وإن من مبشرات قبول التوبة أن يستر الله عبده ، ولا يفضحه ، وأن يمد له في العمر حتى يتقرب إليه ، ويصلح حاله معه ، ونحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والحجاب ، والطاعة والإنابة ، ولعل الله الكريم الرحيم أن يكون قد عفى عنك وغفر لك ، نسأل الله ذلك .
وإذا كان الله قد سترك ، فلا تهتكي ستر الله عليك ، ولا تخبري زوجك ولا أحداً غيره بشيء مما كان ، وتوبتك هي الندم والاستقامة وإصلاح الأعمال .
وأما الولد ، فإنه ينسب لزوجك ، ولا ينتفي نسبه منه إلا إذا نفاه باللعان ، لأن الأصل أن الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : امرأة متزوجة زنت وهي في عصمة زوج، ومن ثم حملت ووضعت حملها بولد ذكرا كان أو أنثى ، فلمن يبقى معه ذلك الولد ، أيبقى مع زوجها بدليل الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أم لا ؟ وإن بقي مع زوج أمه الشرعي أيتبنى به ويحسبه كأحد أولاده في جميع الحقوق أم يكون عنده في ملكه فقط ، أما إذا لحقه بالعاهر أيحسبه بأولاده الحقيقي أم يمسكه معهم وهو لم يزل على حالة ولد زنا ؟
فأجابوا : "إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش ؛ للحديث الصحيح ، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي ، ولا يكون مملوكا لأحد بإجماع المسلمين ، وأما التبني فلا يجوز ولا يصير به الولد المتبنَّى ولدا لمن تبناه. وبالله التوفيق " انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/339) .
وينظر جواب السؤال رقم (85043) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95026
العنوان:
يتوارث الزوجان بمجرد العقد ولا يشترط الدخول
السؤال:
إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا ؟ وما الحكم من ناحية العدة لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة فهل عليها عدة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا تم عقد الزواج مستوفيًا لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول فإن عقد الزواج يكون باقيًا، ويقع به التوارث بين الزوجين لعموم قوله تعالى : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) سورة النساء /12 .
الآية عامة فيمن توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع لعموم الآية الكريمة.
وأما من ناحية العدة فكذلك تلزمها عدة الوفاة لو توفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول فإنها تلزمها عدة الوفاة لعموم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) سورة البقرة /234 ، هذه تعم من توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ولها الميراث كما ذكرنا .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 135 )(/1)
وقد روى أبو داود (2114) أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن امْرَأَةٍ َمَاتَ زوجها قبل أن يدخل بها وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ . فَقَالَ : ( لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا ، كصداق نسائها ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ ) فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ ، امرأةٍ منا ، كما قضيت .
صححه الألباني في " إرواء الغليل" (1939)(/2)
رقم السؤال:
95028
العنوان:
هل تصوم نافلة مع منع زوجها الناشز لها ؟
السؤال:
أنا أحاول التقرب من الله بكل الوسائل ، الصلاة فريضة ، ونوافل ، وقياما للثلث الأخير من الليل ، والصوم كل اثنين وخميس ، وغيرها ، إلا أنني علمت أن المرأة يجب أن لا تصوم غير رمضان إلا بإذن من الزوج ، وأنا لا أفعل ذلك لأسباب : أولها : أن زوجي تنطبق عليه كل ما ورد في جواب السؤال رقم (1859) ، كما أنه لا يعاشرني ، لا وأنا صائمة ، ولا مفطرة ، يرفض أن أشاركه الفراش ، بحجة أنني أقلق راحته عندما أستيقظ في الفجر ، مما جعلني أنام في غرفة أخرى ، حتى لا أفوت أجر الفجر وقيام الليل ، وعندما آخذ الإذن منه يرفض أن أصوم فقط من أجل الرفض ، مما جعلني أقول له غدا سأصوم فقط من باب العلم فقط ، ولا أطلب الإذن ، فهل كل صيامي باطل - مع العلم أنني أكثر من سنتين وأنا على هذا الحال ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأصل أنه لا تصوم الزوجة تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ) . رواه البخاري ( 5195 ) ومسلم ( 1026 ) .
وهذا إنما شرِع لعظم حق الزوج على زوجته ، والأفضل للزوج أن يأذن لزوجته بالصوم ؛ لما فيه من إعانتها على الطاعة ، ويكون هو بذلك مأجوراً ، وإن لم يكن للزوج حاجة بزوجته في النهار : فإنه يُكره له منعها من الصيام .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله - :
هل لي الحق في منع زوجتي من صيام أيام التطوع كأيام الست من شوال ؟ وهل يلحقني إثم في ذلك ؟ .
فأجاب :(/1)
ورد النهي للمرأة أن تصوم تطوعا ًوزوجها حاضر إلا بإذنه ؛ لحاجة الاستمتاع ، فلو صامت بدون إذنه : جاز له أن يفطرها إن احتاج إلى الجماع ، فإن لم يكن له بها حاجة : كره له منعها إذا كان الصيام لا يضرها ، ولا يعوقها عن تربية ولد ، ولا رضاع ، ونحوه ، سواء في ذلك الست من شوال ، أو غيرها من النوافل .
" فتاوى إسلامية " ( 2 / 167 ) .
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحَّ صومها ، مع حرمة فعلها
فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 99 ) :
اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها ؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( لا تصم المرأة وبعلها شاهد ، إلاّ بإذنه ) ؛ ولأنّ حقّ الزّوج فرض ، فلا يجوز تركه لنفل .
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء ، والكراهة التّحريميّة عند الحنفيّة ، إلاّ أنّ الشّافعيّة خصّوا الحرمة بما يتكرّر صومه ، أمّا ما لا يتكرّر صومه كعرفة وعاشوراء وستّة من شوّال فلها صومها بغير إذنه ، إلاّ إن منعها .
ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائباً ، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي " انتهى.
ثانياً :
وفي حال كون الزوج هاجراً لزوجته ، ومبطلاً لحقوقها في الفراش والعشرة ، ويكون منعه لصومها من أجل التسلط فقط : فليس له إذن ، وللزوجة أن تصوم ولو لم تستأذن منه ، وموافقته وعدمها سواء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في " شرح بلوغ المرام " – مخطوط - :
" لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، والحكمة ربما أنه يحتاج إلى الاستمتاع بها فيهاب أن يفسد عليها صومها ، وهذا من تمام حقه
وهل ذلك مقيد بما إذا كان الزوج ناشزاً - أي : يضيِّع حقوقها - فهل لها الصوم بلا إذنه وهو شاهد ؟ .(/2)
نعم ؛ لأن ميزان العدل أنه إذا نشز : فلها أن تنشز ؛ لقوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم ) البقرة/من الآية 194 " انتهى .
وننبه الأخت السائلة إلى أن زوجها إن كان تاركاً للصلاة : فلا يحل لها البقاء معه ؛ لأنه بتركه للصلاة يصير مرتداً ، وانظري جوابي السؤالين : ( 33007 ) و ( 4131 ) .
وإن كان مقترفاً لكبائر الذنوب : فالأفضل لك – إن لم ينفع النصح ولم تستطيعي الصبر – أن تفارقيه ، وانظري جواب السؤال رقم ( 47335 ) ففيه الحكم والنصح للمتزوجة بمن يفعل المعاصي .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
95029
العنوان:
حكم إنشاء موقع لتحميل الملفات الصوتية والمرئية
السؤال:
أرغب في إنشاء موقع لتحميل الصور والملفات على شبكة الانترنت ، وهذا شرح مبسط لعمل الموقع ، مركز تحميل الصور والملفات : يتيح لك إمكانية رفع الصور والملفات من جهازك إلى الانترنت ، وعمل روابط لها بحيث يمكنك المشاركة بها في المنتديات أو إرسالها إلى من ترغب بسهولة تامة وبدون تسجيل ، ( الخدمة مجانية ) المشكلة قد يقوم بعض المستفيدين من الخدمة بتحميل صور أو ملفات فيها مخالفات للشريعة الإسلامية مثل ( صور النساء ، صور وأفلام إباحية ، أغاني وموسيقى ، أفلام سينمائية ، أفلام قصيرة ، فضائح ، وغيرها من الصور والملفات التي فيها مخالفات شرعية ) حيث أن الرقابة على الموقع لن تكون دائمة ، السؤال : ما حكم هذا الموقع ؟ وهل علينا إثم و وزر كل ملف مخالف للشريعة يتم تحميله عن طريق موقعنا ؟ وهل عملنا هذا من إشاعة الفاحشة والتعاون على الإثم والعدوان ؟ وما الحكم أن الموقع لتحميل الصور فقط ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لك إنشاء هذا الموقع ؛ لأنه سيكون سبباً في انتشار المعاصي في المواقع الأخرى ، وسيتمكن من خلاله من يشاء نشر أغنية ، أو مقطع محرَّم ، أو صورة محرَّمة بكل يسر وسهولة ، ولا فرق بين أن يكون للصور خاصة ، أو للصور والمقاطع الصوتية والمرئية .
وأنتَ بهذا الموقع تعين من يريد نشر المحرَّم ، وهو من التعاون المنهي عنه في كتاب الله ، قال تعالى : ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/من الآية 2 .(/1)
وكل منكر وإثم ينتشر من خلال موقعك سيكون لك نصيب منه ، وانتشاره لن يكون له حدٌّ لو توقف موقعك عن العمل ؛ لأنه سيكون قد حُمِّل وسينشر عن طريق موقع آخر ، وهذا يعني استمرار الإثم كلما رأى أو سمع أحد ما حُمِّل عن طريق موقعك ، بل وحتى بعد موتك فإن الإثم سيلحق بك إلى قبرك ! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) .
رواه مسلم ( 2674 ) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) .
رواه مسلم ( 1017 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة , وتحريم سن الأمور السيئة , وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة , ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة , وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه , أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه , سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه , أم كان مسبوقا إليه , وسواء كان ذلك تعليم علم , أو عبادة , أو أدب , أو غير ذلك .(/2)
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فعُمل بها بعده ) معناه : إن سنَّها ، سواء كان العمل في حياته ، أو بعد موته .
" شرح مسلم " ( 16 / 226 ، 227 ) .
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ) .
رواه مسلم ( 1893 ) .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ) .
رواه الترمذي ( 2670 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وكذلك يقال : من دلَّ على شرٍّ فعليه وزر فاعله .
قال المناوي – رحمه الله - :
ومن تأمل هذا المعنى ورُزق التوفيق : انبعثت همته إلى التعليم ، ورغب في نشر العلم ليتضاعف أجره في الحياة ، وبعد الممات على الدوام ، ويكف عن إحداث البدع ، والمظالم من المكوس وغيرها ؛ فإنها تضاعف عليه السيئات بالطريق المذكور ، ما دام يعمل بها عامل ، فليتأمل المسلم هذا المعنى ، وسعادة الدال على الخير ، وشقاوة الدال على الشر .
" فيض القدير " ( 6 / 127 ) .
وما يفعله بعض أصحاب مثل هذه المواقع من إلزام الراغب بتحميل مادة من الإشارة إلى تعهد أن لا تكون هذه المادة فيها ضرر على أحد أو معصية : غير مجدٍ ولا مبرئ للذمة ؛ لما يوجد من كثير من رواد الإنترنت من غير المسلمين ، أو من الفاسقين المجرمين ، الذين لا يلتزمون بعهد .(/3)
ويمكن أن ندلك على طريق تستفيد منه في دنياك – إن أردت - وآخرتك ، وهو تخصيص موقع التحميل الذي تسأل عنه لتحميل المواد الإسلامية النافعة ، ويقتضي منك هذا متابعة الموقع باستمرار ، وأن تأتيك المادة قبل أن تُحمَّل لتنظر فيها وتطلع عليها ، فإن رأيتها موافقة للشرع ، دالة على الخير ، محذرة من الشر : فاسمح لها بالتحميل ، ولا نظن أن هذا الأمر صعب من الناحية الفنية ، ويحتاج منك لمتابعة ويقظة لما يُرغب بنشره ، مع الاستعانة بطلاب العلم للحكم على المواد التي يخفى عليك حكمها ، ولك أن تتصور عظيم النفع للمسلمين في هذا ، وعظيم الأجر لك ، وهو من الصدقة الجارية ، والعلم الذي يُنتفع به بعد موتك .
ولا مانع أن يكون الموقع موسعاً للملفات الصوتية والمرئية والكتب ، مع تجنب رفع الأناشيد التي تصاحبها الآلات كالدف وغيره ، وتجنب نشر صور النساء ، وتجنب نشر كتب البدعة والضلالة .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
95032
العنوان:
لديها أطفال قصر ولديهم أموال في البنك فهل تجب زكاتها؟
السؤال:
لدي أربعة أطفال أيتام كلهم قصر ولديهم أموال في بنك إسلامي وهى ودائع وستبلغ الحول بعد ثلاثة أشهر فهل تجب عليها الزكاة ؟ وهل يتم الدفع من الأرباح؟
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصغير ، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75307) .
والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب ، أو 595 جراما من الفضة ، وينظر إلى مال كل صغير على حدة ، فإن بلغ نصابا وجبت فيه الزكاة ، وإن لم يبلغ لم تجب .
وإذا كان المال مستثمرا ، كما في الصورة المسئول عنها ، فإن الزكاة تجب في أصل المال وربحه معها ، يخرج من المجموع في نهاية كل سنة : ربع العشر (2.5%) ، كما لو كان المال تسعة آلاف ريال وأرباحها ألف ، فالزكاة واجبة في العشرة كلها ، فيخرج المزكي 250 ريالا .
وهذا القدر الواجب (250 ريالا – كما في المثال-) يجوز دفعه من أصل المال ، كما يجوز دفعه من الأرباح الناتجة ، أو من أي مال آخر يملكه الصغير .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95056
العنوان:
هل تقبل الزواج من رجل يعيش في بلاد الكفار؟
السؤال:
أنا فتاة عمري الآن 23 عاما ، تقدم لي الكثيرون من أهل البلد الذي أعيش فيه إلا أنهم لم يكونوا مناسبين والآن تقدم لي خاطب من بلدي ولكنه معه جنسية أوروبية ويعيش في السويد إلا أن الشاب ملتزم وصاحب أخلاق وعائلته محترمة ويريد زوجة تعينه في الدعوة ، فبماذا تشيرون عليّ ؟ هل أقبل أم أرفض؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان المتقدم للخطبة مرضي الدين والخلق ، وكانت إقامته في السويد جائزة شرعا ؛ أو كان عازما على البقاء في بلدك ، فاستخيري الله تعالى ، واقبلي به ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي ( 1084 ) من حديث أبي هريرة ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وإذا كان هذا الشاب يقيم هناك من أجل الدعوة إلى الله ، ويريد زوجة تعينه على ذلك ، فهذا أفضل الأعمال ، وهو مهنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33 .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير .
ولمعرفة شروط الإقامة في بلاد الكفار ، راجعي السؤال رقم (14235) ورقم (27211)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95062
العنوان:
إبرة البنج لا تفطر الصائم
السؤال:
هل إبرة البنج مفطرة للصوم ؟
الجواب:
الحمد لله
إبرة البنج الموضعي لا تفطر الصائم ، لأنها ليست أكلا ولا شربا ولا في معناهما .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بالنسبة للبنج الذي يوضع في السن في نهار رمضان هل علي قضاء ذلك اليوم إذا أخذت هذا البنج؟
فأجاب : "لا ، لأن البنج لا يفطر . البنج موضعي يؤثر على الموضع بالخدورة ولكنه لا يصل إلى المعدة فمن بُنِّجَ وهو صائم نفل أو فرض فصيامه صحيح " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر : "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/259).
لكن إذا كان البنج كاملا وأدى إلى غياب الوعي طوال اليوم ، لزم القضاء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " متى أغمي عليه جميع النهار , فلم يفق في شيء منه , لم يصح صومه , في قول إمامنا والشافعي ".
ثم قال : " متى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار , صح صومه , سواء كان في أوله أو آخره " انتهى من "المغني" (3/12).
وعلى هذا ، إذا اخذ الصائم إبرة البنج أثناء الصيام ، فصيامه صحيح ، ولا يبطل صومه بذلك، وإذا أخذها قبل الفجر ، وظل نائما تحت تأثير البنج حتى غربت الشمس ، فلا يصح صومه ذلك اليوم(/1)
رقم السؤال:
95065
العنوان:
إذا كان لديها إبرة مثبتة في البطن بلاصق فهل تمسح عليها في الغسل؟
السؤال:
أنا مصابة بداء السكري واستخدم للعلاج مضخة الأنسولين كبديل للحقن .. وهذه المضخة لها إبرة صغيرة تكون مثبتة في البطن لمدة ثلاثة أيام ثم أقوم بتغييرها .. علما بأن هذه الإبرة تكون محاطة ومغطاة بطبقة من اللزق الذي يمنع وصول الماء إلى الإبرة وإلى الجلد من تحتها ، فهل يكفي عند الاغتسال من عادتي الشهرية أن أمرر الماء عليها إذا كانت طهرتي في خلال هذه الأيام الثلاثة؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أمكن نزع هذا اللاصق عند الاغتسال وغسل ما تحته من البدن ثم إعادته من غير ضرر فهذا هو الواجب ولا يجوز المسح عليه .
أما إذا كان هناك ضرر من نزع اللاصق ، فلا حرج من المسح عليه .
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال أحمد : إذا توضأ , وخاف على جرحه الماء , مسح على الخرقة . ..
وكذلك إن وضع على جرحه دواء , وخاف من نزعه , مسح عليه . نص عليه أحمد . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن الجرح يكون بالرجُل , يضع , عليه الدواء , فيخاف إن نزع الدواء إذا أراد الوضوء أن يؤذيه ؟ قال : ما أدري ما يؤذيه , ولكن إذا خاف على نفسه , أو خوف من ذلك , مسح عليه ...
وقال القاضي , في اللصوق على الجرح : إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه ..... فإن كان في نزعه ضرر فحكمه حكم الجبيرة , يمسح عليه " انتهى من "المغني" (1/172).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم من صلى بالناس جماعة وفيه جرح ؟(/1)
فأجاب : إذا كان الجرح عليه جبيرة فإنه يمسح عليها وقت الوضوء وغسل الجنابة , ويجزئه ذلك , وصلاته صحيحة , سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا , فإن لم تكن عليه جبيرة تيمم عنه بعد غسل أعضائه السليمة , وأجزأه ذلك وصحت صلاته ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين أصيبوا ببعض الجراحات يوم أحد صلوا بجروحهم ; ولما روى أبو داود رحمه الله عن جابر رضي الله عنه أن رجلا أصابه جرح فأفتاه بعض أصحابه بغسله , فغسله فمات , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ، إنما شفاء العي السؤال ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما كان يكفيه أن يَعصِب على جرحه خرقة ، ويمسح عليها ، ويغسل سائر جسده ) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز (10/119).
ونسأل الله أن يشفيك ويعافيك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95068
العنوان:
ممنوع من السفر فهل ينيب من يحج عنه؟
السؤال:
هل يجوز أن أحج لأخي حيث إنه ممنوع من السفر بسبب قضية منذ عشرين عاما ولا زالت مستمرة إلى الآن ولا ندرى متى تنتهي وهو يخاف أن يتوفى دون أن يحج مع العلم أنها قضية لا تمس الشرف أو الأمانة بل قضية سياسية ويتدخل فيها ذوو النفوذ لمنع انتهاء القضية بالرغم من براءته منه ويشهد الله على ذلك وهو يبلغ الآن 56 عاما .
الجواب:
الحمد لله
ما دام أخوك يرجو أن يسمح له بالسفر ، فيتمكن من الحج بنفسه ، فليس له أن ينيب غيره ليحج عنه ، بل يصبر وينتظر ؛ لأن الإنابة إنما تكون من العاجز الميئوس من زوال سبب عجزه .
وإن قُدّر أنه مات قبل ذلك فلا شيء عليه لأنه معذور ، وحينئذ يُحج عنه من تركته ، أو يتبرع من يحج عنه .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة ذلك أن من وُجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان ضعيف الخلق , لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة , والشيخ الفاني , متى وجد من ينوب عنه في الحج , ومالاً يستنيبه به , لزمه ذلك . وبهذا قال أبو حنيفة , والشافعي ...... ومن يرجى زوال مرضه , والمحبوس ونحوه , ليس له أن يستنيب . فإن فعل , لم يجزئه . وبهذا قال الشافعي . لأنه يرجو القدرة على الحج بنفسه , فلم يكن له الاستنابة , ولا تجزئه إن فعل , وفارقَ المأيوس من برئه ; لأنه عاجز على الإطلاق , آيس من القدرة على الأصل , ولأن النص إنما ورد في الحج عن الشيخ الكبير , وهو ممن لا يرجى منه الحج بنفسه , فلا يقاس عليه إلا من كان مثله " انتهى بتصرف يسير من "المغني" (3/91) وما بعدها.
وأخوك يأخذ حكم المحبوس الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95077
العنوان:
زوجته لا تحافظ على الصلاة
السؤال:
أنا شاب متدين تزوجت امرأة منذ حوالي ست سنوات ولى منها ولد وبنت وصفت لي قبل زواجنا بأنها ملتزمة ثم تبين لي بعد ذلك أنها لا تحافظ على الصلاة وعندما أسألها هل صليت أم لا ؟ تقول إنها صلت مع تأكدي في بعض هذه الأحيان أنها لم تكن صلت ( بمعنى أن أكون قد تابعتها بين صلاتين ) نصحتها كثيرا وكلمتها بالتصريح تارة وبالتلميح أخرى والأمر الذي لم أتمكن من فعله هو الهجر في المضجع حيث إني لا أصبر عن النساء ، وقد طلقتها مرة ثم راجعتها خوفا على أولادنا من تفكك الأسرة وأدعو لها الله كثيرا أن يهديها فماذا أفعل معها؟ هل أصبر عليها ( علما بأني لا أنكر عليها إلا هذا الأمر ) ثم إذا صبرت على ذلك فما الذي يجب علي فعله وهل أكون آثما لمعاشرتي إياها أم ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على الزوج أن يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر ، ويدعوها إلى الخير ، ويحذرها من الشر ، قياماً بالمسئولية التي حمّله الله إياها ، قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/6 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (َالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (893) ومسلم (182).(/1)
وإن من أعظم المعروف أداء الصلاة في أوقاتها كما أمر الله تعالى ، ومن أعظم المنكر : التهاون والتفريط فيها ، بتركها ، أو تضييع مواقيتها ، وقد جاء في ذم من فعل ذلك قوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم (82). وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553).
فإذا كانت زوجتك لا تصلي أبداً ، فقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة كفر ، فلا يجوز لك إمساكها لأنها ليست مسلمة ، وحينئذ يجب عليك أن تبين لها أن إصرارها على ترك الصلاة يعني أنها ليست زوجة لك ، فإما أن تتوب وتقيم الصلاة ، وإما أن تفارقها .
وأما إن كانت تصلي أحيانا وتضيع الصلاة أحيانا أخرى ـ وهذا هو الظاهر من سؤالك ـ فلا تخرج من الإسلام بذلك ولكن عليك القيام بنصحها ، والبحث عن أسباب تقصيرها لمعالجتها ، وليكن ذلك برفق ولين ، فتبين لها عظمة الصلاة وأهميتها ، وإثم التقصير فيها ، وتعمل على تقوية إيمانها ، وزيادة يقينها ، بترغيبها في الخيرات ، وتشجيعها على الطاعات ، وربطها ببعض النساء الصالحات ، وتزويدها بشيء من الكتب والأشرطة النافعة التي تحبب إليها الخير ، وتزين لها البر ، مع سؤالها دوما عن الصلاة .
ونسأل الله تعالى أن يهديكما إلى الخير .
وراجع السؤال رقم (12828)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95095
العنوان:
ينسى استحضار النية في معظم الأعمال
السؤال:
أنسى أن أنوي في معظم أعمالي ، ماذا أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
النية أمرها عظيم ، وهي روح الأعمال ، وبها صلاح الأعمال ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
والنية تحِّول المباحات إلى طاعات وقربات ، فلهذا ينبغي العناية والاهتمام بها ، وجعلها لله تعالى ، خالصة من شوائب الرياء والسمعة .
واعلم أن النية نوعان :
1- نية مفروضة ، ولا تصح العبادة إلا بها ، كالنية في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج ، وهذه النية لا يكاد يغفل عنها أحد ، فإذا توضأ الإنسان ليصلي أو ليمس المصحف أو ليكون طاهرا ، فقد أتى بالنية . فقصد الصلاة ، أو قصد رفع الحدث ، هذا هو النية في الوضوء .
وإذا قام المرء للصلاة ، وهو يعلم أنها صلاة الظهر مثلا ، فقصدَ أن يصليها وأقبل عليها ، فقد أتى بالنية ، ولا يجب – بل ولا يشرع – أن يقول بلسانه نويت أن أصلي صلاة الظهر حاضرة ... إلخ ، كما يفعله بعض الناس ، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل النية محلها القلب .
وهكذا إذا عزم الإنسان من الليل على أنه سيصوم غدا ، فقد نوى الصوم ، بل تناوله طعام السحور ، يدل على قصده الصوم وإرادته له .
فالنية بهذا المعنى يصعب أن ينساها الإنسان .
2- والنوع الثاني : نية مستحبة ، لتحصيل الأجر والثواب ، وهذه التي يغفل عنها بعض الناس ، وهي استحضار النية في المباحات ، لتكون طاعاتٍ وقربات ، كأن يأكل ويشرب وينام بنية التقوي على الطاعة ، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ ) رواه البخاري (56).(/1)
وقال معاذ رضي الله عنه : (أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) رواه البخاري (4088).
فكان رضي الله عنه يحتسب الأجر في النوم ، كما يحتسبه في قيام الليل ، لأنه أراد بالنوم التقوّي على العبادة والطاعة .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب ؛ لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب " انتهى .
والذي يعين على استحضار هذه النية : التأني والتدبر وعدم العجلة ، فيفكر الإنسان فيما يأتي ويذر ، ويحاسب نفسه قبل العمل ، فينظر هل هو حلال أو حرام ، ثم ينظر في نيته : ماذا أراد بذلك ؟ فكلما حاسب نفسه ، وعودها النظر قبل العمل ، كلما كان ذلك أدعى لتذكره أمر النية ، حتى يصير ذلك ملكةً له ، وعادة يعتادها ، فلا يخرج ولا يدخل ، ولا يأكل ولا يشرب ، ولا يعطي ولا يمنع ، إلا وله نية في ذلك ، وبهذا تتحول عامة أوقاته إلى أوقات عبادة وقربة .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95112
العنوان:
لا تجد في المعهد مكانا للوضوء فهل تتيمم؟
السؤال:
أنا فتاة أدرس في معهد للدراسات العليا تخصص إعلاميات ، وأجد مشكلة في الصلاة وبما أن المعهد بعيد أضطر إلى الخروج من البيت باكرا حوالي الساعة 12 ظهرا وأصل هناك على 13 ظهرا وفي بعض المرات يفسد وضوئي فهل بإمكاني التيمم ؟ مع العلم أنه ليس هناك مكان مغطى يمكنني أن أتوضأ فيه، أم هناك حل آخر؟
الجواب:
الحمد لله
الصلاة أمرها عظيم ، فلا يجوز التهاون في أدائها ، بل يجب المحافظة عليها في أوقاتها ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 .
وقال سبحانه : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 .
ومن وجد الماء وكان قادرا على استعماله لا يجوز له أن يتيمم ، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) رواه البخاري (6954) ومسلم (225) .
ولا يجوز التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية حصول ضرر باستعماله ، قال الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه) المائدة/6 .
وعلى هذا ، لا يجوز لك التيمم وأنت تستطيعين استعمال الماء ، ويمكنك أن تتوضئي داخل الخلاء ، فإن الوضوء فيه لا بأس به ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
95115
العنوان:
إذا استيقظ الصائم وفي فمه طعام
السؤال:
كنت في السابق أدخن السجائر ، والآن ولله الحمد تركتها ، ولكن لدي مشكلة هي أني إذا رغبت في التدخين آخذ قطعة من السيجارة وأمضغها لكي تذهب هذه الرغبة وهي غير مجدية , المهم كنت في ليلة من ليالي رمضان أمضغ هذه الوصلة ونمت وهي في فمي ، فلم أستيقظ إلا بعد صلاة الفجر فقمت وغسلت فمي . هل أنا مفطر أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا طلع الفجر وفي فم الصائم شيء ، فلفظه ، ولم يبتلع منه شيئا باختياره ، صح صومه .
قال النووي رحمه الله في "المنهاج" : " ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه : صح صومه ".
وجاء في شرحه "مغني المحتاج" (2/161) : "لأنه لو وضعه في فمه نهارا لم يفطر ، فبالأولى إذا جعله فيه ليلا . ولو ابتلع منه شيئا باختياره فإنه يفطر" انتهى بتصرف واختصار.
ثانيا :
حَذَّر الأطباء والباحثون من مضغ التبغ ، وقرروا أن هذا لا يعد بديلاً آمناً عن التدخين ، بل هو أخطر وأكثر ضرراً على الجسم من التدخين من بعض الوجوه ، إذ يجعل الجسم عرضة للإصابة بمرض السرطان أكثر من التدخين .
والذي ينبغي لصاحب العزيمة والإرادة أن يترك الدخان ولا يلتفت إليه ، وليستعن بالله تعالى في ذلك ، وقد ثبت بالتجربة والمشاهدة أن ترك الدخان ممكن ، وأن الإقلاع عنه يسير ، والمهم هو صدق التوبة ، مع قوة العزيمة .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95138
العنوان:
حكم التورق في الأسهم عن طريق الراجحي
السؤال:
ما حكم التورق بالأسهم المعمول به في مصرف الراجحي ؟
الجواب:
الحمد لله
التورق المعمول به في المصارف الآن على نوعين :
الأول : تورق حقيقي ، هو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل ، ثم يبيعها - لغير من اشترى منه - نقدا بثمن أقل ، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الوَرِق وهي الفضة ، لأن المشتري لا غرض له في السلعة ، وإنما يريد النقود .
وهذه المعاملة جائزة عند جمهور العلماء .
والثاني : وهو ما يسمى بالتورق المصرفي المنظم : وصورته أن يشتري البنك السلعة ، ثم يبيعها على العميل بالأقساط ، دون أن يقبض البنك السلعة قبل بيعها ، ويقوم العميل بتوكيل البنك في بيعها بثمن أقل ، والعميل لم يقبض السلعة أيضا ، ولم يرها ، وهو غير مهتم بها غالبا ، وإنما غرضه النقود ، وهذه الصورة محرمة ، وقد شاع وجودها في هذه الأيام ، وتعاملت بها بعض البنوك على أنها صورة مشروعة من التورق ، وقد أفتى عدد من أهل العلم بتحريمها ، كما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريمها . وانظر نص القرار في جواب السؤال (82612) .
ثانيا :
أفاد الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله أن برنامج وطني للتورق في الأسهم لدى الراجحي ، يدخل في نوع التورق الحقيقي الجائز . ينظر :
http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=46#_ftn2
لكن سبق أن بينا أن الاشتراك في برنامج وطني يُشترط فيه الاقتصار على شراء الأسهم النقية . وانظر جواب السؤال رقم (73296) .
وبناء على ذلك ، فإذا أردت التورق عن طريق هذا البرنامج ، فاقتصر على شراء الأسهم النقية ، عن طريق الراجحي ، بالأقساط ، ثم تتولى بيعها بعد ذلك ، لتحصل على النقود .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95173
العنوان:
حكم نسخ البرامج
السؤال:
ما حكم نسخ برامج الحاسب الآلي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كانت برامج الحاسب قد نص أصحابها ومعدّوها على أن الحقوق محفوظة لهم ، وأنه لا يجوز نسخها نسخا عاما أو خاصا ، فالأصل هو الوفاء لهم بهذا الشرط ، ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "الإرواء" (1303) .
وانظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188).
ويتأكد هذا بأن حق التأليف والاختراع والإنتاج ، وغيرها من الحقوق المادية والمعنوية ، مكفولة لأصحابها ، لا يجوز الاعتداء عليها ، ولا المساس بها ، من غير إذن أصحابها ، ومن ذلك : الأشرطة ، والاسطوانات ، والكتب .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بخصوص الحقوق المعنوية ، جاء فيه :
" أولاً : الاسم التجاري ، والعنوان التجاري ، والعلامة التجارية ، والتأليف والاختراع أو الابتكار ، هي حقوق خاصة لأصحابها ، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها ، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً ، فلا يجوز الاعتداء عليها ...
ثالثاً : حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً ، ولأصحابها حق التصرف فيها ، ولا يجوز الاعتداء عليها " انتهى باختصار .
ومما لا شك فيه أن أصحاب الأشرطة والاسطوانات ، قد بذلوا في إعدادها وقتا وجهدا ومالا ، وليس في الشريعة ما يمنعهم من أخذ الربح الناتج عن هذه الأعمال ، فكان المعتدي على حقهم، ظالما لهم ، وآكلاً أموالهم بالباطل .
ثم إنه لو أبيح الاعتداء على هذه الحقوق ، لزهدت هذه الشركات في الإنتاج والاختراع والابتكار ، لأنها لن تجني عائدا ، بل قد لا تجد ما تدفعه لموظفيها ، ولا شك أن توقف هذه الأعمال قد يمنع خيراً كثيراً عن الناس ، فناسب أن يفتي أهل العلم بتحريم الاعتداء على هذه الحقوق .
ثانيا :(/1)
إذا لم يكن هناك نص على منع النسخ الخاص ، فيجوز نسخها بغرض الاستفادة الشخصية ، دون التربح .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذه المسألة :
" يُتبع فيها ما جرى به العُرف ، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينصّ الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام فأرجو أن لا يكون به بأس ، أما إذا نصّ الشخص الذي كتبها أولاً على المنع الخاصّ والعامّ فلا يجوز مطلقا " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (454) .
ثالثا:
ما ذكرناه في الحالتين هو الحكم العام باعتبار الأصل ، ولكن قد تعرض بعض الحالات التي يجوز فيها النسخ والتصوير بدون إذن أصحابها ، وذلك في حالين :
1- إذا لم تكن موجودة بالأسواق ، للحاجة ، ويكون نسخها للاستعمال الشخصي أو للتوزيع الخيري ، فلا يبيع ولا يربح منها شيئا .
2- إذا اشتدت الحاجة إليها وأصحابها يطلبون أكثر من ثمنها ، وقد استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربح مناسب معقول ، يعرف ذلك كله أهل الخبرة ، فعند ذلك يجوز نسخها للاستفادة الشخصية ، لا بقصد بيعها .
ومنه يستفاد حكم :
1- نسخ الأناشيد من النسخ الأصلية وجمعها في شريط واحد :
هذا لا حرج فيه ، لأن أصحاب الأشرطة لا ينصّون على منع النسخ الخاص ، وإنما ينصون على حفظ حقوقهم ، وهذا منصب على منع النسخ لغرض الاتجار ، أو ما يلحِق بهم الضرر كالنسخ العام لأجل التوزيع ، وأما النسخ الخاص ، فلا يدخل في هذا.
وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل يجوز أن أسجل شريطا من الأشرطة وأبيعه ، دون طلب الإذن من صاحبه بذلك ، أو إن لم يكن صاحبه على قيد الحياة من الدار الخاصة به ؟ وهل يجوز أن أصور كتابا من الكتب وأجمع منه عددا كبيرا وأبيعه ؟ وهل يجوز كذلك أن أصور كتابا من الكتب ولكن لا أبيعه ، وإنما أحتفظ به لنفسي ، وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة) هل أطلب الإذن أم لا ؟(/2)
فأجابت : " لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها ، وتصوير الكتب وبيعها ؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك ، فلا بد من إذنهم " . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/187) .
2- تحميل البرامج من المواقع وإنزالها بالمنتديات :
إذا كانت مواقع البرامج تسمح بتنزيلها والاستفادة منها مجانا ، فلا حرج عليك في تنزيلها ، ووضعها في المنتديات ، أو الاحتفاظ بها لنفسك .
وأما إن كانت لا تسمح بالتنزيل ، أو تسمح بتنزيل نسخة تجريبية ، فلا يجوز الاعتداء على حقهم ، بكسر الحماية ، أو البحث عما يسمى بالكراك أو الرقم السري ، ونحو ذلك ؛ إذ لا فرق بين وضع البرامج في مواقع ، أو على أسطوانات ، فما ذكره أهل العلم في احترام الحقوق ، والوفاء بالشروط ، ينطبق على الأمرين ، ويُستثنى منه ما استثني في الأول .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
95216
العنوان:
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك بغرض كفالته
السؤال:
أنا فتاة متزوجة من حوالي 6 سنوات ولم يكتب لي الله الذرية بعد, وقد كان لي حلم قبل أن أتزوج بأن أكفل يتيما أرضعه مع ابني وأربيه معه لأنال المرتبة القريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم تأت اللحظة المناسبة لتبني طفل يتيم إلا الآن مع حمل زوجة أخي وهي تكون أخت زوجي (أقرباء) لكي يتسنى لها الرضاعة الشرعية التي تجعله محرماً لي ولزوجي والأهل، ولقد فكرت في حرمانية التبني ، ولكني أعيش في دولة خليجية وهناك إجراءات الإقامة والجوازات وهذه الدوائر لا تسمح بوجود طفل بحوزتي بدون أن يكون على اسمي , كما أنني أسافر إلى بلدي , وهناك إجراءات وجوازات تجعل أمر وجود طفل بدون أن أكتبه باسمنا أنا وزوجي أمرا مستحيلا أود السؤال عن الحكم الشرعي في مسألة تبني طفل في ظل وجود هذه العوائق ؟ مع العلم بأن أهلي وأهل زوجي على علم بأننا سنحضر طفلاً
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك ، وتكون لك عونا على طاعة الله ومرضاته .
ثانيا :
كفالة اليتيم ، قربة من أجل القربات ، لما يترتب عليها من الأجر العظيم والثواب الكبير ، ولما فيها من الرحمة والإحسان والرعاية لهذا اليتيم .
وأما التبني فمحرم تحريما ظاهرا ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) الأحزاب/4، 5(/1)
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري (3317) ومسلم (61).
وينظر السؤال رقم (5201) لبيان الفرق بين التبني وكفالة اليتيم .
ثالثا :
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك ، لأنه من التبني المحرم ، ولما يترتب عليه من مفاسد تتعلق بالإرث وغيره . ورغبتك في الكفالة المستحبة لا تبيح الإقدام على هذا العمل المحرم .
وعليه فإذا لم تتيسر كفالة اليتيم إلا بالتبني ، فعليك بالصبر ، وانتظار الفرج من الله تعالى ، فإن خزائنه سبحانه ملأى ، وكل شيء بيده ، ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له .
نسأل الله أن يرزقك من فضله .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95218
العنوان:
تأتيه رسائل بالجوال ويطلب منه إعادة نشرها بأعداد معينة
السؤال:
أتوصل برسائل sms تقول قل سبحان الله و الحمد... وعاود بعثه لزميل لك ، هل هذه بدعة ؟ توصلت بريد إلكتروني" رجل اسمه مصطفي قال إنه شاهد الرسول صلي اله عليه و سلم وأوصاه سلام علي الناس فيجب على من قرأ هذه الرسالة أن يوزعها علي الناس وينتظر 4 أيام فسوف يفرح فرح شديدا وإلا سيحزن حزنا شديدا" ما قولكم في هذا جزاكم الله خيرا
الجواب:
الحمد لله :
تذكير المسلم لإخوانه بأمور الخير والبر من التسبيح والتهليل والتكبير ، أمر مشروع مرغب فيه ، لأن الدال على الخير كفاعله ، وسواء كان ذلك التذكير مشافهة ، أو عبر رسالة بالبريد أو الجوال ، وإن أوصاه أن يبعث بالرسالة إلى غيره ، فهذا حسن أيضا ؛ ليعم الخير ، وينتشر المعروف .
والمحذور هو ربط ذلك بعدد معين ، أو ترتيب الإثم على عدم الإرسال ، كأن يقال : أرسلها إلى عشرة أشخاص مثلا ، وإذا لم تفعل سيحصل لك كذا وكذا ، فهذا من الافتراء والباطل ، وإلزام الناس بما لم يلزمهم به الشرع ، ويخشى على قائل ذلك أن تحل به عقوبة من يتألى على الله تعالى ، ويفتري عليه الكذب ، ويبتدع في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه .
ومثل هذا ما جاء في سؤالك من قول المرسل : " فيجب على من قرأ هذه الرسالة أن يوزعها علي الناس وينتظر 4 أيام فسوف يفرح فرح شديدا وإلا سيحزن حزنا شديدا " فهذا من الدجل والكذب ، والابتداع في الدين . وانظر السؤال رقم (31833)
ولهذا لا يجوز نشر هذه الرسائل ، ولا التصديق بما فيها من الوعد أو الوعيد ، بل تتلف ، ويحذّر منها ومن مرسليها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95220
العنوان:
لم يستطع الصلاة قبل موته فهل يصلى عنه ؟
السؤال:
ما هو حكم من مات في مرض ولم يستطع الصلاة لمدة شهر ونصف وفارق بعدها الحياة ولم يستطع الصلاة فيها نظراً لظروف مرضه الشديدة التي حالت دون الصلاة فهل يصح الصلاة عنه من خلال أهله أم لا وإن لم يصح هل هناك كفارة أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، ولا تسقط عن أحد ما دام عقله معه ، فمن استطاع أن يصلي قائما لزمه ذلك ، وإلا صلى قاعدا ، أو على جنب ، أو يومئ إيماء ، حسب استطاعته ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري (1117) .
ومن صلى جالسا فإنه يومئ بالركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض من الركوع .
فإن عجز عن تحريك رأسه ، فهل يومئ بعينه ، أم تسقط عنه الصلاة ، أم تسقط عنه الأفعال فقط دون الأقوال ؟ الراجح : الثالث .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والراجح من هذه الأقوال الثلاثة : أنه تسقط عنه الأفعال فقط ، لأنها هي التي كان عاجزا عنها ، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه ؛ لأنه قادر عليها ، وقد قال الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16، فنقول : كَبِّرْ واقرأ ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع ، ثم انو القيام وقل : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، إلى آخره ، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود ، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم فماذا يصنع ؟ الجواب : تسقط عنه الأقوال والأفعال ، وتبقى النية ، فينوي أنه في صلاة ، وينوي القراءة ، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود ، هذا هو الراجح ؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية ، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية ، ولأن قولنا لهذا المريض : لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله ، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل ، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لابد أن يقوم بها ولو بنية ، خير من أن نقول : إنه لا صلاة عليه ". انتهى من "الشرح الممتع" (4/469).
وبناء على ذلك ، فالمسئول عنه إن وصل إلى مرحلة لا يمكنه فيها أداء الصلاة بوجه من الوجوه السابقة ، فهو معذور ، ولا شيء عليه .
وسواء كان معذورا أو غير معذور ، فإن من ترك شيئاً من الصلوات المكتوبة لا يصلي عنه أحد ، وبهذا قال الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ) رحمهم الله تعالى .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (2/334)(/2)
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : توفيت والدتي بعد أن عانت من المرض رحمها الله كل معاناة ، ومكثت عشرة أيام بدون صلاة ، أوقات تنتابها غيبوبة ، وأوقات تفيق ، ولم تصل هذه الأيام . فهل أصلي عنها ، أم ماذا أفعل لها ؟ وهل تجوز الصلاة على روح الميت ؟
فأجابوا : " لا يجوز أن تقضى الصلاة عن الميت ؛ سواء تركتها بعذر أو بغير عذر ، ولا أن يصلى بنية أن يكون ثواب الصلاة للميت ؛ لأن الشرع لم يرد بذلك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/65)
وجاء فيها أيضا (25/257) : " إذا كان والدك حين مرضه يغيب وعيه ولا يعقل شيئا فإن الصلاة تسقط عنه ، وهو ليس مكلفا في هذه الحالة ؛ لأن مناط التكليف بالصلاة العقل ، وقد زال عنه ، أما إن كان لا يزول عنه وعيه ولا عقله ، ولكن ترك الصلاة جهلا منه أنها تجب على مثله قدر استطاعته ، فلعل الله أن يعفو عنه ويعذره بجهله ذلك ، وعدم من يبين له الحكم الشرعي حتى مات - رحمه الله وعفا عنه ، وفي كلتا الحالتين لا يجوز لك أن تصلي عن والدك شيئا من الصلوات ؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد ، والأصل أن الصلاة لا تدخلها النيابة ، أما حجك وعمرتك عن والدك فذلك من البر به والإحسان إليه ، وأن تتصدق عنه بين الحين والآخر ، وأن تدعو له وتستغفر له وتصل رحمه وأصدقاءه وتحسن إليهم ، فإن ذلك من البر بوالدك بعد موته ، ولك الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله على ما تبذله في سبيل ذلك " انتهى .
والحاصل أن هذا الميت لا يصلى عنه ، وليس هناك كفارة لما تركه من الصلوات ، وينبغي الدعاء له ، والصدقة عنه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
95225
العنوان:
وعدها زوجها بالطلاق بعد طهرها من الحيض
السؤال:
حصلت مشكلة بيني وبين زوجي وصار يضربني على كل كبير وصغير ، فذهبت إلى جارتي ورفضت الرجوع إليه فقال لي : ارجعي إلى بيتك شهراً إلى أن تأتيك حيضتك ثم بعد الطهر أطلقك . فرجعت على أنه سوف يطلقني ولكنه قال بعد ذلك أنه لا ينوي الطلاق وإنما قال الكلام السابق ليبين لي أن الطلاق السني يكون بعد الحيضة بطهر لا جماع فيه . وأنا أرفض قوله هذا لأنه قال كلمته وأنا عند جارتي على سبيل الإقناع لي بأنه سوف يطلقني بعد الحيضة فهل يقع ذلك طلاق أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
قول الرجل لزوجته : " ارجعي لبيتك وأولادك شهرا إلى أن تأتيك حيضتك ثم بعد الطهر أطلقك " : لا يقع به طلاق ، لأنه وعد بالطلاق فقط ، فلا يقع حتى يطلق الزوج فعلاً بعد الحيض.
والإنسان قد يعزم على الطلاق ثم يراجع نفسه ، وينقض عزمه ، ولعل في ذلك خيرا لك ولأولادك .
والواجب أن تكون المعاشرة بين الزوجين بالمعروف ، ولا يجوز للزوج أن يضرب زوجته إلا في حال نشوزها وعدم استجابتها للوعظ والهجر ، وليس له أن يضربها على وجهها أو يضربها ضربا مبرحا ، قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء/34
نسأل الله أن يصلح أحوالكما.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95230
العنوان:
هل يجوز المسح على الخفين لمدة طويلة بسبب المرض
السؤال:
أبلغ من العمر 60 سنة وأشكو من مرض في ظهري أجد معه مشقة في غسل رجلي عند الوضوء فهل يجوز لي المسح على الخفين لمدة طويلة ؟
الجواب:
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أن المسح على الخفين موقت بمدة معلومة ، وهي يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر .
فقد روى مسلم (276) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَقَالَتْ : عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ : ( جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ ) .
وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ : ( لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبتدئ من أول مسحٍ بعد الحدث ، لا من اللبس ، فلو توضأ لصلاة الفجر ، ولبس الخفين ، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة ، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة ، وتستمر يوما وليلة ، أي أربعا وعشرين ساعة .
قال النووي رحمه الله : " وقال الأوزاعي وأبو ثور : ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث ، وهو رواية عن أحمد وداود ، وهو المختار الراجح دليلا ، واختاره ابن المنذر ، وحُكِيَ نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) .(/1)
وبناء على ذلك فيجب أن تتقيد بمدة المسح ، فإذا انقضت لم يجز المسح على الخف ، حتى ينزع ويلبس على طهارة كاملة ، لكن انقضاء المدة لا يوجب بطلان الوضوء على الراجح ، فإذا انقضت المدة وأنت على طهارة ، جاز لك الصلاة بهذه الطهارة حتى تحدث .
وما ذكرت من مشقة غسل الرجل ، يمكن التغلب عليه بالجلوس على كرسي ونحوه ، أو صب الماء على الرجلين دون أن تنحني لغسلهما .
قال النووي رحمه الله : " مذهبنا أن دَلْك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب ، فلو أفاض الماء عليه ولم يمسه بيديه ، أو انغمس في ماء كثير
، أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة
الغسل والوضوء " انتهى من "المجموع" (2/214).
وانظر جواب السؤال رقم (90218)
ونسأل الله لك الشفاء والمعافاة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95241
العنوان:
تحديد القبلة بواسطة الشمس
السؤال:
كيف يمكن تحديد القبلة بواسطة الشمس ؟
الجواب:
الحمد لله
استقبال القبلة في الصلاة أمر بالغ الأهمية ، إذ تتوقف عليه صحة الصلاة ، ولذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بطرق تحديد القبلة ، ومنها : الشمس .
فيمكن تحديد القبلة بواسطة الشمس وذلك عن طريق معرفة الجهة التي تشرق منها أو تغرب فيها ، وبالتالي يمكن تحديد الجهات الأربع كلها ( الشرق والغرب ، الشمال والجنوب ) ثم يتم تحديد اتجاه القبلة .
فمن كان يعلم أن قبلته في جهة الشرق استقبل جهة الشرق ، ومن كان يعلم أن قبلته في جهة الشمال جعل جهة الشرق على يمينه واستقبل جهة الشمال ......وهكذا .
ولكن هذه الطريقة لا يستفيد منها إلا من يعلم اتجاه القبلة بالنسبة له ، هل تقع في المشرق أو المغرب ......إلخ ولكنه فقط يحتاج إلى تحديد الجهات الأربع .
انظر : "المغني" (2/105)
وقد ذكر العلماء المعاصرون والمختصون بعلم الفلك طريقة حديثة في تحديد اتجاه القبلة بواسطة الشمس ، وهو ما يعبرون عنه بـ "الاستفادة من ظاهرة تعامد الشمس على مكة المكرمة" .
وبيان ذلك :
أن الشمس تتحرك شمال وجنوب خط الاستواء في فصلي الصيف والشتاء ، ومكة تقع شمال خط الاستواء ( بينه وبين مدار السرطان ) .
ومعنى هذا ، أن الشمس ستمر بمكة مرتين كل سنة ، مرة أثناء حركتها شمال خط الاستواء ، والأخرى أثناء رجوعها ، وعند دخول وقت صلاة الظهر حسب التوقيت المحلي لمكة تكون الشمس عمودية تماماً على مكة المكرمة ، فمن ينظر إلى الشمس في هذه اللحظة يكون مستقبلاً لجهة القبلة تماما ، لأن الشمس في تلك اللحظة تكون فوق مكة مباشرة .
وهذان اليومان هما 28 مايو الساعة 9 صباحا والدقيقة 18 بتوقيت جرينتش ، واليوم الثالي : 16 يوليو الساعة 9 صباحا والدقيقة 27 بتوقيت جرينتش .(/1)
ولكن هذه الظاهرة لا يستفيد منها إلا من يرى الشمس في هذه اللحظة ، أما من يكون عندهم ليل في هذا الوقت فلا يمكنهم الاستفادة منها .
ولكن هناك يومان آخران تكون الشمس فيهما عمودية على المكان الذي يقابل الكعبة من الجانب الآخر من الكرة الأرضية ، وهما : 28 نوفمبر الساعة 21 والدقيقة 9 بتوقيت جرينتش ، ويوم 13 يناير الساعة 21 والدقيقة 9 بتوقيت جرينتش .
ولكن يكون اتجاه القبلة معاكسا تماما للاتجاه الذي فيه الشمس ، فيعطي الإنسان ظهره للشمس ، والجهة التي أمامه هي جهة القبلة .
وبهذا يمكن لجميع أهل الأرض تحديد اتجاه القبلة بدقة بواسطة الشمس .(/2)
رقم السؤال:
95280
العنوان:
حكم مشاهدة مباريات كرة القدم
السؤال:
هل مشاهدة مباراة كرة القدم في التلفاز سواء كانت محلية أو أجنبية حرام أم حلال ؟
الجواب:
الحمد لله
عرض على اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال مشابه لسؤالك ، وهذا نصه :
ما حكم مشاهدة المباراة الرياضية ، المتمثلة في مباراة كأس العالم وغيره؟
فأجابت اللجنة : " مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام ؛ لكون ذلك قمارا ؛ لأنه لا يجوز أخذ السبق وهو العوض إلا فيما أذن فيه الشرع ، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية ، وعلى هذا فحضور المباريات حرام ، ومشاهدتها كذلك ، لمن علم أنها على عوض ؛ لأن في حضوره لها إقرارا لها .
أما إذا كانت المباراة على غير عوض ولم تشغل عما أوجب الله من الصلاة وغيرها ، ولم تشتمل على محظور : ككشف العورات ، أو اختلاط النساء بالرجال ، أو وجود آلات لهو - فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... صالح بن فوزان الفوزان ... بكر بن عبد الله أبو زيد"
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/238).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم ممارسة الرياضة بالسراويل القصيرة وما حكم مشاهدة من يعمل ذلك ؟
فأجاب : " ممارسة الرياضة جائزة إذا لم تله عن شيء واجب ، فإن ألهت عن شيء واجب فإنها تكون حراماً ، وإن كانت ديدن الإنسان بحيث تكون غالب وقته فإنها مضيعة للوقت ، وأقل أحوالها في هذه الحال الكراهة . أما إذا كان الممارس للرياضة ليس عليه إلا سروال قصير يبدو منه فخذه أو أكثره فإنه لا يجوز ، فإن الصحيح أنه يجب على الشباب ستر أفخاذهم ، وأنه لا يجوز مشاهدة اللاعبين وهم بهذه الحالة من الكشف عن أفخاذهم " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/431).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95288
العنوان:
حكم تأخير صلاة العصر وأذانها ساعة عن الوقت ليجتمع الموظفون
السؤال:
نحن زملاء عمل في الجبيل الصناعية ( المنطقة الشرقية) نصلى الظهر والعصر في مسجد صغير داخل الشركة وليس له جماعة غيرنا . اقترح بعض الإخوة توحيد وقت الأذان والإقامة كالآتي : 1- صلاة الظهر : وقت الأذان الساعة الثانية عشرة إلا ربع , ووقت الإقامة: الساعة الثانية عشر . 2- صلاة العصر / وقت الأذان: الساعة الثالثة وخمسة وثلاثون دقيقة , ووقت الإقامة: الساعة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة . السبب : حتى يتمكن جميع جماعة المسجد من الصلاة مع الجماعة وهذا الوقت أنسب وقت يكون فيه الجميع قد رجعوا إلى مكاتبهم من أماكن متفرقة ومتباعدة . والسؤال : هل نكون بذالك قد حققنا معنى الحديث بما جاء عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم : ( أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها ) ؟ سؤال آخر : هل صلاة العصر الساعة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة غير خارجة عن وقت صلاة العصر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
السنة أن يكون الأذان في أول الوقت , لمواظبة مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ولا حرج لمن أراد تأخير الصلاة عن أول وقتها أن يؤخر الأذان حتى يكون قريبا من أداء الصلاة .
قال الرملي في حاشيته على "أسنى المطالب" (1/133) : " فيؤذن للصلاة إذا دخل وقتها , وهو مشروع لها إلى خروجه " انتهى .
أي أن وقت الأذان ممتد من دخول وقت الصلاة إلى خروجه .
وأما الأذان قبل الوقت ، فلا يجوز إلا لصلاة الفجر
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/246) : " الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ . وهذا لا نعلم فيه خلافا , قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها , إلا الفجر . ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت , فلا يشرع قبل الوقت , لئلا يذهب مقصوده " انتهى .(/1)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تأخير الأذان عن أول الوقت ؟
فأجاب : " إذا كان الإنسان في بلد فلا ينبغي أن يتأخر عن أول الوقت ؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى واختلاف المؤذنين والاشتباه على الناس أيهما أصوب هذا المتقدم أو المتأخر , أما إذا كان في غير البلد فالأمر إليهم ، لكن الأفضل أن يؤذنوا في أول الوقت ويصلوا ؛ لأن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل ، إلا ما شرع تأخيره ، فما شرع تأخيره فإنه يؤخر فيه الأذان ، ولهذا ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقام المؤذن ليؤذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أبرد ) ثم أراد أن يقوم فقال : ( أبرد ) ثم أراد أن يقوم فقال : ( أبرد ) حتى ساوى التل ظله ثم أذن ، وهذا يدل على أن الأذان مشروع حيث تشرع الصلاة ، فإذا كانت الصلاة مما ينبغي تأخيره كصلاة الظهر في شدة الحر ، وصلاة العشاء فإنه يؤخر ، هذا في غير المدن والقرى التي فيها مؤذنون ، وإلا فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن الوقت الذي يؤذن فيه الناس " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/189).
والحديث المذكور رواه البخاري (539) ومسلم (616).
وعلى هذا ، فلكم أن تؤذنوا أول الوقت , ثم تقتصروا على الإقامة إذا أردتم القيام إلى الصلاة , ولكم أن تؤخروا الأذان حتى يكون قريبا من فعل الصلاة .
ثانياً :
وقت صلاة العصر الاختياري ينتهي باصفرار الشمس ، ولا يجوز تأخير الصلاة بعد ذلك إلا لضرورة ، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ) رواه مسلم (612) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما . وانظر جواب السؤال رقم (9940) .
والأفضل تعجيلها ؛ لعموم الأحاديث في فضل الصلاة في أول وقتها ، لكن إذا كان تأخيرها يناسب اجتماع الموظفين وتهيأهم لها ، وكان ذلك قبل اصفرار الشمس ، فلا حرج فيه .(/2)
وبالرجوع إلى تقويم أم القرى وجدنا أن أقل وقت لصلاة العصر يكون في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) حيث يدخل وقت صلاة العصر الساعة الثانية والنصف , وتغرب الشمس الساعة الخامسة إلا عشر دقائق تقريباً , وقد ذكرتم أنكم ستصلون العصر الساعة الثالثة وخمسة وأربعين دقيقة , وهذا يكون قبل اصفرار الشمس إن شاء الله .
وعليه فلا حرج عليكم في صلاة العصر في ذلك الوقت المحدد .
أما صلاة الظهر فقد وجدنا أنه في بعض أيام السنة سيدخل وقتها بعد الساعة الثانية عشرة إلا ربع وهو الوقت الذي حددتموه للأذان , ففي منتصف شهر فبراير (شباط) الميلادي سيدخل وقت الظهر الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق تقريباً حسب توقيت أم القرى .
ومعنى هذا أنكم ستؤذنون لصلاة الظهر قبل دخول وقتها في بعض أيام السنة , وهذا لا يجوز بإجماع العلماء كما سبق .
فعليكم مراعاة ذلك في وقت أذان الظهر , ولو بتأخيره حتى يكون الساعة الثانية عشرة .
ثالثاً :
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ : ( الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا ) رواه البخاري (527) ومسلم (85) فإنه يدل على فعل الصلاة في الوقت ، وقال بعض أهل العلم : يدل على أفضلية فعلها في أول الوقت . ينظر : فتح الباري .
لكن روى أبو داود (426) عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا صريح في أفضلية الصلاة أول الوقت ، ويستثنى من ذلك الإبراد بالظهر لشدة الحر ، وتأخير صلاة العشاء إذا لم يكن فيه مشقة على المصلين .
وبالنسبة لصلاة الظهر سيكون فعلكم لها في أول وقتها على مدار السنة , حسب تقويم أم القرى .(/3)
وأما صلاة العصر فهناك بعض الأيام من السنة وهي التي يقصر فيها النهار , سوف تفعلونها بعد مرور أكثر من نصف وقتها , وهذا يخرجها عن أول الوقت , وإن كان فعلها في ذلك الوقت جائزا , ما دام قبل اصفرار الشمس .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
95290
العنوان:
أسباب انتكاسة المستقيم حديثاً ونصائح لمن يريد طلب العلم
السؤال:
أريد نصيحة لمن التزم حديثاً ، وماذا يفعل لكي لا ينتكس ؟ ونصائح بماذا يبدأ بالقراءة من الكتب بعد القرآن .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يفرح الله تعالى بتوبة عبده مع أنه تعالى هو الموفِّق لهذا التائب أن يتوب ، وهو سبحانه لا تضره معاصي الخلق ولو كثرت ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بخلقه ، وعظيم فضله ، والذي ننصح به إخواننا المستقيمين على الهداية والمتوجهين نحو طريق الخير هو :
1. حمد الله تعالى وشكره بصدق وإخلاص ، أن وفقهم لأن يهتدوا لطريق الجنة ، وأن يعلموا أنه لولا الله ما اهتدوا ولا صلوا ، ويحتاج مع الحمد والشكر إلى دعاء الله تعالى أن يثبته على الدين والحق ؛ فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك ) ونحن أولى بهذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم .
2. التزام طاعة الله تعالى بأداء الواجبات المفروضة ، والحرص على زيادة التقرب إلى الله تعالى بعد الفرائض بفعل السنن ؛ لتحصيل محبة الله تعالى ، ومن أحبَّه الله ثبَّته على الطريق ، وزاده هدى وتوفيقاً .
فعَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله تَعالَى قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ ، وما تَقَرَّب إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عَليهِ ، ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ ، فإذا أَحْبَبْتُهُ ، كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ ، وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها ، ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها ، ولَئِنْ سأَلنِي لأُعطِيَنَّهُ ، ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . رواهُ البخاريُّ ( 6137 ) .(/1)
3. التطلع إلى رضوان الله تعالى ، والتشوق للقائه سبحانه ، وعدم الانشغال بالدنيا ، بمباحاتها وملذاتها ، ولتكن همة هذا المستقيم على الطاعة علوية لا سفلية ، وليكن هدفه تحصيل السعادة الأبدية في دار لا يهرم فيها ولا يمرض ، وهي الجنة .
4. وعليه بطلب العلم ، وأول الطلب البداءة بحفظ كتاب الله تعالى ، ثم النظر في السنَّة المطهرة ، والقراءة في كتب العقيدة السلفية والتوحيد والفقه ، ومن شأن معرفة المسلم لدينه أن يزداد تمسكاً به ، ومن أعظم أسباب الانتكاس والسقوط في الطريق ، الجهل بالدين وعدم معرفته .
5. وعليه أن يحرص على الصحبة الصالحة ، وترك الصحبة الفاسدة ، وخاصة من كان معه في طريق الغواية من قبل ؛ لئلا يكون هؤلاء سبباً في رجوعه طريقه القديم ، وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك ، فهو إما أن يعطيك منه ، وإما أن تشم منه رائحة طيبة ، وشبَّه جليس السوء بنافخ الكير ، فهو إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة خبيثة ، وهكذا هو الصاحب الصالح ، والصاحب السيئ ، فالأول إما أن يدلك على الخير ، ويرشدك إلى الصواب ، وإلا فإنك سترى منه الخير في سمته وهديه وخلُقه ، وأما الصاحب السيئ فهو إما أن يدلك على المعصية فتفعلها ، أو أنه يباشرها بنفسه فلا ترى منه إلا شرّاً وتشجيعاً على فعل الفواحش ، فيجب الحرص على الصحبة الصالحة ، كما يجب هجر الصحبة الفاسدة .
6. الحذر من المعاصي الصغائر منها والكبائر ، فإن معظم النار من مستصغر الشرر ، والمعصية تأتي بأختها ، والقلب إذا أظلم واسودَّ بسبب المعاصي : لم يعد قلباً حيّاً يعرف المعروف ، وينكر المنكر ، فالحذر الحذر من المعاصي .(/2)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا : كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ( أي : طعامهم ) ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا ( أي : شيئاً كثيراً ) ، فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) .
رواه أحمد ( 37 / 467 ) وحسَّنه شعيب الأرناؤوط ، وصححه الألباني .
7. الحذر من فتنة المال ، فعلى من رزقه الله تعالى مالاً أن يجعل ذلك المال عوناً له على طاعة الله ، وينفقه في مرضات الله ، كبناء المساجد ، وطباعة الكتب ، وتسجيل الأشرطة ، وتوزيع المطويات ، وليحرص على أداء العمرة والحج ، وليحذر من إسرافه في المباحات ، أو تبذيره في المحرمات ، فقد يكون المال سبباً لفتنة الإنسان في دينه ، وصدق الله العظيم إذ يقول : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) التغابن/15
8. على المهتدي تعمير قلبه بالإيمان ، فالقلب إذا صلح صلحت الأعضاء ، وإذا فسد فسدت الأعضاء ، فليحرص على قراءة القرآن ، والاستكثار من الطاعات .
9. وقد يكون من أسباب انتكاس الشاب : عدم وجود زوجة ، فليحرص على الزواج ، وتكوين أسرة ، وليحرص على تأديبهم وتعليمهم ، وكونه عزباً مظنة للوقوع في المعاصي ، والتعلق بالشهوات ، وكثرة السهر ، وترك الحياة الجدية ، والرضا بحياة الراحة والدعة والكسل .(/3)
10. وأخيراً : فإن المتهدي حديثاً يحتاج إلى التعقل في أداء الطاعات ، والحكمة في دعوة الناس ؛ فإن بعض من يهديه الله تعالى لطريق الحق يُشدِّد على نفسه بالطاعات ، ويقسو على الآخرين في دعوتهم وتذكيرهم ، ولعلَّ هذا أن يكون سبباً في انتكاسته ، فليحرص على التعقل ، والحكمة ، والرفق ، وليحرص على مشاورة أهل العلم والاستفسار منهم ، واستنصاحهم ، فإن في ذلك الخير العظيم له .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1 / 187 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 56 ) .
وانظر شرح هذا الحديث وتفصيل هذه النقطة في جواب السؤال رقم : ( 70314 ) .
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الإخلاص والصدق في القول والعمل .
ثانياً :
وأما طالب العلم المبتدئ في الطلب : فلا بد من توجيه نصائح له في طلبه للعلم ؛ حتى يكون مأجوراً مثاباً على الطلب ، وإلا صار عليه نكالاً :
1. أخلص في نيتك في طلب العلم .
واعلم أن طلب العلم عبادة ، وأن الله تعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصاً لوجهه ، فلا تطلب العلم من أجل الشهرة والرفعة والتعالي والمال ومجاراة السفهاء ومماراة العلماء ، بل اجعل طلبك خالصاً لوجه الله تعالى ، تمتثل به أمر الله تعالى ، وترفع الجهل عن نفسك ، وعن غيرك .
2. اصبر في الطلب ، ولا تستعجل قطف الثمرة ، فالطريق طويل وشاق ، و " من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة " .
3. اعمل بما تعلم ، فقد " هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل " .(/4)
4. ابدأ بصغار العلم قبل كباره ، فلا تبدأ بـ " فتح الباري " و " المجموع " و " المحلى " ، بل ابدأ بالمتون الصغيرة إلى أن تصل إلى تلك الكبيرة .
5. احرص على أن تقرأ على شيخ موثوق في دينه وعلمه ، فإن لم يكن فطالب علم ممن سبقوك في الطريق .
6. نوِّع طرق الطلب حتى لا تمل ، فاجعل منها القراءة والسماع والمشاهدة .
7. احرص على اقتناء الكتب المحققة .
8. لا تبدأ بكتب الخلاف قبل ضبط أصول الأدلة من القرآن والحديث الصحيح .
9. تواضع لله تعالى ، وإياك من داءين خطيرين : الكبر ، والحسد ، وقد كان السلف يسمعون ممن هو أكبر منهم ليتعلموا الأدب ، وممن هو أصغر منهم ليتعلموا التواضع ، وممن هو مثلهم ليزيلوا داء الحسد من قلوبهم .
10. لا تستعجل الفتوى ، واحرص على المذاكرة ، وتلخيص ما تقرأ ، وتدوين الفوائد ، ومراجعتها ، واحرص على تعليم الجاهل ما استفدته من العلم ، وقد قال تعالى : ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) البقرة/3 .
وانظر جواب السؤال رقم ( 10324 ) ففيه جملة من آداب طالب العلم .
ثالثاً :
وأما الكتب التي يبدأ بقراءتها بعد قراءة كتاب الله تعالى ، والحرص على حفظه : فهي كثيرة ، وقد ذكرنا أهم هذه الكتب الموثوقة ، وما يناسب كل مرحلة من مراحل طلب العلم ، فانظرها في جوابي السؤالين : (14082) و (20191)
وننبه على أن في موقعنا هذا تحت تصنيف " العلم والدعوة / العلم " جملة وافرة من الأجوبة التي يستفيد منها طالب العلم في الآداب والأحكام والنصائح .
ونسأل الله دائما أن يوفقك ، وأن ييسر لك العلم النافع ، والعمل الصالح ، ومن يهده الله تعالى فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
95294
العنوان:
تأخرت شركته في إعطائه رواتبه فماذا يصنع ؟
السؤال:
أعمل في شركة لم تسدد لي رواتبي منذ شهرين ، أي : سبتمبر ، وأكتوبر ، وعندما راجعت المالك ( صاحب الشركة ) قال: إذا صار فيه بيع وشغل أعطيك راتبك ، وإذا ما جبت ليس لك شيء ؟ وأنا متزوج وعليَّ التزامات مالية وديون قد كسرت ظهري وقلبي .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الواجب على صاحب العمل أن يتقي الله تعالى في الموظفين ، وأن يدفع لهم رواتبهم دون نقص أو تأخير ، وهو مقتضى العقد الذي بينه وبينهم .
وقد بيَّنا حرمة فعل بعض أصحاب الشركات الذين يظلمون موظفيهم بتأخير رواتبهم في جواب السؤال رقم (60407) .
وننبه إلى أن ذلك المنع من إعطاء الرواتب إن كان – فعلاً – لعجز الشركة عن دفع الرواتب بسبب عدم توفر النقد : فإنها معذورة ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/280 ، وأما إذا كان صاحب الشركة متهاوناً أو مماطلاً فإنه يكون ظالماً ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ) رواه البخاري ( 2400 ) ومسلم ( 1564 ) .
والمطل : هو تأخير أداء الحق الواجب من غير عذر .
فهذا الحديث يدل على أن المماطلة إذا كانت من غني فهي ظلم وحرام ، وإذا كانت من فقير أو عاجز عن السداد فليست بظلم ولا حرام .
"شرح مسلم للنووي"
ثانياً :
وأما بالنسبة لك أخي السائل : فإن كان أصحاب الشركة مماطلين لا عاجزين : فأمامك عدة حلول ، منها :
1. أن تنصح صاحب العمل برفق ولين لعل الله أن يلين قلبه ، ويهديه لأداء الحقوق لأصحابها ، وإذا كان صاحب العمل لا يرضى من الموظفين عنده أن يضيعوا حقه ويتهاونا في العمل ، فليعامل الناس بمثل ما يحبّ أن يعاملوه به ، فعليه أن لا يظلمهم ولا يتهاون في أداء حقوقهم .
2. أن تصبر على هذا الظلم إلى أن ييسر الله لك وتأخذ حقك كاملاً .(/1)
3. أن ترفع أمرك إلى المحكمة الشرعية ، أو لدائرة العمل ؛ لتستوفي لك حقك .
4. أن تقدِّم استقالتك من هذه الشركة ، وتبحث عن عملٍ آخر .
5. وقبل كل ذلك وبعده عليك بدعاء الله تعالى وسؤاله أن ييسر لك أمرك وأن يهدي صاحب العمل ويلين قلبه .
والله الموفق(/2)
رقم السؤال:
95296
العنوان:
من غلبه القيء فلا قضاء عليه
السؤال:
صمت ستاً من شوال واليوم الخامس كان يوم الجمعة وعند صلاة الفجر استفرغت ما أكلته دون قصد فأكملت صيامي وصمت يوم السبت أيضا فهل كان صيامي صحيحا أم خطأ؟
الجواب:
الحمد لله
صيامك صحيح ، ولا يضرك ما حصل فيه من الاستفراغ ، لأن من قاء بغير قصد وتعمد ، فصومه صحيح ، وأما من استقاء عمدا فقد أفطر ، وذلك لما روى الترمذي (720) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ – أي : غلبه- فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/23) : "ومن استقاء فعليه القضاء , ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه .
معنى استقاء : تقيأ مستدعيا للقيء . وذرعه : خرج من غير اختيار منه , فمن استقاء فعليه القضاء ; لأن صومه يفسد به . ومن ذرعه فلا شيء عليه ; وهذا قول عامة أهل العلم . قال الخطابي : لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن القيء في رمضان هل يفطر ؟
فأجاب : " إذا قاء الإنسان متعمدا فإنه يفطر ، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر ، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ....وذكر الحديث المتقدم .
فإن غلبك القيء فإنك لا تفطر ، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج وأنها سيخرج ما فيها ، فهل نقول : يجب عليك أن تمنعه ؟ لا . أو تجذبه ؟ لا . لكن نقول : قف موقفا حياديا ، لا تستقئ ولا تمنع ، لأنك إن استقيت أفطرت ، وإن منعت تضررت . فدعه إذا خرج بغير فعل منك ، فإنه لا يضرك ولا تفطر بذلك " انتهى من "فتاوى الصيام" ص (231).(/1)
رقم السؤال:
95297
العنوان:
خروج المرأة من بيتها أثناء عدة الوفاة
السؤال:
امرأة مات زوجها ، فهل تخرج من بيتها لضرورة مثل الذهاب للدكتور أو إجراءات حكومية وخلافه ؟
الجواب:
الحمد لله
المرأة في عدة الوفاة لها أن تخرج من بيتها في النهار لقضاء حوائجها ، كالذهاب للطبيب ، ومتابعة الإجراءات الحكومية إذا لم يوجد من يقوم بها بدلا عنها ، وأما الليل فلا تخرج فيه إلا لضرورة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها . لما روى جابر قال : طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) رواه النسائي وأبو داود . وروى مجاهد قال : استشهد رجال يوم أحد ، فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) : "الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك" انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95300
العنوان:
هل يقدم هدية لصديقة بمناسبة شراء منزل بقرض ربوي؟
السؤال:
أود السؤال عن حكم إعطاء هدية لشخص بمناسبة شرائه لبيت عن طريق القرض الربوي علما أني قد نصحت هذا الشخص قبل شرائه البيت ولكنه أصر فهل يجوز أن ألبي دعوته لحفلة بمناسبة شراء البيت الجديد وأن أهديه هدية للمنزل؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من وقوعه في هذا الذنب العظيم ، وإصراره عليه ، رغم نصحك له، فلا ينبغي أن تلبي دعوته في حضور احتفاله بشراء هذا البيت ، ولا أن تهدي له شيئا بهذه المناسبة ، وهو في الحقيقة يحتاج إلى من يعزيه لا إلى من يهنيه ، فإن الربا من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب ، قال الله تعالى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/276 ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278 ، 279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .
وينبغي أن تستمر في نصحه ليتوب إلى الله تعالى مما اقترف .
نسأل الله أن يغفر لنا وله ، وأن يصلح أحوال المسلمين أجمعين .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95303
العنوان:
يدفع مبلغا مقدما للمؤجر في مقابل أن يخفض له أجرة المسكن
السؤال:
انتشر عندنا في المغرب بكثرة ظاهرة رهن السكن , ولقد قمت بمراجعة الفتاوى المطروحة في الموقع , لكن قضيتي تختلف بعض الشيء , وهو أنه عندنا زيادة على دفع ثمن الرهن ، فإنني أدفع مبلغاً متواضعاً شهرياً كإيجار, مثلا ; ثمن إيجار سكن هو 1000 درهم لكن في حالة الرهن يتغير ثمن الكراء, إذ عندما أتفق مع صاحب السكن على الرهن لمدة سنة بثمن 20000 ألف درهم سوف يقوم في مقابل تسليفه المبلغ المذكور لهذه المدة بتنزيل ثمن الكراء الشهري إلى النصف, يعني 500 درهم , فما رأي سيادتكم في الأمر ؟
الجواب:
الحمد لله
ما فهمناه من سؤالك أنك ستستأجر سكنا لمدة سنة ، وتدفع مقدما قدره 20000 ، وفي مقابل ذلك سيخفض المؤجر الإيجار من 1000 درهم إلى 500 درهم ، مقابل انتفاعه بالمبلغ المقدم.
وإذا كان هذا المقدم سيعاد إليك في نهاية المدة ، فإنه يعتبر قرضا منك للمؤجر ، وهو قرض ربوي لأنه يجر منفعة لك ، وهي تخفيض الأجرة من 1000 إلى خمسمائة ، فكأنك أقرضته 20000 ليردها 20600 ، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك ، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جَرَّ منفعة . ولأنه [ يعني : التسليف ] عقد إرفاق وقربة ، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه " انتهى من "المغني" (6/436).(/1)
ولا يخفى عليك ما جاء في الربا من الوعيد الشديد ، فهو كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب ، وفاعله مُتوعَّد بالحرب من الله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ).
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد (21450) والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375)
نسأل الله لك التوفيق والسداد ، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95316
العنوان:
حكم العمل في بنك الراجحي
السؤال:
ما حكم العمل في بنك الراجحي الإسلامي ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز العمل في كل بنك إسلامي ، تنضبط معاملاته بالشرع ، وقد سئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله : ما هي البنوك التي يجوز العمل بها؟
فأجاب : " يجوز العمل في البنك الإسلامي الذي يعمل حسب القواعد التي وضعتها له الهيئة الشرعية، مثل بنك الراجحي وبنك البلاد .
ويجوز للموظف أن يعمل في ذلك البنك حتى لو خالف العمل ما يرى أنه الصواب إن كان العمل مجازا من الهيئة الشرعية للبنك.
ويجوز العمل في البنوك الآخذة بالتحول إلى بنك إسلامي مثل الجزيرة والأهلي ولكن بشرط التقيد بقرارات الهيئة الشرعية في البنك. أما العمل في بنك ربوي فلا يجوز حتى لو كان العمل في مجال مباح . والله أعلم .
وسئل أيضا : عرض علي العمل في مصرف الراجحي في قسم تكنولوجيا المعلومات بمنصب تقني وإداري. هل ترون في العمل بمصرف الراجحي بهذا المنصب أية شبهة شرعية؟
فأجاب : " لا بأس بذلك، وعليك بقراءة قرارات الهيئة الشرعية، وتثقيف نفسك بها ، ومن حولك، والالتزام بهذه القرارات. وفقك الله " انتهى ، نقلا عن موقعه : الربح الحلال .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95322
العنوان:
حكم التصوير بكاميرا الديجيتال وكاميرا الفيديو
السؤال:
ما حكم التصوير بالكاميرا الديجيتال ؟ وما حكم التصوير بالكاميرا الفيديو ؟
الجواب:
الحمد لله
التصوير بالكاميرا الديجيتال على نوعين :
الأول : أن تكون الصورة فوتوغرافية ، فهذا لا يجوز إلا إذا كان القصد من استعمال الصورة مباحا ، كالصور التي يحتاج إليها ، لإثبات الشخصية ، أو جواز السفر ، أو رخصة قيادة السيارة ، أو تصوير المجرمين للتعرف عليهم ، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة .
ولا يجوز التصوير لمجرد الذكرى والاحتفاظ بالصورة كما يفعل كثير من الناس .
وانظر جواب السؤال رقم (10326) .
الثاني : أن تكون الصورة الملتقطة بالكاميرا الديجيتال صورة متحركة كالتصوير بالفيديو ، فهذا لا بأس به ، ولا يدخل في التحريم .
لكن لا يجوز تصوير ما يعين على المعصية ، أو يغري بها ، كالنساء المتبرجات ، أو أماكن الفسق والفجور ، أو أماكن البدعة والشرك من باب التعظيم لهما ، والدلالة عليهما .
وانظر جواب السؤال رقم (10326) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
95329
العنوان:
حكم إخصاء الحيوانات
السؤال:
ما حكم خصاء الحيوانات كالأغنام والخرفان والأحصنة والبقر وغيرها في الإسلام بهدف التسمين أو أي أسباب أخري ؟ وإذا كان يحرم ذلك هل هناك بعض الحالات التي يسمح بها الإسلام ؟
الجواب:
الحمد لله
خصاء الحيوانات كالأغنام والأبقار لا حرج فيه إذا كان لمصلحة ، كالرغبة في سمنها وطيب لحمها ، وقد ضحى النبي بالخصي من الغنم ، كما روى أحمد وابن ماجه (3122) أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين موجوءين . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والوجاء هو الخصاء ، كما قال الخطابي وغيره .
وللفقهاء خلاف في هذه المسألة حاصله ما جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/112) : " قرر الحنفية أنه لا بأس بخصاء البهائم ؛ لأن فيه منفعة للبهيمة والناس .
وعند المالكية : يجوز خصاء المأكول من غير كراهة ؛ لما فيه من صلاح اللحم .
والشافعية فرقوا بين المأكول وغيره ، فقالوا : يجوز خصاء ما يؤكل لحمه في الصغر ، ويحرم في غيره . وشرطوا أن لا يحصل في الخصاء هلاك .
أما الحنابلة فيباح عندهم خصي الغنم لما فيه من إصلاح لحمها ، وقيل : يكره كالخيل وغيرها" انتهى .
وقد ورد في النهي عن إخصاء البهائم والخيل خاصة حديث ، لكنه ضعيف .
وذلك لما رواه أحمد (4769) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم . وقال ابن عمر : فيها نماء الخلق . قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند : إسناده ضعيف وقد روي موقوفا ومرفوعا وموقوفه هو الصحيح.
وقد كره مالك وغيره خصاء الخيل ، وقال : لا بأس بإخصائها إذا أكلت . "المنتقى" للباجي (7/268).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه : " وأما الخصاء فهو جائز إذا كان فيه مصلحة، ولكن يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تألم البهيمة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (37/15).(/1)
والحاصل : أن خصاء البهائم مأكولة اللحم لا حرج فيه عند جمهور العلماء ، ما دام ذلك لمصلحة ، وروعي فيه عدم تعذيب الحيوان .
وراجع السؤال رقم (10502) لمزيد الفائدة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95340
العنوان:
الفقر وآثاره السيئة ووسائل القضاء عليه في الإسلام
السؤال:
كيف حارب الإسلام الفقر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الفقر من المصائب التي قدَّر الله وقوعها ، إما على شخص بعينه أو أسرة أو مجتمع ، وللفقر آثاره السيئة على الاعتقاد والسلوك ، فإن كثيراً من المنصرين يستغلون فقر الشعوب وقلة ذات يدهم لنشر النصرانية في صفوفهم ، وكذا فإنه ينتشر بسبب الفقر من الأخلاق الرذيلة الشيء الكثير ؛ وذلك لجبر فقرهم ، وسد حاجتهم ، فينتشر بينهم السرقة ، والقتل ، والزنا ، وبيع المحرمات ، ولا شك أن لتلك الأمور أثرها السيئ على الفرد والمجتمع ، وقد ذكر الله تعالى عن المشركين أن بعضهم كان يقتل ولده فلذة كبده إما من الفقر الذي يعيشه ، أو خشية أن يصيبه الفقر ! ، قال تعالى في الصنف الأول : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) الأنعام/من الآية151 ، وقال تعالى في الصنف الثاني : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) الإسراء/31 .
وقد ورد في الصحيحين قصة المرأة من بني إسرائيل عندما احتاجت لمال وضاقت عليها الأرض فلم تجد إلا ابن عمها الذي راودها عن نفسه مقابل أن يعطيها المال ، ثم نجاها الله تعالى بعد أن ذكَّرته بالله تعالى وخوفته به .
وعلى كل حال : فقد أصبح أمراً معروفاً أن الفقر ينتج الجرائم والفساد ، ولذا فإن الأمم تعاني منه ، وعبثاً تحاول إيجاد الحلول له ، ولا حلَّ له إلا بالإسلام ، الذي جاءت أحكامه للناس جميعاً ، وإلى قيام الساعة .
ثانياً :
ومن الوسائل التي وردت في شرعنا المطهَّر لحل مشكلة الفقر ومحاربتها :(/1)
1. تعليم الناس الاعتقاد الصحيح بأن الرزق من الله تعالى ، وأنه هو الرزاق ، وأن كل ما يقدِّره الله تعالى من المصائب فلحكمٍ بالغة ، وعلى المسلم الفقير الصبر على مصيبته ، وبذل الجهد في رفع الفقر عن نفسه وأهله .
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) الذاريات/58 ، وقال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) هود/6 ، وقال تعالى : ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ) الملك/21 ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء/70 .
ومن شأن هذه الاعتقادات أن تصبِّر الإنسان على ما يصيبه من فقر ، وأن يلجأ إلى الله تعالى وحده في طلب الرزق ، وأن يرضى بقضاء الله ، ويسعى بطلب الرزق .
عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .
رواه مسلم ( 2999 ) .
ويمكننا أن نعرف أثر هذه العقيدة على المسلمين من خلال النظر في واقع غيرهم ، ففي اليابان – مثلاً – انتحر في عام 2003 ثلاثة وثلاثون ألفاً ! ومن أبرز الأسباب : البطالة ! ففي تقرير في موقع " البي بي سي " بتاريخ 1 / 9 / 2004 م قالوا :(/2)
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ثلاثة وثلاثين ألف شخص قتلوا أنفسهم العام الماضي في اليابان ، ويقول المسؤولون اليابانيون : إن من بين أسباب ارتفاع معدلات الانتحار حالة الكساد الاقتصادي التي تمر بها اليابان ، والتي تعد الأسوأ منذ خمسين عاماً ، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غبر مسبوقة ، فارتفع عدد حالات الإصابة بالاكتئاب ، وخاصة بين الرجال في مرحلة الكهولة . انتهى
قال تعالى : ( إِِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) الإسراء/30 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقوله تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) إخبار أنه تعالى هو الرزاق ، القابض ، الباسط ، المتصرف في خلقه بما يشاء ، فيُغني من يشاء ، ويُفقر من يشاء ، بما له في ذلك من الحكمة ؛ ولهذا قال : ( إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) أي : خبير بصير بمن يستحق الغنى ، ومن يستحق الفقر ... .
وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجًا ، والفقر عقوبة ، عياذًا بالله من هذا وهذا .
" تفسير ابن كثير " ( 5 / 71 ) .
2. الاستعاذة بالله تعالى من الفقر .
وقد ورد في السنة ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعلِّمه أمته ، وهو الاستعاذة بالله تعالى من الفقر ؛ لما له من أثر على النفس ، والأسرة ، والمجتمع .
عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ " فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ ، فَقَالَ أَبِي : أَيْ بُنَيَّ عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا ؟ قُلْتُ : عَنْكَ ، قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ .
رواه النسائي ( 1347 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .(/3)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ) .
رواه البخاري ( 6007 ) ومسلم ( 589 ) .
3. الحث على العمل ، والكسب ، والمشي في الأرض لكسب الرزق .
قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) الملك/15 ، وقال تعالى : ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الجمعة/10 .
عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) .
رواه البخاري ( 1966 ) .
عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ) .
رواه البخاري ( 1402 ) .
4. إيجاب الزكاة في أموال الأغنياء .
وقد جعل الله تعالى للفقراء نصيباً في الزكاة ، ويُعطى الفقير تمليكاً ، ويُعطى حتى يغتني ، ويزول فقره .(/4)
قال تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة/60 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) المعارج/24 ، 25 .
5. الحث على الصدقات ، والأوقاف ، وكفالة الأيتام والأرامل .
قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة التغابن الآية 16، وقال تعالى ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سورة سبأ الآية 39 ، وقال تعالى وقوله سبحانه وتعالى : ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ) سورة المزمل الآية 20 .
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ ) .
رواه البخاري ( 1347 ) ومسلم ( 1016 ) – واللفظ له - .
عَنْ سَهْل بنِ سَعْد قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا - ) .
رواه البخاري ( 4998 ) .
ومسلم ( 2983 ) من حديث أبي هريرة بلفظ قريب .(/5)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ ) .
رواه البخاري ( 5038 ) ومسلم ( 2982 ) .
6. تحريم الربا و القمار ، والغش في البيع .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278 ، 279 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي .
رواه مسلم ( 102 ) .
وهذه الأمور من شأن وجودها وانتشارها بين الناس أن تأخذ أموال الناس بالباطل ، وقد يفقد الناس أموالهم كلها بسببها ، لذا جاءت النصوص البينة بتحريمها .
7. الحث على إعانة المحتاج ، والوقوف بجانب الضعيف .(/6)
عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )
رواه البخاري ( 5665 ) ومسلم ( 2586 ) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(ليس المسلم الذي يشبع ويجوع جاره ) .
رواه البيهقي في الشعب (9251) وغيره ، وحسنه الألباني .
وفي موطأ الإمام مالك (1742) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا !!
فَقَالَ عُمَرُ : أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ ؟!! أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) .
وبعد :
فهذه لمحة عن حقيقة الفقر ، وفيها إشارة إلى بعض آثاره السيئة ، والمسلم يعلم أن الفقر والغنى ، والعطاء والمنع ، من تقدير الله تعالى ، فيصبر الضراء متى نزلت ، ويشكر الله تعالى على السراء إن أدركته ، لكنه مطلوب منه العمل والتكسب لرفع الفقر عن نفسه وأهله ، ومن عجز لظرف بدنه أو بلده : فإن الإسلام يرفع فقره بزكاة الفقراء وصدقاتهم ، وهو حق له في أموالهم .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
95353
العنوان:
يطلب منه شطب العيوب التي أظهرها جهاز الاختبار حتى لا يراها الزبون
السؤال:
بعد سنوات من البحث وجدت أخيرا عملاً في شركة بالقطاع الخاص لكن مشكلتي هو أنه ومن بين الأعمال المكتبية المكلف بها يطلب مني القيام بتحضير بيانات وطبعها حتى ترفق مع الملف التقني النهائي , ولعلمكم فإن هذه البيانات تصدر أوتوماتكيا من جهاز الاختبار بعد توصيله مع الأعمال المنجزة في الورش , وما يقلقني هو أنه يطلب مني معالجة تلك البيانات على الحاسوب وشطب كل العيوب التي أظهرها جهاز الاختبار في البيان التقني , مع أنه من المفروض في حالة تواجد عيوب أن يقوم العمال بالعودة عند الزبون وإصلاحها, لكن الزبون لما يرى البيان الصادر من جهاز الاختبار خاليا من العيوب فإنه يقوم بدفع الفاتورة , لأن هذا البيان له مصداقية كبيرة ويصعب تزويره إلا على برامج متطورة على الحاسوب, فأرجوكم أن تدلوني على الحل وأخرجوني من دوامة تأنيب الضمير.
الجواب:
الحمد لله
التصرف في البيانات على النحو الذي ذكرت ، غش وخداع لا يجوز ، ويترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل .
وكل من شارك في هذا الغش فهو آثم .
والواجب أن يبين للمشتري ما في الأعمال المنجزة من عيب ، فإن رضي به فذاك ، وإلا أصلحه العمال كما ذكرت .
روى مسلم (101) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (من غشنا فليس منا) .
وروى البخاري (2079) ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ).(/1)
واعلم أن الرزق أمر كتبه الله تعالى وقدره ، قبل أن يخلق السموات والأرض ، فلا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبه بمعصية الله .
قال صلى الله عليه وسلم : (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، و تستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
فالواجب عليك أن تنصح القائمين على الشركة ، وأن تبين لهم حرمة الغش وعاقبته في الدنيا بمحق البركة ، وفي الآخرة بالعذاب ، جزاء الظلم وأكل المال بالباطل ، فإن استجابوا لك فالحمد لله ، وإن لم يستجيبوا ، فاطلب الانتقال إلى عمل لا يلحقك فيه إثم ولا ذنب ، وإلا فابحث عن مكان آخر ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3
نسأل الله تعالى أن يوسع عليك في رزقك ، وأن يبارك لك في مالك ، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95364
العنوان:
هل للمرأة أن تحلق شعر رأسها ليخرج قويا بعد إصابتها بالمرض؟
السؤال:
زوجتي مرت بسرطان الثدي ، بعد العملية استخدمت العلاج الكيماوي وبعد الاستخدام بثلاثة شهور فقدت الكثير من شعرها وأخبرها الأطباء أن الشعر سيعود بعد أن تكمل ستة شهور من العلاج الكيماوي. سؤالي : إذا أكملنا العلاج بعد 6 شهور هل بالإمكان أن نحلق شعر رأسها حتى يطلع الشعر أقوى وأخشن ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله أن يشفي زوجتك ويعافيها ، وأن يرزقكما الصبر واحتساب الأجر .
ثانيا :
لا يجوز للمرأة أن تحلق شعرها إلا من عذر .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/179) : " لا يجوز للمرأة أن تحلق إلا من ضرورة ؛ لما روى الترمذي والنسائي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها ، ولما رواه الخلال بإسناده عن قتادة عن عكرمة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها . وقال الحسن : (هي مُثلة) [أي تشويه]. وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد ) يُسأل عن المرأة تعجز عن شعرها وعن معالجته أتأخذ منه؟ قال : لأي شيء تأخذه ؟ قيل له : لا تقدر على الدهن وما يصلحه وتقع فيه الدواب . قال: إن كان لضرورة فأرجو ألا يكون به بأس " انتهى .
وما ذكرته في سؤالك يعد عذراً ، فلا حرج عليها إن حلقت شعرها ليخرج أقوى وأخشن ، لأن هذا من رد الأمر إلى أصله ، ومعالجة عيب حصل في الشعر بسب المرض.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95366
العنوان:
التهرب من تولي القضاء !!
السؤال:
لماذا يأبى كثير من العلماء في الماضي والحاضر تولي مهنة القضاء ، مع أنهم مؤهلون لذلك ؟ هل في هذا نص أو أثر ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
منصب القضاء منصب شريف ، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وقد قام الأنبياء عليهم السلام ، وبعض كبار الصحابة رضي الله عنهم ، وبعض الأعلام من التابعين فمن بعدهم ، فبالقضاء العادل أمرٌ بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، ونصرة للمظلوم .
قال محمد الخادمي – رحمه الله -:
علم القضاء من أجل العلوم قدراً ، وأعزهاً مكاناً ، وأشرفها ذِكراً ؛ لأنه مقام عليٌّ ، ومنصب نبوي ، به الدماء تُعصم وتُسفح ، والأبضاع تُحرَّم وتُنكَح ، والأموال يثبت مِلكها ويسلب ، والمعاملات يُعلم ما يجوز منها ويَحرم ويُكره ويُندب ، والدليل على أن علم القضاء ليس كغيره ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ) الآية ، ومنه بُعثَ الرسلِ ، وبالقيام به قامت السموات والأرض ، وجعله عليه الصلاة والسلام من النِّعَم التي يُباح الحسد عليها بقوله ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعمل بها ) ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : " لأن أقضي يوماً أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة " ، فلذلك كان العدل بين الناس من أفضل أعمال البر وعليِّ درجات الآخرة ، قال الله تعالى ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) ، فأي شيء أشرف من محبة الله .
" بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية " ( 4 / 2 ، 3 ) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله - :(/1)
وفيه فضل عظيم لِمن قَوِىَ على القيام به ، وأداء الحق فيه ، ولذلك جعل الله فيه أجراً مع الخطأ ، وأسقط عنه حكم الخطأ ، ولأن فيه أمراً بالمعروف ، ونصرة للمظلوم ، وأداء الحق إلى مستحقه وردعاً للظالم عن ظلمه ، وإصلاحاً بين الناس ، وتخليصاً لبعضهم من بعض ، وذلك من أبواب القرب .
ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ، فكانوا يحكمون لأممهم .
وبعث صلى الله عليه وسلم عَلِيّاً إلى اليمن قاضياً ، وبعث مُعَاذاً قاضياً .
وقد روي عن ابن مسعود أنه قال : لأنْ أجلس قاضياً بين اثنين أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة .
" المغني " ( 11 / 376 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 289 ) :
ولعلوّ رتبته وعظيم فضله جعل الله فيه أجراً مع الخطأ ، وأسقط عنه حكم الخطأ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ) – متفق عليه - وإنما أُجِر على اجتهاده ، وبذْل وسعه ، لا على خطئه .
انتهى
ثانياً :
تولي القضاء قد يكون واجباً ، وقد يكون مباحاً ، وقد يحرم : فيحرم على من تولاه وهو جاهل بأحكام الشريعة ، ويباح لمن كان يحسن القضاء ويوجد غيره يقوم به ، ويجب على من يحسنه ولا يوجد غيره ليحكم بين الناس ويقضي بينهم .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
والناس في القضاء على ثلاثة أضرب :
1. منهم : من لا يجوز له الدخول فيه ، وهو من لا يحسنه ، ولم تجتمع فيه شروطه ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( القضاة ثلاثة ) – ذكر منهم رجلا قضى بين الناس بجهل فهو في النار - ؛ ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه فيأخذ الحق من مستحقه فيدفعه إلى غيره .(/2)
2. ومنهم : من يجوز له ، ولا يجب عليه ، وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد ، ويوجد غيره مثله ، فله أن يلي القضاء بحكم حاله وصلاحيته ، ولا يجب عليه ؛ لأنه لم يتعين له ، وظاهر ككلام أحمد أنه لا يستحب له الدخول فيه ؛ لما فيه من الخطر والغرر ، وفي تركه من السلامة ؛ ولما ورد فيه من التشديد والذم ؛ ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي ، وقد أراد عثمان رضي الله عنه تولية ابن عمر القضاء فأباه ، وقال أبو عبد الله بن حامد : إن كان رجلا خاملا لا يُرجع إليه في الأحكام ولا يُعرف : فالأولى له توليه ليرجع إليه في الأحكام ، ويقوم به الحق ، وينتفع به المسلمون ، وإن كان مشهوراً في الناس بالعلم ، يُرجع إليه في تعليم العلم والفتوى : فالأولى الاشتغال بذلك ؛ لما فيه من النفع ، مع الأمن من الغرر ، ونحو هذا قال أصحاب الشافعي ، وقالوا – أيضاً - : إذا كان ذا حاجة ، له في القضاء رزق : فالأولى له الاشتغال به ، فيكون أولى من سائر المكاسب ؛ لأنه قربة وطاعة ....
الثالث : من يجب عليه ، وهو من يصلح للقضاء ، ولا يوجد سواه : فهذا يتعين عليه ؛ لأنه فرض كفاية ، لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه ، كغسل الميت وتكفينه .
وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه لا يتعين عليه ، فإنه سئل : هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ؟ قال : لا يأثم .
فهذا يحتمل أنه يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه ؛ لما فيه من الخطر بنفسه ، فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره ، ولذلك امتنع أبو قلابة منه ، وقد قيل له ليس غيرك ، ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإنَّ أحمد قال : لا بد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس ؟ .
" المغني " ( 11 / 376 ) .
وبعض أهل العلم أجرى الأحكام الخمسة في القضاء ، وهي التحريم والإيجاب والندب والكراهة والإباحة .(/3)
انظر : " معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام " للشيخ علاء الدين الطرابلسي – رحمه الله - ( ص 10 ) .
ثالثاً :
لبعض الأئمة أقوال في التحذير من تولي القضاء ، وعظم خطر هذا المنصب ، ومن ذلك :
1. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لو يعلم الناس ما في القضاء ما قضوا في ثمن بعرة ! ولكن لا بد للناس من القضاء ، ومن إمرة ، برة أو فاجرة .
" أخبَارُ القُضاة " لأبي بكر الضبي الملقب بـ" وكيع " ( ص 21 ) .
2. عن المعلى بن روبة قال : قال لي رجاء بن حيوة : ولَّى الأميرُ اليوم عبدَ الله بن موهب القضاءَ ، ولو اخترت بين أن أحمل إلى حفرتي وبين ما ولي ابن موهب : لاخترت أن أُحمل إلى حفرتي ؛ فقلت له : فإن الناس يتحدثون أنك أنت أشرت به ؛ قال : صدِّقوا ، لأني نظرت للعامة ، ولم أنظر له.
" أخبَارُ القُضاة " ( ص 23 ، 24 ) .
3. عن مكحول قال : لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحب إلى من أن ألي القضاء .
4. عن رافع ، أن عمر بن هبيرة دعاه ليوليه القضاء ؛ فقال : ما يسرني أني وليت القضاء ، وأن سواري مسجدكم هذا لي ذهباً .
5. قال الفضيل بن عياض : إذا ولي الرجل القضاء : فليجعل للقضاء يوماً ، وللبكاء يوماً .
6. عن ابن شبرمة قال : لا تجترئ على القضاء حتى تجرئ على السيف .
" أخبَارُ القُضاة " ( ص 24 ) .
رابعاً :
قد عزف كثير من الأئمة عن تولي القضاء ، بل وقبَل بعضهم بالضرب والسجن على توليه ، وهرب بعضهم من بلده من أجل أن لا يتولى القضاء ، ويمكن إجمال أسباب عزوف أولئك الأئمة عن القضاء بالأسباب التالية :
1. أنه يرى نفسه ليس أهلاً للقضاء ، فالمعروف عن القضاء أنه يحتاج لسعة بال ، وذكاء ، وفطنة ، وقد يرى الإمام العازف عن القضاء نفسه غير محقق لتلك الشروط .
قال الشيخ علاء الدين الطرابلسي – رحمه الله - :(/4)
قال بعض الأئمة : وشعار المتقين " البعد عن هذا والهرب منه " ، وقد ركب جماعة ممن يقتدى بهم من الأئمة المشاق في التباعد عن هذا وصبروا على الأذى .
وانظر إلى قضية أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - في الامتناع منه وصبره على الإيذاء حتى تخلص ، وكذا غيره من الأئمة .
وقد هرب أبو قِلابة إلى مصر لما طلب للقضاء فلقيه أيوب فأشار إليه بالترغيب فيه ، وقال له : لو ثبتَّ لنلتَ أجراً عظيماً ، فقال له أبو قلابة : الغريق في البحر إلى متى يسبح ؟ ! .
وكلام أبي قلابة هذا ومن تقدمه وما أشبه ذلك من التهديد والتخويف : إنما هو في حق من علم في نفسه الضعف ، وعدم الاستقلال بما يجب عليه ، وكذلك من يرى نفسه أهلا للقضاء والناس لا يرونه أهلا لذلك .
وقد قال بعض العلماء : لا خير فيمن يرى نفسه أهلا لشيء لا يراه الناس أهلا لذلك .
والمراد بالناس : العلماء ، فهرُبُ مَن كان بهذه الصفة عن القضاء واجب ، وطلبه سلامة نفسه أمر لازم .
" معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام " ( ص 9 ) .
2. أنه يرى أنه غير واجب عليه ، ولا مستحب ، بل إن قولاً للإمام أحمد يحتمل أن يكون معناه : أنه لا يجب عليه حتى لو تعيَّن الأمر عليه ، ولم يوجد غيره .
3. أن فيه خطراً في الحكم بخلاف الحق ، فيخشى العالِم على نفسه من تولي القضاء من أجل ذلك .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
وفيه – أي : القضاء - خطر عظيم ، ووزر كبير ، لمن لم يؤدِّ الحق فيه ، ولذلك كان السلف رحمة اللّه عليهم يمتنعون منه أشد الامتناع ، ويخشون على أنفسهم خطره .
" المغني " ( 11 / 376 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 289 ، 290 ) :(/5)
كان كثير من السلف الصالح يحجم عن تولّي القضاء ويمتنع عنه أشد الامتناع حتى لو أوذي في نفسه ؛ وذلك خشيةً من عظيم خطره ، كما تدلّ عليه الأحاديث الكثيرة والتي ورد فيها الوعيد والتخويف لمن تولى القضاء ولم يؤدّ الحق فيه ، كحديث : ( إن الله مع القاضي ما لم يجر ، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان ) ـ [ رواه الترمذي وابن ماجه ، وحسنه الألباني ] ـ ، وحديث : ( من ولي القضاء أو جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكّين ) – [ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني ] - ، وحديث : ( القضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ، رجل قضى بغير الحقّ فعلم ذاك فذاك في النار ، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ، وقاض قضى بالحقّ فذلك في الجنة ) – [ متفق عليه ] - . انتهى
4. عدم القدرة على تحمل بلاء القضاء .
قال الشيخ أبو الحسن النباهي – رحمه الله - :
ولما تقرر من بلاء القضاء : فرَّ عنه كثير من الفضلاء ، وتغيبوا ، حتى تركوا ، وسُجن بسببه عند الامتناع آخرون ، منهم أبو حنيفة ، وهو النعمان بن ثابت ، دعاه عمر بن هبيرة للقضاء ، فأبى ؛ فحبسه ، وضربه أياماً ، كل يوم عشرة أسواط ، وهو متماد على إبايته ، إلى أن تركه .
" تاريخ قضاة الأندلس " ( ص 7 ) .
5. انشغالهم بما هو أهم ، كانشغالهم بالرحلة في طلب العلم ، وتعليم الناس .
وأخيراً : إذا كان الأئمة الأربعة – كما يروى عنهم - قد امتنعوا عن القضاء : فإن الأنبياء الكرام عليهم السلام والخلفاء الراشدين الأربعة قد تولوه ، وباب الورع واسع لمن أراد التورع عنه .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 290 ) :(/6)
فقد تقلده – أي : القضاء - بعد المصطفى صلوات الله عليه وسلامه الخلفاء الراشدون ، سادات الإسلام وقضوا بين الناس بالحقّ ، ودخولهم فيه دليل على علوّ قدره ، ووفور أجره ، فإن من بعدهم تبع لهم ، وَوَلِيَهُ بعدهم أئمة المسلمين من أكابر التابعين وتابعيهم ، ومن كره الدّخول فيه من العلماء مع فضلهم وصلاحيتهم وورعهم ، محمول كرههم على مبالغة في حفظ النفس ، وسلوك لطريق السلامة ، ولعلهم رأوا من أنفسهم فتوراً أو خافوا من الاشتغال به الإقلالَ من تحصيل العلوم .
انتهى
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
95378
العنوان:
التعامل مع شركة تبيع الذهب بنظام التسويق الهرمي
السؤال:
شركة تبيع الذهب فإذا اشترى منها قطعة من الذهب بمبلغ 800 دولار أصبح عضوا في الشركة فإذا جاء بستة مشتريين واشتروا من الشركة أصبح عضوا فعالا وله أرباح مستمرة من قبل الشركة على الدوام حسب مبيعاتها فهل يجوز المشاركة في هذه الشركة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الاشتراك في الشركات التي تقوم فكرتها على التسويق الهرمي ، لاشتمال هذه المعاملة على القمار وأكل أموال الناس بالباطل ، والتغرير بهم ، وخداعهم لتحقيق أرباح وهمية ، لا يحققها إلا النادر جدا من المشتركين في هذه الشركات ، وقد سبق الكلام على ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (40263) ، (42579) ، (45898) .
ثم إن كانت الشركة تبيع الذهب ، والذهب لا يصل للمشتري إلا بعد أيام من إجراء العقد ، فهذا محذور آخر ؛ فإنه يشترط في بيع الذهب بالنقود استلام الذهب والثمن في مجلس العقد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناس مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام، فلا يجوز شراء الذهب بشيء من العملات إلا يدا بيد .
فإذا كان المشترك يسدد قيمة الذهب أولا ، ثم يرسل له الذهب عن طريق البريد ، أو شركات الشحن ، فقد انتفى التقابض يدا بيد ، فيكون هذا البيع محرما .(/1)
وبعض هذه الشركات تعطي خيار الشراء بالتقسيط ، وهذا وجه آخر للتحريم ؛ فإن الذهب لا يجوز بيعه بالتقسيط ، بل يجب أن يباع يدا بيد كما سبق .
والحاصل : أن الشركات القائمة على نظام التسويق الشبكي أو الهرمي ، لا يجوز الدخول فيها ، لبناء معاملتها على القمار والميسر وأكل المال بالباطل ، وتضمنها للربا ، في حالة بيعها الذهب بالتقسيط ، أو في حالة تأخر تسليم الذهب عن مجلس العقد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95383
العنوان:
مباشرة الزوجة في الصوم من غير جماع
السؤال:
ما حكم من نام مع زوجته في نهار رمضان من غير ملابس وتمت ملامسة الأعضاء التناسلية من غير إيلاج ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا لم يتم الإيلاج ، ولم ينزل المني ، فصومك صحيح ، ولا شيء عليك .
وأما المذي فنزوله لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله ، وراجع السؤال رقم (37715) .
وللصائم أن يداعب زوجته وأن يقبل ويضم ويباشر (أي تمس بشرته بشرتها) إذا أمن ألا ينزل وألا يجامع ، وانظر السؤال رقم (49614) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95389
العنوان:
استعمال الكمبيوتر أثناء الدوام لأغراض شخصية
السؤال:
أنا طبيب اختصاصي أعمل صباحا في مستشفى حكومي جامعي ولدي بعض أوقات الفراغ خلال الدوام هل أستطيع خلال هذه الأوقات الاستفادة من جهاز الحاسوب الموجود في المستشفى من أجل تحضير المحاضرات وبعض البحوث العلمية ، أم يعتبر ذلك استخداما لأغراض شخصية ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا في وقت فراغك ، ولا يسبب لك إرهاقا يؤثر على عملك ، ولا تستهلك به شيئا من المال العام ، كالورق ونحوه ، فلا حرج فيه .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95403
العنوان:
يشتري ثلاث قطع من الأراضي ثم يبيع منها اثنتين
السؤال:
هناك ثلاثة أراضٍ ستباع كل أرض بـ20000 ريال وجميعها بـ 45000 ريال هل يجوز لي أن أشتري الثلاثة الأراضي إذا علمت أن هناك شخصين سيشريان اثنتين من الأراضي بـ20000 ريال وأنا أحتفظ بالثالثة...وأنا أعرف هؤلاء المشتريين؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز لك أن تشتري هذه القطع من الأراضي ب 45000 ريال ، ثم تبيع منها قطعتين ب 40000 وتحتفظ بالثالثة لنفسك .
وقد اشترى عروة بن الجعد رضي الله عنه شاتين بدينار ثم باع إحداهما بدينار ، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة . رواه البخاري (3643) .
والمهم أن يكون شراؤك للأرض شراء مباحا ، ليس فيه وظلم ولا اعتداء على حق أحد .
ولا تبع شيئا منها حتى تملكها ملكا تاما ؛ لما روى أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي (4613) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه، ثم ابتاعه له من السوق قال: (لا تبع ما ليس عندك) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
فلا يجوز لك أن تبيع الأرض لهذين الرجلين قبل أن تقوم بشرائها ؛ ولكن اشترها أولاً ، ثم بعها لهم إن شئت .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95409
العنوان:
حكم اللعب بالطاولة
السؤال:
ما حكم لعبة الطاولة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز اللعب بما يسمى ب "الطاولة" لاشتمالها على "النرد" وهو محرم تحريما شديدا ؛ لما روى مسلم (2260) عن بريدة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ).
و"النردشير" هو تلك المكعبات المكتوب عليها أرقام ويلعب بها ، وتسمى "الزهر" .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " قَالَ الْعُلَمَاء : النَّرْدَشِير هُوَ النَّرْد , وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي تَحْرِيم اللَّعِب بِالنَّرْدِ ... وَمَعْنَى ( صَبَغَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه فِي حَال أَكْله مِنْهُمَا ) وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا " انتهى باختصار .
وروى أبو داود (4938) وابن ماجه (3762) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ). والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ورواه أحمد (19519) بلفظ : (من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله) وحسنه الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وهذه الأحاديث تدل على تحريم اللعب بالنرد (الزهر) ، فكل لعبة دخل فيها الزهر فهي حرام، ولا يختص ذلك بلعب الطاولة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/171) : " فصل في اللعب : كل لعب فيه قمار , فهو محرم , أي لعب كان , وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه , ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته . وما خلا من القمار , وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين , ولا من أحدهما , فمنه ما هو محرم , ومنه ما هو مباح ; فأما المحرم فاللعب بالنرد . وهذا قول أبي حنيفة , وأكثر أصحاب الشافعي " انتهى .(/1)
وقد نقل الزيلعي الإجماع على تحريم اللعب بالنرد . "تبيين الحقائق" (6/32) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/210) : " لا يجوز اللعب بالنرد ولو كان بغير عوض ، خصوصا إذا شغل عن أداء الصلاة في وقتها ، فالواجب ترك ذلك ؛ لأنه من اللهو المحرم " انتهى .
هذا حكم اللعب بالطاولة بصفة عامة ، فإن أضيف إلى ذلك اشتمالها على الرهان ، أو الحلف الكاذب ، أو إشغالها عن الصلاة ، كانت أشد تحريما .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95410
العنوان:
إذا لم يأت بسجود السهو الواجب
السؤال:
وإذا لم يسجد لسجود السهو في الواجب فماذا عليه إن كان بمفرده أو مع الإمام؟
الجواب:
الحمد لله
إذا تعمد المصلي ترك سجود السهو الواجب ، بطلت صلاته ، كتعمد ترك أي واجب من واجباتها .
وأما إذا نسي السجود للسهو ، فإن تذكر بعد السلام أتى به ، إلا إذا طال الفصل أو خرج من المسجد ، فلا شيء عليه ، وصلاته صحيحة .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين : عن رجل نسي التشهد الأول فعلم أنه يجب عليه سجود سهو قبل السلام ولكنه نسي وسلم فما الحكم ؟
فأجاب : "إن ذكر في زمن قريب سجد ، وإن طال الفصل سقط ، مثل أن لا يذكر إلا بعد مدة طويلة ، فلو خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد ويسقط عنه" انتهى .
"فتاوى ابن عثمين" (14/50) .
وإذا نسي الإمام سجود السهو فلا ينفرد المأموم بسجود السهو ، بل يسلم مع الإمام ثم يذكره بعد السلام بسجود السهو ، فيسجد الإمام ويسجد معه المأموم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95418
العنوان:
دفع الزكاة لطالب العلم الدنيوي
السؤال:
أختي متزوجة من رجل لا يعمل إلا في بعض الأحيان ولكنه أيضا بخيل ولا ينفق عليها وأولادها , وهي تعمل وتتحمل كل نفقات البيت والآن مجبرة على تكملة تعليمها لشهادة أعلى وإلا فصلت من عملها وينقصها المال فهل يجوز أن أعطيها زكاة مالي ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز دفع الزكاة لطالب العلم الدنيوي ، الذي لا يجد نفقاته ، إذا كان العلم الذي يدرسه علما مباحا ، ويحتاج إليه ، ليتمكن من العمل أو الحصول على وظيفة ، لأن الحصول على هذه الشهادة أصبح حاجة ماسة ، يتوقف عليها العمل والتوظف غالبا .
قال المرداوي في "الإنصاف" (3/218) : " واختار الشيخ تقي الدين : جواز الأخذ من الزكاة لشراء كتب يشتغل فيها بما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه . انتهى , وهو الصواب " انتهى .
وعلى هذا ، فلا حرج من إعطائك أختك زكاة مالك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95439
العنوان:
إذا كرر العمرة ولم يكن له شعر يحلقه فماذا يفعل
السؤال:
قام بعمل عمرة ولبس الملابس العادية بدون حلق شعر الرأس ، بحجة أنه ليس برأسه شعر ، (حيث إنه قد قام بعمل عمرة قبلها بيومين) وقد سأل شيخا وقد نصحه بذلك وأن هذا هو إحلال إحرامه فهل هذا الحكم صحيح أم عليه فدية ؟
الجواب:
الحمد لله
من اعتمر وحلق رأسه وتحلل من عمرته ، ثم اعتمر مرة أخرى قريبا ، ولم ينبت له شعر ، فلا يلزمه إمرار الموسى على رأسه ، بل إذا فرغ من سعيه تحلل ولا شيء عليه . وأما إذا نبت شعر ولو يسيرا ، فإنه يمر الموسى عليه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " : الأفضل للمتمتع أن يُقصر فإذا حلق يحلق يوم العيد .
السائل : يوم العيد ما يجد شيئاً .
الشيخ : لكن لا بد أنه ينبت ، الشعر يتبين خلال يوم وليلة ، يكفي أن يمر الموسى على هذا " انتهى من "شرح كتاب الحج من صحيح البخاري".
وقال في شأن الأصلع الذي لا شعر برأسه مطلقا : " وذكر أيضاً [أي ابن قدامة] في هذا الفصل أنه لو كان الإنسان أقرع الرأس ليس له شعر فإنه يسقط عنه الحلق والتقصير لعدم المحل كما لو قطعت يده فإنه لا يلزمه أن يغسل بدلها العضد ولكن يقول : يستحب أن يمر الموسى على رأسه . هذا فيه نظر ، إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات في هذا الصلع فيحتاط : فنعم ، وعليه يحمل حديث ابن عمر إن كان ثبت عنه . وأما إذا تيقن أنه ليس هناك شعرات فإمرار الموسى على الرأس عبث ، وهذا كقول بعض العلماء إن الرجل الأخرس إذا أراد أن يقرأ يحرك لسانه وشفتيه وهذا لا معنى له ، والصواب أنه إذا كان أقرع الرأس فإنه لا يسن له إمرار الموسى على رأسه لعدم الفائدة فهو عبث ، والشريعة لا تأتي بالعبث إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات يسيرة فالأولى من باب الاحتياط أن يفعل " انتهى من "شرح كتاب الكافي لابن قدامة" .(/1)
وبناء على ذلك فإن كان المسئول عنه لم ينبت له شعر ، لكونه حلق رأسه قبل يومين ، فلا شيء عليه ، وعمرته صحيحة ، وإن كان نبت له شيء من الشعر فإنه كان يجب عليه أن يمر الموسى على رأسه ، فإن لم يفعل ، فإنه يظل على إحرامه ، ويجب عليه الآن أن يتجرد من المخيط ، ويحلق أو يقصر شعره ، وبهذا يتحلل من عمرته ، ولا شيء عليه فيما ارتكبه من محظورات جهلا بأن تحلله من العمرة لم يتم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95474
العنوان:
سمح لهم المدير باحتساب نصف اليوم دواما كاملا مضاعفا
السؤال:
أنا موظف اشتغل في إحدى الشركات الخاصة وفي أيام العيد المبارك تكون هناك إجازة اختيارية تعود للموظف إذا أراد الدوام في وقت العيد ويحسب له وقت إضافي في العمل أو أنه يعطل لمدة 5 أيام كإجازة رسمية ، فاخترت الدوام وفي أول يوم من الدوام قال لي مديري المباشر : سوف نقوم بتقسيم الأشخاص إلى قسمين ناس تحضر أول الدوام وتطلع في منتصفه ، وناس تحضر نص الدوام وتداوم إلى نهاية الوقت أي أصبح وقت دوامنا بدل 8 ساعات أصبحنا نداوم 4ساعات وذلك لعدم وجود شغل لدينا أو شغل خفيف أو أن الموجودين سيتكفلون بإنهاء الشغل لحين مجيئنا ولكننا في الأصل يحسب لنا دوام 8 ساعات ونحن لا نداوم إلا 4 ساعات وجميع الموظفين بالشركة قاموا بذلك بعد استشارة المدير المباشر والأعلى منه فوافق على ذلك فما الحكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان ما ذكرت قد حصل بموافقة المدير المباشر ومن فوقه ، بسبب عدم وجود أعمال تستوجب الدوام الكامل ، وكان لهما الصلاحية في تحديد وقت العمل ، فلا حرج في ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل استأذن من مسئوله المباشر في الغياب من العمل وأذن له ، فما حكم راتبه ؟
فأجاب :
"إذا استأذنت منه (أي المسئول المباشر عندك) وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن ، يجب عليك أن تحضر ولو أذن لك بالغياب ، وأما إذا كان العمل لا يحتاج إليك وأذن لك صاحبه المباشر ، فأرجو ألا يكون في ذلك بأس " انتهى .
الباب المفتوح" (14/السؤال 17) .
وبنحو ذلك أجاب الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ، وقد ذكرنا فتواه في جواب السؤال رقم (85055) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95487
العنوان:
تبغض زوجها وتخشى أن تقع في الزنا إذا استمرت معه
السؤال:
أنا متزوجة من خمس سنوات ولست على وفاق مع زوجي ولا أطيعه وتم الانفصال مرتين وهو ضعيف جنسيا عندما عدت إليه هذه المرة أشعر أني لا أطيقه ولا أرغب في العيش معه ولكن سبب رجوعي إليه ابني وقد ارتكبت جريمة الزنا أريد التوبة وتكفير هذا الذنب العظيم ولكني أشعر أن استمراري معه سيؤدي إلى استمراري في هذا الذنب هل أنفصل عنه للمرة الثالثة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الزنا ذنب عظيم ، وجرم كبير ، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج ، فبدلت نعمة الله كفرا ، وخانت زوجها ، ودنست عرضه ، ولوثت فراشه . ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت ، نكالا من الله عز وجل ، والله عزيز حكيم .
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده ، ويمهله ، ويدعوه للتوبة ، ويقبلها منه ، ويثيبه عليها ، فما أرحمه ، وما أعظمه ، وما أكرمه سبحانه وتعالى .
قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك ، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك ، وكوني على حذر من النفس الأمارة بالسوء أن تغتري بحلم الله عليك ، وستره لك ، فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل ، ويغضب فينتقم .
ثانيا :(/1)
يجب عليك أن تسدي كل باب إلى الحرام ، من تبرجٍ أو اختلاط أو مراسلة أو مهاتفة ، وهذا من تمام توبتك واستقامتك ، وأن تحذري من خطوات الشيطان ، فإن للشيطان خطوات ومقدمات يستدرج بها أولياءه ، كما قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21
ثالثا :
إذا كنت لا ترغبين في البقاء معه ، ولا تطيقينه ، وتخشين مع ذلك أن تقعي في الزنا ، فلا حرج عليك في طلب الطلاق ، لكن ينبغي أن تتدبري في عاقبة هذا الأمر وحالك بعده ، واستخيري الله تعالى قبل أن تقدمي عليه ، وراجعي السؤال رقم (11981) لمعرفة ما يتعلق بصلاة الاستخارة
ومما يدل على جواز طلب الفراق عند بغض الزوج وعدم احتمال البقاء معه ، ما رواه البخاري في صحيحه ( 4867 ) أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. [ زاد ابن ماجة (2056) : لا أطيقه بغضاً ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ) .
ومعنى : " ولكني أكره الكفر في الإسلام " : أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه .. ونحو ذلك .
انظر "فتح الباري" (9/400).(/2)
ولكننا نشير عليك قبل الإقدام على طلب الطلاق أن تجتهدي في الإصلاح أولاً ، فإن الطلاق مما يكرهه الله تعالى ولا يحبه ، فحاولي أن توسطي رجلاً عاقلاً من أهلك يكلم زوجك ويتعرف على أسباب المشكلة ويحاول التوفيق بينكما ، وما ذكرتيه من ضعفه يمكن التفاهم مع زوجك فيه بكل صراحة ، فإن الله لا يستحي من الحق ، وإن كان الأمر مرضاً عارضاً فلا حرج من عرضه على الطبيب .
فإن ضاقت بك السبل ولم تنفع محاولات الإصلاح ، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى من طلب الطلاق .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
95500
العنوان:
أرجع زوجته في عدتها بفتوى وجاءت بفتوى مضادة وتزوجت غيره !
السؤال:
كنت متزوجاً بامرأة ، ولي منها ابن ، وحصل بيني وبينها خلاف ، فطلقتها ، وأثناء فترة العدة حصلتْ مشادة كلامية بيني وبين أخيها ، فأقسمت وقلت " إن لم تعد فلانة إلى بيتي قبل الفجر فهي طالق بالثلاثة " ، فمنعها أخوها ، ولم تعد ، ولم أكن حينها قد راجعتها ، وبعد فترة قليلة استفتيتُ فأُخبرت أني يجوز أن أراجعها ، ولم أستقص هل وقعت الطلقة الثانية أم لا ، وبعد فترة سنتين وقعت إشكالية كبيرة كان للأهل دور كبير فيها ، فطلقتها ، إلا أني وأثناء فترة العدة التقيت بطليقتي ، ووقع بيننا ما يقع بين الأزواج ، فاستفتيت أحد العلماء العاملين في القضاء في بلدي فأفتاني كتابيّاً أن الطلقة التي لم أستقص عنها لا تقع حيث إن طلاق المطلقة لا يقع ، وأن الرجعة بمواقعتي لها صحيحة ، وأشهدت بذلك اثنين من الزملاء ، وأعلمت بذلك زوجتي ، ولم أُعلم أهلها بسبب حدة الخلاف العائلي ، وغضب أهلي مني إن علموا أني أرجعتها ، إلا أني طلبت منها أن تصبر على ذلك ويستمر أمر الرجعة سرّاً حتى أتمكن من الاستقلال عن أهلي ، وبعد مرور عام كنت ألتقي فيه بها سرّاً ويحصل بيننا أحيانا ما يكون بين الأزواج ، أنعم الله عليَّ بفرصة السفر إلى الخارج لإكمال الدراسة ، فاتصلت بها قبل سفري ب 10 أيام وأخبرتها أن مشكلتنا جعل الله لها حلاًّ ، وطلبت منها الانتظار شهراً أو شهرين ، وسأخبرها كيف فتح الله عليَّ ، وسافرت ولم أخبرها ، وبعد سفري بأسبوع تفاجأت بأهلي يخبرونني أن طليقتي ( كما يظنون ) تزوجت ! فأسقط عليَّ ولم أدر كيف أتصرف وأنا في الغربة ، ولم أصدِّق ، فحاولت الاتصال بزوجتي فأخبرتني أنها ظنت أنني كنت أخدعها طول الفترة ، وأني غدرت بها ؛ لأنها علمت أن فترة السفر لن تقل عن 5 سنوات ، وادَّعت أنها استفتت عالماً في الراديو هل تعتبر مواقعة الزوجة بغير نية الرجعة(/1)
رجعة أم لا فأفتاها بوجوب النية . فاستفتيت وأُخبرتُ أنه من حقي أن أرفع قضية التفريق ، أو أن أطلقها ، على أن أبلغهم لكي تعتد من الطلاق ، مع العلم أنهم زوجوها من غير أن يأخذوا مني ورقة الطلاق ، وهو الشيء الذي كنت أعتمد عليه أن أبلغهم حين يطلبون ورقة الطلاق .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن أحب أعمال جنود إبليس عنده هي التفريق بين الزوجين ، ولا تزال الشياطين تتنافس بينها للحصول على شرف التقرب من إبليس والحوز على المكانة العالية عنده .
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ : ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ - وَيَلْتَزِمُهُ - وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ ) رواه مسلم ( 2813 ) .
وما نراه ونسمعه ونقرؤه من أفعال الأزواج يدل على نجاح الشياطين في مهامها ، فنِسَب الطلاق في البلدان الإسلامية مهولة ، ولو رجعت إلى أسبابها لرأيت القليل منها بسبب الدين ! وأكثرها على أشياء تافهة من الدنيا ، فيتعجل الزوج ويغضب ويطلق ، ثم يكون تفريق الأسرة وتشتيتها ، وضياع الأولاد ودمارهم .
فلعلَّ من يقرأ هذا أن يتأنى في طلاقه ، وأن يحرص على لم شمل أسرته وإسعادهم ، وأن يتجنب الطلاق ، حتى لا يُدخل الشقاء على نفسه وأسرته .
ثانياً :(/2)
ومن حيث العموم : فكثير من مسائل الطلاق فيها خلاف بين العلماء ، وما يعلمه الزوج من الأحكام قبل تلفظه بالطلاق : فإنه يلزمه العمل بما يعلم ، وما كان جاهلاً به : فإنه إن سأل من يثق بدينه وعلمه وأفتاه بشيء : فإنه يلزمه الأخذ به ، ولا يحل له التنقل بين العلماء للحصول على فتوى أخرى ، ولا ينبغي له التشكك في أثرها ، فهو قد أدى ما أمره الله تعالى به من سؤال أهل الذِّكر ، وأوجب عليه الاستجابة للحكم ، وبخاصة إن كان ذلك الحكم صادراً من قاضٍ شرعي ، فحكم القضاء يفصل في مسائل الخلاف ، وجواب العالم الموثوق للسائل يلزمه الأخذ به .
ثالثاً :
وما قاله له ذلك العالم من أن الطلاق لا يقع على المطلقة ، قد اختاره جماعة من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية ، واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين .
رابعاً :
وما قاله لك العالِم من أن جماعك لزوجتك يُعتبر إرجاعاً لها هو مذهب الحنفية والحنابلة ، ولا حرج عليك من الأخذ بهذا القول لأنك فعلت ما أمرت به وهو سؤال أهل العلم ، والمسألة من مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد .
والرواية الثانية : تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو ، اختارها ابن حامد والقاضي ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي" انتهى .
" المغني " ( 8 / 482 ) .
ونرى أن إعلامك زوجتك بالفتوى وإرجاعك لها ، وإشهادك شاهدين على الإرجاع : قد يكون طريقاً منفصلاً عن الجماع في كونه إرجاعاً ، فإعلامك لها وللشاهدين هو تصريح منك بإرجاعها .
وعلى كل حال فأنتَ قد استفيتَ وأُفتيت بكونها راجعة ، وإعلامك لها وإشهادك مقوٍّ للإرجاع إن لم يكن مستقلاًّ .(/3)
وعليه : فلا عبرة بما ادعته زوجتك من كونها استفتت أحداً من أهل العلم فأفتاها بعدم الرجعة لكون الجماع كان بغير نية الإرجاع ، لأنك قد استفتيت وأعلمتها بالفتوى وأشهدت على ذلك ، وبهذا تكون قد تمت الرجعة في كامل صورتها ، وليس من سبيل للزوجة لمخالفة هذا .
خامساً :
إخبار أهلك أو أهل زوجتك ليس شرطاً في الإرجاع ، بل إن إخبار الزوجة نفسها ليس شرطاً ، فقد يُرجع الزوج زوجته الرجعية وهي بعيدة عنه ، فلا يشترط إخبارها ولا رضاها .
قال تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً ) البقرة/228 .
قال القرطبي رحمه الله :
وأجمع العلماء على أن الحُرَّ إذا طلق زوجته الحرة ، وكانت مدخولاً بها ، تطليقة ، أو تطليقتنين : أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها ، وإن كرهت المرأة .
" تفسير القرطبي " ( 3 / 120 ) .
وكان الأولى إخبار أهلها بكونك أرجعتَ زوجتك لعصمتك ، وعدم إعلامك قد تسبب في فعل منكر شنيع ، وهو قيامهم بتزويجها ، ظانين أن طلاقك وغيابك يجعل ابنتهم مطلقة طلاقاً تملك فيه النكاح .
وقد أمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة بقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) الطلاق/2 ، من أجل قطع النزاع وتذكير الناسي ، وتنبيه الغافل عن عدد الطلقات .
وقد أشار الفقهاء في حالة عدم الإشهاد على الرجعة أنه قد يحصل نزاع وشقاق بحصول الرجعة من عدمها ، وأن المرأة قد تتزوج من آخر مدعية أنه لم تحصل رجعة .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 22 / 114 ) :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إعلام الزّوجة بالرّجعة مستحبّ ، لما فيه من قطع المنازعة الّتي قد تنشأ بين الرّجل والمرأة .(/4)
قال العينيّ ما نصّه : " ويستحبّ أن يعلمها " أي يعلم المرأة بالرّجعة ، فربّما تتزوّج على زعمها أنّ زوجها لم يراجعها وقد انقضت عدّتها ويطؤها الزّوج ، فكانت عاصيةً بترك سؤال زوجها وهو يكون مسيئاً بترك الإعلام ، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحّت الرّجعة ، لأنّها استدامة النّكاح القائم وليست بإنشاءٍ ، فكان الزّوج متصرّفاً في خالص حقّه ، وتصرّف الإنسان في خالص حقّه لا يتوقّف على علم الغير " انتهى .
وعليك الآن : رفع قضيتك للمحكمة الشرعية ، مع إبراز الفتوى الكتابية من ذلك العالم ، وإحضار الشاهدين ، لتثبت من خلال ذلك إرجاع زوجتك لعصمتك .
وإن استطعت إفهام الجميع هذا الأمر ، دون اللجوء للمحكمة الشرعية : فحسنٌ .
وننبهك إلى أنك لو لم تكن تريد الرجوع إليها فإنه لا يحل لك السكوت عن الأمر ، فيمكنك بعد تسوية الأمر تطليقها إن أردت ، لكن اعلم أن سكوتك يعني بقاء نكاحها الثاني غير الشرعي مستمرّاً ، وهذا أمر منكر شنيع .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن ييسر لك الخير .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
95515
العنوان:
هل يجوز الاشتراط على المقترض أن يدفع فرق سعر العملة إذا نقصت ؟
السؤال:
أنا طالب في إحدى الجامعات البريطانية ، وبصفتي طالب بريطاني فالحكومة ها هنا تعطيني قرضاً لكي أتم دراستي ، القرض هذا - كما يكتب في شروطه - أنه ليس بربوي يسقط بعد 25 عاماً من تاريخ أخذه ، لا يدفع إلا إذا أصبح الطالب يعمل ويتقاضى راتباً فوق الخمسة عشر ألف باوند ، لكنه فيه ما يعرف بالتضخم ، أي : إذا نزلت قيمة العملة بمقدار 0.01 بالمائة يجب عليَّ دفعها ، سألت كثيراً ، بعض هيئات الفتوى في أوروبا أفتاني بالجواز ، وكذا بعض المشايخ ، وبعض المشايخ أفتى بحرمة ذلك فلا أعلم فماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لمن استدان من أحدٍ مالاً أن يلتزم بإرجاع قيمته وقت القرض ، بل يجب عليه أداء القرض بمثل ما أخذه لا بقيمته ، وهذا قول جمهور العلماء قديماً وحديثاً ، وهو ما تفتي به المجامع الفقهية المعاصرة ، وهذا في حال أن تبقى العملة متداولة ، كما هي ولو تغير سعر صرفها .
أما إذا ألغيت العملة بالكلية وصار الناس لا يتعاملون بها : فهنا للعلماء فيها أقوال :
فمنهم من قال : على المدين القيمة وقت القرض .
ومنهم من قال : إن المعتبر قيمتها وقت المنع .
وقال آخرون : المعتبر قيمتها وقت الوفاء .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
" وأقرب شيء أن المعتبر : القيمة وقت المنع ؛ وذلك لأنه ثابت في ذمته " عشرة فلوس " إلى أن مُنعت ، يعني : قبل المنع بدقيقة واحدة لو طلبه لأعطى عشرة فلوس ، ولكان الواجب على المقرض قبولها ، فإذا كان كذلك : فإننا نقدرها وقت المنع " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 9 / 104 ) .(/1)
هذا هو الحكم في حال إبطال العملة ، والعمل بغيرها ، أما إذا كانت العملة باقية ويتعامل بها الناس: فإن الواجب أداؤها كما هي ، ولو تغير سعر صرفها بالنسبة لغيرها ، ولو اختلفت القوة الشرائية ، ولو حصل تضخم ، وهذا نص قرار " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " وهو كافٍ وافٍ في المسألة :
قرار رقم : 115 ( 9 / 12 ) :
بشأن موضوع
" التضخم وتغير قيمة العملة "
إن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية ، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ - 1 رجب 1421هـ ، الموافق 23 – 28 أيلول ( سبتمبر ) 2000 م .
بعد اطلاعه على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم ( بحلقاتها الثلاث بجدة ، وكوالالمبور ، والمنامة ) وتوصياتها ، ومقترحاتها ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء .
قرر ما يلي :
أولاً : تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42 ( 4 / 5 ) ونصه :
" العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل ، وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيّاً كان مصدرها بمستوى الأسعار " .
ثانياً : يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها ، وذلك بأن يعقد الدين بما يلي :
أ. الذهب أو الفضة .
ب. سلعة مثلية .
ج. سلة ( مجموعة ) من السلع المثلية .
د. عملة أخرى أكثر ثباتاً .
هـ. سلة ( مجموعة ) عملات .
ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين ؛ لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلاً .(/2)
وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى ( الربط بتلك العملة ) أو بسلة عملات ، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 ( 6 / 8)
ثالثاً : لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي :
أ. الربط بعملة حسابية .
ب. الربط بمؤشر تكاليف المعيشة ، أو غيره من المؤشرات .
ج. الربط بالذهب أو الفضة .
د. الربط بسعر سلعة معينة .
هـ. الربط بمعدل نمو الناتج القومي .
و. الربط بعملة أخرى .
ز. الربط بسعر الفائدة .
ح. الربط بمعدل أسعار سلة من السلع .
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير ، وجهالة فاحشة ، بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه ، فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود .
وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد : فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه ، ومشروط في العقد : فهو ربا .
وهذا القرار من المجلس يوافق ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله - .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها ، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية ، زادت أو نقصت .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 146 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 23388 ) فسؤاله مطابق لسؤالك ، ويكتمل الجواب بما ها هنا وهناك .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
95517
العنوان:
مات وترك إخوة وأخوات أشقاء ولأب
السؤال:
رجل تزوج امرأة وأنجب منها 5 أولاد و3 بنات ثم توفيت تلك المرأة ثم تزوج امرأة ثانية وأنجب منها 2 أولاد و 4 بنات ثم توفي ذلك الرجل وترك ميراثا هو بساتين وبيوت تم بيع بعض البساتين وتمت القسمة حسب الشرع وبعد سنوات توفي أحد أبناء الزوجة الثانية ( هذا الابن غير متزوج ) ووالدته على قيد الحياة ولم يتم تقسيم بقية الإرث . السؤال: هل يرث الابن ما تبقى من تركة أبيه ؟ علما أن هذا الابن حصل على بعض منها أثناء حياته ولمن تكون حصته وكيف تكون القسمة ؟ أرجو التفصيل وأصح أقوال أهل العلم .
الجواب:
الحمد لله
إذا توفي الرجل وترك مالا ، فإنه يقسم بين ورثته كما أمر الله ، وذلك بعد سداد ديونه وتنفيذ وصيته .
وعليه فهذا الابن المسئول عنه ، له نصيبه الكامل من ميراث أبيه ، من البساتين والبيوت وغيرها ، وإذا توفي انتقل نصيبه إلى ورثته .
فالواجب النظر أولا في ميراثه من أبيه ، وتحديد هذا الميراث ، ما قسم منه ، وما لم يقسم ، ثم ينتقل نصيبه هذا إلى ورثته ، وهم : أمه ، وأخوه الشقيق ، وأخواته الشقيقات (الأربع). وأما إخوانه وأخواته من جهة الأب ، فليس لهم من ميراثه شيء لأنهم محجوبون بوجود الأخ الشقيق .
وعلى هذا فيكون لأمه السدس ، والباقي للأخ الشقيق وأخواته الشقيقات ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95520
العنوان:
توفي عن زوجة وأخت شقيقة وإخوة لأب ذكورا وإناثا
السؤال:
توفي شخص وترك زوجة بدون أولاد وأختا شقيقة وأربعة من الأب ثلاثة ذكور وبنت ، ووالداه متوفيان ، فكيف تتم عملية تقسيم الإرث فيما بينهم ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان ورثة المتوفاة هم من ذكر في السؤال ، فتقسم التركة كما يلي :
للزوجة الربع ؛ لقوله تعالى : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ) النساء/12 .
وللأخت الشقيقة النصف ، لقوله تعالى: ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) النساء/176.
والباقي وهو الربع يأخذه الإخوة لأب ، الذكور والإناث ، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لقوله تعالى: ( وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) النساء/176 .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95528
العنوان:
إذا علق الطلاق على فعل الغير ففعله ناسيا
السؤال:
إذا قال الزوج لزوجته : أنت طالق إذا خرجت ، فأطاعته ولم تخرج إلا بإذنه ، ولكن مرة من المرات نسيت وخرجت دون أن تقول له ، فهل الطلاق يقع أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من قال لزوجته : أنت طالق إن خرجت ، فإن خرجت ذاكرة مختارة ، وقع الطلاق عند جمهور الفقهاء .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الطلاق المعلق إن أراد صاحبه منعها من الخروج ، ولم يرد الطلاق : أنه يلزمه كفارة يمين في حال خروج الزوجة ،ولا يقع بذلك طلاق .
أما إن قصد الطلاق ، فإنه يقع عند حصول الأمر المعلق عليه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم .
ثانيا :
إذا فَعَلَ ما عَلَّق عليه الطلاق ناسيا ، وقع طلاقه عند جمهور الفقهاء ، خلافا للشافعية ، وأحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ، وصوبها المرداوي في "الإنصاف" (9/114).
وكذلك لو علق الطلاق على فعل الغير ، ففعله ناسيا ، كما في الصورة المسئول عنها ، فلا يقع الطلاق عند الشافعية ، وهو الراجح . لكنهم اشترطوا أن يكون هذا الغير ممن يبالي بكلام الزوج ويتحاشى مخالفته ، أما إذا كان لا يبالي بكلامه ، فإن الطلاق يقع مع نسيانه .
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/301) : " وكذا لا تطلق إن علّق بفعل غيرٍ من زوجةٍ أو غيرها ، وقد قصدَ بذلك منعه أو حثه وهو ممن يبالي بتعليقه فلا يخالفه فيه ، لصداقة أو نحوها ، وعلم بالتعليق ففعله الغير ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً .
وإن لم يقصد منعه أو حثه ، أو كان ممن لا يبالي بتعليقه كالسلطان ، أو لم يعلم به ففعله كذلك [أي : ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً] طلقت لأن الغرض حينئذ مجرد التعليق بالفعل من غير قصد منع أو حث " انتهى بتصرف .
ومثل ذلك قال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/178) .(/1)
وأفتى الشيخ ابن باز رحمه الله فيمن علق الطلاق على أمر ثم فعله ناسيا ، أنه لا تطلق زوجته " لأن من شرط وقوعه أن يكون متعمدا فعل ما علق عليه الطلاق ، والناسي لم يتعمد شرعا ". "فتاوى الشيخ ابن باز" (22/47) .
تنبيه : على القول بعذر الناسي ، فإن يمين الطلاق أو الطلاق المعلق يظل كما هو ، فإن خرجت الزوجة بدون إذن زوجها ، بلا عذر من نسيان أو إكراه ، وقع الطلاق إن كان قد أراد الطلاق ، فإن لم يكن أراده فعليه كفارة يمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95561
العنوان:
يدل غيره على شراء سلعة مقابل عمولة من البائع
السؤال:
أحد أصدقائي يعمل في مجال بيع الماكينات وقد باع ماكينة لأحد المصانع ، وأعمل الآن بهذا المصنع لتشغيل تلك الماكينة . أحد أصحاب المصانع المنتجة لنفس المنتج الذي ينتجه المصنع الذي أعمل به طلب مني عنوان صديقي الذي باع لنا الماكينة لأنه يريد شراء مثلها . السؤال: هل أعطي له عنوان صديقي لشراء الماكينة ؟ أنا خائف أن تكون خيانة لصاحب المصنع الذي أعمل فيه. ( مع العلم أنه يوجد العديد من المصانع لديه هذه الماكينة ) بمعنى أنه ممكن يحصل عليها من مورد آخر. ( مع العلم أيضا أني سوف أحصل على مبلغ من المال من صديقي المورد فقط ، مقابل هذا البيع ).
الجواب:
الحمد لله
الذي فهمناه من سؤالك أنك ستدل أحد المصانع على صديقك ليشتري منه ماكينة تنتج نفس المنتج الذي ينتجه المصنع الذي تعمل فيه ، وأن هذه الماكينة متوفرة عند صديقك وعند غيره ، وأنك ستأخذ مبلغا من المال مقابل هذه الدلالة ، وهذا لا حرج فيه ؛ لأنه من باب السمسرة ، وليس فيه خيانة لصاحب العمل .
وأجرة السمسار ( الدلال ) يجوز أن تكون مبلغا محددا ، ويجوز أن تكون نسبة من ثمن السلعة المباعة كـ 5% من ثمن السلعة ونحو ذلك .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/131) : " يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل الدلالة عليها ، ويستحصلها من البائع أو المشتري ، حسب الاتفاق ، من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى .
وجاء فيها (13/130) أيضاً :
السؤال : أخذت زبونا إلى أحد المصانع أو المحلات لشراء بضاعة ، فأعطاني صاحب المصنع أو المحل عمولة على الزبون . هل هذا المال حلال (العمولة)؟ وإذا زاد صاحب المصنع مبلغا معينا على كل قطعة يأخذها الزبون ، وهذه الزيادة آخذها أنا مقابل شراء الزبون لهذه البضاعة ، فهل هذا جائز ؟ إذا كان غير جائز فما هي العمولة الجائزة ؟(/1)
الجواب : إذا كان المصنع أو التاجر يعطيك جزءا من المال على كل سلعة تباع عن طريقك ؛ تشجيعا لك لجهودك في البحث عن الزبائن ، وهذا المال لا يزاد في سعر السلعة ، وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة ، حيث إن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون - فهذا جائز ولا محذور فيه.
أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل ، يزاد على المشتري في ثمن السلعة ، فلا يجوز لك أخذه ، ولا يجوز للبائع فعل ذلك ؛ لأن في هذا إضراراً بالمشتري بزيادة السعر عليه " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95565
العنوان:
إذا أحس الصائم بطعم الدم في حلقه
السؤال:
هل عندما نحس بمذاق الدم في الحلق ونبصق قليلا منه في الصيام هل يجب علينا قضاؤه ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أحس الصائم بطعم الدم في حلقه ، فلا يضره ذلك ولو ابتلعه ، لكن إن خرج إلى الفم ثم ابتلعه ، أفطر .
ومثل هذا يقال في البلغم والنخامة وكل ما يعرض في الحلق .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "وأنبه على مسألة النخامة والبلغم ، فإن بعض الصائمين يتكلف ويشق على نفسه فتجده إذا أحس بذلك في أقصى حلقه ذهب يحاول إخراجه ، وهذا خطأ ، وذلك لأن البلغم أو النخامة لا تفطر الصائم إلا إذا وصلت إلى فمه ثم ابتلعها فإنه يفطر عند بعض العلماء ، وعند بعض العلماء لا يفطر أيضاً .
وأما ما كان في حلقه ونزل في جوفه فإنه لا يفطر به ولو أحس به ، فلا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في محاولة أن يخرج ما في حلقه من هذا الأذى" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/356) .(/1)
رقم السؤال:
95568
العنوان:
هل له أن يقتل من أراد أخذ ماله بالقوة
السؤال:
خرج عليَّ رجل مسلم ، وأراد أن يأخذ منى مالي بالقوة ، وأراد أن يقتلني ، وأتيحت لي الفرصة كي أقتله ؛ ما حكم الدين في ذلك إن قتلته ؟
الجواب:
الحمد لله
من اعتُدي عليه وأريد أخذ ماله ، فله أن يدفع عن نفسه ، بأيسر طريق ممكن ، ولو أدى ذلك إلى قتل المعتدي ، لكنه لا يقصد القتل ابتداء .
وقد دل على ذلك ما رواه مسلم (140) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ . قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " فَفِيهِ جَوَاز قَتْل الْقَاصِد لِأَخْذِ الْمَال بِغَيْرِ حَقّ سَوَاء كَانَ الْمَال قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِعُمُومِ الْحَدِيث . وَهَذَا قَوْلٌ لِجَمَاهِير الْعُلَمَاء . وَقَالَ بَعْض أَصْحَاب مَالِك لَا يَجُوز قَتْله إِذَا طَلَبَ شَيْئًا يَسِيرًا ، كَالثَّوْبِ وَالطَّعَام ؛ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَالصَّوَاب مَا قَالَهُ الْجَمَاهِير . وَأَمَّا الْمُدَافَعَة عَنْ الْحَرِيم فَوَاجِبَة بِلَا خِلَاف . وَفِي الْمُدَافَعَة عَنْ النَّفْس بِالْقَتْلِ خِلَاف فِي مَذْهَبنَا وَمَذْهَب غَيْرنَا . وَالْمُدَافَعَة عَنْ الْمَال جَائِزَة غَيْر وَاجِبَة وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا تُعْطِهِ ) فَمَعْنَاهُ لَا يَلْزَمك أَنْ تُعْطِيَهُ وَلَيْسَ الْمُرَاد تَحْرِيم الْإِعْطَاء " انتهى .(/1)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (32/318) تحت عنوان : القتال دفاعا عن العرض والنفس والمال : " إذَا تَعَرَّضَ شَخْصٌ لِإِنْسَانٍ يُرِيدُ الِاعْتِدَاءَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ : فَإِنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ بِأَسْهَلِ طَرِيقَةٍ مُمْكِنَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ إلَّا بِالْقِتَالِ قَاتَلَهُ , فَإِنْ قُتِلَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَإِنْ قُتِلَ الْمُعْتَدِي فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ ..." . اهـ وهذا تلخيص مذاهب الفقهاء ، من حيث الجملة ، ولهم ـ بعد ذلك ـ تفاصيل فيما يتعلق بالدفع عن النفس أو العرض أو المال من أحكام .
ومعنى الدفع بالأيسر : أنه إن اندفع المعتدي بالقول ، لم يجز الضرب ، وإن لم يندفع بالقول جاز أن يضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به ، فإن ظن أن يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديدة ، وإن ولى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه ، وإن ضربه فعطله لم يكن له أن يثنّي عليه ، فإن خاف أن يبادره الصائل بالقتل ، فله أن يضربه بما يقتله ويقطع طرفه . ينظر : "كشاف القناع" (6/154).(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الآدمي لو صال على آدمي آخر ليقتله أو يأخذ ماله أو يهتك عرضه ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله. فإن قال قائل: ما هو الدليل في مسألة الآدمي؟ الدليل: أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً سأله وقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يطلب مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد) لكن بشرط: ألا يندفع إلا بالقتل، أما إذا كان يندفع بدون القتل فإنه لا يجوز أن تقتله، كما لو كنت أقوى منه ، وتستطيع أن تمسك به وتأسره وتسلم من شره لا يجوز لك أن تقتله، لأنه يدفع بالأسهل فالأسهل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (82/12) بتصرف يسير .
ومع هذا التفصيل الذي يذكره الفقهاء ينبغي أن تُراعى مسألة أخرى ، وهي المفسدة التي قد تترتب على ضرب المعتدي أو قتله ، في حال عدم التمكن من إثبات الاعتداء ، مما قد يعرض الإنسان للسجن أو العقوبة ، أو المفسدة التي قد تنشأ بسبب ثأر المجرم أو ورثته . فقد يكون دفع المال هو أهون الشرّين في بعض الأحيان .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
95572
العنوان:
هل يتزوج نصرانية من عرب إسرائيل ؟
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد تعرفت على امرأة مسيحية من عرب إسرائيل ، وتريد أن نتزوج ، وتعتنق الإسلام ، وتترك ذلك البلد ، وتعيش معي في بلدي ، وتبعد تماما عن هذا المجتمع ، وتكون مسلمة ، ولكن هناك مشاكل وعقبات كثيرة كما تعلمون من الأقرباء والغرباء ولا أعلم ماذا أفعل ، أرجو المساعدة والنصيحة ، أأكمل معها أم أتركها في ظل تلك المشاكل - مع العلم أني أريدها أن تسلم وتبتعد عن هذا المجتمع - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اعلم أولاً أنك قد أخطأت بذلك التعرف على تلك المرأة الأجنبية ، وقد وضع الإسلام ضوابط مهمة في علاقة الرجل بالنساء الأجنبيات ؛ حفاظاً على المسلم والمسلمة من الوقوع فيما حرَّمه الله عليهما ، وفي ذلك حفظ للمجتمعات من انتشار الفواحش والمنكرات ، وليس هذا فقط في علاقة المسلم بالمسلمة الأجنبية ، بل يشمل التحريم فعل ذلك مع الكافرات ، وقد يسوِّل له الشيطان هذه المعصية بحجة الدعوة إلى الله .
وقد بيَّنا حكم المراسلات والمكالمات مع الأجانب ، فانظر أجوبة الأسئلة : ( 22101 ) و ( 26890 ) و ( 23349 ) و ( 10221 ) .
ثانياً :
وأما بالنسبة لحكم الزواج بالكافرات : فإنه حرام ، إلا أن تكون كتابية – يهودية أو نصرانية - ، وقد يظن المسلم أن كل امرأة تعيش في أمريكا أو أوربا فهي نصرانية ، أو أنها إن كانت تعيش مع اليهود فهي يهودية ، وهذا خطأ ، فكما أنه يوجد من ينتسب للإسلام اسماً وهو علماني أو شيوعي : فكذلك يوجد عندهم – وبكثرة – من ينتسب لدين بلده دون أن يكون لذلك واقع في حقيقة الأمر ، ولذا فمن أراد الزواج بغير المسلمة : فلا بدَّ من تحقيق شروط في المرأة ، وهي :(/1)
1. أن تكون كتابيَّة – يهودية أو نصرانية – ولو كانت ملتزمة بدينها المحرَّف ؛ فإن هؤلاء هم من أباح الله تعالى التزوج بهنَّ ، قال تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... ) المائدة/5 .
وأما الملحدة والبوذية والمجوسية : فلا يجوز التزوج بهن ، قال تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) البقرة/221 .
2. أن تكون عفيفة ، ليست تمارس الزنا ، ولا تتخذ العشاق ؛ لقوله تعالى في آية المائدة السابقة ( وَالمُحْصَنات ) ، وهنَّ العفيفات .
3. أن تكون الولاية للمسلم ، فلا تشترط عليه الزواج في الكنيسة ، ولا أن يكون الأولاد تبعاً لها ، ولا غير ذلك مما فيها عزة لها ولدينها على حساب دينه ، قال تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) النساء/141 .
وهذا الشرط معدوم فيمن يتزوج امرأة من بلاد الغرب ؛ لأنه سيتحاكم لقوانينهم ، وسيجعلون الوصاية لحكوماتهم على جميع أولاده ، وستقف حكومات أولئك النسوة وسفاراتهم معهنَّ في حال أراد الذهاب بأولاده إلى بلاد المسلمين دون رغبتها .
ومع القول بجواز نكاح الكتابية ، إلا أن الشرع المطهر رغَّب بالزواج من مسلمة ذات دين ؛ لأن حياة المسلم مع زوجته حياة كاملة وشاملة ففيها العفاف ، وغض البصر ، وحفظ البيت والأولاد ، ورعايتهما ، وهذه الأشياء ومثيلاتها لا تتحقق إلا من امرأة مسلمة متدينة .(/2)
وانظر جواب السؤال رقم ( 12283 ) - مهم - ، وجوابي السؤالين : ( 20227 ) و ( 45645 ) ففيهما زيادة بيان وتوضيح لمفاسد الزواج من غير المسلمة .
ثالثاً :
والذي ننصحك به هو أن تربط بين هذه المرأة وأخوات مسلمات من أقاربك أو غيرهن من الداعيات إلى الله لحثها على الإسلام ، وإقناعها بالدخول فيه رغبة به ؛ لأنه يُخشى أن يكون إسلامها مشوباً بتعلقها بك ، وعليه : فسيكون إسلاماً في الظاهر ليس له حقيقة في واقعها ، كما أنه إن بقيت على كفرها فإنك لا تستطيع الزواج بها إلا برضا وموافقة وليها الكافر – وتنتقل الولاية للسلطان المسلم – على قول لبعض أهل العلم - في حال امتناع وليها الكافر من تزويج المسلم لإسلامه ، أو في حال عدم وجود من تنتقل له الولاية من أهلها ممن هو على دينها - ، أما عندما تكون مسلمة فإنه إن لم يوجد من هو مسلم من أوليائها : فسيكون القاضي الشرعي أو من يقوم مقامه وليّاً لها ؛ لأنه لا ولاية لكافرٍ على مسلمة .
فإذا أسلمت فإننا نرى تخليصها من بيئتها بالزواج منها ، والانتقال معها إلى بلدك ، على أن تحرص على أن لا تقع في معصية قبل ذلك من النظر إليها ، والخلوة بها ، ومصافحتها ، إلى أن تعلم إسلامها عن رغبة وقناعة ، ويحسن إسلامها ، وتتزوجها وفق الكتاب والسنَّة .
ويجب على المسلم أن يحتاط في أمر الزواج من الكتابيات ، وممن أسلمت بسبب تعلقها بالزوج المسلم ؛ فإنه لا يؤمن أن يكون إسلامها رغبه في قضاء حاجتها العاجلة ، لا عن قناعة تامة بالدين الذي انتقلت إليه ، وهو ما قد يؤثر على حياته وتربيته لأولاده ، وفي كلا الصنفين خطر عليه وعلى أولاده ، وتزداد الحيطة إذا كانت يهودية أو كانت تعيش بين اليهود ؛ لما عُرف عن اليهود من المكر والكيد للمسلمين ، واستغلال النساء لذلك الكيد والمكر .
وانظر جواب السؤالين ( 20884 ) و ( 33656 ) ، ففيهما بيان كيفية دخول المرأة في الإسلام .(/3)
ونوصيك بصلاة الاستخارة ، وتجد تفصيلها في جوابي السؤالين ( 2217 ) و ( 11981 ) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة الصادقة ، وأن يهديها للدخول في الإسلام ، وأن يجمع بينكما على خير إن أسلمت وحسن إسلامها .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
95575
العنوان:
زوجها يطلب منها خلع الحجاب
السؤال:
ماذا تفعل الزوجة إذا طلب منها زوجها خلع الحجاب مع العلم أنها حاولت جاهدة أن تقنعه بفرضيته وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان المراد من ذلك أنه يأمرها بكشف شعرها ورقبتها ....إلخ فهذا أمر بمعصية الله تعالى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن علماء المسلمين لم يختلفوا في وجوب تغطية المرأة شعرها ورقبتها وذراعيها ، فلا يجوز لها أن تتخلى عن حجابها طاعةً لزوج أو أب ؛ بل تثبت وتصر على موقفها ، وتستعين في ذلك بصالح أهله وأهلها ومن له تأثير على زوجها.
قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 ، وقال سبحانه : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 .
فالواجب على هذا الزوج أن يسلم لحكم الله ، وأن يرضى بقضائه ، وألا يعترض على أمره ، وأن يعين زوجته على سلوك طريق الهداية والاستقامة ، لا أن يصدها عن سبيل الله ويدعوها إلى معصيته .
ولكن ....إذا كان المراد من خلع الحجاب الوارد في السؤال أنه يأمرها بكشف وجهها وكفيها فقط ، وستر ما سوى ذلك ، وخشيت أن يصل الأمر إلى الطلاق ، وكان عليها ضرر من الطلاق ، فنرجو ألا يكون عليها حرج في كشف وجهها وكفيها ، وتكون مكرهة على ذلك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95577
العنوان:
هل يجوز للمرأة أن تصلي خارج المسجد بحيث يراها الرجال ؟
السؤال:
بالنسبة لصلاة المرأة عندنا في رمضان تمتلئ المساجد ولله الحمد ولذلك يقيمون لنا أماكن خارج المسجد تكون مستترة للصلاة وهناك بعض النساء ممكن أن تتخذ مكاناً خارج المكان المحدد نظرا للضيق الموجود أنا كنت إذا وجدت المكان ممتلئا أعود دون تأدية الصلاة إلى البيت لكن اليوم كنت أناقش سيدة في الأمر وقالت لي إنه لا يوجد دليل على أن هناك أمر يمنع من صلاة المرأة في هذا المكان ما دام ستخرجين وتكلمين السائق أو البائع فما المانع من أن يراك تصلين وكذلك أخبرتني بأن النساء تصلي بجانب الرجال في الحرم ، للأسف لم أكن أمتلك أي حديث يثبت أن رأيها خطأ أو أنني على صواب ووعدتها أنني سآتيها بالرد الشافي بعد البحث في الغد إن شاء الرحمن أرجو أن توضحوا لي ، وأيضا مسألة أن النساء تصلي بجانب الرجال بالحرم لماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز للمرأة أن تخرج للصلاة في المسجد مع الجماعة ، سواء كان ذلك في صلاة الفرض أو التراويح ، لكن صلاتها في بيتها خير لها .
روى أحمد (27135) عن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ( أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ . قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي ) حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
ثانيا :(/1)
إذا صلت المرأة في المسجد ، فالأفضل لها أن تكون بعيدة عن الرجال ، ولهذا جاء تفضيل صفوف النساء الخلفية على صفوفهن الأمامية ، لبعدها عن الرجال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى في مكانه قليلاً لا ينصرف ، من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال .
روى مسلم (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ، وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا ، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا).
ثالثا :
لا حرج على المرأة فيما لو صلت في مكانٍ يراها فيه الرجال ، كالمسجد الحرام ، أو ساحة المسجد ، أو حيث احتاجت للصلاة في برّ ونحوه ، بشرط أن تستر جميع بدنها ، حتى وجهها وكفيها على الراجح . وذلك أن المرأة مأمورة بستر الوجه والكفين عن الأجانب ، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم ( 11774 ) ورقم (21536) .
وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء
" س: كيف تصلي المرأة إذا كان معها أجانب مثلا في المسجد الحرام ؟ وكذلك في السفر إذا لم يوجد في الطريق مسجد به مصلى للحريم؟
فأجابوا : إن المرأة يجب عليها ستر جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفين لكن إذا صلت وبحضرتها رجال أجانب يرونها وجب عليها ستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة"(7/339)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95588
العنوان:
والده يجحد وجوب الصلاة ويسب الصحابة فما حكمه وكيف يتعامل معه ؟
السؤال:
الحمد لله الذي هدانا وأنعم علينا بنعمة الإسلام ، أنا بدأت بالالتزام منذ أشهر قليلة ، وأبي يحاربني في ذلك ، أبي لا يصلي ؛ لأنه لا يعترف أن الصلاة فرض ، بل ويسب بعض الصحابة ، ويتكلم عن السيدة عائشة ، ويتكلم بالسوء عن الصالحين أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ، ويشكك في أي حديث شريف ، ويتحيز كثيراً للشيعة ، ويعاملني أنا وأمي وإخوتي معاملة سيئة ، بل ويهين أمي ، ولا يدع أخي الصغير يذهب إلى المسجد بحجة المذاكرة ، ويمنعني أن أتحدث إلى إخوتي في أمور الدين ، ولا يحب أن ينصحه أحد ، ولا يطيق سماع القرآن ، ولا سماع البرامج الدينية ، ويتهمها بالتضليل ، وكلما يراني أشاهد برنامجاً دينيّاً يغيِّر القناة . فما هو حكمه في الشرع ؟ وكيف أستطيع التعامل معه ؟ مع العلم أنه أنا والحمد لله أعامله معاملة طيبة ، وأدعو له ، ولكنه يهينني ، ويقول لإخوتي إنني إرهابي ، ويشجعهم على سماع الأغاني ، وعدم مشاهدة البرامج الدينية ، وعلى عدم سماع كلامي . أرجو الرد على سؤالي ، وجزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك في مصيبتك ، ونسأله تعالى أن يهدي والدك قبل أن يأتيه أجله .
أما حكم والدك : فقد أتى بأفعال وأقوال يوجب بعضها كفره وخروجه من الملة ، فكيف بها مجتمعة ؟! ومن ذلك : تركه للصلاة حتى لو كان كسلاً ، وجحده لفرضيتها ، وهذان أمران يكفرانه ، ويخرجانه من ملة الإسلام ، أما الأول : فعلى الصحيح من أقوال أهل العلم في حال تركها كسلاً ، وأما الثاني فبالاتفاق ، ولكن لا خلاف في أن تارك الصلاة إن تركها جحوداً لفرضيتها أنه كافر خارج من ملة الإسلام .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
أجمع العلماء على أن تارك الصلاة ، الجاحد لوجوبها كافر ، وأنه يقتل كفراً ما لم يتب .(/1)
" أضواء البيان " ( 4 / 335 ) .
ووالدك لم يترك الصلاة كسلاً ، بل تركها جحوداً لفرضيتها ، وإنه لو كان تركها كسلاً لكفر : فكيف وقد تركها جحوداً لها ؟! .
وأما سبُّه لبعض الصحابة : فالظاهر أنه لا يستثني في سبه إلا بعض الصحابة ! لا أنه يسبُّ بعضهم ، والذي ظهر لنا من سؤالك أن والدك معتقد لمذهب الرافضة الخبيث ، والذي يَحكم على الصحابة بالردة إلا عدداً قليلاً منهم ، وهذا موجب لكفرهم ؛ ومن لم يحكم بكفرهم من العلماء : فإنه يحكم بسجنهم حتى التوبة أو الموت .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول : أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم ، أو أن عامتهم فسقوا : فهذا كفر ؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم ، بل من شك في كفر مثل هذا : فإن كفره متعين ؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار ، أو فساق .
الثاني : أن يسبهم باللعن والتقبيح ، ففي كفره قولان لأهل العلم ، وعلى القول بأنه لا يكفر : يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال .
الثالث : أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم ، كالجبن والبخل : فلا يكفر ، ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك ، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الصارم المسلول " ونقل عن أحمد في ( ص 573 ) قوله : " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص ، فمن فعل ذلك : أُدب ، فإن تاب ، وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع " .
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 5 / 83 ، 84 ) .
ومن لوازم الطعن في الصحابة رضي الله عنهم : الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الإسلام ، وفي رب العباد سبحانه وتعالى .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/2)
إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي اله عنهم فقط ، بل هو قدح في الصحابة ، وفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي شريعة الله ، وفي ذات الله عز وجل :
- أما كونه قدحاً في الصحابة : فواضح .
- وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحيث كان أصحابه ، وأمناؤه ، وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق .
وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر ، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم .
- وأما كونه قدحاً في شريعة الله : فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل الشريعة : هم الصحابة ، فإذا سقطت عدالتهم : لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة .
- وأما كونه قدحاً في الله سبحانه : فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق ، واختارهم لصحبته ، وحمل شريعته ونقلها لأمته .
فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة رضي الله عنهم .
ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم ، ونعتقد أن محبتهم فرض ، وأن الكف عن مساوئهم فرض ، وقلوبنا - ولله الحمد - مملوءة من محبتهم ؛ لما كانوا عليه من الإيمان ، والتقوى ، ونشر العلم ، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول ، أو عمل .
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - ( 8 / 616 ) .
ولذا فلا عجب أن يحكم علماء الإسلام بالزندقة على كل من ينتقص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - :
قال إمام عصره أبو زرعة الرازي - من أجلِّ شيوخ مسلم - : إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله : فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة ، فيكون الجرح به ألصق ، والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق .(/3)
" الصواعق المحرقة " ( 2 / 608 ) .
وكذلك يقال في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كفر وردة .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم ( 954 ) .
ومن لم يسلم منه صحابة النبي صلى الله عليه فلن يسلم منه أئمة الهدى من بعدهم كالتابعين ومن تبعهم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وبسبهم على الصحابة وطعنهم في دينهم فإنهم يحكمون على أنفسهم أنهم على دينٍ غير ديننا .
ثانياً :
أما عن كيفية التعامل مع والدك :
فلا بدَّ لك من سلوك طرق شتى في بيان الحق له ، والسعي الحثيث في هدايته ، ولا تيأس ولا تمل من هذا ، فهو باعتقاده وأقواله وأفعاله قد خرج من الإسلام خروجاً كليّاً ، وعليك تدارك الأمر بما تراه نافعاً له ، ونوجهك إلى أمورٍ ، منها :
1. وجوب التبرؤ من اعتقاده وأقواله وأفعاله .
2. التلطف في إيصال الحق له .
3. تنويع طريق الدعوة وبيان الحق ، فالمناظرات التي جرت بين أهل السنة وبين الرافضة كانت قاصمة ظهر لهم ، فيمكنك الاستعانة بها ، لتقنعه برؤيتها وسماعها ، وكذا يوجد من الأشرطة السمعية والكتب ما يكفي لدعوة هؤلاء المنتقصين من الصحابة ، وما يُرد به على شبهاتهم .
4. السعي نحو عدم تأثير والدك على أمك وأشقائك ، حتى لا تتوسع دائرة الكفر والردة .
5. الدفاع عن نفسك بأخلاقك وسلوكك الحسن معه ومع أهل بيتك .
6. عدم اليأس من هدايته ، والاستمرار في دعوته ، عن طريقك مباشرة ، وعن طريق غيرك ممن يعرفهم ويثق بهم من أهل السنَّة .
7. مداومة الدعاء له ، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر ، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
كيف نعامل الرجل الذي يسب الأصحاب الثلاثة ؟ .
فأجابوا :(/4)
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة ، وقد أثنى الله عليهم في كتابه ، قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، وقال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ، إلى غير هذا من الآيات التي أثنى الله فيها على الصحابة ، ووعدهم بدخول الجنة ، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من هؤلاء السابقين ، وممن بايع تحت الشجرة فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان ، فكانت شهادة له ، وثقة منه به ، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم ، في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً ، وخاصة أبا بكر وعثمان وعليًّا ، وبشَّر هؤلاء بالجنة في جماعة آخرين من الصحابة ، وحذَّر من سبهم فقال : ( لا تسبُّوا أصحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه ) رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ، - ورواه البخاري من حديث أبي هريرة - .
فمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو شتمهم ، وخاصة الثلاثة : أبا بكر وعمر وعثمان المسؤول عنهم : فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بمذمته إياهم ، وكان محروماً من المغفرة التي وعدها الله مَن تابعهم واستغفر لهم ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلا على المؤمنين .(/5)
ومِن أجل ذمّه لهؤلاء الثلاثة وأمثالهم : يجب نصحه ، وتنبيهه لفضلهم ، وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قَدم صدق في الإسلام ، فإن تاب : فهو من إخواننا في الدين ، وإن تمادى في سبهم : وجب الأخذ على يده ، مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان ، ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده : فبقلبه ، وهذا هو أضعف الإيمان ، كما ثبت في الحديث الصحيح .
" فتاوى إسلامية " ( 1 / 12 ) .
ونسأل الله أن يوفقك في مسعاك ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يهدي والدك .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
95736
العنوان:
تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني ، وهل يفدي قبل أن يقضي ؟
السؤال:
إحدى الأخوات دخل عليها رمضان ، وعليها ستة أيام من رمضان الذي قبله , بعد انقضاء رمضان الثاني سألتني عما يلزمها , وبعد أن سألتُ وقرأتُ قلتُ لها إن عليها القضاء والفدية عن كل يوم ، وقمنا بإخراج كيلو ونصف من القمح عن كل يوم ، وأخرجنا فدية الستة أيام دفعة واحدة ليتامى بجوارنا ، علماً أنها لا زالت لم تتم قضاء الأيام التي عليها ، هل مقدار هذه الفدية صحيح ؟ وهل إخراجها قبل القضاء يعتبر صحيحاً ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الفدية لا تدفع إلا إلى الفقراء والمساكين ، فعلى هذا إن كان هؤلاء الأيتام فقراء جاز دفعها إليهم ، وإن كانوا أغنياء فلا يجوز دفعها إليهم ، وعليكم إعادة إخراجها .
وقد أحسنتم في إخراجها طعاماً ، فهذا هو الأصل فيما أوجبه الله طعاماً ، ولا يجوز إخراج الفدية مالاً ، وهكذا القول في الإطعام في كفارة اليمين ، والظهار ، وفي زكاة الفطر ، وغيرها مما أوجب الله تعالى فيه الإطعام .
ثانياً :
وأما بخصوص أصل المسألة ، وهي الإطعام مع القضاء لمن دخل عليه رمضان آخر ولم يقضِ ما عليه من الأيام : ففيها خلاف بين العلماء ، وقد فصَّلنا القول فيها في جواب السؤال رقم (26865) وبيَّنا هناك أن تأخير القضاء إلى رمضان الآخر إن كان بعذر كاستمرار المرض أو السفر أو وجود حمل أو إرضاع : فلا يلزم إلا القضاء ، وإن كان بغير عذر : فعلى المتأخر التوبة والاستغفار ، وعليه - عند جمهور العلماء - فدية طعام مسكين لكل يوم مع القضاء ، وقد ذكرنا هناك أن الراجح عدم وجوب الفدية ، إلا أنه إن فعل ذلك احتياطاً فحسن .
ونبيِّن هنا أمراً زائداً ، وهو ما جاء في سؤالك ، وهو أنه يجوز دفع الفدية قبل البدء في القضاء ، لأن الفدية متعلقة بتأخير القضاء ، وليست متعلقة بالبدء في القضاء .(/1)
وعلى هذا ، فيجوز إخراج الفدية في اليوم الذي سيصومه قضاءً ، أو قبله أو بعده .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 76 ) :
" وقضاء رمضان يكون على التّراخي . لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه ، بأن يهلّ رمضان آخر ، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها : ( كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان ، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ) . كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية .
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر يأثم به ، لحديث عائشة هذا ، فإن أخّر فعليه الفدية : إطعام مسكين لكلّ يوم ، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر : عليه القضاء ، وإطعام مسكين لكلّ يوم ، وهذه الفدية للتّأخير ، ....ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده " انتهى .
والأفضل - عند من يرى وجوب الفدية للتأخير ، أو يراها احتياطاً - : أن يكون دفعها له قبل القضاء ؛ مسارعة إلى الخير ؛ وتخلصا من آفات التأخير ، كالنسيان .
قال المرداوي الحنبلي – رحمه الله - :
" يُطعم ما يجزئ كفارة ، ويجوز الإطعام قبل القضاء ، ومعه ، وبعده ، قال المجد – أي : ابن تيمية جد شيخ الإسلام - : الأفضل تقديمه عندنا ؛ مسارعةً إلى الخير ؛ وتخلصاً من آفات التأخير " انتهى .
" الإنصاف " ( 3 / 333 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
95749
العنوان:
استعمال الجوال للدخول على شبكات إنترنت لا سلكية للآخرين
السؤال:
عندي جهاز بوكيت بيسي أو الجوال الكفي ومتضمن كرت شبكة ما يسمى بالواي فاي يعني شبكة لا سلكية تمكنني الدخول إلى الإنترنت بدون مقابل وفي بعض الأحيان أعمل بحث مثلاً في الشارع أو في أي مكان وأجد هذه الشبكات فيقوم جهازي بعمل اتصال معها ويمكنني التصفح من هذه الشبكات مع العلم أني لا أعلم مصدرها من أين وبالطبع هي ليست مشفرة وللمعلومية إن هذا الاتصال لا يؤثر على الشبكات حيث إنه تصفح فقط بدون تحميل أي شيء من الشبكة فما حكم فعلي هذا . هل يجوز أو لا ؟ وهل يقاس باستقبال بث القنوات التليفزيونية؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان دخولك الإنترنت بهذه الطريقة لا يؤثر على الشبكات تبطيئا لها ، ولا يستدعي عمل حيلة للوصول إليها ؛ لأنها غير مشفرة ، فالذي يظهر أنه لا حرج عليك في ذلك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95758
العنوان:
المقيم على المعصية وارتكاب الكبائر هل له أن يسأل الله أمرا دنيويا
السؤال:
هل يجوز للمسلم أن يسأل الله أمرا دنيويا وهو يعصي الله ويرتكب الكبائر ؟ علما أنه يعزم على التوبة ولكن يخاف أن تكون توبته لأجل هذا الغرض الدنيوي .
الجواب:
الحمد لله
الواجب على من يعصي الله تعالى ويرتكب الكبائر ، أن يبادر بالتوبة ، وأن يحذر التسويف والتأجيل ، فلربما فاجأه الأجل ، ونزلت به مصيبة الموت ، وأُغلق في وجهه باب التوبة ، فيبوء بالخسران ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) النساء/18 .
وما الذي يحول بينه وبين التوبة ؟ ولمَ الإصرار والتمادي والتردد والترقب ؟ ورب العالمين يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويفرح بتوبة عبده ، ويقبلها منه ، ويثيبه عليها .
فهل يليق بالعبد المذنب أن يعرض ويتمادى ، وربه يبسط يده ؟
وهل يليق بالعبد المذنب أن يقول يارب يارب ، يسأل لعاعة من الدنيا ، ولسانه حاله يقول : لكني مصر على معصيتك يا رب ! فوالله لو استحينا من الله ، وعرفنا عظمة الله ، لما فعلنا ذلك .
وأما الخوف من أن تكون التوبة لأجل الأمر الدنيوي ، فهذا قد يكون من وسواس الشيطان ، ليستمر العبد في المعصية ، ويؤخر التوبة .
فالواجب هو التوبة ، وإخلاصها لله تعالى ، رجاء عفوه ومغفرته ، ثم يسأل العبد ربه ما أحب من خيري الدنيا والآخرة .(/1)
ومع ذلك نقول : لو استمر العبد في معصيته ، فلا يحرم عليه أن يسأل ربه ، ولو كان السؤال في أمر من أمور الدنيا ، وقد يعطيه الله تعالى سؤله ، فهو الكريم الجواد ، ولطالما أحسن إلى عبده مع تقصيره وتفريطه ، ولكن هذا السلوك لا يليق بالمؤمن المحب لله ، المعظّم له ، المدرك لخطر الذنوب والتمادي فيها . فإن المعاصي قد تكون سبباً للحرمان ، وعدم إجابة الدعاء .
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ثم قال : فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له ) رواه مسلم (1015).
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95761
العنوان:
عرض سيارته للبيع ويستعملها الآن حتى يجد السعر المناسب فهل تلزمه الزكاة ؟
السؤال:
من لديه سيارة معروضة للبيع في حالة الحصول على سعر مناسب وهو يقوم باستخدامها في مواصلاته , هل تجب عليه الزكاة عند حلول الحول على تلك الحالة ؟
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الزكاة في عروض التجارة ، بشرطين :
الأول : أن يملكها بفعله ، أي بالشراء أو الهبة ، لا بالإرث ، لأن الإرث يدخل في ملك الإنسان قهرا عليه .
والثاني : أن يملكها بنية التجارة ، فلو ملكها بنية الاقتناء ، ثم نواها للتجارة ، لم تلزمه الزكاة .
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين :
" أحدهما : أن يملكه بفعله , كالبيع وقبول الهبة , ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض .
والثاني : أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك . " انتهى من "المغني" (2/336) باختصار .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تكون للتجارة بالنية ، ولو ملكها بغير فعله ، وهو رواية عن أحمد رحمه الله .
قال ابن قدامة بعد كلامه السابق : " وعن أحمد , رواية أخرى , أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية ; لقول سمرة رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع . فعلى هذا لا يعتبر أن يملكه بفعله , ولا أن يكون في مقابلة عوض , بل متى نوى به التجارة صار للتجارة " انتهى من "المغني" (2/336).
والقول الأول هو المذهب عند الحنابلة ، والحنفية والمالكية والشافعية .
انظر : بدائع الصنائع (2/12)، شرح الخرشي على خليل (2/195)، المجموع (6/5)، الموسعة الفقهية (23/271).(/1)
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الثاني الذي هو رواية عن أحمد ، لكنه فرّق بين من يبيع السيارة أو الأرض ليتكسب ويربح ويتجر ، وبين أن يبيعها لأنه لم يعد بحاجة إليها ، وقد رغب عنها ، فالأول عليه الزكاة بخلاف الثاني .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والقول الثاني في المسألة : أنها تكون للتجارة بالنية ولو ملكها بغير فعله ، ولو ملكها بغير نية التجارة ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) وهذا الرجل نوى التجارة ، فتكون لها .
مثال ذلك : لو اشترى سيارة يستعملها في الركوب ، ثم بدا له أن يجعلها رأس مال يتجر به فهذا تلزمه الزكاة إذا تم الحول من نيته . فإن كان عنده سيارة يستعملها ، بدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة ؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة ، ولكن لرغبته عنها .
ومثله لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها ، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها ، وعرضها للبيع فإنها لا تكون للتجارة ؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب بل لرغبته عنها ، فهناك فرق بين شخصين يجعلها رأس مال يتجر بها ، وشخص عدل عن هذا الشيء ورغب عنه ، وأراد أن يبيعه ، فالصورة الأولى فيها الزكاة على القول الراجح ، والثانية لا زكاة فيها " انتهى من "الشرح الممتع" (6/143).
والحاصل : أن بيعك للسيارة إن كان لرغبتك عنها فلا زكاة عليك فيها ، وإن كان من أجل التجارة والتكسب وقصد الربح فعليك الزكاة إذا مَرَّ حول من حين نيّتك التجارة ، ولا يؤثر على ذلك أنك لا تستعملها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95762
العنوان:
أسقطت بعد شهرين من الحمل وتسأل عن صيامها أثناء نزول الدم
السؤال:
امرأة نزل معها الدم قبل إسقاط الجنين بيومين في رمضان وبعد الإسقاط بيومين علماً أن الجنين عمره شهران فهل تقضي الصوم أم ماذا تفعل ؟ علماً أنها صامت ولم تفطر .
الجواب:
الحمد لله
إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف ، ولو بالتخطيط فقط ، فالدم النازل معه دم فساد ، لا يمنع الصلاة والصوم . وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس ، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما ، كما هو مبين في الجواب رقم (37784) ورقم (45564)
وإذا كان الأمر كما ذكرت من أن عمر الجنين شهران ، فالدم النازل قبل الإسقاط وبعده ، دم فساد ، لا دم نفاس ، وقد أصابت المرأة في صومها تلك الأيام ، ولا قضاء عليها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95766
العنوان:
إذا نوى الفطر ثم عدل عن نيته
السؤال:
رجل مسافر وصائم في رمضان نوى الفطر, ثم لم يجد ما يفطر به ثم عدل عن نيته , وأكمل الصوم إلى المغرب , فما صحة صومه ؟
الجواب:
الحمد لله
من نوى الفطر وهو صائم ، بطل صومه ، جازماً غير متردد ثم لم يجد ما يفطر به فعدل عن نيته فقد أفطر ولزمه قضاء هذا اليوم ، وهو مذهب المالكية والحنابلة .
خلافا للحنفية والشافعية. ينظر : بدائع الصنائع 2/92 ، حاشية الدسوقي 1/528 ، المجموع 6/313، كشاف القناع 2/316 .
وعلى القول ببطلان صومه وهو الراجح لما سيأتي ، فإن نوى الفطر, جازما غير متردد ، ثم لم يجد ما يفطر به فعدل عن نيته , فقد أفطر ، ولزمه قضاء هذا اليوم .
أما إن تردد في الفطر ، أو علقه على شيء ، كإن وجدت طعاما أو شرابا أفطرت ، ثم لم يجد ، فصومه صحيح .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجل مسافر وصائم في رمضان ، نوى الفطر ثم لم يجد ما يفطر به ، ثم عدل عن نيته وأكمل الصوم إلى المغرب فما صحة صومه ؟
فأجاب : " صومه غير صحيح ، ويجب عليه القضاء ؛ لأنه عندما نوى الفطر أفطر ، أما لو قال : إن وجدت ماءً شربت وإلا فأنا على صومي ، ولم يجد الماء ، فهذا صومه صحيح ؛ لأنه لم يقطع النية ولكنه علّق الفطر على وجود الشيء ، ولم يوجد الشيء فبقي على نيته الأولى.(/1)
فقال السائل : كيف نرد على من يقول : إنه لم يقل أحد من العلماء : إن النية من المفطرات ؟ فأجاب : نقول للذي قال هذا : إنه لا يَعْرف عن كتب أهل العلم شيئاً - كتب أهل العلم في الفقه والمختصرات - ففي "زاد المستقنع" يقول : ومن نوى الإفطار أفطر. وأنا يا إخواني أحذركم من غير العلماء الراسخين المعروفين بالتقدم في العلم ، وأحذركم منهم إذا قالوا ، لا أعلم قائلاً بذلك ، أو لم يقل أحد بذلك ؛ لأنهم قد يكونون صادقين ؛ لأنهم لا يعرفون كتب أهل العلم ولم يطالعوها ، ولا يعرفون عنها شيئاً ، ثم لو فرضنا أنه لم يوجد في كتب أهل العلم أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات)؟ بلى ، قال ذلك ، فإذا كان يقول : (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل نوى الإفطار هل يفطر ؟ نعم ، يفطر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (29/20).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95769
العنوان:
رتق غشاء البكارة لمن طلقت قبل الدخول
السؤال:
هل تجوز عملية رتق غشاء البكارة ؟ مع العلم أنه لم يتم ذلك بالحرام وإنما كان بعقد شرعي ولكن دون زواج معلن بين الناس "خطبة"
الجواب:
الحمد لله
إذا تم عقد النكاح ، أصبحت المرأة زوجة ، يحل لزوجها منها ما يحل لسائر الأزواج مع زوجاتهم ، إلا أنه ينبغي تأخير الوطء إلى يوم الدخول ، تجنبا لما قد ينشأ عن ذلك من مفاسد .
وأما الخطبة ، فإنها تسبق العقد ، ولا يحل بها وطء ولا خلوة ولا استمتاع ، وإنما يباح للخاطب عند الخطبة أن ينظر إلى من يريد الزواج منها ، ثم هو أجنبي عنها كسائر الرجال حتى يتم عقد النكاح .
وبناء على ذلك ، فالوطء في الحالة الأولى ( حالة العقد ) مباح ، لا إثم فيه ، وأما في الحالة الثانية ( الخِطْبة ) فهو زنا .
وأما رتق غشاء البكارة فلا يجوز في كلتا الحالتين ، لأنه تدليس وغش ، وخداع للزوج الثاني وإيهام له بأن زوجته بكر ، والحقيقة أنها ثيب ، مع ما تستلزمه العملية من الاطلاع على العورة المغلظة من غير ضرورة إلى ذلك
ويضاف إلى ذلك أنه في حال زوال البكارة بالزنا تكون عملية الرتق فيها إعانة على المحرم وتيسير له .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95776
العنوان:
الغش في الامتحانات في بلاد الكفر
السؤال:
طالب يدرس في جامعة في بلد كفر , وقد غش في بعض الامتحانات , وتقدم إلى السنة الثانية لم يشك في حرمانها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا). وهنا (نا) تفيد المسلمين. أرجو الإفتاء في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الغش في الامتحانات ، لعموم الأدلة في تحريم الغش ، فيشمل الغش في البيع والشراء ، وفي النصيحة ، وفي العهود والمواثيق ، وفي الأمانة ، وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ) رواه مسلم (101).
وروى مسلم أيضا (102) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي )
وهذا اللفظ ، يدل على تحريم الغش مطلقا ، سواء كان غشا لمسلم أو كافر .
ثم إن الغش في الامتحانات يترتب عليه جملة من المفاسد والآثام ، منها :
1- أخذ الإنسان ما لا يحق له ، وهو الشهادة المترتبة على الامتحان .
2- ومنها أكل المال بالباطل ، في حال العمل بالشهادة .
3- ومنها فساد الأعمال والإدارات والتخصصات ، بسبب وجود غير المؤهل والصالح لها .
4- ومنها الدخول في الرشوة الملعون صاحبها ، في حال دفع الغاش مالاً لمن يسهّل له طريق الغش .
ثم إن هؤلاء الذين يغشون في بلاد الكفر ، قد يرجعون بشهاداتهم هذه إلى بلاد المسلمين ، ومنهم من يتبوأ أعلا المناصب ، فتعود البلية على أهل الإسلام ، ويكون غاشاً للمسلمين .
والحاصل أن الغش كله محرم ، وهو شر وبلاء ومفسدة ، سواء وجد في بلاد الإسلام أو بلاد الكفر . والواجب على من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، وألا يعود إليه أبدا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95780
العنوان:
يعيره أهله بمكثه عندهم وعدم زواجه فكيف يتعامل معهم
السؤال:
أعامل أهلي بما يرضي الله ، وهم يسيئون إليَّ في بعض الأحيان بأن يعايروني بأني مازلت أسكن معهم ولم أتزوج حتى الآن ، علماً بأني أساعد في مصاريف المنزل من مرتبي المتواضع - 200 جنيه - وأنا موظف حكومة بالتربية والتعليم ، وقد كنت أريد أن أدرس مجالاً آخر ولا أعمل بالحكومة إلا أنني سمعت كلامهم عن الاستقرار والمعاش وأصبحت موظفاً ، لا يمكنني الزواج حاليّاً ، وعمري 34 عاماً ، أعرف عقوق الوالدين ، وأجتنبه ، ولكن لي كرامة أريد أن أحافظ عليها عندما يعايروني ، خاصة أمي بأني لم أرحل عنهم حتى الآن ، كيف أتعامل معهما ؟ أكتم غضبي كثيراً ولكن إلى متى ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن للوالدين عليك حقّاً عظيماً في البر والمصاحبة بالمعروف ، وإن أساؤوا إليك ، بل وإن سعوا جاهدين لأن تترك الإسلام وتلحق بقافلة الشرك – وحاشاهم من ذلك - ، وهذا الحق كفله لهم الشرع المطهَّر ، فقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء/23 ، وقال تعالى : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/15 .
فاعلم هذا وأنت تظن أن إحسانك لهم وبرَّك بهم يهدم " كرامتك " ، واعلم هذا وأن تقول " إلى متى أكتم غضبي ؟ " .
فعليك أن تبقى على سكوتك عن الإساءة من أهلك تجاهك ، ويجب عليك أن تداوم على برِّك وإحسانك لهم ، ولو أساؤوا إليك وآذوك .
ثانياً :(/1)
والذي ننصحك به عمليّاً هو :
1. الصبر والاحتساب على ما أصابك من أهلك ، قال تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) البقرة/45 .
2. البر والإحسان لهم ، وتفقدهم بالهدايا والرعاية ، والكلام الطيب ، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تهادوا تحابوا ) . رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 594 ) ، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " ( 3 / 70 ) والألباني في " إرواء الغليل " ( 1601 ) .
3. نصحهم وإرشادهم للالتزام بالأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة ، بالحكمة ، والموعظة الحسنة .
قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125 .
4. تنويع أسلوب الدعوة ، وعدم التزام طريقة واحدة ، فالأشرطة السمعية ، والمرئية ، والكتيبات قد يكون لواحد منها أثره في تغيير سلوكهم .
5. الاستعانة بأهل العلم وطلابه من أصحاب المكانة عندهم ، بجعلهم يزورونك ويكلمونهم وينصحونهم .
6. السعي في طلب الرزق الحلال ، الذي تستعين به على أمور الزواج ، فيمكنك البحث عن عمل آخر ، أو السفر إلى دولة إسلامية للعمل فيها .
7. داوم على الدعاء لهم بالهداية والتوفيق .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن ييسر لك أمورك ، وأن يهدي أهلك للبر والرشاد .
والله الموفق(/2)
رقم السؤال:
95781
العنوان:
هل أخذ الأجرة على تعليم القرآن واللغة العربية يحرم الإنسان من الثواب؟
السؤال:
أنا أعيش في أوروبية وبدأت إعطاء دروس في اللغة العربية لأبناء الجيران وأتقاضى أجراً على هذا فهل يحتسب من حسناتي رغم أخذي لهذا المال ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم اللغة العربية ، بل لا حرج في أخذها على تعليم القرآن الكريم ، ولا ينافي هذا حصول الإنسان على الثواب ، إذا أتقن العمل ، ونوى نفع أبناء المسلمين ، وربطهم بلغة نبيهم وقرآنهم .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم للأطفال الصغار ؟ وإذا أفتيتم بالجواز فهل للمعلم ثواب عند الله بعد أخذه للأجرة الشهرية ؟
فأجابوا : " تعلم القرآن الكريم وتعليمه من أفضل القرب إلى الله جل وعلا، إذا صلحت النية ، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعلم القرآن وتعليمه بقوله: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) . وأخذ معلمي القرآن الأجرة على تعليمه لا ينافي حصول الثواب والأجر من الله جل وعلا إذا خلصت النية. وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/99)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز... عبد العزيز آل الشيخ... عبد الله بن غديان ... صالح الفوزان... بكر أبو زيد "
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95782
العنوان:
الفرق بين الحج وبين الجلوس بعد الفجر وفيه أجر حجة تامة
السؤال:
ما الفرق بين الحج والجلوس بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين كما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن من فعل ذلك له مثل حجة تامة تامة تامة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين ، ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ , تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ) رواه الترمذي (586).
وهذا الحديث مختلف في صحته ، فضعفه جماعة من أهل العلم ، وحسنه آخرون . وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي .
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال : "هذا الحديث له طرق لا بأس بها ، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره ، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح ، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171).
وظاهر هذا الحديث أن من فعل ذلك له أجر حجة وعمرة تامة تامة ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ورد في الحديث: (من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كان كحجة وعمرة تامة تامة) أو كما ورد في الحديث ، هل معنى ذلك : أن من فعل هذا فله مثل أجر الحج والعمرة ، أم كيف ذلك ؟
فأجاب : " أولاً هذا الحديث فيه مقال ، فإن كثيراً من الحفاظ ضعفوه . ثانياً : على تقدير صحته فالثواب لا قياس فيه ، قد يثاب الإنسان على عمل قليل ثواب عمل كثير ؛ لأن الثواب فضل من الله عز وجل يؤتيه من يشاء " انتهى من "اللقاء الشهري" (74/22).(/1)
وأما الفرق بين هذا الجلوس وبين أداء الحج والعمرة ، فالحج فيه بذل المال ، وسعي البدن ، وتحمل المشاق ، وهو فرض على القادر المستطيع ، وركن من أركان الإسلام , وهذا الجلوس والذكر والصلاة يشابه الحج في الثواب فقط , وليس معنى الحديث أن من فعل ذلك فقد أتى بالحج والعمرة وسقط عنه وجوبهما .
ونظير هذا : أن من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له في يوم مائة مرة كانت كعتق عشر رقاب , ولو كان عليه كفارة يمين (ومن خصالهما عتق رقبة) وقال هذا الذكر فإنه لا يجزئ عنه .
، وقد اشتهر عن أهل العلم قولهم في مثل هذا : المشابهة في الجزاء ، لا في الإجزاء .
والمقصود أن هذا الحديث فيه ترغيب في ذكر الله تعالى ، والجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس ، وأداء ركعتين بعد ذلك .(/2)
رقم السؤال:
95795
العنوان:
متابعة المأموم للإمام في سجود السهو
السؤال:
في الصلاة الرباعية مثلا,عندما يقوم الإمام سهوا للركعة الخامسة.معلوم أن من علم سهو الإمام وجب عليه ألا يقوم معه بل عليه انتظاره حتى يسلم معه. سؤالي..هل من لم يقم مع الإمام للركعة الخامسة وأنتظر حتى سلم معه هل يسجد معه سجدة السهو؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسياً ، وجب على المأمومين تنبيهه ، فإن لم يرجع ، جلس المأموم وتشهد ، ثم له أن يُسلِّم ويفارق الإمام ، أو ينتظره في التشهد ليسلم معه .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98453)
ثانياً :
أجمع العلماء على أن المأموم الذي أدرك الركعة الأولى من الصلاة مع الإمام وسوف يسلم معه من الصلاة ، أجمعوا على أنه يجب عليه أن يتابع الإمام في سجود السهو ، سواء سجد الإمام قبل التسليم من الصلاة أم بعده ، وسواء سها الإمام بمفرده أو سها معه المأموم.
وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه .. وإذا سجد فاسجدوا ) متفق عليه ، فإن عمومه يشمل سجود السهو، فإذا سجد الإمام وجب على المأموم أن يتابعه في السجود.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" :
" وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ ، فَعَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ سَوَاءٌ سَهَا مَعَهُ ، أَوْ انْفَرَدَ الْإِمَامُ بِالسَّهْوِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ .
وَذَكَرَ إِسْحَاقُ أَنَّهُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ ، أَوْ بَعْدَهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا)" انتهى.(/1)
فعلى هذا ، يجب على المأموم في الصورة المسئول عنها متابعة الإمام في سجود السهو . والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
95860
العنوان:
اعتمرت ونسيت التقصير من شعرها وجامعها زوجها
السؤال:
كنت مع زوجتي في مكة لأداء العمرة ، وبعد عودتنها إلى البيت تمت عملية الجماع بيننا ، ثم تذكرت زوجتي أنها لم تتحلل ؟ فما هو الحكم ؟
الجواب:
الحمد لله
الحلق أو التقصير من واجبات العمرة ، ومن نسيه أتى به عند تذكره ، فإن فعل قبل ذلك شيئا من المحظورات جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه ، على الراجح من كلام أهل العلم .
وعليه ، فيلزم زوجتك الآن أن تقصر من شعرها ، وتحل بذلك من عمرتها ، ولا شيء عليها فيما حصل من الجماع ؛ لأنها إنما فعلت ذلك وهي تعتقد أنها تحللت من العمرة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها : " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها - والجماع في النسك هو أعظم المحظورات - فإنه لا شيء عليها ؛ لأنها جاهلة ، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/351) باختصار .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير فيه الفدية ، ولو كان عن نسيان أو جهل ، وهي فدية على التخيير ، كفدية الأذى ، أي كمن حلق شعره للتأذي من القمل ونحوه ، كما دل عليه قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) البقرة/196 .
فيصوم ثلاثة أيام ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو غيره ، أو يذبح شاة توزع على فقراء الحرم ( مكة ) .
وانظر : "شرح منتهى الإرادات" (1/556) .
فلو أخذت زوجتك بهذا القول احتياطاً ، فحسن ، فتصوم ثلاثة أيام ، أو تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة تعطى لفقراء الحرم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95877
العنوان:
خروج المدرس من المدرسة بعد انتهاء الحصص
السؤال:
أدرس في الكلية مساء في منطقة بعيدة عن سكني وفي الصباح أعمل مدرسا في مدرسة إعدادية .... طلبت من مدير المدرسة أن يساعدني في عملي ويجعل حصصي في ثلاثة أيام في الأسبوع فقيل لي لا يجوز لك ذلك شرعا ؟ بل يجب عليك الحضور يوميا إلى المدرسة من بداية الدوام الساعة الثامنة صباحا والبقاء في المدرسة إلى نهاية الدوام الساعة الواحدة والنصف مساء حتى بعد أن تعطي الحصص المخصصة لك يجب عليك البقاء في المدرسة لأن المقابل الذي تأخذه على عملك هو من بداية الدوام إلى نهايته وإلا أصبح المرتب ليس من حقك أن تأخذه كاملا!؟...المدرسون عندنا كلهم لا يذهبون إلى المدرسة يوميا وحتى وإن ذهبوا لا يبقون في المدرسة إلى نهاية الدوام لأنهم بعد إعطاء حصصهم تنتهي مهمتهم .... فأرجو منكم أن توضح لنا الأمر .. هل يجب على المدرس الذهاب يوميا إلى المدرسة والبقاء فيها من بداية الدوام إلى نهايته أم عليه أن يذهب في الأيام التي عنده فيها حصص فقط ...
الجواب:
الحمد لله
أولا :
المدرس ملزم بأداء عمله المتفق عليه ، وهو عدد الحصص ، والأنشطة التي يكلّف بها ، فإذا وَفَّى بذلك فلا حرج عليه في الخروج من المدرسة عند فراغه منها ، أو فيما بينها إذا وجد وقتاً ، بشرط أن لا يؤثر ذلك على أدائه للدرس ، وألا يفوت على الطلاب شيئا من وقت الدرس .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : ما حكم خروج المدرس من دائرة عمله أحيانًا أو دائمًا أثناء العمل بدون إذن المدير، ثم يعود قبل بدء الحصة ، وأحيانًا يمضي من الحصة جزء يسير من الزمن قبل وصوله للفصل، وقد يفوته زمن الحصة كله أو نصفه ؟(/1)
فأجاب: " معلوم أن عمل المدرس محدد ، فله أول وآخر يبدأ وينتهي بالدقيقة ، فغيابه في وقت العمل يفوت على الطلاب بعض الدرس ، فلا يجوز له ذلك ، فإن كان هناك عذر ضروري فلا بد من إذن المدير أو إنابة أحد زملائه ليقوم بالدرس بدله ، فأما خروجه في وقت فراغه فلا حرج عليه في ذلك إذا تحقق أنه سوف يحضر قبل بدء الدرس الذي له ، وقد يقع أن بعض المدرسين تكون حصصه متفرقة ، كالأولى ثم الثالثة ثم الخامسة ونحو ذلك ، فله الخروج في حصة الفراغ لقضاء شغل أو شراء حاجة أو زيارة أهله ، إذا أمن فوات بعض من درسه الذي يلزمه ، وقد يعفى عن زمن يسير يفوته من أول الدرس ، كدقائق قليلة لا يفوت بها على الطلاب شيء من المسائل المقررة في المناهج ، والله أعلم "
انتهى نقلا عن موقع الشيخ حفظه الله على الإنترنت .
وسئل أيضا حفظه الله : عندما يُخِلُّ المدرس بعمله ؛ كأن يأتي متأخرًا أحيانًا أو غالبًا ، ويخرج لحاجة أو لغير حاجة خارج المدرسة ، أو يتأخر عن الحصة ، أو لا يعطي الدرس حقه ، أو يضيعه بطريقة أو أخرى ، فهل الراتب الذي يتقاضاه نهاية كل شهر يستحقه كاملا ، أم أنه آثم ولا يستحق الراتب كاملا ؟
فأجاب: " أرى أنه - والحالة هذه - لا يستحقه كاملا ، فعليه أن يتصدق منه بما يشك فيه ، وهو ما يقابل ذلك الوقت الذي أضاعه أو فرط فيه ؛ فإن المدرس عمله محدد بالدقيقة ، حيث إن الفصل مليء بالطلاب الذين تواجدوا لأجل تلقي ذلك الدرس من أوله إلى آخره ، فمتى تأخر عن الحضور فإنه سيفقد ، ويطلب الطلاب غيره من يشغل لهم ذلك الدرس ، فيكون بتأخره قد أضاع عليهم وقتًا وزمانًا لم يستفيدوا فيه شيئًا ، وهو يأخذ على ذلك عوضًا .(/2)
وهكذا من خرج لحاجة أو لغير حاجة فإنه قد فرط في الزمن المطلوب منه شغله في الدرس ، الذي هو مثلا ساعة أو ساعة إلا ربعًا ، فإنه مطالب بهذا الزمن كله ، ويأثم إذا أضاع منه شيئًا في المدرسة أو خارجها ، وكذا إذا تأخر عن دخول الفصل بعد الإعلان عنه ، ويأثم إذا شغل الدرس بما لا صلة له بالموضوع كالحكايات الأجنبية عن الدرس والأخبار الحالية ونحوها .
فننصح المدرس عن الإهمال ونوصيه بالإخلاص وحفظ الزمان على الطلاب، حتى يحل له ما أخذه من الأجر مقابل العمل " انتهى.
ثانيا :
لا يجوز للمدير أن يحابي أحد المدرسين ، لقرابة أو منفعة ، ويلزمه أن يسوي بينهم في الحصص ، حسب تخصصهم وحاجة المدرسة إليهم . وله أن يتجاوز عن خروج المدرس في وقت فراغه من الحصص ، وأن يأذن له بذلك ، شفاهة أو كتابة .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
95893
العنوان:
حكم كتابة الأبحاث والرسائل وبيعها للطلاب
السؤال:
ما حكم بيع الأبحاث المقتبسة من الانترنت إلى الطلاب الذين يحتاجونها لتقديمها إلى مدرسيهم الذين لا يجيدون التعامل مع الانترنت أو لا يتوفر لديهم ؟
الجواب:
إذا كان الطالب سينال بهذا البحث شهادة أو يزداد به درجات أو يتجاوز بذلك اختباراً فذلك العمل حرام ، وهو غش وخيانة ، سواء اقتبست هذه الأبحاث من الإنترنت أم من غيره ؛ لأن البحث إنما يراد من الطالب لتمرينه واختبار قدراته ونحو ذلك من الأهداف ، فالواجب عليه أن يفعل ذلك بنفسه ، فإن أخذ مجهود غيره ، وقدمه باسمه كان غاشا كاذبا .
وهؤلاء الذين يكتبون الأبحاث لغيرهم آثمون معتدون مفسدون ، سواء كتبوها بمقابل أم بغير مقابل ؛ لإعانتهم على الغش والكذب ، ولإسهامهم في إعطاء الشهادات والدرجات لمن لا يستحق ، وهذا فساد عام ، وغش للأمة ، ينتج عنه تصدير من لا يستحق التصدير ، وتولية من لا يستحق الولاية .
والمال المأخوذ من وراء بيع هذه الأبحاث سحت محرم ، لا يحل الانتفاع به ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما قول فضيلتكم فيما يفعله البعض من استئجار من يكتب لهم البحوث ، أو يعد لهم الرسائل ، أو يحقق بعض الكتب فيحصلون به على شهادات علمية؟(/1)
فأجاب : " إن مما يؤسف له ـ كما ذكر السائل ـ أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثاً أو رسائل يحصلون بها على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب ، فيقول لشخص : حضِّر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك ، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع ، وأرى أنه نوع من الخيانة ؛ لأنه لابد أن يكون المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يُجِبْ.
لهذا أحذر إخواني الذين يحققون الكتب أو الذين يحضّرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة ، وأقول إنه لا بأس من الاستعانة بالغير ولكن ليس على وجه أن تكون الرسالة كلها من صنع غيره ، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح ، إنه سميع مجيب "
انتهى من " كتاب العلم".
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95894
العنوان:
هل يجوز له غسل سيارته بالماء المخصص للزرع ؟
السؤال:
أنا أعمل في قطاع حكومي ، والدولة تدفع قيمة مياه سقيا الزرع ، ويوجد عمال في نفس الشركة يقومون بغسيل سيارات الموظفين من هذه المياه وبمبلغ 50 ريال للعامل في الشهر ، السؤال هو : هل يلحقني شيء إذا قمت بغسيل سيارتي بهذه الطريقة ؟
الجواب:
الحمد لله
الموظف مؤتمن على ما تحت يده من أموال وآلات ونحو ذلك فيجب عليه المحافظة عليه ، ولا يجوز له استعماله في غير ما خصِّص له .
وهذه المياه مدفوعة الثمن من الدولة إنما دفعت أثمانها من أجل الزرع ، فأي استعمال آخر غير هذا : فهو من أكل أموال الدولة بالباطل .
وعليه : فلا يحل لكم هذا الفعل ، ويجب الكف عنه فوراً ، وحساب قيمة المياه المصروفة على غسيل سياراتكم سابقاً ودفعها للدائرة التي تعملون فيها ، فإن لم يتيسر لكم ذلك : فاشتروا بذلك المال مياهاً تسقون بها الزرع ، فإن لم يمكن فإنكم تتصدقون بهذا المال في مصلحة عامة للمسلمين كبناء مسجد أو مستشفى عامة أو تعبيد طريق ونحو ذلك ، وما دفعتموه للعمال في غسيل سياراتكم لا يخصم من قيمة المياه التي يجب عليكم دفعها للدائرة ؛ لأنهم أخذوا هذا المال مقابل عملهم ، وإن كان لا يجوز لهم ذلك العمل .
وهذه بعض فتاوى العلماء في استعمال أدوات الوظيفة استعمالاً شخصيّاً :
1. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
لا يجوز استعمال السيارات الحكومية المخصصة للدوائر في أغراض الشخص الخاصة ، وإنما تستعمل فيما خصصت له من العمل الحكومي ؛ لأن استعمالها في غير ما خصصت له : استعمال بغير حق " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 23 / 432 ، 433 ) .
2. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :(/1)
ما حكم استعمال بعض الأغراض الحكومية الصغيرة بالمكتب استعمالاً شخصياً ، كالقلم ، والظرف ، والمسطرة ، ونحو ذلك للموظف ، جزاكم الله خيراً ؟ .
فأجاب :
" استعمال الأدوات الحكومية التي تكون في المكاتب لأعمال خاصة : حرام ؛ لأن ذلك مخالف للأمانة التي أوجب الله المحافظة عليها ، إلا بالشيء الذي لا يضر ، كاستعمال المسطرة فهو لا يؤثر ولا يضر ، أما استعمال القلم والأوراق وآلة التصوير : فإن استعمالها للأغراض الخاصة وهي حكومية لا يجوز " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 306 ) .
3. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً:
" استعمال السيارات الحكومية في الدوام الرسمي أو خارج الدوام الرسمي : إذا لم يكن لمصلحة العمل : فإنه لا يجوز ؛ لأن هذه السيارات للدولة ، ولشغل الدولة ، فلا يجوز لأحد استعمالها في شغله الخاص ، والمشكل أن بعض الناس يتهاون في أموال الدولة مدعيّاً أن له حقّاً في بيت المال ، ونقول : إذا كان لك حقٌ في بيت المال : فكلُّ فردٍ من الناس له حقٌّ في بيت المال أيضاً ، فلماذا تخص به نفسك ، وتستعمله لنفسك ، أليس لو جاء أحد من الناس الذي قد يكونون أحق من هذا الرجل وأراد أن يستعمل هذه السيارة في أغراضه الخاصة يمنع ، فكذلك هذا الرجل ، وإذا كان الإنسان محتاجاً للسيارة : فليشتر سيارة من ماله الخاص " انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 9 / السؤال رقم 3 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (47067) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
96028
العنوان:
مشروعية التعوذ عند قراءة آية عذاب
السؤال:
ما حكم من يقف عند آيات العذاب في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟
الجواب:
الحمد لله
يسن للمصلي أن يتعوذ بالله إذا مر بآية عذاب ، وأن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة ، في قول جمهور أهل العلم ؛ لما روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ).
ورواه الترمذي والنسائي بلفظ : ( إذا مر بآية عذاب وقف وتعوّذ ) .
وروى أبو داود (873) والنسائي ( عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً ).
وهذا يدل على مشروعية الوقوف عند آية العذاب والتعوذ .(/1)
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/562) : " قال الشافعي وأصحابنا : يسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى الرحمة أو بآية عذاب أن يستعيذ به من العذاب , أو بآية تسبيح أن يسبح أو بآية مثل أن يتدبر . قال أصحابنا : ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد ... وكل هذا يستحب لكل قارئ في صلاته أو غيرها ، وسواء صلاة الفرض والنفل والمأموم والإمام والمنفرد ؛ لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين , ودليل هذه المسألة حديث حذيفة رضي الله عنه ... هذا تفصيل مذهبنا : وقال أبو حنيفة رحمه الله : يكره السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة في الصلاة . وقال بمذهبنا جمهور العلماء من السلف فمن بعدهم " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/384) : " ( وله السؤال والتعوذ في فرض ونفل ، عند آية رحمة أو عذاب ) انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله , وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار. وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه نزهه فقال : سبحانه وتعالى , أو نحو ذلك , ويستحب لكل من قرأ ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) أن يقول : ( بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ) , وإذا قرأ : ( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) قال : ( بلى أشهد ) , وإذا قرأ : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) قال : ( آمنت بالله ) , وإذا قرأ : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) قال : ( لا نكذب بشيء من آيات ربنا ) , وإذا قرأ : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قال : ( سبحان ربي الأعلى ) , ويستحب هذا للإمام والمأموم والمنفرد ؛ لأنه دعاء فهو مطلوب منهم كالتأمين , وكذلك الحكم في القراءة في غير الصلاة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/75).(/2)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم من قال آمين أو أعوذ بالله من النار أو سبحان الله والإمام يقرأ في صلاة جهرية وذلك عندما يسمع المأموم آيات تستوجب التعوذ أو التسبيح أو التأمين؟
فأجاب : أما الآيات التي تستوجب التسبيح أو التعوذ أو السؤال إذا مر بها القارىء في صلاة الليل فإنه يسن له أن يفعل ما يليق ، فإذا مر بآية وعيد تعوذ ، وإذا مر بآية رحمة سأل .
وأما إذا كان مستمعاً للإمام فإن الأفضل ألا يتشاغل بشيء غير الإنصات والاستماع ، نعم إذا قدّر أن الإمام وقف عند آخر الآية وهي آية رحمة فسأل المأموم أو هي آية وعيد فتعوذ أو آية تعظيم فسبح فهذا لا بأس به ، وأما إذا فعل ذلك والإمام مستمر في قراءته فأخشى أن يشغله هذا عن الاستماع إلى قراءة الإمام ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سمع أصحابه يقرؤون خلفه في الصلاة الجهرية قال : ( لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ولكن من أهل العلم من خصّ استحباب ذلك بصلاة بالنافلة ، لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن فعله في الفريضة جاز ، وإن لم يكن سنة .
ومنهم قال : يفعل ذلك في الفرض والنفل .
وانظر جواب السؤال رقم (85481) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96069
العنوان:
حكم الاكتتاب بالشركة السعودية للطباعة والتغليف
السؤال:
ما حكم الاكتتاب في الشركة السعودية للطباعة والتغليف ؟
الجواب:
الحمد لله
هذه الشركة نشاطها : طباعة الصحف والمجلات والطباعة التجارية والتغليف ، وهي مملوكة لـ "المجوعة السعودية للأبحاث والتسويق" وقد نصت نشرة الاكتتاب على أن الشركة ستقوم بجميع أعمال الطباعة لمطبوعات المجموعة ، ومن هذه المطبوعات مجلات معروفة بالخلاعة والمنكرات .
وأيضاً : قامت الشركة باقتراض ربوي من أحد البنوك ، ولكنه في صورة إجارة منتهية بالتمليك .
وعلى هذا ؛ فلا يجوز الاكتتاب في هذه الشركة ، لأن لها أنشطة محرمة ، ولتعاملها بالربا .
وقد سئل عن الاكتتاب فيها الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي ، فأجاب :(/1)
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد اطلعت على نشرة اكتتاب الشركة السعودية للطباعة والتغليف (المعروفة سابقا بشركة المدينة المنورة للطباعة والنشر). وهي مملوكة من عدة شركات هي: المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق بنسبة 60% والشركة الفكرية للدعاية والإعلان القابضة بنسبة 15%، والشركة السعودية للأبحاث والنشر بنسبة 10%، وشركة المصنفات العلمية القابضة المحدودة بنسبة 10%، والشركة السعودية للنشر المتخصص بنسبة 5%، وبذلك فإن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق تمتلك نسبة 100% من أسهم الشركة، وتعد تابعة لها. ونشاط الشركة طباعة الصحف والمجلات والكتب والطباعة التجارية وطباعة أوراق الكرتون والتغليف. وقد نصت النشرة على أن الشركة "تقوم بجميع أعمال الطباعة لمطبوعات المجموعة التي تزيد على أربع عشرة مطبوعة رائدة وذلك حسب الاتفاقية طويلة المدى التي تربط بين الطرفين والتي تخول الشركة أن تكون المطابع الحصرية للمجموعة بناء على اتفاقيات خدمات طباعة موقعة بين المجموعة والشركة مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد". كذلك تمتلك الشركة 40% من "الشركة المتحدة للطباعة والنشر" الإماراتية. وحيث إن من ضمن هذه المجلات التي تطبعها الشركة في السعودية وفي الإمارات جرائد ومجلات مليئة بالمحاذير الشرعية وأخص منها مجلة "سيدتي" و"أزياء سيدتي" و"الجميلة" و"زهرة الخليج" وغيرها، وحيث إن العلماء مجمعون على أن الشرط الأول في جواز الاكتتاب والمضاربة والاستثمار في شركة مساهمة أن يكون نشاطها حلالا، فعليه ؛ لا أرى جواز الاكتتاب في هذه الشركة. والجدير بالذكر أن الشركة قد قامت بعملية تمويل مع أحد البنوك المحلية بحيث باعت أرضا تملكها على البنك، ثم استأجرتها منها تأجيرا رأسماليا مع وعد بالتمليك. وحيث ذكر في النشرة أن ذلك مقرٌ من الهيئة الشرعية للبنك، فأود الإيضاح أن هذه الصورة لا يمكن أن يقال(/2)
بجوازها، حيث إن التمويل التأجيري لمدة سنتين ونصف، يجعل العملية تأجيرا صوريا لتمويل ربوي. فقد اشترى البنك الأرض وما عليها من مبنى من الشركة بمبلغ 130 مليون ريال سعودي ثم استأجرتها الشركة منه إيجارا رأسماليا مع وعد بالتمليك لمدة 30 شهرا بمبلغ 137.320.242 ريال سعودي. وواضح أنه تمويل ربوي في صورة عقد إجارة، فلا يعقل أن يستأجر أصل ب40% من قيمته سنويا!! كذلك ينص نظام الشركة على أنه يجوز لها إصدار أسهم ممتازة وسندات بالقروض التي تعقدها، من دون إشارة إلى ضبط ذلك بالضوابط الشرعية، وتقوم الشركة بعقود تأمين تجاري على العاملين وأصول الشركة، وعلى النقل البحري. وإني أوصي القائمين على هذه الشركة بتقوى الله عز وجل، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والكف عن نشر وطباعة المجلات والجرائد المحرمة، والاكتفاء بالعمليات الطباعية المباحة، وفي الحلال المباح غنية عن الحرام. وأذكرهم بقول الله تبارك وتعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) رواه مسلم . وفق الله الجميع لكل خير، وعصمنا وإياهم من الزلل، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى .(/3)
رقم السؤال:
96079
العنوان:
هل النظر إلى الكعبة عبادة
السؤال:
هل النظر للكعبة عبادة أو فيه فضل ؟
الجواب:
الحمد لله
لم يصح حديث في فضل النظر إلى الكعبة ، لكن وردت فيه بعض الآثار ، يأتي ذكر شيء منها .
ومما ورد في النظر إلى الكعبة : ما رواه أبو الشيخ من حديث عائشة رضي الله عنها : ( النظر إلى الكعبة عبادة ) لكنه حديث ضعيف كما قال الألباني في ضعيف الجامع الصغير رقم (5990).
وما رواه الديلمي في الفردوس من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( خمس من العبادة : قلة الطعم [ أي : الطعام ] والقعود في المساجد ، والنظر إلى الكعبة ، والنظر في المصحف والنظر إلى وجه العالم ) وهو حديث ضعيف جدا . "ضعيف الجامع الصغير" رقم (2855).
وأما الآثار : فقد قال السيوطي في "الدر المنثور" : " وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال : النظر إلى الكعبة محض الإيمان .
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه .
وأخرج الأزرقي والجندي من طريق زهير بن محمد عن أبي السائب المدني قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا تحاتت ذنوبه كما يتحات الورق من الشجر . قال : والجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي والجندي والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء قال : النظر إلى البيت عبادة ، والناظر إلى البيت بمنزلة القائم الصائم المخبت المجاهد في سبيل الله .
وأخرج الجندي عن عطاء قال : إن نظرة إلى هذا البيت في غير طواف ولا صلاة تعدل عبادة سنة ، قيامها وركوعها وسجودها .
وأخرج ابن أبي شيبة والجندي عن طاوس قال : النظر إلى هذا البيت أفضل من عبادة الصائم القائم الدائم المجاهد في سبيل الله .
وأخرج الأزرقي عن إبراهيم النخعي قال : الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها من البلاد .(/1)
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مجاهد قال : النظر إلى الكعبة عبادة " انتهى .
وهذه الآثار – إن صحّت – فلا تخلو من شيء من المبالغة ، وفضائل الأعمال لا تثبت بمجرد رأي أو اجتهاد ، بل لا بد من ثبوت ذلك عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو ما لا يوجد في هذه المسألة .
ولذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ومن العجيب أن الذين قالوا : ينظر إلى الكعبة [أي في الصلاة بدلا من النظر إلى موضع السجود] علل بعضهم ذلك بأن النظر إلى الكعبة عبادة ، وهذا التعليل يحتاج إلى دليل ، فمن أين لنا أن النظر إلى الكعبة عبادة ؟ لأن إثبات أي عبادة لا أصل لها من الشرع فهو بدعة " انتهى من "الشرح الممتع" (3/41).
لكن : إذا اقترن النظر بالتفكر في البيت ، وما جعل الله له من المهابة والتعظيم ، فهذا التفكر عبادة يثاب المرء عليها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96083
العنوان:
كيف أحقق التوحيد ، وما هو الجزاء الموعود ؟
السؤال:
كيف يمكن للعبد أن يحقق التوحيد لله تعالى ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فقد سألتَ ـ وفقك الله ـ عن أمر عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، نسأل الله أن ييسر لنا ولإخواننا المسلمين كل خير .
اعلم أن تحقيق التوحيد إنما يكون بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمداً رسول الله وهذا التحقيق له درجتان : ( درجة واجبة ، ودرجة مستحبة )
فالدرجة الواجبة تتحقق بثلاثة أمور :
1) ترك الشرك بجميع أنواعه الأكبر والأصغر والخفي .
2) ترك البدع بأنواعها .
3) ترك المعاصي بأنواعها .
والدرجة المستحبة وهي التي يتفاضل فيها الناس ويتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهي : أن لا يكون في القلب شيء من التوجه لغير الله أو التعلق بسواه ؛ فيكون القلب متوجهاً بكليته إلى الله ليس فيه التفات لسواه ، نطقه لله ، و فعله وعمله لله ، بل وحركة قلبه لله جل جلاله ، وهذه الدرجة يعبر بعض أهل العلم عنها بأنها :
ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس ، وذلك يشمل أعمال القلوب واللسان والجوارح .
ولابد لتحقيق هاتين الدرجتين من أمور :
أولها : العلم ، وإلا فكيف يحقق التوحيد ويعمل به من لا يعرفه ويفهمه ، فواجب على كل مكلف أن يتعلم من توحيد الله ما يُصَحِّحُ به معتقده وقوله وعمله ، ثم ما زاد فهو فضلٌ وخيرٌ.
ثانيها : التصديق الجازم واليقين الراسخ بما ورد عن الله وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من أخبار ، وأقوال .
ثالثها : الانقياد والامتثال لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل المأمورات ، و ترك المحظورات والمنهيات .
وكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً لهذه الأمور كان توحيده أعظم وثوابه أكبر .(/1)
وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن من حقق الدرجة العليا من التوحيد فهو موعود بأن يكون مع السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ـ نسأل الله من فضله ـ
ففي صحيح البخاري (5705) ومسلم (220) عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لِي هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولا يكتوون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ(/2)
بِهَا عُكَّاشَةُ " قوله : ( لَا يَسْتَرْقُونَ ) أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم .وإن كان طلب الرقية جائزاً لكنه خلاف الأولى والأفضل .
وقوله :( وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ) أي لا يقعون في التشاؤم بالطير أو بغيرها مما يتشاءم منه الناس فيتركون بعض ما عزموا على فعله بسبب هذا التشاؤم .والتشاؤم محرم وهو من الشرك الأصغر .
وقوله :(وَلَا يَكْتَوُونَ ) فيتركون الاكتواء بالنار في علاج أمراضهم ولو ثبت لهم نفعه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم له . ولأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار .
فالصفة المشتركة في هذه الصفات الثلاثة أن أصحابها ( على ربهم يتوكلون ) أي حققوا أكمل درجات التوكل وأعلاها ، فلم يعد في قلوبهم أدنى التفات للأسباب ، ولا تعلق بها بل تعلقهم بربهم وحده سبحانه .
والتوكل هو جماع الإيمان كما قال سعيد بن حبيب ، بل هو الغاية القصوى كما يقول وهب بن منبه رحمه الله .
وتجد في السؤال رقم ( 4203 ) مزيدا من الكلام على هذا الحديث فراجعه لأهميته . والله أعلم وأحكم .
وبعد : فليس تحقيق التوحيد بالتمني ،ولا بالتحلي ، ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق ، وإنما بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان ، وحقائق الإحسان؛ وصدقته الأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة الجليلة . فعلى المسلم أن يبادر لحظات العمر ، ويسابق ساعات الزمن في المبادرة إلى الخيرات ، والمنافسة في الطاعات ، وليستهون الصعب ، وليستلذ الألم ، فإن سلعة الله غالية . إن سلعة الله الجنة .
ينظر ( القول السديد على مقاصد كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ20-23 )
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
96098
العنوان:
المسافر إذا دخل عليه الظهر قبل دخول بلده هل له القصر والجمع؟
السؤال:
نحن مجموعة شباب مدرسين تبعد المدرسة عن مكان إقامتنا أكثر من مائة كيلو ونحن راجعون من المدرسة يدخل وقت صلاة الظهر فنصليها في قرية تبعد عن إقامتنا أكثر من عشرين كيلو فهل يصح لنا الجمع والقصر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع هو العرف ، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر ، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر .
وتقدر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99):
" السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً ، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً ، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن ، والجمع والقصر، والفطر في رمضان ، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر ، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر ، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة ، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى
وأفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلا أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة .
فقد سئل رحمه الله : نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها ، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة ، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟(/1)
فأجاب : " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا ؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا ، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب ، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا ؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11).
ثانيا :
بناء على قول الجمهور في تحديد السفر بالمسافة ، فإنه إذا دخل عليكم وقت صلاة الظهر ، قبل وصولكم إلى بلدكم ، فلكم أن تصلوها قصرا ، وأن تجمعوا بينها وبين صلاة العصر ، مع قصر العصر أيضا ، ولو مع الجزم أو غلبة الظن بأنكم ستدخلون البلد قبل دخول وقت العصر ، وذلك لعموم الأدلة الدالة على مشروعية القصر والجمع في السفر .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجل مسافر وحان وقت صلاة المغرب هل يجمع ويقصر علماً أنه سوف يدخل وقت العشاء في البلد الذي أراد أن يسافر إليه، هل يجوز له أن يجمع ويقصر، أم يصلي المغرب في وقتها ويؤخر العشاء ويصلي مع الجماعة ؟
فأجاب : " لو أن إنساناً سافر وهو يعرف أنه سيصل إلى البلد قبل وقت العشاء فهل له أن يجمع العشاء مع المغرب في حال السفر، أو نقول: انتظر حتى تصل إلى البلد ؟ فالجواب : له أن يجمع العشاء إلى المغرب؛ أولاً: لأنه في سفر وقد دخل وقت المغرب ووقت المغرب، والعشاء واحد في الحالة التي يجوز فيها الجمع.(/2)
ثانياً: أن الإنسان قد يقدر أنه سوف يصل قبل وقت العشاء ولا يصل ، قد تتعطل السيارة ، أو يحصل أي سبب يمنع من الوصول إلى البلد قبل الوقت. لكن نقول: الأولى ما دمت تعرف أنك سوف تصل إلى البلد قبل وقت الثانية، الأولى لك ألا تجمع . ولو أخر المغرب حتى يصل إلى البلد فلا بأس، لكنه إذا وصل إلى البلد ووقت المغرب باق فإنه لا يجوز له أن يؤخره ، بل يجب عليه أن يصليها في وقتها؛ لأن سبب الجمع هو السفر وقد انتهى، ثم إنه في هذه الحالة أنت قلت: يجمع ويقصر، وهو لا يقصر أبداً على كل حال؛ لأن القصر سببه السفر، فمتى انتهى السفر انتهى القصر "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (100/21).
والحاصل : أنه على قول من حدَّد السفر بالمسافة لكم أن تقصروا وتجمعوا .
وأما على قول من يجعل الأمر راجعاً إلى العرف ، فليس لكم أن تقصروا لأنكم لا تعدّون عند الناس مسافرين .
وأما الجمع بين الصلاتين ، فإن كان عليكم مشقة بفعل كل صلاة في وقتها جاز لكم الجمع ، ومع عدم المشقة فلا يجوز الجمع
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96101
العنوان:
حكم الأكل من ثمار الأشجار المغروسة في المسجد أو حديقته
السؤال:
هل يجوز قطف الثمار من حديقة المسجد مقابل وضع مبلغ من المال في خزينة المسجد مقابل ذلك ؟ وشكرا
الجواب:
الحمد لله
أولا :
جمهور الفقهاء على كراهة غرس الأشجار في المسجد ، ومنهم من ذهب إلى التحريم ، ومنهم من قيد التحريم بما إذا ضيق على المصلين .
وعلة الكراهة أن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ; ولأن الشجرة تؤذي المسجد , وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطيور فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد لأجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها .
ومنهم من جعل علة الكراهة الشبه بِبِيَع اليهود .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة . نص عليه أحمد , وقال : إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا , فهذه غرست بغير حق , فلا أحب الأكل منها , ولو قلعها الإمام لجاز ; وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القران , ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها , ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها ) " انتهى من المغني (5/370).
وفي الفتاوى الهندية (1/110) : " ويكره غرس الشجر في المسجد ; لأنه تشبه بالبيعة وتشغل مكان الصلاة ، إلا أن يكون فيه منفعة للمسجد بأن كانت الأرض نزة لا تستقر أساطينها فيغرس فيه الشجر ليقل النز . كذا في فتاوى قاضي خان " انتهى .
وقال ابن الهمام رحمه الله : " ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نزٍّ والأسطوانات لا تستقر به ، فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع " انتهى من "فتح القدير" (1/421).(/1)
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله : " ( و ) يكره ( حفر بئر وغرس شجر فيه ) بل إن حصل بذلك ضرر حرم ( فيزيله الإمام ) لئلا يضيق على المصلين هذا , وقد قال الأذرعي في غرس الشجرة في المسجد الصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة , والتضييق وجلب النجاسات من ذرق الطيور , ونقل عن جماعة قطع العراقيين بمنع الزرع , والغرس فيه " انتهى من "أسنى المطالب" (1/186).
وفي شرح الخرشي على خليل (7/48): " فائدة : صرح جماعة بمنع الغرس والزرع في المسجد وقالوا لا يجوز الحفر فيه ولا الدفن فيه قالوا : ولعل من يذكر الكراهة أراد كراهة التحريم " انتهى .
فتبين بهذا أن الفقهاء بين قائل بالتحريم وقائل بالكراهة ، وهذا فيما إذا غرس في المسجد بعد بنائه ، وأما إن كانت الأرض بها شيء من الشجر ، وبني المسجد عليها فلا حرج .
قال ابن قدامة في الموضع السابق : " فأما إن كانت النخلة في أرض , فجعلها صاحبها مسجدا والنخلة فيها فلا بأس " انتهى .
والذي يظهر أنه لا حرج أيضا فيما إذا كانت الأشجار في حديقة متصلة بالمسجد ، بحيث لا تضيق على المصلين ، ولا يتأذى المسجد بورقها .
ثانيا :
أما الأكل من ثمار هذه الأشجار ففيه تفصيل :
1- إن كان الواقف قد وقف الشجر مع المسجد ، وحدد مصرف الوقف ، بأن جعله للمساكين ، أو للأئمة أو الطلبة أو للمسجد ، مثلا ، عُمل بتحديده . وما وقف للمسجد ، يباع ويصرف في مصالحه.
2- وإن لم يكن حدد الجهة التي يصرف فيها الوقف ، ففي ذلك خلاف ، فقيل حكمه حكم الوقف منقطع الجهة ، فيكون لورثة الواقف ، موقوفا عليهم ، وقيل يجوز لمساكين المسجد ، وقيل يصرف في مصلحة المسجد .(/2)
3- ما غرس في المسجد ، ولم يوقف معه ، وحكمنا بكراهته أو تحريمه : إن كان غرس للمسجد ، فلا يؤخذ منه إلا بعوض يصرف في مصالح المسجد ، وإن غرس مسبّلا ، أو لم يعلم قصد غارسه ، جاز الأكل منه بلا عوض ، والأولى عدم الأكل منه ، ومن أكل ودفع العوض ليصرف في عمارة المسجد ، فلا حرج عليه .
وهذا بعض ما قاله الفقهاء في هذه المسألة :
قال ابن قدامة في الموضع السابق : " فأما إن قال صاحبها : هذه وقف على المسجد فينبغي أن يباع ثمرها , ويصرف إليه ".
وقال السفاريني رحمه الله : " مطلب : حكم أكل تمر شجر المسجد : وفي الفروع والإنصاف والإقناع والمنتهى والغاية وغيرها : فإن لم تقلع فثمرتها لمساكين المسجد . قال في الإنصاف : قال الحارثي : وهو المذهب . قال : والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا . وقال الإمام أحمد رضي الله عنه : لا أحب الأكل منها .
وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه , فإن عين مصرفها عمل به , وإلا فكمنقطع ، يعني تصرف على ورثة الواقف نسباً ، غنيهم وفقيرهم ، وقفاً عليهم على قدر إرثهم ، فيستحقونه كالميراث ويقع الحجب بينهم . فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفا عليهم . وقال الموفق : يجوز الأكل منها , وهو منصوص الإمام رضي الله عنه في رواية أبي طالب . وقدمه في المستوعب والرعاية الصغرى . وقال جماعة من الأصحاب : تصرف في مصالحه , وإن استغنى عنه فلجاره أكل ثمره . نص عليه وجزم به في الفائق , والمذهب الأول أنها إذا لم يعين مصرفها كالوقف المنقطع . جزم به في الإقناع والمنتهى والغاية . " (2/317).(/3)
وفي حاشية البجيرمي (3/103) : " ويكره غرس الشجر في المسجد كما في الروضة . قلت: وهو محمول على ما إذا لم يضر بالمسجد أو بالمصلين , ولم يقصد بها نفسه ، وإلا حرم , فإن غرس قُلع . والقالع له الإمام أو نائبه دون الآحاد ، سواء حرم غرسه أو كره ؛ لأن له إزالة المكروه . نعم ما غرس ليكون للمسجد ولا ضرر فيه لا يجوز قطعه لأنه ملك المسجد ; قاله القاضي , وينبغي تقييده بما إذا كان له ثمر ينتفع به المسجد وإلا قلع . والجاري على القواعد وجوب رعاية الأصلح من الإبقاء أو القلع .
وثمرة ما استحق القلع وغيره إن غرس للمسجد لم يجز أكلها إلا بعوض يصرفه في مصالحه. وإن كان مسبّلا للأكل ، أو جهل قصد الغارس جاز من غير عوض , ومثلها ثمرة ما في المقبرة المسبلة وكجهل قصده ما إذا لم يكن له قصد , ومثله ما إذا نبتت فيه بنفسها ) انتهى .
وقال ابن قدامة : " قال أبو الخطاب : عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة , بيعت , وصرف ثمنها في عمارته . قال : وقول أحمد يأكلها الجيران . محمول على أنهم يعمرونه " انتهى .
وعليه فإن كانت الحديقة المسئول عنها ، قد وُقفت ثمارها على جهة معينة ، فلا يجوز الأكل منها إلا لأهل تلك الجهة .
وإن كانت مسبّلة ، جاز الأكل منها بلا عوض .
وإن كانت موقوفة أو مغروسة لصالح المسجد ، فإنها تباع وتصرف في مصالحه ، ومن أخذ منها بمقابل يضعه في خزينة المسجد ، فقد أصاب .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
96103
العنوان:
زوجته تتطاول عليه بالسب والشتم فماذا يفعل ؟
السؤال:
زوجة سيئة الخلق تسب زوجها بكثير من الشتائم وحذرها أكثر من مرة وهى مصرة على التطاول والغلط وليس له طاقة على التحمل وله ابنة يخاف عليها من الفراق فما العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت الزوجة تتطاول على زوجها بالسب والشتم والإساءة ، فعليه أن ينصحها ، ويحذرها ، ويبين لها ما يترتب على كلامها السيئ من الإثم ، لا سيما والزوج أحق الناس بصلتها ومعروفها وإحسانها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق ) رواه أبو داود (2140) والترمذي (1159) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي أن يسلك معها ما ذكره الله تعالى في كتابه من الوعظ والهجر والضرب غير المبرح ، فإن لم يُجد شيء من ذلك ، فينبغي أن يستعين على نصحها بالصالح من أهلها ، وذلك حفاظا على الأسرة ، ومراعاة لحق الأولاد إن وجدوا ، قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء/34 .
ومن الموعظة التي تقدم لها : أن يبيّن لها ما عليها من الإثم في معصيتها لزوجها ، وما لها من ثواب وأجر جزيل إذا أطاعته .
وأيضاً : يبين لها ما عليها وعلى زوجها وعلى ابنتها من الضرر في حال حصول الطلاق أو استمرار العشرة على هذا النحو .(/1)
فإن استجابت المرأة للنصح ، وأثّرت فيها الموعظة ، وعدلت عن المخالفة ، فهذا هو المطلوب ، وإن استمرت في غيها وسفهها ، فلا حرج على الزوج من طلاقها .
فقد ذكر العلماء أن الطلاق يكون مباحاً " عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها ، من غير حصول الغرض بها "
" المغني" (10/324)
وما ذكرته من خوفك على ابنتك فيما لو حدث الفراق ، أمر ينبغي اعتباره ، فإن كنت تخشى ألا تستطيع القيام بتربيتها ، وأن تتضرر البنت بهذا الطلاق ، فينبغي أن توازن بين المفسدتين ، مفسدة بقائك مع امرأة سيئة الخلق ، تسيء إليك ، ومفسدة ما قد يحصل لابنتك بعد إيقاع الطلاق ، ومن قواعد الشريعة : "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ".
وينبغي أن تستخير الله تعالى قبل اتخاذ قرارك ، وأن تسعى للإصلاح ما أمكنك ، فإن تعذر ذلك فاجتهد أن تحتاط لابنتك ، وأن تؤمن حضانتها عندك ، ولا تتركها لهذه المرأة تربيها على أخلاقها .
ونوصيك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى ، وملازمة التقوى ، فإن الله وعد أهل التقوى بالرزق والفرج ، قال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3.
كما نوصيك بالتوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب ، فإن سوء خلق الزوجة قد يكون عقابا للعبد على ذنوب يرتكبها ، كما ذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96119
العنوان:
اشترى أرضا وكتبها باسم أمه فتنازع الورثة بعد موتها
السؤال:
تم الاشتراك بيني وبين أخي على شراء أرض في بلدنا وبالفعل تم شراء الأرض وتسجيلها باسم أمنا تفادياً للقوانين ولم نقصد هبتها وإعطاءها لوالدتنا ، وبعد فترة توفيت والدتنا وتم الخلاف بيننا ( أنا وأخي ) من جهة وبين أختنا وزوجها من جهة أخرى حيث يطالبون بحصة أختي من الأرض على أنها جزء من إرث والدتنا . السؤال : هل تعتبر الأرض من إرث والدتنا ؟ وهل يجوز لنا استرجاع الأرض ؟ وكيف يتم لنا ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الأرض لم توهب ولم تعط للوالدة ، وإنما جرى تسجيلها باسمها لسبب ما ، فإن الأرض تبقى على ملكه هو وأخيه ، ولا تدخل في تركة الأم ، ولا تقسّم بين الورثة .
وإذا كانت الأخت تعلم بحقيقة الأمر ، وأن الأرض لم توهب لأمها ، فلا يجوز لها المطالبة بشيء منها .
ولو فرض أنها رفعت الأمر للمحكمة فقضت لها بشيء من الأرض اعتمادا على الأوراق المسجلة ، لم يجز لها أخذ ذلك ، فإن القضاء لا يبيح حراما ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري (6967) ومسلم (1713).
فهذا الحديث يدل على أن حكم الحاكم بناء على ما ظهر له من كلام الخصمين وأدلتهم لا يجعل الباطل حقاً ، ولا الحرام حلالاً .
وقوله صلى الله عليه : ( فإنما أقطع له قطعة من النار ) أي : إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار . فتح الباري .(/1)
فينبغي نصح هذه الأخت ، وتخويفها بالله تعالى ، وتحذيرها من أكل المال بالباطل ، وتذكيرها بما جاء في وعيد من أخذ شبرا من الأرض بغير حق ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610).
وينبغي عليكم أيضاً مراعاة حق الرحم والقرابة ، وتقديم ذلك على متاع الدنيا الزائل ، فإن كان بإمكانكم إعطاء الأخت ما تريد أو إرضاءها بشيء فافعلا ذلك ابتغاء ما عند الله تعالى ، ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) القصص/60 نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96122
العنوان:
وعدها ببعض الملابس ثم أعطاها لأخته
السؤال:
أرسل زوجي بعض الملابس الجديدة تماما لأخيه حتى يطلعه على أحدث تصميمات أزياء السيدات للعمل على تصنيعها فى الصين ، ولكنه قال : إنه سيكون بإمكاني استبدالها بالملابس التي أحتاج إليها بعد أن يقوم أخوه بإلقاء نظرة عليها . ولكنه قال بعد ذلك لأخيه أن يعطى الملابس لأخته بدلا من إرجاعها ، وهو يعلم أنني ليست لدى أية ملابس مناسبة فى الوقت الحالى ، لأن ملابسي تمزقت ولم ينقص وزنى بعد ولادة طفلى الثالث .
فهل يحق له تبديد مبلغ كبير على هذه الملابس فى الوقت الذى ليس لدينا فيه الكثير من الأموال ، ثم يقوم لاحقا بإعطاء تلك الملابس لأخته بدلا من إعطائها لزوجته ؟
إن كلا منا بحاجة إلى هذه الملابس ، ولكن هل من العدل أن يفضلها علي وعلى أطفاله الثلاثة الذين كانوا بحاجة لبعض الملابس الجديدة ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت ، فينبغي للزوج أن يفي بوعده لك ، وأن يحضر لك ملابس جديدة ، بدلا عن هذه الملابس .
وينبغي أن تلتمسي له العذر في تصرفه ، فربما شعر بالحرج من استرجاعها ، أو رأتها أخته وتعلقت نفسها بها ونحو ذلك من الأعذار .
والأصل أن تبنى الحياة الزوجية على المودة والرحمة ، والتسامح والتغافر ، فليس هناك الزوج الكامل ، ولا الزوجة الكاملة ، وكل معرّض للخطأ ، وإنما تجمُل الحياة بالتغاضي عن الزلات ، والتعالي على الهفوات ، والتماس الأعذار .
وزوجك مأجور إن شاء الله في صلة رحمه ، وأنت لك أجر كذلك إن صبرت واحتسبت ، وأحببت الخير لغيرك كما تحبينه لنفسك .
وهذا المتصدق المحسن يرجى له من الله تعالى الإكرام والجزاء الحسن والبركة في المال ، وهذا كله يعود عليك بالخير والنفع بإذن الله .(/1)
فنوصيك أيتها الأخت الفاضلة بالصبر والاحتساب ، والتلطف في طلب حاجاتك ومنافعك ، وعدم إرهاق الزوج بها ، كما نوصيه هو بالإحسان إليك وإلى أولاده ، وتوفير ما تحتاجون إليه ، وأن يعلم أن ما ينفقه عليكم من مأكل ومشرب وملبس له أجره عند الله تعالى ، إن احتسب ذلك عنده ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً ) رواه البخاري (5351) ومسلم (1002).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ : أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ) رواه مسلم (995).
ومعنى قوله : ( وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ) أي في تحرير رقبة ، عبد أو أمة .
فهذا الحديث العظيم مما يشجع الزوج على الإنفاق على زوجته وأولاده ، ويرغبه في ذلك ، لأن نفقته عليهم أعظم أجرا من النفقة في سبيل الله وعلى المساكين .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكما ، وأن يبارك في مالكما ويوسع لكما في رزقكما .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96125
العنوان:
حكم الصلاة والسلام على غير الأنبياء
السؤال:
ما حكم القول عليه السلام للصحابي ؟
الجواب:
الحمد لله
استعمال لفظ " عليه السلام " لغير الأنبياء ، فيه خلاف بين أهل العلم ، ملحق بخلافهم في الصلاة عليه انفرادا ، والراجح جوازه إذا فعل أحيانا ، ولم يتخذ شعارا ، يخص به صحابي عمن هو أفضل منه .
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على هذه المسألة في كتابه : "جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ، ونسب القول بالكراهة إلى ابن عباس وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة ومالك وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وأصحاب الشافعي .
ونسب القول بالجواز – نقلا عن القاضي أبي يعلى – إلى : الحسن البصري وخصيف ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير . قال وهو قول الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبي ثور ومحمد بن جرير الطبري.
وساق للمانعين عشرة أدلة ، وللمجيزين أربعة عشر دليلا ، وانتهى إلى قوله : " وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبي إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم ، فإن كان الأول ، فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة .
وأما الثاني : فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا ، فيقال اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين .
وإن كان شخصا معينا أو طائفة معينة كُره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به ، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه ، ولا سيما إذا جعلها شعارا له ومنع منها نظيره أو من هو خير منه ، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه ، فإنهم حيث ذكروه قالوا عليه الصلاة والسلام ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه ، فهذا ممنوع ، لا سيما إذا اتخذ شعارا لا يخل به ، فتركه حينئذ متعين .(/1)
وأما إن صلى عليه أحيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما صلي على دافع الزكاة ، وكما قال ابن عمر : للميت صلى الله عليه ، وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها ، وكما روي عن علي مِن صلاته على عمر ، فهذا لا بأس به ، وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب ، والله الموفق " انتهى من "جلاء الأفهام" ص (465- 482).
وقال ابن كثير رحمه الله بعد ذكر الخلاف ملخصا هذا الخلاف : " وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث: ( اللهم، صل على محمد وآله وأزواجه وذريته ) ، فهذا جائز بالإجماع ، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم .
فقال قائلون : يجوز ذلك ، واحتجوا بقوله: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) ، وبقوله : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) ، وبقوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) ، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ( اللهم صل عليهم ) وأتاه أبي بصدقته فقال: ( اللهم صل على آل أبي أوفى ). أخرجاه في الصحيحين. وبحديث جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صل عَلَيَّ وعلى زوجي. فقال: ( صلى الله عليكِ وعلى زوجك ) .
وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة ؛ لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا ، فلا يلحق بهم غيرهم ، فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه. أوقال : علي صلى الله عليه ، وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: قال محمد عز وجل ، وإن كان عزيزا جليلا ؛ لأن هذا من شعار ذكر الله، عز وجل . وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم ؛ ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى ، ولا لجابر وامرأته ، وهذا مسلك حسن.(/2)
وقال آخرون: لا يجوز ذلك ؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء ، يصلون على من يعتقدون فيهم ، فلا يقتدى بهم في ذلك ، والله أعلم .
ثم اختلف المانعون من ذلك : هل هو من باب التحريم ، أو الكراهة التنزيهية ، أو خلاف الأولى ؟ على ثلاثة أقوال ، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار ، ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه ؛ لأنه شعار أهل البدع ، وقد نهينا عن شعارهم ، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود . قال أصحابنا : والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا: "عز وجل" ، مخصوص بالله سبحانه وتعالى ، فكما لا يقال: "محمد عز وجل" ، وإن كان عزيزا جليلا لا يقال: "أبو بكر -أو: علي -صلى الله عليه". هذا لفظه بحروفه.
قال [أي النووي]: وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا : هو في معنى الصلاة ، فلا يستعمل في الغائب ، ولا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال : "علي عليه السلام"، وسواء في هذا الأحياء والأموات ، وأما الحاضر فيخاطب به ، فيقال : سلام عليكم ، أو سلام عليك ، أو السلام عليك أو عليكم . وهذا مجمع عليه. انتهى ما ذكره .
قلت : وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب ، أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه" وهذا وإن كان معناه صحيحا ، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك ؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه ، رضي الله عنهم أجمعين " انتهى من "تفسير ابن كثير" لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب/56 .(/3)
وقال السفاريني : " هل السلام كالصلاة خلافا ومذهبا أو ليس إلا الإباحة فيجوز أن يقول السلام على فلان وفلان عليه السلام ؟
أما مذهبنا [أي الحنبلي] فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالا بالأولى . وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجويني فمنع أن يقال فلان عليه السلام . وفرق آخرون بينه وبين الصلاة ، فقالوا : السلام يشرع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب , فإنك تقول بلغ فلانا مني السلام , وهو تحية أهل الإسلام بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا يقول المصلي : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " انتهى من "غذاء الألباب" (1/33).
وينظر : الأذكار للنووي ص 274 ، مطالب أولي النهى (1/461) ، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/173) ، الموسوعة الفقهية (27/239).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والصلاة على غير الأنبياء تبعاً جائزة بالنص والإجماع لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً لا تبعاً هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا ؟ فالصحيح جوازها ، أن يقال لشخص مؤمن صلى الله عليه وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على من أتى إليه بزكاته وقال : (اللهم صلى على آل أبي أوفى ) حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم ، إلا إذا اتخذت شعاراً لشخص معين كلما ذكر قيل : صلى الله عليه ، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء ، مثل لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا : صلى الله عليه ، أو كلما ذكرنا عمر قلنا : صلى الله عليه ، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا : صلى الله عليه ، أو كلما ذكرنا علياً قلنا : صلى الله عليه ، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعاراً لشخص معين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".(/4)
والحاصل أنه لا حرج في الصلاة أو السلام على الصحابي منفردا أحيانا ، بأن يقال : أبو بكر عليه السلام ، أو علي عليه السلام ، بشرط ألا يتخذ ذلك شعارا يخص به صحابي دون من هو أفضل منه .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
96144
العنوان:
يعتقد أن أمه سحرت له ووقعت بينه وبينها خصومة
السؤال:
أنا أعتقد أن أمي تسحر لي ، لأسباب أو لأخرى ، وهذا الأمر له نتائج في الواقع ، وهي أنني أصاب بالسحر بين الوقت والآخر ، وأتعالج عند الطبيب النفساني ، لكن دون فائدة .
المشكلة أنني أعتقد أن أمي لن تتورع عن الإقدام على هذا العمل مرة أخرى ، ولا داعي بأن أخبرك بما أقاسيه من الشدائد جراء هذا السحر ، ناهيك عن القعود عن العمل والكسب ، أنا أعتقد أن أمي مجنونة ! لذلك فإنني لا أكلمها ، مع ذلك فهي تود مني أن أترك البيت ، وقالت لي : إذا كنت لا ترغب في الكلام معي : فاخرج من البيت ، هذا كلام مجانين ، لسبب أنه ليس عندي مكان أذهب إليه ، لهذا أجبتها قائلاً : إنني مريض ، ولن أخرج من البيت ، فما كان منها إلا أن ذهبت عند خالتي ثم رجعت في اليوم التالي ، حتى الآن أنا لا أكلمها ، لكنها تتكلم معي كلمات بسيطة مثل " اقفل الباب " ، أو ما أشبه ذلك ، وأنا أبادر للقيام بما أمرتني به ؛ لأنني في الواقع لا أحقد عليها ، أو أسعى في معاندتها - كما تقول هي - ، ولكن لأسباب خارجة عن إرادتي .
أرجو توضيح هذا الأمر ، ووصف العلاج الناجح .
بارك الله فيكم .
الجواب:
الحمد لله
اعلم – أولاً – أن الله تعالى قد أمرك ببر والدتك ، وبالإحسان إليها بالقول والفعل ، وأنه – تعالى – قد نهاك عن الإساءة إليها ولو بقول " أف " .
قال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء/23 .(/1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ .
رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
ولذلك : فإنه يجب عليك ترك إيذائها ، وقولك عنها " مجنونة " لا يليق بك ، فأحسن إليها ، وتودد لها ، ولا تخالف أوامرها فيما لا معصية فيه ؛ ولا يحل لك هجرها ، ومقاطعتها ، وإن فعلت هي ذلك فابذل جهدك لمصالحتها بحسن الكلام وجميل الأفعال .
واعلم – ثانياً – أنه لا يجوز لك اتهام إنسانٍ بعينه أنه سحر لك ، فكيف أن يكون المتهم عندك هو أمك ؟! وأنت بذلك تكون قد اتهمتها بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب قد تصل لحد الكفر ، فلا يحل لك هذا لو كان المتهم أجنبيّاً فكيف وأنت تنسب ذلك الفعل القبيح لأمك من غير بيِّنة ولا برهان ؟! وعاقبة ظلم الآخرين وخيمة ، فكيف بمن كان ظالماً لأمه ؟! .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/58 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقوله : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) أي : ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه ، لم يعملوه ، ولم يفعلوه .
( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) : وهذا هو البهت البيِّن ، أن يحكى ، أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه ، على سبيل العيب والتنقص لهم .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 480 ) .(/2)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
رواه مسلم ( 2578 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
قال القاضي : قيل : هو على ظاهره ، فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم ، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد , وبه فسروا قوله تعالى : ( قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ) أي : شدائدهما ، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات .
" شرح مسلم " ( 16 / 134 ) .
واعلم – ثالثاً – أنك قد لا تكون مسحوراً ، وإنما هي أوهام وخيالات ، وهي تصيب كثيراً من الناس ، ويعتقدونه سحراً ، وليس الأمر كذلك ، فاحرص على طاعة ربك تعالى بأداء الواجبات ، والنوافل ، واحرص على برِّك بأمك ، وداوم على قراءة القرآن ، واحرص على أذكار الصباح والمساء ، وهذه الأمور – إن شاء الله – تقيك الشر والسوء ، وتعالجك من أمراضك الحسية والمعنوية .
والله الموفق(/3)
رقم السؤال:
96194
العنوان:
طلاق الثلاث يقع واحدة على القول الراجح
السؤال:
طلق صديقي زوجته في حالة غضب. طلقها ثلاث طلقات في هذه المرة الواحدة. وقد قرأت على الإنترنت أن الثلاث طلقات تحسب واحدة فهل هذا صحيح؟ وقرأت أن الغضب ثلاثة أنواع فهل هذا صحيح أيضا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اختلف الفقهاء في طلاق الثلاث ، والراجح أنه يقع واحدة ، سواء تلفظ بها بكلمة واحدة كقوله : أنت طالق ثلاثا ، أو تلفظ بها بكلمات متفرقة ، كقوله : أنت طالق أنت طالق أنت طالق ، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ورجحه الشيخ السعدي رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
واستدلوا بما رواه مسلم (1472) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ )
ثانيا :
المطلّق في الغضب له ثلاثة أحوال :
1- إن كان غضبه يسيرا بحيث لا يؤثر على إرادته واختياره فطلاقه صحيح واقع .
2- وإن كان غضبه شديداً بحيث صار لا يدري ما يقول ولا يشعر به فهذا طلاقه لا يقع لأنه بمنزلة المجنون الذي لا يؤاخذ على أقواله .
وهذان الحالان للغضب لا خلاف في حكمهما بين العلماء ، وبقيت حال ثالثة ، وهي :(/1)
3- الغضب الشديد الذي يؤثر على إرادة الرجل فيجعله يتكلم بالكلام وكأنه مدفوع إليه ، ثم ما يلبث أن يندم عليه بمجرد زوال الغضب ، ولكنه لم يصل إلى حد زوال الشعور والإدراك ، وعدم التحكم في الأقوال والأفعال ، فهذا النوع من الغضب قد اختلف العلماء في حكمه ، والأرجح – كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله - أنه لا يقع أيضاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في الإرواء (2047) . والإغلاق فسره العلماء بأنه الإكراه والغضب الشديد .
وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم ، وألف فيه رسالة مشهورة اسمها : إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان .
وانظر جواب السؤال رقم (45174)
وبناء على هذا القول ، فإن كان صديقك قد تكلم بالطلاق في حالة غضب شديد ، فلا يقع عليه شيء من الطلاق ، وإن كان غضبه يسيراً وقعت طلقة واحدة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96198
العنوان:
طلق زوجته وتزوج أختها الحامل لينسب الولد له
السؤال:
لم ينجب صديقي خلال السنوات القليلة الماضية وكانت أخت زوجته حاملا وفي طريقها لإنجاب طفل ورأت إهداءه إلى أختها بحيث تتزوج من زوج أختها الذي لا ينجب لفترة وجيزة. وقد طلق صديقي بالفعل زوجته الأصلية وتزوج من أختها الحامل لمدة شهرين فقط - بعد حملها المسبق بشهرين- ثم رجع إلى زوجته السابقة. والآن لديه طفل واحد من هذه العلاقة ويعيش مع زوجته. رجاء بيان حكم هذا النكاح من كتاب الله في ظل هذه الظروف المذكورة أعلاه. فقد دام هذا النكاح شهرين فقط وحصل الزوج منه على طفل. رجاء بيان حكم هذا النكاح أحلال هو؟ هل ما فعله هذا الزوج حرام؟ وهل هذا الطفل حلال؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد قرأنا هذا السؤال مرات ومرات ، ونحن لا نصدق ما فيه ، وفي كل منه نتهم أنفسنا ، لعلنا لم نفهم السؤال جيداً ، ونتمنى أن يكون فهمنا خاطئاً ، ولكن وضوح السؤال قضى على تلك الأماني.
ألهذا الحد وصل الحال بالمسلمين ؟
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بأسواق المسلمين ويسال التجار في أحكام البيوع والربا ومن جهل الجواب ضربه تعزيراً، ويقول : لا يبيع في سوقنا إلا فقيه.
فماذا عساه أن يفعل لو سمع مثل هذا السؤال.
لقد آلمنا هذا السؤال كثيراً ، وإننا ننتهز الفرصة ونصرخ في المسلمين : لقد أضعتم أنفسكم، وأضعتم الإسلام ، أضعتم أنفسكم بإعراضكم عن العلم الشرعي ، وبجهلكم بأبجديات الإسلام وعلومه الضرورية ، وأضعتم الإسلام حين أعطيتم صورة قاتمة مشوهة عنه.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وأن يرزقنا الفقه في دينه .
والسائل لم يخبرنا عن ذلك الحمل ، هل هو من نكاح أو من زنا؟ وهل هذه الحامل مطلقة أو مات عنها زوجها، أو لا يزال حياً وهي من عصمته ؟(/1)
وهل هذا الرجل الذي طلق زوجته وتزوج أختها انتظر حتى انقضت عدة زوجته المطلقة أم تزوج أختها في العدة ؟
ومهما كان جواب هذه الأسئلة فإنه لن يغير من الحكم الشرعي شيئاً، ولكنه قد يزيد من قائمة المنكرات والأعاجيب في تلك القصة.
ثانياً:
هذا النكاح المسئول عن نكاح باطل ، فإن نكاح المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة في عدتها نكاح باطل بإجماع المسلمين ، قال الله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) يعني بذلك النهي عن عقد النكاح على امرأة وهي في فترة العدة حتى تنتهي عدتها.
وعدة الحامل بوضع الحمل ، قال الله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الطلاق / 4.
فإن كانت حاملاً من الزنى، فإن الأمر أشنع وأقبح، حيث يتضمن عدم المبالاة بهذه الجريمة والتحدث بها وكأنها شيء مباح.
وهذا الحمل لا يمكن أن ينسب لهذا الزوج بأي حال من الأحوال. كيف! وقد خُلق من غير مائه، ولم تكن المرأة زوجة له ، فكيف ينسب إليه ويدعيه ابناً له ؟
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حاملاً من السبي على باب فسطاط ، وكأن صاحبها يريد أن يجامعها ، وهي حامل من غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) رواه مسلم (1441) .
وروى أبو داود ( 2158 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره ) يعني بذلك جماع الحامل من غيره، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
والحاصل : أن هذا النكاح باطل، والولد لا ينسب إلى هذا الزوج، وعلى جميع من اشترك في ذلك ، أو علم ولم ينكر أن يتوبوا إلى الله ، ويندموا على ما فعلوا، ويتبرؤوا من نسبة هذا الولد إلى غير أبيه.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يلهمهم رشدهم.
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
96229
العنوان:
تفوته صلاة العصر لزحام المواصلات فهل يصليها في الباص ؟
السؤال:
كيف نصلي العصر أثناء ازدحام المرور في مدينة القاهرة ونحن لم نكن على وضوء ونكون في سيارة الميكروباص أو سيارة ملاكي فلا نقدر أن نترك السيارة في وسط الطريق لنصلي علي جنب الطريق وليس بجوارنا مسجد ثم صلاة العصر كانت الساعة 3 وعلى ما نصل إلى البيت يكون المغرب قد أذن .. فما هو الحل في هذا الموقف ؟ .. وأيضا نفس الأمر مشابه في سفر الطالب للجامعة أنا أصلي الفجر في المسجد ثم أنطلق للمعهد فأصلي الظهر بعد وقته بفترة بسبب المحاضرات وقد يكون وقته مضى .. ثم أركب القطار لأرجع لبلدي لكن العصر يؤذن على محطة القطار فأركب القطار لأرجع لبلدي , وقد أصل بعد غروب الشمس , وهذا الموقف يتكرر 3 أيام في الأسبوع , وللعلم المسافة من بيتي وبلدي للجامعة أو المعهد حوالي 60 كم ..
الجواب:
الحمد لله
يجب أداء الصلاة في مواقيتها كما أمر الله تعالى بقوله : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 ، وقال : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 ، وينبغي الحذر من تضييعها وتأخيرها عن وقتها ؛ لقوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 .
وقد جاء في شأن صلاة العصر خاصة قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553).
ومن علم أن الصلاة قد تفوته أثناء تنقله بسبب زحام المواصلات ، فعليه أن يحتاط لصلاته ، وأن يؤديها قبل الركوب ، أو يعجل بالركوب ليتمكن من أداء الصلاة فور نزوله .(/1)
ومن تأمل أحوال الناس وجد كثيراً منهم لا يهتم بأمر الصلاة ، ولا يحتاط لها ، وقد يُؤَذَّن للصلاة ، فيمضي ليلحق بإحدى المركبات دون أن يصلي ، فيخرج عليه الوقت ، وقد يتمكن من أدائها فور نزوله ، فيؤخرها حتى يصل إلى بيته فتفوته ، وهذا كله تفريط وتضييع لأمر هذه العبادة العظيمة .
لكن لو قُدّر أن الإنسان ركب سيارة قبل دخول الوقت ، ولم يمكنه إيقافها لأداء الصلاة ، وغلب على ظنه أن الصلاة ستفوته إن أخرها إلى نزوله ، فإن كانت الصلاة مما تجمع إلى ما بعدها ، كالظهر مع العصر ، أو المغرب مع العشاء ، أخرها لوقت الثانية ، ولو لم يكن مسافرا ؛ لأن الجمع يجوز عند الحاجة ولو في الحضر . وإن كانت الصلاة لا تجمع مع ما بعدها ، كالعصر مع المغرب ، فإنه يصليها راكبا ، ويومئ بالركوع والسجود ، فإن لم يكن على وضوء تيمم ، ولا يجوز له تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها .
وينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون على طهارة في جميع الأحوال .
وكذلك إذا كنت تخشى من فوات وقت صلاة العصر بسبب ركوبك القطار , فإنك تجمعها جمع تقديم مع الظهر .
وقد ذكرت في سؤالك أنك تصلي صلاة الظهر أحياناً بعد وقتها بسبب المحاضرات , وهذا لا بأس به إذا احتجت إلى ذلك , ولكنك في هذه الحال تنوي جمعها مع صلاة العصر جمع تأخير.
وقد ذكرت أن المسافة بين بلدك والجامعة حوالي 60 كلم , وهذا لا يؤثر على جواز الجمع بين الصلاتين عن الحاجة إلى ذلك لأن الجمع بين الصلاتين جائز في الحضر وفي السفر , إذا وجدت مشقة في فعل كل صلاة في وقتها .(/2)
وقد دل على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر , ما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا نويت السفر وصليت الظهر في مكان إقامتي فهل يجوز لي تقديم العصر وجمعه مع الظهر إذا خشيت أن تفوتني صلاة العصر ؟ خصوصاً وأن السيارة ليست ملكاً لي وقد لا تقف في الطريق إلا بعد الغروب ؟ وهل يجوز أن أصلي وأنا جالس في السيارة وهي سائرة في طريقها ؟
فأجاب : " لا بأس أن تجمع في هذه الحال لأن الجمع رخصة , كلما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع , ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر . قيل له : ما أراد بذلك ؟ قال : أن لا يحرج أمته . أي : أن لا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها , فإذا كنت تعرف أن هذه السيارة ليست بيدك , وأنها قد لا تتوقف إذا سارت من بعد الظهر إلى بعد الغروب فإنه يجوز لك أن تجمع الظهر إلى العصر وأنت في منزلك , ولكن تصليها في هذه الحال أربعاً , لا تصليها ركعتين , لأنك لم تبدأ السفر الآن " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل رحمه الله أيضاً عن فتاة تقول بأنها طالبة وأحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة , ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد , تتعدى أحياناً ثلاثة فروض , فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟(/3)
فأجاب : " أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال لأنه حاجة , فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر , أو بين المغرب والعشاء ، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً فإنه لا يجوز , إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال , وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصليها على أي حالٍ كانت ، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها .
والخلاصة : أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما ، وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر إما تقديماً وإما تأخيراً , والجمع بين المغرب والعشاء إما تقديماً وإما تأخيراً , حسبما تكون الحاجة داعية إليه " انتهى من "فتاوى نور الدرب".
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
96272
العنوان:
أثر خروج الدم وماء الجروح على الطهارة والصلاة
السؤال:
أنا مصاب ببثور الشباب والتي تظهر في الوجه والكتف . وهذه البثور قد تلتهب وتتورم وفي النهاية قد تنفتح ويخرج دم منها وفي بعض الأحيان سائل أصفر ينتج عن هذا الالتهاب . وقد يحدث أن هذا الدم يصيب ثيابي ، فهل يجب علي استبدال هذه الملابس وغسلها إذا أردت الصلاة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الدم الخارج من غير السبيلين ، مختلف فيه بين الفقهاء ، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45666) ، وان الراجح أنه لا ينقض الوضوء ، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
ثانيا :
ما أصاب ثيابك من الدم أو القيح ، إن كان يسيرا ، فلا حرج عليك في الصلاة بها ، وإن كان كثيرا لزمك غسلها أو تبديلها في قول جمهور الفقهاء .
ومال بعض أهل العلم إلى أن الدم الخارج من بدن الإنسان من غير السبيلين طاهر غير نجس.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا ؛ لأن النص والقياس يدلان عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (1/443).(/1)
رقم السؤال:
96273
العنوان:
هل الوسواس القهري عيب يجب إخبار الخاطب به ؟
السؤال:
هل الفتاة التي تعاني من الوسواس القهري أو غيره وهى لم تخبر أحدا به فلا أحد يعلم ما في نفسها إلا الله تعالى وهي تجاهد هذا الوسواس إذا تقدم لخطبتها شخص تخبره بذالك أم تكتم؟ خاصة وأن إخباره سيكون عقبة في شفائها لأنه سيزداد....وبماذا تنصحها يا فضيلة الشيخ؟ وما هي العيوب التي يجب على الخاطب معرفتها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الوسواس القهري ، وغيره من أنواع الوساوس علاجه بالذكر والطاعة ، وإغفال الوسوسة وإهمالها ، وتحتاج بعض الحالات إلى مراجعة الطبيب النفسي ، وينظر جواب السؤال رقم (39684) ، ورقم (41027) لمزيد الفائدة .
ثانيا :
الراجح من قولي الفقهاء أن كل عيب يفوت به مقصود النكاح ، وينفر أحد الزوجين من الآخر ، أنه يجب بيانه ، ويثبت به خيار الفسخ في حال الاطلاع عليه بعد كتمانه .
قال ابن القيم رحمه الله : " والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " انتهى من "زاد المعاد" (5/166).
وقال : " ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب " .
وقال : " وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته ، وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري ، فكيف بالعيوب في النكاح ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية أو أبي الجهم : " أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب ، فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه ، وجعلِ هذا العيب غِلاًّ لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه " انتهى من "زاد المعاد" (5/168).(/1)
وعلى هذا فمن كانت مبتلاة بالوسوسة ، ينظر في حالها ، فإن كانت وسوستها تمنعها من القيام بمصالح زوجها ، وتنفّره من العيش معها ، لزمها إخباره بذلك ، وهذا خير لها من أن تكتمه وتغشه ، ثم قد يلجأ لمفارقتها ، أو يبغضها لكونها أخفت عنه هذا العيب .
وإن كانت وسوستها لا تؤثر على حياتها مع زوجها ، ولا تستدعي نفوره منها ، فهذه ليست عيبا ، ولا يلزمها إخباره بحالها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96278
العنوان:
الاتصال على برامج السحرة والكهنة لطلب الرقية
السؤال:
لدي أخت كبيره عمرها 27عاما هي لم تتزوج لحد الآن ، مع العلم أنها جميله ومتعلمة ومحافظة على فروض دينها وسننه ، وكانت تعمل في مجال مختلط مع العلم بأنها طبيبه ولكنها محجبة لا يبدو منها غير عينيها ويديها عند ضرورة العلاج وجاء شيخ وقرأ عليها لم يكن معها أي عله وطلب منها الشيخ أن تقرا بعض الآيات القرآنية ولكن لحد الآن ودون جدوى عندما يأتي أحد ليخطبها يحصل هناك نوع من الاضطراب في البيت وكأننا مسحورين ماذا افعل ؟ وهناك سؤال آخر : أن هناك بعض القنوات الفضائية تعرض برامج ، يتصل عليهم المشاهدون فيطلب المقدم منهم ذكر اسم أحد الوالدين أو الزوج وغيرها أو الحروف الأولى من الاسم وبعده يقول للمتصل أن يقرأ بعض الآيات القرآنية التي تفيدهم مع العلم أن المقدم يعلم علة المتصل إذا أخبره باسمه أو اسم أحد والديه فما حكم هذه القنوات بالتفصيل
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تأخر الزواج قد يكون لأسباب عادية ، إذ ليس كل امرأة يستريح لها الخاطب ولو كانت جميلة ، والأمر كله بتقدير الله تعالى ، يقدم من يشاء ويؤخر من يشاء ، لا معقب لحكمه سبحانه .
وقد يكون ذلك لسبب آخر من سحر أو عين ، وعلاج ذلك يكون بالرقية الشرعية ، والمواظبة على الطاعات ، وترك الذنوب والمعاصي ، والمداومة على الذكر ، ومن ذلك : أذكار الصباح والمساء ، والنوم والاستيقاظ ، ودخول المنزل والخروج منه ، والأكل والشرب ، وقراءة سورة البقرة في البيت كل ثلاث ليال مرة ، وراجع السؤال رقم (12918) و (6530)
ثانيا :
لا يجوز الاتصال على البرامج المذكورة لأن القائمين عليها من السحرة والكهنة الذين لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم (2230) .(/1)
وفي مسند الإمام أحمد (9252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 5939).
والعراف ، قال بعض العلماء : هو من يخبر عن الأمور الماضية بأشياء يستدل بها . وقيل : العراف هو الكاهن ، وهو الذي يخبر عن الغيبيات في المستقبل .
وكلاهما تتنزل عليهم الشياطين ، ولهذا يسألون الشخص عن اسم أمه ، ليخبرهم الجن بحاله وماضيه .
فالحذر الحذر من سؤالهم ، أو الاغترار بحالهم ، ولو قرؤوا القرآن ، لأنهم يفعلون ذلك حيلة وتلبيسا على الناس ، وإلا فهم من أكفر الناس بالقرآن ، يضعونه في النجاسات والقاذورات ، ومن صلى منهم صلى للجان ، لا للرحمن ، لأن الجن لا يطيعهم ولا يخدمهم إلا بهذا الكفر العظيم ، وبغيره من صور الكفر . ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الشعراء/221-222
وقد انتشر هؤلاء السحرة عبر هذه البرامج ، وخفي حالهم على كثير من الناس ، وانخدعوا بما يذكرونه أحيانا من أمور الدين ، وهم دجالون مبطلون ، يفرقون بين المرء وزوجه ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم .
نسأل الله لنا ولكم العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96280
العنوان:
النهي عن كف الثوب والشعر في الصلاة
السؤال:
حديث النهي عن الكفت في الصلاة هل معناه أن لا أكفت أثناء الصلاة أم لا أدخل الصلاة أصلا وأنا كافت ملابسي ؟
الجواب:
الحمد لله
جاء النهي عن كف الثياب في الصلاة فيما رواه البخاري (816) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ، وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا )
والكف والكفت هو جمع الثوب لئلا يقع على الأرض عند السجود .
ولا فرق بين أن يفعل ذلك أثناء الصلاة أو قبلها ، فكلاهما داخل في النهي ، عند جمهور العلماء .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" : " وَالْكَفْت هُوَ الضَّمّ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَفّ .
وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَجْمَع ثِيَابه وَلَا شَعْره , وَظَاهِره يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْي عَنْهُ فِي حَال الصَّلَاة , وَإِلَيْهِ جَنَحَ الدَّاوُدِيّ , وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّف بَعْد قَلِيل " بَاب لَا يَكُفّ ثَوْبه فِي الصَّلَاة " وَهِيَ تُؤَيِّد ذَلِكَ , وَرَدَّهُ عِيَاض بِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور , فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاء فَعَلَهُ فِي الصَّلَاة أَوْ قَبْل أَنْ يَدْخُل فِيهَا , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِد الصَّلَاة , لَكِنْ حَكَى اِبْن الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَن وُجُوب الْإِعَادَة , قِيلَ : وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبه وَشَعْره عَنْ مُبَاشَرَة الْأَرْض أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّر " انتهى .
وتبين من هذا أن علة النهي هي البعد عن التكبر ، وأضاف بعضهم علة أخرى وهي أن الكفت يمنع من سجود الثوب والشعر معه .(/1)
وقال زكريا الأنصاري : " ويكره للمصلي ضم شعره وثيابه في سجوده , أو غيره لغير حاجة . فمن ذلك : أن يشمّر ثوبه , أو كمه , والحكمة في النهي عنه أن يسجد معه ، سواء أتعمده للصلاة أم كان قبلها لمعنى ( أي : لسبب ) ، وصلى على حاله . قال الزركشي : وينبغي تخصيصه في الشعر بالرجل أما في المرأة ففي الأمر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئتها المنافية للتجميل " انتهى من "أسنى المطالب" (1/162) باختصار .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يعدّ تشمير الأكمام من الكفت المنهي عنه في الصلاة ، وإذا كان من الكفت فهل يختلف حكمه لو أني دخلت في الصلاة كنت على هيئة التشمير هذه قبل أن أدخل فيها أي أني لم أفعل هذا التشمير في أثناء الصلاة أم أنهما سواء ؟
فأجابوا :
لا يجوز تشمير الأكمام بكفها أو ثنيها لئلا تقع على الأرض عند السجود ، في أثناء الصلاة ، ولا قبل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا ) رواه البخاري ومسلم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/35)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96297
العنوان:
اشتراط البنك الإسلامي تأمينا تجاريا في عملية القرض الحسن!
السؤال:
يُفرض علينا تأمين تجاري شامل للحصول على قرض غير ربوي من أحد البنوك الإسلامية كيف أصنع مع هذا التناقض ?
الجواب:
الحمد لله
قيام البنك بإقراض الناس قرضا حسنا خاليا من الربا ، عملٌ صالح يشكر ويؤجر عليه ، وللبنك أن يطلب رهنا أو كفيلا ، توثقة لدينه ، وليس له أن يشترط تأمينا تجاريا محرما ؛ لما في ذلك من إلجاء المقترض إلى الدخول في عقد التأمين المحرم ، القائم على الربا والميسر ، وراجع في حكم التأمين السؤال رقم (8889) ورقم (83035)
ولا يجوز لأحد الإقدام على هذا التأمين ، لأجل القرض أو غيره ،
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : قامت الحكومة مؤخرا بإلغاء الأرباح المفروضة على سلف المصرف العقاري ، الفوائد الربوية ، ولكنها اشترطت على من يريد الاستلاف من المصرف العقاري لبناء دار له أن يؤمن على داره لدى شركة التأمين ، تأمين على المسكن ، وذلك بأن يدفع مبلغا معينا من المال مرة واحدة فقط لشركة التأمين ، يحق له لو تضرر السكن أن يطالب شركة التأمين بدفع مبلغ السلفة إلى المصرف العقاري . فهل يجوز أخذ سلفة المصرف العقاري على هذا الشرط ، وإذا لم يجز ذلك على هذا الشرط ، فهل يجوز أخذها على أن يوصي صاحب الدار المستلف ورثته من بعده ألا يأخذوا تعويض شركة التأمين ، وإنما يجب عليهم هم دفع قيمة السلفة إلى المصرف العقاري ، كما أنه هو لا يأخذ هذا التعويض لو بقي حيا ؟
فأجابوا :
" هذا النوع من التأمين من التأمين التجاري ، وهو محرم ؛ لما يشتمل عليه من الغرر والربا والجهالة ، ولا يجوز لك أن تقدم على أخذ القرض من البنك ، مع الالتزام بشرط تأمين ما للمسكن الذي تريد أن تبنيه بقرض من بنك التسليف العقاري ، وبالله التوفيق " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/254)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96306
العنوان:
الملائكة هل يموتون ، وهل هم ذكور ؟
السؤال:
عن الملائكة : هل يموتون ؟ وهل هناك ملائكة ذكور وإناث ؟ وهل يكون بينهم تناسل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الذي عليه أكثر الناس أن الملائكة يموتون ، وأن ملك الموت يموت ، لكن ليس في هذا نص صحيح صريح ، بل جاء فيه نصوص محتملة ، وجاء فيه حديث الصور المشهور ، وهو حديث منكر . انظر : ضعيف الترغيب والترهيب رقم (2224).
ومما ورد في هذا الباب ، قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) القصص/88
قال ابن كثير رحمه الله : " يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون ، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم ؛ فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت ، بل هو الحي الذي لا يموت أبدا " ( تفسير القرآن العظيم 4/273) .
وقال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/68
وروى البخاري ( 7383 ) ومسلم ( 2717 ) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون ).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون ؟
فأجاب : " الذي عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة ، وحتى عزرائيل ملك الموت ، وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .(/1)
والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه ، وإنما يخالف في ذلك طوائف من المتفلسفة أتباع أرسطو وأمثالهم ، ومن دخل معهم من المنتسبين إلى الإسلام أو اليهود والنصارى ، كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم ممن زعم أن الملائكة هي العقول والنفوس ، وأنه لا يمكن موتها بحال ، بل هي عندهم آلهة وأرباب لهذا العالم .
والقرآن وسائر الكتب تنطق بأن الملائكة عبيد مدبرون كما قال سبحانه ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً ) ، وقال تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) ، وقال : ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) . والله سبحانه قادر على أن يميتهم ثم يحييهم ، كما هو قادر على إماتة البشر والجن ثم إحيائهم ، وقد قال سبحانه ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) .
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ، وعن غير واحد من الصحابة أنه قال : ( إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة مثل الغشي ) وفى رواية ( إذا سمعت الملائكة كلامه صعقوا ) وفى رواية ( سمعت الملائكة كجرّ السلسلة على الصفوان فيصعقون فإذا فزع عن قلوبهم ) أي أزيل الفزع عن قلوبهم ( قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق فينادون الحق الحق ) .(/2)
فقد أخبر في هذه الأحاديث الصحيحة أنهم يصعقون صعق الغشي ، فإذا جاز عليهم صعق الغشي جاز صعق الموت
وأما الاستثناء [ أي قوله سبحانه : إلا من شاء الله ] فهو متناول لمن دخل في الجنة من الحور العين ، فإن الجنة ليس فيها موت ، ومتناول لغيرهم ، ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله ، فإن الله أطلق في كتابه ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي قال ( إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى آخذا بساق العرش فلا أدرى هل أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله ) ... ؛ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر بكل من استثنى الله لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك ، وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الأنبياء ، وأمثال مما لم يخبر به ، وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر ، والله أعلم
" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/259).
وقال السيوطي رحمه الله : " سئلت: هل تموت الملائكة بنفخة الصعق ويحيون بنفخة البعث؟ والجواب: نعم ، قال تعالى: ( وَنُفِخَ فِي الصَورِ فَصَعِقَ مَن فَي السَمَواتِ وَمَن فَي الأَرضِ إِلا مَن شاءَ الله) وتقدم في أول الكتاب أن المستثنى حملة العرش وجبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت ، وأنهم يموتون على أثر ذلك.
وتقدم عن وهب أن هؤلاء الأملاك الأربعة أول من خلقهم الله من الخلق ، وآخر من يميتهم ، وأول من يحييهم " .
ثم أيد كلامه بما جاء من النص على موت أهل السماء وأهل الأرض ، حتى جبريل وميكائيل وإسرافيل ، وحملة العرش ، ثم موت ملك الموت في آخر الأمر ..
انظر : الحبائك في أخبار الملائك " ص ( 91 ) .
لكن النص المشار إليه ، والذي نقله السيوطي في كلامه ، هو نفسه حديث الصور الذي أشرنا إلى ضعفه ونكارته في أول الإجابة .
وسئلت اللجنة الدائمة : أفتونا عن الملائكة الموكلين بالإنسان لإحصاء أعماله في مدة الحياة وهم رقيب وعتيد عندما يموت الإنسان، هل يموت الملكان الموكلان به أو أين يكون مصيرهما بعد وفاة الإنسان؟(/3)
فأجابت: أحوال الملائكة وشؤونهم من الغيبيات، ولا تعرف إلا من قبل السمع، ولم يرد نص في موت كتبة الحسنات والسيئات عند موت من تولوا كتابة حسناته وسيئاته، ولا نص ببقاء حياتهم ولا عن مصيرهم، وذلك إلى الله وليس ما سئل عنه مما كلفنا اعتقاده، ولا يتعلق به عمل، فالسؤال عن ذلك دخول فيما لا يعني؛ لذا ننصح السائل أن لا يدخل فيما لا يعنيه، ويبذل جهده في السؤال عما يعود عليه وعلى المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/185)
ثانيا :
الملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ، أما الأنوثة ، فلأن الله تعالى نفى ذلك عنهم فقال : ( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) الزخرف/19
وقال : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ) الصافات/150
وأما الوصف بالذكورة فلعدم وروده .
قال الحليمي في المنهاج ثم القونوي في مختصره : وقد قيل إن أصحاب الأعراف ملائكة يحبون أهل الجنة ويبكّتون أهل النار، وهو بعيد لوجهين: أحدهما قوله تعالى (وَعَلى الأَعرافِ رِجالُ) والرجال: الذكور العقلاء ، والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث، والثاني إخباره تعالى عنهم وأنهم يطمعون أن يدخلوا الجنة ، والملائكة غير محجوبين عنها كيف والحيلولة بين الطامع وطمعه تعذيب له ولا عذاب يومئذ على ملك. انتهى .
نقله السيوطي في الحبائك ص (88)
وقال الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس : " ونقول إن من قال بأنهم إناث فقد كفر لمخالفته كتاب الله ، ولا يقال إنهم ذكور ؛ إذ لم يرد في ذلك نص صحيح " انتهى من "اعتقاد أهل السنة".
ثالثا :
الملائكة لا يتناكحون ولا يتناسلون ، وقد حكي الاتفاق على ذلك .
قال الرازي رحمه الله في تفسيره: " اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون " انتهى .(/4)
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
96310
العنوان:
وزع عليهم المدير مبلغا يخص المكتب وسمح لهم باستعمال سياراتهم الخاصة
السؤال:
أعمل بوكالة أجنبية بالقاهرة جميع العاملين من المصريين والمدير أجنبي. قام المدير بتوزيع مبلغ خاص بإيجار سيارات لاستعمال المكتب على العاملين على أن يستخدم العاملون سياراتهم الخاصة وتركها لاستعمال المكتب عند الحاجة. وذلك على سبيل المكافأة أو رفع مستوى الدخل, وذلك خارج عن سياسة الشركة الأم بالخارج. فهل هذا المال حلال أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن المدير فعل ذلك على سبيل المكافأة ورفع مستوى الدخل ، فلا حرج في أخذ المال ، ولو كان هذا النظام خارجا عن سياسة الشركة الأم ؛ لأنه يعود على العمل بالمصلحة والفائدة ، والغالب أن المدير لم يفعل ذلك إلا وهو يعلم ولديه صلاحية لاتخاذ مثل هذا القرار .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96323
العنوان:
عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية وثناء الأئمة عليه وموقف ابن حجر منه
السؤال:
رجاءً الإجابة على سؤالي عن عقيدة الشيخ ابن تيمية ، حيث قرأت أنه انحرف عن العقيدة الصحيحة ، وأنه وصف الله بصفات البشر ، أيضاً قرأت أن علماء مثل ابن حجر العسقلانى لا يقدرونه ، هل يمكنكم توضيح هذه المسألة لي ؟ . شكراً لكم ، والسلام عليكم .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يُعدُّ شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية من المجددين البارزين في الإسلام ، وقد وُلد – رحمه الله – عام 661 هـ وتوفي عام 728 هـ ، وإذا كان أثر المجدد عادة في زمانه وقرنه فإن أثر شيخ الإسلام ابتدأ في زمانه ولا يزال أثره إلى الآن على العلماء وطلاب العلم والجماعات الإسلامية التي تنتسب للسنَّة ، ولا يزال أهل العلم ينهلون من علمه في الرد على أعداء الدين من اليهود والنصارى ، والفرق المنسبة للإسلام كالرافضة والحلولية والجهمية ، والفرق المبتدعة كالأشعرية والمرجئة .
وتحقيقاته في مسائل الفقه والحديث والتفسير والسلوك أشهر من أن نذكر نماذج لها ، فكتبه ومؤلفاته شاهدة عليها ، وليس هو – رحمه الله – بحاجة لمن يزكيه من أمثالنا ، بل علمه وفقهه حاضر شاهد لا ينكره إلا جاهل أو جاحد .
ثانياً :
وشهادات الأئمة في عصره ، وبعد عصره تبين للمنصف كذب الادعاءات التي يفتريها أعداء الملة ، وأعداء السنَّة على هذا الإمام العلَم ، وفي ثنايا هذه التزكيات بيان علم وفقه وقوة حجة هذا الإمام ، وبه يُعرف السبب الذي حاربه من أجله أهل الكفر والبدعة ، وهو أنه هدم أصولهم فخرَّ عليهم السقف من فوقهم ، وسنذكر في بعض هذه الشهادات صحة اعتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية ، ونصرته للسنَّة ، ورده على أهل البدع والخرافات .(/1)
وهذه التزكيات والشهادات لهذا الإمام لم تكن من تلامذته وأصحابه فحسب ، بل شهد له حتى مخالفوه بالإمام والتقدم في العلم والفقه ، وقوة الحجة ، بل وشهدوا له بالشجاعة والسخاء والجهاد في سبيل الله لنصرة الإسلام ، وهذه بعض الشهادات والتزكيات :
1. قال الإمام الذهبي – رحمه الله - في " معجم شيوخه " :
هو شيخنا ، وشيخ الإسلام ، وفريد العصر ، علماً ، ومعرفة ، وشجاعة ، وذكاء ، وتنويراً إلهيّاً ً، وكرماً ، ونصحاً للأمَّة ، وأمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، سمع الحديث ، وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته ، وخرج ، ونظر في الرجال ، والطبقات ، وحصَّل ما لم يحصله غيره .
برَع في تفسير القرآن ، وغاص في دقيق معانيه ، بطبع سيَّال ، وخاطر إلى مواقع الإِشكال ميَّال ، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها ، وبرع في الحديث ، وحفِظه ، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث ، معزوّاً إلى أصوله وصحابته ، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل ، وفاق الناس في معرفة الفقه ، واختلاف المذاهب ، وفتاوى الصحابة والتابعين ، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب ، بل يقوم بما دليله عنده ، وأتقن العربيَّة أصولاً وفروعاً ، وتعليلاً واختلافاً ، ونظر في العقليات ، وعرف أقوال المتكلمين ، وَرَدَّ عليهم ، وَنبَّه على خطئهم ، وحذَّر منهم ، ونصر السنَّة بأوضح حجج وأبهر براهين ، وأُوذي في ذات اللّه من المخالفين ، وأُخيف في نصر السنَّة المحضة ، حتى أعلى الله مناره ، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له ، وَكَبَتَ أعداءه ، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل ، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً ، وعلى طاعته ، أحيى به الشام ، بل والإسلام ، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولى الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم ، فظُنت بالله الظنون ، وزلزل المؤمنون ، واشْرَأَب النفاق وأبدى صفحته .(/2)
ومحاسنه كثيرة ، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي ، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت : إني ما رأيت بعيني مثله ، وأنه ما رأى مثل نفسه .
انظر " ذيل طبقات الحنابلة " لابن رجب الحنبلي ( 4 / 390 ) .
2. وقال الحافظ عماد الدين الواسطي – رحمه الله - :
والله ، ثم والله ، لم يُرَ تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية ، علماً ، وعملاً ، وحالاً ، وخلُقاً ، واتِّباعاً ، وكرماً ، وحلْماً ، وقياماً في حق الله تعالى عند انتهاك حرماته ، أصدق النَّاس عقداً ، وأصحهم علماً وعزماً ، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همةً ، وأسخاهم كفّاً ، وأكملهم اتباعاً لسنَّة محمد صلى الله عليه وسلّم ، ما رأينا في عصرنا هذا مَن تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة .
" العقود الدرية " ( ص 311 ) .
3. وقال الحافظ جلال الدين السيوطي – رحمه الله - :
ابن تيمية ، الشيخ ، الإمام ، العلامة ، الحافظ ، الناقد ، الفقيه ، المجتهد ، المفسر البارع ، شيخ الإسلام ، علَم الزهاد ، نادرة العصر ، تقي الدين أبو العباس أحمد المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني .
أحد الأعلام ، ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة ، وسمع ابن أبي اليسر ، وابن عبد الدائم ، وعدّة .
وعني بالحديث ، وخرَّج ، وانتقى ، وبرع في الرجال ، وعلل الحديث ، وفقهه ، وفي علوم الإسلام ، وعلم الكلام ، وغير ذلك .
وكان من بحور العلم ، ومن الأذكياء المعدودين ، والزهاد ، والأفراد ، ألَّف ثلاثمائة مجلدة ، وامتحن وأوذي مراراً .
مات في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة .
" طبقات الحفاظ " ( ص 516 ، 517 ) .(/3)
وقد طعن ابن حجر الهيتمي [ من كبار فقهاء الشافعية ، توفي 974هـ ، وهو شخص آخر غير ابن حجر العسقلاني ، صاحب فتح الباري ، المتوفي 852هـ ] في شيخي الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كثيراً ، واتهمهما بالقول بالتجسيم والتشبيه وقبائح الاعتقادات ، وقد ردَّ عليه كثيرون ، وبينوا زيف قوله ، وأظهروا براءة الإمامين من كل اعتقاد يخالف الكتاب والسنة ، ومن هؤلاء :
4. الملا علي قاري – رحمه الله – حيث قال – بعد أن ذكر اتهام ابن حجر لهما وطعنه في عقيدتهما - :
أقول : صانهما الله – أي : ابن القيم وشيخه ابن تيمية - عن هذه السمة الشنيعة ، والنسبة الفظيعة ، ومن طالع " شرح منازل السائرين " لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري قدس الله سره الجلي ، وهو شيخ الإسلام عند الصوفية : تبيَّن له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة ، بل ومن أولياء هذه الأمة ، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور :
" وهذا الكلام من شيخ الإسلام يبين مرتبته من السنَّة ، ومقداره في العلم ، وأنه بريء مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل ، على عادتهم في رمي أهل الحديث والسنَّة بذلك ، كرمي الرافضة لهم بأنهم نواصب ، والناصبة بأنهم روافض ، والمعتزلة بأنهم نوابت حشوية ، وذلك ميراث من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في رميه ، ورمي أصحابه بأنهم صبأة ، قد ابتدعوا ديناً محدثاً ، وهذا ميراث لأهل الحديث والسنة من نبيهم بتلقيب أهل الباطل لهم بالألقاب المذمومة .
وقدس الله روح الشافعي حيث يقول وقد نسب إلى الرفض :
إن كان رفضا حب آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي
ورضي الله عن شيخنا أبي العباس بن تيمية حيث يقول :
إن كان نصباً حب آل محمد *** فليشهد الثقلان أني ناصبي
وعفا الله عن الثالث – وهو ابن القيم - حيث يقول :
فإن كان تجسيماً ثبوت صفاته *** وتنزيهها عن كل تأويل مفتر(/4)
فإني بحمد الله ربي مجسم *** هلموا شهوداً واملئوا كل محضرِ " .
" مرقاة المفاتيح " لملا علي القاري ( 8 / 146 ، 147 ) .
وما بين علامتي التنصيص " " نقله الملا علي قاري عن الإمام ابن القيم من كتابه " مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين " ( 2 / 87 ، 88 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
يقول الناس : إن ابن تيمية ليس من أهل السنة والجماعة ، وإنه ضال مضل ، وعليه ابن حجر ، وغيره ، هل قولهم صدق أم لا ؟ .
فأجابوا :
إن الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية إمام من أئمة أهل السنة والجماعة ، يدعو إلى الحق ، وإلى الطريق المستقيم ، قد نصر الله به السنَّة ، وقمع به أهل البدعة والزيغ ، ومن حكم عليه بغير ذلك : فهو المبتدع ، الضال ، المضل ، قد عميت عليهم الأنباء ، فظنوا الحق باطلاً ، والباطل حقّاً ، يَعرف ذلك من أنار الله بصيرته ، وقرأ كتبه ، وكتب خصومه ، وقارن بين سيرته وسيرتهم ، وهذا خير شاهد وفاصل بين الفريقين .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 451 ، 254 ) .
ثالثاً :
كلام الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي - رحمه الله – في شيخ الإسلام ابن تيمية :(/5)
الحافظ ابن حجر العسقلاني إمام مشهور ، توفي عام 852 هـ ، وهو صاحب التصانيف النافعة ، مثل " فتح الباري شرح صحيح البخاري " ، و " التلخيص الحبير " ، و " تهذيب التهذيب " وغيرها ، وكان للحافظ ابن حجر كلمات متفرقات في شيخ الإسلام ابن تيمية ، شهد له بها بالعلم والفضل والدفاع عن السنَّة ، وما ينتقده الحافظ ابن حجر – رحمه الله – على شيخ الإسلام قابل للنقض ، وهو نفسه – رحمه الله – هناك من تعقبه في بعض المسائل العقيدية ، ولا يهمنا هنا عرض ذلك ، والبحث فيه ، وإنما يهمنا نقل كلامه – رحمه الله – في شيخ الإسلام ثناء ومدحاً ؛ ليتبين خطأ من قال إن الحافظ – رحمه الله – لا يقدِّر شيخ الإسلام ابن تيمية ! .
وهذه نُبذ من كلام الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في حق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
1. ألَّف الشيخ ابن ناصر الدين الدمشقي كتاباً سماه " الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر " ردّاً على واحدٍ متعصبي الأحناف زعم أنه لا يجوز تسمية ابن تيمية بـ " شيخ الإسلام " ، وأنه من فعل ذلك فقد كفر ! ، وقد ذكر فيه خمساً وثمانين إماماً من أئمة المسلمين كلهم وصف ابن تيمية بـ " شيخ الإسلام " ، ونقل أقوالهم من كتبهم بذلك ، ولما قرأ الحافظ بن حجر رحمه الله هذا الكتاب – " الرد الوافر " - كتب عليه تقريظاً ، وهذا نصه :
الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى .(/6)
وقفتُ على هذا التأليف النافع ، والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع ، فتحققت سعة اطلاع الإمام الذي صنفه ، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرَّفه ، وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس ، وتلقيبه بـ " شيخ الإسلام " في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية ، ويستمر غداً كما كان بالأمس ، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره ، أو تجنب الإنصاف ، فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره ، فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا ، وحصائد ألسنتنا بمنِّه وفضله ، ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبَّه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في " تاريخه " : أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين ، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدّاً شهدها مئات ألوف ، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك : لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته ، وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد ، وكان أمير بغداد وخليفة ذلك الوقت إذا ذاك في غاية المحبة له والتعظيم ، بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائباً ، وكان أكثر مَن بالبلد مِن الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوساً بالقلعة ، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس ، تأخروا خشية على أنفسهم من العامة .
ومع حضور هذا الجمع العظيم : فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته ، لا بجمع سلطان ، ولا غيره ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أنتم شهداء الله في الأرض ) - رواه البخاري ومسلم - .(/7)
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً ، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع ، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ، وبدمشق ، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ، ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة ، حتى حبس بالقاهرة ، ثم بالإسكندرية ، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه ، وكثرة ورعه ، وزهده ، ووصفه بالسخاء ، والشجاعة ، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام ، والدعوة إلى الله تعالى في السر والعلانية ، فكيف لا يُنكر على مَن أطلق " أنه كافر " ، بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام : الكفر ، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك ؛ فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب ، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً ، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم ، والتبري منه ، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب ، فالذي أصاب فيه - وهو الأكثر - يستفاد منه ، ويترحم عليه بسببه ، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه ، بل هو معذور ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه ، حتى كان أشد المتعصبين عليه ، والقائمين في إيصال الشر إليه ، وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني ، يشهد له بذلك ، وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، الذي لم يثبت لمناظرته غيره .(/8)
ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض ، والحلولية ، والاتحادية ، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة ، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر ، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره ، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره ، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة ، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل ، فيفرد من ذلك ما يُنكر ، فيحذِّر منه على قصد النصح ، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك ، كدأب غيره من العلماء ، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف : لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته ، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم ، والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم ، فضلاً عن الحنابلة ، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر ، أو على من سمَّاه " شيخ الإسلام " : لا يلتفت إليه ، ولا يعوَّل في هذا المقام عليه ، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ، ويذعن للصواب ، والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل ، وحسبنا الله ، ونعم الوكيل .
صفة خطه أدام الله بقاءه.
قاله ، وكتبه : أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي ، عفا الله عنه ، وذلك في يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول ، عام خمسة وثلاثين وثمانمائة ، حامداً لله ، ومصليّاً على رسوله محمد ، وآله ومسلماً .
" الرد الوافر " للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ( ص 145 ، 146 ) ، ونقل الحافظ السخاوي – تلميذ ابن حجر – كلام شيخه في كتابه " الجواهر والدرر " ( 2 / 734 – 736 ) .
02 ترجم الحافظ ابن حجر لشيخ الإسلام ابن تيمية ، عليهما رحمة الله ، ترجمة حفيلة في كتابه " الدرر الكامنة " ، قال في أولها :(/9)
" .. وتحول به أبوه من حران سنة 67 ، فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الأربلي والمسلم ابن علان وابن أبي عمر والفخر في آخرين ، وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل ، وتفقه وتمهر ، وتميز وتقدم ، وصنف ودرس وأفتى ، وفاق الأقران ، وصار عجباً في سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع في المنقول والمعقول والإطالة على مذاهب السلف والخلف .. " انتهى .
الدرر الكامنة ، في أعيان المائة الثامنة "1/168) .
وقد نقل في هذه الترجمة كثيرا من نصوص الأئمة ، في الثناء على شيخ الإسلام رحمه الله ، والإقرار بإمامته في علوم المعقول والمنقول ، ومن ذلك قوله :
03 " وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي ، في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ، ما نصه : وسمع بهاء الدين المذكور على الشيخين شيخنا وسيدنا وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى ، شيخ التحقيق ، السالك بمن اتبعه أحسن طريق ، ذي الفضائل المتكاثرة ، والحجج القاهرة ، التي أقرت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة ، ومتعنا الله بعلومه الفاخرة ونفعنا به في الدنيا والآخرة ، وهو الشيخ الإمام العالم الرباني والحبر البحر القطب النوراني ، إمام الأئمة ، بركة الأمة ، علامة العلماء ، وارث الأنبياء ، آخر المجتهدين ، أوحد علماء الدين ، شيخ الإسلام ، حجة الأعلام ، قدوة الأنام ، برهان المتعلمين ، قامع المبتدعين ، سيف المناظرين ، بحر العلوم ، كنز المستفيدين ، ترجمان القرآن ، أعجوبة الزمان ، فريد العصر والأوان ، تقي الدين ، إمام المسلمين ، حجة الله على العالمين ، اللاحق بالصالحين ، والمشبه بالماضين ، مفتي الفرق ، ناصر الحق ، علامة الهدى ، عمدة الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، ركن الشريعة ، ذو الفنون البديعة ، أبو العباس ابن تيمية !! "
الدرر الكامنة (186-187) .
رابعاً :(/10)
إذا كانت هذه النصوص التي نقلناها أو أشرنا إليها ، من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله ، أو مما نقله الحافظ عن غيره ، ناطقة بتقدير شيخ الإسلام ، والإشادة بمنزلته من العلم والدين ؛ فإن ذلك لا يعني أن الحافظ لم يخالف شيخ الإسلام البتة في مسألة من المسائل العلمية ، أو لم ينتقده قط ؛ فما زال أهل العلم يردون بعضهم على بعض ؛ من غير أن يلزم من ذلك أن يكون الراد لا يقدر المردود عليه قدره ، فضلا عن أن يبدعه أو يضلله ، وقديما قال الإمام مالك رحمه الله قولته الشهيرة : " كل يؤخذ من قوله ويترك ، إلا صاحب هذا القبر " ، أو نحوا من ذلك ، ـ يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ .
وهذا بغض النظر عما إذا كان الصواب ، في المسألة المعينة ، مع شيخ الإسلام ، أو مع مخالفه ومن يرد عليه ، الحافظ ابن حجر أو غيره . فكيف إذا كان الصواب في عامة ما أنكروه عليه ، أو معظمه في جانب شيخ الإسلام ، رحم الله الجميع .
ويمكن مراجعة كثير من هذه المسائل التي انتقدت على شيخ الإسلام ، ولا سيما من قبل ابن حجر الهيتمي ، المشار إلى موقفه آنفا ، فيما كتبه الشيخ نعمان خير الدين ابن الآلوسي رحمه الله ، في كتابه النافع : " جلاء العينين في محاكمة الأحمدين " ، يعني : أحمد بن تيمية ، وأحمد بن حجر الهيتمي ، عليهما رحمة الله .
وينظر أيضا كتاب : دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو بحث أكاديمي من إعداد الدكتور : عبد الله بن صالح الغصن .
خامساً :
ما ورد في السؤال من أن شيخ الإسلام انحرف عن العقيدة الصحيحة ووصف الله تعالى بصفات خلقه ، هو من أفرى الفرى ، وأبين الكذب على شيخ الإسلام ومنهجه وعقيدته ، ومن يطالع شيئا من مصنفاته الكبار أو الصغار يتحقق ذلك ، ومن هذه النصوص والقواعد التي يشق الإشارة إلى جميعها هنا ، فضلا عن نقلها ، قوله رحمه الله :(/11)
" اتفق سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس كمثله شيء ، لا فى ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وقال من قال من الأئمة : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها " اهـ
فتاوى شيخ الإسلام (2/126) .
وقال رحمه الله :
" ثم القول الشامل في جميع هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، وبما وصفه به السابقون الأولون ؛ لا يُتجاوز القرآن والحديث .
قال الإمام أحمد رضي الله عنه : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ؛ لا يتجاوز القرآن والحديث . ٍ
ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجى ، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه ، لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول ، وأفصح الخلق في بيان العلم ، وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد .
وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء ، لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ، ولا في أفعاله ، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة ، وله أفعال حقيقة ، فكذلك له صفات حقيقة ؛ وهو ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزه عنه حقيقة ؛ فانه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه ، ويمتنع عليه الحدوث ؛ لامتناع العدم عليه ، واستلزام الحدوث سابقة العدم ، ولافتقار المحدَث إلى محدِث ، ولوجوب وجوده بنفسه ، سبحانه وتعالى .
ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل ؛ فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه ، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ؛ فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، ويحرفوا الكلم عن مواضعه ، ويلحدوا في أسماء الله وآياته .(/12)
وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ؛ أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات ؛ فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل ؛ مثلوا أولا ، وعطلوا آخرا ؛ وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته ، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم ، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى .. "
فتاوى شيخ الإسلام (5/26-27) .
ونصوص شيخ الإسلام في هذا المعنى كثيرة جدا ، كما أشرنا ، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله .
والله الموفق .(/13)
رقم السؤال:
96347
العنوان:
كتاب الأصول للشاشي وشروحاته ، ومعنى كلمة " الحكميات "
السؤال:
في كتاب " أصول الفقه " للشاشي في بحث " المشترك والمؤول " يوجد كلمة " الحكميات " . ما معناها ؟ وأرجو إعلامي إن كان هناك شروح لهذا الكتاب .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
كتاب " أصول الشاشي " من كتب الحنفية المشهورة ، ومؤلفه هو : أبو علي الشاشي : أحمد بن محمد بن إسحاق ، نظام الدين ، الفقيه الحنفي ، المتوفي سنة 344هـ .
وهو من تلاميذ أبي الحسن الكرخي ، أثنى عليه ، وقال : ما جاءنا أحد أحفظ من أبي علي ، سكن الشاشي بغداد ، ودرس بها .
طبع كتاب الشاشي بكانبور في الهند ، مطبعة مجيدي ، سنة 1388هـ ، وطبع بدار الكتاب العربي ببيروت 1402 هـ ، وبهامشه : " عمدة الحواشي شرح أصول الشاشي " لمحمد فيض الحسن الكنكوهي ، وطبع في دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1423 هـ ، ترجمة وتحقيق : عبد الله محمد الخليلي ، وطبع الكتاب – أيضاً - من قبل دار الغَرْب الإسلامي ، سنة 1422 هـ ، وحققه محمد أكرم الندوي .
من شروح الكتاب :
1. شرح المولى محمد بن الحسن الخوارزمي المتوفى سنة 781هـ .
2. " حصول الحواشي على أصول الشاشي " ، لمحمد حسن المكنى بأبي الحسن بن محمد السنبهلي الهندي ، طبع بنمبشي نولكشور 1302 هـ .
3. " عمدة الحواشي " ، للمولى محمد فيض الحسن الكنكوهي
طبع مع " أصول الشاشي " .
4. " تسهيل أصول الشاشي " ، للشيخ محمد أنور البدخشاني .
طبع بإدارة القرآن والعلوم الإسلامية ، كراتشي ، الطبعة الأولى 1412 هـ ، كما صور هذا التسهيل في إسطنبول بتركيا
انظر مقدمة الشيخ خليل الميس لأصول الشاشي
ثانياً :
وأما معنى كلمة " حُكميات " الواردة في البحث المشار إليه في الكتاب – وفي غيره من كتب الحنفية - فهو :(/1)
العقود ، كالزواج ، والطلاق ، والبيوع ، وهي ما كان إنشاؤه بالقول باللسان ، وهي أشياء معنوية تقابل الحسيَّة عندهم ، والحسيَّة ما كان بالأفعال بالجوارح كالضرب والذبح ..
وهذه طائفة من عباراتهم في كتبهم تبين مقصود اللفظة بكلامهم وشروحاتهم :
1. قال عثمان بن علي الزيلعي الحنفي – رحمه الله -
ولو قال الحالف في الطلاق والتزوج - ونحوهما من الحكميات - : نويت أن لا أتكلم به ، ولا ألي بنفسي : صدِّق ديانة ، لا قضاء ، بخلاف ما إذا قال في ذبح الشاة وضرب العبد : نويت أن لا ألي بنفسي حيث يصدق ديانة وقضاء .
" تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " ( 3 / 148 ) ..
2. وقال – رحمه الله - :
ثم هذه الأشياء توجب الحَجر في الأقوال دون الأفعال ؛ لأن الحجر في الحكميات دون الحسيات ، ونفوذ القول حكمي ، ألا ترى أنه يُردُّ ويُقبل ، والفعل حسي لا يمكن رده إذا وقع ، فلا يتصور الحجر عنه .
" تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " ( 5 / 191 ) ..
3. وقال محمد بن فرموزا ( منلا خسرو ) الحنفي – رحمه الله - :
الثالث : ما هو من الأفعال الحسية ، ذكره في " البحر " ، ولو نوى المباشرة بنفسه فقط : صدَِّق قضاء وديانة ، فيما كان من الحسيات : كالضرب ، والذبح ، وصدِّق ديانة فقط فيما كان من الحكميات : كالتزوج ، والطلاق ، كما في " الفتح " ..
" درر الحكام شرح غرر الأحكام " ( 2 / 57 ) .
وكتاب " البحر " المنقول منه هو من كتب الحنفية هو : " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " ، وموضع العبارة فيه : ( 4 / 378 ) .
وبه يتبين معنى عبارة الشاشي - رحمه الله - ، وهو أنه أراد " البيوع " من الحكميات ، إذ قال :
ومثاله في " الحكميات " : ما قلنا : إذا أطلق في البيع كان على غالب نقد البلد ، وذلك بطريق التأويل ، ولو كانت النقود مختلفة فَسدَ البيع ؛ لما ذكرنا ، وحمل الإقراء على الحيض .
انتهى(/2)
فقد مثَّل من الحكميات على البيوع ، وهو واضح إذا علم تمثيلهم السابق على الزواج والطلاق ، وهو أن المراد بهذه اللفظة العقود القولية المعنوية .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
96371
العنوان:
ابنتهم ترتكب الكبائر والموبقات فكيف يتصرف أهلها معها ؟
السؤال:
أعرف أسرة ملتزمة - ولله الحمد - لكنهم ابتلوا بابنة لهم عاصية ، ترتكب المحرمات ، وأخص بالقول الكبار ، من عقوق الوالدين ، وفاحشة ، وشرب خمر ، وتدخين , هذه البنت لم تعد في بيت أهلها , فهي تهرب من البيت ، وفي بعض الأوقات تعود وتجلس في البيت لمدة قصيرة ، لكنها سرعان ما تخرج مرة ثانية من البيت ، ووالدتها ينفطر قلبها لما تفعل ، وحاليّاً تريد فتوى شرعية تبيِّن ماذا يتوجب على الوالدين فعله عندما تعود إلى البيت ؛ هل يطردونها ، أم يبقونها في البيت ، مع العلم أنها تشكل خطراً على إخوتها الصغار ؟
أفيدوني ، أفادكم الله ، والله يجزيكم عنا ألف ألف خير .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرِّج همَّ تلك الأسرة ، وأن يرفع عنها البلاء ، وأن يأجرهم على صبرهم على مصيبتهم في ابنتهم ، كما نسأله تعالى أن يهدي تلك الابنة ، وأن يصلح قلبها ويوفقها للتوبة الصادقة .
ويجب أن يعلم أهلها أن ما يرونه من منكرات من ابنتهم يوجب عليهم إنكاره ، ومنعه .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 39 / 123 ، 124 ) :
" اتّفق الفقهاء على أنّ المنكر منهيّ عنه ، وقد ثبت النّهي عن المنكر بالكتاب والسنّة والإجماع ، فمن الكتاب قوله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) ، ومِن السنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) ، وحكى النّووي الإجماع على وجوب النّهي عن المنكر ." انتهى(/1)
وحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ... ) رواه مسلم ( 49 ) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وهو يوجب على الآباء الأخذ على أيدي أبناتهم وبناتهم ، ومنعهم من إحداث المنكرات ، وتغييرها بأيديهم ؛ لأن لهم السلطة عليهم ، كما للحاكم سلطة على الناس .
قال النووي – رحمه الله - :
ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ، ثم إنه قد يتعين ، كما إذا كان في موضع لا يعلم به الا هو ، أولا يتمكن من إزالته الا هو ، وكمن يرى زوجته ، أو ولده ، أو غلامه على منكر ، أو تقصير في المعروف .
" شرح النووي على مسلم " ( 2 / 23 ) .
ويجب – ابتداءً - أن تعلم تلك الأسرة ثلاث مسائل مهمة :
الأولى :
أنه من الخطأ العظيم السماح لابنتهم بالخروج من البيت ، ولو إلى المدرسة ، أو حتى إلى المسجد ، بل عليهم منعها من ذلك ، ولو بالقوة ، أو بحبسها في غرفتها ، مع عدم تمكينها من شيء تؤذي به نفسها ، وعدم تمكينها من الاتصال بأحدٍ ؛ خشية أن تلحق الأذى بأهلها ، كما هو معمول به في بعض الدول الإسلامية التي تقلِّد به الدول الكافرة المنحلة من كل خلُق وفضيلة ؛ حيث تمنع الوالديْن من تربية أولادهم تربية إسلامية ، وتمنعهم من استعمال الشدة في التربية ، حتى لقد يسجنون الأب أو الأخ في حال ثبت منعه لإحدى أخواته من ممارسة حريتها – زعموا - !!
والثانية :
عدم طرد ابنتهم خارج البيت ، فإن فعلوا ذلك وطردوها : تسببوا في وقوعها في الآثام والمعاصي التي تفعلها خارج بيت أهلها ، ومكَّنوها من لقاء صحبتها الفاسدة ، والأمر الذي يؤدي إلى هذه الأفعال منها يصبح منكراً وحراماً ، فلا يجوز لهم الإنكار عليها بطردها ، ومن المعلوم في هذه الشريعة المطهرة أن إنكار المنكر يجب أن لا يؤدي إلى منكر أعظم منه ، وإلا كان هو بنفسه حراماً .(/2)
والثالثة :
أنه لا يجوز لأحدٍ من أهلها إقامة الحد عليها ، ولا قتلها ، كما تفعله بعض الأسَر ، وقد بيَّنا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في جواب السؤال رقم ( 8980 ) فلينظر .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن امرأة مزوجة بزوج كامل ، ولها أولاد ، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها : سعت في مفارقة الزوج ، فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟ .
فأجاب :
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فان لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد : قيدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمَّه ، وأما برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك .
" مجموع الفتاوى " ( 34 / ص 177، 178 ) .
وجواب شيخ الإسلام رحمه الله شمل المسائل الثلاثة التي نبهنا عليها ، وإذا كان – رحمه الله – قد أفتى بحبس الأم وربطها : فأولى أن يُفتى بذلك في الابنة ، وحق الابنة دون حق الأم بمراحل .
ونوصي الأهل – كذلك – بهذه الأمور :
1. مداومة النصح والتوجيه والوعظ للابنة العاصية ، وتنويع طرق ذلك ، فمرة منهم ، ومرة من غيرهم من أقاربهم ، أو من صديقاتها ، ومرة بالسماع ، وأخرى بالمشاهدة ، وثالثة بالقراءة ، ورابعة بذكر مآسي من سبقن إلى طريق الفساد والرذيلة ، وكيف آل أمرهم إلى الضياع في الدنيا , فضلا عما أعد الله تعالى لأهل معصيته ، والمتعدين لحدوده سبحانه .(/3)
2. الانتقال بالكلية من المكان الذي يعيشون فيه ، إن كانت بيئة ذلك المكان تؤثر سلباً على أخلاقها وسلوكها ، وإن تعذَّر ذلك : فلينتقل بعض أهلها للسكن في مكانٍ بعيد عن بيئتها الحالية ، إن رأى أهلها أن ذلك مما يمكن أن يساهم في إصلاح حال ابنتهم .
3. عدم تمكين صاحبات السوء من زيارة ابنتهم واللقاء بها .
4. لا مانع أثناء حبسها في البيت من تشغيل مواد نافعة لها ، كالبرامج الوثائقية ، أو الحوارات النافعة من القنوات الموثوقة ، وذلك لسببين :
الأول : حتى لا يقتلها التفكير والوحدة ، وتذهب أفكارها لأشياء فيها ضرر عليها .
والثاني : أنه قد يكون في بعض تلك المواد النافعة ما تتأثر به ، ويساهم في إصلاحها .
5. لا ينبغي أن يقع بين أفراد الأسرة خلاف أو تناقض في أمر حبسها في البيت ، ولا أن تأخذهم رأفة لحالها قبل أن يتأكدوا من صلاحها ، والله تعالى يقول : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 ، فإذا كان الله تعالى قد نهى أن تأخذنا الرأفة أثناء إقامة الحد الشرعي : فأولى أن يكون الأمر كذلك عند التعزير .
6. وليحرص الجميع على الدعاء لها بصدق وإخلاص ، وخاصة أمها المكلومة ، وليثقوا بربهم تعالى أنه قادر على تغيير حالها إلى ما هو أحسن ، فليلحوا في الدعاء والسؤال .
ونسأل الله تعالى أن يوفقهم وأن يرفع البلاء عنهم ، ونسأله تعالى أن يهدي ابنتهم لما يحب تعالى ويرضى .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
96455
العنوان:
أهلها يعترضون على سكنها مع عائلة زوجها
السؤال:
أنا متزوج منذ 4 أشهر، ولقد وعدت زوجتي بأن أسكنها لوحدها ، لكن لصعوبة العثور على سكن لائق في مدينتي ، طلبت منها أن نسكن مؤقتا مع أهلي . فهل يجوز لوالديها أن يعترضا على انتقالها السكن مع أهلي؟
الجواب:
الحمد لله
السكن حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها اتفاقا؛ لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها فقال سبحانه: ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى؛ ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف فقال : ( وعاشروهن بالمعروف ) ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها , كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن ; للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع ، فلذلك كانت السكنى حقا لها على زوجها .
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن للزوجة الحق في سكن مستقل عن أقارب الزوج ، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه أو أحدهما .
وذهب المالكية إلى التفريق بين الزوجة الشريفة والوضيعة , وقالوا بعدم جواز الجمع بين الزوجة الشريفة والوالدين , وبجواز ذلك مع الزوجة الوضيعة , إلا إذا كان في الجمع بين الوضيعة والوالدين ضرر عليها . ينظر : الموسوعة الفقهية (25/109) ، الشرح الصغير على مختصر خليل (2/737).
لكن المقصود بالسكن عند الفقهاء ، يتحقق بغرفة لها باب وقفل ، مع كنيف (بيت الخلاء) ومطبخ ، إلا أن يكونوا من الفقراء الذي يرضون بالاشتراك في المطبخ وبيت الخلاء .(/1)
قال ابن عابدين في حاشيته (3/600) : (( قوله وبيت منفرد ) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين ... والظاهر أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار ( قوله له غَلَق ) بالتحريك : ما يغلق ويفتح بالمفتاح ... ( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت أو في الدار ، لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار . قلت : وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش ؛ بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه وبعض المرافق مشتركة كالخلاء والتنور وبئر الماء).
وانظر السؤال رقم (7653)
ثانيا :
إذا قبلت الزوجة السكن مع أهلك ، فلا حرج في ذلك ، لأنه تنازل منها عن حقها ، وليس لوالديها الاعتراض على ذلك ، ما دامت بالغة رشيدة .
ولها أن ترجع عن هذه الموافقة ، لأن حقها في السكن المستقل لا يسقط بتنازلها .
ثالثا :
إسكان الزوجة مع أهل الزوج ينبغي أن يقيد بالسلامة من المحظور ، كالخلوة والاطلاع عليها من قبل أحماء الزوج ، كإخوانه وأعمامه ونحوهم .
ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تخلو أو تصافح أو تكشف شيئا من عورتها لإخوان زوجها ، لأنهم أجانب عنها كسائر الأجانب ، بل الاحتياط منهم أولى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله فرأيت الحمو ؟ قال: ( الحمو الموت ) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه. رواه مسلم .(/2)
وينبغي ـ أيضا ـ أن يقيد بحال كل من الزوجة وأهل الزوج ، وما إذا كان كل من الطرفين يحتمل المشاركة في السكن ، والخلطة في المعيشة ، فقد دل واقع الناس اليوم على أن الحياة الزوجية تتأثر كثيرا بمثل هذه الظروف في السكن ، وأن كثيرا من المشاكل بين الطرفين يكون سببه هذه الخلطة ، حتى لقد أصبحت استقامة الحياة الزوجية وهدوؤها ، مع الاشتراك في السكن مع أهل الزوج أمرا عزيزا نادر الحدوث ؛ ولعله ـ لما يرى الناس جميعا من ذلك ـ اعترض أهل زوجتك على انتقالك للسكن مع أهلك ، حفاظا على استقامة حياتكما الزوجية ، وليس تعنتا أو تحكما فيما يخصك ويخص زوجك .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح ، وأن يصلحك ويصلح لك أهلك وزوجك .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96460
العنوان:
زنيا ثم تزوجا ويسألان عن صحة النكاح
السؤال:
زوجان تزوجا شرعا كما أمر الله ولكن قبل الزواج كانوا يجتمعان ويعاشران بعضهما مثل الأزواج فما حكم زواجهم صحيح أم باطل ؟ وما هي كفارة ما كان يفعلونه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الزنا جرم عظيم ، وذنب كبير ، يسلب صاحبه اسم الإيمان ، ويعرضه للعذاب والهوان ، إلا أن يتوب ، قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء/32 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ ، كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ ) رواه أبوداود (4690) والترمذي(2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة الزناة في قبورهم قبل قيام الساعة وأنهم يعذبون بالنار . رواه البخاري (1320)
ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا ، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا .
ومن ابتلي بشيء من ذلك فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى ، وليكثر من الأعمال الصالحة ، رجاء أن يعفو الله عنه ، وقد قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.(/1)
وقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82
وعليهما أن يستترا بستر الله عز وجل ، فلا يخبرا أحدا بذلك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل ) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663 .
ثانيا :
لا يجوز نكاح الزاني أو الزانية إلا بعد التوبة ؛ لقوله تعالى : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3
أي حرم نكاح الزاني والزانية .
فإذا كانا قد تابا إلى الله تعالى قبل الزواج وندما على ما فعلا من الحرام ، فنكاحهما صحيح ، وأما إذا كانا قد عقدا النكاح قبل التوبة فإن النكاح لا يصح وعليهما أن يتوبا إلى الله ويندما على ما فعلا ويعزما على عدم العود إليه مرة أخرى ، ثم يعيدا عقد النكاح مرة أخرى وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (85335)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96462
العنوان:
هل تضحي أو تعق عن نفسها لأن أباها لم يعق عنها
السؤال:
امرأة عمرها 39 تريد أن تضحي ، وقيل لها أول شيء عقي عن نفسك ، لأن والدها لم يعق عنها ، وزوجها لم يعق عن أولادها ، عندها بنت وولد ؛ هل تعق عن أولادها ونفسها ، أم والدهم يعق عنهم ، علما أن عمر بنتها خمس عشرة سنة ، وولدها ست عشرة سنة ، وهل العقيقة واجبة أم تسقط عن المولود إذا بلغ الرشد ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
العقيقة سنة مؤكدة على الراجح ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (20018)، والمخاطب بها هو الأب ، فلا تطالب الأم بها ولا الأولاد .
ولا تسقط العقيقة ببلوغ الولد ، فإذا كان الأب قادرا استحب له أن يعق عن أبنائه الذين لم يعق عنهم .
وإذا لم يعق الوالد عن ولده ، فهل يشرع للولد أو لغيره أن يعق عن نفسه ؟ خلاف بين الفقهاء ، والذي يظهر أنه يشرع ذلك ويستحب .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (9/364) : " وإن لم يعق أصلا , فبلغ الغلام , وكسب , فلا عقيقة عليه . وسئل أحمد عن هذه المسألة , فقال : ذلك على الوالد . يعني لا يعق عن نفسه ; لأن السنة في حق غيره .
وقال عطاء والحسن : يعق عن نفسه ; لأنها مشروعة عنه ، ولأنه مرتهن بها , فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه .
ولنا , أنها مشروعة في حق الوالد , فلا يفعلها غيره , كالأجنبي , وكصدقة الفطر " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود في أحكام المولود" : " الفصل التاسع عشر : حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ ، قال الخلال : باب ما يستحب لمن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عن نفسه كبيرا ، ثم ذكر من مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال : سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه ، هل يعق عن نفسه ؟ قال : ذلك على الأب .(/1)
ومن مسائل الميموني قال : قلت لأبي عبد الله : إن لم يُعق عنه ، هل يَعُق عنه كبيرا ؟ فذكر شيئا يروى عن الكبير ضعّفه, ورأيته يستحسن إن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عنه كبيرا . وقال : إن فعله إنسان لم أكرهه ، قال : وأخبرني عبد الملك في موضع آخر أنه قال لأبي عبد الله : فيعق عنه كبيرا ، قال : لم أسمع في الكبير شيئا ، قلت : أبوه معسر ثم أيسر فأراد ألا يدع ابنه حتى يعق عنه ، قال : لا أدري ولم أسمع في الكبير شيئا ، ثم قال لي : ومن فعله فحسن ، ومن الناس من يوجبه " انتهى .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد نقل هذا الكلام : " والقول الأول أظهر ، وهو أنه يستحب أن يعق عن نفسه ؛ لأن العقيقة سنة مؤكدة ، وقد تركها والده فشرع له أن يقوم بها إذا استطاع ؛ ذلك لعموم الأحاديث ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى ) أخرجه الإمام أحمد ، وأصحاب السنن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه بإسناد صحيح ، ومنها : حديث أم كرز الكعبية عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر أن يُعق عن الغلام بشاتين وعن الأنثى شاة أخرجه الخمسة ، وخرج الترمذي وصحح مثله عن عائشة , وهذا لم يوجه إلى الأب فيعم الولد والأم وغيرهما من أقارب المولود " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (26/266).
وعلى هذا فيقال للأخت المسئول عنها : لك أن تعقي عن نفسك ، أو عن أولادك إذا لم يعق عنهم والدهم .
ثانيا :
الأضحية سنة مؤكدة ، تشرع للرجل والمرأة ، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته ، وعن المرأة وأهل بيتها .
فلهذه المرأة أن تذبح أضحية ، سواء ذبح زوجها أو لم يذبح .
وإذا ضحّت ، أجزأها ذلك عن عقيقتها .
قال ابن القيم رحمه الله : " الفصل الثامن عشر في حكم اجتماع العقيقة والأضحية :
قال الخلال : باب ما روي أن الأضحية تجزىء عن العقيقة :(/2)
أخبرنا عبد الملك الميموني أنه قال لأبي عبد الله [أي الإمام أحمد] يجوز أن يضحى عن الصبي مكان العقيقة ؟ قال لا أدري ثم قال : غير واحد يقول به . قلت من التابعين ؟ قال نعم . وأخبرني عبد الملك في موضع آخر قال ذكر أبو عبد الله أن بعضهم قال فإن ضحى أجزأ عن العقيقة .
وأخبرنا عصمة بن عصام حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال : أرجو أن تجزىء الأضحية عن العقيقة إن شاء الله تعالى لمن لم يعق .
وأخبرني عصمة بن عصام في موضع آخر قال حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال : فإن ضحى عنه أجزأت عنه الضحية من العقوق . قال : ورأيت أبا عبد الله اشترى أضحية ذبحها عنه وعن أهله وكان ابنه عبد الله صغيرا فذبحها ، أراه أراد بذلك العقيقة والأضحية وقسم اللحم وأكل منها " انتهى من "تحفة المودود".
وينظر إجابة السؤالين (38197) و (20018)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96463
العنوان:
إذا ذكر صلاة فائتة أثناء الحاضرة أو بعد الفراغ منها
السؤال:
بالنسبة لقضاء الصلوات الفائتة، على سبيل المثال لو كنت أنهيت صلاة المغرب لهذا اليوم و تذكرت أني صليت صلاة الفجر باطلة في أحد أيام الأسبوع الماضي، أعني أني ربما أحدثت في صلاة الفجر تلك ، لكني ظننت أنه مجرد وسواس لكني تبينت بعد ذلك أني أحدثت فعلاً ، أو أن وضوئي كان ناقصاً ، كوني تذكرت وجود مادة لها جرم كانت على قدمي أثناء وضوئي لتلك الصلاة ولم أزلها! فهل يجوز أن أعيدها مباشرة بعد أدائي لمغرب هذا اليوم ثم أعيد صلاة المغرب مرة ثانية لأن صلاة الفجر تأتي قبل المغرب؟ أم إنه يكفي أن أعيد الصلاة الفائتة دون إعادة الصلاة الحاضرة لأن صلاة الفجر تلك لم تكن في نفس اليوم؟
الجواب:
الحمد لله
إذا صليت الصلاة الحاضرة ، ثم تذكرت فائتة من نفس اليوم أو من يوم مضى ، فإنك تصليها ، ولا تعيد الحاضرة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ ( وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) ) رواه البخاري (597) ومسلم (684).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِكَ ) مَعْنَاهُ : لَا يُجْزِئهُ إِلَّا الصَّلَاة مِثْلهَا وَلَا يَلْزَمهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْء آخَر " انتهى .
وعليه ففي الصورة المسئول عنها ، يلزمك أن تصلي الفجر فور تذكرها ، ولا تعيد المغرب .
لكن من ذكر الفائتة أثناء صلاته الحاضرة ، فهل يتمها أم يقطعها ؟ فيه خلاف بين الفقهاء ، فذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن الحاضرة تبطل ، فيصلي الفائتة أولا ثم يصلي الحاضرة .
وذهب الشافعية إلى أنه يتم الحاضرة ، ثم يقضي الفائتة ، ويستحب له إعادة الحاضرة .(/1)
وذهب أحمد إلى أنه يتم الحاضرة ، ثم يقضي الفائتة ، ثم يعيد الحاضرة وجوبا .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (30788) ، وبينَّا هناك أن إعادة الصلاة الحاضرة أولى وأحوط .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96464
العنوان:
تفصيل القول في قوله تعالى ( وتُخفي في نفسك ما الله مبديه )
السؤال:
هل صحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما رأى زوجة زيد بن حارثة أعجبته ، فطلب من زيد أن يطلقها حتى يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الرجاء توضيح هذه القصة واستغفر الله لي ولكم ، ولكم جزيل الشكر والتقدير
الجواب:
أولاً :
تقدمة :
إن مقام النبوة مقام شريف ، وقد اختار الله تعالى أنبياءه على علم على العالَمين ، وما تتناقله كتب الإسرائيليات ، وبعض كتب التفسير – للأسف – يحط من ذلك المقام الشريف للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ومن أمثلة ذلك ما روي عن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع حب زينب بنت جحش في قلبه ، وأنه كان يقول لزوجها – زيد بن حارثة – أمسك عليك زوجك ، مع أنه يخفي في قلبه حبها ، وهذا لا يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم أن يروى وينسب له صلى الله عليه وسلم .
وكل ما روي في كتب التفسير عن أحدٍ من السلف مثل هذا أو قريباً منه : فلا يصح عنهم ، ويوجد من اغتر بهذه الروايات فجعلها تفسيراً للآيات الواردة في المسألة .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم هاهنا آثاراً عن بعض السلف - رضي الله عنهم - أحببنا أن نضرب عنها صفحاً ؛ لعدم صحتها ، فلا نوردها .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 424 ) .
وقد جاء عن أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما ما يبين شدة هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن فقه هذين الصحابيين رضي الله عنهما أنهما أخبرا أنه صلى الله عليه وسلم لو كان كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية .(/1)
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) ، قَالَ أَنَسٌ : لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ ، قَالَ : فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ .
رواه البخاري ( 6984 ) .
روى مسلم ( 177 ) عن عائشة رضي الله عنها مثل قول أنس رضي الله عنه .
ثانياً :
ذِكر الآية وسبب نزولها ومجمل معناها :
قال تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) الأحزاب/37 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
وكان سبب نزول هذه الآيات أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعاً عامّاً للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه ، وأن أزواجهم لا جناح على من تبناهم في نكاحهن .
وكان هذا من الأمور المعتادة التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله ، وفعلاً ، وإذا أراد اللّه أمراً جعل له سبباً ، وكان زيد بن حارثة يُدعى " زيد بن محمد " قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فصار يدعى إليه حتى نزل ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ) فقيل له : " زيد بن حارثة " .(/2)
وكانت تحته زينب بنت جحش - ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وكان قد وقع في قلب الرسول لو طلقها زيد لتزوَّجها ، فقدَّر اللّه أن يكون بينها وبين زيد ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها .
قال اللّه : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) أي : بالإسلام .
( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) بالعتق ، حين جاءك مشاوراً في فراقها ، فقلت له ناصحاً له ومخبراً بمصلحته مع وقوعها في قلبك : ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) أي : لا تفارقها ، واصبر على ما جاءك منها ، ( وَاتَّقِ اللَّهَ ) تعالى في أمورك عامة ، وفي أمر زوجك خاصة ، فإن التقوى تحث على الصبر ، وتأمر به .
( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) والذي أخفاه : أنه لو طلقها زيد : لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم .
( وَتَخْشَى النَّاسَ ) في عدم إبداء ما في نفسك ، ( وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) فإن خشيته جالبة لكل خير ، مانعة من كل شر .
( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ) أي : طابت نفسه ، ورغب عنها ، وفارقها : ( زَوَّجْنَاكَهَا ) وإنما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة ، وهي : ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) حيث رأوك تزوجت زوج زيد بن حارثة ، الذي كان من قبل ينتسب إليك .
" تفسير السعدي " ( ص 665 ، 666 ) .
وثمة فرق كبير بين أن يكون ما أخفاه صلى الله عليه وسلم في قلبه هو محبة زينب ، وبين أن يكون المخفي زواجه منها ، ولذا كانت زينب رضي الله عنها تفخر بأن الذي زوَّجها هو الله تعالى – كما سبق وذكرنا الرواية في ذلك في " صحيح البخاري " - ، وهو يؤكِّد صحة القول الصحيح الذي لا ينبغي غيره ، وأن الذي كان يخفيه صلى الله عليه وسلم هو زواجه بها ، وأنه يخشى من كلام الناس في ذلك .
ثالثاً :
تفصيل الكلام حول الآية :
1. قال الإمام القرطبي – رحمه الله - :(/3)
وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيداً يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلمَّا تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خُلُق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها : قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : " اتق الله في قولك ، وأمسك عليك زوجك " وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يُرد أن يأمره بالطلاق ؛ لما علم أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدْر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له ، بأن قال : " أمسك " مع علمه بأنه يطلِّق ، وأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي : في كل حال .
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين ، كالزهري ، والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي ، وغيرهم .
والمراد بقوله تعالى : ( وتخشى الناس ) : إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوَّجَ بزوجة ابنه .
فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد ، وربما أطلق بعض المُجَّان لفظ " عشق " : فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته .
" تفسير القرطبي " ( 14 / 190 ، 191 ) .
2- وقال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – :(/4)
التحقيق إن شاء اللَّه في هذه المسألة : هو ما ذكرنا أن القرآن دلَّ عليه ، وهو أن اللَّه أعلم نبيّه صلى الله عليه وسلم بأن زيداً يطلّق زينب ، وأنه يزوّجها إيّاه صلى الله عليه وسلم ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد ، فلما شكاها زيد إليه صلى الله عليه وسلم قال له : " أمسك عليك زوجك واتق اللَّه " ، فعاتبه اللَّه على قوله : " أمسك عليك زوجك " بعد علمه أنها ستصير زوجته هو صلى الله عليه وسلم ، وخشي مقالة الناس أن يقولوا : لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد .
والدليل على هذا أمران :
الأول : هو ما قدّمنا من أن اللَّه جلَّ وعلا قال : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) ، وهذا الذي أبداه اللَّه جلَّ وعلا ، هو زواجه إياها في قوله : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ) ، ولم يبدِ جلَّ وعلا شيئًا ممّا زعموه أنه أحبَّها ، ولو كان ذلك هو المراد : لأبداه اللَّه تعالى ، كما ترى .
الأمر الثاني : أن اللَّه جلَّ وعلا صرّح بأنه هو الذي زوّجه إياها ، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ) ، فقوله تعالى : ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ) : تعليل صريح لتزويجه إياها ، لما ذكرنا ، وكون اللَّه هو الذي زوّجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبّته لها التي كانت سبباً في طلاق زيد لها - كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ) الآية ؛ لأنه يدلّ على أن زيداً قضى وطره منها ، ولم تبقَ له بها حاجة ، فطلّقها باختياره ، والعلم عند اللَّه تعالى .
" أضواء البيان " ( 6 / 582 ، 583 ) .(/5)
3. سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما هي قصة زيد بن حارثة وزواجه من زينب التي تزوجها بعده النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف بدأ زواجهما ؟ وكيف انتهى ؟ حيث إننا سمعنا من بعض الناس في بعض الدول العربية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عشق زينب وغير ذلك ، ولا تسمح نفسي بأن أكتب لكم ما سمعت ، فأفيدوني ؟ .
فأجابوا :
زيد هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أعتقه وتبنَّاه ، فكان يُدعى " زيد بن محمد " ، حتى أنزل الله قوله ( ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ ) ، فدَعوه زيد بن حارثة ، أما زينب فهي بنت جحش بن رباب الأسدية ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما قصة زواج زيد بزينب : فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى ذلك له ، لكونه مولاه ومُتبنّاه ، فخطبها من نفسها على زيد ، فاستنكفت وقالت : أنا خير منه حسباً ، فروي أن الله أنزل في ذلك قوله ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) ، فاستجابت طاعةً لله ، وتحقيقًا لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد عاشت مع زيد حوالي سنة ، ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته ، فاشتكاها زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمكانتهما منه ؛ فإنه مولاه ومتبناه ، وزينب بنت عمته " أميمة " ، وكأن زيداً عرَّض بطلاقها ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساكها ، والصبر عليها ، مع علمه صلى الله عليه وسلم بوحيٍ من الله أنه سيطلقها ، وستكون زوجة له - صلى الله عليه وسلم - ، لكنه خشي أن يُعيّره الناس بأنه تزوج امرأة ابنه ، وكان ذلك ممنوعاً في الجاهلية ، فعاتب الله نبيه في ذلك بقوله ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ(/6)
عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) ، يعني - والله أعلم - : تخفي في نفسك ما أعلمك الله بوقوعه من طلاق زيد لزوجته زينب وتزوجك إياها ، تنفيذاً لأمره تعالى ، وتحقيقًا لحكمته ، وتخشى قالةَ الناس وتعييرهم إياك بذلك ، والله أحق أن تخشاه ، فتُعلن ما أوحاه إليك من تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب ، دون مبالاة بقالة الناس ، وتعييرهم إياك .
أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب : فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد ، وزوّجه الله إياها بلا ولي ولا شهود ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ، وليّ المؤمنين جميعاً ، بل أولى بهم من أنفسهم ، قال الله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، وأبطل الله بذلك عادة التبنّي الجاهلي ، وأحلَّ للمسلمين أن يتزوجوا زوجات مَن تبنوه بعد فراقهم إياهن بموتٍ أو طلاقٍ ، رحمة منه تعالى بالمؤمنين ، ورفعًا للحرج عنهم .(/7)
وأما ما يُروى في ذلك من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم زينب من وراء الستار ، وأنها وقعت من قلبه موقعاً بليغاً ففُتن بها وعشقها ، وعلم بذلك زيد فكرهها وآثر النبي صلى الله عليه وسلم بها فطلقها ليتزوجها بعده : فكله لم يثبت من طريق صحيح ، والأنبياء أعظم شأناً ، وأعف نفساً ، وأكرم أخلاقاً ، وأعلى منزلةً وشرفًا من أن يحصل منهم شيء من ذلك ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خطبها لزيد رضي الله عنه ، وهي ابنة عمته ، فلو كانت نفسه متعلقة بها لاستأثر بها من أول الأمر ، وخاصة أنها استنكفت أن تتزوج زيداً ، ولم ترض به حتى نزلت الآية فرضيت ، وإنما هذا قضاء من الله وتدبير منه سبحانه لإبطال عاداتٍ جاهلية ، ولرحمة الناس والتخفيف عنهم ، كما قال تعالى ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا . مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا . مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى إسلامية " ( 18 / 137 – 141 ) .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
96466
العنوان:
اعتمر مرتين واقتصر على تقصير بعض شعره
السؤال:
لقد اعتمرت مرتين مع أسرتي المرة الأولى كانت منذ حوالي سبع سنوات والأخرى كانت في العام الماضي. وبالنسبة لتقصير وحلق الشعر يبدو لي أن أبي كان يأخذ بالفتوى التي تجيز أخذ القليل من الشعر وهذا ما فعلناه في كلتا المرتين فقد أخذنا القليل من شعورنا من اليمين والشمال والخلف ولم نقصره كاملاً وقد قرأت في السؤال (10713) أنه يجب لبس الإحرام وتقصير الشعر مباشرة لمن فعل ذلك جاهلاً، لكن أنا علي أن أقصر مرتين الآن فماذا أفعل في هذه الحالة لو أردت أن أعدل الأمر؟ علماً أنني أذكر أني أنا أيضاً كنت أسمع بجواز الأخذ قليلاً من الشعر في فتاوى العمرة والحج.
الجواب:
الحمد لله
يجب على المعتمر أن يحلق رأسه أو يقصر من شعره ، والحلق أفضل ، ويلزمه تعميم رأسه ، ولا يكفي الاقتصار على الأخذ من بعض جوانبه على الراجح ، وهو مذهب مالك وأحمد .
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يجزئ الاقتصار على ربع الرأس .
وذهب الشافعي إلى أن أقل ما يجزئ ثلاث شعرات حلقا أو تقصيرا .
ولا خلاف بين الجميع في أفضلية حلق جميع الرأس على التقصير لقوله عز وجل : ( مُحَلِّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) والرأس اسم للجميع , ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه . ينظر : الموسوعة الفقهية (18/98).
وحجة المالكية والحنابلة أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه ، فكان تفسيرا لمطلق الأمر بالحلق . فوجب الرجوع إليه .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة . نص عليه [أي الإمام أحمد] ، وبه قال مالك . وعن أحمد , يجزئه البعض ... وقال الشافعي : يجزئه التقصير من ثلاث شعرات . واختار ابن المنذر أنه يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير ; لتناول اللفظ له . ويدل على وجوب استيعاب جميع الرأس قول الله تعالى : ( محلقين رءوسكم ) وهذا عام في جميعه , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه , تفسيرا لمطلق الأمر به , فيجب الرجوع إليه " انتهى بتصرف .
وقال في "التاج والإكليل" (مالكي) (4/181) : " ومن حلق رأسه أو قصره فليعم بذلك رأسه كله ، ولا يجزيه الاقتصار على بعضه " انتهى .
ولكن من اقتصر على الأخذ من بعض شعره ، اعتمادا على قول من يقول بذلك ، فلا حرج عليه ، ولا يلزمه شيء الآن ، وذلك لأن المسألة من مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء.
وعليه فلا يلزمك نزع المخيط وإعادة الحلق أو التقصير .
وعليك فيما يأتي من العمرة أو الحج أن يكون التقصير أو الحلق شاملاً لجميع الرأس .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96478
العنوان:
حديث موضوع لم نجد له أصلاً
السؤال:
سمعت من أحد الشيوخ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين صحابته وإذا برجل يمر من أمامهم وبيده كيس قمح ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم ابتسم ، وبعد ساعة عاد الرجل ، فلهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح ، فسأله الصحابة عن حال الرجل ، فقال عليه الصلاة والسلام : هذا الرجل كان ذاهباً إلى حقله ليبذر القمح لينتظر أشهراً حتى يخرج ، ثم ينتظر مدة حتى يصبح قمحاً ثم يحصده ، وسبب ابتسامتي هو أنه لم يبق له في الدنيا سوى سبعة أيام ، فمرَّ في طريقه على أخته أم أيتام فوجدهم بأسوأ حال فأعطاهم كيس القمح الذي يملك ، وقال في نفسه : أنا يرزقني الله ، فزاد الله عمره سبعين عاماً .
سؤالي :
إخواني الأعزاء
هل هذه القصة صحيحة ؟ وإن كانت صحيحة أين أجد مراجعها ؟
آمل مساعدتي ولكم الأجر والثواب .
الجواب:
الحمد لله
هذه القصة لا أصل لها ، ولم نجدها بعد طول بحث .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
96500
العنوان:
المشاركة في نظام التقاعد الاختياري
السؤال:
جزاكم الله خيرا على علمكم النافع الذى تشركون فيه الأمة. لقد قرأت هذ الجواب الخاص بالتقاعد (42567) رجاء أرشدوني في هذا الأمر: أعيش بإنجلترا ولا أعمل بالحكومة بل أعمل بشركة برمجيات منذ مايقرب من 5 سنوات حيث يكون التقاعد اختياريا. ومنذ ذلك الحين وأنا لم أنضم لنظام التقاعد ولكنى بدأت مؤخرا فى التفكير هل أنضم أم لا. أنا لم أتعمق فى معرفة أين تستثمر أموال نظام التقاعد فرجاء أرشدونى ما الأكثر إرضاء لله 1- هل الانضمام لنظام التقاعد أم عدم الإنضمام. وسيكون الإيضاح فى هذه المسألة نافعا إن شاء الله. 2- أم هل من الأفضل لى معرفة أين تستثمر أموال التقاعد فإذا كانت تستثمر فى منتجات حلال فيكون من الأفضل الإنضمام لهذا النظام؟ تراودنى حيرة في هذا الأمر خاصة بعد قراءة تعليقات على التقاعد فى الرابط الموجود بالأسفل وأثناء انتظارى للحصول على فرصة لإرسال سؤالى إلى الإسلام سؤال وجواب "لا يتضمن هذا النظام أى نوع من القمار أو الفوائد لأن الربح هو مزيج من مساهمة الموظف (وهو هدية) والربح الذى يجنى من الإستثمار". http://forum.mpacuk.org/printthread.php?t=19201
الجواب:
الحمد لله
ما ذكرناه في الجواب السابق رقم (42567) يفيد أن التأمين الاختياري هذا يشتمل على محظورين :
الأول : القمار والميسر ، لأنه قد يشترك في هذا النظام عدة أشهر ثم يصاب بإعاقة أو يُتوفَّى، فيحصل هو أو ورثته على مال أكثر بكثير مما أُخذ منه ، وقد يدفع كثيراً من الأقساط ويكون ما أخذه منهم أقل مما دفعه ، وهذا هو الميسر.
والثاني : استثمار الأموال في الربا أو المحرمات ، وهذا هو الغالب .
وعلى فرض أن المال سيستثمر استثمارا شرعيا ، فإن المحذور الأول قائم .
والرابط الذي وضعته ليس متاحا للدخول .(/1)
وعلى فرض أن النظام سيقوم على شركة بين الموظفين والإدارة ، فيشترط معرفة نوع الاستثمار ، كما يشترط تحديد نسبة الربح ، مثل أن يكون 10% أو 5% أو ما أشبه ذلك . وهذا سيخرج الموضوع عن التأمين تماما ، فإن الشريك يستحق ربحه ، تقاعد أو لم يتقاعد ، وينتقل ماله إلى ورثته ، قلّوا أم كثروا ، صغارا كانوا أو كبارا .
ولعلك ترسل لنا بيانا وافيا عن هذا النظام ليتسنى لنا الحكم عليه .
هذا بالنسبة لنظام التقاعد الاختياري ، وأما نظام التقاعد الإجباري ، فالمكلف فيه معذور ، لأنه يؤخذ منه بغير اختياره ، ولهذا جوز كثير من أهل العلم الانتفاع بما يأتي من هذا النظام ، واعتبروا الزيادة من الدولة داخلة فيما يجب عليها من رعاية الضعفاء والقيام عليهم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96508
العنوان:
يستدين من صديقه ويرد إليه المال مع نسبة من الربح
السؤال:
أعمل بالتجارة ، هل يجوز لي الاستدانة من صديق نصراني لي مبلغاً من المال على أن أرجعه له بعد فترة مع ربح وبالاتفاق معه ، أحدد أنا الفترة وأحدد ربحه حسب ما أراه .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمسلم أن يتخذ النصراني صديقا وخليلا ، لأن الله عز وجل قطع المودة بينهما ، فقال : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22 وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً ) النساء/144 وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 .
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون) التوبة/23 .
وقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) آل عمران/118 .(/1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا) رواه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تحريم موالاة الكفار ومودتهم واتخاذهم بطانة وأصدقاء، وانظر جواب السؤال رقم ( 2179 ) .
ثانيا :
يجوز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والقرض والرهن ونحو ذلك ، ولا حرج عليك في أن تستدين منه مالا ، لكن لا يجوز أن يكون ذلك بفائدة ، لأن هذا من الربا المحرم ، فمن استدان من غيره مائة على أن يردها مائة وعشرة مثلا ، فقد وقع في الربا الذي هو من أعظم الكبائر ، لأن كل قرض جرّ نفعا فهو ربا .
والصورة الجائزة هنا : أن تأخذ منه المال ، وترده إليه دون زيادة ، وهذا هو القرض الحسن المشروع .
ويجوز أن يدخل معك شريكا ، فيعطيك المال لتدخله في تجارتك ، على أن يكون له نسبة معلومة من الربح الذي يقدره الله لك – وليس من رأس ماله – كخمسة أو عشرة في المائة من أرباحك ، ويجب الاتفاق على هذه النسبة قبل بدء الشركة ، ولا يجوز أن تكون مجهولة . ولكما أن تتفقا على أي نسبة كانت ، قليلة أو كثيرة .
فتتفقان على أنك ستستثمر له ماله لمدة سنة مثلا ، ويكون له ربع الربح أو 10% من الربح ، فما حصلت عليه من الربح ، قليلا كان أو كثيرا ، أعطيته منه نسبته . وإذا لم تربح شيئا ، فلا يستحق شيئا . وهذا ما يسمى في الشريعة الإسلامية بالمضاربة .
وفي حال الخسارة فإن الخسارة توزع على الشركاء بحسب نسبة رأس مال كل شريك ، ولا يجوز الاتفاق على توزيع الخسائر بغير ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96516
العنوان:
تأخذ من مال زوجها وتتصدق به دون علمه
السؤال:
زوجي ميسور الحال كثيرا والحمد لله كثيرا ، ولله الحمد فأنا وزوجي نسعى نحو الاستقامة في حياتنا كلها ونرجو من الله السداد ، وأحتاج للحكم الشرعي في تصرفي الآتي : آخذ من مال زوجي قدرا محددا من حين لآخر لفترات متباعدة وأجعلها في صالح الأعمال بالسر دون علم زوجي بالمال الذي آخذه منه سرا ودون علمه أيضا فيما جعلت ماله ، علما أني في مرات عديدة أسأله الإذن لي في التصرف في القليل من ماله في وجوه الخير ولا يمانع ويقول لي لا تخبريني أين صرفت وذلك ولله الحمد من ثقته في بأني لا أفعل إلا خيرا بعون الله ، فهل تصرفي هذا أأثم به شرعا ؟ ثم هل يكون لازما علي سؤاله في كل مرة مع إعلامه بموضع التصرف في ماله ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا أذن لها بذلك ، إذنا صريحا ، أو علمت من خلقه وحاله رضاه بذلك .
أما إذا منعها ، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذ الصدقة من ماله بشيء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 4 / 301 ) :
"وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ , بِغَيْرِ إذْنِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ; إحْدَاهُمَا , الْجَوَازُ ; لأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا , غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , كَانَ لَهَا أَجْرُهَا , وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ,
وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ) . وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا .(/1)
وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ ؟
فَقَالَ : ( ارْضَخِي مَا اسْتطَعْتِ ) والرضخ هو العطاء . وفي رواية للبخاري : قال : (تَصَدَّقِي) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا . وَلأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ , وَطِيبُ النَّفْسِ , فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإِذْنِ .
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة , لا يَجُوزُ . . . . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ . . .
فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ , وَقَالَ : لا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ , وَلا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ , وَلا كَثِيرٍ . لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ " انتهى بتصرف واختصار .
ويدل على عدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه ما رواه أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلا الطَّعَامَ ؟ قَالَ : ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
( إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا ) أي الإذن الصريح ، أو بدلالة الحال . قاله في عون المعبود .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة تتصدق من مال زوجها بدون إذنه ، فأجابت : "الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به ، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها ، والأجر بينهما ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : .. ثم ذكرت حديث عائشة المتقدّم" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/81).
فما دام زوجك قد أذن لك بذلك فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى .(/2)
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما ويتقبل منكما .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96531
العنوان:
كيف يتمتع في الجنة من كان في النار ثم خرج منها ؟
السؤال:
كيف يتمتع بالجنة من دخل جهنم وبقي بها لبعض الوقت ثم أُخرج منها وأدخل الجنة ؟ كيف يشعرون بالتمتع فى الوقت الذى يمكن أن يتذكروا فيه ما حدث لهم في جهنم ( الضغط النفسي البعدي ) ؟ .
الجواب:
الحمد لله
يعتقد أهل السنَّة والجماعة أن من المسلمين من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب ، ومنهم من يدخل الجنة بعد الحساب ، ومنهم من يدخل الجنة بعد العذاب في النار ، ما شاء الله له أن يعذب ، ثم خروجه منها .
هذا ، وإن خروج هؤلاء من النار ثم دخولهم الجنة لن يجعلهم في شقاء أو بؤس في الجنة ؛ لأن الجنة دار النعيم ، ولهم ما لأهل الجنة مما ذُكر في الكتاب والسنَّة .
ولا يظهر في الأدلة أن هؤلاء سينغص عليهم بعد دخولهم الجنة بسبب ما كانوا فيه من عذاب في النار .
على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمنا عن صفات هؤلاء بعد خروجهم من النار ، ومن ذلك :
1. أنهم يُلقون في " نهر الحياة " ويُنبتون من جديد .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ : مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيَخْرُجُونَ ، قَدْ امْتُحِشُوا ، وَعَادُوا حُمَمًا ، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً . )
رواه البخاري ( 6192 ) ومسلم ( 184 ) .
( امتحشوا ) : أي : احترقوا ، والمحش : احتراق الجلد ، وظهور العظم .
انظر : " النهاية في غريب الحديث " ( 4 / 302 ) .(/1)
( حِمماً ) : أي : صاروا سود الأجساد كالحمم ، وهو الفحم .
انظر : " النهاية في غريب الحديث " ( 1 / 444 ) .
( الحبة ) بكسر الحاء ، وهي بزر البقول والعشب ، تنبت في البراري وجوانب السيول .
( حميل السيل ) فبفتح الحاء وكسر الميم , وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه : محمول السيل , والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته .
انظر : " شرح مسلم " للنووي ( 3 / 22 ، 23 ) .
2. وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حالهم سيتغير بعد خروجهم من النار .
عَن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ – عن الجهنميين – أنهم ( يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ ، فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ ) .
رواه مسلم ( 191 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
قوله : ( فيخرجون كأنهم عيدان السماسم ) هو بالسينين المهملتين : الأولى مفتوحة , والثانية مكسورة , وهو جمع سمسم , وهو هذا السمسم المعروف الذي يستخرج منه الشيرج , قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير - رحمه الله تعالى - : معناه - والله أعلم - أن السماسم جمع سمسم , وعيدانه تراها إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها دقاقا سودا كأنها محترقة , فشبه بها هؤلاء .
قوله : ( فيخرجون كأنهم القراطيس ) القراطيس : جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان , وهو : الصحيفة التي يكتب فيها , شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد .
" شرح مسلم " ( 3 / 52 ) .
وفي رواية البخاري ( 6190 ) :(/2)
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ ، قُلْتُ : مَا الثَّعَارِيرُ ؟ قَالَ : الضَّغَابِيسُ )
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
أما الثعارير فقال ابن الأعرابي : هي قثاء صغار ، وقال أبو عبيدة مثله .
والمقصود : الوصف بالبياض والدقة .
وأما الضغابيس : فقال الأصمعي : شيء ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل .
وقيل ينبت في أصول الشجر وفي الإذخر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه حموضة .
وفي غريب الحديث للحربي : الضغبوس شجرة على طول الإصبع , وشبه به الرجل الضعيف .
( تنبيه ) :
هذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا , وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما سيأتي في الحديث الذي بعده .
" فتح الباري " ( 11 / 429 ) .
3. أنهم يصير الواحد منهم مثل اللؤلؤة ، ويحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً .(/3)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : ( ... فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ " نَهَرُ الْحَيَاةِ " فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... قَالَ : فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ، ثُمَّ يَقُولُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ، فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ، فَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ، فَيَقُولُ : رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا .)
رواه البخاري ( 7002 ) ومسلم ( 183 ) – واللفظ له - .
وهو حديث عظيم يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم عظيم حال الخارجين من النار ، في كراماتٍ يهبها لهم ربهم تعالى فضلاً منه وكرماً ، ومنها :
أ. الإلقاء في نهر الحياة ، والإنبات من جديد .
ب. يخرجون من النهر كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم .
ج. يعطيهم كل ما يجدونه مما يرونه في الجنة .
د. يظنون ، من تنعمهم وبلوغهم الغاية من السرور والحبور ، أن الله تعالى أكرمهم بما لم يكرم به غيرهم .
هـ. يحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبداً .
ويؤكد كرامة الله تعالى لمن دخل الجنة من هؤلاء :(/4)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ : إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ : تَسْخَرُ مِنِّي - أَوْ : تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ الْمَلِكُ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ) .
رواه البخاري ( 6202 ) ومسلم ( 186 ) .
4. أنه يُطلق عليهم اسم " الجهنميين " و " عتقاء الجبار " ، ثم يُرفع عنهم هذا الاسم .
والجهنميون : جمع جهنمي ، نسبة إلى جهنم ، والمراد : أنَّ الله أعتقهم من جهنم .
عنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ ) .
رواه البخاري ( 6191 ) .(/5)
وعند أحمد (12060) من حديث أَنَسٍ ـ أيضا ـ : ( ... فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ : هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ !! فَيَقُولُ الْجَبَّارُ : بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ ) .
صححه ابن مندة في " الإيمان " ( 2 / 847 ) ، وابن خزيمة ( 2 / 710 ) ، والألباني في " حكم تارك الصلاة " ( ص 33 ) .
وعند ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( ... فيسمون في الجنة " الجهنميين " من أجل سواد في وجوههم ، فيقولون : ربنا أذهب عنا هذا الاسم ، قال : فيأمرهم فيغتسلون في نهر في الجنة فيذهب ذلك منهم ) .
رواه ابن حبان ( 16 / 457 ) وصححه ، وصححه شعيب الأرناؤوط .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن غمسة واحدة في الجنة تُنسي المسلم كل بؤس عاشه في الدنيا ، فكيف بمن تكون الجنة مستقره وداره ؟! ولا يبعد أن يشمل هذا البؤس الذي عاناه المسلم عندما كان في النار .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ .
رواه مسلم ( 2807 ) .(/6)
ومما يدل على أن الغمس في نعيم الجنة ، يذهب كل بؤس سبقه ، حتى بؤس العذاب في النار، إضافة إلى ما ذكرناه من تغير هيئاتهم وأحوالهم بعد الإلقاء في نهر الحياة ، ما رواه مسلم (2836) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ) .
وهذا النعيم المؤكد بنفي البؤس عمن يدخل الجنة ، عام في كل من يدخلها ، سواء دخل النار قبلها ، أو لم يدخل .
قال القاضي : " معناه أن الجنة دار الثبات والقرار ، وأن التغير لا يتطرق إليها ؛ فلا يشوب نعيمها بؤس ، ولا يعتريه فساد ولا تغيير .. " نقله في تحفة الأحوذي (7/194) .
ولأجل ذلك كله ، حكى الله تعالى عن حال أهل الجنة إذا دخلوها : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر:34-35) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله : "
أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها .
وذلك الإحلال { مِنْ فَضْلِهِ } علينا وكرمه، لا بأعمالنا، فلولا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
{ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى ، ولا في كثرة التمتع ، وهذا يدل على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة ، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن. "
تفسير السعدي (689) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
96532
العنوان:
أمه نصرانية وأبوه مسلم سيء فهل يهاجر من بلده دون إذنهما ؟
السؤال:
أمي مسيحية ، وأبي مسلم سيئ ، وأريد - إن شاء الله - أن أهاجر - فقط – إن شاء الله ـ لبلد مسلم ، فهل من الجائز ، أو من الواجب عليَّ تركهما حتى أقوم بواجباتى تجاه الله ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
كل من يعيش في بلاد لا يستطيع فيها القيام بشعائر الإسلام ، وبما أوجبه الله عليه : فلا يحل له البقاء فيها ، مع توفر بلاد أخرى يستطيع فيها القيام بذلك ، ويتحتم ذلك إن كان البدل الذي يعيش فيه من بلاد الكفر ، ورأس مال المسلم هو دينه ، فيجب الحفاظ عليه ، وعدم التفريط فيه ، وإذا اختار البقاء في البلاد التي لا يستطيع إظهار دينه والقيام بما أوجبه الله عليه ، مع استطاعته الخروج منها إلى بلاد المسلمين : فهو آثم على بقائه ، وعلى تفريطه في الواجبات الشرعية ، ولن يكون من المعذورين يوم الحساب فيما فرط فيه من دينه .
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/97 .
قال القرطبي – رحمه الله - :
والمراد بقوله ( ألم تكن أرض الله واسعة ) : المدينة ، أي : ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم ؟ وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يُعمل فيها بالمعاصي .
" تفسير القرطبي " ( 5 / 346 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله - :(/1)
وقال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيب ، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع ، وبنص هذه الآية ، حيث يقول تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) أي : بترك الهجرة ، ( قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ) أي : لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة ؟ ( قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ ) أي : لا نقدر على الخروج من البلد ، ولا الذهاب في الأرض ( قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 389 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
إذا كنتَ تستطيع الانتقال إلى بلاد المسلمين : فإنه يجب عليك ذلك ؛ فراراً بدينك ؛ لأن الله سبحانه قد أوجب على المسلم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، وتوعد من لم يفعل ذلك ، وهو قادر عليه ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء/97 .
وأما إذا كنت لا تستطيع الهجرة : فإنك معذور ، بشرط التمسك بدين الإسلام ، والثبات عليه ؛ لقوله تعالى بعد الآية السابقة : ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً ) النساء/ 98، 99 .(/2)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 57 ، 58 ) .
وقالوا – أيضاً - :
لا تجوز الإقامة في بلد يحال فيه بين المسلم وإظهاره شعائر الإسلام وإعلانها ، فعلى من يستطيع الهجرة أن يهاجر منه إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر دين الإسلام وإعلانها ، ويتم له التعاون مع المسلمين على البر والتقوى ، ويكثر به سواد المسلمين ، وسوف لا يعدم رزقاً ؛ فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً ، ومن بقي في تلك الأماكن وأمثالها مما فيه حجر على المسلمين في إعلان شعائر دينه ، بعد قدرته على الهجرة منه : فهو آثم ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء/97 .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 54 ، 55 ) .
ومن هاجر في سبيل الله تعالى فراراً من الفتن ، وإقامة لشعائر الدين : فإن الله قد وعده بالهداية والتوفيق والرزق .
قال تعالى : ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء/100 .(/3)
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال/74.
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) النحل/41 .
وقال تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل/110 .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 3225 ) ففيه بيان المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها .
ثانياً :
بالنسبة لوالديك : فإنه إن كان وجودك عندهما يمنعك من إقامة شعائر دينك ، والقيام بما أوجبه الله تعالى عليك : فإنه لا يجب عليه الاستئذان منهما ، وبخاصة أن والدتك كافرة ، ووالدك إن كان لا يصلي ـ البتة ـ فهو يلحق بها في الحكم ؛ لأنه يكون بتركه للصلاة مرتداً ، وقد نصَّ العلماء أن الذي يُستأذن هما الأبوان المسلمان ، وحتى لو كانا مسلميْن : فإنه لا ينبغي اختيار البقاء معهما على حساب القيام بالواجبات الشرعية ؛ لأن الهجرة تصير في حقك واجبة .
عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ، قَالَ : فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلَاهُمَا ، قَالَ : فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا .
رواه البخاري ( 1671 ) ومسلم ( 2549 ) .
قال الخطابي – رحمه الله - :(/4)
إن كان الخارج فيه متطوعاً : فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين ، فأما إذا تعيَّن عليه فرض الجهاد : فلا حاجة إلى إذنهما ، هذا إذا كانا مسلميْن ، فإن كانا كافريْن : يخرج بدون إذنهما ، فرضاً كان الجهاد ، أو تطوعا .
انظر " عون المعبود " ( 5 / 424 ) .
وفي " دليل الفالحين لطرُق رياض الصالحين " ( 2 / 463 ) لمحمد بن علان الصديقي – رحمه الله - :
أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة تقديماً لحق أبويه ، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه : فقد عارضها ما هو أوجب منها ، وهو حق الوالدين ، وإن لم تكن واجبة : فالواجب أولى ، لكن هذا إنما يصح ممن يسلم له دينه في موضعهما ، أما لو خاف على دينه : وجب عليه الفرار به ، وترك آبائه ، وأبنائه ، كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد .
انتهى .
ولا ننسى في النهاية أن نذكرك بدعوة والديك للحق ، فهما أحوج ما يكون لذلك ؛ إنقاذاً لهما من الكفر والإثم ، وعليك سلوك الطرق الحكيمة في دعوتهما ، وبما أنك تحتاج للهجرة من أجل دينك ، ولا يظهر أن والديك يحتاجانك ، وهما على ما هما عليه من الكفر والضلال : فلا تتحرج من الهجرة لبلاد تنقذ بها نفسك ، مع ضرورة التنبه لدعوة أهلك ، والإحسان إليهم ، وحتى لو سافرت وهاجرت فلا تقطع الصلة بهما ، وداوم على دعوتهما ، فلعل الله أن ينقذهما بك .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
96576
العنوان:
معاناة شاب مستقيم من تصرفات والده الذي يمنعه من الخير
السؤال:
أرجو من فضيلتكم إفادتي في هذه المشكلة :
بدأت هذه المشكلة بيني وبين أبي ، وذلك منذ التزمت وأعفيت لحيتي ، في البداية بدأ الأمر بالضغط عليَّ لكي أحلق لحيتي ، ثم منع أصحابي من دخول بيتنا ، ثم منعي من أن أصادق بعض الشباب في الحي ، علماً بأن عمري كان وقتها 21 عاماً ، وكنت إذا رأيت ورقه ملقاة في الشارع فيها آيات من القرآن أو أحاديث آخذها معي إلى البيت وأحرقها ، وأبي كان يعلم بهذا ، وفي مرة وجدتُ كتاباً في الفقه يدرَّس في الأزهر ملقى في الشارع وممزقاً , فأخذته ووضعته في حقيبة معي أحمل فيها الملابس الخاصة بعملي , وعندما عدت إلى البيت في آخر النهار وضعت الحقيبة عند باب الحجرة حتى أتناول عشائي , وكان من عادة أبي أن يقوم بتفتيش متعلقاتي , فلما رأى الكتاب الممزق قال : " لماذا تحضر الزبالة من الشوارع " ، وهو يعلم أنه كتاب ديني ، فقلت : " كلام الله ورسوله زبالة ؟ " فقال أبي : " نعم زبالة " ، وفي مرة قال لي : لا تمشِ مع ابن فلان – جارنا - [ وذلك حتى لا أدعوه للالتزام ] فقلت : في شرع من هذا ؟ فقال : في شرع أبي ! " ، هذا ليس كل شيء , كان يستهزئ بالإخوة الملتزمين ، ويسخر منهم , مع أن منهم إخوة في مثل عمره ، وهم جيرانه أيضا ، في مرة أخذ المنبه من عندي وأنا نائم حتى لا أصحو لصلاة الفجر .
آخر أحداث هذه المعاناة : هو أنه دبَّر لي مكيدة لكي يتم اعتقالي من قبل السلطات الأمنية, ولكني نجوت بفضل الله سبحانه وتعالى ، الآن أصبح عمري 25 عاماً , وأنا أكرهه وأبغضه ؛ لما سبَّب لي من الأذى في نفسي وديني , لا أستطيع أن أحبه أو أشعر به كأب , أصبحت أشعر أنه عدوي , خاصة بعد حادثة الاعتقال ، وكل يوم أحاول أن أجد سبيلا كي أؤمن نفسي ضد غدره بي .(/1)
عندما أقرأ النصوص التي تتضمن الأمر ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما , أقول لنفسي : هذا الرجل استهزأ بديني وبكلام الله ورسوله ، وحاربني في التزامي ، ولم يكتف بذلك , بل نصب لي فخّاً ليتم اعتقالي ، ومن وجه آخر أمي تتعذب ؛ فهو يظلمها ويسيء معاملتها , وهي تريد أن يصبح البيت مستقراً وهادئاً .
هل يكون أبي باستهزائه منافقاً , وهل يسقط حق برِّه بذلك ؟ .
هل يجوز لي الدعاء عليه ؟ أحياناً تحدث بيننا مشادة كلامية وقد أرفع صوتي عليه , هل أكون بذلك عاقّاً له ؟ أرجو من فضيلتكم إفادتي ، ونصحي مع ذكر الدليل من الكتاب والسنَّة أو فعل من أفعال سلفنا الصالح ؛ حتى أجد شيئاً أقتدي به في مثل هذا الموقف ؟ .
و جزاكم الله عنا كل خير .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يفرِّج همك ، ويزيل كربك ، وأن يهدي والدك للحق ، ولا بدَّ من تنبيهك لبعض الأمور التي قد تخفى عليك ، ولها تعلق بسؤالك ، وهي مفيدة لحالك ، وهي تصلح لأن تكون تنبيهات لكل من يعاني من منع أهله له من الالتزام في المساجد ، ومع الصالحين :
1. ينطلق بعض الآباء من منع أبنائهم من الالتزام في حلقات المسجد ، أو من مصاحبة بعض المستقيمين لا من منطلق بغضهم للإسلام ، بل من خوفهم على أبنائهم من أن تجترفهم بعض التيارات والأحزاب التي قد تؤدي بهم إلى انحراف في الفكر والاعتقاد ، والغالب يخاف من ضرر أو أذى دنيوي ، فينبغي على الأبناء مراعاة هذا الأمر في تعاملهم مع آبائهم الذين تصدر منهم أفعال في ظاهرها معاداة للدين ، وفي حقيقتها تحذير من الانتساب لجماعات وأحزاب قد تأتي بالضرر على الابن وأسرته .
ومن الحكمة في تعامل الأبناء مع هؤلاء الآباء مد جسور الثقة بينه وبين والده ، وإطلاعه على من يصاحب من المستقيمين ، حتى يُدخل الطمأنينة على قلبه .(/2)
2. لا يحل للأبناء أن يتسببوا في كلمات يقولها أهلوهم ، ويكون فيها طعن وشتم للدين ، فبعض الأبناء إذا منعهم والدهم من المشي مع فلان من الناس : سارع إلى القول : شرع من هذا ؟ أو بأي دين ؟ أو هل تكره الرسول وأصحابه ؟ وغيرها من الأسئلة التي قد يبادر الوالد للإجابة عليها بما يضر دينه ، ومنه ما حصل معك مع والدك هنا ، فعندما أنكر عليك حمل الكتاب الذي التقطته من الشارع لم يكن يعني الطعن في كلام الله ورسوله ، وإلا فلو رأى مصحفاً في حقيبتك فهل سيقول ما قاله في الكتاب الذي التقطته من الشارع ؟ فلم يكن من الحكمة أن تبادر والدك إلى قولك " كلام الله ورسوله زبالة ؟ " !! فبالإضافة إلى عدم جواز قولك هذا ابتداء فإنك قد تسببت بجوابٍ سيء من والدك ، وأنت تعلم أنك أنكر الأوراق الممزقة والتي قد تكون لها رائحة وعليها قذر ، ولم يكن ينكر عليك الآيات والأحاديث نفسها .
ومثله عندما منعك من المشي مع أحد جيرانكم فسارعت إلى القول : في شرع من هذا ؟ " حتى قال لك : " في شرع أبي ! " ، وأنت تريد الشرع بمعنى الدين ، وهو – لعله – يريد القانون والنظام ، أو أنه أراد الشرع الإسلامي فأساء في اللفظ .
واعلم – يا أخي – أننا لسنا نقصد في الجواب واقعتك وحدها ، بل هو جواب لكل من يعاني من سوء تصرفات أهله معه ، ونريد أن نذكر إخواننا بأنه قد تكون الأخطاء ابتداء منهم ، وإلا فقد يكون والدك ، أو أمثاله ، شيطاناً مريداً ، والعياذ بالله ، لكننا نريد التنبيه على الأفعال لا الحكم على الأشخاص .(/3)
3. لا يجب عليك التقاط الأوراق التي تُرمى في الشارع ، كما لم يكن من الحكمة إحضارها للبيت وأنت تعلم – بحسب قولك – أن والدك من عادته الاطلاع على ما في حقيبتك ، ولم يكلفنا الشرع بالتقاط الأوراق من الشارع وإلا ضاع عمرنا في الشوارع لكثرة ما يُلقى فيها من صحف وكتب يكون فيها آيات وأحاديث ، وإنما يكون المسلم مسئولاً عن أوراقه هو ، وعما يُلقى في بيته أو مكان إقامته ، ولا مانع من التقاط الملقى في الشارع إذا كان لا يشق عليه ، وكان قليلاً ، لكن ليس على أنه واجب شرعي .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم من يضع متاعه أو حاجياته أو يلفها في كتب أو ورق يحتوي على سور وآيات من القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فأنكر عليه شخص بالقول ، فرد عليه فقال - أي : الذي يضع البضاعة - : لا بأس بهذا ، ولا ضرر في ذلك ، واستمر في عمله هذا ، وقال : لا أجد غير هذا الورق ، مع العلم أنه يقرأ ويكتب ، وهذه ظاهرة شائعة عندنا ، فما حكم الله في هذا العمل ؟ وهل أسير في الشارع راكعاً لجمع تلك الآيات والسور التي كثر رميها على الأرض في حين أن الناس تسخر مني ؟ فماذا أفعل لإزالة هذا المنكر المنتشر ؟ .
فأجابوا :
أولاً : لا يجوز أن يضع المسلم متاعه ، أو حاجته ، في أوراق كتب فيها سور وآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية ، ولا أن يُلقي ما كتب فيه ذلك في الشوارع والحارات والأماكن القذرة ؛ لما في ذلك من الامتهان ، وانتهاك حرمة القرآن ، والأحاديث النبوية ، وذكر الله ، ودعوى أنه لا يجد غير هذا الورق : دعوى يكذبها الواقع ، فإن وسائل صيانة المتاع كثيرة ، وفيها غنية عن استعمال ما كتب فيه القرآن ، والأحاديث النبوية ، أو ذكر الله ، وإنما هو الكسل وضعف الدين .(/4)
ثانياً : يكفيك للخروج من الإثم والحرج : أن تنصح الناس بعدم استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان ، وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة ، وفي الشوارع ، والحارات ، ونحوها ، ولست مكلفاً بما فيه حرج عليك مِن جعل نفسك وقفاً على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها ، وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 73 – 75 ) .
4. يجب على الأبناء مراعاة الضغط الإعلامي الهائل على الأهل في تحذيرهم من التطرف والتشدد ، وتصوير ذلك أن منبعه من المساجد وأهل الاستقامة ، ومثل هذا الضغط الإعلامي وجد أرضية قابلة لقبوله من الجهل الذي يعيش فيه كثير من العوام ، فيحتاج الأمر من الأبناء إلى وضوح في الأفعال ، وإظهار لأحسن الأخلاق والأقوال حتى يحكم أهلوهم على ما يسمعونه من الإعلام بأنه كذب وزور .
5. واعلم أنه إن كان والدك مرتداً كافراً : فإنه يجب عليك التلطف في معاملته ، والإحسان إليه بما تستطيعه ، لا أنه يستحق ذلك – لأن حكم المرتد غير الكافر الأصلي – بل لحاجتك لأن يهديه الله تعالى ، ويترك معاداته للدين وينتظم في سلك المسلمين الموحدين .
فلا ترفع صوتك عليه ، ولا تهنه ، ولا تغلظ له بالقول ، وإن كنت تود الدعاء : فادع له بدلا من أن تدع عليه ، فلعلَّ الله تعالى أن يستجيب لك فيهديه .
6. يجوز لك أن تبغض أفعال وأقوال والدك ، ويحل لك أن تبغضه نفسه ، إن ثبت وقوعه في الردة ، ويجوز لك الخروج من البيت إن رأيتَ أن بقاءكَ في البيت يؤثر سلباً على استقامتك وقيامك بشعائر دينك ، وإن رأيت أن بقاءك لا يؤثر على دينك واستقامتك ، ويستفيد أشقاؤك ووالدتك من بقائك : فابق معهم ولا تغادر .
سئل علماء اللجنة الدائمة :(/5)
ما حكم الوالد الذي يسب الدين هل يكفر بدون إعلان ؟ وإذا أنكر عليه هذا الأمر ، وعرف بأن سبَّ الدِّين كفر يعود مرة بعد مرة إلى هذا الأمر ، ما حكم هذا الأب ؟ مع العلم بأنه يظهر التوبة ، ثم لا يلبث إذا ثار يقول هذه الكلمة ، وهذا يحدث كل فترة ، فما حكم هذا الوالد ؟ وما حكم تعامل الابن معه ؟ هل يهجره ويترك المنزل ؟ مع أنه شاب صغير لا يستطيع العمل ، وإذا ترك المنزل فإنه سيترك الكلية ويذهب ليعمل أي عمل آخر بعيدا عن هذا المنزل .
فأجاب :
يجب عليك الاستمرار في نصحه ، ومتى تبين لك أن النصح لا يفيد فيه فأنت أعلم بظروفك ، فإذا كنت تعلم أن بقاءك في البيت أكثر مصلحة : فإنك تبقى ، وإذا تبين لك أن ترك البيت أصلح : فإنك تتركه ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ونذكرك بقول الله سبحانه : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 276 ، 277 ) .
ثانياً :
وأما والدك فإننا نقول له :
1. اتق الله في نفسك ، واغتنم حياتك قبل مماتك ، فلو أدركك الموت وأنت على هذه الحال فإنه سيكون أسوأ حال ، وكان الواجب عليك أن تتروى في كلامك ، وفي أجوبتك لابنك ، وبعض كلامك كفرٌ صريح ، فنخشى عليك أن تموت عليه ، فإهانة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كفرٌ مخرج من الإسلام بلا خلاف بين العلماء .
2. وكان الواجب عليك أن تشجع ابنك على الطاعة والاستقامة والالتزام مع أهل الخير ، ولا مانع من أن تتابعه وتراقبه ، لكن ليس عليك منعه من المسجد والطاعة والدعوة ، والابن المستقيم على الطاعة خير لأهله في الدنيا والآخرة ، فمثل هؤلاء هم الذين ترجى منهم الطاعة والإنفاق والرحمة على أهليهم ، وهم الذين يستغفرون لأهليهم بعد موتهم ، ويدعون لهم بخير بعد وفاتهم .(/6)
3. ولا يحل لك أن تأمر ابنك بحلق لحيته ، فحلق اللحية محرَّم ، ولا يجوز لك أن تأمر ابنك بمعصية ، بل يجب أن تشجعه على الطاعة والاستقامة ، وأن تنهى من يحلق لحيته من أبنائك لا العكس ، وأن تنهى من تتبرج من بناتك لا العكس ، وهكذا .
وأما أن تسعى في تمكين الظلم من عرض ابنك وبدنه ، فيسجنوه أو يؤذوه ، فهذا انتكاس في فطرة الأبوة التي جعلها الله فيك ، وشذوذ في عاطفتك نحوه ؛ ألم تعلم يا عبد الله أن الله سائل كل راع عما استرعاه : حفظ أم ضيع . [ رواه ابن حبان في صحيحه ، وصححه الألباني ] .
ألم تعلم ، يا عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [ متفق عليه ] .
فكيف إذا كان هذا المسلم هو ابنك ، وفلذة كبدك ؟!!
لقد صدق القائل :
وراعي الشاةِ يحمي الذئبَ عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئابُ
4. لا يجوز لك ظلم زوجتك ، ولا الإساءة إليها ، وقد أمرك الله تعالى بمعاشرتها بالمعروف ، فلا يحل لك ما تفعله معها من ظلم وإساءة .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه ابن ماجة (1977) وصححه الألباني .
وأخيراً :(/7)
فإننا ندعو الوالد للتوبة والاستغفار مما بدا منه ، وندعوه لإصلاح قوله وفعله ، وأن يتدارك أمره قبل أن ينتهي أجله ويلقى ربه ، وندعوه لتشجيع أولاده على الطاعة والاستقامة ، ولا بأس من توجيههم ونصحهم فهم يحتاجون لذلك ، لكن لا يحل لهم منعهم من الطاعات الواجبات ، ولا أن يكرههم على ارتكاب المحرمات ، وليس له طاعة إن فعل ذلك ، وأولاده آثمون إن استجابوا له .
وندعو الابن للتحلي بالصبر ، وندعو إلى معالجة الأمور بحكمة ، وأن يعلم أن والده لا يكره له الخير ، لكنه يجهل الخير من الشر ، فعليه مسئولية دلالة والده على الخير لنفسه ولأهله وذريته .
والله الموفق .(/8)
رقم السؤال:
96584
العنوان:
من هي ذات الدين ؟
السؤال:
أنا شاب بدأت أفكر بالزواج ، ولكن عندي بعض الإشكالات التي أود الاستفسار عنها قبل البحث عن زوجة : بالنسبة إلى الزوجة ، من هي ذات الدين التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الظفر بها ؟ أعلم أنها كلما كانت عالمة عابدة تقية داعية إلى الله تعالى كان ذلك أفضل ، ولكن ماذا عن التي هي أقل من ذلك ، كأن تكون مقتصرة على تأدية الفرائض فقط ، هل تعتبر ذات دين بالمعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وهل التي تلبس الحجاب الكاشف للوجه أو النقاب الذي يكشف العيون لا تعتبر ذات دين ؟ بمعنى آخر : إذا اختار أهل الشاب فتاة تؤدي الفرائض وتلبس حجاباً كاشفاً للوجه ، هل له أن يرفض التقدم لخطبتها لأنها ليست ذات دين ؟
الجواب:
الحمد لله
الوصية بنكاح ذات الدين ، ومن هي ذات الدين ؟ .
أ. رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين فقال : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .
رواه البخاري ( 5090 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال عبد العظيم آبادي – رحمه الله - :
والمعنى : أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمحَ نظره في كل شيء ، لا سيما فيما تطول صحبته ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية .
( تربت يداك ) يقال : ترب الرجل ، أي : افتقر ، كأنه قال : " تلصق بالتراب " ، ولا يُراد به ها هنا الدعاء ‘ بل الحث على الجد ، والتشمير في طلب المأمور به .
" عون المعبود " ( 6 / 31 ) .
ب. وأما صفات النساء ذوات الدِّين فقد أمكننا الوقوف على كثيرٍ من الصفات التي يصدق على من اتصف بها من النساء أن تكون من ذوات الدِّين ، ومنها :(/1)
1. حسن الاعتقاد ، وهذه الصفة على رأس قائمة الصفات ، فمن كانت من أهل السنَّة والجماعة فإنها تكون حققت أعلى وأغلى صفة في ذوات الدين ، ومن كانت من أهل البدع والضلال فإنها ليست من ذوات الدِّين اللاتي رُغِّب المسلم بالتزوج منهنَّ ؛ لما لهنَّ من أثرٍ سيئ على الزوج أو على أولاده ، أو على كليهما .
2. طاعة الزوج ، وعدم مخالفته إذا أمر بالحق .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ .
رواه النسائي ( 3131 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث صفات عظيمة في الزوجة الصالحة الخيِّرة ، وهي :
أولها : إذا نظر إليها سرَّته بدِينها ، وبأخلاقها ، وبمعاملتها ، وبمظهرها .
وثانيها : إذا غاب عنها حفظته في عرضها ، وحفظته في ماله .
وثالثها : إذا أمرها أطاعته ، ما لم يأمرها بمعصية .
3. إعانة الزوج على إيمانه ودينه ، تأمره بالطاعات ، وتمنعه من المحرَّمات .
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَا نَزَلَ قَالُوا : فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ ؟ قَالَ عُمَرُ : فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِيرِهِ فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي أَثَرِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ ؟ فَقَالَ : لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا ، وَلِسَانًا ذَاكِرًا ، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ .
رواه الترمذي ( 3094 ) وحسَّنه ، وفي آخره : ( وَتُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ ) ، وابن ماجه ( 1856 ) – واللفظ له - ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .(/2)
قال المباركفوري – رحمه الله - :
( وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ) أي : على دينه ، بأن تذكره الصلاة ، والصوم ، وغيرهما من العبادات ، وتمنعه من الزنا ، وسائر المحرمات .
" تحفة الأحوذي " ( 8 / 390 ) .
4. أن تكون امرأةً صالحة ، ومن صفات الصالحات : أن تكون مطيعة لربها ، وقائمة بحق زوجها في ماله ، وفي نفسها ، ولو في حال غيبة الزوج .
قال تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ : قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) النساء/34 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ) أي : مطيعات لله تعالى .
( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ) أي : مطيعات لأزواجهن ، حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها ، وماله ، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن ، لا من أنفسهن ، فإن النفس أمارة بالسوء ، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه .
" تفسير السعدي " ( ص 177 ) .
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ ألوَاسِعُ ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ ، وَأَرْبَع مِنَ اَلشًقَاوَةِ : اَلْجَارُ السُّوءُ ، والمرأة اَلسُّوءُ ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1232 ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 282 ) ، و" صحيح الترغيب " ( 1914 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة ، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله : ( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة المؤمنة ، إن نظرت إليها أعجبتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ) .(/3)
وهي التي أمر بها النبي في قوله لما سأله المهاجرون أي المال نتخذ فقال : ( لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، أو امرأة صالحةً تعين أحدكم على إيمانه ) رواه الترمذي ، من حديث سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان .
ويكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه ، فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان ، خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه ، أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم .
" مجموع الفتاوى " ( 35 / 299 ) .
5. حسن الأدب ، والعلم .
عَنْ أبي موسَى الأَشْعرِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ) . رواه البخاري ( 97 ) ومسلم ( 154 ) .
قال المباركفوري – رحمه الله - :
( فأدَّبها ) : أي : علَّمها الخصال الحميدة : مما يتعلق بأدب الخدمة ; إذ الأدب هو : حسن الأحوال من القيام والتعود , وحسن الأخلاق .
( فأحسن أدبها ) وفي رواية الشيخين : " فأحسن تأديبها " و " إحسان تأديبها " هو : الاستعمال علمها الرفق واللطف ، وزاد في رواية الشيخين : " وعلمها فأحسن تعليمها " .
" تحفة الأحوذي " ( 4 / 218 ) .
6. القيام بالطاعات ، والعفة عن المحرَّمات .
وهذا من معاني ( ذات الدِّين ) الواردة في الحديث الصحيح الذي سقناه في أول الجواب .
قال الخطيب الشربيني الشافعي – رحمه الله - :
والمراد بالدِّين : الطاعات ، والأعمال الصالحات ، والعفَّة عن المحرمات .(/4)
" مغني المحتاج " ( 3 / 127 ) .
بل إن المرأة التي تجمع بين طاعة ربها بفعل ما أمر به من الواجبات ، وترك ما نهى عنه من المحرمات ، وطاعة زوجها : بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بكرامة عالية عند دخول الجنة .
ففي الحديث : ( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) رواه أحمد (1664) وغيره ، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب ، وكذا الأرناؤوط في تخريج المسند .
7. العابدة ، والصائمة .
قال تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ) التحريم/5 .
قال البغوي – رحمه الله - :
( أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ) خاضعات لله بالطاعة .
( مُؤْمِنَاتٍ ) مصدقات بتوحيد الله .
( قَانِتَاتٍ ) طائعات ، وقيل : داعيات ، وقيل : مصليات .
( سَائِحَاتٍ ) صائمات ، وقال زيد بن أسلم : مهاجرات ، وقيل : يسحن معه حيث ما ساح .
" تفسير البغوي " ( 8 / 168 ) .
وبهذا يعرف أن " الدِّين " كلمة جامعة ، تشمل أصنافاً من العبادات ، وأنواعاً من الطاعات ، وشمائل وأخلاق ، ولا بدَّ من التنبيه أن ما ذكرناه من تلك الأوصاف والأفعال ليس درجة واحدة عند النساء ، بل هو درجات كما هو مشاهد ومعلوم . وكلما كانت أكثر حياء وعلماً وعبادة ، كانت أقرب للمقصود من الظفر بها للنكاح .
وبكل حال فإن ذات الدين هي التي تصلح للرجل لتحفظ له دينه ، وتعينه على آخرته ، وتسره إذا نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتربي له أولاده خير تربية .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 83777 ) للوقوف على مسألة التقدم لفتاة متدينة ولكنها ليست جميلة ، فهم مهم ، ومكمل لهذا الجواب .(/5)
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
96588
العنوان:
استعمال الجرس في المنزل والمنبه والساعة
السؤال:
هناك من يقول : إن ساعة المنبه حرام لوجود الموسيقى ؛ هل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
روى مسلم في صحيحه (2113) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ )
وروى (2114) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ ) .
قال النووي رحمه الله : وَأَمَّا الْجَرَس فَقِيلَ : سَبَب مُنَافَرَة الْمَلَائِكَة لَهُ أَنَّهُ شَبِيه بِالنَّوَاقِيسِ , أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَالِيق الْمَنْهِيّ عَنْهَا , وَقِيلَ : سَبَبه كَرَاهَة صَوْتهَا , وَتُؤَيِّدهُ رِوَايَة : مَزَامِير الشَّيْطَان. انتهى.
وسبب كراهة صوتها ما يشتمل عليه من الطرب الذي يلحقه بالمعازف المنهي عنها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْت لَهُ جِهَتَانِ : جِهَة قُوَّة وَجِهَة طَنِين , ... وَمِنْ حَيْثُ الطَّرَب وَقَعَ التَّنْفِير عَنْهُ وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَار الشَّيْطَان . انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( أخبر أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس ؛ لأن مع مشي الدواب وهملجتها يكون له شيء من العزف والموسيقى ، ومن المعلوم أن المعازف حرام ) . انتهى . " شرح رياض الصالحين " (4/340) .
وأما ساعة المنبه ونحوه ، فإذا كانت مشتملة على صوت موسيقي فهي حرام ، لعموم الأدلة الدالة على تحريم المعازف ، وأما مجرد الجرس العادي فلا شيء فيه .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( وأما ما يكون في المنبهات وشبهها فلا يدخل في النهي ... ، وكذلك ما يكون عند الأبواب يُسْتأذن به ، فإن بعض الأبواب يكون عندها جرس للاستئذان ؛ هذا أيضا لا بأس به ، ولا يدخل في النهي ، لأنه ليس معلقا على بهيمة وشبهها ، ولا يحصل به الطرب الذي يكون مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم . ) انتهى .
شرح رياض الصالحين (4/340-341) .
وسئلت اللجنة الدائمة : ما هو الجرس المحرم ؟ مع العلم بأنه يوجد أجراس كهربائية تصدر أصوات طيور ، وأجراس ساعات تدق حديدة بأخرى ، وغيرها من الأنواع ؟
فأجابت : " الأجراس المستعملة في البيوت والمدارس ونحوها جائزة ، ما لم تشتمل على محرم ، كشبهها بنواقيس النصارى ، أو لها صوت كالموسيقى ، فإنها حينئذ تكون محرمة لذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/284)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96589
العنوان:
كم عدد الساعات التي يجوز للشخص أن ينامها ؟
السؤال:
كم عدد الساعات التي يجوز للشخص أن ينامها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
النوم آية من آيات الله الكونية ، كما قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) الروم/23 .
ونوم الليل هو الأصل ، ونوم النهار فرع ، وقد جعل الله تعالى النهار للعمل والانتشار في طلب الرزق ، وجعل الليل للراحة ، وفي الليل يكون النوم ، وفي النهار العمل ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ) الفرقان/47 ، وقال تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) النمل/86 ، وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً . وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ) النبأ/9-11 .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
أي : ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة، وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار، وهذا ضد النوم .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 310 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
( وجعلنا نومكم سباتاً ) أي : قاطعاً للتعب ، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب ، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل ، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام : استراح وتجدد نشاطه ، وهذا من النعمة ، وهو أيضاً من آيات الله ، كما قال الله تعالى : ( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ) الروم/23 ...(/1)
( وجعلنا النهار معاشاً ) أي : معاشاً يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم ، وعلى حسب أحوالهم ، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد .
" تفسير جزء عمَّ " ( ص 22 ، 23 ) .
ثانياً :
لم يأتِ في الشرع ما يُلزم المسلم بالنوم في ساعة معينة والاستيقاظ في أخرى ، ولا يُلزمه الشرع بالنوم لقدر معيَّن من الساعات ، بل يرجع ذلك لطبيعة عمُر الأشخاص ، وحاجة أبدانهم للراحة ، كما يرجع لطبيعة أعمالهم ، فعامل الليل ينام في النهار أكثر مما ينامه في الليل عامل النهار ، ونوم الشتاء يختلف عن نوم الصيف ، وهكذا .
والمعدَّل الطبيعي لنوم الإنسان يكون من 5 إلى 8 ساعات يوميّاً ، ومن نام أقل من ذلك لقدرة جسمه على التحمل ، أو أكثر من ذلك لحاجة جسمه لذلك : فلا حرج عليهما ، والمهم في الأمر في الإسلام أن يلتزم المسلم بأوقات الصلوات ، فيكون فيها نشيطاً ليؤدي العبادة على وجهها الأكمل ، وإذا طلب الجسد الراحة والنوم : فلا ينبغي دفع ذلك عنه .
قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني – رحمه الله - :
لا ينبغي مدافعة النوم كثيراً , وإدمان السهر , فإنَّ مدافعة النوم وهجره مورث لآفات أُخر من سوء المزاج ، ويبسه ، وانحراف النفس , وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل , وتورث أمراضا متلفة .
وما قام الوجود إلا بالعدل ، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير ، وفي " الآداب الكبرى " قال بعض الحكماء : النعاس يذهب العقل , والنوم يزيد فيه .
فالنوم من نِعَم الله جل شأنه على عباده , ولهذا امتنَّ عليهم في كتابه .
" غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب " ( 2 / 359 ) .
وينبغي أن يُعلم أن النوم الزائد عن حاجة البدن يسبِّب ثقلاً في الطاعة ، وخبلاً في العقل ، ومن هنا جاءت بعض العبارات عن السلف في ذم كثرة النوم .
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : خصلتان تقسيان القلب : كثرة النوم ، وكثرة الأكل .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :(/2)
وأما مفسدات القلب الخمسة : فهي التي أشار إليها : من كثرة الخلطة ، والتمني ، والتعلق بغير الله ، والشبع ، والمنام ، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب .
" مدارج السالكين " ( 1 / 453 ) .
وشرح ما يتعلق بالنوم فقال – رحمه الله - :
المُفسد الخامس : كثرة النوم ؛ فإنه يميت القلب ، ويثقل البدن ، ويضيع الوقت ، ويورث كثرة الغفلة والكسل ، ومنه المكروه جدّاً ، ومنه الضار غير النافع للبدن .
وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه ، ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه ، وكلما قرب النوم من الطرفين : قل نفعه وكثر ضرره ، ولا سيما نوم العصر ، والنوم أول النهار إلا لسهران ، ومن المكروه عندهم : النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس ؛ فإنه وقت غنيمة ، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة ، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس ؛ فإنه أول النهار ، ومفتاحه ، ووقت نزول الأرزاق ، وحصول القسم ، وحلول البركة ، ومنه ينشأ النهار ، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر .
وبالجملة : فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول ، وسدسه الأخير ، وهو مقدار ثمان ساعات ، وهذا أعدل النوم عند الأطباء ، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه .
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا : النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء ، وكان رسول الله يكرهه ، فهو مكروه شرعاً وطبعاً ، وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام : من سوء المزاج ، ويبسه ، وانحراف النفس ، وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ، ويورث أمراضاً متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها ، وما قام الوجود إلا بالعدل ، فمن اعتصم به : فقد أخذ بحظه من مجامع الخير ، وبالله المستعان .(/3)
" مدارج السالكين " ( 1 / 459 ، 460 ) .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
96598
العنوان:
هل يرى المسلمُ مَن يشاء مِن نساء الجنة ؟
السؤال:
هل يمكن للمرء المسلم إن كان من أهل الجنة أن يرى صحابيات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إذا بلغ منازلهم ، وكذلك الصالحات من النساء كرابعة العدوية وغيرها من النساء المؤمنات ؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ليس في الجنة نظر سوء ، ولا مرض قلب حتى يبحث الرجال في الجنة عن نساء غيرهم ، ولا النساء يبحثن عن رجال يعرفونهم في الدنيا ، فالجنة دار كرامة الله تعالى ، لا فيها خبث ولا شر ولا سوء ، وليس فيها شهوة محرمة لا تمنيّاً ولا وجوداً .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) .
رواه البخاري ( 3073 ) ومسلم ( 2834 ) .
وفي البخاري ( 3081 ) : ( وَلاَ تَحَاسُد ) .
ثانياً :
ومن نعيم الجنة للرجل أن يرزقه الله زوجات تقصر حبها ونظرها عليه ، ولا ترى أحسن منها ، ولا تشتهي غيره .
قال تعالى : ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ) الصافات/48 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
يقول تعالى ذِكْره : وعند هؤلاء المخلصين من عباد الله في الجنة : قاصرات الطرف ، وهنَّ النساء اللواتي قصرن أطرافهن على بعولتهن ، لا يُردن غيرهم ، ولا يمددن أبصارهن إلى غيرهم.(/1)
" تفسير الطبري " ( 21 / 41 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ) أي : وعند أهل دار النعيم في محلاتهم القريبة حور حسان ، كاملات الأوصاف ، قاصرات الطرف ، إما أنها قصرت طرفها على زوجها ، لعفتها وعدم مجاوزته لغيره ، ولجمال زوجها وكماله ، بحيث لا تطلب في الجنة سواه ، ولا ترغب إلا به ، وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها ، وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق ، الذي أوجب لزوجها أن يقصر طرفه عليها ، وقصر الطرف أيضاً يدل على قصر النفس والمحبة عليها ، وكلا المعنيين محتمل ، وكلاهما صحيح ، وكل هذا يدل على جمال الرجال والنساء في الجنة ، ومحبة بعضهم بعضا ، محبة لا يطمح إلى غيره ، وشدة عفتهم كلهم ، وأنه لا حسد فيها ، ولا تباغض ، ولا تشاحن ، وذلك لانتفاء أسبابه .
" تفسير السعدي " ( ص 702 ) .
والظاهر أن قوله تعالى ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ) ، وقوله تعالى ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ) ص/52 : أنها في الحور العين ، وفي نساء الدنيا من أهل الجنة ، ومعنى ( عين ) : أي : واسعة العين ، ومعنى ( أتراب ) أي : في سنٍّ واحدة .
ثالثاً :
ولن تكون امرأة في الجنة من غير زواج ، فلكل امرأة زوج ، وليس في الجنة أعزب .
عَنْ أضبي هرَيْرَة رضَيَ الله عنه قال : قَالَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ) رواه مسلم ( 2834 ) .
رابعاً :
وأما بخصوص هذه المسألة تحديداً : فالظاهر من النصوص أن المرأة تعيش مع زوجها وذريتها في مملكتها في الجنة ، وأنها تكتفي بزوجها عن الناس – كما سبق - ، ولم يرد نصٌّ خاص في رؤيتها للأجانب عنها هناك ، ولا رؤية الرجال للصالحات والعابدات من المؤمنات من أهل الجنة .
قال الشيخ عبد الرحمن البراك – حفظه الله - :(/2)
إن أمور الغيب لا سبيل إلى معرفتها إلا بالخبر عن المعصوم ؛ لأن أمور الغيب لا تدرك بالعقول والتفكير ، فأمور الجنة من الغيب المستور ، والواجب الوقوف عند ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة ، فيجب الإيمان بالجنة وما أخبر الله به من أصناف النعيم فيها ، مع العلم بأن حقائقها لا يعلمها إلا الله ، ولم يأت في النصوص أن الرجل يلقى نساء الآخرة ، فلم يرد نفي ولا إثبات للرؤية المسؤول عنها ، وليس لنا أن نقول : إن الإنسان يمكن أن يرى أمهات المؤمنين ، أو نقول : لا يمكن ، بل يجب أن نمسك عن التفكير في هذا والخوض فيه ، فإنه من الفضول ، وليس مما يشرع الدعاء به ، ولا مما يشرع تمنيه ، لكن الذي دل عليه القرآن أن المؤمنين يلتقون ويجلسون على السرر متقابلين ، كما قال تعالى : ( ثلة من الأولين . وقليل من الآخرين . على سرر موضونة . متكئين عليها متقابلين ) الواقعة/13 - 16 ، وفي الآية الأخرى : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) الحِجر/47 ، فلا ينبغي الخوض في أمور الغيب بلا علم ، بل إذا طرح مثل هذا السؤال فينبغي أن يجيب الإنسان بقوله : الله أعلم ، ويوجه السائل إلى عدم الخوض في ذلك ؛ لأنه لا فائدة فيه ، ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ) الإسراء/36 ، وقالت الملائكة : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) البقرة/32 .
نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنات النعيم ، وصلى الله وسلم بارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه .
نقلاً عن " موقع الإسلام اليوم " .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
96604
العنوان:
قال لزوجته: اعتبري نفسك طالقا بعد الطهر
السؤال:
حدث خلاف بيني وبين زوجتي وكانت حائضا فقلت لها : اعتبري نفسك طالقا بعد الطهر، وبالطبع . كانت نيتي تطليقها بعد الطهر ، وبعد الطهر لم أطلق ولم أمسها ، قلت في نفسي : إن كنت طلقتها فقد راجعتها ، فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة ؟
الجواب:
الحمد لله
ما دامت نيتك أنك تطلق بعد الطهر ولم تفعل فلا يقع الطلاق بهذا اللفظ .
وقد عرضنا سؤالك على الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأجاب :
" الحمد لله ، مثل هذا لا يقع طلاقه ؛ لأن قصده إيقاعه في المستقبل ولم يوقعه " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96613
العنوان:
استعمال بطاقة الائتمان مع العزم على عدم التأخر في السداد
السؤال:
أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين وكما هو معلوم عند فضيلتكم أنه لا وجود لبنوك إسلامية في فلسطين المحتلة وأنها ربوية . فما حكم استعمال البطاقة الائتمانية في تلك البنوك الآنف ذكرها مع العلم أنني إذا لم أسدد ما علي من دين في تاريخ محدد وجب دفع الربا للبنك إلا أنني لن أتأخر أبدا و ذلك تجنبا من الربا . أنا أعلم أن البطاقة عقد ربوي وأن ما بني على باطل فهو باطل إلا أنني لا أعطي ولا آخذ الربا , لكني أنوي استعمالها لأنني لا أملك أن أدفع ثمن بعض الأغراض المكلفة جدا دفعة واحدة وإنما بالتقسيط الطويل ولا أعرف إن كانت بنظر الشريعة ضروريات إلا أنني بحاجة شبه ماسة لاقتنائها في أقرب وقت ممكن ولا أريد أن أتبع الهوى فأحيد عن الحق وأجانبه . وأنوه إلى أنني أدفع مبلغاً محددا كل شهر مصاريف خدمة مقابل خدمة هذه البطاقة الائتمانية بغض النظر إن استخدمتها مرة واحدة في الشهر أم عدة مرات فهو ثابت لا يتأثر .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز التعامل ببطاقة الائتمان المتضمنة لشرط ربوي ولو كان الإنسان عازما على السداد في الوقت ، لأن الربا لا يجوز إقراره ولا الدخول في عقده ، ولأنه قد يقع الإنسان في الربا فعلا ، بتأخره في السداد لعذر من نسيان أو سفر ونحوه .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى ( الفيزا ) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة ، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل ، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة ، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة .(/1)
فأجاب : " هذه المعاملة محرمة ، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد ، وهذا التزام باطل ، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء وهذا أمر مستقبل والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل ، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة . والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37.(/2)
رقم السؤال:
96614
العنوان:
العمل في جلي كؤوس الخمر ومطعم تشتم فيه الذات الإلهية
السؤال:
السلام عليكم أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين , وقد عملتُ كعامل نظافة ، وجلي للأطباق في مطعم صاحبه يهودي , ولا يخفى على فضيلتكم أنه قلما يوجد مطعم أو متجر عند اليهود يخلو من المسكرات ، أو المعجنات ، والفطائر المعجونة بالخمر ، أو النبيذ ، بالإضافة إلى غيره من المشروبات الساخنة والمأكولات العادية ، وقد كنت أجتنب حمل هذه المسكرات خلال عملي حيث كان بعض المسلمين العصاة ممن يحملونها أو يشربونها يقومون بذلك , إلا أني كنت أقوم بجلي الكؤوس المستخدمة لشربها - بالطبع فإن الكؤوس لا تكون فارغة بل أقوم بسكب محتواها ثم جليها - كما أقوم بجلي الأدوات وتنظيف الآلات المستخدمة في تحضير تلك الأنواع من المعجنات . فأرجو من فضيلتكم حلماً على تساؤلاتي الآتية ، وصدراً رحباً فيما يخص بعض الأمور المتعلقة بهذا الصدد : 1- هل جلي هذه الكؤوس أو الأدوات المستخدمة في تحضير المعجنات الآنف ذكرها جائز أم لا ؟ . 2- هل يجوز العمل في أماكن تبيع المسكرات وعدم الإنكار على حاملها من المسلمين العصاة ، على العلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ؟ بالإضافة إلى أنه لو لم يقم هذا الشخص العاصي بحملها أو في حال كان الآخرون ملتزمين فاني سأجبر على حملها أو ترك الوظيفة , فما السبيل للخلاص من هذه الحيرة ؟ . 3- إن مما ابتليت به المجتمعات الإسلامية في هذا الزمان هو شتم الذات الإلهية والدِّين والرسول - عليه السلام - ، وقد كان هؤلاء العصاة وغيرهم من اليهود يكثرون من هذا الفعل المشين أثناء فترة العمل – فلا حول ولا قوة الا بالله - ، فهل يجوز لي البقاء في أماكن تواجد هؤلاء زمن الشتم - أي : فترة العمل - أم عليَّ ترك الوظيفة - علما بأنه قلما تجد شباباً ملتزمين في سوق العمل الحر ، وكثيراً ما نواجه هذا الفلَتان الديني في شتى الأمكنة ، حتى صار لكثير(/1)
منَّا أمراً طبيعيّاً مستهجنين منكِره عليهم , لا بل والأدهى من ذلك اعتباره عنصريّاً أو متشدِّداً ، ويقومون بفصله من العمل - ؟ . 4- هل ما تقاضيته من أجر عن هذه الوظيفة هو أجر حلال أم حرام ، وإن كان حراماً بالكلية أو الجزئية فماذا عليَّ فعله إذ أني لم أتصرف بهذا المال بعد ؟ . 5- فيما يخص الصلاة , لم يكن هناك مكان لأصلي فيه إلا غرفة المخزن الذي يحوي بالطبع على الخمور , فهل كان جائزاً لي إقامة الصلاة في مكان كهذا أم لا , وإن لم يكن جائزاً فماذا ينبغي فعله ؟ . أعتذر من فضيلتكم على هذه الإطالة , وأرجو منكم التفصيل الشرعي المثبت بالأدلة النقلية والعقلية في هذه الفتوى ؛ لكيلا يبقى عندي أدنى شك أو ريب مما سألتزم به لاحقا , بالإضافة إلى توثيق اسم الجهة أو الشيخ المفتي الذي سيقوم بإصدار الفتوى , وجزاكم الله عني وعنكم خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من المحرَّمات القطعية في الإسلام : الخمر والخنزير ، وقد ثبت تحريم شرب الخمر وأكل الخنزير بالكتاب والسنَّة والإجماع .
قال تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ... ) المائدة/من الآية 3 .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90 .(/2)
والعمل في أماكن تبيع هذه المحرمات ، أو في مطاعم في تقديمها ، أو جلي الأواني والأكواب التي قدمت فيها : لا يحل أيضاً ، وهو من المشاركين في الإثم ، والمستحقين للعن ؛ لأن اللعن ليس لشارب الخمر ، بل ولحاملها أيضاً ، والعمل في تلك الأماكن من التعاون على الإثم والعدوان ، وهو محرَّم ، كما قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/من الآية 2 .
وهذه بعض الفتاوى في هاتين المسألتين :
1. سئل علماء اللجنة الدائمة :
نحن هنا في هولندا شباب مسلم ، متمسك والحمد لله بدينه ، ولكن الأعمال المتوافرة هنا كلها في الخمر والمطاعم التي تقدم لحوم الخنزير ، إلى جانب اللحوم الأخرى ، هل يجوز العمل في غسل الأواني التي يعد فيها لحم الخنزير ، كعمل لكسب الرزق ؟ أفيدونا أفادكم الله ، ووفقنا الله وإياكم ، وجزاكم الله خيراً .
فأجابوا :(/3)
لا يجوز لك أن تعمل في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين ، ولا أن تعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين ، أو تبيعه على من يشتريه ، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى ، سواء كان عملك في ذلك بيعاً ، أو تقديماً لها ، أم كان غسلا لأوانيها ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله عن ذلك بقوله : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، ولا ضرورة تضطرك إلى ذلك ، فإن أرض الله واسعة ، وبلاد المسلمين كثيرة ، والأعمال المباحة فيها شرعا كثيرة أيضاً ، فكن مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ . وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 414 ، 415 ) .
2. وفي جوابٍ آخر لمن يعمل في معمل لبيع لحم الخنزير ، قالوا :
إذا كان الأمر كما ذكر : فإنه لا يجوز لك الاستمرار في العمل المذكور ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ، ونوصيك بالتماس عمل غير العمل المذكور ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .(/4)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 436 ، 437 ) .
ثانياً :
وأما ما تقاضيته من مال مقابل تلك الأعمال المحرَّمة : فما كنتَ تصرفتَ به وأنفقتَه : فليس عليك أن تخرج مقابله شيئا ، وما كان منه عندك وبين يديك : فأنفقه في وجوه الخير ولا تنتفع به .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
هناك رجل قد ذهب إلى إحدى الدول الأوربية ، والتحق بعمل في أحد المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للنصارى ، وهو كان من الذين يقومون بطهي هذا اللحم ، وقد حصل من هذا العمل على أموال ، فما حكم الدين في هذا العمل ؟ وما الحكم في هذه الأموال ؟ وكيف يتصرف فيها ؟ وإذا أهدى هذا الرجل لرجل آخر جزءً من هذا المال هل له أن يقبله منه أم هو مال حرام ، لا يجوز له أن يقبله منه ؟ .
فأجابوا :
هذا كسب محرم ، يجب عليه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كسبه منه ، ويقلع عنه ، ويندم على ما مضى ، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه ، ولا أن يهديه .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 413 ، 414 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ماذا عن الإخوة الذين تواجههم بعض الصعوبات من الأمريكيين أنفسهم ولا يوجد عملٌ إلاَّ عند هؤلاء ، محل بيع الخمور ، بيع خنزير ، ماذا عن ماله الذي يتقاضاه من هذا العمل ؟ .
فأجاب :
المال الذي يتقاضاه من هذا العمل حرام ؛ لأن الله إذا حرَّم شيئاًَ حرم ثمنه ، والواجب على المسلمين أن يتساعدوا فيما بينهم ، ويجدوا لهذا الشخص عملاً تقوم به حياته .
" فتاوى المكتب التعاوني / جدة " ( السؤال السادس ) .
وانظر جواب سؤال رقم (78289) .
ثالثاً :(/5)
ولا يحل لك البقاء بين من يشتمون الذات الإلهية مع قدرتك على مفارقتهم ، وعملك لو كان مباحاً ليس من الضرورات التي تبيح لك البقاء بينهم ، فكيف وهو محرَّم أصلاً ؟! .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل ؟ .
فأجاب :
لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل ؛ لقوله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء/140 .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 2 / السؤال رقم 238 ) .
رابعاً :
وصلاتك في المستودع الذي يحتوي على خمور ليس فيها شيء ، ولا شك أنه ليس هو المكان المناسب لأداء هذه العبادة العظيمة ، ولكن الصلاة لا تبطل بهذا ، وليس عليك إعادة ما سبق من الصلوات ، وينبغي على المسلم تعظيم شأن الصلاة من حيث الاهتمام بإقامتها في أوقاتها ، وأن يكون على أحسن حال ، وأجمل ثياب ، وأن يكون المكان الذي يصلي فيه نظيفاً طيِّباً ، وإنما يكره هذا في حال الاختيار .
قال الإمام البخاري رحمه الله : " بَاب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي "(/6)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها ؛ فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته ، أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك ؛ فلا يكره في حق الثاني ، وهو المطابق لحديثي الباب ، ويكره في حق الأول ، كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل ، وكما روى ابن أبي شيبة عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار " انتهى .
"فتح الباري" (1/629) .
ولا شك أن شأن الخمر أخف مما يعبد من دون الله ، ثم إن كون المنكر ونحوه في غير جهة القبلة ، أخف ـ أيضا ـ من أن يكون في ناحية القبلة .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
96619
العنوان:
هل النساء في الجنة يغطين وجوههن ؟ وهل يرين الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلمن عليه ؟
السؤال:
هل النساء في الجنة يغطين وجوههن ؟ وهل يرين الرسول عليه الصلاة والسلام ويسلمن عليه ؟
الجواب:
أولاً :
لا يظهر أن المرأة في الجنة تغطي وجهها ؛ لأن الله تعالى يكسبها جمالاً فائقاً ، ويكون هذا الجمال جزاءَ ما كانت عليه من طاعة في الدنيا ، ويكون ذلك من أجل زوجها ، حتى يهنأ ويتنعم ، بل إن جمالها ليزداد المرة بعد المرة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُونَ : وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ) .
رواه مسلم ( 2833 ) .
وليس في الجنة نظر سوء ، ولا مرض قلب حتى تلزم المرأة بتغطية وجهها ، ولا هي محل للعمل والأمر والنهي ، كما قال علي رضي الله عنه : " فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ " رواه البيهقي في شعب الإيمان (10614) وعلقه البخاري في باب الأمل وطوله ، من كتاب الرقاق .(/1)
ولعلَّ الأظهر أن تكون المرأة في الجنة في مملكتها تتنعم بكافة أنواع النعيم هناك ، دون أن تكون مختلطة بالرجال ؛ لأن الله تعالى وصف الحور العين بأنهن قاصرات الطرف أي : يقصرن نظرهن وحبهن على أزواجهن ، ووصفهن بأنهن حور مقصورات في الخيام ، وليس معنى هذا أنهنَّ لا يخرجن من مملكتهن ، بل لهن كل ما يشتهينه مما أعده الله لأهل الجنة ، ومثله يقال في نساء أهل الجنة من المؤمنات .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) أي : محبوسات في خيام اللؤلؤ ، قد تهيأن ، وأعددن أنفسهن لأزواجهن ، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ، ورياض الجنة ، كما جرت العادة لبنات الملوك ، ونحوهن ، المخدرات ، الخفرات .
" تفسير السعدي " ( ص 831 ) والخفرات : أي : شديدات الحياء .
وقال أيضا – رحمه الله - :
وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا ، وأن هذا الوصف - وهو البكارة - ملازم لهن في جميع الأحوال ، كما أن كونهن ( عُرُباً أَتْرَاباً ) ملازم لهن في كل حال .
والعروب هي : المرأة المتحببة إلى بعلها .
" تفسير السعدي " ( ص 833 ) .
ثانياً :
الذي يظهر أن نساء الجنة لا يُمنعن من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه نبي الأمة ، وهن بمثابة بناته ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام لقومه : ( هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) هود/78 - :
النبي للأمة بمنزلة الوالد للرجال والنساء ... قال مجاهد : لم يكنَّ بناته ، ولكن كنَّ من أمته ، وكل نبي أبو أمته ، وكذا روي عن قتادة ، وغير واحد ... وقال سعيد بن جبير : يعني نساءهم هنَّ بناته ، وهو أب لهم ، ويقال في بعض القراءات : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " .
" تفسير ابن كثير " ( 4 / 337 ) .(/2)
وقد جاءت البشرى في السنَّة لكل من يراه في المنام أنه سيراه في الجنة ، وكذا جاءت البشرى لمن خشي أن لا يراه في الجنة .
أ. قال تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) النساء/69 .
ب. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي ) .
رواه البخاري ( 6592 ) وقال : قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ ، ومسلم ( 2266 ) .
ج. وعن عائشة قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي ، وأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين ، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك ، فلم يردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) .
قال ابن كثير – بعد أن ذكره مسنداً عند ابن مردويه في " التفسير " - :
وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه " صفة الجنة " ، من طريق الطبراني ، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال ، عن عبد الله بن عمران العابدي ، به ، ثم قال : لا أرى بإسناده بأساً .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 354 ) .
والحديث حسن ، وله طرق ، وشواهد كثيرة ، تٌنظر في " تفسير ابن كثير " ، ويكفي أن الحافظ المقدسي حسَّنه .(/3)
د. ويستأنس بما رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ( 8 / 415 ) عن أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن نرافقك في الجنة ، فقال : اللهمَّ اجعلهم رفقائي في الجنة ، فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا .
تنبيه :
ثبت في صحيح البخاري (2796) من حديث أنس بن مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( .. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا )
والنصيف هو خمار الرأس ، كما فسره به الرواي في موضع آخر (6568) .
لكن يظهر أن هذا النصيف من جملة زينتها التي تتجمل بها لزوجها ، كما يشعر به سياق الحديث الذي يذكر حسن نساء الجنة وجمالهن . ويؤيده رواية الطبراني في الأوسط (3/281) : " ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها "
قال الهيثمي في المجمع (10/774) " إسناده جيد " ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب .
وانظر السؤال رقم (96598) .(/4)
رقم السؤال:
96636
العنوان:
جعلت بيتها وقفا قبل وفاتها فهل للورثة حق فيه ؟
السؤال:
امرأة توفيت ولديها 4 بنات , وأختان, وأخ لديه 6أبناء و6 بنات , وتركت بيتا ولكن هذا البيت قد جعلته وقفا خيريا (في سبيل الله) وذلك قبل وفاتها , فهل للورثة حق في التصرف في هذا البيت واعتباره إرثاً ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت المتوفاة قد جعلت بيتها وقفا خيريا ، في حال صحتها ، فليس للورثة حق فيه ، لأنه صار وقفا ، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ، كما روى البخاري (2737) ومسلم (1633) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ ؟ قَالَ : إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا ، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا . قَالَ : فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ ، وَفِي الْقُرْبَى ، وَفِي الرِّقَابِ ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَالضَّيْفِ ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ ).
وأما إن كانت وقفت هذا البيت في مرض موتها ، فإنه يأخذ حكم الوصية ، والوصية لا تنفذ إلا في ثلث التركة ، وما زاد على الثلث فإنه يتوقف على إجازة الورثة .
فإن كان البيت لا يزيد عن ثلث مالها ، فجميعه وقف . وإن كان أكثر من الثلث ، فإن الوصية تمضي فيما يعادل ثلث التركة ، ويتوقف الباقي على موافقة الورثة ، فإن لم يوافقوا فإنهم يقتسمونه ميراثاً .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/365) : " الوقف في مرض الموت , بمنزلة الوصية , في اعتباره من ثلث المال ; لأنه تبرع , فاعتبر في مرض الموت من الثلث , كالعتق والهبة وإذا خرج من الثلث , جاز من غير رضا الورثة ولزم , وما زاد على الثلث , لزم الوقف منه في قدر الثلث , ووقف الزائد على إجازة الورثة ، لا نعلم في هذا خلافا عند القائلين بلزوم الوقف ; وذلك لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض , فمنع التبرع بزيادة على الثلث" انتهى .(/2)
رقم السؤال:
96641
العنوان:
هل للمكتب الدعوي أن يأخذ الفائض من عملية الشراء والتوزيع على الفقراء؟
السؤال:
نحن عاملون في مكتب دعوة جاليات بدا لنا إقامة مشروع دعوي استثماري أحببنا أن نرفع لكم صورة المشروع لأخذ توجيهاتكم والحكم الشرعي فيه سائلين الله أن يعظم لكم المثوبة والأجر . وصورة المشروع كالتالي : أن يقوم المكتب بالتعاقد مع إحدى المؤسسات أو المصانع الوطنية لتوفير عصيرات مبردة لتوزيعها مجانا سقيا للحجاج وتكون تكلفة عبوة العصير الواحدة على المكتب مثلاً 70 هللة بينما يتم طرحها للراغبين في المساهمة بريال واحد ويصبح فائض المبلغ لدعم أعمال المكتب ، ويكتب في الإعلان ريع المشروع لدعم أعمال المكتب الدعوية . ما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة ؟ وتوجيهاتكم لطرح المشروع بطريقة سليمة دون وجود محاذير شرعية .
الجواب:
الحمد لله
لا حرج عليكم في المعاملة الواردة في السؤال ، وما دمتم تكتبون في الإعلان : " ريع المشروع لدعم أعمال المكتب الدعوية ، وذلك لأن المتبرع قد دخل على بصيرة ، ويعلم أنكم تربحون من هذه المعاملة ، وأن هذه الربح سيدعم الأعمال الدعوية للمكتب .
ولا يلزمكم أن تبينوا للمتبرع كم قدر الربح الذي ستربحونه تحديداً ، لأن المساهم قد دخل في المعاملة بنيّة التبرع ، وليس بنية المعاوضة ، ومعلوم أن التبرعات يتسامح فيها في العادة ، لأنها ليست مبنية على المنازعة والخصومة .
ونسأل الله تعالى أن يبارك في جهودكم وان ينفع بكم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96646
العنوان:
مس الكافر للمصحف وعمله في طباعته أو تجليده
السؤال:
هل يجوز للمشرك أو الكافر من أهل الكتاب أو غيره أن يمس أي ورقة كتب عليها قرآن كريم أو يطلع عليها ، وزيادة بالإيضاح نحن لدينا مطبعه ونطبع فيها المصحف الشريف ، ولقد أصاب الآلة التي تطبع أوراق المصحف عطل فني لم نتمكن من إصلاحه ، وتم استدعاء مهندس من الشركة المصنعة للآلة لإصلاح الخلل ، وعندما تم الإصلاح من قبله ، وأراد هذا المهندس من أهل الكتاب التأكد من المشكلة في الطبعة ، أراد أن يلمس الورق المطبوع فيها آيات من المصحف الشريف ، فتم منعه من ذلك ، وسحبت الأوراق من تحت يده ، واختلف الرأي : هناك فريق يقول لا يوجد حرج بأن يفحص ما تم طباعته للتأكد من أن المشكلة الموجودة في الآلة قد حلت ، وفريق أخر يقول حرام أن يمس القرآن لأنه نجس ، مستنداً بقوله تعالى ( لا يمسه إلا المطهرون ) تم بعد ذلك تغير العمل من طباعة المصحف إلى عمل آخر لكتاب لا يوجد فيه قرآن ليتم الفحص من قبل هذا المهندس .
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف ، وتحريم تمكينه منه ، لأنه إذا منِع المسلم غير المتوضئ من مس المصحف فالكافر من باب أولى ، ولما يخشى من امتهانه المصحف ، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ، كما روى البخاري (2990) ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ .
زاد مسلم : ( مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ ) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/85) : " قال أصحابنا : لا يمنع الكافر سماع القرآن ، ويمنع مس المصحف . وهل يجوز تعليمه القرآن ؟ ينظر إن لم يرج إسلامه لم يجز , وإن رجي جاز في أصح الوجهين " انتهى .(/1)
وقال الرملي رحمه الله : " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده كما قاله ابن عبد السلام وإن رجي إسلامه , بخلاف تمكينه من القراءة لما في تمكينه من الاستيلاء عليه من الإهانة " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/389).
وقال الباجي في "المنتقى" (3/165) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به ؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف ، ولا يجوز لأحد أن يسلمه ، إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" : " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها : يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع , ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة : أنّ أبا حنيفة قال : إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع مطلقاً .
ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي : يمنع الكافر من تجليد المصحف وتذهيبه , لكن قال البهوتيّ : يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسٍّ أو حملٍ " انتهى (مصحف ، فقرة 30).
وفيها أيضا : " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف .
وقال محمّد بن الحسن : لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى (كفر ، فقرة 16).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم مس النصراني للمصحف ، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم ؟(/2)
فأجاب : " هذا فيه نزاع بين أهل العلم ، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم ، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه ، ولكن لا يدفع إليهم القرآن . وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) الآية ،
قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل . والصواب أنه ليس بحجة، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله . أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجَم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن ، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج ؛ لأنه ليس له حكم القرآن ، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير ، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/340).(/3)
على أننا ننبه هنا إلى أن امتهان الكافر للمصحف - في مثل هذه الصورة المسئول عنها – غير ظاهر ، بل يبعد هنا جداً . وإنما الامتهان الحقيقي – فيما يظهر لنا هنا – هو أن نقوم بطباعة صفحة من المصحف لا لشيء إلا لتجربة الآلة ، وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في حكم الأوراق البالية من المصحف : هل تُحرق أو تُغسل ، أو تمزق ومن منع من شيء من ذلك رأى أنه " خلاف الاحترام "
انظر : "البرهان في علوم القرآن للزركشي" (1/477)
فكيف نعتمد طبع أوراق لمجرد التجربة ، ثم نتخلص منها بعد ذلك ؟!
وبناء على ذلك ، فإذا أمكن فحص آلة الطباعة وتجربتها على غير المصحف ، كما فعلتم ، فهو الواجب ولا يجوز طباعة ورقة من المصحف لذلك الغرض ، ما دام يمكن أن يتم بغير المصحف ، وإذا فحص الكافر آلة الطباعة ، وجربها من غير مس الأوراق المطبوعة ، فلا حرج أيضاً .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
96653
العنوان:
بذلت مجهودا في بيتها فسقط الجنين فهل تلزمها الكفارة ؟
السؤال:
امرأة سقط جنينها وهي حامل في الشهر الرابع بسبب عمل فيه مجهود بدون علم منها بأن هذا المجهود سوف يتسبب في إسقاط الجنين فما الحكم ؟ هل تعتبر في حكم القتل الغير عمد وتصوم شهرين متتابعين ؟ وماذا تفعل إن جاءتها الدورة الشهرية أثناء الصيام ؟ مع العلم بأن هذا المجهود عبارة عن عزيمة غداء لأصحاب زوجها الذي طلب منها هذا العمل.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان ما قمت به أمرا معتادا ، لا يُخشى منه على الجنين ، فلا شيء عليك ؛ لأن الأصل جواز قيامك بهذه الأعمال .
وأما إن كان هذا العمل مما يُعلم بالعادة ضرره على الجنين ، كحمل الأشياء الثقيلة مثلا ، فتمنع الحامل منه ، وإذا ترتب عليه إسقاط الجنين – وهي في شهرها الرابع كما ورد في السؤل - فلا يعد إسقاط الجنين قتلاً لإنسان ، لأنه لم تنفخ فيه الروح بعد ، لأن الروح إنما تنفخ بعد تمام مائة وعشرين يوما على الحمل .
وعلى هذا ، فلا يترتب على إسقاطه دية ولا كفارة .
وإنما يترتب على إسقاطه الوقوع في الإثم ، ووجوب التوبة والندم على ما فعلت .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ذهبت مع زوجي وبعض أولادي للحج ، وكنت حاملا في الشهر الرابع ، وفي ليلة عرفة قمنا بحمل متاعنا ، ونظرا لكثرة الأغراض وثقلها أحسست بألم في بطني ، وفي نفس الليلة سقط مني الجنين ثم قمت بدفنه من غير تغسيل له ولا صلاة عليه ، علما أنني كنت في نهاية الشهر الرابع ، وقد كان معي نزيف منذ شهر ذي القعدة ، وبعد سقوط الجنين خرج مني دم نفاس واستمر حتى نهاية أعمال الحج . السؤال : هل علي شيء في سقوط الجنين في هذه الفترة؟ علما أنني لم أغسله ، ولم أصل عليه ، ولم أخبر أحدا بذلك ، ولم يكن سقوطه بإرادتي ...(/1)
فأجابوا : "إذا كان الواقع كما ذكر من أن الحمل في الشهر الرابع ، ولم يكمل أربعة أشهر ، فإنه لا كفارة عليك في سقوط هذا الجنين ؛ لأنه لم تنفخ فيه الروح في هذه المدة ، وعلى ذلك فلا يُسَمَّى ولا يغسل ولا يصلى عليه ، لكنك تأثمين لتسببك في سقوط هذا الجنين ، فعليك التوبة والاستغفار مما حصل منك وعدم العودة لمثل هذا العمل مستقبلا " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/339) .
ثانيا :
من شرعت في صيام شهرين متتابعين ، ثم جاءها الحيض ، فإنها تفطر في أيام الحيض ثم تكمل صيام الشهرين بعد انقضاء حيضها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً , إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني (أي تبني على ما مضى قبل الحيض) " انتهى من "المغني" (8/21).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96658
العنوان:
إذا احتلم في سفره ولم يستطع الغسل
السؤال:
كنت على طريق سفر ونمت في الطريق واحتلمت وكان الاحتلام قبل صلاة الظهر ولم أستطع الاستحمام مع أصحابي ، وصليت الظهر والعصر والمغرب والعشاء . فلما عدت إلى الرياض قضيت جميع الصلوات فماذا علي أن أفعل في مثل هذي الأوقات ؟ وإذا كنت في طلعة برية واحتلمت فيها فماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
من أصابته جنابة من احتلام أو غيره ، وجب عليه أن يغتسل ، فإن لم يجد ماء ، أو وجده وخاف على نفسه من استعماله ، لشدة البرد ، ولم يجد ما يسخنه به ، تيمم وصلى ، ولو كان سيمكث في موضعه هذا أياما ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) النساء/43 ، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : ( احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاسِلِ ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ ، وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود (334) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (323) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره ، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين " انتهى من "فتح الباري" (1/454).(/1)
وأما ترك الاغتسال والصلاة مع الجنابة خجلا وحياء ، فلا يجوز ، وهو منكر عظيم ، ونم أسباب عذاب القبر ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65731) .
والحاصل : أنك إذا كنت لم تغتسل خجلاً وحياءً من أصحابك فذلك حرام ، وعليك التوبة إلى الله والندم على ذلك العزم على عدم العودة إليه .
وإن كنت لم تغتسل لكونك لم تجد ماء ، أو وجدته وكان الماء بارداً وليس عندك ما تسخنه به ، جاز لك ترك الاغتسال ، وتتيمم بدلاً منه ، فإن كنت تيممت فصلاتك صحيحة ، وإن كنت صليت بغير تيمم فصلاتك غير صحيحة ، وقد أعدتها بعد عودتك من السفر . ونسأل الله أن يفقهنا في دينه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96661
العنوان:
تشكل الملائكة على صورة البشر ، ومن يراهم على صورتهم الحقيقية ؟
السؤال:
هل صحيح أن الأطفال ينظرون إلى الملائكة ؟
الجواب:
الحمد لله
خلق الله تعالى الإنسان من تراب ، وخلق الجان من نار ، وخلق الملائكة من نور ، وقد ثبت بالنصوص القطعية أنه لا يمكن أن يرى الناس الجنَّ ، إلا إن تشكلوا بصور أخرى كالبشر والبهائم ، ولا تُرى الملائكة على أصل خلقتها من عامة الناس إلا وهي متشكلة على صور بشر .
وفي جواب السؤال رقم (70364) تفصيل وافٍ في استحالة رؤية الملائكة من قبَل عامة الناس على أصل خلقتها ، وأن ذلك لم يكن لأحدٍ من هذه الأمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما تشكل الملائكة على صورة أحدٍ من البشر فقد ثبت ذلك في القرآن وصحيح السنَّة ، وإذا جاء الملَك متشكلاًّ أمكن الجميع أن يروه ، ولا فرق بين ذكر وأنثى ، ولا صغير وكبير .
ولا يستطيع أحدٌ الجزم بأن ما يراه من الأشخاص أنه من الملائكة ، فإن إثبات أنهم ملائكة متوقف على وحي من الله عز وجل ، وأنَّى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
وقد تشكل الملائكة على صورة بشر وجاءوا لإبراهيم ولوط عليهما السلام فلم يعلما بحقيقتهما حتى أخبرتهم الملائكة ، فغيرهم من الناس أولى بعدم تلك المعرفة .
ومن أدلة تشكل الملائكة ، وإمكان رؤيتهم على هيئتهم المتشكَّلة :
1. قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا . قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) مريم/16-19 .(/1)
2. وقال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ . فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ) الذاريات/24-28 .
3. وقال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) هود/77 .
4. عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ ... قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ .
رواه البخاري ( 8 ) .
5. قصة اختبار الأبرص والأقرع والأعمى من بني إسرائيل ، وفيها أن ملَكاً بعثه الله على صورة بشر ليخبرهم .
رواه البخاري ( 3277 ) ومسلم ( 2964 ) .(/2)
6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ .
رواه مسلم ( 2567 ) .
وغير ذلك من الأدلة الصحيحة ، والتي يتبين من خلالها أنه يُمكن رؤية الملائكة لكن على الصورة التي أمرهم الله تعالى بالتشكل بها ، وحينها يراه كل من يقدر الله تعالى له رؤيته .
ومن ادَّعى أنه يرى الملائكة على أصل خلقتها فهو كاذب أو واهم ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية وقد سدَّ الأفق له ستمائة جناح ، فمن ذا الذي زعم أنه رآه في ذلك الوقت ؟! فظهر بهذا أنه لا يوجد أحد من هذه الأمة يمكنه رؤية الملائكة على صورتها الحقيقية إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الأطفال فكغيرهم من الناس فإنه لا يمكنهم رؤيتهم إلا بالتشكل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :(/3)
ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملَك في صورته إلا من أيَّده الله ، كما أيَّد نبيَّنا صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وقالوا لولا أُنزل عليه ملَك ولو أنزلنا ملَكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون . ولو جعلناه ملَكا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون ) الأنعام/8،9 ، قال غير واحد من السلف : هم لا يطيقون أن يروا الملَك في صورته ، فلو أنزلنا إليهم ملكاً : لجعلناه في صورة بشر ، وحينئذ كان يشتبه عليهم هل هو ملَك أو بشر ، فما كانوا ينتفعون بإرسال الملَك إليهم فأرسلنا إليهم بشراً مِن جنسهم يمكنهم رؤيته والتلقي عنه ، وكان هذا من تمام الإحسان إلى الخلق والرحمة .
" منهاج السنة النبوية " ( 2 / 333 ) .
وانظر تفصيلاً وافياً في الملائكة في جواب السؤال رقم : ( 843 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
96662
العنوان:
هل يأثم إن رأى منكراً ولم ينكره ؟
السؤال:
هل أنا محاسَب على كل منكر أراه ؟ رأيت مثلا ناساً لا أعرفهم يسبون ، أو يتشاجرون ، أو رأيت أحداً يسمع الموسيقى ، أو سمعت شيئاً خطأ عن السنَّة كحديث ضعيف أو ما شابه ذلك ، هل أنا مسئول عنه / عنهم / يوم القيامة إذا لم أنصحهم ؟!
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة ، وقد عدَّها بعض العلماء من أركان الدين ، والواجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وليس هذا لطائفة من المسلمين دون آخرين ، بل هو واجب على كل من يعلم شيئاً من دين الله تعالى أن يبلِّغه أمراً أو نهياً .
قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) آل عمران/110 .
وقال تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/104 .
وقال سبحانه وتعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ سورة المائدة الآية . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة/78 ، 79 .
قال ابن عطية – رحمه الله - :
والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين ، فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه .
انظر " تفسير القرطبي " ( 6 / 253 ) .
ثانياً :
ويُشترط لإقامة هذه الشعيرة شروط لا بدَّ من وجودها ، وأكثرها يتعلق بالآمر الناهي ، وبعضها يتعلق بذات الشعيرة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/1)
الشرط الأول : أن يكون عالماً بحكم الشرع فيما يأمر به أو ينهي عنه ، فلا يأمر إلا بما علم أن الشرع أمر به ، ولا ينهي إلا عما علم أن الشرع نهي عنه ، ولا يعتمد في ذلك على ذوق ، ولا عادة .
الشرط الثاني : أن يعلم بحال المأمور : هل هو ممن يوجَه إليه الأمر أو النهي أم لا ؟ فلو رأى شخصاً يشك هل هو مكلف أم لا : لم يأمره بما لا يؤمر به مثله حتى يستفصل .
الشرط الثالث : أن يكون عالماً بحال المأمور حال تكليفه ، هل قام بالفعل أم لا ؟
فلو رأى شخصاً دخل المسجد ثم جلس ، وشك هل صلي ركعتين : فلا يُنكر عليه ، ولا يأمره بهما ، حتي يستفصل .
الشرط الرابع : أن يكون قادراً على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا ضرر يلحقه ، فإن لحقه ضرر : لم يجب عليه ، لكن إن صبر وقام به : فهو أفضل ؛ لأن جميع الواجبات مشروطة بالقدرة والاستطاعة ؛ لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن/16 ، وقوله : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة/286 .
الشرط الخامس : أن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفسدة أعظم من السكوت ، فإن ترتب عليها ذلك : فإنه لا يلزمه ، بل لا يجوز له أن يأمر بالمعروف أو ينهي عن المنكر .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 8 / 652 – 654 ) مختصراً .
ثالثاً :
وإذا علمتَ أخي السائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان من واجبات الشريعة ، وتحققت الشروط الشرعية اللازمة لإقامتهما : فاعلم أن رؤيتك للمنكر وعدم نصحك لصاحبه سبب في ترتب الإثم عليك ، إلا أن يقوم غيرك بالإنكار عليه ؛ لأنه يكون فرض عينٍ عليك في حال أن تكون رأيت المنكر وليس ثمة من ينصحه غيرك ، فإن وُجد غيرك وقام عنك بهذا الشعيرة : فإنه يصير فرض كفاية ، يسقط عنك الإثم إذا قام بالواجب غيرك .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :(/2)
واشترط قومٌ كون المنكِر مأذوناً فيه من جهة الإمام أو الوالي ، ولم يجيزوا لآحاد الرعية الحسبة ، وهذا فاسد ؛ لأن الآيات والأخبار تدل على أن كل مَن رأى منكراً فسكت عنه : عصى ، فالتخصيص بإذن الإمام تحكم .
" مختصر منهاج القاصدين " ( ص 124 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
وقد يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضَ عينٍ ، وذلك في حق من يرى المنكر وليس هناك من ينكره وهو قادر على إنكاره ، فإنه يتعين عليه إنكاره لقيام الأدلة الكثيرة على ذلك ، ومن أصرحها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) أخرجه مسلم في صحيحه .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 212 ) .
رابعاً :
ولا فرق بين أن تكون هذه المنكرات في الشارع أو في البيت أو في العمل ، فإن استطاع المسلم إنكارها من غير ضرر يلحقه : فلا يُعذر بترك إنكارها .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
فالمؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , المؤمن لا يسكت ، إذا رأى مِن أخيه منكراً : ينهاه عنه , وهكذا إن رأى مِن أخته أو عمته أو خالته أو غيرهن , إذا رأى منهن منكراً : نهاهنَّ عن ذلك , وإذا رأى مِن أخيه في الله أو أخته في الله تقصيراً في الواجب : أنكر عليه ذلك , وأمره بالمعروف , كل ذلك بالرفق والحكمة ، والأسلوب الحسن .
فالمؤمن إذا رأى أخاً له في الله يتكاسل عن الصلوات أو يتعاطى الغيبة أو النميمة أو شرب الدخان أو المسكر أو يعصي والديه أو أحدهما أو يقطع أرحامه : أنكر عليه بالكلام الطيب ، والأسلوب الحسن , لا بالألقاب المكروهة والأسلوب الشديد , وبين له أن هذا الأمر لا يجوز له ... .(/3)
كل هذه المنكرات يجب على كل واحد من المؤمنين والمؤمنات والصلحاء إنكارها , وعلى الزوج والزوجة ، وعلى الأخ ، والقريب ، وعلى الجار ، وعلى الجليس ، وعلى غيرهم القيام بذلك كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين والمؤمنات : ( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة/71 ، وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) ، , ويقول عليه الصلاة والسلام : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
وهذا عام لجميع المنكرات ، سواء كانت في الطريق , أو في البيت ، أو في المسجد ، أو في الطائرة ، أو في القطار ، أو في السيارة ، أو في أي مكان , وهو يعم الرجال والنساء جميعاً , المرأة تتكلم ، والرجل يتكلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن في هذا صلاح الجميع ونجاة الجميع .
ولا يجوز السكوت عن ذلك من أجل خاطر الزوج أو خاطر الأخ أو خاطر فلان وفلان , لكن يكون بالأسلوب الحسن والكلمات الطيبة , لا بالعنف والشدة , ومع ملاحظة الأوقات المناسبة , فقد يكون بعض الناس في وقت لا يقبل التوجيه ولكنه في وقت آخر يكون متهيئا للقبول , فالمؤمن والمؤمنة يلاحظان للإنكار والأمر بالمعروف الأوقات المناسبة ولا ييأس إذا لم يقبل منه اليوم أن يقبل منه غدا , فالمؤمن لا ييأس , والمؤمنة لا تيأس , بل يستمران في إنكار المنكر , وفي الأمر بالمعروف وفي النصيحة لله ولعباده مع حسن الظن بالله والرغبة فيما عند الله عز وجل .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 50 ) .
خامساً :
وهل معنى ذلك أنه يجب عليه الإنكار على كل حالقٍ للحيته ، وكل مسبلٍ لإزاره ، وكل شاتم وساب يسمعه ؟ وهل يجب عليه التقاط كل ورقة فيها اسم الله من الشارع ؟ وهل يجب عليه الوقوف لكل خطيب يسمعه يحكي حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً ؟(/4)
الجواب في كل ذلك - وما يشبهه - : لا ، لا يجب عليه فعل ذلك ؛ لتعذر هذا القيام بهذه الأمور من كل داعية إلى الله ، وخاصة أن أكثر من يراهم يفعلون المنكرات قد علموا حكم الله تعالى في فعلهم ، وقد أقيمت عليهم الحجة ، ولو أن الشرع أوجب عليه فعل ذلك لأفنى عمره في الوقوف مع أولئك العاصين ونصحهم على حساب القيام بمصالحه ومعاشه ، وهو مما لا يمكن أن تأت به الشريعة .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يكفيك للخروج من الإثم والحرج : أن تنصح الناس بعدم استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان ، وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة ، وفي الشوارع ، والحارات ، ونحوها ، ولست مكلفاً بما فيه حرج عليك مِن جعل نفسك وقفاً على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها ، وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 73 – 75 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية , إذا قام به مَن يكفي سقط عن الناس , وإذا لم يقم به من يكفي : وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر , لكن لابد أن يكون بالحكمة ، والرفق ، واللين ؛ لأن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )طه/44 ، أما العنف : سواء كان بأسلوب القول ، أو أسلوب الفعل : فهذا ينافي الحكمة , وهو خلاف ما أمر الله به .(/5)
ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول : هذا منكر معروف , كحلق اللحية مثلاً , كلٌّ يعرف أنه حرام - خصوصاً المواطنون في هذا البلد - , ويقول : لو أنني جعلتُ كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته - وما أكثرهم - وقفتُ أنهاه عن هذا الشيء : فاتني مصالح كثيرة , ففي هذه الحال : ربما نقول بسقوط النهي عنه ؛ لأنه يفوِّت على نفسه مصالح كثيرة , لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى : فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله , وتقول : هذا أمر محرم ، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة , وتقول الأمر المناسب .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 110 / السؤال رقم 5 ) .
ونحن نأسف جدّاً على المسلمين الذين عصوا ربهم تعالى في لباسهم وسلوكهم وأفعالهم وأقوالهم ، ونحن نحث كل من استطاع أن يوصل رسالة الإسلام الصافية لهؤلاء أن يفعل ، وحيث يسمع المسلم أو يرى منكراً ويستطيع إنكاره أو تغييره فليفعل ، ولا يجب عليه ذلك في كل منكرٍ يراه أو يسمعه ، ولا شك أن المنكرات تتفاوت فيما بينها من حيث عظمها وقبحها ، وتتفاوت فيما بينها من حيث كونها تتعدى للآخرين أو يكون أثرها على العاصي نفسه فقط ، فحيث قبحت المعصية أو عظمت فالإنكار يتحتم على المسلم أكثر من المعاصي التي يقل قبحها وتخف عظمتها ، فمن سمع من يسب الله أو الدين ، فليس إثم ذلك وقبحه كمن سمع من يسب شخصاً من خصومه .
وحيث تتعدى المعصية للآخرين فيتحتم الإنكار أكثر مما لو كان أثرها على العاصي نفسه ، وهكذا ، والمهم في كل ذلك أن يبقى قلب المسلم حيّاً ينكر المنكر حيث يعجز عنه بيده أو لسانه ، ومن استطاع تغيير المنكر بيده ولسانه فلا يقصِّر في ذلك .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :(/6)
والإنكار بالقلب فرض على كل واحد ؛ لأنه مستطاع للجميع ، وهو بغض المنكر ، وكراهيته ، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان ؛ لقول الله سبحانه : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأنعام/68 ، وقال تعالى في سورة النساء : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) الآية ، النساء/140 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) الفرقان/72 ، ومعنى لا يشهدون الزور لا يحضرونه .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 212 ، 213 ) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
96665
العنوان:
أسباب تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة وطريقة علاج ذلك
السؤال:
أنا امرأة متزوجة ، وأمي تتدخل في شؤوني ، وتسبب لي المشاكل مع زوجي , حيث إنها تذهب وتسأل الطبيب عن حالتي الصحية ، أو أنها تأخذ من المركز الصحي نتائج فحوصي ، وأحيانا تستمر في سؤالي عن أشياء تخص زوجي ، وهي تعلم أنه لا يحب هذه الأسئلة ، ولكنها لا تبالي , طبعاً هي تقول إنها تفعل ذلك بحجة الاطمئنان عليَّ وعلى صحتي ، ولكن أنا وزوجي نرى أن هذا تدخل في حياتنا ، وليس من حقها ، حاولت التكلم معها مراراً ولكن دون جدوى ، بل إنها تغضب مني ، أنا لا أدري ما أفعل ؛ حيث إنني لا أريد أن أغضب أمي ولا زوجي .
الجواب:
الحمد لله
إن حقَّ الأم على أولادها حقٌّ عظيم ، وقد أوجب الشرع على أولادها إيفاء هذه الحقوق ، وعُدَّ عقوق الوالدين من كبائر الذنوب .
وينظر تفصيل ما للأم من حقوق ، وما عليها في جواب السؤال رقم ( 5053 ) .
وينبغي أن تعلم الأم التي زوَّجت ابنتها : أنه لا يجوز لابنتها أن تقدِّم طاعة أمها على طاعة زوجها ، ولتعلم – كذلك – أنه لا يجوز لها التدخل في حياة ابنتها بعد زواجها ، إلا أن يُطلب منها التدخل للإصلاح والوعظ والإرشاد .
وتدخل أم الزوجة في حياة ابنتها المتزوجة له آثار سلبية وآثار إيجابية ، ومن آثاره الإيجابية : ما تفعله الأم العاقلة الحكيمة من توجيه ابنتها وإرشادها إلى ما يُصلح حياتها ، سواء كان ذلك التوجيه والإرشاد قبل زواج ابنتها أم بعده .
ولا شك أن تجربة الأم في حياتها ، وعاطفتها نحو ابنتها يدفعانها إلى بذل النصح والتوجيه للابنة التي لا تملك ما تملكه أمها من الخبرة والحكمة في التعامل مع الزوج .(/1)
وقد يكون لتدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة آثار سلبية ، ومن أعظم تلك الآثار ما قد يتسبب به تدخلها من تطليق ابنتها ، وذلك عندما يرى الزوج أنه لا طاعة له على زوجته ، ولا قوامة له عليها ، وأن أم زوجته هي الآمرة والناهية لزوجته ، وبذلك تتسبب في خراب بيت ابنتها .
فلا يجوز للابنة مجاراة أمها فيما تتطلبه من أخبارها الخاصة ، ولو تسبب ذلك بغضبها عليها ، فطاعة الله تعالى مقدَّمة على طاعة غيره ، ولا يجوز تقديم غضب غيره على غضبه تعالى على العبد المسلم .
ولا شك أن هذا التدخل من أم الزوجة له أسبابه ، ومن هذه الأسباب :
1. قوة شخصية الأم ، مع ضعف شخصية زوجها ، فتكون هي المسيطرة في بيتها على قراراته ونظامه ، فتريد نقل هذا لبيت ابنتها .
2. ضعف شخصية زوج ابنتها مع ضعف شخصية ابنتها ، وهنا تكون الفرصة مواتية لأن يكون للأم الدور الأكبر في توجيه دفة قيادة بيت ابنتها ، فترى الأم أن البيت يحتاج لإدارة قوية ، وأن الزوجين لا يستطيعان إدارة هذا البيت ، فتتولى هي قيادته .
3. العاطفة الجياشة نحو ابنتها ، وهذا يدفعها لسؤالها عن طعامها ، وشرابها ، ودوائها ، وأمراضها ، وعن كيفية تعامل زوجها معها ، بل يتعدى ذلك إلى أدق تفاصيل الحياة الزوجية ، ومنه الحب والجماع ! .
4. ظلم الزوج لزوجته ، وهذا الظلم يدفع الأم للتدخل في كل صغيرة وكبيرة ؛ لتوقف الزوج عند حدِّه ، وتساهم في إعطاء ابنتها حقوقها المسلوبة .
5. كثرة زيارات الابنة لأمها ، وكثرة اتصالاتها بها ، وفي غالب هذه الزيارات والاتصالات لا تجد الأم شيئاً تتكلم به إلا معرفة ما يجري داخل بيت ابنتها .
ولحل مشكلة تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة تدخلاًّ قد يفسد عليها حياتها ، فعليها وعلى زوجها مراعاة أمور ، ومنها :
1. التوجه بالنصيحة المباشرة للأم من قبَل الابنة وزوجها بعدم التدخل في حياتهما ، وأن ذلك لا يحل لها ، وأن هذا التدخل قد يسبِّب فراق بين الزوجين .(/2)
2. مناصحة الأب ( زوج الأم ) بضرورة كف زوجته عن التدخل في حياة الابنة وزوجها .
3. التلميح للأم ، أو حتى تهديدها ، بأنه إن استمر التدخل في حياتهما فسوف يمنعها الزوج من زيارة ابنتها أو الاتصال بها ، كما أنه سيمنع زوجته وأولاده من زيارة أمها ، وبذلك تظهر قوة شخصية الزوجة والزوجة ، ويكون هذا مانعاً للأم من التدخل السلبي في حياتهما .
4. ضرورة التفاهم بين الزوجين على تجاوز هذه المشكلة ، وعدم تفرد واحد منهما بحله دون الآخر ، فهي مشكلة تتعلق بالطرفين ، وينبغي أن تكون الرؤية مشتركة .
5. مشاورة الأم في بعض الأمور ، وطلب نصحها فيها ، حتى تبقى الصلة بينهما بحدودها الشرعية ، وحتى تعلم أن تدخلها ليس مرفوضاً كله ، وأنهما قد يحتاجانها في بعض الأمور ، وهذا يُعطي الثقة فيها ، ويُبقي على التواصل ، ويمنع من تدخلها السلبي .
6. تخفيف الزيارات والاتصالات بالأم ، وإذا حصل شيء من هذا أن يستثمر في الكلام المفيد ، والنصح والتذكير بالطاعات ، والبُعد عن المعاصي واقتراف السيئات .
ونسأل الله تعالى أن يصلح الأحوال ، وأن يهديكم جميعاً لما فيه رضاه .
والله الموفق(/3)
رقم السؤال:
96667
العنوان:
هل يجوز دفن الزوج مع زوجته في قبر واحد
السؤال:
هل يجوز دفن الزوج مع زوجته في نفس القبر ؟
الجواب:
الحمد لله
ذهب كثير من فقهاء الشافعية ، وهو المذهب عند الحنابلة ، إلى أنه لا يجوز أن يدفن في قبر واحد أكثر من ميت ، إلا عند الضرورة ، بأن يكثر القتلى ، أو يكون وباء أو حريق أو غرق ، ويعسر دفن كل واحد في قبر ، فيجوز حينئذ دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد ، ولا يدفن رجل مع امرأة إلا عند اشتداد الضرورة ، ويجعل بينهما حاجز من تراب .
وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (1343) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ )
وروى النسائي (2010) واللفظ له والترمذي (1713) وأبو داود (3215) عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : ( شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ .
قَالُوا : فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا قَالَ فَكَانَ أَبِي ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي .(/1)
قال النووي رحمه الله في المجموع (5/247) : " لا يجوز أن يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة , وهكذا صرح السرخسي بأنه لا يجوز , وعبارة الأكثرين : لا يدفن اثنان في قبر كعبارة المصنف , وصرح جماعة بأنه يستحب أن لا يدفن اثنان في قبر . أما إذا حصلت ضرورة بأن كثر القتلى أو الموتى في وباء أو هدم وغرق أو غير ذلك ، وعسر دفن كل واحد في قبر فيجوز دفن الاثنين والثلاثة ، وأكثر ، في قبر , بحسب الضرورة للحديث المذكور , قال أصحابنا : وحينئذ يقدم في القبر أفضلهم إلى القبلة , فلو اجتمع رجل وصبي وامرأة قدم إلى القبلة الرجل , ثم الصبي , ثم الخنثى , ثم المرأة . قال أصحابنا : ويقدم الأب على الابن , وإن كان الابن أفضل لحرمة الأبوة , وتقدم الأم على البنت , ولا يجوز الجمع بين المرأة والرجل في قبر إلا عند تأكد الضرورة , ويجعل حينئذ بينهما تراب ليحجز بينهما بلا خلاف , ويقدم إلى القبلة الرجل وإن كان ابنا ".
وذهب بعض أهل العلم إلى أن دفن أكثر من شخص في قبر واحد ، مكروه فقط ، وهو مذهب المالكية ، ورواية عن أحمد ، اختارها شيخ الإسلام رحمه الله . ينظر "الإنصاف" (2/551) ، شرح الخرشي (2/134).
وذهب آخرون إلى عدم الكراهة ، وقالوا : إنه ترك للأفضل ، فحسب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والراجح عندي - والله أعلم - القول الوسط ، وهو الكراهة ، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره ، فإنه أحق به ، وحينئذٍ فلا يُدخل عليه ثان ، اللهم إلا للضرورة القصوى " انتهى من "الشرح الممتع" (5/369).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96670
العنوان:
أذِن لها زوجها في السفر لحج النافلة ثم تراجع فهل تسافر دون إذنه ؟
السؤال:
أنا متزوجة منذ أربع سنوات ، ولكني لم أشعر بالسعادة يوماً طوال هذه الزيجة ، لقد ارتكبت بعض الأخطاء التى تعلمت منها ، لكن زوجي لم يغفر لي هذه الأخطاء ، فهو أقرب لكونه ديكتاتوراً منه كزوج ، قامت إحدى الصديقات بدفع مصاريف الحج ولكني لم أقبلها إلا بعد الحصول على إذن من زوجى لأنها ليست حجة الفريضة ، ولكنه قام بالتراجع عن هذا الإذن بعد عمل جميع الترتيبات بسبب بعض الخلافات البسيطة التى بيننا ، الآن إذا لم أذهب للحج ستغضب صديقتي لأنه قد تم غلق الباب أمام إصدار تأشيرة أخرى لشخص آخر . فهل لزوجي الحق في أن يفعل ذلك أم أنه يسيء استخدام سلطته كزوج ؟ برجاء تقديم الإرشاد .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الواجب على الزوج أن يتقي الله في معاملته لزوجته ، وأن يعاشرها بالمعروف ، وإن كان كره منها خلُقاً فليعلم أن لها أخلاقاً أخرى تستحق رضاه عنها ، وعليه أن يعلم أنه هو لا يسلم من الخطأ والزلل ، فليعفُ عن خطئها ، وليصفح عن زللها إن هي تابت لربها وأنابت ، وليحسن معاملتها حتى يجعل الله تعالى بينه وبين زوجته مودة ورحمة .
ثانياً :
لا يحل للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره إلا مع ذي محرَم ، ولم يرِد في سؤالك أية إشارة إلى وجود محرم معك أو عدم وجوده ، فإن لم يكن معك محرم في السفر فلا يجوز لك السفر سواء أذن زوجك أو لم يأذن ، ولو كان ذلك في حج الفريضة .
قال علماء اللجنة للإفتاء:
" قد تقرر في الشرع المطهر تحريم سفر المرأة بلا محرم ؛ للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك ، وهذا يعم أي سفر كان ، سواء لغرض مباح ، أم واجب ، أم مسنون ، وقد صدرت منا فتوى في تقرير ذلك برقم ( 16042 ) هذا نصها :(/1)
" لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر بدون محرم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) رواه أحمد والبخاري ومسلم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال : انطلق فحج مع امرأتك ) رواه أحمد والبخاري ومسلم .
فالمرأة ممنوعة من كل ما يسمَّى سفراً ، إلا إذا كان معها محرم يصونها ويحفظها ويقوم بمصالحها ، والمحرم هو : زوجها ، أو من تحرم عليه على التأبيد ، لقرابة ، أو رضاع ، أو مصاهرة : كأبيها ، وابنها ، وأخيها ، وابن أخيها ، وعمها ، وخالها ، وأبي زوجها ، وابن زوجها ، وابنها من الرضاع ، أو أخيها من الرضاع ، ونحوهم ، وسواء كانت المرأة شابة ، أو عجوزاً ، وسواء كانت وحدها ، أو مع نساء ، ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم ؛ لعموم الأحاديث ؛ ولعدم انتفاء المحذور .
فالواجب على النساء وعلى أوليائهن تقوى الله ، والمحافظة على أوامر الله ورسوله ، وترك ما نهى الله عنه ورسوله ، خصوصا في المحافظة على الحياء والعفة ، وتجنب وسائل الشر والفساد ، ولا يجوز أن يحملهم الطمع في الدنيا على التساهل في هذا الأمر " .
لهذا : فإنه لا يجوز سفر المرأة لأداء فريضة الحج من غير محرم لها ، ويجب منع أصحاب حملات الحج من ذلك ؛ حذراً من إثم الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وسدّاً لأبواب الشر والفساد ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) ، والمرأة من شروط استطاعتها : وجود محرمها ، وبذله نفسه للسفر بها ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .(/2)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 334 – 336 ) .
ثالثاً :
كما ينبغي أن تعلمي أنه لا يجوز لك للمرأة أن تسافر إلا بإذن الزوج ، وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمرأة الذهاب لحج النافلة إلا بإذن زوجها .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
فأما حج التطوع : فله منعها منه ، قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع .
وذلك لأن حق الزوج واجب ، فليس لها تفويته بما ليس بواجب .
" المغني " ( 3 / 192 ) .
ولا يجوز لك السفر للحج – ولو وجد المحرَم – إذا كان زوجك قد تراجع عن إذنه .
ولا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من سفر الطاعة إن كان منعه لها من غير سبب شرعي ، وهو شريك في الأجر الذي تحصله إن أذن لها ، فإن أعانها ازداد أجره .
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/283) : أن الزوج إذا أذن لزوته بالحج نافلة ، فله الرجوع في الأذن قبل أن تحرم ، فإن أحرمت لم يجز له الرجوع في الإذن .
وعليك أن تعتذري لصديقتك وتبيني لها سبب عدم سفرك معها ، وأن ذلك طاعة لله تعالى وفراراً من معصيته ، وليس للمسلم أن يقدم إرضاء مخلوق كائناً من كان على إرضاء الله تعالى .
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، ويصلح ما بينك وبين زوجك .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
96675
العنوان:
كيفية نوم الطفل وقول الأطباء الأفضل أن ينام على بطنه
السؤال:
هل يمكنكم ـ رجاءً ـ تقديم النصح لى حول وضع وكيفية نوم الطفل ؟ يقول الأطباء : إنه من الجيد أن يرقد الطفل على معدته ، ولكنى علمت توا بنهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الوضع ؟!
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ورد في النهي عن الاضطجاع على البطن : ما روى أحمد وأبو داود (5040) عن طَخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ السَّحَرِ عَلَى بَطْنِي إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ !! قَالَ : فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ورواه ابن ماجه (3724) عَنْ ابْنِ طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي ، فَرَكَضَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ : يَا جُنَيْدِبُ ، إِنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ .
وأحاديث النهي عن النوم على البطن مختلف في صحتها ، فمن أهل العلم من يضعفها ، كالبخاري والدارقطني وابن أبي حاتم وابن رجب ، ومنهم من يصححها أو يحسنها ، كأحمد شاكر في تحقيق المسند (14/248 - 249) ، والألباني في صحيح أبي داود .
ثانيا :
النوم على البطن مضر من الناحية الصحية ، للصغار والكبار ، فهناك تقارير طبية تبين ارتفاع نسبة الوفيات في الأطفال الذين يموتون اختناقا بسبب نومهم على بطونهم ، كما أنه يورث الإصابة بالحساسية لقرب الأنف من الفراش ، إذا كان الفراش من أسفنج أو صوف ، فتجتمع الجراثيم والميكروبات .
نعم النوم على البطن يفيد في طرد الغازات ، لكن الاعتياد عليه مضر كما سبق .(/1)
وينبغي تعويد الطفل على النوم على شقه الأيمن ، فهو أكمل أحوال النوم ، وهو الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه منافع جمة للبدن .
جاء في بعض الدراسات الطبية : " النوم على الشق الأيمن هو الوضع الصحيح لأن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب أخف حملاً وتكون الكبد مستقرة لا معلقة والمعدة جاثمة فوقها بكل راحتها وهذا كما رأينا أسهل لإفراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه… كما يعتبر النوم على الجانب الأيمن من أروع الإجراءات الطبية التي تسهل وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية .
أما النوم على الشق الأيسر فهو غير مقبول ، لأن القلب حينئذ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى، والتي هي أكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه وخاصة عند المسنين . كما تضغط المعدة الممتلئة عليه فتزيد الضغط على القلب والكبد -الذي هو أثقل الأحشاء- لا يكون ثابتاً بل معلقاً بأربطة وهو موجود على الجانب الأيمن ، فيضغط على القلب وعلى المعدة مما يؤخر إفراغها .
فقد أثبتت التجارب التي أجراها " غالتيه " و " بواسيه " أن مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء يتم في فترة تتراوح بين 2.5-4.5 ساعة إذا كان النائم على الجانب الأيمن ولا يتم ذلك إلا في 5-8 ساعات إذ ا كان على جنبه الأيسر ".
ينظر : الطب النبوي في ضوء العلم الحديث ، د غياث الأحمد ، النوم على الجهة اليمنى ، د إبراهيم الراوي .
فينبغي تعويد الأبناء على النوم على الجانب الأيمن ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحصيلا لمنفعة أبدانهم .
سئل علماء اللجنة الدائمة : هل صحيح أنه من السيء النوم على البطن ، فقد قيل لي : إن النوم على البطن مكروه ؟ لأن ذلك هو نوم الشيطان ، إلا أني اعتدت النوم على هذه الوضعية منذ صغر سني ، ولا أزال أفعل ذلك حتى الآن بحكم العادة ، فما هو الحكم في ذلك ؟(/2)
فأجابوا : : " يكره النوم على البطن ، لما رواه أبو داود عن طخفة بن قيس الغفاري ، قال : بينما أنا مضطجع في المسجد من السحر على بطني ، إذا رجل يحركني برجله ، فقال : إن هذه ضجعة يبغضها الله قال : فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود في باب (في الرجل ينبطح على بطنه) ، فينبغي تركه ولو كان من عادة الإنسان ؛ لأنه يشرع للمسلم ترك العادة المخالفة للشرع " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/146)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96677
العنوان:
حكم التسمي باسم لارا
السؤال:
هل يمكنكم رجاء أن تحيطونى علما بماإذا كان اسم لارا اسما إسلاميا ، وماذا يعنى هذا الاسم ، فقد رأيت هذا الإسم فى أحد كتب الأسماء الإسلامية .
الجواب:
الحمد لله
لم نقف على هذا الاسم ولا على اشتقاقه في مصادر اللغة العربية ، والظاهر أنه منقول من لغة أخرى .
وعلى هذا فلا ينبغي التسمي به حتى يعرف معناه ، فإذا لم يشتمل على معنى مكروه ينافي الدين والخلق ، كأسماء الآلهة ، أو ما يتضمن الميوعة والدعوة إلى المنكر ، أو يتضمن تزكية النفس ، فلا حرج في التسمي به .
والأولى أن يسمي الإنسان أبناء وبناته بالأسماء الحسنة ، التي يعرف معناها .
وينظر السؤال رقم (1692)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96679
العنوان:
حكم لبس الملابس الداخلية للمحرِم
السؤال:
أنا ذاهب للحج هذا العام ، ولكن حالتي الصحية تستوجب أن أقوم بارتداء ملابس داخلية ضيقة ( ملابس داخلية عادية ) لمنع قطرات من البول تخرج مني أثناء القيام ببعض الحركات ، كما يحدث في الصلاة من أن تلوث ملابسي الخارجية ، ونظراً لهذه الظروف فهل يجوز لي ارتداء ملابس داخلية عادية تحت ثوب الإحرام ؟ وفي حال ما لم يكن جائزاً فما هو الحل البديل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اختلف العلماء في حكم لبس اللباس الداخلي للرجل الذي يغطي العورة المغلظة وهو ما يسميه العلماء بـ " التُّبَّان " فذهب بعضهم إلى جوازه من غير ضرورة ولا حاجة ، وقالوا : بأنه لم يرد النص في المنع منه فيما لا يلبسه المحرم .
وذهب الجمهور إلى أن لبسه ممنوع ، وأنه يقاس على السراويل ، بل ذهب بعض العلماء إلى أنه أولى بالمنع منه ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" وكذلك التبان أبلغ من السراويل " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 21 / 206 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
" قال المزني : الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرّاً استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم .
قال :
وأجمعوا بأن نظير الحق حق ، ونظير الباطل باطل ، فلا يجوز لأحد إنكار القياس ، لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها ... .
ومن ذلك : نهي النبي صلى الله عليه وسلم المُحرم عن لبس القميص والسراويل والعمامة والخفين ، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط ، بل يتعدى النهي إلى الجباب والأقبية و الطاقية والجوربين والتبان ، ونحوه" انتهى باختصار .
" إعلام الموقعين " ( 1 / 205 – 207 ) .
وبه يتبين خطأ من استدل بجواز لبس التبان بكونه لم يُنص عليه في الحديث الذي بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يلبسه المحرم .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - :(/1)
وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله بأسره ، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم ، عند جميع أهل العلم .
" التمهيد " ( 15 / 104 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
" قال عياض : أجمع المسلمون على أن ما ذُكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم ، وأنه نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط ، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره ، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل . انتهى .
وخصَّ ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس ، وهو واضح .
والمراد بتحريم المخيط : ما يلبس على الموضع الذي جعل له ، ولو في بعض البدن " انتهى.
" فتح الباري " ( 3 / 402 ) .
واستدل من قال بجواز لبس المحرم للتبان بما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أجازت لبسه للحمَّالين ، وما ورد عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يلبسه .
أ. أثر عائشة :
قال البخاري – رحمه الله – في " صحيحه " ( 2 / 558 ) - :
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم... ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتُبَّانِ بأساً للذين يرحلون هودجها .
انتهى
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
" وقد وصل أثر عائشة : سعيد بن منصور ، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة : " أنها حجت ومعها غلمان لها ، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء ، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين ، فيلبسونها وهم محرمون " .
وفي هذا رد على ابن التين في قوله " أرادت النساء " ؛ لأنهن يلبسن المخيط ، بخلاف الرجال ، وكأن هذا رأي رأته عائشة ، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم ". انتهى من " فتح الباري " ( 3 / 397 )
وقد يُجاب عن هذا بأن عائشة رضي الله عنها أمرتهم بلبسه للضرورة ، لأن عورتهم كانت تنكشف ، فلا يدل على جواز لبسه بدون ضرورة .
ب. أثر عمار :(/2)
روى ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت قال : رأيت على عمار بن ياسر تُبَّاناً ، وهو بعرفات .
" مصنف ابن أبي شيبة " ( 6 / 34 ) .
وهذا محمول على الضرورة ، حيث ورد عند ابن شبة في " أخبار المدينة " ( 3 / 1100 ) ما يدل على إصابة عمار بن ياسر رضي الله عنه زمن عثمان بن عفان رضي الله ، وفيه قوله " فلا يستمسك بولي " .
وفي " النهاية في غريب الأثر " ( 2 / 126 ) :
وفي حديث عبد خير قال : رأيت على عمار دقرارة ، وقال : " إني ممثون "
الدقرارة : التبَّان ، وهو السراويل الصغير الذي يستر العورة وحدها ، والممثون : الذي يشتكي مثانته .
وفي " لسان العرب " ( 13 / 71 ) :
وفي حديث عمار أنه صلَّى في تبَّان ، فقال : إني ممثون ، أي : يشتكي مثانته . انتهى
وهذه الآثار لو فرض عدم ثبوت آحادها : فهو يدل على أن لها أصلاً .
والصحيح : أنه يمنع الرجل المحرم من لبس التبَّان ، ويُحمل ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه للضرورة ، وليس فيه نفي الفدية عمن لبسه .
ويُحمل ما ورد عن عمار بن ياسر أنه كان للضرورة بسبب إصابته في المثانة
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
" وما ذُكر عن عائشة رضي الله عنها ظاهره أنها إنما رخّصت في التبان لمن يُرَحِّل هودجها لضرورة انكشاف العورة ، وهو يدل على أنه لا يجوز لغير ضرورة ، والعلم عند الله تعالى ". انتهى
" أضواء البيان " ( 5 / 464 ) .
ثانياً :
يجوز لبس التبان لمن كان يعمل في التحميل – مثلاً - ويَخشى انكشاف عورته ، كما يجوز لبسه لمن يتمزق جلده بسبب الاحتكاك ، ويخشى على نفسه الضرر ، ويجوز كذلك لمن به جرح في عورته ويحتاج لتغطيته ، ومثله من كان مبتلى بسلس البول – وهي حالة مشابهة لحالة عمار بن ياسر - ، وفي كل تلك الأحوال – وما يشبهها – على لابسه الفدية ، وهي : إطعام ستة مساكين ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو ذبح شاة(/3)
قال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) البقرة/ 196 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ : جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً ، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ : ( مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ : مَا كُنْتُ أُرَى - الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى ، تَجِدُ شَاةً ؟ فَقُلْتُ : لَا . فَقَالَ : فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ )
رواه البخاري ( 1721 ) ومسلم ( 1201 )
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : عن لبس المحرم للتبان ، لأنه إذا لم يلبسه لحقه ضرر .
فأجاب :
إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه ، ولكن إن حَصَّل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 177 / السؤال 16 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 20870 ) و ( 49033 )
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
96683
العنوان:
لا يلزم المرأة الجلوس أثناء الاغتسال
السؤال:
هل يجب على المرأة الجلوس أثناء الاستحمام أم أن ذلك الأمر ليس ذا أهمية؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجب على المرأة أن تجلس أثناء الاغتسال ، بل لها أن تغتسل كيفما شاءت واقفةً وجالسة ومستلقية ، وكذلك الحال بالنسبة للرجل .
ولا حرج أيضا في اغتسال الإنسان عريانا ، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (6894) ورقم (6976)
واستحب بعض الفقهاء ألا يقف الإنسان عريانا ، حال الغسل وغيره ، بل يضم جسمه ليستر نفسه .
قال ابن عبد البر رحمه الله : " ولا ينتصب الرجل عريانا ليلا أو نهارا فإذا اغتسل فلينضم ما استطاع فإن الله أحق أن يستحى منه " انتهى من "حاشية العدوي على شرح الرسالة" (2/455).
وهذا من باب الحياء والستر ، لكنه لا يجب .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96689
العنوان:
والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر
السؤال:
يتعلق سؤالي بكوني اضطررت للسفر لبلد غير مسلم بسبب زواجى من رجل كان يعيش ويعمل هناك ، حدث ذلك منذ فترة من الزمن ، ولكن يريد كلٌّ منَّا الآن الرحيل والذهاب إلى بلد مسلم ، في الوقت الذي تقدم فيه أبي بطلب للمجيء إلى هنا حتى يكون قريباً مني ، فهو يبلغ من العمر 70 عاماً ، وليست لديه زوجة ترعاه ، والآن فإن والدي يرجوني ألا أتركه وحيداً ؛ لأنه تقدم في العمر للحد الذي لا يمكنه فيه الاعتناء بنفسه ، وحتى لو حصل زوجي على وظيفة فى بلد مسلم فإننا لانستطيع أن نصطحب معنا والدي بسبب مشاكل فى الحصول على تأشيرة ، رجاء قدموا لي يد العون .
الجواب:
الحمد لله
قد أحسنتما في التخلص من الإقامة في بلاد الكفر ، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في تلك الديار ويستقر بينهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ ) رواه أبو داود ( 2645 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم ( 27211 ) تحريم الإقامة في بلاد الكفر ووجوب الهجرة إلى بلاد المسلمين ، فلينظر .
وبخصوص والدك : فيجب عليكِ إبلاغه بهذا الحكم ، وعدم التنازل عن ترك البلد من أجله ، وذهابه معكم إلى بلدٍ مسلم هو الأليق به ، وهو واجب عليكِ أن تسعي فيه ، ولا نظن أنه أمرٌ يستحيل حدوثه ، فرجل في مثل سنِّه نظن أنه من السهل الحصول على تأشيرة له ، وبخاصة أنه والدك ، فدرجة القرابة القوية بينكما تؤهله في كل البلدان – في الغالب - للحصول على تأشيرة .
وإذا فُرض أنه صعُب ذلك عليكِ ، أو أن الأمر سيتأخر بعض الوقت : فالذي ننصح به هو بقاؤه مع أسرة مستقيمة ، أو مع أشخاص موثوقين لحين الحصول على تأشيرة ليلتحق بكم(/1)
وإذا لم يتيسر هذا الأمر : فيمكنكِ التأخر من أجله زمناً يسيراً لحين الحصول على تأشيرة ، فيسافر معك للبلد المسلم ، ويكون زوجك قد سبقك وهيأ لكما أمور السكن والإقامة .
وأخيراً : إذا لم يتيسر أمر تأشيرته ، وليس له مكان يقيم فيه في بلده ، ولم يوجد إلا أنتِ ترعينه وتقومين على خدمته : فالذي نراه هو اختيار تأخير خروجك من بلد الكفر حتى ييسر الله أمره ، ولعلَّ احتسابك هذا الأمر لله تعالى أن ييسر الله لك أمرك ، ويفرج عنك كربك ، فاقنعي زوجك بتأخير الخروج من أجل والدك ، ولعله أن يأخذ سنَّه في الحسبان ، وأن يحتسب أمره عند الله تعالى .
وننبه الزوجة إلى أن اختيارها التأخر ، أو إلغاء الخروج من أجل والدها لا يكون دون موافقة زوجها ، فزوجها له عليها طاعة ، فإذا أمرها بالخروج معه ، وعدم الانتظار ، أو عدم الإلغاء : فليس لها أن تخالفه ، وطاعته تقدَّم على طاعة والديها ، لذا فليكن الأمر بينها وبين زوجها بالتفاهم والإقناع ، فلعلَّه أن يرضى بحلٍّ تبر فيه والدها حتى يقضي الله أمر والدها .
وهذا كله على فرض أنه لا يوجد لوالدك أبناء آخرين يقومون بشأنه غيرك ، كما هو ظاهر من سؤالك ؛ وإلا لو كان له أحد سواك ، ولو أخ أو أخت له ، لكان ذلك أعون على تخطي المشكلة ، ولو إلى أن يتم لك ولزوجك الاستقرار في مكان يمكنكما اصطحابه إليه .
والله الموفق(/2)
رقم السؤال:
96702
العنوان:
إذا كان شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما فهل لا يقبل حجه أيضا
السؤال:
طلعت مع أصدقائي وشربت معهم خمر ، وأنوي الحج هذه السنة , وسمعت أن الذي يشرب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوم ,, هل إذا حججت هذه السنة لن يقبل حجي بسبب فعلتي القبيحة ؟
الجواب:
الحمد لله
شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب ، وقد جاء في وعيد من فعل ذلك أحاديث كثيرة تدل على عظم هذه الجريمة ، وعظم عقوبتها عند الله ، ومن ذلك عدم قبول الصلاة مدة أربعين يوما . وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20037) و (38145) و(27143) .
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الأمر ليس خاصا بالصلاة ، بل لا تقبل العبادات الأخرى أيضا ، نسأل الله العفو والعافية .
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي "وَقِيلَ : إِنَّمَا خَصَّ الصَّلاةَ بِالذِّكْرِ لأَنَّهَا أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ , فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ فَلأَن لا يُقْبَلُ غيرها من العبادات أَوْلَى" اهـ من تحفة الأحوذي بتصرف وكذا قال العراقي والمناوي .
وقد نبهنا في الأجوبة المحال عليها إلى أمرين :
الأول : أن عدم القبول ، يعني عدم حصول الثواب ، ولا يعني أن يترك الإنسان العبادة ، بل إذا تركها فقد اقترف ذنبا آخر ، وربما كان أعظم من شرب الخمر ، كترك الصلاة .
ومن كان مستطيعا للحج ، فإنه يجب عليه فورا ، عند جمهور العلماء ، ولا يجوز له تأخيره ، فإذا أخره كان آثما .
الثاني : أن هذه العقوبة على شرب الخمر إنما هي في حق من لم يتب ، أما من تاب وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه ويتقبل منه أعماله .
وبهذا تعلم أنه يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا . وينبغي أن تكثر من الأعمال الصالحة ، ومنها الحج ، فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، وإذا اجتمع الحج المبرور مع التوبة ، كُفّرت جميع السيئات ، صغيرها وكبيرها .(/1)
والحذر الحذر من هذه الرفقة السيئة التي جرّتك إلى هذه المعصية العظيمة ، وأوقعتك في هذا الإثم الكبير ، فبادر بنصحهم ودعوتهم للتوبة والرجوع إلى الله ، فإن استجابوا وإلا ففر منهم فرارك من الأسد ، فإن المرء يحشر مع من أحب يوم القيامة ، وإن صحبة الفاجر لا يأتي من ورائها إلا الخسران والبوار ، قال تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) الفرقان/27- 29
نسأل الله تعالى أن يتوب عليك ويصفح ويتجاوز عنك وأن يهديك صراطه المستقيم ، ويثبتك عليه ، ويصرف عنك شياطين الإنس والجن .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96704
العنوان:
هي تحبه وهو لا يطيقها لعدم جمالها فهل يطلقها ؟
السؤال:
تزوجتُ منذ سنتين من فتاة ، كانت موافقتي على الارتباط هو أنها متدينة ، وسعت لحفظ القرآن في فترة وجيزة ، عندما رأيتها ليلة الخطوبة صدت نفسي منها ، وذلك لأنها ليست جميلة ، ولكني أجبرت نفسي على قبولها ؛ لدينها ، وصفاتها الأخرى الحسنة ، المهم : تزوجنا ، واكتشفت أنها عصبية المزاج ، مما أثر على علاقتنا ، وجعلني أبتعد عنها شعوريّاً أكثر ، وصلتُ مرحلة أعتقد فيها أنني لا أحبها ، وبدأت أهملها في الفراش ، فتضررت من ذلك كثيراً ، ولكنها تحبني ، وأخشى إن طلقتها أن تتأثر كثيراً جدّاً ، ندمت في نفسي كثيراً على الارتباط بها ، وحزنت لأجلها كثيراً ، ولكني لم أستطع أن أطيقها ، ولا أريد أن تضيع عمرها مع من لا يحبها ، أصبحت محتاراً ، وأخشى ربي كثيراً أن يعاقبني لأنني تزوجتها ، مع أنني لم أكن أرغب فيها ، سمعت محاضرة من أحد المشايخ يقول : تزوجها لدينها حتى لو كانت غير جميلة ، ما الحل بارك الله فيكم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
سنقف أخي السائل مع رسالتك وقفات ، نرجو منك الانتباه لما سنقوله :
1. أمر الله تعالى الأزواجَ بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف ، وبيَّن لهم تعالى أنه قد يقع منهم كراهية لهذه الزوجة ، فليس عليه أن يباشر بتطليقها ، بل يصبر عليها ويمسكها ؛ لسببين :
الأول : أنه إن كرهَ منها خلُقاً فقد يكون لها أخلاقاً أخرى مرضيَّة ، وهكذا يقال لمن كانت عنده امرأة جميلة لا يُعجبه خَلْقها أن نقول له : فارض بخُلُقِها ، واجعل هذه الأخلاق سبباً في إمساكها والصبر عليها ، فإنها التي تصلح لحفظ عرضك ومالِك ، وهي التي تصلح لتربي لك أولادك .
والثاني : أن الله تعالى قد يجعل في صبره وتحمله له خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة ، في الدنيا مثل الولد الصالح منها ، وفي الآخرة كالثواب الجزيل على صبره وتحمله .(/1)
قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن ، فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن ، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كُرهٍ منكم لهن خيراً كثيراً ، مِن ولدٍ يرزقكم منهن ، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن .
" تفسير الطبري " ( 8 / 122 ) .
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم في الدنيا ، والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر ) .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 243 ) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله - :(/2)
فالواجب على كلٍّ مِن الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة ، وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها ، وكون أمرها بيده ، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف ، ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة ، إما لتقصيرها في حقه ، أو لقصور في عقلها وذكائها ، وما أشبه ذلك ، فكيف يعامِل هذه المرأة ؟ نقول : هذا موجود في القرآن ، وفي السنّة ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 ، وهذا هو الواقع ، قد يكره الإنسان زوجته لسببٍ ، ثم يصبر ، فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً ، تنقلب الكراهة إلى محبة ، والسآمة إلى راحة ، وهكذا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يفرَك مؤمن مؤمنة - يعني : لا يبغضها ، ولا يكرهها - إن كرهَ منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) ، انظر المقابلة ، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة ، ( إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا ؟ لا ، أبداً ، لا يتم مرادك في هذه الدنيا ، وإن تم في شيء : نقص في شيء ، حتى الأيام ، يقول الله عز وجل : ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) آل عمران/140 ، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي :
ويوم علينا ويوم لنا *** ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
وجرب هذا تجد ، لا تبقى الدنيا على حال واحد ، ومن الأمثال السائرة : " دوام الحال من المحال " ، فإذا كرهت من زوجك شيئاً : فقابله بما يرضيك حتى تقتنع .
" لقاءات الباب المفتوح " ( مقدمة الجزء 159 )
2. واعلم أخي السائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الجمال مما تُنكح المرأة من أجله ، لكنه صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ما هو خير وأفضل ، وهو الزواج بذات الدِّين .(/3)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله - :
قوله ( ولدِينِها ) لأنه به يحصل خير الدنيا والآخرة ، واللائق بأرباب الديانات وذوي المروآت أن يكون الدِّين مطمح نظرهم في كل شيء ، ولا سيما فيما يدوم أمره ، ولذلك اختاره الرسول بآكد وجهٍ وأبلغه ، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية ، فلذلك قال ( فاظفر بذات الدين ) فإن بها تكتسب منافع الدارين ، تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به ، وقال الكرماني : فاظفر جزاء شرط محذوف ، أي : إذا تحققت تفصيلها فاظفر أيها المسترشد بها .
واختلفوا في معنى ( تربت يداك ) فقيل : هو دعاء في الأصل إلا أن العرب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث على الشيء ، وهذا هو المراد به ههنا .
وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء ؛ لأن مَن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم ، ويأمن المفسدة من جهتهم .
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 20 / 86 ) .
3. واعلم أن الجمال الحقيقي هو جمال الباطن ، وأن الجمال الدنيوي في الشكل الظاهر عرضة للزوال ، إما بأمراض أو حروق ، أو كبَرٍ في السن ، فيبحث الإنسان العاقل عن جمالٍ لا يزول ، بل يزداد ولا ينقص ، يزداد بالإيمان والطاعة ، ويظهر أثر هذا الجمال على المرأة في خلقها وحسن تبعلها لزوجها وعلى حسن تربيتها لأولادها .(/4)
04 واعلم أن الله تعالى قد سمَّى ما بين الزوجين " مودة " و " رحمة " ولم يسمِّه حبّاً ، قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 ، وهذا هو الواقع أصلاً في حياة الشرفاء العقلاء ، فإن الراغب في النكاح يسمع عن المرأة تصلح للزواج فيأتي لخطبتها فيُعجب بجمالها أو دينها أو حيائها ، فيتزوجها ، ولا يقال هنا إنه تزوجها عن حبٍّ ، ولا سمى الله تعالى ما يجعله بينهما حبّاً ، وليس في هذا إنكارٌ للفظة ووجودها ، بل تنبيه على أمرٍ غاية في الأهمية ، وهو أن الزواج شُرع لمقاصد كثيرة ، كإعفاف النفس ، وإقامة الأسرة المسلمة ، وإنجاب الذرية .
ولذا فإنه قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاءه رجل يريد تطليق امرأته ، فلما سأله عمر عن السبب : قال : إنه لا يحبها ! فردَّ عليه عمر رضي الله عنه : " وهل لا تُبنى البيوت إلا على الحب ؟! " .
وقال عمر – أيضاً - لامرأة سألها زوجُها : هل تبغضه ؟ فقالت : نعم ، فقال لها عمر : " فلتكذب إحداكن ، ولتجمل ، فليس كل البيوت تُبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب ، والإسلام " .
فتأمل في هذا أخي الفاضل ، وانظر في مآسي الذين تزوجوا الجميلات من غير دين كيف هي حياتهم ، وما فيها من بؤس وشقاء وشكوك وريَبٍ ، وانظر في سعادة وهناء من تزوجوا ذوات الدِّين كيف هي حياتهم ، وكيف يتربى أولادهم .
5. ويمكن لك أن تتزوج زوجة ثانية ، وتُبقي هذه الزوجة في عصمتك ، وأنت مخيَّر بين أمرين :
الأول : أن تعطيها حقَّها كاملاً ، وأن تقسم لها كما تقسم للزوجة الثانية ، وهو من العشرة بالمعروف الواجبة عليك ، كما ذكرناه لك في أول الجواب ، وكما هو معلوم من تحريم الظلم عموماً ، وخصوصاً فيما بين الزوجات .(/5)
والثاني : أن تصالح زوجتك على أن تتنازل عن بعض حقها في القسْم ، وتبقيها في عصمتك ، ترعاها وتراها ، وتدخل عليها وتمكث عندها ، تربي لك ولدك ، وتحفظ لك عرضك ومالك ، وقد يكون مع المدة تغيير في شعورك تجاهها ، فتقسم لها كما تقسم للزوجة الثانية ، وهذا الصلح مذكور في كتاب الله تعالى ، وفي السنَّة النبوية ، وفي كلام أهل العلم .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ) قَالَتْ : هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ : كِبَرًا ، أَوْ غَيْرَهُ ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا ، فَتَقُولُ : أَمْسِكْنِي ، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَتْ : فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا .
رواه البخاري ( 2548 ) ومسلم ( 3021 ) وفي لفظ له :
قَالَتْ : نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا ، وَتَكُونُ لَهَا صُحْبَةٌ ، وَوَلَدٌ فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا ، فَتَقُولُ لَهُ : أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي .
انتهى
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته ، وكرهتها نفسه ، أو عجز عن حقوقها : فله أن يطلقها ، وله أن يخيرها ، إن شاءت أقامت عنده ، ولا حق لها في القسْم ، والوطء ، والنفقة ، أو في بعض ذلك ، بحسب ما يصطلحان عليه ، فإن رضيت بذلك : لزم ، وليس لها المطالبة به بعد الرضى ، هذا موجب السنة ومقتضاها ، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره .
" زاد المعاد " ( 5 / 152 ) .
5. فإذا لم تستطع الصبر على إبقائها في عصمتك معاشراً لها بالمعروف ، ولم تستطع الزواج عليها ، أو أنها رفضت الصلح : فلم يبق لك إلا الخيار الأخير ، وهو تطليقها وتسريحها بإحسان ، فتعطيها كامل حقوقها ، ولعلَّ الله أن يختار لك خيراً منها ، ويختار لها خيراً منك .(/6)
قال تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء/130 .
والطلاق مباح في هذه الحالة ، ليس محرَّماً ولا مكروهاً ؛ لكن آخر الدواء الكي ، كما يقال .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 29 / 9 ) :
ويكون مباحاً عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها ، أو لأنّه لا يحبّها .
انتهى
ونسأل الله تعالى أن يختار لك ولها الخير ، وأن يوفقكما لما فيه رضاه ، وأن يصلح أحوالكما وقلوبكما .
والله الموفق(/7)
رقم السؤال:
96706
العنوان:
الحيلة الثلاثية على الربا
السؤال:
أريد أن أشتري سيارة بالتقسيط ، ثم أبيعها لأستفيد من ثمنها ، لحاجتي الماسة للنقود ، ولكن طريقة الشركة التي سوف أشتري السيارة منها كما يلي : تشتري السيارة ببطاقة جمركية ، أي بدون الذهاب إلى المرور لاستخراج لوحات ، مجرد عقد بيع بين الشركة والمعرض ، والسيارة في مكانها ، ثم آخذ أنا البطاقة الجمركية ولي حرية التصرف في البيع . السؤال : هل هذه الطريقة شرعية ؟ وهل يجوز لي أن أبيعها على نفس المعرض ، مع العلم أن السيارة في مكانها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
شراء السلعة ثم بيعها على غير البائع الأول ، لأجل الحصول على النقود ، يسمى " التورق " مأخوذ من " الورِق " وهو الفضة ، وهو جائز عند جمهور الفقهاء .
انظر جواب السؤال رقم (45024) .
وطلب الإنسان من غيره أن يشتري سلعة ، ثم يبيعها له بثمن مقسط ، يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء ، وهو جائز بشرطين:
الأول: أن تقوم الشركة بشراء السلعة لنفسها ، قبل أن تبيعها على العميل.
الثاني: أن تقبض الشركة السلعة ، قبل بيعها على العميل .
وإذا خلت المعاملة من هذين الأمرين ، أو من أحدهما ، كانت معاملة محرمة.
فقد ورد النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك ، وعن بيع ما ليبس عنده ، وعن بيع السلع قبل قبضها :
فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( لا تبع ما ليس عندك ) رواه أبو داود (3503) والنسائي (4613) والترمذي (1232) وابن ماجه (2187) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد(15399) والنسائي ( 4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ : ( فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم : 342(/1)
وأخرج أبو داود (3499) و الدارقطني (3/13) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن عباس : " وأحسب كل شيء مثله " أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .
وانظر حول بيع المرابحة إجابة السؤال رقم (36408) .
وبناء على ذلك : فليس للشركة أن تبيع السيارة حتى تقبضها ؛ وقبض كل شيء بحسبه ، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381).
ومنه تعلم أنه لا يصح أن تبقى السيارة في مكانها ، بل على الشركة أن تنقلها من المعرض ، قبل أن تبيعها عليك .
وهذا هو القول الراجح في المسألة ، أنه لا يجوز بيع السلع قبل قبضها ، لا فرق في ذلك بين الطعام وغيره ، وهو مذهب الشافعي ، وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية ، ورواية عن أحمد .(/2)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/123) : " وقد ذهب الفقهاء مذاهب في بيع المبيع قبل قبضه : فمذهب الشافعية , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول محمد , وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد : أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه , سواء أكان منقولا أم عقارا , وإن أذن البائع , وقبض الثمن . وذلك لحديث { حكيم بن حزام رضي الله عنه , قال : قلت : يا رسول الله : إني أشتري بيوعا , فما يحل لي منها , وما يحرم علي ؟ قال : إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه } وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا بيع ما ليس عندك } . ومعنى { ربح ما لم يضمن } ربح ما بيع قبل القبض . مثل : أن يشتري متاعا , ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع , فهذا البيع باطل , وربحه لا يجوز , لأن المبيع في ضمان البائع الأول , وليس في ضمان المشتري منه , لعدم القبض . ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه , { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم } . والمراد بحوز التجار : وجود القبض , كما في الحديث قبله . ولضعف الملك قبل القبض , لانفساخ العقد بتلفه . وهذا هو المعنى الذي علل به الشافعية النهي عن البيع قبل القبض . وعلل الحنابلة , عدم الجواز على هذه الرواية التي اختارها ابن عقيل من أئمتهم , بأنه لم يتم الملك عليه , فلم يجز بيعه , كما لو كان غير متعين , وكما لو كان مكيلا أو موزونا . ومذهب الحنفية أنه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه , ولو كان من بائعه , وذلك للحديث المذكور برواياته , فإنه منهي عن بيع المبيع قبل قبضه . ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ العقد الأول , على تقدير هلاك المبيع في يد البائع , وإذا هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد , فيتبين أنه باع ما لا يملك , والغرر حرام غير جائز , لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع(/3)
الحصاة , وعن بيع الغرر } . ولا يفرق الحنفية في ذلك بين الطعام وبين غيره من المنقولات , وذلك : لقول ابن عباس كما تقدم آنفا : ولا أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام . وعضد قول ابن عباس ما روي عن ابن عمر , قال : " ابتعت زيتا في السوق , فلما استوجبته , لقيني رجل , فأعطاني فيه ربحا حسنا , فأردت أن أضرب على يده ( أي أن أقبل إيجابه , وأتفق على العقد ) فأخذ رجل من خلفي بذراعي , فالتفت , فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال : لا تبعه حيث ابتعته , حتى تحوزه إلى رحلك , { فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم } ... وأجاز الشيخان من الحنفية - أبو حنيفة وأبو يوسف - بيع العقار قبل قبضه استحسانا , وذلك استدلالا بعمومات حل البيع من غير تخصيص , ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد . ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في العقار بالهلاك , بخلاف المنقول . ولأن العقار مقدور التسليم , ولا يرد عليه الهلاك إلا نادرا بغلبة الماء والرمل , والنادر لا يعتد به ... وخالف الإمام محمد , فلم يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول الشافعي كما قدمنا , وذلك لإطلاق الحديث , وقياسا على المنقول " انتهى .
والسيارة لا شك أنها من المنقول ، فلا يجوز بيعها قبل قبضها ، في مذهب الحنفية أيضا .(/4)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها ، ووعده أن يشتريها منه ، فاشتراها مَن طُلبت منه ، وقبضها ، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم ، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده ؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها ، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى.
ثانيا :
إذا قامت الشركة بشراء السيارة ونقلها من المعرض ، فلا حرج في أن تبيعها عليك دون الذهاب إلى المرور واستخراج اللوحات لها ؛ لأن هذه الإجراءات توثيق للحق ، وليست شرطا لصحة البيع وانتقال الملك .
ثالثا :
لا يجوز لك في هذه الصورة أن تبيع السيارة على المعرض ، لأنه من التحايل على الربا .
وهذه الحيلة تسمى الحيلة الثلاثية أو المثلثة ، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره . قال : " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا ، ثم يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي ، ثم يبيعه المرابي لصاحبه ، وهي الحيلة المثلثة " انتهى من مجموع الفتاوى (29/28).(/5)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وكذلك انتشرت حيلة سابقة ، يأتي الفقير إلى شخص فيقول : أنا أحتاج ألف ريال ، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي شيء ، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال ، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين ، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه ، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا يسمى قبضا ، لكن كانوا يفعلون هذا . بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس ، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر ، لأن الفقير يريد الدراهم ولا يريد أكياس طعام ، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال ، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين ، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان ، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال ، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف ، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية ، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص ، ومسائل الربا لا تحل بالحيل .
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا ، فالمحرم خبيث ، فإذا احتلت عليه صار أخبث ؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل ، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية ، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى من "الشرح الممتع" (8/211).
والحيلة فيما ذكرت واضحة ، لا سيما والسيارة باقية في محلها ، وعلى صفتها الأولى ، لم توضع لها لوحات ، ولم تسجل باسم أحد .
والحاصل : أنه لابد من شراء الشركة للسيارة شراء حقيقيا ، ونقلها من المعرض قبل بيعها عليك ، وأنه لا يجوز أن تبيع السيارة على نفس المعرض .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
96708
العنوان:
التعامل مع شركات التسويق الهرمي
السؤال:
إن جدول النظام القسرى هو نظام يقوم بموجبه الشخص بالمساهمة بقيمة 10 دولار بإحدى الشركات على أن يتم تقسيم هذا المبلغ كحصص بين الشركة و4 أشخاص آخرين (قد تم إختيارهم فى هذا النظام) فيضاف لحساب كل منهم دولارين. ويدفع الشخص هذا المبلغ مرة واحدة على أمل أن يأتى مساهمون جدد في هذا النظام فيقوموا بالمثل فكلما تمت عملية من هذه المعاملات يحصل كل فرد على دولارين حيث يجب على المساهمين الجدد أن يقوموا بدفع المبلغ مباشرة إلى الأربع مساهمين السابقين لهم وتحصل الشركة على دولارين نظير رسوم خدمات لكل مساهم. فهل يحل الإنضمام لهذا البرنامج؟ وجزاك الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الدخول في هذه المعاملة ، وهي ما تعرف بالنظام الهرمي أو الشبكي ، لقيامها على المقامرة ، وعدم معرفة طريقة استثمار المال فيها . أما المقامرة فلأن الشخص يدفع 10 دولارات على أمل أن يأتي مساهمون جدد فيربح أكثر ، وهذا هو القمار بعينه ، فقد يربح وقد لا يربح .
وقد حرم الله الميسر وقرن تحريمه بالخمر والأنصاب والأزلام، فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90 ، والميسر : كل معاملة دائرة بين الغنم والغرم ، لا يدرى فيها المعامل هل يكون غانما أو يكون غارما .(/1)
وأما الجهل بطريقة الاستثمار ، فلأنه لا يُعرف أين تضع الشركة أموالها ، وكيف تستثمره ، ولا يجوز لأحد أن يستثمر ماله حتى يتأكد من إباحة الطريقة المتبعة في الاستثمار . وكثير من هذه الشركات لا يستثمر المال أصلا ، وإنما يخادع الناس ويأكل مالهم بالباطل ، ولهذا أطلق على هذا النوع من الشركات في بعض البلدان : شركات بيع الهواء ، أو أهرام الوهم ، لأنه لا يستفيد منها إلا فئة قليلة ، ثم لا تلبث أن تنفض الشركة وتنتهي المعاملة .
وقد أفتى جمع من أهل العلم بحرمة التعامل مع الشركات التي تتبع النظام الهرمي ، ولو كانت تبيع سلعة من السلع أو منتجا من المنتجات .
وينظر السؤال رقم (42579)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96735
العنوان:
رفضت خطبته فهل يعيد المحاولة
السؤال:
بعد التوكل على الله والاستعانة به ثم الاستخارة : تقدمت لخطبة إحدى الفتيات ، فتم الرفض لأن الفتاة تدرس ، مع العلم أني تعلقت بها ودائم التفكير فيها . ولقد تعلقت بها أكثر بعد الاستخارة لما وجدته من انشراح الصدر والراحة. ووالدتي تقول : سنحاول أن نتقدم لها مرة أخرى ، وأنا متردد لأني أشعر بأن التقدم لخطبتها مرة أخرى فيه إهانة وإحراج لأهلي ؛ فهل أتقدم لها أم لا ؟ أرجو منكم بعد الله أن تساعدونني بالحل .
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت الفتاة مرضية الدين والخلق ، فلا حرج في إعادة المحاولة ، وإن أمكن ذلك عن طريق بعض الوسطاء فهو أفضل ، منعا لإحراج الأهل ، وإن كنا في واقع الأمر لا ننصحك بذلك في الوقت الحاضر ؛ فإن كانت دراستها تنتهي قريبا ، ويمكنك أنت أن تنتظر هذه المدة ، فيمكن أن يبين الوسيط ذلك ، اللهم إلا أن يكون هناك مانع آخر من القبول ، ولم يصرحوا به .
وعلى أية حال ، ينبغي أن تفوض الأمر إلى الله تعالى ، فإن العبد لا يدري ما هو الخير له ، فدع عنك التفكير والتعلق ، وسل الله تعالى أن يهيئ لك الخير حيث كان ، ووطن نفسك على قبول الاحتمالين ، فإن حصلت الموافقة ، فارج أن يكون ذلك خيرا وعونا لك على الطاعة ، وإن حصل الرفض فلعل الله صرف عنك أو عنها ما لا يصلح ، وادخر لكل منكما ما هو الخير له : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية216)
والمؤمن لديه من الاهتمامات والأهداف والأعمال ما يصرفه عن التعلق بفتاة مهما كانت ، نسأل الله أن يشغلنا وإياك بطاعته .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96739
العنوان:
عقوبة من حمل الخمر وأوصلها لغيره
السؤال:
أنا شاب أعمل في إحدى الدول الأجنبية ، والحمد لله وظيفتي جيدة. بالأمس جاء أحد الأشخاص لزيارة الشركة . وقام بجلب هدايا لي ولمديري ولأحد الأشخاص الذي يعمل معي, والهدايا كانت والعياذ بالله زجاجات خمر. أنا رفضت تماماً أن أقبل هذه الهدية ، ولكن طلب مني أخذ هذه الزجاجات لأعطيها لمديري والموظف الآخر ، مع العلم أن أيا منهما لم يكن موجوداً في الشركة في ذلك الوقت ، والشخص الضيف لا يستطيع الصعود لكي يقوم هو بإيصالها . وقمت - والله كنت خائفا جدا - بنقلهم للأعلى. أرجو من حضرتكم إبلاغي بالحكم الشرعي وهل ينطبق علي الحديث. لعن الله شارب الخمر وحاملها ...إلى نهاية الحديث. (والله إني ندمان أشد الندم)
الجواب:
الحمد لله
الخمر يحرم شربها وبيعها وحملها والإعانة عليها بأي وجه من الوجوه ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90
وروى أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ). وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
ورواه الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ).(/1)
وقد أحسنت في عدم قبول هذه الهدية الخبيثة ، فهكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كما في صحيح مسلم (1579) ( إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا ؟ قَالَ : لَا . فَسَارَّ إِنْسَانًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِمَ سَارَرْتَهُ ؟ فَقَالَ : أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا . فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا ) .
لكنك أخطأت في حملها ، وقبولها لغيرك ، وكان الواجب عليك أن ترفض هذا ، وأن تبين لهذا المهدي حرمة الخمر ، وحرمة الإعانة عليها ، وألا تخشى في الله لومة لائم .
والواجب عليك الآن أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا .
وعليك أن تنصح لمديرك ومن معه ألا يشربوا الخمر ، وأن يحذروا سوء عاقبتها فإنها أم الخبائث .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ . " رواه مسلم (3732).
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96741
العنوان:
هل يجوز لأخوين الاشتراك في أضحية واحدة وهما مستقلان في السكن
السؤال:
هل يجوز أن نضحي بأضحية واحدة أنا وشقيقي وكل له بيت مستقل وكل واحد في مدينة ونجتمع أيام العيد والوالدة تسكن مرة عندي ومرة عند شقيقي مع العلم أن الوالد متوفى ، وإذا اشترت الوالدة الأضحية من حر مالها هل تجزيء عني أنا وشقيقي؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأضحية سنة مؤكدة ، غير واجبة ، في قول جمهور الفقهاء ، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها على القادر ؛ وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب ، لكن بشرط القدرة " انتهى من "الشرح الممتع" (7/422).
ثانيا :
تجزئ الأضحية عن الرجل وأهل بيته ؛ لما روى الترمذي (1505) وابن ماجه (3147) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال : سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال في "تحفة الأحوذي : "هذا الحديث نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ ، وَهُوَ الْحَقُّ ".
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي "زَادِ الْمَعَادِ : " وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ ".(/1)
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نيْلِ الأوطار" : " وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ " انتهى باختصار .
ثالثا :
يدخل في أهل البيت : الزوجة والأولاد ، وكذلك القريب إذا كان يسكن في البيت ، وهو مشمول بنفقة رب البيت ، أو يشتركان في النفقة ويجتمعان في المأكل والمشرب .
أما من كان في بيت مستقل ، أو له نفقة مستقلة ، فلا يجزئ اشتراكه في الأضحية ، ويشرع له أضحية مستقلة .
قال مالك رحمه الله ـ في أهل بيته الذين يشركونه في أضحيته ـ : هم " أهل نفقته قليلا كانوا أو كثيرا . زاد محمد عن مالك : وولده ووالديه الفقيرين . [ وقال ] ابن حبيب : وله أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان غنيا , وأخاه وابن أخيه وقريبه إذا كانوا في نفقته وأهل بيته ، فأباح ذلك بثلاثة أسباب : القرابة ، والمساكنة ، والإنفاق عليه ، [ وقال ] محمد : وله أن يدخل زوجته في أضحيته لأن الزوجية آكد من القرابة "
انتهى من "التاج والإكليل شرح مختصر خليل" (4/364).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " هل تجوز أضحية واحدة لأخوين شقيقين في بيت واحد مع أولادهم أكلهم وشربهم واحد ؟
فأجاب : نعم يجوز ذلك يجوز أن يقتصر أهل البيت الواحد ولو كانوا عائلتين على أضحية واحدة ويتأتى بذلك فضيلة الأضحية " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : " س : أفيدكم بأني متزوج ولله الحمد ولي أولاد ، وأسكن في مدينة غير المدينة التي يسكن فيها أهلي ، وفي الإجازات نأتي إلى المدينة التي بها أهلي . وفي عيد الأضحى هذا أتيت أنا وأولادي قبل العيد بخمسة أيام ولم نضحّ على الرغم من أنني قادر ولله الحمد.(/2)
فهل يجوز لي أن أضحي ؟ وهل تجزئ أضحية الوالد عني وعن زوجتي وأولادي ؟ وما حكم الأضحية على من كان قادرا ؟ وهل تجب على غير القادر ؟ وهل يجوز أخذ الأضحية دينا على الراتب ؟
فأجاب : الأضحية سنة وليست بواجبة ، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين يذبح أحدهما عنه وعن أهل بيته ، والثاني عمن وحد الله من أمته صلى الله عليه وسلم.
وإذا كنت في بيت مستقل أيها السائل فإنه يشرع لك أن تضحي عنك وعن أهل بيتك ، ولا تكفي عنك أضحية والدك عنه وعن أهل بيته ؛ لأنك لست معهم في البيت ، بل أنت في بيت مستقل. ولا حرج أن يستدين المسلم ليضحي إذا كان عنده قدرة على الوفاء. وفق الله الجميع " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (18/37).
رابعا :
بناء على ما سبق ، فأضحيتك لا تجزئ عن أخيك ، ولو اجتمعتما في أيام العيد ، وكذلك العكس .
وأما والدتك ، فتجزئ أضحيتها عن نفسها وعن أهل البيت الذي هي جالسة فيه .
وينظر إجابة السؤالين : (41766) و (45768) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96749
العنوان:
استيراد البضائع عن طريق البنك
السؤال:
مهنة شخصٍ تتطلب استيراد مواد تشغيل معملة من الخارج وبدلاً من أن يقوم هو بالدّفعِ لما يشتري من البائع يدفع عنه المصرف فور تسلّمه البضاعة، وهو لا يقوم للتسديد للمصرف إلاً بعد مدّة من الزّمن يتمّ الاتّفاق عليها، ومقابل تأجيل الدّفع يلتزم بدفع زيادة على ما دفع المصرف للبائعِ، وتكون هذه الزّيادة قابلة للنقاش والتّفاوض فيمكن أنْ تكون خمسة بالمائة، ويمكن أن تكون غير ذلك؟ تأجيلُ الدّفع تكون هناك زيادة على ثمن البضاعة إن دفع الثّمن فوراً؟.
الجواب:
الحمد لله
هذه المعاملة لها صورتان :
الأولى : أن يشتري المصرف البضاعة لنفسه ، ثم يبيعها على العميل بعد تملكها ، وهذا ما تفعله بعض المصارف الإسلامية ، ويسمى بيع المرابحة عن طريق فتح الاعتماد المستندي لصالح العميل ، وهذا جائز ، لأن البنك إذا اشترى السلعة لنفسه وملكها ، جاز أن يبيعها بثمن أعلى ، حالاً أو مقسطا ، فيشتريها بمائة مثلا ، ويبيعها بمائة وعشرة على أقساط .
ولكن يشترط هنا أن يفتح المصرف الاعتماد المستندي باسمه ولصالحه ، حتى يتحقق شراؤه الصحيح للسلعة ، ولا يكون الأمر مجرد حيلة .
الصورة الثانية : أن يكون دور المصرف هو التمويل فقط ، فلا يشتري السلعة لنفسه ، وإنما يشتريها للعميل ، في مقابل أخذ ربح أو فائدة ، وهذا عقد ربوي محرم ، لأن حقيقته أنه قرض بفائدة ، فالمصرف يقرض العميل مائة ، ليستردها مائة وعشرة .
وينظر تفصيل ذلك في : "الخدمات الاستثمارية في المصارف" للدكتور يوسف الشبيلي (2/470).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96758
العنوان:
يأتي من مصر إلى جدة ثم يذهب إلى المدينة ويحرم من ذي الحليفة
السؤال:
قرأت في أحد الأسئلة عما يفعله بعض الحجاج وتجاوزهم للميقات دون إحرام ثم بقاؤهم في جدة لثلاثة أيام وإحرامهم منها! وقد بينتم أن هذا الفعل غير جائز ، لكن حدث معي وأسرتي أننا ذهبنا لنعتمر العام الماضي ، ولكن والديّ أرادا زيارة المدينة أولاً ثم الذهاب إلى مكة ، حتى يمكننا أن نصلي الجمعة في الحرم (يبدو أن لدى أهلي اعتقاداً أن صلاة الجمعة في المسجد الحرام أفضل منها في المسجد النبوي) ، وفعلاً ركبنا الطائرة وتجاوزنا الميقات من دون أن نحرم فبتنا في جدة ليلة واحدة وبعد ذلك توجهنا للمدينة وبتنا فيها ليلتين . وعندما أردنا الرحيل إلى مكة قمت أنا ولبست إحرامي في فندق المدينة ، وكذلك أحرمت النسوة اللواتي كن معنا من الفندق ، بينما أحرم والدي وإخوتي من ميقات أهل المدينة (ذو الحليفة) ، ومن ثم توجهنا إلى مكة وأدينا العمرة . فهل ما فعلناه كان خطئاً مشابهاً لخطأ أولئك الذين يتوجهون إلى مكة بنية الحج ويتجاوزون الميقات من دون إحرام ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج عليكم فيما فعلتم ، لأن سفركم إلى جدة لم تكونوا قاصدين به العمرة ، فلم يلزمكم الإحرام من الميقات عند مروركم عليه ، وإنما قصدتم العمرة من سفركم من المدينة ، فيلزمكم الإحرام من ميقاتها (ذو الحليفة) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي ، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة ، هل هذا صحيح ؟
فأجاب : " لا بأس ، يعني : لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً ، ونزل في جدة ، ثم سافر من جدة إلى المدينة ، ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (121/29) .(/1)
وسئل أيضا عن رجل قدم للحج وميقاته يلملم ، ولكنه لم يحرم من الميقات ، ونزل جدة ، وذهب إلى المدينة للزيارة ، ثم عاد إلى مكة وأحرم من ذي الحليفة ، فهل عليه شيء ؟
فأجاب :
"إن كان قصده المدينة من الأصل ثم يرجع فيحرم من ذي الحليفة فلا شيء عليه" انتهى باختصار .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/345) .
ثانيا :
الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة بالمسجد النبوي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) رواه البخاري (1190) ومسلم (1394) ، وهذا يشمل الجمعة وغيرها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96779
العنوان:
يريد أن يتزوج بثانية زواجاً عرفياً حتى لا تعرف الأولى
السؤال:
أنا متزوج ولي ثلاث أطفال أريد أن أتزوج من امرأة أحبها وتحبني وهي تعرف أني متزوج ولا أريد أن تعرف زوجتي الأولى حتى بعد مماتي فقررت أن أتزوجها عرفياً وأن أكتب لها ميراثها حتى لا ينكشف الأمر بعد مماتي عند توزيع الميراث وضمنت لها كل حقوقها وسيعرف بذلك أخوها وأهلها وأمي ، ويظل هذا الزواج سراً حتى بعد مماتي لأني أحب أولادي وأخاف أن يدعو علي وزوجتي أيضا ولكن المرأة رفضت وتريد الزواج الرسمي فهل هذا الزواج حرام مع العلم أنه لم يتم بعد ؟ ما زال الموضوع في نقاش ومع العلم أيضا أنني كنت متزوجها رسميا منذ سنة ، سرا من ناحية أهلي فقط ، أخي كان يعرف وانفصلنا خوفا من أن تعرف زوجتي. أريد الحل أتزوجها عرفياً أم رسمياً أم لا أتزوجها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الزواج العرفي إن توفرت فيه شروط النكاح وأركانه ، من رضى الزوجين وحضور الولي والشاهدين فهو زواج صحيح شرعا ، لكن ينقصه التوثيق الذي يحفظ حق الزوج والزوجة والأولاد ، وهذا التوثيق أمر مهم في هذا الزمان ، بسبب فساد الذمم ، وضعف التدين ، فلا يبعد أن يُفتى بوجوبه .
وقد سبق بيان شروط النكاح وأركانه في جواب السؤال رقم (2127)
ثانيا :
لا يصح أن تكتب ميراث هذه الزوجة من الآن ؛ لأنه لا يُدرى من يموت أولا ، كما لا يدرى كم ستكون التركة عند موتك ، فقد تزيد عن مالك الموجود الآن ، وقد تنقص . وأيضا فهذا لا يحل المشكلة ، فقد ترزق منها بأولاد ، ولهم حق في الميراث كبقية أولادك . فالواجب ترك مسألة الميراث إلى وقتها الذي يقدره الله تعالى .
وزواج الرجل من زوجة ثانية ليس نقصا ولا عيبا ، ولا يضره تضايق أولاده منه في حال علمهم به ، كما لا يضره دعاؤهم ، ما دام قائما بحقوقهم ، غير ظالم لهم .(/1)
وإصرار هذه المرأة على تسجيل الزواج رسميا ، حق لها ، وهو الصواب كما أشرنا ، لما فيه من حفظ الحقوق للجميع .
ونحن نشير عليك بأن لا تتزوج إلا زواجاً رسمياً موثّقاً . أما زواجك منها أو عدمه ، فهذا القرار يخضع لعوامل كثيرة ، منها حاجتك إلى الزواج ، وصبرك على تركه ، ومدى قدرتك على القيام بالمسئولية ، وطبيعة المشاكل التي قد تحدث في حال علم زوجتك الأولى ، فعليك بالتفكير في العواقب جيداً مع استخارة الله عز وجل .
ونسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لكل خير .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96782
العنوان:
يشك هل رضع من جدتها أم لا فهل يتزوج بها
السؤال:
لدي أخت من الرضاعة, هي رضعت من أمي مؤكدا وأنا لست متأكداً هل رضعتُ من أمها أم لا, وكم عدد الرضعات التي رضعت. المسألة هي أن أختها الكبرى وهي لم ترضع من أمي مؤكدا لديها ابنة وقد تواعدنا بالزواج. فهل تحل لي هذه البنت إن ثبت رضاعي أو إن لم يثبت؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يثبت التحريم بالرضاع إلا بحصول خمس رضعات معلومات ؛ لما رواه مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ) .
ثانيا :
إذا حصل الشك في وجود الرضاع ، أو في عدد الرضعات ، لم يثبت التحريم .
قال ابن قدامة رحمه الله :في "المغني" (8/138) : " وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ , أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ , هَلْ كَمُلا أَوْ لا ؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ ; لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ , فَلا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ " انتهى .
وعليه فما دمتم تشكون في رضاعك من جدة الفتاة التي تريد الزواج منها ، فالتحريم لا يثبت بالشك ، والأصل حل هذه الفتاة لك .
وأما لو ثبت رضاعك ، فإن أمها تصير أختا لك ، وتصير أنت خالا لهذه الفتاة من الرضاعة ، فلا تحل لك .
والأخت التي رضعت من أمك ، إن كان رضاعها خمس رضعات ، فهي أخت لك ولجميع إخوانك ، وبناتها محرمات عليك ؛ لأنك خالهن من الرضاعة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96793
العنوان:
القراءة على الماء للرقية وتسخينه لبرودة الجو
السؤال:
أنا شاب مسلم مصاب بنوع من أنواع السحر ؛ فيما يخص الرقية بالقرآن فهل بإمكاني قراءة الآيات القرآنية بنفسي على الماء , وهل يجب التجرد من كل الملابس عند الاغتسال , وأخيرا هل يجوز تسخين الماء قليلا لبرودة الجو ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصرف عنك ما تجد .
ثانيا :
يجوز أن تقرأ على الماء ، وتشرب منه وتغتسل ، وقد سبق بيان هذا وبيان ما يقرأ لعلاج السحر في الجواب رقم (12918)
وما أشرت إليه من القراءة بنفسك على الماء ، وفي صحيح البخاري (5735) ومسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا .
[ قال معمر ] فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ كَيْفَ يَنْفِثُ قَالَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وقوله : " في المرض الذي مات فيه " ، ليس قيدا في ذلك ؛ وإنما أشارت عائشة إلى أن ذلك وقع في آخر حياته ، وأن ذلك لم ينسخ . اهـ
ثالثا :
لا يجب التجرد من الملابس حال الغسل ، سواء كان غسلا للرقية أو كان غسلا من الجنابة ونحوها ، والمعتبر هو وصول الماء إلى الجسد .
وقد كان عثمان رضي الله عنه يغتسل دون أن ينزع ثوبه ، لشدة حيائه رضي الله عنه . رواه أحمد (543) بإسناد حسن .(/1)
وقد ترجم الإمام البخاري في كتاب الغسل من صحيحه : بَاب : مَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ . وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ودل قوله أفضل على الجواز [ يعني : جواز أن يغتسل عريانا ] ، وعليه أكثر العلماء " انتهى .
ولا حرج في تسخين الماء ، والقراءة عليه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96807
العنوان:
هل يسجد لله شكرا على نعمة السمع والبصر
السؤال:
هل يجوز أن يسجد ويشكر الله عز وجل على نعمه كنعمة السمع ؟ أرجو الإيضاح مع الأدلة.
الجواب:
الحمد لله
سجود الشكر إنما يكون للنعم المتجددة ، كحصول ولد ، أو قدوم غائب أو نصر على عدو ، لا للنعم المستمرة كنعمة السمع والبصر ، لعدم ورود ذلك في الشرع ، ولو كان مشروعا لاقتضى أن يظل الإنسان طول عمره ساجداً للشكر .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/564) : " قال الشافعي والأصحاب : سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة , سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين . قال أصحابنا : وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنه أو بغيرها أو بمعصية يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى , ولا يشرع السجود لاستمرار النعم ; لأنها لا تنقطع " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/363) : " ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم , واندفاع النقم . وبه قال الشافعي , وإسحاق , وأبو ثور , وابن المنذر .
لما رواه ابن المنذر , بإسناده عن أبي بكرة , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يُسَر به خر ساجدا , ورواه أبو داود , ولفظه قال : كان إذا أتاه أمر يسر به , أو بشّر به خر ساجدا ; شكرا لله } . وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . وسجد أبو بكر الصديق حين فتح اليمامة ، وسجد عليٌّ حين وجد ذا الثديَّة في قتلى الخوارج . وروي عن جماعة من الصحابة " انتهى
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/296) : " فإن النعم نوعان : مستمرة , ومتجددة , فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات , والمتجددة شرع لها سجود الشكر ; شكرا لله عليها , وخضوعا له وذلا , في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها , وذلك من أكبر أدوائها ; فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين ; فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين " انتهى .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/105) : " قوله: «عند تجدد النعم» . أي: عند النِّعمة الجديدة، احترازاً مِن النِّعمة المستمرَّة، فالنِّعمة المستمرَّة لو قلنا للإنسان: إنه يستحبُّ أنْ يسجدَ لها لكان الإنسانُ دائماً في سُجود، لأن الله يقول: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) إبراهيم/34 }، والنعمة المستمرَّة دائماً مع الإنسان فسلامةُ السمعِ، وسلامةُ البصرِ، وسلامةُ النُّطقِ، وسلامةُ الجسم، كلُّ هذا مِن النِّعَمِ.
والتنفُّس مِن النِّعَم وغير ذلك، ولم تَرِدِ السُّنَّة بالسُّجود لمثل ذلك، لكن لو فُرِضَ أنَّ أحداً أُصيب بضيق التنفُّس؛ ثم فَرَّجَ الله عنه؛ فَسَجَد شكراً لله؛ كان مصيباً؛ لأنَّ انطلاق نَفَسِهِ بعد ضيقه تجدّد نعمة.
مثال ذلك : إنسان نجح في الاختبار وهو مُشفِقٌ أنْ لا ينجح، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لها.
مثال آخر : إنسانٌ سَمِعَ انتصاراً للمسلمين في أيِّ مكانٍ، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لله شكراً.
مثال آخر : إنسانٌ بُشِّر بولد، هذا تجدُّد نِعمة يُسجدُ لها، وعلى هذا فَقِسْ.
قوله: «واندفاع النقم» أي: التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها.
مثال ذلك : رجل حَصَلَ له حادث في السيارة وهو يسير، وانقلبت وخرجَ سالماً، فهنا يسجدُ؛ لأنَّ هذه النقمة وُجِدَ سببُها وهو الانقلاب لكنه سَلِمَ.
مثال آخر : إنسان اشتعل في بيته حريق، فَيَسَّرَ اللهُ القضاء عليه فانطفأ؛ فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ يَسجدُ لله تعالى شكراً.
مثال آخر : إنسانٌ سَقَطَ في بئر فَخَرَجَ سالماً، فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ؛ يسجدُ لله شُكراً عليها.
فالمُراد بذلك اندفاع النِّقم التي وُجِدَ سَبَبُهَا فَسَلِمَ منها، أمَّا المستمر فلا يمكن إحصاؤه، ولو أننا قلنا للإنسان يُستحبُّ أن تسجدَ لذلك لكان دائماً في سُجود " انتهى .
والحاصل وأن سجود الشكر يكون لحصول النعم المتجددة لا المستمرة .(/2)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96811
العنوان:
هل يضع في شركته هدايا تعبيرا عن عيد الميلاد
السؤال:
أعمل في دولة غير مسلمة ولى شركة يعمل بها أناس غير مسلمين فهل يحق لي أن أشترى بعض الهدايا لأضعها في الشركة تعبيرا عن عيد الميلاد ومشاركة منى لهم أم أن هذا حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز المشاركة في أعياد الميلاد ، بتقديم الهدايا ، أو تعطيل الأعمال ، أو وضع الزينات ونحو ذلك ، كما لا يجوز التهنئة بهذه الأعياد ، لأنها أعياد مبتدعة محرمة ، ومرتبطة بعقائد فاسدة ، مع ما في الاحتفال بها من المشابهة للنصارى ، وذلك محرم تحريما شديدا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (5/109).
وراجع السؤال رقم (947) ورقم (12866)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96816
العنوان:
ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها
السؤال:
أنا وأخي كلانا له بيت ونريد في العيد إن شاء الله أن نذبح كبشا ونتصدق بالآخر دون أن نذبحه ؟ فهل يجب أن نذبح الكبشين أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
المشروع في حقكما أن تضحيا بأضحيتين ، ولا يكفي الاشتراك في أضحية واحدة ، لما ذكرت من استقلالك عن أخيك ، وقد ذكرنا شروط الاشتراك في الأضحية في الجواب رقم (96741)
وذكرنا فيه اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية ، وأنها سنة مؤكدة عند الجمهور ، وواجبة في قول بعض الفقهاء .
وقد ذكر أهل العلم أن ذبح الأضحية أولى وأفضل من التصدق بثمنها ، وعليه فيمكنك أن تضحي وتتصدق باللحم ، أو توكل من يذبحها عنك في بعض البلدان أو المناطق التي تكثر فيها الحاجة .
قال في "مطالب أولي النهى" (2/473) : " ( وذبحها ) أي الأضحية ( و ) ذبح ( عقيقة : أفضل من صدقةٍ بثمنها ) نصا [أي نصّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله ] وكذا هَدْي ... وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى الهدايا والخلفاء بعده ; ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عنه " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96820
العنوان:
مصاب بفيرس سي (C) فهل يلزمه إخبار من يخطبها
السؤال:
أنا شاب عمره 29 عاما مهندس مدني ، منذ 4 أعوام اكتشفت بوجود مرض فيروس (سي) ، وتقدمت لخطبة العديد من الفتيات وفى أول لقاء بيني وبين أهلهم اخبرهم بالمرض ، فيرفضوا بمجرد أن يعلموا المرض مع أن المرض لا ينتقل إلا بنقل الدم وليس بالعدوى ، وأيضا حالتي لا يظهر عليها أي مضاعفات وهو كامن ، فماذا افعل هل أخبرهم أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ، وأن يرزقك الزوجة الصالحة والذرية الطيبة .
ثانيا :
ما دام أن هذا المرض مما ينفر منه الناس ، ويتحاشون تزويج من أصيب به ، فإنه يعتبر عيبا لابد من بيانه للمخطوبة ، ولا يجوز كتمانه ، وإلا كان غشا محرما .
قال ابن القيم رحمه الله : " والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " "زاد المعاد" (5/166) .
وقال: ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب ..
وقال: وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري ، فكيف بالعيوب في النكاح ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في معاوية أو أبي الجهم:" أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب، فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه، وجعلُ ذا العيب غلا لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه " انتهى من زاد المعاد 5/168(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولاشك أن مقاصد النكاح منها المتعة ، والخدمة، والإنجاب، وهذا من أهم المقاصد، فإذا وجد ما يمنع هذه المقاصد فهو عيب، وعلى هذا فلو وجدته الزوجة عقيما أو وجدها هي عقيما فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (5/274) ط. مركز فجر.
واعلم أنك بصدقك وبيانك ، يرجى لك التوفيق والرزق الحسن ، فقد تجد من ترضى بذلك ، أو من هي مصابة بنفس المرض ، والأمر كله يجري بقدر الله .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96821
العنوان:
أفطر بعذرٍ في صوم نذر متتابع فهل ينقطع تتابعه ؟
السؤال:
نذرت نذراً العام الماضي أثناء الاختبارات بأن أقوم بصيام 10 أيام متتالية فى الصيف إذا جاءت الدروس التى ذاكرتها فى الاختبارات ، وهو ما حدث ، ولذلك فقد شرعت فى صيام العشرة أيام ، ولكن في منتصف قيامي بالصيام قررت أسرتى أن تذهب لأداء العمرة ، حتى إنني قمت بالصيام أثناء سفري من مدينتي إلى مكة ، ولكن أثناء عودتي شعرت بالتعب الشديد ، وكان عليَّ الإفطار لشرب الماء ، ثم أكملت الأيام المتبقية بعد ذلك اليوم ، فهل تعتقدون أن نذري قد قُبِل أم أن عليَّ إعادة صيام العشرة أيام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يسارع إلى النذر كلما أراد حصول شيء ، فإن النذر لا يقدِّم شيئاً ولا يؤخره ، وليس هو من أسباب حصول المطلوب ، وقد يُلزم المسلم نفسه بفعل عبادة ثم لا يفي بما عاهد الله عليه فيعرض نفسه للإثم الشديد ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43396)
ثانياً:
اختلف العلماء فيمن نذر صيام أيام متتابعة ثم قطع التتابع بسبب مرض أو سفر ، هل يلزمه إعادة الصيام ، أم يكفيه أن يكمل على ما سبق من أيام ولا يكون الإفطار لعذر قاطعاً للتتابع ؟
والذي يظهر أن كل ما أبيح الفطر من أجله في رمضان فإنه لا يقطع التتابع ، وهو قول الحنابلة خلافاً للجمهور ، فمن أفطر في صوم التتابع لعذرٍ : لم ينقطع تتابعه ، ومن أفطر لغير عذرٍ : انقطع تتابعه ، ولزمه الاستئناف من جديد ، ولا كفارة عليه .
وعلى هذا ، فإفطارك بسبب السفر لا حرج فيه ، ولا يقطع تتابع الأيام العشرة ، وما دمت أكملت الصيام بعد هذا اليوم ، فقد وفيت بالنذر ، وليس عليك شيء آخر .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (21/320) :(/1)
" الأصل في صفة أداء كفارة القتل خطأ أن يكون الصيام متتابعاً ، والذي لا يقطع التتابع يكون اضطراريّاً كالمرض الذي لا يستطيع الصيام معه ، وكالحيض بالنسبة للمرأة ، وهذا لا يقطع التتابع ، بل يبني على ما مضى ، وقد يكون اختياراً كالمسألة التي سأل عنها السائل ، وهي مسألة السفر لحاجة ، فلا يقطع أيضاً ؛ لأنه عذر شرعي إذا كان السفر ليس من أجل الفطر ، بل لمسوغٍ شرعيٍّ ، كما ذكر في السؤال " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" ولا يقطع التتابع إذا أفطرت المرأة للحيض ؛ لأن هذا فطر لابد منه ، ولا يقطع التتابع - أيضاً - إذا أفطر للسفر ، ولا يقطع التتابع إذا مرض فشق عليه الصوم ، وهنا نقول القاعدة : أن ما يجب عليه التتابع من الصيام إذا قطعه لعذر شرعي : فإنه لا ينقطع التتابع ، فإذا زال العذر أكمل الصيام ، ولا يلزمه أن يستأنف من جديد " انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 93 / السؤال رقم 16 ) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
إذا نذرت صيام شهرين متتابعين ، وبعد مضي خمسة وأربعين يوماً من الصيام أفطرت لعذر شرعي ، وبعد أن أردت أن أتم بقية الشهرين بعد انقضاء العذر وقعت في خلاف بين الناس : فمنهم من قال : يجب عليك إعادة الصيام ، ومنهم من قال : أتمم صومك ، والآن وقد مضى وقت طويل بين الخمسة والأربعين يوماً وبقية الشهرين ماذا عليَّ أن أفعل ؟ .
فأجاب :
" إذا كان الإفطار بعذر شرعي كالحيض والنفاس وغيرهما : فإنه لا يقطع التتابع .
لكن ؛ بما أنه قد مضى وقت طويل بعد انقطاع العذر - حسبما ذكرت - ، ولم تصم خلاله : فإن التتابع قد انقطع ، وعليك باستئناف صيام الشهرين المتتابعين من جديد ؛ لأن التتابع مشروط في النذر كما ذكرت ؛ فلا بد منه " انتهى .(/2)
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 3 / 152 ، 153 ، السؤال رقم 233 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
96832
العنوان:
هل تباح الصور الضوئية قياسا على الصورة في المرآة
السؤال:
هل تعتبر رؤية الإنسان وجهه في المرآة من أنواع التصوير المنهي عليه ؟ بارك الله فيكم ؟
الجواب:
الحمد لله
رؤية الإنسان وجهه في المرآة ، لا تعتبر من التصوير المنهي عنه ، وقد بين أهل العلم الفرق بين الأمرين ، ردا على من احتج بذلك على إباحة التصوير الضوئي .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ـ ردا على من سوى بينهما ـ : " لقد أخطأت في التسوية والقياس من وجهين :
أحدهما : أن الصورة الشمسية لا تشبه الصورة في المرآة ، لأن الصورة الشمسية لا تزول عن محلها والفتنة بها قائمة .
وأما الصورة في المرآة فهي غير ثابتة ، تزول بزوال المقابل لها ، وهذا فرق واضح لا يمتري فيه عاقل .
والثاني : أن النص عن المعصوم صلى الله عليه وسلم جاء بتحريم الصور مطلقا ، ونص على تحريم ما هو من جنس الصورة الشمسية كالصورة في الثياب والحيطان .
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أنه لما رأى عند عائشة سترا فيه تماثيل غضب وهتكه وقال ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ).
وقال في حديث آخر : ( إن أصحاب هذه الصور - يشير إلى الصور التي في الثياب - يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ).
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه محا الصور التي في جدران الكعبة يوم الفتح ، وهي في حكم الصور الشمسية ، فلو سلمنا مشابهة الصورة الشمسية للصورة في المرآة لم يجز القياس ، لما قد تقرر في الشرع المطهر أنه لا قياس مع النص ، وإنما محل القياس إذا فقد النص كما هو معلوم عند أهل الأصول وعند جميع أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (27/442).(/1)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/673) : " وليس التصوير الشمسي كارتسام صورة من وقف أمام المرآة فيها ، فإنها خيال يزول بانصراف الشخص عن المرآة ، والصور الشمسية ثابتة بعد انصراف الشخص عن آلة التصوير يفتتن بها في العقيدة وبجمالها في الأخلاق ، وينتفع بها فيما تقضي به الضرورة أحيانا من وضعها في جواز السفر أو دفتر التابعية أو بطاقة الإقامة أو رخصة قيادة السيارات مثلا.
وليس التصوير الشمسي مجرد انطباع ، بل عملٌ بآلة ينشأ عنه الانطباع ، فهو مضاهاة لخلق الله بهذه الصناعة الآلية. ثم النهي عن التصوير عام ؛ لما فيه من مضاهاة خلق الله والخطر على العقيدة والأخلاق ، دون نظر إلى الآلة والطريقة التي يكون بها التصوير " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96834
العنوان:
يغتسل بنية رفع الحدثين ويعاني من خروج قطرة من البول بعد ذلك
السؤال:
أريد أن أسال عن الغسل من الجنابة , إذا كنت أعاني من خروج قطرات بعد التبول أحيانا تخرج نقطة وأحيانا مع عصر الذكر تتوقف لكن أزال أحس بخروج شيء ولا تتوقف إلا بعد ثلث ساعة , وأردت أن أغتسل من الجنابة وأنوي رفع الحدث الأصغر مع الأكبر , هل يجوز ذلك أم يجب علي الوضوء بعد الغسل بسبب مشكلة خروج البول ؟ علما بأنني كنت أفعل هذا من قبل أي بعد دخول وقت الصلاة أغتسل وأنوي رفع الحدثين هل فعلي صحيح ؟ وهل إذا نويت أن أغتسل من الجنابة وأثناء اغتسالي دخل وقت صلاة الظهر مثلا , هل يجوز أن أغتسل بنية رفع الحدث الأصغر أم يجب أن أتوضأ ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب:
الحمد لله
من اغتسل للجنابة ، ونوى بغسله رفع الحدثين ، الأصغر والأكبر ، أجزأه ذلك ، سواء كان غسله بعد دخول وقت الصلاة أو قبله . وانظر السؤال رقم (88066) .
فإذا اغتسلت بنية رفع الحدثين في وقت الضحى مثلا ، جاز لك أن تصلي الظهر بهذه الطهارة ، إلا أن تنتقض بناقض ، كخروج البول .
وأما خروج قطرة من البول بعد الطهارة ، فإن تيقنت من ذلك ، لزمك أمران :
غسل ما أصاب ثوبك أو بدنك ، وإعادة الوضوء فقط ، لا الغسل .
وينبغي أن لا تهتم بهذا الإحساس ، وأن تعرض عنه ، حذرا من الوقوع في الوسوسة ، وليس عليك أن تعصر ذكرك حتى يخرج ما فيه أو تفتش فيه بعد الانتهاء من قضاء الحاجة ، فإن ذلك يفتح عليك باب الوساوس فعليك أن لا تلتفت لذلك
قال في منح الجليل : " وما يشك في خروجه بعد الاستبراء يلهو عنه ولا يفتش عليه " اهـ.
وقد جاء في الموسوعة الفقهية : (4/125)(/1)
" ذكر الحنفية والشافعية والحنابلة أنه إذا فرغ من الاستنجاء بالماء استحب له أن ينضح فرجه أو سراويله بشيء من الماء ، قطعاً للوسواس حتى إذا شك حمل البلل على ذلك النضح ما لم يتيقن خلافه .. ومن ظن خروج شيء بعد الاستنجاء فقد قال أحمد بن حنبل : لا تلتفت حتى تتيقن ، وألْهَ عنه فإنه من الشيطان ، فإنه يذهب إن شاء الله " انتهى .
وروى عبد الرزاق في المصنف أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال : إذا توضأت فانضح ( أي: رش فرجك بالماء ) والْهَ عنه فإنه من الشيطان .
ومثل ذلك قال سليمان بن يسار ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب .
وانظر : "المدونة" (1/120) ، "إعلام الموقعين" (4/63)
(1/103)
وانظر السؤال رقم 93877
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96836
العنوان:
بم يدرك الوقت ؟
السؤال:
استيقظت من النوم وصليت الظهر وأنا في الركعة الثانية أذن المؤذن لصلاة العصر فما حكم صلاتي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اتفق الفقهاء على أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها ، فقد أدرك الصلاة ، واختلفوا فيما إذا أدرك أقل من ركعة ، هل يكون مدركا للوقت أو لا ؟
فذهب جماعة منهم إلى أنه يدرك الوقت بتكبيرة الإحرام ، فمن كبر للإحرام قبل خروج الوقت فقد أدرك الصلاة ، وتكون أداء لا قضاء ، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة .
وذهب آخرون إلى أنه لا يكون مدركا للوقت إلا إذا أتى بركعة كاملة ، وهذا مذهب المالكية والشافعية ، وهو الراجح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ) رواه البخاري (580) ومسلم (607).
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ ) رواه البخاري (579) ومسلم (608) .
واحتج الأولون بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته , وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ) متفق عليه وللنسائي : ( فقد أدركها ) ; ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها , كإدراك الجماعة , وإدراك المسافر صلاة المقيم , ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه , والمنطوق أولى منه .
وينظر : المنتقى للباجي (1/10)، تحفة المحتاج (1/434)، المغني (1/228)، الإنصاف (1/439) .(/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والقول الثاني : أنها لا تُدرك الصَّلاة إلا بإدراك ركعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدركَ الصَّلاةَ ) ، وهذا القول هو الصَّحيح ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ لأن الحديث ظاهر فيه ، فهو جملة شرطيَّة ( مَنْ أدرك ركعةً فقد أدرك ... ) ، مفهومه : من أدرك دون ركعة فإنه لم يُدركْ ...
ويَنْبَني على هذا أيضاً إدراكات أخرى مثل إدراك الجماعة : هل تُدرك الجماعة بركعة ، أو تُدرك بتكبيرة الإحرام ؟
والصَّحيح : أنها لا تُدرك إلا بركعة ، كما أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة بالاتفاق ، فكذلك الجماعة لا تدرك إلا بركعة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/121).
وحيث إنك صليت الركعة من الأولى من الظهر ، قبل أن يؤذن للعصر ، فقد أدركت الصلاة في وقتها .
ثانيا :
النائم معذور وقت نومه ، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) رواه البخاري ( 572 ) ومسلم ( 684 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا ) رواه مسلم (681) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96871
العنوان:
استحباب الجماعة في قضاء الفوائت
السؤال:
هل تقضى الصلاة الفائتة جماعة أم منفردة ؟ علما أننا خرجنا إلى البر في يوم من الأيام ولم نستيقظ لصلاة الفجر وقمنا بعد شروق الشمس فقضينا الصلاة منفردين لخروج وقتها هل هذا العمل صحيح .
الجواب:
الحمد لله
تشرع الجماعة في قضاء الفوائت ، لما روى البخاري (595) ومسلم (681) والنسائي (846) واللفظ له عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ بِلَالٌ أَنَا أَحْفَظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا فَنَامُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ فَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ قُمْ يَا بِلَالُ فَآذِنْ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ فَتَوَضَّئُوا يَعْنِي حِينَ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/356) : " ويستحب قضاء الفوائت في جماعة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فاتته أربع صلوات فقضاهن في جماعة , وحديث أبي قتادة وغيره , حين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة الفجر هو وأصحابه , فصلى بهم جماعة " انتهى .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ويُستفاد من حديث أبي قتادة أيضاً: أنه تُشرع فيها - أي: في المقضيَّة - الجماعةُ إذا كانوا جَمْعاً ، لأن القضاء يحكي الأداء ، فكما أنهم لو صلَّوها في الوقت صلَّوها جماعة ، فإذا قَضَوها فإنهم يصلُّونها جماعة ، وهذا أيضاً جاءت به السُّنَّة في حديث أبي هريرة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذَّن ثم صلَّى ركعتي الفجر ، ثم صَلَّى بهم الفجرَ جماعة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/140).
وعليه فكان الأولى لكم أن تؤذنوا للصلاة ، وأن تصلوا السنة فرادى ، ثم تقيموا للصلاة وتصلوها جماعة .، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96897
العنوان:
كلفه صاحب العمل بمتابعة عمل رسومات هندسية فوفر من ذلك مبلغا
السؤال:
أعمل في مؤسسة هندسية وقد قام صاحب العمل بتكليف زميل لي بمتابعة إعداد بعض الرسومات الهندسية خارج المملكة وقام زميلي بالاتفاق معه على الأجر الذي سيحصل عليه المهندسون الذين سيعدون الرسومات ولكن أنا لم أحضر مع زميلي وكذلك صاحب العمل لم يطلعني لكن عندما عرفت من زميلي عرضت عليه أن أساعده وأعرفه بمهندسين داخل المملكة وبسعر أقل من الخارج ونظير ما قمت به من اتصالات وترتيب مواعيد ومتابعة عرض علي زميلي مبلغ 1500 ريال نظير ما قمت به ولكن صاحب العمل لا يعرف شيئا عن هذا وعندما قلت لزميلي هل صاحب العمل يعرف أنك أنهيت الموضوع بسعر أقل مما قلت له سابقا قال لي هذا شيء لا يخص صاحب العمل المهم أنه طلب منه ( زميلي ) أن ينهي الموضوع نظير مبلغ معين وهو أنهاه بأقل فالباقي له المهم بالنسبة لي (السائل ) هو الـ 1500 ريال أقبلها أم لا؟ مع التأكيد أني غير متيقن مما حدث بينهما وأن صاحب العمل لا يعرف أن لي دخلا بالموضوع وهل شبهة ما تقاضاه زميلي تجعل المبلغ نظير ما قمت به مشبوهاً أيضا؟ وما واجبي ناحية زميلي إذا كان ما تقاضاه حراماً وما واجبي ناحية صاحب العمل؟
الجواب:
الحمد لله
أولاًَ :
الحكم في هذه المسألة يتوقف على معرفة طبيعة الاتفاق الذي تم بين صاحب العمل وبين زميلك ، فإن كان الاتفاق الذي بينهما : أن زميلك سيبحث عمن يعمل هذه الرسومات ، واتفق مع صاحب العمل على أجر ذلك العمل ، ثم يقوم هو بتكليف من يقوم بهذا العمل بالأجر الذي يتفقان عليه ، وإذا بقي معه جزء من المال فهو له ، وإذا زاد الأجر دفع هو الزائد ، فهذا جائز ، والمال الذي يدفعه لك زميلك لا حرج عليك في أخذه ، ويكون زميلك هنا "كالمقاول" يستلم العمل ، ثم يأتي هو بمن يقوم به .(/1)
ولكنك ذكرت أن الاتفاق تم بناء على أنه سيعمل مع مهندسين في الخارج ، وأنك دللت زميلك على مهندسين بالداخل ، وهذا لا حرج فيه ، بشرط أن يكون صاحب العمل لا يعنيه من يقوم بالعمل ، وإنما يعنيه إنجاز العمل بالمواصفات المطلوبة فقط .
أما إذا كان صاحب العمل له غرض أن يكون العمل مع مكتب أو مهندس معين ، أو يشترط أن يكون العمل خارج المملكة حتى لا تتسرب أسرار العمل فيتضرر بذلك . .. ونحو ذلك ، فيجب الوفاء له بالاتفاق ، ولا تجوز مخالفته .
وإذا كان الاتفاق الذي بينهما أن زميلك مجرد وسيط بين صاحب العمل وبين المهندسين ، ولن يربح من هذا العمل ، فهو وكيل لصاحب العمل ، والوكيل ليس له أن يربح ممن وكله إلا بعلمه ، وحينئذ يجب على زميلك أن يخبر صاحب العمل بحقيقة الأمر ، وأن من سيقوم بالعمل مهندسون من داخل المملكة لا من خارجها ، وأن يرد إليه الفاضل من المال .
ثانيا :
إذا كان عمل زميلك محرما ، على النحو الذي سبق بيانه ، لم يجز لك إعانته عليه ، بدلالته على مهندسين أو غير ذلك من صور الإعانة ، بل ينبغي نصحه بأداء الأمانة والحذر من أكل ما لا يحل له .
وأما ما قمت به من الاتصالات والمتابعة وترتيب المواعيد ، فإن كنت قمت بذلك بنية الرجوع على صاحبك وطلب المقابل المعتاد في مثل هذه الأعمال ، فلك ذلك ، وإن قمت به تبرعا ، فليس لك المطالبة بشيء ، وإن أعطاك في هذه الحالة شيئا جادت به نفسه ، فلا نرى أن تأخذه ، إلا إن استقام أمره مع صاحب العمل وسمح له بما وفّره .
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
96912
العنوان:
مرور المرأة بين يدي المصلي في المسجد الحرام
السؤال:
هل مرور المرأة في صلاة الرجل مبطلة للصلاة في المسجد الحرام؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلي ، إلا أن يكون من وراء سترته ، أو يمر بعيدا عنه؛ من وراء موضع سجوده – في حال عدم اتخاذه سترة- لما روى البخاري (510) ومسلم (507) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ : لَا أَدْرِي ، أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً ؟
ويلزم المصلي أن يمنع من يمر بين يديه ؛ لما روى البخاري (509) ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ).
ثانياً :
مرور المرأة بين يدي المصلي بينه وبين سترته ، يقطع الصلاة ، إذا كان المصلي إماما أو منفردا . وأما المأموم فلا ؛ لأن سترة الإمام سترة له ، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3404) .
ثالثاً :
استثنى جماعة من أهل العلم المسجد الحرام ، فرخصوا للناس المرور فيه بين يدي المصلي ، وذهبوا إلى أن مرور المرأة وغيرها بين يدي المصلي لا يقطع صلاته .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة , وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد . قال الأثرم : قيل لأحمد : الرجل يصلي بمكة , ولا يستتر بشيء ؟ فقال : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة . قال أحمد : لأن مكة ليست كغيرها , كأنّ مكة مخصوصة .
وقال ابن أبي عمار : رأيت ابن الزبير جاء يصلي , والطُّوَّاف بينه وبين القبلة , تمر المرأة بين يديه , فينتظرها حتى تمر , ثم يضع جبهته في موضع قدمها . رواه حنبل في كتاب "المناسك" .
وقال المعتمر : قلت لطاووس : الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة ؟ فإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان , وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم , ويزدحمون فيها , فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس" انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : لقد وجدت حديثا مثبتا وهذا نصه : إذا كان أحدكم في صلاة، فمر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة إذا كان نص الحديث صحيحا فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟
فأجاب : "الحديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود ) رواه الإمام مسلم في صحيحه ، فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة ، كل واحد يقطع صلاته. هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم وفي ذلك خلاف بين أهل العلم ، منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب ، أو قطع الكمال .
ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك .(/2)
لكن ما يقع في المسجد الحرام معفو عنه عند أهل العلم ؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولاسيما في أيام الحج فهذا مما يعفى عنه في المسجد الحرام ويستثنى من عموم الأحاديث ، فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة : النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ باز" (17/152).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز المرور بين يدي المصلي في المسجد؟
فأجابوا : يحرم المرور بين يدي المصلي ، سواء اتخذ سترة أم لا ، لعموم حديث : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ) واستثنى جماعة من الفقهاء من ذلك الصلاة بالمسجد الحرام ، فرخصوا للناس في المرور بين يدي المصلي ؛ لما روى كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيال الحجر والناس يمرون بين يديه ، وفي رواية عن المطلب أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد . وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد غير أنه يعتضد بما ورد في ذلك من الآثار ، وبعموم أدلة رفع الحرج لأن في منع المرور بين يدي المصلي بالمسجد الحرام حرجا ومشقة غالبا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/82) .
لكن لا ينبغي التساهل في أمر السترة ، ولو مع الزحام ، ما دام الأمر ممكنا . كما لا ينبغي التساهل في المرور بين يدي المصلي إلا عند الاضطرار لذلك .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة ؟(/3)
فأجاب : "أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة ، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم ، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك ، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم ، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته ؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها .
السائل : لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟
الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر" انتهى من "لقاء الباب المفتوح (86/11).
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
96919
العنوان:
احتلم ولم يستطع الغسل فتوضأ وصلى
السؤال:
أنا شاب مقعد وأجلس على كرسي متحرك والحمد لله . قد احتلمت في ليلة قبل صلاة الفجر ولضعف جسمي وقوتي لا أستطيع أن أغتسل ولا أستطيع أن أغير ملابسي إلا عند طلوع النهار ولا أريد أن أضيع صلاة الفجر فتوضأت وضوئي للصلاة وصليت هل هذا جائز أم لا ؟ وماذا أفعل إن لم يكن جائزاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى لك المعافاة في الدنيا والآخرة .
من أصابته جنابة من احتلام أو جماع ، لزمه الغسل ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ...) المائدة/6 ، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء ، أو لعدم قدرته على استعماله ، تيمم وصلى ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6.
وكذلك من احتلم وخشي حصول مرض من استعمال الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به ، أو كان الماء بعيدا عنه لا يمكنه الوصول إليه ولم يجد من يناوله إياه ، فإنه يتيمم ويصلي .
قال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ ، فهو كالعادم ، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء ....وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد " انتهى .(/1)
والمريض الذي لا يمكنه غسل جميع بدنه ، لكن يمكنه غسل بعضه ، يجب عليه أن يغسل ما استطاع من بدنه ثم يتيمم عن الباقي ، لقول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16، وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل .
وراجع السؤال رقم: (71202) لمزيد الفائدة .
وعلى هذا فينبغي لك أن تعيد تلك الصلاة .
ثانيا :
المني طاهر في أصح قولي العلماء ، ولهذا لا يلزمك غسل ملابسك ولا تبديلها ، وراجع السؤال رقم (2458 )
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
96925
العنوان:
يكفي في الغسل تعميم الجسد بالماء
السؤال:
أنا أرسلت لكم من قبل لكنني إلى الآن في حيرة ولم أجد منكم الإجابة الشافية , أعلم علم اليقين أن أسئلتي قد تبدو لكم أنها لا تستحق الإجابة , لكن أنا أعاني من وساوس وغيري الكثير ممن ابتلاهم الله بالوسواس القهري , فنرجو عدم إحالة أسئلتي إلى استشارات مشابهة لها , لأنني لا أقتنع إلا عندما أسمع رأي فضيلتكم في مشكلتي , مثلا الغسل من الجنابة أريد أن أعلم هل يكفي أن أقف تحت الدش وأمرر الماء على جسمي أم يجب إيصال الماء إلى مابين الفخذين أم فقط على ظاهر الجسم , وبالنسبة للوضوء أنا اكتفيت بغسل الأعضاء مرة واحدة لكي لا أقضي وقتاً كبيراً
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا .
والواجب في الغسل من الجنابة تعميم الجسد بالماء بما في ذلك ما بين الفخذين ، فإذا وقفت تحت (الدش ) ووصل ومر الماء إلى جميع جسدك ، مع المضمضة والاستنشاق ، فقد تم غسلك .
ثانياً :
يجوز الاقتصار على الوضوء على غسل الأعضاء مرة مرة ، والأكمل فعل ذلك ثلاث مرات ، كما هو معلوم .
فإذا اقتصرت على غسل الأعضاء مرة واحدة حتى تتغلب على ذلك الوسواس فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى ، وعليك بالاستعانة بالله عز وجل والدعاء وسؤال العافية .
نسأل الله تعالى أن يحفظك ويعافيك . والله أعلم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96930
العنوان:
أسلمت وتزوجت وأمها لا تزال تأخذ المعاش
السؤال:
أنا كنت مسيحية وتزوجت من مسلم عند محامي إلى أن أستخرج أوراق الإشهار وقسيمة الزواج والبطاقة خلال ذلك وإلى الآن أمي تأخذ المعاش ما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نهنئك على هذه النعمة العظيمة ، نعمة الإسلام والهداية ، ونسأل الله تعالى لك الثبات والعون والتوفيق ، وأن يهدي على يديك جميع أسرتك ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
ثانيا :
المعاش يُرجع فيه إلى النظام المعمول به في الدولة ، فإن كان النظام يقضي بإيقافه أو إيقاف جزء منه عند زواج البنات ، أو بلوغ الأولاد سناًَ معينة أو غير ذلك ، عُمل به .
فإن كان زواجك أو إسلامك يترتب عليه قطع المعاش عن والدتك ، فينبغي أن تبيني لها ذلك وأن تنصحيها بإخبار الجهة المختصة بذلك .
ونوصيك بالحرص على قراءة القرآن ، وتعلم أحكام الإسلام ، وأداء الصلاة في أوقاتها ، والإحسان إلى أهلك وأقاربك وجيرانك .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد ، ويسعدنا أن نجيب على أسئلتك واستفساراتك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
96977
العنوان:
أحاديث ذم العزوبة كلها باطلة
السؤال:
أريد شرح وتفسير هذه الأحاديث النبوية ، وهل هي صحيحة ؟ روي عن رسول الله صلى الله و سلم أنه قال : 1- ( تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين ) 2- ( النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) 3- ( أراذل موتاكم العزاب ) بارك الله فيكم , مع خالص الشكر والتحية .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ثبت في السنة النبوية الصحيحة الحث على الزواج والترغيب في النكاح ، وجاءت بذلك شواهد الكتاب والسنة المتكاثرة ، وذلك لما في الزواج من فضيلة ظاهرة ومحاسن كثيرة ، وقد سبق في موقعنا بيان الكثير من ذلك بالشرح والتفصيل :
فانظر مثلا أرقام الإجابات الآتية : (5511) ، (34652)
ومن الأحاديث التي تحث على الزواج ما جاء في الصحيحين : البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ .
قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا .
وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ .
وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا .(/1)
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا !! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )
لكن لا يصلح هذا الحديث أن يكون دليلا على ذم العزوبة وترك الزواج مطلقا ، إلا إذا ترك الزواج رهبانية وتقربا إلى الله بهذا الترك ، وظنا أن العزَب أفضل من المتزوج ، فحينئذ يشمله هذا الحديث ، ويكون ممن تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (9/105-106) :
" المراد بـ "السنة" الطريقة ، لا التي تقابل الفرض ، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره ، والمراد : مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية ، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى ، وقد عابهم بأنهم ما وَفَوْهُ بما التزموه ، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة ، فيفطر ليتقوى على الصوم ، وينام ليتقوى على القيام ، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل .
وقوله : ( فليس مني ) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه ، فمعنى " فليس مني " أي : على طريقتي ، ولا يلزم أن يخرج عن الملة .
وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى ( فليس مني ) : ليس على ملتي ؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر .
وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه " انتهى .
إذن فليس في الحديث دلالة على ذم العزوبة بالإطلاق ، خاصة إذا كانت نتيجةَ ظروف أو عدم رغبة في النكاح أو مرض أو نحو ذلك من الأعذار ، وكيف تأتي الشريعة بذم من لا يستحق الذم ، ومن كان قَدَرُه ألا يجتمع بزوجة يأنس إليها وتأنس إليه !!(/2)
والغريب أن بعض الكذابين أرادوا أن يناقضوا أولئك الذين يذمون العزوبة مطلقا ، فوضعوا من الأحاديث في مدح العزوبة ، وكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ، حتى قال ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/177) : " أحاديث مدح العزوبة كلها باطلة " انتهى .
من هنا تعلم أنه لا يصح حديث في ذم العزوبة ولا في مدحها ، وكل حديث فيه ذم للعَزَب وتنقيصٌ لقدره فهو حديثٌ باطلٌ أو منكر ، فقد جمع العلماء هذه الأحاديث ودرسوها فلم يجدوا فيها شيئا صحيحا ثابتا .
يقول الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" (135) بعد أن ذكر شيئا من أحاديث ذم العزوبة :
" إلى غيرهما من الأحاديث التي لا تخلو من ضعف واضطراب ، ولكنه لا يبلغ الحكم عليه بالوضع " انتهى . وبمثله قال الفتني في "تذكرة الموضوعات" (125)
ثانيا :
أما حديث : ( تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين ) وحديث ( أراذل موتاكم العزاب ) .
فقد جاءا في حديث عُكاف بن وداعة الهلالي من طرق كلها ضعيفة ، قال فيها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/536) بعد أن ذكرها في ترجمته : " والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " انتهى . وقال في "تعجيل المنفعة" (2/20) : " لا يخلو طريق من طرقه من ضعف " انتهى .
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/609) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...قالوا لا يصح من هذا شيء " انتهى .
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" : " والأسانيد فيه كلها ضعيفة " انتهى .
وحكم عليه الشيخ الألباني بالنكارة في "السلسلة الضعيفة" (2511) (6053)
وطرقه مضطربة ، تجتمع عند مكحول الدمشقي الثقة فقيه أهل الشام "تهذيب التهذيب" (10/292) إلا أن الضعف في الطريق الموصلة إليه ، أو في الشيخ الذي أخذ عنه :
1- فقد جاء من طرق عن بُرد بن سنان – وهو ثقة – عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي ، ولفظه :(/3)
( أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا عكاف ! ألك امرأة ؟ قال : لا . قال : فجارية ؟ قال : لا . قال : وأنت صحيح موسر ؟ قال : نعم . قال : فأنت إذا من إخوان الشياطين ، إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم ، وإن كنت منا فإن من سنتنا النكاح ، يا ابن وداعة ! إن شراركم عزابكم ، وأراذل موتاكم عزابكم ، يا بن وداعة ! إن المتزوجين المبرءون من الخنا ، أبا الشيطان تمرسون ، والذي نفسي بيده ما للشيطان سلاح أبلغ - وقال بعضهم أنفذ - في الصالحين من الرجال والنساء من ترك النكاح ، يا ابن وداعة ! إنهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف ، قال : بأبي وأمي يا رسول الله وما كرسف ؟ قال : رجل عبد الله على ساحل البحر خمسمائة عام - وقال بعضهم ثلاثمائة عام - يقوم الليل ويصوم النهار ، فمرت به امرأة فأعجبته فتنها ، وترك عبادة ربه وكفر بالله ، وتدارك الله عز وجل بما سلف فتاب عليه ، قال : بأبي وأمي يا رسول الله زوجني ؟ قال : زوجتك باسم الله والبركة زينب بنت كلثوم الحميرية )
رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) وابن قانع في "معجم الصحابة" (1274)
وعلة هذه الرواية عطية بن بسر ، قال العقيلي : لا يتابع عليه . ثم أسند إلى البخاري قوله : عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة لم يقم حديثه . وقال ابن حبان في "الثقات" (5/261) : " عطية بن بسر ، شيخ من أهل الشام ، حديثه عند أهلها ، روى عنه مكحول في التزويج متنا منكرا ، وإسناده مقلوب " انتهى .
2- وجاء من طريق محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر فذكر نحوه ، ولكن في لفظه : ( تزوج وإلا فأنت من المذبذبين )
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/171/10387) ، وعنه أحمد (5/163) ، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118)
وعلة هذه الطريق جهالة شيخ مكحول ، ولعله هو عطية بن بسر الهلالي المذكور في الرواية السابقة . أما محمد بن راشد فكلام الأئمة على توثيقه . "تهذيب التهذيب" (9/160)(/4)
3- من طريق معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني .
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4/195) وأبو يعلى في "مسنده" (12/260) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص201) وابن حبان في "المجروحين" (3/3) والطبراني في "المعجم الكبير" (18/85 - 86) ، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/381) وابن الأثير في "أسد الغابة" (4/43)
وهو عند أبي نعيم في "معجم الصحابة" (4961) بشكل مختلف ، ولكن العلة واحدة وهي في معاوية بن يحيى الصدفي ، جاء في "تهذيب التهذيب" (10/220)
قال ابن معين : هالك ليس بشىء . وقال أبو زرعة : ليس بقوى ، أحاديثه كأنها مقلوبة .
و قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، فى حديثه إنكار . وقال أبو داود : ضعيف . وقال النسائى : ضعيف . وقال أبو أحمد بن عدى : عامة رواياته فيها نظر .
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/335) : فيه معاوية بن يحيى منكر الحديث جدا ، تغير حفظه فكان يحدث بالوهم فيما سمع " انتهى .
وكذا أعله الدارقطني في "التعليقات على المجروحين" (255) والزيلعي في "تخريج الكشاف" (2/439) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/253)
والحاصل أن طرق هذا الحديث كلها ساقطة واهية ، ولا يقوي بعضها بعضا لما فيها من النكارة والاضطراب ، والمتن منكر كما سبق بيانه .
ثالثا :
أما حديث ( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فلفظه ، كما رواه ابن ماجه (1846) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي ، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ )(/5)
وفي إسناده عيسى بن ميمون ، وهو ضعيف ؛ قال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيء . انظر : ميزان الاعتدال (4/245-246) .
ولأجل ذلك قال البوصيري في تخريج حديث عائشة السابق : " إِسْنَاده ضَعِيف لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ضَعْف عِيسَى بْن مَيْمُون الْمَدِينِيّ ، لَكِنْ لَهُ شَاهِد صَحِيح . " اهـ
وانظر السلسلة الصحيحة (2383) .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
96978
العنوان:
إذا كانت الأمور مقدرة فكيف يحاسب العبد عليها
السؤال:
هل اكتساب المعصية ، أو الإقدام عليها ، أمر مكتوب ومقدر عند الله ؟ إذا كانت الإجابة نعم ؛ فلماذا يقدر الخالق على بشر اكتساب الذنب ، وآخرون يكتسبون الأجر وجميعنا بشر من نفس الجنس ؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير
الجواب:
الحمد لله
يجب على العبد أن يؤمن بأمرين :
الأول : أن الله تعالى خالق كل شيء ، وأنه لا يقع في الكون شيء إلا بإرادته ومشيئته ، وأنه علم ما سيكون ، وكتب ذلك كله في كتاب ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأنه سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحدا مثقال ذرة ، لأنه غني عن خلقه ، لا يحتاج إليهم ، وهو المتفضل عليهم في جميع الأحوال ، فكيف يظلمهم !
وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ، فمن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49، وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد/22 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه مسلم (2653).
والأمر الثاني : أن العبد له مشيئة واختيار ، بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه ، وما سيختاره ، وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب ، فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها .(/1)
قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف/29 ، وقال : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3، وقال : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7، 8 ، وقال : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43 ، وقال : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 . فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات ، باختياره ومشيئته ، فيدخل الجنة ، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته ، فيدخل النار .
وكل إنسان يعلم من نفسه ومن النظر إلى من حوله ، أن أعمالنا - من خير وشر ، وطاعة ومعصية – نفعلها باختيارنا ، ولا نشعر بسلطة تجبرنا على فعلها ، فأنت تستطيع أن تسب وتشتم وتكذب وتغتاب ، كما تستطيع أن تحمد وتسبح وتستغفر وتصدق وتنصح ، وتستطيع أن تمشي إلى أماكن اللهو والباطل والمنكر ، كما تستطيع أن تمشي إلى المساجد وأماكن الخير والطاعة ، وهكذا يستطيع الإنسان أن يضرب بيده ، ويسرق ويزوّر ويخون ، ويستطيع أن يساعد المحتاج ، ويبذل الخير ، ويقدم المعروف بيده . وكل إنسان يؤدي شيئا من هذه الأعمال ، لا يشعر بالجبر ولا بالقهر ، بل يفعلها باختياره وإرادته ، ومن ثم فإنه سيحاسب عليها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .(/2)
وما كتبه الله تعالى وقدره ، أمر لا يعلم به العبد ، ولا يصح له أن يعتمد عليه ، أو يحتج به ، كما لا يصح أن يعترض على ربه ، لم جعلت هذا في الأشقياء ، وذاك في السعداء ، فإن الله لم يظلم هذا الشقي ، بل أعطاه المهلة والقدرة والاختيار ، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب ، وذكّره وأنذره بأنواع من المذكّرات ، كالمصائب والابتلاءات ، ليتوب إليه ، ويقبل عليه ، فإذا اختار طريق الغواية ، وسلك سبيل المجرمين ، فلن يضر إلا نفسه ، وهو من أهلك نفسه ، كما قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس/9، 10
وقال : ( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) آل عمران/117
وقال : ( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة/70
والحاصل أن الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق ، الذي قدر الأشياء وكتبها ، وميز السعداء من الأشقياء ، لا يعني أن الله جبر عباده على الطاعة أو المعصية ، بل أعطاهم القدرة والإرادة والاختيار ، فبها يفعلون ، وعليها يحاسبون ، وما ربك بظلام للعبيد .
وانظر إجابة السؤال رقم (96989) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
96983
العنوان:
هل يدخل المسلمون في الذين أذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا ؟
السؤال:
من هم الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ؟ هل يدخل فيهم من تلذذ بالطعام والشراب ولبس أحسن الثياب ، واشترى أغلى العطور ، وركب أحسن السيارات ؟ .
الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) الأحقاف/ 20 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
" اعلم أن للعلماء كلاما كثيراً في هذه الآية ، قائلين : إنها تدل على أنه ينبغي التقشف ، والإقلال من التمتع بالمآكل ، والمشارب ، والملابس ، ونحو ذلك ، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك خوفاً من أن يدخل في عموم مَن يقال لهم يوم القيامة : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) ، والمفسرون يذكرون هنا آثاراً كثيرة في ذلك ، وأحوال أهل الصفة ، وما لاقوه مِن شدة العيش .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية هو : أنها في الكفار ، وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله لهم ؛ لأنه تعالى ما أباحها لهم ليُذهب بها حسناتهم .
وإنما قلنا : إن هذا هو التحقيق ؛ لأن الكتاب والسنَّة الصحيحة دالان عليه ، والله تعالى يقول : ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) النساء/ 59 .
أما كون الآية في الكفار : فقد صرح الله تعالى به في قوله : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ) .(/1)
والقرآن والسنَّة الصحيحة قد دلا على أن الكافر إن عمل عملاً صالحاً مطابقاً للشرع ، مخلصاً فيه لله ، كالكافر الذي يبر والديه ، ويصل الرحم ، ويقري الضيف ، وينفس عن المكروب ، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله : يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق ، والعافية ، ونحو ذلك ، ولا نصيب له في الآخرة .
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هود/ 15 ، 16 , وقوله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرةِ مِنْ نَصِيبٍ ) الشورى/ 20 .
وقد قيَّد تعالى هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته ، في قوله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ) الإسراء/ 18 .
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً ، يُعطي بها في الدنيا ، ويُجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر : فيُطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزي بها ) هذا لفظ مسلم في صحيحه .
وفي لفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا ، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته ) ا.هـ.(/2)
فهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه التصريح بأن الكافر يُجازى بحسناته في الدنيا فقط ، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً ، وبمقتضى ذلك يتعين تعييناً لا محيص عنه أن الذي أذهب طيباته في الدنيا ، واستمتع بها هو الكافر ؛ لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة .
وأما المؤمن الذي يُجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً : فلم يُذهب طيباته في الدنيا ؛ لأن حسناته مدخرة له في الآخرة ، مع أن الله تعالى يثيبه بها في الدنيا ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/ 2،3 , فجعل المخرج من الضيق له ، ورزقه من حيث لا يحتسب ثواباً في الدنيا ، وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة ،
والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة .
وعلى كل حال : فالله جل وعلا أباح لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الطيبات في الحياة الدنيا ، وأجاز لهم التمتع بها ، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة ، كما قال تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) الأعراف/ 32 .
فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة ، وهو صريح في أنهم لم يُذهبوا طيباتِهم في حياتهم الدنيا .
ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة يكون لهم أجر زائد على ذلك ؛ لأن المؤمنين يؤجرون بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد ، كما هو معلوم .(/3)
والنصوص الدالة على أن الكافر هو الذي يُذهب طيباته في الحياة الدنيا ؛ لأنه يجزي في الدنيا فقط كالآيات المذكورة ، وحديث أنس المذكور عند مسلم : قد قدمناها موضحة في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ) الإسراء/ 19 ، وذكرنا هناك أسانيد الحديث المذكور وألفاظه .
" أضواء البيان " ( 7 / 229 – 231 ) .
غير أن هذه الآية العظيمة ، وإن كانت واردة في شأن الكفار ، كما هو بيِّنٌ من لفظها ، وكما حققه الشيخ رحمه الله ، فلقد كانت عادةً معروفة في السلف : أن يستدلوا بالآيات الواردة في شأن الكفار ، على من عمل مثل أعمالهم من المسلمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بعد ما ذكر قول الله تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179) ، وآيات أخرى في ذلك السياق :
" فطائفة من المفسرين تقول في هذه الآيات وما أشبهها كقوله : { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } وأمثالها مما ذكر الله في عيوب الإنسان وذمها ، فيقول هؤلاء : هذه الآية في الكفار ، والمراد بالإنسان هنا : الكافر ؛ فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه ليس لمن يظهر الإسلام في هذا الذم والوعيد نصيب ; بل يذهب وهمه إلى من كان مظهرا للشرك من العرب ، أو إلى من يعرفهم من مظهري الكفر كاليهود والنصارى ومشركي الترك والهند ونحو ذلك ، فلا ينتفع بهذه الآيات التي أنزلها الله ليهتدي بها عباده .(/4)
فيقال : - أولا - : المظهرون للإسلام فيهم مؤمن ومنافق ، والمنافقون كثيرون في كل زمان والمنافقون في الدرك الأسفل من النار .
ويقال : " ثانيا : الإنسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر ، وإن كان معه إيمان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : { أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر . وإذا خاصم فجر } فأخبر أنه من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق . وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه : { إنك امرؤ فيك جاهلية } وأبو ذر - رضي الله عنه - من أصدق الناس إيمانا ...
وإذا عرف هذا علم أن كل عبد ينتفع بما ذكر الله في الإيمان من مدح شعب الإيمان وذم شعب الكفر " انتهى .
مجموع الفتاوى (10/105-106)
ويشهد لذلك الأصل ـ أن من استعجل الطيبات ، على وجه محرم ، فإنه معرض للحرمان من طيبات الآخرة ، بقدر ما استعجل ، وإن كان مؤمنا ـ قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ) .
رواه البخاري ( 5494 ) ومسلم ( 2073 ) .
قال ابن القيم رحمه الله - وهو يعدد العقوبات التي تقع على الزاني إذا لم يتب - :
ومنها : أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن ، والله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة ، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة ، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا ، بل كل ما ناله العبد في الدنيا من حرام : فاته نظيره يوم القيامة .
" روضة المحبين " ( 365 - 368 ) .(/5)
وذكر الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم (384) حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ( من لبس الحرير في الدنيا : لم يلبسه في الآخرة ، ومن شرب الخمر في الدنيا : لم يشربه في الآخرة ، ومن شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا : لم يشرب بها في الآخرة ، ثم قال : لباس أهل الجنة ، وشراب أهل الجنة ، وآنية أهل الجنة ) ، ثم قال :
" اعلم أن الأحاديث في تحريم لبس الحرير , وشرب الخمر , والشرب في أواني الذهب والفضة , هي أكثر من أن تحصر , وإنما أحببت أن أخص هذا الحديث بالذكر , لأنه جمع الكلام على هذه الأمور الثلاثة , وساقها مساقاً واحداً , ثم ختمها بقوله : ( لباس أهل الجنة ... ) , الذي يظهر أنه خرج مخرج التعليل , يعني : أن الله تعالى حرم لباس الحرير - على الرجال خاصة - لأنه لباسهم في الجنة كما قال تعالى ( وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) الحج/ 23 , وحرَّم الخمر على الرجال والنساء ؛ لأنه شرابهم في الجنة قال تعالى ( مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ ) محمد/ 15 ، وحرَّم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء أيضاً ؛ لأنها آنيتهم قال تعالى : ( ادْخُلُواْ الْجَنّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ) الزخرف/ 71 ، فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال ولا تائب , عوقب بحرمانه منها في الآخرة ، جزاء وِفاقاً .(/6)
وما أحسن ما رواه الحاكم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال : " استأذن سعد على ابن عامر , وتحته مرافق - وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالوسادة - من حرير , فأمر بها فرفعت , فدخل عليه وعليه مِطْرف خز , فقال له : استأذنت عليَّ وتحتي مرافق من حرير فأمرت بها فرفعت , فقال له : نعم الرجل أنت يا ابن عامر ، إن لم تكن ممن قال الله عز وجل ( أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا ) الأحقاف/ 20 , والله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إليَّ من أن أضطجع عليها " صحيح ، على شرط مسلم . " انتهى
على أن التمتع بالطيبات من الرزق ، وإن كان مباحا ، إلا أنه لا ينبغي أن يكون غالب شأن الإنسان ، ولا ينبغي له أن يعود نفسه على التنعم والإرفاه ، فليس ذلك من شأن المنشغلين بالآخرة ، كما في مسند الإمام أحمد (21600) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ : ( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ) حسنه الألباني في صحيح الجامع .
ومن السلف من كان يعد ذلك ، بل ما هو دونه ، من إذهاب الطيبات :
روى البخاري (1274) أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ :
" قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي " .
وفي رواية للبخاري (4045) : ( وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ) .(/7)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الزُّهْدِ , وَأَنَّ الْفَاضِلَ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا تَنْقُصَ , حَسَنَاتُهُ , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا قَدْ عُجِّلَتْ ".
وروى مالك في الموطأ (1742) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ : " مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا " في إسناده انقطاع ، وضعفه الألباني .
قال الحليمي رحمه الله : " وهذا الوعيد من الله تعالى ، وإن كان للكفار الذين الذين يقدمون على الطيبات المحظورة ، ولذلك قال : { اليوم تجزون عذاب الهون } ، فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة ؛ لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات والملاذ ، كلما أجاب نفسه إلى واحدة منها دعته إلى غيرها ، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط ، وينسد باب العبادة دونه ؛ فإذا آل الأمر به إلى هذا لم يبعد أن يقال : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } ؛ فلا ينبغي أن تُعود النفسُ ما يميل بها إلى الشره ، ثم يصعب تداركها ، ولتُرَضْ من أول الأمر على السداد ، فإن ذلك أهون من أن تَدْرَب على الفساد ، ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح ، والله أعلم . " انتهى .
نقله الببيهقي في شعب الإيمان (7/462-463) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ فتح الباري (9/106) :(/8)
" والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفُّه والبطر ، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات ؛ لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا ، فلا يستطيع الانتقال عنه ، فيقع في المحظور ، كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه ، ويَرِد عليه صريح قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف : 26 ، كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها ، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا ، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة ، وخير الأمور الوسط " انتهى .
والخلاصة :
أن الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا طائفتان :
الأولى : الكفار والمشركون .
والثانية : العصاة الذين وقعوا في المعاصي مما له نظير في الجنة ، ولم يُطهَّروا من آثارها بحدٍّ ، أو توبة ، أو مغفرة من الله تعالى .
ولا يدخل في هؤلاء من تنعَّم بالمباحات والطيبات وأدى شكرها ، لكن لا ينبغي أن يعود الإنسان نفسه الترف والتنعم ، لما يخشى عليه من الوقوع في الشبهة أو الحرام ، أو الانشغال بها عما هو أولى ، وتبرم نفسه إذا فقدها .
والله أعلم(/9)
رقم السؤال:
96989
العنوان:
معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار "
السؤال:
أريد شرح هذا الحديث : عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغه مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وٍأجله وعمله وشقي أم سعيد فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) رواه البخاري بصراحة أجد نوعا من التحبيط أني قد أعمل بعمل أهل الجنة ومكتوب أني من أهل النار ، وأرجو من فضيلتكم الإجابة مأجورين ومشكورين على جهودكم ، والله يجعلها في ميزان حسناتكم .
الجواب:
الحمد لله
قال ابن القيم رحمه الله : " الجهال بالله وأسمائه وصفاته ، المعطلون لحقائقها ، يُبَغِّضون اللهَ إلى خلقه ، ويقطعون عليهم طريق محبته ، والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون !!
ونحن نذكر من ذلك أمثلة يُحتذى عليها : فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله سبحانه لا تنفع معه طاعة ، وإن طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها بظاهره وباطنه ، وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره ؛ بل شأنه سبحانه أن يأخذ المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور ، ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك والمزمار ، ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر ، ويروون في ذلك آثار صحيحة لم يفهموها ، وباطلة لم يقلها المعصوم ، ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد .. " انتهى ، الفوائد (159) .(/1)
ثم قال رحمه الله : " ... فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة أو ضارة ؛ فلا بفعل الخير يستأنس ، ولا بفعل الشر يستوحش ، وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا ؟!! ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا .
وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ، ويرد على أهل البدع ، وينصر الدين ، ولعمر الله : العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل ، وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك ، ولا سيما القرآن ؛ فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه .
فالله سبحانه أخبر ، وهو الصادق الوفي ، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ، ويجازيهم بأعمالهم ، ولا يخاف المحِسن لديه ظلما ولا هضما ، ولا يخاف بخسا ولا رهقا ، ولا يضيع عمل محسن أبدا ، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة ، ولا يظلمها : ( وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) ، وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ، ولا يضيعها عليه ، وأنه يجزي بالسيئة مثلها ، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب ، ويجزي بالحسنة عشر أمثالها ، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة !!
وهو الذي أصلح الفاسدين ، وأقبل بقلوب المعرضين ، وتاب على المذنبين ، وهدى الضالين ، وأنقذ الهالكين ، وعلَّم الجاهلين ، وبصَّر المتحيرين ، وذكَّر الغافلين ، وآوى الشاردين ، وإذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ، ودعوة العبد إلى الرجوع إلى إليه ...) . انتهى
الفوائد (161) .(/2)
وهذا الحديث العظيم رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد أشكل على بعض الناس قوله صلى لله عليه وسلم فيه : ( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ).
وهو مثال لما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من الآثار الصحيحة التي لم يفهموها .
والجواب عن ذلك أن هذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا ، بل يعمل بعمل أهل الجنة(/3)
( فيما يبدو للناس ) فقط ، كما جاء موضحا في الحديث الآخر الذي رواه البخاري (4207) ومسلم (112) عَنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ).
وأما من يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، إخلاصا وإيمانا ، فالله تعالى أعدل وأكرم وأرحم من أن يخذله في نهاية عمره .(/4)
بل هذا أهل للتوفيق والتسديد والتثبيت ، كما قال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) إبراهيم/27 ، وقال : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/69 ، وقال : ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسيف/90 ، وقال : ( يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران/171
قال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" ص 163 : " وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس ، ولو كان عملا صالحا مقبولا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه . وقوله : ( لم يبق بينه وبينها إلا ذراع ) يشكل على هذا التأويل ، فيقال : لما كان العمل بآخره وخاتمته ، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له ، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره ، فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة ، فرجع إلى موجبها ، وعملت عملها ، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه ... والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض " انتهى .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وقوله : ( فيما يبدو للناس ) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك ، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت .
وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار ، وفي باطنه خصلة خفيه من خصال الخير ، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره ، فتوجب له حسن الخاتمة .(/5)
قال عبد العزيز بن أبي رواد : حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة : لا إله إلا الله ، فقال في آخر ما قال : هو كافر بما تقول ، ومات على ذلك !!
قال : فسألت عنه ، فإذا هو مدمن خمر !!
وكان عبد العزيز يقول اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته .
وفي الجملة : فالخواتيم ميراث السوابق ؛ وكل ذلك سبق في الكتاب السابق ، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق .
وقد قيل : إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم ، يقولون : بماذا يختم لنا ؟!!
وقلوب المقربين معلقة بالسوابق ، يقولون : ماذا سبق لنا ؟!! ...
وقال سهل التستري : المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي ، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر !!
ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ، ويشتد قلقهم وجزعهم منه ؛ فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر ، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر ؛ كما تقدم أن دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة " انتهى .
جامع العلوم والحكم (1/57-58) .(/6)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن حديث ابن مسعود : (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: بين الجنة ، ليس المراد أن عمله أوصله إلى هذا المكان حتى لم يبق إلا ذراع ، لأنه لو كان عمله عمل أهل الجنة حقيقة من أول الأمر ما خذله الله عز وجل ؛ لأن الله أكرم من عبده، عبد مقبل على الله ، ما بقي عليه والجنة إلا ذراع ، يصده الله؟! هذا مستحيل ، لكن المعنى: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، حتى إذا لم يبق على أجله إلا القليل زاغ قلبه والعياذ بالله -نسأل الله العافية- هذا معنى حديث ابن مسعود . إذاً: لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع بالنسبة لأجله ، وإلا فهو من الأصل ما عمل عمل أهل الجنة -نعوذ بالله من ذلك ، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا- عامل وفي قلبه سريرة خبيثة أودت به إلى أنه لم يبق إلا ذراع ويموت " انتهى من "اللقاء الشهري" (13/14).
وأشار بعض أهل العلم إلى أن المذكور في الحديث قد يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، حتى إذا اقترب أجله ساءت خاتمته ، فمات على كفر أو معصية ، لكن هذا نادر ، وهو راجع أيضا إلى خبيئة وبلية يقيم عليها هذا الشخص ، من اعتقاد فاسد أو كبيرة موبقة ، أوجبت سوء خاتمته ، نسأل الله العافية . فيكون الحديث فيه تحذير من الاغترار بالأعمال ، وتوجيه إلى سؤال الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .(/7)
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه , وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس , لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ , ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة , وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور , وَنِهَايَة الْقِلَّة , وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي } وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة , لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه ; فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار , وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فِيهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره . وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر , وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا , وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
على أن الذي ينبغي أن ننتبه إليه في هذا السياق ، أن في نفس الحديث الذي أشكل عليك حل هذا الإشكال ؛ وذلك أنه لم يتضمن مجرد إثبات القدر ، وعلم الله تعالى السابق في خلقه ، وكتابته لأعمالهم ، وإنما تضمن ، هو وأمثاله من النصوص ، إلى جانب ذلك كله ، إثبات أمره ونهيه ، وأن الله تعالى لا يعذب عباده ، ولا ينعمهم ، على مجرد علمه فيهم ، بل على ما عملت أيديهم ، وكسبت نفوسهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(/8)
" وَهَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ فِيهِ فَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْقَدَرُ السَّابِقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْمَلُوا الْأَعْمَالَ وَهَذَا حَقٌّ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ ; بَلْ قَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ مَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدَ كَفَرَ ; بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ...
[ والفصل الثاني ] : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا تَكُونُ بِهَا ؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يُولَدُ لَهُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فَيُحْبِلَهَا ؛ فَلَوْ قَالَ هَذَا : إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُولَدُ لِي فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ كَانَ أَحْمَقَ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يُنْبِتُ لَهُ الزَّرْعَ بِمَا يَسْقِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَبْذُرُهُ مِنْ الْحَبِّ ؛ فَلَوْ قَالَ : إذَا عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَذْرِ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِذَلِكَ ...(/9)
وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ ، قُلْنَا : ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْأَشْقِيَاءِ ؛ فَاَللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْقَى بِهَذَا الْعَمَلِ ، فَلَوْ قِيلَ : هُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ النَّارَ أَحَدًا إلَّا بِذَنْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } ؛ فَأَقْسَمَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنْ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ ، وَمَنْ اتَّبَعَ إبْلِيسَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يُعَاقِبُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ حَتَّى يَعْمَلَهُ ...
وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَمَنْ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ يَسَّرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ؛ فَمَنْ قَالَ : أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَوَاءٌ كُنْت مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا ، إذَا عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَهْلِهَا كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا بِالْإِيمَانِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، بَلْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ، بَلْ كَافِرًا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .(/10)
وَلِهَذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَمَنْ قَالَ : أَنَا لَا أَدْعُو وَلَا أَسْأَلُ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ كَانَ مُخْطِئًا أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَهُدَاهُ وَنَصْرَهُ وَرِزْقَهُ . وَإِذَا قَدَّرَ لِلْعَبْدِ خَيْرًا يَنَالُهُ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ الدُّعَاءِ ، وَمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْعِبَادِ وَعَوَاقِبِهِمْ فَإِنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ بِأَسْبَابِ يَسُوقُ الْمَقَادِيرَ إلَى الْمَوَاقِيتِ ؛ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَيْءٌ إلَّا بِسَبَبِ ، وَاَللَّهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ...
وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَلَّ طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ : " فَرِيقٌ " آمَنُوا بِالْقَدَرِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، فَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَهَؤُلَاءِ يَئُولُ بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ !!(/11)
وَفَرِيقٌ أَخَذُوا يَطْلُبُونَ الْجَزَاءَ مِنْ اللَّهِ كَمَا يَطْلُبُهُ الْأَجِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مُتَّكِلِينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ ، وَكَمَا يَطْلُبُهُ الْمَمَالِيكُ ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ حَاجَةً إلَيْهِ ، وَلَا نَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلًا بِهِ ؛ وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ : { يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي } ...
فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ نَاظِرًا إلَى الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ، وَمَنْ طَلَبَ الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُعْرِضًا عَنْ الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ; بَلْ الْمُؤْمِنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ؛ فَنَعْبُدُهُ اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ وَنَسْتَعِينُهُ إيمَانًا بِالْقَدَرِ ..." انتهى .
مقتطفات من مجموع الفتاوى (8/66) وما بعدها .
والله أعلم .(/12)
رقم السؤال:
97009
العنوان:
هل لإقامة الصلاة وقت محدد؟
السؤال:
ما هو وقت إقامة الصلاة بعد الأذان ؟
الجواب:
الحمد لله
ليس لإقامة الصلاة وقت محدد ، لكن يراعى في ذلك ما يلي :
1- إذا كان الإنسان منفردا ، أو كانت المرأة تصلي في بيتها ، فإن الأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها إلا العشاء والظهر عند اشتداد الحر ، فتصلي السنة القبلية ثم تصلي الفريضة ، وذلك لما روى البخاري (527) ومسلم (85) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة [يعني : صلاة الظهر] فإن شدة الحر من فيح جهنم ) رواه البخاري (537) ومسلم (615) .
ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل ، أو نصفه) رواه الترمذي (167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
2- أما جماعة المسجد ، فينبغي أن يكون هناك وقت بين الأذان والإقامة يكفي للتطهر ، والذهاب إلى المسجد ، وصلاة الراتبة .
قال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/100) : "يطلب الفصل بين الأذان والإقامة بوقت يسع التأهب للصلاة وحضورها ، لأن الأذان إنما شرع لهذا . وإلا ضاعت الفائدة منه ، والأحاديث الواردة في هذا المعنى كلها ضعيفة . وقد ترجم البخاري : باب "كم بين الأذان والإقامة" ، ولكن لم يثبت التقدير . قال ابن بطال : لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين" انتهى .(/1)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (2/126) تعليقاً على قول الإمام البخاري : كم بين الأذان والإقامة : قال :
"وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ : (اِجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتك قَدْرَ مَا يَفْرُغ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ ، وَالشَّارِب مِنْ شُرْبِهِ ، وَالْمُعْتَصِر إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ , وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَمِنْ حَدِيث سَلْمَانَ أَخْرَجَهُمَا أَبُو الشَّيْخ وَمِنْ حَدِيث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد وَكُلُّهَا وَاهِيَةٌ , فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ التَّقْدِير بِذَلِكَ لَمْ يَثْبُت" انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد وقتاً بين الأذان والإقامة؟
فأجاب :
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة في أول الوقت إلا العشاء الآخرة، فإنه كان ينظر إلى اجتماع الناس إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر، وكان يبقى في البيت حتى يأتيه المؤذن فيعلمه بحضور الصلاة ، وربما خرج إليها بدون إعلام.
فالسنة تعجيل جميع الصلوات إلا العشاء وإلا الظهر عند اشتداد الحر، ولكن الصلوات التي لها نوافل راتبة كالفجر والظهر ينبغي للإنسان أن يراعي حال الناس بحيث يتمكنون من الوضوء بعد الأذان ومن صلاة هذه الراتبة" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين" (12/190) .
وإن اتفق جماعة المسجد على إقامة الصلاة في وقت محدد ، أو كان ذلك بتوجيه مسئولي الأوقاف ، منعا للاختلاف ، فلا بأس ، وينبغي التقيد به .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97011
العنوان:
هل يعدُّ شرائي للعطور الغالية إسرافاً ؟ .
السؤال:
هل يعدُّ شرائي للعطور الغالية إسرافاً ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الطيب والعطور من متاع الدنيا وزينتها ، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أنه قد حبِّب له من الدنيا .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( حُبِّب إِليَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاءُ ، وَالطِّيبُ ، وَجُعَلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ ) . رواه النسائي ( 3939 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
ومما لا شك فيه من الواقع أن الطيب ذا الثمن المرتفع له رائحة طيبة ، ويدوم أكثر من الطيب الرخيص الثمن ، ولذا لا يعدُّ شراء الطيب بثمن مرتفع من الإسراف ، وإنما يمنع ذلك في حالات ، منها :
أ. أن لا يكون مالكاً لمالٍ يشتري به ذلك الطيب ، فيستدين من أجله ، أو يملك لكنه يضر من تجب عليه نفقته لو اشتراه .
ب. أن يقصد بذلك الفخر ، والخيلاء ، والمباهاة .
ج. أن يكثر منه من غير حاجة .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
في هذه الأيام تكثر الولائم في مناسبات الزواج وغيره ، وبعض الناس يبالغ في شراء العود –أعني : البخور - فيَصِل في قيمته إلى مبالغ خيالية ، وإذا نوقش في ذلك استدل بما روي عن عمر حيث قال : " لو أنفق الرجل ماله كله في الطيب لم يكن مسرفاً " فما قولك وفقك الله ؟ .
فأجاب :(/1)
قولنا : الطيب لا شك أنه محبوب ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) والحقيقة : أن الطيب إذا لم يتعد طوره : فلا إسراف فيه ، أي : لو كان - مثلاً - هذا المكان يفد إليه الناس أفواجاً ، كلما جاء فوج وضع له طيباً : هذا ليس إسرافاً ، وإن كان هذا الطيب بالنسبة لأول فوج سيكون متكرراً ، لكنه حقيقة ليس إسرافاً ؛ لأن الطيب الأخير لمن جاء آخراً ، فنقول : هذا ليس فيه إسراف ، أما من أتى بطيب كثير ، وجعله يتبخر طوال المجلس ، مع طوله ، وعدم الاحتياج إليه : فهذا يكون إسرافاً .
" اللقاء الشهري " ( 37 / السؤال رقم 16 ) .
وسئل – رحمه الله - :
بعض أهل العلم يقول : إن الإسراف هو شيء نسبي ، ويقول : إنه كذلك في شراء الطِّيب ، فليس فيه إسراف مهما اشترى الإنسان ، وذكر أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
فأجاب :
أما إسراف العبادات : فليس أمراً نسبيّاً ؛ لأنه محدَّد من قبل الشرع ، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين وثلاثاً ، وقال : ( من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ) .
وأما الإسراف في العادات : فهو أمر نسبي ، قد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لطائفة معينة ، ولا يكون إسرافاً لطائفة أخرى ، وقد يكون إسرافاً لأهل بلد ، ولا يكون إسرافاً للبلد الآخر ، فهو أمر نسبي ، ويعرف هذا بالقاعدة : " أن الإسراف مجاوزة الحد " .
وأما الطِّيب : فلا شك أن الإنسان إذا كان من أهل الثروة ، واشترى طِيباً طَيِّباً غالياً : فإنه لا يعد مسرفاً ، لا سيما وأن الطِّيب الطَّيِّب - كما هو معروف - تبقى رائحته مدة طويلة ، وتكون أطيب ، وأما إذا كان من الناس المتوسطين والفقراء : فإن شراء مثل هذا الطيب في حقِّه يعتبر إسرافاً .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 8 / السؤال رقم 24 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97012
العنوان:
هل كبر السن يمنع من طلب العلم
السؤال:
أنا في ال 32 من عمري ، فهل فاتني الوقت للبدء بطلب العلم ، فمعلوم أن العلم في الصغر ليس كالعلم في الكبر ، أيضاً فإني أحتاج إلى سنوات عديدة للدراسة ، وقد تذهب قوتي وجلَدي على الدعوة حينما أكبر .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
نعم ، الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر ، لكن ينبغي التنبه لأمور في هذا الباب ، منها :
1. أن الحفظ في الصغر إن لم يكن معه متابعة للحفظ ، وإحياء له : ضاع ، وكالحجر قابل لترسب الأتربة عليه ، وتغطية نقوشه كلها .
2. أن هذا ليس حصراً للحفظ في سن مبكرة ، بل هو تشجيع لأولياء الأمور بالاهتمام بالطفل في سنهم المبكرة ، فإن الأطفال في سنهم المبكرة ليس عندهم قدرة على الفهم ، فتكون طاقاتهم متوجهة نحو الحفظ فقط ، بخلاف الكبير فإنه يجمع بين الحفظ والفهم ، فليس هذا حصراً لسن الحفظ ، وإلا فقد وجدنا كثيراً ممن حفظ متأخراً في سنه كأنه نقش في الحجَر كذلك .
3. أن الحفظ ليس هو كل العلم ، بل هو جزء منه ، ومن فاته الحفظ في صغره : فلا يفوِّت الحفظ والعلم في كبَره ، بل يستطيع أن يجمع بينهما ، ولا ينبغي له الاستعجال على نفسه ، فهو في عبادة عظيمة – وهي طلب العلم – فلا يستعجل قطف الثمرة .
ثانياً:
أنت أخي الفاضل في بداية الثلاثين من عمرك ، ولم يفتك الوقت لتبدأ طلب العلم ، فلا زلت في ريعان الشباب وقوته ونشاطه ، بل إن بعض العلماء يرى أن سماع الحديث يبدأ من سن الثلاثين ! .
قال السيوطي – رحمه الله - :
قال جماعة من العلماء : يُستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة ، وعليه أهل الشام ... .
" تدريب الراوي " ( 1 / 414 ) .(/1)
ولتعلم أن مَن أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا كلهم صغاراً ، بل الكثرة الكاثرة كانوا كباراً في السن ، وما منعهم سنهم من الطلب والتعلم ، وهم أساتذة الدنيا في العلم الشرعي ، وإليهم المرجع في فهم نصوص القرآن ، والسنَّة ، فأبو بكر الصدِّيق هو أعلم هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بدأ في طلب العلم قريباً من الأربعين ، ثم الخليفة عمر الفاروق ، بدأ العلم قريباً من الثلاثين ، وهكذا غيرهم كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي كتاب " العلم " من صحيح البخاري قال البخاري – رحمه الله - :
باب الاغتباط في العلم والحكمة وقال عمر : " تفقهوا قبل أن تُسوَّدوا " .
قال أبو عبد الله – يعني : البخاري نفسه - : وبعد أن تسوَّدوا ، وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنِّهم .
" صحيح البخاري " ( ص 39 ) .
وقُل مثلَ ذلك فيمن طلب العلم متأخراً من الأئمة والعلماء المشهورين ، وإليك نماذج طيبة من هؤلاء ؛ لترفع همتك ، وتجدد نشاطك ، وتحيي قوتك :
1. أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي ، المعروف بـ " القفّال " ، شيخ الشافعية في زمانه ، المتوفى سنة 417 هـ .
قال السبكي الشافعي – رحمه الله - :
الإمام الجليل أبو بكر القفال الصغير ، شيخ طريقة خراسان ، وإنما قيل له " القفَّال " لأنه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره ، وبرع في صناعتها ، حتى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات ، فلما كان ابن ثلاثين سنة أحس من نفسه ذكاء : فأقبل على الفقه ، فاشتغل به على الشيخ أبي زيد وغيره ، وصار إماماً يُقتدى به فيه ، وتفقه عليه خلقٌ من أهل خراسان ، وسمع الحديث ، وحدَّث وأملى ... .
انظر " طبقات الشافعية " للسبكي ( 5 / 54 )
2. أصبغ بن الفرج ، مفتي الديار المصرية في زمانه ، ومن علماء المالكية .
قال الذهبي – رحمه الله - :(/2)
الشيخ الإمام الكبير ، مفتي الديار المصرية ، وعالِمها ، أبو عبد الله الأموي مولاهم ، المصري ، المالكي .
مولده بعد الخمسين ومئة .
وطلب العلم وهو شاب كبير ، ففاته مالك ، والليث . " سير أعلام النبلاء " ( 10 / 656 ) .
3. عيسى بن موسى غنجار ، أبو أحمد البخاري ، محدِّث ما وراء النهر .
قال الحاكم :
هو إمام عصره ، طلب العلم على كبر السنِّ ، وطوَّف .
" شذرات الذهب " ( 1 / 330 ) .
4. قاضي القضاة بمصر : الحارث بن مسكين ، توفي سنة 250 هـ .
قال الذهبي – رحمه الله - :
وإنما طلب العلم على كبَر .
" سير أعلام النبلاء " ( 12 / 54 ) .
وغير هؤلاء كثير ، وقد ذكر في طلب غير هؤلاء وهم كبار في السن كأمثال الفضيل بن عياض ، وابن العربي ، وابن حزم ، والعز بن عبد السلام ، فلم يمنعهم سنهم من الطلب حتى صاروا نجوماً في سماء العلم .
قيل لعمرو بن العلاء : هل يحسن بالشيخ أن يتعلم ؟
قال : إن كان يحسن به أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم !!
وهذا ابن عقيل رحمه الله يقول إني لأجد من لذة الطلب وأنا ابن ثمانين أشد مما أجد وأنا ابن أربعين .
ثالثاً:
وهذه فتاوى ووصايا بعض العلماء في الموضوع نفسه :
1. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
بماذا تنصح من بدأ في طلب العلم على كبَر سنِّه ؟ وإن لم يتيسر له شيخ يأخذ منه ويلازمه فهل ينفعه طلب العلم بلا شيخ ؟ .
فأجاب :(/3)
نسأل الله تعالى أن يعين من أكرمه الله بالاتجاه إلى طلب العلم ، ولكن العلم في ذاته صعب يحتاج إلى جهد كبير ؛ لأننا نعلم أنه كلما تقدمت السن من الإنسان زاد حجمه ، وقل فهمه ، فهذا الرجل الذي بدأ الآن في طلب العلم ينبغي له أن يختار عالماً يثق بعلمه ليطلب العلم عليه ؛ لأن طلب العلم عن طريق المشايخ أوفر ، وأقرب ، وأيسر ، فهو أوفر ؛ لأن الشيخ عبارة عن موسوعة علمية ، لا سيما الذي عنده علم نافع في النحو ، والتفسير ، والحديث ، والفقه وغيره ، فبدلاً من أن يحتاج إلى قراءة عشرين كتاباً يتيسر تحصيله من الشيخ ، وهو لذلك يكون أقصر زمناً ، وهو أقرب للسلامة كذلك ؛ لأنه ربما يعتمد على كتاب ويكون نهج مؤلفه مخالفاً لنهج السلف سواء في الاستدلال أو في الأحكام .
فننصح هذا الرجل الذي يريد طلب العلم على الكبر أن يلزم شيخًا موثوقًا ، ويأخذ منه ؛ لأن ذلك أوفر له ، ولا ييأس ، ولا يقول بلغت من الكبر عتيًّا ؛ لأنه بذلك يَحرم نفسه من العلم .
وقد ذُكر أن بعض أهل العلم دخل المسجد يوماً بعد صلاة الظهر فجلس ، فقال له أحد الناس : قم فصل ركعتين ، فقام فصلى ركعتين ، وذات يوم دخل المسجد بعد صلاة العصر فكبَّر ليصلي ركعتين فقال له الرجل : لا تصلِّ فهذا وقت نهي ، فقال : لا بد أن أطلب العلم ، وبدأ في طلب العلم حتى صار إماماً ، فكان هذا الجهل سببًا لعلمه ، وإذا علم الله منك حسن النية ومنَّ عليك بالتوفيق : فقد تجمع من العلم الشيء الكثير .
" كتاب العلم " ( السؤال رقم 63 ) .
2. وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله - :
يعتذر البعض عن طلب العلم بحجة كبَر السن ، وفوات وقت الطلب ، ويعتذر آخرون بكونهم لا زالوا صغاراً ينتظرون أن يتقدم بهم العمر ؟
فأجاب :(/4)
متى تيسر للمسلم التعلم والتفقه : لزمه ذلك ، ولا يجوز الاعتذار عن التعلم بتقدم السن ؛ فإن الكثير من الصحابة تعلموا وهم شيوخ ، كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، والعباس ، وابن عوف ، وأبي عبيدة ، وغيرهم ، ثم من علماء التابعين من تعلموا في الكبر ، كصالح بن كيسان ، فقد أدرك ابن عمر وابن الزبير وتتلمذ على الزهري وطال عمره فمات سنة 140 هـ ، ولما كان طلب العلم قد يكون واجبا على المسلم لم يخرج عن ذلك الكبير ، ولا الصغير ، وقد روي عن مكحول مرسلاً : " لا يستحي الشيخ أن يتعلم من الشاب " ؛ أي : لأن بقاءه على الجهل نقص وعيب ، وليس في تعلمه من الصغار غضاضة .
وأما الشاب : فعليه التعلم في حداثته ؛ فإن ذلك أقوى لمعلوماته ، فقد قال الحسن رحمه الله : " طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر " ، وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : " تعلموا العلم فإنكم إن تكونوا صغار قومٍ تكونوا كبارهم غداً " ، وقال الزهري : " لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم ؛ فإن عمر رضي الله عنه إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم " ، وأيضاً : فإن الشاب عنده وقت فراغ ، ولا يدري ما يحدث بعده من العوائق .
" كيف تطلب العلم " ( السؤال رقم 43 ) من موقع الشيخ .
لذا ، بادر أخي الفاضل لطلب العلم ، ولا يمنعنك سنك ، وقد سبقت نماذج طلبوا العلم بعد سنك هذا بزمن ، واحرص على الإخلاص ، واجعل طلبك للعلم بنية التقرب إلى الله ، وأداء الواجب الذي أوجبه الله عليك في الطلب ، واقصد بعلمك رفع الجهل عن نفسك ، ثم ساهم في الجهل عن الناس ، وجد واجتهد في الطلب ، واحرص على مشايخ أهل السنة والجماعة ، الزمهم ، وخذ علمهم ، وإياك وأهل البدعة والضلالة ، واسأل ربك أن يوفقك ، وأن يسهل لك الطلب والحفظ والفهم .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
97014
العنوان:
هل يحضر حفل تخرجه من الجامعة الذي يرعاه البوذيون؟
السؤال:
أنا من أقليات المسلمين ، وكان عندنا حفل لاستلام الشهادات الجامعية ، واستشكل عَلَيَّ أمران هما : - في ذاك الحفل حضر الرهبان البوذيون يدعون ويذكرون - كما في ديانتهم - ليباركوا الحفل كعادةٍ في بلادنا ، فما حكم الحضور إلى ذاك الحفل ؟ وهل الحضور إليه مما يهين ديننا الإسلام ؟ - إذا كان ابتدأ وقت الحفل قبيل الظهر ، وانتهى بعد العصر ، وهذا مما يؤدي إلى فوات صلاة الظهر ، فهل يجوز لنا صلاة الجمع بين الظهر والعصر تأخيراً ، أو عدم جواز الحضور إلى ذاك الحفل أصلاً ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يبارك لك تخرجك وينفع بك المسلمين .
في مواسم تخرج الطلاب تجتمع فرحة الطالب بتخرجه ، وفرحة الأهل بابنهم ونجاحه ، وذلك من نعم الله تعالى على عباده ، وعظيم فضله ومنته .
فالواجب شكر هذه النعمة ، ومراعاة حق الله تعالى فيها ، والوقوف عند حدوده وشرعه ، إلا أننا نرى – وللأسف الشديد – الكثير من المخالفات والمعاصي التي تقع في حفلات تخريج الطلاب ، حتى غدت عادة لا تنفك عنها صورة التخرج في واقع الناس وعرفهم ، ومن ذلك :
1. الاحتفال على أنغام المعازف ، وغالبا ما تحضر الفرق الموسيقية الكبيرة ، فهي ركن رئيس من أركان أكثر الاحتفالات .
وحكم استماع المعازف في شريعة الإسلام التحريم ، حتى نقل بعض أهل العلم الاتفاق عليه ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال ( 5000 ) .
2. اختلاط الطلاب بالطالبات ، وجلوسهم في مكان واحد ، ودخولهم وخروجهم في صف واحد ، واختلاط الرجال بالنساء الحضور ، وفيهم المتبرجة والمتعطرة ومن لا يمنعها الحياء عن التعبير عن فرحها بما لا يليق من صياح أو حركة مضطربة أو تصفيق وتصفير أو مصافحة رجال ونحو ذلك من المنكرات التي يسوق إليها الاختلاط المحرم .(/1)
3. أما لباس التخرج - أو " بدلة التخرج " - المعروف اليوم ، تلك العباءة السوداء مع غطاء رأس أسطواني له قمة مربعة ، فهي مِن ألبسة الكفار التي تميزوا بها ، ثم نقلت إلينا ، وذكر بعض أهل العلم أنها مأخوذة عن ألبسة الرهبان والقساوسة النصارى في بعض العصور ، لذلك أفتوا بتحريم لبسها .
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله :
"والمناقِش يأتي وقد ارتدى الجبة أو العباءة السوداء ، وهذا تقليد كنسي في مناقشة الرسائل ، يجب على أهل العلم والإيمان مخالفتهم فيه" انتهى .
" المجموعة العلمية " ( رسالة التعالم ، ص 89 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بألبستهم الخاصة بهم ، سواء كان الكفار من اليهود أو النصارى أو غيرهم ؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنَّة التي تنهى عن التشبه بهم ، ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو ثوبين معصفرين : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ) خرجه مسلم في صحيحه ، وثبت في صحيح مسلم : أن عمر رضي الله عنه كتب كتابا إلى عامله بأذربيجان عتبة بن فرقد رضي الله عنه ، وفيه : ( وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير ) .
وبناء على ذلك ؛ فلا يجوز لبس ما يسمى بـ ( الروب ) عند التخرج من مدرسة أو معهد أو كلية ؛ لأنه من ألبسة النصارى ، وعلى المسلم أن يعتز بدينه واتباعه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يلتفت إلى تقليد من غضب الله عليهم وأضلهم من اليهود ، والنصارى ، وغيرهم" انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 24 / 26 ، 27 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ـ أيضاً :(/2)
في الجامعات الأمريكية تقليد ، عندما يتخرج الطلاب يلبسون بدلة تسمى : بدلة التخرج ، وهو عبارة عن ملاءة تشبه العباءة العربية ، وغطاء للرأس على شكل معين ، ويقال : إن هذا الزي كان زيا لرهبانهم في السابق ، فهل يجوز عند مشاركة الطالب المسلم في هذا الاحتفال أن يلبس هذا اللباس ؟
فأجابوا :
"لا يجوز للطالب أن يلبس هذا اللباس إذا كان من لباسهم الخاص بهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) ويتأكد المنع إذا ثبت أنه من شعار رهبانهم" انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 24 / 98 ) .
4. ومن أعظم المنكرات التي تلاحظ في هذه الاحتفالات : إضاعة الصلوات ، حيث يطول الاحتفال لبضع ساعات ، يتخللها بعض أوقات الصلوات ، ثم لا ترى من الناس أو من الطلاب أو من القائمين على الحفل من يقوم ليحفظ لله حقه ويؤدي فرضه ، ولا يرعون أذانا ولا نداءً ولا ذِكراً ، ينسون حق الله تعالى ، وينشغلون بدنيا زائلة ، وحفنة من الملذات قليلة ، وعَمُوا عن قوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/ 59 .
قال ابن مسعود : ليس معنى أضاعوها : تركوها بالكلية ، ولكن أخروها عن أوقاتها .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
"الكبيرة السابعة والسبعون : تعمد تأخير الصلاة عن وقتها ، أو تقديمها عليه من غير عذر" انتهى .
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 1 / 220 ، 221 ) .(/3)
وحضور البوذيين هذه الاحتفالات وقيامهم ببعض الطقوس الدينية لمباركة الحفل! زعموا! منكر أخر ، وأي بركة تنزل بالشرك بالله تعالى والكفر به ، ولا يجوز لك الحضور في مكان يشرك فيه بالله تعالى إلا إذا كنت مضطراً مكرهاً على ذلك ، قال الله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140 .
وعلى هذا ، فحضور هذا الحفل محرم ، وإذا كان محرماً فلا يكون عذراً للجمع بين صلاتي الظهر والعصر .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
97015
العنوان:
حلف بالطلاق ثلاثا في حال الغضب
السؤال:
زوجتي تدرس وحصل بيننا خلاف وحلفت عليها بالطلاق ثلاثاً إن هي ذهبت للمدرسة وكنت جاداً في هذا الحلف وأنوي ذلك فعلاً حيث إنني كنت في حالة غضب شديدة وبعد أيام تراجعت عن حلفي ولم تذهب إلى المدرسة حتى الآن أرجو إفادتي إن كان في حال ذهابها إلى المدرسة يقع الطلاق أم لا ؟ وإذا هناك كفارة لهذا الحلف أم لا ؟ وأنا الآن أريدها أن تذهب لتكمل تعليمها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تساهل الرجل في التلفظ بالطلاق خطأ عظيم ، قد يؤدي إلى تفكك أسرته من حيث لا يريد ، والله تعالى لم يشرع الطلاق ليكون مادة للعبث والاستهتار ، أو التلاعب بمشاعر المرأة ، وإنما شرع ليستعمله الرجل في الوقت الذي يريد فيه إنهاء النكاح إذا وجد ما يدعو لذلك .
فالواجب على الرجل أن يحفظ لسانه ، وينأى بنفسه عن التلفظ بالطلاق فيما لا يستحق الطلاق ، حتى لا يندم وقت لا ينفع الندم .
ثانيا :
الطلاق في حال الغضب ، منه ما لا يقع ، ومنه ما يقع ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45174) .
وحاصله أن الغضب الذي يخرج الإنسان عن شعوره وإدراكه ، لا يقع معه الطلاق ، وكذلك الغضب الشديد الذي لا يملك الرجل فيه نفسه ، لطول النزاع أو المضاربة أو المشاتمة .
والرجل هو الذي يستطيع تحديد درجة الغضب التي وصل إليها ، وبالتالي يحكم بوقوع طلاقه أم لا .
ثالثا :
طلاق الثلاث بكلمة واحدة ، كقول الرجل : أنت طالق ثلاثا ، أو علي الطلاق ثلاثا ، يقع به طلقة واحدة ، في القول المختار عند جمع من أهل العلم .
فإذا كان الغضب لم يبلغ منك مبلغا يسقط عنك الطلاق ، فإنه تقع عليك واحدة في هذه المسألة – في حال ذهاب الزوجة للمدرسة – ولك مراجعتها ما دامت في العدة .
وينظر جواب السؤال رقم (36580) لمزيد الفائدة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97019
العنوان:
هل لبس رخيص الثمن من الثياب من الزهد ؟ ضوابط ومسائل مهمة
السؤال:
1. كثيراً ما تجادلني زوجتي حول ثيابي ، حيث إني أقوم بخياطتها ورقعها أحياناً ، ولا ألبس غالي الأثمان إطلاقاً ، بل دائما أشتري ما هو رخيص من الثياب ، فثيابي بالية نوعاً ما ، وكثيراً ما يقال لي إن ذلك يعطي صورة سيئة عن " الملتزمين " ، وأنا أفعل ذلك من باب الزهد ، وأسوة بنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا ننسى قصة عمر رضي الله عنه وقميصه ، فما الحل ؟ وخاصة أننا نعلم أن في هذا الزمان من لا يعلم معنى الزهد ، فأنا لا ألبس الساعات الغالية ، ولا أشتري أقلاماً وأي تحف ، من جهة أخرى : فإن عملي كموظف بنك يتطلب أن أكون في قمة الأناقة ، أرشدوني ، وكيف نوفق بين ذلك وبين أن هناك من الصحابة ( لا أذكره ) رضوان الله عليهم من كان إذا لبس الأبيض والجديد استبشر به الرسول الكريم . 2. أنا لا ألبس الجيد من النعال ، حيث إني أذكر أنه عن عمر رضي الله عنه عندما نصح أحد الصحابة باستبدال نعله المريح بآخر رخيص ، ولكن إن فعلت ذلك فسوف تقسو قدمي ، وأتهم بعدم الاهتمام بمنظري ، وأني مخالف ، وكيف نوفق مع مدخل الرياء في هذا المطلب ؟ وهل يعد ذلك إيذاءً للنفس - وبخاصة أنه مثلا في الشتاء لا أتكلف بتدفئة نفسي ، بل لا أمانع من التعرض للبرد للإحساس وتذكر الفقراء - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
قولك عن نفسك إنك " تعمل في بنك " : إن كان هذا البنك من البنوك الربوية : فلا يحل لك العمل به ، ولو في أي وظيفة فيه .
وقد ذكرنا في هذا في الموقع فتاوى متعددة في حكم العمل في البنوك الربوية ، وأنه حرام ، ولا يجوز العمل بها ، فانظر أجوبة الأسئلة : ( 21113 ) و ( 26771 ) .
ثانياً:
ثمة حقائق وأحكام لا بدَّ لك من الوقوف عليها لتعلم ما أخطأت فيه وما أصبتَ :(/1)
1. خير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد لبس من أنواع الثياب ، وكان يتجمل للوفود ، ولصلاة العيد ، ولصلاة الجمعة ، وندب للتجمل لها ، وأقرَّ من رغب أن يكون ثوبه حسناً ، ورغَّب بظهور أثر نعمة الله على عباده ، مع تواضع تام ، وزهد شرعي ، وهذا أكمل الهدي لمن اقتدى به صلى الله عليه وسلم .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ عُطَارِدًا يُقِيمُ فِي السُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَلَوْ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا لِوُفُودِ الْعَرَبِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ وَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ - ( وفي رواية " والعيد " ) - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ . رواه البخاري ( 846 ) ومسلم ( 2068 ) .
حُلة : ثوب من قطعتين .
سيراء : مخطط بالحرير .
لا خلاق : لا نصيب ولا حظ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ : ( مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ ) . رواه ابن ماجه ( 1095 ) وصححه البوصيري ، والألباني في " صحيح ابن ماجه " .
والشاهد من الحديث إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه على قوله بالتجمل منه صلى الله عليه وسلم للوفود والجمعة والعيد ، وهذا هو واقعه صلى الله عليه وسلم ، وإنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم كونها من حرير .
والحديث : بوَّب عليه البخاري قوله " باب من تجمَّل للوفود " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :(/2)
وشاهد الترجمة منه : قول عمر " تجمَّل بها للوفود " ، وأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
" فتح الباري " ( 10 / 501 ) .
وقال بدر الدين العيني – رحمه الله - :
المطابقة – أي : مع ترجمة البخاري - تُفهم من كلام عمر رضي الله عنه ؛ لأن عادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت جارية بالتجمل للوفد ؛ لأن فيه تفخيم الإسلام ، ومباهاة للعدو ، وغيظا لهم غير أن النبي هنا أنكر على عمر لبس الحرير بقوله إنما يلبس الحرير مَن لا خلاق له ، ولم ينكر عليه مطلق التجمل للوفد ، حتى قالوا : وفي هذا الحديث لبس أنفس الثياب عند لقاء الوفود .
" عمدة القاري " ( 22 / 147 ) .
2. لك أن تلبس ملابس رخيصة الثمن ، لكن ليس لك أن تلبس ملابس بالية ومرقعة ، فالثياب البالية المرقعة ممنوعة في حقك من جهات متعددة :
أ. أنها قد تكون ثياب شهرة .
عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْباً مِثْلَه ) . وفي رواية بزيادة ( ثُمَّ تَلهبُ فِيهِ النَّار ) ، وفي رواية أخرى ( ثَوْبَ مَذَلَّة ) . رواه أبو داود ( 4029 ) وابن ماجه ( 3606 ) و ( 3607 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 2089 ) .
وليس ثوب الشهرة هو الثوب الغالي الثمن فقط ، كما يظن بعض الناس ، بل قد يكون الثوب البالي إذا كان اللابس يجد غيره مما هو أفضل منه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وتكره الشهرة من الثياب ، وهو المترفع الخارج عن العادة ، والمتخفض الخارج عن العادة ؛ فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين : المترفع والمتخفض ، وفى الحديث " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة " ، وخيار الأمور أوساطها .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 138 ) .
وقال – رحمه الله - :
والثوب الذي هو للشهرة : هو الثوب الذي يُقصد به الارتفاع عند الناس ، وإظهار الترفع ، أو التواضع والزهد .(/3)
" مختصر الفتاوى المصرية " ( 2 / 50 ) .
ب. أنها مخالفة لشكر نعمة الله تعالى عليك ، وإظهار تلك الثياب فيه ادعاء الفقر والشكوى من الله !
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِيهِ مَالِكٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، الرَّجُلُ أَمُرُّ بِهِ ، فَلاَ يُضَيِّفُنِي وَلاَ يَقْرِينِي ، فَيَمُرُّ بِي فَأَجْزِيهِ ؟ قَالَ : لاَ بَلْ اقْرِهِ . قَالَ : فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ ؟ فَقُلْتُ : قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ الْمَالِ مِنَ الإِِبِلِ وَالْغَنَمِ ، قَالَ : فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ. رواه أبو داود ( 4063 ) وأحمد ( 17231 ) – واللفظ له - ، وصححه الأرناؤط والألباني .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في معنى الحديث - :
يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ؛ ليعرفه المحتاجون ؛ للطلب منه ، مع مراعاة القصد ، وترك الإسراف .
" فتح الباري " ( 10 / 260 ) .
ج. أنك تقدِّم للمتربصين فرصة للطعن بالملتزمين ، وبسلوكهم ، وبأفعالهم .
د. أن هذا الفعل ليس من هدي سلف الأمة ، وإنما كانوا يرقِّعون ثيابهم للضرورة .
هـ. أن فيه تشبهاً بالضالين من أهل التصوف والمخرقة ، الذين يحرمون ما أحل الله ادعاءً للزهد .
قال القرطبي – رحمه الله - :
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله :
وأنا أكره لبس الفُوط والمرقعات لأربعة أوجه :
أحدها : أنه ليس من لبس السلف ، وإنما كانوا يرقعون ضرورة .
والثاني : أنه يتضمن ادعاء الفقر ، وقد أُمر الإنسان أن يُظهر أثرَ نِعَم الله عليه .
والثالث : إظهار التزهد ، وقد أُمرنا بستره .
والرابع : أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة ، ومَن تشبه بقوم فهو منهم .
وقال الطبري : ولقد أخطأ من آثر لباس الشَّعر ، والصوف على لباس القطن ، والكتان ، مع وجود السبيل إليه من حلِّه .
" تفسير القرطبي " ( 7 / 197 ) .(/4)
3. لا يحل لك أن تحرم على نفسك شيئا من زينة اللباس ونحوه ، مما أحله الله لك ، ولو كان نفيسا غالي الثمن ، أو تتركه تركا مطلقا ، تقرباً إلى الله تعالى بهذا الترك .
قال تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) الأعراف/ 32 .
قال القرطبي – رحمه الله - :
دلت الآية على لباس الرفيع من الثياب ، والتجمل بها في الجمع ، والأعياد ، وعند لقاء الناس ، ومزاورة الإخوان .
قال أبو العالية : كان المسلمون إذا تزاوروا تجمَّلوا .
" تفسير القرطبي " ( 7 / 196 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومن امتنع عن نوع من الأنواع التي أباحها الله على وجه التقرب بتركها : فهو مخطئ ، ضالٌّ .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 137 ) .
وقال – رحمه الله - :
وكذلك اللباس : فمَن ترك جميل الثياب بُخلاً بالمال : لم يكن له أجر ، ومَن تركه متعبِّداً بتحريم المباحات : كان آثماً .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 138 ) .
4. إذا لبستَ ما أباحه الله لك من الثياب مظهراً لنعمة الله عليه : فإنك مأجور على ذلك ، ولو كانت ثيابك في غاية النفاسة والرفعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومن تناول ما أباحه الله من الطعام واللباس مُظهراً لنعمة الله ، مستعيناً على طاعة الله : كان مُثاباً على ذلك .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 137 ) .
وقال – رحمه الله - :
ومَن لبس جميل الثياب إظهاراً لنعمة الله واستعانة على طاعة الله : كان مأجوراً ، ومَن لبسه فخراً وخيلاء : كان آثماً ؛ فإن الله لا يحب كل مختال فخور .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 139 ) .
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - :(/5)
لبس الدنيِّ من الثياب يذمّ في موضع ، ويحمد في موضع : فيُذم إذا كان شهرة وخيلاء ، ويُمدح إذا كان تواضعاً واستكانةً ، كما أن لبس الرفيع من الثياب يُذمّ إذا كان تكبّراً وفخراً وخيلاء ، ويُمدح إذا كان تجملاً وإظهاراً لنعمة الله .
" زاد المعاد " ( 1 / 146 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
والذي يجتمع من الأدلة : أنَّ مَن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه ، مستحضراً لها ، شاكراً عليها ، غير محتقر لمن ليس له مثله : لا يضره ما لبس من المباحات ، ولو كان في غاية النفاسة ، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة مِن كِبْر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ، وغمط الناس ) ، وقوله ( وغَمْط ) بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهملة : الاحتقار .
" فتح الباري " ( 10 / 259 ، 260 ) .
5. لا يُلزم المسلم بشراء الثياب الغالية الثمن ، بل قد يُنهى عنه إذا كان لا يجد المال الذي يشتري به ، أو إذا قصد الفخر والخيلاء ، وقد يؤجر على تركه شراء تلك الثياب بشرطين :
أ. أن يكون ذلك الترك للشراء تواضعاً لا بُخلاً .
ب. أن لا يلتزم الترك مطلقاً ، بل يشتريها أحياناً لمناسبة زواج ، أو غيرها ، أو إذا أُهديت له ، والمهم أن لا يلتزم ترك لباسها مطلقاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومَن ترك لبس الرفيع من الثياب تواضعاً لله ، لا بخلاً ، ولا التزاماً للترك مطلقاً : فإنَّ الله يثيبه على ذلك ، ويكسوه مِن حلل الكرامة .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 138 ) .
6. التوسط في الأمور حسن ، فلِمَ تحصر نفسك بين منعها من الغالي من الثياب ، وبين إلباسها البالي منها ؟! وأين أنت من الثياب الوسط بينهما ؟ .(/6)
قال أبو الفرج ابن الجوزي : كان السّلف يلبسون الثّياب المتوسّطة ، لا المترفّعة ، ولا الدّون ، ويتخيّرون أجودها للجمعة والعيدين وللقاء الإخوان ، ولم يكن تخيّر الأجود عندهم قبيحاً .
انظر " تفسير القرطبي " ( 7 / 197 ) و " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 139 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر ، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات ؛ لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا ، فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور ، كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه ، ويرد عليه صريح قوله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها ، وملازمة الاقتصار على الفرائض ـ مثلا ـ وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة ، وخير الأمور الوسط . " انتهى من فتح الباري (9/106) .
7. وليس كل ثوب رخيص الثمن يكون لبسه من الزهد ، فأهل العلم والزهد لم يتعارض زهدهم مع اللباس الجيد الرفيع ، ومن نظر للزهد على أنه في الثياب ـ فقط ـ فهو مخطئ ، فترى الرجل يتمتع بأنواع الفرش في بيته والسيارات والمأكولات والمشروبات ، ويحصر زهده في ثوبه ونعله ! ولم يكن هذا هدي سلف هذه الأمة من العُبَّاد والزهَّاد والعلماء .
قال القرطبي – رحمه الله - :
وقد اشترى تميم الداري حلة بألف درهم كان يصلي فيها ، وكان مالك بن دينار يلبس الثياب العدنية الجياد ، وكان ثوب أحمد بن حنبل يُشترى بنحو الدينار .
أين هذا ممن يرغَب عنه ، ويؤثر لباس الخشن من الكتان والصوف من الثياب ! ، ويقول : " ولباس التقوى ذلك خير " هيهات ! أتَرى مَن ذكرنا تركوا لباس التقوى ، لا والله ! بل هم أهل التقوى ، وأولو المعرفة والنُّهى ، وغيرهم أهل دعوى ، وقلوبهم خالية من التقوى .(/7)
" تفسير القرطبي " ( 7 / 196 ) .
8. فإن قلتَ إن هذا من جهاد النفس ! وإن أفعالنا إنما تكون لله لا للخلق ! : فالجواب :
قال القرطبي – رحمه الله - :
إن قال قائل : تجويد اللباس هوى النفس ، وقد أُمرنا بمجاهدتها ، وتزينٌ للخلْق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق ! .
فالجواب :
ليس كل ما تهواه النفس يُذم ، وليس كل ما يُتزين به للناس يكره ، وإنما يُنهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه ، أو على وجه الرياء في باب الدِّين .
فإن الإنسان يجب أن يُرى جميلاً ، وذلك حظ للنفس لا يلام فيه ، ولهذا يسرِّح شعرَه ، ويَنظر في المرآة ، ويسوِّي عمامته ، ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل ، وظهارته الحسنة إلى خارج ، وليس في شيء من هذا ما يكره ، ولا يذم .
" تفسير القرطبي " ( 7 / 197 ) .
9. اللباس غالي الثمن يكون – غالباً – أفضل للبدن ، وأطول حياةً ، هكذا الأمر بالنسبة للنعل ، فإنه يكون أكثر راحة للقدمين ، ويعمِّر طويلاً ، فحرص المسلم على راحته وبذل الثمن المرتفع من أجل ذلك : لا يحرَّج عليه فيه .
10. وانظر أخي الفاضل لقلبك وتفقد أحوالك من حيث الأوامر والنواهي ، وإياك أن تجعل ميزانك في قربك من ربك تعالى : قدَم ثيابك وترقيعها ، ولذا كان بكر بن عبد الله المزني رحمه الله يقول : البسوا ثياب الملوك ، وأميتوا قلوبكم بالخشية .
وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول :
أَجِدِ الثيابَ إذا اكتسيتَ فإنَّها *** زين الرجال بها تُعزُّ وتُكرم
ودع التواضع في الثياب تخشعا *** فالله يعلم ما تَجنُّ وتَكتُم
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة *** عند الإله وأنت عبد مجرم
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن *** تخشى الإله وتتقي ما يحرم
وعلَّق عليها ابن كثير بقوله :(/8)
وهذا كما جاء في الحديث : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ثيابكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) – رواه مسلم - ، وقال الثوري : " ليس الزهد في الدنيا بلبس العبا ، ولا بأكل الخشن ، إنما الزهد في الدنيا قصر الأمل " .
" البداية والنهاية " ( 8 / 11 ) .
والخلاصة :
أن الذي ينبغي للمرء من اللباس هو ما يناسب حاله : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) ؛ فمن لبس رفيع الثياب : إظهارا لنعمة الله عليه ، وتمتعا بما يباح له من الطيبات ، من غير إسراف ولا مخيلة ، فله ذلك ، ولا ينقص من قدره ولا ورعه شيئا ، بل يؤجر ـ إن شاء الله ـ على قصده الحسن .
ومن ترك رفيع الثياب ، تواضعا واستكانة لله تعالى ، فهو أمر حسن ، لكن على ألا يخرج من ذلك إلى شيء من الشهرة ، أو يحرم على نفسه ـ أو غيره ـ شيئا من الطيبات ، أو يفعل ذلك على جهة الالتزام المطلق ، مهما كانت حاله .
وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " عَنْ الْمُتَنَزِّهِ عَنْ الْأَقْمِشَةِ الثَّمِينَةِ مِثْلِ الْحَرِيرِ وَالْكَتَّانِ الْمُتَغَالَى فِي تَحْسِينِهِ وَمَا نَاسَبَهَا : هَلْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ أَجْرٌ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَمَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَالْحَرِيرِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ ...(/9)
وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ : فَيُثَابُ عَلَى تَرْكِ فُضُولِهَا ، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ ، كَمَا أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْمُبَاحَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ النَّارِ : { إنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } { وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } { إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } . وَالْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحَاتِ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَهُوَ مِنْ الْعُدْوَانِ الْمُحَرَّمِ ، وَتَرْكُ فُضُولِهَا هُوَ مِنْ الزُّهْدِ الْمُبَاحِ .(/10)
وَأَمَّا الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلِ الْمُبَاحَاتِ مُطْلَقًا ؛ كَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ لُبْسِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا الصُّوفَ ، وَيَمْتَنِعُ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ ، وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِنْ الزُّهْدِ الْمُسْتَحَبِّ فَهَذَا جَاهِلٌ ضَالٌّ مِنْ جِنْسِ زُهَّادِ النَّصَارَى . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِسَبَبِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى تَرْكِ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ . كَاللَّحْمِ وَنَحْوِهِ وَتَرْكِ النِّكَاحِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ وَيَقُولُ الْآخَرُ : أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ وَيَقُولُ الْآخَرُ : أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ . لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ . فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مُرُوهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ وَأَنْ يَتَكَلَّمَ وَأَنْ يَجْلِسَ وَيُتِمَّ صَوْمَهُ } .(/11)
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } . فَأَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَالشُّكْرِ لَهُ ، وَالطَّيِّبُ هُوَ مَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ وَهُوَ مَا يَضُرُّهُ ، وَأَمَرَ بِشُكْرِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ ؛ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظورِ ... " انتهى من مجموع الفتاوى (22/133-134) .
تنبيه :
وكل ما قلناه عن اللباس فإنه يشمل النعل كذلك ، وقد اجتمعا في حديث ابن مسعود والذي فيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمن أخبره أن الرجل " يحب أن يكون ثوله حسناً ، ونعله حسنة ) .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ ) .
رواه النسائي ( 2559 ) وابن ماجه ( 3605 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ .
رواه البخاري عنه في صحيحه ، في كتاب اللباس ( 5 / 2180 ) .
والله أعلم(/12)
رقم السؤال:
97031
العنوان:
يشتري الذهب ويدفع نصف السعر ويؤجل الباقي
السؤال:
إذا اشترى رجل ذهبا من صائغ ولم يدفع إلا نصف السعر ويبقى عليه دين لأجل مسمى هل هذا جائز أم ربا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز شراء الذهب بالذهب أو بالفضة أو بالنقود إلا يدا بيد ، فإن أَجَّل شيئا من الذهب أو من الثمن فهو ربا ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناس مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر ، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة ، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين فهل هذا جائز أو لا ؟
فأجابوا :
إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز ، بل هو حرام ؛ لما فيه من ربا النسأ ( أي : تأخير القبض ) . وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/466)
وبناء على ذلك فالواجب التوبة إلى الله تعالى من هذه المعاملة المحرمة ، وبيان حكمها للناس ، حجزا لهم عن الوقوع في الربا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97083
العنوان:
نصائح لأبٍ ترك ابنُه حفظ القرآن بسبب النية ، ونصائح للابن
السؤال:
لدي ولد يحب الخير كثيراً ، ويدعو إليه ، ويحفظ القرآن ، ويحافظ على الصلاة من الصغر ، وفي الآونة الأخيرة بدأ يهمل الحفظ ، ولا يرغب في الذهاب إلى حلقة تحفيظ القرآن ، ويقول : إنه لم يحفظ إلا من أجلي ، ولم يصلِّ في الناس إماماً إلا من أجلي ، وأنه سمع أحد المشايخ يذكر حديث أن من يحفظ أو يصلي من أجل أبيه أو أمه سوف يجر إلى النار ، وحديث أن من حفظ القرآن من أجل أن يقال عنه أنه قارئ يسحب إلى النار ، ويقول : إنه من بعد هذه الخطبة وهو يفكر في هذا الكلام والعذاب ، حيث ناقشته أن هذا من الشيطان ، وأن يصلح النية أنه يحفظ القرآن من أجل أن يتعبد الله فيه ، ولكنه يحدثني والدموع نزلت من عينه ومخنوق في الكلام ، ولا أدري ماذا أفعل معه ، مع العلم أني من ذلك الوقت وأنا لا أكلمه ، ولا أمزح معه مثل إخوانه ، محاولة مني أن يعدل عن رأيه ، ولكنه مصر على عدم الذهاب إلى حلقة التحفيظ ، وهو في الصف الثالث المتوسط .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يصلح لك ذريتك ، وأن يجزيك خير الجزاء على اهتمامك وعنايتك ببذل النصح والتوجيه والإرشاد لمن ولاَّك الله تعالى مسئوليتهم .
واعلم أيها الأخ الفاضل أن تربية الأولاد شاقة ، وأنها تحتاج لعلم وحكمة ، ولصبر وجلَد ، فالأولاد – ذكوراً وإناثاً – يمرون في مراحل مختلفة من أعمارهم ، ولكل مرحلة مشكلاتها ، فعليك معرفة هذا ، والانتباه له قبل الشروع في حل مشكلة ابنك وتركه لحفظ القرآن .
ثانياً :
لا ينبغي للآباء التخلي عن مسئوليتهم في تربية أولادهم لحدَثٍ يحصل مع أحدهم ، ولا ينبغي لهم ترك توجيههم والعناية بهم ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عنهم يوم القيامة ، ورعيته – من زوجة وأولاد – من الأمانة التي حذَّر الله تعالى من التفريط في القيام بحقوقها .(/1)
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) التحريم/6 .
وقال تعالى : ( إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإنسَنُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب/72 .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ) . رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى : فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءَهم كباراً .
" تحفة المودود " ( ص 229 ) .
ثالثاً :
ما فعله ابنك من ترك الاستمرار في حفظ القرآن والقيام بالإمامة يحتمل أحد أمرين :
الأول : أن يكون صادقاً في قوله ، وهذا هو الذي يظهر لنا في الواقع ، وهنا يجب عليك نصحه وتوجيهه بالتي هي أحسن ، وإفهامه أنه لا يتعارض ما تأمره به مع الإخلاص في النية ، وأنه يستطيع إصلاح نيته لو كانت فاسدة ، فإصلاحها خير له في دنياه وآخرته من ترك العمل بالكلية ، وإفهامه أن من طرق الشيطان في الصد عن الطاعات وترك الاستمرار بها : الوسوسة للمسلم بأن نيته غير سليمة ، وأنه لا يعمل لأجل الله ، فيترك هذا المسلم الطاعة إن كان بدأ بها ، أو يتوقف عن إنشائها والقيام بها إن لم يبدأ بها ، ويكون الشيطان قد ظفر منه بمراده .(/2)
ويمكنك أن تسأل ابنك هذا : ماذا سيصنع مع أولاده عندما يرزقه الله تعالى ذرية ويكون مسئولاً عنها يوم القيامة ؟ لا شك ـ إن شاء الله ـ أنه سيجيبك بأنه سيأمرهم بما فيه نفعهم ، ويحثهم على الطاعة والعبادة ، ومنها حفظ القرآن والصلاة ، فإن صدق معك وأجابك بهذا : فيكون قد ألزم نفسه ، وحجَّ نفسه بنفسه ، وهو ما فعلتَه أنت معه .
وننصحك أخي الفاضل أن لا تكثر من اللوم عليه ، والنقاش معه ، ويمكنك الذهاب لعالِم أو طالب علم يثق به لتعرض الأمر عليه ، فيسمع من غيرك من أهل العلم ما يطمئن به قلبه ، ويريح به نفسه ، ولا تُلزم نفسك أن تكون أنت الناصح المغيِّر له قناعته ، بل اجعل ذلك لغيرك ، حتى يكون ذلك عن رضا تام منه بما يسمع .
كما ننصحك بالكف فوراً عن مقاطعته ، والكف عن ترك حسن معاملتك له ، بل هو الآن أحوج ما يكون لك ولعطفك ، فهو يعاني من أمرٍ عانى منه أئمة وعلماء ، وهو " النية " ، ومنه ما قاله الإمام سفيان الثوري رحمه الله : " ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي " ، فإياك أن تتخلى عنه ، وإياك أن تقسو عليك في العاملة وإلا خسرته للأبد ، ونسأل الله تعالى أن لا يكون ذلك .
والاحتمال الثاني : أن يكون كاذباً ، وهنا يجب أن تعلم أنه قد أصاب ابنَك مرضُ " الفتور " و " ضعف الهمة " ، ولتلك الأمراض أسبابها الكثيرة ، ومنها :
1. تأثير الصحبة السيئة عليه .
2. كثرة الواجبات الدراسية والمنزلية عليه ، فتتزاحم عنده الأمور ، فيتخلى عن بعضها .
3. إثقاله ببرنامج الحفظ ، وهو ما يسبب له مللاً وسآمة .
4. عدم الترويح عنه بالمباحات من الأمور ، كالرحلات ، واللعب ، ومشاهدة البرامج النافعة المفيدة ، فمن حرص بعض الآباء على أولادهم لا يلتفتون لهذه الأمور التي تروِّح عن النفس ، وتزيد النشاط للعبادة والطاعة .(/3)
5. وصوله لمرحلة البلوغ والمراهقة ، وهي مرحلة خطيرة في حياة الشباب ، يجب على الآباء الاهتمام بأولادهم إن وصلوا لها ، فيعامل أبناءه على أنهم رجال لا أطفال ، ويخفف الأوامر التي يلقيها عليهم ، وتبدأ مرحلة الإقناع والتفاهم ، وهو ما يختلف بالكلية عن السن التي كانوا فيها صغاراً .
وما ذكرناه هو بعض الأسباب المحتملة ، وأنت عليك الوقوف على حقيقة أمره ، إن كان صادقاً أو كاذباً ، ولذا فإننا قلنا إن تربية الأولاد شاقة ، وتحتاج لعلم وحكمة ، وصبر وجلَد ، فليس الأمر بالهين ، وخاصة مع كثرة المفسدات والملهيات والحرب على الفضيلة والعفاف والاستقامة من الداخل والخارج .
فابحث عن الأسباب التي من أجلها ترك الحفظ والاستقامة ، فإن كان صادقاً : فبما ذكرناه لك ، وإن كان كاذباً : فعالج ما ذكرناه لك من الاحتمالات ، واستعن بالله تعالى أن يوفقك ويهديك ويسددك ، ولا تنس الدعاء لولدك فهو أحوج ما يكون له منك .
وهذه تجربة لقارئ مشهور وهو الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي – توفي سنة 1388 هـ - فاقرأ ماذا كتب ولده " محمد الشافعي " عنه ، وعن طريقة عنايته ورعايته وتحفيظه القرآن لأولاده .
قال الأستاذ محمد حسين إبراهيم الرنتاوي :(/4)
ويكشف الشافعي محمد صدّيق – اسم ولد الشيخ - عن ملامح تربوية من حياة والده فيقول : كان أبي حريصاً على أن نؤدي الفرائض ، وكثيراً ما اصطحبنا للمساجد التي يقرأ فيها القرآن ، وكان ذلك فرصة لي لزيارة ومعرفة معظم مساجد مصر ، كما كان يراقبنا ونحن نختار الأصدقاء ، ويصر على أن يكونوا من الأسر الملتزمة خُلُقاً وديناً ، ويشارك أبناءه في المذاكرة ، ويساعدهم في أداء الواجبات المدرسية ، ويحضر مجالس الآباء في المدارس التي يلتحق بها أبناؤه ، وخلال الإجازة الصيفية كان يشاركنا في الرياضات مثل السباحة والرماية في النهار ، وفي الليل يقرأ لنا الكتب الدينية التي تناسب أعمارنا ، حتى إذا تعوّد الواحد منّا على القراءة : زوّده بالكتب ، وشجّعه على قراءة المزيد ، وقبل هذا وذاك يأتي تحفيظ القرآن الكريم للأبناء ، حتى من تركه صغيراً : أوصى والده الشيخ صدّيق أن يحفّظه القرآن ، وقد فعل .
انتهى
مقال بعنوان " مقرئ الصحوة الإسلامية المعاصرة القارئ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي ( 1920 م – 1969 م ) .
مجلة " الفرقان " الصادرة عن " جمعية المحافظة على القرآن " الأردن ، العدد الواحد والأربعون ، جمادى الأولى 1426هـ ، حزيران 2005 م .
رابعاً :
وهذه لابنك ، الذي نسأل الله تعالى أن يوفقه ويهديه لما يحب ويرضى ، فنقول له :
اعلم أولا ـ أيها الابن الحبيب ـ أن هذه الحيلة الشيطانية للصد عن سبيل الله معروفة قديمة : يريد اللعين أن يصد العبد عن أبواب الخير ، ما وجد إلى ذلك سبيلا ، ويدخل لكل إنسان من المدخل الذي يناسبه .
ولهذا قال الفُضيل بن عِياض رضي اللّه عنه :
" تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ ، والعمل لأجل الناس شِركٌ ، والإِخلاصُ أن يعافيَك اللّه منهما"
الأذكار للنووي (18) .(/5)
عن الحارث بن قيس الجعفي قال : " إذا كنت في أمر الآخرة فتَمَكَّث ، وإذا كنت في أمر الدنيا فتوَخَّ ، وإذا هممت بخير فلا تؤخره ، وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال : إنك ترائي فزدها طولا " رواه الإمام أحمد في الزهد (430) بإسناد صحيح عنه .
ولا شك أنك تعلم أن منزلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، وفي ظننا أنك تعلم أنه من العلماء الثقات ، ونعتقد أنك تكن له الاحترام والتقدير ، ونحن لن نتجاوز الشيخ ، وسنتركك معه لنعرض مشكلتك عليه ، ونرجو منك الاهتمام بجوابه والعمل به ، ففيه السعادة والخير لك في الدنيا والآخرة .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما نصيحتكم لطالب علم اجتهد في إصلاح نيته ، واجتهد في الإخلاص ، ولكنه لم يقدر ، وهو خائف من أن تصدق عليه الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد لمن كانت نيته ليست خالصة لله ، ويوشك أن يترك طلب العلم ، وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين ؟ .
فأجاب :
إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم ؛ وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلِّها وأعظمها ، حتى جعله الله تعالى عديلاً للجهاد في سبيله حيث قال تبارك وتعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم ، ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ، والآخرون يقاتلون في سبيل الله .(/6)
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) ، فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقَّهه في دينه : فليبشر أن الله تعالى أراد به خيراً ، ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم ، بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم :
أولاً : امتثال أمر الله تبارك وتعالى ؛ لأن الله تعالى قال : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ، قال البخاري رحمه الله : فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .
ثانياً : أن ينوي بتعلمه : حفظ شريعة الله ؛ فإن الشريعة تُحفظ في الصدور ، وتُحفظ في الكتاب المسطور .
ثالثاً : أن ينوي بتعلمه : حماية شريعة الله عن أعدائها ؛ لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة ، فلينوِ بطلب العلم : حماية هذه الشريعة العظيمة .
رابعاً : أن ينوي بذلك : المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحدٌ ، وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به ، بل ينبغي أن نقول : الذي يهاجم به أعداء الله ، ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله ، والناس يختلفون في هذا الشيء ، فمن الناس من يحاجّ في العقيدة ، فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ، ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة ، فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة ، وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة ، وهلم جرّاً .
( خامساً ) : كذلك أيضاً ينوي طالب العلم بطلبه العلم : أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل ؛ لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله ، لا في وضوئه ، ولا صلاته ، ولا صدقته ، ولا صيامه ، ولا حجه ، وأيضاً يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها .(/7)
فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلِّها وأعظمها نفعاً ، ولهذا تجد الشيطان حريصا على أن يصد الإنسان عن العلم ، فيأتيه مرة بأنَّه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا إنه عالم فيستحسر ويقول : مالي وللرياء ، أو يقول له : انوِ بطلبك العلم الشرعي شيئاً من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد ( من طلب علما مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم ير رائحة الجنة ) ، ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم ، ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن يمضي لسبيله ، ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه ، وكل ما أحس بما يثبطه عن العلم - بأي وسيلة - : فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وليقل " اللهم أعني " ، وما أشبه ذلك .
وأقول لهذا الطالب :
امض لسبيلك ، اطلب العلم ، لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ، ولا عن طلب العلم ، واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ، ولكن تصحيح النية أمر سهل ، فامض أيها الشاب في سبيلك ، واستعن بالله عز وجل ، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم .
" فتاوى نور على الدرب " ( العلم ) / نقلاً عن موقع الشيخ العثيمين – رحمه الله - .
وفي ظننا أن فيك خيرا كثيرا ، إن شاء الله ، وأن كلام أئمة العلم والدين ، ونصيحة الشيخ العثيمين رحمه الله سيكون لكل ذلك موقعه من عقلك وقلبك وحياتك .
واعلم أن والدك لا يريد لك إلا الخير ، وأن كل ما تفعله من الطاعات والعبادات فهو لك ولوالديك .
ثم تذكر ـ أيها الابن الحبيب ـ أن الفوز ببركة القرآن في الدار الآخر مشترك بينك وبين أبويك ، فالخسارة بإهماله ـ من ثم ـ مشركة بينك وبينهما :(/8)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) .
رواه أبو داود (1464) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ القرآن و تعلمه و عمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور ، ضوؤه مثل ضوء الشمس ، و يكسى و الداه حلتان لا يقوم لهما الدنيا ، فيقولان : بم كسينا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن "
رواه الحاكم (1/756) وقال صحيح على شرط مسلم ، وقال الألباني : " حسن لغيره " كما في صحيح الترغيب .
فالخير والسعادة في طاعة الله في الدنيا ، وطاعة والديك واجبة عليك ، والعبادات التي تفعلها ليست لأحدٍ من البشر ، إنما هي لله تعالى ربك ، ونسأل الله تعالى أن يهديك ويوفقك لما يحب ويرضى .
والله الموفق(/9)
رقم السؤال:
97087
العنوان:
وجدت لقيطا وتريد من بناتها إرضاعه حتى تكون محرما له
السؤال:
هناك جارة لنا وجدت طفلا رضيعا عمره لا يتعدى الساعات القليلة وهي تخاف عليه من معاملة الملاجئ للأطفال وتريد تربيته ولكن عندما يكبر الطفل يحرم عليها جلوسه معها في البيت وهي تقول إنها إن ربته ستحبه مثل أولادها ويصعب عليها تركه ولها أولاد بنات متزوجات ولهم أولاد رضع فهل لها أن تجعل أولادها يرضعن هذا الطفل وتصبح جدة له عن طريق الرضاع وبذلك لا يكون هناك حرج من جلوسه معها في البيت أم أن هذا يعتبر حيلة مذمومة ؟ أرضعت أمي ابنة جارتنا مع أخ كبير لي مرات عديدة وبهذا أصبحت أختا لأخي في الرضاعة فهل هي وأخواتها الأشقاء أصبحوا إخوة لي أنا أيضا أم إخوة لأخي الذي رضع معها فقط وهذا السؤال لتحديد مدى حدود التعامل معهن هل ستكون معاملة إخوة أم أجانب ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أرضعت إحدى بنات جارتك هذا الطفل خمس رضعات ، صار ابنا لها من الرضاعة ، وصارت جارتك جدةً له من الرضاعة ، وصار جميع بناتها –بنات الجارة- خالات له من الرضاعة ، وبهذا تتمكن من تربيته صغيراً وكبيراً دون حرج ؛ لأنه محرم لها .
وهذا لا يعد حيلة ، بل هو مخرج شرعي لرفع الحرج ، وبه تتمكن المرأة من تربية هذا الطفل ورعايته ، ويرجى لها بذلك الأجر والمثوبة من الله تعالى . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة في شأن سالم مولى أبي حذيفة : ( أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ) رواه مسلم (1453).
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
97098
العنوان:
إذا مات وهو جنب
السؤال:
ما هو حكم من مات جنبا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
موت الإنسان وهو جنب لا يدل على ضعف دين أو سوء خاتمة ، ما دام قد أجنب بسبب مباح، كجماع الزوجة أو الاحتلام .
وقد استشهد حنظلة رضي الله عنه وهو جنب ، وغسلته الملائكة ، وقصته مشهورة ، رواها ابن إسحاق وغيره ، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" .
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنها أن حمزة رضي الله عنه استشهد وهو جنب . قال ابن حجر : إسناده لا بأس به.
ثانياً :
إذا مات الرجل جنبا ، أو ماتت المرأة حائضا ، فإنه يغسل غسلاً واحدا ، فيكفي غسل الموت عن غسل الجنابة والحيض.
لأنه اجتمع سببان للغسل : الجنابة أو الحيض والموت فيكفي غسل واحد عنهما ، كما لو اجتمع أكثر من سبب للوضوء ، كخروج الريح ، والبول ، والنوم العميق ، فإنه يكفي عنها جميعاً وضوء واحد .
وانظر : "كشاف القناع" (2/87) .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/123) : " مذهبنا أن الجنب والحائض إذا ماتا غسلا غسلا واحدا , وبه قال العلماء كافة إلا الحسن البصري فقال : يغسلان غسلين . قال ابن المنذر : لم يقل به غيره " انتهى.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97117
العنوان:
هل يصح النكاح إذا قالت المرأة لخاطبها زوجتك نفسي في حضور وليها ؟
السؤال:
هل عقد النكاح صحيح إذا باشرت المرأة العقد بنفسها مع خاطبها بقولها له : (زوجتك نفسي ) بحضور وليها وهو أبوها وإذنه بالزواج وشاهدين عدلين وكثير من أهلها وأهل الخاطب وتم الإيجاب والقبول على ذلك بإذن وليها وهو أبوها وموافقته على الزواج .
الجواب:
الحمد لله
ليس للمرأة أن تباشر عقد النكاح بنفسها ، في قول جمهور العلماء ، سواء أذن لها الولي أم لم يأذن ، والواجب أن يباشر ولي المرأة بنفسه عقد النكاح أو يوكل رجلاً يتولى العقد نيابة عنه .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : 0 لا نكاح إلا بوليّ ) رواه أبو داود (2085) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1839) .
وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام : رجاله ثقات .
وصححه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/285) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1848) .
قال الصنعاني في سبل السلام :
" فيه دليل على أن المرأة ليس لها ولاية في النكاح لنفسها ولا لغيرها ، ..فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره ، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة ، وهو قول الجمهور " انتهى باختصار
وقال في "مغني المحتاج" من كتب الشافعية (4/239) : " ( لا تزوج امرأة نفسها ) أي لا تملك مباشرة ذلك بحال لا بإذن ولا بغيره ، سواء الإيجاب والقبول ; إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا .
وروى ابن ماجه: ( لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها ) وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين " انتهى باختصار .
وعلى هذا ، فإن كان قد تم عقد النكاح بالصورة المسئول عنها ، فإنه لا يصح ، ويلزم إعادته ويتولاه الولي بنفسه أو من يوكله .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97124
العنوان:
زكاة الأسهم العقارية الكاسدة
السؤال:
قمت بالمساهمة في أحد المساهمات العقارية قبل أكثر من 3 سنوات وقد تعثرت المساهمة إلى وقتنا الحالي فما الحكم في الزكاة مع العلم بأن رأس المال غير مضمون استرداده فهل أخرج زكاة الفترة كاملة أم أخرج زكاة سنة واحدة مع العلم أن مدة المساهمة كانت 8 أشهر؟
الجواب:
الحمد لله
المساهمات العقارية ، تزكى زكاة عروض التجارة ، لأن هذه الشركات العقارية تشتري الأرض بقصد التجارة فيها .
فيجب عليك في نهاية الحول أن تقوّم أسهمك في هذه الشركة بما تساويه ، وتخرج زكاتها ، ربع العشر .
والحول يبدأ من امتلاك المال البالغ للنصاب ، الذي اشتريت به هذه الأسهم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المساهمة في أرض تابعة لمؤسسة عقارية :
"هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يؤدون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً ، وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثون ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/226) .
وسئل أيضا رحمه الله عن شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة ، هل عليها زكاة ؟
فأجاب : " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت ، وسواء نَفَقت أو كسدت ، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قَيَّد الزكاة في كل سنة بسنتها ، وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12).(/1)
ولكن إذا كسدت الأرض أو الأسهم ، حتى أصبح أهلها يعرضونها للبيع ولا يجدون من يشتريها منهم ، فمن أهل العلم من يراها حينئذ كالدين الذي عند شخص فقير لا يستطيع الوفاء ، فالزكاة لا تجب فيها إلا عند بيعها ويزكيها لسنة واحد فقط ، والأحوط أن يزكيها لجميع السنوات .
ينظر : "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/206) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97125
العنوان:
الاختلاف بين الزوجين في المسائل الخلافية
السؤال:
كيف يكون التصرف في حال أراد أحد الزوجين القيام بشيء فيه خلاف بين الفقهاء ، وكان كل منهما يؤيد فتوى مختلفة عن الآخر ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الواجب على الزوجة طاعة زوجها إلا أن يكون في ذلك في معصية ، أو فيما يضرها ، أو يضيع حقوقها ، فإنها لا تطيعه .
وأما المسائل الخلافية التي تكون بين العلماء ويكون للزوجة فيها ترجيح يختلف عن ترجيح الزوج فيأمرها بخلاف ترجيحها واعتقادها : فإن هذا يختلف باختلاف المسألة نفسها :
1. فإن كانت تتعلق بعبادتها – الواجبة أو المستحبة - من حيث الحكم أو الكيفية ، وكان ذلك لا يؤثِّر على الزوج في تضييع حقوقه ، ولم يكن في فعلها إساءة له : فلا يجب عليها أن تفعل ما ليست مقتنعة به إن أمرها زوجها أن تفعله ، ومثال ذلك : زكاة الذهب ، فإن كانت تعتقد وجوب زكاة الذهب ولو اتخذ للزينة – كما هو الراجح - : فإنه ليس من حق الزوج أن تطيعه في عدم إخراج زكاة ذهبها ـ من مالها ـ إن كان يرى هو أنه لا زكاة واجبة على ذهب الزينة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف - الذي أشرنا إليه آنفاً - ، وهذا حرام عليه ، لا يحل للزوج ، ولا للأب ، ولا للأخ أن يمنع أحداً يريد أن يزكي ماله ، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا ، وأن تخرج الزكاة رغماً على أنفه ؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج ، وقضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل ، فتقول للزوج - مثلاً - إذا قال : هذه مسألة خلافية ، وأنا ما أعتقد الوجوب ، تقول : أنت لك اعتقادك ، وأنا لي اعتقادي ، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة ، وأنا يترجح عندي أنها واجبة ، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل ، فإذا قالت : أخشى أن يغضب : فلنا عن ذلك جوابان :(/1)
أحدهما : أن نقول : وليكن ذلك ؛ لأن غضبه في رضى الله ليس بشيء .
والجواب الثاني : أن نقول : تداريه ، يعني : أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم ، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك .
لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم : اتقوا الله ! ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب ، وكذلك الأب لو قال لابنته : لا تخرجي الزكاة أنا ما أرى وجوبها : فإنها لها الحق أن تقول : لا سمع ولا طاعة ، السمع والطاعة لله ولرسوله ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، لكن إذا خافت أن يغضب - لأن بعض الناس عقله ضعيف ، ودينه ضعيف - : فإنها تداريه ، وتُخرج بدون علمه .
جلسات رمضانية لعام 1412هـ السؤال رقم ( 5 ) .
ومثله أيضاً : ما يتعلق بكيفية الصلاة كالنزول على اليدين أو الركبتين ، أو القبض بعد الركوع وعدمه ، فإن مثل هذه المسائل لا تُلزم الزوجة برأي زوجها وترجيحها إن كانت تخالفه إلا أن ترى أن هذا يسعها ، أو تقتنع برأيه وترجيحه .
2. وإن كانت المسألة تتعلق بعبادة أو طاعة من النوافل تؤثر على حقوقه : فلا يجوز لها فعلها ، بل قد نهيت عن ذلك ، كما هو الحال في صيام التطوع دون إذنه ، وكما لو خرجت من بيتها لصلة رحم أو زيارة مباحة دون إذنه ؛ لأن في أفعالها تلك تضييعاً لحقوقه ، وهي غير آثمة بتركها ، بل تؤجر على طاعة ربها في إعطاء زوجها حقه بتركها من أجله .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
وله منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به بغير خلاف ، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع .
ولأنه تطوع يفوِّت حق زوجها ، فكان لزوجها منعها منه ، كالاعتكاف ، فإن أذن لها فيه : فله الرجوع ما لم تتلبس بإحرامه ، فإن تلبست بالإحرام : لم يكن له الرجوع فيه ، ولا تحليلها منه ؛ لأنه يلزم بالشروع ، فصار كالواجب الأصلي .(/2)
" المغني " ( 3 / 572 ) .
وقال – رحمه الله – في منع الزوج من عيادة والدي الزوجة - :
وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدٌّ ، سواء أرادت زيارة والديها ، أو عيادتهما ، أو حضور جنازة أحدهما ، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة : طاعة زوجها أوجب عليها من أمها ، إلا أن يأذن لها ... .
ولأن طاعة الزوج واجبة ، والعيادة غير واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب ، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما ؛ لأن في ذلك قطيعة لهما ، وحملاً لزوجته على مخالفته ، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف ، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف .
" المغني " ( 8 / 130 ) .
3. وكل شيء مباح لها : فإن له أن يمنعها منه ، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حراماً ، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها ، وتعريضه للإهانة أو التنقص ، ومثاله : تغطية وجهها ، فهي مسألة خلافية ، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها ، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها : فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب ، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه ، وهو وجوب ستر وجهها – وهو القول الراجح - ، وليس لها مخالفته ، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها ، وفعل ما هو أستر .
4. وكل ما تراه المرأة واجباً ، أو حراماً أو بدعة : فلا طاعة للزوج بترك الواجب ، أو فعل الحرام والبدعة .
وقد ذكرنا فيما سبق مثالاً للواجب ، وهو زكاة الذهب ، ومن أمثلة ما تراه الزوجة حراماً ، وهو يراه مباحاً : تغطية وجهها – عكس الصورة السابقة - ، فلو كانت ترجح حرمة كشف وجهها أمام الأجانب : لم يكن لزوجها أن يأمرها بكشفه بعلة أنه يرى إباحة كشف الوجه .
سئل علماء اللجنة الدائمة :(/3)
هل لي أن أعصي زوجي إذا طلب مني أن أكشف وجهي أمام الأجانب ؟ وهل هذا الأمر ينطبق عليه " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ؟ مع العلم من الاختلاف بين العلماء في حكم تغطية الوجه ، وهل يحل لي أن أكشف وجهي وأنا في بيتي عند وجود أهل زوجي من الرجال ، أو عندما أفتح الباب لمحصل الكهرباء أو الغاز أو عندما أخرج للشرفة لنشر الملابس مع التزامي بالحجاب الكامل دون غطاء الوجه ؟ .
فأجابوا :
يحرم على الزوجة طاعة زوجها فيما حرم الله ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ومن ذلك : كشف وجهها أمام غير محارمها من الرجال ، سواء كانوا من أقاربه ، أم أقاربها ، أم غيرهم ، في البيت ، وخارج البيت ، وفي الشرفة ، وعند فتح الباب لمحصل الكهرباء والضيوف ، ولا يكون الحجاب كاملا إلا بالمحافظة على ما ذكر .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 257 ، 258 ) .
وننبه هنا إلى أمور :
أ. أن العشرة بين الزوجين بالمعروف واجبة على الطرفين .
ب. لا يجوز للزوجين التهكم والسخرية بالطرف الآخر لترجيحه لمسألة أو لتقليده فيها .
ج. يجب على الزوجين تقليد الأكثر علماً وديناً ممن يرجعون إليه في الفتوى ، ويجب عليهما ترك اتباع الهوى في البحث عن الرخص .
د. ما كان فيه سعة من المسائل لا ينبغي للزوج التضييق فيها على زوجته ، وما كان فيه سعة منها بالنسبة للزوجة فالتزام قول الزوج أفضل وأولى .
هـ. نوصي الزوجين – والأزواج عموماً – بطلب العلم ، والبحث عن الحق ، وترك المماراة والمجادلة بالباطل ، وليضع كل واحد منكما الحق نصب عينيه .
و. الأسرة السعيدة هي التي يكون بين قطبيها المودة والألفة والحب والتفاهم ، فأنتما لستما في معهد علمي ، ولا جامعة لتجعلوا الأمور مبنية على المناقشات والمناكفات ، وكونوا قدوة لأولادكم في اتباع الحق ، والاختلاف بتعقل دون شطط .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
97142
العنوان:
مسؤولية الزوجة تجاه زوجته وأولاده
السؤال:
بالنسبة إلى الزوج ، وهو : " راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته " ، ما هو مستوى العلم والتدين الذي يجب أن يكون عليه ؟ هل مثلاً إذا أتت الزوجة أو الأبناء أمراً منهيّاً عنه شرعاً يكون الزوج آثماً مستحقاً لعقاب الله لتضييعه الأمانة ، وعدم نصحه لهم قبل أن يأتوه
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح : ينظر جواب السؤال رقم : ( 5202 ) و ( 6942 ) .
ثانياً :
" والرجل راعٍ في بيته ومسئول عن رعيته " كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو مسئول عن تعليم وتربية زوجته وأولاده ، ومن قصَّر في هذا الأمر ووقعت زوجته أو أولاده في معصية : كان آثماً ؛ لأنه السبب في عدم تربيتهم وتعليمهم ، وإذا لم يكن مقصِّراً ووقع بعض أهله في المعصية لم يكن آثماً ، لكن عليه أن يذكرهم ويعظهم بعد وقوعهم في المعصية ليتركوا ما وقعوا فيه من المخالفات الشرعية .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :(/1)
يبدأ تعليم الأولاد عندما يبلغون سن التمييز ، فيبدأ تعليمهم التربية الدينية ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) - رواه أبو داود وهو صحيح - ، فإذا بلغ الطفل سن التمييز : فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلِّمه وأن يربِّيه على الخير بأن يعلِّمه القرآن ، وما تيسر من الأحاديث ، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل ، بأن يعلمه كيف يتوضأ ، وكيف يصلي ، ويعلِّمه الأذكار عند النوم ، وعند الاستيقاظ ، وعند الأكل ، والشرب ؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز : فإنه يعقل ما يؤمر به ، وما ينهى عنه ، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة ، ويبيِّن له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها ، كالكذب ، والنميمة ، وغير ذلك ، حتى يتربى على الخير ، وعلى ترك الشر من الصغر ، وهذا أمر مهم جدًّا ، غفل عنه بعض الناس مع أولادهم .
إن كثيراً من الناس لا يهتمون بأمور أولادهم ، ولا يوجهونهم الوجهة السليمة ، ويتركونهم مهملين لا يؤمرون بالصلاة ، ولا يوجهون إلى خير ؛ بل ينشئون على جهل ، وعلى أفعال غير حسنة ، ويخالطون الأشرار ، ويهيمون في الشوارع ، ويهملون دروسهم ؛ إلى غير ذلك من المضار التي ينشأ عليها كثير من شباب المسلمين بسبب إهمال آبائهم ، وهم مسئولون عنهم ؛ لأن الله حمَّلهم مسئولية أولادهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) ، وهذا أمر ، وتكليف للآباء ، فالذي لا يَأمر أبناءه بالصلاة : يكون قد عصى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعل محرَّماً ، وترك واجباً عليه ألزمه به رسول الله صلى الله عليه وسلم .(/2)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) - رواه البخاري ومسلم - ، بعض الآباء - وللأسف - مشغول بأمور دنياه ، ولا يلتفت لأولاده ، ولا يفرغ لهم شيئًا من وقته ، وإنما جميع وقته مخصص لأمور الدنيا ، وهذا خطر عظيم ، كثر في بلاد المسلمين ، ساءت بسببه تربية أولادهم ، فأصبحوا لا يصلحون لدين ولا لدنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / 297 ، 298 السؤال رقم 421 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
97149
العنوان:
تريد السفر إلى كندا لإكمال دراستها
السؤال:
أنا شاب ولي خمسة إخوان ذكور ولي أخت تريد إكمال دراستها في كندا وإنني رافض هذه الفكرة وإخواني يريدون أن تذهب أختي بمفردها فأنا رفضت بشدة وقالوا لي إن كنت تقصد المحرم فاذهب أنت معها وإنني الآن في حيرة من أمري هل أذهب معها أم ماذا ؟ وإن لم أذهب تركوها تذهب بمفردها علما أنني حاولت إقناع أختي فرفضت وقالت لي أريدك أن تذهب معي أفيدوني جزاكم الله كل خير.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سفر المرأة بلا محرم ، لا يجوز ، سواء كان للدراسة أو لغيرها . وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (82392)
ثانيا :
الإقامة في بلاد الغرب ، الأصل فيها المنع ، ولا تباح إلا في حالات ضيقة . وإذا كانت المقيمة والدارسة امرأة ، فالأمر أشد . وراجع في ذلك جواب السؤال رقم (2956)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في رسالة وجهها لمسلم يقيم في إيطاليا : " فإشارة إلى رسالتك التي تذكر فيها أنك شاب مسلم تقيم في إيطاليا , وأن بها شبابا من المسلمين كثيرين , وأن أغلبهم استجاب لرغبة الصليبيين في إبعادهم عن دين الإسلام وتعاليمه السامية , فأصبح أغلبهم لا يصلي , وتخلق بأخلاق سيئة , ويعمل المنكرات ويستبيحها . . إلى غير ذلك مما ذكرته في رسالتك .(/1)
وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ).
وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا .(/2)
فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله بايعني واشترط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين ) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم; أو يفارق المشركين ) والمعنى حتى يفارق المشركين .
وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة : ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله . وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام .(/3)
وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا .
وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة , كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها , وهي قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) الآيات وما بعدها . فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة , ويرضى الإقامة في بلادهم , وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه , والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب , والمستوطن ,
حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق , إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم , وهم يقدرون على الهجرة .
وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي , وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه , منها :
1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل .
2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى , وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه , ويستطيع المدافعة عنه , ويدفع شبه الكافرين , لا يباح له السفر إليهم .
3 - من شروط السفر إلى بلادهم : أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم , وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم .
4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده; ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر , والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به , وإظهاره , واتباع أوامره , والبعد عن نواهيه , والدعوة إليه , حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام .(/4)
والله المسئول أن يصلح أحوالكم جميعا , وأن يمنحكم الفقه في دينه والثبات عليه , وأن يعينكم على الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام , وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه , وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ومن نزغات الشيطان , وأن يعيننا جميعا على كل خير , وأن ينصر دينه , ويعلي كلمته , وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه , وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم , والتحاكم إليها , والرضا بها , والحذر مما يخالفها , إنه ولي ذلك والقادر عليه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403).
وبهذا يتبين أنه ليس لك ولا لأختك السفر إلى هذه البلاد ، والواجب عليك أن تنصحها وتنصح والدك بمنعها من هذا السفر ، فإن حفظ الدين مقدم على المال والجاه والشهادة وغيرها .
نسأل الله لك التوفيق والثبات .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
97151
العنوان:
بعد هبوط الأسهم هل يبقى في السوق ليسترد ماله ؟
السؤال:
اشتريت أسهم شركة مكة في وقت ارتفاع الأسهم ثم نزل السوق وخسرت ما يقارب الثمانمائة ألف ريال بسبب هذا الانخفاض في قيمه السهم ثم قررت أن أبيع أسهم شركة مكة وأدخل مضاربا في السوق حيث أبيع وأشتري في أسهم شركة مكة لأستفيد من ارتفاعات السوق وانخفاضاته وللأسف ازددت خسارة فقررت أن أبقى في السوق لحين ارتفاع سهم شركة مكة إن شاء الله ثم أبيع وآخذ رأس مالي فقط وأخرج من السوق والسوق تمارس فيه مخالفات شرعية فهل بقائي في السوق يلحقني فيه إثم رغم أن الهيئة تحاول جاهدة لضبط السوق .
الجواب:
الحمد لله
لا حرج عليك في البقاء في السوق حتى ترتفع الأسهم ، وتحصل على مالك ، مع عدم الدخول في أي مخالفة شرعية تعلمها . هذا من حيث الحكم الشرعي .
ولكن .. لا بد لك من استشارة أهل العلم والخبرة بسوق الأسهم هل يتوقعون ارتفاعه أم استمرار هبوطه .
ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا ، وأن يجعل في هذا المصاب تكفيرا لسيئاتك ورفعا لدرجاتك ، وأن يبارك في مالك ، ويجعله عونا لك على طاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97152
العنوان:
ترفض المتقدمين للزواج فهل يمكن أن يكون سحراً ؟
السؤال:
أنا بنت عندي تقريبا 28 سنة ، مثقفه ، وملتزمة ، والكل يحترمني ، ويحبني ، والحمد لله ، لست متزوجة ، والسبب أنه كلما تقدم لخطبتي شخص أحاول أن أجد أشياء سيئة فيه حتى أرفضه ، ثم بعد ذلك أندم ، وعندي صديقة أثق فيها كثيراً ، وهي تحبني ، وتريد مصلحتي ، قالت لي قبل أيام : إن السبب هو سحر معمول لك من شخص لا يريد أن تتزوجي ، وأنا أريد أعرف حكم الإسلام بهذا الموضوع ، وهل ممكن فعلا يحصل هذا الشيء ؟ يعني : ممكن أن يعملوا لي عملاً يخليني أرفض الزواج حتى لو كنت مقتنعة بذالك الشخص ، وإذا هذا صحيح فما حله ؟ وأيضاً قالت لي إنه يوجد أشخاص يمکنهم فك هذا السحر . رجاء ساعدوني لأني بصراحة ما أصدق هذه القصة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
من ترفضينه ممن يتقدم لخطبتك لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون متصفاً بصفات سيئة في حقيقة الأمر .
والثانية : أن يكون ذلك وهماً وتخيلاً منك ، وليس واقع الأمر كذلك .
فإن كانت حاله الأولى : فقد أحسنتِ في ردِّه وعدم القبول به زوجاً ، ولا يصلح للمرأة زوجٌ إلا من حسُن دينُه وخلُقه ، فهو الذي يدلها على الخير ، ويعينها على طاعة ربها ، ويربي أولادها على أحسن الأخلاق والأقوال والأفعال .
لكننا ننبه هنا إلى أمر بالغ الأهمية ، وهو أن الحكم على بواطن الناس ليس إلى البشر ، ولم يؤمر به أحد ، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
وإذا كنا لم نؤمر بذلك ، فيكفينا من الناس ما ظهر منهم ، فمن أظهر لنا الخير أمناه ، وحكمنا عليه بما ظهر منه ، وأمره إلى الله .(/1)
عن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : ( إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ ؛ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ ؛ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ) . رواه البخاري (2641) .
ويوشك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ إن فتشت الناس ، وبحثت عن بواطنهم ألا يسلم لك أحد ؛ وانظري في نفسك ـ أولا ـ : هل أنت سالمة مما تفتشين الناس عنه :
وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّدهرَ صَاحِبُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ !! )
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا !!
رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني .
قال المناوي رحمه الله : " لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة ، أو لحصول تهمة لا أصل لها ، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم .
وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها .
والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن "
فيض القدير (1/559) .(/2)
ثم إن نصيحتنا لك ـ أيتها الأخت الكريمة ، ولأخواتنا اللاتي يبحثن عن الزوج المناسب ـ أنه لا ينبغي للمرأة أن " نتشدد " في الشروط التي ينبغي توفرها في الزوج من حيث أخلاقه وتدينه ؛ لأمرين اثنين :
الأول : أنها هي قد لا يكون عندها من الميزات والصفات من حيث التدين والجمال ما يدفع أصحاب الخلق والتدين للبحث عنها وطلب الاقتران بها ، وهنا لا يكون لرفضها وجه ؛ لأنه قد يستحيل أو يصعب مجيء من في خيالها ليطلبها زوجة ، فليراع هذا الأمر فإنه مهم .
والثاني : أن الناس درجات في أخلاقهم وتدينهم ، وإذا جاء لها صاحب خلق ودين فلتعلم أن ثمة من هم خير منه ، وثمة من هو خير منهم ، ولذا فلترض بالحد المناسب لأن يكون زوجاً يستر عليها ، ويدلها على الخير ، ويحب أن يزداد في إيمانه ، وأن لا يكون كارهاً لسترها وتدينها .
وإن كانت حاله الثانية : فالاحتمال الأكبر أن يكون ذلك بسبب الحسد أو السحر ، ويسمى هذا النوع من السحر " سحر التعطيل " ، ويمكنك معرفة هذا الحال إذا كان المتقدم للزواج صاحب خلق ودين ، ولا يكون فيه ما يعيب ، فتقبلين به ويقبل بك ، ثم لا يتم الأمر ، أو ترفضينه من غير سببٍ ظاهر .
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله - :
وأما سحر تعطيل الزواج : فكثيراً ما يشتكي النساء التعطل ، بحيث لا يتم الزواج ، مع توفر الشروط ، وعدم الموانع ، وقد يتقدم الخطباء ، ويتم القبول ، ثم ينصرفون دون إتمامه ، ولا شك أنه بسبب عمل بعض الحسدة ما يصد عن إتمامه ، وما يحصل به التغيير ، حتى إن بعض العوائل يبقون دون أن يتم تزويج نسائهم ، وإن تم الزواج لبعضهم : حدث ما يسيء الصحبة.
" الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة " ( ص 175 ) .
ثانياً :(/3)
وحل هذين الأمرين سهل ويسير بإذن الله ، فإن كان الحال هو أنك تتشددين في صفات الراغب بالزواج : فاعلمي أن حل هذا الأمر بالرضا بالزوج الذي تتوفر فيه صفات الرجولة وحب الخير والدين الذي يمنعه من فعل المحرمات ، والناس تتفاوت في هذا ، فاقبلي بمن يزكيه لك الناصح الأمين من أهل الخير والدين ، ممن له علم بحالك وحال الخاطب ؛ ولعل الله أن يجعل فيه خيراً كثيراً .
وأما حل الأمر إن كان الحال أنك أصبتِ بعينٍ ، أو تمَّ عمل سحر لكِ : فعليكِ السعي في حله بالطرق الشرعية ، وقد بيَّنا هذه الطرق في أجوبة الأسئلة : ( 13792 ) و ( 11290 ) و ( 12918 ) فلتنظر .
ولا داعي للبحث عن أناسٍ لحل السحر ؛ فالقراءة والرقية تستطيعين القيام بها وحدك ، فإن تعذَّر عليك القيام به : فابحثي عن أختٍ يوثق بدينها للقيام به ، واحرصي على البعد عن الرجال .
ونسأل الله تعالى أن يعينك ويوفقك لكل خير ، ونسأله أن يثبت قلبك على دينه ، وأن ييسر لك زوجاً صالحاً .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
97185
العنوان:
هل تقيم مع زوجها في الغرب أم ترجع لبلدها حفاظاً على دينها
السؤال:
أنا متزوجة ، وزوجي يعمل في أمريكا ، فسافرت إليه هناك ، وأول ما دخلت هذه البلاد تحطمت نفسيتي ، ولم أعد أحتمل العيش هنا ، وأنا دائماً في البيت ، لا أهل ، ولا أقارب ، ولا أصحاب ، ولا عرف أحداً هنا ـ من أهل ديننا حتى نخالطه !! فقط نعيش أنا وزوجي وأمه ، أحس كأنني في عالم آخر ، أو أنني في كهف منقطع عن العالم ، وقد أثَّر هذا الوضع على ديني ، فأصبحت لا أقوم الليل ، ولا أصوم النهار ، وحتى إني أصبحت أبحث عن أي شيء لأرفِّه عن نفسي ، فصرت أبحث – للأسف - عن مواقع الجنس ! وصور ! وغير ذلك ، والله المستعان ، اللهم اغفر لي . وأصبحت أضعف إيمانيّاً أكثر ، وأكثر ، علماً أنني كنت داعية في بلدي ، لذلك قررت الرجوع لبلدي ، وأرفع شعار " إني مهاجر إلى ربي " ؛ لأني أريد الرجوع لصديقاتي الصالحات ، وبيئتي الملتزمة ، كي أرجع إلى الله ، وأريد أن أذهب عمرة أيضاً عندما أرجع لبلدي ، ومنها أكمل دراستي ؛ لأنه بقي فصلان وأتخرج ، ولكن السبب الأساسي لسفري : الدِّين . فسؤالي لك - فضيلة الشيخ - هل تشجعني على ذلك ؟ فأنا سأبعد عن زوجي بهذه الحال قريب الستة أشهر ، وقد سألت زوجي هل تصبر ستة أشهر ؟ قال : نعم ، علماً أن شهوته قوية جدّاً ، وأنا لا أريد أن أكسب إثماً ، مع أني أخاف إذا بقيت هنا أن أضعف إيمانيّاً أكثر ، والله المستعان .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن ييسر لك ولزوجك الخير ، وأن يهديكما لما فيه رضاه ، ونشكر لك ثقتك بنا ، ونشكر لك حرصك على زوجك وعلى نفسك ، وهذا يدل – إن شاء الله – على صدقٍ في الاستقامة ، ونسأل الله أن يثبتكم ، وأن يزيدكم من فضله .
ثانياً :(/1)
يجب عليكِ التوبة الصادقة من المعاصي التي اقترفتيها في بلاد الكفر ، من تصفُّح لمواقع جنسيةٍ ، والنظر إلى عورات الرجال والنساء ، وهذه الأفعال من كبائر الذنوب ؛ لأن ما يحدث في تلك الأفلام ، وما يُصوَّر في تلك الصور هو الزنا ، واللواط ، والسحاق ، بل ومعاشرة البهائم ! وهذا من انتكاس الفطرة عند أولئك القوم .
والنظرُ إلى تلك الصور والأفلام نوع من المشاركة فيها ، بإطلاق البصر فيما حرم الله تعالى من العورات التي يهتكها هؤلاء الفجار ، ثم أثره في القلب : بتفريق شمله ، وإمراضه ، وشغله بالشهوات ، وحجب سبل الخير عنه ، مما لا يخفى على من كان له قلب ونصح لنفسه.
فالتوبة الصادقة تقتضي منك : الاستغفار باللسان ، والإقلاع عن المداومة في النظر إلى تلك المنكرات ، وتقتضي الندم القلبي ، والعزم على عدم العودة إلى هذه المعاصي والآثام .
ثالثاً :
والحل الجذري لقضيتكِ أمره سهل ، وهو أن يترك زوجك العمل في تلك البلاد الكافرة ، وهو ليس أمراً اختياريّاً له ، بل هو واجب شرعي ، ويحرم على المسلم الذهاب إلى مثل تلك البلاد لغير ضرورة العلاج ، أو التجارة ، أو الدعوة ، وحتى أصحاب الضرورات فإنه لا بدَّ من توفر شروط في حقهم : كالعلم الذي يمنعهم من الوقوع في الشبهات ، وكالعفاف الذي يمنعهم من الوقوع في الشهوات ، وعلى أن يرجعوا لبلاد الإسلام فور انتهاء ضرورتهم .
وليس العمل في تلك البلاد من الضرورات التي تبيح لأحدٍ أن يقيم في تلك الديار ، وليست الدراسة التي تتوفر في بلاد المسلمين من تلك الضرورات .(/2)
لذا فيجب على زوجك أن يحمل الشعار الذي ارتضيتيه لنفسك ، وهو أن يهاجر بدينه إلى ربه تعالى ، ولم يعد خافياً على أحدٍ ما في تلك الديار من شهوات تقضي على الخلق القويم ، وتنكِّس الفطرة السوية ، وانظري في حالكِ كيف كنتِ وكيف صرتِ ، فإذا كان هذا هو حالك وأنت في البيت ، فكيف سيكون الحال عندما تواجهين الفتن في تلك الديار سماعاً ومشاهدة وملامسة ؟! .
رابعاً :
وإذا لم يقتنع زوجك بهذا الحكم ، أو رضي ولكنه أجلَّه لفترة محددة : فإننا نبقى أمام مشكلتك وإياه ، هل تبقين عنده معرِّضة نفسك للفتن والشهوات ونقصان الدِّين مع المحافظة على عفافه وتصريف شهوته بالحلال ، أم ترجعين لبلاد المسلمين إنقاذاً لنفسك من الفتن والشهوات ، مع احتمال تعرض زوجك لفتنة الشهوة ؟
إن الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً تقريره ، ولكننا لسنا أمام شكوى من زوجك لحاله ، وإنما نحن أمام واقعكِ الذي علمناه منكِ ، وأنتِ الذي يطلب المشورة والإنقاذ ، وأنتِ الذي نعلم ما عاناه وما يمكن أن يعانيه في حال بقائه في تلك الديار ، لذا فإننا نقول لك :
1. الخيار الأسلم للطرفين : هو البقاء مع زوجك إن كانت مدته قريبة الانتهاء ، أو أنه قرر المغادرة بعد فترة من الزمان ، وبقاؤك معه مشروط بشرط بالغ الأهمية ، وهو أن تلتزمي الاستقامة في تلك البلاد في بيت الزوجية ، وأن تغيري من نظرتك لنفسك وأنك تعيشين في كهف منعزل عن الناس ، وتبدئين بالعمل الجاد للإسلام والمسلمين ، نعم ، نريدك أن تستمري داعية للإسلام ، والناس هناك أحوج لدعوتك من الناس في بلادك ، فهم بين كافر يحتاج من ينقذه من النيران ، وبين مسلم ضيَّع هويته واستقامته إلا من رحم الله .(/3)
نريدك داعية إلى الله في مواقع الإنترنت كاتبة ، وموجهة ، وواعظة لبنات جنسك ، ونريدك منطلقة في التعليم لهن عبر برنامج " البال توك " في الغرف الخاصة بالنساء ، ونريدك مع دعوتك لأولئك المحتاجين لكِ أن تطلبي العلم عبر الأشرطة ، والكتب ، والقنوات العلمية الموثوقة .
واعلمي أنك إن عشتِ للإسلام ، وإن عشتِ لدعوة المحتاجين لدعوتك : فلن تكوني منعزلة عن العالَم ، ولن تكوني في كهفٍ منقطع ، بل ستكونين بين صديقاتك ، وأهلك ، وبين المحتاجين للدعوة والتعليم .
وإننا لنجزم أنك لن تَجِدي الوقت للقيام ببعض المباحات إن التزمتِ ما قلناه لك ، فضلاً أن تجدي الوقت للنظر في الحرام وسماعه ، فأين هو الوقت الذي يجده الداعية للقيام بما أوجبه الله تعالى عليه من التعلم والتعليم والدعوة إلى إليه تعالى ؟! إن الوقت لو كان يُشترى لاشتراه العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله لضيق وقتهم عن القيام بمثل تلك الواجبات .
2. والخيار الثاني : هو الرجوع الفوري لبلادك ، هروباً من بيئة الفتن ، ورجوعاً إلى بلاد الإسلام والمسلمين .
لكننا سنصارحك بما في قلوبنا من باب النصح الواجب علينا تجاهك ، وهذه المصارحة تقتضي منك الاعتراف بحقيقة الحال التي ستكونين عليها عند رجوعك لبلادك ، فاسمعي منا يا أختنا :(/4)
أنتِ قد اعتدت تصفح المواقع المحرمة ، والنظر إلى الصور القبيحة ، والعورات المكشوفة ؛ هذا كله وأنت في بيتك ، وبوجود زوجك وأم زوجك في بيت الزوجية في بلاد الكفر ، وأنتِ الآن تريدين الفرار من ذلك إلى بلدك ، ومعنى ذلك أنك ستكونين في بلدك وحدك في بيتك ، فهل بقي عندك من العزم والقوة في دين الله ما يمنعك من ذلك ، حين تكونين وحدك ، بلا رقيب ولا حسيب ، بل ولا زوج يعوضك بحلال الله عما فاتك من مشاهد تلك القاذورات ؟! وبالطبع نحن نعلم أنه لا علاقة بفساد المجتمع في تلك البلاد الكافرة بما ارتكبتيه من آثام وخطايا ؛ لأنك لم تخرجي للمجتمع وتخالطيه ، بل فعلتِ ذلك وأنت منعزلة عن الناس في بيتك .
لذا فإننا نقول لك صادقين : إن دوافع ارتكابك للحرام في تلك البلاد التي يوجد فيها زوجك متوفرة بما هو أسهل منها إذا رجعتِ لبلدك وكنتِ وحدك ، لذا فإننا نشترط عليكِ للخيار الثاني : أن لا تكوني وحدك في البيت الذي تسكنين فيه ، بل لا بدَّ من سكنك مع أهلك ، أو سكن أهلك – أو بعضهم – معكِ ، ونشترط عليكِ أن تعزمي على عدم تكرار ما حدث معك سابقاً ، وأن تكوني صادقة مع نفسك في معرفة قدراتك الحقيقية ، ثم نشترط عليكِ ـ أخيرا ـ أن تكوني جادة في الرجوع إلى أحسن مما كنتِ عليه قبل سفرك لتلك الديار ، واعتيادك لتلك المعاصي والخطايا .
فإن التزمتِ بهذا الشروط : فإننا نرى أن الأفضل لك هو الخيار الثاني ، وإن كنتِ ترين ما صارحناكِ به حقيقة وواقعاً ، وأنك تخشين رجوعك للوقوع في الإثم نفسه : فاختاري الخيار الأول بشروطه .
وندع الأمر لكِ ، وليس لنا إلا النصح والتوجيه والإرشاد ، واعلمي أن اختيارنا لك لأحد الأمرين إنما هو مع تحقيق شروط كل واحد منهما ، لا بدونها .
وخلاصة الخيارين :
1. البقاء مع زوجكِ لحين انتهاء عمله ، على شرط الالتزام بترك النظر في المواقع المحرمة ، وبشرط العمل على طلب العلم والتعليم ودعوة الناس .(/5)
2. أو الرجوع لبلدك ، بالشروط السابقة نفسها .
فلا بقاء مطلقا ، ولا رجوع مطلقاً ، وإنما هو بحسب الحال الذي ستكونين عليه ، واعلمي أننا نرى أن الأفضل لك هو البقاء لحين انتهاء زوجك من عمله ، والالتزام بالشروط التي ذكرناها لك ، ونرى أن هذا الخيار بشروطه سيستفيد منه زوجك ، وأما الخيار الثاني بشروطه فإنه سيضره بسبب فقده لكِ ، وسيضرك بسبب فقدك له .
وانظري كلام الشيخ العثيمين – رحمه الله – في جواب السؤال رقم ( 3477 ) ففيه ترجيح للخيار الأول ، وهو الذي نميل إليه .
وفي جواب السؤال رقم ( 5322 ) ذِكر شروط مهمة لبعد الزوجة عن زوجها .
والله الموفق .(/6)
رقم السؤال:
97204
العنوان:
حكم لبس النقاب الأفغاني للمحرمة
السؤال:
ما حكم لبس النقاب الأفغاني للمحرمة ؟ وهو عبارة عن غطاء كامل للوجه ، وجهة العينين تكون قطعة قماش أخف من باقي النقاب وتكون مثبتة به ولا يمكن فتحها.
الجواب:
الحمد لله
المرأة المحرمة تمنع من لبس النقاب والبرقع ؛ لما روى البخاري (1741) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال ابن المنذر : وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة ، ولا نعلم أحداً خالف فيه ......، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها ، روي ذلك عن عثمان وعائشة ، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن ، ولا نعلم فيه خلافاً ، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ) رواه أبو داود
" المغني " ( 3 / 154 ) ، وحديث عائشة صححه الألباني في كتابه حجاب المرأة المسلمة .
وعليه ، فالمحرمة تستر وجهها بشيء تسدله من على رأسها ، لا بالنقاب ولا بالبرقع ، والنقاب الأفغاني فيما بلغنا هو كالبرقع . فلا يجوز لبسه للمرأة المحرمة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97216
العنوان:
هل الصيد في الأشهر الحرم حرام ؟
السؤال:
هل الصيد في الأشهر الحرم حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وهي المرادة بقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ، ولا حرج من الصيد فيها ، إنما التحريم للصيد متعلق بأمرين :
الأول : الإحرام بحج أو عمرة لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) المائدة/95 .
قال ابن كثير رحمه الله :
"وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ، ونهي عن تعاطيه فيه " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 99 ) .
الثاني : الصيد في حدود الحرم ، والمقصود به مكة والمدينة للأحاديث الواردة في ذلك .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال : ( إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر ، لا ينفَّر صيدُها ولا يعضد شوكها ) رواه البخاري ( 1284 ) ومسلم ( 1353 ) .
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا ينفر صيدها ) فهذا الحديث نص في تحريم تنفير الصيد في مكة ، وأولى منه تحريم الصيد نفسه .(/1)
وأما المدينة فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين لابتيها حرام ) رواه البخاري ( 1774 ) ومسلم ( 1372 ) .
واللابة يقال لها : الحَرَّة ، وهي الحجارة السوداء ، والمدينة بين لابتين ، شرقية وغربية .
أما الأشهر الحرم فلا علاقة بينها وبين تحريم الصيد .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97221
العنوان:
خرافات من العوام فيها تشاؤم بحصول مكروه
السؤال:
أريد أن أسأل عن حكم الإيمان بالمعتقدات التي يؤمن بها بعض الناس ، كأن يلعبوا بالماء ، أو أن يرشوا بعضهم بالماء ، فيعتقدون أنه يسبب بذلك الفراق لهم ، أو أن يعتقدوا عند العبث بالمقص كفتحه وإغلاقه بدون سبب ، أنه يسبب حدوث مشاكل في البيت لدى العائلة ، أو الإيمان عندما تعبر فوق طفل صغير بأنه لن يطول ويؤثر عليه . فما حكم هذه المعتقدات ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
هذه الخرافات – وأمثالها كثير – هي من باب الشؤم المنهي عنه في الشرع المطهَّر ، وخرافات الناس في هذا الباب لا حصر لها ، فمنهم من يتشاءم بمرئي – كرؤية البومة والقط الأسود - ، ومنهم من يتشاءم بمسموع – كسماع صوت البومة والغراب - ، وحتى لو كان المرئي أو المسموع آية من كتاب الله تُرى في المصحف ، أو تُسمع من قارئ ! كآية وعيد أو عقاب ، ومنهم من يتشاءم بعدد – كالتشاؤم من رقم 13 - ، أو زمان – كالتشاؤم من يوم الأربعاء ، أو من شهر شوال إذا أراد الزواج فيه - ، أو مكان – كالتشاؤم من مكان حصل فيه جريمة - ، أو صفة شخص – كالتشاؤم من الأعرج والأعمى - ، أو حال إنسان – كالتشاؤم من رؤية فقير أو محتاج - .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ ، قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ ). رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطيَرَةُ شِرْك ) .
رواه الترمذي ( 1614 ) وأبو داود ( 3910 ) وابن ماجه ( 3538 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :(/1)
وقوله : ( الطِّيَرَة ) على وزن فِعَلَة ، وهي اسم مصدر تطيَّر ، والمصدر منه : تطيُّر ، وهي التشاؤم بمرئي ، أو مسموع ، وقيل : التشاؤم بمعلوم مرئيّاً كان ، أو مسموعاً ، زماناً كان أو مكاناً ، وهذا أشمل ؛ فيشمل ما لا يُرى ، ولا يُسمع ؛ كالتطير بالزمان .
وأصل التطيُّر : التشاؤم ، لكن أضيفت إلى الطير ؛ لأن غالب التشاؤم عند العرب بالطير ، فعلقت به ، وإلا فإن تعريفها العام : التشاؤم بمرئي ، أو مسموع ، أو معلوم .
وكان العرب يتشاءمون بالطير ، وبالزمان ، وبالأشخاص ، وهذا من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
والإنسان إذا فَتَحَ على نفسه باب التشاؤم : ضاقت عليه الدنيا ، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم ، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة : تشاءم ، وقال : اليوم يوم سوء ، وأغلق دكانه ، ولم يبع ، ولم يشتر - والعياذ بالله - ، وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء ، ويقول : إنه يوم نحس وشؤم ، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال ، ولا سيما في النكاح ، وقد نقضت عائشة رضي الله عنها هذا التشاؤم ، بأنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال ، وبنى بها في شوال ؛ فكانت تقول: " أيكن كان أحظى عنده مني ؟ " – رواه مسلم - ، والجواب : لا أحد .
فالمهم : أن التشاؤم ينبغي للإنسان أن لا يطرأ له على بال ؛ لأنه ينكد عليه عيشه ؛ فالواجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يعجبه الفأل – رواه البخاري ومسلم - ، فينبغي للإنسان أن يتفاءل بالخير ، ولا يتشاءم ، كذلك بعض الناس إذا حاول الأمر مرة بعد أخرى تشاءم بأنه لن ينجح فيه فيتركه ، وهذا خطأ ؛ فكل شيء ترى فيه المصلحة : فلا تتقاعس عنه في أول محاولة ، وحاول مرة بعد أخرى ، حتى يفتح الله عليك .
" القول المفيد شرح كتاب التوحيد " ( 2 / 39 – 41 ) ، و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 515 ، 516 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :(/2)
وذكر البيهقي في " الشعب " عن الحليمي ما ملخصه :
كان التطير في الجاهلية في العرب : إزعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة ... .
وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب ، وبمرور الظباء ، فسموا الكل تطيُّراً ؛ لأن أصله الأول .
قال :
وكان التشاؤم في العجم : إذا رأى الصبي ذاهباً إلى المعلم : تشاءم ، أو راجعاً : تيمَّن ، وكذا إذا رأى الجمل موقراً حملاً : تشاءم ، فإن رآه واضعاً حمله : تيمَّن ، ونحو ذلك .
فجاء الشرع برفع ذلك كله .
" فتح الباري " ( 10 / 215 ) .
ولم يُذكر التطير في القرآن الكريم إلا عن أعداء الرسل ، وهو يدل على أن فاعله ومعتقده فيه من جاهلية هؤلاء ، بقدر ما عنده في هذا الباب .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
ولم يحك الله التطير إلا عن أعداء الرسل ، كما قالوا لرسلهم ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) يس/18،19 ، وكذلك حكى الله سبحانه عن قوم فرعون ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ ) الأعراف/131 .
" مفتاح دار السعادة " ( 3 / 231 ، 232 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – عن أهل الجاهلية - :
وكان أكثرهم يتطيرون ، ويعتمدون على ذلك ، ويصح معهم غالباً ، لتزيين الشيطان ذلك ، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين .
" فتح الباري " ( 10 / 213 ) .
وقد نبَّه العلماء – أيضاً – على بعض الخرافات المنتشرة بين الناس مما يتشاءمون به في حدوث قطيعة أو فساد أو طلاق .
سئل علماء اللجنة الدائمة :(/3)
قد حصل مني عند عقد الزواج فرقعة إصبع ، وأنا جاهل في أن فرقعة الأصابع وتشبيك الأصابع يضعن تعقيداً للزواج ، وبعد أن علمتُ خجلتُ أن أسأل ، وأنا لي ثلاثة أطفال ، ومدة زواجي سبع سنوات ، فماذا أفعل ؟ هل أعقد عقداً جديداً أو ماذا أفعل ؟ .
فأجابوا :
إذا كان الواقع كما ذكرتَ : فلا تأثير لما ذكرتَ من تشبيك الأصابع ، وفرقعتها حين إجراء عقد النكاح ، فلا أثر لذلك على العقد ، بل هو صحيح ، ولا تحتاج إلى إعادته ، واترك التشاؤم مما ذكرتَ ومن غيره ؛ لأنه مناف للإسلام .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 114 ) .
وكل ما جاء في السؤال فهو من الباب نفسه الذي أدخل الشيطان منه كثيراً من الناس ، فجعلهم يتشاءمون من أشياء لا تأثير لها على واقعهم ، فلا يزال المسلمون يسبحون ويرشون بعضهم بعضاً بالماء ، ويلعب الأطفال في برك السباحة ، ولا يُعلم تأثير ذلك عليهم سلباً ، ومثله يقال في خرافة فتح وإغلاق المقص ، والعبور فوق الطفل ، وقص الأظافر ليلاً ، وكنس البيت بالليل ، والامتناع عن الغسيل يوم الاثنين ، وغير ذلك مما لا حصر له من خرافاتهم وأوهامهم التي تخوفهم مما لا يُخاف منه ، وتُبعدهم عن العمل والتفاؤل ، وتنقض توكلهم على ربهم تعالى .
قال ابن القيم - رحمه الله - :(/4)
التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع ، فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره ، وامتنع بها مما عزم عليه : فقد قرع باب الشرك ، بل ولجه ، وبرئ من التوكل على الله ، وفتح على نفسه باب الخوف ، والتعلق بغير الله ، والتطير مما يراه ، أو يسمعه ، وذلك قاطع له عن مقام ( إياك نعبد وإياك نستعين ) و ( فاعبده وتوكل عليه ) و ( عليه توكلت وإليه أنيب ) ، فيصير قلبه متعلقا بغير الله ، عبادة ، وتوكلا ، فيفسد عليه قلبه ، وإيمانه ، وحاله ، ويبقى هدفاً لسهام الطيرة ، ويساق إليه من كل أوب ، ويقيض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ، ودنياه ، وكم هلك بذلك وخسر الدنيا والآخرة ، فأين هذا من الفأل الصالح ، السار للقلوب ، المؤيد للآمال ، الفاتح باب الرجاء ، المسكن للخوف ، الرابط للجأش ، الباعث على الاستعانة بالله ، والتوكل عليه ، والاستبشار ، المقوي لأمله ، السار لنفسه ؟ ، فهذا ضد الطيرة ، فالفأل : يفضي بصاحبه إلى الطاعة ، والتوحيد ، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية ، والشرك ، فلهذا استحب صلى الله عليه و سلم الفأل ، وأبطل الطيرة .
" مفتاح دار السعادة " ( 2 / 246 ، 247 ) .
ثانياً:
ولعلاج هذا التشاؤم الذي يوسوس به الشيطان ويزينه لأصحابه :
1. التوكل على الله حق التوكل .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ .
رواه الترمذي ( 1614 ) وأبو داود ( 3910 ) وابن ماجه (3538 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن عبد البر - رحمه الله - :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى عن التطير ) ، وقال ( لا طِيَرة ) ؛ وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتطيرون ، فنهاهم عن ذلك ، وأمرهم بالتوكل على الله ؛ لأنه لا شيء في حكمه إلا ما شاء ، ولا يعلم الغيب غيره .
" التمهيد " ( 24 / 195 ) .(/5)
2. أن يمضي في حاجته ، ولا يتأخر ، ولا يرجع .
3. أن يدعو الله تعالى بأن يخلِّصه من كيد الشيطان بها ، ويسأله تعالى الخير ، ويستعيذ به من الشر .
عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ) قالوا : يا رَسُولَ اللَّهِ ما كَفَّارَةُ ذلك ؟ قال ( أن يَقُولَ أَحَدُهُمْ : اللهم لاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إلا طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) .
رواه أحمد ( 7045 ) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3 / 53 تحت الحديث 1056 ) .
قال المنَّاوي – رحمه الله - :
فينبغي لمن طرقته الطيرة أن يسأل الله تعالى الخير ، ويستعيذ به من الشر ، ويمضي في حاجته متوكلا عليه .
" فيض القدير " ( 6 / 136 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وقوله : ( فلا خير إلا خيرك ) : هذا الحصر حقيقي ، فالخير كله من الله ، سواء كان بسبب معلوم ، أو بغيره .
وقوله : ( لا طير إلا طيرك ) : أي : الطيور كلها ملكك ؛ فهي لا تفعل شيئاً ، وإنما هي مسخرة ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) الملك/19 ، وقال تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) النحل/79 ، فالمهم : أن الطير مسخرة بإذن الله ؛ فالله تعالى هو الذي يدبرها ، ويصرفها ، ويسخرها ، تذهب يميناً وشمالاً ، ولا علاقة لها بالحوادث .
ويحتمل أن المراد بالطير هنا : ما يتشاءم به الإنسان ، فكل ما يحدث للإنسان من التشاؤم والحوادث المكروهة : فإنه مِن الله ، كما أن الخير من الله ؛ كما قال تعالى : ( ألا إنما طائرهم عند الله ) الأعراف/131 .(/6)
لكن سبق لنا أن الشر في فعل الله ليس بواقع ، بل الشر في المفعول ، لا في الفعل ، بل فعله تعالى كله خير ، إما خير لذاته ، وإما لما يترتب عليه من المصالح العظيمة ، التي تجعله خيراً .
فيكون قوله : ( لا طير إلا طيرك ) مقابلا لقوله : ( ولا خير إلا خيرك ) .
" القول المفيد شرح كتاب التوحيد " ( 2 / 117 ، 118 ) ، و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 578 ) .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
فالحاصل؛ أن الطيرة تعالج بهذه الأمور الثلاثة :
أولا : التوكل على الله .
ثانيا : المضي وعدم التأثر بها ، ولا تظهر على تصرفاتك ، وما كأنها وجدت .
والثالثة : أن تدعو بهذه الدعوات الواردة في الأحاديث ، فإذا دعوت الله بهذه الدعوات : فإن الله يعافيك من الطيرة ، ويمدك بإعانته ، ونصره ، وتوفيقه .
" إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد " ( 2 / 14 ) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
97222
العنوان:
التحايل على أخذ مكافأة من الحكومة
السؤال:
أعمل في جهة حكومية ، وقمت بعمل أوفر عليهم كثيراً من المال ، ولكنهم لا يعطوني مكافأة جيدة مقابل لذلك . مع أنهم قد يدفعون مبلغاً كبيراً إذا كان هذا العمل من جهة خارجية أخرى . فاقترح علي أحد المسؤولين إحضار فاتورة بتكلفة هذا العمل بحيث يبدو كأن العمل تم من خلال جهة خارجية وبهذا آخذ حقي ، فهل هذا المال حلال أو حرام ؟ ولماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا المال حرام عليك لا يحل لك أخذه ، لأن العمل الذي قمت به لا يخلو من أحد الاحتمالات الآتية:
الأول :
أن يكون جزءاً من عملك الذي وظفت له وتأخذ في مقابله راتبك الشهري فيجب عليك الوفاء بالعقد والقيام بالعمل في مقابل الراتب الذي تتقاضاه، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) المائدة/1 ، وفي هذه الحالة لا تستحق شيئاً زائدا على الراتب ، لأنها الأجرة المتعاقد عليها ، وإن كان هذا العمل قد وَفَّر على الدولة أموالاً كثيرة كما ذكرت.
الثانية:
أن يكون هذا العمل خارجاً عن مهام وظيفتك لكن الدولة تجعل لمن قام به مكافأة معلومة فإذا قمت به جاز لك أن تأخذ تلك المكافأة ولا يجوز التحايل لأخذ زيادة عليها لأن الدولة لم ترض بهذا الزيادة، والله يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) النساء/29 .
فإما أن تعمل هذا العمل في مقابل تلك المكافأة وإما أن تترك.
وهناك حالتان قد تكونان بعيدتين عن الواقع، ولكننا نذكرهما تتميماً للجواب على افتراض وقوعهما وهما
الثالثة:(/1)
أن يكون هذا العمل خارجاً عن مهام وظيفتك ولم تجعل الدولة مكافأة معلومة لمن قام به ولم تطلب منك القيام به، وفي هذه الحالة لا شيء لك إذا قمت بذلك العمل ، وإن وفر على الدولة الشيء الكثير ، لأنها لم ترض بأن تلتزم لك بشيء، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : " من عمل لغيره عملاً بغير جُعلٍ –أي عوض- لم يستحق عوضاً لا نعلم في هذا خلافاً " . اهـ بتصرف يسير. (6/22) .
الرابعة :
مثل سابقتها إلا أن الدولة قد أذنت لك في ذلك العمل وكنت معروفاً بأنك تعمل ذلك بأجرة فإذا عملته في هذه الحالة فإن لك أجرة مثلك، فلك أن تطالب الدولة بأجرة تساوي أجرة أمثالك ممن يقومون بهذا العلم، قال العلامة الرحيباني من فقهاء الحنابلة في " كتابه مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" : " وإن عمل شخص لأخذ أجرة على عمله كالملاح والخياط والكيال والوزان وشبههم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل وأذن له المعمول له في العمل فله أجرة المثل لدلالة العرف على ذلك " اهـ (4/212) .
وعلى افتراض وقوع هذه الحالة الأخيرة فليس لك اللجوء إلى الكذب للوصول إلى حقك ما دام يمكنك الوصول إليه بغير كذب.
وأخيراً: ننبه إلى أن تواطؤ المسؤول عنك معك على التحايل لأخذ شيء من أموال الدولة حرام ولا يصير به ذلك المال حلالاً والوصية لك بأن تتقي الله تعالى وتحرص على الحلال وسيضع الله عز وجل فيه البركة، وما سبق أن أُخذ من الأموال بغير حق يجب رده فإن تعذر رده صرف في مصالح المسلمين وجهات الخير، فقد سئل العلامة ابن باز رحمه الله تعالى عمن أخذ مالاً لا يستحقه فأجاب: " الواجب عليك رده لأنك لا تستحقه لعدم قيامك بالانتداب، فإن لم يتيسر ذلك وجب صرفه في بعض جهات الخير كالصدقة على الفقراء والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية مع التوبة والاستغفار والحذر من العودة إلى مثل ذلك " انتهى من فتاوى علماء البلد الحرام صـ 831.
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
97225
العنوان:
السفر من أجل التعزية
السؤال:
إذا توفي أحد أقرباء الشخص أو أصدقائه وهم في بلد غير البلد التي هو فيها ، فهل يجوز له أن يسافر إلى البلد التي هم فيها لتأدية العزاء ومواساة أهله في فقيدهم أم أن هذا يعد شد رحل ولا يجوز ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا كان العزاء يشتمل على بدع وخرافات مثل إقامة المآتم التي في بعض البلاد فلا يجوز أن يشاركهم سواء سافر أو لم يسافر ؛ لأن هذا النوع من البدع والمنكرات ، أما إذا كان العزاء مجرد مواساة للأحياء ، وتطييب لخواطرهم ، ودعاء للميت المسلم بالرحمة والمغفرة فلا بأس بذلك ، خصوصاً إذا كانوا من أقاربه ففي سفره إليهم وعزائهم ومواساتهم تطمين لخواطرهم وتخفيف من مصابهم ، وربما يكونون بحاجة لحضوره " .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" ( 2 / 269 ) .(/1)
رقم السؤال:
97227
العنوان:
الصدقة في وقت الحاجة والمجاعة أفضل من التطوع بالعمرة
السؤال:
سمعت بعض الدعاة يقول : إن التصدق على المسلمين المضطرين إلى المال ، كمن عندهم مجاعة أفضل من الاعتمار في رمضان ، ما رأي فضيلتكم ؟
الجواب:
الحمد لله
" نعم ، الصدقة في وقت الحاجة وشدة المجاعة أفضل من عمرة التطوع ، لأن نفع العمرة قاصر على صاحبها ، والصدقة على المحاويج والجياع يتعدى نفعها ، وما كان نفعه متعدياً أفضل مما كان نفعه قاصراً ، وهذا عام في فقراء المسلمين في كل مكان ، ولكن الفقراء الذين في البلد أحق من الذين في الخارج . والله أعلم " .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" ( 2 / 333 ) .(/1)
رقم السؤال:
97229
العنوان:
المطلقة قبل الدخول والخلوة لها نصف المهر
السؤال:
كنت قد خطبت ( يوجد عقد قران لدى شيخ بحضور ولي أمر الفتاة وشهود ) واستمرت الخطبة عدة شهور دون أن أدخل بها ولكن كان بيننا خلوات عديدة بحكم أنها زوجتي شرعا حدثت خلافات عديدة أدت إلى توصلنا إلى قرار الطلاق وعند مناقشة الأمر مع ولي أمرها (والد الفتاة) أخبرته حرفياً أنني أريد الانفصال وأنا جاهز لكل الالتزامات المادية المترتبة علي جراء ذلك وكان جوابه نحن لا نريد منك شيئا وتكررت هذه العبارة من طرفي وطرف ولي أمرها 3 مرات خلال ثلاث محادثات هاتفية وتم الطلاق على أن قلت لولي أمرها (وبعلمها) أن ابنتك فلانة طالق طالق طالق وسؤالي : هل طلاقي صحيح ويعتبر طلاقاً غير قابل للرد 2- طالبتني والدة الفتاة بعد الطلاق بأسبوع بأنها تريد نصف المهر كما ورد في القرآن في سورة البقرة في حالة الطلاق دون المس (ولدى الاستفتاء ورد أن المس هنا المقصود به الدخول) وعندما أخبرتها أن والد الفتاة قد تنازل عن المهر قالت إنه كان في حالة صدمة لهول خبر الطلاق وطلبي أن أطلق الفتاة . علماً أني قد أخبرته كما ذكرت ثلاث مرات وعلى يومين متتالين وفي كل المرات كان جوابه نحن لا نريد منك شيئا ولم نكن نحن الاثنين (أنا ووالد الفتاة) بحالة غضب أو هياج يؤدي إلى عدم وعي ما نقول هل يترتب على دفع نصف المهر أم أن الحق قد سقط لتنازل ولي أمر الفتاة عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا طُلقت المرأة قبل الدخول فلها نصف المهر المسمى ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237(/1)
واختلف الفقهاء في الخلوة هل توجب المهر كاملا كالدخول أو لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنها توجب المهر كاملا ، فمن خلا بزوجته خلوة صحيحة ، أي انفرد بها دون حضور كبير أو طفل مميز ، ثم طلقها فلها المهر كاملا .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/191) : " وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة , وإن لم يطأ . روي ذلك عن الخلفاء الراشدين ....
روى الإمام أحمد , والأثرم , عن زرارة بن أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون , أن من أغلق بابا , أو أرخى سترا , فقد وجب المهر , ووجبت العدة . ورواه الأثرم أيضا , عن الأحنف , عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب . وعن زيد بن ثابت : عليها العدة , ولها الصداق كاملا . وهذه قضايا تشتهر , ولم يخالفهم أحد في عصرهم , فكان إجماعا " انتهى باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (12/293) : " وقد ذكر عن الإمام أحمد رواية ينبغي أن تكون قاعدة ، قال : لأنه استحل منها ما لا يحل لغيره ، ولهذا قالوا : لو مسها بشهوة أو نظر إلى شيء لا ينظر إليه إلا الزوج كالفرج فإنها تستحق المهر كاملاً ، لأنه استحل منها ما لا يحل لغيره " انتهى .
وعلى هذا فإذا كان حصل منك استمتاع بها وجب لها المهر كاملاً ، وعليها العدة كالمدخول بها .
ثانيا :
للمطلقة أن تعفو عن نصيبها من المهر إن كانت بالغة رشيدة ؛ لقوله تعالى : (إلا أن يعفون ).
ولمن بيده عقدة النكاح أن يعفو كذلك ، واختُلف فيه هل هو الزوج أو الولي ؟
فذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي في الجديد إلى أن المراد به الزوج ، فله أن يعفو عن نصفه ويدعه لمطلقته . وذهب مالك والشافعي في القديم إلى أنه الولي ، فله أن يعفو عن نصف مهر موليته . والصحيح أنه الزوج ، وأن الولي ليس له أن يسقط حق موليته .(/2)
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/195) : " اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح , فظاهر مذهب أحمد رحمه الله , أنه الزوج . وروي ذلك عن علي وابن عباس .. لأن الله تعالى قال : ( وأن تعفوا أقرب للتقوى ) والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه , أما عفو الولي عن مال المرأة , فليس هو أقرب إلى التقوى , ولأن المهر مال للزوجة , فلا يملك الولي هبته وإسقاطه , كغيره من أموالها وحقوقها , وكسائر الأولياء " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والصحيح أنه الزوج ، فهو الذي بيده عقدة النكاح ، إذا شاء حلها . ويكون المعنى : إلا أن تعفو الزوجات أو يعفو الأزواج ، فإن عفا الزوج صار الكل للزوجة ، وإن عفت الزوجة صار الكل للزوج " انتهى من "الشرح الممتع" (12/292).
وبناء على ذلك ، إذا كان والد مطلقتك قد أسقط حقها من المهر بعلمها ورضاها ، فقد أسقطت حقها ، فلا شيء لها ، ولا يجوز لها المطالبة بعد ذلك بما أسقطته ، أما إذا كان إسقاطه حقها ليس عن علمها ولا رضاها فلا يسقط حقها بذلك ، لأن الأب قد أسقط ما لا يملك إسقاطه . فعليك أن تعطيها حقها من المهر .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97231
العنوان:
تركت العمل الصيدلي واشتغلت بتعليم القرآن الكريم
السؤال:
تركت عملي كصيدلانية رغم الراتب المغري والمكانة الاجتماعية ، هربا من الاحتكاك بالرجال ، وتفرغت لطلب العلم الشرعي وتعلم علم القراءات...وأعمل معلمة قرآن في دار التحفيظ براتب رمزي..أنا سعيدة , لكن كل من حولي يلوموني ويرون أن تصرفي غير عاقل! فما رأي فضيلتكم؟
الجواب:
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل ، له آثاره السيئة ، ومفاسده الواضحة ، على كلٍّ من الرجل والمرأة ، ومن ذلك :
1- حصول النظر المحرم ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، فقال سبحانه: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) النور/30-31 .
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم ، ومنه المصافحة باليد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، وهذا محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .(/1)
وفي رواية : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده : تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها ، أو العكس ، وذلك من جراء الخلطة ، وطول المعاشرة .
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت ، فكم من رجل أهمل بيته ، وضيع أسرته ، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل ، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب ، بل : كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة ، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها ؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد ، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200)
فإذا كنت تركت العمل لمحذور الاختلاط بالرجال ، فقد أحسنت ، وفعلت ما يجب عليك ، ويرجى لك بذلك الأجر والتوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة ، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
وهذا التعويض من الله تعالى ، ليس هو التعويض المادي فقط ، بل تلك الراحة والاطمئنان والسعادة ، والتوفيق إلى الأعمال الصالحة ، كل ذلك قد يكون من ذلك التعويض الرباني .
وأما تعلّم القرآن وتعليمه فهو من خير الأعمال وأعظم القربات ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري (5027) وفي رواية له : ( إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ).
ونساء المسلمين وفتياتهم بحاجة إلى من يعلمهم القراءة الصحيحة ، ويعينهم على حفظ كتاب الله الكريم .
لكن إن احتجت إلى العمل ، وأمكن أن تجدي مجالا في تخصصك (الصيدلة ) خاليا من الاختلاط فلا حرج عليك في ذلك ، وقد تستطيعين مع ذلك تعليم القرآن الكريم أيضا .(/2)
والسعادة ليست بالمنصب أو الجاه أو المظهر ، ولكنها بالإيمان والتقوى ، فحيث كنت قريبة من الله تعالى ، راضية بما أعطاك ، فلا تلتفتي لما يقوله الآخرون .
نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وتقى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97239
العنوان:
لا يكفي شهادة أربعة نسوة على عقد النكاح
السؤال:
ما حكم النكاح بشهادة أربع من النسوة ؟ إن الذي نكح ظن أن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد ، بناء على هذا تم النكاح بشهادة أربع من النسوة برضا والديها ولكنهما لم يكونا موجودين وقت النكاح , فهل هذا النكاح صحيح أم لا ؟ وماذا يجب إذا كان غير صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
اشترط جمهور العلماء لصحة النكاح شهادة رجلين عدلين , ولا تصح عندهم شهادة النساء في النكاح , سواء شهد أربعة نسوة أو رجل وامرأتان .
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
قال ابن قدامة في "المغني" (7/8) : " ولا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين . وهذا قول النخعي , والأوزاعي , والشافعي .
لقول الزهري : (مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود , ولا في النكاح , ولا في الطلاق) . رواه أبو عبيد , في "الأموال" انتهى باختصار .
وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء , فقالوا : لا يكفي في عقد النكاح اتفاق ولي المرأة مع من خطبها منه على تزويجه إياها دون إشهاد على العقد، ولو تم الإيجاب والقبول منهما، بل لا بد من حضور شاهدين عدلين حين العقد؛ لما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)" انتهى .
(فتاوى اللجنة الدائمة (18/182)
عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن قعود - عبد الله بن غديان .
ومذهب الحنفية : صحة النكاح بشهادة رجل وامرأتين . بدائع الصنائع (2/255) .
وذهب بعض الأئمة كالإمام مالك إلى أن الواجب هو إعلان النكاح , لا الشهادة , فمتى تم إعلان النكاح فهو صحيح سواء أشهد عليه أم لم يشهد.
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية , واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين .(/1)
انظر : "مجموع فتاوى ابن تيمية" (32/127) , "الاختيارات" (صـ 210) , "الشرح الممتع" (12/94).
وحَكَم هؤلاء بضعف الأحاديث الواردة في اشتراط الشاهدين في النكاح , فعلى هذا القول : إن كان تم إعلان النكاح فهو صحيح .
ولكن الأحوط لك إعادة العقد مرة أخرى بحضور شاهدين , لاحتمال صحة الأحاديث الواردة في ذلك , ومراعاةً لقول جمهور العلماء , ولأن الأمر يتعلق بأمر خطير وهو النكاح .
تنبيه : جاء في سؤالك أن والد الزوجة لم يكن موجودا ، فإن كان قد وكّل من يعقد لابنته ، صح النكاح ، لأن المرأة لا يصح أن تعقد لنفسها ، بل يعقد لها وليها أو وكيله ، في قول جمهور أهل العلم . ولا يكفي العلم برضاه بالنكاح .
وإذا لم يحضر هو ولا وكيله ، لم يصح النكاح ، ويجب تجديد العقد حينئذ . وانظر جواب السؤال رقم (97117) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97240
العنوان:
تقدم لها شاب فرفضته من أجل تشككها من توبته وخوفها من انتكاسته
السؤال:
أريد استشارتكم ؛ فأنا في حيرة من أمري : أنا فتاة ملتزمة - ولله الحمد - ، أحافظ على صلاتي ، وصيامي ، وقيام الليل ، وعند مشاهدة التلفاز أشاهده بتحفظ ، فلا أنظر إلى الحرام والغناء ، تقدم لخطبتي شاب ، جميع مواصفاته جيدة ، ولكن عندما جلست للحديث معه وكنت في حضرة أهلي وأرتدي الحجاب : تحدثنا ، وأعجبني كل شيء فيه ، كذلك هو أُعجب بي جدّاً ، وقال لي : أنا أريد فتاة تكون ملتزمة ، ولم أجد مثلك ، لكن في نهاية الحديث صارحني بماضيه ، فقال لي : أنا فعلت جميع أنواع المعاصي إلا الزنا ، والمخدرات ، لم أقربهم ، وكنت على علاقة مع الفتيات ، وكنت أجلس على التشات ، لكني تركت ذلك ، وتبت إلى الله ، وأنا أحب أتزوج فتاة متدينة ، وأُعجبت بتدينك ، ولكن مع أنه قال لي إنه تاب إلاَّ أنه عندما كان عندي جاءته رسالة جوال فقلت له : من هذا ؟ ضحك ، وقال لي : هذه فتاة ، قلت له : ما دام أنك أقلعت عن ذلك لماذا لا تغير رقمك ؟ قال لي : أنا أعطيك الجوال وأنتِ ردي عليهم مثل ما تريدين ، فرفضته بعد أن كنتُ موافقةً عليه ، مع أنه رضي بي ، ورضي بقصري ، ونحافتي ، فأنا قصيرة ، ونحيفة ، وكان هذا في شهر رمضان ، كنت أدعو الله إن كان سيبعدني عنك : أبعِده عنِّي ، وسبحان الله ، صارحني ، ورفضته . الأمر الذي يحيِّرني : في هذه الأيام حلمت حلماً : أن شابّاً جاء لخطبتي ، وعندما أردت الدخول لرؤيته : كنتُ أنتظر أخي حتى يفرغ من الصلاة ليدخل معي ، وكان شعري طويلا جدّاً وجميلاً ، ودخلت كاشفة لشعري فقط ، وجلست بجانبه ، وكان يلبس خاتماً من فضة في يده اليمنى ، أما أنا لم أكن لابسة ذلك الخاتم ، هذا الشاب لا أعرفه ، وكان يتحدث مع أهلي عندما جلست بجانبه ، وقد رأيتُ في تلك الجلسة الشاب الذي تقدم لخطبتي فتعجبتُ لماذا هو موجود ؟ وكان هذا المنام قبل قيامي(/1)
لصلاة قيام الليل ، وفي اليوم الثاني رأيت أنني أشتري خاتماً ، ولبسته في يدي ، وأسورة ، أو ساعة ، ولكن لم ألبسها لأنها تحتاج إلى تصغير، في اليوم التالي قال لي أحد الأشخاص أن ذلك الشاب الذي رفضتيه لم يجد إلى الآن فتاة مثلك ، و هو معجب بك . أريد استشارتكم ، أنا نفسي فيه ، فأنا ارتحت له ، ولكن رفضته من أجل الله ، خائفة أن لا تكون توبته صادقة ، أو أن يعود إلى شرب الخمر ، مع أنه قال لي إنه تاب ، خائفة أن يبعدني عن الله ، أو يجرني إلى معصية الله ، أنا أحب أن أوافق عليه حتى آخذ بيده إلى الله ، ولكن خائفة أن لا أستطيع التأثير عليه ، مع أنه هو يريد فتاة ملتزمة ، هل يجوز لي أن أخبر ذلك الشخص أن يلمح له ليطلبني مرة أخرى ، أو يحادثني على الإنترنت على الماسنجر ؛ لأنه قد يخاف أن يكسف مرة أخرى ، فربما إذا حدثني على الماسنجر أعرف عنه أكثر ؟ ماذا أفعل ؟ هل أنساه أم أوافق عليه وأنال به الأجر؟ أم إن من يتعلق بهذه المعاصي لا يستطيع تركها ؟ ورأيته مرة أخرى في منامي وهو يمسك بثيابي ويقول لي : أنا عشت خمس سنوات في ضلال ولقيتك لماذا تخليتِ عني ؟ ماذا أفعل ؟ هل موافقتي له قد يهتدي على يدي ؟ أم يبعدني عن ربي؟ أرجوكم أفيدوني ولا تتأخروا عليَّ بالرد ، أرجوكم ، أرجوكم ، جزاكم الله خيراً . أريد الرد على البريد الالكتروني ، مع العلم أنني إذا تحدثت معه على النت سيكون في حدود ما يرضي الله .
الجواب:
الحمد لله
لن نبنيَ جوابنا على ما رأيتيه في منامكِ ، بل على الحقائق التي ذكرتيها في سؤالكِ مما كان في اليقظة ؛ لأن ما يُرى في المنام ليس شيئاً واحداً ، فبعضه يكون حلماً من الشيطان ، وبعضه يكون حديث نفْس ، ويظهر لنا أن الأمر عندك هو من حديث النفْس .
والذي لمسناه من سؤالك هو أنك تتصفين ببعض الصفات التي قد تؤثِّر على حياتك قبل الزواج وبعده ، وهذه الصفات هي : " التشكك الزائد " و " الخوف من المجهول " ! .(/2)
فأنتِ تتشككين في حقيقة توبة ذلك الخاطب ، وعندك أن بعض المعاصي لا يُتاب منها ! ولا يتركها صاحبها ! وعندك " الخوف " من أن يؤدي الزواج به إلى التأثير عليكِ وجرك معه إلى أن تفعلي أفعاله !
وكلا الأمرين خطأ ، ولا ينبغي لك التخلق بمثل هذا ، وظننا بك حسنٌ ، وأنك تريدين القُرب من الله تعالى ، وأنك تسعين لنيل رضاه ، لكن ليس بمثل هذه الأشياء تتم الأمور .
فالرجل قد اعترف بأنه كان مبتلى ببعض المعاصي ، وذكر أنه لم يفعل الزنا ولم يتناول المخدرات ، وليس ثمة ما يُلزمه بالبوح بهذا أصلاً ، بل إننا نراه مخطئاً في فعله ، وكان الواجب عليه ستر نفسه ، والاكتفاء بذكر حاله الذي هو عليه الآن .
وقد ظهر منه – أيضاً – أمرٌ مستحسن لا يصدر إلا عن صادق في توبته – كما نراه والله أعلم بحقيقته – وهو إعطاؤك الجوال لتردي على تلك الفتاة المعاكسة وتمكينك من ذلك في غيرها ، وإننا لنعلم من حال كثير من التائبين أنه يلاحقهم شياطين الإنس من النساء والرجال لصدِّه عن التوبة ، وإرجاعه إلى حاله الأول ، وقد تكون بعض الفتيات ممن كان يعرفهن يفعلن ذلك ، وقد سلك طريقاً جيدة في التخلص منها ، وهو أنه جعلكِ تردين عليهن ، وهذا يدل على صدقه ، وعلى سلوكه طريقة ناجحة في التخلص منهنَّ .
ولا ينبغي لك " التشكك " في توبة الناس ، وإساءة الظن بهم ، والمسلم ليس له إلا ما ظهر من الناس ، وفي حال تقدم الراغب بالزواج لطلب فتاة : فإن من حقها السؤال عن دينه وخلقه ، ومعرفة ذلك من المقربين منه ، وليس لها ولا لأهلها البحث عن ماضيه ، والنبش على أحواله السالفة ، والعبرة بما هو عليه الآن ، لا ما عليه كان .(/3)
كما أنه لا ينبغي لك وضع العراقيل أمام الاقتران بشخص بحجة أنه قد يُفتن ، وأنك قد تفعلين مثل فعله بداعي التأثير عليك ، ولماذا كان الخوف من جهته ولم يكن من جهتك ؟! نعم ، كما أنه هو معرَّض للفتنة فكذلك الأمر بالنسبة لك ، فهل ضمنتِ العصمة من الفتنة ؟ قطعاً لا ، فلماذا الخوف من فتنة الطرف الآخر وعدم الخوف من فتنة نفسك ؟! .
نحن لا نعرفك ، ولا نعرفه ، ولسنا بصدد إقناعك به ، ولا تشجيعك على الاقتران به ، ونحن لا ندري فقد يصلح لك ولا تصلحين له ، وقد يكون العكس ، لكننا نتكلم معك بحسب ما جاء في سؤالك واستفسارك ، ونحن نتكلم معك عن عموم حالك لا عن خصوص مسألتك ؛ لأننا نرى أن ما تتشككين به وما تخافين منه قد يكون له أثر سلبي على حياتك .
ونلخص ما نريد قوله لكِ بنقاط محددة :
1. اقبلي من الخاطب ظاهر حاله ، ولا تلتفتي لماضيه الذي تاب منه ، وصدق في توبته .
2. احرصي على التزوج بصاحب الخلُق والدِّين ، فهو الذي يعينك على طاعة ربك ، ويأخذ بيدك لطريق الجنة .
3. ليكن خوفك من الانتكاس عن طريق الهداية دافعاً لك للاستقامة على دين الله تعالى ، وإصلاح باطنك ، كما تصلحين ظاهرك ، وأكثر ، وافعلي مثل ذلك مع زوج المستقبل ، أعينيه على طاعة الله تعالى ، وخذي بيده لطريق الاستقامة ، فاستثمري خوفك من الانتكاس إلى برنامج لتثبيت الإيمان وزيادته .
4. ليس ثمة من هو معصوم عن الفتنة ، فلا تظني بنفسك خيراً ، وبالناس شرّاً ، والثقة بالنفس قد تؤدي إلى الغرور ، وإساءة الظن بالآخرين قد تؤدي إلى العيش في ظلمة حالكة ، لا يرى الإنسان فيها حتى نفسه ، فضلا أن يرى الطريق أمامه ، أو يرى غيره .
5. صارحي أهلك بحقيقة تراجعك عن رفضه ، ولا تجعلي ذلك لنفسك دونهم ، فالقبول والرفض كما أنه حق لك ، فهو حق لهم كذلك ، ولن يكون موقفهم حسناً لو أنه رجع ليطلبك دون أن يكون عند أهلك سابق علم بتراجعك عن قرارك الأول .(/4)
6. اجعلي أحد أفراد أهلك من الرجال يتثبت من الخاطب ، ويسأل عنه من يعرفه ، ويتحرى عن حاله واستقامته ، لاسيما فيما يتعلق بالمعاصي التي كانت منه في ماضيه ، فالذي تاب من تلك السبيل ، وسلك طريق الهداية ، لا يخفى حاله إن شاء الله : من استقامته في خلقه ، وحرصه على صلاة الجماعة في حيه ، وخاصة صلاة الفجر .
07 ليكن الحكم على اختيارك ، هو ما يظهر لك من دينه وخلقه ، وصلاحيته لأن يكون لك زوجا ؛ تأمنين معه على دينك وعرضك ، بحسب ما فصلناه من قبل ؛ وليس الدافع أن يهديه الله على يديك ؛ فتأثير الرجل على امرأته أشد من تأثيرها عليه ، لاسيما في ناحية الهداية والاستقامة ، فإن لم تطمئني إلى حسن حاله وصدق توبته ، فلا ننصحك حينئذ بالإقدام على الاقتران به .
7. في حال اطمئنانك إليه ، يمكنك إبلاغ ذلك الخاطب أن يتقدم لك ، عن طريق أحد أفراد أهلك ، أو عن طريق واسطة من النساء تعرفينها وتثقين بها ، وتكون من محارمه .
8. لا يجوز لك الكلام معه على الماسنجر ، ولا غيره من وسائل الاتصال والمراسلة ، وقد ذكرنا في الموقع فتاوى كثيرة لأهل العلم في تحريم ذلك ، ولا تغتري بتزيين الشيطان أن ذلك سيكون في حدود ما يرضي الله ، أو أن ذلك سيكون مرة واحدة أو مرتين فقط ، فهذا من طرق الشيطان ليوقع المسلم فيما لا تُحمد عقباه من المخالفة والآثار السيئة في الدنيا على حياته .
9. إذا لم يتيسر أمر ذلك الخاطب : فلعل ذلك أن يكون خيراً لك وله ، فاستفيدي مما حصل ، ودوامي على الدعاء بأن ييسر الله لك أمرك ، فلا غنى للعبد عن ربه .(/5)
10. وقد جاء في سؤالك أنك ترين التلفاز بتحفظ ! ولا ندري وجه التحفظ هذا ، فما يظهر في التلفاز أكثره – وفي كثير من القنوات كله – لا يجوز النظر إليه ، وخاصة من النساء ، فلا يجوز لك نظر الريبة أو الشهوة إلى الرجال ، أو النظر ـ مطلقا ـ إلى عوراتهم ، ولا سماع الموسيقى والمعازف منه ، ولا يحل لك النظر إلا لبنات جنسك ، مع خلو ذلك من صوت المعازف .
والله الموفق(/6)
رقم السؤال:
97250
العنوان:
الفرقة الناجية
السؤال:
كثرت الطوائف والفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة ، واشتبه على كثير من الناس الأمر، فماذا نفعل ؟ خاصة أن هناك فرقا تنتسب للإسلام كالصوفية والسلفية ونحو ذلك من الفرق فكيف نميز بارك الله فيكم؟
الجواب:
الحمد لله
" ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة- يعني كلها في النار إلا واحدة وهم أتباع موسى- وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة- والمعنى أن كلها في النار إلا واحدة وهم التابعون لعيسى عليه السلام- قال وستفترق هذه الأمة- يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: يا رسول الله، من هي الفرقة الناجية؟ قال: الجماعة ) وفي لفظ: ( ما أنا عليه وأصحابي ) رواه ابن ماجة (3992) .
هذه هي الفرقة الناجية ، الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واستقاموا عليه، وساروا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه، وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحديث الشريف السلفيون الذين تابعوا السلف الصالح، وساروا على نهجهم في العمل بالقرآن والسنة، وكل فرقة تخالفهم فهي متوعدة بالنار.
فعليك أن تنظر في كل فرقة تدعي أنها فرقة ناجية، فتنظر أعمالها ؟ فإن كانت أعمالها مطابقة للشرع فهي من الفرقة الناجية ، وإلا فلا ،
والمقصود أن الميزان هو القرآن العظيم والسنة المطهرة في حق كل فرقة، فمن كانت أعمالها وأقوالها تسير على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه داخلة في الفرقة الناجية، ومن كانت بخلاف ذلك كالجهمية والمعتزلة والرافضة والمرجئة وغير ذلك. وغالب الصوفية الذين يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، هؤلاء كلهم داخلون في الفرق التي توعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار حتى يتوبوا مما يخالف الشرع.(/1)
وكل فرقة عندها شيء يخالف الشرع المطهر فعليها أن تتوب منه، وترجع إلى الصواب وإلى الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبهذا تنجو من الوعيد، أما إذا بقيت على البدع التي أحدثتها في الدين ولم تستقم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنها داخلة في الفرق المتوعدة، وليست كلها كافرة، إنما هي متوعدة بالنار، فقد يكون فيها من هو كافر لفعله شيئا من الكفر، وقد يكون فيها من هو ليس بكافر ولكنه متوعد بالنار، بسبب ابتداعه في الدين، وشرعه في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى. انتهى
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/15) .(/2)
رقم السؤال:
97252
العنوان:
المدين إذا أُعطي من الزكاة فإنه يصرفه في سداد دينه
السؤال:
عليّ ديون ، وأخذ من الزكاة لسدادها ، فهل يجوز لي أن أؤجل سداد الديون ، وأشتري بهذا المال أشياء أحتاج إليها ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أُعطي المدين من الزكاة لأجل سداد دينه ، فإنه لا يصرفه في غير الدين ؛ لأنه إنما أُعطي لأجل أن يسدد دينه لا أن يتملكه لنفسه .
قال البهوتي في "كشاف القناع" (2/283) : " وَإِذَا دُفِعَ للغارم ( المدين ) مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ , لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ أَخْذًا مُرَاعًى " انتهى .
أي : أخذه لسبب معين ، وهو سداد الدين ، فلا يصرفه في غيره .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97254
العنوان:
تحريم بيع الكلية
السؤال:
لدينا مريض بالكلى وقرر له زراعة كلى وقد طلب شخص مقابل كليته مبلغ 50 ألف ريال، فهل هذا جائز ؟
الجواب:
الحمد لله
" تجوز زراعة الكلية لمن اضطر إليها إذا تيسرت بطريقة مباحة، ولا يجوز للإنسان أن يبيع كليته أو عضوًا من أعضائه لأنه قد جاء الوعيد في حق من باع حرًا فأكل ثمنه ، وبيع العضو يدخل في ذلك لأن الإنسان لا يملك جسمه وأعضاءه . ولئلا يكون ذلك وسيلة إلى المتاجرة بالأعضاء - هذا الذي يظهر لي . ولئلا يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الضعفة من الناس وسرقة كلاهم طمعًا في المال ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 62)(/1)
رقم السؤال:
97267
العنوان:
اشترى أسهما في سابك منذ عشرين عاما
السؤال:
ذهبت مع والدي قبل أكثر من عشرين عاما وهو يريد أن يكتتب في ذلك الوقت في شركة سابك (تأسيس) ولاحظت ذلك علما أني كنت صغير السن آنذاك وبعد مرور السنين نسي والدي تلك المساهمة وفي عام 1419 هـ مررت على شركة سابك واستعلمت برقم البطاقة فوجدت اسم والدي ضمن المؤسسين وقد تم مضاعفة الأسهم إلي 140 وقد كانت 7ثم 70 ثم 140 ووصلت الآن 1840سهم وقد سمعت أنها بدأت تتعامل بالربا في السنوات الأخيرة فماذا أفعل الآن ؟ علما بأن هذه الأسهم لوالدي وعمي ولولا الله ثم أنا ما عرفوا أن لهم أسهما في هذه الشركة ، وقد كبرا في السن وأحس بالذنب تجاههما بإدخال الربا عليهما . علما بأني أصفي الأرباح في السنتين الماضية من الربا بمقدار 5% حسب ما قيل لي وذلك قبل إعطائهما المبلغ وأنا الآن أرغب في تخليصهما منها فكيف ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على من ابتلي بشراء أسهم الشركات المختلطة التي تتعامل بالحرام ، أن يتخلص منها ببيعها ، ثم إن كان عالما بالتحريم لزمه التخلص من القدر المحرم بإنفاقه في وجوه الخير ، وإن كان جاهلا فله الانتفاع بالمال .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أنا أخاف الله وأكره الربا ، وقد ساهمت لي كل من شركة الكهرباء وسابك والزراعية بتبوك ونادك الزراعية ، وشركة إسمنت الكويت ، وشركة السيارات ، وسمعت كلاما كبيرا حول وجود ربا في تلك الشركات ، ولم أقطع أمري حتى أسمع الحق من فضيلة الشيخ جزاك الله خيراً ، وفي حالة وجود الربا كيف السبيل للتخلص منها واسترداد أموالي ؟
فأجابوا :(/1)
"أولا : كل شركة ثبت أنها تتعامل بالربا، أخذا أو عطاء ، تحرم المساهمة فيها ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .
ثانيا : من سبق أن ساهم في شركة تعمل بالربا فعليه أن يبيع سهامه بها ، وينفق الفائدة الربوية في أوجه البر والمشاريع الخيرية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/299) .
وسئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله : أنا مساهم في شركة سابك قبل 20 عاما تقريبا ولا كنت أعلم عن الربا شيئا وكنت تقريبا مساهم بـ 10 ألف ريال والآن تقريبا أملك 400 ألف ريالا من شركة سابك فما العمل الآن وفقكم الله ؟
فأجاب : "إن قررت الاقتصار على الأسهم النقية فبعها ، ولا تطهير عليك " .
وسئل أيضا : لدي أسهم في شركة سابك منذ بداية تأسيسها ومع انتشار حمى الأسهم بالمجتمع تذكرتها وسألت عن الشركة فقالوا إنها ربوية وكما يعلم فضيلتكم فإن مبلغ الاكتتاب قليل والأسهم صرف لها أرباح نقدية وأرباح على هيأة منح أسهم وأصبحت قيمتها تساوي الآن ثلاثمائة ألف ريال تزيد قليلا أفتونا مأجورين ؟
فأجاب : " إن كنت كما تقول فقد كنت تجهل وضعها ، وبعها ، ولا بأس عليك في ثمنها ، ولا تطهير. وزكِّ الأرباح السابقة التي لم تقبضها عن سنة واحدة. وفقك الله " انتهى من موقع الشيخ .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97268
العنوان:
لا يجوز أخذ الأجرة على الكفالة
السؤال:
طلب مني أحد الأشخاص أن أكفله في شراء سيارة بالتقسيط فرفضت فقال لي أنا نويت أعطي من سيكفلني ألفين ريال فأخذتها منه وكفلته لحاجتي للفلوس ، فهل هذا المبلغ حلال لي ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز أخذ أجرة على الكفالة والضمان ؛ لأن هذه الأجرة ستحول عقد الكفالة إلى عقد ربوي .
وبيان ذلك :
أن الكفيل ملزم بدفع الدين عن المكفول إذا لم يقم المكفول بالسداد ، وفي حالة سداد الكفيل للدين فإنه يكون قرضا منه للمكفول ، يلزمه سداده له ، وسيضاف إلى ذلك الأجرة التي اتفقا عليها مقابل الكفالة ، فيكون قرضا بزيادة ، وهذا عين الربا .
قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) :
"ولو قال : اكفل عني ولك ألف لم يجز ; لأن الكفيل يلزمه الدين , فإذا أداه وجب له على المكفول عنه, فصار كالقرض , فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة , فلم يجز " انتهى باختصار .
وقال ابن جرير الطبري في "اختلاف الفقهاء" (ص9) : " ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل ، على جُعل (أجرة) جعله له المكفول عليه ، فالضمان على ذلك باطل" انتهى .
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن خطاب الضمان ، ما يلي :
" أولاً : إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه ، فإن كان بدون غطاء ، فهو : ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً ، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم : الضمان أو الكفالة .
وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي الوكالة ، والوكالة تصّح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد ( المكفول له ) .(/1)
ثانياً : إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان ، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة ، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض ، وذلك ممنوع شرعاً .
وبناء على ذلك يتقرر ما يلي :
أولاً : إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجرة عليه لقاء عملية الضمان - والتي يُراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته - وسواء أكان بغطاء أم بدونه .
ثانياً : إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً ، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل ، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي ، يجوز أن يُراعى في تقدير المصارف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء " انتهى من "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" ص25 .
وبناء على ذلك ؛ فلا يحل لك أخذ هذا المال ، ويجب عليك رده إلى صاحبه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97275
العنوان:
تصوير أطفال روضة التحفيظ بالفيديو
السؤال:
أنا في روضة ذات أداء مميز في تحفيظ القرآن ، والكثير يرغب في نقل الصورة من داخل الروضة ليمكن تطبيقها في أماكن أخرى حيث يصعب حضور الكثير للرؤية المباشرة ، فهل أصور بالفيديو الأطفال أم لا ؟ علما أني أريد بيان الأفضل والأورع .
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في تصوير أطفال الروضة بالفيديو ، للوقوف على طريقة تحفيظهم القرآن ، لأن التصوير بالفيديو لا يدخل في التصوير المحرم ، وينظر جواب السؤال رقم (102262) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97276
العنوان:
الاستماع إلى تلاوة النساء للقرآن الكريم
السؤال:
ما حكم الاستماع إلى تلاوة النساء في مسابقات القرآن الكريم التي تقام في بعض البلاد الإسلامية؟
الجواب:
الحمد لله
لا أعلم بأسا في هذا الشيء ، إذا كان النساء على حدة ، والرجال على حدة ، من غير اختلاط في محل المسابقة ، بل يكن على حدة ، مع تسترهن وتحجبهن عن الرجال .
وأما المستمع فإذا استمع للفائدة والتدبر لكلام الله فلا بأس، أما مع التلذذ بأصواتهن فلا يجوز. أما إذا كان القصد الاستماع للفائدة، والتلذذ في استماع القرآن والاستفادة من القرآن فلا حرج إن شاء الله في ذلك . انتهى
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز ( 2 / 100 )(/1)
رقم السؤال:
97327
العنوان:
حكم العمل في مصنع لتصنيع أجهزة الصرافة
السؤال:
ما حكم العمل في مصنع لتصنيع الصرافات علماً أننا لا نعلم هل يشتريها بنك ربوي أو غير ربوي ، وإن كان الأغلب من البنوك في البلاد ربوياً وأنا لا أصنع الآلة لكني أعمل في نفس المصنع ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت هذه الآلات تستعمل في العمليات الربوية قرضاً أو إقراضاً ، فلا يجوز صناعتها ولا بيعها لمن علم أنه يستعملها في الربا ، لقول الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
وصنعها للبنك الربوي وبيعها له من التعاون معه على هذه الكبيرة العظيمة ، وهي الربا ، وقد جاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375 ) .(/1)
وأما صنعها للبنوك الإسلامية ، أو لبنك ربوي ولكنه لا يستعملها في الأعمال الربوية ، بل تستعمل استعمالاً مباحاً ، كالسحب من الرصيد أو دفع الفواتير ونحو ذلك ، فلا حرج من صنعها وبيعها له ، وإن كان البنك ربوياً ، فإنه لا حرج من التعامل مع البنك الربوي في الأعمال المباحة كالبيع والشراء ، ما دام أن ذلك لا يتعلق بالربا ، فقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعامل مع اليهود بيعاً وشراءً ، وهم أكلة الربا ، وانظر جواب السؤال (39661)
وعند الشك في حال البنك الذي سيشريها فإنه يعمل بغلبة الظن ، فإن كان الغالب أنه سيستعملها في الحرام كان صنعها وبيعها حراماً ، وإن كان الغالب أن يستعملها في أمور مباحة كان صنعها وبيعها مباحاً
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97356
العنوان:
وضع العلكة في الفم دون مضغ أثناء الصلاة
السؤال:
هل يجوز ترك العلكة في الفم أتناء الصلاة دون مضغها ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي أن يقبل العبد على صلاته ، ويخشع فيها ، ويستحضر بقلبه أنه يناجي ربه ، كما روى البخاري (405) ومسلم (551) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا.
وترك العلكة في الفم ، أقل ما فيه أنه ينافي الأدب في الوقوف بين يدي الله تعالى ، وقد يمنع من كمال القراءة ، ويشغل المصلي . فإن مضغها أو ذاب منها شيء بطلت صلاته .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/23) : " قال البغوي وغيره : والمضغ وحده يبطل الصلاة وإن لم يصل شيء إلى الجوف ، حتى لو مضغ علكا بطلت صلاته , فإن لم يمضغه بل وضعه في فيه , فإن كان جديدا يذوب فهو كالسكرة ، فتبطل صلاته على الصحيح , وإن كان مستعملا لا يذوب لم تبطل ، كما لو أمسك في فمه حصاة أو إجاصة فإنها لا تبطل قطعا " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97383
العنوان:
خطبها شاب متدين ولكنها لا تميل إليه
السؤال:
أنا فتاة أبلغ من العمر 16 سنة، وقد تقدم لخطبتي شاب ملتزم، وهو مؤذن بأحد المساجد، ولكنني لا أرغب في الزواج منه؛ لأني لا أحبه، بل وأكرهه من قبل أن يخطبني؛ فهل أنا آثمة في ردي له ورفضه، وهو يدخل في ضمن من يرضى دينه ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا كنت لا ترغبين الزواج من شخص؛ فلا إثم عليك، ولو كان صالحًا؛ لأن الزواج مبناه على اختيار الزوج الصالح مع الارتياح النفسي إليه؛ إلا إذا كنت تكرهينه من أجل دينه؛ فإنك تأثمين في ذلك من ناحية كراهة المؤمن، والمؤمن تجب محبته لله، ومن ناحية كراهة تمسكه بدينه، ولكن لا يلزمك مع محبتك له دينًا أن تتزوجي منه مادمت لا تميلين إليه نفسيًا " .
والله أعلم .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 159 )(/1)
رقم السؤال:
97384
العنوان:
هل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق؟
السؤال:
هل ورد دليل أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق ؟
الجواب:
الحمد لله
وردت في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه أدلة كثيرة جدا ، ولم يرد – فيما نعلم - دليل صريح فيه النص صراحةً على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق ، والذي ورد النص عليه : أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر وسيد ولد آدم .
روى مسلم (4223) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) .
وقد فهم العلماء من هذا النص وغيره من النصوص الواردة في فضائل نبينا صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الخلق .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" :
وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم ، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة ، وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الآدميين وغيرهم" انتهى .
وقد تتابع العلماء على وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل الخلق ، ونكتفي بالإشارة إلى بعض مواضع كلامهم خشية الإطالة :
الإمام الشافعي في "الأم" (4/167) .
الإمام عبد الرازق الصنعاني في مصنفه (2/419) .
شيخ الإسلام ابن تيمة في "مجموع الفتاوى" (1/313) و (5/127، 468) .
ابن القيم في تهذيب السنن حديث رقم (1787) من عون المعبود .
ابن حجر في "فتح الباري" شرح حديث رقم (6229) .
المرداوي في " الإنصاف" (11/422) .
الألوسي في"روح المعاني" (4/284) .
الطاهر بن عاشور في تفسيره (2/420) .
السعدي في تفسيره (51، 185، 699) .
محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (9/215) .
الشيخ عبد العزيز بن باز في "مجموع الفتاوى" (2/76 ، 383) .(/1)
علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، وقد سئلوا : هل نقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم خير البشر أو خير الخلق ؟ وهل هناك دليل على أنه خير الخلق ، كما يقول كثير من الناس؟
فأجابوا :
"جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة بيان عظم قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه تعالى من خلال الفضائل الجليلة والخصائص الكريمة التي خصه الله بها ، مما يدل على أنه أفضل الخلق وأكرمهم على الله وأعظمهم جاها عنده سبحانه ، قال الله سبحانه : (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء/113 ، وأجناس الفضل التي فضله الله بها يصعب استقصاؤها ؛ فمن ذلك : أن الله عز وجل اتخذه خليلا ، وجعله خاتم رسله ، وأنزل عليه أفضل كتبه ، وجعل رسالته عامة للثقلين إلى يوم القيامة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأجرى على يديه من الآيات ما فاق به جميع الأنبياء قبله ، وهو سيد ولد آدم ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع ، وبيده لواء الحمد يوم القيامة ، وأول من يجوز الصراط، وأول من يقرع باب الجنة ، وأول من يدخلها . . . إلى غير ذلك من الخصائص والكرامات الواردة في الكتاب والسنة ، مما جعل العلماء يتفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق جاها عند الله تعالى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله ، لا جاه لمخلوق أعظم من جاهه ، ولا شفاعة أعظم من شفاعته" .(/2)
فمما ذُكر وغيره يتبين أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء ، بل وأفضل الخلق ، وأعظمهم منزلة عند الله تعالى ، ولكن مع هذه الفضائل والخصائص العظيمة فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرقى عن درجة البشرية ، فلا يجوز دعاؤه والاستغاثة به من دون الله عز وجل ، كما قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف/110، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/35) .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
وقد توقف في ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، نظراً لأنه لم يرد بذلك نص صريح فقال :
"المشهور عند كثير من العلماء إطلاق أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق ، كما قال الناظم :
وأفضل الخلق على الإطلاق *** نبينا فمل عن الشقاق(/3)
لكن الأحوط والأسلم أن نقول: محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل البشر، وأفضل الأنبياء، أو ما أشبه ذلك اتباعا لما جاء به النص، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أنه جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق مطلقاً في كل شيء . . . فالأسلم أن الإنسان في هذه الأمور يتحرى ما جاء به النص. مثلاً لو قال قائل: هل فضل الله بني آدم عموماً على جميع المخلوقات؟ قلنا: لا؛ لأن الله تعالى قال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/70 ، لم يقل : على كل من خلقنا، فمثل هذه الإطلاقات ينبغي على الإنسان أن يتقيد فيها بما جاء به النص فقط ولا يتعدى . والحمد لله ، نحن نعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وأشرف الرسل وأفضلهم وأكرمهم عند الله عز وجل ، وأدلة ذلك من القرآن والسنة الصحيحة معروفة مشهورة ، وأما ما لم يرد به دليل صحيح فإن الاحتياط أن نتورع عنه ، لكنه مشهور عند كثير من العلماء ، تجدهم يقولون : إن محمداً أشرف الخلق" انتهى "لقاءات الباب المفتوح" (53/11) .(/4)
رقم السؤال:
97387
العنوان:
شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات
السؤال:
في المساهمات في الشركات ، يتم تحديد عدد معين من الأسهم لكل مساهم ، لا يشتري أكثر منه ، وبعض الناس يتفق مع زملائه أو جيرانه أن يشتري الأسهم باسمهم مقابل مال يعطيه لهم . فما حكم ذلك .
الجواب:
الحمد لله
" شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك هو من التزوير المحرم فلا يجوز فعله والثمن الذي يأخذه صاحب الاسم حرام عليه والكسب الذي يحصل عليه مشتري الأسماء حرام عليه أيضًا - ثم الشركات المساهمة الغالب عليها أنها تشتغل بالربا فلا تجوز المساهمة فيها وكذلك البنوك هي مؤسسات ربوية فلا تجوز المساهمة فيها " .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 61)(/1)
رقم السؤال:
97389
العنوان:
تنظيم لقاء استذكاري للمتوفى
السؤال:
لدينا جمعية تهتم بكفالة اليتيم ، وتقوم الجمعية بدور الوسيط بين المحسنين وأسر اليتامى . منذ حوالي شهرين توفي رئيس الجمعية رحمه الله ، وكان مثالا في التضحية والوفاء وبذل الغالي والرخيص من أجل إدخال البهجة والسرور على أسر اليتامى . فكر الإخوة في مكتب الجمعية بتنظيم لقاء استذكاري للفقيد ، ليس حفل تأبين ، ولا الأربعين ، أبدا ، قرر المكتب أن يكون محور هذا اللقاء حول التذكير بدوره في العمل الخيري ، كما قرروا تقديم شهادة تقدير لأهله اعترافا بالجهود التي بذلها الفقيد . ويتضمن اللقاء ورقة تعريفية عن الجمعية : الأنشطة والمنجزات . السؤال : هل هناك من حظر شرعي في تنظيم هذا اللقاء ؟
الجواب:
الحمد لله
إقامة المحاضرات والندوات واللقاءات للحديث عن المتوفى من العلماء أو الصالحين أو أهل الخير والإحسان جائز لا حرج فيه .
ولكن ينبغي التقيد بالشروط الآتية :
1- أن يكون الغرض منها حث الناس على الخير ، وشكر أهله ، والاستفادة من الجوانب المنيرة في حياة الشخصية المتحدث عنها ، وتعريف الناس بها لتشجيعهم على الاقتداء بأخلاقها وفضائلها .
ولا يكون الغرض إثارة الأحزان والأشجان ، وتذكر المصائب والآلام ، لاستنزال الدموع واستثارة القلوب ، فليست هذه الأمور من الشريعة في شيء ، بل هي مضادة لما ندبت إليه من الصبر على المصائب ، والرضا بقضاء الله وقدره .
2- ألا تجعل هذه اللقاءات عيدا يتكرر في كل عام ، فإن المسلمين لا عيد لهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط ، ولا يجوز استحداث أي عيد في أي مناسبة غير ما جاء في الشرع .(/1)
3- أن يقتصر على كلمة الحق وقول الصدق ، من غير مبالغة ولا مفاخرة ، فإذا كان المتوفى مِن أهل الصلاح والعلم والخير يذكر ما قدمه لأمته ودينه ، ولا يراد بهذا الذكر إلا وجه الله تعالى وحث الناس على الخير ، وليس التقرب لمنصب ولا التزلف لولاية ولا التعصب لحزب أو جماعة ، وأما إن كان من أهل المعاصي والشبهات ، أو ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فلا يجوز تغرير الأمة بأمثالهم ، ولا يحل الكذب في مدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم ، والواجب تفويض أمرهم إلى الله تعالى .
4- ألا يصاحب هذه اللقاءات شيء من المنكرات ، من عادات النياحة أو تعليق الصور أو استعمال المعازف ، كما لا يجوز ربط هذه اللقاءات بليالي محددة كالأسبوع أو الأربعين ونحوها من الخرافات المنتشرة بين العوام .
جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي (2/18) :
" قول ابن عبد السلام : بعض المراثي حرام ، كالنوح ؛ لما فيه من التبرم بالقضاء ، إلا إذا ذكر مناقب عالم ورع أو صالح للحث على سلوك طريقته وحسن الظن به ، بل هي حينئذ بالطاعة والموعظة أشبه ، لما ينشأ عنها من البر والخير ، ومن ثَمَّ ما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونها على ممر الأعصار من غير إنكار " انتهى .
وجاء في تهذيب وترتيب ابن الشاط لكتاب "الفروق" للقرافي (2/180-182) :
" الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : حَرَامٌ كَبِيرَةٌ ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ ، وَمُبَاحٌ ، وَمَنْدُوبٌ .
أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي :
فكل كلام يقرر في النفوس نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الظلم في قضائه وقدره ، حيث يبالغ في تعداد فضائل الميت ومناقبه وأعماله التي انقطعت بموته ، مما يعني أن موته كان مفسدة عظيمة ، وأن الأصلح كان بقاؤه حيا .
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ :(/2)
فكل كلام يهيج الأحزان ويؤدي إلى الضجر وعدم الصبر ، وقد يؤدي إلى ضرب الخدود أو شق الثياب .
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي :
فكل كلام ليس فيه إلا ذكر دين الميت وأنه انتقل إلى دار الجزاء ، وأن جميع الخلق سيواجهون المصير نفسه .
وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي :
فكل كلام فيه أمر أهل الميت بالصبر وحثهم عليه " انتهى باختصار وتصرف .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما أصل الذكرى الأربعينية ، وهل هناك دليل على مشروعية التأبين ؟
" أولا : الأصل فيها أنها عادة فرعونية ، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام ، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم ، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام ، يردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري (2550).
ثانيا : تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم ؛ من الاجتماع لذلك ، والغلو في الثناء عليه ، لا يجوز ؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي .
ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالبا ، وتجديد اللوعة وتهييج الحزن .
وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره ، أو مرور جنازته ، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم ، فجائز ؛ لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال صلى الله عليه وسلم : وجبت ، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال : وجبت . فقال عمر رضي الله عنه : ما وجبت ؟ قال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ) – متفق عليه – " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/154-155) .(/3)
وقد استحب بعض أهل العلم المعاصرين أن يكون تنظيم هذه اللقاءات والمحاضرات بعد فترة طويلة من الوفاة ، كي لا تتجدد الأحزان .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين : يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره ، مثل عالم أو داعية ، فما حكم هذا الفعل ؟
الجواب :
"رأيي ألا يفعل ؛ لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي , ولهذا تُهَيِّج الناس ويبكون , أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به , لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم , أما أن يقصد بها التهييج والتحزن على فقد هذا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي ، وهو من النعي , وإذا جاءت بِرَنَّةٍ معينة صار من الندب أيضاً " انتهى .
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/207، سؤال رقم/15) .
والحاصل : أن تنظيمكم اللقاء الاستذكاري للحديث عن رئيس الجمعية لا حرج فيه إذا التزمت الشروط السابقة .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
97410
العنوان:
عمل المرأة طبيبة في مكان مختلط
السؤال:
أود معرفة ما إذا كان يجوز للمرأة ممارسة الطب في هذا البلد أي كندا ، لأنه ليس هناك مكان منفصل للنساء في هذا المجتمع ، أم أنه من الأفضل لها أن تقيم بالمنزل؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان مختلط ، لما يترتب على الاختلاط من مفاسد ومحاذير ، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (1200) ورقم (60221)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/71) : " يجوز للمرأة العمل في تطبيب النساء ، ولا يجوز لها الاختلاط بالرجال في مكان العمل " انتهى .
فإن أمكنها تجنب الاختلاط المحرم بالرجال أثناء العمل ، ويكون لها مكانها الخاص بها ، فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى .
ولها أن تعمل طبيبة في عيادة خاصة ، أو في مستشفى لا اختلاط فيه ، أو في مركز إسلامي تعالج فيه أخواتها المسلمات ، فإن لم تجد ذلك ، فلتتق الله تعالى ، ولتقبل على طاعتها وعبادتها وتربية أبنائها والقرار في بيتها ، فذلك خير لها .
ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97437
العنوان:
حكم أذان الجنب وهل له أن يدخل المسجد ليؤذن ؟
السؤال:
شخص أذن لصلاة الفجر وهو جنب وقد نسي هذا المؤذن الجنابة إلى حين انتهائه من الآذان فعاد الأخ للمنزل واغتسل وعاد وأقام الصلاة وهو طاهر فما الحكم هنا ؟ ونحن نعلم تحريم دخول المسجد ونحن جنب .
الجواب:
الحمد لله
تستحب الطهارة في الأذان ولا تجب ، وقد ورد فيها حديث : ( لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (147 )
وقد روي هذا الحديث مرفوعاً (من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وموقوفاً ( من قول أبي هريرة ) وكلاهما ضعيف لا يصح .
انظر : "تمام المنة" ص (154)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 1/ 248 ) : " الْمُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ جَمِيعًا " انتهى . واستدل بالحديث السابق .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز الأذان على غير وضوء وما حكم أذان الجنب ؟
فأجابوا : " يصح أذان المحدث حدثا أصغر أو أكبر، لكن الأفضل أن يكون متطهرا من الحدثين جميعا " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/67)
والجنب ممنوع من المكث في المسجد ، لكن إن احتاج لذلك للأذان أو لغيره ، توضأ ودخل .
قال في "كشاف القناع" (1/148) : " ويحرم على الجنب اللبث في المسجد لقوله تعالى : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ، إلا أن يتوضأ ، لما روى سعيد بن منصور عن عطاء بن يسار قال : رأيت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة . قال في "المبدع" : إسناده صحيح ، ولأن الوضوء يخفف حدثه فيزول بعض ما يمنعه . قال الشيخ تقي الدين ( شيخ الإسلام ابن تيمية ) : وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره " انتهى بتصرف .
وانظر : "الشرح الممتع" (2/57)(/1)
وإن كان المؤذن قد دخل المسجد ناسيا جنابته ، فلا شيء عليه ، لأنه معذور بنسيانه ، قال الله تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وقد روى مسلم (126) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال : ( قد فعلت ) . أي أن الله تعالى قد تجاوز عن الناسي والمخطئ.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97442
العنوان:
هل تجب الزكاة في راتب التقاعد ؟
السؤال:
لقد اشتركت في نظام التقاعد ، فهل في مال التقاعد زكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
سبق في الموقع بيان حكم الاشتراك في نظام التقاعد ، وفيه أن الاشتراك في ذلك النظام لا يخلو : إما أن يكون مع جهة غير حكومية ، فيكون هذا نوعاً من الميسر ، وذلك لأن الإنسان لا يدري ، هل يأخذ أكثر مما دفع ، أو أنه يأخذ أقل مما دفع ، وهذا هو عين الميسر ، وأما الاشتراك في نظام التقاعد مع الجهات الحكومية ، فإنها قد لا تأخذ الحكم السابق من جهة أن الحكومة أو بيت المال مسئول عن الإنفاق على الرعية إذا احتاجوا .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (42567) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن الراتب التقاعدي ؟ وهل تجب فيه الزكاة ؟
فأجاب : " رأينا في التقاعد الذي يؤخذ من الراتب أنه لا زكاة فيه ؛ وذلك لأن صاحبه لا يتمكن من سحبه إلا بشروط معينة ، فهو كالدَّين الذي على المعسر ، والدَّين الذي على المعسر لا زكاة فيه ، لكن إذا قبضه ، فالأحوط أن يزكيه لسنة واحدة ، وأما أخذه فلا بأس لأنه جزء ادخرته الدولة من راتب الموظف عند الحاجة إليه " انتهى بتصرف .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/174) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97444
العنوان:
هل يجوز له العمل في صناعة الرسوم المتحركة ؟
السؤال:
يرغب أحد أبناء عمومتي في امتهان مهنة تصميم الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد ، فهو شديد الاهتمام بها - والحمد لله - ، فهو لديه معرفة واسعة بلغات البرمجة ، ولكنه تراوده بعض الشكوك حول ما إذا كانت الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد حرام فى الإسلام ، كما يشار دائما إلى حرمة التصوير ، ويريد قبل امتهانه مهنة تصميم الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد معرفة الآراء فى ذلك الأمر من مراجع موثوق بها ، أو من أحاديث ، برجاء الرد إذا كانت لديكم أية فكرة بخصوص هذا الأمر . جزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
الرسوم المتحركة إن كانت على غير شكل ذوات الأرواح - كالشجر والسيارات - : فلا حرج في صنعها ومشاهدتها من حيث كونها رسماً ، وأما إن كانت على شكل ذوات الأرواح - كالبشر والحيوانات - : فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء المعاصرين ، فقد ذهب علماء اللجنة الدائمة إلى المنع من الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون ولو كانت ذات صبغة شرعية .
ففي فتوى اللجنة الدائمة رقم ( 19933 ) ، تاريخ 9 / 11 / 1418 هـ : ما نصه :
لا يجوز بيع ولا شراء ولا استعمال أفلام الكرتون ؛ لما تشتمل عليه من الصور المحرمة ، وتربية الأطفال تكون بالطرق الشرعية ، من التعليم ، والتأديب ، والأمر بالصلاة ، والرعاية الكريمة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتوى اللجنة الدائمة " رقم ( 19933 ) ، تاريخ 9 / 11 / 1418 هـ .
وذهب الشيخ العثيمين - رحمه الله - إلى الجواز ، كما بيَّنا قوله في جواب السؤال رقم : ( 71170 ) فلينظر .
وعلى القول بالجواز فينبغي للمنتج لها أن يراعي أموراً ، منها :
1. عدم إخراج الشخصيات القيادية والجهادية بصورة مبتذلة ، أو تقولهم ما لم يقولوا .(/1)
2. عدم وضع مقاطع موسيقية مع الأفلام والرسوم المتحركة .
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - :
يبقى النظر ، لا ينسبون إلى أحد من قوَّاد هذه الفتوحات ما لم يقله ، هذه هي المشكلة ، فأرى أنه إذا كانت ليس فيها إلا الخير : ما فيها شيء إن شاء الله ، وإذا كانت مصحوبة بموسيقى : فهذا لا يجوز ؛ لأن الموسيقى من المعازف المحرمة .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 127 / السؤال رقم 10 ) .
وقد ذكرنا في بعض أجوبتنا حرمة الألعاب الإلكترونية للصغار والكبار إذا كانت تحتوي على معازف ، وللمزيد من التفصيل ينظر جوابي السؤالين : ( 2898 ) و ( 39744 ) .
3. عدم إخراج صور النساء والرجال بعورات أو بأفعال محرَّمة أو كفرية كحمل الصليب وعبادة الأصنام ، ولو كان للتعليم والتمثيل .
4. أن تحمل تلك الأفلام والرسوم المتحركة معاني سامية ، وأن تحتوي على ما يعلِّم الأخلاق الفاضلة .
5. أن لا تكون الصور والرسوم مشابهة لخلق الله تعالى ، حتى لا يخطر بذهن الطفل الصغير أن ثمة من يصنع كخلق الله تعالى .
6. أن لا يكون فيها تعظيم لبدعة ولا مبتدع ، ولا فسق ولا فاسق ، وأن لا تشتمل على ذِكر مناسبات بدعية أو محرمة كالاحتفالات بالمولد النبوي ، أو بأعياد الميلاد .
7. منع تمثيل الأنبياء والصحابة ، ولو كانت الوقائع حقيقية .
وينظر جواب السؤال رقم (14488) .
وينظر جواب السؤال رقم (10836) ففيه ضوابط مهمة زيادة على قلناه ههنا .
وعلى كل حال :
فينبغي للمنتج أن يضع بين عينيه أن ما سيخرجه للنشء فإنه سيتأثر به من يسمعه ويراه ، فليحرص على إيصال رسالة الإسلام نقية ، وليساهم في تربية الأطفال تربية إسلامية ، فيُدخل في أفلامه ورسومه تعظيم الصلاة وتعليمها ، وبر الوالدين ، وذِكر حقوقهما ، وغير ذلك من أخلاق الإسلام العظيمة ، مع التحذير من العقوق ، والكذب ، وقطيعة الرحم ، وما يشبه ذلك .(/2)
ونرجو أن يكون ما في هذه الرسوم والأفلام من مصالح أكثر من مفسدة التصوير والرسم ، ولو كانت المسألة متفقاً عليها بين العلماء لما قلنا بالجواز ، حتى لو كان فيها مصالح متعددة ، ولكن لما جاءت النصوص باستثناء صناعة الألعاب ولو لذوات الأرواح للأطفال ، ووجد من علمائنا من يقول بالجواز : مِلْنا إلى القول بالجواز .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
97448
العنوان:
التفصيل في فرق الشيعة
السؤال:
نحن بحاجة ماسة لمعرفة أوجه الخلاف بين أهل السنة والشيعة ، نرجو توضيح عقائدهم ؟
الجواب:
الحمد لله
"الشيعة فرق كثيرة و فيهم الكافر الذي يعبد علياً ويقول: يا على، ويعبد فاطمة والحسين وغيرهم.
ومنهم من يقول: جبريل عليه الصلاة والسلام خان الأمانة وأن النبوة عند على وليست عند محمد.
وفيهم أناس آخرون، منهم الإمامية ـ وهم الرافضة الاثنا عشريةـ عُبَّاد علي ويقولون: إن أئمتهم أفضل من الملائكة والأنبياء.
ومنهم أقسام كثيرة وفيهم الكافر وفيهم غير الكافر، وأسهلهم وأيسرهم من يقول على أفضل من الثلاثة ( أبوبكر وعمر وعثمان ) وهذا ليس بكافر لكن مخطئ، فإن علياً هو الرابع، والصدّيق وعمر وعثمان هم أفضل منه، إذا فضله على أولئك الثلاثة فإنه قد أخطأ وخالف إجماع الصحابة ولكن لا يكون كافراً، وهم طبقات وأقسام ومن أراد ذلك فليراجع كلام الأئمة، مثل الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب، و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب أخرى أٌلفت في ذلك "كالشيعة والسنة "لإحسان إلهي ظهير، وغير ذلك كتب كثيرة فى مثل هذا الباب نوعت وبينت أغلاطهم وشرهم نسأل الله العافية.(/1)
ومن أخبثهم الإمامية الاثنا عشرية والنصيرية ويقال لهم الرافضة، لأنهم رفضوا زيد بن علي لما أبى أن يتبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر وخالفوه ورفضوه، فما كل من ادعى الإسلام يسلم له بأنه أصبح مسلماً، من ادعى الإسلام ينظر في دعواه ، فمن عبد الله وحده ، وصدّق رسوله ، وتابع ما جاء به فإن هذا هو المسلم، وأما إذا ادعى الإسلام وهو يعبد فاطمة ويعبد البدوي ويعبد العيدروس وغيرهم فهو ليس بمسلم، نسأل الله السلامة والعافية وهكذا من سبٌ الدين أو ترك الصلاة ولو قال : إنه مسلم ما يكون مسلماً، أو استهزأ بالدين أو استهزأ بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو بمحمد عليه الصلاة والسلام أو كذبه، أو قال : إنه جاهل أو قال : إنه ما أتم الرسالة ولا بلغ البلاغ المبين، كل هؤلاء كفرة، نسأل الله العافية" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/257).(/2)
رقم السؤال:
97450
العنوان:
لا يجب غسل الأطراف الصناعية في الوضوء
السؤال:
قطعت قدمي ـ والحمد لله ـ ووضعت بدلها قدماً صناعياً فهل يجب عليَّ غسله والمسح عليه إذا كان عليه جورب ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا كانت الرِّجل قد قطعت من الساق وذهب الكعب والقدم ولبست مكانها قدماً صناعيّاً فليس عليك غسله ، وقد سقط عنك غسل هذه الرِّجل المقطوعة ، ولا تمسح على القدم الصناعي ، أما إذا كان قد بقي من الرِّجل شيء من الكعب فما تحته ، فإنه يجب عليك غسل هذا الباقي ، وإذا لبست عليه ساتراً من خف أو جورب فإنك تمسح عليه على ما يحاذيه من الملبوس " .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" ( 2 / 36 ) .(/1)
رقم السؤال:
97455
العنوان:
لديه امتحان يستغرق وقت العصر والمغرب فكيف يصلي ؟
السؤال:
أستعد لحضور امتحان هام يستمر من الساعة الثانية حتى الساعة السادسة. المشكلة أن العصر يؤذن في الثانية والنصف والمغرب في الخامسة. الامتحان عبارة عن أجزاء لكل جزء وقت محدد وتوجد فترة راحة عشرة دقائق لكن لا أظن أن مكان الامتحان به مكان للصلاة حيث إن الامتحان يتم في إحدى السفارات الأجنبية . علما بأنني سأذهب - بإذن الله - إلى هذا المكان لأول مرة يوم الامتحان. أفيدوني أفادكم الله - و لا تنسونا من صالح الدعاء.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت ، فإن هذه الدقائق العشر تكفي لصلاتك ، ولا يشترط أن يوجد مكان مخصص للصلاة ، بل صل في أي مكان طاهر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ) رواه البخاري (335) ومسلم (521).
وإذا كان عليك مشقة في الصلاة في هذه الدقائق بسبب انشغالك بالاختبار ، أو ضيق الوقت فيجوز لك الجمع بين الصلاتين ، فتجمع العصر مع الظهر تقديما ، والمغرب مع العشاء تأخيرا .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد تتعدى أحياناً ثلاثة فروض فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟(/1)
فأجاب : " أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال لأنه حاجة فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء ، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً فإنه لا يجوز إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصليها على أي حالٍ كانت ، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها . والخلاصة أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما ، وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر إما تقديماً وإما تأخيراً والجمع بين المغرب والعشاء إما تقديماً وإما تأخيراً حسبما تكون الحاجة داعية إليه " انتهى من "فتاوى نور الدرب".
ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97456
العنوان:
الصلاة بين المغرب والعشاء
السؤال:
هل صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه صلي سنة المغرب ست ركعات ؟
الجواب:
الحمد لله
السنة الراتبة لصلاة المغرب ركعتان فقط ، وانظر جواب السؤال رقم (1048) .
ولكن ورد في فضل صلاة ست ركعات بعد المغرب ما رواه الترمذي (435) وابن ماجه (1167) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً) .
قال الترمذي رحمه الله : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ ، وسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ [البخاري] يَقُولُ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا.
وقال الألباني رحمه الله في ضعيف الترمذي : ضعيف جدا .
ووردت أحاديث أخرى في الترغيب في الصلاة ما بين المغرب والعشاء غير أنها كلها ضعيفة.
انظرها في "ضعيف الترغيب والترهيب" (332) و (333) و (334) و (335) .
ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ما بين المغرب والعشاء .
فقد روى أحمد (22926) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : (جِئْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي ، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (470) .
وكذلك ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء .(/1)
روى أبو داود (1321) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قَالَ : كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ [وفي رواية: يَتَنَفَّلُونَ] مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ . وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : قِيَامُ اللَّيْلِ .
صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وَأَخْرَجَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيره عَنْ أَنَس رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ : يُصَلُّونَ مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . قَالَ الْعِرَاقِيّ : وَإِسْنَاده جَيِّد . نقلا من "عود المعبود" .
قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (3/68) : "والآيات والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء , والأحاديث وإن كان أكثرها ضعيفا فهي منتهضة بمجموعها ، لا سيما في فضائل الأعمال , قال العراقي : وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وسلمان الفارسي وابن عمر وأنس بن مالك في ناس من الأنصار ، ومن التابعين : الأسود بن يزيد وأبو عثمان النهدي وابن أبي مليكة وسعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر وأبو حاتم وعبد الله بن سخبرة وعلي بن الحسين وأبو عبد الرحمن الحبلي وشريح القاضي وعبد الله بن مغفل وغيرهم . ومن الأئمة : سفيان الثوري" انتهى .
وعلى هذا ؛ فتستحب الصلاة ما بين صلاتي المغرب والعشاء من غير تقيد بعدد معين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97478
العنوان:
هل يجوز لهما الزواج مع اشتراط عدم الجماع ؟!
السؤال:
هل يجوز في الإسلام لزوجيْن أن يعيشا معاً دون إقامة أية علاقة زوجية - جسدية - ( ولو لمرة واحدة ) وأن يظلا فقط كأصدقاء ؟ وما هو وضع هذه الزوجة فى الإسلام ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز في الشرع أن يعيش رجل وامرأة أجنبييْن معاً في بيت واحد ، ولذا فإن تشبيه اجتماع الزوجين من غير جماع باجتماع الأصدقاء تشبيه غير سليم .
ثانياً:
على الزوجين أن يعلما أنه من أعظم مقاصد النكاح : حفظ الفرج ، وإعفاف النفس ، ووجود الذرية ، وهو ما لا يمكن وجوده من غير جماع .
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح الولود ، بل قد نهى بعض أصحابه عن نكاح امرأة لا تلد .
فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ ، فَقَالَ : (تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) . رواه النسائي ( 3227 ) وأبو داود ( 2050 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1921 ) .
وينظر شرح الحديث في جواب السؤال رقم ( 32668 ) ، وينظر جواب السؤال رقم ( 13492 ) .
وأما أن يجتمع الزوجان في بيت زوجية من غير جماع : فهذا يمكن تصوره والقول بجوازه في زوجين مريضين أو كبيرين ليس عندهما شهوة نكاح ، وأما إن كانا عندهما شهوة النكاح فكيف يجتمعان من غير أن يعف أحدهما نفسه ويعف الآخر ؟ وأين سيقضي كل واحد منهما شهوته إن لم يفعل ذلك مع من أحله الله له ؟!(/1)
كما يمكن تصوره والقول بجوازه في حال كون المرأة شابة وعندها شهوة ، وترضى بالزواج من رجل عنِّين أو مجبوب أو كبير في السن ؛ والعكس كذلك ، وهو أن يتزوج الرجل بمريضة ليس عندها شهوة ، أو رتقاء ، ويكون قادراً على الصبر محتسباً الأجر ، أو عنده غيرها من الزوجات يقضي شهوته معهنَّ ..
ثالثاً:
قد فرَّق الفقهاء بين مسألتين في هذا الباب :
الأولى : أن يُشترط في عقد النكاح على عدم حل الجماع بينهما ، فهنا يبطل الشرط ، ويبطل العقد على قول جمهور العلماء .
والثانية : أن يُشترط في عقد النكاح أن لا يحصل بينهما جماع ، وفي المسألة تفصيل ، وأرجح الأقوال : أنه يصح العقد ويبطل الشرط ، فلا اعتبار له ، ولا قيمة له ، سواء كان الشرط من الزوج ، أم من الزوجة ، أم من كليهما .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 44 / 45 ) :
"فرَّق الفقهاء في حكم ذلك الاشتراط بين حالتين ، حالة اشتراط نفي حل الوطء ، وحالة اشتراط عدم فعله .
وبيان ذلك فيما يلي :
إذا اشترط في عقد النكاح نفي حل الوطء ، بأن تزوجها على أن لا تحل له : فلا خلاف بين أهل العلم في بطلان هذا الشرط ، ولكنهم اختلفوا في تأثيره على صحة العقد ، وذلك على قولين :
أحدهما : لجمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة ، وهو بطلان الشرط والعقد معاً ؛ وذلك لإخلال ذلك الشرط بمقصود العقد ؛ وللتناقض ، إذ لا يبقى معه للزواج معنى ، بل يكون كالعقد الصوري .
والثاني : للحنفية ، وهو أن الشرط فاسد ، والعقد صحيح ؛ إذ القاعدة عند الحنفية أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد ، وإنما يبطل الشرط دونه .
أما إذا شرط في عقد النكاح عدم الوطء : فقد اختلف الفقهاء في حكمه على ثلاثة أقوال :(/2)
أحدها : للحنفية والحنابلة ، وهو أنه يصح العقد ويلغو الشرط ، أما بطلان الشرط : فلأنه ينافي مقتضى العقد ، ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد لولا اشتراطه ، وأما بقاء العقد على الصحة : فلأن هذا الشرط يعود إلى معنى زائد في العقد فلا يبطله .
والقاعدة عند الحنفية : أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد ، وإنما يبطل الشرط دونه .
والثاني : للمالكية ، وهو أن الشرط فاسد ، والعقد فاسد ؛ لوقوعه على الوجه المنهي عنه شرعاً .
ثم اختلف المالكية فيما يترتب عليه بعد الوقوع ، فقيل : يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده ، وقيل : يفسخ قبل الدخول ، ويثبت بعده ، ويسقط الشرط ، وهذا هو المشهور في المذهب .
والثالث : للشافعية ، وهو أنه إذا نكحها بشرط أن لا يطأها ، أو لا يطأها إلا نهاراً ، أو إلا مرة مثلاً : بطل النكاح إن كان الاشتراط من جهتها ؛ لمنافاته مقصود العقد ، وإن وقع منه : لم يضر ؛ لأن الوطء حق له ، فله تركه ، والتمكين حق عليها ، فليس لها تركه" انتهى .
رابعاً:
على المرأة أن لا ترضى بهذا الزواج ، وينبغي للرجل أن لا يوافق المرأة إن هي رغبت بأن لا يكون بينهما جماع ، وليعلما أن هذا يخالف الفطرة السوية ، وقد خلق الله تعالى في الرجل ميلاً للمرأة ، وخلق في المرأة ميلاً للرجل ، ومن الناس من يصرِّف شهوته في حرام ، ومنهم من يصرفها في حلال ، والزواج من شرع الله تعالى الذي أباح فيه لقاء الرجل والمرأة ، وجعل بينهما مودة ورحمة ، وجعل منهما الولد والذرية .
قال تعالى : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) النحل/72 .(/3)
وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 .
والزواج من سنن المرسلين ، عليهم الصلاة والسلام ، وهم أفضل البشر . قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ) الرعد/ 38 .
وقال تعالى : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) آل عمران/38 .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
97484
العنوان:
أقل ما يجزئ قراءته بعد الفاتحة
السؤال:
أود سؤالكم بخصوص السورة القصيرة الثانية في الصلاة.. ما أقل عدد للآيات يجوز قراءته ؟
الجواب:
الحمد لله
قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة ، مستحبة غير واجبة ، في قول جمهور أهل العلم .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : في كل صلاة قراءة ، فما أسمعَنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم ، وما أخفى منا أخفيناه منكم ، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه ، ومن زاد فهو أفضل .
رواه البخاري ( 738 ) وعنده ( وإن زدت فهو خير ) ، ومسلم ( 396 ) .
قال النووي رحمه الله : " قوله : ( ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه ، ومن زاد فهو أفضل ) : فيه دليل لوجوب الفاتحة ، وأنه لا يجزئ غيرها .
وفيه استحباب السورة بعدها ، وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأولييْن من كل الصلوات ، وهو سنة عند جميع العلماء ، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة ، وهو شاذ مردود .
" انتهى من "شرح مسلم" (4 / 105) .
وأقل ما يجزئ قراءته : آية ، واستحب أحمد رحمه الله أن تكون طويلة ، كآية الدين وآية الكرسي .
قال في "شرح المنتهى" (1/191) : " قال القاضي [أبو يعلى] وغيره : وتجزئ آية إلا أن أحمد استحب كونها طويلة , كآية الدين والكرسي " انتهى .
وينبغي إذا اقتصر على آية واحدة ، أن تكون آية تفيد معنى ، أو حكماً بمفردها .
قال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (1 / 342 ) : " والظاهر أنه لا تجزئ آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو ( ثم نظر ) و ( مدهامتان ) انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97487
العنوان:
بيع المسلم على بيع أخيه هل يصح ؟
السؤال:
يحرم بيع الرجل بيع أخيه ، لكن هل يصح البيع أولاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمسلم أن يبيع على بيع أخيه ، ولا أن يشتري على شرائه ؛ لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يبع الرجل على بيع أخيه ) رواه البخاري ( 2139) ومسلم ( 1412) .
والحكمة من هذا النهي ما فيه من إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين ، وكل ما أوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين ، فهو محرم لعموم قوله تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) المائدة / 91 فجعل الله تعالى علة تحريم الخمر والميسر هي حصول العداوة والبغضاء من فعلهما .
ثانياً :
لو باع المسلم على بيع أخيه فهل يصح البيع أو لا ؟ فيه قولان لأهل العلم ، فمنهم من ذهب إلى عدم الصحة ، وهو المذهب عند الحنابلة ، ومنهم من ذهب إلى صحة البيع مع الإثم ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/149) : " فإن خالف وعقد , فالبيع باطل ; لأنه منهي عنه , والنهي يقتضي الفساد . ويحتمل أنه صحيح ; لأن المحرّم هو عرض سلعته على المشتري , أو قوله الذي فسخ البيع من أجله , وذلك سابق على البيع , ولأنه إذا صح الفسخ الذي حصل به الضرر , فالبيع المحصل للمصلحة أولى , ولأن النهي لحق آدمي , فأشبه بيع النجش . وهذا مذهب الشافعي " انتهى .(/1)
وقال المرداوي في الإنصاف (4/331) : " ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه . وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة : أنا أعطيك مثلها بتسعة . ولا شراء الرجل على شراء أخيه . وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة : عندي فيها عشرة , ليفسخ البيع ويعقد معه . وهذا بلا نزاع فيهما . ويتصور ذلك في مسألتين : الأولى : في خيار المجلس ، والثانية : في خيار الشرط . ... وأما قبل العقد : فهو سومه على سوم أخيه على ما يأتي . قوله ( فإن فعل فهل يصح ؟ على وجهين ) . وهما روايتان في الفروع وغيره . وأطلقهما في الهداية , والمحرر , والرعايتين , والحاويين , والمستوعب :
أحدهما : لا يصح أعني البيع الثاني ، وهو المذهب . صححه في التصحيح . قال في المذهب , ومسبوك الذهب : البيع باطل في ظاهر المذهب . قال في الفروع : لم يصح على الأصح . قال في الرعاية الكبرى : أشهرهما : البطلان . واختاره أبو بكر , وغيره . وجزم به في الخلاصة , والوجيز , وتذكرة ابن عبدوس . وقدمه في الشرح , والكافي .
والوجه الثاني : يصح . اختاره القاضي , وأبو الخطاب . وقال الشيخ تقي الدين : يحرم الشراء على شراء أخيه . فإن فعل كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة , وأخذ الزيادة . أو عوضها " انتهى .وينظر : الموسوعة الفقهية (9/214).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وقوله : ( ويبطل العقد ) نص على بطلان العقد ، لأن بعض أهل العلم يقول : إن العقد صحيح ، لأن النهي هنا لا يعود إلى ذات المعقود عليه ، وإنما يعود إلى أمر خارج وهو العدوان على المسلم فيكون العقد حراما ، ولكنه صحيح . ويدل على ذلك أن هذا الذي باع على بيع أخيه لو أذن له الذي بيع على بيعه لكان العقد صحيحا ولا شيء فيه ، فإذاً يكون التحريم غير عائد إلى ذات المنهي عنه ، ويكون العقد صحيحا مع الإثم .
ولكن القول بالمذهب من باب السياسة ويمنع العدوان على الناس ، فيكون قولا جيدا " انتهى من "الشرح الممتع" (8/206).(/2)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97488
العنوان:
بيع العملات القديمة بأكثر من قيمتها
السؤال:
العملات القديمة ( كالريال العربي , والريال الفرنسي ) إذا أردنا بيعه فهل يعد عملة أو يعامل على أنه سلعة من السلع ؟
الجواب:
الحمد لله
العملات القديمة إن كانت من الذهب وبيعت بالذهب أو كانت من الفضة وبيعت بالفضة ، لزم التساوي في الوزن ، والتقابض في المجلس ، وإن بيعت بغير جنسها ، كأن يباع الذهب بالفضة أو بالنقود أو تباع الفضة بالنقود ، لزم التقابض في المجلس ، ولا يُشترط التساوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون العملة مستعملة الآن أو غير مستعملة ، ما دامت من الذهب أو الفضة المنصوص على كونهما من الأصناف التي يجري فيها الربا .
وأما إن كانت العملة من غير الذهب والفضة ، كأن تكون من الورَق أو النحاس ونحوه ، فإن انقطع التعامل بها ، ولم تعد ثمنا للأشياء ، فقد زالت عنها علة الربا ، وصارت سلعة من السلع ، فيجوز شراؤها بما يتفق عليه المتبايعان من الثمن ، بشرط عدم الإسراف والتبذير ، فإن بعض الناس ينفق أموالاً طائلة لشراء هذه العملات القديمة ، وقد أمرت الشريعة بحفظ المال ، ونهت عن إضاعته .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن بيع العملة القديمة بأكثر من قيمتها
فأجاب :(/1)
ليس فيه بأس ؛ لأن العملة القديمة أصبحت غير نقد ، فإذا كان مثلاً عنده من فئة الريال الأولى الحمراء أو من فئة خمسة أو عشرة التي بطل التعامل بها وأراد أن يبيع ذات العشرة بمائة فلا حرج ؛ لكونها أصبحت سلعة ليست بنقد ، فلا حرج "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (233/18) باختصار .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97489
العنوان:
حكم بيع الصبي
السؤال:
إذا كان لا يصح بيع الطفل إلا في الشيء اليسير ، فما ضابط الشيء اليسير ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في صحة بيع الصبي وشرائه ، فمنهم من صحح ذلك بإذن الولي ، ومنهم من لم يصححه سواء أذن الولي أو لم يأذن ، ومنهم من أجاز تصرفه في الشيء اليسير بدون إذن وليه .
قال في "المجموع" (9/185) مبينا مذاهب العلماء في ذلك : " فرع في مذاهب العلماء في بيع الصبي المميز : قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سواء أذن له الولي أم لا , وبه قال أبو ثور .
وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق : يصح بيعه وشراؤه بإذن وليه . وعن أبي حنيفة رواية أنه يجوز بغير إذنه ويقف على إجازة الولي , قال ابن المنذر : وأجاز أحمد وإسحاق بيعه وشراءه في الشيء اليسير يعني بلا إذن " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/168) : " ويصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء , فيما أذن له الولي فيه ، في إحدى الروايتين . وهو قول أبي حنيفة .
والثانية : لا يصح حتى يبلغ . وهو قول الشافعي ; لأنه غير مكلف , أشبه غير المميز . ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف ; لخفائه , وتزايده تزايدا خفي التدريج , فجعل الشارع له ضابطا , وهو البلوغ , فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة .
ولنا : قول الله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) . ومعناه ; اختبروهم لتعلموا رشدهم . وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ; ليعلم هل يُغبن أو لا . ولأنه عاقل مميز , محجور عليه , فصح تصرفه بإذن وليه , كالعبد . وفارق غير المميز , فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه ; لعدم تمييزه ومعرفته , ولا حاجة إلى اختباره ; لأنه قد علم حاله .(/1)
وقولهم : إن العقل لا يمكن الاطلاع عليه . قلنا : يعلم ذلك بآثار وجريان تصرفاته على وفق المصلحة , كما يعلم في حق البالغ , فإن معرفة رشده , شرط دفع ماله إليه , وصحة تصرفه , كذا هاهنا .
فأما إن تصرف بغير إذن وليه , لم يصح تصرفه . ويحتمل أن يصح , ويقف على إجازة الولي . وهو قول أبي حنيفة ...
وأما غير المميز , فلا يصح تصرفه , وإن أذن له الولي فيه , إلا في الشيء اليسير , كما روي عن أبي الدرداء , أنه اشترى من صبي عصفورا , فأرسله . ذكره ابن أبي موسى " انتهى .
والحاصل أن الصبي يصح تصرفه بالبيع والشراء في حالين :
الأول : أن يكون في الشيء اليسير ، فيصح منه ولو كان دون التمييز .
الثاني: أن يكون بإذن وليه .
والشيء اليسير كالرغيف ، وقطعة الحلوى ، ونحو ذلك .
قال في "مطالب أولي النهى" (3/10) : " ( إلا في ) شيء ( يسير ) ; كرغيف , وحزمة بقل , وقطعة حلوى ونحوها ... وإلا ( إذا أذن لمميز وسفيه وليهما ) ; فيصح - ولو في الكثير - لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى } ( ويحرم ) إذن ولي لهما بالتصرف في مالهما ( بلا مصلحة ) ; لأنه إضاعة " انتهى .
وما ذكره في اليسير إنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر ، وإنما يرجع في ضبط ذلك إلى العرف ، فما تعارف الناس على أنه يسير ، وجرت العادة بأن يشتري الصبيان مثله ، فهو اليسير الذي يرخص للصبيان في شرائه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97492
العنوان:
مات وترك بنتا وأخوين لأم وأبناء عم
السؤال:
إذا مات شخص وترك بنتا وأخوين للأم وأبناء العم هل أبناء العم يرثون أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا مات وترك بنتا وأخوين لأم وأبناء العم ، فللبنت النصف لانفرادها ، قال تعالى : ( وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) النساء/11
ولأبناء العم الذكور : الباقي تعصيبا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615).
ولا شيء للأخوين لأم ، لأنهما محجوبان بالبنت ؛ إذ شرط إرثهما عدم وجود الفرع الوارث .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/41) : " ميراث أولاد الأم ... ولهم ثلاث حالات :
الأولى : السدس فرضا للواحد منهم , ذكرا كان أو أنثى , وذلك إذا لم يكن للمتوفى فرع وارث ذكرا كان أو أنثى , أو أصل مذكر وارث كالأب والجد وإن علا .
الثانية : الثلث فرضا إذا كانوا أكثر من واحد ذكورا أو إناثا أو مختلفين يقسم بينهم بالسوية , وذلك إذا لم يكن للمتوفى فرع وارث ، أو أصل مذكر .
الثالثة : أنهم يحجبون بالابن وابن الابن وإن نزل , والبنت وبنت الابن وإن نزل , وبالأب والجد وإن علا . ودليل ما ذكر قوله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) النساء/12 .
إذ المراد منه أولاد الأم إجماعا . ويدل عليه قراءة أبي وسعد بن أبي وقاص ( وله أخ أو أخت من الأم ) " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97494
العنوان:
إذا لبس الخف عند الفجر فهل يمسح عليه إلى الفجر التالي؟
السؤال:
كم مدة المسح على الخفين ؟ فأنا ألبس الخفين على طهارة وذلك بعد الوضوء لصلاة الفجر فهل يجوز أن أستمر في اللبس إلى الفجر الثاني ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
دلت السنة الصحيحة على أن مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، فقد روى مسلم (276) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال : ( جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ ) .
وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ : ( لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ثانيا :
الراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبتدئ من أول مسحٍ بعد الحدث ، لا من اللبس ، فلو توضأ لصلاة الفجر ، ولبس الخفين ، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة ، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة ، وتستمر يوما وليلة ، أي أربعا وعشرين ساعة .
قال النووي رحمه الله : " وقال الأوزاعي وأبو ثور : ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث ، وهو رواية عن أحمد وداود ، وهو المختار الراجح دليلا ، واختاره ابن المنذر ، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) .
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وقال : " لأن الأحاديث : ( يمسح المقيم ) ، ( يمسح المسافر ) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح ، وهذا هو الصحيح " . "الشرح الممتع" (1/186) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97495
العنوان:
يريد تصوير زوجته عارية لينظر فيها في غربته !!
السؤال:
هل يجوز للزوج أن يقوم بتصوير زوجته على شريط فيديو وهي عارية ، أو تظهر أجزاء من جسدها ، حتى يتمكن من مشاهدة ذلك الشريط عندما يكون بعيداً ، أو عندما تكون زوجته غير موجودة ؛ فيسعد نفسه بهذه الطريقة في ذلك الوقت ، بدلاً من مشاهدة شيء آخر من الممكن أن يكون حراماً ؟ .
الجواب:
الحمد لله
هذا الفعل الوارد السؤال عنه من أقبح الأفعال ، وهو محرَّم لذاته ، ولما يؤدي إليه ، أما لذاته : فإن المرأة – أصلاً – كلها عورة ، ولا يجوز تصويرها ابتداء ، حتى لو كانت لا تُظهر إلا وجهها وكفَّيها ، فكيف إذا كان الظاهر منها ما هو أكثر من ذلك ؟! فكيف إذا كانت صورتها وهي تُبدي عورتها المغلظة ؟! فلا شك أن هذا يزيد في القبح والإثم والعقوبة .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل صورة وجه المرأة في جواز السفر وغيره عورة أم لا ؟ وهل يصح للمرأة إذا امتنعت عن التصوير أن تستنيب من يحج عنها ، والسبب منع الجواز أم لا ؟ ، وإلى أين حد لباس المرأة في الكتاب والسنة المحمدية ؟ .
فأجابوا :
ليس لها أن تسمح بتصوير وجهها ، لا في الجواز ، ولا غيره ؛ لأنه عورة ؛ ولأن وجود صورتها في الجواز وغيره من أسباب الفتنة بها ، لكن إذا لم تتمكن من السفر إلى الحج إلا بذلك : رُخِّص لها في الصورة لأداء فريضة الحج ، ولم يجز لها أن تستنيب من يحج عنها ،
والمرأة كلها عورة في ظاهر أدلة الكتاب والسنة ، فالواجب عليها ستر جميع بدنها عن غير محارمها ؛ لقول الله تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ) النور/31 ؛ وقوله سبحانه : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/53 .(/1)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" ( 1 / 718 ، 719 ) .
ونقلنا في جواب السؤال رقم ( 13342 ) عن الشيخ صالح الفوزان قولَه :
تصوير النساء لا يجوز مطلقاً لما في ذلك من الفتن والشرور التي ترتب عليه زيادة على تحريم التصوير في حد ذاته ، فلا يجوز تصوير النساء للسفر ولا لغيره ، وقد صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بتحريم ذلك .
انتهى
ولا يُعذر الزوج بتصوير زوجته وهي عارية لكونه زوجاً ، فهذا لا يبيح له ذلك الفعل القبيح ، ولا يعد غيابه عن زوجته عُذراً له ؛ لحرمة تصوير النساء ابتداءً – وقد ذكرنا فتاوى العلماء في ذلك - ؛ ولما يمكن أن يترتب على ذلك من مفاسد ، ومما يمكن أن يترتب على الاحتفاظ بصورة الزوجة وهي عارية ، أو غير محتشمة :
1. تعرض الزوج لسرقة أغراضه ، أو فقدان الصورة ، أو نسيانها في مكان عام ، وهو ما يسبب انتشار الصورة في الآفاق ، ووقوعها بأيدي سفهاء يمكنهم استغلال الصورة في مزيد من الشرور والمفاسد .
2. حصول طلاق بينه وبين زوجته ، فتصير عنه أجنبية ، ولا يحل له النظر إليها بعد طلاقها الذي تصبح فيه أجنبية عنه .
3. حصول ابتزاز من الزوج تجاه زوجته ، وقد حدثت حوادث متعددة في هذا السياق ، فراح الزوج يبتز زوجته ليجعلها تتنازل عن حقوقها المالية ، أو تنفذ له رغباته المحرمة ، أو تسكت عن أفعاله المشينة ، ويقع كل ذلك منه بسبب تملكه لصور أو فيديو لها وهي عارية ، أو شبه عارية .
4. نظر الزوج لصورة زوجته العارية مع غيابه عنها لن يُطفئ شهوته ، بل العكس هو الصحيح ، فهذا ما سيجعل شهوته تلتهب ، ولن يطفئها – غالباً – إلا بالوقوع في المحرمات ، كالعادة السرية – وهو أهونها – أو الزنا أو اللواط – والعياذ بالله - .(/2)
فصار عذره في تصوير زوجته والاحتفاظ بها للنظر فيها في غربته غير مقبول ، وصار فعله سبباً في الوقوع في الحرام ، لذات التصوير ، ولما يؤدي إليه من مفاسد .
فلا يحل للزوج أن يصور زوجته وهي عارية أو شبه عارية ، وينبغي أن يكون متصفاً بالغيرة على عرضه ، وأن يبذل ما يستطيع للحفاظ على هذا العرض ، لا أن يفرِّط فيه بمثل تلك الأفعال ، كما لا يحل للزوجة أن توافق على فعله ، ويجب عليها إنكاره ، وعدم الاستجابة له .
وقد جعل الله تعالى الزوجين كلَّ واحد منهما لباساً للآخر ، فقال تعالى : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) البقرة/187 ، فلينتبه الزوج لهذا ، فهو لباس امرأته فكيف يريد أن يكون معريّاً لها بفعلته هذه والأصل أن يكون لباساً ساتراً لها ؟! .
ولا ينبغي للزوج الابتعاد كثيراً عن زوجته وبيته ، فهو بحاجة لهم ، وهم يحتاجونه ، فالزوجة لإعفافها والعفاف بها ، والأولاد لتربيتهم والعناية بهم ، وإذا اضطر الزوج للبعد والتأخر ، ورضيت بذلك الزوجة : فيجب عليه أن يتقي الله ربه ، وأن يبتعد عن المهيجات لشهوته من الخلطة بالنساء ، والخلوة المحرمة ، والنظر ، وعليه أن يكثر من الطاعات ، وبخاصة الصوم ، كما يجب عليه أن يختار رفقة صالحة تدله على الخير وتحثه على الطاعة .
ونسأل الله تعالى أن يوفقه لما يحب ويرضى .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
97497
العنوان:
زخرفة المساجد والإسراف في بناء المآذن والقباب
السؤال:
علمت أنه من الصدقة الجارية بناء مسجد ، فأريد من فضيلتكم بعض التوضيحات والتوجيهات عن هذا الأمر فيما يخص التالي : صفة المسجد الصحيحة والشرعية ، المئذنة والقبة اللتان نراهما حديثا في بناء المساجد ، هل هما لازمتان لبناء المسجد ، وخاصة أن تكاليف بنائهما في بلدي قد تصل إلى 15000 دينار ليبيي ، ثم ما يخص حاجيات المسجد ، من رخام وأبواب عالية الجودة وزجاج ومفروشات عالية الجودة والإنارة المضاعفة ، ومثل هذه الأمور التي اعتدنا أن نراها في المساجد ، كل هذا وما يشابهه ما حكم الشرع فيه ، وكيف يكون بناء المسجد بصورة شرعية كاملة ، أحتاج من فضيلتكم التوضيح التام لهذا الأمر . وجزاكم الله كل الخير على المجهود المميز لكم في هذا الموقع ، الذي هو خياري الأول والأفضل عندي في كل الأحيان و الأحوال ، للخير العامر فيه والغيث النافع من العلم الذي أجده فيه !! سدد الله خطاكم في كل ما يحب ويرضى .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نشكر لك ـ أيها الأخ الكريم ـ حسن ظنك بإخوانك في الموقع ، وتواصلك معنا ، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من العلم النافع والعمل الصالح .
ثانيا :
بناء المساجد وإعمارها وتهيئتها للمصلين ، من أعمال البر والخير التي رتب عليها الشارع ثوابا عظيما ، وهي من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان .
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) التوبة/18
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان رضي الله عنه .(/1)
وروى ابن ماجه (738) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ ، أوْ أَصْغَرَ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) صححه الألباني .
والقطا طائر معروف ، ومَفحص القطاة بفتح الميم : موضعها الذي تجثم فيه ، وتبيض ، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل ، إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد . ينظر : حياة الحيوان للدميري .
قال أهل العلم : وهذا مذكور للمبالغة ، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد .
ثالثا :
لا حرج في بناء القبة على المسجد لغرض الإضاءة والتهوية ، وكذلك بناء المئذنة لأجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن ، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد فُيقصد من قِبَلِِ المصلِّين ؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، لكن ينبغي الاقتصار على ما يحقق الغرض ، من غير إسراف ، فيكفي في المئذنة بناء مستقيم مرتفع ، بلا زخارف أو زينة ، وإن بني المسجد بدونها فلا حرج .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز بناء القبب في المساجد إذا كانت لغرض الإضاءة والتهوية ؟
فأجابوا : : لا نعلم حرجا في ذلك إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/246)
وجاء فيها أيضا (6/254) : " يعترض بعض الناس على إنشاء المآذن أصلا ويعتبر ذلك مخالفا للسنة وتبذيرا للمال ، ويرد عليه فريق آخر بأن المآذن أصبحت معلما يشهر المسجد ويدل عليه في وسط البنايات المزدحمة المرتفعة ، وهي تحجب الرؤية من بعيد ، والمسجد بمئذنته السامقة يشعر الكثيرين بأن المسلمين ما زالوا بخير أمام التحديات الكثيرة التي يواجهونها .(/2)
ج : لا حرج في إقامة المآذن في المساجد ، بل ذلك مستحب لما فيه من تبليغ صوت المؤذن للمدعوين إلى الصلاة ، ويدل على ذلك أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أسطح بعض على أسطح بعض البيوت المجاورة لمسجده ، مع إجماع علماء المسلمين على ذلك " انتهى .
ثالثا :
ينبغي ترك الإسراف والمغالاة في الفرش والأبواب ونحوها، فإن الله تعالى لا يحب المسرفين.
وبوب البخاري في صحيحه : " باب بنيان المسجد ، وقال أبو سعيد : كان سقف المسجد من جريد النخل – يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- ، وأمر عمر ببناء المسجد وقال : َأِكنّ الناسَ من المطر ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ، وقال أنس : يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا ، وقال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " انتهى .
وروى أبو داود (448) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال الخطابي رحمه الله : التشييد : رفع البناء وتطويله .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97500
العنوان:
لا يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن
السؤال:
كنت أقرأ القرآن بأجرة على أرواح الأموات ، فهل يحل لي هذا المال وأن أذهب به لأداء فريضة الحج ؟ مع أنه لا يوجد لديَّ نقود إلا ما أخذته مقابل قراءة القرآن .
الجواب:
الحمد لله
" تلاوة القرآن من أفضل الأعمال قال الله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) فاطر / 29 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) رواه الترمذي ( 2910) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فتلاوة القرآن عمل صالح وعبادة عظيمة ، مع التدبر والتفكر بآياته ، والعمل بما فيه من الأحكام ، وأخذ الأجرة على تلاوة القرآن لا تجوز ، لأن تلاوة القرآن قربة وعبادة ، وأخذ الأجرة على القرب والعبادات لا يجوز ، وقراءة القرآن على أرواح الأموات بدعة لا دليل عليها ، فلا يجوز أن تتخذ قراءة القرآن حرفة يتكسب بها ؛ لأنه إذا قرأ القرآن لأجل الأجرة فإنه ليس له أجر عند الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) هود / 15، 16 ؛ والذي يريد عمل الدنيا بعمل الآخرة، ويريد الدنيا بالعبادة عليه وعيد عظيم وعمله باطل، فلا يجوز للسائل الاستمرار على مثل هذا ، ويجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما حصل ، ولا يجوز له أن يحج من هذا المال الذي جمعه من هذا الكسب .(/1)
ومع الأسف قد اتخذت تلاوة القرآن حرفة ليتكسب بها كثير من المقرئين في عصرنا الحاضر ، يقرءونه في المآتم ، ويقرءونه على القبور ، ويقرءونه على الأموات ، نظير أجور يتقاضونها أو مطامع يحصلون عليها ، وهذا عمل باطل ، ومكسب لا يحل ، فقراءة القرآن للأموات في مقابل أجرة .
أولاً : لا دليل عليها حتى ولو كان بدون أجرة .
وثانيًا : أخذ الأجرة على ذلك أخذ لا يجوز ، وأكل للمال بالباطل .
والذي ننصح به إخواننا المسلمين وحملة القرآن أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور ، وأن يطلبوا الرزق من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة ، وأن يتخذوا كتاب الله دليلاً لهم ويتلونه بنية خالصة لله سبحانه وتعالى ، لا يريدون من ذلك طمعًا من مطامع الدنيا . والله الموفق " .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 90 )(/2)
رقم السؤال:
97501
العنوان:
عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء ؟
السؤال:
أنا مسلمة من بلغاريا ، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي ، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام ، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة ، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة ، وبعد ذلك التزمت بشرع الله . سؤالي لكم : هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام ؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
أولا ً :
نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية ، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية .
لكن .. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن ، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات .
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم.
ثانياً :
لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا .
وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات ، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(/1)
"لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد .
وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك .
ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ...
وأصل هذا كله : أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم ؟
والصواب في هذا : أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء .
ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة . ومثل هذا كثير . وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور : أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة ، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار .
"مجموع الفتاوى" (19/225) .
وعلى هذا ، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها .
والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية ، والتفقه في الدين ، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به ، وتربية جيل مسلم ، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً ، وفي بلادكم خاصة .(/2)
ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97507
العنوان:
هل يدخل تعليم إمام مسجد اللغة الإنجليزية في التعاون على الإثم والعدوان ؟
السؤال:
لدينا إمام جديد فى جاليتنا ، وقد تخرج من الأزهر ، وبالرغم من وجود بعض الجوانب الحسنة فيه : فيبدو أن منهجه خاطئ ، وأنه متساهل بعض الشيء ، فهو يرتكب بعض الصغائر ، كتقصير لحيته بشكل كبير ، وبعض الأشياء الأخرى ، وسؤالي هو : إن والداي قد أمراني بتعليمه اللغة الإنجليزية ، فهل تنطبق على تلك الحالة الآية التى تأمرنا بأن لا نتعاون على الإثم والعدوان ، حيث إنه من الممكن أن يستخدم تلك اللغة الإنجليزية لتعليم هذا المنهج الخاطئ ؟ . وحاليّاً يبدو أنه يقوم بأفعال حسنة أكثر من الأفعال السيئة ، ومع ذلك فمن الممكن أن يتغير لإقامته ببلد كافر .
الجواب:
الحمد لله
ما يطلبه منك والداك من تعليم ذلك الإمام ليس من التعاون على الإثم والعدوان ، ومخالفة ذلك الإمام للشرع في بعض المسائل توجب عليك نصحه وتذكيره ؛ لئلا يستمر في المخالفة ، ولئلا يقع في غيرها ، وبخاصة أنه ستربطك به علاقة خاصة وذلك من خلال تدريسك له اللغة الإنجليزية ..
والتعاون على الإثم والعدوان إنما يكون لو كنتَ سبباً في وجود المعصية أو استمرارها أو انتشارها ، أو أعنتَ صاحبها بفكرة أو مال أو مساعدة بدنية .
ومن أمثلة التعاون على الإثم والعدوان : تأجير المحلات للبنوك الربوية وللمحلات التي تبيع المحرمات ، ومشاركة تاجر يعمل في بيع وشراء وتصنيع المنكرات ، وإعانة أهل البدع والضلال بالمال وتمكينهم من مخاطبة المسلمين ، إلى غير ذلك من الأمثلة .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات ، وهو البر ، وترك المنكرات ، وهو التقوى ، وينهاهم عن التناصر على الباطل ، والتعاون على المآثم ، والمحارم .(/1)
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 12 ، 13 ) .
وبما أن ذلك الإمام له جوانب حسنة فنرجو منك تقويتها فيه ، وإعانته على تحقيقها ، والإكثار منها ؛ ليكون ذلك من التعاون على البر والتقوى ، وما فيه من جوانب سيئة فنرجو منك إنكارها عليه ونصحه في تركها ، وهذا يدخل في التعاون على البر والتقوى ، ويدخل في النصح الواجب .
واعلم أن الخوف من تأثر ذلك الإمام ببقائه في بلاد الكفر ليس عليه وحده ، بل عليه وعليك وعلى جميع المسلمين ، وما نراه من الشواهد ، ونسمعه من القصص ، وتصل إلينا أخباره من الأحوال كافٍ في إثبات وقوع التأثر ..
وقد بيَّنا أنه لا يجوز الإقامة في بلاد الكفر إلا بعذر شرعي وبشروط شرعية ، وقد سبق بيان هذا مراراً فيمكنك مراجعة السؤال رقم (12866) و (6154) و (13363)
والله الموفق(/2)
رقم السؤال:
97516
العنوان:
يؤخرون صلاة الظهر فهل يصلي معهم أو يصلي منفرداً؟
السؤال:
في قريتي تصلى صلاة الظهر قبل نصف ساعة من دخول وقت صلاة العصر ما هو الأفضل أن أصلي مع الجماعة أو أن أصلي في أول وقت الظهر?
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها ، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسارعا إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وهكذا كان صحابته الكرام رضي الله عنهم ، امتثالا لأمر الله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة/48 ، وقوله تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133 .
فعليك بمناصحة أهل قريتك حتى يصلوا الصلاة في أول وقتها ، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
وتأخير الصلاة إلى هذا الحد قد يؤدي إلى تضييعها .
إلا إذا كان هناك عذر لهذا التأخير كشغل أو شدة حر ، فلا بأس بذلك ، فقد جاءت السنة بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر ، وهو ما يسمى بـ " الإبراد " وانظر لمعرفة حكمه جواب السؤال رقم (39818) .
ثانياً :
أما عن المفاضلة بين الصلاة في أول وقتها منفرداً ، والصلاة في آخر وقتها جماعة ، فقد اختلف العلماء في ذلك .
فذهب بعضهم إلى تقديم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة .
وذهب بعضهم إلى أن تأخير الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة أفضل من الإتيان بها منفرداً في أول وقتها.
وذهب بعضهم إلى استحباب صلاتها مرتين ، لتحصيل الفضيلتين .
قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/404): " الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا ( أي : منفرداً ) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ " ثم نقل ذلك عن الإمام مالك رحمه الله .(/1)
وقال النووي في المجموع (2/303): " الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ : مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا , فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ - فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ - فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ ; وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ , فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ , وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/457): " وَتُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ , وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ " انتهى.
والذي يظهر من هذا –والله أعلم- : أن الالتزام بجماعة المسلمين أولى من الصلاة منفرداً لما هو معلوم من فضل الصلاة في جماعة، وحرصا على إقامة هذه الشعيرة ، ولأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة واجبة .
إلا إذا شق عليك الانتظار إلى هذا الوقت ، فلا حرج عليك من الصلاة في أول الوقت منفرداً ، إذا لم تجد أحدا تصلي معه في جماعة .
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
97518
العنوان:
رضع مع خالها خمس رضعات فهل تحرم عليه ؟
السؤال:
في الأيام القادمة سيُقبل أحد الشباب على خطبة فتاة, علما أنه رضع مع خالها خمس رضعات مشبعات متفرقات في الحولين. فهل يحرم في هذه الحالة عقد القران بينهما؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا الشاب قد رضع من جدة الفتاة التي هي أم خالها ، خمس رضعات في الحولين ، فهو ابن لها ( الجدة ) من الرضاعة ، وأخ لخال الفتاة من الرضاعة ويكون خالاً للفتاة من الرضاعة ، فلا يحل له أن يتزوجها .
وأما إن كان رضاعه مع خالها من امرأة أخرى ، كأم الشاب ، فإنه يكون أخا لخالها من الرضاعة ، لكن لا محرمية بينه وبين الفتاة ، وله أن يتزوجها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97530
العنوان:
قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الفيزا كارد وأخذ الرسوم عليها
السؤال:
ما هو حكم بطاقات الائتمان (الفيزا كارد) الصادرة من بنوك إسلامية مع العلم أنه لا يتم احتساب أي فائدة حتى ولو لم يدفع في الوقت المحدد, فقط يتم تحصيل رسوم سنوية ثابتة المبلغ لقاء هذه الخدمة؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز التعامل ببطاقات الائتمان الخالية من المحذور الشرعي ، كاحتساب فائدة على التأخر في السداد ، أو أخذ نسبة على السحب ، لاندراج ذلك في الربا المحرم ، وأما أخذ البنك رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة ، فلا حرج فيه .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار برقم: 108 (2/12) بشأن بطاقة الائتمان غير المغطاة ، وحكم العمولة التي يأخذها البنك .
وهذا نص القرار :
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) .
بناء على قرار المجلس رقم 5/6/1/7 في موضوع الأسواق المالية بخصوص بطاقة الائتمان ، حيث قرر البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة .
وإشارة إلى قرار المجلس في دورته العاشرة رقم 102/4/10، موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) .(/1)
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين ، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه : " مستند يعطيه مصدره (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع ، أو الخدمات ، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع ، ويكون الدفع من حساب المصدر ، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية ، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة ، وبعضها لا يفرض فوائد .
قرر ما يلي :
أولاً : لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها ، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية ، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني .
ثانياً : يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شروط زيادة ربوية على أصل الدين .
ويتفرع على ذلك :
أ ) جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة على ذلك .
ب ) جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه ، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد .
ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضٌ من مصدرها ، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية ، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة .
وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة ( يعني إذا زادت الرسوم عن الخدمات ) لأنها من الربا المحرم شرعاً ، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) .
رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة. " انتهى نص قرار المجمع .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97541
العنوان:
حكم استعمال المواد المضاف إليها مادة " الجليسرين الحيواني "
السؤال:
ما حكم استعمال المواد المضاف إليها مادة " الجليسرين الحيواني " كمعاجين الأسنان ، والشامبو ، ومرطبات الجسم ، وكذلك مادة " المونو جليسرايد " أو " الداي جليسرايد " التي تضاف إلى بعض أنواع الخبز ؟ وهل الأصل أن يبحث أو يسأل الإنسان عن مصدر هذه المواد هل هو حيواني أم نباتي ؟ وهل يعتبر البحث من التكلف ؟ وكيف نرد على من يقول إن الأصل في الشيء الإباحة ما لم يخالطه محرم ، أو من يقول إن الدين يسر ، ولا ينبغي التكلف أو السؤال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
المواد التي تستعمل في صناعة الكريمات ، والشامبو ، ومعاجين الأسنان ، والصابون : إما أن تكون :
1. أدهان وشحوم حيوانات .
2. وإما أن تكون مواد أخرى نباتية أو مواد صناعية .
وفي حال كون المواد من شحوم وأدهان حيوانات فهي على نوعين :
أ. إما أن تكون من حيوانات مباحة الأكل ، وتكون قد ذُبحت وفق الشرع ، أو تكون حيوانات بحريَّة لا تحتاج لتذكية ، وحكمها هنا : الإباحة ، دون شك وريب .
ب. أو تكون من حيوانات يحرم أكل لحومها وشحومها ، كالخنزير ، أو تكون من مباحة الأكل لكن لم تذكَّ التذكية الشرعية ، فتكون ميتة ، وحكمها هنا جميعها : التحريم ، دون شك وريب .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا تأكد المسلم أو غلب على ظنه أن لحم الخنزير أو شحمه أو مسحوق عظمه دخل منه شيء في طعام أو دواء أو معجون أسنان أو نحو ذلك : فلا يجوز له أكله ، ولا شربه ، ولا الادهان به ، وما يشك فيه : فإنه يدعه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 281 ) .(/1)
ومن قرارات " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " – وقد بحثت موضوع " المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء " بدولة الكويت ، وذلك في الفترة من
22 - 24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الموافق 22 - 24 من شهر مايو 1995 - :
6. المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه ، مثل بعض الأجبان ، وبعض أنواع الزيت ، والدهن ، والسمن ، والزبد ، وبعض أنواع البسكويت ، والشكولاته ، والآيس كريم : هي محرمة ، ولا يحل أكلها مطلقاً ؛ اعتباراً لإجماع أهل العلم على نجاسة شحم الخنزير ، وعدم حل أكله ؛ ولانتفاء الاضطرار إلى تناول هذه المواد .
انتهى
ثانياً:
قد تصير حلالاً في حال أن تستحيل الشحوم والأدهان إلى شيء آخر غيرهما ، فلا تأخذ هذه المادة اسم الشحوم والأدهان ولا تكتسب صفتهما ، فإن كان الأمر كذلك : فإنها لا تأخذ حكمهما ، وهو ما يسميه العلماء " الاستحالة " ، وهو معتبر من الجهتين ، فما كان طيباً حلالاً وصار نجساً خبيثاً : فإنه يصير محرَّماً ، وما كان نجساً خبيثاً وصار حلالاً طيباً : فإنه يصير مباحاً حلالاً .
قال ابن القيم :
وعلى هذا الأصل : فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس ؛ فإنها نجسة ؛ لوصف الخبث ، فإذا زال الموجِب : زال الموجَب ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ، ومواردها ، بل وأصل الثواب ، والعقاب .(/2)
وعلى هذا : فالقياس الصحيح : تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت ، وقد " نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبورَ المشركين من موضع مسجده " ولم ينقل التراب ، وقد أخبر الله سبحانه عن اللَّبَن أنه ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ ) ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ، ثم حبست ، وعلفت بالطاهرات : حلَّ لبنُها ، ولحمها ، وكذلك الزرع والثمار إذا سُقيَت بالماء النجس ، ثم سقيت بالطاهر : حلَّت ؛ لاستحالة وصف الخبث ، وتبدله بالطيب ، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثاً : صار نجساً ، كالماء ، والطعام إذا استحال بوْلاً ، وعذرة ، فكيف أثَّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا ، والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب ؟! .
ولا عبرة بالأصل ، بل بوصف الشيء نفسه ، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه ، والحكم تابع للاسم والوصف ، دائرٌ معه وجوداً وعدماً ، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزرع والثمار والرماد والملح والتراب والخل ، لا لفظاً ، ولا معنىً ، ولا نصّاً ، ولا قياساً ، والمفرِّقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا : الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة ، فيقال لهم : وهكذا الدم والبول والعذرة إنما نجست بالاستحالة ، فتطهر بالاستحالة ، فظهر أن القياس مع النصوص ، وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص .
" إعلام الموقعين " ( 2 / ص 14 ، 15 ) .
ومن قرارات " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " – وقد بحثت موضوع " المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء " بدولة الكويت ، وذلك في الفترة من
22 - 24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الموافق 22 - 24 من شهر مايو 1995 - :(/3)
8. الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها ، تحوِّل المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة ، وتحوِّل المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً .
وبناءً على ذلك :
- الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره : طاهر وأكله حلال .
-الصابون الذي يُنتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله .
- الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم طاهر ويجوز تناوله .
- المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير لا يجوز استعمالها إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه . أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة .
انتهى
وللرجوع إلى كامل القرارات والتوصيات : ينظر :
http://www.islamset.com/arabic/abioethics/muharamat.html
ثالثاً:
إذا لم يُعلم شيء عن الحيوانات المباحة الأكل التي تحتاج لتذكية لتصير حلالاً أنها ذُبحت وفق الشرع أم لا : فالأصل هو عدم الاستعمال ؛ لأن الأصل في الذبائح هو التحريم ، ما لم يتبين حلُّها ، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من الأكل من الصيد يغرق في الماء ؛ لأنه لا يُدرى هل مات من الصيد أم من الغرق ، ومنع صلى الله عليه وسلم من الأكل من صيد كلبٍ أرسله صاحبه وذكر اسم الله عند إرساله ، لكنه وجده مع كلاب أخرى ، وعلل ذلك بكونه لا يُدرى من صاده كلبُه أم غيره .(/4)
عن عدي بنِ حاتم رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ ؛ فَأمْسَكَ وَقَتَلَ : فَكُلْ ، وَإِنْ أكَلَ : فَلاَ تَأكُلْ ، فَإِنَّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِذَا خَالَطَ كِلاَباً لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهَا ، فَأمْسَكْنَ ، وَقَتَلْنَ : فَلاَ تَأكُلْ ؛ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أيُّهَا قَتَلَ ، وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلاَّ أثَرَ سَهْمِكَ : فَكُلْ ، وَإِنْ وَقَعَ في الماءِ : فَلاَ تَأكُلْ ) .
رواه البخاري ( 5167 ) ومسلم ( 1929 ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
ثم النوع الثاني : استصحاب الوصف المُثْبِت للحُكم ، حتى يثبت خلافه ، وهو حجة ، كاستصحاب حكم الطهارة ، وحكم الحدث ، واستصحاب بقاء النكاح ، وبقاء المِلك ، وشغل الذمة بما تشغل به ، حتى يثبت خلاف ذلك ، وقد دل الشارع على تعليق الحكم به في قوله في الصيد ( وإن وجدته غريقاً فلا تأكله ؛ فإنك لا تدري الماءُ قتله أو سهمك ) ، وقوله ( وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل ؛ فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسمِّ على غيره ) .
لمَّا كان الأصل في الذبائح : التحريم ، وشك هل وجد الشرط المبيح أم لا : بقي الصيد على أصله في التحريم .
" إعلام الموقعين " ( 1 / 339 ، 340 ) .
رابعاً:
في حال كون المواد صناعية أو نباتية : فإنه يجوز استعمالها في تلك المصنوعات إلا في حال أن تكون ضارَّة أو سامَّة ، إما بذاتها أو باجتماعها مع غيرها من المواد .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
تحمير الشفاه لا بأس به ؛ لأن الأصل الحل ، حتى يتبين التحريم ، ... ولكن إن تبين أنه مضر للشفة ، ينشفها ويزيل عنها الرطوبة والدهنية : فإنه في مثل هذه الحال ينهى عنه ، وقد
أُخبرت أنه ربما تتشقق الشفاة منه ، فإذ ثبت هذا : فإن الإنسان منهي عن فعل ما يضره .(/5)
فتاوى منار الإسلام ( 3 / 831 ) .
خامساً:
يجب على المسلم التحري لطعامه وشرابه ولباسه وسائر شئون حياته ، فيتحرى أن يكون ماله حلالاً طيباً ، ويتحرى أن يكون ما يأكله ويشربه مما أباحه له ربه تعالى ، ويتحرى في سائر شئون حياته أن يخالف في شيء منها الكتاب والسنَّة .
وينبغي التفريق بين المواد المستعملة في الحياة وبين الذبائح ، فالأصل في الأولى الإباحة إلا أن يثبت عكس ذلك ، والأصل في الذبائح أنها محرمة – كما سبق في كلام ابن القيم – إلا أن يثبت عكس ذلك .
قال علماء اللجنة الدائمة – وقد سئلوا عن وجود شحم خنزير في بعض أنواع الصابون ومعاجين الأسنان - :
لم يصلنا من طريق موثوق أن بعض آلات التنظيف يوجد فيها شيء من شحم الخنزير كصابون " كاماي " وصابون " بالموليف " ومعجون الأسنان " كولكيت " ، وإنما يبلغنا عن ذلك مجرد إشاعات .
ثانياً : الأصل في مثل هذه الأشياء الطهارة ، وحل الاستعمال ، حتى يثبت من طريق موثوق أنها خلطت بشحم الخنزير ، أو نحوه في النجاسة وتحريم الانتفاع به ، فعند ذلك يحرم استعمالها ، أما إذا لم يزد الخبر عن كونه إشاعة ، ولم يثبت : فلا يجب اجتناب استعمالها . ثالثاً : على من ثبت لديه خلط آلات التنظيف بشحم الخنزير أن يجتنب استعمالها ، وأن يغسل ما تلوث منها ، أما ما أداه من الصلوات أيام استعمال هذه الآلات : فليس عليه إعادته ، على الصحيح من أقوال العلماء .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 5 / 385 ، 386 ) .
وقالوا :
الجبن الصناعي الذي كثر القول فيه على أن فيه شحم الخنزير: فنحن لم يثبت عندنا أن فيه شحم خنزير ، والأصل في الأشياء الحل ، ومن تيقن أن فيه شحم خنزير أو غلب على ظنه : لا يجوز له استعماله .(/6)
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 111 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
وجدنا بعض المنشورات تقول : إن بعض الصابون يصنع من شحم الخنزير ، فما رأيكم ؟ .
فأجاب :
أرى أن الأصل الحل ، في كل ما خلق الله لنا في الأرض ؛ لقول الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) البقرة/29 ، فإذا ادَّعى أحدٌ أن هذا حرام لنجاسته ، أو غيرها : فعليه الدليل ، وأما أن نصدق بكل الأوهام ، وكل ما يُقال : فهذا لا أصل له ، فإذا قال : إن هذه الصابونة من شحم خنزير : قلنا له : هات الإثبات ، فإذا ثبت أن معظمها شحم خنزير أو دهن خنزير : وجب علينا تجنبها .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 31 / السؤال رقم 10 ) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
97595
العنوان:
له منزل في الشرائع وآخر في الطائف فمن أين يحرم
السؤال:
إنسان له مسكنان إحداهما في مكة ( الشرائع ) والآخر في الطائف ولا يذهب إلى مسكنه الثاني في مكة إلا في أيام الإجازات وليس كل الإجازات وأيام الشتاء ونوى الحج .. فمن أين يحرم ؟ ثم هل يجوز له إذا لم يطف طواف الوداع أن يأتي لوالدته في الطائف ويسلم عليها ثم يذهب إلى بيته في مكة ويطوف طواف الوداع..؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان الأمر كما ذكرت ، فإنك تحرم بالحج من المكان الذي نويت فيه الحج ، فإن كنت في الطائف ونويت الحج لزمك الإحرام من الميقات (السيل الكبير ) ، وإن كنت في الشرائع وأردت الحج ، أحرمت من مكانك ؛ لما روى البخاري (1526) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا ) .
ثانيا :
إذا فرغت من أعمال الحج ، فليس لك الخروج إلى الطائف إلا بعد طواف الوداع ، لما
رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ ).
قال ابن قدامة في "المغني" (5/337) : " ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه . ومن كان منزله خارج الحرم , قريباً منه , فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت .(/1)
وهذا قول أبي ثور وقياسُ قول مالك . لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) . ولأنه خارج من مكة , فلزمه التوديع , كالبعيد " انتهى بتصرف يسير .
وسئل الشيخ ابن باز عن جماعة من أهل جدة تركوا طواف الوداع ورجعوا إلى جدة .
فأجاب : " الحج صحيح ، ولكن أسأتم في ترك الوداع ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحاج بالوداع ، فقال : ( لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت ) وهذا خطاب للحجاج يشمل أهل جدة وغيرهم ، فالواجب على جميع أهل البلدان - سواء في جدة أو الطائف وغيرهم - أن يودعوا البيت ، وقد تسامح بعض العلماء بالنسبة لمن منزله دون مسافة قصر كأهل بحرة وأشباههم ، قالوا : إنه لا وداع عليه ، والأحوط لكل من كان خارج الحرم أن يودع إذا انتهى حجه ، وأهل جدة بعيدون ، وهكذا أهل الطائف ، فالواجب عليهم أن يودعوا قبل أن يخرجوا ، لأنهم يشملهم الحديث ، وعليهم دم يذبح في مكة عن كل واحد منهم ترك طواف الوداع ، توزع على الفقراء ، شاة أو سُبْع بدنه أو سُبْع بقرة " انتهى "مجموع فتاوى ابن باز" (17/394) .
ثالثا :
وأما قبل الفراغ من أعمال الحج ، فلك الذهاب إلى الطائف دون وداع ، ثم العودة لإكمال النسك ، كالخروج إلى الطائف نهار يوم النحر أو في أيام التشريق .
وراجع السؤال رقم (36244)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97597
العنوان:
يرتكب المعاصي ويقول : الإيمان في القلب!
السؤال:
بعض الناس يرتكب المحرمات كحلق اللحية وشرب الدخان وإذا نصح بترك ذلك يقول : الإيمان في القلب ، وليس الإيمان في تربية اللحية وترك الدخان ، ويقول : إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ؟ فكيف نجيب عليه ؟
الجواب:
الحمد لله
هذه الكلمة كثيراً ما يقولها بعض الجهال أو المغالطين ، وهي كلمة حق يراد بها باطل . لأن قائلها يريد تبرير ما هو عليه من المعاصي ؛ لأنه يزعم أنه يكفي الإيمان الذي في القلب عن عمل الطاعات وترك المحرمات ، وهذه مغالطة مكشوفة ، فإن الإيمان ليس في القلب فقط ، بل الإيمان كما عرفه أهل السنة والجماعة : قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح .
قال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .(/1)
وعمل المعاصي وترك الطاعات دليل على أنه ليس في القلب ، إيمان أو فيه إيمان ناقص . والله تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا) آل عمران/130 ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35 . (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً) المائدة/69 ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) البقرة/277 ، ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً) البقرة/62 ، فالإيمان لا يسمى إيماناً كاملاً إلا مع العمل الصالح وترك المعاصي . ويقول الله تعالى : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر/1-3 ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) النساء/59 ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24 ، فلا يكفي العمل الظاهر بدون إيمان بالقلب ؛ لأن هذه صفة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار .
ولا يكفي الإيمان بالقلب دون نطق باللسان وعمل بالجوارح ؛ لأن هذا مذهب المرجئة من الجهمية وغيرهم ، وهو مذهب باطل ، بل لا بد من الإيمان بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح ، وفعل المعاصي دليل على ضعف الإيمان الذي في القلب ونقصه ، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/19) .(/2)
وهذا الحديث الذي أشار إليه ذلك المجادل (ولكن ينظر إلى قلوبكم) قد جاء في صحيح مسلم (2564) بلفظ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) وهو نص صريح أن إصلاح القلوب وإصلاح الأعمال كلاهما مقصود ، يؤمر به الإنسان ، فلا يجوز لمسلم أن يقصر في الأعمال أو يرتكب المحرمات ، ثم يقول : إن الله ينظر إلى القلوب ، بل ينظر إلى القلوب والأعمال ، ويحاسب على ما في القلوب والأعمال .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97599
العنوان:
يشتري كل المعروض في السوق ليتحكم في السعر
السؤال:
يقوم أحد الأشخاص الذين يعملون في التجارة عندنا إذا أحس أن هناك نوعًا من البضائع بدأ سعره يتحسن في السوق يقوم بشراء كل ما في السوق من تلك البضاعة ويتحكم في سعرها بالزيادة أكثر، فما حكم هذا العمل ؟ وهل ما يكسبه بهذه الطريقة حلال أم حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع الضرورية ويشتريها كلها من السوق ويضطر الناس إلى أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم لا شك أن هذا لا يجوز وهو احتكار منهي عنه، ويجب الأخذ على يده ومنعه من ذلك، إذا كان الأمر كما ذكر السائل أنه ليس هناك في السوق غير هذه السلعة التي يحتاج إليها الناس وهو يشتريها ويحضرها عنده ليتحكم فيها فهذا أمر لا يجوز ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك، أما إذا كانت هذه السل من الكماليات والناس ليسوا في حاجة إليها أو كان هناك سوق آخر وسلع أخرى والناس يجدون غيرها في مكان آخر من غير مشقة عليهم فإن هذا لا يحرم، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يضايق الناس .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان "(3 / 60 )(/1)
رقم السؤال:
97641
العنوان:
أغضبت زوجها غضبا شديدا وسألته الطلاق فطلقها
السؤال:
لقد أغضبت زوجي غضبا شديدا جدا وطلبت منه الطلاق وأجبرته على ذلك وأغلقت الباب وقلت له لا تخرج حتى تطلقني فطلقني وهو غاضب ولم تكن لدية نية تطليقي وأنا ندمت على ذلك فهل يقع الطلاق ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الطلاق في حال الغضب ، منه ما لا يقع باتفاق العلماء ، ومنه ما يقع باتفاقهم ، ومنه ما هو مختلف فيه ، حسب نوع الغضب ودرجته ، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (22034) و(45174)
وحاصله أن الغضب الذي يخرج الإنسان عن شعوره وإدراكه ، لا يقع معه الطلاق .
وكذلك الغضب الشديد الذي يدفع الإنسان للطلاق ، ولو كان في حال الاختيار والهدوء ما طلق ، لا يقع معه الطلاق ، على الراجح الذي اختاره جماعة من أهل العلم ، وعليه فما دام أن زوجك تلفظ بالطلاق في حال الغضب الشديد ، فإن الطلاق لا يقع .
ثانيا :
لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك ، كسوء العشرة من الزوج ؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
لكن إن فعلت ذلك لشدة غضب أو توتر ، فعليها أن تستغفر الله تعالى ، ولا تَعدُْ إلى ذلك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97642
العنوان:
حكم زواج المسيار ، وأجر صبر الزوجة على كثرة زواج زوجها
السؤال:
هل زواج المسيار أن تكون الزوجة متنازلة عن حقوقها ؟ أنا زوجي متزوج ثالثة ، ولا يعدل بيننا ، ويقول : زواج المسيار ليس له عدل بينكن ، وهل لي أجر على تحمل زوجي بتعدده للزوجات وإلا طلبت الطلاق منه لأنه مفتون بالنساء ؟ مع العلم أني زوجته الأولى وأم أولاده وبناته ، هل لنا أجر على تحملنا الهم والعذاب الذي نراه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من توفر شروط وأركان حتى يكون النكاح صحيحاً ، ومنها :
تعيين الزوجين ، ورضاهما ، وموافقة ولي المرأة وتوليه العقد ، والإشهاد أو الإشهار....
وتجد تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : ( 2127 ) .
ثانياً:
وزواج " المسيار" يصح إذا توفرت فيه شروط عقد النكاح وأركانه ، وصورة هذا الزواج موجودة في القديم ، وفيه يَشترط الزوج على المرأة التي يرغب بالتزوج منها أن لا يقسم بينها وبين نسائه بالتساوي ، أو لا ينفق عليها ، أو لا يسكنها ، وقد يشترط أن يكون لها النهار دون الليل ، وهو ما يسمى " النهاريات " ، وقد تكون المرأة هي المبادرة بإسقاط حقوقها ، فقد تكون صاحبة مال ومسكن فتُسقطهما عنه ، وقد ترضى بالنهار دون الليل ، وقد ترضى بعدد أيام دون أيام ضرائرها ، وهذا هو المشهور في زماننا .
وهذا الإسقاط للحقوق من كلا الطرفين لا يجعل النكاح محرَّماً ، وإن كرهه بعض أهل العلم لكنه لا يخرج عن الجواز من حيث شروطه وأركانه .
وفي " مصنف ابن أبي شيبة " ( 3 / 337 ) :
عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح أنهما كانا لا يريان بأسا بتزويج النهاريات .
وفي ( 3 / 338 ) :
عن عامر الشعبي أنه سئل عن الرجل يكون له امرأة فيتزوج المرأة ، فيشترط لهذه يوماً ولهذه يومين ؟ قال : لا بأس به . انتهى
وفي المرجع السابق ذَكَر أنه كرهه محمد بن سيرين ، وحماد بن أبي سليمان ، والزهري .(/1)
وقد أفتى كثير من علمائنا المعاصرين بإباحته .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
عن زواج المسيار ، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة ، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها ، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما ، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج ؟ .
فأجاب - رحمه الله - :
" لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً ، وهي وجود الولي ورضا الزوجين ، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد ، وسلامة الزوجين من الموانع ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم ) ، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها ، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً ، أو في أيام معينة ، أو ليالي معينة : فلا بأس بذلك ، بشرط إعلان النكاح ، وعدم إخفائه " .
" فتاوى علماء البلد الحرام " ( ص 450 ، 451 ) .
لكن لما أسيء استعماله من قبَل كثيرين توقف بعض أولئك العلماء الذين كانوا يفتون بجوازه ، توقفوا عن القول بالجواز ، ومن أبرز هؤلاء الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
ما الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي ، وما الشروط الواجب توافرها لزواج المسيار؟ فأجاب :
" الواجب على كل مسلم أن يتزوج الزواج الشرعي ، وأن يحذر ما يخالف ذلك ، سواء سمي " زواج مسيار " ، أو غير ذلك ، ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان ، فإذا كتمه الزوجان : لم يصح ؛ لأنه والحال ما ذكر أشبه بالزنى " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 20 / 431 ، 432 ) .(/2)
والحقيقة أن هذا النكاح حل لكثير من مشكلات العنوسة التي تفشت في المجتمعات الإسلامية ، فلا يستطيع الرجل أن يلتزم بالقسْم بين نسائه ، أو لا يستطيع النفقة على زوجتين ، ويوجد من النساء من تملك مالاً ومسكناً وترغب في إعفاف نفسها ، فيأتيها الزوج في أيامٍ من الأسبوع ، أو في فترة من الشهر ، وقد يقدِّر الله بينهما من الألفة والعشرة وحسن الظروف ما يتغير حال زواجه منها إلى الأفضل ، فيقسم بالعدل ، وينفق عليها بنفسه ويسكنها .
وفيه أيضاً مفاسد لا تخفى ، من الاختلاف بعد وفاة الزوج على التركة ، ومن إخفائه وعدم إعلانه ، ومن التذرع بهذا الزواج من قبَل بعض المفسدين والمفسدات ، فتكون علاقتهما محرَّمة ، ويسكنان بعيداً عن أعين الأقرباء والجيران ، فإذا رآهما أحد قالا : هذا زواج مسيار!
وبعد هذا يتبين لك أختنا السائلة أنه لا يجوز لزوجك أن يقتطع حقك ويظلمك في حقوقك ؛ لأنه لم يتزوجك بتلك الشروط ، وأنتِ زوجته الأولى ، وإن كان هناك نقص في أيام البيات فليكن عند نسائه الأخريات لا عندك ، فمن تزوجها منهن زواج مسيار هي التي تسقط حقها في النفقة أو السكن أو المبيت ( حسب ما تم الاتفاق عليه ) ، ولا يحل له أن يمكث أيامه ولياليه عند نسائه ظالماً لك ، وخاصة أنك لم تتنازلي عن حقك .
ثالثاً:
تزوج الرجل بامرأة أخرى قد يكون سببه الزوج ، وقد يكون سببه الزوجة ، فقد يكون الزوج قوي الشهوة ولا تكفيه واحدة ، وقد يكون كثير الأسفار لبلد معيَّن ، فيحتاج لزوجة تعفه ، وتخدمه .(/3)
وقد يكون السبب من المرأة ؛ وذلك بتقصيرها في نظافة بيتها ، والعناية بأولادها ، وتجملها لزوجها وإعفافه ، فإن كان الأمر هو الثاني فعليكِ مراجعة نفسك ، والبحث عن الخلل الذي كان سبباً لزوجك لأن يتزوج من أخرى ، وإن كان الأمر هو الأول : فليس لك إلا الصبر ، والصبر له منزلة عظيمة في الشرع ، والصابر على طاعة الله ، وعن معصيته ، وعلى قضاء الله تعالى له من الأجور العظيمة عند الله تعالى بغير حساب ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 .
وأنت لك من الأجر العظيم عند الله تعالى إن اتقيتيه في حياتك الزوجية ، وفي القيام بحقوق الزوج ، والعناية بالأولاد وتربيتهم ، كما لك أجر عند الله إن صبرتِ على زوجك في تزوجه بأخرى غيرك .
وانظري جواب السؤال رقم ( 21421 ) ففيه تفصيل هذا الأمر .
نسال الله تعالى أن يرزقك الصبر والرضى ويصلح لك زوجك .(/4)
رقم السؤال:
97648
العنوان:
حكم سحوبات المراكز التجارية
السؤال:
أسأل بخصوص كوبونات سحوبات الجوائز في المراكز التجارية الكبيرة هل هي حلال أم حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف أهل العلم في حكم السحوبات على جوائز تقدمها الشركات التجارية والأسواق والمحلات ، فذهب بعض العلماء إلى حرمة هذه الجوائز ، وأجازها آخرون بشرطين :
الأول : عدم زيادة سعر السلعة المباعة من قبَل تلك المحلات والأسواق .
والثاني : أن يكون المشتري قد اشترى السلعة لحاجته إليها ، ولم يشترها من أجل الدخول في المسابقة فقط .
والمنع هو قول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وعلماء اللجنة الدائمة ، والجواز بشروط هو قول الشيخ العثيمين رحمه الله .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
عندنا في دولة الكويت أنواع من البيوع منتشرة الآن ، يقوم التاجر بعرض بضاعته ، ويوزع كوبونات على المشترين بحسب قيمة شراء كل واحد ، وهذه الكوبونات تدخل في سحب الجوائز ، ثم تعمل بعد ذلك قرعة ويفوز بعض الناس بجوائز يوزعها عليهم هذا التاجر ، فما حكم ذلك ، جزاكم الله خيراً ؟ .
فأجاب :
" هذا نوع من البيع نخاطب به البائع والمشتري ، فنقول للبائع : هل أنت ترفع سعر السلعة من أجل هذه الجائزة أم لا ؟ فإن كنت ترفع السعر : فإنه لا يجوز ؛ لأنه إذا رفع السعر واشترى الناس منه : صاروا إما غارمين وإما غانمين ، إما رابحين وإما خاسرين ، فإذا كانت هذه السلعة في السوق – مثلاً - قيمتها عشرة فجعلها باثني عشر من أجل الجائزة : فهذا لا يجوز ؛ لأن المشتري باثني عشر إما أن يخسر الزائد على العشرة ، وإما أن يربح أضعافاً مضاعفة بالجائزة ، فيكون هذا من باب الميسر والقمار المحرم .
فإذا قال البائع : أنا أبيع بسعر الناس ، لا أزيد ولا أنقص : فله أن يضع تلك الجوائز ، تشجيعاً للناس على الشراء منه .(/1)
ثم نتجه إلى المشتري فنقول له : هل اشتريت هذه السلعة لحاجتك إليها ، وأنك كنت ستشتريها سواء كانت هناك جائزة أم لا ، أم أنك اشتريتها من أجل الجائزة فقط ؟ فإن قال : الأول : قلنا : لا بأس أن تشتري من هذا أو من هذا ؛ لأن السعر ما دام أنه كسعر السوق ، وأنت ستشتري هذه السلعة لحاجتك : فحينئذ تكون إما غانماً أو سالماً ، ففي هذه الحالة لا بأس أن تشتري من صاحب الجوائز .
وأما إذا قال : أنا أشتري ، ولا أريد السلعة ، وإنما أشتري لأجل أن أحصل على الجائزة : قلنا : هذا من إضاعة المال ؛ لأنك لا تدري أتصيب الجائزة أم لا تصيبها .
وقد بلغني أن بعض الناس يشتري علب اللبن ، وهو لا يريدها ، يشتريها ويريقها لعله يحصل على الجائزة ، فهذا يكون من إضاعة المال ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال .
بقي شيء ثالث : إذا قال قائل : هذه المعاملة ربما تضر بالبائعين الآخرين ؛ لأن هذا البائع إذا جعل جوائز للمشترين ، وكان سعره كسعر السوق : اتجه جميع الناس إليه ، وكسدت السلع عند التجار الآخرين ، فيكون في هذا ضرر على الآخرين ، فنقول : هذا يرجع إلى الدولة ، فيجب عليها أن تتدخل ، فإذا رأت أن هذا الأمر يوجب اضطراب السوق : فإنها تمنعه إذا رأت أن المصلحة في منعه ، أو إذا رأت أنه من التلاعب في الأسواق ، والتلاعب في الأسواق يجب على ولي الأمر أن يمنعه منها " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " ( 49 / السؤال رقم 5 ) .
وتجد في جواب السؤال رقم ( 22862 ) بيان المسألة بتفصيل ، وذِكر الخلاف ، وترجيح قول الشيخ العثيمين رحمه الله .(/2)
رقم السؤال:
97651
العنوان:
جراحات التجميل لتخسيس الأرداف
السؤال:
بخصوص عمل جراحات التخسيس لتخسيس الأرداف والمقعدة والصدر هل هي حرام أم حلال حيث إنها كانت ضرورية ؟
الجواب:
الحمد لله
جراحات التجميل منها ما هو مباح ، ومنها ما هو محرم ، وذلك حسب الباعث على إجراء هذه الجراحات ، فمتى كان الباعث على ذلك طلب الحسن ومزيد الجمال ، فإن أهل العلم يعدون هذا النوع من الجراحات من تغيير خلقة الله تعالى ، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم فلا يجوز فعله ، كما ذكر الشيخ محمد المختار الشنقيطي في كتابه "أحكام الجراحة "
للأدلة التالية:
أولاً : قول الله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله : ( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ) النساء/119.
ثانياً : حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله . رواه البخاري (4507)
ثالثاً: أن هذه الجراحة لا تفعل إلا بارتكاب محظورات أخرى ، ومن تلك المحظورات : التخدير وهو في الأصل حرام إلا حيث دعت الحاجة للعلاج .
ومن هذه المحظورات : كشف العورات ولمسها ، وكل هذه الأمور محرمة ولم يوجد سبب مقبول شرعاً للترخيص بها.
أما إذا كان المقصود من تلك العملية هو إزالة عيب موجود كما لو كانت الأرداف كبيرة كبراً خارجاً عن المعتاد - وكذا الصدر - والمقصود هو إعادتها إلى طبيعتها ، فلا حرج من إجراء هذه العملية ، ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (47694)
قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم عند شرحه لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في لعن النبي صلى الله عليه وسلم للواشمات والمستوشمات، قال: " وأما قوله (المتفلجات للحسن)، فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن ، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن ، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس " .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " إزالة العيوب جائزة ، ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب، فالمسألة أوسع من ذلك، فتدخل فيها مسائل التجميل وعملياته، فما كان لإزالة عيب فلا بأس به ، مثل أن يكون في أنفه اعوجاج فيعدله ، أو إزالة بقعة سوداء مثلاً ، فهذا لا بأس به ، أما إن كان لغير إزالة عيب كالوشم والنمص مثلاً فهذا ممنوع" انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/93)
والله أعلم.(/2)
رقم السؤال:
97681
العنوان:
حكم بيع وشراء واستعمال لعبة " البلايستيشن "
السؤال:
أود السؤال عن حكم اللعب بأجهزة الترفيه التي تحوي شيئاً من الموسيقى ، أو صور النساء ، كما في أجهزة " البلايستيشن " , وما حكم بيعها وتداولها بين الشباب ؟ علماً بأنها ألعاب لا تكون فاسدة بذاتها أو تدعو إلى فساد كـ كرة القدم ، أو سباقات السيارات ، أو الدراجات ، أو ألعاب حروب ، وأسلحة ، ونحوه , لكن يشوبها بعض الفساد كما ذكرت سابقاً .
الجواب:
الحمد لله
الألعاب الإلكترونية تحتوي بعمومها على كثير من المفاسد العقيدية والسلوكية ، ويصاحب ألعابها الموسيقى والمعازف ، ويتعلق الصغار والكبار بها حتى تنسيهم الواجبات الشرعية ، وتلهيهم عن حقوق النفس والآخرين .
وبالنسبة لبيع هذه اللعب : فإن غلب الحرام فيها على الحلال من حيث ذاتها ، ومن حيث استعمالها : لم يجز بيعها .
وأما استعمالها : فبحسب ضبطه لنوع اللعبة – فبعضها فيه عنف شديد ، وبعضها موضوعه " اصطياد العاهرات من الشوارع " ، وبعضها في تعظيم الصليب وإحياء الموتى - ، وخلوها من المنكرات كالصور العارية والموسيقى ، وعدم إلهائها اللاعبين عن الواجبات ، وخلو لعبهم من القمار ، وعدم الإكثار من اللعب بها : فإنه يكون الحكم الشرعي تبعاً لذلك كله ، فإن وجدت تلك الأشياء أو بعضها : لم يجز اللعب بها ، وإن خلا منها جميعها : جاز .
وننبه الآباء وأولياء الأمور إلى ضرورة فحص ومشاهدة اللعبة قبل تمكين الصغار من مشاهدتها ، فقد وجدت بعض الألعاب تحوي مشاهد جنسية فاضحة ، نحو لعبة ( GrandTheft Auto ) و ( Tomb Raider ) وغيرها كثير ، وبعضها فيها إساءة بالغة للإسلام ، مثل لعبة ( first to fight ) ؛ ففيها تطهير المدن من الملتحين ! وفيها قصف المساجد – مع سماع أصوات الأذان منها - ، وفيها إطلاق النار على المصاحف ، ولا يمكنك الانتقال لمرحلة أخرى إلا بتطهير المدينة من المسلمين ومساجدهم !! .(/1)
ويمكن مشاهدة بعض صور تلك اللعبة هنا :
http://216.219.88.100/upload/a/17/1163433948.jpg
و
http://216.219.88.100/upload/a/17/1163444563.jpg
وفيها ترى بوضوح انتهاكهم للمساجد ، والبحث عمن يسمونهم الإرهابيين من المسلمين .
وقد بيَّنا في جواب السؤالين ( 2898 ) و ( 39744 ) مفاسد الألعاب الإلكترونية ، وخصصنا البلايستيشن بالذِّكر ، وفي الجواب الثاني حكم بيعها وشرائها .
وفي جواب السؤال رقم ( 46203 ) تجد حكم من يسأل عن دخله لعمله في محل ألعاب فيديو .(/2)
رقم السؤال:
97726
العنوان:
يرد على شبهات النصارى ويطلب النصح يستمر أم لا ؟
السؤال:
هناك موقع نصراني يبث شبهات كثيرة حول الإسلام وشرائع الإسلام ، وأقوم - بفضل الله - برد هذه الشبهات من خلال المواقع الإسلامية ، ومواقع الرد على الشبهات ، ويقومون في هذا المنتدى بسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهل أكمل في هذا المنتدى في رد شبهاتهم بفضل الله ؟ أم إذا بقيت في المنتدى ينطبق عليَّ قول الله تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) سورة النساء ( 140 ) ، ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) سورة الأنعام ( 68 ) ؟ .
الجواب:
الحمد لله
نشكر لك أخي الفاضل غيْرتك على دين الله ، ونثمِّن موقفك في الدفاع عنه ضد أعدائه من المشككين ، ولكن لا يمنعنا هذا من نصحك وتوجيهك لما فيه الخير لك ولدين الله تعالى الذي تغار عليه .
وهذه النصيحة تتلخص في عدم الدخول في معترك الشبهات والردود عليها إلا بعد أن تتقوى معرفتك بأحكام الإسلام وشرائعه ، ويتقوى إيمانك ويقينك ، وليس هذا من باب الاستحباب بل هو واجب في حقك ، وفي حق كل من يدخل في معترك الشبهات والردود على أهل البدع والضلال والأديان المحرَّفة ، وفي هذا الأمر عدة فوائد مهمة :(/1)
1. الحفاظ على دين الله وشريعته من المتحمسين الذين ليس عندهم زاد علمي ، فترى الشبهة التي يطرحهما أعداء الدين غير التي يردون عليها ، وترى – أحياناً أخرى – الرد ضعيفاً يقوِّي الباطل ويُضعف الحق .
2. الحفاظ على المسلمين المتحمسين لتلك الردود من الانجراف وراء الشبهة وأهلها ، فكثير من الداخلين في هذا المعترك يدخلون بزاد قليل ، فتخطف الشبهةُ قلوبَهم ، ولا يجد لها جواباً عنده ، فيحار ، ويتشكك ، كما أن كثرة النظر في الشبهات تُضعف القلب .
قال ابن القيم رحمه الله :
وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيرادٍ - :
" لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها ، فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ، ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال .
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 140 ) .
ونقل الإمام الذهبي رحمه الله عن سفيان الثوري رحمه الله قولَه :
" من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه ، لا يلقها في قلوبهم " .
فعلَّق عليه بقوله :
قلت : أكثر أئمة السلف على هذا التحذير ، يروْن أن القلوب ضعيفة ، والشُّبَه خطَّافة .
" سير أعلام النبلاء " ( 7 / 261 ) .
3. الحفاظ على الوقت وعدم إهداره مع المعاندين والجاحدين ، وعدم إهدار الوقت في باب واحد من العلم يجب أن يسبقه أبواب ، فلا يصلح الرد على أولئك الطاعنين في الدين إلا بعد الإلمام بالقرآن ، وصحيح السنَّة ، وهذا يستغرق من الطالب وقتاً طويلاً ، فبعض الشبهات الرد عليها من باب اللغة ، وبعضها من باب التفسير ، وأخرى من باب الحديث ، وأخرى من باب المنطق ، فأين المبتدئ المتحمس من هذا كله ؟! .(/2)
4. اختيار الطريقة المناسبة للدعوة ، فالدعوة إلى الله تحتاج لعلمٍ من الداعي ، وتحتاج لحكمة حتى يضع الأمور في مكانها المناسب ، فمن المدعوين من يكون هيناً ليِّناً قريباً للحق ، ومنهم من يكون معانداً ، فيحتاج الداعي لسلوك الطريق المناسبة مع كل واحدٍ من هؤلاء ، بالغلظة مع قوم ، وباللين والرقة مع آخرين .
قال الله تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/125 ، وقال سبحانه ( : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) العنكبوت/46 .
فكيف سيعرف المبتدئ الطريقة المناسبة للتعامل مع هؤلاء ؟ وكيف سيسلكها ؟ ومتى سيتوقف عنها ؟ كل ذلك يحتاج لأن يكون الداعي على قدر من العلم والحكمة ، وهذا ما لا يوجد في غالب المتحمسين المبتدئين .
ومنه يُعرف جواب سؤال الأخ الفاضل : هل يبقى في المنتدى مع رؤيته لسب الله تعالى ورسوله ودينه أم يخرج ؟ وهل ينطبق عليه ما ذكره من الآيات القرآنية في صلب السؤال ؟ .
ليس على ذلك جواب محدَّد ، إلا أن نعرف حال المنتدى ، وحال الداعي ، وحال الشبهات ، وهل يُسمح له بالرد والتعقب ، أم يقرأ فقط ولا يشارك ؟ إن معرفة هذه الأحوال تكوِّن فكرة عن الجواب اللائق المناسب .
وقد رأينا بعض إخواننا المتحمسين للدعوة يدخل غرف الزنادقة في " البال توك " الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم ، ويؤذون المسلمين بفحش كلامهم ، وهم مع هذا يمنعون الأخ المسلم الداعية من أن يعلِّق بلسانه ، بل ولا يكتب ببنانه ! فأي وجه في بقائه بتلك الغرف الفاسدة ؟ إنه هنا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات في السؤال ، وهذا بخلاف من استمع ليجمع أقوالهم ويوثقها ، أو من استمع ليُفسَح له المجال في الرد عليها ، فمثل هذا لا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات القرآنية في السؤال .(/3)
وهذه وصية جامعة ، نسأل الله أن ينفع بها :
قال الشيخ العثيمين :
لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود ، أو النصارى ، أو المشركين ، أو أهل البدع ؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به ، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة : فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة ؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل ، فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب ، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة ، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل : أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل ، لا يفعل ذلك بعد مجيئه ، فنقول : أولاً : حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة ، واغرسوها في قلوبكم ، حتى إذا تمكنتم : فلا بأس أن تقرءوا ، لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 47 / السؤال رقم 7 ) .
ونرجو النظر في السؤال رقم (22029) و (83621) ففيه بيان حكم النظر في كتب أهل الكتاب ، ومحاورتهم عبر الإنترنت .(/4)
رقم السؤال:
97727
العنوان:
لا يضم جنس إلى جنس في تكميل النصاب
السؤال:
عندي أرض فيها قمح وشعير ، فهل تجب فيها الزكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
تجب الزكاة في الحبوب والثمار ، إذا بلغت النصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعاً ، والصاع أربعة أمداد ، والمد حَفْنة بكفي الرجل المعتدل ؛ لما رواه مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ) .
والقمح والشعير من الأصناف التي تجب فيها الزكاة بإجماع العلماء ، فإذا أنتجت الأرض ما يبلغ النصاب من القمح ، أو الشعير وجبت عليك زكاته ، فإذا كان محصول القمح والشعير لم يبلغ النصاب ، ولكن إذا ضم أحدهما إلى الآخر بلغ النصاب ، فلا تجب عليك الزكاة ؛ لأنك لم تمتلك نصاباً من الشعير ، ولا نصاباً من القمح .
وتفصيل ذلك : أن الحبوب والثمار من جهة ضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب لا تخلو من حالتين :
الحال الأولى : أن يكون الجنس واحداً ، والنوع مختلفاً ، فهذا يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب ، فيضم التمر السكري إلى التمر البرحي ، وكذلك تضم أنواع القمح بعضها إلى بعض ، وأنواع الزبيب بعضها إلى بعض ، وهكذا .
ويدل على ضم الأنواع بعضها إلى بعض عموم حديث أبي سعيد الخدري السابق ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة في التمر مطلقاً ، ومعلوم أن التمر يشمل أنواعاً ولم يأمر بفصل كل نوع عن الآخر .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/316) : َلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ , فِي أَنَّ أَنْوَاعَ الْأَجْنَاسِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ " انتهى .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/73) : " وتضم الأنواع بعضها إلى بعض ، فالسكري مثلاً يضم إلى البرحي ، وهكذا ، وكذلك في البر فالمعية ، واللقيمى ، والحنطة ، والجريبا ، يضم بعضها إلى بعض " انتهى .
الحال الثانية : أن يكون الجنس مختلفاً ، فهذا لا يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب ، فلا يضم البر إلى الشعير ، ولا التمر إلى الزبيب ، ولا الأرز إلى البر في تكميل النصاب ؛ لاختلاف الجنس ، كما لا تضم البقر إلى الإبل أو الغنم ؛ لأن الجنس مختلف .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/73) : " ولا يضم جنس إلى آخر ، فلو كان عند الإنسان مزرعة نصفها شعير ، ونصفها بر ، وكل واحد نصف النصاب ، فإنه لا يضم بعضه إلى بعض ؛ لاختلاف الجنس ، كما لا تضم البقر إلى الإبل أو الغنم ؛ لأن الجنس مختلف " انتهى بتصرف .
فعلى هذا ، فما بلغ النصاب عندك من محصول القمح أو الشعير وجب عليك إخراج زكاته ، وما لم يبلغ النصاب ، فلا زكاة فيه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97728
العنوان:
إذا أعطى زكاته لمستحقها فهل يخبره أنها زكاة ؟
السؤال:
هل يجب لفظ كلمة " زكاة " عند إعطائها للناس - يعني : أن نقول " خذ هذه زكاة " ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
زكاة المال لها مصارف محددة ، لا يجوز صرف الزكاة إلى غيرها ، وقد ذكرها الله تعالى بقوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة/60
ولمعرفة هؤلاء بتفاصيل نافعة : انظر جوابي السؤالين ( 46209 ) و ( 6977 ) .
ثانياً:
لا يلزم معطي الزكاة أن يخبر من يأخذها بأنها زكاة ، بل قد كره بعض المالكية إخباره ، وهو ظاهر قول الإمام أحمد رحمه الله ، وكذا الشافعية .
قال النووي رحمه الله :
" إذا دفع المالك أو غيره الزكاة إلى المستحق ولم يقل هي زكاة ، ولا تكلم بشيء أصلا : أجزأه ، ووقع زكاة ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ، وقد صرح بالمسألة إمام الحرمين – أي : الجويني - ، وآخرون " انتهى .
" المجموع " ( 6 / 233 ) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وإذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيراً : لم يحتج إلى إعلامه أنها زكاة ، قال الحسن : أتريد أن تقرعه ؟! لا تخبره .
وقال أحمد بن الحسن : قلت لأحمد : يدفع الرجل الزكاة إلى الرجل فيقول : هذا من الزكاة ، أو يسكت ؟ ، قال : " ولم يبكِّته بهذا القول ؟! يعطيه ، ويسكت ، ما حاجته إلى أن يقرعه ؟! انتهى .
" المغني " ( 2 / 508 ) .
وفي " الشرح الكبير " للشيخ الدردير رحمه الله ( 1 / 500 ) :
" ولا يشترط إعلامه ، أو علمه بأنها زكاة ، بل قال اللقاني : يكره إعلامه ؛ لما فيه مِن كسر قلب الفقير ، وهو ظاهر ، خلافاً لمَن قال بالاشتراط " انتهى .(/1)
وقد ذكرنا في جواب السؤال (33777) فتوى عن اللجنة الدائمة للإفتاء بأنه لا يجب إخبار الآخذ بان هذا المال زكاة .
لكن .. إذا علم المعطي أن الآخذ لا يقبل الزكاة ، وأنه إذا علم أنها زكاة لم يأخذها ، فيجب على المعطي حينئذ أن يخبره أنها زكاة ، ثم إن شاء قبلها وإن شاء ردّها .
فقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : عن حكم إعطاء الإنسان الزكاة دون إخباره أنها زكاة ؟ .
فأجاب :
" لا بأس أن يعطي الزكاة لمستحقها بدون أن يعلم أنها زكاة ، إذا كان الآخذ له عادة بأخذها وقبولها ، فإن كان ممن لا يقبلها : فإنه يجب إعلامه ، حتى يكون على بصيرة ، فيقبل ، أو يرد " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / السؤال رقم 229 ) .
وسئل أيضاً رحمه الله:
إذا أعطى الإنسان زكاته لمستحقها فهل يخبره أنها زكاة ؟ .
فأجاب :
" إذا أعطى الإنسان زكاته إلى مستحقها : فإن كان هذا المستحق يرفض الزكاة ولا يقبلها : فإنه يجب على صاحب الزكاة أن يخبره أنها زكاة ؛ ليكون على بصيرة من أمره إن شاء رفض وإن شاء قبل ، وإذا كان من عادته أن يأخذ الزكاة : فإن الذي ينبغي أن لا يخبره ؛ لأن إخباره بأنها زكاة فيه نوع من المنَّة ، وقد قال الله تعالى : ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَْذَى ) البقرة/264 .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / السؤال رقم 230 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97732
العنوان:
حكم القومية العربية ، وحكم الانتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
هل يرتد من سئل " أيهما أفضل عندك نبيك صلى الله عليه وسلم أم لغتك ؟ " فأجاب : " لغتي " ! ؟ وهل يرتد إن قال ذلك مازحا أو جاهلا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لسنا ندري حقيقة المقارنة والمفاضلة بين " حسي " و " معنوي " ، فكيف يقول المجيب إن " اللغة " – وهي شيء معنوي ، ليس بذات – أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم – وهو شيء حسي ، له ذات - ؟ .
وعندما تأملنا وجدنا أن الأمر قد يحتمل صورتين ، واحدة تتعلق بالسائل ، وأخرى تتعلق بالمجيب .
أما التي تتعلق بالمجيب : فهو أنه يحتمل أن " اللغة " تعني : القومية العربية - والظاهر أنهم عرب ، وأن الكلام عن اللغة العربية - ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعني " الإسلام " ، وهذا الاحتمال يجعل المقارنة والمفاضلة بين شيئين يمكن السؤال والإجابة عنهما .
وأما التي تتعلق بالسائل : فهو أن يكون أراد أن يستفز السائل بالإنكار عليه في تعظيم " لغته " بذِكر شيء معظَّم عند المسلمين ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله إن كانت لغته أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانياً:
إن كان الاحتمال الأول هو الصواب : فإن المجيب وقع في الكفر ، فالقومية العربية دعوى جاهلية تحمل الكفر ، وتطعن في التشريعات الإسلامية ، وتفرِّق بين المسلمين ، وتجمع بينهم وبين غير المسلمين على أساس اللغة العربية ، فالعربي الكافر عندهم أقرب لهم وأحب من المسلم الأعجمي ! وهذا كفر صريح بالإسلام وتشريعاته .
قال شاعر القومية : فخري البارودي :
بلادُ العرب أوطاني من الشام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مصرَ فتَطوان
فلا حدٌّ يُباعدنا ولا دينٌ يُفرِّقنا
لسانُ الضاد يجمعنا بغسّانٍ وعدنانِ
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :(/1)
ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر ، أو اللغة مقدَّم على الانتساب إلى الدين , وهذه الجماعات تدعي أنها لا تعادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه ، ما رأيكم في هذه الدعوى ؟ .
فأجاب :
هذه دعوة جاهلية ، لا يجوز الانتساب إليها ، ولا تشجيع القائمين بها , بل يجب القضاء عليها ؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها , وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها ؛ لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة ، وأدباً ، وخلقاً , وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها ، وأدبها ، وخلقها , ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه .
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة ، وخطأ عظيم ، ومنكر ظاهر ، وجاهلية نكراء ، وكيد للإسلام وأهله , وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته : " نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع " .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 173 ) .
والكتاب موجود بكامله في " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 280 – 318 ) .
وقال الشيخ – رحمه الله – أيضاً :(/2)
إن من أعظم الظلم ، وأسفه السفه , أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية , وهل للقومية المجردة من الإسلام من المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف الإسلام , وأن يقارن بينها وبينه ؟ لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام ، والتنكر لمبادئه ، وتعاليمه الرشيدة , وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل , وعتبة بن ربيعة , وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها , وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان , دعاته وأنصاره هم : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق , وعمر ابن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , وغيرهم من الصحابة ، صناديد الإسلام ، وحماته الأبطال , ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟ لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها , وهؤلاء رجالها ، وبين دين هذا شأنه ، وهؤلاء أنصاره ودعاته , إلا مصاب في عقله , أو مقلد أعمى , أو عدو لدود للإسلام ، ومن جاء به ، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر , أو بين الرسل والشياطين , ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر , وسبر الحقائق والنتائج : ظهر له أن المقارنة بين القومية والإسلام : أخطر على الإسلام من المقارنة بين ما ذكر آنفا ، ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار , وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم , في دار الكرامة والمقام الأمين ؟ .
اللهم اهدنا وقومنا سواء السبيل , إنك على كل شيء قدير .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 320 ، 321 ) .
وهذان جوابان نافعان من الشيخ رحمه الله حول المقارنة بين القومية العربية والإسلام ، وفي الجواب الثاني حكم من قارن بينهما ، وفيه ذكر أنه " مصابٌ في عقله " ، أو " مقلِّد أعمى " ، أو " عدو لدود للإسلام " .(/3)
فمن كان يجهل حال القومية : فقد يكون معذوراً ، ومن جهل حال الإسلام واعتقد أن غيره من الأديان والنظم والمبادئ خير منه : فلا شك في كفره .
ثالثاً:
وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع : فإن السائل يكون أساء في ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة ، والمجيب قد أساء أكثر بإجابته السخيفة ، والتي هي كفر في ذاتها ؛ لأن فيها انتقاصاً من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإساءة له .
والواجب على المسلم أن يعظِّم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن ينصره ، ويؤيده ، وأن يمنعه من كل ما يؤذيه ، كما يجب عليه توقيره وتكريمه ، والله تعالى ذكر ذلك أنه من صفات المؤمنين ، وذكره ثانياً آمراً به المسلمين .
قال تعالى : ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/من الآية 157 .
وقال تعالى : ( إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً ) الفتح/ 8 ، 9 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
و من ذلك : أن الله أمر بتعزيره فقال : ( وتعزِّروه وتوقروه )الفتح/ 9 ، والتعزير : اسم جامع لنصره ، وتأييده ، ومنعه من كل ما يؤذيه .
والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة ، وطمأنينة ، من الإجلال والإكرام ، وأن يعامَل من التشريف ، والتكريم ، والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدِّ الوقار .
" الصارم المسلول " ( 1 / 425 ) .
وليس تعظيمه وتوقيره مختصاً بحياته صلى الله عليه وسلم ، بل وبعد مماته .
قال القاضي عياض – رحمه الله - :(/4)
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، وتوقيره ، وتعظيمه : لازم ، كما كان حال حياته ، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم ، وذكر حديثه ، وسنته ، وسماع اسمه ، وسيرته ، ومعاملة آله ، وعترته ، وتعظيم أهل بيته ، وصحابته .
" الشفا في أحوال المصطفى " ( 2 / 40 ) .
وقد نهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن ينادوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما يفعلونه مع بعضهم ، وهذا من أوجه تعظيمه صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : ( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )النور/63 .
قال الضحاك عن ابن عباس : كانوا يقولون : يا محمد ، يا أبا القاسم ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك ؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه ، قال : فقالوا : يا رسول الله ، يا نبي الله . وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جُبَير .
وقال قتادة : أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يُبَجَّل ، وأن يعظَّم ، وأن يسوَّد .
وقال مقاتل بن حَيَّان : لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه : يا محمد ، ولا تقولوا : يا ابن عبد الله ، ولكن شَرّفوه فقولوا : يا نبي الله ، يا رسول الله .
وقال مالك عن زيد بن أسلم : أمرهم الله أن يشرِّفوه .(/5)
هذا قول ، وهو الظاهر من السياق ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ) البقرة/104 ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) إلى قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) الحجرات/2-5 .
فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، والكلام معه ، وعنده ، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 88 ، 89 ) .
وقد توعَّد الله تعالى مَن رفع صوته على نبيه بذهاب عمله وبطلانه .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) الحجرات/2 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه ، أي : لا يرفع المخاطِب له صوته معه فوق صوته ، ولا يجهر له بالقول ، بل يغض الصوت ، ويخاطبه بأدب ولين ، وتعظيم وتكريم ، وإجلال وإعظام ، ولا يكون الرسول كأحدهم ، بل يميزوه في خطابهم ، كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة ، ووجوب الإيمان به ، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به ، فإن في عدم القيام بذلك محذوراً ، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر ، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب ، وقبول الأعمال .
" تفسير السعدي " ( ص 799 ) .(/6)
وقد أجمع أهل العلم على وجوب قتل من سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو انتقص من قدره صلى الله عليه وسلم ، سواء بالتصريح أو الإشارة .
قال القاضي عِياض – رحمه الله - :
اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع مَن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصاً في نفسه ، أو نسَبِه ، أو دينه ، أو خَصْلة من خصاله ، أو عَرَّض به ، أو شَبَّهه بشيء على طريق السبِّ له ، أو الازدراء عليه ، أو التصغير لشأنه ، أو الغض منه ، أو العيب له : فهو سابٌّ له ، والحكم فيه حكم السابِّ ، يقتل ، وكذلك يُعاقَب بالقتل مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو دعا عليه ، أو تَمنَّى مَضَرَّة له ، أو نسَب إليه ما لا يَليق بمَنْصِبِه على طريق الذم ، أو عبث في جهته العزيزة بسَخَف من الكلام ، وهَجْر ، ومُنْكَر من القول وزور ، أو عَيَّره بشيء جرى له من البلاء والمِحْنة ، أو نَقَصَ من قَدْره ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه .
وقد انعقد على هذا إجماع العلماء ، وأئمة الفتوى ، من لَدُنْ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى يومنا ، وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها .
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 214 ) .
رابعاً:
الأقوال والأفعال التي تخرج صاحبها من الإسلام يستوي فيها حكم الجاد والمازح والمستهزئ. قال الله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة:65-66
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(/7)
" و هذا نص في أن الاستهزاء بالله و بآياته و برسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى و قد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه و سلم جادا أو هازلا فقد كفر "
" الصارم المسلول" (1/37)
فانصح – أيها السائل الكريم – هذا الرجل ، وخوفه من الله عز وجل ، وبين له شناعة ما قال ، وان دين الله تعالى ليس محلاً للجدال والخصام ، أو السخرية والاستهزاء ، وأعلمه ما يجب عليه من التوبة الصادقة إلى الله عز وجل ، والندم على ما بدر منه والاستكثار من الخيرات ، عسى الله أن يهديه ويعفو عنه .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
97739
العنوان:
هل عبارة " لنضع يدنا بيد الزمن " جائزة ؟ وحكم سب الزمن
السؤال:
(لنضع يدنا بيد الزمن) هل هذه الكلمة تعتبر محرمة باعتبار أن الله هو الدهر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ينبغي تصحيح فهم جملة " أن الله هو الدهر " ؛ لأن الخلل في فهمها أدى إلى استشكال العبارة الواردة في السؤال ، فنقول :
ثبت في السنَّة الصحيحة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) متفق عليه .
وقد فُهم هذا الأمر خطأً من بعض الناس فظنوا أن " الدهر " من أسماء الله ، وليس الأمر كذلك ، بل " الدهر " هو الزمن ، وقد كان الجاهليون – ولا يزال لهم أتباع في هذا – يسبون الدهر ، ولم يكن أحد منهم يقصد سبَّ الله ، وكيف يقصدون سب الله وهو يقولون " قبَّح الله الدهر " ؟! وإنما نهي عن سبِّ الدهر ، ونُسب الدهر إلى الله : لأنه تعالى هو خالقه ومدبره ومصرِّفه .
وتفصيل ذلك في :
1. جواب السؤال رقم ( 26977 ) وفيه بيان أن الدهر ليس من أسماء الله .
2. جواب السؤال رقم ( 9571 ) وفيه بيان معنى الحديث الصحيح ( لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر ) .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر ) ، فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية ، بيِّنوا لنا ذلك ؟ .
فأجاب :
الحمد لله ، قوله ( لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) : مروي بألفاظ أخر كقوله : " يقول الله : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) ، وفي لفظ : ( لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر ، يقلب الليل والنهار ) ، وفي لفظ : ( يقول ابن آدم يا خيبة الدهر وأنا الدهر ) .(/1)
فقوله في الحديث ( بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) يبيِّن أنه ليس المراد به أنا الزمان فإنه قد أخبر أنه يقلِّب الليل والنهار ، والزمان هو الليل والنهار . فدلَّ نفس الحديث على أنه هو يقلِّب الزمان ويصرِّفه ، كما دلَّ عليه قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) وإزجاء السحاب : سوقه ، والودق : المطر .
فقد بيَّن سبحانه خلقه للمطر وإنزاله على الأرض فإنه سبب الحياة في الأرض فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي ، ثم قال : ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) إذ تقليبه الليل والنهار : تحويل أحوال العالم بإنزال المطر ، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن ، وذلك سبب تحويل الناس من حال إلى حال ، المتضمن رفع قوم ، وخفض آخرين .
وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع كقوله : ( وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )، وقوله : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، وقوله : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) ، وقوله : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ، وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان ... .
فليس في الحديث شبهة لهم ، لو لم يكن قد بيَّن فيه أنه سبحانه مقلب الليل والنهار ، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار ... .(/2)
فقد أجمع المسلمون - وهو مما علم بالعقل الصريح - أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان ، أو ما يجري مجرى الزمان ... .
" مجموع الفتاوى " ( 2 / 491 – 494 ) وقد اختصرنا كلامه رحمه الله .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي – رحمه الله - :
قوله : إن الله هو الدهر وهذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين ، وقد رأيت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحتج بهذا الحديث ويقول : ألا تراه يقول : فإن الله هو الدهر ؟! فقلت : وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر ؟ وإنما تأويله عندي - والله أعلم - : أن العرب كان شأنها أن تذمَّ الدهر ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم من موت ، أو هرم ، أو تلف مال ، أو غير ذلك ، فيقولون : " أصابتهم قوارع الدهر " ، و " أبادهم الدهر " ، و " أتى عليهم الدهر " ، فيجعلونه الذي يفعل ذلك ، فيذمونه عليه ، وقد ذكروه في أشعارهم ... .
" غريب الحديث " ( 2 / 145 ) .
ثانياً:
وإذا تبين لك أخي السائل أن " الدهر " ليس من أسماء الله : علمتَ أنه لا إشكال في العبارة الواردة في السؤال ، وهي " لنضع يدنا بيد الزمن " ؛ إذ ليس المراد بذلك شيء يناقض الشرع ، وإنما هو أسلوب بلاغي .
وقد يكون عليه مؤاخذة من وجه آخر ، فقد رأينا بعض من يستعمل هذه الكلمة يجعل " الزمن " متصرِّفاً بنفسه ، - وللأسف فكثير من عباراتهم فيها سب للزمن كقول بعضهم " بيد الزمن الظالم " ! - وبعضهم يطلق هذه اللفظة على الله تعالى ، وبعضهم يطلقها ويريد بها " القدَر " ، وهكذا تتنوع استعمالات الناس لها ،ولم نرَ هذه العبارة في كتب العلماء والأئمة ، والحكم عليها يكون بحسب موقعها من الجملة ، وبحسب ما يعتقده القائل فيها .(/3)
وقد يكون المقصود من العبارة الواردة في السؤال أن يكون الإنسان سائراً في حياته مع متغيرات الواقع والزمن ، ولا يكون مخالفاً لها ، وهذا معنى يحوي حقّاً وباطلاً ، ولا يمكن الحكم على العبارة إلا بمعرفة سياقها ومراد قائلها .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
97740
العنوان:
لا يلزم دفن الشعر أو الأظافر بعد قصّها
السؤال:
هل يلزم بعد قص الأظافر أو حلق الشعر أن أقوم بدفنه ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يلزمك دفنه ، وإن دفنته فهو حسن ، وإن لم تفعل فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى .
وقد وردت أحاديث في الأمر بدفن الشعر والأظافر غير أنها لا تصح .
قال البيهقي في " شعب الإيمان " : وقد روي حديث دفن الشعر والأظفار من أوجه ، كلُّها ضعيفة " . انتهى
" نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " ( 1 / 189 ) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: " يَدفن الشعر والأظفار ، وإن لم يفعل : لم نَرَ به بأساً " رواه الخلال في " الترجل " ( ص 19 ) .
وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : عن حكم دفن الشعر والأظافر بعد قصها ؟
فأجاب :
" ذَكر أهل العلم أن دفن الشعر والأظافر أحسن وأولى ، وقد أُثر ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وأما كون بقائه في العراء ، أو إلقائه في مكان يوجب إثماً : فليس كذلك " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 11 / جواب السؤال رقم 60 ) .(/1)
رقم السؤال:
97741
العنوان:
هل يجوز كتابة آيات القرآن بحروف مقطعة ؟ وهل الرسم العثماني ملزم ؟
السؤال:
هل تعتبر كتابة الآيات بهذه الطريقة تحريفا للقرآن " إن اللـ هـ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بـ أنفسهـ م " فقد شاعت هذه الطريقة في المنتديات الحديثة ؟
الجواب:
الحمد لله
كتابة الآيات القرآنية على وفق القواعد الإملائية الحديثة ، وعلى غير الرسم العثماني له وجهان :
الأول : أن يكون ذلك بكتابة القرآن كله في مصحف .
والثاني : أن تكتب بعض الآيات في الكتب ، والمنتديات ، والمقالات .
وإذا أمكن التساهل في الأمر الثاني ، وسمحنا بكتابة الآية والآيتين في كتب العلم ، حسب قواعد الإملاء الحديثة ، فإن الأمر الأول وهو كتابة المصحف كله لا يسمح بها ، ولا يُتهاون فيها ، وذلك لقطع الطريق على العابثين الذين يمكن أن يجمعوا القرآن على هيئات مختلفة من الكتابة – غير الرسم العثماني – فيطول الزمان على الناس فيرون خلافاً بين نسخ المصاحف في العالم .
ومن هنا جاء قرار المجمع الفقهي في مكة المكرمة مؤيداً لما وصل إليه قرار كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من منع كتابة المصاحف بغير الرسم العثماني .
ونص قرار المجمع الفقهي :
" .... فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " قد أطلع على خطاب الشيخ هاشم وهبة عبد العال من جدة الذي ذكر فيه موضوع " تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي " ، وبعد مناقشة هذه الموضوع من قبل المجلس ، واستعراض قرار " هيئة كبار العلماء " بالرياض رقم ( 71 ) ، وتاريخ 21 / 10 / 1399هـ ، الصادر في هذا الشأن ، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني وهي :(/1)
1. ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني كانت في عهد عثمان رضي الله عنه ، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معين ، ووافقه الصحابة ، وتابعهم التابعون ، ومن بعدهم إلى عصرنا هذا ، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) ، فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم : هو المتعين ؛ اقتداء بعثمان ، وعلي ، وسائر الصحابة ، وعملاً بإجماعهم .
2. أن العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليّاً بقصد تسهيل القراءة : يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة ؛ لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح ، قابل للتغير باصطلاح آخر ، وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن ، بتبديل بعض الحروف ، أو زيادتها ، أو نقصها ، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين ، ويجد أعداء الإسلام مجالاً للطعن في القرآن الكريم ، وقد جاء الإسلام بسد ذرائع الشر ومنع أسباب الفتن .
3. ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس ، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقها ، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية ، أو غيرها ، وفي هذا ما فيه من الخطر ، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح وبعد اطلاع " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " على ذلك كله قرر بالإجماع تأييد ما جاء في قرار " مجلس هيئة كبار العلماء " في المملكة العربية السعودية من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني ، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه ، ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير ، أو تحريف في النص القرآني ، واتباعاً لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين .(/2)
أما الحاجة إلى تعليم القرآن وتسهيل قراءته على الناشئة التي اعتادت الرسم الإملائي الدارج : فإنها تتحقق عن طريق تلقين المعلمين ، إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلم ، فهو يتولى تعليم الناشئين قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في قواعد الإملاء الدارجة ، ولا سيما إذا لوحظ أن تلك الكلمات عددها قليل ، وتكرار ورودها في القرآن كثير ككلمة ( الصلوة ) و ( السموات ) ، ونحوهما ، فمتى تعلَّم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني : سهل عليه قراءتها كلما تكررت في المصحف ، كما يجري مثل ذلك تماماً في رسم كلمة ( هذا ) و ( ذلك ) في قواعد الإملاء الدارجة أيضاً .
رئيس مجلس المجمع الفقهي : الشيخ عبد العزيز بن باز .
نائب الرئيس : د . عبد الله عمر نصيف .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 34 ، 35 ) .
وعليه نقول :
لا وجه لإجازة كتابة الآيات بالطريقة الواردة في السؤال لسببين :
الأول : أنه لا يوجد قول بإباحة كتابة القرآن بأي كيفية ، والوارد في كلام أهل العلم : الرسم العثماني ، والرسم الإملائي ، وليست هذه الطريقة من أي منهما .
والثاني : أن في هذه الطريقة مشابهة لكتابات السحرة ، حيث يكتبون الآيات بتقطيع حروفها ، وتبديل أماكنها .
لذا فلا نرى جواز كتابة الآيات القرآنية بطريقة تقطيع الحروف ، ونرى الاكتفاء بالرسم العثماني لكتابة مصحف كامل ، أو على الطريقة الحديثة بحسب قواعد الإملاء إذا أردت كتابة آيات في كتاب أو مقال . وإن كان الأفضل – في هذه الحال أيضاً – أن تنسخ من المصحف برسمه العثماني .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
97750
العنوان:
تحديد وقت عيد الفطر والأضحى ينبني على رؤية الهلال
السؤال:
لدى سؤال يتعلق بموعد الأعياد فأنا على علم بأن عيد الفطر يعقب شهر رمضان وبأن هناك خلافاً دائماً بين المسلمين حول هذا اليوم (يحتفل به البعض بعد اليوم التاسع والعشرين بينما يحتفل به الآخرون بعد الثلاثين من الشهر) ولكن بخصوص عيد الأضحى, هل يتفق هذا اليوم مع مايقوم به الحجاج فى مكة أم يمكن الاختلاف في هذا اليوم بحسب اختلاف البلد التي يوجد بها كل فرد ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اختلاف المسلمين في تحديد أول شهر رمضان ، وتحديد وقت عيد الفطر ، راجع إلى اختلاف الفقهاء في مسألة مشهورة ، وهي هل رؤية الهلال في بلد تلزم جميعَ البلدان ، أم لكل بلد رؤيته ، وهذا ينطبق أيضا على تحديد وقت عيد الأضحى .
وهي من المسائل الاجتهادية ، وقد استدل كل فريق من العلماء بأدلة ، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1248) .
القول بأنه إذا رؤي الهلال في بلد لزم جميع البلدان هو مذهب جمهور العلماء ، وقد اختاره الشيخ ابن باز رحمه الله ، كما في مجموع الفتاوى (15/77)
والقول باعتبار اختلاف المطالع هو الأصح عند الشافعية ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين ، وقد سبق نقل فتواه في جواب السؤال رقم (40720) .
ثانياً :
ينبني على هذا الخلاف اختلاف المسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحى من غير فرق بينهما ،
قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في العمل باختلاف المطالع من دخول الشهر وخروجه :
" والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر ، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما ..(/1)
ثم قال : وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نَقُلْ به ، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء ، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع " انتهى .
مجموع فتاوى ابن باز (15/79)
وفي فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المشار إليها آنفاً ذَكَر أن اختلاف المطالع يُعمَل به في عيد الأضحى كما يُعمل به في دخول شهر رمضان وخروجه .
وعلى هذا فلا إشكال في أن عيد الأضحى يكون في بلد يوم الجمعة ، ويكون في بلد آخر يوم السبت ، وهكذا ، بناء على تعدد الرؤية واختلافها .
ومثل هذا يقال في صوم رمضان ، وفي صوم عرفة ، وصوم عاشوراء ، لأنها مسائل مترتبة على رؤية الهلال والحكم بدخول الشهر أو عدم دخوله .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97751
العنوان:
ترغب في عمل مشروع خاص لتشجيع النساء على العمل
السؤال:
أنا مسلمة أوروبية وتجبر الحكومة النساء هذه الأيام أن يعملن خارج بيوتهن إذا كن يحصلن على أموال من الحكومة وأرغب فى أن أفتتح مشروعا خاصا بي لكي أحفز النساء المسلمات وأساعدهن على أن يفتتحن مشاريع خاصة بهن بدلا من العمل بالشركات الاعتيادية فبعد ذلك على الأقل سيكون بوسعهن أن يباشرن أعمالهن من منازلهن وأن يعتنين بالأطفال بدلا من الخروج والاختلاط وما إلى ذلك حتى إنهن يمكنهن أن يقمن بتوظيف مسلمات أخريات مع الوقت. فهل هناك ما يحرم في ذلك ؟ أريد مساعدتهن بإعطائهن البديل كما أننى أنوى الخير كل الخير للأمة..
الجواب:
الحمد لله
إذا كان المشروع يقوم على عمل مباح ، ولم يصحبه شيء من المحاذير كالاقتراض بالربا ، أو الاختلاط ، فلا حرج في ذلك ، وإذا كان يرجى منه تحفيز المسلمات على إنشاء مشاريع خاصة بهن ، بحيث لا يحتجن إلى الخروج والاختلاط ، فهذا عمل نافع ، يرجى لك ثوابه وأجره عند الله تعالى .
وراجعي السؤال رقم (22397) ففيه ذكر ضوابط عمل المرأة .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (13/16) : ما حكم المرأة أن تكون تاجرة سواء كانت مسافرة أو مقيمة ؟
الجواب : الأصل إباحة الاكتساب والاتجار للرجال والنساء معا في السفر والحضر ؛ لعموم قوله سبحانه : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الكسب أطيب ؟ قال : ( عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور ) ولما هو ثابت أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء زينتهن ، لكن إذا كان اتجار المرأة يعرضها لكشف زينتها التي نهاها الله عن كشفها ، كالوجه ، أو لسفرها بدون محرم ، أو لاختلاطها بالرجال الأجانب منها على وجه تخشى فيه فتنة ، فلا يجوز لها تعاطي ذلك ، بل الواجب منعها ؛ لتعاطيها محرما في سبيل تحصيل مباح " انتهى .(/1)
نسأل الله لك التوفيق والتسديد وأن يأجرك على نيتك وعملك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97786
العنوان:
هل يراعي ذوق الناس وعرفهم فيسبل المسلم ثوبه ؟ وهل في البنطال إسبال ؟
السؤال:
ما حكم لبس السروال تحت الكعب في مجتمعاتنا الحاضرة من غير مخيلة ؟ إذ أن رفعه فوق الكعب يفسد منظر الشخص ، ويلفت انتباه الغير ، أرجو ألا تروا في سؤالي مجادلة أو ازدراء ، إنما هو استفسار جاد ، وهذا الأمر يهمني كثيراً ، خصوصا في مجال العمل .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
اعلم أخي السائل أن أحكام الشريعة المطهرة لم تأتِ لتجعل المسلم ذليلاً أو أضحوكة بين الناس ، بل جاءت بما فيه الخير للناس جميعاً في دينهم ودنياهم ، وتأمَّل في أحوال العالم تجد صدق هذا القول ، فقد فشت مخالفات الأمم للإسلام في حياتهم الدنيوية كثيراً ، وانظر – على سبيل المثال – آثار الاختلاط بين النساء والرجال على أحوال الأمم ، وانظر آثار إباحة الخمور ، وانظر آثار التبرج والسفور ، وانظر آثار الحرية الزائفة على تلك الأمم ، إنهم أكثر الأمم إصابة بالقلق ، والاكتئاب ، إنهم أكثر الأمم انتحاراً ، إنهم أكثر الأمم ضرباً للزوجات وقتلاً لهنَّ ، والأمثلة كثيرة جدّاً ، وما نقوله موثق من إحصائيات أنفسهم ، وليس هذا مجال تفصيل ذلك ، وإنما هي إيماءة لما نريد إيصاله لك ولغيرك من القراء الذين قد يوسوس لهم الشيطان بقبح القيام ببعض الشعائر الثابتة في الإسلام ، ولا نراك – إن شاء الله – من أولئك ، ولكن لا يمنع هذا من التنبيه عليه ، والإشارة إليه .
ثانياً:
واعلم أخي الفاضل أنه لا ينبغي للمسلم مراعاة الناس وأعرافهم إذا تعلَّق الأمر بواجب أمره الله تعالى به ، أو بمحرَّم نهاه الله تعالى عن فعله .
نعم ، يمكن للمسلم مراعاة أحوال الناس وأعرافهم في باب المستحبات ، والمباحات ، والمكروهات ، أما باب الواجبات والمحرمات : فلا يجوز له البتة التنازل عنهما من أجل الناس .(/1)
ويستدل بعض الناس خطأ بحديث عائشة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم لهدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام ، فيجعلونه دليلاً على التنازل عن الواجبات ، وهو خطأ ظاهر ، ولو كان هذا واجباً عليه صلى الله عليه وسلم ما تركه من أجل تأليف قلوب الناس ، بل كان جائزاً ، وإليك الحديث كاملاً ، وكلام أهل العلم حوله .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لهَا : يَا عَائِشَةُ لوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِليَّةٍ لأَمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلزَقْتُهُ بِالأَرْضِ وَجَعَلتُ لهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ .
رواه البخاري ( 1509 ) ومسلم ( 1333 ) .
وفي لفظ عندهما : ( فأخافُ أنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهم ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض ، ولو كان تغييرها وإبدالها بما وصفه واجباً : لم يتركه ، فعُلم أنه كان جائزاً ، وأنه كان أصلح ، لولا ما ذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام ، وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر ، فعُلم أن هذا جائز في الجملة ، وتبديل التأليف بتأليف آخر هو أحد أنواع الإبدال .
" مجموع الفتاوى " ( 31 / 244 ) .
وقال – رحمه الله - :
فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس ، وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم : كان قد أحسن .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 268 ، 269 ) .
وقال – رحمه الله - :
وقد ينتقل – أي : النبي صلى الله عليه وسلم - عن الأفضل إلى المفضول ؛ لما فيه من الموافقة ، وائتلاف القلوب ، كما قال لعائشة ( لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلت لها بابين ) ، فهنا تركَ ما هو الأولى ؛ لأجل الموافقة ، والتأليف الذي هو الأدنى من هذا الأولى .(/2)
" مجموع الفتاوى " ( 26 / 91 ) .
ثالثاً:
وبخصوص إسبال الثياب عموماً ، والسروال خصوصاً : ينبغي التنبيه على أمور :
1. إسبال الثياب حتى تلامس الكعبين من كبائر الذنوب ، وليس تحريم الإسبال مقيَّداً بالكِبْر ، بل هو محرَّم لذاته ، وهو نفسه من الكِبْر ، فإذا أضيف إليه كِبْر قلبي : كان الإثم أكبر .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
قال ابن العربي رحمه الله : لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول " لا أجره خيلاء " ؛ لأن النهي قد تناوله لفظا ، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول " لا أمتثله ؛ لأن تلك العلة ليست فيَّ " : فإنها دعوى غير مسلَّمة ، بل إطالته ذيله دالة على تكبره ا.هـ ملخصاً .
وحاصله : أن الإسبال يستلزم جرَّ الثوب ، وجرُّ الثوب يستلزم الخيلاء ، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء ، ويؤيده : ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه : ( وإياك وجر الإزار ؛ فإن جر الإزار من المَخِيلة ) .
" فتح الباري " ( 10 / 264 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
( وإياك والإسبال فإنه من المَخِيلة ) ، فجعل الإسبال كلَّه من المَخِيلة ؛ لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك ، ومَن لم يسبل للخيلاء : فعمله وسيلة لذلك ، والوسائل لها حكم الغايات .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 383 ) .
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم ( 762 ) ففيه بيان أدلة تحريم الإسبال .
2. لا يحل لأحدٍ أن يقسِّم الدين إلى لبٍّ وقشور ، ويجعل هؤلاء المقسِّمون إسبال الإزار وحلق اللحية من القشور ! وهذا خطأ وسببه الجهل بحكم الشرع ، وهذا الفعلان من كبائر الذنوب ، فانظر لتهوين هؤلاء المقسمين من ارتكاب الكبائر بقولهم السوء ذاك .
وانظر الرد عليهم في جواب السؤال رقم (12808) .
3. الإسبال ليس فقط في الثوب ، بل في الإزار والسراويل والبناطيل والعباءات ، وكل ما يلبسه المسلم من ثياب .(/3)
4. وننبه إلى أن الذي يُلبس إلى نصف الساق هو الإزار ، أما الثوب والبنطال فلا يُلبسان كذلك ، بل يُلبسان فوق الكعبين ، ولا يحل أن يلمسا الكعبين .
وقد بيَّنا هاتين المسألتين ( 4 و 5 ) في جواب السؤال رقم : ( 10534 ) فلينظر .
5. لا يحل لبس البنطال – وهو المقصود فيما ظهر لنا من قول السائل " السروال " إذا كان ضيقاً يصف العورة .
ولينظر جواب السؤال رقم : ( 69789 ) .
وأخيراً :
7. إسبال البنطال من كبائر الذنوب ، وعليه : فلا اعتبار لذوق الناس ورأيهم في تقصيره وفقاً للسنَّة النبويَّة ، كما بينَّا في أول الجواب ، ونعجب – حقيقة – ممن ينظر لهذا التقصير على أنه مفسد لمنظر المسلم ، ولا يرى تقصير ثياب النساء إلى نصف الفخذ كذلك ، ولا يرى البناطيل الضيقة المقززة التي يلبسها بعض الشباب كذلك ، ولا يرى البناطيل الساحلة ! التي خرج بها علينا بعض الشباب كذلك ، ولا يرى قصات الشباب والشابات التي تشبهوا بها بالحيوانات كذلك – قصة الأسد ، وعُرف الديك ، والبطة ، والفأر - .
وعلى الأخ الذي يلتزم تقصير الثوب أن لا يبالغ في ذلك ، فحكم إسبال الثياب محرَّم ، وليس فيه مجال مراعاة للناس ، أما المبالغة في التقصير فهي التي فيها المجال ، وعلى الإخوة الذين يلتزمون هذا الهدي أن لا يعرِّضوا أنفسهم للسخرية ، وأن لا يفتحوا مع الناس هذه المسألة على حساب غيرها ، وأن لا يجعلوا بينهم وبين الناس حاجزاً بمثل هذه الأفعال التي وسَّعت فيها الشريعة ، ويمكنهم مراعاة أعراف بلدانهم ، ولو أطال ثيابه إلى ما قبل الكعبين بقليل من أجل منع الناس من السخرية ، ومن أجل عدم وضع حواجز بينه وبين الناس : لرُجي أن يؤجر أكثر من أجر تقصير ثيابه بأكثر مما فعل .(/4)
فإسبال البنطال إلى ما تحت الكعبين من المحرمات التي لا يراعى فيها ذوق الناس وعرفهم ، وليس للمكلف أن يخالف في هذا من أجل الناس ، أما حد التقصير : فلو راعى المكلَّف عرف بلده ، ونظرة الناس له : لكان أفضل له وأسلم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
اللباس إلى نصف الساق سنَّة ، وإلى ما تحت نصف الساق سنَّة ، الممنوع : أن يكون أسفل من الكعبين ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أجلُّ قدراً ممن بعدهم ، وأحب للخير لمن بعدهم : كانت ألبستهم تصل إلى الكعب ، أو إلى ما فوقه يسيراً ، كما قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله ، إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعهده " ، وهذا يدل على أن إزاره ينزل عن نصف ساقه ؛ لأنه لو كان إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض لزم من ذلك انكشاف عورته من فوق ، وهذا هو المعروف بين الصحابة .
فإذا رأيت مثلاً : أن الناس يكرهون اللبس إلى نصف الساق أو أعلى ، وأنك لو لبست كما يلبس الناس في غير إسراف ولا مخيلة أدعى لقبول كلامك : الحمد لله ، اترك هذا الذي تريد أن تفعله ؛ تأليفاً للقلوب ؛ وقبولاً للكلام ، ولهذا أجد الناس الآن تلين قلوبهم للناصح إذا كان لباسه على العادة ، لكنه ليس محرَّماً ، أكثر مما تميل إلى الذين يرفعون لباسهم إلى نصف الساق أو أكثر ، والإنسان قد يدع المستحب لحصول ما هو أفضل منه ، هذا وأرى أنه إذا قال له والداه : أنزل ثوبك إلى أسفل من نصف الساق : أرى أنه يطيعهما في هذا الحال ؛ لأنه كله سنَّة ، والحمد لله ، كلٌّ عمل به الصحابة رضي الله عنهم .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 83 / السؤال رقم 14 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
97795
العنوان:
طاف للوداع ثم بات بمكة وصلى الجمعة
السؤال:
شخص أدى فريضة الحج قبل سنوات وذهب إلى مكة وطاف طواف الوداع ثم بات فيها وصلى الجمعة من الغد وغادر إلى أهله ... هل عليه شيء والحالة هذه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
طواف الوداع واجب على من أراد السفر من مكة بعد تمام النسك ، لما رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ .
فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان قبل خروجه من مكة ، فلو طاف طواف الوداع ثم بقي في مكة بعد طوافه ، فطوافه لاغٍ ، وعليه أن يأتي ببدله عند سفره . إلا لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لتحميل العفش أو انتظار رفقة فهذا لا بأس به ، أما لو بات في مكة بعد طواف الوادع ، فيلزمه الطواف مرة أخرى قبل خروجه ، فإن لم يفعل لزمه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يقول سائل إننا لم نتمكن من مغادرة مكة بعد طواف الوداع لأن الطواف كان ليلاً ومعنا أطفال وغادرنا مكة في اليوم التالي ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : الواجب على من أراد السفر من مكة بعد حجه أو عمرته أن يجعل الطواف آخر عهده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال ( أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف) ولكن لو فرض أن الرجل طاف للوداع بناء على أنه مغادر ، ولكنه اشتغل بشيء يتعلق بالسيارة بإصلاحها مثلاً أو انتظار رفقة أو ما أشبه ذلك ، فلا تجب عليه إعادة الطواف . وكذلك قال العلماء لو اشترى حاجة في طريقه لا لقصد التجارة ، فإنه لا تجب عليه إعادة الطواف .(/1)
ولكن إذا قرر الإنسان بعد أن طاف طواف الوداع البقاء في مكة من الليل إلى النهار ، أو من النهار إلى الليل ، فإن عليه أن يعيد طواف الوداع من أجل أن يكون آخر عهده بالبيت " انتهى من فتاوى نور على الدرب .
وسئل أيضا رحمه الله : " نسمع من أغلب الناس يقولون من طاف طواف الوداع لم يبت في حدود مكة نهائياً ، وإن نام تلك الليلة في مكة لزمه طواف مرة أخرى بالبيت ؛ فهل هذا صحيح أم لا ؟ لأننا أحياناً نحرج في ذلك حيث نأتي متعبين ولم نستطع الخروج قبل أن نأخذ الراحة في مكة وأن الطواف مرة أخرى يصعب علينا لوجود الزحام المتواجد من الحجاج وشكراً لكم ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولأبي داود ( حتى يكون أخر عهده الطواف بالبيت) وعلى هذا فَأعِدَّ نفسك بأنك لا تخرج أو لا تطوف للوداع حتى تنتهي من جميع أمورك ، ثم تخرج مباشرة .
لكن يُسمح للإنسان بعد طواف الوداع أن يصلي الصلاة ، إذا كانت قد دخل وقتها ، وأن يشتري حاجة في طريقه وهو ماشي ، وأما كونه يبقى بمكة فإنه إن بقي يجب عليه إعادة طواف الوداع .
وعلى هذا فلا حرج عليكم أن تخرجوا من حدود مكة المكرمة ثم تبيتون في الطريق وتستريحون ثم تستأنفون السير " انتهى من فتاوى نور على الدرب .
ثانياً :
تبين مما سبق أن الشخص المسئول عنه يلزمه دم ، وهو شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها ، فإذا لم يستطع لعجزه صام عشرة أيام ، كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا شيء عليه حينئذ ، لأنه لم يرد في ترك الواجب غير الدم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد تفصيل في حكم من ترك واجباً :(/2)
" وحينئذ نقول لمن ترك واجباً : اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك أو وكِّل من تثق به من الوكلاء ، فإن كنت غير قادر : فتوبتك تجزئ عن الصيام وهذا هو الذي نراه في المسألة " انتهى من "الشرح الممتع (7/441) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97798
العنوان:
أجبرها أهلها على الإفطار لمرضها فهل يأثمون ؟ وهل تصوم إذا أرادت ؟
السؤال:
خالتي أصيبت بحادثة عندما كانت طفلة صغيرة ، وقد فقدت إحدى عينيها ، وقد قرر الأطباء أن لا تبكي هذه الطفلة ، ولا تجوع ؛ لأنه قد يؤثر على عينها ، فقام والدها بمنعها من الصيام عندما أصبح الصيام واجباً عليها حسب تقرير الطبيب ، وهي امرأة محافظة على دينها جدّاً ، فبعد زواجها رأت أن الصيام لا يؤثر عليها فكانت تصوم . السؤال : هي الآن تصوم في أغلب أيامها ؛ لكي لا يكون على أبيها عذاب ، فهي كانت تحب أباها جدّاً - رحمه الله - ، وهي تسأل فضيلتكم : هل على والديها شيء من الحرام ؟ وهل يجب عليها أن تصوم كل شهور الصيام التي فاتتها ؟
الجواب:
الحمد لله
المرض من الأعذار المبيحة للفطر ، قال تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 .
ويدور حكم الصيام للمريض بين الكراهة والتحريم ، فيُكره إذا شق عليه الصيام مع مرضه ، ويحرم إذا كان الصوم يضره .
وينظر تفصيل ذلك : في جوابي السؤالين : (50555) و (38532) .
ولا يفطر المريض إلا بشهادة طبيب ثقة من ذوي الاختصاص بالمرض نفسه ، وبعض العلماء يشترط أن يكون مسلماً .
ومن أفطر بناء على كلام الطبيب , فلا حرج عليه ، فإن كان مرضاً مزمناً – مستمراً - : فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ومن كان مرضه مؤقتاً : فيفطر ، ويقضي بعد شفائه .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :(/1)
"إذا قرَّر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها : فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان ، ولا صوم عليك ، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد ، من تمر ، أو أرز ، أو غيرهما ، وإذا غديتَه أو عشيتَه : كفى ذلك ، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه : فلا يجب عليك إطعام ، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض ، لقول الله سبحانه : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
وأسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء من كل سوء ، وأن يجعل ما أصابك طهوراً وتكفيراً من الذنوب ، وأن يمنحك الصبر الجميل ، والاحتساب ، إنه خير مسئول " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 15 / 221 ) .
والذي يظهر لنا من السؤال أن والد المريضة لا يأثم , لأنه إنما ألزمها بالفطر بناءً على كلام الأطباء .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
مرضتُ بمرض الكلى ، وأُجريت لي عمليتان ، ونصحني الأطباء أن أشرب الماء ليلاً ونهاراً ، وبما لا يقل عن لترين ونصف يوميّاً ، كما أخبروني أن الصيام والكف عن شرب الماء ثلاث ساعات متتالية يعرضني للخطر ، هل أعمل بكلامهم ، أو أتوكل على الله ، وأصوم مع أنهم يؤكدون بأن عندي استعداداً لتخلق الحصى ، أو ماذا أفعل ؟ وإذا لم أصم فما الكفارة التي عليَّ دفعها ؟ .
فأجابوا :
" إذا كان الأمر كما ذكرت ، وكان هؤلاء الأطباء حذَّاقا بالطب : فالمشروع لك أن تفطر ؛ محافظة على صحتك ؛ ودفعاً للضرر عن نفسك ، ثم إن عوفيت وقويت على القضاء دون حرج : وجب القضاء ، وإن استمر بك ما أصابك من المرض ، أو الاستعداد لتخلق الحصى عند عدم تتابع شرب الماء ، وقرر الأطباء أن ذلك لا يُرجى برؤه : وجب عليك أن تُطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .(/2)
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 10 / 179 ، 180 ) .
وإذا شعرت الأخت المريضة بقدرتها على الصيام دون أن يكون لذلك تأثير على عينها : فإنه لا حرج عليها بالصوم ، لكن ينبغي أن يكون ذلك باستشارة أطباء ثقات ؛ خشية أن تغتر بظاهر حالها ، ويكون لذلك الصوم تأثير على صحة عينها .
وأما قضاؤها الأيام التي أفطرتها فيما سبق , فالذي يظهر أنه لا يلزمها ذلك , ويكفيها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً , لأنها إنما أفطرت بناءً على قول الطبيب .
وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله عن شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله , وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها , فماذا يفعل بعد أن شفاه الله , هل يقضيها أم لا ؟
فأجاب :
" إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين ، الموثوقين ، العارفين بجنس هذا المرض ، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه : فليس عليه قضاء ، ويكفيه الإطعام ، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً " .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 15 / 355 ) .
والخلاصة :
ليس على والديها حرج فيما فعلاه من جعل ابنتهم تفطر ؛ بناءً على كلام الأطباء ، وعليها فدية إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته بعد بلوغها ، وإذا حكم الأطباء الثقات المختصون أنها قادرة الآن على الصوم من غير مشقة ولا مضرة وجب عليها صوم رمضان , ولا عذر لها في الفطر , وإن أرادت التطوع بالصيام فلا حرج عليها .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
97800
العنوان:
يُكرهها والدها على حضور مجالس فيها بدع فكيف تتصرف معه ؟
السؤال:
يجبرني والدي أنا ( 19 ) وأخي ( 15 ) وأختي ( 11 ) على الذهاب إلى مكان تمارس فيه البدعة ، وإذا لم أذهب فإن والدي سيعلم بذلك ، ويفوت الناس أحياناً في هذا المكان أداء الصلاة ، ويقومون بالغناء ، وقراءة أسماء الله التسع وتسعين مع بعضهم البعض ، مع التأرجح للأمام والخلف ( لم أعلم أبداً أن الصحابة قاموا بذلك ! ) مع إضافة بعض الإضافات فى نهاية سورة الفاتحة . أسلمتُ حديثا ولا أريد أن أضل كما يحدث للبعض ، فأنا أريد أن أتمسك بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فأنا أخشى إذا لم أذهب لهذا المكان أن أُطرد من المنزل لعصيانى والدي ، وليس لدي مكان آخر أذهب إليه ، ولكن أخبرني أحدهم أيضاً بالحديث القائل بأننا يجب أن نترك المكان الذي توجد به البدعة ، ولا أعرف ماذا أفعل ، فأنا أفضِّل أن أخبر والدي بأنني لن أذهب ، وأطرد من المنزل ؛ لأنني أخشى الله ، ولكن ذلك سيكون قطعاً للرحم وهو من الكبائر ! وإذا تركت المنزل فماذا عن أخي وأختي ؟ وكيف أنقذهم من هذه البدعة ؟ وأين أذهب ؟ هل يجوز لى أن أترك المنزل وأعيش مع إحدى الأخوات أم أحتاج لمحرم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
قراءة هذه الرسالة وإن كان المرء ليحزن لما فيها : إلا أنه يفرح لما يقرؤه من فطنة وذكاء وحسن اتباع من هذه الأخت الفاضلة ، فهي مستاءة من وجود هذه البدعة ، وتخاف أن تقع في معصية مخالفة والدها الذي يأمرها بالذهاب لمكان تلك البدعة ، وهي – أيضاً – تفكِّر في الخروج من البيت إلا أنه يقلقها حال أخيها وأختها ، وتخشى أن تكون مخالفة للشرع إن لم يكن معها محرَم ، وهذا كله وهي مسلمة حديثاً ، فنسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يثبتها على الحق وإخوتها ، وأن يهدي أهلها لاتباع السنَّة .
ثانياً:
نقول للأخت السائلة الفاضلة :(/1)
1. لا شك أن حضور تلك المجالس بما فيها من بدع ومعاصٍ يعدُّ أمراً مخالفاً للشرع ، فلم يكتفِ أولئك المبتدعة ببدعهم من ذكر أسماء الله بالغناء والرقص ، حتى أضافوا إليها معاصي بيِّنة وهي تفويت الصلاة عن وقتها ، وهذا يدل على كذب زعمهم أنهم يتعبدون الله ويتقربون له ، ولو كانوا صادقين لحرصوا على التقرب له بما شرع ، ولما ضيعوا الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية ، وقد جاءت النصوص في القرآن والسنة تتوعد من أداها في غير وقتها ، وتتوعد من ضيعها .
2. من المعلوم شرعاً أن الذهاب لتلك المجالس البدعية فيه إثم كبير ، ويترتب عليه مفاسد كثيرة ، لكن قد يكون من المصلحة تأخير الامتناع من الذهاب ؛ لما يترتب على هذا التأخير من جلب مصالح ودفع مفاسد كثيرة .
3. ومن مصالح ذهابك الآن : الحفاظ على أختك وأخيك من أن لا يكون معهما من يوجههما ويبين لهما خطأ هذه الأفعال ، ومن المصالح كذلك : أن لا يكون عدم الذهاب سبباً لطرد والدك لك من البيت ، وهو الأمر الذي يترتب عليه مفاسد وشرور ، لا يعلم مداها إلا الله ، لا سيما في البلاد التي تعيشين فيها ، بل والله وفي غيرها من البلاد ، ومن ( الذي يأمن على شاة لا راعي لها ) في وسط الذئاب : ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ، ونام عنها تولى رَعْيَها الأسدُ .
4. فنرى لك أن تبقي على الذهاب مع التقلل منه بقدر طاقتك واختراع الأسباب المقبولة – عند والدك – للتأخر عن الذهاب مع بذل الوسع والطاقة في إدخال أطراف من الناس العقلاء من أهل السنَّة لتوضيح الحق لوالدك ، وتبيين الحق له .(/2)
5. ومثلك لا نخشى عليه – إن شاء الله - من الاغترار بما يفعله أولئك المبتدعة الجهلة ، ومع ذلك فإننا نوصيك بتقوية إيمانك بالطاعات ، وبتقوية علمك بالقراءة والاطلاع على كتب أهل السنَّة ؛ وهذا نافع لك ، وسؤال أهل السنة الثقات عن كل ما يُشكِل عليك أمره ، مع التنبيه على وجوب متابعة إخوتك بالنصح والتوجيه والإرشاد ، وكذا انتقاء بعض من يحضر تلك المجالس من بنات جنسك لدعوتهم للحق والصواب .
6. ونوصيك إن ذهبت هناك بالابتعاد عن تلك المجالس قدر الاستطاعة ، وذلك بالجلوس مع النساء في غرف مستقلة بعيدة عن تلك البدع والانحرافات ، وكوني – كلما قدرت – آخر الداخلين وأول الخارجين .
7. ونوصيك بالجلوس مع والدك ، والتفاهم معه على ما يأمرك به ، وعلى قناعاته بأولئك المبتدعة ، فأنتِ في سنٍّ يمكنك فعل ذلك معه ، وعندك من الفهم ما يؤهلك لتكوني مقنعة له إن شاء الله .
8. داومي على الدعاء لوالدك ، وداومي على النصح له ، وأكثري من حسن المعاملة له ؛ فإن ( الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، وما نُزع من شيء إلا شانه ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ونسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يهدي والدك للحق .
والله الموفق(/3)
رقم السؤال:
97810
العنوان:
ليس للزوج أن يجبر زوجته على السكن مع أهله
السؤال:
أقمت أنا وزوجتي في بيت مستقل عن بيت أهلي، وذلك لكثرة المشاكل، وعاهدت زوجتي على عدم فراقها، وبعد مدة طلب مني والدي أن أرجع إلى البيت لأعيش معه أنا وزوجتي، ولكن زوجتي رفضت؛ فماذا أفعل ؟ هل أطيع والدي وأنقض العهد الذي بيننا ؟ وهل أدخل تحت قوله تعالى : ( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) سورة الإسراء/34 .
الجواب:
الحمد لله
" لاشك أن حق الوالد على الولد عظيم، ومادام أن زوجتك لا ترغب في السكن في بيته؛ فإنك لا تلزمها، وبإمكانك أن تقنع والدك في ذلك، وتجعلها في بيت مستقل، مع اتصالك بوالدك وبره وإرضائه والإحسان إليه بما تستطيع " .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 405 ) .(/1)
رقم السؤال:
97818
العنوان:
ماذا يلزم الطبيب إذا مات المريض أثناء العملية ؟
السؤال:
بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات، لو فرضنا وفاة أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية ؛ ألا يلحقهم في ذلك شيء أو يلزمهم كفارة ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية؛ فإنه في هذا يكون عليه مسؤولية، يكون عليه الكفارة والدية أيضًا على عاقلته؛ ( أقاربه الذكور من جهة الأب ) لأن هذا يعتبر من قتل الخطأ، أما إذا كان الطبيب مثلاً خبيرًا بإجراء العملية، وحالة المريض تتحمل هذا الشيء، ولم يحصل تفريط؛ فإنه لا حرج عليهم في ذلك، وليس عليهم ضمان ولا كفارة " .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 280 )(/1)
رقم السؤال:
97823
العنوان:
مصاب بالصرع فهل يلزمه إخبار من سيتزوجها ؟
السؤال:
أخي مصاب بالصرع ، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب ؟
الجواب:
الحمد لله
" نعم ، يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقية قبل الزواج ، لأن هذا من النصح ، ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما ، وأقطع للنزاع ، وليدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة . ولا يجوز الغش والكتمان ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 159)(/1)
رقم السؤال:
97827
العنوان:
كلمة حول منظمات حقوق الإنسان الغربية وحكم التحاكم إليها
السؤال:
تدعو منظمات حقوق الإنسان العالمية إلى العدل والمساواة ، ومنع الظلم والعدوان على الناس بدافع الجنس والعِرْق واللون .. وغير ذلك من المبادئ السامية ، فهل هناك مانع من التعاون معها ؟ وإن كان : فما وجه الاعتراض على هذه المبادئ السامية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ينبغي على المسلم أن لا يغتر بمنظمات ما يسمى " حقوق الإنسان " الغربية والأوربية ؛ فهي وإن كان ظاهر أمرها نصرة المستضعفين ، والوقوف ضد التعذيب والحط من كرامة الإنسان في السجون ومراكز الاعتقال – وهي أمور جيدة في الجملة - : إلا أن لها وظائف أخرى ، ومبادئ تنطلق من خلالها تسعى فيها لتدمير الأسرة ، وفتح المجال للطعن في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم ، وسائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام ، وتقف في وجه الأحكام الشرعية التي تقيم حد الرجم على الزاني ، والقتل على المرتد ، والقطع على السارق ، - من حيث التشريع ، ومن حيث التطبيق وهي نادرة أو قليلة - ، وتحارب هذه المنظمات الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة من حيث وجوب موافقة الولي في زواجها ، ومن حيث أمرها بالحجاب ، ونهيها عن الاختلاط ، وغير ذلك كثير من مبادئها التي تزعم فيها تحرير الإنسان من التكاليف الشرعية ، وتجعل الإنسان حرّاً في تصرفاته ، لا يتقيد بعادات فاضلة ، ولا أحكام شرعية سامية .
إن ملخص ما تدعو إليه هذه المنظمات : أن يفعل الإنسان ما يشاء من الشذوذ الأخلاقي ، فيقفون مع السحاقيات واللوطيين والجنس الثالث ، والشذوذ الديني ، فيجعلون من حق الإنسان أن يكفر بما يشاء من الأديان ، وأن يعبِّر عن رأيه – ولو تعلق بأنبياء – دون خوف أو وجل ، ويساهمون – كذلك - في تحرر المرأة من قيود الأب والزوج والدِّين .
ثانياً:(/1)
وهذه بعض المواد التي اعتمدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والذي أقرته هيئة الأمم في 10 / 12 / 1948 م ، - وقد نقلناها من موقعهم - :
1. المادة 2 :
" لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان ، دونما تمييز من أي نوع ، ولا سيما التمييز بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي ، سياسيّاً ، وغير سياسي ، أو الأصل الوطني ، أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو المولد ، أو أي وضع آخر ...
انتهى
المادة 18 :
" لكل شخص حق في حرية الفكر ، والوجدان ، والدين ، ويشمل هذا الحق : حريته في تغيير دينه ، أو معتقده ، وحريته في إظهار دينه ، أو معتقده ، بالتعبد ، وإقامة الشعائر ، والممارسة ، والتعليم ، بمفرده ، أو مع جماعة ، وأمام الملأ ، أو على حدة " .
انتهى
المادة 19 :
" لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق : حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفى التماس الأنباء ، والأفكار ، وتلقيها ، ونقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة ، ودونما اعتبار للحدود .
انتهى
والحقوق والحريات المزعومة التي يدعون لها ليتمتع بها الإنسان بغض النظر عن دينه : تجعل الموحد والمشرك متساويين في تلك الحقوق والحريات ، وتجعل عبد الله وعبد الشيطان في سياق واحد ، وتكفل لكل عابد حجر أو وثن أو شخص أن يُعطى حقه وحريته كاملتين ليتمتع بكفره وإلحاده ، وهذا مرفوض في شرع الله تعالى في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم/ 35 ، 36 .
وقال تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/28 .
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) السجدة/18 .(/2)
وهي دعوة لإلغاء حكم الردة ، ودعوة لإظهار شعائر الكفر والإلحاد ، ودعوة لفتح الباب أمام كل من يريد انتقاد الإسلام ، أو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، وله الحرية في النقد والتعبير دون مضايقة أو منع .
وهي مبادئ فاسدة ، إن كانت تناسب حياتهم وقيَمهم ودينهم : فهي لا تناسبنا ، وهي مخالفة لشرعنا المطهَّر ، والذي جاء بالأحكام التي تصلح حياة الفرد والمجتمعات ، وتؤسس للأخلاق الفاضلة ، فتحفظ العقول والأعراض والأبدان والأموال ، وتدل الناس على الدين الذي يحبه الله تعالى ويرضاه لهم .
2. المادة 3 :
" لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه " .
انتهى
ومن هذه المادة انطلقت دعوات تلك المنظمات لحماية المجرمين من الإعدام ، وراحت تشهر بالدول التي تقيم حدَّ الله بالرجم للزناة المحصنين ، والقتل للمحاربين والمفسدين في الأرض ، وتفتخر هذه المنظمات الآن بأنها أقنعت كثيراً من الدول بإلغاء عقوبة الإعدام في حق القتلة والمغتصبين والمجرمين ، وهذا مخالف للفطرة ، والعقل ، والشرع ، وهي رسالة طمأنة لهؤلاء المجرمين بأن حياتهم لن تزهق بسبب أفعالهم ، وهذا من الإفساد في الأرض .
وهم يدعون لأن يكون للفرد " حق في الحياة والحرية " أي حياة وأي حرية ، ولو كانت حياة البهائم ، ولو كانت حرية تؤدي إلى الفساد والأمراض والإخلال بالأمن في الأسرة والمجتمع .
3. المادة 16 :
" 1. للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج ، وتأسيس أسرة ، دون أي قيد بسبب العرق ، أو الجنسية ، أو الدين ، وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج ، وخلال قيام الزواج ، ولدى انحلاله " .
انتهى(/3)
وفي هذه المادة إبطال لدور ولي المرأة الذي يحفظ للمرة حقها في الزواج ، ويساهم مع ابنته أو أخته في حسن الاختيار ، والسؤال عن دين وخلق المتقدم للزواج ، ومن حكمة الله تعالى أن شرع هذا ، ولو جُعل الزواج للمرأة دون موافقة وليها : لرأيت أكثر البنات قد تزوجن من يعاكسهن ويغازلهن من الذئاب البشرية ، الذين يحرصون على سلب عفتها ، ثم إلقائها في أقرب حاوية قمامة !
وقد جعلوا الحق في الطلاق للزوجة كما هو الحق للزوج ! وهذا ما سبَّب فساد النساء على أزواجهن ، وساهم في تخريب بيوتهن ، ومن يعلم طبيعة الرجل والمرأة لا يمكن أن يهذي بمثل هذا الهذيان ، وليست بيوت أولئك عامرة أصلا حتى نقول انظروا كيف هدموها ، فمن يدعو لزواج المثليين ، وحق المرأة في مصاحبة الرجال ، وحقها في الزواج والطلاق : فأي بيوت يمكنها أن تقوم بهذه المبادئ التافهة ؟ وأي أسرة يمكن أن تنشأ ؟ .
مع التنبيه أن تقارير هذه المنظمات تستغل سياسيّاً للتضييق على الدول الإسلامية التي تراعي الفضيلة والحشمة والأخلاق ، أو تطبق أحكام الشريعة أو تطبق جزءً منها ! وقد ألغت بعض الدول الإسلامية عقوبة الإعدام ، وشددت في قوانين الزواج المبكر للجنسين ، وراعت جانب المرأة في الخلع والنفقة ، وغير ذلك ، مما سبَّب فساداً وشرّاً مستطيراً في جوانب كثيرة من الحياة .(/4)
رقم السؤال:
97828
العنوان:
تشترط عليهم الدولة فتح حساب في بنك وليس عندهم بنك إسلامي
السؤال:
أريد أن أؤسس شركة صغيرة , أخدم بها أهلي وأمتي , لكن في بلادنا لابد أن يكون للمؤسِّس لشركة ما "حساب بنكي" , مع العلم أنه لا يوجد بنك بدون ربا ، فما العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
الربا من أكبر الكبائر ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء فيه من الوعيد ، ما لم يأت في غيره من المعاصي .
ووضع الأموال في البنوك بفوائد هو الربا الذي حرمه الله ورسوله .
ولكن إذا اضطر المسلم إلى وضع أمواله في البنوك الربوية لعدم وجود بنك إسلامي ، أو لأن الشركة التي يعمل بها تلزمه بذلك لتحول له الراتب على حسابه بالبنك ، أو لأن الحكومة تلزمه بذلك ، أو نحو ذلك من الأعذار ، فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله ، ولكن بشرط ألا يأخذ فوائد على هذه الأموال الموضوعة في البنك .
فإن كان نظام البنك لا يسمح بذلك ، بل لا بد أن يعطيه فوائد ، فيلزمه إذا أخذها أن يتخلص منها ، وينفقها في وجوه الخير المختلفة .
وهذه فتاوى أهل العلم في هذه المسألة :
1- قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"يحرُم الإيداع في البنوك الربوية إلا عند الضرورة وبدون فائدة" انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 384 ) .
وقالوا أيضاً :
"الفوائد الربوية من الأموال المحرمة ، قال تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين ، ومن ذلك : إنشاء الطرق , وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 354 ).
2- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"أما كونه يحفظ ماله في البنك للضرورة ، لعدم وجود مكان يحفظه فيه ، أو لأسباب أخرى وبدون ربا ، أو يحوله بواسطة البنك : فلا بأس بذلك إن شاء الله ، ولا حرج فيه" انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 290 ) .(/1)
3- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق : فلا بأس , يفتح حساباً ، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني : لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا : فلا بأس" انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 111 / السؤال رقم 10 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97837
العنوان:
الجمع بين الظهر والعصر لأجل المناورات العسكرية
السؤال:
نعمل في القطاع العسكري ( القوات المسلحة ) ونقوم من فترة إلى أخرى بإجراء ما يعرف بالمناورات الحربية التي غرضها التدريب البحت ، ونظراً لأن طبيعة تلك المناورات الحربية تقوم على مشابهة المعركة الحقيقية من حيث استخدام الذخيرة الحية وما يعرف في العرف العسكري بالتكتيك الحربي ومن حيث التوقيتات المسماة بساعة الصفر والتي يراد بها بدء العملية الحربية والتي يكون فيها الجنود قد اتخذوا مواقعهم حسب الخطة سواء على الأرض أو داخل الآليات الحربية وبعدها لا يسمح لأحد بمغادرة موقعه تماما كما في الحرب مهما كانت الظروف ، ويتخلل العملية رماية بالذخيرة الحية قد تطول لمدة طويلة من الوقت وكأنهم في مجابهة عدو حقيقي ، الجدير بالذكر أن ما سبق من تلك العمليات بتفصيلها المذكور يتعارض في كثير من الأحيان مع وقت الصلاة لفرض أو فرضين وربما أكثر ، والمشكلة التي تواجهنا دائما في أثناء القيام بالمناورة الحربية عدم القدرة على أداء الصلاة في وقتها جماعة فمثلا: عملية مناورة بدأت الساعة 11,00صباحا واستمرت إلى ما قبيل غروب الشمس وتخللها فرضا الظهر والعصر لكن لا أحد يستطيع التوقف أثناء الرماية لأداء كل صلاة في وقتها فالسؤال هنا : هل يجوز الجمع في مثل هذه الحالة علما أنه قد يترتب على التوقف لأداء كل صلاة في وقتها فشل التمرين من الناحية التقييمية ؟
الجواب:
الحمد لله(/1)
يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما أو تأخيرا في مثل هذه الحالة ؛ " لأن الجمع رخصة كل ما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع ، ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر قيل له : ما أراد بذلك ؟ قال : أن لا يحرج أمته . أي أن لا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
وعليكم مناصحة المسئولين عن هذه التدريبات أن يختار لها الوقت الذي لا يتعارض مع الصلاة ، بحيث يمكن الجنود أن يجمعوا بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم أو تأخير .
ورضي الله عن عمر بن الخطاب فقد كتب إلى ولاته على البلدان ( إن أهم أمركم عندي الصلاة ، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع ) رواه مالك في الموطأ (6)
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97842
العنوان:
تمنعهم أمهم من أخذ نصيبهم من تركة والدهم ، ومسائل في العدل في العطية
السؤال:
توفى رجل وترك زوجة و3 أبناء ( 2منهم تحت سن 21 يعني : قُصََّر) وبنتين ، زوّج الأب بنتاً واحدة فقط من أولاده الخمسة قبل وفاته ، والابنة الأخرى وواحد من الأولاد الذكور أنهوا دراستهم ، ويعملون الآن ، أما الولدان الآخران فما زالا في مرحلة الدراسة . كانت الأم تعمل مع الأب ، ويضعوا مرتباتهما هما الاثنان مع بعض بموافقة الزوجة طبعاً ( فهي كانت موافقة ، وكانت تقول له : المهم أن مكافأة نهاية الخدمة تكون لي ، وهذا ما حدث ) ثم يأخذ الزوج ما يدخرونه ويشتري عقارات باسمه هو . الأسئلة : هل عندما يقسم الورثة مال أبيهم هل يضعوا في الاعتبار مرتبات أمهم السابقة ، ويفصلونها بعيداً عن التركة ، ثم يتم توزيع التركة عليهم جميعاً ؟ ( أي : الزوجة و3 أبناء وبنتان ) ، تقول الأم : إنه لن يتم تقسيم تركة أبيكم إلا أن ينهي الجميع دراسته ، ويتم تزوجهم ، كما زوَّج أبيكم أختكم الكبرى ، ثم بعد ذلك سيتم توزيع التركة شرعاً ( للذكر مثل نصيب البنتين ) فهل هذا جائز ؟ ومتى يتم شرعاً تقسيم التركة ؟ الزوجة لا تريد أحداً من الأبناء معرفة ما هي تركة أبيهم بالضبط كي لا يأتي أحد منهم عندما تقرر القسمة ويقول نصيبي كان أكثر من ذلك فهل هذا جائز ؟ قبل أن يتوفى الأب اشترى سيارة وكتبها باسم ابنه الكبير نزولا على رأى زوجته بحجة أن منصب ابنه يسمح له إذا تمت عملية سحب للرخص أن يسترجعها بسهوله ، وكان الأب ينوى أن يشتري لكل من أبنائه سيارة بنفس ثمن سيارة أخيهم ويشتري للبنت غير المتزوجة أيضا سيارة ، ولكن بنصف الثمن ، وقد دفع لإحضار سيارتها أكثر من نصف الثمن ثم توفي ، ويعطي للبنت المتزوجة نصيبها هي الأخرى ، ولكن بعد وفاة الأب قالت الأم : إن السيارة للابن الكبير ، وأبوه اشتراها له ؛ لأنه ابن بار به ، والأب حر في التصرف في ماله ويعطى(/1)
أي أبنائه ما يشاء ، ما دام هذا الابن بارّاً ، وبالنسبة لسيارة البنت التي تم دفع أكثر من نصفها سحبت الأم هذه النقود بحجة أنها لا تستطيع أن تكمل الباقي ؛ لأنها إذا سحبت نقوداً من البنك سيتم تحويل الميراث كله للمجلس الحسبي الذي سيقوم بحجب نصيب القصَّر على جنب ، ولا تستطيع التصرف في نصيب القصَّر إلا بالرجوع للمجلس الحسبي ، فهل هذا جائز ؟ من الأسباب التي تتخذها الأم لعدم قسمة الميراث - كما قلت لسماحتكم - المجلس الحسبي ، حيث تقول على القصَّر : هل يعقل أن أظل أصرف عليهم حتى يبلغوا ، ثم بعد ذلك عند بلوغهم يأخذون نصيبهم كله دون أي اعتبار لما صرفته عليهم فيما سبق من حسابي حتى بلغوا ؟ وقد طلبت الأم من أبنائها الثلاثة الراشدين بعد وفاة أبيهم عمل توكيل رسمي لها شامل لكي تستطيع التصرف في الميراث ، وستطلب من القصَّر عند بلوغهم ذلك أيضاً ، فما حكم الإسلام في كل نقطة ؟ . وجزاكم الله عنَّا وعن الإسلام خيراً ، وجعل الله عملكم خالصاً لوجهه الكريم ، وفي ميزان حسناتكم ، وأنا فعلاً أعتذر عن الإطالة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الأصل في مال الزوجة أنه مِلك لها ، ولا يحل لزوجها أخذه ، أو أخذ شيءٍ منه إلا بطيب نفسٍ منها ، وقد حرَّم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل ، وأذن للزوج أن يأخذ من مال زوجته إن تنازلت عن شيء منه بطيب نفْس ، لا بإكراه ولا بإحراج .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/ 29 .
وقال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) النساء/4 .
ثانياً:(/2)
بذل الزوجة راتبها لزوجها عن طيب نفس هو تبرع منها يمتلكه الزوج بقبضه ، وعلى هذا فلا يراعى مرتبات الأم السابقة التي أعطتها لزوجها ، لأنها لم تكن قرضاً حتى تستردّها من التركة .
ثالثاً:
إذا مات المورّث : فإن أمواله تنتقل بموته للورثة مباشرة ، ولا يجوز لأحدٍِ أن يُخفي التركة عن الورثة ، ولا يجوز لأحدٍ أن يعطِّل قسمة الميراث ، فإن اتفق الورثة على عدم تقسيم التركة كلها أو بعضها فلا حرج في ذلك ، فإن رغب واحد منهم في حصته فيجب أن يعطى له نصيبه من الميراث ، فإما أن يباع العقار ويُعطى نصيبه منه ، أو يشتري أحد الورثة – أو كلهم – نصيبه ، فيدفعون له ثمن حصته من الميراث ، دون ظلم أو بخس .
وينظر جواب السؤال رقم ( 4089 ) .
رابعاً:
الواجب على الأب والأم أن يعدلوا بين أولادهم في العطية ، ولا يجوز لهم تفضيل أحدهم على الآخر ، ولو كان هذا المفضَّل بارّاً بوالديه ، لكن لهما أن يفضلا أحد الأولاد إذا وجد سبب شرعي يقتضي ذلك ، كما لو كان صاحب عائلة كبيرة لا يستطيع النفقة عليها ، أو كان معاقاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36872) .
فإن أعطى أحد الوالدين أحداً من أولادهم عطية دون الآخرين : وجب عليهم استردادها ، ووجب على الولد إرجاعها وعدم قبولها .
ومنه يُعلم : أن السيارة التي اشتراها الوالد لابنه : لا يحل له أخذها ، وادعاء حاجة الابن للسيارة يمكن علاجها بشراء الأب سيارة ليركبها ابنه ، لكن لا تكون ملكاً له ، بل تكون مِلكاً للأب ، حتى إذا مات الأب : صارت من التركة .
فليس للابن إلا أن يجعل السيارة التي اشتراها له والده في التركة ، أو يقدِّر ثمنها ، ويتملكها خصماً من نصيبه في الميراث ، وإذا سمح الورثة له بتملكها : صارت ملكاً له .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله – عن مسألة مشابهة :(/3)
" أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً ... فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضاً دون إخوته ، وإذا قدِّر أنه أعطاه : فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه ، أو يرد الأرض ، وتكون من جملة المال الذي يورَث من بعده ، فإن مات قبل ذلك : فإن سمح الأولاد بهذه العطية : فهي ماضية نافذة ، كما لو سمحوا بها في حياته ، وإن لم يسمحوا بها : فإنها ترد في الميراث ، وتورث من جملة ماله "
" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 1 ) .
وقال – رحمه الله – فيمن احتاج أحد أبنائه سيارة :
أنه يشتري سيارة لينتفع بها الابن ولكن تكون ملكاً للأب ، لأن الابن يحتاج إلى الانتفاع بها فقط .
وانظر " لقاءات الباب المفتوح " ( 73 / السؤال رقم 27 ) .
خامساً:
كما يجب على الوالديْن العدل في النفقة التي لها سبب إن تكرر السبب نفسه مع غيره من الأولاد ، فإذا زوَّج أحد أولاده : وجب عليه تزويج باقي أولاده إن احتاجوا إلى الزواج ، وكان عند والديه المقدرة على تزويجه ، ولا يشترط أن تتساوى التكلفة ، فقد يكلِّف زواج أحدهم ما لا يكلفه الآخر ، ولا يحل للوالدين إذا زوَّجا أحد أولادهم أن يبذلوا تكلفة الزواج مالاً لباقي أولادهم ، وبعد الوفاة لا يحل أخذ هذا المال من التركة وإعطائه للأولاد الذين لم يتزوجوا في حياة أبيهم ، إلا إذا رضي الورثة بذلك .
وما قلناه في التزويج نقوله في العلاج ، والتعليم ، وغيرهما .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :(/4)
الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى الآخرين مثله ؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير عطية ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُشهده على عطية ابنه ، فقال له : ( ألك بنون ؟ قال : نعم ، قال : أنحلتهم مثل هذا ؟ قال : لا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ، وقال له أيضاً : ( أَشْهِد على هذا غيري ؛ فإني لا أشهد على جور ) ، فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء إلا إذا أعطى الآخرين مثله ، أو إذا سمحوا ، وطابت نفوسهم عن اختيار ، ورضا ، وهم راشدون ، فإن هذا أيضاً لا بأس به ، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة ، أو حاجة الزواج ، مثل أن يكون أحدهم غنيّاً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه ، والثاني فقيراً يحتاج إلى نفقة أبيه ، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته ، فإن ذلك جائز ، وإن لم يعط الآخر الغني ، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوَّجه ؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه ، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوَّج الأول .
وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس ، وهي : أنه يكون له أولاد بلغوا سن الزواج ، فيزوجهم ، ويكون له أولاد صغار ، ولم يبلغوا سن الزواج ، فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم : فإن هذه الوصية حرام ، وباطلة ؛ وذلك لأن تزويجه للكبار كان دفعاً لحاجتهم ، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سنّاً يحتاجون فيه للزواج ، فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين : فإن ذلك حرام ، ولا يصح ، ولا تنفذ الوصية .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 1 ) .
وقال – رحمه الله - :(/5)
لا يجوز للرجل إذا زوَّج أبناءه الكبار أن يُوصي بالمهر لأبنائه الصغار ، ولكن يجب عليه إذا بلغ أحد من أبنائه سن الزواج أن يزوِّجه كما زوَّج الأول ، أما أن يوصي له بعد الموت : فإن هذا حرام ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / جواب السؤال رقم 296 ) .
وعليه : فما تقوله الأم من تأخير تقسيم التركة حتى يتم تزويج الباقي من أولادها وإتمامهم دراستهم أمرٌ منكر ، ولا يحل لها فعله ، ولا يحل للأولاد قبوله .
سادساً:
لا يلزم الأولاد عمل توكيل لأمهم للتصرف في التركة ؛ لأنها لا تملك إلا نصيبها ، وإن أرادوا توكيلها في نصيبهم فلهم ذلك ، وقد بيَّنا أنه لا يجوز للأم التحكم في التركة ، وفي نصيب أولادها ، بل عليها فتح المجال لتقسيمها وفق الشرع إذا طلب الأولاد ذلك .
وأما النفقة على الأولاد : فإن الأم ليست ملزمة بالنفقة عليهم إلا أن يكونوا لا يملكون مالاً ، وتكون هي قادرة على الإنفاق عليهم ، وأما مع تملكهم للمال فإن النفقة تكون في أموالهم .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
97844
العنوان:
الجمع بين الصلاتين للمرض
السؤال:
مريض مصاب بسرطان المعدة ، وترك في جسمه فتحة عند البطن يخرج منها العصارات والفضلات ـ أكرمكم الله ـ يسأل إن كان يجوز له أن يجمع الصلاتين .
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز له الجمع بين الصلاتين ، فيجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، تقديماً أو تأخيراً حسب الأيسر له ، فإن المشقة الحاصلة بسبب المرض من الأعذار المبيحة للجمع بين الصلاتين ، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة وهي التي ينزل منها الدم في غير أيام عادتها ، رخص لها أن تجمع بين الصلاتين . رواه أبو داود (287) والترمذي (128) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
والاستحاضة نوع مرض واحتج الإمام أحمد على جواز الجمع بين الصلاتين للمريض بأن المرض أشد من السفر ، واحتجم بعد الغروب ثم تعشى ثم جمع بين صلاتي المغرب والعشاء . اهـ " كشاف القناع" (2/5)
تنبيه :
ويجب التنبه إلى أن المريض الذي جاز له الجمع بين الصلاتين فإنه يصلي كل صلاة تامة من غير قصر ، فإن القصر لا يجوز إلا للمسافر ، فما يظنه بعض الناس من أنه إذا جمع بين الصلاتين وهو في بلده بسبب المرض فإنه يقصر أيضاً ، فهذا الظن ليس بصحيح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والقصر سببه السفر خاصة ، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر ، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل ، وكذلك الجمع للمطر ونحوه ، وللمرض ونحوه ، ولغير ذلك من الأسباب ؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/293).
ونسأل الله تعالى أن يشفي مرضى المسلمين ، وأن يرزقهم الصبر والرضا ويخلف لهم خيراً .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97846
العنوان:
التعامل ببطاقة الفيزا الربوية مع العزم على عدم التأخر في السداد
السؤال:
سؤالي هو هل يجوز ما يسمى ببطاقة فيزا الإسلامية التي تصدرها بنوكنا المحلية ، حيث أني سمعت أن أحد المفتين أفتى بجواز أخذ هذه الفيزا طالما لا يتم استعمالها في السحب النقدي وينحصر استعمالها في شراء البضائع ، وعند اتصالي بأحد هذه البنوك للاستفسار أخبروني أنه لا رسوم على شراء البضائع إلا إذا تم إرجاع مالهم على دفعات شهرية وليس في نفس الشهر والسبب كما يقولون أن هذه مرابحة ، وأنا لا أدري كيف تكون مرابحة وهم لم يمتلكوا هذه السلعة وأما السحب النقدي فهم يقولون أنهم يأخذون على كل مبلغ نقدي يتم سحبه زيادة نقدية ، وسؤالي هو كالأتي : أنا عندي نية تامة في حالة جواز امتلاك هذه البطاقة أن لا أسحب بها نقودا وأن أدفع كامل المبلغ لهم في نفس الشهر في حالة شرائي سلعة فهل يجوز لي أخذ هذه البطاقة وهل آثم إذا وقعت على عقد الإصدار لكونه يحتوي على شروط ربوية باطلة كشرط دفع الزيادة في حالة السحب النقدي ؟ أفتوني مأجورين
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير الشرعية التالية :
1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد .
2- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاه ، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط، ، وما زاد على ذلك فهو ربا .
3- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية ، بالبطاقة غير المغطاة .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن ، وفيه بيان هذه المحذورات ، راجع السؤال رقم (97530)
ثانيا :
لا يجوز التوقيع على العقد الربوي ولا الدخول فيه ، ولو كان الإنسان عازما على السداد في الوقت دون تأخير ؛ لأن العقد المحرم لا يجوز إقراره ، ولأنه قد يتأخر الإنسان في السداد لظرف ما ، من نسيان أو مرض أو غيره ، فيقع في الربا .(/1)
قال في الإنصاف (4/473) : " فائدة : يحرم تعاطيهما عقداً فاسدا . فلو فعلا : لم يملك به ، ولا ينفذ تصرفه ، على الصحيح من المذهب " انتهى .
وعليه ، فلا ينبغي لك الإقدام على الدخول في نظام البطاقة من غير ضرورة ؛ أولا لأنك سوف تضطر إلى التوقيع على شروط باطلة ، وثانيا لأن البطاقة ، وإن كان في نيتك ألا تستخدمهما في سحب الأموال ، وما يترتب على ذلك من دفع الزيادة الربوية ؛ فنفس البطاقة صالحة لذلك ، والإنسان يحتاط لفنسه ، ولا يعرضها لمواطن الفتن ، وفتنة المال من أشدها .
وانظر إجابات الأسئلة ( 13735 ) و ( 13725 ) و ( 3402 ) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97879
العنوان:
حكم الاحتفال بالحاج بعد عودته وتزيين البيت
السؤال:
ما حكم الاحتفال بالحاج بعد عودته وتزيين البيت له والقول له " حجاً مبروراً " وعمل حفلة خاصة بالحدث ؟ هل يعد ذلك من البدع المحدثة مع الدليل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لم يرد في تزيين البيت بالأشجار والأضواء لقدوم الحاج شيء في السنَّة النبوية ، ولا مِن فعل الصحابة رضي الله عنهم ، وقد أفتى بعض المعاصرين من أهل العلم بعدم جواز هذا الفعل ، وذكروا للمنع أسباباً ، منها :
1. أن هذا الفعل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهو بدعة .
2. أن فيه شبهة الرياء .
3. أن فيه إسرافاً للمال .
والذي يظهر لنا بالتأمل : أن هذا الفعل جائز ، وأن ما ذكره أولئك العلماء الأفاضل لا يقوى لتحريم تزيين البيت لقدوم الحاج ، ويمكن الرد على ما قالوه بأمور :
الأول : أن هذا الفعل من العادات ، وليس من العبادات ، وعليه : فلا وجه للمنع منه بحجة عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه له ، إذ المعلوم أن الأصل في العادات : الحل ، والإباحة ، وعلى من منع منها الدليل .
الثاني : أن غالب ما يُفعل من الزينة إنما هو شيء يسير ليس فيه تكلفة باهظة ، وما رأيناه من الناس أنهم يضعون بعض أجزاء من الأشجار الخضراء ، ونصب خشبي غالباً ما يكون عندهم أصلاً ، ولم نرَ محلاتٍ تتخصص في بيع هذه الأشياء ، فدلَّ ذلك أنها ليست ذات تكلفة حتى يُمنع الناس منها ، نعم يمكن أن يقال هذا في بعض أهل النعمة والمال ، لكن حتى هذا قد يرد عليه بأنهم يملكون المال الذي يجعل ما يفعلونه غير داخل في الإسراف .
الثالث :
أنه لا يلزم الرياء بمجرد هذه الأفعال : فإن الحج ليس من العبادات الخفية حتى يُخشى من مجرد إظهارها الرياء ، بل يتطرق الرياء إلى إظهار التبذل ورثاثة الهيئة وترك الزينة ، كما يتطرق إلى إظهار الزينة والفرح بقدوم الحاج ، والمدار في ذلك على نية الفاعل وما قام بقلبه.(/1)
فالظاهر : أن هذا التزيين داخل في العادات ، والأصل فيها الإباحة ، وليس مع من حرَّمه شيء يقوى لمقابلة القول بالإباحة .
ثانياً:
وأما الاحتفاء والاحتفال بالقادم من الحج ، وصنع الطعام له : فالظاهر – أيضاً – جوازه ، بل لو صنع القادمُ من الحج نفسه طعاماً ودعا الناس إليه كان جائزاً : فكيف لا يقال بجواز صنع الناس له الطعام ؟! .
وقد ثبت في السنَّة النبوية احتفاء الصحابة بقدوم المسافر ، سواء كان سفر حج ، أو عمرة ، أو تجارة ، أو غير ذلك .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ – أي : في فتحها - اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَحَمَلَ وَاحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ .
رواه البخاري ( 1704 ) في كتاب العمرة , وبوَّب عليه : باب استقبال الحاج القادمين ، والثلاثة على الدابة .
وقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِابْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ . رواه البخاري ( 2916 ) .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِنَا .
قَالَ : فَتُلُقِّيَ بِي وَبِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ . قَالَ : فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْآخَرَ خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ . رواه مسلم ( 2428 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
يستحب النقيعة ، وهي طعام يُعمل لقدوم المسافر ، ويطلق على ما يَعمله المسافر القادم ، وعلى ما يعمله غيرُه له ، ... ومما يستدل به لها : حديث جابر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من سفره نحر جزوراً أو بقرةً " رواه البخاري .(/2)
" المجموع " ( 4 / 400 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ظاهرة تنتشر في القرى خاصة بعد عودة الحجاج من مكة .
الشيخ :
السنة هذه ؟ .
السائل :
كل سنة تقريباً ، يعملون ولائم يسمونها " ذبيحة للحجاج " أو " فرحة بالحجاج " أو " سلامة الحجاج " ، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي ، أو لحوم ذبائح جديدة ، ويصاحبها نوع من التبذير ، فما رأي فضيلتكم من الناحية الشرعية ، ومن الناحية الاجتماعية ؟ .
الشيخ :
هذا لا بأس به ، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم ؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم ، ويشجعهم أيضاً على الحج ، لكن التبذير الذي أشرت إليه والإسراف هو الذي ينهى عنه ؛ لأن الإسراف منهي عنه ، سواء بهذه المناسبة ، أو غيرها ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأنعام/141 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) الإسراء/27 ، لكن إذا كانت وليمة مناسبة ، على قدر الحاضرين ، أو تزيد قليلاً : فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية ، ومن الناحية الاجتماعية ، وهذا لعله يكون في القرى ، أما في المدن فهو مفقود ، ونرى كثيراً من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم ، لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد ، ولا بأس به ، وأهل القرى عندهم كرم ، ولا يحب أحدهم أن يُقَصِّر على الآخر .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 154 / السؤال رقم 12 ) .
ثالثاً:(/3)
ولا حرج على المهنئين بسلامة الحاج أن يقولوا من العبارات ما يشاءون ، على أن تكون مباحة في الشرع ، ودالة على المقصود منها ، نحو " تقبل الله طاعتكم " أو " تقبل الله حجكم " أو " حجّاً مبروراً وسعياً مشكوراً " ، وقد جاءت أحاديث وآثار ضعيفة فيما يقال للحاج بعد رجوعه ، ولا نُثبتها من حيث السند ، لكن لا بأس من استعمال ما فيها من أدعية ، ومِن ذلك : " قَبِل الله حجَّك ، وغفر ذنبَك ، وأخلف نفقتَك " ، و " تقبل الله نسكك ، وأعظم أجرك ، وأخلف نفقتك " ، والأمر في ذلك واسع – ولله الحمد - .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
97880
العنوان:
حكم الشراء من منتجات شركة DXN والاشتراك في نظامهم التسويقي
السؤال:
أنا استخدم منتج DXN من شركة ماليزيا ، وشاهدت نتائجه الصحية على بعض الناس ، ولكن أسأل عن حكمه من الناحية الشرعية ، حيث إنه عند اشتراكك في الشركة تصبح عضواً فيها ، ولك فيها أسهم ، وتقوم أنت بالتالي ببناء شبكة ، وبعد الوصول عند مستوى معيَّن يكون لك مبلغ من المال شهريّاً ، ويزداد هذا المبلغ بزيادة نشاطك .
الجواب:
الحمد لله
يجوز الشراء من هذه الشركة وأمثالها ممن يبيع بضائع لها قيمة حقيقية تعادل المنتج ، دون أن يكون فيها زيادة لأجل الاشتراك في التسويق ، ولكن لا يجوز الاشتراك في نظامهم التسويقي ، والمسمى " التسويق الشبكي " ، ويسمى – أيضاً - " التسويق الهرمي " ؛ لأن هذا النظام قائم على الغرر وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد منعت دول إسلامية وغير إسلامية هذا النظام التسويقي ، وحذَّرت الناس من المساهمة فيه .
وقد اطلعنا على موقعهم ، ورأينا ما يبيعونه ، ورأينا نظامهم التسويقي ، وهو عينه الذي ذكرناه .
وقد بيَّنا في أجوبة متعددة حكم المشاركة في هذا النظام التسويقي ، فانظر :
أجوبة الأسئلة : ( 42579 ) و ( 40263 ) و ( 45898 ) و ( 40263 ) و ( 46595 ) .(/1)
رقم السؤال:
97881
العنوان:
شروط جواز احتجام النساء عند الرجال
السؤال:
أنا شاب عندي 24 سنة ، أجيد - بفضل الله - إجراء الحجامة ، يسألني البعض إجراء الحجامة لنسائهم ، أو أخواتهم ، لكنني أمتنع ، ويلحون عليَّ ، متحججين بما يفعله الأطباء في عصرنا الحالي . فهل يجوز أن أجري الحجامة لهن ؟
الجواب:
الحمد لله
الحجامة نافعة بإذن الله تعالى في الوقاية والعلاج ، وهي مما رغَّبت الشريعة بفعله للرجال والنساء ، وقد جاء في السنة النبوية الصحيحة الإخبار بأن فيها شفاء ، ووقاية ، وثبت احتجام النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت احتجام أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها .
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِجَامَةِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُِمَهَا .
قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلاَمًا لَمْ يَحْتَلِمْ . رواه مسلم ( 2206 ).
والأصل أن يقوم الرجل بحجم الرجل ، والمرأة بحجم المرأة ، وليست الحجامة من الأعمال التي يصعب تعلمها وممارستها للنساء .
ولو فُرض عدم توفر من يقوم بالحجامة للنساء ممن هو من بنات جنسها : فإنه يجوز للرجل أن يباشر حجامة النساء ، لكن بشروط ، وهي :
1. أن تكون هناك حاجة أو ضرورة للعلاج بالحجامة .
2. أن لا تحصل خلوة بين الرجل والمرأة التي يعالجها ، فإما أن يوجد أحد محارمها أو امرأة من محارم الرجل المعالج أو امرأة أخرى بشرط أن تكون الفتنة مأمومة .
3. أن لا يكشف الحجَّام عن أكثر من الموضع المراد حجمه ، فحيث جاز لها المعالجة للضرورة فإن الضرورة تقدَّر بقدرها .
4. أن لا يمس الحجام شيئاً من بدن المرأة ، بل يلبس القفازين بحيث يكون هناك حائل بينه وبين مس بدنها ، إلا أن يضطر للمس .(/1)
5. أن يقدّم الحجام المسلم على غيره ، ويقدم غير البالغ – إن وُجِد – على البالغ .
6. أن يكون الحجَّام مأمون الجانب من حيث خُلُقُه ، وأمانتُه ، فإن كان معروفاً بفسق أو فجور : لم يجز الاحتجام عنده .
7. أن يأمن الحجام من فتنته بالنساء ، أو فتنة النساء به ، فإن شعر بشيء من ذلك وجب عليه الامتناع عن معالجة النساء .
وهذه فتاوى لبعض أهل العلم في المسألة :
أ. بوَّب الإمام أبو حاتم بن حبان في كتابه " التقاسيم والأنواع " على حديث احتجام أم سلمة بقوله :
" ذِكر الأمر للمرأة أن يحجمها الرجل ، عند الضرورة ، إذا كان الصلاح فيهما موجوداً " .
مع التنبيه أن بعض العلماء ردَّ قول أحد رواة حديث أم سلمة : إن أبا طيبة كان أخاها من الرضاعة ، أو كان غلاماً لم يبلغ الحلم ، ومن هؤلاء العلماء : ابن حزم في كتابه " المحلى " ( 10 / 33 ) .
ب. قال الشربيني الخطيب الشافعي رحمه الله وهو يذكر أقسام نظر الرجل إلى المرأة :
" النظر للمداواة كحجامة وعلاج ، ولو في فرج ، فيجوز إلى المواضع التي يحتاج إليها فقط ؛ لأن في التحريم حينئذ حرجاً ، فللرجل مداواة المرأة ، وعكسه ، وليكن ذلك بحضرة محرم ، أو زوج ، أو امرأة ثقة ، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك ، وأن لا يكون ذميا مع وجود مسلم ، ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما: فالظاهر أن الكافرة تقدم لأن نظرها ومسها أخف من الرجل.... وقيد في " الكافي " الطبيب بالأمين ، فلا يعدل إلى غيره مع وجوده ، وشرط الماوردي أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة " انتهى باختصار.
" الإقناع " ( 2 / 69 ) .
ج. وقال الشربيني الخطيب – أيضاً – في سياق ذِكر من يطلع على عورة المرأة للضرورة - :(/2)
" رتب البُلقيني ذلك فقال : فإن كانت امرأة : فيعتبر وجود امرأة مسلمة ، فإن تعذرت : فصبي مسلم غير مراهق ، فإن تعذر : فصبي غير مراهق كافر ، فإن تعذر : فامرأة كافرة ، فإن تعذرت : فمحرمها المسلم ، فإن تعذر : فمحرمها الكافر ، فإن تعذر : فأجنبي مسلم ، فإن تعذر : فأجنبي كافر " انتهى .
" مغني المحتاج " ( 4 / 216 ، 216 ) .
د. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
عن حكم كشف عورة المرأة للرجل عند الحاجة لذلك حال العلاج ، وكذلك عورة الرجل للمرأة ؟ وإذا كان لا يوجد إلا طبيبة نصرانية وطبيب مسلم ؟ .
فأجاب :
" كشف عورة الرجل للمرأة ، والمرأة للرجل عند الحاجة لذلك حال العلاج : لا بأس به بشرطين :
الشرط الأول : أن تؤمن الفتنة .
الشرط الثاني : أن لا يكون هناك خلوة .
والطبيبة النصرانية المأمونة أولى في علاج المرأة من الرجل المسلم ؛ لأنها من جنسها بخلاف الرجل .
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " ( 12 / السؤال رقم 175 ) .
وما ذكرناه من أقوال العلماء يجمع ما ذكرناه من الشروط .
وانظر جواب السؤال رقم (5693) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
97884
العنوان:
حكم من زنى بغير مسلمة وهو غير محصن
السؤال:
ما حكم الزنا بغير المسلمة وهو غير محصن؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الزنا كبيرة من كبائر الذنوب ، وجريمة من أقبح الجرائم ، قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء / 32 . وقال تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/68، 69.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزنا بمسلمة أو غير مسلمة .
ثانياً :
أما عقوبة الزنا في الدنيا فقد أوجب الله فيه الحد ، قال الله تعالى في بيان حد الزاني البكر – أي : الغير محصن - : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2 .
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده الرجم بالحجارة حتى الموت ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (3199) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) .
ولا فرق في هذا أيضا بين من زنى بمسلمة أو زنى بكافرة .(/1)
وهذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط ، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم ، فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري (7047) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي قال : فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور ، فإذا فيه لغَط وأصوات ، قال : فاطّلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم اللهب ضَوضَوْا [أي : صاحوا] ، قال قلت لهما : ما هؤلاء ؟ فقالا لي : وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني ..)
( والتنور : هو الفرن الذي يخبز فيه ) .
فالواجب على من وقع في هذه المعصية الكبيرة أن يتوب إلى الله توبة نصوحا ، وأن يبتعد عن كلّ ما يؤدي به إلى الحرام والعودة إليه ، والله تعالى يفرح بتوبة العاصين ويقبل منهم ، قال سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .
قال ابن كثير رحمه الله : "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/106).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97888
العنوان:
مقدار الوقت بين أذان الجمعة الأول والثاني
السؤال:
ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني ؟
الجواب:
الحمد لله
" الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيؤوا لصلاة الجمعة ويذهبوا ، وقد أمر به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في خلافته لما كثر الناس في المدينة ، أمر من ينادي على مكان يقال له ( الزوراء ) في المدينة حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة .
وأما الأذان الثاني ؛ فهذا إنما يكون إعلاماً بدخول وقت الصلاة ، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر ؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم .
فعرفنا الغرض من الأذانين : أن الأذان الأول لتنبيه الناس للذهاب لصلاة الجمعة ، ويكون في وقت متقدم ومبكر ؛ بحيث يستطيع الناس أن يتهيؤوا ويذهبوا مبكرين لصلاة الجمعة . وأما الغرض من الأذان الثاني ؛ فهو الإعلام بدخول الوقت ، ويكون إذا حضر الخطيب وجلس على المنبر ؛ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا بد أن يكون بين الأذانين وقت حتى يكون للأذان الأول فائدة ، أما أن يقرن الأذان الأول مع الثاني ولا يكون بينهما إلا وقت يسير ؛ كما يعمل هذا في بعض البلاد ؛ فهذا يلغي الفائدة من الأذان الأول ، ولم يكن هذا هو الذي قصده عثمان رضي الله عنه حينما أمر به ، ولا يكون له فائدة " .
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" ( 2 / 101 ) .(/1)
رقم السؤال:
97896
العنوان:
حكم المشاركة والعمل في دفتر التوفير
السؤال:
أعمل حاليا في البريد ، وبالتحديد في إدارة الحاسب الآلي ، حيث يقوم البريد بإعطاء فوائد سنوية على دفاتر التوفير الموجودة لديه على أساس إعطاء أموال المودعين لديه حسب نظام حكومي إلى بنك الاستثمار القومي حيث لا يتعامل البنك إلا مع الحكومة في تمويل مشروعاتها أو إقراض البنوك والهيئات الحكومية ثم يعيد إلينا الأموال محملة بالفوائد التي يقوم هو بتحديدها ونعطي للمودعين على حسب ما يقرر البنك ونحصل على عمولة كهيئة بريد من تلك القصة المهم أن وظيفتي هي إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال العملاء إلى جهاز الحاسب الرئيسي حيث عن طريقه نقوم بإضافة الفوائد من كل عام إلى حسابات العملاء في شهر يوليو بالإضافة إلى استخدامه في الأعمال الإدارية مثل التأكد من حسابات العملاء فهل أعتبر كاتب ربا وهل فوائد البريد حرام أم حلال مع العلم بأننا لا نعطي قروضاً والحمد لله والتوفير هو ما يصرف على الهيئة بنسبه 90% فهل أترك عملي أم أنقل إلى قسم آخر أم ليس علي حرج؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يحرم إيداع الأموال فيما يسمى بدفتر التوفير ، وذلك لأمرين :
الأول : أنه عقد يقوم على إضافة نسبة معلومة إلى رأس المال ، مع ضمان رأس المال ، فحقيقته أنه قرض بفائدة ، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا ، والمقرض هنا هو العميل ، والمقترض هو الهيئة القائمة على هذا الدفتر .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " المغني (6/436)(/1)
الثاني : أن البريد يضع أموال مودعيه في البنوك الربوية ، ويأخذ عليها نسبة معلومة ، يوزع جزءا منها على المودعين ، وهذا عقد ربوي آخر يقوم به البريد .
فالبريد يقترض بالربا في الصورة الأولى ، ويقرض بالربا في الصورة الثانية ، ولهذا لا يستريب مطلع على هذه المعاملة من الجزم بتحريمها ، وتحريم العمل فيها كتابةً أو شهادة أو إعانة بأي صورة من صور الإعانة .
جاء في موسوعة "فتاوى الأزهر" سؤال موجه لشيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق رحمه الله ، عن : مسألة الفوائد التي تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا ؟
وجاء في جوابه بعد ذكر النصوص في تحريم الربا : " وبهذه النصوص وغيرها في القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدَّين، أو زيادة في نظير تأجيل الدين وتأخير سداده ، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة في التعاقد مع ضمان رأس المال .
لما كان ذلك ، وكانت الفوائد المسئول عنها التي تقع في عقود الودائع في البنوك ، وفى صناديق التوفير في البريد ، وفى البنوك ، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع ، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة ، ودخلت في نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم في الإسلام بعموم الآيات في القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين : لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها ، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي ونصه : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ) والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى .
ثانيا :(/2)
العمل في " إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال عملاء دفتر التوفير إلى جهاز الحاسب الرئيسي " ، هو من كتابة الربا ، وقد روى مسلم (1598) في صحيحه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى ، والمبادرة بترك هذا العمل ، والتحول إلى قسم آخر بعيد عن الربا ، أو ترك هذا العمل بالكلية ، فرارا من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأن من اتقاه زاده ، وأنعم عليه ، ورزقه من حيث لا يحتسب ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3 .
وفقنا والله وإياك لما فيه الخير والهدى والفلاح .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
97897
العنوان:
من زنى بامرأة هل يدفع لها المهر ؟
السؤال:
هل من زنى بامرأة وفض بكارتها وقد تاب من ذلك ، هل عليه أن يدفع لها المهر ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الزنا قد حصل برضاها ، فلا يدفع لها شيئاً عند جمهور العلماء ، وأما إذا كان باغتصاب ( إكراه ) فعليه ضمان ذلك .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 5 / 297 ) :
" إذا أفضى امرأةً في زنًى : فإن كانت مطاوعةً : حُدّا ، ولا غُرم عند الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة ؛ لأنّه ضررٌ حصل من فعلٍ مأذونٍ فيه منها ، فلم يضمنه .
وقال الشّافعيّة : عليه ديةٌ مع الحدّ ؛ ...
وإن كانت المرأة مغتصبةً ( غير مطاوعةٍ ) : فعلى المغتصب الحدّ ، والضّمان إجماعاً ، غير أنّهم اختلفوا في مقداره " انتهى .
والذي رجحه الشيخ العثيمين رحمه الله أن على المغتصب أرش البكارة ، وهو الفرق بين مهرها ثيِّباً ومهرها بكراً .
قال رحمه الله :
" وعلى القول الذي رجحنا - وهو أن المزني بها كرهاً أو طوعاً لا مهر لها – نقول : يجب عليه أرش البكارة ، إذا كانت بكراً وزنى بها كرهاً ؛ لأنه أتلف البكارة بسبب يتلفها عادة .
وأرش البكارة هو : فرق ما بين مهرها ثيِّباً ، ومهرها بكراً ، فإذا قلنا : إن مهرها ثيِّباً ألف ريال ، ومهرها بكراً ألفان : فيكون الأرش ألف ريال " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 12 / 313 ، 314 ) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
97918
العنوان:
منع الصغرى من الزواج حتى تتزوج الكبرى
السؤال:
هل يجب على الأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى حتى تتزوج الكبرى ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى إذا خطبت بحجة أنه لا بد من تزويج البنت الكبرى قبلها ، وإنما هذا من عادات العوام التي لا أصل لها في الشرع ، لما يتوهمون من أن فيه إضرارًا بالكبرى ، ولو صح هذا فإن فيه أيضًا إضرارًا بالصغرى ( والضرر لا يزال بالضرر) ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 152)(/1)
رقم السؤال:
97919
العنوان:
نذر ألا يتزوج حتى تحفظ أمه قدراً من القرآن ويشق ذلك عليها
السؤال:
لقد نذرت بأن لا أتزوج حتى تتم والدتي حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم وذلك ضايقها كثيراً ولمدة ستة أشهر لم تحفظ سوى (النبأ والنازعات وعبس) ويكاد يشق عليها ذلك فهل هذا من العقوق لأني ضايقتها ؟ وهل يجوز أن أتزوج قبل أن تتم الحفظ ؟ ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأحد أن يلزم أمه بما لا يلزمها شرعاً ، حتى يشق ذلك عليها ، فما دامت أمك لا تستطيع الحفظ إلا بمشقة شديدة ، فليس لك أن تلزمها بذلك ، فعليك الاعتذار لها واسترضائها ، وإخراج كفارة يمين ، لأن النذر الذي يراد منه حث إنسان على فعل معين حكمه حكم اليمين ، وإذا أخرجت كفارة يمين فقد انحل النذر ، ولم يكن على والدتك حفظ ما لا تستطيعه .
قال ابن قدامة رحمه الله في بيان أنواع النذر : " والنذر الذي يخرجه مخرج اليمين ، للحث على فعل شيء أو المنع منه ، غير قاصد به النذر ولا القربة فهذا حكمه حكم اليمين" انتهى بتصرف من المغني (10/67) .
فعليك أن ترضي أمك ، وتكفّر كفارة يمين ، وتتزوج .
ولمعرفة كفارة اليمين بالتفصيل انظر جواب السؤال رقم (45676) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97923
العنوان:
هل يجب الإنكار كلما سمع نغمة الموسيقى في جوالات زملائه
السؤال:
كثر في كل مكان الموسيقى ، وانتشرت حتى في الجولات والهواتف وأماكن العمل والأماكن العامة ؛ فهل يأثم من يستمع ؟ وهل عليه الإنكار؟ وهل قول الله يهديك إنكار؟ وهل كلما رن جوال احد الزملاء في العمل(مثلاً) يجب الإنكار عليه أم مره واحده تكفي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الاستماع إلى الموسيقى ووضعها في الجوالات والهواتف وأماكن العمل ، منكر محرم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصّ على تحريم المعازف حيث قال : ( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ... ) الحديث ، رواه البخاري (5590) ـ تعليقا .
وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين ؛ أولهما : قوله صلى الله عليه وسلم : " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة ، فيستحلها أولئك القوم .
ثانيا : قرن المعازف مع المقطوع بحرمته وهو الزنا والخمر ، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها ( السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف ) .
وانظر السؤال رقم (5000) ففيه بيان أدلة تحريم استماع المعازف .
ثانيا :
الإثم في استماع المعازف ونحوها من الأصوات المنكرة ، إنما هو لمن تعمد ذلك ، دون من وصل إلى أذنه بغير قصد منه . قال المناوي رحمه الله : " وينبغي لمن سمعه [ يعني : المزمار ] سد أذنيه لكن لا يجب لقولهم لو كان بجواره ملاهي محرمة لم يلزمه النقلة ولا يأثم بسماعها بلا قصد " انتهى .
فيض القدير (3/355) .
ثالثا :(/1)
يجب إنكار هذا المنكر على قدر الاستطاعة ، باليد أو باللسان أو بالقلب ؛ لما روى مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).
وهذا يقتضي الإنكار كلما وجد المنكر ، وأمكن إنكاره ، ولو تكرر ذلك ، إلا أن يوقع صاحبه في حرج ، أو يترتب عليه فوات مصلحة له ، هي أهم وأعلى من ذلك إنكار ذلك المنكر .
وانظر للأهمية جواب السؤال رقم (96662) .
وقول الناهي عن المنكر مخاطبا فاعله : الله يهديك ، هو نوع من الإنكار ، ما دام يفهم منه الاعتراض وعدم الرضا على وجود هذا المنكر .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97938
العنوان:
هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر العانة لامرأة أخرى؟
السؤال:
هل يجوز أن تزيل لي صديقتي المقربة لي جدّاً شعر منطقة العانة ؟ أنا أخاف جدّاً ، وأنا أتضايق من هذا الشعَر ، وإن أزالت لي صديقتي سيكون بيننا يمين أن لا تنطق بأي شيء تراه ، فأنا بحاجة لإزالته ، واستحي أن أتحدث لأمي أن تزيله لي !!
الجواب:
الحمد لله
حلق شعر العانة من سنن الفطرة ، وقد وقتت الشريعة في بقائه من غير حلق أربعين يوماً ، والأصل أن يحلق كل مكلَّف شعر عانته بنفسه ، إلا من كان عاجزاً عن ذلك لكبر سن ، أو مرض .
وما تريد الأخت السائلة فعله هو من المحرَّمات ، ومن القبائح ، ولا يليق بالمسلمة فعله من غير ضرورة ، وكونها تخاف من إزالته ليس بعذر ، فهذا الأمر لا يتطلب شجاعة وجرأة ، والطرق كثيرة في إزالته ، وبعض هذه الطرق سهل ويسير .
ولا ينفع للإباحة أن تجعل صديقتها تُقسم على عدم إخبار أحدٍ بما تراه ، ولو جاز هذا الفعل للضرورة لكانت أمها أولى بأن تحلق لها شعر عانتها .
وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم اطلاع الرجل على عورة الرجل ، والمرأة على عورة المرأة ، وقد أجمع العلماء على هذا التحريم .
عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ ) .
رواه مسلم ( 338 ) .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
فأما الرجل مع الرجل : فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة … وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل .
" المغني " ( 7 / 80 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :(/1)
فهذا ستر النساء عن الرجال ، وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) ، وكما قال : ( احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها ، قلت : فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : فالله أحق أن يستحيى منه ) ، ( ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد ) ، وقال عن الأولاد : ( مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع ) ، فنهى عن النظر واللمس لعورة النظير ؛ لما في ذلك من القبح ، والفحش ، وأما الرجال مع النساء : فلأجل شهوة النكاح ، فهذان نوعان ، وفي الصلاة نوع ثالث : …
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 113 ) .
وقال ابن حجر – رحمه الله - :
…. وهذا مما لا خلاف فيه ، وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع … والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى ، ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه .
" فتح الباري " ( 9 / 338 ، 339 ) .
والخلاصة :
لا يحل لك الطلب من صديقتك أن تحلق لك شعر العانة ، ولا أن تمكنيها من فعل ذلك ، وإن خالفتِ هذا وقعتِ – وإياها - في كبيرة من كبائر الذنوب ، ولست معذورة في هذا الأمر ؛ لأنه يسهل العثور على طريقة سلة لإزالة ذلك الشعر ، باستعمال شيء من مزيلات الشعر المعروفة ، إذا لم تتمكني من الحلق بالموسى .
ويجوز هذا الفعل لضرورة العجز عن الحركة ، والمرض ، وذهاب العقل ، وما يشبه هذه الأعذار التي لا يتمكن منها الرجل والمرأة من حلق شعر العانة .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
97940
العنوان:
التعامل ببطاقة الفيزا للبنك البريطاني عند السفر للخارج
السؤال:
طلبت بطاقة الفيزا من البنك البريطاني ولم أكن أعلم بأنها ربوية وأنا لم أطلبها إلا لحاجتي لها عند السفر للخارج وأنا لن أستعملها إلا عند السفر للخارج فقط فهل علي شيء ؟ أثابكم الله وأنا على استعداد على أن ألغيها إذا كان لا يجوز لي استخدامها حتى في السفر للخارج .
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير الشرعية التالية :
1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد .
2- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة ، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط ، وما زاد على ذلك فهو ربا .
3- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية ، بالبطاقة غير المغطاة .
وليعلم أن أكثر بطاقات الفيزا تشترط غرامة في حال التأخر في السداد ، وهذا شرط ربوي محرم ، لا يجوز إقراره ولا الدخول في عقد يتضمنه ، ولو كان الإنسان واثقا من نفسه أنه لن يتأخر في السداد ، لحرمة إقرار الربا والتزامه .
وبناء على ذلك فإذا سلمت بطاقة الفيزا المسئول عنها من المحاذير المذكورة ، فلا حرج في استعمالها ، وإذا تضمنت واحدا من هذه المحاذير لم يجز التعامل بها .
وانظر السؤال رقم (97530) للفائدة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
97942
العنوان:
إذا جامع أهله هل تتنجس ملابسه ؟
السؤال:
أحيانا عندما أجامع زوجتي أكون بكامل ملابسي لظروف معينة تتعلق بالعائلة فسؤالي يدور حول هل ملابسي جمعيا تعتبر نجسة أم فقط التي أصابها السائل المنوي . الرجاء عدم تجاهل السؤال والإجابة عليه لحاجتي الضرورية للإجابة .
الجواب:
الحمد لله
ذهب كثير من أهل العلم إلى القول بطهارة المني ، سواء خرج باحتلام أو جماع ، وذلك لأدلة كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه (288) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/198) : " ذهب كثيرون إلى أن المني طاهر . روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث " انتهى . وينظر فتح الباري ( 2/332).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/381) : " خروج المني بالاحتلام ونحوه لا ينجّس الملابس التي على المحتلم ولو أصابها ؛ لأن المني طاهر ، لكن المشروع إزالة ما أصاب الثياب من باب النظافة وإزالة الأوساخ " انتهى .(/1)
وأما المذي وهو ما يخرج عند المداعبة والتفكير في الجماع ، فنجس ، ويكفي في تطهيره رش الثوب بالماء ؛ لما روى أبو داود في سننه (210) والترمذي (115) وابن ماجه (506) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ : كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( إِنَّمَا يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ ؟ قَالَ : يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وانظر السؤال رقم (2458)
وعليه فالجماع وخروج المني ، لا يترتب عليه حصول النجاسة للثوب أو البدن وأما المذي فهو نجس ، وخَفَّف الشرع في كيفية تطهيره ، حيث يكفي فيه الرش بالماء ولا يجب غسله .
والموضع الذي يجب رشه بالماء هو ما أصابه المذي فقط ، أما سائر الثياب التي لم يصبها شيء منه فهو طاهرة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
97976
العنوان:
هل الرسول صلى الله عليه وسلم أول رائد فضاء ؟!
السؤال:
طرح لنا أحد الأساتذة سؤالا وقال فيه: من هو أول رائد للفضاء؟ فأجبنا على سؤاله بأنه سوفيتي الجنسية. وقال لنا الأستاذ : الإجابة خطأ. وقال : إن أول رائد للفضاء هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما عرج به إلى السماوات، وكانت مركبته البراق. فهل هذا صحيح؟
الجواب:
الحمد لله
لا نعلم أحدا عرج به إلى السماء وفرضت عليه صلوات خمس سوى نبينا عليه الصلاة والسلام ، فإنه عرج به إلى السماء السابعة حتى كان فوقها، وحتى سمع كلام الرب عز وجل. فإذا عبر عنه بأنه رائد فضاء فهذا له بعض الوجاهة، لكن ليس بصحيح أنه رائد فضاء، بل إنما عرج به إلى السماء، إلى ربه عز وجل ليفيض عليه بما يشاء سبحانه وتعالى، وليس المقصود من هذه الرحلة أن يجوب الفضاء، وأن ينظر في الفضاء، بل المقصود من هذه الرحلة مع الملك جبرائيل عليه الصلاة والسلام أن يرتفع إلى الله، ويجوب السماوات حتى يصل إلى ما فوق السماء السابعة، وحتى يسمع كلام ربه، وليس المقصود أن يجوب الفضاء.(/1)
وهذا الكلام الذي قاله هذا المجيب له بعض الوجاهة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم شق الفضاء كله حتى جاوز السبع الطباق، فله وجه من هذه الحقيقة، لكن ليس هو المعنى المقصود عند الدول الموجودة اليوم أمريكا والسوفيت وغيرهم؛ فإن مقصودهم هو اختبار الفضاء، واختبار ما فيه من العجائب وهو ما دون السماء الدنيا، وليس المقصود هذا المعنى الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم . فالمجيب الذي قال السوفيتي له وجه ، وكلام الأستاذ أيضاً له وجه ، ولكن ليس منطبقا على مراد الناس اليوم ، وعلى مقصود الناس اليوم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتحل ليجوب الفضاء، وإنما ارتحل بأمر ربه، ليتصل بالله عز وجل فوق السماء السابعة، وليسمع كلامه سبحانه وتعالى، وليمتثل أمره جل وعلا، فالرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يرتحل هذه الرحلة العظيمة، ويسمع كلام ربه، وليفرض الله عليه هذه الصلوات العظيمة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والله ولي التوفيق.
فتاوى نور على الدرب للشيخ عمر بن عبد العزيز (1/116) .(/2)
رقم السؤال:
97977
العنوان:
تحريم الاكتتاب في شركة المملكة القابضة
السؤال:
ما حكم الاكتتاب في شركة المملكة القابضة ؟
الجواب:
الحمد لله شركة المملكة القابضة تقوم بالاستثمار في الأسهم ، وليس لها أنشطة أخرى تذكر ، ولها استثمارات في بنوك ربوية ، وشركات إعلامية ، واستثمارات فندقية ، ولا شك في تحريم الاستثمار في البنوك الربوية، وأما الاستثمارات الإعلامية والفندقية ، فكثير منها محرم لا ينضبط بالضوابط الشرعية ، وبناء على هذا ؛ فنشاط هذه الشركة محرم فتحرم المساهمة فيها . وقد سئل عنها الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي ، فأجاب : "قد اطلعت على ملف في موقع الشركة في الشبكة يلخص الاستثمارات التي قامت بها الشركة منذ إنشائها ، ثم اطلعت على نشرة الإصدار المفصلة ، ووجدت فروقا ليست جوهرية في مجمل النشاط . وشركة المملكة القابضة هي عبارة عن محفظة استثمارية لأسهم شركات مدرجة في السوق المحلية وبعض الأسواق العالمية ، وقد نصت نشرة الإصدار على أن الشركة "لا تزاول أية عمليات أو أنشطة تذكر ، وتتألف محفظة الشركة بشكل أساسي من استثمارات ضئيلة ضمن أسهم في شركات عامة مدرجة" . واستثمارات الشركة من الناحية الإجمالية ثلاثة أنواع ، وهي : استثمارات مالية في بنوك ربوية محلية وعالمية مثل مجموعة سامبا ، وسيتي كورب المالكة لمصرف سيتي بانك ، واستثمارات إعلامية ، في نيوز كوربوريشن وشركة تايم ورنر والشركة السعودية للأبحاث والتسويق ، ومجموعة استثمارات فندقية وعقارية ، مثل فنادق فيرمونت وفنادق فورسيزن ، وفندق جورج الخامس ومنتجعات موفنبيك ومنتجع ديزني لاند في باريس . وحيث إن المجموعة الأولى عبارة عن بنوك ربوية ، وحيث إن المجموعة الثانية أنشطة إعلامية تحتوي على جميع أنواع المحرمات الإعلامية من كتابات وأفلام وحلقات نقاش ومسلسلات مخالفة لأصول الشرع ومسلماته ، ثم أفلام هابطة تنشر العري والمجون وأغان خالعة وموسيقى محرمة ،(/1)
وحيث إن المجموعة الثالثة تحتوي على أنشطة فندقية لا يراعى فيها شيء من الضوابط الشرعية سواء في الأكل المقدم أم في الترفيه الموجود فيها ، وكل تلك معلوم من الدين بالضرورة تحريمها ، وتحريم الاشتراك بها ، وعليه ، فلا أرى جواز الاكتتاب بها ، بل إن معرفة أنشطة الشركة كافٍ لأي مسلم للحكم على تلك الشركة بالتحريم . وفي الختام أسأل الله جل وعلا أن يهدي القائمين على هيئة السوق المالية وعلى هذه الشركة وعلى كل الشركات السعودية لما يحبه ويرضاه ، وأن يعصمنا وإياهم من غضب الله سبحانه وتعالى وشديد انتقامه ، فإن الله سبحانه يمهل ولا يهمل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه) . ويوشك الرب جل وعلا أن ينتقم ممن ينتهك محارمه . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى .(/2)
رقم السؤال:
97980
العنوان:
هل ترفض شاباً متديناً من أجل كراهتها لأهله ؟
السؤال:
إذا كانت الفتاة لا تريد الزواج من رجل سمعت من أهلها أنه ذو دين وأخلاق حسنة، ولكنها لا تريده ليس بغضًا فيه بل في أهله الذين رأتهم هي، وتعرف أنهم يغتابون الناس وفيهم النميمة فهل لها الحق أن ترفضه ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا كان أهلها يعرفون هذا الشخص بدينه وأمانته واختاروه زوجًا لها، فإنه ينبغي لها أن تجيب إلى ذلك، أما حالة أهله وكونهم يغتابون الناس فهذا شيء يتعلق بهم ويحرم عليهم، ولكن هي لا تفوت الزواج بالرجل الكفء الصالح لها من أجل حالة أهله، فإن استصلاح الخلل في أهله ممكن بمناصحتهم وتخويفهم بالله عز وجل، أو أن تعتزل مجلسهم الذي تدور فيه الغيبة والنميمة وتجلس في مكان آخر، وليست ملزمة أن تجلس معهم إذا كانوا في حالة يغتابون فيها الناس ولا تفوت فرصة الزواج بالرجل الكفء الذي يختاره لها أهلها من أجل ذلك، لأنه بإمكانها تدارك المحذور كما ذكرنا، وأن تأخذ بالصالح لها وهو الزواج بهذا الرجل الكفء الصالح لها "
والله أعلم .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 159 ) .(/1)
رقم السؤال:
97987
العنوان:
تزوجت ممن زنى بها بعد وضع الحمل وانقطاع دم النفاس
السؤال:
امرأة حملت من شخص ثم أنجبت وعندما انقطع عنها الدم تزوجت بهذا الشخص قبل أن تنتهي أربعون يوما فهل عقدهما صحيح أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى مما اقترفت ، فإن الزنا ذنب عظيم ، وجرم كبير ، وفاحشة منكرة ، والزاني متوعَّد بالعقاب الشديد في الدنيا والآخر ، لكن من تاب وأناب وأصلح ، تاب الله عليه وبدل سيئاته حسنات ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.
وقال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
وعليها أن تستتر بستر الله عز وجل ، فلا تخبر أحدا بذلك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم يقول : ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل ) رواه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع (149)
ثانيا :
لا يجوز للزاني أن ينكح الزانية إلا بعد التوبة ؛ لقوله تعالى : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 .
فإذا كانا قد تابا إلى الله تعالى قبل الزواج ، فنكاحهما صحيح ، وأما إذا عقدا النكاح قبل التوبة فإن النكاح لا يصح وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (85335)(/1)
وأما العقد عليها بعد انقطاع الدم وقبل مضي أربعين يوماً فهذا لا يؤثر على صحة العقد ، لأن الواجب عليها – عند كثير من العلماء – أن تنتظر حتى تنقضي عدتها من الزنا ثم تعقد النكاح ، إن شاءت ولو في فترة النفاس ، وانقضاء عدتها تكون بوضع الحمل .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء إذا زنا رجل بامرأة ثم تزوجها ، وبعد أربعة أشهر تاب هو إلى الله عز وجل فهل يكون العقد صحيحا ؟
فأجابت : " لا يجوز التزوج من الزانية ولا يصح العقد عليها حتى تتوب وتنتهي عدتها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/383).
وخلاصة الجواب : أنهما إذا كانا تابا من الزنا قبل العقد فالنكاح صحيح ، وإن لم يكونا تابا فالنكاح غير صحيح ، فيلزمها إعادة العقد بعد توبتهما . ونسأل الله أن يقبل توبتهما.
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
98015
العنوان:
لديه محل يقدم خدمات الإنترنت فكيف يزكيه ؟
السؤال:
أملك محلا لتقديم خدمات الإنترنت لطلاب الجامعة وغيرهم وقد أنهيت عاما فيه منذ إنشائه ولا أعلم كيف أخرج زكاة هذا المحل ، وكما هو معلوم محل الخدمات لا يوجد به بضاعة تباع وإنما نقدم خدمات عليها مقابل مادي ، هل أخرج زكاة الأجهزة الموجودة بهذا المحل؟ وهل الزكاة تكون على رأس المال الذي أنشئ به المحل أم تكون على الأرباح التي تحققت من هذا المحل ؟ وإذا تم صرف هذه الأرباح ولم يبق منها شي عند حولان الحول هل يتم صرف الزكاة عليها أم تصرف على المبلغ المتبقي منها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأغراض الموجودة في المحلات التجارية تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما أعدَّ منها للبيع ، من أجهزة أو ملابس أو غيرها ، فهذا يزكى زكاة التجارة .
القسم الثاني : ما أعدَّ منها للإنتاج أو الاستعمال ، وليس للتجارة : كآلات المصانع ، وأثاث المكاتب ، وأدوات التصوير وأجهزة الحاسوب ، التي لا يراد بيعها ، وإنما يستعملها الموظفون أو العملاء ، فهذه لا زكاة فيها ، وإنما الزكاة فيما ينتج عنها من مال .
ثانياً :
إذا عُلم أن الزكاة إنما تجب في الأرباح الناتجة عن الأصول – الأجهزة وآلات المصانع ، والأثاث – فإنه يشترط لوجوب الزكاة في هذه الأرباح : بلوغ النصاب ، وحولان الحول ، والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب ، فإذا حال الحول ، ولم يكن الربح بالغا للنصاب ، أو كان قد بلغ النصاب لكن تم صرفه قبل حولان الحول ، فإنه لا زكاة فيه .
وبهذا يتبين أنه لا زكاة على الأجهزة التي تملكها ، ولا زكاة على رأس المال الذي أنشأت به المحل ، وإنما الزكاة على المال الذي تحصّله ، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول فإن تم إنفاقه قبل حولان الحول فلا زكاة عليك .
وإذا نقص المال ، لكنه لم ينقص عن النصاب ، فإنك تزكي الباقي إذا مرَّ عليه الحول .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98018
العنوان:
حكم ما يسمى بـ "الوصية الواجبة"
السؤال:
في بعض البلاد يوجد في نظام الميراث ما يسمى بالوصية الواجبة ؟ فهل لها أصل في الشرع ؟ وهل المال المأخوذ بها حلال ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
في بعض البلاد الإسلامية تأخذ المحاكم بهذا القانون ، وفيه اقتطاع جزء من التركة ويُعطى للأحفاد باسم "الوصية الواجبة" .
وحاصل ما عليه هذا القانون : أن الوصية تجب لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ، ولأولاد الأبناء وإن نزلت طبقاتهم بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى ، وصية بمثل ما كان يستحقه والدهم ميراثا في تركة أبيه لو كان حيا عند موت الجد ، بشروط :
1- ألا يزيد عن الثلث ، فإن زاد عن الثلث أخذ الأحفاد الثلث فقط .
2- أن يكون الحفيد غير وارث .
3- ألا يكون الجد الميت قد أعطاه قدر ما يجب له بوصية أو تبرع أو غير ذلك .
الأصل الشرعي لهذه الوصية :
قالت المذكرة التفسيرية في الأصل الشرعي لهذه الوصية : "القول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين مروي عن جمع عظيم من فقهاء التابعين ، ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث ، ومن هؤلاء : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس والإمام أحمد وداود والطبري وإسحاق بن راهويه وابن حزم ، والأصل في هذا قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/180 ، والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص له مذهب ابن حزم ، ويؤخذ من أقوال بعض التابعين ، ورواية في مذهب الإمام أحمد " انتهى .
وهذا النص يفيد أمرين :
الأول : وجوب الوصية .
والآية تفيد وجوب الوصية من وجهين :
1- لفظ : (كتب) فإنه بمعنى : فُرض .
2- قوله : (حقا على المتقين) فهو من الألفاظ التي تدل على الوجوب .(/1)
الثاني : أنه إذا لم يوص ، فإنه تنفذ الوصية بغير إرادته ، بحكم القانون ، ونسبوا هذا إلى ابن حزم رحمه الله ، وسيأتي أن ابن حزم لم يقل بهذا التفصيل الذي قال به القانون .
وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أم لا ؟
فذهب الجمهور إلى النسخ ( ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ) ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :
1- أن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من لم ينقل عنهم وصايا ، ولم ينقل نكير لذلك ، ولو كانت واجبة لم يخلوا به ، ولنقل عنهم العمل بها نقلاً ظاهراً .
2- أن الوصية عطية ، والعطية لا تجب في الحياة ، فلا تجب بعد الوفاة .
3- أن الوصية للوارث نسخت بآيات المواريث عند الجمهور ، أو نسخت بحديث : ( لا وصية لوارث ) عند بعض العلماء ، فنُسخت هذه الآية في جملة معناها وأحكامها ، ومن أحكامها : الوصية للأقارب .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : "أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا طائفة شذت فأوجبتها" انتهى من "التمهيد" (14/292) .
وروى أبو داود (2869) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ( "إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وذهب بعض السلف ، (وقال به ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه) إلى أن الآية ليست منسوخة ، بل خُصَّ منها الوصية للأقارب الوارثين ، وبقي الوجوب في حق غير الوارثين .
فهذه الآية تُخَصُّ إما بآيات المواريث ، أو بحديث : ( لا وصية لوارث) .
انظر : "المغني" (8/391) ، "المحلى" (9/312) .
الانتقادات الموجهة إلى هذه الوصية القانونية:
1- وهذه الوصية – وإن كانوا هم يسمونها "وصية" – إلا أنها في حقيقة الأمر "ميراث" .(/2)
ولذلك قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "شرح قانون الوصية" (ص 239) بعد أن ذكر أحكام الوصية في القانون ، قال : "هذه خلاصة أحكام الوصية الواجبة . . . وهذه الأحكام في غايتها ومرماها وفي الغرض منها والسبب الباعث عليها تنحو نحو الميراث ، فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه ميراثاً مفروضاً ، هو ميراثه الذي كان يستحقه لو بقي بعد وفاة أصله ، على ألا يتجاوز الثلث ، وإذا كان هذا غاية القانون ، فكل الأحكام تتجه إلى جعل هذه الوصية ميراثاً ، ولذا تجب من غير إيجاب ، وإذا وجبت صارت لازمة ، لا تقبل عدم التنفيذ ، وبذلك تشابهت مع الميراث" انتهى .
وإذا كانت ميراثا فهي باطلة بطلانا قطعيا ، لأن الله تعالى قد قسم المواريث بنفسه وبينها في كتابه تفصيلا ، ثم قال : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13-14 .
فهذه الوصية الواجبة ما هي إلا استدراك وتعديل على حكم الله تعالى ، وكفى بهذا إثما وضلالا مبينا ، فإنه لا أحد أحسن حكما من الله عز وجل ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .
2- الآية التي استدلوا بها على مشروعية هذه الوصية ، قد خالفوها من ثلاثة أوجه :(/3)
الأول : قوله تعالى : ( إن ترك خيرا ) فهذا تقييد للأمر بالوصية فلا يؤمر بالوصية إلا من ترك خيرا ، وهو المال الكثير . قاله علي وابن عباس رضي الله عنهم ، وقد اختلف العلماء في مقداره ، واختار ابن قدامة رحمه الله أن المراد بذلك المال الكثير الذي يفضل منه شيء بعد إغناء الورثة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل المنع من الوصية بأكثر من الثلث بقوله : (أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري (1296) ومسلم (1628). انظر : "المغني" (8/391) .
فهذا القيد (إن ترك خيرا) شرط للوجوب كما هو ظاهر ، والقانون أهمل هذا الشرط ، وأعطاهم جزءاً من التركة سواء ترك الميت مالاً كثيراً أم قليلاً .
الوجه الثاني : قوله تعالى : (والأقربين) عام في جميع الأقربين ، فيشمل الأحفاد والإخوة وأولادهم ، والأعمام والأخوال وأولادهم ، وغيرهم من الأقارب ، فتخصيصه بالأحفاد مخالفة أخرى للآية .
الوجه الثالث : الآية لم تحدد الوصية بقدر معين ، لا نصيب الأب ولا غيره ، فإذا أوصى الرجل مثلاً لحفيده بالسدس فقد امتثل الأمر الوارد في الآية ، غير أن القانون لا يكتفي بهذا ، بل يكمل له نصيب أبيه الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه ، بشرط ألا يزيد على الثلث ، وهذه مخالفة ثالثة للآية .
3- سبب تشريع القانون كما في المذكرة التفسيرية تكرر الشكوى عن حالة موت الأب في حياة أبيه ويترك أولاده صغارا فقراء محتاجين ثم يموت الجد ويأخذ أعمامهم الميراث كله ، ويبقى هؤلاء الأحفاد فقراء ، في حين أن أباهم لو كان حياً لكان له نصيب من الميراث .
فإن كان هذا هو سبب تشريع القانون ، فلماذا أعطى القانون الأحفاد جزءاً من التركة ولم يشترط فقرهم ؟ بل أعطاهم ولو كانوا أغنياء ، وكان الواجب الاقتصار على حالة الحاجة .(/4)
قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله (ص244) : " والحق أننا إن أخذنا بالوجوب ( يعني وجوب الوصية ) يجب أن نعتبر الاحتياج ، لأن الوصايا من باب الصدقات فيجب أن تكون للفقراء ، ولأن الوصية الواجبة تقدم على غيرها فيجب أن تكون القربة فيها أوضح " انتهى بتصرف يسير .
4- قصر القانون الأقارب الذين يستحقون هذه الوصية على الأحفاد فقط ، وأعطاهم نصيب أبيهم ، وقد يفهم من القانون أن هذا مذهب ابن حزم رحمه الله ، وليس هذا مذهبه ، فابن حزم رحمه الله لا يخص الوصية بالأحفاد بل تكون لجميع الأقارب غير الوارثين ، ويوجب على الموصي أن يوصي لثلاثة من أقاربه على الأقل ، لأن هذا هو أقل الجمع ، ثم إن ابن حزم رحمه الله لم يحدد الجزء من المال الموصى به بمقدار معين ، بل بما يشاء الميت ، فإن لم يوص فالورثة أو الوصي هم الذين يحددون مقدار ما يخرجونه من المال للأقارب .
قال ابن حزم رحمه الله : " فمن مات ولم يوص : ففرضٌ أن يُتصدق عنه بما تيسر ، ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب , كما أوردنا , فصح أنه قد وجب أن يخرج شيء من ماله بعد الموت , فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله . ولا حدّ في ذلك إلا ما رآه الورثة , أو الوصي مما لا إجحاف فيه على الورثة " . إلى أن قال : " وفرضٌ على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون , إما لرقٍّ , وإما لكفر , وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث ، أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه , لا حدّ في ذلك , فإن لم يفعل أُعطوا ولا بدّ ما رآه الورثةُ , أو الوصيُّ " انتهى من "المحلى" (8/351).
فهذا ابن حزم يصرح أنه لا حد لهذه الوصية .(/5)
4- هذه الوصية بهذا التفصيل الوارد في القانون ، لم يقل بها أحد من علماء الإسلام قاطبة على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان ، وكفى بهذا دليلاً على بطلان هذا القانون ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فلو كانت هذه الوصية بهذا التفصيل حقاً ، لما تركت الأمة بأسرها العمل بها ، حتى يأتي هؤلاء المتأخرون وينصفون من ظلمه الأئمة والعلماء والمسلمون على مدار أربعة عشر قرناً !!
5- هناك حالات كثيرة إذا تأملها الإنسان المنصف تبين له بطلان هذا القانون ، منها :
أ- قد يكون الأحفاد أغنياء وأعمامهم (أولاد الميت) فقراء ، والقانون في هذه الحالة أيضاً يعطي الأحفاد جزءاً من التركة تحت مسمى "الوصية الواجبة" ! مع أن أعمامهم أولى بهذا المال منهم ، لأنهم أقرب إلى الميت منهم ، ولحاجتهم إليه .
ب - لماذا يراعي القانون الأحفاد ولا يراعي الأجداد والجدات غير الوارثين ، مع أنهم في الغالب أشد حاجة ويكونون مرضى ، وعاجزين عن العمل ، ويحتاجون إلى علاج ونفقات .
فلماذا يعطي القانون بنت البنت ولا يعطي أم الأب مثلاً ؟!
ج - أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن ، فلو مات شخص عن بنت ، وبنت بنت متوفاة ، وبنت ابن ، وترك 30 فدانا مثلا ، فإن مقدار الوصية الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية .
وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضا وردا بنسبة 1:3 ، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذته بنت البنت !!
مع أن بنت الابن أحق منها ، ولذلك انعقد إجماع العلماء على أن بنت الابن ترث ، وأن بنت البنت لا ترث ، فكيف يُعطى غير الوارث أكثر من الوارث ، مع أنهما في درجة قرابة واحدة ؟!(/6)
د - أن بنت الابن قد تأخذ أكثر من البنت ، وذلك فيما إذا مات شخص عن بنتين ، وبنت ابن متوفى ، وأخت شقيقة، وترك 18 فدانا مثلا ، فإن مقدار الوصية لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة ، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة ، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة ، لكل منهما 4 أفدنة ، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهي 4 أفدنة !!
وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر ، وتصديق لقوله تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) النساء/82 .
وأقوى هذه الاعتراضات على القانون: أن هذه الوصية صارت في حقيقة الأمر ميراثاً ، ولذلك يأخذ الأحفاد هذا النصيب وإن لم يوص الميت لهم بشيء ، ويأخذونه سواء ترك مالا كثيرا أو قليلاً ، وسواء كانوا فقراء أم أغنياء ، وهذه كله يدل على أنها ميراث ، وهذا اعتراض منهم على حكم الله تعالى وتغيير له .
ثانياً :
وأما الحالة التي زعموا أنهم وضعوا هذا القانون علاجاً لها ، وهي "فقر الأحفاد" فيمكن حلها بطرق لا تتعارض مع الشرع .
الطريقة الأولى : أن يُعَلَّم الأغنياء أنه يجب عليهم أو على أقل تقدير يستحب أن يوصوا لأقاربهم الفقراء بجزء من أموالهم .
الطريقة الثانية : إذا لم يوص فإن الورثة إذا كانوا أغنياء ينبغي لهم أن يعطوا الأحفاد أو غيرهم من الأقارب الفقراء جزءا من هذا المال ، ويكون صدقة منهم وصلة للرحم .
فبهاتين الطريقتين يمكن علاج تلك المشكلة من غير الوقوع في مخالفة الشرع .
ثالثاً:
أما أخذ المال بهذه الوصية ، فهو حرام ، لقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) النساء/30 .
وأكل المال بالباطل هو أخذه من غير سبب شرعي يبيح ذلك .(/7)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) رواه البخاري (67) ومسلم (1679) .
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
98022
العنوان:
العمل بالقسم الإسلامي في البنك مع وجود الاختلاط
السؤال:
كنت لفترة طويلة أعمل في البنك.....وبمنصب إداري كبير .. ومن الله عليَّ بالهداية وطلبت تحويلي إلى القسم الإسلامي بالبنك.. وخلال الثلاث السنوات الفائتة .. توسع البنك في توظيف النساء بدون ضوابط .. وقد قمت بالإنكار عليهم طوال سنتين وتم اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية ... وقد قدمت استقالتي وكتبت فيها السبب وهو التوسع في توظيف النساء بدون ضوابط ... وانتقلت إلى وظيفة في شركة عامة .. بنصف راتبي والحمد لله المهم صدمت بعد سنة أن البيئة التي أعمل بها بيئة سيئة مليئة بالغيبة والنفاق والأحزاب ...كما أن الأعباء المادية أصبحت تؤرقني وقد عرض عليَّ العودة للبنك بنفس المنصب الذي كنت فيه . السؤال : هل أعود ؟ مع العلم أن البنك لم يكمل خطة أسلمته بالكامل بل اكتفى بأسلمة إدارة الأفراد فقط . أما الشركات والخزينة مازالت تتعامل بالربا وأيضا توسع البنك في توظيف النساء بالإدارة .
الجواب:
الحمد لله
خروجك من البنك لما ذكرت من التوسع في توظيف النساء بدون ضوابط ، ورضاك بالعمل بنصف راتبك ، دليل خير وفلاح لك ، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب ، والدرهم الحلال خير من مائة درهم من الحرام ، فإنه لا ينبت جسد من سحت إلا كانت النار أولى به ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا :
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن البنك لم يكمل خطة أسلمته بالكامل ، بل اكتفى بأسلمة إدارة الأفراد فقط أما الشركات والخزينة فمازالت تتعامل بالربا ، فإنه لا يجوز لك العمل فيما لم تتم أسلمته ، أو فيما يعين على الربا ويدعمه .
وكذلك لا يجوز العمل في مكان تختلط فيه النساء بالرجال ؛ لما يترتب على الاختلاط من مفاسد عظيمة ، سبق بيانها في السؤال رقم (50398) .(/1)
وما ذكرت من أن البيئة التي تعمل بها الآن بيئة سيئة يملؤها الغيبة والنفاق والأحزاب ، فهذا مما يمكن التغلب عليه ، بإتقان العمل ، وبذل النصيحة ، ودعوة الناس للخير .
فإن أمكن أن تعمل في البنك بعيدا عن الربا والاختلاط ، فلا حرج عليك من العودة إليه ، وإلا فاصبر واحتسب ، وليعظم رجاؤك فيما عند الله .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98030
العنوان:
صلاة التوبة
السؤال:
كيف تصلى صلاة التوبة ؟ وكم ركعة هي ؟ وهل يمكن أن أصليها بعد صلاة العصر ؟
الجواب:
الحمد لله
فإنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها باب التوبة ، فلا تنقطع حتى تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها .
ومن رحمته تعالى بهذه الأمة كذلك أن شرع لهم عبادة من أفضل العبادات ، يتوسل بها العبد المذنب إلى ربه ، رجاء قبول توبته ، وهي "صلاة التوبة" وهذه بعض المسائل المتعلقة بهذه الصلاة .
1- مشروعية صلاة التوبة
أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التوبة ، روى أبو داود (1521) عن أبي بَكْرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ") . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى أحمد (26998) عن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا (شك أحد الرواة) يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالْخُشُوعَ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، غَفَرَ لَهُ ) قال محققو المسند : إسناده حسن . وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3398) .
2- سبب صلاة التوبة(/1)
سبب صلاة التوبة هو وقوع المسلمِ في معصية سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، فيجب عليه أن يتوب منها فوراً ، ويندب له أن يصلي هاتين الركعتين، فيعمل عند توبته عملاً صالحاً من أجل القربات وأفضلها ، وهو هذه الصلاة ، فيتوسل بها إلى الله تعالى رجاء أن تقبل توبته ، وأن يغفر ذنبه .
3- وقت صلاة التوبة
يستحب أداء هذه الصلاة عند عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه ، سواء كانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة ، أو متأخرة عنه ، فالواجب على المذنب المبادرة إلى التوبة ، لكن إن سوّف وأخّرها قبلت ، لأن التوبة تقبل ما لم يحدث أحد الموانع الآتية :
1- إذا بلغت الروح الحلقوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (3537) .
2- إذا طلعت الشمس من مغربها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رواه مسلم (2703) .
وهذه الصلاة تشرع في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات النهي ( مثل : بعد صلاة العصر ) لأنها من الصلوات التي لها سبب ، فتشرع عند وجود سببها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي، مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الطهارة، كما في حديث بلال، وكذلك صلاة الاستخارة، إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، وكذلك صلاة التوبة، فإذا أذنب فالتوبة واجبة على الفور، وهو مندوب إلى أن يصلي ركعتين، ثم يتوب، كما في حديث أبي بكر الصديق" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/215) .
4- صفة صلاة التوبة
صلاة التوبة ركعتان، كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه .(/2)
ويشرع للتائب أن يصليها منفرداً ، لأنها من النوافل التي لا تشرع لها صلاة الجماعة ، ويندب له بعدها أن يستغفر الله تعالى ، لحديث أبي بكر رضي الله عنه .
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستحب تخصيص هاتين الركعتين بقراءة معينة ، فيقرأ المصلي فيهما ما شاء .
ويستحب للتائب مع هذه الصلاة أن يجتهد في عمل الصالحات ، لقول الله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
ومن أفضل الأعمال الصالحة التي يفعلها التائب : الصدقة ، فإن الصدقة من أعظم الأسباب التي تكفر الذنب ، قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) .
وثبت عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال لما تاب الله عليه: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله: ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )، قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . متفق عليه .
والخلاصة :
1- ثبوت هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أنها تشرع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة، أم بعد مضي زمن.
3- أن هذه الصلاة تؤدى في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات النهي.
4- أنه يستحب للتائب مع هذه الصلاة فعل بعض القربات، كالصدقة وغيرها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(/3)
رقم السؤال:
98031
العنوان:
صيغ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
أريد أن أتعلم صيغة التشهد في الصلاة ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب:
الحمد لله
حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على تعمل أحكام الصلاة ، وصفة صلاته صلى الله عليه وسلم ، حتى نقتدي به فيها ، فقال : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631) .
وعلى هذا ، فينبغي الاهتمام بمعرفة ذلك .
وألفاظ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الواردة كثيرة ومتنوعة ، والأكمل للمسلم أن يأتي بها جميعاً ، فيأتي بهذه الصيغة مرة ، ثم بالأخرى مرة أخرى ، وهكذا ، حتى يكون فعل السنة جميعها ، ولم يقتصر على بعضها ، فإن شق عليه ذلك ، فليقتصر على ما يستطيع منها ، ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى .
وهذه بعض صيغ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة :
تشهد ابن مسعود رضي الله عنه : ( التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) رواه البخاري (6265) ومسلم (402) .
تشهد ابن عمر رضي الله عنهما : ( التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) رواه أبو داود (971) وصححه الألباني.(/1)
تشهد عمر قاله على المنبر يعلم الناس : (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه مالك (204) وصححه الألباني .
وأما صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنها :
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه البخاري (3370)
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه مسلم (405)(/2)
رقم السؤال:
98032
العنوان:
علق الطلاق على أمر وزوجته لا تعلم
السؤال:
زوج خالتي رمى يمين الطلاق على خالتي أن لا تدخل بيتنا ، وخالتي لا تعلم بذلك فدخلت بيتنا بهدف صلة الرحم والصلح معنا ، نحن لا نعلم متى حلف ولكنه قال إنه رمى يمين الطلاق أن لا تدخل ، وعلى فكرة والدي الله يهديه دائماً يحلف بالطلاق ، وأمي لم يبقَ لها سوى طلقة واحدة فقط ، فما هو حكم الشرع في ذلك ؟ وبصراحة والداي دائماً في عراك طوال حياتهم ، وكل مرة تزداد حياتنا تحطيماً .
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (82400) حكم الطلاق المعلق ، وتفصيل الأقوال فيه ، وفيه أيضاً : التحذير من التسرع في الطلاق ، والحلف به ، فلينظر.
ولتعلم خالتك أنها لا يشترط معرفتها بتعليق طلاقها على حصول شيء منها ، كما لا يشترط سماعها لطلاق زوجها ، لكن كان ينبغي لزوجها أن يبين لها ما فعله ، وعدمُ إخبارها بما قاله من تعليق الطلاق على دخول بيت أختِها يبين أنه لم يقصد المنع ، وبالتالي فهو يريد إيقاع الطلاق ، ولو أنه أراد منعها لأسمعها كلامه أو لكان أخبرها به فيما بعد .
وعلى كل حال : فالذي يظهر أنه أراد إيقاع الطلاق ، وتكون قد طلقت بدخولها لبيت أختها ، حتى لو لم تكن تعلم بكلامه .
وانظري جواب السؤال رقم : (43481) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
98062
العنوان:
حكم العمل في شركة برمجة وفيها قسم آخر يصمم مواقع لترويج الخمر
السؤال:
أنا أعمل مهندس كومبيوتر في شركة برمجيات أصحابها نصارى وقد بدأت الشركة في مواقع إلكترونية لمحلات ومصانع خمور لكن ليس بها حتى الآن عمل برمجيات بل كلها حتى الآن عمل لمصممي المواقع وليس لمبرمجيها لكن هناك احتمال كبير في تداخل العملين معاً . أنا تركت الشركة لأبعد عن الشبهات ولكن هناك مسلمون في الشركة لا يريدون أن يغادروا الشركة ، فما الحكم في هذا الموقف ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت أعمال البرمجة مقتصرة على ما هو مباح ، ولا علاقة لها بالمواقع المحرمة كمواقع بيع الخمور وتصنيعها ، فلا حرج من البقاء في هذا العمل ، وهو من باب الإجارة على المباح عند من يقترف الحرام ، كالعمل عند المرابي وشارب الخمر ونحوهما ، ومعلوم أن الأصل حل هذا التعامل ، ما لم يكن فيه إعانة على الحرام . وقد عمل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لدى اليهود ، مع اشتهار أخذهم الربا وأكلهم السحت .
لكن يكره التعامل مع أصحاب الأموال المختلطة ، وقد أحسنت في الخروج من هذه الشركة ، ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا .
وإذا دمج بين أعمال البرمجة وأعمال التصميم لمواقع الترويج للخمر أو غيرها من المنكرات ، تعيّن ترك العمل ؛ لأنه لا يجوز مباشرة الحرام أو الإعانة عليه .
وانظر السؤال رقم (31781) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98064
العنوان:
إذا علم أن الشركة ستقترض بالربا فمتى يلزمه بيع الأسهم؟
السؤال:
إذا علم أن الشركة ستقترض بالربا فمتى يلزمه بيع الأسهم؟
الجواب:
الحمد لله
يجب على من يريد المشاركة والاكتتاب في أي شركة أن يتأكد من حل نشاطها ، ومصادرها ومواردها ، إذ لا يجوز الاكتتاب في شركة ذات نشاط محرم ، كالربا والقمار والدعارة ونحوها ، ولا يجوز أيضا الاكتتاب في شركة ذات نشاط مباح ، لكنها تقترض أو تقرض بالربا ، لأن السهم حصة شائعة في مال الشركة ، والمساهم شريك في كل معاملة تجري فيها ، والإدارة تتصرف بمقتضى كونها شريكا ، ووكيلا عن بقية المساهمين .
والمقصود أن أي عمل محرم كالاقتراض بالربا ، يلحق المساهمَ إثمه بمقتضى كونه أحد الشركاء ، ولهذا وجب عليه إنكار ذلك ، والخروج من الشركة في حال إصرارها على التعامل المحرم .
وفي الحالة المسئول عنها ، يجوز للمساهم أن يبقى في الشركة ، إلى أن يتحقق من أن الشركة ستقترض بالربا ، فيبيع أسهمه حينئذ ، سواء كان ذلك قبل الاكتتاب الرسمي أو بعده .
وينبغي أن يعلن كل مسلمٍ يخاف من الربا ومن شؤم عاقبته ، موقفَه من الشركة ، وعزمَه على تركها في حال اقتراضها بالربا ، وأن يشاع ذلك وينشر إبراءً للذمة ، ونصحاً للقائمين على الشركة ، وأملا في عدولهم عن قرار الاقتراض المحرم ، ومعلوم أن بعض المصارف الإسلامية يمكنها توفير سيولة مناسبة لهذه الشركات ، عن طريق عقود شرعية مباحة ، فتستغني بذلك عن الحرام .
وإنما قلنا إنه يبيع حال تحققه من أن الشركة ستقترض بالربا ، لأن بقاءه بعد ذلك فيه نوع إعانة وتقوية لهم على ما يريدون ، وخروجه وخروج غيره من أهل الخير ، فيه تذكير ونصح للشركة كما سبق .(/1)
وأما بقاؤه حتى يقع الاقتراض بالفعل ، فهذا مشاركة في العقد الربوي المحرم ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : ( هم سواء ) رواه مسلم (1598) من حديث جابر رضي الله عنه .
وقد وجهنا هذا السؤال للدكتور محمد العصيمي حفظه الله ، ونصه : " اشترى أسهما قبل الاكتتاب ، ثم علم أن الشركة ستقترض بالربا ، هل يلزمه البيع الآن ، أم عند اقتراض الشركة بالفعل ، أم قبيل ذلك إذا عرف الموعد ؟
فأجاب : " الأورع قبل القرض ، والواجب عند القرض الفعلي إلا أن يكون خسران ، فينتظر رأسماله ، والله أعلم " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98071
العنوان:
تنزل عليها نقاط بنية متفرقة قبل نزول الدم
السؤال:
الدورة الشهرية لا تأتي طبيعية بل لابد من أخذ حبوب لإنزالها ، ومنذ شهرين أخذت علاجا لإنزالها فلم تنزل ثم أخذت هذا الشهر حبوبا لإنزالها ، فنزل في اليوم المفترض نزولها فيه مني نقط بلون بني وهذه النقط متقطعة خلال اليوم ثم في اليوم التالي نزل مني نقط حمراء اللون وبدأت كمية الدم تصبح قريبا من الطبيعية . سؤالي : هل اليوم الأول الذي نزلت فيه النقط البنية اللون أمتنع من الصلاة أم أصلي ؟
الجواب:
الحمد لله
الذي يظهر - والله أعلم - أن هذه النقاط ما دامت في زمن العادة ، ومتصلة بالدم النازل بعدها ، فهي من الحيض ، فتمتنعين فيها من الصلاة والصوم .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى . وتقول: أنا أصلي الأيام الخمسة ، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟
فأجاب : " إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا الصيام ، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع، كدم الاستحاضة.
أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/207).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98107
العنوان:
طرق الشيطان في الإيقاع بالدعاة في فتنة النساء في الإنترنت وموقف الزوجة
السؤال:
أنا متزوجة من رجل دين وعلى خلُق ( فيما يظهر لي وللناس ) المشكلة : أنه بعد دخول الانترنت أصبح يدخل إلى الشات والمنتديات بحجة الدعوة إلى الله وتفريج كرب المسلمين ، ثم أصبح التواصل مع هؤلاء الناس أكثر من المساعدة فقط ، فقد أصبح هناك سؤال عن الأحوال الشخصية ، وحتى الحالة النفسية ، وتطور الأمر أكثر من ذلك فأصبح اتصال بالجوال ، ورسائل بأنواعها ، وتطور الأمر إلى السفر إليهم ومقابلة الجنسين بكل سهوله ، والجلوس معهم ، ومناقشة أمور الدين ، وغيرها ، وقد كنت أتحاور معه على هذا الموضوع باستمرار ، ولكن دون فائدة ، بل أصبح يخفي بعض الأمور بدعوى أنها حياته الشخصية ، وعندما أوضح له أنه لا يجوز له مخاطبة النساء الأجانب والتحاور معهم على الأمور الشخصية : يتحجج بأن الشيوخ يفعلون ذلك ولا حرج ، ويحثني على أن أنتبه للعائلة وأدعه في شأنه ، وعند مناقشة هذا الأمر معه يقول : إن هذا أمر عادي ، ولكن المجتمع السعودي متخلف ، ومتحجر ، ولا يفهم التطور ومحاورة الآخرين ، وسوف يتقبل المجتمع ذلك كما تقبل الدش ، والآن تعرَّف على امرأة من الانترنت ، وقدَّم لها المساعدة ، وأصبح يتابع أخبارها باستمرار ، ثم سافر إلى بلدهم وقابل زوج صديقتها ، ثم جلسوا مع بعض ، وتناقشوا في عدة أمور ، ثم رأى أن حل مشكلة هذه المرأة بالزواج منه ، فعرض عليها الزواج ، ثم بعد الرجوع إلى السعودية أخبرني أنه سيتزوج منها ، وهو يسعى إلى إيجاد التصريح ولو دفع مال مقابل ذلك ، وأصبحت أنا أتحمل مسؤولية تربية الأبناء وحدي ( وقد كنت من الأول أنا أتحمل المسؤولية ) ، المشكلة كذلك أنه طوال الوقت مشغول بالعمل والدراسة ، ونادر التواجد في البيت ، وعند مناقشة هذا الأمر معه كان يقول إن في السلف من يغيب عن بيته بالسنوات ، والمرأة هي من يقوم بالتربية(/1)
وعند التحدث عن الانشغال أيضا بالزوجة الثانية يقول : لا ، بل سينظم وقته ، ويتفرغ لزوجاته وأبنائه ، وإنا بصراحة أشك في ذلك ، أنا لم أهمل زوجي ، ولا نفسي ، ولا أولادي ، لكنني إنسانة لا أحب المجادلة ، وكنت أثق فيه ، ولم أتصور أن يتطور الأمر إلى ذلك ، فقد أصبح همَّه ، وعند سؤاله يخبرني بأن الله هو من يحاسبه . أفيدوني بارك الله فيكم ماذا أعمل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
إن للشيطان وسائل يسلكها ليصل إلى الإيقاع بعامة الناس ، وله وسائل أخرى يصل إلى المقصود نفسه مع خاصة الناس من أهل العلم والدعوة والعبادة . وصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ ) رواه مسلم (2814) ، وهكذا يدخل اللعين لكل هدف ، من الباب الذي يلائمه ! فيزين له أعماله حتى يحسب أنه يُحسن صنعاً ، ولا يزال به حتى يوقعه في المعاصي والمنكرات .
ولو عقل هؤلاء الخاصة شرع الله تعالى لانتبهوا لأنفسهم ، فإن الله تعالى قد نهانا عن اتباع خطوات الشيطان ، ولم ينهنا عن اتباع الشيطان مباشرة ! قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) النور/من الآية 21 ، وقال : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) البقرة/ من الآية 168 من الآية 208 ، والأنعام / من الآية 142 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :(/2)
وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب ، واللسان ، والبدن ، ومن حكمته تعالى أن بين الحكم ، وهو : النهي عن اتباع خطوات الشيطان ، والحكمة ، وهو بيان ما في المنهي عنه من الشر المقتضي ، والداعي لتركه فقال : ( وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ ) أي : الشيطان ( يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) أي : ما تستفحشه العقول والشرائع ، من الذنوب العظيمة ، مع ميل بعض النفوس إليه ، ( وَالْمُنْكَرِ ) وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه ، فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان لا تخرج عن ذلك ، فنهي الله عنها للعباد نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه ؛ لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح ، فمن إحسانه عليهم أن نهاهم عنها ، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها .
" تفسير السعدي " ( ص 563 ) .
ونهانا ربنا تعالى عن أن نقرب الزنا ، ولم ينهنا عن الزنا مباشرة ! قال تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء/32 .
وعندما يريد الشيطان أن يوقع خاصة الناس في المعصية : فإنه يأتيهم من باب الطاعة ! فيبدأ الأمر من الترغيب برعاية الأرملة والمسكينة ، ولا يزال يتطور الأمر ، فيبدأ بالعناية بأحوال تلك النساء من بُعد ، ثم لا يزال يقترب بالكلام ، ثم النظر ، ثم الجلوس والانبساط في الحديث ، إلى أن يقع الإعجاب ، ثم يحصل ما لا يُحمد عقباه .(/3)
وله طرق أخرى ، ومنها : الدعوة إلى الله ! فيبدأ الأمر على أنه نصح عام للمسلمين ، ثم يبدأ بتخصيص نصحه ودعوته لبعض الخاصة ، ثم لا يفرِّق في هذا بين ذكر وأنثى ، ثم يبدأ مشواره مع النساء بالكلام المحتشم ، ثم بالأسئلة الخاصة ، فالمزح ، فالإكثار من المراسلة ، ثم ينتقل إلى الحديث بالصوت ، ثم بالصوت والصورة ، ثم باللقاء ، ثم يحصل ما لا يُحمد عقباه ، وكل ذلك الطريق الذي سلكه كان من خطوات الشيطان الذي نهاه الله عن اتباعها ، وكل ذلك كان من " قربان " حدود الله التي نهاه الله عن قربانها ، فزيَّن له الشيطان عمله ، وأوهمه أنه يدعو إلى الله ، وأن هذا من نفع المسلمين ، ومن تعليم الجاهلين ، ومن تنفيس الكربات ، وتفريج الهموم ، ولا يزال يزين له أعماله حتى يوقعه في الموبقات .
وإننا لنأسف على إخوة وأخوات عرفناهم من أصحاب الهمم والطاقات في الخير ، ثم صار حالهم إلى بُعد عن الله تعالى ، ووقوع في الفواحش والمنكرات ، ومعظم النار من مستصغر الشرر ، فلم ينتبه هؤلاء إلى أول خطواتهم في طريق المعصية ، ولم ينتبهوا لأنفسهم وقلوبهم وتغيرها ، ولن يلتفتوا لإيمانهم وضعفه ، وكل ذلك جعله الله تعالى إشارات ينتبه بها الغافل ، ويستيقظ بها النائم .
وينظر سؤال : (60269)
ثانياً:
وما حصل من زوجك هو مما ذكرناه قطعاً ، والفتنة التي وقع بها واضحة المعالم ، وكلامه فيه مغالطات وتجنٍّ ، وكل ذلك من أجل أن يقنع نفسه أنه ليس بمخطئ ، ومن ذلك :
1. إخفاء تصرفاته عنكِ ، ودعواه أنها " حياته الشخصية " ! ولو كان يفعل الخير ، ويرجو ثوابه عند الله تعالى لشاركك في دعوته ، واستشارك في كيفية تعامله مع النساء – على الأقل - ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الإثم هو " ما حاك في الصدر وكرهتَ أن يطلع عليه الناس " وهو عين ما كان يفعله .(/4)
2. زعمه في تسويغ تصرفاته أن " الشيوخ يفعلون ذلك ولا حرج " ! هو من تجنيه عليهم ، وإذا كان " الشيوخ " يخفون تصرفاتهم وأحوالهم – مثل ما يفعل – فكيف وصل له الخبر أنهم يفعلون مثل فعله ؟! وإن كان الشيوخ يخاطبون النساء ويرشدونهم فبالطريقة الشرعية لا بطريقته هو ، فلا يصح له الاستدلال بفعلهم ، فلا هو بالذي فعل مثل فعلهم ، ولا هم فعلوا فعله كما زعم عليهم .
3. زعمه أن " المجتمع السعودي متخلف ومتحجر ولا يفهم التطور ومحاورة الآخرين " : هو من تلبيس إبليس عليه ، فإذا كان الواقع كما يقول : فلماذا لا يسمح لكِ بمخاطبة الرجال الأجانب كما يفعل هو مع النساء الأجنبيات ؟! وهل يسمح لابنته بأن تخاطب من تشاء من الرجال في الإنترنت وفي حياتها ؟! فإن كان يسمح في الحالتين فهو ديوث ، رضي بالدياثة لنفسه خلُقاً ، وإن كان لا يسمح – وهذا ما نعتقده - : فهو متناقض ، لأن ما أنكره على المجتمع السعود من التخلف والتحجر قد وقع هو فيه .
4. زعمه أن في السلف " من يغيب عن بيته بالسنوات " : نعم صحيح ، لكنهم كانوا يغيبون لطلب العلم ، والجهاد ، لا لملاحقة النساء وإشباع الرغبات الفاسدة ! .
5. وزعمه أن " المرأة هي من يقوم بالتربية " : زعم باطل ، بل مسئولية مشتركة على الأب والأم ، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الأب راعياً في بيته ومسئول عن رعيته : ( والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته ) ، فماذا سيقول لربه تعالى إن سأله عن رعيته ؟! .
6. قوله " بأن الله سيحاسبه " : نعم ، لكنه حساب يترتب عليه الثواب والعقاب ، وثمة حساب في الدنيا على تصرفاته ، ويجب أن يُحاسب نفسه أولاً ، ويجب أن يقبل من غيره محاسبته على تصرفاته ، فهو عبد لله تعالى ، وهو زوج ، وأب ، وثمة مسئوليات شرعية ، ودنيوية عليه ، ويجب عليه الانتباه لها ، وقبول محاسبة غيره عليها .(/5)
إن هذا المنطق الغريب الذي يتكلم به زوجك " إن الله سيحاسبه " يريد من ورائه هدم قاعدة من أعظم قواعد الدين ، فـ " الدين النصيحة " كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويريد تعطيل شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) التوبة/71
7. إن ما يدعوك إليه من الانتباه إلى العائلة وتركه في شأنه ترك لسبيل المتقين ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) سورة الأعراف/201، لقد ترك خير الكلام الذي هو ذكر الله عز وجل ، وردّ نصيحتك ، بل ونهاك عنها : ( إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك . وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل اتق الله فيقول عليك بنفسك ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
ثالثاً:
والذي ننصحكِ بفعله :
1. مداومة نصحه وتوجيهه وتذكيره ، وليكن ذلك بالأسلوب الحسن ، والحجة القوية ، وذكريه بأيام استقامته ، وحذريه من خاتمة السوء ، وأعلميه بأن الله تعالى قد يبتليه في عرضه ، كما يفعل هو بأعراض الناس . وفي مأثور الحكم : ( ومن هتك حجاب أخيه ، انتهكت عورات بنيه )
2. أكثري من الدعاء له ، واحرصي على الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر ، واحرصي على الأوضاع الفاضلة كالسجود ، فأكثري فيه الدعاء له .
3. ولا بأس بإخبار بعض إخوانه في الله ممن يوثق بدينه وخلقه ممن يثق بهم ويحترمهم ، وليكن ذلك من غير مباشرة منك ، ولا تصريح بأفعاله ، فيخبر ذلك الثقة بأن صاحبه قد نقصت استقامته ، وبدأ حاله بالتغير ، ونحو ذلك الكلام المجمل .(/6)
4. ونرى أن تعينيه على التزوج بأخرى ، فلعلَّ ذلك أن يشغله عن تتبع النساء ، وإهدار وقته فيما لا ينفع ، وقد يطفئ الزواج شهوته ، ويرجعه لدينه وعقله ، فلا نرى لك الوقوف في وجهه إذا عزم على هذا الأمر ، وأعلميه أنك ترضين بالزواج لأنه حلال ، وتخالفينه في أفعاله تلك لأنها حرام .
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، ويفرِّج كربك ، وأن يهديه ويصلح باله .
والله الموفق(/7)
رقم السؤال:
98110
العنوان:
أهلها لا يرغبون في تزويجها وتفكر في الزواج العرفي بلا ولي
السؤال:
أنا فتاة أبلغ من العمر 31 سنة، لا أعمل.. حالتي المادية ضعيفة ، منذ سنة تقريبا تعرفت على شاب عن طريق الانترنت تعارف "بريء" وقد عرض عليا فكرة الزواج حيث أنه لا يؤيد فكرة التعارف بين الشاب والشابة دون مغزى.. حدثت أمي بالموضوع ولكنها رفضت بحجة انه من مستوى اجتماعي أعلى من مستوانا الاجتماعي ، وهذا قد يؤدي إلى التكبر علينا واحتقارنا من عائلته ناقشتها عدة مرات في موضوع الزواج ولكنها تقول : ماذا تريدين من الزواج ؟ أنتي ببيت اهلك معززة مكرمة"!!! أخبرت ذلك الشاب أني لا أستطيع الزواج منه ومضى كل منا في طريق.. منذ أشهر تعرفت على شخص عن طريق أحد مواقع الزواج.. وهو متزوج وأنا لا أمانع لكن أمي لم توافق بحجة انه متزوج وأيضاً لأنه من قبيلة مختلفة عن قبيلتنا حالتنا المادية صعبة وأجوائنا العائلية أصعب وقد تعبت نفسيا من الوضع.. ومع أني أخاف ربي لكن تجرأت مرة ومرتين في فعل أمور لا أحب أن أذكرها.. فضيلة الشيخ.. أنا لا أود الوقوع في الحرام لكن الحل الوحيد هو في زواجي من الرجل الأخير الذي عرفته عن طريق موقع للزواج ، هو مستعد للزواج ونحن متفقان والحمد لله سؤالي هو : أود الزواج منه دون أعلام أهلي.. زواج عرفي لكن بشهود وعقد ومهر وشروط لكن دون ولي الأمر لان والدي ضعيف الشخصية والكلمة الأخيرة لأمي وغير الشهود الأساسيين هناك اثنتين من صديقاتي.. فهل أستطيع الزواج منه؟ مع العلم أني لن أبقى متزوجة بهذه الطريقة فترة طويلة لفترة فقط أصون نفسي عن الحرام إلى أن أجد الوقت المناسب لأخبر أهلي بذلك..
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يصح النكاح إلا بولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.(/1)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709).
ثانيا :
إذا منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيتْ به ، فقد عضلها ، وتنتقل الولاية لمن بعده من العصبة ، ثم إلى القاضي .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتُك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله ، لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( فلا تعضلوهن ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . فزوجها إياه . رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها "
المغني (9/383)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.(/2)
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخُطَّاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زَوَّجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها؟
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
ثانيا :
ينبغي أن تستعيني بمن ينصح أباك وأمك ، ويحثهما على تزويجك ، ويحذرهما من إثم العضل والظلم .(/3)
وعلى الراغب في خطبتك أن يتقدم إلى وليك ، فإن رفضه لغير سبب ظاهر ، فارفعي أمرك للقاضي ليتولى تزويجك ، وليس لك أن تزوجي نفسك ، لا سيما الزواج العرفي الذي لا ضمان فيه لحقك ، فما أسهل أن يتخلى الزوج فيه عن زوجته ، وأن يتنكر لها ، ولا يعترف لها بشيء ، وفي ذلك قصص مشهورة ، توجب العظة والاعتبار .
ثالثا :
ينبغي أن تحذري من إقامة أي علاقة مع الرجال عبر الإنترنت أو غيره ، وأن تعلمي أن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته ، وأن المعصية سبب رئيس للحرمان من الرزق والخير .
وانظري جواب السؤال رقم (34841) و (26890) و (23349) .
ونسأل الله تعالى أن يهدي والديك ، وأن ييسر أمرك ، وأن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
98118
العنوان:
شراء شقة بالأقساط مع النص في العقد على اشتراط غرامة على التأخير
السؤال:
ذهبت لأشتري شقة من أحد الأشخاص بالتقسيط ، وعندما قرأت العقد وجدت فيه شرطا وهو في حين تأخري عن سداد الدفعة في الموعد يكون علي غرامة قدرها 2000 جنيه وأنا على ما أعلم أن هذا شرط ربوي , فما حكم العقد بيني وبينه ؟ وهل أأثم في تعاملي معه ؟ مع العلم أني إن شاء الله لن أؤخر الدفعة فلن أضطر للتعامل معه بالربا .
الجواب:
الحمد لله
إذا اشتمل العقد على اشتراط غرامة في حال التأخر عن السداد ، فهو عقد محرم ، لا يجوز الدخول فيه ؛ ولو كان الإنسان متيقنا من قدرته على السداد ؛ لأنه إقرار للربا ، والتزام به ، وذلك محرم ، ولأن الإنسان قد يَعرض له ما يمنعه من السداد ، من مرض أو سفر ونحوه .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريم غرامة التأخير التي يفرضها البائع أو المصرف عند تأخر العميل في السداد .
فقد جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133(7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه : " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق ، أو بدون شرط ، لأن ذلك ربا محرم "
انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ص (571)
فالواجب نصح هذا الشخص وبيان حرمة ما أقدم عليه من اشتراط الربا ، وتوجيهه إلى أخذ الضمانات الكافية من المشترين ، كطلب كفيل ، وأخذ شيكات ، وجعل الشقة مرهونة لديه لا يتمكن المشتري من بيعها حتى يسدد ما عليه من أقساط ، ونحو ذلك .
نسأل الله لنا ولك التوفيق السداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98124
العنوان:
التورق المصرفي واختلاف الفتوى فيه بين المجامع الفقهية وعلماء البنوك
السؤال:
القرض بالتورق وجدت أنه مجاز من كبار العلماء في البنوك ، ولكن قرأت في موقعكم أن شروط التورق التي يطرحها البنك من البداية جعلته حراماً ، وأنا في حيرة ، ما فهمته من إجابات بعض الأسئلة على موقعكم أنه لا يجوز أن أوكِّل البنك في بيع السلعة التي قمت بشرائها ، أو أنه لا يجوز أن أبيع السلعة للبنك نفسه ، وهذا النظام هو المتبع لدى البنوك ، والمجاز من كبار العلماء ، فكيف أفهم الصحيح ؟ لأنني قرأت الإجازة في البنك ، وبناء عليه أخذت قرضاً ، مضطراً لسداد ديون عليَّ ، ولظروف قاسية اضطررت للاستدانة ، وأنا راتبي لا يكفيني وأولادي ، ومساعدة أبي وإخوتي ، وكنت لا أملك شقة في مصر ، اضطررت للاستدانة لسداد الدين والتوسيع على أولادي ، حاولت ألا أقع في الشبهات ؛ لأني سمعت أكثر من رأي في هذا الموضوع ، ولما وجدته مجازاً من كبار العلماء هنا أقدمت عليه ، إذا كان ما فعلتُه حراماً : كيف السبيل ؟ وقد سددت الديون وعليَّ الآن أقساط القرض بالفائدة ، جزاكم الله خيراً ، وادعوا لي بالخلاص من هذا الهم الذي يؤرقني ليل نهار ، إنني أشعر بالذنب ، مع العلم أنني استخرت الله قبل الإقدام على هذا ، وعرض عليَّ البنك بعد فترة منحي بطاقة ائتمان دون مصاريف سنوية ، وعلمت أنني لو سددت المبلغ المستحق قبل الموعد لا يأخذ مني فائدة ، بصِّروني ، جزاكم الله خيراً ، وكيف أكفِّر عما فعلت ، وكيف التوبة ، وأنا لا أستطيع سداد كل القرض مرة واحدة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
التورق منه ما هو جائز ، ومنه ما هو محرَّم ، أما الجائز فهو شراء السلعة من تاجر بالأقساط وبيعها نقداً لغيره ، وقد بيَّنا جواز هذا النوع من التورق بشروطه في جوابي السؤالين : (45042) و (36410) .
وأما المحرَّم فله صورتان :(/1)
الأولى : أن تشتري سلعة بأقساط ، وتبيعها على من اشتريتها منه نفسه ، وهو ما يسمَّى " بيع العِينة " وسميت بالعينة لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها ، وهو محرم ، لأنه حيلة اتخذت للتوصل بها إلى القرض بزيادة ربوية ، فصارت بذلك محرمة عند جماهير العلماء .
والثانية : " تورق البنوك " أو " التورق المنظم " ، وصورته : أن تشتري من البنك بضاعة بالأقساط - وفي الغالب تكون مرابحة ، ثم توكِّل البنك في بيعها نقداً ، وهذه المعاملة – أيضاً - محرمة .
وقد صدر قرارٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " المنعقد في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م فيه تحريم هذه المعاملة ، وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي ، وفيه :
" بعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع ، والمناقشات التي دارت حوله ، تبيَّن للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو :
قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة ) من أسواق السلع العالمية أو غيرها ، على المستورق بثمن آجل ، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر ، وتسليم ثمنها للمستورق .
وبعد النظر والدراسة ، قرر مجلس المجمع ما يلي :
أولاً : عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية :
1. أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً ، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة ، أم بحكم العرف والعادة المتبعة .
2. أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.(/2)
3. أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة من البنك للمستورق ، وعملية البيع والشراء تكون صورية في معظم أحوالها .
وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء ، وقد سبق لـ " المجمع " في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره ؛ وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة .
التورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل ، تدخل في ملك المشتري ، ويقبضها قبضاً حقيقيّاً ، وتقع في ضمانه ، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حالٍّ لحاجته إليه ، قد يتمكن من الحصول عليه ، وقد لا يتمكن ، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها ، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف .
ثانياً : يوصي " مجلس المجمع " جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة ، امتثالاً لأمر الله تعالى .
كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا : فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى بتصرف يسير .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان – وفقه الله - :
مسببات القول بعدم جواز التورق المصرفي المنظم :
1. الربا.
2. ( وهو في معنى ما قبله ) أن المستورق لا يقصد السلعة ، وإنما يقصد النقد ، والبيع الحاصل بيع صوري ، فتؤول المسألة إلى نقود حالَّة بنقود مؤجلة أكثر منها .
ومما يدل على صورية البيع :(/3)
أن البنك لا يقبض السلع الدولية قبضاً حقيقيّاً ، ولا يقبض الإيصالات الأصلية للمخازن التي تودع فيها هذه السلع ، وهي التي تتداول في البورصة ، وتنتقل من يد إلى يد تنتهي إلى مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه .
والشأن في المستورق أشد ؛ فهو لا يقبض السلعة قبضاً حقيقيّاً ولا حكميّاً ، ومن ثم فهو يبيع ما لم يقبض ، بل ما لم يُعيَّن ؛ لأن ما يبيعه البنك على العميل جزء مما تملكه البنك مما هو محدد برقم الصنف ، وهذا الرقم لا يكون للأجزاء الصغيرة ، ولكنه رقم للوحدة الكبيرة التي يجزؤها البنك على المتورقين .
3. أن التوكيل للبنك في التورق المنظم ينافي مقتضى عقد الوكالة ؛ لأن ما يعمله البنك باعتباره وكيلاً ينافي مصلحة المستورق ، فهو يبيع السلعة بثمن أقل من الثمن الذي اشترى به المستورق ( والعقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره ، وشُرط فيه ما ينافي ذلك المقصود : فقد جمع بين المتناقضين ؛ بين إثبات المقصود ونفيه ، فلا يحصل شيء ، ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق ) ، وانضمام الوكالة إلى التورق شرط وإن لم يصرح به ؛ فإنه لولا هذه الوكالة لما قبل المستورق بالشراء من البنك ابتداء .
4. ضمان المشتري النهائي : فيتفق البنك مع طرف مستقل يلتزم بشراء السلع التي يتوسط فيها ، وهذا الالتزام ضمان للسعر المباع ألا يتجاوز حدوداً معينة ؛ حماية من تقلب الأسعار ، ويقابل هذا الضمان التزام البنك بالبيع عليه ، بمعنى أنه لا يحق للبنك أن يبيع السلع في السوق حتى ولو ارتفع سعرها المتفق عليه مع المشتري الثاني ، وبذلك يكون هذا الضمان من الطرفين : من البنك بالبيع على المشتري الثاني ، ومن المشتري بالشراء بالثمن المحدد .
5. مخالفة التورق المنظم للتورق الذي أجازه جمهور الفقهاء ، وهذه المخالفة من وجوه منها :(/4)
أ . أن البنك يتولى بيع السلعة التي اشتريت منه لمن يشاء ، في حين أن المستورق هو الذي يتولى البيع في التورق الفردي ، وليس للبائع الأول علاقة ببيع السلعة ولا بالمشتري النهائي .
ب . وجود اتفاق سابق بين البنك والمشتري النهائي يتضمن شراء ما يعرضه البنك من سلع بالثمن الذي اشتراها به المصرف كما تقدم ، أما في التورق الفردي فالمستورق هو الذي يبيع سلعته بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل أو أكثر .
6. أن التورق المنظم يدخل في بيع العينة المحرم ؛ لأن البنك هو مصدر السيولة للمستورق في الحالتين ، فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته ، ولولا علم المشتري بأن البنك سيوفر له النقد الحاضر لاحقاً لما أقبل على هذا العمل ابتداء .
7. أن التورق المصرفي المنظم لا يدخل في بيع العينة الذي أجازه الشافعي ؛ لأنه يشترط ألا يكون هناك ارتباط بين البيعتين ، وألا تظهر نية الحصول على النقد ، وكلا الشرطين غير متحقق هنا .
8. قضاؤه على أهداف البنوك الإسلامية من وجوه :
أ . محاكاتها للبنوك الربوية في تقديم التمويل ، ومنح الائتمان .
ب . الاكتفاء به عن صيغ الاستثمار الأخرى ، وقد تجاوزت نسبة التورق 60% من أعمال التمويل في البنك .
ج. الالتباس بين البنك الإسلامي والربوي .
د. إهدار الجهود المبذولة لتوجيه البنوك الإسلامية إلى تمويل في صورة استثمار عن طريق المشاركة والمضاربة والسَّلَم ونحوها .
9. تهجير أموال المسلمين ؛ لأن تجارة التورق المنظم تكون في السوق الدولية ، فتُهجر بها أموال المسلمين ليستفيد منها غيرهم .
" موقع المسلم " باختصار .
ثانياً:
وأما قول السائل بأنه قد أباح هذا البيع كبار العلماء : فليس صحيحاً ، فالذين أباحوه هم اللجان الشرعية في البنوك الإسلامية ، أو الفروع الإسلامية في البنوك الربوية ! مع التنبيه أنه ليس كلهم أجاز هذه المعاملة .(/5)
وقد ردَّ كثيرون على القول بالإباحة من تلك اللجان الشرعية ، وفي قرار " مجلس المجمع الفقهي " التنصيص على هذه المصارف بعنوان القرار ونصه وخاتمته ، وللشيخ خالد المشيقح بحث موسع في تحريم هذه المعاملة ، فلينظر في " مجلة البحوث الإسلامية " ( 73 / 234 - 237 ) ، ويوجد ردود من الدكتور على السالوس ، والدكتور سامي سويلم ، والدكتور عبد الله بن حسن السعيدي – وكلاهما قدَّم بحثاً في المسألة لمجلس المجمع الفقهي - ، والشيخ عبد الرحمن العثمان ، والدكتور محمد بن عبد الله الشباني ، انظرها في موقع " المسلم " .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 60185 ) .
وأما ما يتعلق بك أنت أخي السائل ، فما دمت قد وثقت في تلك اللجان ، وأخذت برأيهم ، وأنت لا تدري أن قولهم ضعيف ، فنرجو أن لا يكون عليك حرج ، مع العزم على عدم العود إلى ذلك مستقبلاً .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير ويعينك على سداد ما عليك من ديون .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
98125
العنوان:
كان ملتزماً وعمله مختلط وصار على علاقة محرَّمة مع امرأة فهل يتزوجها ؟
السؤال:
لي ابن كان ملتزماً ، وفي عمله اختلاط ، وتعرَّف على بنت ، وصار بينهم علاقة محرمة ، هل يجوز منعه من الزواج بها أم نتركه يتزوجها ؟ ولكن نخشى منها عليه ، علماً أن سلوكها كأي بنت ترتبط بشباب ، ولكن لم يتم أي شيء مع أي شاب إلا هو وهو متمسك بها جدّاً ، وهل يجوز أن نتركه يتزوجها ثم يطلقها ؟ وهل نية الطلاق في هذه الحالة تفسد العقد وأنا أخشى الله ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ذكرنا في فتاوى متعددة حرمة الاختلاط المستهتر ، الذي لا ينضبط بضوابط الشرع في الحجاب ، وأدب المعاملة المتبادلة ، وذكرنا حرمة العمل والدراسة إن كان فيهما اختلاط ، ونأسف أنه يوجد من المفتين من يتساهل في هذا الأمر ، ويقر هذه الفوضى العارمة في أماكن الدراسة والعمل ، وكأنَّ هؤلاء يعيشون في عالم آخر ، لا يرون فيه أثر الاختلاط المحرَّم من إتلافٍ للقلوب ، وذَهابٍ للعقول ، وضَياع للأديان .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1200)
ولم ينج من هذا الأثر أحدٌ ، فالمرأة العفيفة المصونة وقعت في مستنقع الاختلاط الآسن ، فجاءها من قَذَرِهِ وقبح منظره ورديء رائحته شيء كثير ، وقُلْ مثل ذلك في الشباب المستقيم على طاعة الله ، كيف كان وكيف صار .
وقد جعل الله تعالى في الرجال ميلاً نحو الإناث ، وجعل في الإناث ميلاً نحو الرجال ، ولم يبح الله تعالى من العلاقة بين الأجانب منهم إلا بالنكاح ، ولذا فإن في الشريعة من الأحكام شيئاً كثيراً يغلَق فيه الطريق على السائر فيه نحو الفاحشة ، فجاء تحريم النظر إلى الأجنبية ، وتحريم مصافحتها ، والخلوة بها ، وجاء تحريم سفر المرأة وحدها ، وغير ذلك من الأحكام التي تقطع على الشيطان طريقه في إيقاع المسلم في فاحشة الزنا .
ثانياً:(/1)
قلتِ - أختنا الفاضلة – : " وصار بينهما علاقة محرمة " ، ولا ندري معنى هذه الجملة ، وهي تحتمل أمرين :
الأول : الزنا – والعياذ بالله - .
والثاني : المصاحبة والخلوة ، وما دون الزنا .
فإن كان الاحتمال الأول هو الواقع : فقد وقعا في ذنب عظيم ، وجريمة منكرة ، وقد حكم الله تعالى على الزاني والزانية غير المحصنين بالجلد مائة جلدة ، وعلى المحصن منهما الرجم حتى الموت ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سلب الإيمان عن الزاني ، ورأى في منامه الزناة والزانيات في تنور في نار جهنم .
ومن الأحكام المترتبة على الزناة : أنه يحرم على الزاني تزوج الزانية ، ويحرم عليها تزوجه ؛ لأن نكاح الزاني والزانية محرَّم ، إلا أن يتوبا توبة صادقة من أجل ما وقعا فيه من الذنب العظيم .
فإن تابا وأصلحا ، واعتدت المرأة حيضة واحدة : جاز لهما النكاح ، ونسأل الله أن يعفو عنهما بمنه وكرمه .
وينظر للزيادة : أجوبة الأسئلة (14381) و (85335) و (96460) و (87894) .
وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع – كما هو الغالب في مثل هذه العلاقات ، خاصة وهو يريد الزواج بها - فلا يوجد ما يمنع من نكاحه لها من حيث بطلان العقد ، لكن قد يُمنع من باب أنه لا يُرضى دينها ، وخلُقها ، ولا تصلح زوجة تحافظ على بيته ، وتربي له ولده ، ولكننا لا نستطيع أن نقول هذا في حال ابنكما ، فإذا كانت متهاونة ، فهو مثلها ؛ وهكذا كل ما نقدره فيها من العيب والخلل ، هو موجود فيه .
وإذا كان الدين يأمره بأن يبحث عن المرأة الصالحة التقية الطيبة ، فهكذا يأمرها : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26) ، ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) النور/32.(/2)
فلنكن ـ أيتها السائلة الكريمة ـ واقعيين ، ومنصفين !! ولا تنظري في المقارنة بينهما إلى ما كان عليه حال ابنك ، بل انظري إلى حاله الآن .
وحينئذ فإذا رأيت أنهما قد تعلق كل منهما بصاحبه واشتدت رغبتهما في الزواج ، فإن أقرب طريق لإصلاحهما ، وإتقاء الشر من علاقتهما ، أن يتزوجها ، وقد روى ابن ماجة ( 1847) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
وربما تكون هذه فرصة مناسبة لمساومتهما على التوبة والاستقامة والصلاح ،قبل إتمام زواجهما .
ثالثاً:
والزواج بنية الطلاق محرَّم ، ولا يجوز لمسلم أن ينويه قبل عقد النكاح .
وينظر – للأهمية - : جوابي السؤالين (27104) و (91962) .
ونحن معك ، ونأمرك بخشية الله في مثل ذلك ، لو كانت هذه ابنتك يا أمة الله ، أترضين لأحد أن يتزوجها بهذه النية ؟!
أيليق بك أن تفكري في مصلحة ابنك ، وتبحثي عن الخير له ، ولو على حساب الناس ؟!
عن عبد الله بن عمرو بن العاص َقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( َمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ .. الحديث ) رواه مسلم برقم ( 1844) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
98128
العنوان:
يريد أن يطلق زوجته لأنها ربما تفكر في غيره
السؤال:
مشكلتي باختصار أن زوجي يريد أن يطلقني وأسبابه أني أنا في بالي شخص آخر ومصمم على ذلك ويقول إني لم أعد أرغب بالنوم في فراشه (الجماع) مثل السابق وأن سبب ذلك يرجع إلى تفكيري في شخص آخر ، ما الحل ؟ وهو الآن يريد أن يحسم الموضوع كما يزعم أمام أهلي ويطلقني وهو لا يملك أي دليل على ذلك ، فقط أفكاره ، ماذا أفعل ؟ يشهد الله إني لا أفكر في أي أحد غيره وأنا تزوجته عن حب، وهو كذلك ولكن لا أدري ماذا جرى ؟ علماً بأن عندنا 7 أبناء أكبرهم 14 سنة وأصغرهم سنة ونصف ماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن هذا تصرف خاطئ من زوجك هداه الله ، فليس للزوج أن يتهم زوجته هذا الاتهام القبيح دون بَيِّنة .
وزراعة الشكوك ، والاسترسال فيها ، ومحاولة التحقق منها ، مما يقوّض بناء الأسرة ، ويعجل بانهيارها ، نسأل الله العافية .
وعليك أن تبيني لزوجك خطأ ظنه ، وأن تؤكدي له براءتك وطهارتك ، ولو استدعى ذلك أن تقسمي له على هذه البراءة ، وأنك محبة له ، راغبة في استمرار العيش معه ، فإنه زوجك ، وأبو أولادك ، وبينكما هذه العشرة الطويلة التي لا يصح أن تنتهي لمجرد شك يلقيه الشيطان في قلب الإنسان .
ثم أنت قد عرفت السبب الذي أوجب شكّه ، وهو ما يدعيه من عدم رغبتك في جماعه ، فاجتهدي في تغيير هذه الصورة التي ارتسمت في ذهنه ، وتوددي إليه ، وتقربي منه ، واعلمي أن هذا مما يرفع قدرك عند الله ، وبه تنالين الأجر والثواب ، فلا تتردي في ذلك ، واحرصي على أن تنالي من زوجك فرصة للتصحيح والتغيير ، وعِديه بذلك ، وبددي قلقه وشكه بإقبالك واهتمامك وحرصك .
والجئي إلى الله تعالى وسَليه أن يرفع هذه الغمة ، وأن يصلح حالكما ، وأن يهدي زوجك ، وأن يسعدكما في الدنيا والآخرة .(/1)
وإن رأيت من أهله أو من أهلك من يمكنه النصح والتوجيه ، ويُرجى من وساطته الخير ، فاستعيني به في هذا الأمر .
ونوصيك بتفقد عبادتك وطاعتك ، فإن العبد يبتلى بذنبه ، ولعلك مقصرة في شيء من حق الله تعالى ، فإن كان الأمر كذلك فعودي إلى الله ، وتداركي ما فات ، فإن من أصلح حاله مع ربه ، أصلح له ما بينه وبين خلقه .
قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق زوجتي ودابتي .
وأكثري من الصلاة والذكر ، وقراءة القرآن في البيت ، لا سيما سورة البقرة ، فإن الإنسان قد يحسد على ما هو فيه من النعمة والاستقرار .
نسأل الله لكما التوفيق والعون والهداية والرشد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98151
العنوان:
حكم الدخول في سحوبات اللوتارية
السؤال:
ما حكم الدخول في سحوبات اللوتارية ؟
الجواب:
الحمد لله
سحوبات اللوتارية : اسم آخر من أسماء الميسر والقمار ، وهو صورة من صور الميسر المسمى بـ " اليانصيب "، حيث يدفع المشترك مبلغاً من المال لا مقابل شيء ملموس ، ولا لشيء له قيمة حقيقية – كسهم قيمته 5 دولارات - ، ويُعطى رقماً ليدخل في السحب على جوائز مالية مرتفعة – وهو مليون دولار - ، وهنا إما أن يكون المشترك غانماً ، إذا فاز بالجائزة ، وإما إن يكون غارماً إذا لم يفُزْ ، وهذا هو حقيقة الميسر .
وعلى هذا فالمشاركة في هذا البرنامج من المحرمات القطعية ، والمال المدفوع لتلك الجوائز المحرَّمة إنما هو مال حرام خبيث.
وقد جاء في دعايتهم لذلك المشروع المحرَّم :
" ستسأل هل هذا الكلام منطقي أو حقيقي ؟ ! وسنقول لك : نعم ، منطقي ، وحقيقي ، وهذه هي الفكرة التعاونية الخلاَّقة !! فنحن لن ندفع لك من جيوبنا شيئاً ، بل أنتم الذين ستدفعون كل شيء ، وسيعاون كل منكم الآخر بسهمه ، ليكون له في النهاية هذه القوة الخلاَّقة للتعاون الذي سيستمر في تدفق وسلاسة ، لتحقق أحلامكم جميعاً واحداً بعد الآخر " انتهى .
وقالوا أيضاً :
" قد تسأل أيضا : أنا سأحصل على ألف دولار ، ثم على مليون دولار ! فما الفائدة التي ستعود عليكم في ذلك ؟ فهل أنتم تفعلون ذلك لوجه الله ؟!! .(/1)
ونجيبك : رغم أن فكرة التعاون فكرة قديمة قدَم البشرية ، وتؤيدها جميع الأديان : إلا أننا أيضا سنحصل على عائد ما دام اشتراك الأعضاء مستمراً ، فنحن نحصل من كل مشترك على خمس دولارات نتيجة الجهد الذي نقدمه ، والخدمات الأخرى ، ومتابعة البرنامج ، بالإضافة إلى الإعلانات ، والأشياء الأخرى التي تترتب على نجاح ومضي البرنامج ، أي أننا نحصل على فائدة ، وأنتم أيضا تحصلون على فائدة ، فلماذا لا يكون من جانبنا الحرص الأكيد على متابعة ونجاح البرنامج ؟! ثم إن هذه الفكرة فكرتنا ، ونحن سنقوم بكل الجهود والمتابعة الفنية التي تحقق لها النجاح " انتهى .
وهذا من الخداع والتدليس حيث يسمون " الميسر " بـ " التعاون " مع أن الحقيقة أنه ميسر محرم ، وليس من التعاون في شيء ، وإنما هو أكل لأموال الناس بالباطل .
انتهى
وانظر زيادة بيان في جواب السؤالين : ( 6476 ) و ( 20993 ) .(/2)
رقم السؤال:
98152
العنوان:
السحب على شهادات الاستثمار
السؤال:
ما حكم الدخول في شهادات الاستثمار ( أ ) و ( ب ) و ( ج ) ؟
الجواب:
الحمد لله
شهادات الاستثمار التي تصدرها البنوك الربوية بأنواعها الثلاثة ( أ ) و ( ب ) و ( ج ) كلها محرَّمة .
وهذه الشهادات عبارة عن سندات ديْن بفائدة ، وهي تختلف باختلاف نوعها ، فشهادات استثمار الفئة ( أ ) تكون فائدتها نسبة مئوية ، وتضاف هذه الفائدة إلى أصل قيمة الشهادة ، إلى أن ينتهي أجل الشهادة بعد عشر سنوات .
وشهادات استثمار الفئة ( ب ) لها فوائد محددة ، وتصرف كل شهر ، أو ثلاثة أشهر ، أو ستة أشهر ، حسب الاتفاق مع البنك ، مع بقاء رأس المال الذي لا يتعرض للنقص .
وكلا النوعين محرَّم ، وهما قروض مضمونة مع فائدة مضمونة ، وليستا من المضاربة في شيء ، ولو كانت مضاربة لكانتا مضاربة فاسدة .
والشرع لا يبيح مضاربة يضمن فيها صاحب المال ماله ، ولا يعطي فيها العامل صاحبَ المال مبلغاً محدّداً .
ومن قرارات " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " المنعقد في دورته الرابعة عشرة في قطر من 8 إلى 13 من ذي القعدة 1423هـ ، الموافق 11/16 كانون الثاني ( يناير ) 2003 :
" من المقرر أن عقد القرض بفائدة يختلف عن عقد المضاربة الشرعية ، حيث إن الربح للمقترض والخسارة عليه في القرض ، أما المضاربة : فهي مشاركة في الربح ، وتحمل للخسارة إن وقعت ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الخراج بالضمان ) رواه أحمد ، وأصحاب السنن بسند صحيح ، أي : ما يتحصل من عوائد ونماء وزيادات : إنما يحل لمن يتحمل تبعة التلف والهلاك والتعيّب ، وقد استخلص الفقهاء من هذا الحديث القاعدة الفقهية المشهورة " الغُنم بالغُرم " ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ( نهى عن ربح ما لم يُضمن ) رواه أصحاب السنُن .(/1)
وقد وقع الإجماع من الفقهاء على مدى القرون ، وفي جميع المذاهب : بأنه لا يجوز تحديد ربح الاستثمار في المضاربة ، وسائر الشركات بمبلغ مقطوع ، أو بنسبة من المبلغ المستثمر - رأس المال - ؛ لأن في ذلك ضمانًا للأصل ، وهو مخالف للأدلة الشرعية الصحيحة ، ويؤدي إلى قطع المشاركة في الربح والخسارة التي هي مقتضى الشركة والمضاربة ، وهذا الإجماع ثابت مقرر إذ لم تُنقل أي مخالفة له ، وفي ذلك يقول ابن قدامة في " المغني " ( 3 / 34 ) : أجمع من يُحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض ( المضاربة ) إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة ، والإجماع دليل قائم بنفسه .
وإن المجمع وهو يقرر ذلك بالإجماع يوصي المسلمين بالكسب الحلال ، وأن يجتنبوا الكسب الحرام طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وشهادات استثمار الفئة ( ج ) ليس فيها فائدة محدَّدة ، وله أن يسترد قيمتها متى شاء ، وهي تخوله الدخول في سحب دوري يجري على أرقام تلك الشهادات ، وهذا السحب مشروط في العقد مع المشترك ، بحيث أنه لولا هذا السحب لم يدخل في هذا البرنامج من الشهادات وهذا ما يجعل حكمها أنها ربوية كأختيها ، وهي داخلة أيضاً في قاعدة : " كل قرض جرَّ منفعة : فهو ربا " .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
يصدر " البنك الأهلي المصري " شهادات استثمار ( المجموعة ج ) وهي عبارة عن شهادات تشترى من البنك ، ويجري السحب عليها ( الشهادة المشتراة ) شهريًّا ، والشهادة التي تفوز تربح مبلغاً كبيراً من المال ، مع احتفاظ صاحب الشهادة برد الشهادة إلى البنك ، وأخذ قيمتها في أي وقت شاء ، فما حكم الشرع في هذا المبلغ الطائل من المال الذي يفوز به صاحب الشهادة الرابحة ؟ .
فأجابوا :(/2)
" إذا كان الواقع كما ذكر؛ فهذه المعاملة من الميسر ( القمار ) ، وهو من كبائر الذنوب ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) .
فعلى من يتعامل به أن يتوب إلى الله ، ويستغفره ، ويجتنب التعامل به ، وعليه أن يتخلص مما كسبه منه ، عسى الله أن يتوب عليه " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 301 ، 302 ) .
وانظر تفصيلاً أوفى في جواب السؤال رقم (72413) .
وقد صدر قرار من مجلس مجمع الفقه الإسلامي بتحريم الأنواع الثلاثة من شهادات الاستثمار ، ونص القرار :
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه .
قرار رقم ( 62 / 11 / 6 ) .بشأن ( السندات ) :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار ( مارس ) 1990م .
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة ( الأسواق المالية ) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية ، وباستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية .(/3)
وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق ، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند ، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعاً أم خصماً.
قرر :
1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط : محرَّمة شرعاً ، من حيث الإصدار ، أو الشراء ، أو التداول ؛ لأنها قروض ربوية ، سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة ، أو عامة ترتبط بالدولة ، ولا أثر لتسميتها " شهادات " أو " صكوكاً استثمارية " أو " ادخارية " ، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها " ربحاً " أو " ريْعاً " ، أو " عمولة " أو " عائداً " .
2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري ، باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ، ويستفيد أصحابها من الفروق ، باعتبارها خصماً لهذه السندات .
3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز ، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع ، أو زيادة ، بالنسبة لمجموع المقرضين ، أو لبعضهم ، لا على التعيين ، فضلاً عن شبهة القمار .
4. من البدائل للسندات المحرمة – إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع ، أو نشاط استثماري معين ، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة ، أو نفع مقطوع ، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات ، أو الصكوك ، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلا .
ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم ( 5 ) للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة " انتهى .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98153
العنوان:
بيان في قنوات السحر والشعوذة والكهانة
السؤال:
انتشرت هذه الأيام قنوات تدعي أنها تعالج الناس من السحر عن طريق معرفة اسم الأم ومعلومات عن الشخص المصاب ، وكذلك معرفة المستقبل من خلال علم النجوم والطوالع –كما يدّعون - ، فما حكم مشاهدة هذه القنوات ؟
الجواب:
الحمد لله
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد..
ما تبثه هذه القنوات من علم السحر والشعوذة والكهانة من أعظم المنكرات ومن أعظم الفساد ، وإضلال الناس .(/1)
وهي علوم تقوم على الكذب والدجل ودعوى علم الغيب بما يدعونه من النظر في النجوم والطوالع كما يقولون ، أو مما يتلقونه من أصحابهم من شياطين الجن ، وقد لا تكون لهم خبرة في هذه العلوم الشيطانية ولكنهم يدعونها كذباً وزوراً لكسب المال ..وهذه العلوم لا تروج إلا على الجهال والمغفلين وضعفاء الدين..وقد ذم الله السحر والسحرة والكّهان كما قال الله تعالى : ( وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ، وقال : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) ، وقال تعالى في سحرة فرعون : ( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى كاهنا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ) وجاء في السنن : ( من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل عليهم بواسطة الهاتف الحكم واحد . وعلى هذا فيجب الحذر من مشاهدة هذه البرامج فمشاهدتها ولو لمجرد الفرجة حرام وأما الاتصال على أصحاب هذه البرامج لسؤالهم ففيه الوعيد المتقدم . ويجب على أولياء أمور الأسر منعهم من مشاهدتها أو الاتصال على هؤلاء السحرة والمشعوذين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ..) . ويجب على المسلمين التناصح والحذر والتحذير من التواصل مع هذه القنوات التي هَمَّ أصحابها كسب المال ولو من الحرام .. بل وأكثرهم يقصد(/2)
الفساد والإفساد ، فنقول : حسبنا الله ونعم الوكيل .
الموقعون :
فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك.
فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.(/3)
رقم السؤال:
98154
العنوان:
هل تقبل شهادة المرأة في رؤية هلال رمضان ؟
السؤال:
هل تقبل شهادة النساء في رؤية هلال رمضان ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في قبول شهادة المرأة في رؤية هلال رمضان على قولين :
الأول : قبول شهادتها ، وهو مذهب الحنفية – إذا كان الجو غيما- والحنابلة وأحد الوجهين عند الشافعية .
والقول الثاني : أنها لا تقبل ، وهو مذهب المالكية ، والأصح عند الشافعية .
قال ابن قدامة في "المغني" (3/48) : " فإن كان المخبر امرأة ، فقياس المذهب قبول قولها . وهو قول أبي حنيفة ، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي؛ لأنه خبر ديني . فأشبه الرواية ، والخبر عن القبلة ، ودخول وقت الصلاة . ويحتمل أن لا تقبل ؛ لأنه شهادة برؤية الهلال ، فلم يقبل فيه قول امرأة ، كهلال شوال " انتهى .
وينظر : "تبيين الحقائق" (1/319) ، "التاج والإكليل" (3/278) "المجموع" (6/286) ، "كشاف القناع " (2/304).
والحنفية فرقوا بين حال الغيم والصحو ، ففي الغيم يجزئ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وفي الصحو لابد من الاستفاضة . انظر : "البحر الرائق" (2/290).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " بعض العلماء قالوا : إن الأنثى لا تقبل شهادتها لا في رمضان ولا في غيره ؛ لأن الذي رأى الهلال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) والمرأة شاهدة وليست شاهدا .
ودليل المذهب : أن هذا خبر ديني يستوي فيه الذكور والإناث ، كما استوى الذكور والإناث في الرواية ، والرواية خبر ديني . ولهذا لم يشترطوا لرؤية هلال رمضان ثبوت ذلك عند الحاكم ، ولا لفظ الشهادة ، بل قالوا : لو سمع شخصا ثقة يحدث الناس في مجلسه بأنه رأى الهلال فإنه يلزمه أن يصوم بخبره " انتهى من "الشرح الممتع" (6/326).
وأما هلال شوال ، فلا يثبت إلا بشاهدين رجلين .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
98156
العنوان:
التعبد لله بالسجود المفرد
السؤال:
زميلي أخ ملتزم مواظب على الفرائض والسنن وجدته يسجد لله سجودا ليس هو سجود الصلاة ولا سجود السهو ولا سجود التلاوة ولا سجود الشكر وإنما هو سجود يفعله في أي زمن يشتهي وفي هذا السجود يذكر الله بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم : (أعني على نفسك بكثرة السجود ) فهل هذا السجود صحيح أم هو بدعة ؟
الجواب:
الحمد لله
الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يعبد الله إلا بما شرع ، وليس في الشريعة التعبد لله بالسجدة المفردة ، إلا أن تكون سجدة تلاوة أو سجدة شكر ، ولا يشرع غير هذا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2499) ومسلم (3242)، وفي لفظ له : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ).
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/565) : " لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر ففيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أحدهما ) : يجوز , قاله صاحب التقريب ( وأصحهما ) : لا يجوز , صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به الشيخ أبو حامد . قال إمام الحرمين : وكان شيخي - يعني أبا محمد - يشدد في إنكار هذا السجود ، واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع , فإنه لو تطوع بركوع مفردا كان حراما بالاتفاق ; لأنه بدعة ، وكل بدعة ضلالة إلا ما دل دليل على استثنائه , وسواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره " انتهى .(/1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة , فإن هذه بدعة , ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك . والعبادات مبناها على الشرع والاتباع , لا على الهوى والابتداع ; فإن الإسلام مبني على أصلين : أن لا نعبد إلا الله وحده , وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/242).
وقال ابن الحاج في "المدخل" (4/266) في إنكار السجدتين المفردتين بعد صلاة الرغائب : " الصلاة إنما يراد بها التقرب إلى الله تعالى ، والتقرب إنما يكون بالامتثال لا بالابتداع ولا بالمكروه ... والعلماء إنما أجازوا السجود المنفرد عن الصلاة في موضعين لا ثالث لهما : أحدهما : سجود التلاوة . والثاني : سجود الشكر على مذهب من يراه . وليست هاتان السجدتان منهما ; لأنه لم يرد ذلك عن السلف الماضين رضي الله عنهم " انتهى .
وليعلم أن الشيطان حريص على إيقاع العبد في البدعة ، لأمور :
منها أنه : لا يؤجر عليها .
ومنها : أنها تشغله عن فعل السنة ، مع ما فيها من الاستدراك على الشارع وكأن المبتدع هُدي إلى ما لم يهد إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وخلاصة الجواب : أن هذه السجدة غير مشروعة ويدل على ذلك :
1- أنها بدعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة )
2- قياساً على أنه لا يجوز التقرب إلى الله بركوع مفرد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98159
العنوان:
هل يجوز الأكل في مطاعم تقدِّم الخمور والخنزير ؟
السؤال:
هل يجوز لنا دخول مطاعم تقدِّم الخمر والأكل فيها ؟ علماً بأننا لا نرى الخمر ، ولا نرى أحداً يشرب أمامنا ، حيث إننا في فلسطين ، في بيت لحم ، وأكثر المطاعم هي للمسيحيين في المدينة ، وخصوصاً في الأعياد تكون مطاعم المسيحيين مفتوحة ومطاعم المسلمين مغلقة ، وصديقاتي يفضلن بعض المطاعم ، ولكني اكتشفت أنها تقدم الخمر ، فما رأيكم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
الأولى تسمية أولئك الكفار الذين جعلوا المسيح بن مريم إلهاً أو ابن الإله " نصارى " ، كما سماهم الله تعالى في كتابه ، فالمسيحيون هم أتباع المسيح عليه السلام الذين شهدوا له بالرسالة ، ولربهم تعالى بالألوهية والربوبية .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
شاع منذ زمن استخدام كلمة مسيحي , فهل الصحيح - يا سماحة الشيخ - أن يقال : " مسيحي " ، أو " نصراني " ؟ أفيدونا أثابكم الله .
فأجاب :
معنى " مسيحي " : نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام , وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه ، وهو بريء منهم , وقد كذبوا ، فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله ، ولكن قال عبد الله ورسوله ، فالأولى أن يقال لهم : " نصارى " ، كما سماهم الله سبحانه وتعالى , قال تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) الآية .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 416 ) .
ثانياً:
لا يجوز لكم دخول المطاعم التي تقدِّم في وجباتها أشياء محرمة كلحم الخنزير ، أو الخمور ؛ وذلك لعدة أسباب :
1. أن تلك المطاعم فيها منكرات ظاهرة ، وليست ثمة ضرورة لدخول مكان يُعصى فيه الله تعالى بتقديم أطعمة وأشربة نصَّ الله على تحريمها ، وأجمع المسلمون على القول بالحرمة .(/1)
2. الأصل في المسلم أن ينكر المنكر الذي يراه بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وإذا كنتم عاجزين عن الإنكار باليد واللسان : فإنكم غير عاجزين عن الإنكار بالقلب ، ومن مقتضى الإنكار بالقلب : مفارقة مكان المعصية ، وهذا لا يلتقي مع فعلكم في الذهاب والجلوس في مكان المعصية .
قال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء/140 .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) . رواه مسلم ( 49 ) .
3. أنكم قد تأكلون طعاماً لا تستطيعون الجزم بأنه حلال ؛ وذلك من وجهين :
أ. تقديم لحوم غير مباحة في الشرع ، أو وضع شيء من طعامهم وشرابهم المحرَّم في طعامكم المباح .
ب. عدم غسل أوانيهم التي يطبخون فيها لهم ولكم ، وقد تكون تحتاج لغسل بسبب مخالطة المواد المحرمة أو النجسة لها .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما حكم الأكل في آنية الكفار ؟ .
فأجاب :(/2)
قال عليه الصلاة والسلام ( لا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ) ، وقال عليه الصلاة والسلام ذلك من أجل أن يبتعد المسلم عن مخالطة الكفار , وإلا : فالطَّاهر منها طاهر, يعني : لو طهي فيها الطعام , أو غيره : فهي طاهرة , لكن النبي صلي الله عليه وسلم أراد أن لا نخالطهم , وألا تكون أوانيهم أواني لنا , فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ) , وكلما ابتعد الإنسان عن الكفار : فهو خير ، ولا شك .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 15 / جواب السؤال رقم 1181 ) .
وانظر تفصيلاً وافياً لهذا في جواب السؤال رقم ( 65617 ) .
4. أن في تناولكم للطعام في تلك المطاعم تزكية لها ، وقد يأتيها بعض المسلمين بناء على هذا فتضعف نفوسهم فيتناولون المحرمات فيها ، أو – على الأقل – يظنون جواز الأكل والشرب في آنيتهم ، أو بإضافة القليل من المحرمات في الطعام .
5. أن في الأكل في تلك المطاعم مخالطة للكفار ، وتكثيراً لسوادهم .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما هو رأي الدين في دخول " بار " يعني : مطعم ومشرب ، يحتوي البار على المأكولات والمشروبات الروحية ، وكان الهدف هو تناول الطعام فقط ؟ .
فأجاب :
هذا السؤال يتضمن شقين :
الشق الأول : هذه التسمية الباطلة للشراب الخبيث ، وهو الخمر ، فإن تسميته بالشراب الروحي تسمية باطلة ، فأي شيء هو للروح ؟ بل هو الشراب الخبيث المفسد للعقل والدين والنفس ، ولا ينبغي مثل هذا أن يُوصف بهذا الوصف الجذاب الذي يضفي عليه ثوب المشروعية ، بل ثوب الترغيب والدعوة إليه ، لهذا ينبغي أن نسميه الشراب الخبيث ، بل هو أم الخبائث ، ومفتاح كل شر .(/3)
والشق الثاني : دخوله هذا المطعم الذي تدار فيه كؤوس الخمر ، وهذا لا يجوز ، بل هو محرَّم ؛ لأن الإنسان الذي يأتي إلى مكان يُعصى فيه الله عز وجل : فإنه يُكتب له مثل إثم الفاعل ، قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) .
ولكن إذا كنت في ضرورة - ولا أعتقد أن تكون في ضرورة - إلى أن تتناول طعامك من هذا المكان المشتمل على الخبائث : إن كنت في ضرورة : فاشترِ طعاماً ، وابتعد عن هذا المكان ، وكلْه ، وإن كنتَ تجد طعاماً آخر من مكان آخر لا يشتمل على هذا الخبيث : فإن ذلك هو الواجب عليك .
" فتاوى نور على الدرب " / البيوع .
وبالنسبة لحال السائلة ، فلا يظهر لنا أنها في حال الضرورة ، بل ولا في حال الحاجة إلى هذه المطاعم ، فما حاجة الإنسان – وهو في بلده – إلى الأكل من المطاعم ، أصلا؟!
ثم إن قدر أن الإنسان خارج بيته ، واحتاج إلى طعام ، فيمكنه الاستغناء بشيء من المأكولات اليسيرة والتي تباع في البقالات العادية ، يتقوت بها إلى أن يرجع إلى بيته ، فيأخذ حاجته من الطعام !!
إن دين المسلم أعز عليه من كل غال ونفيس ، ويبذل – دونه – روحه ودمه ، فهل يليق به أن يجعله رهينة لكل عارض وشهوة يبحث – من أجلها- عن الترخص في دينه ، او التلاعب بأحكامه ، حتى ولو كان عارض الأنس مع الصديقات ؟!
( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة/229 ،
( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32 .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
98189
العنوان:
صفة كفن المرأة
السؤال:
كيف تكفن المرأة إذا ماتت ؟
الجواب:
الحمد لله
اتفقت المذاهب ( الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية ) على أن المستحب أن تكفن المرأة في خمسة أثواب .
انظر : "بدائع الصنائع" ( 2/325) , "مواهب الجليل" ( 2/266) , "المجموع" ( 5/161) , "المغني" ( 3/390) , "المحلى" ( 5/120 ) .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ .
"المغني" ( 3/391 ) .
وقال عطاء : تكفن المرأة في ثلاث أثواب . رواه عبد الرزاق في "المصنف" (3/273) .
وجمهور العلماء على أن تفصيل هذه الخمسة هي : إزار وخمار وقميص ولفافتان تلف فيهما .
وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة .
انظر : "مواهب الجليل" ( 2/266) , "المجموع" (5/162) , "المغني" ( 3/392) .
واستدلوا بما رواه أبو داود (3157) عن لَيْلَى بِنْتَ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةَ قَالَتْ : كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ , قَالَتْ : وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا ) ضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (723) .
وهذا الحديث له شاهد رواه الجوزقي عن أم عطية رضي الله عنها قالت : ( فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي ) قال الحافظ : إسناده صحيح . "فتح الباري" ( 3/159) .(/1)
قال ابن قدامة : " وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ فِي حَالِ حَيَاتِهَا عَلَى الرَّجُلِ فِي السَّتْرِ لِزِيَادَةِ عَوْرَتِهَا عَلَى عَوْرَتِهِ , فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى .
انظر : "المغني" ( 3/391) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : كيف يكفن الرجل وكيف تكفن المرأة ؟
فأجاب : " الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة , هذا هو الأفضل , والمرأة تكفن في خمس قطع : إزار وقميص وخمار ولفافتين , وإن كفن الميت في لفافة واحدة ساترة جاز سواء كان رجلاً أو امرأة , والأمر في ذلك واسع " .
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/127) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ( 3/363) : " والمرأة يبدأ تكفينها بالإزار على العورة وما حولها , ثم قميص على الجسد , ثم القناع على الرأس وما حوله , ثم تلف بلفافتين " انتهى .
الشيخ : عبد العزيز بن باز , الشيخ : عبد الرازق عفيفي , الشيخ : عبد الله غديان , الشيخ : عبد الله بن قعود .
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع : " وقد جاء في جعل كفن المرأة خمسة أثواب حديث مرفوع ، إلا أن في إسناده نظراً ؛ لأن فيه راوياً مجهولاً ، ولهذا قال بعض العلماء : إن المرأة تكفن فيما يكفن به الرجل ، أي : في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض .
وهذا القول إذا لم يصح الحديث هو الأصح ؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية ، إلا ما دلّ الدليل عليه ، فما دلّ الدليل على اختصاصه بالحكم دون الآخر ، خص به وإلا فالأصل أنهما سواء .
وعلى هذا فنقول : إن ثبت الحديث بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فهو كذلك ، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام ، إلا ما دلّ عليه الدليل " انتهى .
"الشرح الممتع" (5/224) .(/2)
رقم السؤال:
98193
العنوان:
انتقال المرأة للاعتداد في بلد آخر خوفا على نفسها
السؤال:
امرأة ببغداد قتلوا زوجها لأن اسمه " عمر " واستولوا على منزله ، وأهل زوجها يريدون السفر بأولادها إلى سوريا ن فهل يجوز لها أن تذهب معهم أو يجب عليها أن تكمل فترة العدة في بغداد ، مع العلم أنها تخشى على نفسها وعلى أولادها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يعز الإسلام وأهله ، وأن يخفف عن إخواننا في العراق ، ويلطف بهم ، ويجبر كسرهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
ونسأل الله تعالى أن يكف شر أولئك المنافقين المجرمين عن إخواننا المسلمين وأن يجعل الدائرة عليهم ، وأن ينزل بهم بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين .
ثانيا :
الأصل أن تعتد المرأة في البيت الذي جاءها فيه نعي زوجها ، لما روى أصحاب السنن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفريعة بنت مالك رضي الله عنها : ( امْكُثِي فِي بَيْتِكِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) أبو داود (2300) والترمذي (1204) والنسائي (200) وابن ماجه (2031) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه .
لكن إن خشيت على نفسها من البقاء فيه ، لوجود عدو ونحوه ، جاز لها الانتقال للاعتداد في مكان آخر أو بلدة أخرى .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها : عمر وعثمان رضي الله عنهما ، وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة ، وبه يقول : مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق . وقال ابن عبد البر : وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ".
ثم قال : " فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك ...فلها أن تنتقل ؛ لأنها حال عذر ، ....ولها أن تسكن حيث شاءت " . انتهى من "المغني" (8/127) باختصار .(/1)
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم المرأة التي مات زوجها في مسكنها وهي تريد أن تكمل العدة في مدينة أخرى نظرا لعدم وجود من يقوم بمسئوليتها في المدينة التي مات فيها زوجها ؟
فأجابوا : : إذا كان الواقع كما ذكر من أنها لا يوجد في البلد الذي مات فيه زوجها من يقوم بمسئولياتها وشئونها ، ولا تستطيع أن تقوم هي بشئون نفسها شرعا جاز لها أن تنتقل إلى بلد آخر تأمن فيه على نفسها ، وتجد فيه من يقوم بشئونها شرعا " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/463).
وجاء فيها أيضا (20/473) : " إذا كان تحول أختك المتوفى عنها زوجها من بيت الزوجية إلى بيت آخر في أثناء عدة الوفاة للضرورة ، كأن تخاف على نفسها من البقاء فيه وحدها ، فلا بأس بذلك ، وتكمل عدتها في البيت الذي انتقلت إليه " انتهى .
وعليه فلا حرج على هذه المرأة في الانتقال إلى سوريا ، وتكمل عدتها هناك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
98194
العنوان:
حكم الحلف بالمصحف ، وكفارة الحنث فيه
السؤال:
حلفت في المصحف ، مع وضع يدي عليه ، ولم أستطع الوفاء بالقسم هل من كفارة؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا تنعقد اليمين إلا إذا كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته .
والحلف بالقرآن ، حلفٌ بكلام الله تعالى الذي هو صفة من صفاته ، وأما الحلف بالمصحف ، فإن أراد ما فيه من كلام الله ، فهي يمين مشروعة ، وإن أراد الورق والمداد ، فهذا حلف بغير الله تعالى ، وهو شرك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ولهذا كان الأولى ألا يحلف الإنسان بالمصحف ، لأن المصحف فيه كلام الله ، وفيه المداد والورق .
وأما وضع اليد على المصحف أو داخله ، فهذا أمر محدث ، ويفعله بعض الناس للتغليظ والتشديد ليتهيب الحالف من الكذب .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " عن حكم الحلف على المصحف ؟ .
فأجاب رحمه الله تعالى : الحلف والقسم لا يجوز إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته ، فإذا حلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى فإنه لا حاجة إلى أن يأتي بالمصحف ليحلف عليه ، فالحلف على المصحف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ، حتى بعد تدوين المصحف ؛ لم يكونوا يحلفون على المصحف ، بل يحلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى بدون أن يكون ذلك على المصحف " انتهى بتصرف من "فتاوى نور على الدرب".
وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي" : " 2- وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو الإنجيل أو غيرهما ليس بلازم لصحة القسم ، لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين ليتهيب الحالف من الكذب .(/1)