـ في قناة " المجد " ، في برنامجه " مع سماحة المفتى " سئل حفظه الله عن قناة " شدا " للأناشيد فأجاب :(/2)
" أما قناة " شدا " وأنها أناشيد : فأنا أرجو من القائمين على قناة " المجد " إغلاق هذه القناة ؛ لأنها في الحقيقة أناشيد قد تحمل في طياتها الأناشيد الصوفية ، ويكون فيها من الأصوات الرنانة ما يشغل الناس عما هو خير منها ، فالأساليب الصوفية ، والأناشيد الصوفية ، والسماع الصوفي : هذا أمر أنكره العلماء المحققون ، وقالوا : هذا يصد الناس عن ذكر الله ، هو غناء ، لكنهم حسَّنوه بقولهم : إنها أناشيد إسلامية ، وإنها ابتهالات ، وإنها .. ، وإنها .. .
فالمطلوب : ألا تُدخِل هذه القناة ، فأنا لا أراها ، وأنصح بتركها ، وأرجو مِمَّن سعى في إيجادها : أن يتقي الله ، ويبتعد عن هذه القناة ، وعن تأييدها ، وعن الإنفاق عليها ، ولا يغره من حسَّنها ، أو مَن دعى إليها ، أو حاول إيجاد مخرج لها ، هي مجرد أناشيد تشغل الناس عما هو خير منها " انتهى .
ومما يؤكد صحة كلام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله أنها قد تحمل في طياتها الأناشيد الصوفية :
أ. وجود رؤوس من المتصوفة مشاركين فيها ، وهم من عمالقة الأناشيد عندهم !
ب. كثرة التغني بالمدينة ، وساكنها ، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم .
ج. عبارات التصوف الكثيرة في كثير من أناشيدهم ، نحو: مولاي ، يا سندي ، أمرِّغ الخد في الأعتاب ! أغثني منك بالمدد !! وغير ذلك !
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
أرجو التفصيل في مسألة الأناشيد ، كذلك حكم بيعها ؟ .
الشيخ : أي أناشيد ؟ .
السائل : الأناشيد الإسلامية التي تباع في التسجيلات .
فأجاب : لا أستطيع أن أحكم عليها ؛ لأنها مختلفة , لكن أعطيك قاعدة عامة :
1. إذا كانت الأناشيد مصحوبة بدف فهي حرام ؛ لأن الدف لا يجوز إلا في حالة معينة ، لا في كل وقت , ومن باب أولى إذا كانت مصحوبة بموسيقى أو طبل .(/3)
2. إذا كانت خالية من ذلك نظرنا : هل أنشدت كأنشودة الأغاني الماجنة ، فهذه أيضاً لا تجوز , لأن النفس تعتاد هذا النوع من الغناء , وتطرب له ، وربما تتجاوز إلى الأغاني المحرمة .
3. إذا كانت هذه الأناشيد من فتيان أصواتهم فاتنة , يعني : قد تحرك الشهوة , أو قد يستمتع الإنسان بالصوت دون مضمون القصيدة : فهذه أيضاً لا تجوز .
أما إذا كانت أناشيد حماسية على غير الوجه الذي قلت لك : فليس بها بأس , لكن خير من ذلك أن يستمع إلى القرآن , أو يستمع إلى محاضرة جيدة مفيدة , أو يستمع إلى درس من دروس العلماء ، هذا أفضل , يستفيد فائدة دينية ، وفائدة أخرى أنه يسهل الطريق على الإنسان ؛ لأن الإنسان ربما يسافر مثلاً من مكة إلى المدينة فيحتاج إلى أشياء توقظه .
السائل : لكن ما حكم بيعها ؟ .
الشيخ : أعطيك قاعدة : كل ما حرم استعماله حرم بيعه ؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ ) - رواه أبو داود ، وهو صحيح -.
" لقاءات الباب المفتوح " ( 111 / السؤال 7 ) .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :
ونحن لا ننكر إباحة الإنشاد النزيه وحفظه ، ولكن الذي ننكره ما يلي :
1. ننكر تسميته نشيداً إسلاميّاً .
2. ننكر التوسع فيه حتى يصل إلى مزاحمة ما هو أنفع منه .
3. ننكر أن يجعل ضمن البرامج الدينية ، أو يكون بأصوات جماعية ، أو أصوات فاتنة .
4. ننكر القيام بتسجيله وعرضه للبيع ؛ لأن هذا وسيلة لشغل الناس به ؛ ووسيلة لدخول بدع الصوفية على المسلمين من طريقه ، أو وسيلة لترويج الشعارات القومية والوطنية والحزبية عن طريقه أيضاً " انتهى .
" البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " ( ص 341 ) .
و الله أعلم(/4)
رقم السؤال:
99216
العنوان:
كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد ؟ وما حكم صلاتهم خلفه ؟
السؤال:
لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى ، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات ، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله ، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله : هل ما يقال عنك صحيح ؟ فأجاب الإمام بافتخار : إنها عشيقتي ، ومن لم يعجبه حالي : فلا يصلي ورائي ، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه ، فكان جواب أبيه أنه قال : إنه لا يسمع لكلامي ، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا ، وقال : أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح . وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم ، ويُخشى عليه من الردة ، أو سوء الخاتمة ، ووجه ذلك :
1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره ، وقبح أفعاله ، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها ، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف ، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح ، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار !
قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ ) النور/ 36 ، والبيوت في الآية هي : المساجد .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أمَر الله برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنَس ، واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ..وقال قتادة : هي هذه المساجد ، أمر الله سبحانه ببنائها ، ورفعها ، وأمر بعمارتها ، وتطهيرها ...وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ، واحترامها ، وتوقيرها ، وتطييبها ، وتبخيرها " انتهى " تفسير ابن كثير " ( 6 / 62 ) .(/1)
2. والأمر الآخر : افتخاره بالمعصية وتبجحه بها ، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة ، مع التبجح بها والافتخار .
وانظر جواب السؤال رقم ( 9562 ) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته .
ثانياً:
الواجب عليكم بذل النصح له ، والأخذ على يده ، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح ، ويبينون له خطر فعله ، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا ، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة .
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم ( 55 ) .
فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات : فنعم الفعل فعله ، ولكم الأجر على ذلك ، أما إن رد عليكم نصحكم ، واستمر في غيه وانحرافه : فتنتقلون للخطوة الثانية :
1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة ، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد ، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره ، أو فصله من وظيفته .
2. منعه من الإمامة ، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة ، أو منازعات بين المصلين . وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة . وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي .(/2)
3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه ، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه : فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه ، وإثمه على نفسه ، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة ، وصحيحة ، وهي خير من صلاة المرء وحده ، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع ، وخلف أهل الفجور : ففيه نزاع مشهور ، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء : أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة : لا يجوز مع القدرة على غيره ، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع : يجب الإنكار عليه ، ونهيه عن ذلك ، وأقل مراتب الإنكار : هجره ؛ لينتهي عن فجوره ، وبدعته ، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية ؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه ، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب ، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر ، فإن الخطيئة إذا خفيت : لم تضر إلا صاحبها ، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر : ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " ( 23 / 342 ) .
وقال رحمه الله :
" الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق ، لكن اختلفوا في صحتها ، فقيل : لا تصح ، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما ، وقيل : بل تصح ، كقول أبى حنيفة والشافعي ، والرواية الأخرى عنهما ، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى " مجموع الفتاوى " ( 23 / 358 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (47884) .
ثالثاً:
وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره ، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية ، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء . وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته .(/3)
فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ).
رواه الترمذي ( 360 ) ، وحسَّنه ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون : أن صلاته غير مقبولة " انتهى " السيل الجرار " ( 1 / 255 ) .
فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه ، ونسأل الله تعالى له الهداية .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
99257
العنوان:
يجب على السجين أن يخرج زكاة ماله
السؤال:
لو حبس إنسان ، وكان له مال ، فهل يلزمه أن يخرج الزكاة ؟ .
الجواب:
من حُبس عن ماله بأن كان أسيراً أو مسجوناً ، فإن الزكاة تجب عليه ؛ لأنه مالك للمال .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " ( 4 / 275) : " وإن أُسِر المالك لم تسقط عنه الزكاة ، سواء حِيل بينه وبين ماله ، أو لم يُحل ؛ لأن تصرفه في ماله نافذ ، يصح بيعه ، وهبته ، وتوكيله فيه " .
وقال النووي رحمه الله في " المجموع " ( 5 / 316) : " إذا أُسر رب المال ، وحيل بينه وبين ماشيته ، ففي المسألة خلاف ؟ الأصح وجوب الزكاة ؛ لنفوذ تصرفه . قال أصحابنا : وسواء كان أسيراً عند كفارٍ أو مسلمين " انتهى بتصرف .
وقال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " ( 2 / 176) : " ولو أسر رب المال أو حبس ومنع من التصرف في ماله لم تسقط زكاته ؛ لعدم زوال ملكه عنه " .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99264
العنوان:
هل تقبل أن تكون زوجة ثانية أم تصبر ؟
السؤال:
أنا مطلقة وفي الأربعينات وذات حسب ومركز في الحياة العامة أيضاً وتعلمت من تجربتي السابقة درساً قاسياً لأن الاختيار كان قائماً على المظاهر ولم يكن على أساس ميزان الدين والخلق. تقدم إلي الآن من أحسبه على دين وخلق ومشهود له بالصلاح ولكنه متزوج وزوجته صديقة لأسرتي، كما أنه من حيث المكانة الاجتماعية أقل من أسرتي. ويمنعني من القبول خوفي من نظرة المجتمع، ونظرات التأنيب في عيون الزوجة، لمجرد تقدمه إلى أخي للخطبة، فما بالنا بالمضي في الزيجة. أنا من مصر وتعلم يا شيخ نظرة المجتمع المصري للزوجة الثانية. أصلي صلاة استخارة فأشعر بارتياح وأوشك أن أطلب من أخي أن يرد عليه بالقبول، ثم أحسب حساب المجتمع وتساؤل الناس لماذا أقبل بمن هو أقل من حيث الوضع الاجتماعي وكيف أخطف الزوج من زوجته وأولاده وهي صديقة الأسرة فيضيق صدري. علماً أنه لم يتقدم طمعاً في شيء وإنما رغبة منه في ستر بنات المسلمين خاصة إذا كانت البنت مشهوداً لها بالصلاح، بل إنه يشجع غيره على أن يسلك نفس المسلك من أجل عفة النساء ومن ثم المجتمع، ويتضح ذلك من شهادة أخي ، كذلك أنا لست الشابة الجميلة ويمكنه أن يتقدم لمن هي أصغر وأجمل إن شاء. هل علي ذنب إذا رفضت ؟ وما هو رأيكم يا شيخ هل أرفض وأصبر عسى الله أن يرزقني بغيره؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن نظرة كثير من المجتمعات الإسلامية ( ومنها المجتمع المصري ) إلى تعدد الزوجات على أنه خيانة للزوجة الأولى ، أو أنه مما يعاب به الزوج أو الزوجة الثانية ، لا شك أن تلك النظرة خاطئة ، تخالف شرع الله تعالى ، حيث أباح للرجل أن يعدد الزوجات إلى أربع . قال تعالى : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3 .(/1)
ولا يمكن لمسلم أن يعترض على الله تعالى في حكمه ، أو يظن الظلم والعدوان والخطأ في حكمٍ شرعه الله تعالى .
ولذلك نحن لا نوافقك على قولك : " وكيف أخطف الزوج من زوجته وأولاده " فهذا الزوج لم تخطفيه أنت ، بل هو تقدم إليك باختياره ورضاه .
ثم إنه سيتحمل أعباء الأسرتين والبيتين معاً ، ولن يترك زوجته الأولى وأولاده من أجلك ، فكيف يكون ذلك خطفاً له ؟!
وأما نظرات الزوجة الأولى ، فهذه هي الفطرة التي جُبلت عليها النساء عموماً ( الغيرة ) وتريد أن تستأثر بزوجها وحدها ، ولا يكون لها فيه شريك ، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وهن أفضل نساء الأمة يحصل منهن أشياء بسبب الغيرة ، فيتجاوز عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يقف عندها .
ويمكنك معالجة ذلك بشيء من الحكمة في التصرف وحسن الخلق ، ولكن لا بد أيضاً من تحمل بعض ما يصدر عنها لأن هذه هي طبيعة النساء .
ولا بد أن يكون الزوج حكيماً في التصرف في مثل هذه المواقف حتى لا تزداد الخلافات والنزاعات .
وأما نصيحتنا لك : هل تقبلين هذا الزوج أم تصبرين لعل الله أن يرزقك بغيره ؟
فالجواب : إن كنت ترجين أن يأتيك من هو أفضل منه فلا مانع من رفضه ، لكن إن خشيت – مع تقدم السن – ولظروفك الخاصة أن لا يأتي أفضل منه – أو حتى مثله – فنرى لك – والله أعلم – الموافقة على هذا الزوج .
وكون المرأة ترضى أن تكون زوجة ثانية ، وتتحمل بعض المضايقات من الزوجة الأولى أو المجتمع حولها أهون بكثير من بقائها بلا زوج .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
99273
العنوان:
توفي عن زوجة وثلاثة أولاد وخمسة بنات
السؤال:
توفي رجل عن زوجته وعن ولدين شقيقين وولد غير شقيق ، وعن خمس بنات يمكن ترد علي؟
الجواب:
الحمد لله
إذا توفي الرجل وترك زوجة ، وثلاثة أولاد ذكور ، اثنان منهما من زوجة ، والثالث من زوجة أخرى ، وترك خمس بنات ، فإن التركة تقسم كما يلي :
للزوجة الثمن ؛ لوجود الفرع الوارث ، قال تعالى : ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/12.
وللأولاد ذكورا وإناثا الباقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لقوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) النساء/11.
ولتوزيع التركة (حسابياً) على الورثة يتم تقسيم التركة إلى 88 سهماً متساوياً ، للزوجة منها 11 سهماً ، ولكل ابن 14 سهماً ، ولكل بنت 7 أسهم .
أي أن :
نصيب الزوجة = التركة × 11÷ 88
نصيب الابن الواحد = التركة × 14÷ 88
نصيب البنت الواحدة =التركة × 7÷ 88
وبهذه المعادلة يمكن معرفة نصيب كل وارث على وجه الدقة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99303
العنوان:
جلس بعد الثالثة قليلا ونبهه المأمومون فهل يسجد للسهو ؟
السؤال:
إمام يصلي بالناس صلاة رباعية ، فإذا به بعد الرفع من السجدة الثانية في الركعة الثالثة يجلس جلوس التشهد ظنا منه أنها الرابعة ، فسبح المأمومون سريعا فقام إلى الرابعة فورا بعد أن جلس قدرا يسيرا يساوي جلسة الاستراحة أو أزيد قليلا ، ولكن المأمومين في هذه الحالة كانوا قد سبقوا الإمام في القيام للرابعة حيث إنهم لم يعتادوا من إمامهم الجلوس للاستراحة ، وكان الإمام في ذلك الوقت - الذي يجهل فيه سبق المأمومين له - قد قرر ألا يسجد للسهو في آخر الصلاة اعتمادا منه على أن الجلوس تم بين الثالثة والرابعة التي يجوز فيها الجلوس للاستراحة . فما حكم صلاة الإمام والمأمومين ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت فلا شيء على المأمومين في قيامهم قبل الإمام ، ظنا منهم أن الإمام كبر قائما للرابعة .
وأما الإمام فكان عليه أن يسجد للسهو لأنه جلس بنية التشهد لا بنية الاستراحة .
قال في "كشاف القناع" (1/395) : " فمتى زاد المصلي فعلا من جنس الصلاة : قياما أو قعودا , أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت صلاته إجماعا ، لأنه يخل بنظم الصلاة ، ويغير هيئتها ...
وإن زاد ذلك سهوا ، ولو كان الجلوس الذي زاده في غير موضعه قدر جلسة الاستراحة . عقب ركعةٍ ، بأن جلس عقبها للتشهد , سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل به ؛ لأنه لم يُردْها بجلوسه ، إنما أراد التشهد سهوا سجد له وجوبا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه ( فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين ) (رواه مسلم ) " انتهى بتصرف .
لكن إذا لم يسجد الإمام للسهو ، ظنا منه أنه لا يلزمه السجود ، أو نسيانا منه للسجود ، فصلاته صحيحة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99311
العنوان:
زكاة المال المرهون
السؤال:
اقترضت مبلغاً من المال ، ورهنت بعض الذهب عند صاحب المال مقابل هذا القرض ، فهل يجب علي إخراج زكاة الذهب ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا الذهب يبلغ نصاباً ، أو عندك ذهب آخر إذا انضم إليه بلغ النصاب ، وجبت فيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، وكونه مرهونا ًمقابل الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيه ؛ لأنك تملكه ملكاً تاماً .
قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5/318) : " لو رهن ماشية أو غيرها من أموال الزكاة ، وحال الحول وجبت فيها الزكاة ؛ لتمام الملك " انتهى بتصرف .
وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله : " وَتَجِبُ الزكاة أيضا في .... َمَرْهُون وَيُخْرِجهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ أَيْ : مِنْ الْمَرْهُونِ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ " انتهى .
" كشاف القناع عن متن الإقناع " ( 2 / 175) .
والراهن هو صاحب الرهن ( المقترض ) ، والمرتهن : المقرض .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل تجب الزكاة في المال المرهون ؟ .
فأجاب رحمه الله : " المال المرهون تجب الزكاة فيه إذا كان مالاً زكوياً ، لكن يخرجها الراهن منها إذا وافق المرتهن ، مثال ذلك : رجل رهن ماشية من الغنم ـ والماشية مال زكوي ـ رهنها عند إنسان ، فالزكاة فيها واجبة لابد منها ؛ لأن الرهن لا يسقط الزكاة ، ويخرج الزكاة منها ، لكن بإذن المرتهن " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " ( 18 / 34) .
فإن لم يأذن المقرض بإخراج الزكاة من الرهن ، فإما أن يخرجها المقترض من مال آخر – إن كان عنده – أو ينتظر حتى يفك الرهن ثم يخرج الزكاة عن السنوات الماضية كلها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99324
العنوان:
هل يحاسب الإنسان عما يدور في نفسه من الخير والشر
السؤال:
أحيانا يبتلى الإنسان بالتفكير في معصية من المعاصي ، ومثل ذلك أمور وسوسه الشيطان والنفس بالسوء ، فهل يجازى المرء على ما يدور في نفسه ، ويكتب عليه ، سواء كان خيرا أم شرا ؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري في صحيحه (6491) ومسلم (131) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) .
وروى البخاري (5269) ومسلم (127) ـ أيضا ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) .
قال ابن رجب رحمه الله :
" فتضمنت هذه النصوص أربعة أنواع : كتابة الحسنات ، والسيئات ، والهم بالحسنة والسيئة ، فهذه أربعة أنواع .. " ، ثم قال :(/1)
" النوع الثالث : الهمُّ بالحسنات ، فتكتب حسنة كاملة ، وإنْ لم يعملها ، كما في حديث ابن عباس وغيره ، ... وفي حديث خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ : " .. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً .. " [ رواه أحمد 18556، قال الأرناؤوط : إسناده حسن ، وذكره الألباني في الصحيحة ] ، وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ بالهمِّ هنا : هو العزمُ المصمّم الذي يُوجَدُ معه الحرصُ على العمل ، لا مجرَّدُ الخَطْرَةِ التي تخطر ، ثم تنفسِخُ من غير عزمٍ ولا تصميم .
قال أبو الدرداء : من أتى فراشه ، وهو ينوي أن يُصلِّي مِن اللَّيل ، فغلبته عيناه حتّى يصبحَ ، كتب له ما نوى ...
وروي عن سعيد بن المسيب ، قال : من همَّ بصلاةٍ ، أو صيام ، أو حجٍّ ، أو عمرة ، أو غزو ، فحِيلَ بينه وبينَ ذلك ، بلَّغه الله تعالى ما نوى .
وقال أبو عِمران الجونيُّ : يُنادى المَلَكُ : اكتب لفلان كذا وكذا ، فيقولُ : يا ربِّ ، إنَّه لم يعملْهُ ، فيقول : إنَّه نواه .
وقال زيدُ بن أسلم : كان رجلٌ يطوفُ على العلماء ، يقول : من يدلُّني على عملٍ لا أزال منه لله عاملاً ، فإنِّي لا أُحبُّ أنْ تأتيَ عليَّ ساعةٌ مِنَ الليلِ والنَّهارِ إلاَّ وأنا عاملٌ لله تعالى ، فقيل له : قد وجدت حاجتَكَ ، فاعمل الخيرَ ما استطعتَ ، فإذا فترْتَ ، أو تركته فهمَّ بعمله ، فإنَّ الهامَّ بعمل الخير كفاعله .(/2)
ومتى اقترن بالنيَّة قولٌ أو سعيٌ ، تأكَّدَ الجزاءُ ، والتحقَ صاحبُه بالعامل ، كما روى أبو كبشة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ : عبدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلماً ، فهو يتَّقي فيه ربَّه ، ويَصِلُ به رَحِمَه ، ويعلمُ لله فيه حقاً ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبدٍ رزقه الله علماً ، ولم يرزقه مالاً ، فهو صادِقُ النِّيَّة ، يقول : لو أنَّ لي مالاً ، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ ، فهو بنيتِه ، فأجرُهُما سواءٌ ، وعبدٍ رزقه الله مالاً ، ولم يرزُقه علماً يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ ، لا يتَّقي فيه ربّه ، ولا يَصِلُ فيه رحِمهُ ، ولا يعلمُ لله فيه حقاً ، فهذا بأخبثِ المنازل ، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً ، فهو يقول : لو أنَّ لي مالاً ، لعَمِلتُ فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته فوِزْرُهما سواءٌ ) خرَّجه الإمام أحمد والترمذى وهذا لفظُهُ ، وابن ماجه [ صححه الألباني لغيره ] .
وقد حمل قوله : " فهما في الأجر سواءٌ " على استوائهما في أصلِ أجرِ العمل ، دون مضاعفته ، فالمضاعفةُ يختصُّ بها من عَمِلَ العمل دونَ من نواه فلم يعمله ، فإنَّهما لو استويا مِنْ كلِّ وجه ، لكُتِبَ لمن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها عشرُ حسناتٍ ، وهو خلافُ النُّصوصِ كلِّها ، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى : { فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ } ، قال ابن عباس وغيره : القاعدون المفضَّلُ عليهم المجاهدون درجة همُ القاعدون من أهلِ الأعذار ، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجاتٍ هم القاعدون من غير أهل الأعذار " .
ثم قال رحمه الله :(/3)
" النوع الرابع : الهمُّ بالسَّيِّئات من غير عملٍ لها ، ففي حديث ابن عباس : أنَّها تُكتب حسنةً كاملةً ، وكذلك في حديث أبي هريرة وأنس وغيرهما أنَّها تُكتَبُ حسنةً ، وفي حديث أبي هريرة قال : ( إنَّما تركها مِن جرَّاي ) [ مسلم 129] ، يعني : من أجلي . وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ مَنْ قَدَرَ على ما همَّ به مِنَ المعصية ، فتركه لله تعالى ، وهذا لا رَيبَ في أنَّه يُكتَبُ له بذلك حسنة ؛ لأنَّ تركه للمعصية بهذا المقصد عملٌ صالحٌ .
فأمَّا إن همَّ بمعصية ، ثم ترك عملها خوفاً من المخلوقين ، أو مراءاةً لهم ، فقد قيل : إنَّه يُعاقَبُ على تركها بهذه النيَّة ؛ لأنَّ تقديم خوفِ المخلوقين على خوف الله محرَّم . وكذلك قصدُ الرِّياءِ للمخلوقين محرَّم ، فإذا اقترنَ به تركُ المعصية لأجله ، عُوقِبَ على هذا الترك ...
قال الفضيلُ بن عياض : كانوا يقولون : تركُ العمل للناس رياءٌ ، والعمل لهم شرك .
وأمَّا إنْ سعى في حُصولها بما أمكنه ، ثم حالَ بينه وبينها القدرُ ، فقد ذكر جماعةٌ أنَّه يُعاقَب عليها حينئذٍ لحديث : ( ما لم تكلَّمْ به أو تعمل ) ، ومن سعى في حُصول المعصية جَهدَه ، ثمَّ عجز عنها ، فقد عَمِل بها ، وكذلك قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّار ) ، قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتلُ ، فما بالُ المقتول ؟! قال : ( إنَّه كان حريصاً على قتل صاحبه ) [رواه البخاري 31 ومسلم 2888] .
وقوله : ( ما لم تكلَّم به ، أو تعمل ) يدلُّ على أنَّ الهامَّ بالمعصية إذا تكلَّم بما همَّ به بلسانه إنَّه يُعاقَبُ على الهمِّ حينئذٍ ؛ لأنَّه قد عَمِلَ بجوارحِه معصيةً ، وهو التَّكلُّمُ باللِّسان ، ويدلُّ على ذلك حديث [ أبي كبشة السابق ] الذي قال : ( لو أنَّ لي مالاً ، لعملتُ فيه ما عَمِلَ فلان ) يعني : الذي يعصي الله في ماله ، قال : ( فهما في الوزر سواءٌ ) . "(/4)
ثم قال رحمه الله :
" وأمّا إن انفسخت نِيَّتُه ، وفترَت عزيمتُه من غيرِ سببٍ منه ، فهل يُعاقبُ على ما همَّ به مِنَ المعصية ، أم لا ؟
هذا على قسمين :
أحدهما : أن يكون الهمُّ بالمعصية خاطراً خطرَ ، ولم يُساكِنهُ صاحبه ، ولم يعقِدْ قلبَه عليه ، بل كرهه ، ونَفَر منه ، فهذا معفوٌّ عنه ، وهو كالوَساوس الرَّديئَةِ التي سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنها ، فقال : ( ذاك صريحُ الإيمان ) [ رواه مسلم 132 ] ...
ولمَّا نزل قولُه تعالى : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } ، شقَّ ذلك على المسلمين ، وظنُّوا دُخولَ هذه الخواطر فيه ، فنَزلت الآية التي بعدها ، وفيها قوله : { رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [رواه مسلم 126] ، فبيَّنت أنَّ ما لا طاقةَ لهم به ، فهو غيرُ مؤاخذٍ به ، ولا مكلّف به .. ، وبيَّنت أنّ المرادَ بالآية الأُولى العزائم المصمَّم عليها ...
القسم الثاني : العزائم المصممة التي تقع في النفوس ، وتدوم ، ويساكنُها صاحبُها ، فهذا أيضاً نوعان :
أحدهما : ما كان عملاً مستقلاً بنفسه من أعمالِ القلوب ، كالشَّكِّ في الوحدانية ، أو النبوَّة ، أو البعث ، أو غير ذلك مِنَ الكفر والنفاق ، أو اعتقاد تكذيب ذلك ، فهذا كلّه يُعاقَبُ عليه العبدُ ، ويصيرُ بذلك كافراً ومنافقاً ...
ويلحق بهذا القسم سائرُ المعاصي المتعلِّقة بالقلوب ، كمحبة ما يُبغضهُ الله ، وبغضِ ما يحبُّه الله ، والكبرِ ، والعُجبِ ...
والنوع الثاني : ما لم يكن مِنْ أعمال القلوب ، بل كان من أعمالِ الجوارحِ ، كالزِّنى ، والسَّرقة ، وشُرب الخمرِ ، والقتلِ ، والقذفِ ، ونحو ذلك ، إذا أصرَّ العبدُ على إرادة ذلك ، والعزم عليه ، ولم يَظهرْ له أثرٌ في الخارج أصلاً . فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء :(/5)
أحدهما : يؤاخذ به ، " قال ابنُ المبارك : سألتُ سفيان الثوريَّ : أيؤاخذُ العبدُ بالهمَّةِ ؟ فقال : إذا كانت عزماً أُوخِذَ ". ورجَّح هذا القولَ كثيرٌ من الفُقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم ، واستدلوا له بنحو قوله - عز وجل - :
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } ، وقوله : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } ، وبنحو قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الإثمُ ما حاكَ في صدركَ ، وكرهتَ أنْ يطَّلع عليه النَّاسُ ) [ رواه مسلم 2553 ] ، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله تجاوزَ لأُمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفُسَها ، ما لم تكلَّم به أو تعمل ) على الخَطَراتِ ، وقالوا : ما ساكنه العبدُ ، وعقد قلبه عليه ، فهو مِنْ كسبه وعملِه ، فلا يكونُ معفوّاً عنه ...
والقول الثاني : لا يُؤاخَذُ بمجرَّد النية مطلقاً ، ونُسِبَ ذلك إلى نصِّ الشافعيِّ ، وهو قولُ ابن حامدٍ من أصحابنا عملاً بالعمومات . وروى العَوْفيُّ عن ابنِ عباس ما يدلُّ على مثل هذا القول ... " انتهى ، من جامع العلوم والحكم : شرح الحديث السابع والثلاثين (2/343-353) باختصار، وتصرف يسير .
والخلاصة :
أن من هم بالحسنة والخير ، وعقد قلبه وعزمه على ذلك ، كتب له ما نواه ، ولو لم يعمله ، وإن كان أجر العامل أفضل منه وأعلى .
ومن هم بسيئة ، ثم تركها لله ، كتبت له حسنة كاملة .
ومن هم بسيئة ، وتركها لأجل الناس ، أو سعى إليها ، لكن حال القدر بينه وبينها ، كتبت عليه سيئة .
ومن هم بها ، ثم انفسخ عزمه ، بعد ما نواها ، فإن كانت مجرد خاطر بقلبه ، لم يؤاخذ به ، وإن كانت عملا من أعمال القلوب ، التي لا مدخل للجوارح بها ، فإنه يؤاخذ بها ، وإن كانت من أعمال الجوارح ، فأصر عليها ، وصمم نيته على مواقعتها ، فأكثر أهل العلم على أنه مؤاخذ بها .(/6)
قال النووي رحمه الله ـ بعد ما نقل القول بالمؤاخذه عن الباقلاني ـ :
" قال القاضي عياض رحمه الله عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر ، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب .
لكنهم قالوا : إن هذا العزم يكتب سيئة ، وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة ، لكن نفس الإصرار والعزم معصية ، فتكتب معصية ؛ فإذا عملها كتبت معصية ثانية فان تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة ، كما في الحديث إنما تركها من جراي فصار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه حسنة ، فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم ) انتهى .
شرح مسلم (2/151) .
واختار ابن رجب رحمه الله أن المعصية " إنَّما تكتَبُ بمثلِها من غير مضاعفةٍ ، فتكونُ العقوبةُ على المعصيةِ ، ولا ينضمُّ إليها الهمُّ بها ، إذ لو ضُمَّ إلى المعصية الهمُّ بها ، لعُوقبَ على عمل المعصية عقوبتين ، ولا يقال : فهذا يلزم مثلُه في عمل الحسنة ، فإنه إذا عملها بعد الهمِّ بها ، أُثيب على الحسنة دُونَ الهمِّ بها ، لأنَّا نقول : هذا ممنوع ، فإنَّ من عَمِلَ حسنة ، كُتِبَت له عشرَ أمثالِها ، فيجوزُ أن يكونَ بعضُ هذه الأمثال جزاءً للهمِّ بالحسنة ، والله أعلم " . انتهى
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
99327
العنوان:
إخراج اللحم في زكاة الفطر
السؤال:
هل يجوز إخراج اللحم في زكاة الفطر ؟
الجواب:
الحمد لله
زكاة الفطر يجب أن تخرج مما يقتاته الناس من الطعام ؛ لما روى البخاري (1510) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ ) .
فإذا كان الناس في بلد يقتاتون فيه اللحم ، جاز إخراجه في زكاة الفطر .(/1)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/ 68) : " أَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِمْ بِلَا رَيْبٍ . وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مَا يَقْتَاتُونَ مِنْ غَيْرِهَا ؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْتَاتُونَ الْأُرْزَ وَالذرة فَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ يُجْزِئُهُمْ الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ ، وأصح الأقوال : أنه يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُواساة لِلْفُقَرَاءِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ ، كَمَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ " انتهى بتصرف .
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/12) : " وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب ، فإن كان قوتهم من غير الحبوب ، كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان ، هذا قول جمهور العلماء ، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره ، إذ المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم ، وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث " انتهى .(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/182) : " ولكن إذا كان قوت الناس ليس حباً ولا ثمراً ، بل لحماً مثلاً ، مثل أولئك الذين يقطنون القطب الشمالي ، فإن قوتهم وطعامهم في الغالب هو اللحم ، فالصحيح أنه يجزئ إخراجه " انتهى بتصرف .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99328
العنوان:
طلقها ثلاث طلقات وهو بعيد عنها وجاءها الخبر وهي حائض
السؤال:
انفصلنا أنا وزوجي وبعد شهرين من الانفصال طلقني قائلا : أنا أطلقك والله شهيد على ذلك. وقد حدث ذلك وأنا حائض ولذلك فقد أخبرته أن ذلك الطلاق لايعتد به فقال بأن الله أنقذك هذه المرة ولكن احترسي في المرة القادمة. وبعد ثلاثة أشهر من الانفصال أرسل لي هذا البريد الإلكترونى: لقد طلقتك بحضور شهود ولذلك فنحن لم نعد زوجين ولم أكن حائضا فى ذلك الوقت. ثم بدأت حيضتى بعد ذلك بيومين وأرسل لي هو هذا البريد الإلكترونى: إنك الآن تعتبرين مطلقة طبقا للشريعة الإسلامية. وفيما يخص العدة فأعتقد أنك تعتدين فعلا منذ الثلاثة أشهر السابقة ولذلك فيتبقى لك شهر ثم تستطيعين الزواج من شخص آخر. وقد كنت أثناء ذلك حائضا واتصلت به بعد ذلك بيوم أتوسل إليه أن يردنى فقال لى أنه طلقنى بالفعل ثلاث طلقات! ثم أخبرته بعد ذلك أننى كنت حائضا فقال لي حسنا سأقوم بتطليقك الأسبوع المقبل ثلاث طلقات مرة أخرى للتأكد من إنهاء الزواج. وقد مضى الآن أسبوعان ولم يطلقني ثانية الثلاث طلقات. فماهى عدد الطلقات التى أكون قد طلقتها؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا ؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه ، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله . وينظر جواب السؤال رقم (72417)
وعليه فالطلقة الأولى لا يعتد بها .
ثانيا :
إذا كان زوجك طلقك في حال بعده عنك ، وأرسل لك رسالة يخبرك بذلك ، فيُنظر في وقت تلفظه بالطلاق ، فإن كنت طاهرة في ذلك الوقت وقع الطلاق ، سواء وصلتك الرسالة وأنت طاهر أو حائض .(/1)
والذي فهمناه من سؤالك أن الرسالة الأولى وصلتك وأنت طاهر ، وأما الرسالة الثانية فجاءتك وأنت حائض ووقت وصول الرسالة غير مؤثر في الحكم ، وإنما العبرة بالوقت الذي تلفظ فيه بالطلاق .
وليس الإشهاد على الطلاق شرطا ، فلو تلفظ بالطلاق ، وقع الطلاق ، ولو كان في غيبتك ، أو كان لا يحضره أحد من الناس .
ثالثا :
تبدأ العدة عقب التلفظ بالطلاق ، وعدة المرأة التي تحيض : ثلاث حيضات .
فإذا طلقك وأنت طاهر ، ثم حضت ثلاث حيضات ، وطهرت من الحيضة الثالثة واغتسلت ، فقد انقضت عدتك .
رابعا :
قد ذكر زوجك أنه طلقك ثلاث طلقات ، وقد اختلف الفقهاء في طلاق الثلاث ، والراجح أنه يقع واحدة ، سواء تلفظ بها بكلمة واحدة كقوله : أنت طالق ثلاثا ، أو تلفظ بها بكلمات متفرقة ، كقوله : أنت طالق أنت طالق أنت طلق ، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ورجحه الشيخ السعدي رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
وعليه فالذي يظهر من خلال ما ذكرت ، أنه وقع عليك طلقة واحدة .
ومع ذلك نقول : مسائل الطلاق لابد فيها من الوقوف على تفاصيل الواقعة ، ولهذا ينبغي أن تعرضا مسألتكما على أحد المراكز الإسلامية في بلدكم ، للتأكد من حقيقة ما جرى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99346
العنوان:
حكم عمل برنامج يمكن عملاء الشركة من الاتجار في الأسهم
السؤال:
عرض علي فرصة للعمل كمبرمج كمبيوتر في إحدى شركات استثمار وتداول الأوراق المالية في سوق البورصة لكي أقوم بعمل برامج كمبيوتر لتسهيل بيع وشراء أسهم الشركات المعروضة في البورصة لصالح عملاء شركتي. فهل يجوز شرعاً أن أقوم بهذا العمل علماً بأن هذه الشركات المعروضة في البورصة قد يكون بعضها نشاطه محرم وبعضها تقترض من البنوك وبعضها نشاطه حلال ؟ كما أني لا أبيع أو أشتري الأسهم لنفسي ولكن أسهل عملية البيع والشراء لحساب عملاء شركتي فهل هذا يكون تعاوناً على الإثم والعدوان لو اشترى العميل أسهم شركات نشاطها محرم باستخدام برنامجي أم أن الوزر يقع على العميل لو اشترى أسهم شركات تعمل في الحرام أو تتعامل بالحرام ؟ علماً بأن الشركة قالت لي أنها لا تتعامل في أسهم الشركات المحرم نشاطها فهل أقبل العمل فيها إلى أن أتأكد أن هذا صحيح أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت الشركة تقتصر على التعامل في الأسهم المباحة ، فلا حرج في عمل برنامج يمكّن العملاء من بيع وشراء هذه الأسهم عن طريق البورصة ، وأما إن كانت تتعامل في الأسهم المحرمة والمباحة معا ، فلا يجوز إعانتها على ذلك ، بالبرمجة أو غيرها ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعداون ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
فالإثم لا يختص بمن باشر الحرام ، بل ينال من أعان عليه ، وأقره ، ودعا إليه .
وعليه فإذا تأكدت من كون الشركة لا تتعامل إلا في الأسهم المباحة ، فلا حرج عليك في قبول العمل معها .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99347
العنوان:
إذا نامت الزوجة في المستشفى أو ذهبت لزيارة أهلها هل يسقط حقها في القسم ؟
السؤال:
فضيلة الشيخ لدي سؤال في العدل بين الزوجات وهو في حالة 1- مرض إحداهن وتنومها في المستشفى لمدة خمسة أيام وقد كنت خلال هذه الفترة أبيت عند الأخرى فهل يجب علي تعويضها بنفس الأيام ؟ 2- في حالة ذهاب إحداهن لزيارة أهلها لبعض الأيام هل يحق لها المطالبة بالمبيت بنفس الأيام ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا مرضت الزوجة وبقيت في المستشفى أياما ، فإنها لا تستحق القسْم في هذه الأيام ؛ لأن تفويت الحق جاء من قِبَلها ، وفي إلزام زوجها بالقسْم لها إضرار به حيث يبقى معها في المستشفى ليوفيها قسمها .
وهذا يعلم من تعليل الفقهاء لعدم القسم للمحبوسة ، ومن قولهم : " وتستحق القسْم مريضة ، ما لم يسافر بهن وتتخلف بسبب المرض فلا قسم لها " نهاية المحتاج (6/380).
وإذا سقط القسم ، سقط القضاء ، فلا يقضي الزوج لها تلك الأيام التي غابت فيها .
ثانيا :
إذا ذهبت الزوجة لزيارة أهلها بعض الأيام ، أو سافرت إلى مكان ما ، فإن كان ذلك لحاجتها ، فإن الزوج لا يقضي لها . وإن كان لحاجته هو قضى لها .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/202) : " وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها , وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة : قالوا : إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فلا قسم لها ; لأن القسم للأُنس وقد امتنع بسببٍ من جهتها فسقط .
وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لأنها سافرت بإذنه ولغرضه , فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها .
وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها لا يقضي لها ( عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية ) لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها ولم تكن في قبضته , وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصة ...(/1)
ولو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معا لم يسقط حقها كما قال الزركشي وغيره بالنسبة للنفقة ومثلها القسم , خلافا لما بحثه ابن العماد من السقوط " انتهى .
وينظر : الشرح الممتع (12/433).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99353
العنوان:
لا يلزم الزوج فطرة من لم يدخل بها
السؤال:
رجل عقد على امرأة ، ولكنه لم يدخل بها ، فهل تلزمه زكاة الفطر لها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اختلف العلماء رحمهم الله هل يلزم الإنسان أن يخرج زكاة الفطرة عمن ينفق عليهم على قولين:
القول الأول : أن الإنسان يلزمه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن ينفق عليهم ، كالزوجة ، والابن . وهو مذهب الحنابلة .
واستدلوا : بما رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أدوا صدقة الفطر عمن تمونون ) ، ولكنه حديث ضعيف ، ضعفه الدارقطني والبيهقي وابن العربي والذهبي والنووي وابن حجر وغيرهم .
انظر : "المجموع" ( 6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" ( 2 / 771) .
وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، فقد سئلوا : هل يلزم الزوج فطرة الزوجة التي بينه وبينها نزاع شديد أم لا ؟
فأجابوا : " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة ، لوجوب نفقتها عليه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" ( 9 / 367) .
واختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله ، كما في "مجموع الفتاوى" ( 14/197) .
القول الثاني : أنه لا يلزمه أن يخرج زكاة الفطر عن غيره ، وهو مذهب الحنفية .
واستدلوا : بحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) رواه البخاري ( 1503) ، ومسلم ( 984) .
ففي الحديث : أنها واجبة على كل واحد من المسلمين ، والأصل : أن الذي يخاطب بالواجب هو الشخص نفسه .(/1)
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع " ( 6 / 154) : " فالصحيح أن زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه ، فتجب على الزوجة بنفسها ، وعلى الأب بنفسه ، وعلى الابنة بنفسها ، ولا تجب على الشخص عمن ينفق عليه من زوجة وأقارب ، ولأن الأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه دون غيره " انتهى بتصرف .
ثانياً :
الزوج إنما تلزمه زكاة فطرة زوجته إذا كان ينفق عليها ، ومعلوم أن النفقة على الزوجة لا يكون إلا إذا تسلم الزوج زوجته ، ومكنته من نفسها ، أما إذا كانت الزوجة لا تزال في بيت أبيها ، فإن النفقة لا تلزم الزوج ، وكذلك زكاة الفطر لا تلزمه .
وقال ابن قدامة في " المغني " ( 2 / 361 ) : " كُلُّ امْرَأَةٍ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا , كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ تُسَلَّمْ إلَيْهِ , وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنْ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا , فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَلَا فِطْرَتُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يُمُوَنُ " انتهى .
وقال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " ( 2 / 252) : " ولا يلزم الزوج فطرة من لا تلزمه نفقتها , كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه " انتهى بتصرف .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99359
العنوان:
الأعذار الطبية الكاذبة التي يقدمها الطلبة والموظفون
السؤال:
ما حكم ما يفعله بعض الموظفين والطلاب من إحضار أعذار طبية كاذبة ، وفي الحقيقة يكون سبب غيابهم ليس مرضيا ، وإنما لأجل سفر مثلا ، أو نوم ، وهل يجوز لو غاب طالب عن الامتحان بسبب أنه نام ولم ينتبه للمنبه مثلا ، وتأخر على موعد الامتحان - أن يستعين بالأعذار الطبية الكاذبة لأنه في الحقيقة معذور ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المسلم حفظ الأمانة وأداؤها ، ومراقبة الله تعالى في جميع أمره ، فيصدق في قوله وعمله ، ولا يسلك مسالك الخيانة والشبهة ، ولا يرد موارد الظن والريبة .
يقول الله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) النساء/58 .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (2/338) :
" يُخبرُ تعالى أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان : من حقوق الله عزَّ وجلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع عليه العباد ، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض ، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك ، فأمر الله عزَّ وجلَّ بأدائها ، فمَن لَم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة " انتهى .
والتقصير في أداء العمل بالتغيب عنه أو عدم إتمامه أو الإهمال فيه يُعَدُّ من الخيانة المحرَّمة ، فكيف إذا جمع مع ذلك الكذب واختلاق الأعذار بطريقة أو بأخرى ؟!(/1)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ) رواه مسلم (2553)
والموظف الذي يُقَصِّرُ في وظيفته ، ثم يأتي بأعذارٍ طبيةٍ مختلقةٍ يشعر في قرارةِ قلبه ونفسه بالإثم والخطأ ، ويكره أن يطَّلِع الناس على فعلته ، حتى من المقربين إليه ، فهو يحب أن يظهر بمظهر الأمين الصادق المنتج الملتزم بوظيفته وعمله .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم تقدم الموظف لدائرة حكومية يعمل فيها بطلب إجازة مرضية وهو غير صادق ؟
فأجابوا : " إذا كان واقع الموظف كما ذكر فلا يجوز ذلك ؛ لما فيه من الكذب وغش الدولة ، وأخذ ما يقابل أيام الإجازة المرضية الكاذبة من المال بغير حق " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة" (15/152-153)
وسئلوا أيضا (15/153-154) :
" إنني أعمل مدرسا ، وكذلك زوجتي مدرسة - والحمد لله - ، ويحصل بعض الأيام أن نتغيب كلانا أو أحدنا ، ليس لعذر شرعي ، وإنما بسبب نوم أو كسل ، وفي اليوم التالي نأتي بأعذار كاذبة ، وأحيانا يتغاضى عنا مديرونا ، فما الحكم في ذلك ؟ وماذا نعمل بالراتب الذي تقاضيناه على تلك الأيام التي لم نحضرها للدوام ؟ علما أننا نندم على غيابنا في ذلك اليوم ، ونعزم على عدم العودة ، ثم نعود أخرى .
فأجابوا :
" الواجب على من وُكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب ، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب ؛ لأنه يأخذه في غير مقابل ، وعليه : يجب عليكم التوبة ، وعدم العودة إلى ما ذكرت ، والتزم الأمانة في أداء العمل الذي يوكل إليك ، والتصدق فيما يقابل ما أخذت من راتب بدون عذر شرعي " انتهى .
وسئلوا أيضا (15/156) :
" كيف يكون الإخلاص في العمل ، وهل هو من الأمانة المذكورة في القرآن ؟
فأجابوا :(/2)
" الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجر عليه هو : أداؤه على الوجه المطلوب والمتفق عليه في العقد أو النظام الوظيفي ، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها ، كما في قوله تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (5/40) :
" الواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق وإخلاص وعناية , وحفظا للوقت ، حتى تبرأ الذمة ، ويطيب الكسب ، ويرضي ربه ، وينصح لدولته في هذا الأمر أو للشركة التي هو فيها أو لأي جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح ، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويعمل بقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
ومن خصال أهل النفاق الخيانة في الأمانات ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه .
فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق ، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم ، وأن يحافظ على أمانته ، وأن يؤدي عمله بغاية العناية ، ويحفظ وقته ، ولو تساهل رئيسه ، ولو لم يأمره رئيسه ، فلا يقعد عن العمل أو يتساهل فيه ، بل ينبغي أن يجتهد حتى يكون خيرا من رئيسه في أداء العمل ، والنصح في الأمانة ، وحتى يكون قدوة حسنة لغيره " انتهى .
وليتق الله كذلك الأطباء الذين يعينون هؤلاء الموظفين المقصرين على تقصيرهم ، فيكتبون لهم الأعذار وهم يعلمون أنها غير حقيقية ولا واقعية ، فيكونون سببا في فساد الموظفين وتشجيع الإهمال والتقصير وأكل أموال الناس بالباطل .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (7/سؤال رقم 4)(/3)
هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداً من الناس إجازة مرضية - وخاصة للموظفين - عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة ، وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه ، وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض إجازة مرضية أكثر مما يستحق ؟
فأجاب :
" في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس ، فقال : وقول الزور وشهادة الزور )
ولا شك أن الطبيب إذا أعطى شخصاً إجازة مرضية وهو ليس بمريض لا شك أنه قال الزور وشهد شهادة الزور ، وأنه آثم وأتى كبيرة من أكبر الكبائر ، وكذلك الذي أخذ هذه الإجازة آثم وكاذب على الجهات المسئولة ، وآكل للمال بالباطل ، فإن الراتب الذي يقابل هذه الإجازة أخذه بغير حق ، وكذلك إذا أعطاه أكثر مما يحتاج ، مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام إجازة مرضية ويعطيه أربعاً ، فإن هذا حرام من أكبر الكبائر .(/4)
والحقيقة أن الإنسان كلما فكر في مثل هذه الأمور يعجب كيف يقع هذا في شأن المسلم ، ألسنا كلنا مسلمين ؟ أليس دين الإسلام يحرم هذا ؟ أليس العقل المجرد عن الإيمان والإسلام يحرم هذا ؟ الجواب : بلى ، لكن مع الأسف أن يقع هذا من المسلمين ، ويكون وصمة عار في جبين كل مسلم . الآن يقول بعض السفهاء : إن الكفار أنصح من المسلمين وأصدق من المسلمين وأوفى من المسلمين ، وهذا قد يكون صدقاً في بعض الأحيان ، لكننا نقول لهذا : دين الإسلام أكمل من كل ما سواه من الأديان ، ومنهج الإسلام خير من كل منهج ، وشرعة الإسلام فوق كل شريعة ، لكن البلاء من أهل الإسلام وليس من الإسلام ، وما دمت رجلاً أنتمي إلى الإسلام وأفخر به وأعتز به وأرجو به ثواب الله ، فلماذا أخالف شريعة الإسلام ؟! لماذا أقول الزور ؟ لماذا أشهد الزور ؟ لماذا آكل المال بالباطل ؟ لماذا أخون الجهات المسئولة ؟ كل هذا مما يؤسف له ، وكل هذا مما أوجب تأخر المسلمين وتسلط الأعداء عليهم . إخواننا المسلمين في بعض الجهات الإسلامية ينحرون نحر الخروف ، يذبحون ذبحاً ، تنتهك حرماتهم ، تسبى ذراريهم ، تغتنم أموالهم ، لماذا ؟ كل هذا بذنوبنا ومعاصينا . فنسأل الله أن يعاملنا بعفوه وأن ينصرنا على أعدائنا " انتهى .
والطالب في ذلك كالموظف لا يجوز له أن يكذب ويأتي بشهادة زور .
نسأل الله الهداية للجميع .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
99363
العنوان:
بيع الملابس الداخلية وعلى أغلفتها صور شبه عارية
السؤال:
عندي محل ملابس حريمي ويوجد على الملابس الداخلية المغلفة صور نساء متبرجات مع العلم أني لو نزعت هذه الصور يظن المشترون أنها بضاعة قديمة ، فماذا أفعل مع العلم أني لو طمست الوجه فلن يجدي لأن بقية الجسم شبه عاري ، وأحيطكم علما أن هذا المحل للزي الإسلامي ، ويوجد قسم داخلي بحيث لو دخلت الإنسانة الملتزمة ، وأنا أتكلم عن المنتقبات بالذات فتجد كل احتياجاتها ، ولا تذهب لمكان أو محلات مختلطة ، وتعمل عندي إنسانة ملتزمة هي التي تبيع وأنا لا أبيع هذه الأشياء للأخوات فأنا والحمد لله إنسان ملتزم .
الجواب:
الحمد لله
الصور الموجودة على أغلفة الملابس ، والكراتين ، والعلب ونحوها ، مما لا يقصد لذاته ، وإنما هو تبع للسلعة المباحة ، لا حرج في إبقائها ، وإن أمكن نزعها أو طمسها من غير حرج فهو أولى .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم الصور التي في العلب والمجلات والصحف؟
فأجاب بقوله : " ... أما بالنسبة لما يوجد في العلب والمجلات والصحف من الصور : فما يمكن التحرز منه فالورع تركه ، وأما ما لا يمكن التحرز منه ، والصورة فيه غير مقصودة ، فالظاهر أن التحريم يرتفع فيه بناء على القاعدة الشرعية ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) . والمشقة تجلب التيسير ، والبعد عنه أولى " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/260).
وقال رحمه الله : " القسم الرابع : أن يقتني الصور لا رغبة فيها إطلاقا ، ولكنها تأتي تبعا لغيرها، كالتي تكون في المجلات والصحف لا يقصدها المقتني ، وإنما يقصد ما في هذه المجلات والصحف من الأخبار والبحوث العلمية ونحو ذلك ، والظاهر أن هذا لا بأس به ؛ لأن الصور فيها غير مقصودة ، لكن إن أمكن طمسها بلا حرج ولا مشقة، فهي أولى " انتهى من "شرح كتاب التوحيد" باب ما جاء في المصورين.(/1)
والذي ننصحك به – في شأن هذه الصور – عدة أمور :
1) بعض هذه الصور هو عبارة عن ورقة مرفقة توضع في العلبة ، فمثل هذه إذا أمكن إزالتها ، حتى ولو مع إعادة التغليف بالبلاستك ، فهو أولى .
2) إذا كانت الصور صغيرة ، يمكن طمسها جميعاً ، بلا ضرر لسلعتك ، فافعل .
3) إن لم يمكن ذلك كله ، فتستطيع أن تستخدم ملصقات خارجية ( استيكر ) تغطى بها الصورة ، أو موطن الفتنة بها ، بحيث إن المشتري يعلم أنها مخفية عمداً – لقبحها – وأن البضاعة لا شيء فيها ، ومن لا يشتري لا يتعرض لرؤية الصورة ، أو تفوته هذه الرؤية إن كان يقصدها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99366
العنوان:
هل يبيع منزله لمن يعلم أنه سيشتريه بقرض ربوي
السؤال:
لدى صديقي منزل يريد بيعه وقد يسر الله له المشتري إلا أن هذا الأخير يريد أن يستلف مبلغاً من بنك ربوي ( غير إسلامي ) حتى يسدد المبلغ المطلوب . فهل يجوز لصاحبي أن يبيع له البيت علماً أنه يعلم أن المشتري ذهب إلى البنك الربوي بغرض السلف وتسديد المبلغ وبالتالي استلام البيت . وهل هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان ؟ أم أن الحرام لا يتعلق بذمة البائع .
الجواب:
الحمد لله
يجوز لصديقك أن يبيع منزله لمن تقدم لشرائه ، ولو كان المشتري سيحصل على المال من الاقتراض بالربا ؛ لأن الحرام هنا متعلق بالمقترض ، والقرض بشرط الربا وإن كان محرما إلا أنه يفيد الملك في مذهب الحنفية والحنابلة وقول للشافعية ، أي أن المقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه ، وعليه فيصح أن يشتري به ما شاء ، مع إثم الربا .
وينظر : "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254
وينبغي لصديقك أن ينصح المشتري ، ويبين له حرمة التعامل بالربا قرضا أو إقراضا ، وما جاء فيه من الوعيد الشديد .
وقد يجد المشتري سبيلا مباحا لشراء البيت ، وذلك عن طريق المرابحة ، وهي أن يشتري البنك أو أي شخص أو جهة البيت نقداً ، ثم يبيعه عليه بثمن مقسط أعلى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99381
العنوان:
إذا نقص النصاب في أثناء الحول
السؤال:
كان عندي عشرة آلاف ريال مرَّ عليها 10 شهور ، وقد اشتريت بعض الأغراض للمنزل ، ولم يبق منها إلا 500 ريال ، ثم استلمت الراتب ، فبلغت عشرة آلاف مرة أخرى ، فهل علي زكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
من شروط وجوب الزكاة في النقود : مضي الحول على امتلاك النصاب ؛ لما روى ابن ماجة (1792) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" برقم (787) .
وعلى هذا ، إذا نقص المال عن النصاب أثناء السنة إما ببيع أو موت في المواشي أو بالنفقة ، فإنه يمنع وجوب الزكاة ؛ لأن المال الذي نقص عن النصاب في أثناء الحول ، لم تَمُرَّ سنة كاملة على امتلاك النصاب ، فلا تجب فيه الزكاة .
ثم إذا بلغ المال النصاب مرة أخرى ، فإنه يبدأ في حساب سنة جديدة من حين بلوغه النصاب .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/506 ) : " مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَاشِيَةِ وُجُودُ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ ، فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ , فَإِنْ كَمُلَ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَكْمُلُ النِّصَابُ " انتهى .
وقال البهوتي رحمه الله "كشاف القناع" (2/ 179) : " وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ " انتهى .(/1)
وعلى هذا ، فلا زكاة عليك في هذا المال الذي نقص عن النصاب ، وتبدأ في حساب سنة جديدة من حين استلامك الراتب الذي بلغ به المال الذي عندك النصاب مرة أخرى .
ولمعرفة نصاب النقود راجع جواب السؤال رقم ( 100570) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99382
العنوان:
لا زكاة في الأموال المرصودة تعويضا عن نزع ملكية الأرض
السؤال:
أخذت الدولة أرضاً لي من أجل إنشاء طريق ، وتم تحديد التعويض مقابل نزع ملكية الأرض ، ولكن هذا المبلغ لا أستطيع استلامه ، إلا بعد مضي سنوات ، فهل تجب علي الزكاة عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
لا زكاة عليك في هذا المال حتى تقبضه ، فإذا قبضته ، فإنك تحسب له حولاً من يوم قبضه ، ثم تزكيه بعد سنة .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن مثل هذا السؤال ، فأجاب : " العقار الذي نزعت ملكيته وتم تقدير قيمته ولكن مالكه لم يتمكن من قبضها بسبب غير عائد إليه ، ليس عليه زكاة حتى يقبض قيمته ويستقبل بها حولا جديدا " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" ( 14/41) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99388
العنوان:
العمل في محل لبيع الهدايا منها صور ومجسمات
السؤال:
حصلت على شهادة الليسانس قسم اللغة الأسبانية ، وقد حدثت بعض المشاكل مع أسرتي لأنهم يريدونني أن أعمل في مجال السياحة لأن هذا هو المجال الأكثر طلباً لتخصصي والمتوافر الآن فلم أستجب لهم ومكثت بلا عمل ما يقرب من سنة تقريبا ومنذ أيام حصلت على فرصة عمل في محل لبيع الهدايا ، وعندما ذهبت إلى العمل وجدت أن هناك عدة أشياء 1- أن هناك بعض الصور الفرعونية المرسومة على أطباق وورق البردي . 2- أن هناك بعض المجسمات مثل أن يكون هناك برواز وفيه صورة بارزة لقدماء المصرين وبعض التماثيل المحفورة على الزجاج وبعض الحيوانات الصغيرة المجسمة . فقلت لمالك المحل إنني لا أستطيع العمل في هذه الأشياء فقال لي هناك أشياء أخرى كثيرة يمكنك العمل بها , ولكن الأمر لا ينفك على أن أقوم بتنظيف شيء من هذه الأشياء أو إعادة تنظيمه أو بيعه إذا لم يكن هناك غيري ، ولكني عندما يأتي أحد لشراء هذه الأشياء أرسل المشتري إلى بائع آخر بنفس المحل ليكمل عملية البيع له فما حكم العمل في هذا المحل ؟ وماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
العمل في مجال الإرشاد والترجمة للسائحين ، لا يخلو من محذورات شرعية ، كالاختلاط بالنساء ، والدلالة على أماكن المنكرات ، وتعظيم أماكن الجاهليين وتاريخهم ، وغير ذلك .
وقد أحسنت في ترك هذا المجال ، ونسأل الله أن يرزقك من فضله ، ويخلف عليك خيرا .
ثانيا :
لا يجوز بيع المجسمات لذوات الأرواح ، ولا الصور ، سواء كانت منقوشة على ورق أو قماش أو أطباق ، للأدلة الدالة على تحريم التصوير ، وينظر جواب السؤال رقم (49676)، ورقم (98632)
ثالثا :(/1)
يجوز أن تعمل في محل بيع الهدايا ، بشرط عدم بيع شيء من المحرمات ، أو الإعانة والدلالة عليها . فإذا أمكن أن تكون في قسم أو جهة من المحل ، لا تباشر بيع المحرمات في أي وقت ، ولا تدل المشتري عليها ، فلا حرج في العمل حينئذ ، وإن كان الأولى البحث عن عمل آخر ، تسلم فيه من مقاربة المنكر .
واعلم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة ، وما على الإنسان إلا أن يتقي الله تعالى ، ويبذل الأسباب ، وقد قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
وقد تجد مجالا نافعا يتصل بتخصصك ، كالعمل مع بعض المواقع الإسلامية المحتوية على نافذة باللغة الأسبانية ، أو العمل في مراكز دعوة الجاليات ، الموجودة في بعض الدول الإسلامية .
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99392
العنوان:
العمل كوسيط بين رجال أعمال وشركته بمقابل
السؤال:
أعمل في شركة نفطية كموظف عادي ، وعرض علي بعض رجال الأعمال العمل معهم كوسيط بينهم وبين الشركة .. علما بأنني لا أعمل في إدارة المشتريات وليس لدي تأثير لا من قريب ولا من بعيد في اتخاذ القرارات.. ولكن مندوبو المشتريات للشركات يفرضون على رجال الأعمال إعطاء نسبة مالية لهم (الرشوة). وللأسف الشديد بأن المندوب للمشتريات هو الذي يستلم العروض وأحيانا له الكلمة في اتخاذ القرار. ما رأيك في هذه المعاملة التجارية من الناحية الشرعية بكل صراحة. علما بأنني تركت التقديم في القروض المصرفية كلها لأنها تتعامل مع الربا .
الجواب:
الحمد لله
إذا لم تكن تعمل في إدارة المشتريات ، ولا تأثير لك في اتخاذ قرار التعامل والشراء ، فلا حرج عليك أن تعمل وسيطاً بين رجال الأعمال والشركة ؛ لأن الأصل جواز عمل الإنسان سمساراً ( دلالاً ) ، بأجرة مقطوعة أو بنسبة مما يباع ويشترى ، بحسب الاتفاق .
ويشترط لذلك أن تكون السلع والمشاريع مما لا محذور فيه شرعا .(/1)
وأما من كان عمله هو التفاوض والتعامل مع هؤلاء ، أو له تأثير على اتخاذ القرار ، فليس له أن يأخذ شيئا من غير جهة عمله ، لأنه سيتحول قصده إلى مصلحة نفسه المادية ، دون النظر إلى مصلحة الشركة التي يعمل بها ، وقد روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ : هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي ، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا ) .
والرغاء : صوت البعير ، والخُوار : صوت البقرة ، واليُعار : صوت الشاة .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/131) : " يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل دلالته عليها ، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (66146)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99394
العنوان:
استعمل هاتف الشركة لإجراء مكالمات خارجية فماذا يلزمه ؟
السؤال:
أنا طالب عمري 19 سنة ، منذ سنتين تقريبا كنت أعمل في مكان الاستقبال في شركة ما, وأحيانا كنت أستعمل هاتف الشركة من دون إذن لإجراء مكالمات خارجية , فكيف أتوب من ذلك؟ وكان نائب المدير في الشركة قد طلب مني رخصتي (رخصة القيادة) وعرفت أنه يطلب ذلك ليستورد سيارات من الخارج تحت اسمي, ولم يأخذ إذني في ذلك أيضا, ولم يكن ذلك في شروط العمل. وبكوني طالبا ليس عندي دخل إلا أن يعطيني أبي مصروفا, لأرد ذلك المال (حق المكالمات) ولا أدري حتى كم تكلف.... فما العمل في هذه القضية التي تؤرقني!!!! هل يجوز لي القول إنه بفعلته تلك نكون متساويين؟ لا أرد إليه ولا يرد إلي؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للموظف أن يستعمل أجهزة الشركة لأغراضه الشخصية دون إذن ، لا سيما إذا كان يترتب على ذلك كلفة أو استهلاك ، كاستعمال الهاتف ، والطابعة ، ونحو ذلك .
ولا شك أنك أخطأت باستعمال الهاتف لإجراء مكالمات خارجية ، والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، بالندم على ما فعلت ، والعزم على عدم العود إليه ، والتحلل من صاحب الشركة ، برد قيمة المكالمات إليه ، أو إخباره وطلب العفو منه . ولا يلزم إخباره ، بل يكفي إيصال المال إليه ولو بدون علمه ، كإيداعها في حسابه .
لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ).(/1)
قال النووي رحمه الله : " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية. والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب مثلاً إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن يوصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر ، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق / 2 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق / 4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
ثانيا :
إذا لم يكن لديك المال الآن ، فإنه يبقى دَيْناً في ذمتك ، ومتى تمكنت من سداده وجب عليك ذلك . وإذا جهلت قيمة المكالمات على وجه التحديد ، فاعمل بالاحتياط ، وادفع ما يغلب على ظنك أنك تبرأ به ، إلا إن اصطلحت مع صاحب الشركة على مبلغ معين .
ثالثا :(/2)
لك أن تطالب صاحب الشركة بتعويض عن استخدام اسمك لاستيراد السيارة ؛ لأن حق الاستيراد يعتبر من الحقوق المالية التي يجوز الاعتياض عنها .
وحينئذ يمكن إجراء المقاصّة بين ما لك ، وما عليك ، وقد يكون ما لك عند الشركة أكثر مما عليك ، أو العكس ، كما يمكن إجراء المصالحة على جعل هذا في مقابل هذا .
ولا يجوز أن تجعل ما عليك في مقابل ما لك دون إخبار صاحب الشركة ؛ لأن إعطاءك رخصة القيادة لنائب المدير قد يحمل على أنه تبرع منك ، فلا تكون الشركة مطالبة بشيء تجاهك في هذه المسألة ، وأما أنت فيلزمك دفع قيمة المكالمات من غير شك .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99395
العنوان:
كيف يتعرف على من يخطبها
السؤال:
شاب مسلم يدرس في الخارج يريد الزواج ويبحث عن زوجة صالحة وفي مستواه العلمي والديني. في مشوار بحثي هذا أُخبرت عن فتاة قالوا لي أن فيها ما أبحث عنه من المميزات ، لكن المشكلة أنها الآن في بلدي الأصلي ، وأنا في الخارج فلا أستطيع أن أتعرف لا على دينها ولا خلقها ولا جمالها. وأردت أن أسألها أسئلة عن طريق الانترنت فامتنعت . وكل ما فعلت أنها أخبرت أهلها وأعطتني رقم هاتف أبيها وقالت لي : وأتوا البيوت من أبوابها. هذا كله زاد من تعلقي بها ، وأنا الآن لا أعرف حتى وجهها . كلمت أباها فكان أشد منها حماية لحصنه. قال أنت في الخارج فليأت والداك نتعرف عليهما وبعد عودتك نهاية السنة تأتي أنت فتنظر إليها وتنظر إليك ويكون بعد ذلك الكلام. ولن أسمح لك بالسؤال عني أو عن أهلي ما لم يأت والداك . فيا سبحان الله كيف يريدني أن آتي بوالدي وأنا لا أعرف عنهم شيئا؟ أهذا من الشرع؟ وما هو الحل ؟ أرشدونا بارك الله فيكم. وكيف يمكني أن أتعرف عليها شرعا خاصة إذا لم أعرف أحدا من الصالحين الذين يعرفونهم ؟ وماذا ينبغي للفتى أن يعرف عن الفتاة قبل التقدم لخطبتها ؟ وهل يمكن أن يتقدم لخطبتها وهو لا يعرف عنها شيئا ؟ ويبدأ في التعرف عليها انطلاقا من الخطبة ؟ وهل يمكن للفتى أن يتقدم لخطبة فتاة لم يرها قط ؟ وما قدمته لكم من المعلومات عنها وهو كل ما في جعبتي ، هل هذا كاف للتقدم لخطبتها ؟ آسف على الإطالة لكن حالتي خاصة وتحتاج بحق إلى تفصيل .
الجواب:
الحمد لله(/1)
نسأل الله تعالى أن ييسر لك زوجة صالحة تسكن إليها نفسك وتقر بها عينك، والذي ظهر من خلال سؤالك أن أسرة هذه الفتاة أسرة عفيفة تحافظ على بناتها وذلك واضح من خلال إباء هذه الفتاة عن التكلم معك والإصرار على أن يكون الكلام مع والدها ثم إعلام والدها بذلك، وكان موقف الأب أيضاً موقفاً سليماً إذ أخبرك بأنه عندما يأتي والدك ويتم التعارف بين الأسرتين حينها يمكن أن تراها ثم تخطبها إن شئت ، وهذا موقف سليم لأن النظر للمخطوبة الذي أباحه الشرع إنما أباحه لمن أراد الخطبة وغلب على ظنه أنه يجاب إلى خطبته ، قال العلامة العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (2/146 ) وهو يتكلم عن النظر إلى المخطوبة : " وإنما جوز ذلك لمن يرجو رجاءاً ظاهراً أن يجاب إلى خطبته دون من يعلم أنه لا يجاب أو يغلب على ظنه أنه لا يجاب " انتهى .
وأما التعرف على أسرة الفتاة فبإمكانك أن تسأل عنهم أو تطلب من والدك أن يسأل عنهم ومجرد السؤال عنهم والاستشارة في شأنهم قبل أن تخطب إليهم ابنتهم ليس حراماً شرعاً ، فلا يضر كون هذا الرجل منعك من السؤال عنهم ، لأن الكلام في هذا المقام إن تضمن ما يكرهونه فليس من الغيبة المحرمة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (4/477) وهو يتكلم عن الغيبة الجائزة بلا نزاع بين العلماء ، قال : " النوع الثاني أن يستشار الرجل في مناكحته ومعاملته أو استشهاده –أي طلبه ليكون شاهداً- ويعلم أنه لا يصلح لذلك فينصحه مستشيره ببيان حاله " انتهى .(/2)
وأما كيف يمكنك أن تتعرف عليها شرعاً ؟ فإنه يجوز لك كما قلنا السؤال عنها ويجوز النظر إليها إن أردت خطبتها ، فإن لم تتمكن من رؤيتها فينبغي أن ترسل من محارمك النساء من ينظر إليها ليصفها لك، والأفضل أن يكون النظر إليها أو نظر من يصفها لك قبل الخطبة حتى تقدم أو تتراجع ، لأنه قد يؤدي النظر بعد الخطبة إلى ترك نكاحها فيكون في ذلك كسر لها ولأهلها ، والذي يبدو لنا أن هذه الأسرة لا تمانع من السؤال عن أحوالها والنظر إلى الفتاة في حال تبينت أنك جاد في الخطبة فينبغي أن تفعل ما أشار به والد الفتاة ، ثم تستخير الله تعالى وسيقدر لك الخير إن شاء الله تعالى .
وأما ما هي المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في الفتاة التي تختارها زوجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم فيمن يختارها زوجة وأن ذلك يتلخص فيما يلي :
1- أن تكون ذات دين , لقوِِل النبي صلى الله عليه وسلم : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، أي أن الذي يرغب في الزواج , ويدعو الرجال إليه أحد هذه الخصال الأربع , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يعدلوا عن ذات الدين إلى غيرها .
2- أن تكون ولودا , لحديث : (تزوجوا الودود , الولود , فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) رواه أبو داود (2050) وصححه الألباني في صحيح أبي داود . ويعرف كون البكر ولودا بكونها من أسرة يعرف نساؤها بكثرة الأولاد .
3- أن تكون بكرا , لخبر : ( فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ) رواه البخاري (5052) .
4- أن تكون حسيبة نسيبة أي طيبة الأصل
4- أن تكون جميلة لأنها أسكن لنفسه وأغض لبصره , وأكمل لمودته , ولذلك شرع النظر قبل العقد .(/3)
5- أن تكون ذات عقل , ويجتنب الحمقاء ; لأن النكاح يراد للعشرة الدائمة , ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها , وربما تعدى إلى ولدها .
وفي آخر الجواب لا ننسى أن ننبهك إلى خطورة الكلام مع النساء الأجنبيات من خلال الإنترنت أو غيره من وسائل الاتصال فإنها خطوة قد يلحقها ما لا يحمد ، فالحذر الحذر من خطوات الشيطان، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
99400
العنوان:
زكاة السنوات الماضية والأسهم في حال خسارتها
السؤال:
لي أكثر من عشر سنوات هي بداية التحاقي بالوظيفة لم أؤد الزكاة عن مالي ليس إنكارا لوجوبها بل هو تقصير مني مع العلم أني أحدث نفسي دائماً بأني سوف أزكي مالي من أول سنة . ومع مرور ستة أعوام دخلت سوق الأسهم وبلغت أرباحي حوالي 80% ولكن بعد انهيار ما يسمى فبراير خسرت حوالي 85 % من رأس المال . هل أزكي رأس المال الذي دخلت به في الأسهم وكذلك الأرباح أم أزكي المبلغ المتبقي منه ؟ وما العمل في السنوات الماضية التي لم أزك فيها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الزكاة فريضة عظيمة من فرائض الإسلام ، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله ، وتركها والتسويف في إخراجها كبيرة من كبائر الذنوب .
وجاء في ترك الزكاة وعيد شديد ، ينخلع له قلب المؤمن ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) التوبة/34-35 ، وقوله تعالى : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) آل عمران/180 .(/1)
وروى البخاري (1403) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ ( يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ) ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا مَالُكَ ، أَنَا كَنْزُكَ ، ثُمَّ تَلَا : ( لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ) الْآيَةَ .
ولهذا فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تؤدي ما فاتك من الزكاة مع الندم والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة .
ثانياً :
من وجبت عليه الزكاة ولم يخرجها ، وجب عليه أن يخرجها لجميع ما مضى من السنين .
قال النوويُّ رحمه الله في "المجموع" (5/302) : " إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها " انتهى .
ثالثاً :
لا تجب الزكاة في النقود إلا إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول ، والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب ، أو 595 جراما من الفضة .
وليس في الراتب زكاة ، إلا إذا وَفَّرت منه ما يبلغ النصاب بنفسه ، أو بما انضم إليه من نقود أخرى تملكها ، وحال عليه الحول .
رابعا :
الأسهم التي يتاجر فيها الإنسان بيعا وشراء ، تزكى زكاة عروض التجارة ، فتقوّم في نهاية الحول ، وتزكى بإخراج ربع العشر (2.5%).
وفي حال خسارة الأسهم ، فإنها تقوّم ، فإن بلغت نصابا ، وجب إخراج زكاتها .
ولا عبرة برأس المال الذي اشتريت به الأسهم ، بل العبرة بتقويمها في نهاية الحول ، فمن اشترى أسهما بعشرة آلاف مثلا ، وانخفض سعرها حتى صارت في نهاية الحول بثلاثة آلاف ، لزمته الزكاة في ثلاثة آلاف ، وليس في العشرة .(/2)
وعلى هذا ، يلزمك الاجتهاد والتحري لإخراج زكاة الأعوام الماضية ، فتقدر كم كان عندك من النقود في نهاية الحول ، ثم تضيف إليها قيمة الأسهم في ذلك الوقت ، ثم تخرج الزكاة 2.5 بالمائة ... وهكذا في نهاية كل عام .
ونوصيك بالمبادرة بإخراج الزكاة مع التوبة إلى الله ، ونسأل الله أن يخلف عليك خيرا ، وأن يرزقك من فضله .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99401
العنوان:
جاءته جائزة من شركة يانصيب وهو لا يعلم
السؤال:
لقد ربحت في إحدى المسابقات التي تقيمها شركة بريطانية على الرغم بأنني -والله شاهد- لم يسبق لي العلم بهذه الشركة ولم يتم اشتراكي معهم بأي شكل من الأشكال ولكنهم قاموا باختيار أرقام عشوائية للربح من حول العالم وكان أحد هذه الأرقام هو رقمي والهدف من هذه الجوائز التي توزعها الشركة على حسب قولهم هو نشر العلم والثقافة في العالم والحث على التوعية الصحية في المجتمع وعندما استفسرت عن الشركة وجدت أنها شركة ألعاب يانصيب فهل الجائزة تعتبر حرام أم حلال ؟؟ أرجو إفادتي فأنا في حيرة من أمري فهل أستطيع أخذ المبلغ وشراء منزل لأهلي والتبرع بالباقي للمحتاجين ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من أنه لم يسبق اشتراكك في هذه الشركة ولا علمت عنها ، وكان أخذك لهذه الجائزة لا يتضمن دعاية وترويجا لها ولما تقوم به من الميسر ، فلا حرج عليك في أخذها ، والانتفاع بها .
وينظر جواب سؤال رقم (20952)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99445
العنوان:
حكم بيع الفيزة للعامل برضاه
السؤال:
أرجو من فضيلتكم إعطائي الحكم الشرعي في حكم بيع الفيزا لأحد العمال ليستفيد منها مع العلم أني أريد أن أفتح محلا لهذا العامل ، وسيتم البيع برضا الطرفين وليس هناك أي ضغط عليه . والشيء الثاني إذا كان بيع الفيزا حراما هل حرام أن أجعله يدفع رسوم الفيزا البالغة 2000 ريال ورسوم المكتب والمعقب .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا العامل على كفالتك ، وسوف يعمل عندك ، فلا يجوز لك بيع الفيزا له ، ولا يجوز أيضاً إلزامه بدفع تكاليفها ، لما في ذلك من المخالفة لأنظمة الدولة التي تجعل تلك التكاليف على صاحب العمل ، وليست على العامل .
وقد أفتى علماؤنا بتحريم بيع الفِيَز مطلقاً ، لما فيه من الكذب والتحايل على أنظمة الدولة .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يقوم بعض الأشخاص باستخراج (فيزة) تكلفه تقريباً ثلاثة آلاف ريال ، ثم يقوم ببيعها بثمانية أو عشرة آلاف على شخص آخر ليحضر أخاه ، فما الحكم في ذلك ؟
فأجاب : " (الفيزة) الرخصة ، يعني : يأخذ رخصة من الوزارة لاستقدام عامل، ثم يبيع هذه الرخصة على أحد يستقدم عاملاً، فهذا حرامٌ ولا يجوز؛ لأننا نقول: إن كنت محتاجاً إلى هذا العامل فالفيزة بيدك، وإن لم تكن محتاجاً فرد الفيزة إلى من أخذتها منه، ولا يحل لك أن تبيعها، ولو قمنا بهذا لكان كل الناس يشترون (فيزاً)، ويتربحون فيها، ثم هذا كذب؛ إذا أخذ فيزة على أنه يستقدم عاملاً ثم باعها صار كاذباً. لكن قل لي: لو أنه استغنى عن العامل؛ كرجل أخذ (فيزة) على أنه يريد أن يستقدم عاملاً حقيقة لكن استغنى عنه، فهل يبيعها؟ الجواب: لا، وإنما يردها؛ لأنها منحت له على أن يستقدم هو بنفسه عاملاً ثم استغنى عنه فليردها؛ لأنه ربما يكون هناك أناسٌ منتظرون (للفيز) " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (170/15).(/1)
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، وحالتي المادية ضعيفة، وقد أتى إلي أحد الأيام أحد الأخوة المقيمين بالمملكة، وهو باكستاني الجنسية (مسلم) وطلب مني أن أستخرج له عددا من الفيز لاستقدام بعض أقاربه من الباكستان مقابل أن يدفع لي سبعة آلاف ريال لكل فيزة، وفعلت ذلك نظرا لحالتي المادية، وحاجتي لهذا المال، وقبضت منه قيمة أربع فيز، واستقدمت الأشخاص الذين قد اشترى الفيز من أجلهم، ولهم الآن بالمملكة أربع سنوات يعملون لحسابهم الخاص. سؤالي: هل هذا المال الذي قبضته منهم حلال أم حرام؟ علما بأن الأشخاص المعنيين قد حصلوا على أضعاف ما قد دفعوه إلي من المال، وهم راضون عن وضعهم وما دفعوه بسبيل إقامتهم بالمملكة للعمل.
فأجابوا :
هذا المال حرام ؛ لأنه عوض عن الكفالة ، وهي من عقود الإحسان ، وأيضا كذب ؛ لأنه مخالف للأنظمة التي وضعتها الدولة للمصلحة العامة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/189)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99457
العنوان:
استئجار من يصوم كفارة القتل الخطأ عن الميت
السؤال:
السؤال الأول : توفي أبي قبل فترة من الزمن في حادث انقلاب السيارة ومعه شخص آخر وأبي هو صاحب السيارة ولم نعرف من هو السائق أثناء الحادث وقد توفي معه الشخص الآخر وقد وجدا خارج السيارة أثناء الحادث ولا نعرف سبب الحادث هل هو خلل في السيارة أم انفجار أحد الإطارات. المطلوب: 1) هل على أبي كفارة أم لا ؟ 2) إذا كان عليه كفارة هل يوجد عتق رقبة في الوقت الحاضر ؟ وكيف نحصل عليه لأنه لدينا المقدرة على دفع المبلغ ؟ 3) إذا لم يوجد عتق رقبة ولم يستطع أحد الورثة الصوم عنه شهرين, هل يمكن توزيعها بينهم مثلاً كل شخص يصوم 10 أيام متواصلة ثم يكمل الآخر حتى تتم الشهرين ؟ 4) هل يمكن طلب من شخص موثوق فيه الصوم شهرين متتابعين مع دفع له مبلغ يتفق عليه ؟ السؤال الثاني: توفي أخي قبل فترة من الزمن في حادث سيارة ، وقد توفي شخص آخر في السيارة وقد قرر المرور الخطأ على أخي بنسبة 75 %. هل على ورثته كفارة أم لا ؟ وما هي الكفارة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تجب الكفارة والدية في حال تفريط السائق ، كعدم التزامه بالسرعة المحددة ، أو إهماله في فحص السيارة وإصلاح خللها ، وأما ما حدث بغير تفريط منه كانفجار الإطار الصالح فجأة ، فلا ضمان عليه فيه ولا كفارة .
وحيث إنه لا يُعرف سبب انقلاب سيارة والدك ، كما لا يعرف سائقها وقت الحادث ، فلا يلزم والدك شيء ، إلا إن صدر حكم بوجوب الدية عليه ممن عرف الحادث وملابساته .
وينبغي لكم مراجعة المحكمة الشرعية في ذلك .
ثانيا :(/1)
إذا كان المرور قد قرر الخطأ على أخيك بنسبة 75% فعليه كفارة قتل الخطأ ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) إلى قوله سبحانه : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/92
وحيث إن أخاك مات في الحادث ، فإن أمكن إيجاد رقبة مؤمنة ، فيلزمكم أن تخرجوا من تركته ما تشترى به هذه الرقبة ، ثم تعتق .
وهذا موجود الآن ولكنه قليل أو نادر ، ويمكنك سؤال الجمعيات الخيرية عن ذلك ، فبعضها يقوم بشراء العبيد وإعتاقهم في بلدانهم ، وإذا لم يمكن العثور على رقبة مؤمنة ، فلا يلزمكم الصيام عنه ، لكن لو تبرع أحدكم بالصيام عنه ، فهذا حسن ، ونافع بإذن الله ، ولا يجوز أن يشترك أكثر من واحد في الصيام ، بل يصوم الشهرين المتتابعين شخص واحد .
والأصل أن يقوم بالصيام أحد أقاربه ، ولا حرج أن يصوم غير القريب ، وينبغي أن يكون تبرعا بلا أجرة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/324) : " إذا كان الواقع من والدك ما ذكرت فإن عليه كفارة قتل الخطأ ، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) إلى قوله سبحانه : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) .(/2)
وما دام توفي ولم يؤد ما وجب عليه فإنه يجب على وليه شراء رقبة مؤمنة من تركته وإعتاقها عنه ، فإن لم يوجد في التركة ما يفي بذلك ، أو لم توجد رقبة فإنه يستحب لوليه أن يصوم عنه شهرين متتابعين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) متفق على صحته " انتهى .
وجاء فيها (21/289) أيضا ، فيمن وجبت عليه كفارة قتل الخطأ لكونه صدم امرأة وماتت ، ثم مات هو قبل أن يكفّر : " صيام الشهرين الذي كان واجبا على أخيك كفارة عن قتل الخطأ لكنه مات قبل أن يتمكن من أدائه يكون باقيا في ذمته ، ولا يلزم أحدا أن يصوم عنه ، لا أولاده ولا غيرهم ، ولكن من تبرع بذلك وصام عنه فله الأجر ، وتبرأ به ذمة الميت إن شاء الله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها ، والولي هو القريب " انتهى .
وجاء فيها (21/326) : " ولا يجوز أن يشترك في صيام الكفارة الواحدة أكثر من واحد ، وإنما المشروع أن يتولى الكفارة الواحدة شخص واحد " انتهى .(/3)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " مسألة : هل يلزم إذا قلنا بالقول الراجح إن الصوم يشمل الواجب بأصل الشرع ، والواجب بالنذر - أن يقتصر ذلك على واحد من الورثة ؛ لأن الصوم واجب على واحد ؟ الجواب : لا يلزم ؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم : ( صام عنه وليه ) مفرد مضاف فيعم كل ولي وارث ، فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابنا ، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوما فيجزئ . ولو كانوا ثلاثين وارثا وصاموا كلهم يوما واحدا فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوما ، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده ، حتى يتموا ثلاثين يوما .أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع ، ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين . وقد يقول قائل : يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام ، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرا حتى تتم ؟ فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين ، وعليه فنقول : إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين ، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها ، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكينا " انتهى من "الشرح الممتع" (6/452).
وإن لم تجدوا من يصوم إلا بأجرة فلا حرج ، قال في "مغني المحتاج" (2/173) : " لو صام أجنبي بإذن الولي أي القريب ، أو بإذن الميت بأن أوصى به ، سواء أكان بأجرة أم لا ، صح قياسا على الحج " انتهى بتصرف .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
99468
العنوان:
مس الذكر هل ينقض الوضوء
السؤال:
هل لمس الذكر ينقض الوضوء ؟ وهل يكون حكم اللمس من فوق حائل مثل اللمس المباشر ؟
الجواب:
الحمد لله
مس الذكر من غير حائل مبطل للوضوء عند كثير من أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم من التابعين والأئمة منهم مالك والشافعي وأحمد واستدلوا على ذلك بأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ) . رواه أبو داود (181) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وذهب آخرون إلى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء كما هو مذهب أبي حنيفة .
وذهب بعض العلماء إلى التفريق بين مس الذكر بشهوة أو بدون شهوة ، فينقض الوضوء إذا كان المس بشهوة ، ولا ينقض بدون شهوة .
وهو قول قوي جداً ، قواه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع وصرح بترجيحه في شرحه لبلوغ المرام .
" والخلاصة : أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً " . انتهى من "الشرح الممتع" (1/234) .
أما المس من وراء حائل فإنه لا ينقض .
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/202) : " ظاهر قوله مس الذكر بيده أن المماسة تكون من غير حائل وهو الصحيح "
وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/228) : " لأنه مع الحائل لا يعد مساً " .
والله أعلم.(/1)
رقم السؤال:
99469
العنوان:
هل يمنع زوجته من الاستماع إلى دعاة الضلالة ؟
السؤال:
تقدمت لفتاة وهي ملتزمة بما تعرفه من الدين لكن المشكلة أني وجدت أن هناك أموراً تجهلها وأن بعض العلماء والدعاة الذين تريد أن تستمع لهم منهم من هو من دعاة الفضائيات وقد حذر أكثر من عالم من هذا الشخص ومنهم علماء ولكن يفتون بما تريد الدولة فأحياناً يقول إن للمرأة تولي القضاء والرئاسة وأحياناً يهاجم أهل السنة والجماعة ، فأقول لها إني لا أستطيع أن أسمح لها أن تستمع لمبتدع أو لشخص غير متعلم ، وذلك ?نها ستكون مسؤولة مني أمام الله . لكن هي ترى ذلك نوعاً من التحكم مني وأني لا أثق في أنها ستستطيع أن تميز بين الخطأ والصواب وأن هؤلاء الذين تريد الاستماع لهم أيضاً يقولون كلاماً طيباً ، فهل أنا فعلاً مخطئ ؟ أم أن الرقابة التي أريد تنفيذها هي فعلاً حق لي بل أيضاً واجب عليّ ؟
الجواب:
الحمد لله
على الرجل أن يجتهد في إصلاح زوجته وحثها على القيام بفرائض الله ما استطاع ، لأن الله تعالى يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) التحريم/6 ، قال العلامة أبو بكر الجصاص رحمه الله في "أحكام القرآن" (3/697): " وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الآداب .
ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ) ، ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعي وحمايته والتماس مصالحه فكذلك عليه تأديبه وتعليمه " انتهى باختصار.
وقال العلامة ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: " قال قتادة: يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصية الله ، وأن يقوم عليهم بأمر الله ويأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية زجرتهم عنها " انتهى.(/1)
فإذا كان الأخ السائل قد عقد على هذه المرأة فإنها زوجته وعليه أن يسعى لتعليمها أمر دينها ويعينها على ذلك، وليكن الرفق واللين هو الأداة التي يستعين بها في تحصيل هذا المقصود، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق. ) رواه أحمد وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/219) .
وعليه أن يمنعها مما يضر دينها من الاستماع إلى دعاة الضلالة ، إن كان ما يدعون إليه ضلالة ، وقد حذر منهم من يوثق بعلمه ودينه من أهل العلم ، هذا إن كانت لا تميز بين الحق والباطل، أما إن علمت الحق ولم يخش عليها التأثر بما يقوله دعاة الضلالة ، فلا بأس بالاستماع إلى ما عندهم ليؤخذ الحق ويترك الباطل ، وهذا كله في البدع التي أنكرها أهل العلم وحذروا منها، أما مسائل الخلاف التي يسوغ فيها الاجتهاد واختلفت فيها أنظار العلماء فلا تثريب على العامي إن اتبع واحداً منهم.
والخلاصة : أن عليك أخي السائل أن تحفظ زوجتك من مضلات الأهواء ، ولكن ينبغي أن تكون رفيقاً بها ، وتحاول إقناعها بأن الباطل لا يقبله الناس إلا عندما يختلط بالحق فيلتبس عليهم الأمر ، فإنها إن فهمت هذا اقتنعت إن شاء الله ، ثم اجتهد في توفير البديل المناسب من كلام الدعاة والعلماء الموثوق بعلمهم ودينهم والذين يحسنون جذب قلوب الناس إليهم بحسن طرحهم وستجد من هذا النوع الشيء الكثير ولله الحمد.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
99471
العنوان:
يغلبه النوم فتفوته صلاة الجماعة
السؤال:
تأخرت عن صلاة العصر جماعةً لأيام متتالية ، وأنا أحاول جاهداً ألا أنام ، ولكن قبل الصلاة بساعة أو أقل يغلبني النوم ، تبت إلى الله من هذا ، ونذرت ألا أنام قبل العصر لكي لا تفوتني الصلاة جماعة ، ولا أعلم لأني بعد هذا النذر أيضاً نمت قبل العصر . ما الحكم ؟ هل يلزمني الوفاء بهذا النذر ؟ وما الحكم في الأيام التي نمت فيها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يأجرك على حرصك على الصلاة جماعة ، واجتهادك في المحافظة عليها ، ونسأله سبحانه أن يوفقك لكل خير .
ولتعلم أخي الكريم أنك تعامل ربا كريما رؤوفا رحيما ، أرحم بعباده منهم بأنفسهم ، وهو سبحانه مُطَّلِعٌ على قلبك ، وخبيرٌ بما في صدرك ، فإن رأى منك صدق النية كتب لك الأجر تاما ، وعفا عن كل زلل وتقصير .
وقد جاءت الشريعة بعذر النائم ، إذا فاتته صلاة الجماعة ، أو فاته وقت الصلاة بالكلية ، ما دام قد أخذ بالأسباب واجتهد في إدراك الصلاة جماعة ، فإذا غلبه النومُ بعد ذلك بشيءٍ خارجٍ عن قدرته ، من غير تقصير ولا إهمال ، كان العفو من الله تعالى ، فهو سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها .
وقد روى البخاري (570) ومسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع بعض أصحابه في سفر ، فنزل في آخر الليل ( فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ : احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا .(/1)
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ ، قَالَ أبو قتادة : فَقُمْنَا فَزِعِينَ . ثُمَّ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ارْكَبُوا . فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مَنْ مَاءٍ ، قَالَ : فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ : وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا ؟
فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ ؟! ثُمَّ قَالَ : أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا ، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا ..إلى آخر الحديث )
فتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( احفظوا علينا صلاتنا ) لتعلم فيه الدليل على وجوب اتخاذ الأسباب لأداء الصلاة في وقتها ، والقيام بالجماعة ، غير أن التعب والإرهاق الذي أصابهم بسبب السفر حال دون أن يستيقظوا في وقت الفجر ، فما راعهم إلا والشمس قد طلعت ، فكان لهم العذر حينئذ .
قال النووي في "شرح مسلم" (5/186) :
" فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف " انتهى .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (7/187) :(/2)
" يفهم من هذا الحديث أنّه إذا غلب على ظنّه أنّه لو نام تفوته الصّلاة يُكلِّف أحداً بإيقاظه " انتهى .
والخلاصة : أن النوم قبل الصلاة إن كان لحاجة مع حرص على الاستيقاظ وتكليف من يقوم بذلك من الأهل أو ضبط الأجهزة المنبهة لا حرج فيه ، ولا يأثم المسلم إن فاتته صلاة الجماعة أو فاته وقت الصلاة .
ثانياً :
وأما النذر الذي نذرته فقد كان الواجب عليك الوفاء به ، وحيث إنك لم تفعل ، فعليك كفارة يمين ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ) رواه مسلم (1645) وليس عليك إلا كفارة واحدة ، ولو تعددت الأيام التي نمت فيها قبل العصر ، لأن النذر ( اليمين ) قد انحل بحصول المخالفة ولم يِبْق منعقداً .
وكفارة اليمين هي : تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامك ، أو كسوتهم ، فإذا لم تستطع القيام بواحدة ، من هذه الخصال الثلاثة فعليك صيام ثلاثة أيام .
وانظر جواب السؤال رقم (45676) .
.والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99497
العنوان:
حكم تحديد الأسنان المشرشرة
السؤال:
أنا فتاه ابلغ من العمر 27 غير متزوجة أسناني الأمامية الثنايا مشرشرة من الأسفل وهذا ليس خلقة وأود تحديدها هل يعتبر هذا تغييراً لخلق الله ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت الشرشرة المسئول عنها تعد عيبا أو تشويها ، فلا حرج في تحديد الأسنان حينئذ ، ولا يدخل ذلك في حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ) رواه البخاري (4886) ومسلم (2125).
والْمُتَفَلِّجَات : جمع متفلجة ، وهي التي تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الأَسْنَان .
قال النووي رحمه لله : "
" وَأَمَّا قَوْله : ( الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ ) فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن , أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلا بَأْس ، وَاللَّه أَعْلَم " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (47694)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99498
العنوان:
إدارة بنك الدم تجبر المراجعين على التبرع بالدم
السؤال:
أنا موظف حكومي بإحدى بنوك الدم ، ولي سؤالان : الأول: نقوم في بنك الدم بعمل الكشف الطبي الخاص باستخراج أو تجديد رخصة السير, وينص التعميم الموجه لنا من وزارة الصحة على (تخيير مقدم طلب الرخصة على التبرع بالدم إذا كان صالحا للتبرع, وينص أيضاً على أن يتم عمل الفحص الطبي له مجاناً سواء وافق على التبرع أم لا) ولكن الذي يحصل أن إدارة بنك الدم تجبر المراجعين على التبرع وفي حالة الرفض يتم توجيه المراجع إلى المستوصفات الخاصة لعمل الفحوصات على حسابه الخاص ثم العودة إلى بنك الدم لاعتماد الأوراق (لأن ختم بنك الدم لدينا هو المعتمد فقط لدى إدارة المرور) مما يضطر كثيراً من المراجعين إلى التبرع بالدم وهم مكرهون لإتمام إجراءاتهم. فما هو حكم هذا العمل بالنسبة للإدارة وبالنسبة للموظفين؟ وبماذا تنصحوننا في حالة إصرار الإدارة على ذلك؟ السؤال الثاني : تنص تعاميم وزارة الصحة على أن دوام الموظفين للفترة الصباحية من السبت وحتى الخميس من 7,30 صباحا إلى 4,30 مساء, ودوام مناوبي الفترة المسائية من 3,30 مساء إلى 11,30 ليلا. ولكن الذي يحصل هو أن موظفي الفترة الصباحية ينصرفون عند حضور مناوبي الفترة المسائية أي عند الساعة 3,30 مساء ويتم توقيع الانصراف على أنه الساعة 4,30 مساء (أي بفرق ساعة) علماً بأن بقاء موظفي الفترة الصباحية خلال هذه الساعة لا يحدث أي فرق وذلك لأن مناوبي الفترة المسائية قد استلموا العمل. فما هو حكم الانصراف الساعة 3,30 مساء والتوقيع على أن الانصراف الساعة 4,30 مساء في هذه الحالة (علماً بأن ذلك لا يحدث أي اختلاف في آلية العمل وجودته)؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :(/1)
إذا كان التعميم الموجه من وزارة الصحة يقضي بعمل الفحص الطبي مجانا ، وجعل التبرع بالدم اختياريا ، فليس للبنك أن يمتنع عن الفحص ولا أن يضطر أحدا للتبرع بدمه .
والامتناع عن الفحص ، وإلجاء الراغب فيه إلى الذهاب إلى المستوصفات الخاصة ودفع المال لذلك ، ظلم وعدوان ، وتقصير من البنك في القيام بما هو مكلف به .
وعليكم مراجعة إدارة البنك ، وتذكيرها بالعمل بما في التعميم الوارد ، فإن استجابت فالحمد لله ، وإلا فارفعوا الأمر إلى مسئولي الصحة ، إبراء للذمة .
ثانيا :
يلزم التقيد بساعات الدوام المقررة ، ولا يجوز توقيع الحضور والانصراف على غير الوقت الحقيقي ؛ لما في ذلك من الكذب والخيانة .
وإذا رأت إدارة البنك تخفيض ساعات الدوام ، وجعل انصراف موظفي الفترة الصباحية في الساعة 3.30 مثلا ، فلا حرج في ذلك ، ما دام لا يؤدي إلى تعطيل العمل أو الإضرار به ، وعليهم مناقشة المسئولين في وزارة الصحة ، حتى يتم تعديل أوقات الدوام للموظفين ، حتى لا يقع الموظف في شيء من الحرج إن انصرف قبل الدوام بساعة ، ثم إن جلس جلس بلا فائدة ، وكان جلوسه تضييعا للوقت والجهد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99499
العنوان:
أعطوه زكاة الفطر فأخرها عن يوم العيد لعدم وجود فقراء
السؤال:
رجل يقيم في إيطاليا وهو القائم على شؤون المسجد الذي يوجد ببلدته ، كجمع النفقات وقد قام بجمع زكاة الفطر في رمضان الأخير من المصلين بقصد إعطائها إلى من يستحقها لكنه لم يجد من يعطيها إياه لعدم توفر الشروط فبقيت حتى يومنا هذا ، فهل يضيفها إلى نفقات المسجد القيم عليه ؟ علما بأن هذا المسجد نفقاته كافية . أم يعطها إلى مدرسة تدرس العلوم الشرعية في بلده علما بأن هذه المدرسة تأخذ نفقاتها من المحسنين ، وهل في ذلك شيء لأن ابنه يدرس فيها ، وهل نقص من أجر مخرجي الزكاة شيء ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
زكاة الفطر يجب إخراجها قبل صلاة العيد ؛ لما روى أبو داود (1609) وابن ماجه (1827) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ ) . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
قال في "عون المعبود شرح أبي داود" : " وَالظَّاهِر أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ الْفِطْرَة بَعْد صَلَاة العيد كَانَ كَمَنْ لَمْ يُخْرِجْهَا بِاعْتِبَارِ اِشْتِرَاكهمَا فِي تَرْكِ هَذِهِ الصَّدَقَة الْوَاجِبَة . وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ إِخْرَاجَهَا قَبْل صَلَاة الْعِيد إِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ , وَجَزَمُوا بِأَنَّهَا تُجْزِئُ إِلَى آخِر يَوْم الْفِطْر , وَالْحَدِيث يَرُدُّ عَلَيْهِمْ .(/1)
وَأَمّا تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْم الْعِيد . فَقَالَ اِبْن رَسْلَان : إِنَّهُ حَرَام بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا زَكَاة , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي تَأْخِيرهَا إِثْم كَمَا فِي إِخْرَاج الصَّلَاة عَنْ وَقْتِهَا " انتهى .
وعليه فهذا الإمام قد أخطأ بتأخير الزكاة ، وكان عليه أن يبحث عن المستحقين ، أو ينقل الزكاة إلى بلد فيه مستحقون .
ثانيا :
من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد ، لغير عذر ، أثم ، ولزمه قضاؤها ، وأهل المسجد لا يلحقهم شيء لأنهم وكلوا من يخرجها عنهم ، ويلزم الإمام الآن أن يخرجها إلى المستحقين ، ولا يجوز أن يضعها في نفقات المسجد . وأما المدرسة الشرعية ، فإن كان فيها فقراء يستحقون الزكاة جاز دفعها لهم وإلا فلا .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/458) : " فإن أخرها ( يعني زكاة الفطر ) عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء " انتهى .
وفي "الموسوعة الفقهية" (43/41) : " يرى المالكية والشافعية والحنابلة أن من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد مع القدرة على إخراجها أثم , ولزمه القضاء " انتهى .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (9/373) : هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم؟(/2)
فأجابت : " لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد ، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال ، وينتهي بصلاة العيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبل الصلاة ، ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ) ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان ... ، وقال في آخره: ( وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين ) . فمن أخرها عن وقتها فقد أثم ، وعليه أن يتوب من تأخيره وأن يخرجها للفقراء " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : لم أؤد زكاة الفطر لأن العيد جاء فجأة ، وبعد عيد الفطر المبارك لم أفرغ لأسأل عن العمل الواجب علي من هذه الناحية، فهل تسقط عني أم لابد من إخراجها؟ وما الحكمة منها؟
فأجاب : " زكاة الفطر مفروضة ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر) ، فهي مفروضة على كل واحد من المسلمين، على الذكر والأنثى، والصغير، والكبير، والحر والعبد، وإذا قدر أنه جاء العيد فجأة قبل أن تخرجها فإنك تخرجها يوم العيد ولو بعد الصلاة، لأن العبادة المفروضة إذا فات وقتها لعذر فإنها تقضى متى زال ذلك العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) ، وتلا قوله تعالى: ( وَأَقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِى? ) . وعلى هذا يا أخي السائل فإن عليك إخراجها الآن " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/271)
وقال أيضا : " أما إذا أخرها لعذر كنسيان ، أو لعدم وجود فقراء في ليلة العيد فإنها تقبل منه ، سواء أعادها إلى ماله ، أو أبقاها حتى يأتي الفقير " .(/3)
فعلى إمام المسجد دفع هذه الزكاة للفقراء والمساكين ، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء في بلده نقلها إلى بلد آخر .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن نقل زكاة الفطر فأجاب : " نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء فلا بأس به ، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز على ما قاله بعض أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/318).
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
99505
العنوان:
زكاة المال الموصى به
السؤال:
رجل توفي ، وقد أوصى بمبلغ ( 3000 ) ريال لأحد إخوانه ، فهل في هذا المال زكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا زكاة في هذا المال حتى تمر سنة كاملة عليه ، وهو في ملك الموصى له .
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/172) : " وَالْمَالُ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ يُزَكِّيه مَنْ حَالِ الْحَوْلُ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ " انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : عن رجل توفي وأوصى بمبلغ ( 2000 ) ريال لأحد إخوانه ليتزوج به وبين وفاة الرجل وزواج أخيه سنوات ، فهل يجب على هذا المبلغ زكاة ؟
فأجاب رحمه الله : " إذا كان أوصى به لشخص معين يكون مالا للشخص المعين إذا قبضه ، ويزكيه إذا حال عليه الحول ولو تأخر الزواج " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (14/41) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99506
العنوان:
أوصى للذكور وحرم الإناث فماذا يلزم الورثة
السؤال:
قبل أن يموت جدي كتب وصية لتقسيم الأراضي والمباني وأتى بالشهود ووقعوا عليها وفي الوصية كان الإنصاف الكبير والكثير للذكور على حساب الإناث أي كتب لهم كل شيء تقريبا ولم يبق إلا غرفة صغيرة للإناث . أولا : ما حكم هذه الوصية ؟ أهي باطلة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا وصية لوارث ) . ثانيا : عندما طالبت الإناث بحقهن الشرعي رفض الذكور رفضا قاطعا الحكم بغير الوصية الموصى بها فما حكم موقفهم ؟
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز الوصية لوارث ؛ لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ولا تنفذ هذه الوصية إلا بموافقة الورثة ، لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " إذا وصى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح ، بغير خلاف بين العلماء . قال ابن المنذر , وابن عبد البر : أجمع أهل العلم على هذا . وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث ) . رواه أبو داود . وابن ماجه , والترمذي ... وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى .(/1)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث ، ولا تصح لوارث ، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره : ( إلا أن يشاء الورثة ) " انتهى .
وبناء على هذا فما قام به جدك من الوصية للورثة الذكور وحرمان الإناث ، ظلم وإثم كبير ، فإن المال مال الله تعالى ، والإنسان مستخلف فيه ، يقوم فيه بما يرضي الله تعالى ، وقد قسم سبحانه الميراث بنفسه ، وحذر من التعدي على حدوده ، فقال بعد ذكر المواريث : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13، 14 ، ولا أعجب من هذا الإنسان الذي يختم حياته بالظلم والمعصية ، ويأبى إلا أن يموت وقد خلّف وراءه الظلم والحرمان والقطيعة .
والواجب على الورثة إبطال هذه الوصية ، وقسمة التركة كما أمر الله تعالى ، ولا يجوز لهم الاعتداء على حق الإناث اعتماداً على هذه الوصية .
فإنهم بذلك مشاركون لذلك " الجد " في الإثم والعدوان ، بل إثمهم أكبر وأعظم ، لأنهم هم الذين اغتصبوا الحق من أهله في الحقيقة ، نسأل الله تعالى أن يهديهم ويلهمهم رشدهم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99507
العنوان:
الفرق بين المني والمذي والرطوبة
السؤال:
لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل ، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء ، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة ، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع . أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.
الجواب:
الحمد لله :
ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية ، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة ) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه .
أما المني ، فصفاته :
1. رقيق أصفر . وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) .
وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء .
2. رائحته كرائحة الطلع ، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين .
3. التلذذ بخروجه ، وفتور الشهوة عقب خروجه .
ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة ، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني . قاله النووي في المجموع (2/141) .
وأما المذي :
فهو ماء أبيض ( شفاف ) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره . ولا يتلذذ بخروجه ، ولا يعقبه فتور الشهوة .
وأما الرطوبة :
فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة ، وقد لا تشعر المرأة بخروجها ، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً .
وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة ( المني و المذي والرطوبة ) من حيث الحكم :
فالمني طاهر ، لا يجب غسل الثوب منه ، ويجب الاغتسال بعد خروجه ، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة ، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك .
والمذي نجس ، فيجب غسله إذا أصاب البدن ، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء ، وخروج المذي ينقض الوضوء ، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه .(/1)
أما الرطوبة ، فهي طاهرة ، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها ، وهي ناقضة للوضوء ، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة ، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك .
ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة ( 2458) و ( 81774 ) و ( 50404 ) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99515
العنوان:
هل هناك أجر في قراءة الأحاديث النبوية ؟
السؤال:
وردت الأدلة على الأجر في قراءة القرآن الكريم، فهل هناك أجر في قراءة الأحاديث ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم قراءة العلم كلها فيها أجر ، تعلم العلم ، وطلب العلم من طريق القرآن ، ومن طريق السنة فيه أجر عظيم ، فالعلم يؤخذ من الكتاب ، ويؤخذ من السنة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم العلم وعلمه ) رواه البخاري (5027) ، وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة ، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة ) رواه مسلم (804)
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان- وادي في المدينة- فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا : كلنا يحب ذلك يا رسول الله . فقال : لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين ، وثلاث خير من ثلاث ، وأربع خير من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل ) رواه مسلم (803) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على فضل تعلم القرآن، وقراءة القرآن .(/1)
وفي حديث ابن مسعود: ( من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ) رواه الترمذي (2910) هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن، فقراءة الأحاديث ودرسها يكون له أجر عظيم . لأن هذا من تعلم العلم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) رواه الترمذي (2646) ، وهذا يدل على أن دراسة العلم ، وحفظ الأحاديث ، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه ، والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب ، ويكون من طريق السنة ، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا كما أن التفقه في القرآن دليل على ذلك ، والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله . "انتهى"
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/11)(/2)
رقم السؤال:
99538
العنوان:
اغتسل ثم تبين له أن رجله لم يصبها الماء
السؤال:
إذا اغتسل الإنسان غسل الجنابة مثلا ، ثم بعد ثلاث ساعات علم أن هناك حائلا منع وصول الماء إلى رجله ، فهل يلزمه إعادة الغسل ، أم عليه فقط أن يغسل رجله ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من شروط الوضوء والغسل التي لا بد من تحققها كي يقع صحيحا مجزئا ، زوالُ كلِّ مانعٍ وحائل يمنع وصول الماء إلى البشرة ، كالأدهان والأصباغ والألوان التي لها جِرمٌ يحجز الماء عن الجلد .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" (1/44) :
" وإن كان عليه عِلْكٌ أو شيء ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يُجْزِهِ وضوءُهُ ذلك العضوَ حتى يُزيلَ عنه ذلك ، أو يُزيلَ منه ما يعلم أن الماء قد ماسَّ معه الجلدَ كُلَّه ، لا حائل دونه " انتهى .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (69817) .
ثانيا :
فإن ترك المغتسل موضعا من جسمه لم يصبه الماء ، أو حال بينَ جُزءٍ من جسمه وبين الماء حائلٌ ومانع ، ثم تَنَبَّهَ بعد فترة من الزمن ، فهل يعيد غسله كاملا ، أم يكفي غسل الجزء الذي لم يصبه الماء فقط ؟
هذه المسألة مبنية على حكم الموالاة بين الأعضاء في الغسل ، والموالاة : أن يقع غسل أعضاء الجسم على الولاء ، بعضُها يلي بعضاً ، دون وجود فاصلٍ طويل .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوب الموالاة في الغسل .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/100-101) :
" التّرتيب والموالاة في الغسل غير واجبين عند جمهور الفقهاء .
وقال اللّيث : لا بدّ من الموالاة .
واختلف فيه عن الإمام مالك ، والمقدّم عند أصحابه : وجوب الموالاة . وفيه وجه لأصحاب الإمام الشّافعيّ .
فعلى قول الجمهور : لو ترك غسل عضو أو لمعة من عضو ، تدارك المتروكَ وحدَه بعدُ ، طال الوقت أو قصر " انتهى باختصار .
وانظر أيضا : "المغني" (1/220) ، "منح الجليل" (1/125)(/1)
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/208-209) قول الجمهور ، وانتصر له ، وذكر من أدلته :
" 1- ما روى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم : أنه رأى لمعة بعد غسله فعصر شعره عليها .
رواه ابن ماجه (663) وضعفه ابن حجر في الدراية (1/55) وابن الجوزي في العلل (1/347) والبوصيري في "مصباح الزجاجة" ، والألباني في ضعيف ابن ماجه .
2- وعن علي رضي الله عنه قال :
( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك )
رواه ابن ماجه (664) وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة" ، والألباني في ضعيف ابن ماجه .
3- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة ، وكذلك الآكل ، والمُجامع ثانيا ، وكان أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد إذا توضؤوا وهم جنب ، ولولا أن الجنابة تنقص بالوضوء لم يكن في ذلك فائدة ، وإنما تنقص إذا صح تبعيضها ، وإذا صح تبعيضها صح تفريقها ، بخلاف الوضوء ، فإنه لايصح تبعيضه في موضع واحد ، بل لا يرتفع الحدث عن عضو حتى يرتفع عن جميع الأعضاء .
4- وقال ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق في الجنابة وصلى : أنه ينصرف فيمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة . رواه سعيد في سننه .
ورواه الدارقطني في سننه (1/116) وجاء مثله عن جماعة من السلف ، كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/224-225)
5- ولأن الموالاة تابعة للترتيب ، والتريب إنما يكون بين عضوين ، وبدن الجنب كالعضو الواحد .
6- ولأن تفريق الغسل يحتاج إليه كثيرا ، فإنه قد يكون أصلح للبدين ، وقد ينسى فيه موضع لمعة أو لمعتين أو باطن شعره ، وفي إعادته مشقة عظيمة ، والوضوء يندر ذلك فيه ، وتخف مؤونة الإعادة فافترقا " انتهى بتصرف يسير .(/2)
فعلى هذا ، مَن ترك جزءا مِن جسمه لم يصبه ماء الغسل ، أو كان عليه حائل منع وصول الماء إلى الجسم ، فإنه يجزئه غسل الجزء المتروك فقط ، ولا يجب إعادة الاغتسال .
قال الإمام الشافعي في "الأم" (2/88) :
" ولو ترك لُمعةً – يعني موضعا - من جسده - تقل أو تكثر - فصلى ، أعاد غسل ما ترك من جسده ، ثم أعاد الصلاة بعد غسله " انتهى .
وانظر سؤال رقم ( 9066 )
وانظر جواب السؤال رقم (50320) .(/3)
رقم السؤال:
99539
العنوان:
هل تذهب مع أمها للعمرة بلا محرم أو تبقى بمفردها في البيت
السؤال:
هل يجوز لفتاة في سن 26 عام أن تذهب لأداء العمرة مع والدتها وصحبة آمنة ، فليس لها محرم كأخ أو أب أو زوج ، مع العلم أنها ترغب في أداء العمرة حتى لو لم تكن واجبة عليها بسبب عدم وجود محرم ، وهي كذلك ستضطر للجلوس وحدها إذا سافرت أمها للعمرة .
الجواب:
الحمد لله
المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة ، وهي معذورة في ترك ذلك ، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم ، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله لها محرما يسافر معها .
وسبل الخير كثيرة ، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات ، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات .
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر ، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ : ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ ) .(/1)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 11 / 90 ) : " المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج ؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل ، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج ، قال الله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها ؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : " انطلِق فحج مع امرأتك " ، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي ، وهو الصحيح ؛ للآية المذكورة ، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم ، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي ، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه ، قال ابن المنذر : تركوا القول بظاهر الحديث ، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه " انتهى .
وكما لا يجوز للفتاة السفر بلا محرم ، لا يجوز لوالدتها أيضا ، وعليها أن تتقي الله تعالى ، وأن تبقى مع ابنتها ، فإن أصرت على الذهاب ، وترتب على ذلك بقاء البنت لوحدها ، فإن كان بقاؤها في مكان آمن ، فلا إشكال ، وإن خيف عليها البقاء بمفردها ، فلعل هذا يكون عذرا في ذهابها مع والدتها للضرورة ، والإثم على أمها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99543
العنوان:
هل يجزئ الغسل عن الوضوء ؟
السؤال:
هل غسل الجمعة للنساء يجزئ عن الوضوء ؟ وهل الغسل المستحب كالعيدين يجزئ عن الوضوء ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا اقتصر المغتسل على القدر المجزئ من صفة الغسل ، وهي مبينة في جواب السؤال رقم (10790) والتي يكتفي فيها بتعميم الماء دون أن يأتي بالوضوء قبل الغسل.
فإن كان الغسل واجبا لرفع الحدث الأكبر ، من جنابة أو حيض أو نفاس ، فهذا الغسل يجزئ عن الوضوء ، على الصحيح من أقوال أهل العلم ، لأن الحدث الأصغر يندرج في الحدث الأكبر ، فإذا ارتفع الأكبر بالغسل لزم ارتفاع الحدث الأصغر أيضا.
أما إن كان الغسل مسنونا ، كغسل الجمعة والعيدين ، ( رجلاً كان أم امرأة ) فلا يجزئ هذا الغسل عن الوضوء .
جاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/175) :
" فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه ، وهذا في الغسل الواجب ، أما غيره فلا يجزئ عن الوضوء ، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة " انتهى .
وجاء في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/173-174) :
" غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء ..وأما لو كان غير واجب – كغسل الجمعة والعيدين فلا يجزئ عن الوضوء ، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة " انتهى .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، كما في "مجموع فتاوى ابن باز" (10/173-174) :
" إذا كان الغسل عن الجنابة , ونوى المغتسل الحدثين : الأصغر والأكبر أجزأ عنهما , ولكن الأفضل أن يستنجي ثم يتوضأ ثم يكمل غسله ; اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , وهكذا الحائض والنفساء في الحكم المذكور .
أما إن كان الغسل لغير ذلك ; كغسل الجمعة , وغسل التبرد والنظافة ، فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك ; لعدم الترتيب , وهو فرض من فروض الوضوء , ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية , كما في غسل الجنابة " انتهى .
وقال أيضا " مجموع الفتاوى " (10/175-176) :(/1)
" السنة للجنب : أن يتوضأ ثم يغتسل ; تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم , فإن اغتسل غسل الجنابة ناويا الطهارة من الحدثين : الأصغر والأكبر أجزأه ذلك , ولكنه خلاف الأفضل , أما إذا كان الغسل مستحبا ; كغسل الجمعة , أو للتبرد ، فإنه لا يكفيه عن الوضوء ; بل لا بد من الوضوء قبله أو بعده ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) متفق على صحته .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقبل صلاة بغير طهور ) أخرجه مسلم في صحيحه .
ولا يعتبر الغسل المستحب أو المباح تطهرا من الحدث الأصغر إلا أن يؤديه كما شرعه الله في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/6 .
أما إذا كان الغسل عن جنابة أو حيض أو نفاس ونوى المغتسل الطهارتين دخلت الصغرى في الكبرى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق على صحته " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (رقم109/سؤال14) :
" إذا اغتسل بنية الوضوء ولم يتوضأ فإنه لا يجزئه عن الوضوء إلا إذا كان عن جنابة , فإن كان عن جنابة فإن الغسل يكفي عن الوضوء ، لقول الله تبارك وتعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) المائدة/6 ، ولم يذكر وضوءاً .
أما إذا كان اغتسل للتبرد أو لغسل الجمعة أو لغسل مستحب فإنه لا يجزئه ؛ لأن غسله ليس عن حدث .
والقاعدة إذاً : إذا كان الغسل عن حدث – أي : عن جنابة - أو امرأة عن حيض أجزأ عن الوضوء ، وإلا فإنه لا يجزئ " انتهى بتصرف يسير .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99544
العنوان:
الاستفادة من اشتراك الغير في الانترنت
السؤال:
إذا فتحت : جهاز الحاسب فإني أجده يتصل بالإنترنت مباشرة , وذلك لأن أحد جيراني لديه اشتراك في الإنترنت يغطي المنطقة القريبة منه . فهل يجوز لي استعمال الشبكة والحالة هذه ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان استعمالك للشبكة لا يتسبب في تحميل فاتورة ذلك الشخص أية أعباء مالية إضافية من جراء قيامك بتنزيل أو تحميل المواد عبر الشبكة .
ولا يسبب له نقصاً في سرعة وكفاءة استعماله نتيجة المزاحمة والاشتراك , فإن عموم المسامحة بين الجيران وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ ) روه البخاري (2463) ومسلم (1609) يقتضي جواز استعمالك للشبكة في هذا الحالة , وإن كان الأحوط أن تستأذن الجار إن عرفته .
على أن هذه المسألة تكتنفها ملابسات أخرى مثل : أن تكون المنطقة مغطاة بأكثر من اشتراك لأكثر من جار , وقد يشترك جهازك مرة مع هذا ، ومرة مع هذا .
ويبقى حق شركة الاتصالات فيما يفوتها من الزبائن والأرباح نتيجة هذا الاستغلال لتغطية جيران المشتركين , ولذلك فالأحوط أن تقوم بعمل اشتراك خاص بك خروجاً من هذه الإشكالات .
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99545
العنوان:
حكم الاكتتاب في شركة كيان
السؤال:
هل يجوز الاكتتاب في أسهم شركة كيان؟
الجواب:
الحمد لله
شركة كيان نشاطها في الصناعات البتروكيميائية وهو نشاط مباح ، ويبلغ رأسمالها (15 مليار ريال)، وليس عليها قروض في الوقت الراهن إلا أنها وقعت اتفاقية مع مجموعة من البنوك للحصول على تمويل بما يقارب (4.8 مليار دولار) لتغطية تكاليف بناء المشروع. ووفقاً لما جاء في نشرة الإصدار فإن بعض هذا التمويل سيكون بقروض بالفائدة من بنوك ربوية ، والجزء الأكبر منه سيكون بمرابحات إسلامية .
والموقع يتبنى القول بتحريم المساهمة في الشركات التي تتعامل بالحرام قرضا أو إقراضا ، ولو كان نشاطها العام مباحا . وانظر جواب السؤال رقم (45929)
وممن أفتى بتحريم الاكتتاب في هذه الشركة الدكتور محمد العصيمي حفظه الله حيث قال :
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:(/1)
فإن نشاط هذه الشركة في الصناعات البتروكيميائية وهو نشاط مباح وحيوي بالنسبة للاقتصاد السعودي. وقد تصفحت نشرة الاكتتاب وتبين لي أن الشركة ليس لديها في الوقت الراهن قروض ولا استثمارات محرمة، بل نصت على أن النقدية في البنوك البالغة 15 مليار في مرابحات إسلامية تدر عائدا بنسبة 4.5%. ومع تحفظي المعروف على طريقة كثير من البنوك التجارية التي تقدم منتجات إسلامية عبر نوافذ إسلامية في مرابحاتها وعدم الضبط الشرعي لها، بل وصورية كثير من عملياتها، خاصة إذا كانت المبالغ ضخمة جدا لا تستوعبها السلع المتاحة للمرابحة، ومع ذلك فإني أحيي مثل هذه الخطوة المباركة وأعتقد أنها خطوة على الطريق الصحيح. إلا أن نشرة الاكتتاب أفصحت عن عزم الشركة على الاقتراض من البنوك التجارية قروضا ربوية وإسلامية بل ونصت على أن شركة سابك حصلت على خطابات تعهد والتزام بخصوص التسهيلات الائتمانية. ومع أن النشرة نصت مشكورة على أنه "من المتوقع أن تقوم مصارف إسلامية وبنوك محلية وإقليمية وعالمية بالإضافة إلى جهات حكومية وشبه حكومية بالمساهمة في تمويل المشروع، مع التركيز على زيادة حصة المصارف الإسلامية في التمويل". والأخبار المدرجة في موقع تداول تؤكد ذلك التوجه في الاقتراض، وأن التمويل لن يكون إسلاميا خالصا.
وحيث إن نشرة الاكتتاب تمثل في وجهة نظري الإيجاب المقدم من الشركة نحو المشاركين لقبول الاكتتاب، وحيث احتوت على ما ذكر آنفا، فإني أرى أنه لا يصح لمسلم أن يدخل شريكا في مثل ذلك العقد، ولا أن يرضى به، ولا أن يوكل في مثل ذلك التصرف.
وعليه ؛ فالشركة لا يجوز الاكتتاب بها.(/2)
وإني بهذه المناسبة أدعو القائمين على هذه الشركة وغيرها من الشركات إلى تجنب الاقتراض المحرم والاستثمار المحرم، فالبدائل الإسلامية – ولله الحمد- متاحة وكافية، وأذكرهم بتقوى الله عز وجل وبالأمانة التي تحملوها في أعناقهم وسيسألون عنها يوم القيامة. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " انتهى من موقع الشيخ :
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=13561
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99547
العنوان:
العمل على مكينة تحفر الصور على الكريستال
السؤال:
ما الحكم الشرعي في اقتناء مكينة الحفر على الكريستال واستخدامها في الكسب المادي حيث إنني متواجد في بلد خارج المملكة بغرض البحث عن فرص تجارية . وهذه صورة توضح المقصود من السؤال وطريقة عمل المكينة .
الجواب:
الحمد لله
بعد الاطلاع على الصورة المرفقة ، والوقوف على طريقة عمل الماكينة ، تبين أنه يتم من خلال هذا العمل تصوير الأشياء ، ثم نقل الصورة إلى الكريستال ، وعليه فإن كانت الصورة جائزة ، كصور الأشجار والجبال والأنهار وما لا روح فيه ، فلا حرج في العمل بهذه الماكينة واستخدامها في الربح المادي . وإن كانت الصورة ممنوعة كصور ذوات الأرواح ، من الإنسان والطير والحيوان ، فلا يجوز العمل بالماكينة في هذا المجال .
وتصوير ذوات الأرواح بالآلات الحديثة ، التي ينتج عنها ظهور الصور على شيء ثابت كالورق أو غيره ، محل خلاف بين أهل العلم ، والراجح منعه إلا للضرورة ؛ لعموم الأدلة في تحرير التصوير ، ولعن فاعله ، وانظر جواب السؤال رقم (22660) ، (8954)
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ومن اتقى الله تعالى رزقه وزاده ، وكفاه وآواه ، ولا خير في كسب حرام يدخله الإنسان على نفسه وأهله ، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به .
نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه ، وأن يغنينا بفضله عمن سواه
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99548
العنوان:
لا يحل مال الأب إلا برضاه
السؤال:
قبل أن يمن الله علي بالهداية كنت أطلب من والدي نقوداً للدروس الخصوصية وكان مثلا المبلغ 500 فأزيد عليه ليصبح 600 وآخذ الـ 100 هذه لشراء رصيد للمحمول وأشياء أخرى . وأنا الآن والحمد لله تعالى تبت وامتنعت عن هذه الفعلة , والسؤال : هل يلزمني إخبار والدي بما فعلت ليصفح عنى ؟ وهل يلزمني أن أرد هذه الأموال له عندما أكسب من عملي أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
ما فعلته من أخذك مال أبيك بغير رضا منه لا يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) . رواه أبو يعلى وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7662) .
وليس للولد حق في مال الوالد زائد على النفقة بالمعروف ، إن كانت النفقة واجبة على الوالد بأن كان الولد فقيراً .
قال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (5/595): " تلزمه – يعني : الوالد -نفقة ولده بالمعروف أو بعضها والكسوة والسكنى مع فقرهم " انتهى بتصرف .
وأمامك الآن أمران :
الأول : إما أن تخبر والدك بما فعلت ، فإما أن يعفو عنك ، وإما أن يطالبك برد المال ، وله الحق في ذلك .
الثاني: أن لا تخبره ، لا سيما إذا خشيت من ذلك حصول مفسدة كخصومة أو نزاع بينك وبين والدك أو يفقد الثقة فيك ، وحينئذ يلزمك رد المال إليه ، ولا يشترط إعلامه بذلك ، بل المقصود هو إيصال المال بأي طريقة . وانظر جواب السؤال رقم (31234) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن أخذ الولد من مال أبيه ما زاد عن النفقة التي أذن الأب بأخذها بقدر الحاجة .
فأجابوا : " يجب عليك إعادة ما توفر عندك من مصاريف النفقة إلى والدك ، لأن إذنه لك بأن تأخذ بقدر ما يحتاجه البيت ، فالمتوفر لم يدخل في الإذن فلم يكن مباحاً لك ". انتهى بتصرف من "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (21/175).
والله أعلم.(/1)
رقم السؤال:
99550
العنوان:
هل يتخلص من المال الحرام بإعطائه لمن يريد الزواج ؟
السؤال:
عملت في الماضي في عمل محرّم ، وكنت استفتيتكم ماذا أفعل بالمال الذي أخذته ، وأنا أريد التصدق به على أحد أقاربي ، وقد أجبتموني بأنه لا حرج علي من الانتفاع بهذا المال لأني كنت أجهل التحريم حينها أو أتصدق ببعضه أو كله . وأنوي التصدق بهذا المال على أحد أقاربي لأنه مقبل على الزواج . فهل يجوز ذلك أم لا ؟ علماً بأنه طلب مني أن أقرضه بعض المال، ولكن – للأسف – ليس عنده ما أقرضه إياه .
الجواب:
الحمد لله
قد سبق في جوابنا على سؤالك الأول ورقمه (96614) أن ما بقي من هذا المال في يدك ، تنفقه في وجوه الخير ولا تنتفع به ، وأحلنا في الجواب على سؤال آخر ، يتضمن جواز انتفاع التائب بشيء من المال الحرام إن كان محتاجا ، وهو برقم (78289 ).
ولاشك أن من وجوه الخير إعانة الراغب في الزواج حتى يتم له العفاف والإحصان ، وعليه فلا حرج لو أعطيت هذا المال أو جزءا منه لقريبك المقبل على الزواج .
وهذا لا يعد صدقة منك ولا زكاة ، وإنما هو من تخلص من المال الحرام ، وأما الصدقة والزكاة فلا تكون إلا من مال طيب ؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99554
العنوان:
كفارة الغيبة
السؤال:
في كفارة الغيبة ، هل يجزئ قول : ( رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ) عن الاستغفار لمن اغتبته ، أم يجب الدعاء له بالاسم ؟
الجواب:
الحمد لله
الغيبة من كبائر الذنوب ، ولا شك أن جميع المسلمين يدركون هذا ، ويعلمون ما للمغتاب من عذاب عند الله تعالى ، والخطورة في هذا الذنب تأتي من وجهين اثنين :
1- أنه متعلق بحقوق العباد ، فهي لذلك أشد خطرا ، إذ يتعدى فيها الظلم إلى الناس .
2- أنها معصية سهلة ينقاد إليها غالب الناس إلا من رحم الله ، والشيء السهل يحسبه الناس – في العادة – هينا وهو عند الله عظيم .
وفي أمر كفارة الغيبة لا بد من التنبيه إلى بعض الجوانب المهمة :
أولا : سبق في موقعنا في العديد من الفتاوى بيان أن كفارة الغيبة هي الاستغفار لمن اغتبته ، والدعاء له ، والثناء عليه في غيبته . وللتذكير بهذه الفتاوى وقراءة كلام أهل العلم يرجى من القارئ الكريم مراجعة الأرقام الآتية : (6308) ، (23328) ، (52807) ، (65649)
ثانيا : إلا أن تقرير كون الاستغفار كفارة للغيبة لا يعني وقوعها كافيةً في ذلك ، فإن الأصل أن الذنوب لا تُمحى إلا بالتوبة الصادقة التي يصحبها الإقلاع ، والندم ، وعدم العود ، وصدق القلب في معاملة الخالق سبحانه ، ثم يُرجى لمن جاء بهذه التوبة أن يغفر الله له ذنبه ، ويعفو عنه خطيئته .
أما حقوق العباد ، ومظالم الخلق ، فلا يكفرها إلا عفوُ أصحابها عنها ومغفرتهم لها ، دليل ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول :(/1)
( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (2449)
فقد جاء الأمر بالتحلل من المظالم قبل أن يوافيَ الناسُ يومَ الحساب ، فيكون التحلل يومئذ بالحسنات والسيئات ، وتكون الخسارة الحقيقية على من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم أو دمائهم .
ثالثا : فالواجب على من أراد أن يستبرئ لنفسه من إثم الغيبة أن يسعى جاهدا في التحلل ممن اغتابه ، فيطلب منه العفو والصفح ، ويعتذر إليه بالكلام اللين والحسن ، ويبذل في ذلك ما يستطيع ، حتى إن اضطر إلى شراء الهدايا القيمة الغالية ، أو تقديم المساعدة المالية ، فقد نص العلماء على جواز ذلك كله في سبيل التحلل من حقوق العباد .
ولما رأى أهل العلم من السلف الصالحين والفقهاء الربانيين أن التحلل من العباد في أمر الغيبة قد يؤدي – في بعض الحالات - إلى مفسدة أعظم ، فيوغر الصدور ، ويقطع الصلات ، وقد يُحمِّلُ القلوب من الأحقاد والأضغان ما الله به عليم ، رخص أكثر أهل العلم في ترك التحلل ، ورجوا أن يكفي في ذلك الاستغفار للمغتاب والدعاء له والثناء عليه في غيبته .
وإن كان آخرون من أهل العلم ذهبوا إلى أن الغيبة لا يكفرها إلا عفو صاحب المظلمة عنها .
لكن الصواب أنه إذا صدقت توبة مرتكب الغيبة ، لم يلزمه أن يخبر بذلك من اغتابه ، لاسيما إن خاف مفسدة ذلك ، كما هو الغالب .
إذا فالاستغفار لمن اغتبته إنما هو عذر طارئ ، وحالة ضرورة اقتضتها الشريعة التي تقدم درء المفاسد على جلب المصالح .(/2)
وفهم ما سبق يبين خطأ من يتساهل في إثم الغيبة معتمدا على أن الاستغفار كافٍ في تكفير تلك المعصية ، ولم يدرِ أنه أخطأ في ذلك من ثلاثة وجوه :
1- أنه نسي أن شرط التوبة الأساسي هو الندم والإقلاع وصدق الإنابة إلى الله تعالى ، وهذا الشرط قد لا يوفق لتحقيقه كثير من الناس .
2- أن الأصل في تكفير حقوق العباد السعي في طلب العفو منهم ، فإن كان التقدير أن إخباره بالغيبة سيؤدي إلى مفسدة أعظم ، فيلجأ إلى الاستغفار حينئذ ، وإلا فالأصل أنه يذهب ليطلب الصفح ممن ظلمه .
3- وذلك يدلك على أن المغتاب إن كان قد بلغه ما اغتابه به رجل آخر ، فإنه - والحالة هذه - لا بد من طلب العفو منه مباشرة ، كي يزيل ما أصاب قلب المغتاب من أذى ، وما حمله من كره أو حقد عليه ، فإن لم يعف ولم يصفح ، فليس ثمة حيلة بعد ذلك إلا الاستغفار والدعاء .
رابعا :
ثم بعد ذلك كله ، هل يظن السائل أن الاستغفار بصيغةٍ عموميةٍ ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ) كافٍ في تكفير إثم الغيبة ؟!!
نحن نقول إننا حين نرجو من الله أن يكون الدعاء والاستغفار مكفرا للسيئات ، لا بد أن نصدق الله في هذا الدعاء ، فنخلص فيه المسألة ، ونبتغي إليه الوسيلة فيه ، ونكرره في مواطن الإجابة ، وندعو فيه بكل خير وبركة له في الدنيا والآخرة ، ولا شك أن هذه الحالة من الدعاء تقتضي تخصيص المدعو له : إما بذكر اسمه ، أو بذكر وصفه فتقول : اللهم اغفر لي ولمن اغتبته وظلمته ، اللهم تجاوز عنا وعنه..إلى آخر ما يمكن أن تدعو به .
أما الصيغ العامة فلا تبدو كافية في تحقيق ما ترجو من الله تعالى ، فكما أنك اغتبته باسمه أو وصفه ، وخصصته بالأذى ، فكذلك ينبغي أن يكون الاستغفار والدعاء مخصصا حتى تقابل السيئات بالحسنات .
خامسا :(/3)
ينبغي التنبه إلى أن المقصد من الاستغفار والدعاء هو دفع السيئة بالحسنة ، ومقابلتها بها ، ولذلك فلا يتحتم الاستغفار دون غيره من الأعمال ، بل يمكن أن تعمل العمل الصالح ليكون ثوابُه مقدَّما لمن اغتبته ، كأن تتصدق عنه أو تقدم له المساعدة ، وتقف معه في محنه ، فتحاول تعويضه عن ذلك الأذى بما تستطيع .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" (18/187-189) :
" وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة ، وهذا حق ، ولا فرق فى ذلك بين القاتل وسائر الظالمين ، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم ، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته ، وإن لم يعوضه فى الدنيا فلا بد له من العوض فى الآخرة ، فينبغى للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات ، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا ، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله ، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء ، ولهذا فى حديث القصاص الذى ركب فيه جابر بن عبدالله إلى عبدالله بن أنيس شهرا حتى شافهه به ، وقد رواه الإمام أحمد – (3/495) - وغيره ، واستشهد به البخارى فى صحيحه ، وهو من جنس حديث الترمذى صحاحه أو حسانه ، قال فيه : ( إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق فى صعيد واحد ، يسمعهم الداعى وينفذهم البصر ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه )(/4)
وفى صحيح مسلم من حديث أبى سعيد : ( أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض ، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ) وقد قال سبحانه وتعالى لما قال ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) - والإغتياب من ظلم الأعراض - قال : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )
فقد نبههم على التوبة من الاغتياب ، وهو من الظلم .
وهذا فيما علمه المظلوم من العوض ، فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك ، فقد قيل : مِن شرط توبته إعلامه . وقيل : لا يشترط ذلك . وهذا قول الأكثرين ، وهما روايتان عن أحمد ، لكن قوله مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات : كالدعاء له ، والاستغفار ، وعمل صالح يهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه . قال الحسن البصري : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " انتهى .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
99558
العنوان:
حكم طباعة كتب السلف والمعاصرين وبيعها وهل يشترط الإذن
السؤال:
حكم طبع وبيع الكتب الدينية والربح منها مثل كتب السلف وأيضا بالنسبة لكتب الشيوخ المعاصرين والذين يؤلفوها للانتفاع بها وليس للربح فهل الربح من هذه الكتب يكون ليس من حقي لقد قرأت الإجابات على أسئلة حقوق الملكية الفكرية ولكن أرجو التوضيح .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
حق التأليف من الحقوق المعنوية المصونة شرعا ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (26307) .
ثانيا :
طباعة الكتب الدينية وبيعها لا حرج فيه ؛ لأن الأصل الحل ، ولما فيه من نشر العلم ، وتجويد طباعة مصنفاته ، وتوسيع نشرها بين الناس ، حيث يتعذر نشرها وتداولها ، وتحمل تكلفتها إلا بذلك .
وبناء على ذلك : فلا حرج في طباعة أي كتاب من كتب السلف أو المعاصرين ، إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك ، فلابد من إذنهم ، مع مراعاة الأمانة والدقة في نشر هذه الكتب .
ويدخل في ذلك ما ألفه العالم بغير غرض الربح ، فإنه تجوز طباعته والتربح منه ، ما لم يمنع من ذلك ، فيشترط إذنه أو إذن ورثته .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/187) : " س : هل يجوز أن أسجل شريط من الأشرطة وأبيعها، ولكن دون طلب الإذن من صاحبها ، أو إن لم يكن صاحبها على قيد الحياة من الدار الخاصة بها، أي بتسجيلها؟ وهل يجوز أن أصور كتابا من الكتب، وأجمع منها عددا كبيرا وأبيعها؟ وهل يجوز كذلك أن أصور كتابا من الكتب ولكن لا أبيعه، وإنما احتفظ به لنفسي، وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة) هل أطلب الإذن أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
ج : لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلا بد من إذنهم " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99569
العنوان:
حديث هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان
السؤال:
أود أن أعرف رأيكم بشأن شرح الحديث رقم (990) في صحيح البخاري ، الذى لَمْ يَدعُ فيه النبى صلى الله عليه وسلم لِنَجد ، حيث قال : إن الفتنة والزلازل ونفير الشيطان سيخرجون من نجد . وقد سمعت بعض العلماء يشيرون إلى هذا الحديث عند الحديث عن علماء نجد ، كالشيخ عبد الوهاب رحمه الله ، كما يصح القول بأن كثيرا من زعماء الحركة السلفية ينحدرون من نجد . فما هو الشرح الصحيح لهذا الحديث الصحيح .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الحديث المقصود في السؤال جاء عن جماعة من الصحابة ، ورواه عنهم جماعة كبيرة من التابعين ، وأنقل واحدا من هذه الأحاديث ، فهي متقاربة في اللفظ والمعنى :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا . قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا . قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) رواه البخاري (1037) ومسلم (20905) ، واللفظ للبخاري .
ثم الكلام على هذا الحديث في مسائل :
المسألة الأولى :
من المعلوم لدى أهل العلم أن ما ورد في الكتاب أو السنة من النصوص التي فيها تفضيل بعض الأماكن أو الأقوام على بعض ، لا يعني ذلك أبدا تفضيلا لكل من انتسب إلى ذلك المكان ، أو لأولئك القوم ، على غيرهم من البشر ، وكذلك ما ورد في النصوص من ذم بعض الأماكن ، وذكر ما فيها من الشر ، فلا يعني ذلك – بأي حال من الأحوال – ذم وانتقاص جميع من ينتمي إلى ذلك المكان .(/1)
والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم (2564)
فميزان الصلاح والفساد هو القلب والعمل ، وليس القبيلة أو العرق أو الجنس أو اللون ، وهذا التقرير متفق عليه بين أهل العلم .
روى مالك في "الموطأ" (1459) عن يحيى بن سعيد : أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة – يعني بلاد الشام - ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُهُ " انتهى .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (27/45-47) :
" وهو كما قال سلمان الفارسى ، فإن مكة حرسها الله تعالى أشرف البقاع ، وقد كانت فى غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها ، وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها ، وقد كانت الشام فى زمن موسى عليه السلام قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين ، وفيها قال تعالى لبنى إسرائيل: ( سأريكم دار الفاسقين )
فإن كون الأرض دار كفر أو دار السلام أو إيمان ، أو دار سلم أو حرب ، أو دار طاعة أو معصية ، أو دار المؤمنين أو الفاسقين ، أوصافٌ عارضةٌ لا لازمة ، فقد تنتقل من وصف إلى وصف ، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم ، وكذلك بالعكس .(/2)
وأما الفضيلة الدائمة فى كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح ، كما قال تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ) الآية . وقال تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ) الآية . وقال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم )
فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة فى فضل أهلها مطلقا ، بل يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ، ولكن العبرة بفضل الإنسان فى إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب .
وإذا فضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد : كتفضيل القرن الثاني على الثالث ، وتفضيل العرب على ما سواهم ، وتفضيل قريش على ما سواهم ، فهذا هذا والله أعلم " انتهى .
المسألة الثانية :
وعليه فلا يجوز أن يفهم الحديث السابق على أنه ذم لجميع أهل نجد عبر التاريخ ، بل وليس فيه ذم ( نجد ) مطلقا ، وإنما ورد الذم والتنفير عنها مقيدا بوجود الفتن والشرور ، ولا يلزم أن يكون ذلك في جميع القرون مُطَّرِدًا ، بل قد يكون في عصر من العصور منارة علم وهدى وفضل وخير .
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "مجموعة الرسائل والمسائل" (4/265) :
" وعلى كل حال ؛ فالذم إنما يكون في حال دون حال ، ووقت دون وقت ، بحسب حال الساكن ؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل ، وإن كانت الأماكن تتفاضل ، وقد تقع المداولة فيها ، فإن الله يداول بين خلقه ، حتى في البقاع ، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر ، وبالعكس " انتهى .
المسألة الثالثة :
ليس في لفظ الحديث ذم لأهل ( نجد ) وساكنيها ، وإنما فيه ذكر الفتن والشرور التي ستقع وتخرج منها ، ولا يعني ذلك ذمَّ الساكنين مطلقا .(/3)
فقد جاء في السنة النبوية ذكر وقوع الفتن في المدينة المنورة ، كقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ ) رواه البخاري (1878) ومسلم (2885)
ولا يجوز أن يفهم من ذلك أي ذم لأهل المدينة المنورة .
يقول الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي (ت 1326هـ) في كتابه "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" (ص/500) :
" وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية ، فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزماً لذم ساكنيه ، لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين ، وهذا لا يقول به أحد ، على أن مكة والمدينة كانتا في زَمَنٍ موضع الشرك والكفر ، وأي فتنة أكبر منهما ، بل وما من بلد أو قرية إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة ، فكيف يجترئ مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا ؟ وإنما مناطُ ذم شخصٍ معينٍ كونُه مصدراً للفتن من الكفر والشرك والبدع " انتهى .
فالمقصود من الحديث هو ذكر ما سيقع في منطقة ( نجد ) من الفتن والبلايا العظيمة في مرحلة من التاريخ ، وأنها ستكون كالزلازل التي تطال كل من فيها ، وسيكون كثير من أهل تلك البلاد ضحايا الفتنة ، ولا يعني أن جميع أهلها هم من يُثيرُها ويقومُ عليها ، ومَن فهم ذلك من الحديث فقد أساء وظلم .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (5/305) :
" وجهلوا أيضاً أنَّ كونَ الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضاً إذا كان صالحاً في نفسه , والعكس بالعكس ، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر , وفي العراق من عالم وصالح , وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلي الشام : أما بعد , فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً , وإنما يقدس الإنسان بعمله " انتهى .
المسألة الرابعة :(/4)
فسر العلماء المتقدمون هذا الحديث ، وقالوا المقصود بالفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي فتنة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة ، والشر الذي يأتي به ، وما يلحقه من المتنبئين الكذابين .
يقول الحافظ ابن حبان رحمه الله كما في "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان" (15/24) بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر أنه قال : ( ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق ويقول : إن الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان )
قال أبو حاتم رحمه الله : " مشرق المدينة هو البحرين ، ومسيلمة منها ، وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام " انتهى .
كما فسره بعض أهل العلم أيضا بالفتن التي تحدث في ( العراق ) ، فهي في جهة المشرق عموما بالنسبة لمن في الحجاز ، وفي العراق ( نجد ) أيضا ، فإن كل منطقة مرتفعة بالنسبة لغيرها تسمى نجدا ، وقد شملها بعض الصحابة في فهمهم لهذا الحديث :
فعن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال : ( يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ ، وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ) رواه مسلم (2905)
فالحديث يشمل كل ( نجد ) : أي كل مرتفع من الأرض بالنسبة للحجاز في جهة المشرق ، وذلك يشمل نجد الحجاز ونجد العراق .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (27/41-42) :
" هذه لغة أهل المدينة النبوية فى ذاك الزمان ، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق " انتهى .
ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/47) :(/5)
" كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية ، فكان كما أخبر ، وأول الفتن كان من قبل المشرق ، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين ، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به ، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة .
وقال الخطابي : ( نجد ) من جهة المشرق ، ومَن كان بالمدينة كان نَجدُهُ باديةَ العراق ونواحيها ، وهي مشرق أهل المدينة ، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض ، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها ، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة . انتهى كلام الخطابي .
وعُرف بهذا وهاء ما قاله الداودي : أن ( نجدا ) من ناحية العراق ، فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص ، وليس كذلك ، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا ، والمنخفض غورا " انتهى كلام الحافظ ابن حجر .
ويقول علامة العراق محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق في "غاية الأماني" (2/148) :
" ولا بدع ، فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية ، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية ، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى ، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق ، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به...إنما نبغوا وظهروا بالبصرة ، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت ، والقول الشنيع في علي وسائر الأئمة ومسبة أكابر الصحابة..كل هذا معروف مستفيض " انتهى باختصار .
وللشيخ "حكيم محمد أشرف سندهو" رحمه الله ، رسالة في بيان ما ذكرناه بعنوان : " أكمل البيان في شرح حديث : نجد قرن الشيطان " ، وهي مطبوعة ، قال الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي في تقدمته لها ـ ص (8) ـ :
" والموضع الذي يُعَيَّن من قِبَل أهل الجهل والضلالة اليوم [ يعني : نجد المعروف في السعودية ](/6)
لم يقله أحد من السلف ولا من الخلف ، إلا بعد ظهور دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، التجديدية للدين الحنيف ، إلا هؤلاء الذين لم يفهموا هذه العقيدة الصحيحة ، أو يتجاهلون عنها ، ولم يعرفوا التاريخ الإسلامي الصحيح الذي يدلهم على تلك الفتن العظيمة التي ظهرت ظهورا واضحا بينا في ذلك النجد الحقيقي ... " انتهى .
المسألة الخامسة :
ويخطئ كثير من الناس حين يظنون أن المقصود بـ ( قرن الشيطان ) شخص معين ، إذ المقصود هو مطلع الشمس وما يعتريها عند الشروق ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنَّهَا – يعني الشمس - تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ) رواه البخاري (3273) ومسلم (612)
ودليل ذلك ما في رواية البخاري (7092) : قال صلى الله عليه وسلم : ( الْفِتْنَةُ هَا هُنَا ، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا ، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ، أَوْ قَالَ : قَرْنُ الشَّمْسِ ) والشك من الراوي .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/46) :
" وأما قوله: " قرن الشمس " فقال الداودي : للشمس قرن حقيقة ، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان ، وما يستعين به على الإضلال ، وهذا أوجه ، وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له ، قيل : ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه " انتهى .
المسألة السابعة :
فأي حجة تبقى بعد ذلك لمن استدل بهذا الحديث على ذم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، ودعوته التجديدية ؟!!
وبأي برهان يُعَيِّنُ بعضُ الحاقدين - من غلاة المتصوفة ومن الرافضة - مقصودَ النبي صلى الله عليه وسلم من الذم في واحد من أشهر علماء المسلمين ، وأشهر دعاة الإصلاح في القرون المتأخرة ، والذي تحمل دعوة التوحيد علما وعملا ودعوة ، وعَدَّهُ أهلُ العلم مجدِّدَ ذلك القرن؟!!
أهكذا تُفَسَّرُ الأحاديث النبوية ، بالهوى والتشهي !(/7)
وهكذا تحول الأحاديث لأغراض مذهبية أو عنصرية أو طائفية ؟!!
وانظر عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للفائدة : جوابَ السؤال رقم (36616)
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
99585
العنوان:
زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً
السؤال:
امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة ، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
زكاة الفطر تجب على الإنسان ، وعلى من تلزمه نفقته ، كالزوجة ، والابن ، وغيرهما ؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أدوا صدقة الفطر عمن تمونون ) ، ولكنه حديث ضعيف ، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم .
انظر : "المجموع" ( 6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" ( 2 / 771) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة ، لوجوب نفقتها عليه " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 9 / 367) .
ثانياً :
المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً ، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى ، ما دامت في العدة ، والفطرة تتبع النفقة ، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج ، فكذلك الفطرة عليه .
قال النووي في " المجموع " ( 6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا : تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى .
وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " ( 3 / 265 ) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف .
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته ، بل ذلك واجب عليها هي ، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، واختاره الشيخ ابن عثيمين ، وانظر جواب السؤال (99353) .
وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته ، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية ، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير ، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
99597
العنوان:
الطلاق قبل الدخول طلاق بائن لا رجعة فيه
السؤال:
أنا فتاة كنت مخطوبة لشاب بعقد شرعي ، ولم يتم الدخول ، ولكن أراد تبارك وتعالى أن ينتهي ما بيننا ، وقد طلقني ، ولفظ قوله : " أنت طالق " .. أريد أن أسأل إن أراد خطيبي أن يراجعني ، هل يكون عليه مهر وعقد جديدان ، أم تكفي كلمة راجعتك ؟ مع العلم أنه طلقني من مدة شهرين فقط ، ودفع لي نصف المهر .
الجواب:
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول بها ، فليس له رجعة عليها ، لأن الرجعة إنما تكون في فترة العدة ، والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49 .
قال ابن قدامة في "المغني" (7/397) :
" أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تَبِينُ بطلقة واحدة ، ولا يستحق مطلقُها رجعتَها ؛ وذلك لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة ، ولا عدة قبل الدخول ، لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) الأحزاب/49 " انتهى .
وعليه ؛ فإذا أراد زوجك السابق مراجعتك فليس أمامه إلا أن يعقد عليك عقداً جديداً بمهر جديد.
ونسأل الله لكما التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99606
العنوان:
حديث ( يا علي ! لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء ) لا يصح
السؤال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا علي ! لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء هي : 1- قراءة القرآن الكريم كله . 2- التصدق بأربعة آلاف درهم . 3- زيارة الكعبة المشرفة . 4- حفظ مكانك في الجنة . 5- إرضاء الخصوم . فقال علي رضي الله عنه وأرضاه : وكيف يا رسول الله ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أما تعلم يا علي أنك : 1- إذا قرأت ( قل هو الله أحد ) ثلاث مرات كأنك قرأت القرآن كله . 2- إذا قرأت ( سورة الفاتحة ) أربع مرات كأنك تصدقت بأربعة آلاف درهم . 3- إذا قلت ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ) عشر مرات فقد زرت الكعبة المشرفة . 4- إذا قلت ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة . 5- إذا قلت ( أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم , وأتوب إليه ) عشر مرات فقد أرضيت الخصوم . سمعت أن هذا الحديث باطل ، وأنا اعتقادي أنه صحيح ، وأرجو الإفادة . وجزاكم الله خير الجزاء .
الجواب:
الحمد لله
جاء في "مجموع فتاوى ابن باز" (26/328-330) :
" نشرة تتضمن أحاديث مكذوبة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد أجاب عنها سماحته بتاريخ 25 1 1414 هـ :
فقد اطلعت على نشر ة مصدرة بما نصه :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(/1)
( يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله ، والتصدق بأربعة آلاف درهم ، وزيارة الكعبة ، وحفظ مكانك في الجنة ، وإرضاء الخصوم ، قال علي : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تعلم أنك : إذا قرأت سورة الإخلاص الآية 1 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم ، وإذا قلت : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة ، وإذا قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة ، وإذا قلت : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم )
ولكون ما تضمنته هذه النشرة لم يرد في كتاب من كتب الحديث المعتمدة، بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولذلك فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة أو العمل على طبعها أو نشرها بين المسلمين لما في ذلك من تضليل العامة والتلبيس عليهم والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وعد المتعمد له بالوعيد العظيم ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إن كذبا علي ليس ككذب على غيري ، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) صحيح البخاري (1229) , صحيح مسلم مقدمة (4)
وقال : ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) صحيح مسلم مقدمة (1)(/2)
وفي الأخبار الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم المدونة في كتاب الحديث المعتمدة من الصحاح والسنن والمسانيد غنية لمن وفقه الله إلى الخير عن اللجوء إلى أخبار الكذابين والوضاعين ، أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح ويجنب الجميع طرق الضلال والانحراف إنه سميع قريب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مفتي عام المملكة العربية السعودية ، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء .
وقد سبقت الإجابة على هذا الحديث في جواب السؤال رقم (30765) جاء فيها نقلان في تضعيف هذا الحديث : عن الشيخ ابن عثيمين وعن اللجنة الدائمة .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99624
العنوان:
لماذ لم يُسمِّ الله نفسه بالمتكلم ؟
السؤال:
لماذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم ، مع أنه يتكلم ؟
الجواب:
الحمد لله
يمكننا – للتوضيح – أن نعبر عن السؤال بصيغة أخرى فنقول :
هل يجوز أن يُشتَقَّ من صفاتِ الله تعالى وأفعالِه التي أثبتها الله لنفسه أسماءً له عز وجل يتسمى بها ، ليدعوه بها عبادُه ، ويحصوها مع أسمائه حتى ينالوا الأجر المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) ، أم أنَّ هناك ضابطًا في اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات والأفعال ؟
لا بد أولا من إرجاع الحكمة إلى الله تعالى ، فهو سبحانه صاحب الكمال المطلق ، يتسمى ويتصف بما هو أهل له ، والعباد إنما يتلمَّسون شيئا مما بينه لهم في كتابه من كماله وجلاله وعظمته ، فإليه يرجع الأمر كله ، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى .
إلا أننا نحاول الوقوف على فقه أسمائه وصفاته من خلال ما ورد في الكتاب والسنة ، نتأمل في ذلك لعلنا نصل إلى ضابط في تحديد الأسماء الحسنى .
وقد اختلف العلماء فيما سأل عنه الأخ الكريم ، مما أدى إلى اختلافهم في تعداد أسماء الله الحسنى ووضع الضابط لها ، فقد جعل بعضهم الأمر تعبديا محضا ليس فيه شيء من معاني القياس أو الاجتهاد كما فعل ابن حزم ، وتوسع بعضهم فأجاز تسمية الله بالمتكلم والمريد وبكل اسم جاء وصف الله تعالى بمعناه في الكتاب أو السنة ، وهذا مذهب ابن العربي المالكي وغيره .
وتوسط بعض أهل العلم ، فتأملوا في موارد الأسماء الحسنى ، فوجدوا أن الصفة إذا كانت صفة مدح مطلق ولا تحتمل الذم بوجه من الوجوه : كالسمع والبصر ، فحينئذ يأتي في النصوص اشتقاق الاسم منها فيسمي الله نفسه بـ " السميع " و " البصير " .(/1)
أما إذا كانت الصفة تحتمل النقص والذم بإحدى الوجوه : كالكلام مثلا ، فإن الكلام قد يكون كذبا وظلما وسُوءًا ، فيكون نقصا يفضل السكوت عليه ، فحينئذ لا نجد اشتقاقا للاسم من هذه الصفة ، ولا نجد من أسماء الله : المتكلم .
وهذا هو تقرير العلامة ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وقول أكثر علمائنا المعاصرين .
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "شرح العقيدة الأصفهانية" (1/19-20) :
" وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم :
فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ، ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ، ومعناهما حق ، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي : التي يدعى الله بها ، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة ، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها .
والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح ، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح .
وأما الكلام والإرادة : فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود : كالصدق والعدل ، وإلى مذموم : كالظلم والكذب ، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم...فلهذا لم يجئ في أسمائه الحسنى المأثورة : المتكلم والمريد " انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله في "بيان تلبيس الجهمية" (2/10-11) :
" وذلك أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى ، كما سمى نفسه بذلك ، وأنزل كتبه ، وعلَّمه من شاء من خلقه ، كاسمه : الحق ، والعليم ، والرحيم ، والحكيم ، والأول ، والآخر ، والعلي ، والعظيم ، والكبير ، ونحو ذلك .
وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد ، تدل على ما يحمد به ، ولا يكون معناها مذموما ...
والله له الأسماء الحسنى ، ليس له مثل السوء قط ، فكذلك أيضا الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم ، لا توجد في أسماء الله الحسنى ؛ لأنها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح " انتهى .
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى كما في "مختصر الصواعق" (2/34)(/2)
" لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم ، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد " انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (3/415-416) :
" وما كان مسماه منقسما – يعني إلى كامل وناقص - لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى : كالشيء والمعلوم ، ولذلك لم يسم بـ " المريد " ، ولا بـ " المتكلم " ، وإن كان له الإرادة والكلام ؛ لانقسام مسمى " المريد " و " المتكلم " ، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى ، فتأمله وبالله التوفيق " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى "شرح الواسطية" (1/86) :
" ولهذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم ، مع أنه يتكلم ؛ لأن الكلام قد يكون خيراً ، وقد يكون شراً ، وقد لا يكون خيراً ولا شراً ، فالشر لا ينسب إلى الله ، واللغو كذلك لا ينسب إلى الله ، لأنه سفه ، والخير ينسب إليه ، ولهذا لم يسم نفسه بالمتكلم ، لأن الأسماء كما وصفها الله عز وجل : ( ولله الأسماء الحسنى ) الأعراف/180 ، ليس فيها أي شيء من النقص ، ولهذا جاءت باسم التفضيل المطلق " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (39803) ، (48964)
وللتوسع انظر كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" للدكتور محمد بن خليفة التميمي (50-59)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99628
العنوان:
العمل في مؤسسة تعمل مع من يتاجر في الخمور
السؤال:
هل يجوز العمل مع مؤسسة تعمل مع أخرى تتاجر في الخمور؟
الجواب:
بيع الخمر حرام ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/ 90-91 .
ولما روى البخاري (2236) ومسلم (1581) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ) .
وروى الترمذي (1295) وابن ماجه (3381) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2385) .
والمؤسسة التي تعمل مع من يتاجر في الخمور : إن كانت تعين على هذه التجارة ، فلا شك أنها واقعة في الحرام ، مشاركة في الإثم ، ولا يجوز لأحد أن يعمل فيها عملا يتصل بذلك .
وإن كان عملها مع من يتاجر في الخمور في أمور لا تتصل بالخمر ولا تعين عليها ، بل في أعمال أخرى مباحة ، فيجوز العمل مع هذه المؤسسة في أعمالها المباحة التي لا تعين على الحرام .
وينظر جواب السؤال رقم (48005) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99629
العنوان:
الوشم المؤقت ، والدائم ، أنواعهما ، وحكمهما
السؤال:
بحكم أن الوشم حرِّم في الإسلام لما له من مضار على الجسم وكان عوضاً عنه الرسم بالحناء ، ولكن عيوبه أنه لا يرسم بدقه ، ويبقى ثابتاً لفترة طويلة ، فتوفر البدل للوشم والحناء بما يعرف بـ " الوشم اللاصق " فيستخدم في ليلته ، ويزال في وقته عند الانتهاء من غرضه ، فما حكم الوشم اللاصق ، أي : يلصق على الجسم ويمكن إزالته بدون أي أثر يبقى ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
هناك فرق بين الزينة الثابتة الدائمة التي تغيِّر لون وشكل العضو ، وبين الزينة المؤقتة ، فالأولى محرمة ، وهي من تغيير خلق الله تعالى ، والثانية مباحة ، وهي من التزين المباح .
والوشم هو تغييرٌ للون الجلد ، وذلك بغرز إبرة في الجلد حتى يسيل الدم ، ثم يُحشى ذلك المكان بكحل أو غيره ليكتسب الجلد لوناً غير الذي خلقه الله تعالى لصاحبه .
والخضاب بالحناء – وما يشبهه – ليس من هذا الباب ، فهو ليس تغييراً للون الجلد ، بل رسومات ونقوشات وألوان تزول بعد مدة .
وقد أباح الله تعالى للمرأة أن تتزين بهذا ، بشرط أن لا تكون رسومات زينتها على شكل ذوات الأرواح كإنسان أو حيوان ، وبشرط أن لا تظهر هذه الزينة لرجل أجنبي عنها .
وللوشم الدائم ثلاث صور – مجملة – وكلها لها الحكم نفسه ، وهو التحريم ، وهذه الصور :
الأولى : الطريقة التقليدية القديمة ، وهو ما ذكرناه سابقاً من غرز الإبرة بالجلد ، وإسالة الدم ، ثم حشي المكان كحلاً أو مادة صبغية .
قال النووي رحمه الله :(/1)
"الواشمة فاعلة الوشم ، وهى أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش وقد تكثره وقد تقلله وفاعلة هذا واشمة ، والمفعول بها موشومة ، فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له" انتهى .
" شرح النووي على مسلم " ( 14 / 106 ) .
وانظر الأدلة وكلام أهل العلم حول هذه المسألة في جواب السؤال رقم ( 21119 ) .
والثانية : استعمال مواد كيميائية أو القيام بعمليات جراحية تغيِّر لون الجلد كله ، أو بعضه .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
انتشر بين النَّاس - وخاصة النساء - استخدام بعض المواد الكيميائية ، والأعشاب الطبيعية التي تغيِّر من لون البشرة بحيث البشرة السمراء تصبح بعد مزاولة تلك المواد الكيميائية والأعشاب الطبيعية بيضاء ، وهكذا ، فهل في ذلك محذور شرعي ؟ علماً بأن بعض الأزواج يأمرون زوجاتهم باستخدام تلك المواد الكيميائية والأعشاب الطبيعية بحجة أنه يجب على المرأة أن تتزين لزوجها .
فأجاب :
"إذا كان هذا التغيير ثابتاً فهو حرام بل من كبائر الذنوب ؛ لأنه أشد تغييراً لخلق الله تعالى من الوشم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ) وقال : ( ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
فالواصلة : التي يكون شعر الرأس قصيراً فتصله إما بشعر ، أو بما يشبهه .
والمستوصلة : التي تطلب من يصل شعرها بذلك .(/2)
والواشمة : التي تضع الوشم في الجلد بحيث تغرز إبرة ونحوها فيه ، ثم تحشي مكان الغرز بكحل أو نحوه مما يحول لون الجلد إلى لون آخر .
والمستوشمة : التي تطلب من يضع الوشم فيها .
والنامصة : التي تنتف شعر الوجه ، كالحواجب وغيرها من نفسها ، أو غيرها .
والمتنمصة : التي تطلب مَن يفعل ذلك بها .
والمتفلجة : التي تطلب من يفلج أسنانها ، أي : تحكها بالمبرد حتى يتسع ما بينها ؛ لأن هذا كله من تغيير خلق الله .
وما ذُكر في السؤال : أشدُّ تغييراً لخلق الله تعالى مما جاء في الحديث" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 17 / جواب السؤال رقم 4 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 2895 ) لمزيد فائدة حول هذه المسألة .
والثالثة : طريقة الوشم المؤقت الذي قد تطول مدته إلى سنة .
وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله :
ظهر حديثاً طريقة جديدة لعمل الكحل ، وتحديد الشفاه بطريقة الوشم المؤقت الذي تصل مدته إلى ستة أشهر أو سنة ؛ وذلك بدلاً من الكحل العادي ، وقلم تحديد الشفاه ، فما حكم ذلك ؟
فأجاب :
"لا يجوز ذلك ؛ لدخوله في مسمى الوشم ، فقد ( لَعَنَ النبي صلى الله عليه وسلم الوَاشِمَة والمُسْتَوْشِمَة ) ، فإن هذا التحديد للشفاه والعينين يبقى سنة أو نصف سنة ، ثم يجدَّد إذا اندرس ، ويبقى كذلك ، فيكون شبيهاً بالوشم المحرَّم .
والأصل : أن الكحل علاج للعين ، لونه أسود ، أو رمادي ، يكتحل به على الأهداب ومشافر العينين عند الرمد ، أو لحفظ العين عن المرض ، وقد يكون جمالاً وزينة للنساء ، كالزينة المباحة ، فأما تحديد الشفاه بطريقة الوشم المؤقت : فأرى أنه لا يجوز ، فعلى المرأة أن تبتعد عن المشتبهات .
والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى من فتوى عليها ختمه .
ثانياً:(/3)
الذي نراه في الوشم المؤقت – ويطلق عليه " التاتو " ، والأفضل عدم تسميته " وشماً " - أن له حكم الخضاب بالحناء ؛ إذا كان بالصورة الواردة في السؤال ، وليس بالطريقة المحرَّمة ، وتكون الإباحة مقيَّدة بشروط :
1. أن يكون الرسم مؤقتاً ويُزال ، وليس ثابتاً ودائماً .
2. أن لا تضع رسومات لذوات أرواح .
3. أن لا تظهر هذه الزينة لرجل أجنبي عنها .
4. أن لا يكون في تلك الألوان والأصباغ ضرر على جلدها .
5. أن لا يكون فيها تشبه بالفاسقات أو الكافرات .
6. أن لا تحمل الرسومات شعارات تعظم ديناً محرَّفاً ، أو عقيدة فاسدة ، أو منهجاً ضالاًّ .
7. وإذا وضعه لها غيرها فيكون من النساء ، ولا يكون في مواضع العورة .
فإذا تمَّ هذا : فلا نرى مانعاً من التزين به .
قال الصنعاني رحمه الله :
وقد عُلِّل الوشم في بعض الأحاديث بأنه تغيير لخلق الله ، ولا يقال إن الخضاب بالحناء ونحوه تشمله العلة ، وإن شملته : فهو مخصوص بالإجماع ، وبأنه قد وقع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم .
" سبل السلام " ( 1 / 150 ) .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
انتشر بين النَّاس - وخاصة النساء - استخدام بعض المواد الكيميائية ، والأعشاب الطبيعية التي تغيِّر من لون البشرة .... – وقد ذكرنا السؤال آنفاً - :
فأجاب :
" ... وما ذُكر في السؤال : أشدُّ تغييراً لخلق الله تعالى مما جاء في الحديث .
وأما إذا كان التغيير غير ثابت ، كالحناء ونحوه : فلا بأس به ؛ لأنه يزول ، فهو كالكحل ، وتحمير الخدين ، والشفتين ، فالواجب الحذر والتحذير من تغيير خلق الله ، وأن ينشر التحذير بين الأمة لئلا ينتشر الشر ويستشري فيصعب الرجوع عنه" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 17 / جواب السؤال رقم 4 ) .
وقد نقلنا عن الشيخ رحمه الله فتوى بالإباحة إن لم تكن الرسومات مشتملة على صور ذوات الأرواح ، فلتنظر في جواب السؤال رقم ( 8904 ) .(/4)
وقد حذر بعض الأطباء من الأضرار الصحية لهذا "الوشم المؤقت" .
فقد جاء في جريدة " اليوم " السعودية ما نصه :
"يلقى " الوشم المؤقت " أو ما يعرف بالـ ( تاتو ) طلباً متزايداً من الفتيات في مختلف الأعمار ، خاصة في مناسبات الأعياد ، والعطلات المدرسية .
وحذر د . أسامة بغدادي - اختصاصي الأمراض الجلدية - من الانجراف خلف هذه الملصقات ، التي تؤدي إلى تشويه الجسد في المقام الأول ، وتقود إلى الأمراض الجلدية ، نسبةً لدرجات الصمغ الموجود خلفها ، الذي يتسرب عبر مسام الجلد إلى داخل الجسم ، ويختلط بالدورة الدموية ، كما أن المواد الكيميائية الملونة بالملصق لها آثار سالبة على الصحة العامة" انتهى .
العدد 11159 ، السنة التاسعة والثلاثون ، السبت 11 / 11 / 1424 هـ ، الموافق 3 / 1 / 2004 م .
فإن ثبت ضرر هذه الطريقة وأنها تؤدي إلى الأمراض الجلدية أو غيرها ، فإنها تكون ممنوعة شرعا ، لأن المسلم ليس له أن يفعل شيئا يضر به نفسه أو غيره ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه (784) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
99630
العنوان:
نشيد الفتيات البالغات
السؤال:
هل يجوز تنشيد الفتيات من سن 14 فما فوق أناشيد للأطفال ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على الفتاة البالغة وغيرها الغناء أو النشيد للأطفال الصغار ، لأن الأصل في العادات الإباحة ، ولم يرد نهي عن ذلك ، ولوجود المصلحة والمنفعة حين يكون لأناشيد الأطفال الأثر البالغ في الرعاية والعناية والتربية ، حيث تمنحه دفء المحبة والحنان الذي يحتاجه الطفل في صغره ، كما يكون لكلماتها الطيبة اللطيفة أثر في شخصيته ونفسيته ، إذ يمكن أن تزرع في نفسه قوة الشجاعة والثقة بالنفس والتشجيع ، وتدفع في قلبه الأمل والإقبال على النجاح والعمل ، وتنمي فيه خصال الصلاح والخير . وذلك كله إذا أحسنت المرأة اختيار الكلمات التي تغنيها للأطفال .
ولا مفسدة في هذا الغناء – من حيث الأصل - ، وإذا كان للمرأة أن تبدي ما يظهر من زينتها للطفل الذي لا يدرك معنى " عورات النساء " ، فمن باب أولى أن يجوز لها بذل صوتها بالغناء والنشيد للأطفال .
وفي نصوص الفقهاء شيء قريب من هذا التقرير :
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/538) في معرض تعداد أنواع من الغناء المباح : " ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد " انتهى .
ويقول الأذرعي – من فقهاء الشافعية - : " وأما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل ، كحداء الأعراب لإبلهم ، وغناء النساء لتسكين صغارهم ، فلا شك في جوازه ، بل ربما يندب إذا نشَّط على سير أو رغَّب في خير ، كالحداء في الحج والغزو ، وعلى نحو هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة ." انتهى . نقلا عن "تحفة المحتاج" (10/219)
ولكن لا بد من الانتباه إلى بعض الضوابط والشروط التي تقيد ما سبق تقريره :
1- يجب أن تخلو هذه الأناشيد من أدوات العزف ، فالمعازف من المحرمات ، ولا يجوز استباحة سماعها وتربية الأطفال على نغماتها وألحانها .(/1)
وانظر في تحريم الموسيقى أجوبة الأرقام (5000) ، (5011) ، (43736) ، (96219)
2- ولا يجوز أن تغني الفتاة البالغة أو تنشد للأطفال بحضرة الرجال الأجانب ؛ فضلا عن تسجيل ذلك وحفظه بالوسائل المعروفة حديثا ، ونشره بين الناس ، لأنه إن جاز للطفل استماع غناء المرأة ، فلا يجوز للرجل الأجنبي استماعه ، ولا يجوز للمرأة أن تتساهل في ذلك ، فقد حذر الله سبحانه وتعالى أطهر النساء وأعف الزوجات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عن الخضوع في القول فقال : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) الأحزاب/32 ، وإذا تذكرنا أن هذا النهي عن الخضوع في القول كان في زمن خير البشر بعد الرسل والأنبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم ، فكيف هو الحكم في زماننا الذي كثر فيه الفساد والانحراف . يقول القرطبي في تفسير هذه الآية "الجامع لأحكام القرآن" (14/177) :
" أي : لا تلن القول . أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا ، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين ، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه ، مثل كلام المريبات والمومسات . فنهاهن عن مثل هذا . قوله تعالى : ( وقلن قولا معروفا ) قال ابن عباس : أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والمرأة تندب إذا خاطبت الاجانب وكذا المحرمات عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول ، من غير رفع صوت ، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام .
وعلى الجملة فالقول المعروف : هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس ." انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (11563)(/2)
وبهذا يتبين خطأ ما ينتشر اليوم في بعض الفضائيات من غناء ونشيد تقوم به بعض الفتيات البالغات بزعم أنه موجه للأطفال ، فإن عرض مثل ذلك على الملأ دعوة لاستماعه والفتنة بجمال الصوت واللحن ، وفي ذلك خروج عن الضوابط التي سبق ذكرها ، فلا يجوز لمن يعمل في هذه الجهات أن ينشر أو يبيع أو يصدر تسجيلا لفتاة بالغة تنشد وتغني – ولو كانت كلمات نشيدها صالحة طيبة - ، إذ في ذلك مخالفة لما أمر الله تعالى به النساء من عدم الخضوع في القول ، وأي خضوع أعظم من خضوع النشيد والغناء ، وما فيه من التليين والتمطيط والترقيق كاف في التأثير في قلب كل مستمع ، وغالبا ما يؤدي مثل هذا التساهل إلى تساهل أخطر ، فينتقل الأمر إلى النشيد والغناء للرجال البالغين وبحضورهم !!
على أننا نشير هنا أيضا إلى أن ما ذكرناه من التخفيف في التستر على الأطفال ، إنما هو في حق الطفل الصغير الذي لا يميز مفاتن المرأة ، ولا ينتبه إلى ذلك منها ، كما قال الله تعالى في وصفهم : ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )(النور: 31) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ـ في تفسيره (566) ـ :
" أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء " انتهى .
وقال ابن العربي رحمه الله ـ في أحكام القرآن (3/1375) :
" وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ سَتْرِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ .(/3)
وَالْآخَرُ : يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي ، وَقَدْ تَشْتَهِي هِيَ أَيْضًا ؛ فَإِنْ رَاهَقَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ وَلُزُومِ الْحِجْبة " انتهى .
ولن يعدم من يقوم بمثل ذلك من حجج موهومة وأعذار واهنة ، فيقول بعضهم : ألم تغن الجواري في منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد ؟ وقد أقرهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أبا بكر بالسماح لهما في الغناء ؟
فالجواب أن يقال : إن الحق أحق أن يتبع ، وليس في شريعتنا إلا التحذير من إظهار الفتيات البالغات مفاتنهن على الملأ ، ومن ذلك الصوت الجميل المرقق ، أما هذا الحديث الذي ذكرتم ، فهو حديث صحيح يرويه البخاري (987) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :
( دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ ، قَالَتْ : وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا )
إلا أن العلماء يقولون في تفسيره إنهن جاريتان صغيرتان لم تبلغا سن البلوغ ، فهما غير مكلفتين .
يقول القرطبي في "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" (8/10) :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما " انتهى .
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/257) :(/4)
" فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان ، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين ، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب ، وكان اليوم يوم عيد .
فتوسع حزب الشيطان في ذلك : إلى صوت امرأة جميلة أجنبية ، أو صبي أمرد صوته فتنة ، وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، مع التصفيق والرقص ، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان ، فضلا عن أهل العلم والإيمان ، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه ، في الشجاعة ونحوها ، في يوم عيد ، بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ، ويدَعون المحكم الصريح لهذا المتشابه ، وهذا شأن كل مبطل . نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه ، وإنما نحرم ـ نحن وسائر أهل العلم والإيمان ـ السماع المخالف لذلك " انتهى .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/202) :
" صوت المرأة نفسه ليس بعورة ، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث ، وخضوع في القول ، فيحرم منها ذلك لغير زوجها ، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه ؛ لقوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32 " انتهى .
ويمكن الاستغناء عن نشيد الفتيات البالغات – إذا بقيت الحاجة لنشر النشيد على القنوات الفضائية - بنشيد الأطفال أنفسهم ، ينشد بعضهم لبعض ، فيؤخذ من أصواتهم الجميلة ما يقوم مقام نشيد النساء ، فيتحقق المقصود وينتفي المحذور إن شاء الله تعالى .
والخلاصة أنه لا حرج على الفتاة البالغة من الغناء والنشيد للأطفال بثلاثة شروط :(/5)
1- أن تكون كلمات الغناء والنشيد كلمات مباحة أو كلمات خير وصلاح .
2- ألا يصحب ذلك شيء من أدوات العزف إلا الدفوف .
3- ألا يكون ذلك بحضرة الرجال الأجانب ، ولا ينشر شيء من ذلك نشرا عاما ، من خلال الفضائيات ونحوها .
ولمعرفة حد البلوغ ينظر جواب السؤال رقم (21246) ، (70425)
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
99642
العنوان:
سداد القرض بعملة أخرى.. الصور الجائزة والممنوعة
السؤال:
اقترضت مبلغا من صديق لي بالدولار ، ورددت له المبلغ بالريال السعودي على دفعات بنفس قيمة المبلغ في ذلك الوقت فما حكم ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأصل أن يسدد القرض بنفس العملة التي أخذها المقترض ، إلا أن يصطلح الطرفان وقت السداد على أخذه بعملة أخرى ، فلا حرج في ذلك ، بشرط أن يتم ذلك بسعر يوم السداد ، لا بالسعر الذي كان يوم القرض . وهكذا في كل دفعة ، يجوز أن يتفق الطرفان عند وقت سدادها على الدفع بعملة أخرى ، بسعر اليوم .
وينبغي أن تعلم أن الصور المحرمة في هذه المعاملة ثلاث :
الصورة الأولى :
أن يتفق الطرفان عند عقد القرض على السداد بعملة أخرى ، فهذا محرم ؛ لأن حقيقة المعاملة حينئذ : بيع عملة حاضرة بعملة أخرى مؤجلة ، وهذا من ربا النسيئة ؛ لأن من شرط بيع العملات المختلفة ، بعضها ببعض أن يكون ذلك يدا بيد ، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد ... ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) رواه مسلم ( 1578 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
والعملات الحالية تقوم مقام الذهب والفضة ، ولها ما لهما من الأحكام .
الصورة الثانية :(/1)
ألا يتفقا على ذلك عند ابتداء العقد ، لكن يتفقان وقت السداد على عملة أخرى ، ويقدّران ذلك بسعر يوم القرض . وهذا محرم أيضا ، وهو في معنى الصورة السابقة ، واستدل الفقهاء على التحريم بالحديث المشهور الذي رواه أحمد (6239) وأبو داود (3354) والنسائي (4582) والترمذي (1242) وابن ماجه (2262) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلا] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ ) والحديث صححه بعض العلماء كالنووي ، وأحمد شاكر ، وصححه آخرون من قول ابن عمر ، لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم منهم الحافظ ابن حجر والألباني . وانظر : "إرواء الغليل" (5/173).
وهناك علة أخرى للتحريم ، وهي أنك إذا أخذت أكثر من سعر يوم السداد ، فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن . رواه أصحاب السنن بإسناد صحيح .
الصورة الثالثة :
أن يصطلحا وقت السداد على السداد بعملة أخرى ، لكن يفترقا وبينهما شيء ، ومثاله أن يكون القرض ألف دولار ، فيصطلحا عند حلول الأجل على السداد بالجنيهات ، على 5000 مثلا ، فيأخذ منه 4000 ويبقى في ذمة المقترض 1000 ، فلا يجوز ذلك ؛ لأنه يشترط في بيع العملات بعضها ببعض أن يكون ذلك يداً بيد ، كما تقدم .
قال الخطابي رحمه الله في شرح حديث ابن عمر السابق : " وَاشْتُرِطَ أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا وَبَيْنهمَا شَيْء لِأَنَّ اِقْتِضَاء الدَّرَاهِم مِنْ الدَّنَانِير صَرْف ( بيع عملة بأخرى ) وَعَقْد الصَّرْف لَا يَصِحّ إِلَّا بِالتَّقَابُضِ " انتهى نقلا عن "عون المعبود".(/2)
لكن إن كان القرض يسدد على دفعات ، فلا حرج أن يتفقا عند سداد كل دفعة على أخذها بسعر يوم السداد ، فهذا لا محذور فيه ، لسلامته من التأخير في عملية الصرف .
وإليك بعض ما قاله أهل العلم في هذه المسألة :
سئل علماء اللجنة الدائمة للافتاء : " تسلفت دراهم من إنسان (عملة فرنسية) على أن أرجعها له في فرنسا ولكن لما جاء إلى الجزائر طلب مني أن أعطيه دراهم جزائرية بالزيادة. ما الحكم في ذلك ؟
فأجابوا : يجوز أن تسددها له في الجزائر بمثلها عملة فرنسية أو بقدر صرفها يوم السداد من العملة الجزائرية، مع القبض قبل التفرق " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/143) .
وسئلوا أيضا (14/144) : " ما حكم الاقتراض بعملة ثم سداد الدين بعد عدة شهور بعملة أخرى، وقد يكون هناك اختلاف في سعر العملة خلال مدة الدين؟
فأجابوا : إذا اقترض شخص عملة دون أن يشرط عليه فائدة، أو رَدَّ عملة أخرى بقيمتها وقت السداد دون أن يشرط عليه ما فيه جر نفع للمقرض جاز ذلك؛ لما فيه من التعاون بين المسلمين وقضاء حوائجهم. أما إن اشترط عليه فائدة لهذا القرض، أو رد بديله بعملة (ما) أو تقديم أي نفع للمقرض - حرم ذلك؛ لكونه من الربا المحرم بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم" انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500جنيه مصري وقد أرسلت له مبلغ 2000دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490جنيها مصريا، ويرغب حاليا في سداد الدين، علما بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال : هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حاليا1800دولار أمريكي ( أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300جنيه مصري) ؟(/3)
فأجاب : " الواجب أن يرد عليك ما أقرضته دولارات لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له. ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء ) فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة ، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل ، فإن هذا لا بأس به ، فمثلاً إذا كانت 2000دولار تساوي الآن 2800جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000دولار فقط يعنى أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل ، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/414).
وانظر السؤال رقم ( 23388 ) ورقم (12541) .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
99645
العنوان:
رفعت عليه السكين وهددته ليطلقها فهل يقع الطلاق
السؤال:
في إحدى خلافاتي مع زوجتي قامت برفع السكين عليَّ وهددتني لأطلقها فقلت لها أنت طالق لأنهي الموقف ولم يكن في نيتي الطلاق فهل يقع هذا الطلاق ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا خشيت أن تُنَفِّذ زوجتك تهديدها فتصيبك بالسكين التي معها ، فأنت مكره ، ولا يقع طلاقك.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره ، فصح عن عمر أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار عسلاً [ أي ليأخذ عسلا من الجبل] فأتت امرأته فقالت : لأقطعن الحبل أو لتطلقني ، فناشدها الله فأبت فطلقها ، فأتى عمر فذكر له ذلك فقال له ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق . وحكي عدم الوقوع عن علي وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم " انتهى من "زاد المعاد" (5/208).
وقال رحمه الله تعالى : " وقال [ أي الإمام أحمد ] في رواية أبي الحارث: إذا طلق المكره ، لم يلزمه الطلاق فإذا فُعل به كما فُعل بثابت بن الأحنف فهو مكره ، لأن ثابتاً عصروا رجله حتى طلق فأتى ابن عمر وابن الزبير فلم يريا ذلك شيئاً، وكذا قال الله تعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) النحل/106. وبهذه الآية استدل الإمام الشافعي رحمه الله على أن طلاق المكره لا يقع .
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )" انتهى من "إعلام الموقعين" (4/51) بتصرف .
وفي الاختيارات لشيخ الإسلام : " ولا يقع طلاق المكره . والإكراه يحصل إما بالتهديد أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد . وقال في موضع آخر : كونه يغلب على ظنه تحقق تهديده ليس بجيد ، بل الصواب أنه لو استوى الطرفان لكان إكراها " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/568).(/1)
وأما إن كنت تعلم أن زوجتك لن تقدم على إيذائك ، أو كان يمكنك التخلص من تهديدها من غير ضرر ، فلست مكرها حينئذ ، ويقع طلاقك .
وما ذكرناه هنا هو بيان لحكم المسألة وضابطها ، وأما الحكم في قضيتك ، فلابد فيه من الوقوف على تفاصيل الواقعة وملابساتها ، ولهذا نقول : عليكما أن ترجعا إلى القضاء أو إلى أحد العلماء الموثوقين في بلدكم ، ليسمع منكما ، ويتحقق من وجود الإكراه المعتبر أو عدمه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99684
العنوان:
لم يخرج الزكاة جهلا والآن نقص المال
السؤال:
أسكن في بيت ملك لي وراتبي لا يكفيني ، ولكن من الله علي من فضله وتعلمت مهنة اللحام وقدر الله لي رزقا من غير الوظيفة التي أعمل بها ، فجمعت منها مبلغا قدره تسعة ملايين دينارا ومر عليه أكثر من عام ، وحين سألت عن الزكاة ، قال لي إخوة ليسوا من أهل العلم إن الزكاة غير واجبة عليك وإن البيت الذي تسكن به غير كامل ويحتاج بعض المال لتكملته. وقدر الله أن أنقطع عن العمل بسبب أعمال الاقتتال الطائفي في العراق ، وقمت بالصرف من هذا المبلغ الذي جمعته ، مرت أشهر وأيام وأصبح المبلغ خمسة ملايين دينار عراقي. سؤالي هو : هل المال المتبقي عليه زكاة ؟ فان كان كذلك فكم هي الزكاة الواجب علي إخراجها ؟
الجواب:
الحمد لله
من ملك نصابا وحال عليه الحول ، وجب عليه إخراج زكاته ، ولو كان يعُدّ المال لحج أو زواج أو بناء مسكن أو غير ذلك .
والنصاب ما يعادل 85 جراما من الذهب ، أو 595 جراما من الفضة .
وعليه ؛ فكان يجب عليك بعد مرور الحول (وهو عام هجري) أن تخرج زكاة المال الذي معك ، وقد أخطأت في الاعتماد على قول أصحابك ، وأخطئوا هم في الفتوى بغير علم .
والزكاة التي لم تخرجها تبقى ديناً في ذمتك ، فيلزمك إخراجها الآن ، مع التوبة إلى الله تعالى من تأخيرها .
والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) ، أي في كل ألف 25 .
فزكاة الـ ( تسعة ملايين ) هي : ( 225000) مائتان وخمسة وعشرون ألف دينار .
وإذا انتهى الحول الجديد ، نظرت فيما تبقى معك من المال ، فإن كان بالغا النصاب ، لزمك إخراج زكاته .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن ترك إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات جهلا منه .(/1)
فأجاب : " عليك الزكاة عن جميع الأعوام السابقة ، وجهلك لا يسقطها عنك ؛ لأن فرض الزكاة أمر معلوم من الدين بالضرورة ، والحكم لا يخفى على المسلمين ، والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ، والواجب عليك المبادرة بإخراج الزكاة عن جميع الأعوام السابقة ، مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير ، عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم . والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/239) .
والحاصل : أن زكاة الحول الماضي واجبة عليك ، ويلزمك إخراجها لأنها استقرت في ذمتك ، ولا عبرة بنقص المال الآن .
ولمعرفة مصارف الزكاة راجع جواب السؤال رقم (46209) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99693
العنوان:
حديث موضوع في ذكر سبب تشريع الصلوات الخمس
السؤال:
ما مدى صحة هذا الحديث : روي عن علي رضي الله عنه قال : ( بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا بين الأنصار والمهاجرين ، أتى إليه جماعة من اليهود ، فقالوا له : يا محمد ! إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران ، لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سلوا . فقالوا : يا محمد ! أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك ؟ فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام : صلاة الفجر : فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان ، ويسجد لها كل كافر من دون الله ، فما من مؤمن يصلي صلاة الفجر أربعين يوما في جماعة إلا أعطاه الله براءتين ، براءة من النار وبراءة النفاق . قالوا : صدقت يا محمد ! أما صلاة الظهر : فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا حرم الله تعالى عليه لفحات جهنم يوم القيامة . أما صلاة العصر : فإنها الساعة التي أكل فيها آدم عليه السلام من الشجرة ، فما مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . وأما صلاة المغرب : فإنها الساعة التي تاب فيها الله تعالى على آدم عليه السلام ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسبا ثم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه . وأما صلاة العشاء : فإن للقبر ظلمة ، ويوم القيامة ظلمة ، فما من مؤمن مشى في ظلمة الليل إلى صلاة العتمة إلا حرم الله عليه وقود النار ، ويعطى نورا يجوز به على الصراط ، فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي ، ثم تلا قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) وجزاكم الله كل خير عنا .
الجواب:
الحمد لله
بعد النظر والبحث في هذا الحديث تبين أنه مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تصح نسبته إليه بحال من الأحوال ، وعلى ذلك مجموعة من الأدلة :(/1)
1- لم نجد هذا الحديث في شيء من الكتب المسندة ، وإنما يتناقله من يرويه من الناس من غير إسناد ، ومن المعلوم من شريعتنا وجوب رد كل حديث لم يذكره علماء الحديث بإسناده الصحيح .
2- ومن أمارات الوضع الظاهرة أننا وقفنا على الحديث مذكورا في كتاب أبي الليث السمرقندي ، المتوفى سنة (375هـ) ، واسم كتابه هو "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" في (ص/264-265) وقد نص أهل العلم على أن كتابه هذا هو من مظان الأحاديث المكذوبة والمصنوعة ، فقد عدَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب "تلخيص الاستغاثة" (1/73) في ضمن المصنِّفين الذين " لا يعرفون الصحيح من السقيم ، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول ، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما " ، ويقول الإمام الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (16/323) : " وتَرُوج عليه الأحاديث الموضوعة " انتهى .
3- ومن وجوه النكارة فيه أيضا : قوله عن صلاة الظهر بأنها الساعة التي تسعر فيها جهنم ، والثابت أن ساعة تسعير جهنم هي قبيل الزوال – قبيل الظهر – فإذا دخل وقت الظهر دخلت ساعة الرحمة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعًا ، وَيَقُولُ : إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَ فِيهَا عَمَلًا صَالِحًا )
رواه أحمد (3/411) حسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/6) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3404) ومحققو المسند .(/2)
ومنها : مخالفته ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن اجتماع الصلوات الخمس هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن فرضت على الأنبياء من قبله ، وإن كان خالف في ذلك بعض أهل العلم ، لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله ، وقد بوب السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/303) : " باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلوات الخمس ، ولم تجمع لأحد ، وبأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله " وذكر تحته مجموعة من الأحاديث ، منها :
عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال :( أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ )
رواه أبو داود (421) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
4- ومن قرائن ضعف الحديث ما فيه من تحديد ساعة أكل آدم من الشجرة ، والساعة التي تاب الله فيها عليه ، ومثل هذه التفصيلات تشبه ما ترويه الإسرائيليات والأخبار المنقولة عن أهل الكتاب ، وذلك يرجح كون الخبر مأخوذا عنها .
فالحاصل أن هذا الخبر كذب لا أصل له ، فلا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز تناقله في المواقع والمنتديات .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99694
العنوان:
لا تجب الزكاة في الأموال الموقوفة على جهة عامة
السؤال:
رجل أوقف ماله على المساكين والفقراء ، فهل في هذا المال زكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
المال الموقوف على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى ، ليس فيه زكاة ؛ لأنه ليس له مالك معين .
قال النووي رحمه الله في " المجموع " ( 5 / 313) : " إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ , لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ " انتهى .
وقال ابن مفلح في " الفروع " ( 2 / 337) : " وَلَا زَكَاةَ فِي وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، أَوْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ " .
وقال البهوتي رحمه الله " في كشاف القناع " ( 2 / 171) : " وَلَا زَكَاةَ فِي السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا الْمَوْقُوفَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ , كَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ ونحوه ، كَمَدْرَسَةٍ ؛ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهَا " انتهى بتصرف .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل تجب الزكاة في أموال المساجد الموقوفة ؟
فأجابت : " لا تجب الزكاة في أموال الأوقاف على المساجد ونحوها قولا واحدا ؛ لانتفاء الملك فيها " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " ( 9 / 412) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99696
العنوان:
من هو ولي النكاح عند فقد الأب ؟
السؤال:
تزوجت فتاة من إحدى الدول الإسلامية ولقد طلقتها مرتين، وكان زواجنا زواجاً عرفياً دون أي تسجيل قانوني ، وكان وكيلها شيخ دين تم توكيله عن طريق أبيها، ولقد مات والدها منذ مدة وجميع أشقائها أصغر منها سناً ولا أعرف لها ولياً ، وأنا أرغب حالياً في ردها إلى ذمتي وذلك بعد طلاقٍ امتد إلى أكثر من سنتين ، فهل وجود الولي لازم لإتمام الزواج مع وفاة أبيها وصغر إخوانها ؟ أم يحق لي بأن أرجعها دون حاجةٍ إلى ولي ؟ خاصةً وأنها كانت زوجتي فيما مضى .
الجواب:
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته وانقضت العدة لم تحل له إلا بعقد جديد ، والولي أحد شروط صحة عقد النكاح ، فلا يصح الزواج بدونه .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/5) : " النكاح لا يصح إلا بولي ، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ، ولا توكيل غير وليها في تزويجها ، فإن فعلت لم يصح النكاح" انتهى.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وبما أنك قد طلقت هذه الزوجة من سنتين فقد انقضت عدتها ، والزوج بعد انقضاء عدة مطلقته يكون أجنبياً عنها كغيره من الرجال . فلا تحل لك إلا بعقد جديد ، ولا بد أن يتولى هذا العقد وليها، أو يوكِّل وَلِيُّها مَنْ يعقد لك النكاح .
وفي حالة عدم وجود الأب ، فالجد هو الولي ، فإن لم يوجد فإخوانها هم أولياؤها ، ولا يضر كونهم أصغر منها سنا ، ولكن يشترط في الولي : البلوغ ، فإذا كان أحد إخوانها بالغاً فهو وليها ، وإن كان أصغر منها .(/1)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/147) : " لا يتولى عقد نكاح المرأة إلا مكلف رشيد ، فإن لم يكن فالقاضي ، لأن السلطان ولي من لا ولي له، والقاضي هو نائبه في مثل هذا والتكليف يكون بإنزال المني عن شهوة سواء كان بالاحتلام أو غيره ، أو نبات الشعر الخشن حول القبل ، أو إكمال خمس عشر سنة، والرشيد هو الذي يحسن التصرف وذلك بأن يتحرى الكفء المناسب الذي يصلح لموليته " انتهى.
وإن كان جميع إخوانها صغاراً ، بأن لم يكن فيهم أحد بالغ ، انتقلت الولاية إلى من بعدهم، وهم الأعمام ، فإن لم يوجد منهم أحد فأبناء الأعمام .
فإذا لم يكن هناك أحد من هؤلاء الأولياء فيتولى عقد نكاحها القاضي الشرعي ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعلى هذا ؛ فإن أردت الزواج بهذه المرأة ولم يكن لها أحد من الأولياء ، فعليك أن ترجع إلى القاضي الشرعي في المحكمة ليتولى تزويجها.
تنبيه : قولك عن النكاح الأول إنه تم بدون تسجيل قانوني . فهذا وإن كان صحيحاً إذا توفرت شروطه وأركانه ، لأنه ليس من شروط صحة عقد النكاح تسجيله الرسمي ، غير أننا نؤكد على أهمية تسجيل النكاح ، وننصح بعدم التساهل في ذلك ، حفظاً للحقوق ، وحتى لا يقع التلاعب بعقود النكاح من قِبَل السفهاء من الرجال أو النساء .
وانظر جواب السؤال رقم (22728)
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
99699
العنوان:
النوم بعد العصر وحديث ( عجبت لمن عام ونام بعد العصر )
السؤال:
هل هناك حديت نبوي يقول : ( عجبت لمن عام ونام بعد العصر ) ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لم يصح في أمر النوم بعد العصر ، مدحا أو ذما ، حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، والحديث الذي يذكره السائل الكريم غير مروي في الكتب المسندة ، ولم يذكره أحد من أهل العلم ، فهو حديث مكذوب لا أصل له ، فلا يجوز اعتقاد صحته ، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب .
ثانيا :
ومن الأحاديث المكذوبة المشتهرة على ألسنة الناس في شأن ذم النوم بعد العصر ، حديث :
( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه )
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/112/حديث رقم 39) :
" ضعيف . أخرجه ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" ( 1 / 283 ) من طريق خالد بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا .
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 69 ) وقال : لا يصح ، خالد كذاب ، والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث .
قال السيوطي في " اللآليء " (2 /150) : قال الحاكم وغيره : كان خالد يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة ، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا . ومرة قال : عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا . و ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه . و قد رواه على وجه ثالث ، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 211/1) والسهمي في "تاريخ جرجان" (53) عنه عن عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا . أخرجاه من طريق مروان ، قال : قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث ! مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة .. ؟ فذكره
قال الليث : لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل !(/1)
ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده .
والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12/2 نسخة السفرجلاني ) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا .
وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره ، وهو راوي حديث العدس وهو :
( عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ ، وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا ) وهو حديث موضوع " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله .
ثالثا :
أما حكم النوم بعد العصر فقد جاء فيه قولان عن أهل العلم :
الأول : الكراهة ، وقد نص عليه كثير من الفقهاء في كتب الفقه ، وبعضهم يستدل عليه بالحديث السابق ، المشار إلى ضعفه ، وبعضهم يستدل عليه ببعض الآثار السلفية ، والتجربة الطبية .
جاء عن خَوَّات بن جبير من الصحابة أنه قال عن النوم بعد آخر النهار إنه حُمق .
وجاء عن مكحول من التابعين أنه كان يكره النوم بعد العصر ، ويخاف على صاحبه من الوسواس . انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/339)
ونقل المروذي قال : سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – يكره للرجل أن ينام بعد العصر ، يخاف على عقله .
نقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/159) وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/22)
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/219) :
" ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ، ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب ، ويكسل ويضعف الشهوة ، إلا في الصيف وقت الهاجرة .
وأردؤه نوم أول النهار ، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر .
ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له : قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق ؟
... قال بعض السلف : من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " انتهى .(/2)
وانظر "مطالب أولي النهى" (1/62) ، "غذاء الألباب" (2/358) ، "كشاف القناع" (1/79) ، "الآداب الشرعية" ابن مفلح (3/159) ، "أدب الدنيا والدين" (355-356) ، "شرح معاني الآثار" (1/99)
الثاني : هو الجواز ، لأن الأصل هو الإباحة ، ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح ، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث الصحيحة ، لا من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة ، ولا من آراء الناس .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/39) بعد أن أورد عن الليث بن سعد الفقيه المصري المعروف ، إنكاره النهي عن نومة العصر ، وقوله لمن سأله : مالك تنام بعد العصر ؟ لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل – علق على ذلك الشيخ رحمه الله قائلا :
" ولقد أعجبني جواب الليث هذا ، فإنه يدل على فقه وعلم ، ولا عجب ، فهو من أئمة المسلمين ، والفقهاء المعروفين ، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر ، ولو كانوا بحاجة إليه ، فإذا قيل له : الحديث فيه ضعيف ، أجابك على الفور : يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال !
فتأمل الفرق بين فقه السلف ، وعلم الخلف ! " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/148) :
" سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر ، هل ذلك صحيح ؟
فجاء الجواب :
" النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس ، ولا بأس بذلك ، والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة " انتهى .
وهذا القول هو الراجح ، لعدم صحة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر ، فهي محمولة على الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع ، يعني لما اشتهر عند العرب قديما وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي ، وقد يؤدي إلى إضرار في البدن ، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه ، من غير نسبة ذلك إلى السنة والتشريع .(/3)
فيرجع في الأمر إلى الطب ، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى ، كره للمرء أن يضر نفسه ، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء .
وانظر جواب السؤال رقم (2063)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
99735
العنوان:
كتب يستفاد منها في تخريج الأحاديث النبوية
السؤال:
ما هي الكتب التي تنصحون بها لتخريج الأحاديث الشريفة ؟ و ما هو البرنامج ( برنامج حاسب آلي ) الذي تنصحون به لتخريج الأحاديث الشريفة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الكتب التي يستعان بها لتخريج الأحاديث النبوية كثيرة ، منها ما هو مرتب على الأبواب ، ومنها ما هو مرتب على الأطراف ، ومنها المرتب على أسماء الرواة .
ومن هذه الكتب : صحيح الجامع الصغير ، وضعيف الجامع الصغير ، كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله ، وهما مرتبان على أطراف الأحاديث ، على ترتيب حروف المعجم .
ومنها : إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، للألباني أيضا ، وهو مرتب على أبواب الفقه .
ومنها : التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية لحافظ الزيلعي ، وكلاهما مرتب على أبواب الفقه .
ومنها : تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ، للحافظ المزي ، وهو مرتب على أسماء الرواة ، على ترتيب حروف المعجم ، وإذا أورد الحديث ذكر من خرجه من الأئمة ، فيضع أمام الحديث مثلا : (خ م ت) أي رواه البخاري ومسلم والترمذي .
ثانيا :
وأما برامج الحاسب ، فكثيرة ، وأنفعها : برنامج الحديث الشريف ، لشركة ( حرف ) وبرنامج الموسوعة الذهبية للتراث ، وبرنامج الموسوعة الشاملة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99737
العنوان:
إذا أعجبت المرأة بخلق ودين رجل فهل تعرض نفسها عليه ليتزوجها ؟
السؤال:
أنا فتاة ملتزمة ، عمري 27 ، وحافظة لكتاب الله ، وأعمل معلِّمة لكتاب الله عز وجل ، وأطلب العلم الشرعي ، وأمتلك من الصفات ما يجعل الشبان يقبلون لخطبتي كثيراً ، ولكن كل الذين يتقدمون لخطبتي أرفضهم بسبب ضعف التزامهم الديني ، وأعاني من الضغط الأسري بسبب رفضي الدائم ، ولأني تركت عملي الحكومي بسبب الاختلاط : زاد الضغط عليَّ ، في الفترة الأخيرة يريدون مني أن أقبل بأي شاب ، المهم أتزوج ، وطبعا الزواج من غير القبيلة ممنوع ، أنا لا أريد مالاً ، ولا رجلاً ذا مال ، أو منصب ، أو شابّاً وسيماً ، بل أريد شابّاً صالحاً يعينني على طاعة الله ، ويعفني ، وحتى أنتهي من هذه المشاكل التي لا تنتهي مع أهلي ، لذا فكرت أن أخطب لنفسي شابّاً من معارفنا ، تربط بيننا وبينهم علاقة مصاهرة ، وهو شاب خلوق ، صاحب دين ، حافظ لكتاب الله ، وطالب علم ، وذلك بإرسال رسالة جوال - بطريقة لبقة ، وبكل أدب - ، وهذا الشاب لا علاقة لي به أبداً ، ولكن عرفت رقم هاتفه عن طريق الخطأ ، ولا أريد أن أجعل وسيطاً ثالثاً في الموضوع ، ولا أريد إدخال طرف آخر ، فيكون الموضوع محرجاً للطرفين ، وأيضاً لا آمن أن يفشى الموضوع ، ولا أجد من أثق به تمام الثقة فلا يفشي سرِّي . فما حكم الشرع أولاً ؟ ثم ما رأيكم في الفتاة التي تقبل على هذا العمل ؟ وكيف تكون نظرة الرجل في المرأة التي تخطبه لنفسها ؟ وماذا تنصحني ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتم عليك نعمته ، وأن يزيدك علماً وأدباً وحياءً ، ونسأله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً ، تقيمين معه أسرة صالحة .
وقد أحسنتِ حيث خرجت من وظيفتك التي فيها اختلاط محرَّم ، وأحسنتِ حيث كنت ترفضين الخطَّاب الذين ليسوا على خلق ودين ، وأحسنتِ حيث قمتِ بالسؤال قبل القيام بمراسلة ذلك الشاب .
ثانياً:(/1)
ليس من الحرام ، ولا من العيب – عند من يعقل – أن تعرض المرأة نفسها على صاحب الخلق والدِّين ليتزوجها ، وإن أنكر ذلك أحدٌ فإنما ينكره لا بميزان الشرع ، بل بميزان العادات والتقاليد والأعراف ، وأحياناً تنكره النساء حسداً من عند أنفسهنَّ .
عن ثَابِت الْبُنَانِيِّ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ ، وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ ، قَالَ أَنَسٌ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ ؟ .
فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ : مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا ، وَا سَوْأَتَاهْ ! وَا سَوْأَتَاهْ ! قَالَ : هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا .
رواه البخاري ( 4828 ) .
وقد بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله : باب " عرْض المرأة نفسَها على الرجل الصالح " .
ومعنى "واسوأتاه " : الواو : للندب ، والسوءة : الفعلة القبيحة والفاضحة .
وقد ألمحت المرأة الصالحة لرغبتها بالتزوج من موسى عليه السلام بقولها – كما قاله الله تعالى عنها - : ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) القصص/ 26 ، والظاهر أنها هي التي عرضها أبوها على موسى عليه السلام ، كما قال تعالى : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ) القصص/من الآية 27 .(/2)
وهذه رسالة لأوليائك بأن يتقوا الله تعالى ، ويتركوا العصبية القبلية ، ويبحثوا هم عن رجل صالح يزوجوه لكِ ، وعلى الأقل أن لا يرفضوا أحداً من أهل الخلُق والدين ، وها هو الرجل الصالح يعرض ابنته على موسى عليه السلام ، بعد أن تعرِّض هي بذلك ، وها هي المرأة الصالحة تعرض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم صراحة دون تعريض ، وكل هذا لا ينافي الحياء ، بل إنه ليدل على دين متين ، ورجاحة عقل عند المرأة ، وعند وليها .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 30 / 50 ) :
يجوز عرض المرأة نفسها على الرّجل ، وتعريفه رغبتها فيه ، لصلاحه وفضله ، أو لعلمه وشرفه ، أو لخصلة من خصال الدِّين ، ولا غضاضة عليها في ذلك ، بل ذلك يدلّ على فضلها ، فقد أخرج البخاريّ من حديث ثابت البنانيّ قال : كنت عند أنس ... – وذكروا الحديث السابق - .
انتهى
ثالثاً:
وبعد ذِكر ما تقدَّم : فإننا ننصحك بما ينفعك – إن شاء الله – في مسألتك هذه ، فنقول لكِ :
1. تجنبي المراسلة المباشرة معه ، ويمكنك توصيل الخبر له عن طريق رقم آخر غير معروف لديه ، ولا يخص أحداً بعينه ، وهذا الأمر يسهل عليك الحصول عليه ، فتبعثين رسالة له منه ، فيها دلالته عليكِ إن كان يرغب بالزواج ، وتكون هذه الرسالة كأنها من شخصٍ يعرف الطرفين ، وينصحه بعدم التفريط بها ، وهذا أفضل من المواجهة المباشرة – في ظننا – لأن الأمور قد لا تسير وفق مرادكِ ، فتسبب إحراجاً لكِ وله ، كما أن الإنسان لا يضمن بأن يبقى التدين والاستقامة على حالها الآن ، ويُخشى من أن يعيِّرك بهذا فيما بعد ، ولذلك اشترط العلماء " الرجل الصالح " وليس الصلاح هو العلم وحده ، ولا حفظ القرآن وحده ، بل الصلاح هو القيام بالعلم والقرآن ، والتخلق بأخلاقهما .(/3)
2. لا ينبغي لك – في حال قيامك بالمراسلة – أن تطلقي العنان للكلمات والمراسلات ، وإنما أجيز لك مراسلته لأمرٍ معيَّن ، وقد تؤدي هذه المراسلات إلى فتنته أو فتنتك ، أو فتنتكما .
3. تجنبي إخبار أحد ، وتوسيطه بينكما ، وقد رأيناكِ تنبهتِ لهذا الأمر .
4. قد لا يكون ظرف الرجل مناسباً للزواج ، أو قد يكون خاطباً ولا يريد التعدد ، فإذا علمتِ ذلك منه : فلا تكرري عليه ، وليس ثمة داعٍ لاستمرار المراسلة ، ومقصود المراسلة قد حصل بعرض التزوج منك عليه .
5. إذا لم يقدِّر الله تعالى لك الزواج منه : فلا ينبغي لك التعلق به ، ولا يخفى عليكِ – إن شاء الله – مدى خطورة التعلق ، وكيف أنه يشغل عن طاعة الله ، ويشغل عن حفظ القرآن ومراجعته ، ويشغل عن طلب العلم ، مع ما يسببه من أمراضٍ للقلب ، وميل للمعاصي .
6. ننصحك بالاستخارة قبل الإقدام على المراسلة ، وننصحك بها بعد مراسلته وإخباره ، والمسلم لا يدري أين الخير له في الدنيا والآخرة ، فهو جاهل عاجز ، ويطلب من ربه العالم القادر أن يختار له ، وأن ييسر له الأمر حيث كان خيراً ، وأن يصرفه عنه حيث كان شرّاً .
7. واعلمي أن غيره قد يكون خيراً منه ، وما دمتِ سلكت طريقاً شرعيّاً في إخباره ، وعرض نفسك عليه ، وما دمتِ استخرت الله تعالى ولم يقدَّر بينكما زواج : فلا تيأسي من رحمة الله ،ولا تقنطي من دعائه تعالى ، ولا تتنازلي عن الخلق والدين في المتقدِّم للزواج منكِ ، واصبري على ضغظ أهلك ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/ 5 .
على أنه لو كان لك من محارمك ، أخوك ، أو عمك .. ، من هو قريب من نفسك ، وتستطيعين مفاتحته في ذلك ، وهو يتصرف في الأمر ، كما يتصرف عامة الرجال في تزويج بناتهم ممن يرضون من الرجال ، من غير غضاضة ولا نكير ، لو كان لك ذلك ، لكان الأمر أسهل ، وأبعد عن المخاطرة ، وأروح لقلبك إن شاء الله .(/4)
فنسأل الله أن ييسر لك من يقوم عنك بذلك .
وانظري للمزيد :
أجوبة الأسئلة : ( 20916 ) و ( 89709 ) و ( 69964 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
99738
العنوان:
هل يجوز لهم التجسس على مشترك في الإنترنت لمعرفة إن كان فاسداً أم لا ؟
السؤال:
شخص مشترك هو ومجموعة من الأشخاص في شبكة للانترنت وهو المسئول عن هذه الشبكة ، وقد اتفقوا في البداية على عدم إساءة استخدام الانترنت . وقد وصل إليه من بعض المشتركين معه أن هناك شخصا يستخدم الانترنت فيما يغضب الله ، والسؤال هو : هل يجوز له التجسس على جهاز هذا الشخص ليعلم مصداقية ما وصل إليه من أخبار ؛ لأنه لو تبين ذلك فسينذره ، فإن لم يرتدع فسيطرده من الشبكة ، هل يجوز التجسس عليه مع العلم أن الاستخدام سيكون في حدود المطلوب فقط ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأصل في المسلمين البراءة ، ولا يجوز للمسلم أن يتتبع عورات الناس لكشفها وفضحها ، وقد ورد الوعيد الشديد في التجسس على المسلمين ، وتتبع عوراتهم .
قالَ تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ) الحجرات/ 12 .
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا ) .
رواه البخاري ( 4849 ) ومسلم ( 2563 ) .
التجسس : البحث عن عيوب الناس وعوراتهم .
التحسس : تتبع الأخبار ، أو الاستماع لعورات الناس .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
التجسس : طلب المعايب من الغير ، أي : أن الإنسان ينظر ، ويتصنت ، ويتسمع ، لعله يسمع شرًّا من أخيه ، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه ، والذي ينبغي للإنسان أن يُعرض عن معايب الناس ، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها ، ... .
فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس ، بل يأخذ الناس على ظاهرهم ، ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر .
" تفسير سورة الحجرات " ( ص 50 ، 51 ) .(/1)
فيا أخي الفاضل :
لا ينبغي لك فتح باب الشك والريبة والاتهام ، ولو فتحتَ الباب على غيرك : فسيصل الشر إليك ، ولن تكون بمنأى عن أصحابك الذين تجسست معهم على صاحبك أن يتجسسوا عليك ، ومنا أحد إلا وعنده ما يحب من الله أن يستره عليه ، فلا تعرِّض نفسك للعقوبة ، ولا تفتح على غيرك أبوابا من الشر فتُفتح عليك .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ : لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ : تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ ، وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ . رواه الترمذي ( 2032 ) .
ويا أخي الفاضل :
هب أنك وقعت قدراً على سوءٍ يفعله أخوك في السرِّ ، أتدري ما يجب عليك ؟ يجب عليك الستر عليه ، وعدم فضحه .(/2)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ أَحْصَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ . رواه البخاري ( 6430 ) ومسلم ( 1691 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز .
وأن مَن اطلع على ذلك : يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام ، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ( لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ) ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب ، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر .
" فتح الباري " ( 12 / 124 ، 125 ) .
وقد وعدك الله تعالى بالستر عليك في حال فعلت هذا .(/3)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه مسلم ( 2580 ) .
فإن قويت القرائن حول شخص بعينه أنه يُفسد على الناس دينهم وأخلاقهم ، كمن يستدرج النساء أو المردان للفاحشة ، أو يُظهر للناس أنه من المستقيمين على الجادة ، ويوقعهم في شر أعماله من الاحتيال على أموالهم وأعراضهم : فهنا يمكن لطائفة من أهل الخير والعلم أن تتبع هذا لتبرئه مما ينسب إليه ، إن كان بريئا ، أو لتستتيبه من فعله ، فإن أصرَّ على سوء أفعاله : فلهم فضحه ، والشكوى عليه لدى من يأخذ للناس حقهم ، على أن تكون القرائن مبنية على أسس ، وليست مجرد أوهام وخيالات واتهامات فارغة ، ولذا اشترط العلماء أن يكون الإخبار عن ذلك من ثقة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ويستثنى من النهي عن التجسس : ما لو تعين طريقاً إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا ، كأن يخبر ثقةٌ بأنَّ فلانا خلا بشخص ليقتله ظلماً ، أو بامرأة ليزني بها : فيشرع في هذه الصورة التجسس ، والبحث عن ذلك ، حذراً من فوات استدراكه .
" فتح الباري " (10 / 482 ) .
قال الإمام النووي – رحمه الله - :
قال إمام الحرمين : ... وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون ، بل إن عثَر على منكر غيَّره جهدَه .
وقال أقضى القضاة الماوردي : ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يَظهر من المحرمات ، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت : فذلك ضربان :(/4)
أحدهما : أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها ، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها ، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ، ويقدم على الكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك ، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة : جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار .
الضرب الثاني : ما قصر عن هذه الرتبة ، فلا يجوز التجسس عليه ، ولا كشف الأستار عنه ، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار : لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر ، وليس عليه أن يكشف عن الباطن .
" شرح النووي " ( 2 / 26 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
التجسس لا يجوز ، إلا إذا وُجدت قرائن تدل على وجود المنكر ، قرائن قوية ، ثم لا يجوز أن يتجسس كل واحد ؛ لأن هؤلاء الذين على منكر لو خرج واحد منهم ووجد هذا الرجل ربما يقتله .. " انتهى مختصرا .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 230 / السؤال 12 ) .
ولمزيد من الفائدة : نرجو النظر في جوابي السؤالين : ( 13318 ) و ( 26964 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
99743
العنوان:
يجوز زكاة الفطر من الدقيق
السؤال:
هل يجوز أن يُخرج الإنسان زكاة الفطر من الدقيق ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب في زكاة الفطر أن تخرج مما يقتاته الناس ، وعلى هذا فلا حرج من إخراجها دقيقاً .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 2/357) : " وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّقِيقِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ " انتهى .
وقد روى أبو داود (618) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنهم كانوا يخرجون في زكاة الفطر صاعاً من دقيق . غير أنه حديث ضعيف ، ضعفه أبو داود وغيره . وانظر : "إرواء الغليل" (848)
ولا يعني تضعيف الحديث عدم جواز إخراج الدقيق ، لأن الواجب كما سبق أن تخرج مما يقتاته الناس ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/12) بعد أن قرّر أن زكاة الفطر تخرج من قوت الناس كائناً ما كان ، قال : " وعلى هذا ، فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح في الحديث " انتهى .
والقول بجواز إخراج الدقيق في زكاة الفطر هو مذهب أبي حنيفة ، وأحمد رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين .
وقد نبّه العلماء – كشيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (25/69) والمرداوي في "الإنصاف" (3/180) أن إخراج الدقيق يجب أن يكون بالوزن ، أي بوزن الصاع من الحب ، وذلك لأن صاع الدقيق يكون أقل من صاع الحب ، فإذا أخرج صاعاً من الدقيق ، فيكون قد أخرج أقل من صاع الحب . وهذا غير جائز .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/179) : " فلو أنه دفع صاعاً من دقيق البر أو الشعير ، فإنه يجزئ ، ولكن على أن يكون المعتبر في الدقيق الوزن ؛ لأن الحب إذا طحن انتشرت أجزاؤه ، فالصاع من الدقيق يكون صاعاً إلا سدساً تقريباً من الحب " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99745
العنوان:
يحب فتاة وأبوها راض بالزواج لكن أمها ترفض
السؤال:
كنت أحب فتاة قريبة لي ولكن أمها لم تقبل أن تعطيها لي وأبوها راض بكل شيء ، فما جوابكم ؟ فأنا مازلت ماسكا صورتها .
الجواب:
الحمد لله
المعتبر في صحة النكاح موافقة ولي المرأة ، وهو أبوها هنا ، وأما الأم فلا يشترط إذنها ورضاها ، لكن يستحب للأب مشاورتها تطييبا لخاطرها .
وعليه فإذا كان والد الفتاة راضيا فبإمكانه أن يعقد لك النكاح ، لكن هل من الصواب الإقدام على هذا الزواج ؟ يُنظر في ذلك : فإن كانت الفتاة مرضية الدين والخلق ، وكان رفض الأم راجعا لأسباب يسيرة أو لأمر يمكن أن يزول في المستقبل ، فلا بأس بالإقدام على هذا الزواج ، وأما إن كان رفضها راجعا لأمر لا يتوقع زواله قريبا ، فإن الأولى ترك الزواج ، لما قد يترتب على موقف الأم من تنغيص وتكدير لحياتك الزوجية .
والجزم في هذه المسألة بما هو الأفضل والأصلح يحتاج إلى الوقوف على تفاصيل الأمر ، لكن من حيث الجملة نقول : إن الأمر يحتاج إلى موازنة بين المصالح والمفاسد ، ويتوقف على طبيعة الفتاة ومدى تأثرها بموقف الأم ، في حال ضغطها عليها أو توجيهها إلى مخالفتك.
وأما قولك : إنك لازلت ممسكا صورتها ، فإن كان المقصود أنك تحتفظ بصورة لها ، فهذا لا يجوز لأمرين :
الأول : أنها أجنبية عنك ، فلا يحل لك النظر إليها ، وهذا النظر باب من أبواب الفتنة ، ولهذا جاءت الشريعة بالأمر بغض البصر ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .(/1)
الثاني : أنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى ، ولو كانت صورا للأبناء أو البنات أو المحارم ، لعموم الأدلة الدالة على تحريم التصوير والتشديد فيه ، فلا يباح تصوير ذوات الأرواح إلا للضرورة والحاجة الماسة ، كصور إثبات الشخصية ، وصور المجرمين ونحو ذلك .
وعليه ؛ فالواجب عليك أن تتخلص من هذه الصورة ، وأن تعلم أن الله مطلع عليك ، وناظر إليك ، فاتق الله تعالى ، وخف عقابه ، واستر عورات المؤمنات ، وارج لهن ما ترجوه لأهلك من الستر والعافية .
ولا تقدم على أمر الزواج حتى تستخير الله تعالى ، وراجع السؤال رقم (11981) لمعرفة ما يتعلق بصلاة الاستخارة .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99749
العنوان:
يريد فتح محل ولابد من دراسة يجبر فيها على تذوق حلوى بها خمر أو جلاتين
السؤال:
أنا أقيم في كندا وأود أن أفتح محلا للحلويات قبل ذلك لابد أن أدرس patissrie وهنا إجباري تذوق الحلويات التي نعملها في الدراسة وتحتوي على الجيلاتين أو خمر لكن دون بلعها أفتني في أمري بارك الله فيكم .
الجواب:
الحمد لله
الخمر يحرم تناولها ، وحملها ، وبيعها ، وشراؤها ، وقد لعن فيها عشرة كما في الحديث الذي رواه الترمذي (1295) وأبو داود (3674) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ولا يجوز وضع الخمر في الحلويات ، ولا تذوق هذه الحلوى ، ولو كان ذلك لغرض الدراسة ، أو الحصول على شهادة تمكن من العمل ، لأن ذلك ليس ضرورة تبيح ارتكاب المحظور .
وأما الجيلاتين ، فمنه الحلال والحرام ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (210) .
فما كان منه محرماً ، لم يجز وضعه في الحلوى ، ولا تذوقه .
واعلم أيها الأخ الكريم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة ، وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وقد قال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3
والخاسر من باع دينه بعرض من الدنيا ، ولن يأتيه منها إلا ما قٌسم له .(/1)
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته ) رواه أبو نعيم في الحلية ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
نسأل الله أن يرزقك من فضله ، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99750
العنوان:
يسمع الأغاني ، ويسمع القرآن فهل يكون منافقا؟
السؤال:
أنا شاب أسمع الأغاني ، وأعلم أنها حرام ، ولكن إن شاء الله يهديني وأترك سماعها السؤال : أنا أسمع محاضرات دينية كثيرة وكذلك القرآن الكريم عبر الأشرطة الإسلامية ، المشكلة أن هناك أناساً كثيرين يحتجون علي يقولون كيف تسمع الأغاني وتسمع الدين ؟ كأنك ما تفهم ولا تعي وتأثم لأنك تسمع المحاضرة ولا تستفيد ، لذلك خيروني إما أن تسمع الأغاني أو تسمع الدين ، لكن أن تسمع الاثنين غلط . لذلك أنا في حيرة من أمري لأني أصبحت أحس كأني علماني أو كمن ينصح الناس وهو عاصٍ وأيضا كالمنافق .
الجواب:
الحمد لله
ابتداء نشكر لك صراحتك وحرصك على الخير والسؤال عن أمور دينك .. ونسأل الله أن يمن عليك بالهداية والتوفيق لما فيه الخير ..(/1)
اعلم وفقك الله .. أن تحذير زملائك لك من سماع أشرطة القرآن أو المحاضرات الدينية أو غيرها .. مما يقرب إلى الخير بحجة أنك تسمع الأغاني؛ خطأ كبير منهم .. فإن المؤمن الذي تسول له نفسه الوقوع في بعض المعاصي .. يبقى مطالبا بفعل ما يستطيع من الطاعات .. ويبقى مطالبا باجتناب جميع المعاصي والموبقات مادام أنه يؤمن بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا .. فإذا حصل منه تقصير بترك بعض الواجبات لم يكن هذا مسوغا لأن يترك الواجبات الأخرى بل يجب عليه أن يبادر بالتوبة من تقصيره في تلك الواجبات ، مع استمراره في فعل ما أقدره الله عليه من الطاعات ، وكذلك وقوعه في بعض المعاصي ليس مسوغا لأن يقع في غيرها ، بل الواجب عليه المبادرة بالتوبة من تقصيره.. فإذا لم يستطع ترك بعض الذنوب لقوة الشهوة وضعفت نفسه عن مقاومتها فليجتهد في فعل الطاعات ، فإن الله يقول : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود/114، ولذا فيتصور أن يجتمع في الشخص المؤمن الطاعة والمعصية .. وليس هذا من النفاق ولا العلمانية في شيء .. ما دام أن الإنسان لا يبطن في قلبه الفساد .. ويقر بخطأ ما يفعله ، ويستغفر الله ويطلب غفرانه ، ويجتهد في اجتناب المعصية .
ولعل حرصك على سماع القرآن والمحاضرات الدينية يكون سبيلاً لإعراضك عن سماع الأغاني والمحرمات الأخرى .. فإِنَّ (هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) الإسراء/9
ولو فرض أنك بقيت على ما أنت عليه .. فهو خير بلا شك من تركك لسماع القرآن والخير .. لأنك تعلم أن الله يقول : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) الزلزلة/7-8
ويقول جل شأنه : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) النساء/40.(/2)
ويوم القيامة توزن أعمال العباد ( فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَة * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ) القارعة/6-11 فعليك أخي الكريم أن تحرص على كل ما يثقل ميزانك من الحسنات والطاعات ولو كان شيئا يسيرا فإن الله واسع الكرم والمغفرة والرحمة، يضاعف القليل حتى يكون مثل الجبل أو أعظم فـ ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) , و ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) كما أرشدنا لذلك نبينا صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وليس معنى ذلك إقرارك على سماع الأغاني ، ولكن .. إن كان لا بد فكن ممن (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة/102.
وعليك أن تحذر من كل ما يخفف ميزانك من المعاصي والسيئات فإن الله سبحانه شديد العقاب لمن عصاه وتجرأ على حدوده فالبدار البدار بالتوبة النصوح .. والابتهال الابتهال إلى الله سبحانه بأن يوفقك إلى ذلك ..
وداوم على فعل الخيرات واستكثر منها ما استطعت وانصح أصحابك بأن يتقوا الله ويبادروا كذلك إلى فعل الخيرات وترك المنكرات ..
وختاما .. نوصيك بأن تحرص أن يكون لك رفقة صالحة يعينونك على الخير ، ويحببونه إليك وأن تبتعد عن رفقاء السوء الذين يزينون لك الشر ويصدونك عن الخير، مع دعاء الله لك ولهم بالهداية التوبة .. هذا والله المسئول أن يتوب علينا جميعا توبة صادقة نصوحا يكفر بها سيئاتنا ويهدي بها قلوبنا إنه خير مسئول ..
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
99755
العنوان:
أعطى زكاته فقيراً فتبين أنه غني
السؤال:
أخرجت زكاة مالي ، وأعطيتها لرجل فقير ، فتبين لي بعد ذلك أنه كان غنياً ، فهل تجزئ عني تلك الزكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء فيمن أعطى زكاته لغني ، وهو يظنه فقيراً ، فذهب الشافعية إلى أنها لا تجزئ. وانظر "المجموع" (6/225) .
وذهب الحنابلة إلى أنها تجزئ ، وهو الصواب .
ويدل على ذلك : ما رواه البخاري (1421) ومسلم (1022) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ : لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ..... وفيه ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ : تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ ! فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ! عَلَى غَنِيٍّ ! ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ : أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ ، ولعل الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ ) .
ولأن حقيقة الفقر قد تخفى ، فاكتفى فيه بغلبة ظن دافع الزكاة ، قال الله تعالى : ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ) البقرة / 273 .
قال البهوتي في "كشاف القناع" (2/296) : " فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَجْزَأَتْ " انتهى .
وهل يأخذ الحكم نفسه كل من أعطى الزكاة لمن يظنه أهلاً لها ، فتبين أنه ليس من أهلها ، كمن أعطى الزكاة كافراً ، وهو يظن أنه مسلم ، أو أعطاها رجلاً فقيراً ، ثم تبين أنه من آل البيت النبوي ؟
ذهب الحنابلة إلى أنها لا تجزئ في هذه الأحوال ؛ لأن هذا لا يخفى على الناس غالباً ، بخلاف الفقر ، فإنه قد يخفى . وانظر "المغني" (2/281) .
واختار الشيخ ابن عثيمين أنه تجزئ في هذه الأحوال ، فقال في "الشرح الممتع" (6/265) :(/1)
" إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل بعد التحري ، فبان أنه غير أهل فإنها تجزئه ؛ لأنه اتقى الله ما استطاع ، قال تعالى ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة /286 ، والعبرة في العبادات بما في ظن المكلف بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر " انتهى بتصرف .(/2)
رقم السؤال:
99756
العنوان:
زوجته لا ترغب في كثرة الجماع فيلجأ للاستمناء
السؤال:
أنا رجل شديد الشهوة , وأرغب في الجماع يومياً ، وإذا أردت مجامعة زوجتي تمتنع غالباً بحجج واهية ، كأن تقول بأنها متعبه أو أنها تتكاسل من الاغتسال أو تريد أن نؤجله لليوم التالي , فلا يحصل جماع إلا مرتين في الأسبوع تقريباً , وأنا لا أستطيع أن أصبر مما يجعلني أستمني بيدي خوفاً من الوقوع في الزنا ، مع علمي بأنه محرم حيث إنني أستمني ثلاث مرات تقريباً في الأسبوع , وزوجتي بجانبي ، وهي تعلم ذلك ، علماً بأن زوجتي تهتم كثيراً بأمور الزينة والتجمل والتطيب ، إلا أن عيبها التذمر من كثرة الجماع . هل عليّ إثم في الاستمناء بيدي ؟ وإذا كنت آثماً ، فهل يلحق زوجتي إثم باستمنائي بيدي .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الواجب على الزوج أن يعاشر امرأته بالمعروف ، لقوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، ومن المعاشرة بالمعروف : الجماع ، وهو واجب عليه ، بقدر كفايتها ، ما لم ينهك بدنه ، أو يشغله عن معيشته .
ويجب على الزوجة أن تطيع زوجها إذا دعاها للفراش ، فإن أبت فهي عاصية ؛ لما روى البخاري (3237) ومسلم (1436) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ).
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش وذلك فرض واجب عليها .... فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة ... ، كما قال تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) "
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3 /145،146).(/1)
لكن لا يجوز للزوج أن يحمِّل امرأته ما لا طاقة لها به من الجماع ، فإذا كانت معذورة لمرض ، أو عدم تحمل لم تأثم من رفضها للجماع .
قال ابن حزم رحمه الله : " وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا ، أو مريضة تتأذى بالجماع ، أو صائمة فرض ، فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة " انتهى من "المحلى" (10/40) .
وقال البهوتي رحمه الله : " وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت ... ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها ، فليس له الاستمتاع بها إذن ؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف ، وحيث لم يشغلها عن ذلك ، ولم يضرها ، فله الاستمتاع " انتهى من "كشاف القناع" (5/189) .
وللزوجة التي يضرها زوجها بكثرة الجماع أن تصطلح مع زوجها على عدد معين تتحمله ، فإن زاد حتى ضرها ذلك فلها أن ترفع أمرها للقاضي ، فيحكم القاضي بعدد معين يلزم الزوج والزوجة به .
ثانيا :
الاستمناء محرم ، لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (329)
ولا حرج على الرجل لو استمنى بيد زوجته ، لأنه يباح له الاستمتاع بها ، وكذا لو أنزل بالوطء خارج الفرج ، لعموم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) المؤمنون/5، 6 ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (826) .
والزوجة إن كان يضرها الوطء ، فإنه لا يضرها استمتاع زوجها بغيره ، ويلزمها أن تمكنه من هذا الاستمتاع .
وينبغي أن يعالج الزوجان هذه المسألة في جو من الألفة والمودة والصراحة ، وأن يعرف كل منهما ما له من الحقوق ، وما عليه من الواجبات . والمشاكل الزوجية عادة ما تنشأ من الجهل بذلك .
وبعض الأزواج يحرص على قضاء شهوته ، ويتعجل في ذلك ، غير مبال بزوجته ، ولا مراع لحقها في الاستمتاع ، فتفقد المتعة بهذا اللقاء ، وتنفر منه ، ويصير همّا لها ، وعبئا عليها .(/2)
ولهذا نقول : احرص على إيجاد المودة والمحبة بينك وبين زوجتك ، وراع حالها ، وتفهم مشاعرها ، وتجنب ما يضرها ويؤذيها ، وأبلغها الحكم الشرعي فيما يتعلق بهذه المسألة ، وأعنها عليه ، ولا تنفرها منه ، والقصدَ القصدَ تبلغوا .
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99796
العنوان:
دفع إليه الزكاة بشرط أن يردها عليه عن دينه
السؤال:
هل يجوز لصاحب الدين أن يدفع الزكاة للمدين بشرط أن يردها إليه ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لمن كان مديناً له ، ولا يستطيع السداد ، بشرط أن لا يشترط عليه أن يردها إليه .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/198 ) : " أَمَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ الدَّفْعُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ " انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز لصاحب الدين دفع الزكاة للفقير المدين بشرط أن يردها للدافع وفاءً لدينه ؟
فأجاب : " لو كان لك مدين فقير ، ودفعت إليه زكاتك ، فلا بأس ولا حرج حتى لو ردها عليك فيما بعد ، فلا حرج ، لكن تشترط عليه ذلك لا يجوز ؛ لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير ، والزكاة لا يجوز أن يحابي فيها الإنسان أحداً لا نفسه ولا غيره " انتهى .
"مجموع فتاوى" (18/378) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99799
العنوان:
الإيجار المنتهي بالتمليك عن طريق الهبة
السؤال:
تم التعاقد على سلعة بتأجيرها من المؤجر لمدة ستين شهرا ويتم تحرير شيكات بكامل المدة وبالعقد ميزة هي : إذا تم السداد قبل اليوم الأول من كل شهر يحسب الشهر كأنه ثلاثة أشهر سداد ولو تم السداد بعد ذلك يعد شهرا واحدا ، وعند نهاية السداد يتم تملك السلعة عن طريق الهبة. أرجو الإفادة عن شرعية هذا التعاقد وبعده عن الربا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
هذه المعاملة إحدى صور الإجارة المنتهية بالتمليك ، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوصها ، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة : " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة ، وذلك بعقد مستقل ، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى . وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301).
وتعليق الهبة على شرط ، صححه بعض أهل العلم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . لكن يشترط أن يكون عقد الهبة مستقلا عن عقد الإجارة ، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم . ثم ينص على عقد الهبة المعلق ، كأن يقال : يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (الشركة مثلا ) تهب الطرف الثاني (العميل) السلعة في حال سداده ما عليه من أقساط لديها .
كما يشترط أن تكون الإجارة حقيقية وليست ساترة للبيع ، فيكون ضمان السلعة المؤجرة على المؤجر ، لا على المستأجر ، وكذلك نفقات الصيانة غير التشغيلية تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة ، وهذا بخلاف البيع ، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد .
ثانيا :(/1)
ما ذكرته من أنه " إذا تم السداد قبل اليوم الأول من كل شهر يحسب الشهر كأنه ثلاثة أشهر سداد ، ولو تم السداد بعد ذلك يعد شهرا واحدا ) يعرف عند الفقهاء بضعْ وتعجّل ، أي إذا تعجّل المدين في دفع ما عليه أسقط عنه جزء من الدين .
فأنت إذا سارعت بدفع القسط قبل موعده ، أُسقط عنك قسطان من المبلغ الذي عليك .
وقد اختلف الفقهاء في صحة ذلك ، والأكثرون على منعها ؛ لشبهها بالربا . وذهب أحمد والشافعي في أحد قوليهما إلى الجواز ، وهو القول الراجح ، وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (13945) .
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي : " الحطيطة من الدين المؤجل ، لأجل تعجيله ، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين ، (ضع وتعجل) جائزة شرعاً ، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق " انتهى من مجلة مجمع الفقه ( 2/ 217) .
ومنه يعلم أن هذه الصورة ( ضع وتعجل ) لا تجوز ؛ لوجود الاتفاق المسبق عليها عند العقد.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99809
العنوان:
زوجته تقوم الليل وتفرط في الفرض ! وتغير حالها إلى الأسوأ فكيف يتصرف معها ؟
السؤال:
أنا شاب متزوج من قرابة العامين والنصف ، والحمد لله على ذلك ، في أول أيام زواجنا كان كل شيء على ألف خير ، والحمد لله ، وكان اجتماعنا على كتاب الله ورياض الصالحين ، وصيام الاثنين والخميس . ولكن دوام الحال من المحال - كما يقال في المثل الشعبي - ، بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجنا تغير على هذا حال الزوجة ؛ حيث اكتشفت أنها من النساء اللاتي لا يقمن بأداء الصلاة في وقتها ، وفي بعض الأحيان تجمع معظم الصلوات مرة واحدة ، مع أنها في بعض الأوقات تقوم من الليل للصلاة . وهي أيضاً تعشق السهر بشكل كبير ، مما يؤدي إلى النوم طوال النهار ، وبعد أن كان البيت لا يوجد به جهاز التلفزيون ، اضطررت إلى إدخال قناة إلى المنزل من قرابة ست أشهر بطلب منها . بالإضافة إلى أن اهتمامها بزوجها ليس من الأمور المهمة عندها ، كثيرة الرفض للاستجابة إلى زوجها في الفراش ، كثيرة التسويف لذلك ، مع علمها بعقوبة ذلك الأمر ؛ فهي حاملة لشهادة جامعية دارسات إسلامية !! وعندما أغضب عليها لا يؤثر ذلك فيها ، وكأنه شيء عادي عندها ، كم هي المرات التي تم هجرها في الفراش لكن لا حياة لمن تنادي ، وكم عدد المرات التي تم التدخل من الأطراف الأخرى للإصلاح ، ولكن للأسف الأمر كما هو من سيء إلى أسوء ، بالإضافة إلى أن العناد صفة دائمة لها ، شدة التمسك بما تقتنع به حتى لو كان على خطاء ، أسلوب الاعتذار غير موجود عندها . ما هو الحل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:(/1)
نحن في الحقيقة أمام حال غريبة من هذه الأخت ، وهي تحمل تناقضات ، فلا نستطيع الجمع بين كونها تصلي قيام الليل ، وفي الوقت نفسه تترك بعض الصلوات المفروضة ، أو تجمعها معاً !! فكيف تحرص على نافلة وتضيع فريضة من جنسها ؟! وكيف تتقرب إلى الله بعبادة من أعظم نوافل العبادات – وهي قيام الله – ثم تعصي ربها في أوجب الواجبات عليها ، من تضييع الصلاة في وقتها ، وعدم الاستجابة لطلب زوجها لفراشه ؟!
فأين ما سمعته من آيات وأحاديث وأحكام في دراستها الشرعية ؟! إن الحجة مقامة على هذه الأخت أكثر من غيرها ، فهي تعرف الخطأ والصواب ، وتعرف الطاعة والمعصية ، فليس حكمها مثل حكم غيرها من الجاهلات ، فلتنتبه لنفسها ، ولتحاسب نفسها قبل أن تُحاسب ، ولتزن أعمالها قبل أن توزن عليها .
ثانياً:
والواجب عليك أيها الزوج أن تنصحها وتذكرها بالله ، وخاصة في مسألة الصلاة ، ويجب أن تعرف أن العلماء قد اختلفوا في حكم من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها عامداً ، وأن من السلف والخلف من كفَّره ، بل قد نقل بعضهم إجماعاً للسلف على كفره ! فكيف ترضى هي لنفسها أن تكون على حال مختلف فيه بين العلماء ، ومثله يقال لك في حال إصرارها على التخلف عن بعض الصلوات والتفريط فيها ، فمثلها لا يُحرص على إبقائها في عقد الزوجية ، بعد بذل الأسباب في هدايتها .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن رجل لا يصلي الفجر جماعة ، ولا وحده ، وبقية الفروض يصليها على حسب راحته ، هل يعتبر كافراً أم لا ؟ .
فأجاب :(/2)
" هذه مسألة اختلف فيها العلماء - الذي يترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها بدون عذر- ، مِن العلماء من قال : إنه كافر ، وإليه ذهب بعض السلف ، وبعض الخلف ، وهو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز في وقتنا الحاضر أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر حتى خرج وقتها : فهو كافر ، لكن الذي أرى : أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائيّاً ، وأن الذي يصلِّي ويترك مع إقراره بوجوبها : لا يكفر ، لكن يعد من أفسق عباد الله ؛ ... فذنبه أعظم من الزنا ، وشرب الخمر ، وقتل النفس ... " .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 168 / السؤال رقم 6 ) .
ولتعلم هذه الزوجة أن أداء الصلوات في غير وقتها من الكبائر ، ولا تقبل هذه الصلوات المؤادة في غير أوقاتها ، وهي وعدمها سواء ، لذا فالواجب عليك أيها الزوج التشديد عليها في هذا الأمر : إما الاستقامة على الصلاة ، وإما أن تفارقها .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
أنا متزوج ابنة خالي ، ومعي منها ولد ، وهي لا تصلي ، ولا تصوم شهر رمضان ، وأخاف أن يلحقني بعد ذلك ذنب وإثم ، وأنا في الوقت الحاضر محتار من هذا الأمر ، أفيدوني جزاكم الله خيراً .
فأجابوا :(/3)
" أنت آثم في عشرتك إياها المدة الماضية وهي تاركة للصلاة والصيام دون أن تجتهد في نصحها وتحزم أمرك معها ، أما اليوم : فإذا كان الأمر لا يزال على ما كان من تركها للصلاة والصيام : فاجتهد في أمرها بالصلاة وبالصيام وغيرهما من فرائض الإسلام ، واستعن بالله ، ثم بالحي من والديك ووالديها ومحارمها على نصحها ، فإن أطاعت وتابت إلى الله وصلَّت : فالحمد لله ، وعليك أن تحسن عشرتها ، وإن أصرت على ترك الصلاة والصيام فطلِّقها ، وما عند الله خير لك ، والله المستعان ؛ لأن ترك الصلاة كفر ، وردة عن الإسلام ؛ لحديث : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ) - روه مسلم - ؛ وقوله : ( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " - رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه - ؛ وقال تعالى : ( وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) الممتحنة/ 10 .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 283 ، 284 ) .
ثالثاً:(/4)
بعد أن ذكرناها بتقوى الله وطاعته ، وخاصة في إقامة الصلاة في وقتها : فإننا نذكِّرها بحقوق الزوج ، ووجوب طاعته ، وقد قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/ 34 ، وأنه لا يحل لها رفض دعوته إذا دعاها للفراش ، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من الامتناع من زوجها إذا دعاها للفراش فقال : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1736 ) ، كما لا يحل لها النشوز والإعراض ، وقد أوجب الله تعالى عليها طاعة زوجها بما لا يخالف الشرع ، وما تفعله من السهر الطويل في الليل ، وتضييع الواجبات في النهار : أمرٌ منكر ، ولا يحل لها الاستمرار عليه .
رابعاً:
أما ما تفعله أنت تجاهها : فإن عليك أن تتلطف في دعوتها وسلوك السبل الحكيمة في الإنكار عليها دون قسوة ودون غلظة ، وقد قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) رواه مسلم ( 2593 ) ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ) .
زانه : أي : زيَّنه .
شانه : أي : عَيَّبَه .
ويمكنك سلوك طرق شتى لإصلاحها وهدايتها ، ومن ذلك :
1. الخطاب المباشر معها برفق ولين ومحبة .
2. الاستعانة بالحي من أهلها أو أقاربها أو صديقاتها لنصحها وتوجيهها .
3. الذهاب معها للعمرة ، والمحافظة على الصلاة في الحرم .(/5)
4. إسماعها الأشرطة المفيدة ، وإعطاؤها الكتب النافعة لتعرف ما عليها من حقوق ، ولتذكرها بالآخرة .
5. التخلص من القنوات الفضائية التي أدخلتها بيتك بالكلية ، أو الإبقاء على المفيد النافع منها كقناة " المجد " ، وقناة " الحكمة " .
6. البحث عن أسباب أخرى قد تكون غيَّرت من حالها ، كصاحبة فاسدة ، أو جارة ، أو قريبة من شيطانات الإنس ، ومنعها من اللقاء بها .
7. الاستعانة بالدعاء والتضرع لله تعالى لأن يهديها ويصلح حالها .
وإذا لم ينفع ذلك كله : فطلِّقها طلقة واحدة لعلها ترعوي بها ، وتراجع نفسها ، فإن لم ينفع ذلك : فلا تراجعها ، ودعها حتى تنقضي عدتها وتبين منك ، ولعل الله أن يبدلك خيراً منها .
والله الموفق(/6)
رقم السؤال:
99829
العنوان:
من استدان في محرم لا يُعطى من الزكاة إلا إذا تاب
السؤال:
رجل أخذ قرضاً ربوياً من البنك لحاجته لشراء بيت ، فهل يُعطى من الزكاة في سداد دينه للبنك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يحرم على الإنسان أن يتعامل بالربا قرضاً أو إقراضاً ، قال الله تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة /275.
وروى مسلم (1598 ) عن جابر رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) .
انظر جواب السؤال رقم (39829) .
ثانياً لو استدان الإنسان في أمر محرم ، فإنه لا يُعطى من الزكاة ، إلا إذا تاب .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/333) : " إنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ , مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا , أَوْ يَصْرِفَهُ فِي زِنَاءٍ أَوْ قِمَارٍ أَوْ غِنَاءٍ وَنَحْوِهِ , لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ " انتهى .
وقال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (2/618) : " وَمَنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ , فَإِنْ تَابَ دُفِعَ إلَيْهِ " انتهى .
وجاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (6/235) : " من غرم في محرم هل نعطيه من الزكاة ؟
الجواب : إن تاب أعطيناه ، وإلا لم نعطه ؛ لأن هذا إعانة على المحرم ، ولذلك لو أعطيناه لاستدان مرة أخرى " انتهى .(/1)
وعلى هذا ، فلا حرج من إعطاء هذا الرجل من الزكاة إذا كان قد تاب من التعامل بالربا ، وندم على ذلك ، وعزم على عدم فعل ذلك في المستقبل .
أما إذا لم يتب من ذلك ، وكنا إذا أعطيناه اليوم ليسدد ما عليه من الديون ، يذهب غداً ليقترض بالربا مرة أخرى ، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة ؛ لأننا بذلك نعينه على فعل المحرم.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99833
العنوان:
استئجار منزل اشتراه صاحبه بقرض ربوي
السؤال:
أنا شاب موظف بإحدى الشركات وقد استأجرت شقة , وعلمت أن صاحبة البيت أخذت قرضا ربويا لشرائه , وثمن الكراء (الأجرة) أعلى من المبلغ الذي تدفعه للبنك , وبهذا فهي تدفع للبنك من المال الذي أعطيها وتربح ما تبقى. وغالب الظن أنها اشترت البيت كي تتاجر فيه بهذه الطريقة. سؤالي : هل كرائي عندها يعتبر من التعاون على الإثم أم هو حلال؟
الجواب:
الحمد لله
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا ؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد ، الذي يستوي فيه آكله وموكله وكاتبه ، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
ومن اقترض بالربا ، واشترى دارا أو متاعا ، فله الانتفاع به بالسكنى أو البيع أو غير ذلك ، مع وجوب التوبة إلى الله تعالى .
ولهذا ؛ لا حرج عليك في الاستئجار منها ، ولو كانت اقترضت المال بغرض الاتجار في الشقة أو التربح من ورائها ، والإثم يقع عليها ، لأنها هي التي تعاملت بالربا .
وانظر جواب السؤال رقم (22905) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99842
العنوان:
عسكري متقاعد ويعمل في وظيفة مدنية
السؤال:
كنت موظفا عسكريا في الدولة لمدة إحدى عشرة سنة وبعدها خرجت إلى التقاعد وكان راتب التقاعد آنذاك قليلا جدا بحثت عن عمل ولم أجد أي عمل وقدمت إلى وظيفة مدنية وأستلم منها راتبا شهريا ونفس الوقت أستلم راتبا تقاعديا أنا لم أعلمهم أني متقاعد وهم ما سألوني ، ومشى هذا الحال إلى الآن . أنا ضميري يؤنبني ، فما حكم ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت ، فلا حرج عليك في العمل في هذه الوظيفة ، وتقاضي الراتب عليها ، ما دام العمل مباحا ، وأنت تؤديه على الوجه الصحيح .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99843
العنوان:
زكاة الحبوب والثمار ومقدار النصاب فيها
السؤال:
ما هي زكاة الحبوب والثمار ، وما هو مقدار النصاب ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
تجب الزكاة في الحبوب والثمار بإجماع العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/294) : " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ . قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ , وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ " انتهى .
ويدل على وجوب الزكاة في الحبوب والثمار قوله تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) الأنعام / 141 .
والزكاة تجب في الحبوب والثمار فيما يكال ويدخر ، سواء كان قوتاً أم لم يكن قوتاً ؛ لما روى البخاري (1483) عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ ) ، فالحديث عام في كل ما يخرج من الأرض سواء كان قوتاً أم لم يكن قوتا .
وروى مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ) ، فدل على اعتبار التوسيق ، وهو معيار من معايير الكيل . أما الادخار ، فلأن النعمة لا تكتمل إلا فيما يدخر ، وذلك لأن نفعه باقٍ لمدة أطول .
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/205) : " وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/70) : " الحبوب والثمار تجب فيها الزكاة ، بشرط أن تكون مكيلة مدخرة ، فإن لم تكن كذلك ، فلا زكاة فيها " انتهى .
ثانياً :(/1)
لا تجب الزكاة في الحبوب والثمار ، إلا إذا بلغت نصاباً ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعاً ، والصاع أربعة أمداد ، والمد حَفْنة بكفي الرجل المعتدل ؛ لما رواه مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ) .
ويختلف قدر الزكاة الواجب إخراجها من الزروع والثمار باختلاف طريقة السقي .
فإن كان يُسقى بلا كلفة ولا مؤونة ، كما لو سقي بماء المطر ، أو العيون ، ففيه العشر .
وإن كان يسقى بكلفة ومؤونة ، كما لو احتاج آلة ترفع المياه ففيه نصف العشر .
ودليل ذلك حديث ابن عمر المتقدم : ( فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ ) .
قال الحافظ :
( عَثَرِيًّا ) قَالَ الْخَطَّابِيّ : هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْي .
( بِالنَّضْحِ ) َالْمُرَاد بِهَا الإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا , وَذَكَرَ الإِبِلَ كَالْمِثَالِ ، وَإِلا فَالْبَقْر وَغَيْرهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ اهـ . وهو يشبه السقي بالساقية الآن .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/77) : " والحكمة من ذلك : كثرة الإنفاق في الذي يسقى بمؤونة ، وقلة الإنفاق في الذي يسقى بلا مؤونة ، فراعى الشارع هذه المؤونة ، والنفقة ، وخفف على ما يسقى بمؤونة " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز (14/74) : " ما يسقى بالأمطار والأنهار والعيون الجارية من الحبوب والثمار كالتمر والزبيب والحنطة والشعير ففيه العشر ، وما يسقى بالمكائن وغيرها ففيه نصف العشر " اهـ .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99844
العنوان:
جواب من قال إنه يأخذ بإجماع الفقهاء ولا يسير على مذهب
السؤال:
ما هو الجواب لشخص لا يسير على مذهب ، ويسير على إجماع الفقهاء ، وهل عليه أن يتبع مذهبا أو يسير على مذهب فرضه ولي أمره عليه أو يتخذ شيخا وعالما يرتاح له ويقتدي به .
الجواب:
الحمد لله
الناس متفاوتون في المدارك والفهوم والقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها ، فمنهم من يجوز في حقه التقليد ، بل قد يجب عليه ، ومنهم من لا يسعه إلا الأخذ بالدليل .
1- فطالب العلم الذي يمكنه التمييز بين الأقوال ، ومعرفة الراجح من المرجوح ، يلزمه العمل بالراجح حسبما يظهر له .
2- وأما غير المؤهل لذلك ، ففرضه التقليد ، لقوله تعالى: ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) النحل/43 .
ويقلد أفضل من يجده علما وورعا ، ولا يلزمه اتباع مذهب بعينه ، سواء كان مذهب الدولة أو لم يكن .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " مثاله: عامي سمع شخصا يقرر ويقول: إن في الحلي زكاة، وسمع آخر يقرر ويقول: إن الحلي ليس فيه زكاة، فهنا صار عنده رأيان، فمن يقلد؟
نقول: يُخير، لكن ينبغي أن يقلد من كان أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه " انتهى من "شرح الأصول من علم الأصول" ص 637 .
فالعامي لا يجتهد في الأدلة ، ولكن يجتهد ويتحرى في الأخذ عن الأعلم والأورع .
قال الشاطبي رحمه الله : " فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معا ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح ، كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معا ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح... ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار ، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة " انتهى من الموافقات 4/131 .(/1)
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في الفقيه والمتفقه : " فإن قال قائل : فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا ، فهل له التقليد ؟ قيل : إن كان العامي يتسع عقله ، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل ، وإذا فهم أن يفهم ، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم ، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده ، فإن كان له عقل يقصر عن هذا ، وفهمه لا يكمل له ، وسعه التقليد لأفضلهما عنده " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم التقيّد بالمذاهب الأربعة واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟
فأجابوا :
أولا : المذاهب الأربعة منسوبة إلى الأئمة الأربعة الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد ، فمذهب الحنفية منسوب إلى أبي حنيفة وهكذا بقية المذاهب.
ثانيا : هؤلاء الأئمة أخذوا الفقه من الكتاب والسنة وهم مجتهدون في ذلك ، والمجتهد إما مصيب فله أجران ، أجر اجتهاده وأجر إصابته ، وإما مخطئ فيؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.
ثالثا : القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه.
رابعا : من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم الاطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان.
خامسا : يتبين مما تقدم أنه لا تُتَّبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأنهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة (5/28).(/2)
وجاء فيها أيضا (5/41) : " من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ؛ ليعمل به في نفسه ، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه . ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة ، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم.
ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيئ الظن بالمتعلمين عموما ، وقد ضيق واسعا.
ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضا قد ضيق واسعا بغير دليل . ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء " انتهى .
ودعوى الإنسان أنه يأخذ بما أجمع عليه الفقهاء فقط ، يُنظر فيها ، فإن كان يأخذ بالإجماع ، ويجتهد في مسائل الخلاف ، لأهليته وقدرته على الاستنباط ، فهذا ممكن ، أما إذا لم يكن مؤهلا ، ولن يأخذ بمذهب أو يقلد عالما ، فهذا يعني أن سيجهل أكثر المسائل ؛ لأن مسائل الإجماع قليلة جدا بالنسبة إلى مسائل الخلاف .
والخلاصة أن هناك طريقين لمعرفة الأحكام الشرعية :
الأول : استنباط هذه الأحكام من أدلتها ، لمن لديه القدرة على ذلك .
الثاني : سؤال أهل العلم ، والأخذ بأقوالهم ، للعاجز عن الاستنباط بنفسه ، ويقلد حينئذ الأعلم والأورع ، ولا يلزمه اتباع مذهب معين أو شخص معين في جميع المسائل .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99863
العنوان:
يريد خطبة امرأة في بلد آخر فهل يطلب صورتها ؟
السؤال:
كيف يتم النظر إلى المرأة قبل الخطبة إذا كنا في بلدين مختلفين ولا أستطيع السفر ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا عزم الرجل على خطبة امرأة ، جاز له أن ينظر إلى ما يرغبه في نكاحها ، لما روى أبو داود (2082) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وانظر الكلام على ضوابط هذا النظر في جواب السؤال رقم (2572) .
وإن كنت لا تستطيع السفر لرؤية من تريد خطبتها ، فيمكنك الاطلاع على صورة لها ، مع العلم أن الصورة لا تحكي الحقيقة تماما ، فقد تبدو المرأة في الصورة أجمل مما عليه في الحقيقة ، والعكس .
ويلزمك التخلص من هذه الصورة وعدم الاحتفاظ بها ، كما يلزمك الاحتياط في عدم اطلاع غيرك عليها .(/1)
ولا تطلب الصورة حتى يقع في قلبك الرغبة في الزواج منها ، بعد السؤال عن دينها وحالها ، مع غلبة الظن بقبولك ، فإذا لم يبق إلا الرؤية ، فاطلب الصورة حينئذ ؛ لما روى أحمد (18005) وابن ماجه (1864) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ خَطَبْتُ امْرَأَةً فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
قال النووي رحمه الله : " إذا رغب في نكاحها استحب أن ينظر إليها لئلا يندم وفي وجه لا يستحب هذا النظر بل هو مباح والصحيح الأول للأحاديث . ويجوز تكرير هذا النظر ليتبين هيئتها ، وسواء النظر بإذنها وبغير إذنها ، فإن لم يتيسر النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له " انتهى من "روضة الطالبين" (7/19).
والنظر إلى المخطوبة أو صورتها مقيد بأمن ثوران الشهوة ، فينظر إليها من غير تلذذ .
قال في "مطالب أولي النهى" (5/12) : " ... ( إن أمن ) مريد خطبة المرأة ( الشهوة ) أي : ثورانها ( من غير خلوة ) فإن كان مع خلوة أو مع خوف ثوران ( الشهوة ) ; لم يجز " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99864
العنوان:
يسأل عن صحة دعاء للتحصن منشور على ( الإنترنت )
السؤال:
ما صحة هذا الدعاء : ( بسم الله ، وبالله ، ومن الله ، وإلى الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، بسم الله النور ، بسم الله نور النور ، بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبر الأمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ، الحمد لله الذي خلق النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في رق منشور ، بقدر مقدور ، على نبي محبور ، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور ، وبالفخر مشهور ، وعلى السراء والضراء مشكور ، اللهم إني اسألك يا الله يا رحمن يا رحيم يا حليم يا كريم يا قديم يا مديم يا عظيم يا الله ، يا خير مسؤول ، ويا أكرم مأمول ، يا من له الحمد والثناء ، وبيده الفقر والغناء ، وله الأسماء الحسنى ، لا مانع لمن أعطاه ، ولا مضل لمن هداه ، يفعل في ملكه ما يشاء ، رب الأرباب ، ومعتق الرقاب ، ذو القوة القاهرة ، والعظمة الباهرة ، مالك الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق " ، وبهول يوم المخاف ، وبالزخرف والطور ، بالرق المنشور ، بالبيت المعمور ، بالسقف المرفوع ، بالبحر المسجور ، بضوء القمر ، بشعاع الشمس ، بضوء النهار ، بظلام الليل ، بدوي الماء ، بخيرات الأرض ، بحفيف الأشجار ، بعلو السماء ، بهبوط الأرض ، بجريان البحر ، بعجائب الدنيا ، بنور الصباح ، بمكنون سرك ، بوفاء عهدك ، بعلمك بالشمس وضحاها ، والقمر إذا تلاها ، والنهار إذا جلاها ، والليل إذا يغشاها ، والسماء وما بناها ، والأرض وما طحاها ، ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ، بقرب الجنة ، ببعد النار ، بعدل الميزان ، بهدير الرعد ، بلمعات البرق ، برقدة أهل الكهف ، بفطرة الإسلام ، بزمزم والمقام ، والحج إلى بيت الله الحرام ، بسر يوسف ، بطور سيناء ، بسورة " يس " ، بالأنبياء المرسلين ، بحلة آدم ،(/1)
بتاج حواء ، بحلة إبراهيم ، بناقة صالح ، بعصاة موسى ، بإنجيل عيسى ، بزابور داوود ، بفرقان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، برقعة إدريس ، بسفينة نوح ، بسدرة المنتهى ، بجنة المأوى ، باللوح المحفوظ ، بما جرى به القلم ، بساعات الدهور ، بالفلك الذي يدور ، بالصدور وما حوت ، بالأنفس الزكية وما عملت ، والأقلام وما دارت ، والنجوم وما سارت ، ......... سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ) ؟
الجواب:
الحمد لله
من المعلوم لدى جميع المسلمين أن الدعاء من أفضل العبادات ، وأشرف القربات ، وأن الأنبياء إنما بعثوا لتوحيد الدعاء لله سبحانه وتعالى ، وتوقيف الناس على الدعاء الذي يشرعه الله ويبينه للناس .
ولذلك فإن من أخطر ما يناقض الإسلام ، صرف الدعاء لغير الله ، أو تشريع ما لم يأذن به الله من طرق وصيغ وأنواع الدعاء في مناسبات وأحوال مختلفة ، يلتزمها الناس ويعملون بها ، ويحفظونها ويتواصون بها ، وغالبا ما يصاحب تلك الأدعية المستحدثة اعتقاد فضلها وعظيم نفعها وأجرها .
ولا أرى الدعاء المنقول في السؤال إلا من هذا الباب .
فهو دعاء مخترع مبتدع وضعه من وضعه ليكون ملاذا لمن أراد التحصن من الشرور ، يعتقد فيه النفع ، وينسبه إلى الشرع ، ويستبدله بالأدعية والأذكار المشروعة الثابتة ، وإن لم يكن ذلك بلسان المقال ، فهو ولا شك واقع بلسان الحال .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (22/510) :(/2)
" عمن يقول : أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح عنه أنه قد أساء وأخطأ ، إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار ، فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان ، وخلاف للسنة ، إذ الرسول لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا ، ولم يدخر الله عنه خيرا ، بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة ، إذ هو أكرم الخلق على الله ، فهل الأمر كذلك أم لا ؟
فأجاب رحمه الله :
" الحمد لله ، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع ، لا على الهوى والابتداع ، فالأدعية والأذكار النبوية هى أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ، ولا يحيط به إنسان ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّمًا ، وقد يكون مكروها ، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس .
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به ، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة ، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنًى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه ، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به ، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت ، فهذا وأمثاله قريب ، وأما اتخاذ ورد غير شرعي ، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه ، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ، ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى .(/3)
وفي الدعاء المنقول في السؤال كثير من الكلمات المنكرة المبتدعة ، فضلا عن المعاني التي لم ترد بها أدلة الكتاب والسنة ، ومن ذلك :
1- التوسل بأمور لا وجه للتوسل بها لا في العقل ولا في الشرع ، وهي من التوسل الممنوع ، إذ لم يرد في الشريعة ما يدل على التوسل بمثلها : انظر فيه قوله : اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق " ...بضوء القمر ، بشعاع الشمس ، ..بحفيف الأشجار.. بجريان البحر.. بعجائب الدنيا..إلى آخر تلك الكلمات الكثيرة السمجة التي تدل على جهالة واضعها .
2- وفيه أيضا سوء الأدب مع الله بالقسم عليه بغير ما شرع القسم به من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فراح يتكلف أشياء غريبة : تاج حواء ، عصا موسى ... ، إلى آخر ما ذكره من العدوان والافتراء .
3- الاعتداء في الدعاء ، حيث فيه سؤال ما لا ينبغي للعبد أن يسأله ، وذلك في قوله : اللهم إني أسألك أن تجعل لي كرامة جبريل ، ومهابة إسرافيل ، وقبول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
4- وفيه التعدي بتقرير بعض الأمور الغيبية بالوهم والخرص ، انظر قوله : خلق النور من النور .
5- وفيه عُلقةٌ مما تقرره الفرق الباطنية من دعوى أن للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا ، وذلك في قوله : بسر يوسف .
6- وفيه الكثير من الأخطاء اللغوية كاستعمال كلمات غير مستعملة نحو ( مفرود ) وسجع متكلف سمج تمجه الأسماع ، ومترادفات كثيرة ، وتنطع ، وتكلف ، وسخافة لا تدل إلا على جهل واضعها واستسخافه عقول الناس ، ولا يكاد المرء يكره نفسه على قراءته إلا بالجهد الجهيد ، فكيف بقبوله والعمل به ، قاتل الله واضعه الكذاب !!
والعجب أنه ورغم كل هذه النكارات ينسب إليه واضعه التحصين ودفع الشرور ؟!(/4)
فليحذر المسلم من الالتفات إلى مثل هذه المبتدعات ، وليلجأ إلى أذكار التحصين الشرعية ، والتي تحوي جوامع الكلم ، وأبلغ الجمل ، وأحسن الكلمات ثناءً على الله واعترافا بفضله ، وهي الكلمات التي كان يحصن بها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأبناءه ، نحو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول : إن أباكما - يعني إبراهيم عليه السلام - كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ) رواه البخاري ( 3191 ) (الهامة) : بتشديد الميم هي كل ما له سم يقتل . (من كل عين لامة) أي من كل عين تصيب بسوء .
وفي موقعنا مجموعة من الأذكار والأدعية الشرعية ، يمكنك مراجعتها في أرقام الأجوبة الآتية : (77208) ، (82463)
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
99870
العنوان:
طلب الطلاق عند الضرر
السؤال:
بعد انفصالي عن زوجي الأول طلب ابن عمي أن أوافق على الزواج منه متى ما سمحت ظروفه ، وقال لي إنه لن يسمح لأحد اخذي منه ، وكثير من الكلام والتعبير عن حبه وإعجابه ومعاناته مع زوجته التي تكبره ب 30 سنه تقريباً . واستمر على ذلك لمدة 12 سنه يلاحقني ... بعد الـ 12 سنه تقدم وتم الزواج وتم التفاهم معه أن يكون عادلاً لأجل رضى الله وأن لا يهمل زوجته الأولى وتنازلت عن أجزاء من حقوقي لأجل أن لا يشعر بالندم أو بالضيق .. كان دائم الدعاء لي لأنني أساعده وأقف بجنبه لأجل لا يعاني مثل أي رجل متزوج أكثر من زوجة . حصل حمل من أول شهر زواجنا وبعد مرور 3 أشهر هجرني زوجي من الفراش والسكن دون أي سبب حيث أني أسكن في منزل أهلي .. قال إنه لا يستطيع أن ينظر في وجهي ولا يشعر بأي نوع من الرغبة بي ويتجنب المجيء لمنزلنا خوفاً من وقوع أمور أخرى كالطلاق وأنا حامل .. وإنه يشعر بضيق كلما تذكرني... ووعدني بأنه سيذهب إلى شيخ يعالج بالقران وصرت لا أراه إلا بعد شهرين أو 3 أشهر 5 دقائق فقط أو اتصال بالهاتف . صبرت ولم اضغط عليه ... واستمر على هذا الحال 3 سنوات ولم يتغير أي شي غير الذل وتعب القلب والنكران والجحود ماذا افعل ؟ هل اطلب الطلاق أو استمر وعسى أن يتغير مع مرور السنين ؟
الجواب:
الحمد لله
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والمراد بالبأس : الشدة التي تلجئها إلى سؤال المفارقة.
فسؤال الطلاق من غير شدة تلجئ المرأة إلى ذلك حرام ، بل عده بعض العلماء من الكبائر ، كما فعل ابن حجر الهيتمي في "الزواجر"
ويفهم من الحديث المتقدم : جواز طلب المرأة الطلاق إذا كان هناك شدة أو ضرر عليها من استمرار الزواج .(/1)
وعلى هذا ؛ فلا حرج عليك من طلب الطلاق إذا كان الأمر كما ذكرت من مفارقة زوجك لك ثلاث سنوات .
لكن الأفضل لك أن تصبري وتطلبي من زوجك السعي في مداواة نفسه مما نزل به فلعل الله أن يشفيه فيستقيم الحال، فإذا رأيت أن الأمر لم يجد فيه جديد ، ورجوت إن طلقك أن تنكحي غيره ، فالطلاق حينئذ خير، لقول الله تعالى: ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130 .
وما ذكرت من نفوره وشعوره بالضيق كلما تذكرك ، قد يكون سببه وقوعه تحت تأثير السحر ، ولهذا ينبغي أن يستعمل الرقية الشرعية ، أو يذهب إلى من يرقيه من أهل الصلاح والاستقامة على السنة .
وراجعي جواب السؤال رقم (11290) و (12918)
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
99877
العنوان:
اقترفت الزنا وهي مقبلة على الزواج وتخشى الفضيحة
السؤال:
فتاة تعرفت على شاب ووعدها بالزواج ، ثم أخذ شرفها وقد سجل لها شريط فيديو ، وهي الآن تعاني من الذنب والفضيحة وهي الآن قد قرب زواجها من رجل آخر لا يعلم بما حصل لها من شرف وعرض فهي خائفة من الفضيحة أمامه وأمام أهلها فماذا تفعل بالله عليكم
الجواب:
الحمد لله
هذه المأساة المسئول عنها هي إحدى نتائج العلاقات المحرمة : تعارفٌ ، ووعود ، وأكاذيب ، وعشق ، وغرام ، ثم فاحشة ودمار ، وخزي وفضيحة وعار ، ولازال الناصحون يصرخون لإيقاظ الغافلين ، وتنبيه المخدوعين ، ولا يزال دعاة الاختلاط والسوء ينافحون ويدافعون ، ويزعمون أن لا محذور في هذه العلاقات ، وأن لا ضرورة للتضييق على البنين والبنات ، ولا يكتوي بنار الإثم ، وعار الفضيحة وقلقها وهمّها إلا تلك الفتاة المخدوعة ، التي اتبعت خطوات الشيطان ، وسارت خلف الأماني والوعود الكاذبة ، وأعرضت عن أمر ربها بالقرار في البيت ، وغض البصر ، وترك الخضوع بالقول ، ولزوم الحجاب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ويا حسرة على أهل الإسلام أن يكون هذا الفساد في مجتمعاتهم ، وأن يتسرب إلى بيوتهم ، في غفلة الآباء والأمهات ، والإخوة والأخوات .
وما أقبح الزنا ، وما أشنع عاقبته في الدنيا والآخرة ، ولهذا كان حد فاعله الجلد أو الرجم ، مع العذاب الأليم المرتقب في نار الجحيم .
قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2
وقال سبحانه : ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) الإسراء/32(/1)
وفي حديث الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ قَالَ قَالا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ... قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) . ومعنى ضوضوا : أي ارتفع صوتهم ولغطهم.
ولهذا فالواجب على هذه الفتاة أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا ، وأن تكثر من الندم والاستغفار ، وتعزم على عدم العود لذلك أبدا ، لعل الله أن يتجاوز ويعفو عنها .(/2)
وينبغي لها أن تكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يسترها ولا يفضحها في الدنيا ولا في الآخر ، وأن يكفيها شر ذلك الفاجر ، وأن تتخير أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل ، وما بين الأذان والإقامة ، والساعة الأخير من نهار الجمعة ، وأن تكثر من الطاعات ، لا سيما الصلاة والصدقة ، ولتحسن الظن بربها سبحانه ، فإنه قد قال في الحديث القدسي : ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675).
وعند أحمد (17020) من حديث واثلة ت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
فلتحسن الظن بربها سبحانه أنه ساترها ، وكافيها ، وقابلٌ توبتها ، ومصلحٌ حالها .
ولتعلمْ أنه يلزمها ستر نفسها ، وعدم إخبار أحد بذنبها ، لا زوجها ولا غيره ، بل تخفي عنه ذلك ولو سألها ، وتستعمل التورية ، فإن البكارة قد تزول بالحيضة الشديدة ، أو الوثبة ، أو غير ذلك من الأسباب .
وإذا قدر أن أحدا عرف ما حدث لها ، فليجتهد في سترها أولا ، ثم في إعانتها في محنتها ، وليتحيل للوصول إلى الشريط الذي سجله ذلك المجرم ، بتخويفه من عقاب الله تعالى له ، وتعريفه قدر جرمه الذي أجرمه ، وإن أمكن استخدام التهديد معه ، وتسليط صاحب سلطان ـ أمين ـ عليه ، لتخويفه ، فهو حسن .
نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعلى المؤمنين ، وأن يستر عوراتنا ، ويؤمن روعاتنا .
وينظر : السؤال رقم (83093)(/3)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
99879
العنوان:
أحب فتاة ولم تقبل الزواج منه فأصابه المرض والاكتئاب
السؤال:
تعرفت على فتاة على الانترنت ، وقابلتها وأحببتها وتعلقت بها ، وكنا أولا أصدقاء وحين قلت لها إني أحبها وأنوي الارتباط قالت: لا . تولدت لدي صدمة ورسبت في امتحاني ، ثم تلقيت صدمة ثانية من صديق لي في أثناء الامتحانات ، وكنت قد رافقته وصادقته فلم يرض أن يسكنني معه . ذهبت لطبيب نفسي وقال لي إنني مصاب باكتئاب حاد ، والآن وضعي من سيئ لأسوأ ، حتى إنني أسبب المشاكل لأهلي !! أحيانا أفكر بأن الحل الوحيد هو الانتقام من هذين الشخصين فأريد أن أفضح هذه الفتاة أمام أخيها في الإنترنت ، وذلك بنشر كل ما أعرفه عنها وأنا باسم مستعار ، فلن يعرفني علما أن الفتاة نفسها سبق وحكت لي أن هناك شابا كاد أن يموت من أجلها وحاول الانتحار ولكنه لم يمت . أبي رباني على الفطرة وحب العلم وطالما غدر الناس بي فما العمل فقدت تقريبا الثقة بنفسي أريد الإرشاد جزاكم الله خيرا
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن تحمد الله تعالى أن صرفك عن الزواج من هذه الفتاة ، التي تقيم العلاقات مع الرجال عن طريق الإنترنت وغيره ، فإن هذه ليست موضع ثقة ، فربما استمرت على علاقاتها المحرمة بعد زواجها .
وأكثر الزيجات التي بنيت على الحرام ، وكان مبدؤها الحرام ، يعتريها الفصام والنكد والشك والريبة ، كما هو معلوم من النظر في كثير من الوقائع .
وأما ما جرى من صديقك ، فربما كان السكن معه مضرة عليك ، أو عليه ، وهو ليس ملزما بأن يسكنك معه ، فهو لم يظلمك حين رفض أن تسكن معه ، بل إن كثيرا من العقلاء الحريصين على دوام المودة والصحبة ، يرفض أن يسكن مع صديقه ، لما يحدث كثيرا في السكن من الاحتكاكات والأمور التي تولد المشكلات ، وربما فرقت بين الإخوان .
" قال ثابت البناني للحسن : إنك تريد الحج ، وأنا أريد ؛ أفأصحبك ؟(/1)
فقال الحسن : دعنا نتعايش بعيش الله ، إني أكره أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه . " البصائر والذخائر (3/155) .
وإنا لنرجو أن يكون الله تعالى قد اختارك لك الخير ، حينما صرف عنك الزواج بهذه الفتاة اللعوب ، وحينما صرف عنك ـ أيضا ـ هذه السكنى مع صديقك ، والله سبحانه يقدر لعبده كثيرا من الخير الذي لا يدرك العبد حكمته ومصلحته وعائدته إلا بعد زمن .
قال ابنُ مسعود رضي الله : " إنَّ العبد ليهمُّ بالأمرِ من التجارة والإمارة حتى يُيسّر له ، فينظر الله إليه فيقول للملائكة : اصرفوه عنه ، فإني إنْ يسرته له أدخلتُه النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظلُّ يتطيَّرُ يقول : سبقني فلان ، دهاني فلان ، وما هو إلا فضل الله – عز وجل " ذكره ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم".
فاحمد الله تعالى ، وارض بقضائه ، وظنّ فيه الخير والنفع ، فلعل الله حفظك ورعاك ، وصرف عنك ما يضرك ويسوؤك .
ثانيا :
لا يجوز لك الانتقام من صديقك هذا ، فإنه لم يمنعك حقا واجبا ، وقد يكون له من الأعذار الصحيحة ما أوجب رفضه لسكنك معه .
وليس لك أن تفضح هذه الفتاة ، ولا أن تنشر شيئا عنها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580).
وقوله : ( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) رواه الترمذي (2032) وأبوداود (4880) .
وهذا الذي يحركك الشيطان نحوه ، ويدفعك على فعله هو من الفجور في الخصومة ، والعياذ بالله ، وهي من خصال المنافقين ، لا تليق ـ أبدا ـ بالمؤمنين :(/2)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) . رواه البخاري (34) ومسلم (58) .
فدع عنك أمر هذه الفتاة ، وانشغل بعيبك عن عيوب الناس ، وتب إلى الله تعالى من تلك العلاقة ، واحرص على الزواج من ذات الخلق والدين ، العفيفة المصونة ، التي تحفظك في حلك وترحالك ، وأقبل على طاعة ربك ، وانشغل بما ينفعك ، وعد إلى دراستك ، ولا تدع لليأس والإحباط سبيلاً عليك ، فإن المؤمن يمنعه إيمانه ويقينه من اليأس ، ويحول بينه وبين العجز ، فليس في الدنيا ومتاعها الزائل ما يستحق أن يلهث خلفه الإنسان ، ولا أن يبكي على فواته ، وقد علم المؤمن أن لا يجري أمر في حياته إلا بقدَر ، فما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وهذا مما يهوّن عليه ، ويسليه ، كما قال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22 ،23
وانظر في علاج الهمّ والحزن والضيق : جواب السؤال رقم (22704)
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك ، وأن يزيل همك ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99881
العنوان:
الخلع في مقابل إسقاط حقوق الزوجة
السؤال:
بعد خمسة وعشرين عاما ، وبعد إصابتي بالمرض الخبيث قامت زوجتي بالحصول على حكم بالخلع مني ولم أعلم بالقضية إلا قبل الحكم بأسبوع ، وكان الحكم بالخلع على أن تتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية . أرجو معرفتي ما هي الحقوق المالية وما هي الحقوق الشرعية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .
ثانياً :
يصح الخلع على أن تسقط المرأة حقوقها عن الزوج عند جمهور العلماء .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "الفتاوى الكبرى" (3/336): عن رجل قالت له زوجته: طلقني وأنا أبرأتك من جميع حقوقي عليك وآخذ البنت بكفايتها .
فقال رحمه الله : " إذا خالعها على أن تبرئه من حقوقها وتأخذ الولد بكفالته ولا تطالبه بنفقة صح ذلك عند جماهير العلماء" انتهى .
وقال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (5/350) : " وإن خالع حاملاً فأبرأته من نفقة حملها صح ، فلا نفقة لها ولا له حتى تفطمه " انتهى .
وأما ما هي حقوق المرأة على الزوج؟
فالحقوق المالية للمرأة على زوجها منحصرة في المهر والنفقة ، فإذا كان المهر لا يزال ديناً في ذمة الزوج أو بعضه (وهو المؤخر) أو كان عليه نفقات سابقة فإنها تتنازل عن ذلك في مقابل الخلع ، فلا تطالب بالمهر المؤخر ولا بالنفقات التي كان زوجها قد قصَّر فيها فيما مضى ،
وقد يدخل في هذا أيضاً : المهر الذي استلمته ، كالنقود أو الذهب أو ما يسمى بـ "القائمة " في كثير من البلدان ، وهذا يحتاج إلى مراجعة المحكمة التي حكمت بهذا الحكم حتى تعلم ماذا يقصدون بذلك تحديداً .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
99911
العنوان:
حكم التسمي ب " ركان "
السؤال:
ما حكم تسمية الولد " ركان " لأن هناك من يقول إنه اسم لأحد أبواب جهنم
الجواب:
الحمد لله
اختيار الاسم الحسن حق للمولود على والده ، لأن الاسم له أهمية في حياة الإنسان ، فهو عنوان المسمّى ودليل عليه ، وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه ، وهو للمسمّى زينة ووعاء وشعار ، يُدعى به في الآخرة والأولى ، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته ، فهو عندهم كالثوب ، إن قَصُر شان ، وإن طال شان .
وقد سبق بيان أهم الآداب التي ينبغي مراعاتها في اختيار اسم المولود ، في جواب السؤال رقم (7180) .
والتسمي بركان ، لا حرج فيه ، وقد كان من أسماء العرب : رُكان ، ورُكانة ، وركين ، ولم لم نقف على كونه اسما لأحد أبواب جهنم ، فإن ثبت ذلك كره التسمي به .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99912
العنوان:
هل يجوز أداء صلاة الضحى في وقت العمل؟
السؤال:
هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي علماً بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها ؟
الجواب:
الحمد لله
" صلاة الضحى سنة ، وفيها فضل ، وإذا كنت موظفاً ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها . أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها ، لأنه يشغلك عن القيام بالواجب " .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" ( 2 / 167 ) .(/1)
رقم السؤال:
99921
العنوان:
طلاء الأسنان بلون أبيض يدوم
السؤال:
أسناني ولله الحمد لا تسبب لي أي مشاكل .. ما عدا أنها صفراء اللون وبها بقع بيضاء وهذا يسبب لي كثيرا من الإحراج والمضايقات .. وقد سألت عن التبييض فأجابوني بأنه لا ينفعني بسبب اختلاف لون أسناني ... وقد أعلموني بوجود طلاء دائم للأسنان لونه أبيض طبيعي مما يزيل مشكلتي ... فما حكم فعل ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في طلاء الأسنان بما ذكرت ، ولو كان الطلاء مما يدوم ؛ لأن الأصل الإباحة ، ولا نعلم ما يمنع من ذلك شرعا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99960
العنوان:
مات عن أم وأم وزوجة وتسعة أولاد ذكور وست بنات
السؤال:
رجل مات عن أم وأب وزوجة وتسعة أولاد ذكور وست بنات ، والتركة 538.000 ريالاً ، فكيف تقسم ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا انحصر الورثة في هؤلاء ، فللأم السدس ، وللأب السدس ، وللزوجة الثمن ، والباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين .
ولتوزيع التركة على الورثة ( حسابياً ) يتم تقسيم التركة إلى 576 جزءاً متساوياً ، ويكون للأب 96 سهماً ، وللأم 96 سهماً ، وللزوجة 72 سهماً ، ولكل واحد من الأبناء 26 سهماً ، ولكل واحدة من البنات 13 سهماً .
أي أن :
نصيب الأب : 538000 × 96 ÷ 576 = 89666.7
نصيب الأم : 538000 × 96 ÷ 576 = 89666.7
نصيب الزوجة : 538000 × 72 ÷ 576= 67250
نصيب كل واحد من الأبناء : 538000× 26 ÷ 576 = 24284.7
نصيب كل واحدة من البنات : 538000 × 13÷ 576 = 12142.4
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99965
العنوان:
ابنته ترفض الحجاب وتهدد بإيذاء نفسها
السؤال:
عمر ابنتي 14 سنة وكانت قد ارتدت الحجاب منذ سنتين والآن قامت بخلعه وهي تهددنا بإيذاء نفسها في حال أرغمناها على ارتدائه مع العلم أنني ملتزمة وأبوها كذلك وقد سلكت معها أسلوب الحوار والإقناع دون جدوى
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يهدي ابنتك ، ويصلح حالها ، ويعيذها من شر نفسها ومن نزغات الشيطان ، ولا شك أن ما ذكرت من خلعها الحجاب ورفضها له ، من البلاء الكبير الذي يبتلى به المؤمن في ولده وفي أحب الناس إليه ؛ وهو بلاء يحتاج إلى صبر ، وحسن معالجة ، نسأل الله أن يعينكما على ذلك .
ثانيا :
يجب على الأب أن يأمر ابنته بالحجاب ، وأن يلزمها به في حال بلوغها ، وأن يمنعها من الخروج من البيت بدونه ؛ لأنه مسئول عن رعيته ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم/6 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ .... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
وعلى الأب أن يشدد في ذلك ، وأن لا يتهاون فيه ، لأنه أمر بواجب ، ومنع من معصية تتكرر بتكرر الخروج .(/1)
هذا هو الأصل الذي يجب العمل به ، لكن إذا كانت البنت تهدد بإيذاء نفسها في حال إرغامها على الحجاب ، أو منعها من الخروج بدونه ، وكان هذا التهديد حقيقيا ، بحيث يغلب على الظن أنها ستؤذي نفسها أذى بالغا ، أو تفكر في الهرب من البيت وترك الأسرة ، فحينئذ يكتفي الأبوان بالأمر والتوجيه والنصح ، مع إحسان المعاملة ، والترغيب في الصالحات ، وتقوية الإيمان ، وغرس محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في قلب الفتاة ، فلعل هذا يكون دافعا لها لارتداء الحجاب .
وينبغي إحاطة الفتاة ببعض الصديقات الصالحات ، فإن أثر الصداقة قد يكون أقوى من تأثير الوالدين ، كما ينبغي الاستعانة بمن يسدي لها النصح ، من قريب أو عالم أو داعية ، فقد تكون لديها شبهة ، أو غفلة عن خطورة التبرج وإثمه ، والحال أنها ستجمع بين منكرين عظيمين : عقوق الوالدين ، وترك الحجاب .
ثم إننا نوصيكم بالدعاء لها ، واختيار أوقات الإجابة ، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99967
العنوان:
تعمل في الخياطة وتدل زبائنها على الشراء من بعض المحلات مقابل نسبة
السؤال:
أختي تعمل في محل للخياطة ، واتفقت هي والخياط مع بعض محلات بيع الأقمشة على أن يرسلوا بعض الزبائن لشراء أقمشة من محلاتهم ولهم نسبة . في البداية كانت النسبة محددة ، ثم اتفقوا على أن تكون غير محددة لكنها في نفس القيمة تقريبا ، فهل المال الذي يحصلون عليه حلال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في الدلالة على بعض محلات الأقمشة ، مقابل أجرة معلومة أو نسبة معينة مما اشتراه الزبون من هذه المحلات . وقد جوز الفقهاء أخذ الأجرة على الدلالة والسمسرة ، ولا حرج أن تكون النسبة من ثمن المبيعات .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/131) : " يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل دلالته عليها ، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (45726) .
ولا يجوز أن تكون الأجرة مجهولة ؛ حتى لا يقع نزاع بين أختك وأصحاب المحلات ؛ إذا أعطوها ما تراه دون ما تستحق ، إلا إن تبرعت أختك بالدلالة بدون أجرة ، ورأى صاحب المحل أن يكافئها على تبرعها ، فله إعطاؤها ما شاء .
ويشترط لجواز هذه المعاملة ابتداء : الالتزام بالصدق والنصح للزبائن ، فلا يجوز توجيههم إلى هذه المحلات ، مع العلم بأن نفس القماش يوجد في محل آخر بسعر أرخص ، أو يوجد ما هو أجود منه بنفس السعر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
99970
العنوان:
طلقها الثانية وانتهت عدتها
السؤال:
تزوجنا منذ 17سنة مرت زوجتي بحالة نفسية وأصيبت باكتئاب طلبت أثناءها الطلاق مرارا فحاولت علاجها كثيرا وذات مرة أقبلت على الانتحار بتناول جرعة كبيرة من العلاج فقلت لها أنت طالق ثم استاءت الحالة فراجعتها بعد 17 يوم في اليوم التالي طلبت الطلاق ما طلقتها ثم نزلت مصر لأداء امتحان الدكتوراة سعت في الحصول على رقم تليفوني من أسرتي وأرسلت رسالة عبر الجوال إذا لم تحضر ورقة الطلاق فسأموت نفسي فأرسلت لها رسالة بالجوال كذبا ولم أطلق فقط خشيت عليها أن تقدم على ما وعدت به ولم أنو الطلاق ولما رجعت إلى السعودية شعرت بمدى إصرارها في طلب الطلاق فقلت لها وأنا أدرك تماما بأن هذه هي المرة الثانية وأيضا أعلم يقينا بأن الكلمة أنت طالق أنت طالق أنت طالق بمثابة مرة واحدة كما هو في ذهني وذهن العامة والآن وبعد مضى 85 يوماً على هذه الواقعة وبتوفيق من الله وسعى الأصدقاء أريد مراجعتها علما بأنها أخبرتني بأن ثلاث حيضات قد انتهت وللعلم نعمل في نفس المكان وهى زميلتي في نفس المهنة ، وأود الحفاظ على هذا البيت وخصوصا بأن الأولاد في سن المراهقة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الطلاق بالكتابة لا يقع إلا إذا نواه الزوج ، فإذا كتب طلاق امرأته ، ولم ينو الطلاق ، فلا يقع الطلاق عند جمهور العلماء ، وهو ما اختاره الشيخان محمد بن إبراهيم ، وعبد العزيز بن باز رحمهما الله .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 72291) ، وعلى هذا ، فالرسالة التي أرسلتها عبر هاتف الجوال لا يقع بها الطلاق ؛ لأنك لم تنوه .
ثانياً :
قول الرجل لزوجته : أنت طالق أنت طالق أنت طالق ناوياً بذلك مرة واحدة ، وإنما أعاد اللفظ مثلاً للتوكيد أو لإفهام زوجته الكلام لا يقع به الطلاق إلا طلقة واحدة فقط عند الأئمة الأربعة رحمهم الله .
وانظر : الموسوعة الفقهية ( 1 / 221) .(/1)
وعلى هذا ، فقولك لامرأتك : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، وأنت تنوي مرة واحدة ، يقع به الطلاق طلقة واحدة ، فتكون هذه هي الطلقة الثانية .
وحيث إن عدتها قد انتهت فلا يمكن أن تراجعها ، ولكن لا حرج من أن تعقد عليها عقد نكاح جديد ، يشترط له ما يشترط لعقد النكاح من الرضا والشهود والولي ... إلخ .
وترجع إليك بهذا العقد على ما بقي من طلاقها ، أي : لا يبقى لك عليها إلا طلقة واحدة .
وينبغى أن تعين أهلك على التخلص من الاكتئاب بمعرفة أسبابه وعلاجه ، وبالأخذ بالأسباب التي تعين على انشراح الصدر وراحة النفس .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99976
العنوان:
يريد أن يتخصص في دعوة النصارى
السؤال:
رأيت نصارى في المغرب جاؤوا من أقصى أوروبا للتبشير. تركوا الأوطان وهجروا اللذات. مستغلين ما توصلت إليه حضارتهم المادية من الرقي والتقدم في خدمة عقيدتهم. يجوبون بذلك إفريقيا طولا وعرضا. وصدق الله : "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" وأريد التخصص في مواجهة النصارى، ودراسة النصرانية، وأرى أننا في حاجة لمثل هذا التخصص، لاسيما في بلدنا. فقد سمعت أن بعض الشباب يعلقون الصليب ويلبسون ملابس عليها الصليب. وأحتاج منكم إلى توجيهات حتى تكون دراستي للنصرانية على بصيرة. وبالجملة أود منكم أن تضعوا لي برنامجا يشمل العلم الشرعي والديانة النصرانية. و جزاكم الله خيرا
الجواب:
الحمد لله
ما ذكرته من نشاط بعض المنصرين وجلَدِهم في السفر والترحال والتضحية أمر مشاهد معلوم ، وإذا كان هذا هو حالهم ، مع أنهم يدعون إلى باطل ، ويسعون في باطل ، فكيف بالمسلم الذي منّ الله عليه بالهداية ، وأنعم عليه بالاستقامة ، وعرّفه طريق الحق والصدق ، لا شك أنه أولى الناس بالسعي والحركة والجد والاجتهاد ، وبذل الغالي والنفيس في سبيل نشر الدين ، وتعليم الناس ، وهداية الخلق ، سواء كانوا من النصارى أو من غيرهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ) رواه البخاري (3009) ومسلم (2406).(/1)
وطريق الدعوة هذا هو طريق الأنبياء والمرسلين ، لأنهم أرحم الخلق بالخلق ، وأحرص الناس على هداية الناس ، لكنه طريق يحتاج إلى زاد من العلم والصبر واليقين ، وقد أحسنت في سؤالك عن سبيل التخصص في محاجة النصارى ؛ لأن بعض الناس يخوض هذا الغمار دون استعداد ، فربما أدى ذلك إلى نفور خصمه ، أو زيادة تمسكه بباطله ، وربما أدى إلى ضعفه هو ودخول الشك عليه .
ولهذا كان على المجاهد في سبيل الله ، المنتصب لدعوة هؤلاء ومحاججتهم أن يتحلى بأمور :
1- دراسة العقيدة الصحيحة من مصادرها الموثوقة ، وعلى يد أهل العلم إن أمكن ذلك .
2- تحصيل العلم الشرعي الذي يصحح به عبادته ومعاملته ، لأن تعلم هذا من فرائض الأعيان ، وهو مقدم على واجب الدعوة للآخرين .
وقد سبق بيان المنهج الذي يسير عليه طالب العلم ، وأهم الكتب التي يحتاجها في مرحلة الطلب ، فيراجع سؤال رقم ( 14082 ) وسؤال رقم ( 20191 ) وسؤال رقم (21590)
3- العناية بالمراجع الإسلامية المتخصصة في دعوة النصارى وبيان حالهم ، وكشف شبهاتهم ، وهي مراجع كثيرة ، من أهمها : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم ، إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي ، مناظرة بين الإسلام والنصرانية ، للشيخ محمد جميل غازي ، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية لمحمد طاهر التنير ، محاضرات في النصرانية للشيخ أبو زهرة ، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ، النصرانية من التوحيد إلى التثليث للدكتور محمد أحمد الحاج ، محمد في الكتاب المقدس للبروفسور عبد الأحد داود ، دراسات في الأديان: اليهودية والنصرانية للدكتور سعود الخلف ، رسائل ومناظرات الشيخ أحمد ديدات ، كما يمكن الاستفادة من بعض المواقع المتخصصة ، ومنها :
http://www.alhakekah.com/
http://www.tawdeeh.com/
http://www.ebnmaryam.com/web/(/2)
http://www.khayma.com/nsara/
4- أن يتحلى المحاور بأدب الإنصاف ، وأن ينظر إلى مخالفه بعين الشفقة والرحمة ، فهو حريص على هدايته ، مجتهد في إيصال الحق له ، كالطبيب الحاني يعالج مريضه ، فلا يسخر ولا يستهزئ ، ولا يتعالى ولا يتكبر ، بل يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويجادل بالتي هي أحسن ، كما قال تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) العنكبوت/46
قال القرطبي في تفسيره : " فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل ، والتنبيه على حججه وآياته ، رجاء إجابتهم إلى الإيمان ، لا على طريق الإغلاط والمخاشنة " انتهى .
وكثير من النصارى حين وقف على حجج أهل الإسلام ، وعلم زيف ما كان عليه ، آمن واهتدى ، ونجح وأفلح ، وكان للأسلوب الحسن في الدعوة أثر كبير في ذلك .
ونعود ونؤكد هنا على أهمية التسلح بالعلم الشرعي ، والدراسة العميقة المتخصصة لهذا الباب ، الذي أصبح علما قائما بنفسه اليوم ، وفي بلاد الغرب ، قبل أن تخوضه ، فإنك إن خضت هذا المجال قبل التاهل له , والدارسة الكافية فيه ، عاد وبال ضعفك وعجزك على الدين الحق الذي تريد أن تنشره وتدافع عنه .
واجتهد في الاتصال بأهل الاختصاص الموثوق بدينهم وعلمهم من أهل بلدك ، ليعينوك على هذا الأمر ، ويرشدوك إلى ما تحتاجه فيه .
نسأل الله لك التوفيق والعون والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
99979
العنوان:
من استؤجر لنقل أشياء محرمة كالمعازف
السؤال:
هل يجوز للمسلم أن يعمل بشركة لنقل البيانو حيث يقوم بنقل البيانو للكفار لاغير من موضع لآخر؟ وهل يعد هذا تعاونا على الإثم أم لا؟ وماهو الحكم إذا حدث أثناء قيامه بنقل أثاث المنزل إن وجد بيانو بالمنزل. هل يجوز له أن يقوم بنقله أم لا؟ برجاء تقديم إجابات مدعومة بالأدلة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
البيانو آلة من آلات العزف ، فيشمله ما جاء من النصوص في تحريم المعازف ، وتحريم سماعها ، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (5000) ورقم (96219)
وما ثبت تحريمه ، لم يجز بيعه ولا تأجيره ولا حمله ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه ؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
وإذا كان المكلف مأمورا بإنكار هذا المنكر ، فكيف يسكت عنه ، ويحمله ، ويعين على بقائه؟!
قال الله تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة/78، 89 ، فحلّت بهم اللعنة لأجل قعودهم عن إنكار المنكر .
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (5/194) : " لا يجوز الاستئجار لنقل الخمر من بيت إلى بيت ، ولا لسائر المنافع المحرمة كالزمر والنياحة ، وكما يحرم أخذ الأجرة في هذا يحرم إعطاؤها " انتهى .
وعليه فالعمل في شركة لنقل البيانو عمل محرم ؛ لما فيه من الإعانة على المعصية ، وإقرار المنكر .
ثانيا :(/1)
من استؤجر على نقل أثاث منزل ، فوجد فيه آلة من آلات العزف – غير الدف – لم يجز له حملها ، للعلة السابقة وهي أن حملها ونقلها : إعانة على المعصية وإقرار للمنكر ، وهذا الأمر وإن بدا صعبا أعني رفض النقل لهذه الآلة ، لكن عاقبته حميدة بإذن الله ، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ومن آثر الآخرة على الدنيا ، أتته الدنيا وهي راغمة ، وربما كان موقفه هذا سببا في هداية الكافر ورغبته في التعرف على هذا الدين العظيم الذي يحمل أتباعه على ترك المال ابتغاء مرضاة الله .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
99983
العنوان:
حكم دراسة علم النفس والقانون
السؤال:
أدرس حاليا علم النفس والقانون ، وأفكر في أن أحصل على شهادتي العلمية في مجال علم النفس . فهل تجوز دراسة علم النفس والقانون والحصول على شهادة علمية فيهما ، وفى حال جواز ذلك أرجو أن تمدوني بدليل وأن تقرنوه بإجابتكم .
الجواب:
الحمد لله :
هذان العلمان (علم النفس والقانون) تدرس فيهما المسائل على خلاف الشريعة الإسلامية ؛ وهذا أمر مفهوم ومنطقي باعتبار أن القانون عند غير المسلمين يقابل الشريعة الإسلامية ، وأن علم النفس عندهم يقابل الأخلاق والزهد والرقاق والتزكية والسلوك والتربية ، وبما أن القوم لا يدينون بدين الإسلام ، أيا كانت ملتهم مذهبهم ؛ فمنطقي ـ كذلك ـ أن يصدروا في قانونهم وأخلاقهم عن غير شرع الله تعالى الذي ارتضاه لعباده ، وإنما يصدرون في ذلك عن تجاربهم أو عقولهم أو أذواقهم أو أعرافهم ؛ أو غير ذلك مما يجعلونه لهم ، ونظاما يتبعونه .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن دراسة هذين العلمين وأشباههما - كالفلسفة والاقتصاد غير الإسلامي – لا تجوز للمسلم على سبيل الإفادة ـ المطلقة ـ منها واعتقاد ما فيها من ضلال والعمل به ، واتخاذه دينا وشرعا متبعا ؛ فإن الخير كل الخير في اتباع ما جاء به النبي من الهدى والنور ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:174) ، وقال تعالى :( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)(المائدة: من الآية15) ، وقال تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (يونس:108) .(/1)
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن النظر في كتب أهل الكتاب وغيرهم ، وغضب صلى الله عليه وسلم عندما رأى في يد عمر رضي الله عنه كتابا من كتب اليهود كما جاء في مسند أحمد (14623) ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي ) [حسنه الألباني في الإرواء: 6/34] .
ويتأكد النهي عن تعلم ودراسة هذه العلوم إذا كان المسلم غير مؤهل لمعرفة ما فيها من شر ، والتمييز بينه وبين ما فيها من خير ؛ فإنه لابد إذا كان حاله كذلك أن يصيبه شيء من شرها ؛ كما هو مشاهد من كثير ممن درس هذه العلوم من المسلمين في القرنين الماضيين ، ممن سموا برواد التنوير في العالم العربي ، ففتنوا وكانوا طليعة لتنحية الشريعة عن الحكم في بلاد المسلمين ، وأحلوا مكانها القانون الروماني والفرنسي ، وحاولوا وجدوا في صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية في جميع مجالات الحياة ، ووسموا القابضين على دينهم من المسلمين بالرجعية والتخلف والجمود والأصولية والظلامية ، وأمثال هذه الألفاظ النابتة في البيئة الأوروبية.(/2)
أما إذا كان المسلم من الكفاية العقدية والعقلية ؛ بحيث لا يُخاف على مثله من الشبه والزيغ الموجود في هذه العلوم ؛ فيجوز له دراستها ، بل قد يجب على أفراد بأعيانهم متابعةُ الجديد عند غير المسلمين من نظريات وأفكار وفلسفات ، للرد عليها وتبيين ما فيها من زيغ إذا تسربت إلى بلاد المسلمين ، مستترة في أزياء الأدب والفن والثقافة ومناهج التعليم والاقتصاد والاجتماع ونظم الحكم والإدارة .
ويتأكد الأمر إذا كان بتكليف من ولي الأمر المسلم الناصح لأمته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود .
وقد بوب بذلك البخاري رحمه الله في صحيحه - (6/2631) فقال: بَاب تَرْجَمَةِ الْحُكَّامِ وَهَلْ يَجُوزُ تَرْجُمَانٌ وَاحِدٌ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ .(رواه الترمذي وصححه برقم 2639) ، وصححه الألباني : المشكاة ( 4659 ).
وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال في هذا المعنى فأجابت بالآتي :(/3)
" لا يجوز تعلم القوانين الوضعية لتطبيقها، ما دامت مخالفة لشرع الله، وتجوز دراستها وتعلمها لبيان ما فيها من دخل وانحراف عن الحق، ولبيان ما في الإسلام من العدل والاستقامة، والصلاح، وما فيه من غنى وكفاية لمصالح العباد. ولا يجوز لمسلم أن يدرس الفلسفة والقوانين الوضعية ونحوهما، إذا كان لا يقوى على تمييز حقها من باطلها خشية الفتنة والانحراف عن الصراط المستقيم، ويجوز لمن يهضمها ويقوى على فهمها بعد دراسة الكتاب والسنة؛ ليميز خبيثها من طيبها، وليحق الحق ويبطل الباطل، ما لم يشغله ذلك عما هو أوجب منه شرعا، وبهذا يُعلم أنه لا يجوز تعميم تعليم ذلك في دور العلم ومعاهده، بل يكون لمن تأهل له من الخواص؛ ليقوموا بواجبهم الإسلامي من نصرة الحق ودحض الباطل.
فتاوى اللجنة الدائمة (14 / 232- 233).
فالنصيحة للأخ الكريم أن ينظر في حاله : هل تتوفر فيه الشروط المشار إليها ؛ من العلم بالعقيدة الصحيحة والثبات عليها والتمتع بالعقل الراجح المميز بين الحق والباطل ، والقدرة على دحض الشبه والزيغ بالأدلة الصحيحة والنصح للإسلام ، فإن آنس من نفسه ذلك فليقدم على دراسة هذين العلمين ، بعد استخارة الله تعالى ، وإلا فالأولى في حقه ترك هذه الدراسة إلى شيء من العلوم المادية البحتة .
وليعلم أن من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه .
نسأل الله لك التوفيق والهداية لما ينفعك في دينك ودنياك .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100005
العنوان:
التحذير من منكرات حفلات التخرج
السؤال:
ما هو الحكم الشرعي في حفلات التخرج التي كثرت في هذه الآونة واستحوذت على اهتمام الشباب والشابات وبذلت فيها كثير من الأموال ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لاشك أن إنهاء الطالب لمرحلة الدراسة الجامعية ، وحصوله على شهادة التخرج ، أمر يشترك في الفرح به عامة الناس ، الطالب وأهله وزملاؤه ومحبوه ؛ لأن ذلك يمثل نهاية مرحلة التعب والسهر والقلق ، ويمهد للانتقال إلى مرحلة جديدة يعول فيها الطالب نفسه ، ويأكل من عمل يده ، ويجني فيها ثمرة تعبه ، ولهذا فالفرح بهذا التخرج يعد أمرا فطريا ينسجم مع طبيعة النفس الإنسانية بصفة عامة ، وإذا ارتقت هذه النفس ، وعمرت بالإيمان ، قرنت هذا الفرح بشيء آخر عظيم وهو الشعور بالنعمة ، وشكر المنعم سبحانه ، وإدراك أن الفضل بيده عز وجل ، فهو الموفق والمعين ، ولولاه ما كان الإنسان ولا نجاحه ولا اجتهاده .
ثانيا :
لا حرج في إظهار الفرح بهذه المناسبة ، ودعوة الأهل والأصدقاء ، وتهنئة الطالب بتخرجه ، كما أنه لا حرج في إقامة الجامعة لاحتفال تكرم فيه المتفوقين من هؤلاء الطلاب ، وتشجع الدارسين على الجد لبلوغ هذه المرحلة .
والأصل في هذه الاحتفالات الإباحة ، سواء أقيمت للطلاب أو الطالبات ، إذا سلمت من المنكرات والمحاذير الشرعية ، ومنها :
1- الإسراف والتبذير ، وكلاهما مذموم شرعا ، كما قال تعالى : ( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأنعام/141 .
وقال تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء/26، 27 .(/1)
ومن ذلك : جعل الدخول إلى هذه الحفلات برسوم باهظة ، مما يترتب عليه إدخال الحرج على الطالب الفقير وأهله ، الذين لا يملكون ثمن تذكرة الدخول .
2- إقامة الاحتفال في فنادق وأماكن لا يؤمن فيها اطلاع الرجال على الطالبات ، إما بالاطلاع المباشر ، أو عن طريق الكاميرات ونحوها .
ولهذا يتأكد الأمر بجعل احتفال الطالبات في أماكن مأمونة يسلمن فيها من اطلاع الرجال عليهن .
3- استئجار الفرق الموسيقية للمشاركة في الاحتفال ، أو جعل مسيرة التخرج مصحوبة بالموسيقى أو الأناشيد ذات المؤثرات الصوتية المشابهة ، وهذا منكر ظاهر ؛ لقيام الأدلة الشرعية على تحريم المعازف واستماعها ، وينظر جواب السؤال رقم (5000) .
4- استئجار المغنين والمغنيات لإحياء هذه الاحتفالات بزعمهم ، وبذل الأموال في ذلك ، والواقع أنهم يميتون القلوب ، بما يرددونه من كلمات الميوعة والخلاعة .
5- مشابهة الكفار في لباس التخرج الكنسي والقبعة الخاصة بذلك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تشبَّهَ بقوْمٍ فهُو مِنهُم ) رواه أبو داود ( 3512 ) وصححه الألباني .
6- تصوير حفلات الطالبات بالفيديو وغيره ، مما لا يؤمن معه اطلاع الرجال على هذا التصوير ولو بعد مدة .
7- حضور الطالبات بملابس متهتكة لا يليق أن تظهر بها المرأة المسلمة أمام أخواتها المسلمات .
وبعد ؛ فهذه أنواع من المنكرات الشائعة في هذه الاحتفالات ، والتي يجب الحذر منها ، والإنكار على أهلها .
ونسأل أن يحفظ شباب المسلمين وفتياتهم ، وأن يوفقهم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100009
العنوان:
فضل البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح
السؤال:
عندي أصحاب يبقون في المسجد بعد صلاة الصبح ويشتغلون بذكر الله منفردا وفي ذلك المسجد بعض الناس يقرؤون القرآن جمعا بصورة عالية. ما رأيكم في هذا الحال ؟ هل أفضل أن يكون ذكر الله من الصبح والمساء في المسجد أو في البيت ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يستحب المكوث في المسجد بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولما في ذلك من الأجر الكبير ، فقد روى مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا .
وروى مسلم أيضا (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ : قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ .
وروى الترمذي (586) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وهذا يدل على فضل الجلوس في المسجد بعد الصبح ، وفضل صلاة ركعتي الإشراق بعد طلوع الشمس وارتفاعها .(/1)
وبالجملة فبقاء الإنسان في المسجد للذكر والطاعة أو لانتظار الصلاة ، كل ذلك من الأعمال الصالحة ، والقربات النافعة ، فقد روى البخاري (445) ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ).
وعليه فقد أصاب إخوانك في بقائهم في المسجد للذكر ، ونسأل الله تعالى لهم الثواب والأجر .
ثانيا :
قراءة القرآن جماعة على صوت واحد ، ليس مشروعا ، لعدم وروده في السنة ، وإذا كان بصوت مرتفع يشوش على الذاكرين والجالسين ، كان أشد كراهة ، لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ) رواه أحمد (4928) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/112) : " ما حكم قراءة القرآن في المسجد جماعة ؟(/2)
ج : السؤال فيه إجمال ، فإذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة فهذا غير مشروع ، وأقل أحواله الكراهة ؛ لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به ، وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه أو تعلمه ، ويقرأ أحدهم وهم يستمعون ، أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتق بصوته ، ولا بموافقة مع الآخرين ، فذلك مشروع ؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم " انتهى.
وجاء فيها (4/39) : " س: هل يجوز قراءة سورة يس بالصوت المرتفع في المسجد أو لا؟
ج: لا يجوز لأحد أن يرفع صوته بقراءة القرآن في المسجد، لا بسورة يس ولا بغيرها من القرآن ، لا في الصلاة ولا في غيرها؛ لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: ( أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة ) ولأن في ذلك تشويشا وإيذاء من بعضهم لبعض " انتهى .
وينبغي نصح هؤلاء القراء ، ودعوتهم بالحسنى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100013
العنوان:
تأتيها الدورة متقطعة وتزيد وتنقص
السؤال:
يشق علي كثيرا تحديد الطهر الحقيقي ، ذلك أن حالاتى دائما شبه متجددة ، عندي إفرازات شبه ملازمة وتتغير ألوانها وأشكالها وقد يصاحبها دم ، أما في الحيض فيسيل الدم بضعة أيام وقد ينقطع ويعود مرارا وهذا من عادة حيضي لكن في الأخير يتجدد عندي الأمر فأحيانا أعرف القصة البيضاء وأحيانا لا وهكذا بين اليبوس وعدمه بين السيلان والانقطاع والطول في المدة والقصر , وقد احترت وأصبحت في حرج ولا أستطيع الخروج من الفتاوى بشيء فقل لي قولا واحدا أتبعه . 2ـ ليس لدينا أولاد ولله الحمد وقد من الله علي بمعرفة طريق الحق وأريد ملأ عمري بعبادة مولاي وحبيبي ربي وإلهي ومن أجل ذلك أطمع كثيرا في تحصيل العلم الشرعي ولطالما انتظرت هذه الفرصة – الإنترنت- فأرجو أن تدلني وتوجهني كيف أطلب ميراث الحبيب صلى الله عليه وسلم وأرجو أن تدلني على أخوات تقيات فقيهات ... أشد على أيديهن ....فإني في غربة وحيرة....مع العلم أن الوسيلة الوحيدة لدي الآن هي هذه الشبكة نفعنا الله بها 3ـ أرجوك أن تدعو لي بالثبات ولزوجي بالهداية والرجوع إلى الله فإنه بعيد عن الحق وأهله ، وكذلك أدع لوالدي وإخوتي ، أسأل الله لنا جميعا الهداية والصلاح .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الإفرازات المستمرة ، لها حكم سلس البول فعليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد خول وقتها ، ثم لا يضرك ما نزل بعد ذلك ، ولو كان ذلك أثناء الصلاة .
ثانيا :
الأصل في الدم النازل على المرأة أنه دم حيض ، والحيض قد يتقدم ويتأخر ، ويزيد وينقص ، فإذا جاء الدم فهذا هو الحيض ما لم يتجاوز خمسة عشر يوما ، وعند بعض أهل العلم ما لم يبلغ أكثر الشهر .
فإن تجاوز خمسة عشر يوماً ، كان استحاضة ، والمستحاضة كما سبق تتوضأ بعد دخول الوقت لكل صلاة .
ثالثا :(/1)
من النساء من يأتيها الحيض أياما ، ثم تطهر ، ثم يأتيها الحيض مرة أخرى ، والمقصود أن حيضها يكون متقطعاً ويتخلله طهر ، وهذا لا إشكال فيه ، فإذا طهرت من الحيض ، اغتسلت وصلت ، فإن عاد إليها الدم فهو حيض ، لا تصلي فيه ، وهكذا ما لم يتجاوز المجموع خمسة عشر يوما .
والطهر يعرف بإحدى علامتين : نزول القصة البيضاء ، أو حصول الجفاف التام ، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ، فإذا حصل الطهر فاغتسلي وصلي ، وإذا لم يحصل فأنت لا زلت في الحيض ، ولو كان الدم خفيفا أو متقطعا .
رابعا :
نهنئك بما أنعم الله عليك من الاستقامة ومعرفة طريق الحق ، ونسأله سبحانه أن يزيدك إيمانا وعلما ويقينا ، وأن يهدي زوجك ، ويصلح حاله ، ويقر أعينكم بالذرية المؤمنة الصالحة .
ولا شك أن آكد ما عليك الآن هو تحصيل العلم الشرعي الذي تحتاجين إليه لتصحيح عقيدتك وعبادتك ومعاملتك ، وهذا القدر من العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة .
وطرق تحصيل العلم كثيرة ، أهمها حضور مجالس العلم وحلقاته على يد أهله ، فإن لم يتيسر ذلك فمتابعة هذه المجالس عبر التلفاز أو الإنترنت أو الأشرطة ، وهذا مما يسره الله تعالى في هذه الأزمنة ، وإليك بعض الأمثلة والنماذج التي يمكنك الاستفادة منها :
1- متابعة قناة المجد العلمية ، والانتظام في سماع ما يلقى فيها من دروس في علوم شتى ، ومتابعة الأكاديمة العلمية على الإنترنت :
http://www.islamacademy.net/Arabic/index.asp
2- الدراسة في إحدى الجامعات التي تتاح فيها الدراسة عن بعد .
3- الاستفادة من المواقع الإسلامية ، المشتملة على البحوث والفتاوى ، كموقعنا هذا ، وموقع الشبكة الإسلامية ، وموقع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ، وغير ذلك من المواقع الإسلامية الرائدة .
4- التعرف على بعض الصالحات والاستفادة من صحبتهن ، من خلال بعض المنتديات النسائية ، كمنتدى لك :
http://www.lakii.com/(/2)
ويمكنك الوصول إلى كثير من المواقع النافعة ، عن طريق هذا الرابط :
http://www.sultan.org/a/
5- حضور المحاضرات الدعوية التي تقام في المساجد أو المراكز الإسلامية .
6- الالتحاق ببرامج تحفيظ القرآن الكريم في المساجد أو في دور التحفيظ .
إلى غير ذلك من الوسائل الكثيرة المتنوعة .
نسال الله لنا ولك التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100022
العنوان:
يقترض من البنك بشرط أن يودع عنده مالاً لمدة سنة
السؤال:
أحب شخص أن يقترض مالاً من أحد البنوك بدون فائدة لكون الفائدة تعتبر رباً ، ولكن أحد المسئولين في ذلك البنك قال له : إذا كنت تريد أن تبتعد عن الربا . بإمكانك أن تأخذ مليوناً وبعد سنة إذا كان عندك مقدرة تعطينا مليونين ، مليون حقنا ، ومليون يبقى عندنا على مدار السنة مقابل السنة التي يبقى مليوننا عندك . وبعد السنة تأخذ مليونك . هل هذا يعتبر ربا أم سليم من الربا ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا هو عين الربا ، هذا لا يجوز بكل حال ، لأن الغرض من القرض هو الإرفاق والمصلحة للمسلم ، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن القرض مرتين بمنزلة صدقة ، فإذا أقرضك البنك مليون ريال لمدة سنة وبعد مضي السنة ترد عليه المليون الذي اقترضته منه وتعطيه زيادة مليون يبقى عنده لمدة سنة في مقابل قرضه لك فهذا محرم باتفاق المسلمين ، فإن " كل قرض جر منفعة فهو ربا " ، فهو أقرضك مليون ريال واشترط أن تعطيه مليون زيادة من أجل أن يبيع فيه ويشتري فيختص بهذا الربح ، هذا الشرط جر نفعاً فهو شرط باطل باتفاق المسلمين ، فما عليك يا أخي إلا أن تعطي البنك المليون الذي اقترضه فقط من غير أن تعطيه مليون آخر ينتفع به لمدة سنة ، هذا لا يجوز باتفاق العلماء فليس للبنك إلا رد ماله فقط لأن الله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذوا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) البقرة/279 ، فليس هناك للبنك إلا رأس ماله قط .
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 185(/1)
رقم السؤال:
100024
العنوان:
زوجها مشغول بكرة القدم لعبا ومشاهدة فهل تدخل التلفاز في بيتها
السؤال:
أخت طيبة وملتزمة زوجها مبتلى بكرة القدم فيقضي وقته معظمه بين لعبها أو مشاهدتها ، وهي والحمد لله ليس عندها جهاز التلفاز في البيت ، لذا يمكث جل وقته في الخارج متعذرا بمشاهدته ، وهي ليس لها أطفال . سؤالي يا شيخ :هل لها أن تدخل هذا التلفاز والله المستعان حتى يمكث زوجها في البيت معها فهي يا شيخ تبقى لوحدها في البيت طوال وقت غيابه .
الجواب:
الحمد لله
اللعب بكرة القدم يكون مباحا ويكون حراما بحسب انضباط اللاعب بالضوابط الشرعية أو إخلاله بها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3633) ورقم (84291) ورقم (75644) .
ولا ينبغي للعاقل أن ينشغل باللعب ومشاهدته – ولو كان مما يباح – لأن الوقت رأس مال الإنسان ، ولاشك أن انشغال الزوج بذلك ، وبقاءه خارج البيت لأجله ، تقصير وتفريط ؛ إذ الوقت أنفس ما ينبغي أن يعتني به الإنسان ، فكيف يضيعه فيما لا يعود عليه بالنفع والفائدة ، وكان الأولى به أن يقوم بحق أهله ، وأن يحرص على مؤانستهم وإسعادهم .
وأما إدخال التلفاز في البيت فلا ننصح به ؛ لما له من آثار سيئة لا تخفى . وينظر السؤال رقم (3633) .
والذي يظهر أن هذا الزوج لا تنحصر مشكلته في عدم وجود التلفاز ، فهو بحاجة إلى وجود مرغِّبات كثيرة تدعوه للبقاء في بيته ، وعلى الزوجة العاقلة أن تبحث عن الوسائل التي تحبِّبُ لزوجها البقاء في بيته ، من حسن المعاملة ، والاهتمام ، والتزين ، والتفتيش عن الاهتمامات المشتركة ، ونحو ذلك .
وينبغي نصح هذه الأخت بالاستفادة من وقتها فيما ينفعها في دينها ودنياها ، كالاهتمام بحفظ القرآن الكريم ، والمشاركة في حلقات العلم ، وحضور المحاضرات ، وتعلم بعض الحرف والأعمال المنزلية ، فهذا خير لها من إدخال التلفاز الذي قد يجرها إلى ما حرم الله .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100026
العنوان:
يغرونه بالمال ليترك الإسلام ويتنصر
السؤال:
أنا شاب مسلم أعمل في مجال الدعوة الإسلامية تم اعتقالي من قبل الحكومة عندنا بحجة أني أعمل لهم إزعاجاً ، بسبب أن كل شهر يشهر إسلامه ما لا يقل عن 13 شاب أو فتاة ، وخرجت من السجن ، والآن أبي وأمي يعاملوني بمنتهى القسوة بدرجة لا يتحملها مخلوق أبدا وكل ما في الأمر أن أبي طردني من البيت ، والآن أنا أسكن في مكان يعلم الله به ، عرف بعض من الكهنة بذلك فأتوا بشقة لي لكي أسكن فيها لكنى رفضت ، الآن يعرضون علي مبلغ من المال لكي أترك الإسلام وأعتنق المسيحية لكنى رفضت ، لم يتركوني في حالي وأهلي لا يسألون فيَّ أبدا والضغوط عليَّ من كل مكان ، أريد حلاً بالله عليكم .
الجواب:
الحمد لله
يقول الله تعالى : ( ألم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3 .
ويقول تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران/142 .
وعن أبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) رواه الترمذي (2450) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فلا بد من الابتلاء والاختبار ، ولا بد من الصبر، ولا بد من بذل الثمن النفيس ، لتنال أغلى سلعة (الجنة) .(/1)
فعليك ، بالصبر والاستعانة بالله ، والتوكل عليه ، واستمر في الدعوة إلى دين الحق ، فهذا عمل الأنبياء ووظيفتهم ، فيكفيك شرفاً أن تكون من أتباعهم ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) يوسف/108 .
ولو أغروك بمال الدنيا كله ، فإنه لا يساوي شيئاً إذا ما قورن بالجنة ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى ) النساء/77 .
وقد أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أنعم أهل الأرض ، وهو من أهل النار ، أنه يؤتى به يوم القيامة فيغمس في النار غمسة واحدة ، ثم يقال له : هل مَرَّ بك نعيم قط ، فيقول : لا والله يا رب ، ما أصابني نعيم قط . رواه مسلم (2807).
ولك أن تتصور حال أنعم أهل الأرض كيف يكون نعيمه ! ومع ذلك فكل ذلك النعيم لا يعادل غمسة واحدة في النار ، بل تلك الغمسة أنسته كل النعيم السابق ، فكيف إذا كان عقابه الخلود في النار . نسأل الله العافية .
فعليك بالصبر والثبات ، وأعلنها أمام تلك الغواة ( لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك الإسلام أو الدعوة إلى الله ما تركته أبداً )
وأكثر من سؤال الله تعالى الهداية والثبات .
وعليك بإصلاح ما بينك وبين أهلك بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة .
وفقك الله لكل خير وثبّتك على الحق وصرف عنك كل سوء .(/2)
رقم السؤال:
100055
العنوان:
هل كفالة أيتام غير المسلمين جائزة ؟
السؤال:
هل يمكن كفالة الأيتام غير المسلمين ، من أمهات نصرانيات ، أو هندوسيات ، أو بوذيات ، أو غير ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
كفالة الأيتام غير المسلمين : تجوز بشرطين :
الأول : عدم تأثيرها على كفالة المسلمين .
والثاني : أن يكون أولئك الأيتام في رعاية وعناية المسلمين ، وبين أظهرهم ، فإن كانوا عند أهليهم الكفار ، أو في ديار الكفر عند مؤسساتهم ومراكزهم : لم يجز كفالتهم .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله - :
مما لا يخفى عليكم الأجر العظيم والثواب الجزيل لكافل اليتيم ، وتوجد بعض اللجان أو الهيئات الخيرية التي تُساهم مشكورة في كفالة بعض الأيتام في بعض الدول ، وقد يوجد في المجتمع مسلمون ، ونصارى ، وغيرهم ، فهل يجوز كفالة أيتام النصارى لتحقيق المصالح التالية :
1. دعوتهم للإسلام .
2. المساهمة في التأثير على ذويهم ، ومن ثم إسلامهم .
مع العلم أنه يوجد أيتام مسلمون بعضهم قد كفلوا والبعض الآخر لم يكفلوا بعد ؟ .
فأجاب :
" لا يجوز كفالة أيتام النصارى إذا كانوا في بلادهم ، وبين ظهرانيهم ؛ حيث إنهم في الغالب بعد البلوغ يكونون بين النصارى ، ويبقون على دينهم وكفرهم ، فيكون الذي كفلهم قد أعان الكُفار وتعاون معهم على بقاء الكفر وتمكنه ، بخلاف ما إذا كان أولاد النصارى قد نزحوا عن بلاد الكفر واستوطنوا بين المسلمين وانقطعت صلتهم بأهل دين النصرانية ؛ فإنهم يتربون على دين مَن نشأوا عنده ؛ وذلك لأن كل مولود يولد على الفطرة ، وإنما يتغير بسبب التربية ، ثم إذا وجد أولاد المسلمين اليتامى في بعض البلاد التي هي بحاجة إلى الدعم : فإنهم أحق بالحضانة ، والكفالة ، من أولاد النصارى ، ومن أولاد المبتدعة كالرافضة ، والصوفية ، والإباضية ، ونحوهم ، والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم " .
فتوى رقم ( 7907 ) من موقعه .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
100059
العنوان:
تقدم لخطبتها ورفض مرات فهل تستمر في الحديث معه
السؤال:
ما حكم أنني أتحدث مع شاب تقدم لخطبتي منذ 4 سنوات وأهلي يرفضونه ؟ ولكنه متمسك بي ويحاول أن يقنعهم بكل الطرق والوسائل، مع العلم أنه في المرة الأخيرة تم رفضه لأنه يشرب الكحول ، ولكن كانت هذه غلطة وندم عليها أشد الندم وتاب إلى الله توبة نصوحة ، وأنه اضطر للشرب بسبب رفض أهلي له حوالي 7 مرات حيث كانت أسباب الرفض قبل ذلك غير مقنعة .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها ، ولو كان يريد خطبتها ؛ لما يكتنف هذه العلاقات غالبا من محاذير شرعية ، كالنظر أو الخلوة أو الخضوع بالقول ، أو غير ذلك . وحسبك من هذه المحاذير تعلق القلب وانشغال الفكر برجل لا يحل لك .
وإذا كان أهلك قد رفضوه هذه المرات العدة ، فلا معنى لحديثك معه إلا وجود هذه العلاقة التي يجب أن تسارعي في إنهائها ، وتقطعي كل روافدها .
وينبغي أن تحرص المرأة على الزواج من صاحب الدين والخلق ، الذي يحفظها ويرعاها ، فإن أحبها أكرمها ، وإن كرهها لم يهنها . وإقدام هذا الشاب على شرب الكحول دليل على قلة دينه ، وضعف إيمانه ، والظاهر أن أهلك لمسوا منه ذلك ، ورأوا فيه ما عجزت أنت عن رؤيته ، لتعلق قلبك به ، أو ضعف تقديرك للأمور ، وهذا كله من حكم اشتراط الولي لنكاح المرأة .
ونصيحتنا لك أن تنشغلي بما ينفعك ، وأن تهتمي بصلاح نفسك ، والواجب عليك أن تتوقفي عن الحديث مع هذا الرجل ، وتقطعي علاقتك به تماما ، ما دام أهلك لم يقبلوا بزواجه منك . ومن الأمور التي تعينك على التخلص من هذه العلاقة :
1- استجلاب محبة الله تعالى بأسبابها ، كالتفكر في آلائه ونعمه ، والانشغال بطاعته ، وهذا سيشغلك عن محبة غيره .
2- الحرص على الابتعاد عن اللقاء بهذا الشاب والجلوس معه والنظر إليه .(/1)
3- التخلص من التفكير فيه ، بإشغال النفس بالتفكير في الأمور المفيدة في الدين والدنيا .
4- اللجوء إلى الله تعالى ، والإكثار من دعائه ، فإنه سبحانه يجيب من يدعوه وهو صادقٌ في دعائه ، ولو قلتِ : اللهم طهّر قلبي أو قلتِ يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على طاعتك ، أو قلت اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك ، أو قلت اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، أو قلت : " اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، لا إله إلا أنت ، رب كل شيء ومليكه ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره على مسلم " ، فكلّ ذلك حسن طيب مما ورد في الأدعية النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع سؤال الله تعالى الزوج الصالح والذرية الصالحة .
5- أن تشغلي نفسك دائما بالنافع من العلم والعمل ، ولا تتركي في قلبك ولا حياتك فراغا يتمكن الشيطان من ملئه بمثل هذه الأفكار ، فهكذا شأن نفس الإنسان : إن لم يشغلها بالحق ، شغلته بالباطل .
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك ، وأن يقيك شر نفسك ، وأن يجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100090
العنوان:
استئجار خدمة توصيل الإنترنت شهريا مع استعمالها ساعات فقط
السؤال:
بالنسبة لخدمة الاتصال السريع بالإنترنت فإن شركة الاتصالات تأخذ أجرة شهرية على هذه الخدمة سواء قام العميل بتشغيل الإنترنت ساعة واحدة أو طوال الشهر بلا انقطاع ، فهل هذا جائز ؟ أم يجب أن تكون الأجرة على حسب الوقت الذي يستفيد منه العميل في هذه الخدمة؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في الاشتراك في خدمة الاتصال السريع بالإنترنتDSL مقابل رسم شهري ثابت ، سواء دخلتَ الإنترنت طوال ساعات اليوم أو ساعة منه أو لم تدخل أصلا ؛ لأنه عقد إجارة على استعمال الخدمة لمدة شهر ، ولا يشترط استيفاء المستأجر للمنفعة ، بل يكفي أن يمكّن من ذلك ، وتلزمه حينئذ الأجرة ، ولو لم يستعملها أصلا ، كمن استأجر داراً ، إذا مُكّن من السكنى فيها ، ولم يسكن ، ومن استأجر سيارة ولم يستعملها ، وهكذا .
قال في "منار السبيل" (1/294) في بيان ما تستقر به الأجرة : " وبانتهاء المدة إذا كانت الإجارة على مدة وسُلّمت إليه العين بلا مانع ولو لم ينتفع ".
وقال : " إذا مضى مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ولم تستوف ، كما لو استأجر دابة ليركبها إلى موضع معين ذهابا وإيابا بكذا ، وسلّمها له ، ومضى ما يمكن ذهابه ورجوعه فيه على العادة ولم يفعل استقرت عليه الأجرة " انتهى .
لكن هذه المسألة ينظر إليها من جانب آخر ، وهو أن الإنسان مأمور بحفظ ماله ، ومنهي عن إضاعته ، فإذا لم يكن لديك حاجة لدخول الإنترنت فترات طويلة ، وكان الأوفر لك استعمال الخدمات الأخرى التي تبنى فيها التكلفة على قدر مدة الاستخدام ، فهذا هو الأولى والأفضل ، ولو كان بسرعة أقل .
وأيضا فهناك من يغريه وجود خدمة الـDSL بدخول الإنترنت فترات طويلة ، مع عدم الحاجة لذلك ، وهذا ضياع للمال ولما هو أعظم منه وهو الوقت ، فينبغي الحذر من ذلك .(/1)
وفي الحديث الذي رواه الترمذي (2417) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100098
العنوان:
اشتراط دفع مبلغ للصيانة عند استلام الشقة المشتراة بالتقسيط
السؤال:
أريد أن أشتري منزلا من شركة بنظام التقسيط وتشترط هذه الشركة دفع مبلغ معين عند الاستلام تضعه الشركة كوديعة في البنك ومن أرباحه تنفق الشركة على صيانة الموقع كاملا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في شراء الشقق وغيرها من السلع بالتقسيط ، ولو كانت بثمن أعلى من ثمن البيع نقداً.
ثانيا :
اشتراك أصحاب الشقق في الصيانة العامة لمنازلهم ومرافقها ، بحيث يدفع كل منهم مبلغا لهذا الغرض المشترك ، لا حرج فيه ، وهو من تحقيق النفع العام والمصلحة المشتركة .
ثالثاً :
دفع هذا المبلغ المخصص للصيانة له صورتان :
الأولى :
أن يكون دور الشركة هو الإشراف عليه فقط ، فهي بمثابة الوكيل عن أصحاب الشقق ، والمال يبقى ملكاً لمجموع الملاك ، أصله وربحه ، وينفق منه على الصيانة ، وهذا لا حرج فيه ، إذ هو من باب التأمين التعاوني .
وإذا استثمر المال وجب أن يكون بطرق مشروعة ، ولا يجوز أن يستثمر في البنوك الربوية.
الثانية :
أن تتملك الشركة المال ، وتقوم على الصيانة ، وهذا لا يجوز ، لأنه من قبيل التأمين المحرّم لقيامه على الغرر والمخاطرة ، إذ قد تكون تكلفة الصيانة أقل من ذلك أو أكثر ، واستثماره في الربا محرم على كل حال .
ولهذا ينبغي أن تؤخذ هذه المبالغ وتجعل فيما يمكن تسميته صندوق الصيانة ، يشرف عليه بعض الملاك أو الشركة ، وينفق منه على الصيانة ، ولا مانع من استثمار الفائض منه في مشاريع مباحة ، ويوزع ربحه على الملاك أو يضاف إلى الصندوق .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100100
العنوان:
حديث طويل مكذوب في سياق قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
أفيدونا عن صحة الحديث المروي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" عن جابر في قوله : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ) قال : لما نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل نفسي قد نعيت " . قال جبريل عليه السلام : ( وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بـ ( الصلاة جامعة ) ، فاجتمع المهاجرون والأنصار ، ثم صلى بهم عليه الصلاة والسلام ، ثم صعد المنبر ، فحمد الله عز وجل ، وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب ، وبكت منها العيون ، ثم قال : أيها الناس ! أي نبي كنت لكم ؟ قالوا : جزاك الله من نبي خيراً ، كنت لنا كالأب الرحيم ، وكالأخ الناصح الشفيق ، أديت رسالات الله عز وجل ، وأبلغتنا وحيه ، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبياً عن أمته ..... ، فذكر الحديث بطوله ) .
الجواب:
الحمد لله
هذا الحديث الطويل يرويه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (3/58) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/74) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/295)
قال : حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه : عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما به .
قال الهيثمي بعد إيراده هذا الحديث (8/605) :
" رواه الطبراني ، وفيه عبد المنعم بن إدريس : وهو كذاب وضاع " انتهى .
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/301) :
" هذا حديث موضوع محال ، كافأ الله من وضعه ، وقبَّح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد ، والكلام الذى لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة .(/1)
والمتهم به عبد المنعم بن إدريس : قال أحمد بن حنبل : كان يكذب على وهب . وقال يحيى : كذاب خبيث . وقال ابن المدينى وأبو داود : ليس بثقة . وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به . وقال الدارقطني : هو وأبوه متروكان ." انتهى .
وكذا ذكره في الموضوعات السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/257) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/330) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (324)
وقد احتوى هذا الحديث المكذوب جملا من الأمور :
1- فيه ذكر قصة وفاته صلى الله عليه وسلم واستئذان ملك الموت عليه ، وذكر تفاصيل غير ثابتة في تلك الحادثة العظيمة ، ومن المعلوم لدى أهل العلم أن قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر المواضيع التي كذب فيها الكذابون ، وتناقل الناس فيها أشياء لا تثبت .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) :
" وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة ، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ، ونكارة متونها ، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم ، فكثير منه موضوع لا محالة ، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده ، والله أعلم " انتهى .
ولم يصح في استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم لقبض روحه أي حديث وأي خبر ، وكل ما ورد في ذلك إما منكر أو موضوع ، وانظر جواب السؤال رقم (71400)
2- أما قصة طلب عكاشة القصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء ما يشبهها من طريق صحيح ؛ لكن فيها أن الذي طلب القصاص هو أسيد بن حضير رضي الله عنه ، فقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ :(/2)
( بَيْنَمَا هُوَ – يعني أسيد بن حضير - يُحَدِّثُ الْقَوْمَ - وَكَانَ فِيهِ مِزَاحٌ - بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ . فَقَالَ : أَصْبِرْنِي . فَقَالَ : اصْطَبِرْ . قَالَ : إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ . فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَمِيصِهِ ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ )
رواه أبو داود (5224) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/102) ، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/205) والحاكم في "المستدرك" (3/327) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/76) .
وهذا الحديث سنده صحيح ، صححه الحاكم وكذا الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
جاء في "عون المعبود" (14/90) :
" ( فطعنه النبي صلى الله عليه و سلم ) أي ضربه على سبيل المزاح ( فقال ) أي أسيد ( أصبرني ) أي : أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في خاصرتي . ( اصطبر ) أي : استوف القصاص .
( فاحتضنه ) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح .
( وجعل يقبل كشحه ) هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب .
( قال إنما أردت هذا ) أي : ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل ، وما أردت حقيقة القصاص " انتهى .
3- وفي الحديث جمل منكرة شنيعة :
منها : ( فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه ) وهل يصلي الله على الناس صلاة الجنازة ؟! هذا من شنيع كذب الوضاعين .
ومنها قوله : ( فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوه . فلما بلغ الروح السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم : واكرباه . فلما بلغ الروح إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ! ما أشد مرارة الموت )(/3)
ووجه النكارة أن فيه إشعارا بتسخط النبي صلى الله عليه وسلم وجزعه عند الموت ، وحاشاه من ذلك .
ومنها قوله : ( فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام ، وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام ) ولا يعرف أن الملائكة تؤم المسلمين وتصلي بهم ، إنما هذا من منكر ما يرويه الرواة المتهمون .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100102
العنوان:
هل يقضى دين الميت من الزكاة
السؤال:
توفي شخص وعليه دين ، ولم يترك مالاً يسدد هذا الدين ؛ فهل يجوز قضاء دينه من الزكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا شك أن قضاء الدين عن الميت أمر مشروع ، وفيه إحسان إلى الميت .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام إذا أُتِي بالميت ليصلي عليه ؛ سأل : هل عليه دين ؟ فإن أُخبر أن عليه دينًا ، لم يُصِلِّ عليه ، وقال لأصحابه : ( صلوا على صاحبكم ) رواه البخاري (2295) .
فلما وسع الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، صار يتحمل الدين عن الميت الذي ليس له وفاء ، ويصلي عليه ، فقد جاء في البخاري (2297) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ) ، فدل هذا على مشروعية قضاء الدين عن الميت .
ثانياً :
اختلف العلماء في جواز قضاء دين الميت من الزكاة ، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقضى دين الميت من الزكاة ، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وانظر "مجموع الفتاوى" (25/80) .
وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يقضى دين الميت من الزكاة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/281) : " قَالَ الإمام أَحْمَدَ لا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَلَا يُقْضَى مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْمَيِّتِ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْغَارِمَ هُوَ الْمَيِّتُ وَلَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ إلَيْهِ , وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَرِيمِهِ صَارَ الدَّفْعُ إلَى الْغَرِيمِ لَا إلَى الْغَارِمِ " انتهى .(/1)
وقال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (2/320) : " الأصح الأشهر أنه لا يقضى دين الميت من سهم الغارمين " انتهى بتصرف .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : شخص توفي وعليه دين ، وليس وراءه من يستطيع سداده ، فهل يجوز أن يسدد هذا الدين من الزكاة ؟
فأجاب : " لا يجوز أن يسدد دين الميت من الزكاة، ولكن إذا كان قد أخذه بنية الوفاء فإن الله يؤديه عنه " انتهى ."مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/377) .
وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/236) : " لا يقضى دين الميت من الزكاة لأمور ثلاثة :
أولاً : أن الظاهر من إعطاء الغارم أن يزال عنه ذل الدين .
ثانياً : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يقضي ديون الأموات من الزكاة ، فكان يؤتى بالميت وعليه دين فيسأل صلّى الله عليه وسلّم هل ترك وفاء ؟ فإن لم يترك لم يصل عليه وإن قالوا : له وفاء ، صلى عليه ، فلما فتح الله عليه وكثر عنده المال صار يقضي الدين بما فتح الله عليه عن الأموات ، ولو كان قضاء الدين عن الميت من الزكاة جائزاً لفعله صلّى الله عليه وسلّم .
ثالثاً : أنه لو فتح هذا الباب لعطل قضاء ديون كثير من الأحياء ؛ لأن العادة أن الناس يعطفون على الميت أكثر مما يعطفون على الحي ، والأحياء أحق بالوفاء من الأموات " انتهى بتصرف.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100103
العنوان:
يستثمر أموال غيره ويتحمل نصف الخسارة
السؤال:
مستثمر في أموال الغير - هل يجوز له في حال الربح أن يعطي 80% من الربح ويحتفظ بالباقي كأتعاب وفي حال الخسارة توزع 50% لكلا الطرفين ؟ في حال عدم الجواز, ما هي الصيغة الشرعية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
المستثمر لأموال الآخرين ، إما أن يشارك بعمله فقط ، ويكون المال كله من غيره ، وإما أن يشارك بماله وعمله ، فالأول يسمى عامل مضاربة ، وربحه يكون بحسب ما اتفق عليه مع أصحاب المال ، فيجوز أن يكون 20% أو أكثر أو أقل ، ويجب أن تحدد هذه النسبة في عقد المضاربة .
وأما الخسارة ، فلا يتحمل منها شيئا ، وتكون الخسارة كلها على صاحب رأس المال ، ويخسر العامل عمله وجهده ، إلا إذا حصلت الخسارة بسبب تقصير أو اعتداء من العامل ، فإنه يتحملها حينئذ .
وإذا اشتُرط في المضاربة أن الخسارة أو جزءا منها – ك 50% - يتحملها العامل ، فالشرط باطل ، والعقد مختلف فيه ، هل يصح أو يفسد .
ثانيا :
وأما إن كنت مشاركا بمالك وعملك ، فإن الربح يكون حسب الاتفاق ، كما سبق .
وأما الخسارة فتكون بنسبة رأس المال ، فإذا كان لك عشر المال مثلا ، فإنك تحمل عشر الخسارة ، وإذا كان لك نصف المال ، فإنك تتحمل نصف الخسارة وهكذا .
ومن كلام أهل العلم في كون العامل في المضاربة لا يتحمل الخسارة في المال ، وأن الشركاء في المال يخسرون على قدر أنصبتهم :
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " الخسران في الشركة على كل واحد منهما ( يعني : الشريكين ) بقدر ماله , فإن كان مالهما متساويا في القدر , فالخسران بينهما نصفين , وإن كان أثلاثا , فالوضيعة ( الخسارة ) أثلاثا . لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم . وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي وغيرهما ...(/1)
والوضيعة في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى .
وقال أيضا : " متى شرط على المضارب ( العامل ) ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة ( يعني : جزءً من الخسارة ) , فالشرط باطل . لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح . نص عليه أحمد . وهو قول أبي حنيفة , ومالك .
وروي عن أحمد أن العقد يفسد به . وحكي ذلك عن الشافعي ; لأنه شرط فاسد , فأفسد المضاربة , والمذهب الأول " انتهى من "المغني" (5/40).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100105
العنوان:
التبرك بماء قيل إنه فيه شعرة للنبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
لقد حضرت محاضرة في الأردن و قد كان الموضوع عن المسجد الأقصى و نصرة الدين و قد كانت المحاضِرة قد أحضرت لنا ماء مغموس بشعرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم , وهذه الشعرة موجودة في مسجد الجزار في عكا في فلسطين.وقد وضع الماء داخل قارورة ثم خلطوها بخزان الماء حتى يستفيد منه أكبر عدد من النسوة و قد أخذت الماء مثلهن ..والسؤال هل يجوز التبرك بهذا الماء بهدف الشفاء وأخذ البركة أفتونا جزاك الله كل خير مع العلم أن الماء ما زال عندي ولم أستخدمه بعد.
الجواب:
الحمد لله
اتفق العلماء على جواز التبرك بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم ، من شعر وعرق وغيره ؛ لقيام الأدلة على ذلك ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَقَالَ احْلِقْ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ ) رواه مسلم (1305).
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ ، فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ . قَالَ [القائل هو ثمامة بن عبد الله بن أنس] : فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ قَالَ فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ . رواه البخاري (6281)
والنطع : بساط من جلد .(/1)
والسُّك : نوع من الطيب يركب من المسك وغيره.
فهذا وغيره يدل على أن ذات الرسول صلى الله عليه وسلم وما انفصل عنها من شعر وعرق ونحوه قد جعل الله فيه من البركة ما يتبرك بها ويرجى بسببها الفائدة في الدنيا والآخرة ، والواهب لهذا الخير هو الله تبارك وتعالى.
لكن الزعم الآن بأن هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أو آثاره ، زعم لا يسنده دليل . وعامة ما يقال في هذا الباب هو نوع من الدجل والخرافة ، كقولهم : إن هذه شعرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها إذا وضعت تحت الشمس لم يكن لها ظل !! ومثل هذا الكلام لا ينبغي أن يلتفت إليه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله : " ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات ، قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين " التوسل ص 147
وعليه فلا يجوز التبرك بالماء المسئول عنه ، حتى يعلم جزما أن ما وضع فيه هو من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل لإثبات ذلك . وينبغي الحذر من أهل الدجل والخرافة ، ومروجي البدع ، كما ينبغي تلقي العلم والدعوة على يد المعروفين بالسنة الذابين عنها والناشرين لها ، وليتأمل العاقل كيف يتحول الحديث عن نصرة الدين إلى تعليق الناس بالأمور غير الثابتة ! وكان الأجدى بالمحاضِرة أن تدعو الناس إلى تعلم السنة والتمسك بها ؛ لأن ذلك من أسباب النصر .
رزقنا الله وإياكم حسن الاتباع .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100107
العنوان:
لديه خصية واحدة فهل يلزمه إخبار من سيتزوجها
السؤال:
يوجد صديق تقدم للزواج ولكن يوجد عنده عيب خلقي إذ يوجد عنده خصية واحدة وهناك احتمال للقدرة على الإنجاب ولا يعرف هذه القدرة إلا الله فما الحل ؟ هل يقبل على الزواج بدون إخبار زوجته ويترك هذا الشيء لله أم ما هو الحل ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا العيب يؤثر على قدرته على الجماع أو الإنجاب ، وجب عليه أن يبين ذلك لمن يخطبها ؛ لأن من مقاصد النكاح : الاستمتاع ، وحصول الولد ، فإذا كان هذا العيب يفوت مقصود الزوجة ، وكتمه عنها ، فهو غش وخداع لها .
وقد سبق في جواب السؤال (43496) أن كل عيب يوجد في أحد الزوجين يوجب نفرة الآخر منه ، أو يفوت المقصود من النكاح ، فإنه يثبت للطرف الثاني حق فسخ عقد النكاح ، ومن ذلك : الخصاء ، وعقم أحد الزوجين .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/143) : " قال أبو حفص : والخصاء عيب يرد به . وهو أحد قولي الشافعي ؛ لأن فيه نقصا وعارا , ويمنع الوطء أو يضعفه . وقد روى أبو عبيد , بإسناده عن سليمان بن يسار , أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي , فقال له عمر : أعلمتها ؟ قال : لا . قال : أعلمها , ثم خيرها " انتهى .
وبناء على ذلك نقول : ينبغي لصديقك أن يعرض أمره على طبيب مختص ، فإن ثبت أن هذا العيب يمكن أن يؤثر على الإنجاب أو الوطء ، فإن عليه أن يخبر من يريد الزواج منها ، فإن قبلت بذلك ، فلا حرج عليه في نكاحها ، وإن كتم ذلك ولم يبينه كان غاشا ، وكان لزوجته الخيار في الفسخ إن تبين عدم إنجابه أو عجزه عن الوطء .
وإن ثبت أنه لا يؤثر على الإنجاب والوطء ، فهذا لا يعد عيبا ، ولا يلزمه أن يخبر به .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100112
العنوان:
إذا انتهت مدة المسح أو نزع الخف الأعلى هل تنتقض الطهارة
السؤال:
لو تذكرت وأنا في الصلاة أن مدة المسح على الخف انقضت ماذا أفعل هل أخرج من الصلاة وهل لو لبست الجورب تحت الخف على طهارة ثم خلعت الخف وبقيت بالجورب فهل ينقض وضوئي أم أصبح على طهارة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا انقضت مدة المسح على الخفين ، وكنت على طهارة ، لم تنتقض طهارتك على القول الراجح ، الذي اختاره جمع من أهل العلم ، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله ؛ لعدم الدليل على النقض ، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث . وانظر السؤال رقم (69829) .
وعليه ، فإذا انقضت المدة وأنت في الصلاة ، فاستمر في صلاتك ، وصل ما شئت حتى ينتقض وضوؤك .
ثانيا :
إذا خلع الإنسان الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم ، وذلك لأن الرجل إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي ، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي لا يمكن نقضها إلا بدليل شرعي ، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء ، وعلى هذا فيكون وضوءه باقياً ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم. وينظر : " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية " ( 21 / 179 ، 215 ) ، ومجموع " فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " ( 11 / 179 ) .
وإنما يترتب على نزع الخف انتهاء المسح ، أي ليس له أن يلبسه مرة أخرى ويمسح عليه إلا بعد طهارة كاملة يغسل فيها رجليه .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100145
العنوان:
رفع السبابة عند التهليل بعد الصلاة
السؤال:
هل رفع السبابة عند التهليل عند الانتهاء من التسبيح والحمد والتكبير ثابت ؟
الجواب:
الحمد لله
التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل دبر الصلوات ، سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ، وفيها ثواب عظيم وأجر كبير ، ومما جاء في ذلك ما رواه مسلم (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ).
وأما رفع السبابة عند التهليل في هذا الموضع ، فلم نقف على ثبوته في شيء من السنة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100147
العنوان:
هل "مجهولو النسب" لهم حكم الأيتام؟
السؤال:
هل يدخل الطفل مجهول الأب في مسمى اليتيم ؟ وإن دخل فهل تمكن كفالته كعبادة ؟ سبب السؤال هو أنه عندنا في السجون مجموعة من النساء ومعهن أطفال دخلوا معهن ، والظاهر أنهم من علاقات غير مشروعة ، لذا يسمونهم مجهولو الأب ، ولنا رغبة في أن نقدم برنامجاً لكفالة الأيتام داخل السجون ، ثم صادفتنا هذه المشكلة ، فما هو التحليل والتفصيل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
اليُتم هو فقد الأب قبل البلوغ .
والإحسان إلى اليتيم وكفالته والعناية به من شعب الإيمان ، قال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) البقرة/ 177 ، وكفالة اليتيم من أسباب دخول العبد الجنة ، بل والقرب من النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جاء عَنْ سَهْل بنِ سَعْد رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا - ) رواه البخاري ( 4998 ) .(/1)
وكفالة اليتيم من أعظم الطاعات والأعمال التي فيها صلاح المجتمعات ، ولذا لم تكن كفالة اليتيم القيام على مصالحه الدنيوية من طعام وشراب وكساء فقط ، بل وكذا القيام على مصالحه الدينية في التوجيه والتربية والتعليم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه ؛ بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم ، وما أشبه ذلك ، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن " انتهى .
" شرح رياض الصالحين " ( 5 / 113 ) .
وانظر تفصيلاً أوفى في أجوبة الأسئلة : ( 47190 ) و ( 5201 ) و ( 47061 ) .
ومجهولو النسب لهم أحكام اليتامى ، بل هم أولى بالعناية لعدم وجود أحد من والديهم وأهلهم ، واليتيم قد تكون أمه بجانبه ، وقد يزوره خاله وعمه وخالته وعمته ، أما مجهول النسب : فإنه منقطع عن كل أحد ، ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب .
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
نظراً لتقدم كثير من الأسَر لمكتبنا بطلب احتضان الأطفال من دار الحضانة الاجتماعية بالدمام ، وعند تعريفهم بوضعهم الاجتماعي ( بأنهم مجهولو النسب ) يتردد الكثير منهم خوفاً من أنهم لا ينطبق عليهم الأجر المترتب على تربية اليتيم الذي حث عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، عليه نرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح نظرة الإسلام لهذه الفئة مع إفادتنا بفتوى شرعية تبين الأجر المترتب على تربيتهم لنشر هذه الفتوى بين الناس حتى يقبلوا على احتضانهم واحتوائهم وإحاطتهم بالانتماء الأسري المفقود عندهم .
فأجابوا :(/2)
مجهولو النسب في حكم اليتيم ؛ لفقدهم لوالديهم ، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب ؛ لعدم معرفة قريب لهم يلجئون إليه عند الضرورة ، وعلى ذلك : فإن من يكفل طفلا من مجهولي النسب : فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ) ، لكن يجب على مَن كفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه ، أو يضيفهم معه في بطاقة العائلة ؛ لما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب والحقوق ، ولارتكاب ما حرَّم الله ، وأن يعرف من يكفلهم أنهم بعد أن يبلغوا سن الرشد فإنهم أجانب منه كبقية الناس ، لا يحل الخلوة بهم أو نظر المرأة للرجل أو الرجل للمرأة منهم ، إلا إن وجد رضاع محرم للمكفول ، فإنه يكون محرماً لمن أرضعته ولبناتها وأخواتها ونحو ذلك مما يحرم بالنسب .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 255 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
100148
العنوان:
مسلمة تحب رجلاً نصرانياً وتريد الزواج به
السؤال:
أنا فتاة مسلمة أبلغ من العمر 20 سنة وأحب رجلاً أجنبياً مسيحياً لا يتكلم العربية.. هل يجوز أن أتزوج من رجل مسيحي إذا أمنت على ديني وكنت واثقة من أن ذلك لن يؤثر على إسلامي؟ وإذا كان الجواب بالنفي كيف لي أن أدعوه إلى الإسلام وهل لديكم جمعيات للدعوة إلى الإسلام لكي أخبره بأن ينضم إليكم؟
الجواب:
الحمد لله
أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من كافر ، يهودي أو نصراني أو غيره ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) البقرة/221.
وقال تعالى : ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) الممتحنة/10.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم , ولا يتزوج الكافر المسلمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/130).
ولأن ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ) كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه الدارقطني وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2778)
وللرجل سيادةً على المرأة ، ولا يجوز أن يكون للكافر سيادةٌ على المسلمة ، لأنّ الإسلام دين الحق وكلّ ما سواه من الأديان باطل
والمرأة المسلمة إذا تزوجت من كافر وهي عالمة بالحكم فهي زانية ، وعقوبتها حدُّ الزنا ، وإن كانت جاهلة فهي معذورة ويجب التفريق بينهما من غير حاجةٍ إلى طلاق ، لأن النكاح باطل .(/1)
وعلى هذا فيجب على المسلمة التي أكرمها الله بالإسلام وعلى وليِّها الحذر من ذلك وقوفاً عند حدود الله واعتزازاً بالإسلام ، قال الله تعالى : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) .
وننصح هذه المرأة أن تقطع علاقتها بهذا النصراني ، فلا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23349)
فإذا اختار الإسلام بطوعه ورغبته فلا حرج عليها من الزواج به ، إذا وافق وليّها على ذلك .
على أننا ننصحها بما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تختار لنفسها صاحب الدين والخلق .
نسأل الله تعالى أن يصلح أمرها ويلمهما رشدها .
وينظر للأهمية جواب السؤال رقم (83736)(/2)
رقم السؤال:
100149
العنوان:
متحجبة ! دخلت جامعة مختلطة وتصادق الشباب وتفعل الزنا على الهاتف !
السؤال:
يا ليت يكون لك معي صبر وافر لسماع حكايتي ، وأن تنصحني بما فيه خير لي ، وسوف أكون إن شاء لله مطيعة لنصائحك . قصتي لا أعرف كيف أبدأها ولكنها كالآتي : أنا متحجبة ، وألبس الجلباب ، وأصادق في الجامعة بنات في مثل تديني ، بل أكثر مني ، ولكن لا أعرف ما الذي يحدث لي بين الفترة والأخرى ، بل وأحيانا لا أمتّ لديني بأي صلة ، فأُصبح أتكلم مع الشباب في أمور غير لائقة ، ونمارس أفعالاً غير محتشمة ، وذلك بمجرد بُعد صديقاتي عنِّي ، وأحياناً يصل الأمر إلى الزنا ! والقصد هنا زنا عن طريق الهاتف ! إذ لم يمسسني أي شخص مباشرة ، وصدقني عندما ينتهي الأمر أكره نفسي ، وأكره ما فعلت ، وأتذكر الباري عز وجل الذي يراني ، ويسمعني ، وأقول في نفسي إن هذه المرة هي آخر مرة ، وإني سوف أتوب للباري ، وتمر الأيام وأنا تائبة ونادمة ، ولكن سرعان ما أعود لنفس القصة ، وعندما تنتهي أندم مرة أخرى ، وهكذا ، والمشكلة في الأمر : لا أعرف لمن أشتكي ، ومن ينصحني ، لا أعرف إذا كان هذا مرضاً أو انفصاماً في الشخصية ، أو حتى هل بإمكاني أن أرجع مثل الأول ، وأعود لحياتي الطبيعية ، علماً بأن هذه المسألة بدأت معي منذ دخولي إلى الجامعة ، وما مراسلتي لك إلا لأنني أريد فعلا أن أتبدل ، وأغير نمط حياتي ، فهل لي من عطفك وإرشادك لي على الطريق الصحيح ، وأن أبدأ حياتي نظيفة تائبة ، حياة لا رجوع فيها إلى الوراء ؟ أتمنى أن ترشدني إلى ما هو صحيح برأيك .
الجواب:
الحمد لله(/1)
آلمتنا رسالتك أشد الألم ، وأصابنا الغم والهم بسببها ، وإننا لفي عجبٍ من كل من يرضى على عرضه أن يكون بين ذئابٍ بشرية ، وكم نادينا بما نادت به الشريعة الغراء من ضرورة الفصل بين النساء والرجال ، وكم بَيَّنا تحريم الاختلاط بين الجنسين ، وكم نبهنا على أن الشريعة لم تأذن للمرأة أن تؤذن ولا أن تؤم وتخطب الجمعة ، ورغبت في صلاتها في بيتها ، وحرَّمت على المرأة أن تسافر من غير محرَم ، ومن أن تخلو برجل أجنبي عنها ، ومن أن تخضع بالقول وتلين فيه ، أو تصافح الرجال الأجانب عنها أو تمازحهم ، وكل ذلك – وغيره - من أجل الحفاظ على الأعراض ، ومن أجل سلامة القلوب من الفتنة .
وها هم المسلمون وللأسف – إلا من رحم الله – يفرطون في تلك الأوامر ، ويرتكبون تلك النواهي ، حرصاً منهم على مشابهة الغرب في تصرفاتهم ، أو حرصاً على تحصيل شهادة ، ولو دُفع مقابلها أغلى الأثمان ، وهو العِرض ! نعم ، العِرض هو الثمن في حالات كثيرة ، ونحن نتلقى مئات الرسائل والاتصالات والحالات لشباب وشابات على الطاعة والاستقامة سرعان ما يذوب أحدهم في مجتمعه المختلط ، ويتأثر بالبيئة الفاسدة التي حوله ، فينسى استقامته ، ويتخلى عن طاعته ، ويبيعها بثمن بخسٍ ، إرضاءً لشهوته البهيمية الزائلة .(/2)
وانظري لنفسكِ أيتها السائلة ، أين تدينكِ ؟ أين استقامتك وطاعتك لربك ؟ وضعتِ على رأسك حجاباً استجابة لأمرِ الله وفرَّطتِ في عرضك تسلمينه للذئاب تنهش به ؟! وهل الزنا على الهاتف هو نهاية المطاف وآخر الأمر ؟! لا ، ولن تزال الشهوة تلتهب وتحرق قلبك وبدنك حتى تطفئيها بما هو أشد إثماً وفحشاً وسوءً ! كيف رضيتِ لنفسك وأنت على هذه الحال من التدين والحجاب أن تكلمي أجانب عنك بكلمات غير لائقة ؟! وأين أنتِ عن رقابة الله تعالى لك وسماعه وإبصاره لك وأنت تمارسين الزنا على الهاتف ؟! ماذا لو رآكِ أهلك وأنت تفعلين هذا ؟ وماذا لو قبض الله تعالى روحك وأنت تفعلين هذا فكانت هذه خاتمة حياتك ؟ هل تضمنين الحياة بعد تلك الأفعال المشينة ؟ وهل تضمنين التوفيق للتوبة بعدها ؟! .
وإذا كنتِ تتوقعين منا حلاًّ لمشكلتك ينهيها لك : فليس عندنا حل إلا في الاستجابة لأوامر الله تعالى ، والكف عن نواهيه ، ليس عندنا حل لك إلا بخروجك من الجامعة فوراً ودون تردد أو تأخر والانتقال إلى جامعة أخرى ليس فيها اختلاط محرم ، فهذه بيئة موبوءة ، وقعتِ بسببها في معاصٍ وارتكبتِ فيها آثاماً ، فكيف تكون النجاة من غضب الله وسخطه ؟ لا نجاة إلا بترك البيئة الفاسدة ، ولا نجاة إلا بالتوبة الصادقة ، والإقبال على الطاعات .
إن باب التوبة مفتوح أمامكِ أيتها السائلة ، وفضل الله ورحمته على عباده عظيمة جليلة ، فسارعي إلى إرضاء ربك بتوبة صادقة ، وأعمال يحبها ويرضاها ، وتجنبي سخطه عز وجل ، ولا تقدِّمي شيئاً على نعيم الآخرة ، ولا تجعلي لك همّاً غير أن يرضى عنك ربك سبحانه وتعالى .(/3)
ولقد لمسنا من رسالتك تنازع جوانب الخير والشر ، فتغلبك الشهوة ويغلبك الشيطان فتفعلين المحرمات ، ثم يأتيك داعي الخير ليُحدث عندك ندماً وأسفاً على الحال التي وصلتِ لها ، فاستثمري داعيَ الخير ، وأخرجي داعي الشر من نفسك ومن حياتك ، فالنفس اللوامة التي تلومك على فعل المنكرات والآثام خير من النفس الأمَّارة بالسوء ، لكن إن لم تتداركي نفسك لتكون نفسك نفساً خيِّرة مطمئنة فإنها ستصير نفساً أمَّارة بالسوء ، وهنا سيكون الهلاك والفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة ، وهو ما لا نتمنى حصوله ، ونثق بكِ أنك ستنقذين نفسك من الآثام والمعاصي ، وستسارعين إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين الذين يتقون الله بفعل الطاعات وترك المنكرات .
ومع تخلصك من الجامعة وخروجكِ منها : اقطعي كل صلة لك بكل من تعرفين من الشباب والشابات الذين سهلوا لك الوقوع في المنكر ، ولا يحل لك الاتصال بشاب أجنبي عنك ، ولا تتصلي بأي صديقة يمكن أن تجرك لمعصية أو فاحشة ، واحرصي على الصحبة الصالحة من النساء المتدينات ، والزمي كتاب الله تعالى قراءة وحفظا وتدبراً ، واحرصي على طلب العلم من الأشرطة والكتب وحلقات العلم ، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان .
وفي حال عدم خروجك من الجامعة – بسبب ضغط أهلك - : فاعلمي أنه لا يحل مصادقة أحد من الشباب ، وأن عليك البحث عن الأخوات المستقيمات الملتزمات لصحبتهن ، وتعاهدي إيمانك بتقويته بأوراد يومية من القرآن والأذكار ، وألزمي نفسك بالاستقامة على أمر الله تعالى ، واسأليه عز وجل أن يعينك ويوفقك لما يحب ويرضى .(/4)
وعليك أن تقللي ذهابك إلى الكلية بقدر الإمكان ، وألا تنفردي فيها عن أخواتك المستقيمات ، حتى لا تتركي مجالاً للشيطان أو النفس الأمارة بالسوء ، أن تزين لك المعصية ، فعليك بمعالجة أسباب المعصية ، واستحضري دائماً ، اطلاع الله سبحانه وتعالى عليك ، وسمعه وبصره ، وهل إذا اطلع عليك أحد من أهلك ، أكنت تفعلين ما تفعلين أمامه ! فهل يكون نظر الله وسمعه واطلاعه عليك أهون عندك من نظر أهلك ؟!
وأكثري من دعاء الله تعالى الثبات والاستقامة والهداية ( اهدنا الصراط المستقيم ) وكان من دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه ) رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1823)
( اللهم يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ) رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فالمشكلة منكِ ، والحل عندكِ ، وما تختارينه لنفسك يدل على صدقك أو كذبك ، فإن اخترتِ التوبة الصادقة : فأنت صادقة في ندمك وأسفك ، وصادقة في رسالتك أنك تريدين النجاة والخلاص من المعاصي والآثام ، وإن اخترتِ الصحبة الفاسدة : فأنت لستِ صادقة في ندمك وأسفك ، ولستِ صادقة في البحث عن النجاة من همومك وغمومك ومعاصيك ، ونرجو أن تكوني من الصادقات .
وأما عن سؤالك أنه هل يمكن أن ترجعي لحالك الأول : فنبشرك بأنه يمكن أن ترجعي لأحسن منه ! لكن على أن تصدقي في التوبة والإنابة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب ، وتكون مصلحته أنه يتوب منه ، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقّة وإنابة إلى الله تعالى ، فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها ؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبْر وعُجب وقَسوة ، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة .
" مجموع الفتاوى " ( 14 / 474 ) .(/5)
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وما أكثر ما يكون الإنسان منَّا بعد المعصية خيراً منه قبلها ، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية ، ثم يجد مِن قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله ، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر ، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع ، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه ، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله ، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم
صحته ، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها ، كما قال : ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) طه/ 122 ، أي : بعد أن أذنب وتاب ؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه ، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم ؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان ، ورفعة الدرجات ، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك ، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله .
" الشرح الممتع " ( 3 / 51 ، 52 ) .
فلا تستعظمي ذنوبك مقابل رحمة الله ، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ، ويحب التوابين .
قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/ 53،54 .
وقال عز وجل : ( إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/ 222 .
ونسأل الله تعالى أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الآثام والمنكرات ، ونسأله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك ، وأن يكرِّه إليك الكفرَ والفسوق والعصيان .(/6)
وانظري كلاماً مفصلاً حول التوبة وشروطها في جواب السؤال رقم : ( 13990 ) .
وللوقوف على كيفية التخلص من المعاصي : انظري جواب السؤال رقم : ( 10280 ) .
والله الموفق(/7)
رقم السؤال:
100150
العنوان:
قال لزوجته إن طلع الفجر ولم تحضري الولد فأنت طالق
السؤال:
والد زوجتي منعني منها ومن ولدها00 فاتصلت بها بالليل وقلت إن أتى الفجر ولم تحضري لي الولد فأنتي طالق. الحالة الثانية : والد زوجتي منعني منها وأتيت إليه لأخذها ورفضت وتشاجرت معه كلاميا وكنت في حالة غضب شديدة وقلت فلانة (اقصد ابنته) طالق ثم خرجت الحالة الثالثة : أيضا منعني من زوجتي وأرسلت له ناس للتوسط ورفض ومنعني من أولادي وفي حالة غضب شديدة وأثناء النقاش مع أحد إخواني طلقتها بدون أن اشعر من الغضب وهي حامل أفتوني جزاكم الله خير والله إني في حيرة من أمري .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي الحذر من التساهل في استعمال ألفاظ الطلاق ، فليست القوة والشجاعة في التطليق عند الشجار والمنازعة ، بل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ، كما قال صلى الله عليه وسلم .
وكم أدى هذا التسرع إلى تمزيق الأسر ، وتخريب البيوت ، وتضييع الأولاد .
وينبغي أن يوطن الإنسان نفسه على حل المشاكل في جو من الهدوء والاتزان والتعقل ، وإن كان معارضه لا يتحلى بهذه الصفات ، فليتجنب الدخول معه في الحوار والجدال ، وليبحث عن وسائل أخرى للعلاج ، كالاستعانة ببعض الأهل والأقارب ، واختيار الأوقات والأماكن المناسبة لحل النزاع .
ثانيا :
قولك لزوجتك عبر الهاتف : إن أتى الفجر ولم تحضري لي الولد فأنت طالق : هو من الطلاق المعلق على شرط ، فإن أحضرت الزوجة الولد قبل الفجر ، لم يقع الطلاق ، وإن طلع الفجر ولم تحضر الولد ، طلقت طلقة رجعية في قول جمهور أهل العلم .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينظر في نية الزوج المتكلم بهذا ، فإن أراد وقوع الطلاق عند عدم إحضار الولد ، وقع الطلاق ، وإن أراد التهديد والحث على إحضار الولد ولم يرد إيقاع الطلاق ، فإنه في حال الحنث تلزمه كفارة يمين ، ولا يقع الطلاق .(/1)
وهذا القول الثاني هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورجحه علماء اللجنة الدائمة والشيخ ابن عثيمين رحمه الله . وانظر جواب السؤال رقم (82400)
وأنت لم تبين ما حدث . وعلى فرض أنها لم تحضر الولد ، ووقعت عليها طلقة – على مذهب الجمهور - ، فلك أن ترجعها خلال العدة – إن لم تكن الطلقة الثالثة - ، سواء رضيت أم أبت ، أما بعد انقضاء العدة فلابد من عقد جديد ومهر جديد .
ثالثا :
الطلاق حال الغضب الشديد لا يقع ، على الراجح من كلام أهل العلم ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22034) و (45174)
وعليه فإن كنت تلفظت بالطلاق حال غضبك الشديد ، ولولا الغضب ما طلقت ، فإن الطلاق لا يقع حينئذ .
ومسائل الطلاق ينبغي أن يرجع فيها إلى المحكمة ، للوقوف على الألفاظ ، والتفاصيل ، والسماع من الطرفين إن احتاج الأمر لذلك .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100176
العنوان:
لم تزك الذهب الأبيض من سنوات فكيف تزكيه الآن؟
السؤال:
لم أخرج الزكاة عن ذهبي منذ ثلاث سنوات ، والذهب الذي عندي كله أبيض ، وكنت سمعت أن الذهب الأبيض هو عبارة عن بلاتين وليس عليه زكاة ، ومن قريب عرفت أن عليه زكاة ، وقد قررت أن أجمع ذهبي وأوزنه وأزكي عن ثلاث سنين ، لكن هناك ذهب بعته بعد السنة ، وذهب بعته بعد السنتين ، وأنا ما زكيت عنه على أساس أن الذهب الأبيض ما عليه زكاة فكيف أزكي عنه هذا الذي بعته بعد السنة والسنتين .
الجواب:
الحمد لله
الذهب الأبيض هو الذهب المعروف ، لكن تضاف إليه بعض المواد ، فيصير أبيض ، هذا ما يقوله أهل الخبرة ، وإذا كان الأمر كذلك فتجب زكاته ، إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من الذهب الآخر ، والنصاب هو 85 جراما ، والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) تُخرج من الذهب نفسه أو من غيره ، أو تخرج نقودا ، بعد تقدير ثمن الذهب في السوق ، فإذا كان الذهب الذي معك يساوي 5000 ريال مثلا ، فيخرج منها (2.5%) أي 125 ريالا.
ويلزمك إخراج الزكاة عن السنوات الماضية ، وتقدرين كمية الذهب في نهاية كل سنة ، وتخرجين زكاتها .
فإذا كان معك في السنة الأولى 200 جراما مثلا ، ثم بعت منها خمسين بعد نهاية السنة ، ثم بعد السنة الثانية بعت خمسين أخرى ، فيلزمك زكاة الـ 200 جراما عن السنة الأولى ، وزكاة الـ 150 جراما عن السنة الثانية ، وزكاة الـ 100 جراما عن السنة الثالثة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100188
العنوان:
ليس من المؤونة أن يحفر الإنسان بئراً في مزرعته
السؤال:
عندي أرض زراعية ، وقد حفرت فيها بئراً ؛ حتى أسقي منها أرضي ، فهل يجب علي نصف العشر أو العشر كله ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الواجب في زكاة الحبوب والثمار العشر ، أو نصف العشر ، حسب الطريقة التي يسقى بها الزرع ؛ لما رواه البخاري (1438) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ ) .
عَثَرِيًّا : هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْي .
النَّضْح : هو السقي بالإبل ، ويشبه السقي بالساقية الآن .
والذي يسقى بلا مؤونة يشمل أنواعاً :
1- ما يشرب بعروقه ، أي : لا يحتاج إلى ماء .
2- ما يكون من الأنهار والعيون .
3- ما يكون من الأمطار .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/298) : " الْعُشْرَ يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ , كَاَلَّذِي يَشْرَبُ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ , وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ , وَهُوَ الَّذِي يُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَاؤُهَا قَرِيبٌ مِنْ وَجْهِهَا , فَتَصِلُ إلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ , فَيَسْتَغْنِي عَنْ سَقْيٍ , وَكَذَلِكَ مَا كَانَتْ عُرُوقُهُ تَصِلُ إلَى نَهْرٍ أَوْ سَاقِيَةٍ " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (99843) .
ثانياً :
الكلفة التي يجدها المزارع في تفجير الماء وحفر الأرض لنقل مياه الأنهار إلى أرضه ، وحفر السواقي ، لا تأثير لها في مسألة المؤونة ؛ لأنها من جنس حرث الأرض ، ولأن هذه الكلفة لا تتكرر مع الأعوام .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/77) : " وإذا حفر المزارع طريقاً من النهر إلى مزرعته ؛ لكي يصل الماء إلى الزرع ، فإن هذا العمل ليس فيه مؤونة ، ونظير ذلك إذا حفرت بئراً وخرج الماء نبعاً ، فهذا ليس فيه مؤونة ؛ لأن إيصال الماء إلى المكان ليس مؤونة ، بل المؤونة تكون في نفس السقي ، بأن يحتاج في إخراجه موؤنة ، كأن يحتاج في سقيه إلى المكائن ونحوها " انتهى بتصرف .
وعلى هذا ، فالواجب عليك هو العشر ؛ وذلك لأن ما قمت به لا يعتبر من المؤونة أو الكلفة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100192
العنوان:
هل يخرج من زكاة الإبل بعيراً بدلاً من الشاة
السؤال:
عندي خمس من الإبل ، فهل يجوز لي أن أخرج في الزكاة بعيراً بدلاً من الشاة ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب في زكاة خمس من الإبل شاة واحدة ؛ لما روى البخاري (1454) من حديث أبي بكر رضي الله عنه ، وفيه : ( فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ ) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/348) : " أَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَفَرْضُهُ شَاةٌ , وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ , وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ " انتهى .
وقد اختلف العلماء هل يجزئ إخراج البعير مكان الشاة في زكاة الخمس من الإبل ؟
والصحيح أنه يجزئ ، وهو مذهب الحنفية والشافعية ؛ لأن الشرع إنما أوجب الغنم في زكاة الإبل فيما دون الخمس والعشرين تخفيفاً على المالك ، فإذا اختار المالك دفع الأفضل ، فلا حرج عليه من ذلك ، بل يؤجر على تبرعه بأكثر مما وجب عليه .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/361) : " قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ : إذَا مَلَكَ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَوَاجِبُهَا الشَّاةُ كَمَا سَبَقَ , فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَجْزَأَهُ . هَذَا مَذْهَبُنَا ، وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا أَوْلَى ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ الزكاة مِنْ جِنْسِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ ، فَإِذَا تَكَلَّفَ الْأَصْلَ أَجْزَأَهُ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/53) : " قال بعض العلماء : لا يجزئ فيما دون خمس وعشرين بعير ، ولو كبيراً ؛ لحديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كتبه قال : ( وفيما دونها الغنم في كل خمس شاة ) أي : فيما دون خمس وعشرين ، في كل خمس شاة .(/1)
وقال بعض العلماء : إذا كانت تجزئ بنت المخاض في خمس وعشرين ، فإجزاؤها فيما دون ذلك من باب أولى ، والشريعة لا تفرق بين متماثلين ، والشارع أسقط الإبل فيما دون خمس وعشرين رفقاً بالمالك ، وهذا هو الصحيح ؛ لأن كل أحد يعلم أن الشريعة الكاملة المبنية على الدلالة النقلية والعقلية لا يمكن أن تقول : من عنده خمس وعشرون من الإبل ، وأخرج بنت مخاض أجزأته ، ومن عنده عشرون من الإبل وأخرج بنت مخاض لم تجزئه " انتهى بتصرف.
وبنت المخاض : هي الناقة التي أتمت سنة ، ودخلت في السنة الثانية .(/2)
رقم السؤال:
100204
العنوان:
النهي عن التنفس في الإناء هل يشمل من كان له كأس يخصه؟
السؤال:
هناك حديث يمنع من التنفس في الإناء؛ هل يمكن أن تشرح لي المقصود من هذا الحديث؟ هل يقصد الحديث المرء الذي يشرب من كوبه الخاص أم الحديث أعمّ من ذلك بمعنى أنه لا يجوز للمرء النفخ في أي إناء سواء خاصا به هو أو بغيره ممن قد يشربون منه غيره أو يأكلون فيه؟ أفهم إذن أيضًا أنه لا يجوز النفخ في الشاي لتبريده، أليس كذلك؟
الجواب:
الحمد لله :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) رواه البخاري(149) ومسلم(3780) ، وفي هذا الحديث نهي للشارب أن يتنفس في الإناء الذي يشرب منه ، سواء انفرد بالشرب من هذا الإناء ، أو شاركه فيه غيره ، وهذا من مكارم الأخلاق التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، لتترقى في مدارج الكمال الإنساني .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : "وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة ، إذ قد يخرج مع النَّفَس بصاق أو مخاط أو بخار ردئ فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره من شربه" انتهى .
إذاً لا يختص بهذا الأدب من كان يشاركه في الإناء غيره ، بل المنفرد بالإناء كذلك ، فإنه لوقع في الشراب أو الطعام شيء مما يُستقذر فإنه سيستقذره ، وإن كان من نفسه.
وأما النفخ في الإناء فقد وردت فيه أحاديث بالنهي عنه ، منها : ما رواه الترمذي (1810) وأبو داود (3240) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (6820).(/1)
قال الشوكاني في" نيل الأوطار "(8/221) عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم : (أو ينفخ فيه) قال : "أي في الإناء الذي يشرب منه ، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء من قذارة ونحوها ، فإنه لا يخلو النفخ غالباً من بزاق يستقذر منه ، وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحار ، بل يصبر إلى أن يبرد ، ولا يأكله حاراً ، فإن البركة تذهب منه ، وهو شراب أهل النار" انتهى .
وقال العلامة المناوي رحمه الله في "فيض القدير "(6/346) :"والنفخ في الطعام الحار يدل على العجلة الدالة على الشَّرَه وعدم الصبر وقلة المروءة" انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : " والنفخ أشد من التنفس" .
وهذا النهي عن الأمرين للكراهة ، فمن فعلهما أو أحدهما لا يأثم إلا أنه قد فاته أجر امتثال هذه التوجيهات النبوية، كما فاته أيضاً التأدب بهذا الأدب الرفيع الذي تحبه وترضاه النفوس الكاملة، قال العلامة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في " الآداب الشرعية "(3/167) : " يكره نفخ الطعام والشراب ، وحكمة ذلك تقتضي التسوية ، ولذلك سوى الشارع بين النفخ والتنفس فيه" انتهى.
وإذا كانت هناك حاجة تدعو إلى النفخ في الطعام أو الشراب لتبريده ، وكان يحتاج إلى أن يأكل أو يشرب ويشق عليه أن ينتظره ليبرد ، فإن الكراهة تزول حينئذ كما صرح بذلك بعض أهل العلم، قال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (8/328) : " قال الآمدي : لا يكره النفخ في الطعام إذا كان حاراً . قلت (المرداوي) وهو الصواب ، إن كان ثَمَّ حاجة إلى الأكل حينئذ" انتهى.(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" : " إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة ، كما لو كان الشراب حاراً ويحتاج إلى السرعة ، فرخص في هذا بعض العلماء، ولكن الأولى أن لا ينفخ حتى لو كان حاراً؛ إذا كان حاراً وعنده إناء آخر فإنه يصبه في الإناء ثم يعيده ثانية حتى يبرد" انتهى.
والله أعلم.(/3)
رقم السؤال:
100209
العنوان:
اشترى ملابس من محل ثم علم أنه يبيع بضائع مسروقة
السؤال:
بعد أن اشتريت ملابس من محل يملكه صديق لي اكتشفت بعدها بقليل أنه يبيع بضائع مسروقة. وأعلم الآن أنه لم يعد يحل لي الشراء من هذا المحل، لكن ماذا عن الملابس التي اشتريتها قبل أن أعلم؟ هل لبسها حلال؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا تبين أن هذا المحل يبيع بضائع مسروقة ، لم يجز الشراء منه ؛ لأن المسروق غير مملوك لسارقه ، فلا يصح تصرفه فيه .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : يرد للحراج (السوق) أحيانا بضائع مسروقة، والذي يدل على ذلك ظهور الارتباك على بائعها، أو عدم معرفته على ما تحتويه من أشياء، أو نوعية الأجهزة، وطريقة تشغيلها، أو القيمة الزهيدة التي بيعت به، أو من أين اشتراها. ما حكم شرائها؟
فأجابت : "إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة أو مغصوبة، أو أن من يعرضها لا يملكها ملكا شرعيا، وليس وكيلا في بيعها، فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي، ولما في ذلك من ظلم الناس وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته، فإن لم يرجع وأصر على جرمه فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه، ولرد الحق إلى صاحبه، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى، ولأن في ذلك ردعا للظالم عن ظلمه، ونصرة له وللمظلوم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/81).
ثانيا :
من اشترى بضاعة علم أنها مسروقة ، لزمه ردها ، وأخذ ماله ؛ لأن البيع لم يصح .(/1)
وأما إن اشتراها ، ثم شك في كونها مسروقة ولم يجزم بذلك ، فلا يلزمه ردها ؛ لأن الأصل صحة البيع .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100213
العنوان:
هل يستقيم الالتزام ، مع اتخاذ الأخدان ؟
السؤال:
سؤالي حول من يقعون في الذنوب وهم ملتزمون جيدًا. فصديقاتي على علم وملتزمات بالدين لكن يتخذن أصدقاءً من الذكور (بوي فريند) يدردشون معهم عبر الإنترنت وأحيانا يتقابلون معهم. ولا يقعن معهم في الزنا لكن يقعون في التقبيل والمعانقة ونحو هذا. ولا أعرف ماذا أقول لهن لأنهن على علم بأن هذا خطأ وبعد أن يفعلن هذه الأفعال يندمن. فهل تقبل العبادة من مثل هؤلاء؟ هل تقبل صلاتهن ويثابون عليها؟ تقول الواحدة منهن أن عذرها العاطفة الجياشة التي تشعر بها تجاه صديقها والذي تنوي الزواج منه قريبًا. رجاء النصح
الجواب:
الحمد لله :
فأولى الناس بالتزام أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه من كان قد من الله عز وجل عليه بالهداية ومعرفة الدين وسلك طريق الالتزام فكيف يرضى مثل هؤلاء الصديقات اللاتي وصفتهن بالالتزام بأن يتبعن خطوات الشيطان واستدراجه بارتكاب ما حرم الله تعالى، أليس الأحرى بهن أن يشكرن نعمة الله عليهن بالهداية إلى الإسلام والالتزام به فيكن خير مثال لغيرهن صلاحاً واستقامة.
وأما قضية أن صديقاتك هؤلاء يعلمن أنهن يقعن في الحرام ؛ فليس لها قيمة هنا ؛ فمن قال إن مجرد المعرفة هي التي تمنع صاحبها عن الوقوع في المعصية ؛ أما كان إبليس يعلم أن ما أمره به ربه هو الحق ؟ أما كان اليهود يعلمون أن النبي هو الحق ؟ وغيرهم وغيرهم كثير . قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) الروم/9 .(/1)
وقال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14) .
لكن القضية أن الذي يعلم ، ويعظ الناس ويتكلم ، مسؤوليته أشد ، ومخالفته للعلم الذي عند أقبح وأشنع .
قال الله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة/44.
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2-3 .
فالواجب عليك أيتها الأخت الكريمة أن تذكري صديقاتك بالواجب عليهن ، كما قال الله تعالى : ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) الأعلى/9-10 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف/201 .
فذكريهن أيتها الأخت الكريمة بقبح ذلك من كل مسلم ومسلمة ، فكيف إذا كانت المسلمة ممن يظهرن الالتزام بدين الله تعالى ، ويقدمن للناس القدوة والمثل ، ويدعون الناس إليه ؟
وفي صحيح البخاري (3267) ومسلم (2989) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال : سمعت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ) .(/2)
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ) رواه الخطيب في اقتضاء العلم (49) وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5831) .
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله :
رأيت الذنوبَ تميت القلوب ... وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياةُ القلوبِ ... وخير لنفسك عصيانُها
وهل أفسد الدينَ إلا الملو ... كُ وأحبارُ سوء ورهبانُها
وباعوا النفوسَ ولم يربحوا ... ولم يغل في البيع أثمانها
فقد رتع القوم في جيفة ... يَبين لذي اللب خسرانها
وأما الاعتذار بالعاطفة الجياشة نحو الصديق ، فهذا هو عين الهوى الذي يهوي بصاحبه ، والعياذ بالله ؛ قال الله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الجاثية/23.
قال قتادة رحمه الله : " لا يهوي شيئا إلا ركبه ؛ لا يخاف الله " . تفسير الطبري (22/76) .
وقد وصف الله تعالى المحصنات من المؤمنات بأنهن بعيدات عن اتخاذ الأخدان ؛ فقال تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) النساء/الآية25 ؛ فالمسافحات هن الزواني ، اللاتي يأتين الفاحشة ، وأما التي تتخذ خِدنا : فهي التي تصادق الرجال ، وتتخذ منهم أخلاء ، كما قال ابن عباس وغيره من السلف . [ انظر : تفسير ابن كثير 2/261](/3)
وبنفس الصفة ، وصف الله تعالى أهل العفة ، وطالبي الحلال الطيب من الرجال ؛ قال تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة/5 .
قال ابن كثير رحمه الله : " فكما شرط الإحصان في النساء -وهي العفة-عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا؛ ولهذا قال: { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } وهم: الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية، ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم، { وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن " انتهى .
تفسير ابن كثير (3/43) .
ولمعرفة خطورة هذا النوع من العلاقات المحرمة ، وموقف الشرع منه ، يمكن مراجعة إجابات الأسئلة (59907) ، (47405) ، (36618) ، وإجابات أخرى عديدة في قسم الأخلاق .
والله أعلم.(/4)
رقم السؤال:
100214
العنوان:
حكم أكل الحرام
السؤال:
هل أكل الحرام يعد في حد ذاته نقطة إثم؟ أطرح هذا السؤال بصفة عامة فأنا لا آكل الحرام.
الجواب:
الحمد لله :
أكل الحرام إثم ، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد لفاعله ، إذ قد قال صلى الله عليه وسلم : (إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه الترمذي (558) وصححه الألباني .
وقوله (يربو) يعني: ينمو . وقوله : (من سحت) أي من حرام .
وقرر أهل العلم أن معرفة الحلال والحرام من آكد مهمات الدين، فقال العلامة الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (8 /150 ) : "ومعرفتهما (أي : الحلال والحرام) من آكد مهمات الدين ، لأن معرفة الحلال والحرام فرض عين ، فقد ورد الوعيد الشديد على آكل الحرام)" انتهى .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أكل الحرام من موانع قبول الدعاء والعمل الصالح ففي صحيح مسلم (1686) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) .
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" (1/260): "والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح ، فما دام الأكل حلالا فالعمل صالح مقبول ، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا ؟ وما ذُكر بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام " انتهى .(/1)
فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى في مكسبه ومطعمه ومشربه ، فيأخذ الحلال ويدع الحرام .(/2)
رقم السؤال:
100217
العنوان:
عليه قرض ربوي ويريد إحالة البنك على شخص مدين له
السؤال:
اقترض رجل قرضا ربوياً بقيمة 35000 دينارا من إحد المصارف الربوية على أن يسدها 40000 دينار وبنى بها بيتا ودفع نصف المبلغ أي 20000 دينار على مدى سنوات وأراد أن يبيع هذا البيت فهل يجوز لي أن أشتري هذا البيت وأن أنقل ما تبقى من قيمة القرض على ذمتي ؟ أي أن أذهب مع البائع وأتعهد للمصرف بسداد هذه القيمة وهى 20000 دينار المتبقية ( أي بمعنى آخر أنني أسد نفس القيمة التي أوقع عليها دون زيادة ) .
الجواب:
الحمد لله
إذا اشتريت هذا البيت ، وكان ثمنه 20000 ألفا ، أو أكثر من ذلك ، لكن سددت بعضه ، وبقي عليك 20000 ألفا ، وكان صاحب البيت مدينا للبنك بمثل هذا المبلغ ، فالأصل جواز الحوالة في مثل هذا ، أي أن صاحب البيت يحيل البنك عليك ، فتصبح أنت المطالب بالسداد للبنك ، ويبرأ هو من الدين .
والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564).
فالحوالة : نقل الدين من ذمة المُحيل إلى ذمة المحال عليه . الموسوعة الفقهية (18/169).
لكن إذا كان البنك ربويا ، ويشترط غرامة أو فائدة على التأخير ، وكان قبولك للحوالة يعني التزامك بهذا الشرط ، لم يجز لك قبولها ؛ لما في ذلك من التزام الربا ، وإقراره .
وعليه ؛ فتسدد الأقساط لصاحب البيت ، فإذا أخذها قضى بها دينه .
أما إن كان البنك لا يشترط غرامة على التأخير ، فلا حرج عليك حينئذ .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100218
العنوان:
صنع الشعارات وبيعها للبنوك الربوية
السؤال:
أمتلك شركة تتاجر في الهدايا والأدوات المكتبية مثل الأقلام والتي نعيد تصنيعها بحيث نضع شعار الشركات على هذه الأقلام. والشركة تستخدم هذه الأقلام إما لموظفيها وإما تعطيها لأشخاص من خارج الشركة. بعض من عملائنا عبارة عن بنوك غير إسلامية ومحطات تلفاز يطلبون منا تصنيع أقلام لهم عليها شعار شركتهم وعلامتهم التجارية، فهل المال الذي نكسبه من ورائهم حلال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
بيع الأقلام للبنوك الربوية لتستخدمها في كتابة العقود المحرمة أو ما يعين على ذلك ، أو لتستخدمها في الدعاية لها ، حرام ، لأن الله تعالى حرم الإعانة على المعصية عموما ، وحرم الإعانة على الربا خصوصا ، فقال سبحانه : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وفي صحيح مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) .
وقد صرح الفقهاء بتحريم بيع ما يستعين به مشتريه على معصية الله .
جاء في حاشية الدسوقي المالكي على "الشرح الكبير" (3/20) : " يمنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز- وذكر من ذلك- بيع أرض لتتخذ كنيسة أو خمّارة، والخشبة لمن يتخذها صليباً ، والعنب لمن يعصره خمراً" انتهى .
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/154) :
"بيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل. إذا ثبت هذا فإنما يحرم البيع ويبطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك، إما بقوله وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملا مثل أن يشتريها من لا يعلم، أو من يعمل الخل والخمر معا ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز" انتهى .(/1)
ثم قال رحمه الله :
" وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك . فهذا حرام , والعقد باطل " انتهى .
وبهذا يعلم أنه لا يجوز بيع السلع المباحة لمن يستعملها في المعصية .
والترويج للمعصية ودعوة الناس إليها معصية ، لا يجوز للمسلم أن يعين عليها.
وعلى هذا ؛ فما دامت هذه البنوك ربوية فلا يجوز أن تبيع لها أقلاماً تستخدمها في الدعاية لها ، أو يكتب بها موظفوها عقوداً محرمة .
وإذا كانت تلك المحطات من المحطات التي تنشر المحرمات كظهور المرأة متبرجة أو نشر المسلسلات الهابطة والأفكار الهدامة ونحو ذلك فإنه لا يجوز أن يباع لهم ما يتخذونه وسيلة لترويج منكراتهم والدعوة إليها ، ومن ذلك : وضع الشعار على الهدايا التي يوزعونها للناس بقصد دعوتهم إلى هذه المنكرات .
وإذا تركت أخي السائل البيع لهؤلاء طلبا لمرضاة الله وتحريا للحلال من الرزق فتيقن أن الله عز وجل سيخلف عليك بخير مما كنت ستكسبه من البيع لهم ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) رواه أحمد وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2/734) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100225
العنوان:
متى يكون الأذان الأول للجمعة قبل الوقت أو بعده؟
السؤال:
عندنا مشكلة في الولايات المتحدة في مسجدي وهو أذان الجمعة الأول العثماني هل يكون قبل دخول الوقت أم بعده ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يشرع الأذان الأول للجمعة ، وهو ما فعله عثمان رضي الله عنه ، وأقره الصحابة عليه ، كما روى البخاري (912) عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ . والزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ .
وسمّى الأذان الذي زاده عثمان ثالثا ، باعتبار أنه زاده على الأذان والإقامة .
ثانيا :
ينبغي أن يكون الأذان الأول قبل دخول وقت الجمعة ، بنحو نصف ساعة أو ساعة ؛ لتتحقق الفائدة منه وهي تذكير الناس بالجمعة ، وحثهم على التهيؤ والمسارعة إليها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما هو الوقت المشروع بين الأذان الأول والثاني للجمعة ؟(/1)
فأجاب : "الواقع أننا في نجد نجعل فرقاً بين الأذان الأول والأذان الثاني نحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وبعض الناس ساعة ، وفي مكة والمدينة لا يجعلون بينهما فرقاً، إذا دخل الوقت وقت الظهر أذن المؤذن الأذان الذي يسمونه الأول ، ثم يؤذن الثاني بعد مجيء الخطيب. والذي يظهر لي أن فعل أهل نجد أصح ؛ لأنه هو الذي يحصل به الفائدة ، أن الناس يستمعون إلى الأذان الأول ثم يتأهبون إلى الصلاة ويأتون إلى المسجد الجامع ، وقد قال أهل العلم رحمهم الله : من سمع النداء الثاني يوم الجمعة لزمه السعي من حين أن يسمع ، ومن كان بيته بعيداً لزمه السعي إلى الجمعة بحيث يصل إليها مع الخطيب. فعمل الناس هنا عندي أقرب إلى الصواب ممن لا يؤذنون الأذان الأول للجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر. لكن ليس معنى هذا أن نضلل من خالفنا ، وهذه نقطة مهمة أبثها لطلاب العلم : إذا اختلف الفقهاء في سنة فقال بعضهم : هي سنة، وقال آخرون : ليست بسنة ، فليس لازم قول الذين يقولون : إنها ليست بسنة أن يبدعوا الآخرين، لا يبدعونهم أبداً، لأننا لو بدعنا المخالف لنا في هذه الأمور لزم أن يكون كل الفقهاء في مسائل الخلاف مبتدعة ، لأن الذي يقول لي : أنت مبتدع، أقول له : وأنت مبتدع، فيبقى الفقهاء كلهم في مسائل الخلاف أهل بدعة ، وهذا لا قائل به، فإذا اختلف العلماء رحمهم الله في مسائل لا تتعلق بالعقيدة وليست محدثةً حدثاً واضحاً ، إنما اختلفوا في فهم النصوص ، فهنا نقول : الأمر واسع ، ولا يمكن أن يبدع بعضنا بعضاً " انتهى من "اللقاء الشهري" (69/3)
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني ؟
فأجاب : "الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيئوا لصلاة الجمعة ويذهبوا إليها .(/2)
فالأذان الأول لتنبيه الناس على قرب وقت صلاة الجمعة . . . حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة .
وأما الأذان الثاني ؛ فهذا إنما يكون إعلامًا بدخول وقت الصلاة ، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر ؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى باختصار من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (1/101) . وقد ذكرنا نص الفتوى كاملة في جواب السؤال (97888) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100228
العنوان:
حكم مس الكافر للمصحف
السؤال:
سمعت أحد الدعاة في الصين يقول : إن مس المصحف بغير طهارة حرام بالنسبة للمسلم ، وأما الكافر فيجوز له ذلك ، حتى يتمكن من معرفة الإسلام ، فهل هذا الكلام صحيح .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمحدث مس المصحف ؛ لما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه : ( ألا يمس القرآن إلا طاهر ) رواه مالك (468) وابن حبان (793) والبيهقي (1/87) . قال الحافظ ابن حجر : " وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد بل من حيث الشهرة ، فقال الشافعي في رسالته : لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة" انتهى من "التلخيص الحبير" (4/17).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/158).
وهذا يشمل المحدث حدثا أصغر أو أكبر ، والكافر جامع للحدثين ، إذ تصيبه الجنابة ، فلا يغتسل منها ، ولو اغتسل لم يصح غسله .
ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف ، وتحريم تمكينه منه ، وهو أولى بالمنع من المسلم ؛ لأنه يُخشى من امتهانه له ، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ، كما روى البخاري (2990) ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/85) : " قال أصحابنا : لا يمنع الكافر سماع القرآن ، ويمنع مس المصحف " انتهى .(/1)
وقال الرملي رحمه الله : " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده ، كما قاله ابن عبد السلام ، وإن رجي إسلامه " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/389).
وقال الباجي في "المنتقى" (3/165) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به ؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف ، ولا يجوز لأحد أن يسلمه إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" : " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها : يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع " انتهى .
وفيها أيضا : " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف .
وقال محمّد بن الحسن : لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم مس النصراني للمصحف ، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم ؟
فأجاب : " هذا فيه نزاع بين أهل العلم ، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم ، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه ، وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه ولكن لا يدفع إليهم القرآن. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) الآية ،(/2)
قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل .
والصواب أنه ليس بحجة ، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله. أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج ؛ لأنه ليس له حكم القرآن، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/340).
وعُلم من هذا جواز مس الكافر للترجمة ، لأن الترجمة ليست قرآنا ، فإذا أريد دعوته أعطي ترجمةً لمعاني القرآن الكريم .
وانظر جواب السؤال رقم (96646)
وفق الله الجيع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100229
العنوان:
يعمل في بنك ربوي ويريد الخروج منه ولم يجد البديل
السؤال:
أنا اشتغل في بنك ربوي مند سنوات وأنا متأكد أن العمل في البنك حرام بجميع المناصب. سؤالي منقسم إلى قسمين 1-على حد رأي عديد من العلماء يجب على الموظف أن يستمر في عمله ، وفي نفس الوقت يبحث عن بديل مع العلم أنني أعين أسرتي وأنا غير راض على هذا الوضع ماذا أفعل 2- أنا أقوم بالعديد من الأعمال الصالحة على الرغم من عملي في البنك كصيام الاثنين والخميس والإحسان إلى الأيتام وتجويد القرآن وأبحث دائما عن بديل ولم أجد لحد اليوم فإن توفاني الله على هذا الحال ، ربا وعمل صالح ، فكيف سأحاسب عند الله عز وجل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
العمل في البنوك الربوية ، لا شك في تحريمه ، لحرمة الربا وحرمة الإعانة عليه بأي وجه من الوجوه ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 26771 ) .
وعليه فيلزمك التوبة إلى الله تعالى ، والمسارعة إلى ترك هذا العمل قدر استطاعتك .
ولا نقول إنه يجب عليك الاستمرار في عملك حتى تجد البديل ، بل نقول عجل بتركه مع طلب البديل ، وثق بأن الله تعالى سيعوضك خيرا ، فإنه ما ترك إنسان شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ) رواه أحمد ( 21996) ، وقال الألباني : سنده صحيح على شرط مسلم . لكن جدّ واجتهد في البحث ، وسل الله تعالى التوفيق والعون ، وكن على يقين بأن الله تعالى أكرم من أن يضيعك قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3(/1)
وفي مسند الإمام أحمد ( 205) من حديث عمر بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَقُولُ : إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا )وصححه الألباني في الصحيحة ( 310) .
ثانيا :
إذا لقي الإنسان ربه بأعمال صالحة كصلاة وصيام وإحسان ، ولقيه بذنب الربا ، فإن كان قد تاب منه ، فإن سيئاته تبدل حسنات كما وعد الله تعالى في قوله : ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/70
وإن لقيه مصرا على الربا غير تائب منه ، فهذا ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، وأمره إلى الله تعالى ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، كما قال سبحانه : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة/102، وقال : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة/106
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100232
العنوان:
حكم الهدية في الزيارة
السؤال:
هناك عادة في بعض المناطق وهي إذا أتت المرأة لزيارة النساء الأخريات فإنها تعطيهن نقوداً أو هدية أخرى ، وعندما تعود تلك النساء لزيارتها يعطينها نقوداً أو هدية أخرى مع العلم أن النقود قد تتساوى وقد تختلف ، كذلك قيمة الهدية الأخرى . فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
لا بأس بذلك ، فهذا من باب الهدية وليس من باب المعاوضة ، فإذا أعطتهم وقبلوا وقبضوا فهم بالخيار إن شاءوا سلموا لها شيئاً وإن شاءوا لم يسلموا وإن شاءوا سلموا أقل من ذلك أو أكثر . ما دام أنه لم يكن بينهم مشارطة وليس هناك معاوضة بل كل منهم يسلم باختياره ورغبته ، فهذا جائز ولا بأس به والله أعلم .
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص22(/1)
رقم السؤال:
100235
العنوان:
حكم المسابقة على جمال الكلاب وسرعتها
السؤال:
1. ما حكم وضع مسابقه جمال الكلاب ؟ 2. ما حكم أخذ رسوم من المشاركين في سباقات إطلاق الكلاب على الغزال ومعرفة أسرع كلب؟ 3. ما حكم وضع مسابقات للكلاب أيهما أسبق بإطلاقهن على غزال بدون رسوم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز دفع المال فيما يسمى مسابقة جمال الكلاب أو مزايين الكلاب ؛ لأن السَبَق لا يدفع إلا فيما نص عليه الشارع من الإبل والخيل والسهام ، وما يلحق بها مما يعين على الجهاد في سبيل الله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ ) رواه الترمذي (1700) والنسائي (3585) وأبو داود (2574) وابن ماجه (2878) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والسبق : العوض أو الجائزة .
والنصل : السهم . والخف : المقصود به الإبل . والحافر : الخيل .
وإقامة هذه المسابقة بدون رسوم ، نوع من اللهو والعبث ، واقتناء الكلاب لهذا الغرض حرام ، فإنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا فيما رخص فيه الشرع ، وبذلُ المال في تربية الكلاب وتزيينها وتجميلها سفه وتبذير .
روى البخاري (5481) ومسلم (1574) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " مما لا شك فيه أنه يحرم على الإنسان اقتناء الكلب إلا في الأمور التي نص الشرع على جواز اقتنائه فيها ، فإن من اقتنى كلباً - إلا كلب صيد أو ماشية أو حرث - انتقص من أجره كل يوم قيراط ، وإذا كان ينتقص من أجره قيراط فإنه يأثم بذلك ، لأن فوات الأجر كحصول الإثم ، كلاهما يدل على التحريم .(/1)
وبهذه المناسبة فإني أنصح كل أولئك المغرورين الذين اغتروا بما فعله الكفار من اقتناء الكلاب وهي خبيثة ، ونجاستها أعظم نجاسات الحيوانات ، فإن نجاسة الكلاب لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداهن بالتراب . حتى الخنزير الذي نص الله في القرآن أنه محرم وأنه رجس فنجاسته لا تبلغ هذا الحد .
فالكلب نجس خبيث ولكن مع الأسف الشديد نجد أن بعض الناس اغتروا بالكفار الذين يألفون الخبائث فصاروا يقتنون هذه الكلاب بدون حاجة وبدون ضرورة . يقتنونها ويربونها وينظفونها مع أنها لا تنظف أبداً ، ولو نظفت بالبحر ما نظفت ، لأن نجاستها عينية ، ثم هم يخسرون أموالاً كثيرة فيضيعون بذلك أموالهم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال .
فأنصح هؤلاء المغترين أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يخرجوا الكلاب من بيوتهم ، أما من احتياج إليها لصيد أو حرث أو ماشية فإنه لا بأس بذلك لإذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك " انتهى من "فتاوى إسلامية" (4/447).
ثانياً :
أما المسابقة بين الكلاب ليعرف أيها أسرع ، فإن كانت بعوض (رسوم ) لم تجز ، لأنه لا يجوز دفع العوض إلا فيما نص عليه الشارع ، وما ألحق به ، كما سبق .
وهذه المسابقة لا يستفيد منها صاحب الكلب شيئا يعود على الدين أو الجهاد بفائدة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولكن هل يجوز المسابقة بالحيوان نفسه ، بمعنى أن يطلق الرجلان كلبيهما ويتسابقا على ذلك ؟ الظاهر أنه لا يجوز ؛ لأنه لا فعل من المتسابقين في هذه الحال " انتهى من "الشرح الممتع" (10/96).
وإن كانت بغير عوض ، فلا تجوز أيضا .
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/168) : " ولا تجوز المسابقة على الكلاب , ومهارشة الديكة , ومناطحة الكباش بلا خلاف ، لا بعوض ولا غيره ; لأن فعل ذلك سفه " انتهى .(/2)
وبهذا يتبين أن المسابقة بين الكلاب لا تجوز ، ولو كانت بلا عوض ؛ لأنها سفه ، ولما فيها من تربية الكلاب واقتنائها لغير ما رخص فيه الشرع ، ولما فيها أيضا من التشبه بالكفار والأمم الضالة .
والمسلم مأمور بحفظ المال وعدم إضاعته ، فكيف ينفقه على تربية كلب ليكون أجمل أو أسرع من غيره من الكلاب ، مع نجاستها وحقارتها .
ومن أعطاه الله فضل مال فلينفق منه على عياله وأهله وعلى فقراء المسلمين وما أكثرهم ، وعلى المشاريع العلمية والدعوية التي فيها رفعة للإسلام ونفع للمسلمين ، وليعلم أنه مسئول غدا عن ماله : من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ فهل يليق به أن يقول : يارب أنفقته على تربية الكلاب واقتنائها والبحث عن جمالها وسرعتها .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100260
العنوان:
حكم الدعاء على الأولاد
السؤال:
هل تستجاب دعوة الوالد على ولده إذا كان الوالد على خطأ والولد على صواب ؟
الجواب:
الحمد لله
لا تستجاب دعوتهما ما دام أن الولد على حق والوالد على خطأ ، فإن الله لا يستجيب دعوته ، فإن العقوق من الولد لوالديه إذا كان لم يقم بواجبهما أو قصر في حقوقهما ، أما مجرد أن الأب يأمر ولده أو ينهاه فيما لا مصلحة فيه ، هذا لا يلزم الولد قبوله ، كما لو قال الأب لابنه : طلق زوجتك بدون سبب فلا يلزم الابن ذلك استجابة لطلب أبيه أو أمه ، فامتناعه عن هذا لا يسمى عقوقاً ، ولو دعوا عليه فإنه لا يأثم ولا حرج إن شاء الله والله أعلم .
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 30(/1)
رقم السؤال:
100264
العنوان:
هل يجوز عدم حلق العانة؟
السؤال:
هل يجوز عدم حلق العانة لأن زوجتي تستمتع أكثر عند الجماع ؟ وما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
حلق العانة من سنن الفطرة التي حث عليها الإسلام ، واتفقت عليها الشرائع ، كما روى البخاري (5890) ومسلم (261) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مِنْ الْفِطْرَةِ : حَلْقُ الْعَانَةِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ).
ودلت السنة على أنه لا يجوز ترك ذلك أكثر من أربعين ليلة ، كما روى مسلم (258) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : (وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ).
قال الشوكاني رحمه الله : " المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تجاوزها ، ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية " انتهى من "نيل الأوطار" (1/143).
وعليه ؛ فلك ترك حلق العانة مدة لا تتجاوز الأربعين ، أما أكثر من الأربعين فلا يجوز ذلك .
والواجب على المسلم تعظيم أحكام الله تعالى ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30، وقال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب) الحج/32 .
ومن العجيب أن تستمتع المرأة بعدم نظافة زوجها ، ومشابهته للحيوانات ، فضلا عن مخالفة ذلك للشرع والعقل والفطرة السوية المستقيمة ، فإن مما يقصد من خصال الفطرة (ومنها : الاستحداد) : نظافة البدن ، ومراعاة شعور من يخالطه الإنسان ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" :(/1)
"وَيَتَعَلَّق بِهَذِهِ الْخِصَال (يعني : خصال الفطرة) مَصَالِح دِينِيَّة وَدُنْيَوِيَّة ، تُدْرَك بِالتَّتَبُّعِ , مِنْهَا : تَحْسِين الْهَيْئَة , وَتَنْظِيف الْبَدَن جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , وَالِاحْتِيَاط لِلطَّهَارَتَيْنِ , وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُخَالَط وَالْمُقَارَن بِكَفٍّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ مِنْ رَائِحَة كَرِيهَة , وَمُخَالَفَة شِعَار الْكُفَّار مِنْ الْمَجُوس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَعُبَّاد الْأَوْثَان , وَامْتِثَال أَمْر الشَّارِع , وَالْمُحَافَظَة عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : (وَصُوَّركُمْ فَأَحْسَنَ صُوَركُمْ) لِمَا فِي الْمُحَافَظَة عَلَى هَذِهِ الْخِصَال مِنْ مُنَاسَبَة ذَلِكَ , وَكَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ حَسُنَتْ صُوَركُمْ فَلَا تُشَوِّهُوهَا بِمَا يُقَبِّحهَا , أَوْ حَافِظُوا عَلَى مَا يَسْتَمِرّ بِهِ حُسْنهَا , وَفِي الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا مُحَافَظَة عَلَى الْمُرُوءَة وَعَلَى التَّآلُف الْمَطْلُوب , لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا بَدَا فِي الْهَيْئَة الْجَمِيلَة كَانَ أَدْعَى لِانْبِسَاطِ النَّفْس إِلَيْهِ , فَيُقْبَل قَوْله , وَيُحْمَد رَأْيه , وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ" انتهى .
فالواجب نصح هذه الزوجة ، أن تعود لفطرتها السوية ، وتعظم أحكام الشرع ، وعليها أن توقن أن هذه الأحكام شرعها الله تعالى للمؤمنين ، لينالوا بها سعادة الدنيا والآخرة ، ولا يمكن أن يكون غيرها مساوياً لها أو أحسن منها ، قال الله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50 ، أي : لا أحد أحسن حكما من الله تعالى .
فمن ظن أن غير حكم الله أفضل من حكم الله فليراجع إيمانه .
نسأل الله العافية .(/2)
رقم السؤال:
100266
العنوان:
التصحيف والتحريف
السؤال:
ما الفرق بين الحديث المصحف والحديث المحرف ؟
الجواب:
الحمد لله
يقول الإمام السخاوي في تعريف التصحيف :
" هو تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى غيرها " انتهى . " فتح المغيث " (3/72)
وهذا من أحسن التعاريف وأشملها لجميع الصور التي يذكرها العلماء في التصحيف ، فإن العلماء أطلقوا التصحيف على العديد من الصور ، وهي :
1- تغيير في حروف الكلمة مما تختلف فيه صورة الخط : مثاله :
قال الشافعي : " صحف مالك في عمر بن عثمان وإنما هو عمرو بن عثمان ، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك ، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب " انتهى . " معرفة علوم الحديث " (150)
وقال أحمد : " صحف شعبة ( مالك بن عرفطة ) إنما هو خالد بن علقمة " انتهى .
"معرفة علوم الحديث" (146)
2- تغيير في نقط أو شكل الكلمة مع بقاء صورة الخط : وهذا أكثر إطلاق المحدثين .
مثاله : تصحيف ابن معين العوام بن مراجم بالراء والجيم ، إلى مزاحم بالزاي والحاء .
"تدريب الراوي" (2/648)
3- قلب الاسم : قال الحاكم : " سمعت أبا علي الحافظ يقول : صحف فيه أبو حنيفة ، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه عن الربيع بن سبرة عن أبيه ( وهو إنما قال عن سبرة بن الربيع ) . "معرفة علوم الحديث" (150)
4- إبدال لفظة مكان أخرى : مثاله :
روى الحاكم حديث المُحرِم الذي وقصته دابته وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( ولا تخمروا وجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) ثم قال : " ذكر الوجه تصحيف من الرواة لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه ( ولا تغطوا رأسه ) وهو المحفوظ " انتهى . "معرفة علوم الحديث" (148)
5- إبدال راو بآخر : مثاله :
قال الحاكم : " صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية ولم يتابع عليه ، والحديث عن جويرية " انتهى .
"معرفة علوم الحديث" (32)(/1)
قال الحافظ العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/298) :
" وقد أطلق من صنف في التصحيف ، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره ، وإنما أخطأ فيه راويه أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه " انتهى .
6- تغيير المعنى .
قال العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/300-301) :
" ومن أمثلة تصحيف المعنى ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال : ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة ، فهم منه تحليق الرؤوس ، وإنما المراد تحليق الناس حلقا " انتهى .
والناظر في كتب المحدثين يلحظ ما يلي :
- استعمال لفظة التصحيف أكثر من استعمال لفظة التحريف .
- أنه ليس ثمة فرق بين الاستعمالين ، بل هما لفظان مترادفان في استعمال المحدثين ولم يثبت التفريق بينهما في أي من الصور ، بل إن الخطابي في كتابه "إصلاح غلط المحدثين" (12) أطلق على جميع أمثلته التي ذكرها في التصحيف – وهي من الصورة الثانية – أطلق عليها لفظ التحريف حيث قال : " وهذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر الناس والمحدثين ملحونة ومحرفة " انتهى .
كما أن الناظر في كتب اللغويين يجد أن التصحيف والتحريف ألقاب مترادفة في استعمالهم ، وتكفي نظرة سريعة في كتاب "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ وفي كتاب "التنبيه على حدوث التصحيف" لأبي عبد الله حمزة الأصبهاني لإثبات هذه الحقيقة .
وهذه التسوية بين الاستعمالين هي الأقرب إلى أصل المعنى اللغوي لكل من التصحيف والتحريف ، فإن التصحيف لغة : الخطأ في الصحيفة ( كذا في القاموس 3/217) ، والتحريف لغة : التغيير ( كذا في القاموس 3/171) : وذلك يعم كل خطأ وكل تغيير دون تفريق بين صوره .(/2)
إلا أن بعض الأئمة اختار الفصل بين الاصطلاحين والتمييز بينهما ، وهو الإمام العسكري أبو أحمد الحسن بن عبد الله المتوفى سنة 382هـ ، فقد كتب عدة كتب في التصحيف والتحريف ، منها : "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" و "تصحيفات المحدثين" ، وكان تفريقه مبنيا على أن التصحيف هو ما كانت فيه المخالفة مع تشابه صورة الخط ، فإذا أدت المخالفة إلى تغيير الخط فهو التحريف ، وذلك في كتابه "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" (1/77) حيث ذكر مثالا أخطأ فيه الراوي في قول الشاعر ( إذا ما سرى في القوم ) فقرأها ( سرى بالقوم ) فعقب عليه العسكري بقوله : "هذا من التحريف لا من التصحيف " انتهى .
كما أنه في مقدمة "تصحيفات المحدثين" (1/4) قال : " هذا كتاب شرحت فيه من الألفاظ المشكلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف " انتهى .
وظاهر من هذا التفريق أنه يضيق فيه معنى لفظ التصحيف الذي يستعمله المحدثون ، فهم يطلقونه على كل تغيير ، والعسكري يقصره على التغيير الذي تبقى فيه صورة الخط واحدة .
والذي يبدو أن هذا الفصل بقي محصورا في استعمال الإمام العسكري فقط ، دون أن يتعدى إلى غيره من أهل العلم ، حتى كان عصر الحافظ ابن حجر في المتأخرين ، فحاول ضبط التفريق بين الاصطلاحين ، قصدا منه لتسهيل العلم وتحديده ، فاختار أن يفرق بينهما بقوله :
" إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق ، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف ، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف " انتهى . "نزهة النظر" (47)
ولم يكن الحافظ ابن حجر متابعا العسكري في هذا التفريق ، يظهر ذلك جليا في تغيير ( عُبَاد ) مثلا إلى ( عَبَّاد ) ، فهذا التغيير يسميه الحافظ ابن حجر تحريفا ، لأن الذي تغير فيه هو الشكل فقط ، أما العسكري فإنه يسميه تصحيفا لبقاء صورة الخط .
وتابع الحافظ على اصطلاحه كثير مما جاء بعده ، كالسيوطي .(/3)
انظر : "تدريب الراوي" (2/195 ، 386) ، والمناوي في شرح النخبة (2/431) ، والقاري في شرحها أيضاً .
قال : " وابن الصلاح وغيره سمي القسمين محرفاً ولا مشاحة في الاصطلاح ، والفرق أدق عند أرباب الفلاح " .
ولم يستعمل الحافظ ابن حجر هذا التفريق في كتاب آخر من كتبه ، بل رادف بينهما في كثير من المواضع ، فمن ذلك :
ما جاء في "الإصابة" (1/219) في ترجمة جاهمة السلمي قال :
" وقال ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن ابن إسحاق بهذا الإسناد ، لكن حرف اسم الصحابي ونسبته ، قال : عن جهم الأسلمي " انتهى .
وفي موضع آخر من "الإصابة" (1/270) قال :
" صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته ، وإنما هو جاهمة السلمي " انتهى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100267
العنوان:
حصل لها كثير من المصائب فأصابها اليأس من الحياة ، وتسأل عن الحل؟
السؤال:
ابتليت منذ فترة ببعض الآلام الجسدية التي زاد من حدتها بلاء " السحر " الذي كدر علي حياتي وتقدم سني مع عدم الزواج !! أكاد أشعر باليأس والإحباط ، فحياتي في شقاء ، وليس فيها شيء من مظاهر التوفيق أو النجاح ، ولا أقوم بواجباتي الدينية كما ينبغي ، فلا أنا ارتحت في الدنيا ، ولا أنا أشعر بحلاوة الإيمان . فكيف أقوى على الاستمرار في حياتي ؟
الجواب:
الحمد لله
أختي السائلة
من خلال كلامك وعرضك للمشكلة القائمة لديك يتبين لنا أمور هامة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار منها :
أولاً:
أن عندك من الخير ما لا يقدَّر بثمن ، وعلى رأس هذا الخير : الإسلام ، فهذه نعمة عظمى ومنة كبرى منَّ الله بها على كل مسلم ، مهما حصل له من البلاء والهم والغم والاكتئاب فلا بد له أن يتذكر أنه مسلم ، وأن الله يحب من عباده أن يكونوا مسلمين مع غناه عنهم وعدم ضره لو كفروا ، ولو وقعت منه بعض المنكرات ، فبقاؤه في دائرة الإسلام من نعم الله العظيمة عليه .
وتصوري - أختنا الفاضلة - أن لديك من الدنيا أجمل ما فيها : المال ، والمكانة ، والزوج ، والأولاد ، والبيت الهادئ المستقر ، والثقافة ، والسعادة تملأ حياتك ، وكل ما تمنيتيه فهو موجود لديك ، ولكن ذلك كله مع اعتناقكِ لليهودية ، أو النصرانية ، أو البوذية ، أو أنك تقدسين بقرة ، كملايين من الناس ، أو أنك تعبدين فأراً ، أو الشمس ، أو أي مخلوق آخر ، أو أنك من الحيارى التائهين : فهل سيكون ذلك خير أم ما أنت عليه من الهموم والغموم مع الإسلام ؟! .
وثانيها : السنَّة :(/1)
وتخيلي - أختنا الفاضلة - لو أنك تنتسبين إلى الإسلام ولكن على منهج غير قويم ، تصوري أنك شيعية رافضية تعتقدين أن القرآن محرّف ناقص وتقدِّسين عليّاً ، وتسبين الصحابة – رضوان الله عليهم جميعاً - ، وتكفِّرين عمومهم ، وتتعبدين الله بلعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وتتهمين أم المؤمنين عائشة بالزنا - كما هو حال الملايين ممن ينتسب للإسلام والإسلام منهم براء - ؟!
أو تصوري أنك ممن ينتسب إلى الإسلام ويعتقد أن الأولياء في قبورهم ينفعون ويضرون ، فيدعونهم ، ويستغيثون بهم ، ويذبحون لهم ، ويقدمون لهم القرابين ، وهذا لا شك أنه الكفر الصريح .
وهذه إشارة إلى فرقتين من بين اثنتين وسبعين فرقة تنتسب إلى الإسلام كلها في النار إلا واحدة كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام .
أيهما أحب إليك ؟ أن تكون الدنيا وما فيها من متاع تحت قدميك مع هذا الضلال والانحراف أم تكوني مسلمة سنية وفطرة وتوحيد مع كثير من الهموم والمتاعب ؟ .
ثالثها :
واحمدي الله تعالى على الهداية للصلاة والتوفيق للعمل الصالح ؛ فإن كثيراً من الناس يعدُّ نفسه مسلماً سنيّاً ، ولكنه لا يصلي ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ ) رواه الترمذي ( 2621 ) والنسائي ( 463 ) وابن ماجه ( 1079 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .(/2)
ومن التوفيق للعمل الصالح : حب الله ورسوله والصحابة كما ذكرت ذلك في رسالتكِ ، وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله : ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) رواه البخاري ( 16 ) ومسلم ( 43 ) .
وكذلك فإن حب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أعظم القربات التي حُرم منها أكثر البشر ، فقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " ( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) رواه البخاري ( 6169 ) ومسلم ( 2640 ) من حديث عبد الله بن مسعود ، ورواه مسلم ( 2639 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
فهذه الخيرات العظيمة التي لا تستبدل واحدة منها بالدنيا وما فيها من الملذات والنعيم ، وفي الواقع أنتِ لا تشعرين بقيمتها الحقيقية ؛ لأنك لم تجربي فقدها يوماً ولم تري شيئاً من ثمارها في الدنيا إلا القليل .
أختنا الفاضلة :
إننا لا نقلِّل من حجم المشكلة التي تعانين منها ، ولكن تضخيم الأمور قد يجعل من مشكلة واحدة مشكلات متعددة ، وأنت عندك في الواقع مشكلات متعددة ، فكيف لو ضخمتِ كل واحدة منها حتى أصبحت عدة مشكلات ؟! .
إن النظر إلى المشكلات من زاوية واحدة يُورث الهم والغم والاكتئاب ، وإن كانت صغيرة تعظم في نظر صاحبها حتى يرى أن هموم الدنيا كلها على كاهله ، ولا يمكن أن تكون هنالك مشكلة لدى مسلم ليس فيها إلا الشر المحض ، وفي أكثر الأحيان يكون الخير في المصيبة أضعاف السوء الذي فيها .(/3)
أولاً : هل تعلمين أن الله يبتلي المؤمنة لأنه يحبها ويحب الخير لها ، ففي الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام ( مَنْ يُرِد الله بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ ) رواه البخاري ( 5321 ) .
فأي فضل أعظم من أن يغسل الله عبده الذي يحبه من الذنوب أولاً بأول ، بالبلاء والمصائب ليلقاه يوم يلقاه نقيّاً لا ذنب عليه ، فتكون الفرحة عنده عظيمة ، ويعلم حينها أن البلاء الذي كان به من أعظم نعَم الله عليه .
والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول : ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ) . رواه الترمذي ( 2402 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فجددي نظرتك أختي الكريمة للحياة التي تعيشين ، وللمصائب التي تعانين ، وأحسني الظن بربك ، فهو أحكم الحاكمين سبحانه .
حاولي أختي قدر استطاعتك أن تنظري للجانب الطيب الجميل لكل مشكلة تعانينها : نفسيَّة كانت أو ماديَّة ، فمثلاً :
تأخر الزواج :
كم من الفتيات تأخر سن الزواج بالنسبة لهن فكان ذلك لهن خير عظيم .
فهذه امرأة بلغت الأربعين من العمر ، تزوجت أخواتها وتزوج إخوانها ، وتوفي والداها ، وبقيت في البيت وحدها ، وهي ذات دين وصلاح ، قالت لها امرأة : أعانك الله على هذه الوحدة ، بقيتِ وحدك بعدما ذهب كل أهلك ، وجعلتْ تصبِّرها ، فردت بجواب يعجز عنه كثير من الخاصة لو كانوا مكانها ، وصعقت المستمعات بإجابتها ، قالت : ومن قال لكِ إنني أعيش وحدي ؟ أبداً ؛ أنا ما عشتُ يوماً إلا مع من أحب ! فهو معي في الليل والنهار ، لا يفارقني طرفة عين ، أأناجيه في الأوقات الفاضلة ، إنه ربي .
مثال آخر : في مصيبة عدم الإنجاب :(/4)
إحدى الأخوات تزوجت ومكثت سنوات ولم تنجب ، ثم علمت من الفحوصات أنها هي سبب عدم الإنجاب ، فخيَّرت زوجها بين أن يطلقها أو تُزوِّجه امرأة أخرى تعيش معها كأختين في بيت واحد ، وكان يحبها لدينها ، وصلاحها ، فاختار أن يتزوج ، ويبقيها معه زوجة ثانية بكامل حقوقها الزوجية ، وتم ذلك فصار لديها وقت فراغ ، فالتزمت مع مجموعة من النساء في حفظ القرآن ، حتى أتمت حفظه ، ثم أخذت سنداً ، وإجازةً في القراءة ، والحفظ ، ثم بدأت تطالع وتدرس فأخذت دورة فقهية ، ودورة في العقيدة ، وهي الآن مدرسة للنساء في عدة مراكز نسائية ، وكان لها الفضل بعد الله في إدخال السنَّة في كثير من المناطق التي طالما عاشت على البدع والخرافات ، وكان لها أثر عظيم في رفع الجهل عن نساء طالما عبدن الله على جهالة ، فهي قد صبرت على برئها ، فأكرمها ربها ؛ لما ترى لتفرغها من الأثر العظيم على نفسها وغيرها من العلم والتعليم .
مثال ثالث :
وهذا المثال يتعلق بمشكلة من أكبر المشاكل التي تعانين منها وهي السحر ، وتأثير الجن والسحرة على الناس ، وفي هذا المثال إجابات على أكثر تساؤلاتك المتعلقة بالموضوع .
فتاة من عائلة طيبة متدينة ، ابتليت الأسرة بزوجة أحد الأبناء أنها تتعامل بالسحر ، فحصل بينها وبين أخت زوجها خلاف فسحرت لها سحراً ليعزف الخطاب عنها ، وليروها قبيحة عند أول رؤية ، فلا يرجع الخاطب ، وقد حصل ذلك مرات عديدة رغم أن عندها نسبة جمال ملحوظة ، وبقيت على ذلك مدة طويلة ، ثم عرضت نفسها على الرقية الشرعية من السحر فظهرت آثار السحر عليها ، وبقيت تتعالج مدة فلم تستفد ، كلما ظنت أن المشكلة عندها قد انتهت تتفاجأ بأنها مازالت تعاني من نفس السحر ، فأصيبت بما تصابين أنت به الآن من هم وغم واكتئاب .
وبدأت تتساءل ، ألهذه الدرجة يكره الناس بعضهم ويؤذون بعضهم بلا مبرر ، وأصبح السحر والجن يسبب لها الرعب في الليل والنهار ...(/5)
ثم عرضت مشكلتها على أحد أهل الاختصاص ، فقال لها : عشر نقاط ، التزمي بها ، وبإذن الله ألا تستمر هذه المشكلة إذا صبرتِ وتحملتِ مدة يسيرة ، ولا تحتاجين فيها أن تعرضي نفسك على رجل ليرقيك ، بل تعالجي نفسك بنفسك ، فقالت : أصبر ، وأبذل كل جهدي بإذن الله فكُتب لها عشر نقاط ، والتزمت بها وحافظت عليها بقوة ، وها هي النقاط العشر نكتبها لك ، ونسأل الله أن يوفقك للمحافظة عليها كجزء من علاج عدة مشكلات عندك ، والسحر واحدة منها ، وهذه النقاط هي :
1. قراءة ما تيسر من القرآن في كل يوم .
2 الدعاء في الثلث الأخير من الليل بإلحاح أن يفرج الله عنك .
3. تحري أوقات الإجابة ، والدعاء فيها ، مثل السجود ، وبين الأذان والإقامة ، وقبل التسليم من الصلاة .
4. المحافظة على أذكار الصباح والمساء ، حتى في أيام الحيض .
5. العناية بالأذكار المخصوصة ، كالذكر عند دخول المنزل ، ودخول الخلاء ، والخروج منه ، والنوم ، والاستيقاظ ، ومختلف مناسبات الأذكار ، وهي مفصلة في رسالة صغيرة الحجم عظيمة النفع ، وهي " حصن المسلم " للشيخ سعيد بن وهف القحطاني .
6. البعد عن المعاصي ، وترك الغفلة ومواطنها ؛ لأنها مواطن تجمع الشياطين ، وفيها يُستغل الغافلون ، فيُسيطر عليهم بالشهوات .
7. محاولة إعانة مكروب ، وتفريج كربته ، عسى الله أن يفرج كربتك بذلك ، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرَّج كربة أخيه فرَّج الله كربته .
8. الدعاء لأصحاب الكربات أن يفرج الله عنهم ؛ لأن ذلك مظنة دعاء الملائكة لك بمثل ما دعوتِ .
9. كثرة الاستغفار .
10. الإكثار من دعاء الكرب في مختلف الأوقات وهو : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش الكريم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم " .(/6)
وبعد شهر تقريباً من محافظتها على هذه الأمور – مع اختلاف يسير - : أذهب الله بلاءها ، وكتب لها الشفاء والعافية ، وما هي إلا أيام بعد ذلك حتى جاءها خاطب وتزوجت ، وعندها الآن ثلاثة أبناء ، وتعيش حياة هادئة مستقرة ، تتقلب بين النعم الدينية والدنيوية .
المثال الأخير ، وأسأل الله أن يجعل فيه عبرة وأسوة لك .
فتاة من عائلة غير متدينة ، تزوجت بشاب عامي يميل إلى التدين مع شيء من التهاون والتفريط في بعض الأمور الشرعية ، حملت بعد أشهر من الزواج ، ومكث الحمل مدة ثم سقط ميتاً ، حزنت هي وزوجها كثيراً ، ثم بعد عدة أشهر حملت ثانية ، ومكث الحمل عدة أشهر ثم سقط كالأول ، فكان الحزن للثاني أعظم ، فأصبحا يراجعان الأطباء لمعرفة الأسباب ، وتم تشخيص العلة ، وفي الحمل الثالث أخذت الأدوية اللازمة لتثبيت الحمل إلا أنه بعد أشهر سقط ميتاً مع أخذ كل الاحتياطات لتثبيته ، وكان الحزن هذه المرة أضعاف الأوليين ، وفقدا الثقة بالطبيب فبحثوا عن آخر أمهر منه لكن الأمر تكرر ، وأسقطت مرة أخرى ، فبدأ كل منهما يبحث عن علاج ويسأل فأرشدوا إلى شيخ يعالج بالرقية فقال لها عندك سحر قوي ، وهو الذي يسبب الإسقاط ، ويحتاج عدة جلسات ، وتم ذلك ، ولكن لم تستفد شيئا ، ثم إلى شيخ آخر ، وثالث ، ورابع ، وفي كل مرة يحصل علاج جزئي ثم تعود أعراض السحر إليها ثانية .
فضاقت الدنيا على الزوجين بما رحبت ، واقتربا من اليأس ، وأصبحت الحياة بلا طعم ، وكثير من التساؤلات التي طرحتيها - أختنا الفاضلة - في رسالتك كانا يطرحانها ، لماذا خلق الله الجن ؟ ولماذا يتمكن من أذيتنا دون أن نقدر على فعل شيء ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ فأصيبا باكتئاب ، وكاد ذلك يعصف بحياتهما الزوجية .(/7)
ثم يسَّر الله لزوجها لقاء أحد طلبة العلم الأفاضل ، فقال له : ألا أدلك على خير دينك ودنياك ؟ فقال الزوج : هذا ما أبحث عنه ، فكتب له قريبا مما ذكرنا من النقاط العشر ، فالتزمها هو وزوجته ، ويسَّر الله أمرهما ، وفرَّج كربهما ، ورزقا بطفلة غاية في الجمال .
لقد مرت هذه المرأة بابتلاء عظيم ، ومات أطفالها بفعل السحر ، وأنفقت الأموال على العلاج ، ولكن انقلب البلاء في النهاية إلى نعمة ، بل نعَم كثيرة ، فقد كانت تؤخر الصلاة عن وقتها فأصبحت تحافظ عليها ، وكانت تسمع الأغاني وتشاهد المسلسلات والأفلام وتحضر الأعراس المختلطة بما فيها من منكر ، فامتنعت هي وزوجها عن ذلك إلى هذه اللحظة ، وكانت لا تعرف قيام الليل ولا تلاوة القرآن ولا حفظه ولا طلب العلم ولا صيام النوافل ، ثم أصبحت من أهل ذلك كله ، حتى وإن انتهت المشكلة التي كانت تعاني منها قبل سنة ، إلا أنها ذاقت طعم الطاعة ، ولذة العبادة والمناجاة ، فقررت أن تحافظ عليها طيلة عمرها ، نعم كانت في مشكلة ومصيبة : فأصبحت مشكلتها سبباً لرفعتها في الدنيا والدين ، نسأل الله لنا ولها ولك أختنا الفاضلة الثبات على الدين والاستقامة .
والله الموفق(/8)
رقم السؤال:
100268
العنوان:
علاج الوسوسة في الاستنجاء والصلاة
السؤال:
أنا مصابة بوسوسة شديدة في كل عباداتي خاصة في الاستنجاء ..فعندما أقضي حاجتي أكرمكم الله أطيل في دورة المياه وصرت أكره دخولها مهما كانت الحاجة وكلما دخلت أبكي وأتألم من شدة الوسوسة..فلا أقتنع أبدا أنني طاهرة وأتعرض لحوادث كثيرة مثل ملامسة يداي بعد غسل المكان النجس فتلامس مكان طاهر واضطر لغسله أيضا ..وأتعرض لتطاير ماء الاستنجاء على قدمي أو جسمي فأشك واضطر لغسلهما كلما فرغت .. فما هو الحل؟ الكثير يقولون الإعراض عن الوسواس هو الحل..لكني لا أعلم حقا متى يحصل الإنقاء ومتى أنا طاهرة وهل تعدى البول المخرج وعلي غسل باقي الأعضاء أم لا..وإن تركتها اشك أقول ماذا ولو كان قد تعداها وأنا نجسة والله لا يقبل صلاتي..وإن غسلتها أحس أنني أكلف على نفسي . وسؤال آخر : ماذا لو عزمت في صلاتي على قطعها...أو وضوئي أو غسلي , فهذا يراودني كثيرا..تارة أقول انه لا يضرني وأكمل وتارة أقول أن العزم على قطع العبادة يبطلها لما فيه من قطع في النية فأقطعها وأعيدها من جديد لكن دون جدوى يحصل معي نفس الشيء ولا استطيع التحكم فيه...فماذا علي أن افعل؟ هل أكمل صلاتي أو وضوئي أو غسلي مهما عزمت على قطعها؟ أم هل هذا يبطلها وعلي الإعادة؟ فهذا الإحساس يراودني طيلة الصلاة من بدايتها إلى التشهد الأخير أو التسليم...شيئا يقول لي أعيديها أم اقطعيها أم أعيديها بعد فراغك وأنا لا أريد لأنني تعبت وأصبح يشق علي كثيرا..فهل صلاتي صحيحة إذا راودتني هذه الأفكار طيلة الصلاة؟ فما هو الحل؟ أفيدونا أفادكم الله
الجواب:
الحمد لله(/1)
ما ذكرته السائلة الكريمة يرجع إلى نوع من الوسواس ، وإلا فالطهارة والصلاة أمرهما يسير ، ولا تحتاجان هذا العناء ، فدين الله تعالى يسر لا حرج فيه ، كما قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/78 ، وقال : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/15
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ) رواه البخاري (39).
وعلاج ما تعانين منه بثلاثة أمور :
الأول : الاستمرار والمداومة على ذكر الله تعالى .
الثاني : اللجوء إليه سبحانه وسؤاله الشفاء والعافية من هذا البلاء .
الثالث : الإعراض التام عما يدعو إليه الوسواس . فإذا قضيت حاجتك ، واستنجيت ، فقومي ، ولا تلتفتي إلى كون يدك لمست مكانا طاهرا بعد لمس النجاسة ، ولا إلى تطاير ماء الاستنجاء على قدمك أو جسمك ، لأن الأصل الطهارة ، والشك في تنجس جسمك أو ملابسك ، لا يؤثر ، ولتعلمي أن بدنك وثيابك ، ومكان صلاتك ، بل وغير ذلك من الأشياء طاهرة ، فتبقى على حكم الطهارة حتى نتأكد من تنجّسها ، وأما الشك والأوهام والوساوس فلا يلتفت إليه وانظري جواب السؤالين (62839) ، (25778) .
وحصول الإنقاء وزوال النجاسة يكون بغسل الفرج ، ولا يلزم غسل ما حوله ، ولا تلتفتي إلى الماء المتطاير كما سبق ، وكوني على يقين من أنك طاهرة والحمد لله ، وأن صلاتك بهذه الطهارة صحيحة مقبولة بإذن الله ، فإن الله رحيم كريم ، يرحم عباده المذنبين ، فكيف بالطائعين المحبين .(/2)
وأما العزم على قطع الوضوء أو الصلاة ، فلا يضرك ذلك أيضا ، بل تجاهلي هذا الخاطر ، واستمري في وضوئك وصلاتك ؛ لأنه لا مبرر لقطع العبادة ، وإنما هذا من الوسوسة ، وهي لا تؤثر على عبادتك والحمد لله . فمهما جاءك الخاطر بقطع العبادة أو إعادتها فلا تلتفتي لذلك ، واستمري فيها ، وسلي الله تعالى قبولها ، لأنك بذلت ما في وسعك ، وأديت ما عليك ، والله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها .
فاعملي بهذه النصيحة ، واستمري عليها ، ودعي عنك الوسواس فإنه من كيد الشيطان ، وكيده ضعيف كما أخبر ربنا سبحانه ، وثقي بأنك إن أعرضت عن الوسوسة زالت عنك ، بحول الله وقوته .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لطاعته ، وأن يسعدك بعبادته ، وأن يصرف عنك ما تجدين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100270
العنوان:
تشك في صحّة نسبها إلى أبيها
السؤال:
إذا كنت ابنة زنى ونسبت للرجل الذي أعيش معه وهو والدي بالهوية وما هو مصيري للجنة أم النار ؟ وماذا أفعل ؟ أقوم بفضح أهلي وأذهب للرعاية الاجتماعية أم أسكت عن وضعي وأستر على أهلي وكيف أعيش مع أخ مختلف الأب ، سامح الله أمي هي سبب دماري أفتوني أنا فتاة مستقيمة والحمد لله لا تقولوا لي من يثبت أنك لست ابنة هذا الرجل لأني أشبه الرجل الذي زنت أمي معه . ساعدوني ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ولد الزنا ليس مسئولا عن الجريمة التي اقترفتها أمه ، ولا يؤاخذ بها ، بل هو مسئول عن عمله ، فإن كان صالحا طائعا كان من أهل الجنة ، وإن كان عاصيا فاسقا ، كان مستحقاً لدخول النار ، فشأنه في ذلك شأن غيره من الناس ، لا فرق بينه وبينهم .
ثانيا :
من كان لها زوج ، وأتت بولد يمكن أن يكون من ذلك الزوج ، ( بأن تكون ولادته بعد ستة أشهر من الزواج ) فهذا الولد ينسب شرعاً لزوجها ، ولا يجوز نفي نسبه منه ، إلا أن ينفيه الزوج نفسه ، ويلاعن زوجته على ذلك .
ودليل ذلك : ما رواه البخاري (2053) ومسلم (1457) أَنَّ َسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تنازع هو وعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي عبدٍ لزَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هذا ابن أَخِي عتبة بن أبي وقاص ، عهد به إليَّ فهو ابنه ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ : هذا أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي ، فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ ، فَقَالَ : هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ . ثم قال لسودة بنت زمعة وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها : ( َاحْتَجِبِي عنْهُ يَا سَوْدَةُ ) .(/1)
فحيث ولد المولود على فراش الزوجية ، فإنه ينسب للزوج ، ولا ينفى عنه إلا باللعان ، بأن يلاعن الزوج زوجته وينفي الولد عنه ، ولا عبرة بوجود الشبه ، وقد بان من الحديث السابق أن الولد الذي وقع عليه النزاع ، كان به شبه بيّن بالزاني وهو عتبة بن أبي وقاص ، وهذا الزنا وقع في الجاهلية ، وسعد رضي الله عنه يريد أن ينسب العبد لأخيه الذي أوصاه بذلك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن الولد للفراش ، ونسبه لزمعة وهو صاحب الأمة ، وراعى الاحتياط لأجل الشبه فأمر سودة بنت زمعة أن تحتجب من أخيها هذا .
فاجتمع هنا : الإقرار بالزنا ، ووجود الشبه البيّن ، ومع ذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم النسب لصاحب الفراش ، وهذا من احتياط الشريعة للأنساب ، ورغبتها في الستر ، فإن النسب حق للمولود .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة ) فَأَمَرَهَا بِهِ نَدْبًا وَاحْتِيَاطًا , لِأَنَّهُ فِي ظَاهِر الشَّرْع أَخُوهَا لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِأَبِيهَا , لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّبَه الْبَيِّن بِعُتْبَةَ بْن أَبِي وَقَّاص خَشِيَ أَنْ يَكُون مِنْ مَائِهِ فَيَكُون أَجْنَبِيًّا , مِنْهَا فَأَمَرَهَا , بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ اِحْتِيَاطًا ...(/2)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - : كَانَتْ عَادَة الْجَاهِلِيَّة إِلْحَاق النَّسَب بِالزِّنَا وَكَانُوا يَسْتَأْجِرْنَ الْإِمَاء لِلزِّنَا فَمَنْ اِعْتَرَفَتْ الْأُمّ بِأَنَّهُ لَهُ أَلْحَقُوهُ بِهِ فَجَاءَ الْإِسْلَام بِإِبْطَالِ ذَلِكَ وَبِإِلْحَاقِ الْوَلَد بِالْفِرَاشِ الشَّرْعِيّ , فَلَمَّا تَخَاصَمَ عَبْد بْن زَمْعَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَقَامَ سَعْد بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عُتْبَة مِنْ سِيرَة الْجَاهِلِيَّة وَلَمْ يَعْلَم سَعْد بُطْلَان ذَلِكَ فِي الْإِسْلَام وَلَمْ يَكُنْ حَصَلَ إِلْحَاقه فِي الْجَاهِلِيَّة , إِمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى , وَإِمَّا لِكَوْنِ الْأُمّ لَمْ تَعْتَرِف بِهِ لِعُتْبَة , وَاحْتَجَّ عَبْد بْن زَمْعَة بِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاش أَبِيهِ فَحَكَمَ لَهُ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل , فادعاه آخر ، أنه لا يلحقه " انتهى من "المغني" (6/228).
وبناء على ذلك ، فإذا كنت ولدت بعد ستة أشهر من نكاح والدك لأمك ، فأنت منسوبة لأبيك ، ولا يمكن نفي نسبك إلا باللعان ، وليس لك أن تشكّي في أمك وتسيئي بها الظن لوجود الشبه ، فإن الشبه قد يحصل من غير زنا .
ومهما كان الأمر فإن الشبه أو إقرار المرأة بالزنا لا يوجب نفي نسب الولد ، حتى يلاعن الزوج ، وينظر جواب السؤال رقم (33615) لبيان حقيقة اللعان وما يترتب عليه .
والذي ينبغي لك هو الإعراض عن هذا الأمر وعدم التكفير فيه ، والاهتمام بإصلاح العمل ، والاستقامة على هذا الدين .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما يبح ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100274
العنوان:
حكم الصعود إلى غار حراء وغار ثور
السؤال:
ما حكم الصعود إلى غار حراء بقصد الاطلاع والاستكشاف ؟ وهل يختلف الحكم فيه أن كان في أيام الحج أو غيره؟
الجواب:
الحمد لله
الصعود إلى غار حراء إن كان بقصد التقرب إلى الله عز وجل ، فهذا من البدع المحدثة التي لم يدل عليها دليل شرعي ، والأصل في العبادات التوقيف ، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله أو شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم .
وإن كان بقصد الاطلاع والاستكشاف ، فلا يمنع منه ، إلا أن يخشى الإنسان اغترار الجهال بصعوده ، فيقتدون به ، ويظنون الصعود إليه قربة وعبادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا وما في سفح أبي قبيس ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فليس قصد شيء من ذلك من السنة ولا استحبه أحد من الأئمة ، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة ، والمشاعر : عرفة ومزدلفة والصفا والمروة ، وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال إنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك فإنه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك ، بل هو بدعة" انتهى من "مجموع فتاوى ابن تيمية" (26/144).
وذكر رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم " اعتمر عمرته الرابعة مع حجة الوداع ، وحج معه جماهير المسلمين ، لم يتخلف عن الحج معه إلا من شاء الله .
وهو في ذلك كله ، لا هو ولا أحد من أصحابه يأتي غار حراء ، ولا يزوره ، ولا شيئا من البقاع التي حول مكة ، ولم يكن هناك عبادة إلا بالمسجد الحرام ، وبين الصفا والمروة ، وبمنى والمزدلفة وعرفات . . .
ثم بعده خلفاؤه الراشدون ، وغيرهم من السابقين الأولين ، لم يكونوا يسيرون إلى غار حراء ونحوه للصلاة فيه والدعاء .(/1)
ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله عليه ؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك ، ولكان يعلم أصحابه ذلك ، وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم ، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك ؛ عُلِم أنه من البدع المحدثة ، التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة ، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم ، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 425.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : يقع حوادث سقوط بعض الحجاج أثناء صعودهم لجبل النور ونزولهم من الغار ، ويقترح بعض الناس القيام بعمل درج يؤدي إلى موقع الغار مع قفل جميع الجهات بشبك حديدي يمنع دخول أي أحد إلا من الطريق المخصص للصعود والنزول.
فأجابوا :
"الصعود إلى الغار المذكور ليس من شعائر الحج ، ولا من سنن الإسلام ، بل إنه بدعة ، وذريعة من ذرائع الشرك بالله ، وعليه ؛ ينبغي أن يمنع الناس من الصعود له ، ولا يوضع له درج ولا يسهل الصعود له ؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته . وقد مضى على بدء نزول الوحي وظهور الإسلام أكثر من أربعة عشر قرنا ، ولم نعلم أن أحدا من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا صحابته ، ولا أئمة المسلمين الذين ولوا أمر المشاعر خلال حقب التاريخ الماضية أنه فعل ذلك ، والخير كل الخير في اتباعهم والسير على نهجهم ؛ حسبة لله تعالى ، ووفق منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسدا لذرائع الشرك " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/359) .(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة ، وليس كذلك ، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار ، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه ، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة ، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عز وجل ، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود ، فهل ينكر عليه ؟
الجواب : لا ينكر عليه ، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك " انتهى من "اللقاء الشهري" (65/3).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100322
العنوان:
هل تبيع من حليها لتكفر كفارة اليمين أم يجوز لها الصوم؟
السؤال:
لي عدد من الأيمان لا أعرف عددها فكيف أكفر عنها ؟ وهل الزوج مجبر على دفع الكفارة عن زوجته إذا لم يتوفر لديها المال؟ وهل لي أن أنتظر حتى أحصل على المال ثم أكفر . أم أصوم ؟ علما أن لدي شيئا من الحلي ، فهل علي بيعه لأحصل على المال ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأيمان إذا تعددت وكانت على شيء واحد ، ففيها كفارة واحدة ، مثل أن يقول : ( والله لا أكلم فلانا ) ويكرر ذلك كثيرا ثم يكلمه ، فعليه كفارة واحدة .
وإن تعدد المحلوف عليه فلكل يمين كفارة ، مثل أن يقول : ( والله لا أكلم فلانا ) ثم يكلمه ، ( والله لا أسافر إلى كذا ) ثم يسافر ، وهكذا . فعليه كفارتان .
وإذا جهلت عددها ، فعليك الاحتياط ، فتكفّرين بما يغلب على ظنك براءة ذمتك به .
وينظر : جواب السؤال رقم (36749) .
ثانيا :
لا يجبر الزوج على سداد ديون زوجته ، سواء كانت ديونا في حق الله تعالى كالزكاة والكفارات ، أو ديونا في حق المخلوقين ، فالزوجة هي التي تكفر عن الأيمان التي حلفتها . وإن تبرع الزوج بدفع الكفارة فلا بأس بذلك ، وهذا من حسن خلقه وعشرته لزوجته ، ولكنه لا يلزمه ذلك.
ثالثا :
كفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام ؛ لقوله تعالى : ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/39 .(/1)
والقدر الواجب في الإطعام هو نصف صاع لكل مسكين ، أي كيلو ونصف تقريبا من الأرز ونحوه ، وإن كان معه شيء من الإدام فهو أفضل ، ويجزئك في ذلك أن تغدي عشرة مساكين، أو تعشيهم .
ويكفي في الكسوة قميص ( ثوب ) لكل مسكين .
ينظر جواب السؤال رقم (45676) .
فإذا لم تجدي المال الكافي لإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فصومي ثلاثة أيام ، ولا يلزمك انتظار الحصول على المال ، بل الأفضل التعجيل بكفارة اليمين وعدم تأخيرها .
والضابط في إباحة الانتقال إلى الصوم : ألا يجد الإنسان ما يكفّر به فاضلا عن قوت يومه وليلته وعن حوائجه الأصلية من المسكن والمركب والخادم الذي يحتاج إليه .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/18- 20) : "ويكفّر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله , يومه وليلته , مقدارُ ما يكفر به" .
إلى أن قال : " والكفارة إنما تجب فيما يفضل عن حاجته الأصلية , والسكنى من الحوائج الأصلية , وكذلك الدابة التي يحتاج إلى ركوبها . . . وكذلك الخادم الذي يحتاج إلى خدمته .
إذا ثبت هذا , فإنه إن كان في شيء من ذلك فضل عن حاجته , مثل من له دار كبيرة تساوي أكثر من دار مثله , ودابة فوق دابة مثله , وخادم فوق خادم مثله , يمكن أن يحصل به قدر ما يحتاج إليه وتفضل فضلة يكفر بها , فإنه يباع منه الفاضل عن كفايته , أو يباع الجميع , ويشترى له قدر ما يحتاج إليه , ويكفر بالباقي . وإن تعذر بيعه , أو أمكن البيع ولم يمكن شراء ما يحتاج إليه , ترك ذلك , وكان له الانتقال إلى الصيام " انتهى .
ومن الحوائج الأصلية للمرأة : الحلي الذي تتزين به ، فإن كان ما معها من الحلي على قدر حاجتها من غير زيادة ، ولا إسراف ، فلا يلزمها أن تبيعه لتكفر عن يمينها ، ويكفيها في هذه الحالة أن تكفر عن يمينها بالصوم .
وإن كان زائدا عن حاجتها باعت من الزيادة لتكفر عن يمينها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100324
العنوان:
التورق المصرفي من البنك الأهلي في السلع المحلية
السؤال:
ما رأي فضيلتكم في التمويل الشخصي من البنك الأهلي وهو شراء سلعة( أرز هندي) يمتلكها البنك من شركة العيسائي في جدة .
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت السلعة مملوكة للبنك ، فلا حرج عليك في شرائها منه بالتقسيط ، ثم تبيعها بنفسك بعد قبضها ، على طرف ثالث ، ولا يجوز أن توكل البنك في بيعها .
وشراء الإنسان السلعة بالأقساط ، لأجل أن يبيعها ويحصل على النقد ، يسمى عند أهل العلم بالتورق ، وهو جائز عند أكثر العلماء .
لكن توكيل البنك (البائع) ببيع السلعة ، يجعل المعاملة شبيهة بالعينة ، وفي الغالب لا يكون فيه قبض صحيح للسلعة ، ولهذا صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بتحريم هذه المعاملة ، وهي ما تسمى بالتورق المصرفي المنظم ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98124) .
وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن التورق المصرفي من البنك الأهلي في السلع المحلية ، فأجاب : " لا أرى جواز توكيل أحد في القبض في السلع المحلية ، بل لا بد من قبض العميل لها ، وبيعها على غير المعرض الذي كانت فيه. والله أعلم " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت .
والخلاصة : أنه لا حرج في شرائك السلعة من البنك ، فإذا قبضتها ، بعتها بنفسك على طرف ثالث . ولا يجوز أن توكل البنك في بيعها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100325
العنوان:
هل أبي يكون محرماً لزوجة أخي من الأم ؟
السؤال:
لي أخ من أمي قد تزوج ولله الحمد ... فهل يكون أبي محرماً لزوجته أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يكون محرماً لها ، لأنه ليس بابنه ، إنما هي زوجة ابن زوجته . فأخوك لأمك هو ابن زوجة أبيك التي هي أمك ، فزوجة أخيك لأمك أجنبية منه وليس بمحرم لها ، ولو طلقها أخوك جاز لأبيك أن يتزوجها ؛ لأنها ليست بزوجة ابنه ولا هي ابنة زوجته بحيث تكون ربيبته فلا يكون محرماً لها ، وإنما هي زوجة ابن زوجته فهي أجنبيه منه . والله أعلم .
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 221(/1)
رقم السؤال:
100329
العنوان:
إطلاق لفظ الوالد على العالم والمربي وكبير السن
السؤال:
هل إطلاق كلمة والد على العلماء فيه تشبه بنصارى العرب الذين يسمون القساوسة بالآباء والأعاجم في كلمة " البابا" على مرجعيتهم الدينية؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في مخاطبة العالم أو الشيخ الكبير بالوالد ، أو بالأب ، على معنى أنه بمنزلتهما في الاحترام والتوقير ، لا أبوة النسب .
وقد روى أبو داود (8) والنسائي (40) وابن ماجه (313) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ ، أُعَلِّمُكُمْ ، ..) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد جاء في القرآن إطلاق الأب على غير أب الصلب ، كما في قوله تعالى : ( قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/133 .
وإسماعيل عليه السلام من أعمامه لا من آبائه .
وفي "فتاوى ابن الصلاح" رحمه الله (1/186) : " هل يجوز أن يطلق في الكتاب العزيز ، والحديث الصحيح على الأب من غير صلب ؟
فأجاب رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى: ( قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل )، وإسماعيل من أعمامه لا من آبائه .
وقال سبحانه وتعالى : ( ورفع أبويه على العرش ) ، وأمه كان قد تقدم وفاتها، قالوا: والمراد خالته، ففي هذه استعمال الأبوين من غير ولادة حقيقية وهو مجاز صحيح في اللسان العربي.
وإجراء ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم والعالم والشيخ سائغ من حيث اللغة والمعنى ، وأما من حيث الشرع ، فقد قال الله سبحانه وتعالى: ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم )، وفي الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ).(/1)
فذهب لهذا بعض علمائنا إلى أنه لا يقال فيه صلى الله عليه وسلم أنه أب المؤمنين، وإن كان يقال في أزواجه أمهات المؤمنين، وحجته ما ذكرت، فعلى هذا يقال هو مثل الأب أو كالأب أو بمنزلة أبينا، ولا يقال هو أبونا أو والدنا، ومن علمائنا من جوز وأطلق هذا أيضا، وفي ذلك للمحقق مجال بحث يطول ، والأحوط التورع والتحرز عن ذلك .....) انتهى بتصرف.
وقد نص الشافعي رحمه الله على أنه يجوز أن يقال : أبو المؤمنين ، أي في الحرمة . انظر : "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" (4/91).
وقال القرطبي رحمه الله : " والصحيح : أنه يجوز أن يقال إنه أب للمؤمنين ، أي في الحرمة ، وقوله تعالى ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) أي في النسب " انتهى.
فلا حرج في إطلاق "الأب" عليه صلى الله عليه وسلم ، ولا يضر كون النصارى يستعملون ذلك ، فإن التشبه بهم إنما يمنع فيما كان من خصائصهم ، أما هذا الإطلاق فمما يشترك فيه الناس من العرب وغيرهم ، بل وقبل وجود النصارى ، كما قال الله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام : ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ) الحج/78 .
فسماه الله تعالى أبا للمؤمنين .
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (12/91) : " وإبراهيم هو أبو العرب قاطبة . وقيل : الخطاب لجميع المسلمين ، وإن لم يكن الكل من ولده ، لأن حرمة إبراهيم على المسلمين كحرمة الوالد على الولد " انتهى .
ولا يزال الناس يستعملون هذا في مخاطباتهم ، فيقولون للعالم والمربي وكبير السن : الوالد ، ويقول الواحد من هؤلاء لمن هو أصغر منه : يا بنيّ ، ونحو ذلك .
وروى مسلم في صحيحه (2151) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا بُنَيَّ ) .
وبوب عليه النووي رحمه الله : " باب جواز قوله لغير ابنه : يا بني ، واستحبابه " .(/2)
والبنوة هنا كالأبوة ولا فرق ، فلا يراد بها بنوة النسب ، وإنما يراد من ذلك إظهار الشفقة والرحمة ، وهو استعمال سائغ ، ولو استعمله القساوسة مع أتباعهم ، فإن هذا ليس من خصائصهم كما سبق .
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله : اشتهر في الوقت الحالي إطلاق لقب والد على علماء الدين الإسلامي كبار السن والعلم والمقام، فهل إطلاق هذا اللفظ يجوز؟ مع ملاحظة الآتي : أن النصارى يطلقون لفظ البابا على علمائهم الكبار في العلم والمقام.
لم يرد عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الصحابة أو التابعين أو السلف إطلاق لفظ الوالد أو الأب على العلماء.
لو كان لأحد أن يلقب بالوالد، لما كان أحد أحق بها من رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال ربنا فيه: ( ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) .
فأجاب :(/3)
" الحمد لله، لا نعلم أن أحداً من العلماء قد صار لفظ الوالد لقباً له، لكن جرت العادة في بعض المجتمعات أن يعبروا عن كبير السن بالوالد ، سواء كان عالماً أو غير عالم، فيذكر هذا اللفظ في مخاطبته يقال: يا والدي أو يا والد أو في الخبر عنه. فلم يصل الأمر إلى أن يكون فيه شبه من المصطلح النصراني، فالنصارى يجعلون ذلك لقباً لكبير أهل ملتهم، وأما قولك إن الرسول صلى الله عليه وسلم مع علو قدره وفضله وعظيم حقه على أمته ليس أباً استدلالاً بقوله تعالى: ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) الأحزاب/40 ، فالأبوة المنفية هي أبوة النسب، وأما الأبوة أبوة المنزلة والاحترام فهي ثابتة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاء في بعض القراءات ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم ) الأحزاب/ 6 ، فهذه الأبوة والأمومة أبوة منزلة واحترام وإكرام ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ) وهو فوق ذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحقه على أمته أعظم من حق الوالدين وجميع الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) البخاري (14)، ومسلم (44) والله أعلم " انتهى .
والحاصل أنه لا حرج في مخاطبة العالم والشيخ الكبير بالوالد ، ولا يعد هذا تشبها بالنصارى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100381
العنوان:
هل يلزم الورثة التخلص من الفوائد الربوية؟
السؤال:
توفي والدي وترك لنا مالا في أحد البنوك الحكومية ، وهذا المال تحسب عليه فوائد منذ أن وضعه لأول مرة عام ( 86 ) إلى أن توفى في عام 2005 . وقمت بعد أن توفى بإيقاف الفوائد المحتسبة . وأنا الآن بصدد التخلص من هذه الفوائد . سؤالي هو ... هل أتخلص من الفوائد المحتسبة خلال هذه الفترة أو فقط خلال السنة أو السنتين الأخيرتين ما قبل إغلاق الفوائد وإيقافها ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها عند عدم وجود البنك الإسلامي، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري (أي : بدون فوائد) ، من باب ارتكاب أخف الشرين ، والفائدة المأخوذة على إيداع المال في البنك الربوي ، فائدة محرمة ، وهي من الربا الذي حرمه الله ورسوله أشد التحريم ، ولهذا يجب التخلص منها بإنفاقها في المصالح العامة ووجوه الخير . وينظر جواب السؤال رقم (20876) و (45691).
وهذا التخلص واجب في حق من تعامل بالربا ، وأما الورثة فلهم الانتفاع بهذا المال عند بعض أهل العلم ؛ لأن المحرم لكسبه ـ كالربا ـ حرام على الكاسب فقط ، لا على من انتقل إليه المال بوجه مباح كالإرث والهبة ونحوها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب ، مثل الربا ، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته ، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرما قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" 1/304 .(/1)
وعلى هذا ، فلا حرج عليكم من الانتفاع بهذا المال ، لكن ينبغي التنبه إلى أن الفوائد التي أضيفت للمال بعد وفاة والدكم يجب عليكم التخلص منها ، لأن المال انتقل إلى ملككم بموت والدكم ، أما الفوائد التي أخذها الوالد في حياته ، فلا حرج عليكم من الانتفاع بها ، ولا يلزمكم التخلص منها .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الفائدة الربوية لا تدخل في التركة ، وأنه يجب التخلص منها ، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء .
ينظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/455، 479).
والقول الأول هو ما نختاره ونذهب إليه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100399
العنوان:
استيقظ جنبا وخاف فوات المحاضرة فهل يوضأ؟
السؤال:
أحيانا أجد نفسي محتلما بعد النوم صباحا وهذا قبل ذهابي للجامعة فلا يوجد وقت للاغتسال ومواعيد محاضراتي مستمرة حتى ما بعد صلاة العصر مما لا يتيح لي إمكانية العودة للمنزل للاغتسال والصلاة بالإضافة لعدم إمكانية الاغتسال في الجامعة ؟ فهل يجزئ الوضوء أم أقضي الظهر والعصر بعد رجوعي إلى المنزل ؟
الجواب:
الحمد لله
من استيقظ ووجد نفسه محتلما ، لزمه الغسل ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) النساء/43 ، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء ، أو لعدم قدرته على استعماله ، تيمم وصلى ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6 .
وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل .
وذهابك للجامعة لا يعد عذرا يبيح التيمم ، بل يلزمك الغسل ولو أدى إلى تأخرك عن المحاضرة الأولى أو بعضها ، وإذا اقتصد الإنسان في غسله أمكن أن يفرغ منه في دقائق معدودة .(/1)
والمقصود : أن أمر الصلاة والطهارة لها عظيم ، والإتيان بهما مقدم على أمر الدراسة ؛ فلا يجوز التهاون في ذلك ، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر يبيح جمع الصلاتين ؛ لقوله تعالى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 ، وقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 ، وقوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 .
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100402
العنوان:
هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا ؟
السؤال:
هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا ؟
الجواب:
الحمد لله
الأولاد هبة من الله تعالى ، وسائر أرزاق العباد ومقاديرهم بيده سبحانه ، وإليه سبحانه يرجع الأمر كله : يعطي ويمنع ، يخفض ويرفع ، لا راد لفضله ، ولا معقب لحكمه سبحانه :
( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى49-50) قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى ، ونفوذ تصرفه في الملك : في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، حتى إن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد، فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد، فاللّه تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء ؛ فمن الخلق من يهب له إناثا، ومنهم من يهب له ذكورا، ومنهم من يزوجه، أي: يجمع له ذكورا وإناثا، ومنهم من يجعله عقيما لا يولد له.
{ إِنَّهُ عَلِيمٌ } بكل شيء { قَدِيرٌ } على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، وبقدرته في مخلوقاته " انتهى .
وقد جاء في فضل البنات والقيام عليهن وتربيتهن أحاديث صحيحة ، منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631).(/1)
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ ) رواه الترمذي (1916) وأبو داود (5147) وابن ماجه (3669) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
وأما فضل مجيء البنت أولا ، فقد جاء فيه حديث ضعيف ، بل موضوع عند بعض أهل العلم
قال الحافظ السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (1/677) : " حديث ( من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ) : الديلمي عن واثلة بن الأسقع مرفوعا بلفظ : ( من بركة تبكيرها بالأنثى ألم تسمع قوله تعالى : ( يهب لمن يشاء إناثا ) فبدأ بالإناث ) ، ورواه أيضا عن عائشة مرفوعا بلفظ : ( من بركة المرأة على زوجها تيسير مهرها وأن تبكر بالإناث ) وهما ضعيفان " انتهى .
وقال السيوطي في فتاويه : لا يصح . انظر : "كشف الخفاء" (2/287).
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة والموضوعة" (9/ 142) : " ( من يمن المرأة أن يكون بكرها جارية ) : موضوع ، أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 302) من طريق شيخه محمد بن محمد بن الأشعث : حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده جعفر ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي مرفوعاً .
قلت : موضوع ، المتهم به هذا الشيخ ؛ فقد ساق له ابن عدي نحو خمسة وعشرين حديثاً من أصل قرابة ألف حديث بهذا الإسناد العلوي ، وقال : "وعامتها من المناكير ، وكان متهماً" . وقال الدارقطني : "آية من آيات الله ! وضع ذاك الكتاب . يعني العلويات" .
وقد مضى له حديث آخر موضوع في المجلد الرابع رقم (1932) . وقال الذهبي في "الميزان" : "وساق له ابن عدي جملة موضوعات" " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100431
العنوان:
الأكل من مطاعم الوجبات السريعة في الغرب
السؤال:
سؤالي عن الأكل من مطاعم الوجبات السريعة ببريطانيا . لقد قرأت السؤال رقم (12776) والذي يشير إلى جواز أكل ذبائح أهل الكتاب إذا ما صعقت لشل حركتها وذكيت قبل موتها من الصعق . في الحقيقة وقع في يدي جريدة بريطانية تشرح عملية الذبح بالتفصيل تحت عنوان " كيف تصل اللحوم إلى مائدتكم " وجاء بها أن الأبقار تُرمى بإطلاقٍ ناري على بعد (15) سم ، على أن هذا لا يقتلها ، بل يشل حركتها ، ثم تعلق إلى المذبح ليتم قطع رأسها من أعلى العنق . هل يجوز أكل هذا النوع من الذبائح ؟ أو بمعنى آخر : هل يجوز الأكل من المطاعم الغربية إذا افترضنا أنها طريقتهم بالذبح ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من أهم شروط تحقق الذكاة الشرعية شرطٌ يقوم في المذبوح ، وهو أن يكون الحيوان حيا وقت الذبح ، وللفقهاءِ تفصيلاتٌ وتقسيماتٌ كثيرة في بيانِ معنى كون الحيوان حيا وقت الذبح ، والتفريقِ بين ما قامت به بعض أسباب الهلاك الأخرى كالانخناق والتردي وبين ما لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك ، إلا أن الذي يتجه من تلك التفصيلات ، إن شاء الله ، هو أن وجود أصل الحياة في الحيوان كاف لتحقق الذكاة الشرعية ، وعلامته إنهار دم الحياة ، ولا يشترط شيء زائد على ذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (35/237) :
" والصحيح : أنه إذا كان حيا فذُكِّيَ حل أكلُه ، ولا يعتبر فى ذلك حركة مذبوح ، فإن حركات المذبوح لا تنضبط ، بل فيها ما يطول زمانه وتعظم حركته ، وقد قال: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا )
فمتى جرى الدم الذي يجري من المذبوح الذي ذبح وهو حي ، حل أكله .(/1)
والناس يفرقون بين دم ما كان حيا ودم ما كان ميتا ، فإن الميت يجمد دمه ويسود ، ولهذا حرم الله الميتة لاحتقان الرطوبات فيها ، فإذا جرى منها الدم الذى يخرج من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله وإن تيقن أنه يموت ، وقد أفتى غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم بأنها إذا مصعت بذنبها ، أو طرفت بعينها ، أو ركضت برجلها بعد الذبح حلت ، ولم يشرطوا أن تكون حركتها قبل ذلك أكثر من حركة المذبوح ، وهذا قاله الصحابة لأن الحركة دليل على الحياة ، والدليل لا ينعكس ، فلا يلزم إذا لم يوجد هذا منها أن تكون ميتة ، بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك ، والإنسان قد يكون نائما فيذبح وهو نائم ولا يضطرب ، وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب ، وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية ، ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح ، وليس هو دم الميت ، دليل على الحياة . والله أعلم " انتهى .
ثانيا :
وبناء على ذلك ، فما ذكرته – أخي السائل – من بعض المعلومات عن طريقة الذبح في مكان إقامتكم ، وأنهم يستعملون إطلاق العيار الناري لشل حركة الحيوان قبل الذبح ، وذلك إذا غلب على ظن من يقوم به أن إطلاق النار على هذا المحل من جسم الحيوان لا يؤدي إلى قتله ، إنما إلى إيقاف حركته فقط ، وأن الحياة لا زالت سارية فيه ، فلم تفارقه روحه ، ولا يخشى عليه من ذلك ، فمثل هذا إن ذبح بعدها الذبح الشرعي ، فإنه يحل أكله ، ولا بأس بإطلاق النار عليه ، تسهيلا لمهمة ذبحه .
وقد سبق في موقعنا بيان حكم الذبح بعد الصعق أو التخدير ، وننقل هنا لمزيد من البيان قرار "المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة" ، فقد جاء فيه :(/2)
" أولا : إذا صعق الحيوان المأكول بالتيار الكهربائي ، ثم بعد ذلك تم ذبحه أو نحره وفيه حياة فقد ذكي ذكاة شرعية ، وحل أكله ، لعموم قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3
ثانيا : إذا زهقت [ أي : خرجت ] روح الحيوان المصاب بالصعق الكهربائي قبل ذبحه أو نحره فإنه ميتة يحرم أكله ، لعموم قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )
ثالثا : صعق الحيوان بالتيار الكهربائي عالي الضغط هو تعذيب للحيوان قبل ذبحه أو نحره ، والإسلام ينهى عن هذا ويأمر بالرحمة والرأفة به ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .
رابعا : إذا كان التيار الكهربائي منخفض الضغط وخفيف المس ، بحيث لا يعذب الحيوان ، وكان في ذلك مصلحة كتخفيف ألم الذبح عنه وتهدئة عنقه ومقاومته فلا بأس بذلك شرعا مراعاة للمصلحة ، والله أعلم " انتهى . نقلا عن "فقه النوازل" (4/251) للدكتور الجيزاني.
وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي بجدة" رقم (94) :
" أ - الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان ؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل ، رحمة بالحيوان ، وإحسانا لذبحته ، وتقليلا من معاناته .
ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم ، بحيث تحقق الأصل في الذبح على الوجه الأكمل .
ب- مع مراعاة ( ذلك ) فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها .(/3)
ج – لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة ، أو بالبلطة ، أو بالمطرقة ، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية " انتهى .
فالحاصل أنه يجوز الأكل مما ذبح بالطريقة التي وصفت ، ولا حرج على من أكل من تلك الذبائح .
ولمزيد فائدة يرجى مراجعة (10339) ، (14308) ، (20805)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100449
العنوان:
اليمين الغموس لا تكفرها إلا التوبة الصادقة
السؤال:
سمعت أن يمين الغموس تَغمِسُ صاحبها في النار ، وأنها ليس لها كفارة ، هل هذا يعني أن لا توبة من هذا الذنب ؟ وهل الله يغفر كل الذنوب إذا كانت التوبة صحيحة وصادقة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اليمين الغموس هي اليَمين الكاذِبة الفاجرة ، كالتي يَقْتَطِع بها الحالفُ مالَ غيره ، سُمِّيت غَمُوسا لأنها تَغْمِس صاحِبَها في الإثْمِ ثم في النار . كذا قال ابن الأثير في "النهاية" (3/724).
ثانيا :
جاء في "الموسوعة الفقهية" (35/41) :
" اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة في اليمين الغموس ، على قولين :
القول الأوّل : عدم وجوب الكفّارة في اليمين الغموس : وإليه ذهب جمهور الفقهاء : الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .
القول الثّاني : وجوب الكفّارة في اليمين الغموس : وإليه ذهب الشّافعيّة ....وقد استدلّ كل فريقٍ بأدلّة تؤيّد ما ذهب إليه " انتهى .
وانظر : "بدائع الصنائع" (3/3) ، "التاج والإكليل" (3/266) ، "كشاف القناع" (6/235) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/133) :
" اليمين الغموس من كبائر الذنوب ، ولا تجدي فيها الكفارة لعظيم إثمها ، ولا تجب فيها الكفارة على الصحيح من قولي العلماء ، وإنما تجب فيها التوبة والاستغفار " انتهى .
وسواء قيل بوجوب الكفارة أم لا ؟ فإن الكفارة لا تكفر إثم اليمين الغموس ، بل لا بد من التوبة النصوح .
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (34/139) بعد أن نقل الخلاف في كفارة اليمين الغموس :
" واتفقوا على أن الإثم لا يسقط بمجرد الكفارة " انتهى .
ثالثاً :
واليمين الغموس كغيرها من الذنوب تكفرها التوبة الصادقة ، وليس هناك ذنب لا تقبل التوبة
منه ، فقد فتح الله تعالى باب التوبة أمام كل عاصٍ ، والله تعالى يتوب على من تاب(/1)
قال عز وجل : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53
قال ابن كثير رحمه الله : هذه الآية دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر .... والآيات من هذا كثيرة جداً انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم ( 46683) ففيه زيادة بيان .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100451
العنوان:
الخوف من الموت : خيرُه وشرُّه ، وهل يُدعى بطول العمر ؟
السؤال:
لدي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها : 1. لقد مررت بفترة عصيبة فلم أعد أفكر سوى بالموت في كل تصرفاتي ، فلم أعد أستطيع النوم بسبب هذه الوساوس ، وأصبحت أفكر في كل من مات ، وكيف مات ، وأصبحت صور الموتى ممن أعرفهم تراودني بين لحظة ولحظة ، فلم أعد أحتمل هذه الحالة ، فأصبحت أخاف من كل شيء ، لم يعد للحياة طعم ، فهل هذا إنذار باقتراب الأجل ، وأني سأموت في فترة قريبة ؟ أرجوكم أفيدوني ، في الواقع هذه الحالة انتابتني بعد ذنب ارتكبته ، فهل لهذا الذنب علاقة ؟ . 2. أحد أقاربي أخبرني بأنه رآني في المنام أني ميت ، وسأل أحد شيوخ البلدة وقال : إنه يدل على طول العمر ، فهل هذا صحيح أم أنه غير ذلك ؟ . 3. هل الدعاء بطول العمر مستجاب أم إنه قد كتبت الأعمار وانتهى الأمر ؟ وما الذي يبارك في العمر من أعمال ؟ . وجزاكم الله خيراً . نرجو الإجابة على الأسئلة بأسرع وقت ؛ لأنني بحاجه إليها .
الجواب:
الحمد لله
أخي الفاضل
أولاً:
أرجو منك أن تعي ما أكتبه لك ، وأن تعمل به ، فلعل ما أصابك أن يكون خيراً لك :
1. كلُّ نفس ذائقة الموت :
وهذه حقيقة يجب أن تعلمها ، فليس أحدٌ بناجٍ من الموت ، طال عمره أو قصر ، صحيحاً كان أو مريضاً ، غنيّاً كان أو فقيراً .
قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) آل عمران/ 185 ، وقال سبحانه : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) العنكبوت/ 57 .
وقال عز وجل : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/ 35 .(/1)
ولو كانت الدنيا تدوم لأحدٍ : لأدامها الله لأنبيائه وأوليائه وأصفيائه ، فأين هم الأنبياء والرسل ؟ وأين هم الصدِّيقون والشهداء ؟ وأين هم الصحابة والتابعون ؟ كلهم ذاقوا الموت – إلا عيسى عليه السلام وسيذوقه في آخر المطاف - .
قال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) الأنبياء/ 34 .
وقال تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الزمر/ 30 .
2. لا مهرب من الموت :
ومهما بذل الإنسان من أسباب الصحة والنشاط فهو ميت ، وأينما كان فإن الموت يدركه ، وحيثما فرَّ من الموت فإنه سيجده مقابل وجهه .
قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) الجمعة/ 8 .
وقال تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) النساء/ 78 .
قال ابن كثير- رحمه الله - :
أي : أينما كنتم يدرككم الموت ، فكونوا في طاعة الله ، وحيث أمركم الله فهو خير لكم ، فإن الموت لا بد منه ، ولا محيد عنه ، ثم إلى الله المرجع ، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء ، ووافاه أتم الثواب .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 291 ) .
وقال- رحمه الله – :
أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ، ولا ينجو منه أحد منكم ، كما قال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وِالإكْرَامِ ) .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 360 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ق/ 19 - :(/2)
وقوله ( بِالْحَقِّ ) : أي : أن الموت حق ، كما جاء في الحديث : " الموت حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ " – متفق عليه - ، فهي تأتي بالحق ، وتأتي أيضاً بحق اليقين ، فإن الإنسان عند الموت يشاهد ما تُوُعِّد به ، وما وُعِدَ به ؛ لأنه إن كان مؤمناً : بُشِّر بالجنة ، وإن كان كافراً : بُشِّر بالنار- أعاذنا الله منها - .
( ذَلِكَ ) أي : الموت .
( مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) اختلف المفسرون في " ما " هل هي نافية فيكون المعنى : ذلك الذي لا تحيد منه ، ولا تنفك منه ، أو أنها موصولة فيكون المعنى : ذلك الذي كنت تحيد منه ، ولكن لا مفر منه ، فعلى الأول يكون معنى الآية : ذلك الذي لا تحيد منه ، بل لابد منه ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) .
وتأمل يا أخي : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) ولم يقل " فإنه يدرككم " ، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك ؟ إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع ، فلو كنت فارّاً من شيء وهو يقابلك ، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته ، ولهذا قال : ( فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) ، وفي الآية الأخرى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) النساء/ 78 ؛ لأنه ذكر في هذه الآية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال ، وهنا يقول تعالى : ( ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) .
وعلى المعنى الثاني ، أي : ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك ، قد وصلك وأدركك ، وعلى كل حال : ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة ، والتكاسل عن التوبة ، وأن الإنسان يجب أن يبادر ؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت .
" تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد " ( ص 95 ، 96 ) .
قالَ الشاعر:(/3)
الموت بابٌ وكل الناسِ داخله الا ليت شعري بعد الموت ما الدار
الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ
3. تذكر الموت خير لا شر .
وما لي أراك – أخي الفاضل – قلقاً من الموت ، خائفاً من ذِكره ؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالإكثار من ذِكر الموت ؟! ألم تعلم أن في ذلك خيراً عظيماً لمن فعل ذلك حتى يكون مستعدّاً للقاء ربه ، ويكثر من الأعمال الصالحة قبل أن يفجأه الموت ؟! وهل تعلم أن نسيان الموت والغفلة عنه تؤدي إلى التعلق بالدنيا ، وتسويف التوبة ، والتكاسل عن الطاعات ؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ - يَعْنِي : الْمَوْتَ ) رواه الترمذي ( 2307 ) والنسائي ( 1824 ) وابن ماجه ( 4258 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
على أننا ننبهك هنا ـ أخانا الكريم ـ إلى أن المراد بذكر الموت هو الذكر القاطع عن الانهماك في لذات الدينا وشواغلها ، والحامل على الاستعداد للموت والقبر ، وليس المراد بالذكر هنا الذكر السلبي الذي يوشك أن يقطع الإنسان عن مصالحه في معاشه ومعاده ، ويصيبه بالإحباط أو الجبرية في أفعاله .
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله : " المراد بذلك أن تكثر من ذكر الموت لتستعد له ، لا لتكدر صفوك في الدنيا وتقول : أنا سأموت ، لماذا اعمل ؟!! ثم يضيق صدرك ؛ لا ، المراد : أكثروا من تذكُّره في نفوسكم ، من أجل أن تستعدوا له " شرح بلوغ المرام (4/2) .
وقال بعض العلماء :
" مَن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث : تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي ذكر الموت ابتلي بثلاث : تسويف التوبة ، وترك الرضا ، والتكاسل بالعبادة " .(/4)
فينبغي أن يكون تذكرك للموت سبباً لقيامك بالطاعات ، ومحفِّزاً على سرعة التوبة ، ولا تجعل خوفك من الموت يسبب لك قلقاً ، ولا وساوس ، ولا يُقعدك عن العمل والطاعات ، ولا يمنعك من الكسب ، ولا يجعلك تقوم بحقوق نفسك وأسرتك ، وإلا كان هذا التذكر عليك ، لا لك .
ولا تنس مع ذِكرك للموت ، بل إكثارك منه ، أن تحسن الظن بربك تعالى ، وأنه لا يظلم الناس شيئاً ، وأنه تعالى يضاعف الحسنات ، ويعفو ويصفح ، ويقبل من عباده المسيئين توبتهم وإنابتهم ، فاحذر أشد الحذر من القنوط من رحمة الله ، واجمع في قلبك بين الخوف من الله وبين رجائه تعالى ، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر ، فلا يغني أحدهما عن الآخر
، وهذا هو حال الأنبياء والأولياء والصالحين .
قال تعالى : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .
وقال سبحانه : ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ) السجدة/ 16 .
وقال تعالى : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر/ 9 .
فلا تسأل نفسك متى تموت ؟ بل على أي شيء تموت ؟ على خير أم شر ؟ على طاعة أم معصية ؟ على الإسلام أم على الكفر ؟ وبما أن الإنسان لا يدري متى يموت فإن هذا يدفعه لأن يكون متأهباً دائما للموت استعداداً للقاء ربه على أحسن حال .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :(/5)
ولهذا نقول : أنت لا تسأل متى تموت ، ولا أين تموت ؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال ، أمر مفروغ منه ، ولابد أن يكون ، ومهما طالت بك الدنيا ، فكأنما بقيت يوماً واحداً ، بل كما قال تعالى هنا : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) النازعات/ 46 ، ولكن السؤال الذي يجب أن يرِد على النفس ، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو : على أي حال تموت ؟! ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير ، أو قوي أو ضعيف ، أو ذو عيال أو عقيم ، بل على أي حال تموت في العمل ، فإذا كنت تسائل نفسك هذا السؤال ، فلابد أن تستعد ؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت ، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف ، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله ، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله ، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة ، فانظر الآن وفكِّر على أي حال تموت ، ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت ، فإن الاستغفار فيه من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً .
" لقاءات الباب المفتوح " ( اللقاء رقم 17 ) .
ثانياً:
وأما بالنسبة لرؤيا قريبك وأنه رآك في المنام ميتاً : فقد سبق بيان أن الموت حق ، وأن الإنسان لا يدري متى يموت ولا في أي أرض ، فليس في الرؤيا ما ينافي الواقع لك عاجلاً أم آجلاً ، ولم يبق لك إلا الاستعداد له – كما سبق - ، مع التنبيه أن رؤية الشخص من قبَل غيره أنه ميت قد تعني أنه يرزق بولد أو حفيد كما أفاده بعض إخواننا المشتغلين بتعبير الرؤى ، ولو فرِض أن رؤيا قريبك ستتحقق قريبا : فهذا يجعلك تسارع في العمل الصالح ، ولسنا نشتغل هنا بتعبير رؤى الناس ، لكننا ننصحهم ونبين لهم ما ينتفعون به من أحكام ومسائل شرعية واجتماعية وتربوية .
ثالثاً:(/6)
الدعاء بطول العمر جائز ، على أن يكون معه الدعاء بأن يكون في طاعة الله ، أو حُسن العمل ؛ إذ طول العمر من غير توفيق لأعمال صالحة فيه ضرر على صاحبه ؛ لأنه تكثر أعماله السيئة وتكثر معاصيه ، وها هو إبليس له عمر طويل ، وهو يقضيه في الوسوسة والكيد .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : ( 12372 ) جواز الدعاء بطول العمر ، مع الزيادة التي نبهنا عليها وهي " في طاعة الله " وما يشبهها .
والأعمار والأرزاق مكتوبة مقدَّر في اللوح المحفوظ لا تتبدل ولا تتغير ، لكن الله تعالى جعل لها أسباباً تطول بها الأعمار – أو يبارك فيها – ويكسب بها رزقاً ، ومن ذلك : صلة الرحم ؛ فإنها تطيل في العمر وتزيد في الرزق ، وقد علم الله تعالى أزلاً أن فلاناً سيصل رحمه فقدَّر له عمُراً ورزقاً بسببه ، والمسلم لا يدري ما كُتب له ، لكنه يبذل أسباب الحفاظ على حياته ، ويبذل أسباب تحصيل الرزق .
وبعض العلماء يرى أن التبديل والتغيير يكون بما في أيدي الملائكة من صحف، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يمكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رُفعَت الأَقلام وجفَّت الصحف" . رواه أحمد (2664) والترمذي (2516) وصححه الألباني .
قال تعالى : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) فاطر/من الآية 11 .
وقال تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد/ 39 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) من الأقدار .
( وَيُثْبِتُ ) ما يشاء منها ، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه ، وكتبه قلمه ؛ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير ؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل ، ولهذا قال :(/7)
( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) أي : اللوح المحفوظ ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء ، فهو أصلها ، وهي فروع له وشُعب .
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب ، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة ، ويجعل الله لثبوتها أسباباً ، ولمحوها أسباباً ، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق ، وكما جعل المعاصي سبباً لمحق بركة الرزق والعمر ، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سبباً للسلامة ، وجعل التعرض لذلك سبباً للعطب ، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته ، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علِمه وكَتَبه في اللوح المحفوظ .
" تفسير السعدي " ( ص 419 ) .
وسواء كانت الزيادة حقيقية في صحف الملائكة ، كما هو الصحيح ، أو أنها بالبركة في عمُر المسلم : فإن المطلوب من المسلم بذل الأسباب التي تطيل عمره أو تبارك له فيه ، كما يبذل الأسباب في الرزق والبركة فيه .
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ : فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
رواه البخاري ( 1961 ) ومسلم ( 2557 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" وقد تأول بعضهم أنه يبارك له في عمره حتى قد يعمل فيه من الخير في العمر القصير ما يعمل في العمر الطويل ، والصحيح : أنه يزيد وينقص فيما في أيدي الملائكة من الصحف كما تقدم ، وليس لأحد اطِّلاع على اللوح سوى الله " .
" مختصر الفتاوى المصرية " ( 1 / 227 ) .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
100485
العنوان:
أحاديث نداء القبر وخطابه أحاديث ضعيفة منكرة
السؤال:
هل حديث : " القبر ينادي خمس مرات المتوفى " حديث صحيح أم ضعيف وليس له أصل ؟ أرجو الرد مدعما بالحديث الصحيح ؛ لأن الموضوع مهم جدا جدا ، ولا نريد أن نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا السؤال أحمله أمانة في أعناقكم ، وأرجو الرد السريع مع جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله
جاء في خطاب القبر وندائه وكلامه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :
الحديث الأول :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلَّاهُ ، فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ – يعني : يضحكون - قَالَ : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى ، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلَّا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ : أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ ، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ .
فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ . قَالَ : فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ .(/1)
وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوْ الْكَافِرُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا ، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ . قَالَ : فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ . قَالَ : وَيُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا ، لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا ، فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ .
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ )
رواه الترمذي في سننه (2460) والبيهقى فى شعب الإيمان (1/498) من طريق القاسم بن الحكم العرني عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري به .
وقال الترمذي : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وهذا سند ضعيف جدا ، فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي ، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/55): عن أحمد بن حنبل : ليس بمحكم الحديث ، يكتب حديثه للمعرفة .
و قال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم : ضعيف الحديث . وقال النسائى : متروك الحديث . وقال ابن عدي : ضعيف جدا ، يتبين ضعفه على حديثه . وقال ابن حبان : يروي عن الثقات ما لا يشبه الأثبات ، حتى يسبق إلى القلب أنه المُتَعَمِّد لها ، فاستحق الترك . وقال الحاكم : روى عن محارب أحاديث موضوعة . وقال أبو نعيم الأصبهانى : يحدث عن محارب بالمناكير ، لا شيء " انتهى .(/2)
لذلك قال الحافظ العراقي عن هذا الحديث ـ "تخريج الإحياء" (1/400) ـ : " فيه عبيد الله بن الوليد الصافي ضعيف " ، وضعفه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269)
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (10/749) : " عطية ضعيف مدلس والوصافي ضعيف جدا " انتهى .
وقال في "ضعيف الترمذي" : " ضعيف جدا ، ولكن جملة ( هاذم اللذات ) صحيحة " انتهى .
الحديث الثاني :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ ، فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا ، فَقَالَ : مَا يَأْتِي عَلَى هَذَا الْقَبْرِ مِنْ يَوْمٍ إلا وَهُوَ يُنَادِي بِصَوْتٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ : يَا ابْنَ آدَمَ ! كَيْفَ نَسِيتَنِي ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ ، وَبَيْتُ الْغُرْبَةِ ، وَبَيتُ الْوَحْشَةِ ، وَبَيْتُ الدُّودِ ، وَبَيْتُ الضِّيقِ ، إلا مَنْ وَسَّعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ )
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8/273) وفي "المعجم الكبير" في القطعة المفقودة من الثالث عشر برقم (1363) من طريق محمد بن أيوب بن سويد أخبرنا أبي أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به .
وقال : " لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا أيوب بن سويد تفرد به ابنه " انتهى .
وهذا سند ضعيف جدا ، بسبب محمد بن أيوب بن سويد ، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (3/487) : " ضعفه الدارقطني ، وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه ، قال أبو زرعة : رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة " انتهى . وانظر "المجروحين" (2/299)(/3)
ولذلك قال الحافظ الهيثمي عن هذا الحديث ـ "مجمع الزوائد" (3/165) ـ : " فيه محمد بن أيوب بن سويد وهو ضعيف " انتهى . وضعفه الحافظ ابن حجر في "الكافي الشاف" (62) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269) وغيرهم ، وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة" (4990) : موضوع .
الحديث الثالث :
عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يَقُولُ الْقَبْرُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يُوضَعُ فِيهِ : وَيْحَكَ ابْنَ آدَمَ ! مَا غَرَّكَ بِي ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْفِتْنَةِ ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ ، وَبَيْتُ الْوَحْدَةِ ، وَبَيْتُ الدُّودِ ؟ مَا غَرَّكَ بِي إِذَ كُنْتَ تَمُرُّ بِي فَدَّادًا – يعني متبخترا - ؟ فَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا أَجَابَ عَنْهُ مُجِيبُ الْقَبْرِ ، فَيَقُولُ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ الْقَبْرُ : إِذَنْ أَعُودُ إِلَيْهِ خَضْرَاءَ ، وَيَعُودُ جَسَدُهُ نُورًا ، وَيَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ )
أخرجه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (1/281) ، وابن أبى عاصم فى "الآحاد والمثاني" (4/371) ، وأبو يعلى (12/285) والطبرانى (22/377) ، وأبو نعيم فى "الحلية" (6/90)
جميعهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن هيثم بن مالك عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه به .
وهذا سند ضعيف بسبب أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، قال فيه أحمد : ليس بشيء ، وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني : ضعيف . وقال ابن حبان : كان من خيار أهل الشام ، ولكن كان رديء الحفظ ، يحدث بالشىء فَيَهِم ، ويكثر ذلك ، حتى استحق الترك . انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (12/29)(/4)
لذلك قال الهيثمى (3/164) : " فيه أبو بكر بن أبى مريم ، وفيه ضعف لاختلاطه " انتهى .
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (5/252) : إسناده ضعيف . وقال الذهبي في "العلو" (29): " هذا حديث غريب ، وابن أبي مريم ضعيف من قبل حفظه " انتهى .
الخلاصة :
أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في نداء القبر شيء ، والأحاديث التي جاءت بذلك منكرة شديدة الضعف ، مع أنه ليس في شيء مما وقفنا عليه منها تقييد ذلك النداء بخمس مرات ، إنما فيه مطلق النداء ، والله أعلم .
وقد ورد في كلام بعض السلف من المواعظ شيء فيه نداء القبر وخطابه :
فأخرج ابن عبد البر في "التمهيد" (18/145) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :
" إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يا ابن آدم ! ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ألم تعلم أني بيت الحق ؟ يا ابن آدم ! ما غرك بي ؟ ! لقد كنت تمشي حولي فدادا – يعني : متبخترا – " انتهى .
وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" (1/360) : عن بلال بن سعد قال :
" ينادي القبر كل يوم : أنا بيت الغربة ، وبيت الدود والوحشة ، وأنا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة " انتهى .
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/165) وهناد في "الزهد" (209) وأبو نعيم في "الحلية" (3/271) من كلام عبيد بن عمير ، وهو من كبار التابعين الثقات ، أخرج له أصحاب الكتب الستة ، توفي سنة (68هـ) قال :
" إن القبر ليقول : يا بن آدم ! ماذا أعددت لي ؟! ألم تعلم أني بيت الغربة ، وبيت الوحدة ، وبيت الأكلة ، وبيت الدود " انتهى .(/5)
والذي يظهر أن هذا الكلام ممن قاله من السلف ، إنما هو ـ والله أعلم ـ من باب الوعظ والتخويف ، وحكاية لسان حال القبر وحال المعرض الغافل ، يقصدون به تذكير الناس والتأثير البليغ فيهم ، لا أنه ينطق بذلك فعلا ، وإن كان ذلك ـ لو ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، غير مستنكر ولا بعيد .
يقول الحافظ ابن الجوزي في "بستان الواعظين ورياض السامعين" (181) :
" عباد الله ! ما من أحد - لا مؤمن ولا فاجر - إلا وقبره يناديه بكرة وعشية : إما بالبشرى والسرور ، وإما بالويل والثبور ، فمن فكر فيه وفي وحشته ، وضيقه وغمته ، كان عليه أوسع من الدنيا ، وأفرج منها ، وأبدله الله خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وجعل القبر خيرا من داره ، فأكثروا ذكره في الآناء والأوقات ، وأطيعوا جبار الأرضين والسموات ، عساه يجعله لكم روضة من رياض الجنات ، ويقيكم فيه الذل والحسرات .
فاللهَ اللهَ ، جدوا في العمل ، فإن القبر أمامكم ، والموت يطلبكم ، يفرق ما جمعتم ، ويخرب ما قد بنيتم بقطع الأنفاس ، وينقلكم إلى ضيق اللحود والأرماس ، فمن قدم إلى القبر عملا صالحا وجده روضة من رياض الجنان ، ومن لم يكن له عمل وجده حفره من حفر النيران ، فاستعدوا له يا معشر الأصحاب والإخوان " انتهى .
فينبغي لمن أراد أن يذكر شيئا قريبا من كلامهم ألا ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يحكيه على أنه من لسان حال القبر ، وكأن القبر لو قدر له أن ينطق لصاح بهذا الخطاب ، وبهذا يتحقق المقصود من الموعظة ، ويسلم المرء من إثم التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
100521
العنوان:
لماذا فتح المسلمون الأندلس ؟
السؤال:
فهم شخص يهودي من آية في القرآن الكريم أن الإسلام ينهى عن اعتراض الناس في ديارهم ، فلماذا في السابق كانت هناك فتوحات إسلامية ؟ خاصة عندما ذهب الفارس الإسلامي طارقُ بن زياد لفتح الأندلس ، مع أن سكانها كانوا في ديارهم ، وقال طارق بن زياد لجنوده : البحر من خلفكم ، والعدو أمامكم . أرجو من فضيلتكم توضيح ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
الأندلس حلقة من حلقات التاريخ الإسلامي العظيم ، بل هي منارة في تاريخ البشرية كلها ، حيث كانت مصدر العلم والمعرفة في الأرض لقرون متطاولة ، تعلمت منها أوروبا كلها دروس الحضارة والمدنية ، وكان فتحها - بلا شك – من أعظم أحداث القرن الهجري الأولى (92هـ الموافق 711م) ، وكان ذلك العهد أزهى وأرقى عهود بلاد الأندلس منذ بدء التاريخ ولعله إلى آخر الزمان .
ولأهمية هذا الموضوع ، كان لا بد من بيان بعض الأمور المهمة المتعلقة بهذا الحدث العظيم:
أولا :
إن أهم مقاصد الجهاد التي شرع من أجلها تبليغ رسالة التوحيد ، بكسر جميع الطواغيت التي تحول بينها وبين الناس ، ودعوة الناس إلى الإسلام من غير إكراه ولا إجبار ، بل عن طواعية واختيار .
يقول الله تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) البقرة/193
قال قتادة رحمه الله : " حتى لا يكون شركٌ ، "ويكون الدين لله" : أن يقال : لا إله إلا الله ، عليها قاتل نبيُّ الله ، وإليها دعا . " تفسير الطبري (3/567) .
ثانيا :
كانت " الأندلس " واسمها القديم " أيبيرية " خاضعةً للإمبراطورية الرومانية ، وفي مطلع القرن الخامس الميلادي – أي حوالي عام 410 م اجتاحتها قبائل " القُوط " الأريوسية المذهب ، وأسسوا فيها دولةً قُوطِيَّة عاصمتها " طليطلة " .(/1)
ومن هنا نفهم أن شعوب " الأندلس " الأصلية من الكنعانيين الكاثوليك كانت - قبل الفتح الإسلامي - خاضعة للنفوذ القوطي ، وتكوَّنَ سكانها من طبقات أربعة متناقضة متصارعة : طبقة القوط الحكام المستعمرين ، وطبقة الأعيان الرومانيين ومعهم الإقطاعيون ورجال الدين ، وطبقة اليهود ، وطبقة الشعب العامل من سكان البلاد الأصليين .
فهي بلاد محتلة مضطهدة أصلا ، ولم تكن تحت حكم سكانها الأصليين ، ولم يكن المسلمون هم المبتدئين للاحتلال ، إنما خلصوا البلاد من احتلال ظالم إلى بلد مسلم يختار أهله عقيدة المسلمين ، وينتسبون إلى دولتهم .
ثالثا :
زيادة على الاحتلال الذي فرضته القبائل القوطية الغربية على بلاد الأندلس ، كان التسلط والظلم والاضطراب سمةً بارزة في فترة حكمهم التي امتدت نحو ثلاثة قرون .
يقول حسين مؤنس في كتابه "فجر الأندلس" (ص/8،18-19) :
" لكن سلطانهم لم يستقر في البلاد أول الأمر بسبب ما ثار بينهم وبين أهل البلاد من منازعات دينية ، وبسبب ما شجر بين أمرائهم من خلافات ، ولهذا ظلت البلاد طوال القرن السادس نهبا للحروب الأهلية ، وما ينجم عنها من الفوضى وسوء الحال...- حتى كان آخر حكام القوط – واحد اسمه " رودريكو " ( لذريق )...والظاهر الذي لا تستطيع المناقشة إخفاءه أن الرجل كان يشعر باضطراب الأمر عليه ، وأنه ظل حياته متخوفا من وثبة تكون من أحد أعدائه الكثيرين ؛ لأن هؤلاء الأعداء لم يكونوا أولاد " غيطشة " وحدهم – الذين استولى " لذريق " على ملكهم – بل كانوا في واقع الأمر جلة الشعب الإيبيري الروماني واليهود ، أي معظم أهل البلاد التي اقتحمها القوط عليهم " انتهى باختصار .(/2)
وقد حاول كثير من المؤرخين الأسبان أن يدافعوا عن دولة القوط - تعصبا منهم في رفض الوجود الإسلامي في تلك البلاد - إلا أن كتب التاريخ مليئةٌ بالأدلة على ما ذكره الأستاذ حسين مؤنس في شأن رفض أهل البلاد حكم القوطيين ، حتى نقل في (ص/10) عن " رفائيل بالستيروس " المؤرخ الإسباني قوله : إن العرب لو لم يتدخلوا في سنة 711هـ في شؤون الجزيرة ، ويضعوا نهاية لهذا العصر المضطرب ، لَبَلَغَ القوطُ بإسبانيا مبلغا من السوء لا يسهل تصوره .
رابعا :
لما اشتد ظلم حكام القوط في تلك البلاد ، وضاق الشعب بهم ، أرسلوا إلى المسلمين يطلبون منهم تخليصهم والنجاة بهم ، فقد أجمعت المصادر العربية على ذكر إرسال حاكم " سبتة " واسمه " يوليان " أو جوليان " إلى موسى بن نصير يطلب منه دخول البلاد وتخليصهم من شر " لذريق " ، كما تذكر كثير من المصادر إرسال أبناء " غيطشة " إلى موسى بن نصير يستنجدون به على مَن غصبهم ملك أبيهم ، بل إن المصادر التاريخية الغربية تنسب إلى اليهود المضطهدين في " الأندلس " من قبل القوط استنجادَهم بِمَن وراء البحر من " الأفارقة " أو " المسلمين " ليخلصوهم من ظلم " لذريق " وأعوانه ، وهو أمر وإن أنكره بعض المؤرخين ، غير أن المتفق عليه بينهم أن اليهود تعرضوا في تلك الفترة إلى اضطهاد كاد يفنيهم ولا يبقي لهم أثرا . انظر "فجر الأندلس" لحسين مؤنس (ص/14)
وفي النصوص الباقية الموروثة كثير من الأدلة على أن الأندلسيين استقبلوا المسلمين استقبال الفاتحين ، ومن ذلك :
يقول صاحب كتاب "أخبار مجموعة في فتح الأندلس" (ص/24) متحدثاً عن الخدمات التي قدمها بعض الإسبان لموسى بن نصير :
" فلما نزل الجزيرة ، قيل له : اسلك طريقه ، قال : ما كنت لأسلك طريقه . قال له العلوج الأدلاء : نحن ندلك على طريق هو أشرف من طريقه ، ومدائن هي أعظم خطباً من مدائنه ، لم تُفتح بعد ، يفتحها الله عليك إن شاء الله " انتهى .
ويقول أيضاً :(/3)
" ثم سار إلى مدينة قرمونة ، فقدَّم إليها العلوج الذين معه ، وهي مدينة ليس بالأندلس أحصن منها ، ولا أبعد من أن ترجى بقتال أو حصار ، وقد قيل له حين دنا منها : ليست تُؤخذ إلا باللطف ، فقدَّم إليها علوجاً ممن قد أمنه واستأمن إليه ، مثل " يليان " ، ولعلهم أصحاب " يليان " ، فأتوهم على حال الأفلال ، معهم السلاح ، فأدخلوهم مدينتهم ، فلما دخلوها بعث إليهم الخيل ليلاً ، وفتحوا لهم الباب ، فوثبوا على حراسه ، ودخل المسلمون قرمونة " انتهى.
بل إن بعض أساقفة النصارى شاركوا في مساعدة المسلمين على الفتح ، منهم " أوباس " أسقف " إشبيلية " كما في كتاب "العرب لم يغزوا الأندلس" (ص/187)
وينقل صاحب كتاب "تاريخ النصارى في الأندلس" (ص/45) عن ما جاء في سيرة القديس " سانت ثيودارد" رئيس أساقفة " أربونة " الذي عاش حوالي سنة (266هـ) أنه لما دخل المسلمون لأول مرة إلى " لانجدوك " ، انحاز اليهود إليهم ، وفتحوا لهم أبواب مدينة
" طولوشة " .
والمسلمون يؤمنون بأن نصرة المظلوم وإحقاق العدل والسلم من أعظم مقاصد الجهاد في الشريعة الإسلامية ، دليل ذلك ما وقع في "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم " من " حِلف الفضول " ، حيث تعاهدت القبائل على كف الظالم ونصرة المظلوم ولو كان كافرا .
يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "العلاقات الدولية في الإسلام" (83) :
" الإسلام ينظر إلى الرعايا الذين يُحكَمون بالظلم ويُقيدون في حرياتهم نظرة رحيمة عاطفة ، ينصرهم إذا استنصروه ، ويرفع عنهم نير الطغيان إن هم استعانوا به " انتهى .
وذلك ما شهد به بعض اليهود حين أدركوا عظيم الفضل الذي أسداه المسلمون لهم في توفير حياة كريمة ، وحرية لم يشهدوا لها مثيلا عبر تاريخ وجودهم في أوروبا كلها .
يقول حاييم الزعفراني اليهودي في كتابه "ألف سنة من حياة اليهود في المغرب" (ص/13) :(/4)
" لقد عرفت اليهودية الأندلسية في مجموعها حياة أكثر رخاء ، وأكثر اطمئناناً ، كما لم تعرفها في مكان آخر " انتهى .
ويقول نسيم رجوان - رئيس تحرير جريدة اليوم الإسرائيلية - :
" كان اليهود قد عانوا خلال قرون الكثير من الشقاء والبؤس ، حيث كان الملوك الإسبان القساة الغلاظ بعيدين كل البعد عن الشفقة والرحمة . وعندما دخل المسلمون إسبانيا لم يكتفوا بتحرير اليهود من الاضطهاد ، ولكنهم شجَّعوا بينهم نشر حضارة كانت توازي بخصبها وعمقها أشهر الحضارات في مختلف العصور " انتهى نقلا عن كتاب "أهل الكتاب في المجتمع الإسلامي" (ص/49)
سادسا :(/5)
ويُتَوَّجُ ما سبق بالقطع واليقين ، حين نستحضر أن فتح تلك البلاد لم يستغرق إلا نحو ثلاثة سنين (92هـ - 95هـ) وصل فيها المسلمون إلى فرنسا ، ولم يشارك فيه إلا بضعة آلاف من الجنود ، مما يقطع لك بأن الأمر لم يكن فتحا عسكريا بالقدر الذي كان فتحا فكريا وعقائديا ، آمن فيه سكان " الأندلس " بعقيدة المسلمين ، واختاروا – عن حب وطواعية – التسليم لهذا الدين الجديد ، والتخلص من طغيان الكنيسة والإقطاع الذي كان سائدا قبل المسلمين ، وقد كتب في ذلك واحد من أشهر المؤرخين الإسبان ، واسمه " اغناسيو أولاغي " كتابا اشتهر في السبعينيات اسمه " الثورة الإسلامية في الغرب " ، ترجمه واختصره الأستاذ المؤرخ المحقق " إسماعيل الأمين " تحت عنوان " العرب لم يغزوا الأندلس " ، طباعة " رياض الريس للكتب والنشر " ، أراد فيه المؤلف بيان أن التحول إلى الإسلام في الأندلس لم يتم إلا عبر حركة الأفكار وتصارعها ، ثم هيمنة ما يسميه المؤلف بالفكرة/القوة ، التي شكلت عصب الحضارة العربية الإسلامية في ثلاثة أرباع العالم يومها ، ورغم ما في الكتاب من مغالاة في نقد كل ما اشتهر في تاريخ الأندلس ، إلا أن الذي يهمنا فيه بعض النصوص التي توحي بأن دخول الإسلام الأندلس لم يكن اعتراضا وقهرا ، بل كان فتحا للقلوب وتنويرا للعقول ، وليتحمل القارئ الكريم طول النص المنقول ، فإنه من أبدع النصوص التي كتبها أعداء الإسلام في أمر يثيره كثير من الحاقدين :
جاء في (ص/55- 66) :
" هكذا يتضاءل الغزو الأجنبي إلى حادث عرضي في حرب أهلية ، فهل يبقى من صلة بين هذا الحدث العسكري من جهة ، وبين اعتناق الأيبيريين الإسلام ، ثم نشوء حضارة إسلامية في أيبيريا من جهة ثانية ؟(/6)
في الأبحاث المتعلقة بخرافة الغزو جاءت الأرقام دقيقة ، وصل طارق بسبعة آلاف رجل لهزيمة رودريك ، وجاء موسى بن نصير على رأس ثمانية عشر ألف رجل ليخضع الأيبيريين لسلطانه ، أحدث خمسةٌ وعشرون ألف رجل هذا التحول الهائل في اللاتينية والمسيحية والزواج الأحادي ، في ضربة واحدة بدَّل الأيبيريون أعرافهم وتقاليدهم وديانتهم ، بعد هذا الإنجاز العظيم يبادر العرب دون أي تعزيز لقواتهم ومواقعهم إلى غزو فرنسا !
مع ذلك يبقى من المطلوب تفسير كيف يمكن أن تتم عملية تحويل شعوب أيبيريا المحصَّنة جغرافيا وطبيعيا بهذه السرعة ، ومن قبل حفنة ممن نسبت إليهم المعجزات ، خصوصا أن الأيبيريين والغزاة لم يكونا من أصل مشترك .
من البديهي أن جيشا من هذا النوع كان سيذوب بين الجموع إذا ما خاطر بنفسه وتوغل في عمق البلاد ، هذا فضلا عن أن الأيبيريين خلال تاريخهم الطويل لم يكونوا شعبا مسالما في مواجهة مثل هذا النوع من الأحداث ، ألم يكن من الممكن أن ينظموا حرب "العصابات" التي كانوا قد قدموا وصفتها إلى العالم بأكمله ؟!(/7)
ماذا فعل الأيبيريون في هذه الأثناء ؟ بعد سنة 711م لم يحدثنا التاريخ عنهم ، مع هذا فإن عشرة ملايين نسمة – على أقل تقدير – لم يختفوا هكذا بضربة سحرية في تلك الحقبة السعيدة ، لم يكن هناك وسائل إبادة جماعية ، وكان يلزم الفاتحون الكثير من الوقت والعمل لجزر هذا العدد بالسيف ، لا يمكن لأودية "أشتورش" الصغيرة استقبال هذا العدد من اللاجئين ، يكفي هذه الأودية أنها شكلت حصنا للمتمردين القلائل الذي سيشكلون فيما بعد نواة المملكة المسيحية ، هكذا تم إخفاء عشرة ملايين من الأيبيريين من صفحات التاريخ ، فإذا كان اجتياح أرض مسيحية من قبل " الكفار " قد بدا بهذه الضخامة ، بماذا يمكننا إذن أن نصف اعتناق شعبها الإسلام ، وتمثله الحضارة العربية الإسلامية ؟ إما أن يكونوا جميعهم قد قتلوا ، وإما تم استرقاقهم عبيدا ، أو لجؤوا إلى الجبال ، أو ببساطة قد تم تجاهل وجودهم من قبل المؤرخين.
لماذا وكيف اعتنقت الجماعات الإنسانية التي كانت متمركزة في المقاطعات البيزنطية في آسيا ومصر وأفريقيا الشمالية وشبه جزيرة أيبيريا إيمانا جديدا ومفهوما جديدا للوجود ؟
قد يسهل تحويل خرافة الغزوات العربية المستحيلة جغرافيا وتاريخيا إلى حقيقة ، ولكننا لا يمكننا أن ننكر أن حضارةً عربية إسلامية قد امتدت في جميع هذه الأصقاع .
يصاب الباحثون بالدهشة حين يعرفون من خلال الروايات عدد الغزاة : خمسة وعشرون ألف رجل أهلكوا عشرة ملايين !!
في الواقع استمرت عملية اعتناق الدين الإسلامي واكتملت خلال قرنين أو ثلاثة قرون ، فكان اعتناقا كاملا أو نهائيا ، لم يترك سوى بعض الجزر التي بدا وجودها مشكوكا فيه .
كيف إذًا يمكن تفسير هذه العودة عن المسيحية واعتناق الإسلام بقوة السلاح ؟
وماذا كانت نتيجتها ؟
بعض المؤرخين قَبِلَ الإجابة التقليدية الجاهزة عن هذه الأسئلة ، وبعضهم الآخر أصيب بتشوش فكري .(/8)
لم يتمكن هؤلاء من فهم كيفية خضوع شعوب مصر والمقاطعات البيزنطية لما يسمونه بـ "قوانين البدو" ، لقد أثبت " كزافيي بلان هول " في كتابه " العالم الإسلامي " أن الإسلام كان دائما دين المدن ، مع هذا لنفترض أنهم أُخضعوا بالقوة من قبل جماعات البدو ، فلماذا تنازلوا لهؤلاء البدو عن كامل حضارتهم ؟
كانت المقاطعات البيزنطية تتمتع بحياة مدنية متقدمة ، وكانت المدن المزدهرة كبيرة ، كان عدد سكان أنطاكيا حوالي 300 ألف نسمة ، وكان من بين الأربع مائة أسقفية بيزنطية ثلاث مائة وواحد وسبعون أسقفية موجودة في آسيا ، من هنا تظهر أهمية النصر الإسلامي على المستوى الفكري .
هل يتعين علينا أن نتصور أن أبناء المدن قد فُتنوا بمدنية أولئك المتدفقين من تلك الوحشة الواسعة ؟ يبدو الأمر مستحيلا إذا لم يكن لدى هؤلاء البدو غير السيف .
التعصب الديني وسوء الفهم الناتجان أحيانا عن انعدام الوعي وأحيانا عن الإرادة الواعية والمتعاظمان مع الزمن أخفيا - تحت جملة من الأكاذيب والخرافات - قسما هاما من تاريخ انتشار الإسلام على طول السواحل الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط ، وانسجاما مع مفهوم بدائي للتاريخ فسرت التحولات الروحية والاجتماعية والثقافية العملاقة في القرنين السابع والثامن - في عالمي الشرق والبحر المتوسط - كنتيجة لغزوات عسكرية فرضت اللغة والحضارة والدين بالسيف المعقوف !!
الإكراه لا يفسر كل شيء .
في الواقع : إن المؤرخين قد خلطوا بين انتشار الأفكار العبقرية التي تحملها حضارة ما ، وبين القدرات العسكرية التي لا تسمح إلا بنشوء إمبراطوريات وقتية تزول مع الزمن .
لقد خلطوا بين القوة العقلية والقوة المادية .(/9)
نستنتج من دراسة الحركات المشابهة أن انتشار الإسلام كان نتيجة الفكرة/القوة ، وليس نتيجة للقدرة على الهجوم العسكري المسلح ، فمثلما سيطرت " الهيلينية " فيما مضى ، ويسيطر الغرب اليوم ، فإن سيطرة الإسلام لا يمكن أن تكون إلا ثمرة لحركات أفكار/قوة.
أما الاستمرار في الاعتقاد بأن شعوبا تزدهم ( أي تغزوهم ) في بلادها حضارة هادمة ، قد تركت معتقداتها وغيرت عاداتها لأن حفنة من الفرسان الميامين قهرتها عسكريا ، فلا يوحي إلا بمفهوم صبياني سخيف للحياة الاجتماعية .
يجب أن يتقلص الجانب العسكري من الأحداث إلى دور ثانوي يتعلق بتفاصيل طرائف الحياة الشخصية . يجب فهم المشكلة في المجال الفكري والثقافي .
لم يكن هناك عدوان عسكري ، بل أزمة ثورية ، ودعوة حملها الفقهاء وليس الجنرالات .
إن العلماء وحدهم يدركون حركة الشعوب ويقدرون على قيادتها ، أما السيادة العسكرية فلا يمكن أن تستمر ثمانية قرون في الأندلس ، وإلى الأبد في مساحات شاسعة من العالم " انتهى باختصار .
( من المراجع التاريخية المستفاد منها : "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" لابن عذاري المراكشي (2-9) ، "نفح الطيب" للمقري 1/229-263 وغيرها ) .
وفي موقعنا بعض الإجابات المتعلقة بموضوع الجهاد ، يمكنكم مراجعتها ، وهي :
(21961) ، (26125) ، (34647) ، (43087)
والله أعلم .(/10)
رقم السؤال:
100570
العنوان:
هل يزكي مصروفه الذي يعطيه إياه والده ؟
السؤال:
لا أزال في مرحلة الدراسة ، ووالدي هو الذي يصرف علي ، وبما أن مصاريفي ليست كثيرة فإنني - والحمد لله - لا أذكر أن محفظتي قد خلت من المال منذ فترة ، أظن أنه مر أكثر من سنة ، لا أذكر بالتحديد ، وهذا المال الذي لدي يزيد وينقص خلال الحول ، ووالدي يزودني بالمال بين فترة وأخرى ، فأحياناً يكون لدي مبلغ يساوي أقل من (1000) ريال سعودي ، وأحياناً أخرى يكون لدي ما يساوي (5000) وأكثر ، فهل علي أن أدفع زكاة عن مصروفي هذا ؟ علماً أن أبي لا يزودني بمبلغ معين ، ولا وفي وقت معين . سؤالي الآن : إذا كانت تجب الزكاة : 1- فكيف أحسبها ؟ وهل لي أن أعطيها لبيت الزكاة ؟ 2- وسؤال آخر : ما هو المبلغ المالي الذي يبلغ النصاب وتجب به الزكاة بعد مرور الحول ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
تجب الزكاة في الأوراق النقدية على من ملك نصاباً ملكاً تاماً ، ومَرَّ عليه سنه هجرية كاملة .
والمصروف الذي يعطيه الوالد لولده . يملكه ملكاً تاماً ، ويتصرف فيه كيفما يشاء ، فتجب فيه الزكاة .
ثانياً :
من المعلوم أن هذه الأوراق النقدية لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال العلماء بوجوب الزكاة فيها قياساً لها على الذهب والفضة .
ونصاب الذهب 85 جراماً ، ونصاب الفضة 595 جراماً .
فإذا بلغت النقود قيمة نصاب الذهب ، أو قيمة نصاب الفضة ، فقد بلغت النصاب .
ونظراً لأن الفضة الآن هي الأقل ثمناً فيكون تقدير نصاب النقود بنصاب الفضة . لأنه أحوط وأنفع للفقراء .
وحسب أسعار الفضة اليوم 12 من ربيع الآخر عام 1428هـ .
الموافق 29 من إبريل عام 2007م ، فإن نصاب الأوراق النقدية هو 1093 ريالاً سعوديًّا تقريباً .
فإذا امتلكت هذا القدر من النقود ومرَّت عليه سنة هجرية كاملة لم ينقص فيها عن هذا القدر ، وجبت عليه الزكاة ، وهي 2.5 بالمائة .(/1)
أما إذا نقصت النقود عن التي معك عن النصاب أثناء الحول ، فلا تجب فيها الزكاة ، حتى تبلغ النصاب مرة أخرى ، وتبدأ في حساب سنة جديدة من حين بلوغه النصاب .
وإذا كان مقدار نقص النقود عن النصاب يسيراً ، فإن الأحوط لك إخراج الزكاة ، استمرار حساب الحول ، وذلك لاختلاف سعر الفضة وعدم ثباته على مدار العام .
ولا يفوتنا الثناء على حرصك واهتمامك بأمر الزكاة ، رغم أنك تتحدث عن مصروف تأخذه من والدك ، إلا أنك راعيت حق الله تعالى فيه ، وسألت عن حكمه وشرعه ، في حين يغفل – أو يتغافل – كثير من الأثرياء عن هذا الركن من أركان الإسلام ، فلا يعرف لله حقا في ماله ، ولا يبذل منه القليل ولا الكثير ، ويقضي أيامه في الجمع والكنز والطمع والشجع ، فإذا وافاه الحساب يوم القيامة كانت أمواله حسرة وندامة .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) التوبة/34-35
نسأل الله أن يبارك لك في مالك ، ويرزقك الرزق الواسع الطيب .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
100585
العنوان:
حكم وصف القرآن بأنه كلام الله القديم
السؤال:
ما حكم وصف القرآن بأنه كلام الله القديم؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
القرآن الكريم كلام الله تعالى : ألفاظه وحروفه ومعانيه ؛ منه بدأ ، وإليه يعود ، تكلم الله تعالى به ، وسمعه منه جبريل عليه السلام ، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم . قال سبحانه : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الواقعة/77- 80 ، وقال : ( الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) السجدة/ 1، 2 ، وقال : ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) الزمر/ 1.
وهو من جملة كلامه ، الذي هو صفة من صفاته ، فمن قال : مخلوق ، فهو كافر ، هذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة ، خلافا لما عليه أهل الزيغ والانحراف .
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " وأن القرآن كلام الله ، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمّه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: (سأصليه سقر) فلما أوعد الله بسقر لمن قال : (إن هذا إلا قول البشر) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر " انتهى.(/1)
وقال ابن قدامة رحمه الله : " ومن كلام الله سبحانه : القرآن العظيم ، وهو كتاب الله المبين ، وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، وتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلب سيد المرسلين ، بلسان عربي مبين ، منزّل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وهو سور محكمات ، وآيات بينات ، وحروف وكلمات ، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، له أول وآخر ، وأجزاء وأبعاض ، متلو بالألسنة ، محفوظ في الصدور ، مسموع بالآذان ، مكتوب في المصاحف ، فيه محكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، وأمر ونهي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت/ 42، وقوله تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } الإسراء/ 88 .
وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا : { لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ } سبأ /31 ، وقال بعضهم : { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } المدثر/ 25، فقال الله سبحانه : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } المدثر/ 26 ... ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر ، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف " انتهى
"لمعة الاعتقاد" ص (28-22) .
ومعنى قول أهل السنة : " منه بدأ " : أن الله تعالى تكلم به ، فظهوره وابتداؤه من الله تعالى .
ومعنى قولهم : " وإليه يعود " : أنه يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان ، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف كما جاء ذلك في عدة آثار .
وللحافظ ضياء الدين المقدسي ( ت: 643هـ ) رحمه الله رسالة حول هذه المسألة ، بعنوان : " اختصاص القرآن بالعود إلى الرحمن " .(/2)
ولأهل البدع مقالات أخرى كثيرة مخالفة لما دل عليه صريح المعقول ، وصحيح المنقول في هذا الباب ، يمكن مراجعتها ومعرفة ردود أهل العلم عليها في كتب أهل السنة المصنفة في هذا الباب ، ومنها مصنفات خاصة بالرد على أهل البدع في صفة الكلام ، مثل : البرهان في مسألة القرآن ، وحكاية المناظرة في القرآن ، كلاهما لموفق الدين ابن قدامة ، صاحب المغني ، رحمه الله ، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتب ورسائل عديدة فيما يتعلق بصفة الكلام من مسائل ، فيمكن مراجعة المجلد الثاني عشر من مجموع فتاواه ، ومن كتبه المهمة في ذلك كتاب التسعينية ، رد على الأشاعرة بدعهم في صفة الكلام من نحو من تسعين وجها .
وأما المصنفات المعاصرة ، فقد أفرد هذه المسألة بالتأليف الشيخ عبد الله الجديع في كتابه : العقيدة السلفية في كلام رب البرية ، وهو كتاب نافع مفيد في بابه .
ثانيا :
وصف القرآن بالقدم ، أو وصف كلام الله تعالى بأنه قديم ، يراد به معنيان :
الأول : أنه غير مخلوق ، كما تقدم ؛ وأن جنس الكلام ، في حق الله تعالى ، قديم ، لم يزل متكلما ، متى شاء ، وكيف شاء ، ويكلم من عباده من شاء . وهذا حق ، وهذا هو مأخذ من أطلق " القِدَم " في حق القرآن ، أو في حق كلام الله تعالى عامة ، من أهل السنة .
ومن هؤلاء : أبو القاسم اللالكائي في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة "
قال (2/224) : " سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة " .
ثم قال (2/227) : " ما روي من إجماع الصحابة على أن القرآن غير مخلوق " .
وممن أطلق ذلك أيضا : ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في لمعة الاعتقاد . قال (15) :(/3)
" ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه ، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة ، وسمعه جبريل عليه السلام ، ومن أذن له من ملائكته ورسله ، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه ، ويأذن لهم فيزورونه ، قال الله تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [ النساء : 164 ] ، وقال سبحانه : { يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي } [ الأعراف : 144 ] ، وقال سبحانه : { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } [ البقرة : 253 ] ، وقال سبحانه : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى : 51 ] ، وقال سبحانه : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى }{ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } [ طه : 11 - 12 ] ، وقال سبحانه : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } [ طه : 14 ] ، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله ... " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" السلف قالوا : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وقالوا لم يزل متكلما إذا شاء . فبينوا أن كلام الله قديم ، أي : جنسه قديم لم يزل .
ولم يقل أحد منهم : إن نفس الكلام المعين قديم ، ولا قال أحد منهم القرآن قديم .
بل قالوا : إنه كلام الله منزل غير مخلوق .
وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته ، كان القرآن كلامه ، وكان منزلا منه غير مخلوق ، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله ، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء ؛ فجنس كلامه قديم .
فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض " انتهى مجموع الفتاوى (12/54) .
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا :(/4)
" وكلام الله : تكلم الله به بنفسه ، تكلم به باختياره وقدرته ، ليس مخلوقا بائنا عنه . بل هو قائم بذاته ، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته ، ليس قائما بدون قدرته ومشيئته .
والسلف قالوا : لم يزل الله تعالى متكلما إذا شاء ؛ فإذا قيل : كلام الله قديم ; بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، ولا كلامه مخلوق ، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته ; بل لم يزل متكلما إذا شاء فهذا كلام صحيح .
ولم يقل أحد من السلف : إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون : القرآن كلام الله ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود .
ولم يقل أحد منهم : إن القرآن قديم ، ولا قالوا : إن كلامه معنى واحد قائم بذاته ، ولا قالوا : إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله ، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء ; بل قالوا : إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال : إن الله خلق الحروف " انتهى من الفتاوى (12/566-567) .
والمعنى الثاني : أن القرآن معنى ، أو معنى وحروف ، تكلم الله بها في الأزل ، ثم لم يتكلم بعدها ، وهذا من بدع الأشاعرة ومن وافقهم من أهل الكلام ، التي أرادوا بها الخروج من بدعة المعتزلة والجهمية القائلين بخلق القرآن .
فمن قال في القرآن ، أو غيره من صفات الله تعالى وأفعاله الاختيارية : إنه قديم ، وأراد ذلك فمراده باطل ، ثم إن اللفظ الذي أطلقه مجمل غير مأثور .
ولأجل هذا الاحتمال الباطل الذي يحتمله إطلاق هذا اللفظ ، ولأجل أنه غير مأثور ، كان الراجح هنا ألا يطلق لفظ القدم على القرآن ، بل يقال فيه ما قال السلف : القرآن كلام الله ، غير مخلوق .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" وأتباع السلف يقولون : إن كلام الله قديم ، أي : لم يزل متكلما إذا شاء ، لا يقولون : إن نفس الكلمة المعينة قديمة كندائه لموسى ونحو ذلك .(/5)
لكن هؤلاء [ يعني : الأشاعرة ومن وافقهم ] اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين ، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته . ثم اختلفوا :
فمنهم من قال : القديم هو معنى واحد ، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن ؛ وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا ، والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة : قالوا : والقرآن العربي لم يتكلم الله به ، بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام ، وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد ؛ فيكون كلاما لذلك الرسول ، ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب ، الذي هو جميع معاني الكلام .
ومنهم من قال : بل القرآن القديم هو حروف ، أو حروف وأصوات ، وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا ...؛ إذا كلم موسى أو الملائكة أو العباد يوم القيامة فإنه لا يكلمه بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته حين يكلمه ، ولكن يخلق له إدراكا يدرك ذلك الكلام القديم اللازم لذات الله أزلا وأبدا .
وعندهم لم يزل ولا يزال يقول : { يا آدم اسكن أنت وزوجك } و : { يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك } و { يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ونحو ذلك وقد بسط الكلام على هذه الأقوال وغيرها في مواضع .
والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف ؛ أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين ، الذين لهم في الأمة لسان صدق ، في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم . وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ... " الفتاوى (17/85)(/6)
وعليه فمن قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم ، وأراد المعنى الأول : أن القرآن ، وسائر كلام الله تعالى ، منزل من عنده غير مخلوق ، ومع ذلك فهو متعلق بمشيئته واختياره، فمراده صحيح ، وإن كان الأولى والأسلم في ذلك أن يقتصر على الألفاظ الواردة عن السلف ، السالمة من الإجمال واحتمال المعاني الباطلة .
وإن أراد المعنى الثاني ونفى أن يتعلق كلام الله تعالى بمشيئته واختياره ، فمراده باطل ، واللفظ الذي أطلقه ـ أيضا ـ مبتدع .
وانظر أيضا : منهاج السنة النبوية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5/419-421) .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
100602
العنوان:
العمل في تدريب النساء على الرقص
السؤال:
ما حكم مكان تعمل فيه النساء فقط لتدريب الرقص ، مثل : الباليه والرقصات الأخرى كهواية وليس كحرفة للنساء ؟ وما حكم المكسب من هذه الحرفة ؟ مع العلم أن التدريب يكون على الأغاني ، وإذا كان هذا المكسب حرامًا فماذا عليه أن يفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز أن يشتبه مسلمٌ يعيش في ديار الإسلام في حرمة العمل في أماكن رقص النساء وكشف العورات والوقوع في المنكرات ، فإنَّ تحريمَ ذلك معلومٌ من الدين بالضرورة والبديهة ، وإذا لم يكن ذلك الفعل حراما فما هو المحرَّمُ إذن ؟!
ولا شك أنَّ مَن يتعرَّضُ لمثل هذه الأعمال إنما يتعرَّضُ لسخط الله وعقوبته ومقته وغضبه ، إذ كيف يقتحم مثل هذه المعاصي ويجاهر بها على الملأ ، بل ويساعد على نشرها وتعليمها والتدريب عليها ، وهو يدرك في قرارة نفسه أن هذا العمل من وحي الشيطان ونتن تلك الحضارة الغربية المزعومة ، التي تتخذ من العري والمجون شعارا لها ، والله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ، وقد أعد لمن ينشر الفسق والفساد في الأرض عذابا عظيما .
يقول الله عز وجل : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) الفجر/6-14
وهذه قضايا معلومة بداهة من الدين ، لا تحتاج إلى إقامة برهان عليها ، ومن يرضى بها أو يستحلها فهو على خطر عظيم ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية .(/1)
وإذا كان كذلك فالكسب الذي يأخذه من يدرب النساء على الرقص المتعري ، ويشارك في نشر الفساد والمعصية في الأرض كسب خبيث ومال حرام ، لا يحل له أكله ولا أخذه ولا استعماله ، بل يجب عليه أن يبادر إلى التوبة منه .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/10-11) :
" – إذا صحب - الرّقصَ أمر محرّم كشرب الخمر ، أو كشف العورة ونحوهما ، فيحرم اتّفاقًا... ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز الاستئجار على المنافع المحرّمة وغير المتقوّمة ، فحيث كان الرّقص حرامًا لا يجوز الاستئجار عليه " انتهى باختصار .
والتوبة من المال المحرم لكسبه تكون بالتخلص منه في وجوه البر والخير ، فيتصدق بجميع ماله الذي كسبه من الحرام ، ولا حرج عليه في إبقاء ما نتج من ذلك المال الحرام بالتجارة المباحة ، أو يبقي ما يسد حاجته حتى يجد عملا مباحا يكسب منه الكسب الطيب .
وقد سبق في موقعنا الحديث عن كيفية التوبة من المال الحرام في أجوبة الأسئلة الآتية :
(78210) ، (78289) ، (81915)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100627
العنوان:
إذا خافت أن يعرف إسلامها فكيف تصلي
السؤال:
فتاة غير مسلمة تريد التعرف إلى دين الإسلام وتعلن إسلامها بينها وبين خالقها وتريد الصلاة والقيام بكل الواجبات الدينية هل تستطيع مثلا أن تصلي الظهر والعصر ولا تصلي باقي الصلوات بسبب صعوبة الوضع في المنزل
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يوفق هذه الفتاة ، وأن يهديها ، وأن يشرح صدرها للإسلام ، وينور قلبها بنور الإيمان ، وننصحها أن تعجل بذلك ، وألا تتردد ، وأن تعلن إسلامها فيما بينها وبين خالقها ، فتتشهد شهادة الإسلام ، وتفعل ما تستطيع من شرائعه .
ثانيا :
يلزم المسلم أداء خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يجوز ترك شيء منها ، مهما كان عذره ، ما دام عقله معه .
وإذا كانت هذه الفتاة لا تستطيع أن تصلي المغرب والعشاء والفجر خوفا من اطلاع أهلها على إسلامها ، فإنها لا تدع الصلاة ، ولكن يمكنها فعل ما يلي :
1- أن تجمع المغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا ، وأن تصليهما سرا . والجهر فيما يجهر فيه بالقراءة كالفجر والمغرب والعشاء سنة لا واجب ، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرات الانتقال ، ووضع اليمني على اليسرى أثناء القيام ، كل ذلك من السنن .
2- أن تقتصر على فعل الأركان والواجبات ، فتقتصر على قراءة الفاتحة ، ولا تقرأ سورة بعدها ، وتكتفي بتسبيحة في الركوع والسجود ، وبهذا يمكنها أداء الصلاة في دقائق معدودة ، ولا تعجز الفتاة غالبا عن إغلاق باب غرفتها عليها دقائق معدودة ، كأنها تبدل ملابسها أو تصلح من شأنها ، فتصلي فرضها في هذا الوقت .
3- إذا أرادت الوضوء ، فإنها تتوضأ في دورة المياه ، بعيداً عن العيون ، كأنها تقضي حاجتها ، فإن عجزت عن الوضوء جاز لها التيمم ، ولو على الجدار أو فرش المنزل ، وتصلي بهذا التيمم .(/1)
4- إذا فُرض أنها لا يمكن أن تختفي عن أعين أهلها دقائق تؤدي فيها الصلاة ، وخشيت من اطلاعهم على إسلامها مضرة معتبرة ، جاز لها أن تصلي قاعدة ، وتومئ بالركوع والسجود ، فإن لم يمكن ذلك صلت قاعدة ، تنوي الركوع والسجود بقلبها ، وتستقبل القبلة ، فإن تعذر الاستقبال صلت إلى أي جهة . ولو فرض أنه لا يمكنها أداء الصلاة إلا مستلقية ، فعلت ذلك ، والمقصود أن الصلاة لا تسقط عن المكلف بحال .
والأصل فيما ذكرنا : قوله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) .
وقد ذكر الفقهاء حالات يسقط فيها استقبال القبلة والركوع والسجود ، كحالة الهرب من سبع أو سيل أو التحام القتال ، إذا لم يبق متسع من الوقت لفعل الصلاة بتمام أركانها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/258) : " وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف , بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة , أو احتاج إلى المشي , أو عجز عن بعض أركان الصلاة ; إما لهرب مباحٍ من عدو , أو سيل , أو سبُع , أو حريق , أو نحو ذلك , مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب , أو المسايفة , أو التحام الحرب , والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة , فله أن يصلي على حسب حاله , راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن , أو إلى غيرها إن لم يمكن .(/2)
وإذا عجز عن الركوع والسجود , أوْمأ بهما , وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته . وإن عجز عن الإيماء , سقط , وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما , سقط , وإن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر , فعل ذلك . ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ; لقول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } . وروى مالك , عن نافع , عن { ابن عمر , قال : فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا , قياما على أقدامهم , أو ركبانا , مستقبلي القبلة وغير مستقبليها } . قال نافع : لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
بل نص الفقهاء على ذلك في شأن الأسير ومن يخاف معرفة إسلامه ، فإنه يصلي
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/140) : " . وإن هرب من العدو هربا مباحا , أو من سيل , أو سبع , أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب . فله أن يصلي صلاة شدة الخوف , سواء خاف على نفسه , أو ماله , أو أهله . والأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى , والمختفي في موضع , يصليان كيفما أمكنهما . نص عليه أحمد في الأسير . ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام , أو مضجعا لا يمكنه القعود , ولا الحركة , صلى على حسب حاله . وهذا قول محمد بن الحسن . وقال الشافعي : يصلي ويعيد . وليس بصحيح ; لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه , فلم تلزمه الإعادة كالهارب . ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا ; لأن المبيح خوف الهلاك , وقد تساويا فيه .
ومتى أمكن التخلص بدون ذلك , كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة , والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صوْلة العدو , ولحوق الضرر , فيصلي فيه , ثم يخرج , لم يكن له أن يصلي صلاة شدة الخوف ; لأنها إنما أبيحت للضرورة , فاختصت بوجود الضرورة " انتهى.(/3)
والحاصل أن هذه الفتاة يلزمها أداء الصلوات الخمس ، ولا يجوز لها ترك شيء منها ، ولكنها تؤدي الصلاة على الكيفية التي تستطيعها ، ومن ذلك أن تصلي صلاة شدة الخوف إن اضطرت لذلك .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100703
العنوان:
هل تعرض نفسها على رجل صالح ليجد لها زوجا ؟
السؤال:
فتاة ملتزمة وتأمل بالزواج من شاب ملتزم مستقيم ، لأن أغلب من تقدم لخطبتها غير ملتزمين ولقد عرضت هذه المشكلة على أحد المشايخ الفضلاء ، وكان ذلك من خلال رسالة ، فقام الشيخ بالرد من خلال ورقة طلب فيها الإجابة على بعض الأسئلة وسأل عن النسب ومواصفات الفتاة وعن الطرف الآخر الذي تريد ،" يريد أن يزوجنا من شباب ملتزمين " فهل تقدم على هذه الخطوة ؟؟ لأن هناك مشاكل عديدة ومن أهمها عدم علم أهلها بذلك وتخاف من عدم تيسر الأمور إما بالرفض أو غيره ، مع العلم بأن عمرها لم يتجاوز العشرين .. فأرشدوها بما ترونه صوابا فهي بحاجة لإرشادكم لا حرمكم الله الأجر.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج على المرأة في طلبها الزواج ، وبحثها عن صاحب الدين والخلق ، لا سيما في هذه الأزمنة التي كثرت فيها الفتن ، بل هذا يدل على كمال عقلها ، وحسن تصرفها .
روى البخاري (5120) عن أنس رضي الله عنه قَالَ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ : مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ . قَالَ : هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا .
وبوَّب عليه الإمام البخاري بقوله : باب " عرْض المرأة نفسَها على الرجل الصالح "(/1)
قال العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (20 /113) : " قول أنس لابنته ( هي خير منكِ ) دليل على جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ، وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه وفضله ، أو لعلمه وشرفه ، أو لخصلة من خصال الدين ، وأنه لا عار عليها في ذلك ، بل يدل على فضلها ، وبنت أنس – رضي الله عنه - نظرت إلى ظاهر الصورة ، ولم تدرك هذا المعنى حتى قال أنس ( هي خير منكِ ) ، وأما التي تعرض نفسها على الرجل لأجل غرض من الأغراض الدنيوية فأقبح ما يكون من الأمر وأفضحه " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (20916) .
ثانيا :
ولا حرج في الاستعانة بأهل الصلاح والاستقامة في أمر الزواج ، كأن تعرض المرأة أمرها على أحد الثقات الصالحين ليزوجها ، وقد تدعو الحاجة إلى ذلك إذا كان المتقدمون لها غالبا ليسوا من أهل الالتزام ، ويشترط حينئذ وجود بعض الضوابط :
1- ألا يطلع الوسيط على شيء من صفات المرأة التفصيلية ، بل يكتفي بمعرفة الأمور العامة من النسب والسن والدراسة أو الوظيفة ، أما أوصافها ككونها جميلة أو غير جميلة ونحو ذلك فالأولى أن يتم ذلك عن طريق زوجته أو أخته ، بعدا عن الفتن ما أمكن .
2- على من رغب في الخطبة بعد معرفة هذه الصفات العامة أن يتقدم لأهلها ، دون أن يتم اتصال مباشر بينه وبينها ، فهذا هو الأصل ، وهو الأسلم والأحوط لها ، وعلى الوسيط أن يختار من الرجال من يرجى قبوله من وليّك ، ويراعي في ذلك النسب والمستوى الاجتماعي ؛ لئلا يتكرر الطلب والرفض .
3- من عزم على خطبة امرأة جاز له أن ينظر إليها ، بعلمها وبدون علمها ، حتى يعزم على خطبتها .
وينبغي أن تسأل الله تعالى الزوج الصالح ، وأن تستخير قبل البت في شيء من أمرها .
ونسأل الله لنا ولها التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100719
العنوان:
مواصفات الخمار والنقاب الشرعية وهل تُلزم المديرة المعلمات والطالبات بها ؟
السؤال:
أنا مديرة تحفيظ قرآن ، وأمرت المعلمات بعدم لبس النقاب ذي الطبقة الخفيفة أو الطبقتين ، لكنهن رفضن بحجة أنه غير محرم , فكيف يتسنَّى لي منع الطالبات من لبسه ؛ لأن الطالبات يعمدن إلى فتح هذه الطبقات بعد خروجهن من المدرسة ، وأيضاً : أثناء ركوبهن سيارات النقل ، وعند فرض الغطاء الكامل على الطالبات يرفضن بحجة أن المعلمات لا يطبقن ، نأمل منكم إجابة مفصلة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
جزاكِ الله خيراً على حرصكم على الستر والعفاف ، والأخذ بالاحتياط ، وعلى القيام بالنصح والتوجيه للمعلمات والطالبات ، وهذا من أداء الأمانة .
ثانياً:
لا نستطيع أن نوجب على المسلمة غطاء وجهها بخمار ذي طبقات متعددة فالواجب هو ستر الوجه ، سواء بطبقة واحدة أو بطبقات .
وقد جاء في الشرع إباحة الخمار ، وإباحة النقاب ، والذي يَمنع النقاب من أهل العلم لا يمنعه لعدم مشروعيته في الأصل ، بل لتجاوز بعض النساء في صفة النقاب ، من حيث توسيع فتحة العين ، ومثل هذا يقال في الخمار أيضاً ، فلا يمنع لذاته بل لصفته من حيث رقة قماشه التي تبين الوجه من خلاله .
سئل علماء اللجنة الدائمة عن حكم الإسلام في النقاب ، فأجابوا :
" أما النقاب : فقد قال أبو عبيد في صفة النقاب عند العرب : هو الذي يبدو منه محجر العين ، وكان اسمه عندهم " الوصوصة " و " البرقع " ، وأما حكمه : فالجواز ، والأصل في ذلك ما جاء من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( لَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ ) ، وفي رواية قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ( نَهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ ) .(/1)
ونهيه صلى الله عليه وسلم المُحرِمة أن تنتقب يدل على جوازه في غير حال الإحرام ، ثم إنه لا يُفهم من هذا الحديث أن المحرِمة يجوز لها كشف وجهها إذا كان الرجال الأجانب يرونها ، بل يجب عليها أن تسدل الخمار أو النقاب إلى أن يجاوزوها ، والأصل في ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ) " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 171 ، 172 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ما حكم البرقع إذا لم يتخذ للزينة ، وإنما للستر ، ومع ذلك يوضع غطاء ؟ .
فأجاب :
" لا بأس به ؛ لأنه لا يشاهد ، فستغطيه بشيء فوقه ، لكن البرقع الذي يظهر ولا يغطى : لا نفتي بجوازه ؛ لأنه فتنة ؛ ولأن النساء لا يقتصرن على هذا ، ولو كانت النساء تقتصر على فتحة العين لقلنا : إن هذا النقاب ، وهو معروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بأس به ، لكن ثق أنك إذا قلت : إنه يجوز للمرأة أن تنتقب لعينها وتنظر من وراء النقاب بعينها : أنه بعد مدة قليلة سيكون هذا النقاب متسعاً يتسع إلى الجبهة وإلى الخد ، ثم لا يزال يتضاءل المغطى من الوجه حتى يكشف كل الوجه ، هذا هو المعروف من عادة النساء ، فسدُّ الباب : أقرب للصواب " انتهى " لقاءات الباب المفتوح " ( 14 / السؤال 43 ) .
وعليه :(/2)
فنقول للمعلمات والأخوات ولسائر المسلمات : من رضيت منكن ستر وجهها فقد اختارت الأستر لنفسها ، والأكمل لدينها ، ولكن عليها أن تلتزم بالشرع في صفة الخمار ، أو النقاب ، فلا يجوز توسيع فتحات النقاب عن حد العين ليظهر ما هو أكثر منها ، كما لا يجوز أن يكون الخمار شفَّافاً يشف عن وجهها .
فعن علقمة بن أبى علقمة عن أمه : أنها قالت : دخلتْ حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة أم المؤمنين وعلى حفصة خمار رقيق ، فشققته عائشة ، وكَسَتْها خماراً كثيفاً .
رواه مالك في " موطئه " ( 1693 ) والبيهقي في " سننه " ( 2 / 235 ) ، وإسناده صحيح .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" فكل ثوبٍ يصفُ ولا يستر : فلا يجوز لباسه بحال ، إلا مع ثوب يستر ولا يصف ؛ فإن المكتسية به عارية ، كما قال أبو هريرة ، وهو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة " انتهى " الاستذكار " ( 8 / 307 ) .
والشيء الآخر : أن مسئوليتك في مركز التحفيظ هو أن تلتزم المعلمات والطالبات بالستر الواجب عليهن داخل المركز ، وأما ما يحدث بعد انصرافهن من المركز ، أو قبل مجيئهن : فلا مسئولية عليكِ به ، إلا إن كان نصحاً وتوجيهاً وإرشاداً ، دون إلزام لهنَّ بشيء معيَّن يلبسنه .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير ، وأن يهدي المعلمات والطالبات للخير والصواب .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
100758
العنوان:
حديث ( لا يهين المرأة إلا اللئيم ) لا يثبت
السؤال:
هل هذا الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أدري بالضبط صيغة الحديث ، ما أعرفه أنه هكذا : الحديث ( لا يكرم المرأة إلا الكريم , ولا يهين المرأة إلا اللئيم , ولا يغلبن إلا الكريم , ولا يغلبهن إلا اللئيم ، وأنا أريد أن أكون - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - مغلوبا أي كريما ، وليس غالبا أي لئيما )
الجواب:
الحمد لله
لا نَعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل هذا الكلام بهذا اللفظ ، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين ، وإنما يُروَى في ذلك شيءٌ قريب من اللفظ المذكور ، ولكنه أيضا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا بيان ذلك :
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ، ما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم )
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/313) وعنه ابن أخيه في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" (109)
وهذا سند ابن عساكر :
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أخبرني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي العجائز ، حدثني أبي ، وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو عبد الله ، أنا مسدد بن عبد الله الحمصي قالا : نا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب الربعي ، نا أبو بكر وأبو القاسم محمد وعامر ابنا خريم بن محمد ، قالا نا أبو عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي ، نا عبد الرزاق بن همام ، أنا إبراهيم بن محمد الأسلمي ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة بن خالد ، عن علي بن أبي طالب به .
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (845) :
" موضوع . وهذا إسناد واهٍ بِمَرَّة ، وفيه علل :(/1)
1 - داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة كما قال الحافظ في "التقريب" ، ومستنده قول ابن المديني : " ما رواه عن عكرمة فمنكر " . وكذا قال أبو داود .
2- إبراهيم الأسلمي : كذاب كما قال يحيى القطان وابن معين وابن المديني ، وروى أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (34/1) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد قال : " لم يُترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر ، وإنما للكذب " وقال ابن حبان (1/92) : " كان يرى القدر ويذهب إلى كلام جهم ، ويكذب مع ذلك في الحديث "
3- أبو عبد الغني الأزدي : متهم بالوضع ، وفي ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث ، وقال فيها : " وكان ضعيفا " . ثم روى عن أبي نعيم أنه قال : " حدث عن مالك أحاديث موضوعة " . وكذا قال الحاكم ، ثم تعقب ابن عساكر أبا نعيم بقوله : " ولا أعلم روى عن مالك ولا أدركه "
قلت – القائل هو الشيخ الألباني رحمه الله - : وهو إنما يروي عن مالك بواسطة عبد الرزاق ، وقد ساق له الدارقطني من هذا الوجه حديثا وقال : " باطل ، وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق " وكذا رواه ابن عساكر في ترجمته ، لكن قد ساق له ابن حبان (1/235) حديثا آخر ، صرح فيه بقوله : " حدثنا مالك " فهو من أكاذيبه عليه . وقال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات ، لا تحل الرواية عنه بحال " " انتهى باختصار .
وفيما ورد في إكرام النساء والإحسان إليهن من الأحاديث الصحيحة الكثيرة غُنيةٌ عن هذا الحديث المنكر ، وهي – بلا شك – أبلغ عبارة وأوفى بيانا وأعظم أثرا من كل مروي ضعيف أو مكذوب :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468)(/2)
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وفي "السلسلة الصحيحة" (1174)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ ) رواه أحمد (2/439) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (146) ومحققو مسند أحمد ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1015)
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/166) في شرح الحديث الأخير :
" بأن تعاملوهما برفق وشفقة ، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه ، ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب ، وَوَصَفَهُمَا بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير ، فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم ، وانتقامه من ظالمه أشد " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
100774
العنوان:
مدرِّس ويعاني من كثرة الهموم والتفكير ويطلب النصح
السؤال:
دائماً مهموم ، أفكر كثيراً ، أقل موقف مؤلم يدمرني ، لا أستطيع النوم في الليل ، أقرأ بعض آيات القرآن لكنني أشعر باختناق ، ماذا تنصحونني ؟ وأعمل مدرساً ، لكنني مكره على هذه المهنة ، وصلت في المرحلة بالتفكير بالسفر وترك عملي وبلدي لأبحث عن عمل في مجالي ويريحني .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرِّج همك ، وأن ييسر أمرك ، وأن يختار لك ما هو خير لدينك ودنياك ، وأما نصيحتنا لك : فهي :
أولاً: ننصحك بتقوية إيمانك ، ويكون ذلك بمحافظتك على الواجبات فتؤديها على أحسن وجه ، وتبتعد عن المنهيات ، وتكف عنها على الفور إن كنت تقترفها ، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .
قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها ، بل لا تسمَّى أعمالاً صالحة إلا بالإيمان ، والإيمان مقتضٍ لها ؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات ، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح :
( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) وذلك بطمأنينة قلبه ، وسكون نفسه ، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب .
( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ) في الآخرة .
( أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) من أصناف اللذات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة .
" تفسير السعدي " ( ص 448 ) .(/1)
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ونِعمٌ أخرى يختص بها الإنسان ، وهي الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق ؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياة الخلق إلا بالشرائع ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) المؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا ، والثواب الجزيل في الآخرة ، والله لو فتشت الملوك ، وأبناء الملوك ، والوزراء ، وأبناء الوزراء ، والأمراء ، وأبناء الأمراء ، والأغنياء ، وأبناء الأغنياء ، لو فتشتهم وفتشت مَن آمن وعمل صالحاً : لوجدت الثاني أطيب عيشة ، وأنعم بالاً ، وأشرح صدراً ؛ لأن الله عز وجل الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، تكفَّل فقال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) تجد المؤمن العامل للصالحات مسرور القلب ، منشرح الصدر ، راضياً بقضاء الله وقدره ، إن أصابه خير شكر الله على ذلك ، وإن أصابه ضده صبر على ذلك واعتذر إلى الله مما صنع ، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه فرجع إلى الله عز وجل ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( عجباً للمؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سَّراء شكر ، فكان خيراً له، وإن أصابته ضَّراء صبر فكان خيراً له )، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.
" تفسير جزء عمَّ " ( ص 77 ، 78 ) .
ثانياً: ننصحك بجمع همومك كلها وجعلها همّاً واحداً ، وهو هم الآخرة ، وكيف تلقى ربك وهو عنك راضٍ .(/2)
واعلم – يا أخانا الفاضل – أن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة ، ولو تسوى ذلك ما سقى كافراً شربة ماء ، فمهما بلغت هموم المسلم لهذه الدنيا فهي هموم لدنيا زائلة ، ولو أن المسلم يعلم أن الانشغال بالهم والقلق يسبب له أمراضاً نفسية وبدنية : لتركها على الأقل حفاظاً على صحته ، فكيف إذا علم قبل ذلك أن إيمانه بالقدر يجعله غاية في الطمأنينة ، وأنه لا بدَّ من حصول المقدور ؟ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ : كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا : لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ ) .
رواه ابن ماجه ( 257 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ : جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ : جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) .
رواه الترمذي ( 2465 ) وأبو داود ( 1668 ) وابن ماجه ( 4105 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم – رحمه الله – :(/3)
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده : تحمَّل الله سبحانه حوائجه كلها ، وحمَل عنه كل ما أهمَّه ، وفرَّغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته ، وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه : حمَّله الله همومها ، وغمومها ، وأنكادها ، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ، ولسانه عن ذكره بذكرهم ، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم ، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره ، كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره ، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف/ 36 .
" الفوائد " ( ص 84 ) .
ثالثاً: ننصحك أن تغتنم حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وأن تغتنم فراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، فالحياة متقلبة ، وكل يوم يمر في حياتك فأنت تتقدم فيه خطوة إلى قبرك ، وكل يوم يمضي من عمرك لا يرجع ، فانشغاله بالهموم والتفكير يقتل وقتك ، ويتلف بدنك ، ويعجِّل هرمك ، فمتى تؤدي ما أمرك الله به ؟ وما النتيجة التي سترجوها لنفسك بتلك الهموم وتلك التفكيرات ؟ .
رابعاً: ننصحك باستثمار وظيفتك ، فهي وظيفة رائعة ، تستطيع فيها الاستفادة فيها لنفسك ، ولغيرك ، فكم من معلِّم تلتقي بهم كل يوم ، وكم مِن فائدة ونصيحة يمكن أن تكون منك لهم ، وكم من طالب تواجهه في مدرستك كل يوم ، فلمَ لا تستثمر ذلك كله بإشغال نفسك بطاعة الله في الدعوة والتوجيه والنصح ؟ لذا فإننا نصحك باستثمار وظيفتك ، والتوصل بها لتحقيق أهدافٍ سامية عالية .
خامساً: ننصحك بالاستعانة بالله تعالى بدعائه ، وذِكره ، كما علَّمنا ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :(/4)
أ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .
رواه البخاري ( 5985 ) ومسلم ( 2730 ) .
ب. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ ( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ) .
رواه الترمذي ( 3524 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ) قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : ( بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) .
رواه أحمد ( 3704 ) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 199 ) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/5)
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهموم والمشاكل والقلاقل التي تهز الإنسان وتصيبه من الزمن ، فما الأشياء التي تزيل الهموم والغموم التي تصيب المسلم ؟ وهل يشرع أن يرقي الإنسان نفسه ؟ .
فأجاب :
أولاً : يجب أن نعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء هي من جملة ما يكفَّر عنه بها ، ويخفف عنه من ذنوبه ، فإذا صبر واحتسب : أثيب على ذلك ، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم ، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه أهل السنن بسند صحيح ( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ) فإن هذا من أسباب فرج الهم والغم .
وكذلك قوله تعالى : ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) الأنبياء/ 87 ، فإن يونس عليه الصلاة والسلام قالها ، قال تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/ 88 .
ولا حرج أن يرقي الإنسان نفسه ؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه بالمعوذات عند منامه ، ينفث بيديه ، فيمسح بهما وجهه ، وما استطاع من جسده .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 467 ) .(/6)
وقد يحاول الشيطان صدك عن القرآن ، وعن الدعاء ، وعن الذِّكر ، فاحذر أن تستجيب لما يوسوس لك به ، واحذر من ترك ذلك إن شعرت بضيق أو اختناق ، واعلم أن الترك ليس هو العلاج ولا الحل ، بل الاستمرار في القراءة ، والمداومة على الأدعية والأذكار هما العلاج والحل لمشكلته بإذن الله تعالى .
سادسا : إذا كنت تشعر بضيق في وقتك الحالي ، فننصحك بأخذ إجازة قصيرة من عملك ، إن كانت ظروفك المادية تسمح بذلك ، يمكنك فيها أن تخفف عنك الهموم والمتاعب ، فإن تمكنت من السفر لزيارة بيت الله الحرام ، في حج أو عمرة ، فسوف تنتفع بذلك إن شاء الله تعالى في حالك ومآلك ، وإن لم تسمح ظروفك بالسفر أو أخذ إجازة فحاول أن تزور صديقا أو قريبا محببا أمينا يرجو لك الخير ويدلك عليه ، فاستأنس به وقتا ما ، ريثما تهدأ نفسك .
وعلى كل حال ، فنحن لا ننصحك بالمرة ، كما أشرنا بترك عملك ، فإن تيسرت لك فرصة للعمل في الخارج ، في مهنة تناسبك ، فهو أمر طيب إن شاء الله ، لكن مع الاحتفاظ بوظيفتك في بلدك ، حتى إذا رجعت إليها لم تكن عالة على غيرك .
سادساً: ننصحك بالاطلاع على كتاب " علاج الهموم " وهو هنا في موقعنا ، وستجد فيها ما يزيل عنك الهم والغم ، ويشرح صدرك ، ويُطمأن قلبك ، بإذن الله تعالى .
http://www.islam-qa.com/index.php?pg=article&ln=ara&article_id=36
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
100794
العنوان:
أحرم بالعمرة لطفلته ولم تكملها
السؤال:
أحرمنا للعمرة مع طفلتي ذات السنة ولم تؤد المناسك وذلك للخوف من الأمراض المعدية وخشية الإرهاق, مع العلم أنا اشترطنا التحلل عند وجود حابس .
الجواب:
الحمد لله
إذا كنت أحرمت بالعمرة لطفلتك ، ثم لم تكملها ، فلا شيء عليك ، لأن إحرام الصبي غير لازم ، لعدم تكليفه ، وهذا مذهب الحنفية ، واختاره بعض أهل العلم .
وينظر : السؤال رقم (49028) ورقم (37995) .
وأما الاشتراط فإنه يفيد إذا وجد المانع والحابس ، كالمرض ، ولا يكفي مجرد الخشية من المرض أو الإرهاق .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100795
العنوان:
مات وترك زوجة وولدين وثلاث بنات
السؤال:
توفى والدي وترك مبلغ 20.000 ديناراً. كيف توزع على ورثته : الزوجة وولدين و3 بنات؟
الجواب:
الحمد لله
إذا توفي الأب وترك زوجة وولدين ذكرين وثلاث بنات ، فللزوجة الثمن لقوله تعالى : ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) النساء/12
والباقي للأولاد ( الذكور والإناث ) للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لقوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) النساء/11 .
وعلى هذا ،
فنصيب الزوجة : 2500 ديناراً
ونصيب كل ذكر : 5000 ديناراً
ونصيب كل بنت : 2500 ديناراً
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
100797
العنوان:
حكم الإجارة المنتهية بالوعد بالتمليك مع دفعة أولى ورسوم أخرى
السؤال:
شركة تؤجر سيارة وينتهي العقد بالتمليك الشركة قالت لي إنها تعطيني السيارة مع دفعة أولى ما يقارب عشرة آلاف ريال وأدفع شهريا ما يقارب ألف ومائتي ريال وأدفع لهم رسوم ما يقارب ألفين وثمانمائة ريال مع العلم أن سعرها الأصلي هو ستة وخمسون ألف وخمسمائة ريال ويكون السعر المحسوب علي ثمانية وسبعين ألف ريال مع العلم أنه لا يوجد دفعه أخيرة نهائيا ، ووعدوني بعد الانتهاء بالتمليك فما حكم ما أفعله هل أقدم وآخذ السيارة أم لا لأني في حيرة من أمري ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إن كان المقصود أنك تشتري السيارة من الشركة بالأقساط ، بحيث تدفع دفعة أولى تقارب العشرة آلاف ، ثم تدفع أقساطا شهرية ، فلا حرج في ذلك ، لأنه بيع صحيح ، ويترتب عليه دخول السيارة في ملكك من وقت العقد ، لكن للشركة أن تمنعك من بيعها ، وذلك بجعلها مرهونة لها حتى تسدد جميع الأقساط .
وهذا العقد لا علاقة له بموضوع الإجارة المنتهية بالتمليك . لكن لا يتضح هنا وجه أخذ الرسوم التي ذكرتها ، وهي ما يقارب ألفين وثمانمائة ريال .
أما إذا كان العقد هو عقد إجارة للسيارة ، كل شهر بكذا ، مع وعد بتمليكك السيارة في نهاية المدة ، فهذا جائز بشرط أن يكون عقد الإجارة عقدا حقيقيا ، وليس ساترا للبيع ، فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي السيارة على المؤجر (الشركة) ، لا على المستأجر ، وكذلك نفقات الصيانة غير التشغيلية تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة ، وهذا بخلاف البيع ، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد .(/1)
ويجوز أن يقترن بعقد الإجارة عقد مستقل بالهبة معلق على سداد الأجرة كاملة ، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم . ثم ينص على عقد الهبة ، كأن يقال : يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (الشركة مثلا ) تهب الطرف الثاني (العميل) السيارة عند انتهاء المدة وسداد ما عليه من أقساط .
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك ، وبيان الصور الجائزة والممنوعة ، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة : " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة ، وذلك بعقد مستقل ، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى . وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301).
وإذا اشترطت الشركة أن يكون ضمان السيارة أو صيانتها – غير التشغيلية – على المستأجر ، كان العقد فاسدا ، ولم تكن الإجارة حقيقية ، ولم يجز لك الدخول في هذه المعاملة .
ويبقى مع هذا كله إشكال في الدفعة المقدمة ، وإشكال في الرسوم التي تقارب الألفين والثمانمائة ، فإن كانت الدفعة المقدمة ستحسم من الأجرة ، فلا بأس ، وإلا فلا بد من بيان وجه أخذها .
وأما الرسوم ، فلا ندري وجه اشتراطها .
والذي ننصحك به أن تشتري سيارة بالتقسيط ، من بائعها مباشرة ، أو عن طريق ما يسمى بالمرابحة ، فتشتريها عن طريق بنك الراجحي ، بعد أن يشتريها هو من البائع ، فهذا أسلم وأنفع لك ، وتكون مالكا للسيارة بمجرد العقد ، بخلاف مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك ، فإنك تظل مستأجرا إلى نهاية المدة ، وقد تفي الشركة بوعدها في النهاية وقد لا تفي ، مع احتمال وقوعك في الحرام عند عدم توفر شروط هذه المعاملة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100799
العنوان:
جدها مدفون بجوار المنزل من سنوات فهل يلزم نقله للمقبرة
السؤال:
توفى جد زوجي في الحرب بشظايا قرب منزله فاضطر الناس لدفنه بجانب بيته نتيجة لوجود المعارك بالقرب من المقبرة , فهل يجب الآن بعد مرور اثنا عشر عاما على دفنه هل يجب نقله إلى المقبرة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجب نقل رفاته إلى المقبرة إلا إذا كان في دفنه في هذا المكان اعتداء على أحد ، كما لو كان صاحب الأرض التي دفن بها لم يرض بذلك ، أو كان مدفوناً في طريق لعموم الناس .
لكن إذا لم تكن الأرض ملكاً لأحد أو أذن صاحبها بذلك ، ولم يكن من دفنه فيها تضييق أو اعتداء على أحد فلا يجب نقل رفاته .
ومع ذلك فالذي ينبغي والأفضل نقل رفاته إلى مقابر المسلمين، لأنه قد يؤدي دفنه في هذا المكان إلى امتهانه ، أو يأتي بعد أزمان متطاولة أناس جاهلون يظنون أنه لم يدفن منفرداً عن المقابر إلا لأنه ولي من أولياء الله أو رجل صالح فيطوفون بقبره ويفتنون به ، كما يفعل الجهلة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أحد أقاربنا توفي قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة تقريباً ودُفِن وحده في البر، وقال لنا بعض العلماء: إنه لابد أن يُنْبَش ويدفن في مقابر المسلمين. ما رأيك يا شيخ؟
فأجاب : " رأيي أنه ليس بلازم ، اللهم إلا إذا وصله العمران " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (123/14).
وسئل أيضا : رجل دفن ابنه السقط من الشهر التاسع في زاوية من البيت , فهل يجوز له أن ينبش عليه القبر ويدفنه في المقابر , أم ماذا عليه؟ الشيخ: هل غسله وكفنه وصلّى عليه؟ السائل: نعم.
فأجاب : " الأفضل أن يحفره الآن ويأخذ رفاته وينقله إلى المقابر. السائل: مر عليه زمن طويل. الشيخ: لا بأس، يحفره الآن ويأخذ رفاته؛ لأنه إن بقي شغل مكاناً من البيت, وإن حجّر عليه فصار مشكلة أن يقال: هذا قبر، ثم بعد مضي سنوات كثيرة ربما يتخذ وثناً "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (106/15).(/1)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100859
العنوان:
هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء ترديد الأذان ؟
السؤال:
أذن المؤذن ، فلما وصل المؤذن عند قول : أشهد أن محمدا رسول الله . قلت أنا السامع : أشهد أن محمدا رسول الله . ثم صليت على النبي . فقال لي أحدهم : إن هذه الصلاة مني بدعة . فهل هذا صحيح ؟ مع الدليل . وأنا لم أذكر الصلاة إلا لأني سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه : ( البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي ) فماذا أفعل يا شيخ والحال كما ذكرت ؟ أرجو منك الإجابة المفيدة ، فلقد تعبت ، هل فعلي بدعة ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب في الأذكار والأدعية الشرعية المقيدة بحال معين الالتزام فيها بما ورد في الكتاب والسنة ، من غير زيادة ولا نقصان .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (11/112) :
" ألفاظ الأذكار توقيفية ، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس ، فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به " انتهى .
ودليل هذه القاعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم البراء بن عازب الالتزام باللفظ من غير تغيير ، وذلك حين لقنه دعاء يدعو به إذا أراد النوم فقال له :(/1)
( إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ . قُلْتُ : وَرَسُولِكَ قَالَ " لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ " )
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
وهدي السلف في باب السنة والبدعة هو الاحتياط الدائم ، والالتزام بالسنة الواردة خوفا من الوقوع في البدعة .
يقول ابن مسعود رضي الله عنه :
" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " انتهى . رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/208)
لذلك أنكر بعض الصحابة على من زاد على المشروع ؛ فعَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ : " وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ "
رواه الترمذي (2738) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .(/2)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم الأذكار بألفاظها ، ويحرص على تحفيظهم إياها كما أوحاها الله إليه ، وكما يعلمهم السورة من القرآن ، وذلك كي ينالوا بركتها وفضلها عند الله .
يقول ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : ( عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ) رواه البخاري (6265) .
ومن ذلك ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في إجابة المؤذن ، فقد ورد فيه عدة أحاديث ، تدل جميعها على لزوم الاقتصار على ترديد قول المؤذن ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) من غير زيادة ولا نقصان .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ) رواه البخاري (611) ومسلم (383)(/3)
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . فَقَالَ أَحَدُكُمْ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم (385)
فتأمل معي - أخي السائل - كيف فَصَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه كيفية إجابة المؤذن ، ما يدلك على ضرورة الالتزام بما علَّمَنا من غير زيادة ولا نقصان ، وإلا فما فائدة كل هذا البيان والتفصيل !
وقد فهم الصحابة مقصود النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا يلتزمون بما علمهم ولا يجتهدون في الألفاظ .(/4)
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/409) بسند صحيح عن عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ : ( دَخَلْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَنَادَى الْمُنَادِى بِالصَّلاَةِ فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ يَحْيَى فَحَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ . قَالَ : لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم ) .
وبهذا يتبين أنه لا ينبغي لك زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الترديد مع المؤذن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمنا ذلك ، وكذا صحابته الكرام ، لم يُعرف عن أحد منهم أنه زاد شيئا في إجابته المؤذن .
وكل مسلم يؤمن بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف القربات وأجل الطاعات ، غير أن الأذكار لها مواضع تشرع فيها ، فلا ينبغي تعديها والزيادة عليها ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (327-445) جميع المواضع التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر منها : التشهد ، وآخر القنوت ، وفي صلاة الجنازة وفي الخطبة وعند الدعاء...وليس شيء منها أثناء الأذان ، إنما بعد انتهاء المؤذن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول ابن القيم رحمه الله "جلاء الأفهام" (1/424) :(/5)
" والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى ، فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه ، قالوا ولهذا لا تشرع الصلاة عليه في الركوع ولا السجود ولا قيام الاعتدال من الركوع " انتهى .
نعم ، وردت أحاديث في التشديد في أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنها :
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ) رواه الترمذي (3546) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/35)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ) رواه الترمذي (3545) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
لكن العلماء شرحوا وبينوا مقاصد هذه الأحاديث :
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (11/168-169) :
" وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر ؛ لأن الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد ، والوعيد على الترك من علامات الوجوب .(/6)
وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة : منها أنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين ، فهو قول مخترَع ، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن ، وكذا سامعه ، وللزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن ، وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين ، ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه ، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به ، وقد أطلق القدوري وغيره من الحنفية أن القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله ؛ لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله صلى الله عليك ، ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى .
وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه ، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا " انتهى .
إذن فجميع الأحاديث الواردة في هذا الباب المقصود بها المواطن المشروعة ، أو في المجالس التي يطلق فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس المقصود منها إطلاق الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الشهادتين .
يقول ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/393-394) في نقله وجوه الرد على من قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه :
" أحدها : أنه من المعلوم الذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقرن الصلاة عليه باسمه ، وهذا في خطابهم للنبي أكثر من أن يذكر ، فإنهم كانوا يقولون : يا رسول الله . مقتصرين على ذلك ، وربما كان يقول أحدهم صلى الله عليك ، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير . فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليهم تركها .
الثاني : أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات ، ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة .(/7)
الثالث : أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول ، ولا يُعرَف أن أحدا منهم قال به .
الرابع : أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول : أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يشرع له في الأذان فضلا أن يجب عليه .
الخامس : أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابَهُ أن يصلي عليه ، وقد أمر السامع أن يقول كما يقول المؤذن ، وهذا يدل على جواز اقتصاره على قوله : أشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله . فإن هذا مثل ما يقول المؤذن " انتهى باختصار .
لذلك جاء في كتب الفقه مواضع مما يكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
جاء في "تحفة المحتاج" من كتب الشافعية (2/65) :
" وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي أَوْ سَمِعَ آيَةً فِيهَا اسْمُهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُسْتَحَبَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ – يعني النووي - " انتهى .
ويقول الحافظ ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/131) :
" وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ , وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَذَانِ , وَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًا , فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ , فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ; وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ . " انتهى .
وفي "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (10/334) :(/8)
" وكذلك ما يزيده بعض الناس من الصلاة على النبي مع الأذان عندما يقول : ( لا إله إلا الله ) يزيد : ( الصلاة على النبي ) رافعا بها صوته مع الأذان أو في المكبر ، فهذا لا يجوز وبدعة أيضا " انتهى باختصار .
لكن إن فعل السامع ذلك أحيانا ، لا على وجه الالتزام ، أو اعتباره من الأذكار المقيدة بهذه الحال ، أو من ترديد الأذان المشروع ؛ فنرجو أن لا يكون بأس ، ولا يصل الأمر فيه إلى حد البدعة إن شاء الله .
والله أعلم .(/9)
رقم السؤال:
100900
العنوان:
حُكم مزحة الكترونية ! فيها ادعاء علم الغيب وكذب وترويع
السؤال:
ظهرت مؤخراً خدعة أو ما يسمَّى " مزحة الكترونية " ، وهي عبارة عن رابط الكتروني لموقع أجنبي يُرسل للشخص من قبل أصدقائه - عادةً - يطلب منك كتابة اسمك و 3 أسماء تحبهم ليعطيك نتيجة افتراضية لمقدار محبتهم لك ، أو العكس ، على سبيل المرح لا غير ، المشكلة هي أنك بعد كتابة اسمك و3 أسماء أخرى تفتح لك صفحة تخبرك بأنك خُدِعت ، وأن الشخص الذي أرسل لك الرسالة ( ويظهر لك إيميله ) تم إرسال الأسماء إليه !! هل تجوز هذه الخدعة أو المزحة ؟ وإذا حاججته بعدم جوازها وأن فيها خداعاً للمسلمين وقد يكون فيها خصوصيات ، كأن يكتب اسم زوجته أو شخص محبب له , يقول لك : أنا لم أجبره على المشاركة ! يذكرني ذلك بقول الله تعالى على لسان إبليس - أعوذ بالله منه - : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم ) الآية .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
هذه المزحة السخيفة فيها مخالفة للشرع أعظم من الكذب ، وهي " الكهانة " ! وهذا الأمر لم ينتبه له الأخ السائل في سؤاله ، ولذا لم يتعرض للسؤال عنه .
وهذه المخالفة وقع فيها أصحاب تلك المزحة السخيفة ، ووقع فيها – كذلك – من شارك في كتابة اسمه وأسماء ثلاثة ممن يريد معرفة درجة محبته لهم ، أو درجة محبتهم له ، وهذا الأمر غيبي لا يعلمه أحد إلا الله عز وجل ، فادعاء أصحاب الموقع أنهم يستطيعون معرفة ذلك : كذبٌ في نفسه ، وتصديق ذلك من قبَل المشارك ومشاركته فيه : يدخل في إثم إتيان الكهان وسؤالهم وتصديقهم ، وهو إثم عظيم يصل بصاحبه إلى الكفر ، فالعرَّافون والكهنة كذبة فجرة ، ومع ذلك فقد نُهي المسلم عن إتيانهم وسؤالهم حتى لو لمجرد السؤال ، ورتَّب على ذلك وعيداً ، وإذا جاءهم وصدَّقهم : فالوعيد أعظم .
أما الوعيد الأول : فهو عدم قبول أجر صلاة أربعين يوماً .(/1)
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) .
رواه مسلم ( 2230 ) .
وأما الوعيد الثاني : فهو الكفر .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا ، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) .
رواه الترمذي ( 135 ) وأبو داود ( 3904 ) وابن ماجه ( 639 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ومن ادعى علم الغيب : فهو كافر ، ومن صدَّق مَن يدَّعي علمَ الغيب : فإنه كافر أيضاً ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) - النمل/من الآية 65 - ، فلا يعلم غيبَ السماوات والأرض إلا الله وحده ، وهؤلاء الذين يدَّعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل : كل هذا من الكهانة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن مَن أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ) ، فإنْ صدَّقه : فإنَّه يكون كافراً ؛ لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب : فقد كذَّب قوله تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) .
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (1/292) .
ثانياً:(/2)
ولو لم تكن تلك المزحة السخيفة تتعلق بادعاء علم الغيب : فإنها محرَّمة أيضاً ؛ لأن فيها كذباً ، وقد حثنا شرعنا الحنيف على الصدق في شأننا كله ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة/ 119 ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ) رواه البخاري ( 5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
والمزاح في الإسلام مباح ، والكذب فيه محرَّم ، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمزح ، ولا يقول في مزحه إلا حقّاً .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا ، قَالَ : ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) .
رواه الترمذي ( 990 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولذا : فإنه يحرم الكذب في المزاح .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَه ) .
رواه أبو داود ( 4800 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ويحرم الكذب من أجل إضحاك الناس .
قالُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَه ) .
رواه الترمذي ( 2315 ) وأبو داود ( 4990 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - عقب هذا الحديث - :(/3)
وقد قال ابن مسعود : " إن الكذب لا يصلح في جَدٍّ ، ولا هزل " ... .
وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على المسلمين ، وضرر في الدين : فهو أشد تحريماً من ذلك ، وعلى كل حال : ففاعل ذلك – أي : مضحك القوم بالكذب - مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 256 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
ما حكم النكت في ديننا الإسلامي ، وهل هي من لهو الحديث ، علماً بأنها ليست استهزاء بالدين ، أفتونا مأجورين ؟ .
فأجاب :
" التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق : فلا بأس به ، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقّاً صلى الله عليه وسلم ، أما ما كان بالكذب : فلا يجوز ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسنادٍ جيِّدٍ " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 391 ) .
ويحرم المزاح إن كان يؤدي إلى ترويع المسلم .
عنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ ) .
رواه الترمذي ( 2086 ) وأبو داود ( 5003 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .(/4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهَا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ ، فَقَالُوا : لا ، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) .
رواه أحمد ( 23064 ) – واللفظ له - وأبو داود ( 4351 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وينظر جواب السؤال رقم ( 22170 ) ففيه بيان شروط المزاح الشرعي بالتفصيل .
ويتبين لك أخي السائل المحاذير التي وقع فيها أولئك القوم جميعاً :
1. ادعاء علم الغيب من أصحاب الرسالة المرسَلة .
2. والكذب الحاصل منهم .
3. ترويع المرسَل له .
4. تصديق المرسِل لوجود من يدَّعي علم الغيب .
5. مشاركته في إرسال اسمه وأسماء غيره .
فالواجب على الجميع : التوبة النصوح ، والكف عن هذه الأفعال السخيفة ، والالتفات لأنفسهم ومعرفة جوانب التقصير عندهم ليكملوها ، والاشتغال بالطاعات ، ولا حرج في المزاح – كما سبق – على أن يكون وفق الضوابط الشرعية ، لا وفق الأهواء .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
100902
العنوان:
حلف عليها بالطلاق ألا تشرب الدخان فشربته ناسية
السؤال:
أنا فتاة مخطوبة معقود علي ( مكتوب كتابي ) أريد أن أسأل: لقد اشترط علي خطيبي بأن لا أدخن وحلف علي بالطلاق إن فعلت ذلك ، وفي مرة دخنت وأني غير متذكرة بأن هذا حصل قبل أو بعد الحلف ولكني والله العظيم لم أكن أعلم بأن الطلاق يقع ولقد ندمت على أني دخنت وتبت إلى الله وأنبت إليه ولم أدخن ولم أفعل أي شيء يغضب الله ورسوله وإني الحمد الله ملتزمة أفيدونا يفيدكم الله
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من حلف على زوجته بالطلاق ألا تشرب الدخان ، أو قال : إن شربت الدخان فأنت طالق ، فإنها إن شربت الدخان ، وقع الطلاق عند جمهور الفقهاء .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الطلاق المعلق إن أراد صاحبه تهديد الزوجة وتخويفها وحثها على ترك شرب الدخان ولم يرد الطلاق : أنه لا يقع بذلك طلاق ، بل يلزمه كفارة يمين في حال مخالفة الزوجة ، أما إن قصد الطلاق ، فإنه يقع عند حصول الأمر المعلق عليه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم .
ثانياً :
لا يقع الطلاق بمجرد الشك ، بل لا بد من اليقين .
قال الإمام الشافعي في "الأم" (8/299):
" من استيقن نكاحاً ثم شك في الطلاق لم يَزُل اليقين إلا باليقين " اهـ
وقال ابن قدامة في "المغني" (8/423) :
" من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك " انتهى بتصرف .
فإذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا ؟ فلا يقع الطلاق بذلك.
ومثل ذلك : لو علق طلاق امرأته على شرط ، ثم شك هل وجد الشرط أم لا ؟ فلا يقع الطلاق بذلك .
قال في "كشاف القناع" (5/331) : " إذا شك هل طلق زوجته أم لا ؟ أو شك في وجود شرطه، لم تطلق ، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك " انتهى .(/1)
وهذا هو ما سألت عنه ، فإنك شككت هل شربت الدخان قبل اليمين أم بعده ، فلا يقع الطلاق بهذا الشك .
ثالثاً :
نحمد الله تعالى أن منّ عليك بالتوبة والاستقامة وترك شرب الدخان المحرم ، ونسأل الله لك مزيدا من التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100909
العنوان:
حكم تهذيب اللحية والأخذ من العنفقة
السؤال:
مما لا شك فيه أن الشرع أمرنا بعدم حلق اللحية لكن .. هل يجب على المسلم أن لا يأخذ منها شيئاً أبداً .. أعني تخفيفها وترتيبها مع وجود الإعفاء .. بحيث تكون ليست بقصيرة إنما متوسطة في الطول ، يتضح أن من له هذه اللحية أنه معفيها إعفاءً . فسؤالي بالنسبة لترتيبها وقص أطرافها من فترة إلى أخرى هل هو جائز ؟ حتى وإن لم تصل إلى القبضة التي اجتهد فيها بعض العلماء ؟ أمر آخر : هل الشعر الواقع تحت الشفة السفلى في المنتصف يدخل ضمن اللحية .. فأنا أخفف تلك المنطقة باستمرار لأنها تضايقني ؟ الأمر الأخير ..يقع في بالي أمر قد يكون غريبا .. وهو أنه من الغريب أن الأصل في اللحية أن لا تخفف أو ترتب .. لأنه مما يندر أن تكون اللحية كاملة حين خروجها عند البلوغ ومن النادر أن تكتمل مع النمو والعمر ! فهل يعقل أنه من الواجب على كل مسلم في هذه الدنيا أن لا يلمس لحيته أبداً أبداً - وأقصد التخفيف والترتيب مع الإعفاء .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
دلت الأدلة الصحيحة على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها ، وهذا يقتضي عدم الأخذ من شيء منها ، وقد تأكد ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يصح عنه أنه أخذ شيئا من لحيته .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم حلق اللحية أو أخذ شيء منها؟
فأجابوا :
"حلق اللحية حرام ، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة والأخبار ، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار ، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خالفوا المشركين ، وفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب ) وفي رواية : ( أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ) وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى .(/1)
وإعفاء اللحية تركها على حالها ، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء . حكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض ، واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق ، وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ) صححه الترمذي . قال في الفروع وهذه الصيغة عند أصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار ، والنهي عن مشابهتهم في الجملة ؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة ، بل وفي نفس الاعتقادات ، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن . كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ) الحديث ، وفي لفظ : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه الإمام أحمد ، وَرَدَّ عمر بن الخطاب شهادة من ينتف لحييه ، وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: " يحرم حلق اللحية ، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال " يعني بذلك المتشبهين بالنساء . وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية ، رواه مسلم عن جابر ، وفي رواية : (كثيف اللحية) ، وفي أخرى : (كث اللحية) ، والمعنى واحد ، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/133) .
ثانيا :
الشعر الواقع تحت الشفة السفلى وفوق الذقن ، يسمى العنفقة ، وفي دخوله في اللحية خلاف ، والظاهر أنه ليس منها .
قال في القاموس المحيط : " اللِّحْيَةُ، بالكسر شَعَرُ الخَدَّيْنِ والذَّقَنِ " انتهى .(/2)
وقال في "الإنصاف" (1/134) في صفة الوضوء : " شعر غير اللحية كالحاجبين , والشارب , والعنفقة , ولحية المرأة وغير ذلك : مثل اللحية في الحكم على الصحيح من المذهب , وعليه الجمهور " انتهى . أي : مثل اللحية في وجوب غسل الخفيف منها في الوضوء ، واستحباب تخليل الكثيف ، وهو صريح في أن العنفقة ليست من اللحية .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بالنسبة للشعيرات التي تحت الشفة السفلى تقصر ، أم تبقى كما هي ؟
فأجاب : "تسمى العنفقة وليست من اللحية ، تبقى كما هي ، إلا إذا تأذى منها الإنسان " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/16) .
ثالثا :
لا غرابة في الأمر بإعفاء اللحية وتركها على حالها ، مع أنها قد لا تكتمل ، أو قد تنتبت متفرقة ، فإنها إن تركت على حالها كانت زينة وجمالا ، مهما كان شكلها ، كما هو مشاهد ، وتهذيبها وترتيبها يذهب جمالها في أغلب الأحوال .
وعلى المرء أن ينقاد لحكم الشرع ، وألا يعارضه برأي أو ذوق أو عادة ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يوفرون لحاهم ويعفونها ، ولم يثبت عنهم ترتيبها أو تقصيرها ، وهم أكمل الأمة علما وذوقا ، فلم يروا ذلك عيبا ، لأن خلق الله تعالى كله حسن ، وقد روى أحمد (19493) عن يعقوب بن عاصم أنه سمع الشريد يقول : أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فأسرع إليه أو هرول ، فقال : ارفع إزارك ، واتق الله ، قال : إني أحنف تصطك ركبتاي . فقال : ارفع إزارك فإن كل خلق الله عز وجل حسن ، فما رؤى ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه ، أو إلى أنصاف ساقيه .
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1441).
والأحنف : هو الذي في قدميه اعوجاج .(/3)
فتأمل هذا الحديث ففيه عبرة وذكرى لمن يزعم أن عدم تهذيب اللحية ينافي الجمال والحسن ، بل كل خلق الله عز وجل حسن ، وما على المؤمن إلا أن ينقاد لأمره تعالى ، ويتبع نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويؤثر ذلك على هوى النفس .
زادنا الله وإياك علما وفقها واتباعا .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100947
العنوان:
هل يترك عمله ليعيش مع والديه ؟
السؤال:
أعمل في الخارج ، ولي أب وأم في بلدي ، ويوجد لي أخوات هناك أيضا ، وكل منهم مشغول في حياته ، غير أنهم مقيمون في نفس البلد ، أشعر دائما بالتقصير تجاه والدَيَّ ، وأشعر دائما أنهم في حاجة إلي ، على الرغم من سؤالي الدائم عنهم ، والنزول في إجازات أقضيها معهم . هل الواجب عليَّ شرعا أن أترك عملي في الخارج والرجوع لبلدي والعمل بجانبهما ؟ أم ماذا علي فعله ؟ وما الواجب علي حتى لا يكون هناك أي تقصير تجاههم ؟
الجواب:
الحمد لله
بر الوالدين على مراتب وشعب ، أدناها صلتهما بالإنفاق والرعاية والسؤال والاهتمام ، وأما أعلاها فلا حد له ، يتنافس فيه الصالحون ، ويتبارى فيه المؤمنون ، يرسمون صورا من البر لا يكاد ينتهي حسنها عند حد ، إذ هي أخلاق النبوة ومعدن الرسالة ، كان الباعث عليها تلك الآيات والأحاديث التي تعظم حق الوالدين وتقرنه بحق الله تعالى ، وترتب الأجر العظيم على البر والصلة ، فقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال بعد الصلاة ، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءة حارثة بن النعمان في الجنة فقال : ( كَذَلِكُمُ البِرُّ ، كَذَلِكُمُ البِرُّ ) رواه ابن وهب في "الجامع" (22) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (913)
وصار أويس القرني مستجاب الدعوة بسبب بره أمه .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (15) وصححه الألباني في "صحيح الأدب" عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أنه أتاه رجل فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه ، فغرت عليها فقتلتها ، فهل لي من توبة ؟ قال : أمك حية ؟ قال : لا . قال : تب إلى الله عز وجل ، وتقرب إليه ما استطعت . فذهبت فسألت ابن عباس : لم سألته عن حياة أمه ؟ فقال : لأني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة ) .
ونحن نقول لك أخانا السائل :(/1)
لا شك أن الأَولى في البر والصلة للوالدين البقاء عندهما للخدمة والرعاية ، فقد لازم أبو هريرة أمه ، ولم يحج حتى ماتت ، لصحبتها . كما في صحيح مسلم (1665) ، ونص الفقهاء على أن سفر الابن للعلم أو التجارة يَحرُمُ إذا ترتب عليه ضيعة للوالدَين :
جا في "الموسوعة الفقهية" (3/156) :
" إذا أراد – يعني الولدُ - الخروج لطلب العلم في بلدة أخرى ، أو للتجارة ، وخاف على والديه الضيعة ، فليس له أن يخرج إلا بإذنهما .
والأصل في ذلك ما أخرجه أبو داود (2528) والنسائي (4163) أنه : ( جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ : جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ , فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتهمَا ) .
- صححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/40) والألباني في "صحيح أبي داود" -
وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : ( جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ ؟ فَقَالَ : أَلِك أَبَوَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ) متفق عليه " انتهى .
أما إذا لم يترتب عليه ضيعة الوالدين ، وكان عندهما من يقوم عليهما ، أو كانا قادرين على القيام على شؤونهما ، فله أن يخرج إلى طلب العلم أو التجارة ، ولا يشترط استئذانهما .
جاء في "المدونة" (2/101) :
" قال مالك : إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء ، وليس للوالد أن يمنعه " انتهى .
وانظر بعض التفصيلات الفرعية في "الموسوعة الفقهية" (8/70-71) .(/2)
إلا أننا ننصحك بالكمال ، وننصحك بما فيه الأجر الأعظم عند الله ، أن تكون أقرب إليهما ، فتسعدهما فيما بقي لهما من أيام ، وتقوم على شؤونهما ، فلا تحرمهما من صحبتك ، ولا تكن سببا لحزنهما كلما أردت توديعهما في سفرك ، ومن أراد الكمال في البر ، فلينزل عند رغبتهما ، وما يكون أسعد لقلبيهما ، وأقرب لمحبتهما ورضاهما ، وقد فسر عروة بن الزبير رحمه الله قوله تعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) الإسراء/24 بقوله : " لا تمتنع من شيء أحباه " انتهى . "تفسير الطبري" (17/418) .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (18) وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" عن أبي بردة أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد رجلا يمانيا يطوف بالبيت ، حمل أمه وراء ظهره ، يقول : إني لها بعيرها المذلل ، أترانى جزيتها ؟ قال ابن عمر : لا ، ولا بزفرة واحدة .
الزفرة تردد النفس ، وهو مما يعرض للمرأة عند الولادة .
وقال عبد الله بن جعفر : سمعت بندارا – وهو من أئمة الحديث – يقول : أردت الخروج – يعني في طلب الحديث – فمنعتني أمي ، فأطعتها ، فبورك لي فيه " .
قال الذهبي في "السير" (12/144) : " جمع حديث البصرة ، ولم يرحل ، برا بأمه ، ثم رحل بعدها " انتهى .
وقال جعفر الخلدي : " كان الأبَّار – أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم (ت290هـ) - من أزهد الناس ، استأذن أمه في الرحلة إلى قتيبة – يعني ليسمع الحديث - فلم تأذن له ، ثم ماتت ، فخرج إلى خراسان ، ثم وصل إلى بلخ وقد مات قتيبة ، فكانوا يعزونه على هذا ، فقال : هذا ثمرة العلم ، إني اخترت رضى الوالدة " انتهى . "السير" (13/443)
وسئل الإمام ابن عساكر عن تأخره عن الرحلة إلى أصبهان ، فقال : " استأذنت أمي في الرحلة إليها فما أذنت " انتهى . "السير" (20/567) .
وقال بشر الحافي :(/3)
" الولد يَقرُبُ من أمه بحيث يَسمع أمَّه : أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله ، والنظر إليها أفضل من كل شيء " انتهى . "التبصرة" ابن الجوزي (1/188)
هكذا كان حال سلفنا الصالح ، لا يقدمون على بر الوالدين عملا من الأعمال ، ولا يرون الدنيا كلها تعدل أن يَشعُرَ أحدهما بحاجته لابنه ثم لا يجده عنده .
فإذا كان بإمكانك الرجوع إلى والديك ، والبقاء في بلدهما ، ولا يصيبك بذلك ضرر كبير بسبب ترك عملك ، فاحرص على البر ، وأقدم على الخير ، ولا تتردد في ذلك ، فإن الله قد أمر بالمسارعة والمسابقة إلى الخيرات .
أما إن كان رضاهما يتحقق أكثر ببقائك في عملك ، وتحصيلك من المال ما تنفق عليهما به ، فاحتفظ بعملك ، واحرص على استغلال كل فرصة للسفر إليهما وقضاء الإجازات معهما ، وابتغ في كل ذلك رضى الله سبحانه وتعالى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
100949
العنوان:
تريد المبيت في بيت أهلها وزوجها يريده في بيت أهله هو
السؤال:
أنا هنا في غربتي مع زوجي ، ولنا إجازة لمدة شهر في العام ، نقضيها مع أهلنا ، يطلب مني زوجي أن أقضي هذا الشهر في بيت أهله ، والذهاب لأهلي في زيارات ، في حين أنا أريد أن أذهب هناك يوميا ، والمبيت هناك ، فهو شهر واحد ، فلو صممت على ذلك ولم يقبل زوجي فماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
ننصحك بالالتزام بما يطلبه زوجك ، ففي ذلك الخير والفضل من وجوه كثيرة :
- ففي طاعة الزوج طاعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك الأجر الكبير عند الله تعالى ، وأجر طاعة المرأة زوجها لا يكاد يَعدِلُه عمل آخر .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ )
رواه أحمد (1/191) حسنه السخاوي في "البلدانيات" (161) والألباني في "صحيح الترغيب" (1932)
وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ أَنْتِ لَهُ ؟ قَالَتْ : مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ . قَالَ : فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ )
رواه أحمد (4/341) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/97) : إسناده جيد . وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1933)
- وفي طاعتك زوجك في هذا الأمر خلاصٌ من المنازعات والخصومات التي قد تحصل بعصيانك لزوجك .(/1)
- ونذكرك أيضا بأن الزوجة الصالحة هي التي لا تفارق زوجها ، تحرص على خدمته وراحته وتسعى في إسعاده .
- واعلمي أن في طاعتك له في هذا الأمر حفظا للسعادة بينكما ، وتأكيدا لرابطة المحبة والمودة ، وأن في مخالفتك له فتحا لسبيل الشيطان ، وإثارة لما في النفوس من النزاع والشقاق ، وإن لم يظهر أثرها العاجل ، فلا بد أن أثر المخالفة سيظهر عن قريب ، وخاصة إذا تراكمت المخالفات والمنازعات .
ويمكنك التفاهم مع زوجك بهدوء في هذا الأمر ، ولو أن تبقي عند أهله نصف المدة وعند أهلك نصفها الآخر ، أو تذهبي إليهم عدة أيام .
والذي ينبغي للزوج أن يكون رفيقاً بأهله فلا يضيّق عليهم ولا يتعسف ، فإن الزوجة من أحق الناس بالرفق واللين معها ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ونسأل الله لكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
100950
العنوان:
يحب الهداية ولكن نفسه تغلبه
السؤال:
أريد الهداية وطريق الصلاح ولا أعرف . أحاول ولا أستطيع . كلما أحاول نفسي الأمارة بالسوء تغلبني ، والشيطان يُذَلِّلُ لِيَ المعصية . ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أصدقك القول – أخي السائل – أنني أحسست بالمشاعر التي يكنها قلبك من خلال كلماتك المعدودة في السؤال ، رأيت فيها صدقا ورغبة ورهبة ، ولمست فيها حرصا وحبا وخوفا ، كما سمعت لها أنينا أحدثته قيود الهوى والشيطان .
ولكنني سرعان ما تعجبتُ من هذه النفس ، وتساءلتُ إن كانت تنتظر اللحظة الفاصلة التي تنتقل بها فجأة نحو الهداية ، من غير أن تسعى أنت أو تتعب في هذه السبيل ؟!!
أو كانت تتنظر اللحظة الفاصلة حقا ، بين وقت الإمهال ، ووقت النهاية ، وضياع الفرصة بهجمة الموت :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) رواه الترمذي (2306) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وضعفه الألباني .
والحقيقة التي يجب عليك إدراكُها ، والإيمانُ بها ، والتأملُ فيها أولا وأخيرا ، هي أن التغيير يبدأ منك ، ومنك فقط ، من أعماق نفسك ، وإرادتك وسعيك ، وليس بكلمات يكتبها لك المفتي ، ولا بتعليمات يرسلها إليك ناصح ، بل ولا بعزيمةٍ مترددةٍ فاترةٍ على الهداية ، تحركها العاطفة المؤقتة ، فلا تلبث أن تنطفئ وترجع إلى عهدها الأول .(/1)
فإذا وعيت ذلك أدرَكتَ أنك تعيشُ في هذه الحياة في معركةٍ واحدةٍ ، أو لِنَقُل في تحدٍّ واحد ، يُحَتِّمُ عليك أن تجمع له همَّكَ وفكرَك وجهدَك ، وتبذلَ في سبيل الفوز فيه كلَّ حيلةٍ ووسيلةٍ ، وستجد نفسك مضطرةً إلى السؤال كثيرا ، والبحث كثيرا ، والقراءة كثيرا ، كي تصل إلى السر الذي تتحكم فيه بداخلك ، فتطفئ َمن خلاله نوازعَ الشر والكسل والفشل ، وتوقظَ به قيم الخير والنجاح والعطاء .
وملخص ذلك في جملة سهلةٍ يسيرةٍ على من يسَّرها الله عليه ، بل في كلمة واحدة ، هي :
" القوة " القوة في العزيمة ، والقوة في الضبط والسيطرة ، والقوة في الاحتمال .
وأكاد أجزم لك أخي السائل أنك إن تفكرت في هذا المعنى " قوة النفس " ملكت به مفاتح الخير كلَّها إن شاء الله .
والموعظة إنما يقصد بها بعث هذا المعنى مِن جديد ، كي يتخلَّصَ القلب من أغلال الوهن والضعف التي تحول بينه وبين الهدى والنجاة ، ولعلي هنا أرسل لك ببعض الكلمات التي تخاطب بها نفسك ، لعلها تبث فيها روح الهداية والثبات :
" يا نفس ! أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار ، وأنك صائرةٌ إلى إحداهما على القرب ؟! فما لك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو ، وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم !؟ وعساك اليوم تُختطفين أو غدا ، فأراك تَرَينَ الموت بعيدا ، ويراه الله قريبا .
أما تعلمين أنَّ كلَّ آتٍ قريب ، وأن البعيدَ ما ليس بآت ؟!
أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم رسول ، ومن غير مواعدة ومواطأة ؟ وأن كلَّ نَفَسٍ من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة ، فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ، ثم يفضي إلى الموت ، فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب ؟!(/2)
أما تتدبرين قوله تعالى : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) الأنبياء/1-3
فإن كنتِ يا نفسُ قد عرفت ذاك وآمنتِ به ، فما لك تُسوِّفين العمل ، والموتُ لك بالمرصاد ؟!
أرأيتِ لو سافر رجل لِيتفَقَّهَ في الغربة ، فأقام فيها سنين متعطِّلاً بَطَّالاً ، يَعِدُ نفسَه بالتفقه في السنة الأخيرة عند رجوعه إلى وطنه ، هل كنت تضحكين من عقله ؟!
ثم هبي أن الجهد في آخر العمر نافع ، وأنه موصل إلى الدرجات العلا ، فلعل اليوم آخر عمرك ، فلم لا تشتغلين فيه بذلك ؟
أفتنتظرين يوما يأتيك لا تعسُرُ فيه مخالفةُ الشهوات ؟ هذا يومٌ لم يخلقه الله قَطُّ ، ولا يخلقه ، فلا تكون الجنةُ قَطُّ إلا محفوفةً بالمكاره ، ولا تكون المكارهُ قَطُّ خفيفةً على النفوس ، وهذا محالٌ وجوده .
أما تتأملين مذ كم تَعِدين نفسك وتقولين : غدًا ، غدًا ؟ فقد جاء الغد وصار يوما ، فكيف وجدتِهِ ؟ أما علمتِ أن الغد الذي جاء وصار يوما كان له حكم الأمس ، لا بل الذي تعجزين عنه اليوم ، فأنت غدا عنه أعجز وأعجز ، لأنَّ الشهوةَ كالشجرة الراسخة التي تعب العبد بقلعها ، فإذا عجز العبد عن قلعها للضعف وأخَّرها ، كان كمن عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوي ، فأخرها إلى سنة أخرى ، مع العلم بأن طول المدة يزيد الشجرة قوة ورسوخا ، ويزد القالع ضعفا ووهنا .
ويحكِ يا نفسُ ! لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ، ولا يغرنك بالله الغرور ، فانظري لنفسك ، فما أمرُك بمهمٍّ لغيرِك ، ولا تُضيِّعي أوقاتك ، فالأنفاسُ معدودة ، فإذا مضى منك نَفَسٌ فقد ذهب بعضك ، فاغتنمي الصحة قبل السقم ، والفراغَ قبل الشغل ، والغنى قبل الفقر ، والشباب قبل الهرم ، والحياةَ قبل الموت ، واستعدي للآخرة على قدرِ بقائِك فيها .(/3)
ويحكِ يا نفسُ ! ما أراكِ إلا ألفت الدنيا وأنست بها ، فعسُرَ عليكِ مفارقتُها وأنت مقبلة على مقاربتها ، وتؤكدين في نفسك مودتها ، فحسبي أنك غافلةٌ عن عقاب الله وثوابه ، وعن أهوال القيامة وأحوالِها ، فما أنت مؤمنةٌ بالموت المفرِّق بينك وبين محابِّكِ .
ويحكِ يا نفسُ ! أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا ويأنس بها مع أن الموت من ورائه ، فإنما يستكثر من الحسرة عند المفارقة ، وإنما يتزود من السم المهلك وهو لا يدري ؟
أوَمَا تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا وخلوا ؟ وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم ؟ أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون ، ويبنون ما لا يسكنون ، ويؤملون ما لا يدركون ؟ فهل في الدنيا حمق وانتكاس أعظم من هذا ؟ يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينا ، ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعا ؟
ويحكِ يا نفسُ ! ما لك إلا أيامٌ معدودة ، هي بضاعتك إن اتجرت فيها ، وقد ضيعتِ أكثرَها ، فلو بكيت بقيةَ عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك ، فكيف إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك ؟ أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدُك ، والقبرَ بيتُك ، والترابَ فراشُك ، والدودَ أنيسُك ، والفزعَ الأكبرَ بين يديك ؟(/4)
فاحذري أيتها النفس المسكينة يوما آلى الله فيه على نفسه أن لا يترك عبدا أَمَرَه في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله دقيقه وجليله ، سره وعلانيته ، فانظري يا نفس بأي بدن تقفين بين يدي الله ، بأي لسان تجيبين ، وأعدي للسؤال جوابا ، وللجواب صوابا ، واعملي بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال ، وفي دارِ زوالٍ لدار مقامة ، وفي دار حزن ونَصَبٍ لدار نعيم وخلود ، اعملي قبل أن لا تعملي ، اخرجي من الدنيا اختيارا خروج الأحرار ، قبل أن تخرجي منها على الاضطرار ، ولا تفرحي بما يساعدك من زهرات الدنيا ، فرب مسرور مغبون ، ورب مغبون لا يشعر ، فويل لمن له الويل ثم لا يشعر ، يضحك ويفرح ويلهو ويمرح ويأكل ويشرب ، وقد حق له في كتاب الله أنه من وقود النار .
فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا اعتبارا ، وسعيك لها اضطرارا ، ورفضك لها اختيارا ، وطلبك للآخرة ابتداءا ، ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أُتِي ، ويبتغي الزيادةَ فيما بَقي .
واعلمي يا نفس أنه ليس للدين عِوض ، ولا للإيمان بَدَل ، ولا للجسد خلف ، ومن كانت مطيته الليل والنهار ، فإنه يُسار به وإن لم يسر .
فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة ، واقبلي هذه النصيحة ، فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار ، وما أراك بها راضية ، ولا لهذه الموعظة واعية .(/5)
فإن كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة فاستعيني عليها بدوام التهجد والقيام ، فإن لم تزل فبالمواظبة على الصيام ، فإن لم يزل فبقلة المخالطة والكلام ، فإن لم يزل فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام ، واستعيني بأرحم الراحمين ، واشتكي إلى أكرم الأكرمين ، وأدمني الاستغاثة ، ولا تملي طول الشكاية ، لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك ، فإنَّ مصيبَتَك قد عظمت ، وبليتَك قد تفاقمت ، وتماديك قد طال ، وقد انقطعت منك الحيل ، وراحت عنك العلل ، فلا مذهب ولا مطلب ، ولا مستغاثَ ولا مهرب ، ولا ملجأَ ولا منجا إلا إلى مولاكِ ، فافزعي إليه بالتضرع ، واخشعي في تضرعك على قدر عظم جهلك وكثرة ذنوبك ؛ لأنه يرحم المتضرع الذليل ، ويغيث الطالب المتلهف ، ويجيب دعوة المضطر ، وقد أصبحت اليوم مضطرة ، وإلى رحمته محتاجة ، وقد ضاقت بك السبل ، وانسدت عليك الطرق ، وانقطعت منك الحيل ، والمطلوب كريم ، والمسؤول جواد ، والمستغاث به بر رؤوف ، والرحمة واسعة ، والكرم فائض ، والعفو شامل ." اختصارا من "إحياء علوم الدين" (4/416-422)
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكلام الصالحين ، وموعظة الصادقين .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
100981
العنوان:
القصاص يوم القيامة
السؤال:
هل يقتص الكافر المظلوم يوم القيامة من المسلم الظالم له ؟ وهل يقتص الكفار بعضهم من بعض ؟ وهل تقتص البهيمة من الإنسان ؟
الجواب:
الحمد لله
العدل هو ميزان الحكم يوم القيامة ، وقد حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما ، وهو يعلم سبحانه أن قيام المظالم كائنٌ ولا شك في الدنيا ، بين الخلق كلهم : مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم ، عاقلهم وجاهلهم ، ولذلك رصد لهم يوما يُقيم فيه الحقوق بموازين الحق والقسط ، فينتصف فيه للمظلوم ، ويعاقب الظالم .
يقول الله عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء/47
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ ) رواه أحمد (2/363) وصححه محققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1967)
فهو قصاص شامل وعام بين جميع الخلائق :
1- يقتص المؤمن المظلوم ممن ظلمه من الخلائق ، مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (2440)(/1)
2- ويقتص الكافر المظلوم أيضا ممن ظلمه من الخلائق : فيقتص من الكافر الظالم ، ويقتص من المسلم الظالم المعتدي ، لعموم حديث أبي هريرة السابق : ( يقتص الخلق بعضهم من بعض ) .
غير أن المسلم لا يعد ظالما للكافر إذا كان الكافر محاربا معتديا ، أما إذا كان ذميا أو معاهدا أو مؤتمنا ، فلا يجوز للمسلم أن يظلمه ولا أن يعتدي عليه ، بل جاء التشديد في أمره في كثير من الآيات والأحاديث ، يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/8
يقول البيضاوي في "تفسيره" (303) :
" لا يحمِلَنَّكم شدة بُغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم ، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل ، كمُثلةٍ وقذفٍ وقتلِ نساءٍ وصِبيةٍ ونقضِ عهدٍ ، تشفياً مما في قلوبكم " انتهى .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه أبو داود (3052) وحسنه ابن حجر في "موافقة الخبر" (2/184) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) رواه البخاري (3166)(/2)
وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِإِذْنٍ ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ ) رواه أبو داود (3050) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (882)
فهذه النصوص تدل على حرمة الاعتداء على الكافر ، وأن ذلك من الظلم الذي حرمه الله تعالى ، وللمظلوم حق عنده سبحانه .
ولذلك كان الصحابة والفقهاء يدركون أن حق الذمي محفوظ عند الله عز وجل ، فلا يجترئ أحد عليه إلا أخذه الله به .
روى القاضي أبو يوسف في "الخراج" (ص/18) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى عُمَّالِه على الخراج :
" إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة ، شتاءً ولا صيفاً ، ولا رزقاً يأكلونه ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم ، ولا تقمه على رجله في طلب درهم ، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج ، فإنا إنما أَمَرَنا الله أن نأخذ منهم العفو ، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني ، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك " انتهى .
3- وتقتص الدواب بعضُها من بعض : وهي وإن كانت غير مكلفة ، إلا أن قصاصها قصاص مقابلة واستحقاق ، كي يقام العدل الذي به تقوم السماوات والأرض .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) رواه مسلم ( 2582 ) والجلحاء : التي لا قرن لها .(/3)
وروى أحمد في "المسند" (5/172) وحسنه المحققون ، وكذا الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" تحت حديث رقم (1967) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا ، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ لَهَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . أي لَيُقْتَصَّنَّ لها )
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/137) :
" وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف ، إذ لا تكليف عليها ، بل هو قصاص مقابلة " انتهى .
وجاء في "مرقاة المفاتيح" للشيخ علي القاري (4/761) :
" قال ابن الملك : ... فإن قيل : الشاة غير مكلفة ، فكيف يقتص منها ؟ قلنا : إن الله تعالى فعال لما يريد ، ولا يسأل عما يفعل ، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع ، بل يقتص حق المظلوم من الظالم " . قال القاري : " وهو وجه حسن ، وتوجيه مستحسن ، .. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين ، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف ، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف ، والقوي والضعيف ؟ " انتهى .
بل إن الدواب تقتص من بني آدم يوم القيامة :
يقول ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/141) :(/4)
" فهذا من الدليل على القصاص بين البهائم ، وبينها وبين بني آدم ، حتى الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوَّعها ، أو عطَّشها ، أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بنظير ما ظلمها أو جوَّعها ، ويدل لذلك حديث الهرة ، وفي الصحيح : ( أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْمَرْأَةَ مُعَلَّقَةً فِي النَّارِ وَالْهِرَّةُ تَخْدِشُهَا فِي وَجْهِهَا وَصَدْرِهَا وَتُعَذِّبُهَا كَمَا عَذَّبَتْهَا فِي الدُّنْيَا بِالْحَبْسِ وَالْجُوعِ ) انظر : صحيح البخاري (745) ومسند أحمد (2/159) .
وهذا عام في سائر الحيوانات ... " انتهى .
وجاء في كتاب "بريقة محمودية" (4/126) لأبي سعيد محمد بن محمد الخادمي :
" ويجتنب كل الجهد من حق الحيوان ؛ لانسداد طرق التحليل والإرضاء في الآخرة والأولى ، فإن الفقهاء قالوا : العذاب فيه متعين ، وأمكن عفوه تعالى في نفسه ، لكن حكم شريعته يقتضي عدم العفو ، ولذا حكموا بتعيُّنِ العذاب ، وفي قاضي خان : ومن هذا قالوا : إن خصومة الدابة أشد من خصومة الآدمي على الآدمي " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (21679)
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
100997
العنوان:
قال لها : أنت لست زوجتي ولن أعود إليك مطلقا
السؤال:
بعد الدخول في نقاش حاد مع زوجى قال لي : "أنت لست زوجتى ولن أعود إليك مطلقا" ومع ذلك فقد حدث أن مرضت مساء ذات اليوم فرقانى وأخبرنى أنه يشعر بالأسف لما قاله وقد سألته عن ذلك بعدها وقال لي : إنه لم يكن ينوى الطلاق عندما قال ذلك. فهل وقع الطلاق بقوله "أنت لست زوجتى"؟ حدث هذا منذ فترة وقد قرأت بعض الكتب فى ذلك ويقول البعض إنه من الضروري لوقوع الطلاق التلفظ بلفظه بينما يخالف البعض هذا الرأى. وتراودني وساوس من حين لآخر عما يمكن حدوثه حال بطلان نكاحنا فلدى منه بنتان والحمد لله لم يحدث أن دخلنا فى مثل هذا الجدل ثانية. برجاء تقديم النصح .
الجواب:
الحمد لله
قول الزوج لزوجته : أنت لست زوجتي ولن أعود إليك مطلقا ، هو من كنايات الطلاق ، والطلاق إما أن يكون صريحا ، أو كناية ، والصريح يقع بدون نية ، وأما الكناية فلا يقع إلا مع نية الطلاق .
وحيث إن زوجك لم يكن ينوي الطلاق بقوله هذا ، فإن الطلاق لا يقع .
فقد ذكر في "الإنصاف" (8/468) ، و"كشاف القناع" (5/250) أن قول الرجل لامرأته لست لي بامرأة ، من ألفاظ كنايات الطلاق ، فإذا نوى الطلاق وقع الطلاق ، وإن لم ينو الطلاق لم يقع الطلاق .
ومثله في "تحفة المحتاج" (8/6) و"تبيين الحقائق" (2/218)
ونسأل الله سبحانه أن يؤلف بينكما ، وأن يجمعكما على طاعته .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
101015
العنوان:
أحاديث أنس في قنوت الفجر
السؤال:
أود معرفة ما إذا كان هذا الحديث صحيحا أم ضعيفا : قال أنس بن مالك رضى الله عنه : ( لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت فى صلاة الفجر حتى توفاه الله ) رواه أحمد والبزار والدارقطني والبيهقي والحاكم .
الجواب:
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وله عن أنس ثلاث طرق كلها ضعيفة. الأول :
1- من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، ولفظه : ( أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ ، وَأَمَّا فِى الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ) .
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3/110) ومن طريقه الدارقطني في "السنن" (2/39)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/312) مختصرا، والبزار (556 – من كشف الأستار) وأحمد في "المسند" (3/162)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/143) والحاكم في "الأربعين" وعنه البيهقي في "السنن" (2/201) .
وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن ماهان الرازي ، ضعفه كثير من أهل العلم .
" قال أحمد بن حنبل : ليس بقوي فى الحديث . وقال يحيى بن معين : يكتب حديثه ولكنه يخطىء . وقال عمرو بن علي : فيه ضعف ، وهو من أهل الصدق ، سيىء الحفظ . وقال أبو زرعة : شيخ يهم كثيرا . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال ابن حبان : كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير ، لا يعجبنى الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات . وقال العجلي : ليس بالقوي " انتهى باختصار من تهذيب التهذيب (12/57)
الثاني : من طريق إسماعيل المكي وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس ولفظه :
( قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان – وأحسبه قال : رابع - حتى فارقتهم ) .(/1)